نتائج البحث عن (رشيد الدين)

1-القاموس المحيط (شبذ)

شَبَذُ، محركةً: ة بأبِيوَرْدَ، منها: الحافِظُ رَشِيدُ الدِّينِ أبو بَكْرٍ أحْمَدُ بنُ أبي المَجْدِ إبْراهِيمَ الخالِدِيُّ الشَّبَذِيُّ، وحَفِيدُهُ العَلاَّمَةُ شَمْسُ الدِّينِ إبْراهيمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وابْنُهُ العَلاَّمَةُ يَحْيَى.

القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م


2-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (الحشاشون-الحركات الباطنية)

الحشاشون

التعريف:

الحشاشون: طائفة إسماعيلية فاطمية نزارية مشرقية، انشقت عن الفاطميين لتدعو إلى إمامة نزار بن المستنصر بالله ومن جاء مِن نسله. أسسها الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة آلموت في فارس مركزًا لنشر دعوته وترسيخ أركان دولته.

وقد تميزت هذه الطائفة باحتراف القتل والاغتيال لأهداف سياسية ودينية متعصبة. وكلمة الحشاشين: Assassin دخلت بأشكال مختلفة في الاستخدام الأوروبي بمعنى القتل خلسة أو غدرًا أو بمعنى القاتل المحترف المأجور.

التأسيس وأبرز الشخصيات:

الحسن بن الصباح: ولد بالري عام 430هـ ونشأ نشأة شيعية ثم اتخذ الطريقة الإسماعيلية الفاطمية وعمره 17 سنة، وفي عام 471هـ/1078م ذهب إلى إمامه المستنصر بالله حاجًّا، وعاد بعد ذلك لينشر الدعوة في فارس، وقد احتل عددًا من القلاع أهمها قلعة آلموت 483هـ التي اتخذها عاصمة لدولته.

ـ في عهده مات الإمام المستنصر بالله 487هـ/1094م وقام الوزير بدر الجمالي بقتل ولي العهد والابن الأكبر "نزار" لينقل الإمامة إلى الابن الأصغر "المستعلي" الذي كان في الوقت نفسه ابن أخت الوزير. وبذلك انشقت الفاطمية إلى نزارية مشرقية، ومستعلية مغربية.

ـ أخذ الحسن بن الصباح يدعو إلى إمامة نزار، مدعيًّا أن الإمامة قد انتقلت إلى حفيدٍٍ لنزار أحضر سرًّا إلى آلموت وأنه طفل جرى تهريبه من مصر إلى فارس، أو أن محظية لنزار كانت حاملًا منه أُخذت إلى آلموت حيث وضعت حملها. وبقي أمر هذا الإمام الجديد طي الكتمان.

ـ توفي الحسن الصباح عام 518هـ/1124م من غير سليل لأنه كان قد أقدم على قتل ولديه أثناء حياته! !

كيابزرك آميد: حكم من 518هـ/1124م إلى سنة 532هـ/1138م: كان أول أمره قائدًا لقلعة الاماسار لمدة عشرين سنة، وخلال فترة حكمه دخل في عدة معارك مع جيرانه السلاجقة، كما أنه كان أكثر تسامحًا وسياسة من الحسن الصباح.

محمد كيابزرك آميد: حكم من سنة 532هـ/1138م إلى سنة 557هـ/1162م: كان يهتم بالدعوة للإمام، كما كان يفرض الاحترام الخارجي للفرائض الإسلامية، فقد أقدم على قتل كثير من أتباعه ممن اعتقدوا بإمامة ابنه وطرد وعذب آخرين.

الحسن الثاني بن محمد: حكم من 557هـ/1162م إلى سنة 561هـ/1166م: أعلن في شهر رمضان 559هـ قيام القيامة، وأنهى الشريعة، وأسقط التكاليف وأباح الإفطار، ثم أقدم بعد ذلك على خطوة أخطر وذلك بأن ادعى بأنه من الناحية الظاهرية حفيد لكيابزرك ولكنه في الحقيقة إمام العصر وابن الإمام السابق من نسل نزار.

محمد الثاني بن الحسن الثاني: من 561هـ/ 1166م إلى 607هـ/1210م: طور نظرية القيامة ورسخها، وقد ساعده على ذلك انحلال هيمنة السلاجقة في عهده وضعفهم وظهور التركمان وبداية التوسع التركي.

جلال الدين الحسن الثالث بن محمد الثاني: من 607هـ/1210م إلى 618هـ/ 1221م: رفض عقائد آبائه في القيامة، ولعنهم وكفَّرهم، وأحرق كتبهم وجاهر بإسلامه، وقام بوصل حباله مع العالم الإسلامي فقد أرسل إلى الخليفة العباسي الناصر لدين الله وإلى السلطان السلجوقي خوارزم شاه والملوك والأمراء يؤكد لهم صدق دعوته إلى التعاليم الإسلامية، ففرحت البلاد الإسلامية بذلك وصار أتباعه يعرفون بالمسلمين الجدد.

محمد الثالث بن الحسن الثالث (وبعض الكتب تسميه علاء الدين محمود): كان حكمه من سنة 1121م إلى سنة 1225م: خلف أباه وعمره 9 سنوات، وظل وزير أبيه حاكمًا لآلموت، وقد عاد الناس في عهده إلى المحرمات، وارتكاب الخطايا والإلحاد. حكم الصبي خمس أو ست سنوات ثم أصيب بلوثة عقلية، فانتشرت السرقة واللصوصية وقطع الطرق والاعتداءات.

ركن الدين خورشاه: 1255م/ 1258م: قاد هولاكو حملة سنة 1256م وكان هدفه قلاع الإسماعيلية، وما زال يتقدم حتى استسلم له ركن الدين وسلمه قلعة آلموت وأربعين قلعة وحصنًا كلها سويت بالأرض، فاستقبله هولاكو بترحاب وزوجه فتاة مغولية، وفي عام 1258م انتهى منه بقتله غيلة، وبذلك انتهت دولة الحشاشين سياسيًّا في فارس.

شمس الدين محمد بن ركن الدين: تقول روايات الإسماعيليين بأن ركن الدين قد أخفى ابنه شمس الدين محمد الذي هرب من بطش هولاكو متنكرًا إلى جهة ما بجنوب القوقاز، ثم استقرت في قرية أنجودا على الطريق بين أصفهان وهمدان. وبقي فيها إلى أن مات في النصف الأول من القرن الثامن للهجرة وكان من عقبه سلسلة من الأئمة في القرن التاسع عشر، ومنهم ظهرت أسرة أغاخان. انقسم الحشاشون بعد شمس الدين إلى قسمين:

ـ بعضهم نادى بإمامة محمد شاه واعترفوا به وبالأئمة من نسله حتى انقطعت سلسلتهم في منتصف القرن العاشر الهجري وكان آخرهم الإمام ظاهر شاه الثالث المعروف (بالدكنى) والذي هاجر إلى الهند وتوفي هناك حوالي سنة 950هـ وانقطع هذا الفرع على الرغم من وجود أتباع له إلى الآن في مصياف والقدموس بسوريا.

ـ وأصحاب الفرع الثاني اعتقدوا بإمامة قاسم شاه، وهؤلاء يشكلون العدد الأكبر من هذه الطائفة وقد هاجروا إلى أعالي نهر جيحون.

الحشاشون في بلاد الشام:

ـ ظهر لهم في بلاد الشام عدد من القادة مثل بهرام الاسترابادي، والداعي إسماعيل الفارسي، وقد استفادوا من استمالة رضوان بن تتش والي حلب إلى مذهبهم، فوفد إليها عدد كبير من إسماعيلية فارس مما قوى شوكتهم في بلاد الشام.

ـ أبرز شخصياتهم في الشام هو شيخ الجبل سنان بن سليمان بن محمود المعروف برشيد الدين الذي نشأ في البصرة، وتلقى علومه في قلعة آلموت وكان زميلًا لولي العهد الحسن بن محمد الذي أمره بالرحيل إلى بلاد الشام عندما صار الأمر إليه.

ـ انتقل إلى بلاد الشام وجمع الإسماعيلية حوله وصار لهم نفوذ وسلطان، واعترف الناس بإمامته غير أنهم عادوا بعد موته إلى طاعة الأئمة بآلموت وقد كان شخصًا مخيفًا وهم يذكرونه على أنه أعظم شخصياتهم على الإطلاق.

ـ خلفه أمراء ضعاف مما سهل إنهاءهم والقضاء عليهم على يد الظاهر بيبرس.

ـ من قلاعهم في بلاد الشام: قلعة بانياس، حصن قدموس، حصن مصياف، الكهف، الخوابي، المنيقة، القليعة.

ـ امتلكوا عددًا من القلاع، وقاوموا الزنكيين، وحاولوا اغتيال صلاح الدين الأيوبي عدة مرات.

ـ ومما يؤكد تعاونهم مع الصليبيين:

1 ـ عدم وقوع صليبي واحد من الغزاة أسيرًا في أيديهم أو مقتولًا بسلاح أحدهم.

2 ـ قاتلهم حاكم الموصل السلجوقي الذي حضر إلى دمشق لمساعدة إخوانه المسلمين في رد هجمات الصليبيين.

3 ـ قيامهم بتسليم قلعة بانياس ولجوء قائدها إسماعيل إلى الصليبيين حيث مات عندهم.

4 ـ اشتراك كتيبة من الإسماعيليين مع الصليبيين في أنطاكية بعد أن احتل نور الدين حلب.

الأفكار والمعتقدات:

تلتقي معتقداتهم مع معتقدات الإسماعيلية عامة من حيث ضرورة وجود إمام معصوم ومنصوص عليه وبشرط أن يكون الابن الأكبر للإمام السابق.

كل الذين ظهروا من قادة الحشاشين إنما يمثلون الحجة والداعية للإمام المستور باستثناء الحسن الثاني وابنه فقد ادعيا بأنهما إمامان من نسل نزار.

إمام الحشاشين بالشام رشيد الدين سنان بن سليمان قال بفكرة التناسخ فضلًا عن عقائد الإسماعيلية التي يؤمنون بها، كما ادعى أنه يعلم الغيب.

الحسن الثاني بن محمد: أعلن قيام القيامة، وألغى الشريعة، وأسقط التكاليف.

الحج لديهم ظاهره إلى البيت الحرام وحقيقته إلى إمام الزمان ظاهرًا أو مستورًا.

كان شعارهم في بعض مراحلهم (لا حقيقة في الوجود وكل أمر مباح).

كانت وسيلتهم الاغتيال المنظم، وذلك من طريق تدريب الأطفال على الطاعة العمياء والإيمان بكل ما يلقى إليهم، وعندما يشتد ساعدهم يدربونهم على الأسلحة المعروفة ولا سيما الخناجر، ويعلمونهم الاختفاء والسرية وأن يقتل الفدائي نفسه قبل أن يبوح بكلمة واحدة من أسرارهم. وبذلك أعدوا طائفة الفدائيين التي أفزعوا بها العالم الإسلامي آنذاك.

كانوا يمتنعون في سلسلة من القلاع والحصون، فلم يتركوا في منطقتهم مكانًا مشرفًا إلا أقاموا عليه حصنًا، ولم يتركوا قلعة إلا ووضعوا نصب أعينهم احتلالها.

يقول عنهم المؤرخ كمال الدين بن العديم: في عام 572هـ/1176م "انخرط سكان جبل السماق في الآثام والفسوق وأسموا أنفسهم المتطهرين، واختلط الرجال والنساء في حفلات الشراب ولم يمتنع رجل عن أخته أو ابنته، وارتدت النساء ملابس الرجال، وأعلن أحدهم بأن سنانًا هو ربه".

الجذور الفكرية والعقائدية:

أصولهم البعيدة شيعية ثم إسماعيلية.

كان القتل والاغتيال وسيلة سياسية ودينية لترسيخ معتقداتهم ونشر الخوف في قلوب أعدائهم.

فكرة التناسخ التي دعا إليها رشيد الدين سنان مأخوذة عن النصيرية.

الانتشار ومواقع النفوذ:

انطلقت دعوتهم من كرمان ويزد إلى أواسط إيران وأصفهان ثم خوزستان ثم هضبة الديلم واستقرت في قلعة آلموت، وشرقًا وصلوا ما زندران ثم قزوين واحتلوا منطقة رودبار ولاماسار وكوهستان.. واحتلوا كثيرًا من القلاع وامتدوا إلى نهر جيحون.

وصلت دعوتهم إلى سوريا، وامتلكوا القلاع والحصون على طول البلاد وعرضها ومن قلاعهم بانياس ومصياف والقدموس والكهف والخوابي وسلمية.

كان زوالهم في إيران على يد هولاكو المغولي وفي سوريا على يد الظاهر بيبرس.

لهم أتباع إلى الآن في إيران، وسوريا، ولبنان، واليمن، ونجران، والهند، وفي أجزاء من أواسط ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي في السابق.

ويتضح مما سبق:

أن الحشاشين جناح من الإسماعيلية (النزارية) اتخذوا القتل وسيلة لهم وقاموا بحركة اغتيالات واسعة شملت كبار الشخصيات المناوئة للإسماعيليين من ملوك وقادة جيوش وكل من يظهر خصومة لهم، وقد أفتى العلماء باستباحة دمائهم ووجوب تنظيف الأرض من دنسهم وعدم جواز أكل ذبيحتهم أو عقد صداقات معهم.

مراجع للتوسع:

ـ الإسماعيلية تاريخ وعقائد، إحسان إلهي ظهير.

ـ مشكاة الأنوار، يحيى بن حمزة العلوي.

ـ فضائح الباطنية، لأبي حامد الغزالي.

ـ الحشاشون، تأليف برنارد لويس وتعريب محمد العزب موسى، دار المشرق العربي الكبير، بيروت، طـ1، 1400هـ/1980م.

ـ طائفة الإسماعيلية: تاريخها، نظمها، عقائدها، د. محمد كامل حسين.

ـ إسلام بلا مذاهب، د. مصطفى الشكعة.

ـ أصول الإسماعيلية والفاطمية والقرمطية، برنارد لويس.

الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م


3-موسوعة الفقه الكويتية (محاباة 1)

مُحَابَاةٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْمُحَابَاةُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ حَابَى، يُقَالُ: حَابَاهُ مُحَابَاةً وَحِبَاءً: اخْتَصَّهُ وَمَالَ إِلَيْهِ وَنَصَرَهُ.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: الْمُحَابَاةُ هِيَ النُّقْصَانُ عَنْ قِيمَةِ الْمِثْلِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْبَيْعِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى قِيمَتِهِ فِي الشِّرَاءِ.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُحَابَاةِ:

الْمُحَابَاةُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ:

أَوَّلًا: الْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ

أ- الْمُحَابَاةُ مِنَ الصَّحِيحِ:

2- الْمُحَابَاةُ مِنَ الصَّحِيحِ غَيْرِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا اسْتِحْقَاقُ الْمُتَبَرَّعِ لَهُ بِهَا مِنْ جَمِيعِ مَالِ الْمُحَابِي، إِنْ كَانَ صَحِيحًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ تُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ فَيُعْتَبَرُ حَالَ التَّعَاقُدِ فَإِذَا كَانَ الْمُحَابِي صَحِيحًا حِينَئِذٍ فَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ، فَتُؤْخَذُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ لَا مِنَ الثُّلُثِ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ إِذَا كَانَتْ مِنَ الصَّحِيحِ، فَإِمَّا أَنْ يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ قَبْضًا مُعْتَبَرًا شَرْعًا أَمْ لَا، فَإِنْ قَبَضَهَا قَبْضًا مُعْتَبَرًا فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَرْجَحُهُمَا اخْتِصَاصُ الْمُشْتَرِي بِهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْوَرَثَةِ أَوِ الدَّائِنِينَ.

وَإِنْ لَمْ يَقَعْ قَبْضٌ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ:

أَحَدُهَا: يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ وَيُرَدُّ إِلَى الْمُشْتَرِي مَا دَفَعَ مِنْ ثَمَنٍ وَهَذَا هُوَ مَا فِي الْوَاضِحَةِ عَنِ الْأَخَوَيْنِ وَأَصْبَغَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.

ثَانِيهَا: يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ مِنَ الْمَبِيعِ وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مِنَ الْمَبِيعِ بِقَدْرِ ثَمَنِهِ.

وَثَالِثُهَا: يُخَيَّرُ فِي تَمَلُّكِ جُزْءٍ مِنَ الْمَبِيعِ بِقَدْرِ ثَمَنِهِ وَفِي أَنْ يَدْفَعَ بَقِيَّةَ الثَّمَنِ فَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الْمَبِيعِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْمُحَابَاةِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ، وَتَمَامُهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، مِثْلُ مَا إِذَا بَاعَ بِمُحَابَاةٍ عَلَى أَنَّ لَهُ خِيَارَ الْفَسْخِ خِلَالَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَمَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ فِي مَرَضٍ طَرَأَ عَلَيْهِ خِلَالَهَا وَمَاتَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْمُحَابَاةِ مِنْ جَمِيعِ مَالِ الْمُحَابِي لَا مِنَ الثُّلُثِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ بَاعَ بِمُحَابَاةٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ مَرِضَ وَأَجَازَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ تَرَكَ الْفَسْخَ فِيهَا عَامِدًا، إِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِيهَا لِلْبَائِعِ فَمِنَ الثُّلُثِ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمُحَابَاةِ، لِأَنَّهُ أَلْزَمَ الْعَقْدَ فِي الْمَرَضِ بِاخْتِيَارِهِ فَأَشْبَهَ مَنْ وَهَبَ فِي الصِّحَّةِ وَأَقْبَضَ فِي الْمَرَضِ، وَإِلاَّ فَكَمَنِ اشْتَرَى شَيْئًا بِمُحَابَاةٍ ثُمَّ مَرِضَ وَوَجَدَهُ مَعِيبًا وَلَمْ يَرُدَّهُ مَعَ الْإِمْكَانِ، فَلَا يُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَفْوِيتٍ بَلِ امْتِنَاعٌ مِنَ الْكَسْبِ فَقَطْ.

ب- الْمُحَابَاةُ مِنَ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِغَيْرِ وَارِثِهِ

3- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُحَابَاةُ وَلَوْ يَسِيرَةً مِنَ الْمَرِيضِ الْمَدِينِ بِدَيْنِ يُحِيطُ بِكُلِّ مَالِهِ لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِأَجْنَبِيٍّ- أَيْ غَيْرِ وَارِثٍ لَهُ- سَوَاءٌ أَجَازَتِ الْوَرَثَةُ الْمُحَابَاةَ أَمْ لَا، وَيَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ أَنْ يُزِيلَ الْمُحَابَاةَ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ إِلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَرِيضِ دَيْنٌ تَجُوزُ الْمُحَابَاةُ وَلَوْ فَاحِشَةً لَكِنْ تَكُونُ فِي ثُلُثِ مَالِهِ تُؤْخَذُ مِنْهُ إِنْ وَسِعَهَا بِأَنْ كَانَتِ الْمُحَابَاةُ مُسَاوِيَةً لِلثُّلُثِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، أَمَّا إِنْ كَانَتِ الْمُحَابَاةُ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ إِلاَّ إِذَا أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ.

وَإِنْ لَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي- عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- أَنْ يُكْمِلَ بَقِيَّةَ الثَّمَنِ أَوْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يُكْمِلَ بَقِيَّةَ الثَّمَنِ وَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الْمَبِيعِ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا دَفَعَ وَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ.

وَثَانِيهَا: يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُكْمِلَ بَقِيَّةَ الثَّمَنِ فَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الْمَبِيعِ، فَإِذَا أَبَى فَلَهُ مَا يُقَابِلُ ثَمَنَهُ مِنَ الْمَبِيعِ وَثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ.

وَثَالِثُهَا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكْمِلَ جَبْرًا عَلَى الْوَرَثَةِ، وَيَكُونُ لَهُ مَا يُقَابِلُ ثَمَنَهُ مِنَ الْمَبِيعِ مَعَ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَالْإِجَازَةِ فِي الثُّلُثِ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنَ الثَّمَنِ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنِ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي فَسْخَ الْبَيْعِ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنِ اخْتَارَ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ وَلُزُومَهُ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الصَّحِيحُ عِنْدِي- فِيمَا إِذَا بَاعَ الْمَرِيضُ عَقَارًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ قِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ بِعَشَرَةِ- أَنَّهُ يَأْخُذُ نِصْفَ الْمَبِيعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مُقَابَلَةَ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَخْذِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي ثُلُثَيِ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الثُّلُثَ بِالْمُحَابَاةِ وَالثُّلُثَ الْآخَرَ بِالثَّمَنِ.

ج- الْمُحَابَاةُ مِنَ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِوَارِثِهِ

4- إِنْ كَانَتِ الْمُحَابَاةُ مِنَ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِوَارِثِهِ فَلَا تَجُوزُ إِلاَّ إِذَا أَجَازَهَا بَاقِي الْوَرَثَةِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْمُحَابَاةُ يَسِيرَةً أَوْ فَاحِشَةً لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ فِي الْمَرَضِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ لَا تَجُوزُ إِلاَّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، اتَّفَقَ عَلَى هَذَا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ.

إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمُحَابَاةَ لِوَارِثٍ أَوْ لِغَيْرِ وَارِثٍ تَجُوزُ إِذَا كَانَتْ يَسِيرَةً- أَيْ يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ- وَيَحْسَبُ مِنْ جَمِيعِ مَالِ الْمَرِيضِ كَبَيْعِهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: تَبْطُلُ الْمُحَابَاةُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ مِنَ الْمَبِيعِ، وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا عَدَا قَدْرَ الْمُحَابَاةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا:

لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بَذَلَ الثَّمَنَ فِي كُلِّ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي بَعْضِهِ.

الثَّانِي: يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَيَصِحُّ فِيمَا يُقَابِلُ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى بَيْنَهُمَا، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ مَا يُقَابِلُ الثَّمَنَ، لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ.

الثَّالِثُ: يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَنْفُذُ إِلاَّ بِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ صَحِيحَةٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَتَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ، فَإِنْ أَجَازُوا الْمُحَابَاةَ صَحَّ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي.

وَإِنْ لَمْ يُجِزْ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ الْمُحَابَاةَ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يُخَيَّرُ الْوَارِثُ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ بِإِكْمَالِ الثَّمَنِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ، وَيَصِحُّ فِيمَا بَقِيَ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ مَا بَقِيَ بَعْدَ قَدْرِ الْمُحَابَاةِ.

وَلِلْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَنْقُولَةٍ كُلُّهَا عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ:

نَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالْمُحَابَاةُ، وَيَرُدُّ لَهُ مَا دَفَعَ مِنَ الثَّمَنِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ أَنَّهُ تَبْطُلُ الْمُحَابَاةُ فَقَطْ، وَيَكُونُ لِلْوَارِثِ مِنَ الْمَبِيعِ بِقَدْرِ مَا دَفَعَ مِنَ الثَّمَنِ.

وَنُقِلَ عَنْهُ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ أَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يُكْمِلَ الثَّمَنَ، وَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الْمَبِيعِ جَبْرًا عَلَى الْوَرَثَةِ.

وَرَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنَ الْمُشْتَرِي (الْوَارِثِ) بَقِيَّةَ الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْمُحَابَاةُ وَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الْمَبِيعِ، قَالَ صَاحِبُ الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ: وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَكُونَ لَهُ جَمِيعُ الْمَبِيعِ جَبْرًا عَلَيْهِ.

وَالْعِبْرَةُ فِي قِيمَةِ الْمُحَابَاةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَوْمُ فِعْلِهَا، فَيُنْظَرُ إِلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ يَوْمَ الْبَيْعِ لَا يَوْمَ يَمُوتُ الْبَائِعُ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ لِوَارِثٍ أَوْ غَيْرِ وَارِثٍ.وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ، فَيَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ، فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ نَقَصَتْ فَإِنَّمَا طَرَأَ ذَلِكَ عَلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ لَغْوًا لَا اعْتِبَارَ لَهُ وَلَا يَعْتَدُّ بِهِ.

د- الْمُحَابَاةُ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ

5- الْمُحَابَاةُ كَمَا تَكُونُ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ تَكُونُ فِي عَيْنِهِ حَتَّى لَوْ تَمَّ بَيْعُهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَخْتَارَ الْبَائِعُ الْمَرِيضُ أَفَضْلَ مَا عِنْدَهُ مِنْ عَقَارٍ أَوْ مَنْقُولٍ، كَتُحْفَةٍ نَادِرَةٍ، فَيَبِيعُهُ لِوَارِثِهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ.وَهَذِهِ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةِ، لِأَنَّ الْمَرِيضَ مَمْنُوعٌ مِنْ إِيثَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِالْعَيْنِ، لِأَنَّ النَّاسَ لَهُمْ أَغْرَاضٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَمْلِكُ إِيثَارَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِهَا.وَتَجُوزُ إِنْ كَانَ صَحِيحًا، أَوْ مَرِيضًا وَبَاعَهَا لِأَجْنَبِيٍّ.

هـ- مُحَابَاةُ الصَّبِيِّ

6- الْمُحَابَاةُ سَوَاءٌ كَانَتْ يَسِيرَةً أَمْ فَاحِشَةً لَا تَجُوزُ مِنَ الصَّبِيِّ حَتَّى وَلَوْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فِي التِّجَارَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الصَّبِيِّ لَا بُدَّ أَنْ تَتَحَقَّقَ فِيهَا مَصْلَحَتُهُ عِنْدَهُمْ، وَالْمُحَابَاةُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا ذَلِكَ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُ- أَيْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ- فِي التِّجَارَةِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ بِاتِّفَاقِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الضَّرُورِيَّةِ لِلتِّجَارَةِ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ- عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَيْضًا، لِأَنَّهُ هُوَ الْآخَرُ لَازِمٌ فِي التِّجَارَةِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ لَهُ بِالتِّجَارَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: لَا يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ.

هَذَا مَا إِذَا بَاعَ الصَّبِيُّ لِأَجْنَبِيٍّ أَوِ اشْتَرَى مِنْهُ، فَإِنْ بَاعَ لِأَبِيهِ شَيْئًا أَوِ اشْتَرَى مِنْهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: الْجِوَازُ وَعَدَمُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.وَإِنْ بَاعَ الصَّبِيُّ لِلْوَصِيِّ عَلَيْهِ أَوِ اشْتَرَى مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا نَفْعٌ ظَاهِرٌ لِلصَّبِيِّ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِدُونِ خِلَافٍ.

وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا نَفْعٌ ظَاهِرٌ لِلصَّبِيِّ وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِمَا مُحَابَاةٌ فَاحِشَةٌ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ نَفْعٍ ظَاهِرٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُحَابَاةٍ فَاحِشَةٍ. و- مُحَابَاةُ النَّائِبِ عَنِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ

7- لَا يَمْلِكُ وَلِيُّ الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ وَلَا وَصِيُّهُ الْمُحَابَاةَ فِي مَالِهِمْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُحَابَاةً يَسِيرَةً أَوْ مُحَابَاةً فَاحِشَةً، لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ تَصَرُّفٌ لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ عَلَى مَنْ يَتَصَرَّفُ لِلصَّغِيرِ.

إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ أَجَازُوا لِلْأَبِ فَقَطْ بَيْعَ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِمُحَابَاةٍ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْبَيْعَ أَوْ بِدُونِ سَبَبٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ بَيْعَهُ هَذَا يُحْمَلُ عَلَى الصَّوَابِ وَالْمَصْلَحَةِ الَّتِي تَفُوقُ الْمُحَابَاةَ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَجُوزُ عَقْدُهُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ بِالْمُحَابَاةِ الْيَسِيرَةِ، وَلَا تَجُوزُ بِالْمُحَابَاةِ الْفَاحِشَةِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ الْعَقْدُ مَعَهَا عَلَى الْإِجَازَةِ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا مُجِيزَ لَهُ أَثَنَاءَ التَّعَاقُدِ وَيَكُونُ الْعَقْدُ فِي حَالِ الشِّرَاءِ بِمُحَابَاةٍ فَاحِشَةٍ نَافِذًا عَلَى الْعَاقِدِ النَّائِبِ لَا عَلَى الصَّغِيرِ.

وَالَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْأَبَ إِذَا بَاعَ عَقَارَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِمُحَابَاةٍ يَسِيرَةٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ إِذَا كَانَ الْأَبُ مَحْمُودَ السِّيرَةِ مَسْتُورَ الْحَالِ. أَمَّا إِنْ كَانَ مُفْسِدًا فَلَا يَجُوزُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ.

وَالْوَصِيُّ فِي بَيْعِ عَقَارِ الصَّغِيرِ كَالْأَبِ الْمُفْسِدِ، وَالْقَاضِي كَالْوَصِيِّ.

وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لِلْحَنَفِيَّةِ: إِذَا اشْتَرَى الْوَصِيُّ مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ يَجُوزُ إِذَا كَانَ خَيْرًا لِلصَّغِيرِ، وَمَعْنَى الْخَيْرِيَّةِ: أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَصَاعِدًا، أَوْ يَبِيعَ لَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةِ فَقَطْ دُونَ أَيِّ زِيَادَةٍ، وَبِهِ يُفْتَى.

وَجَاءَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْوَصِيَّ إِذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ بِمُحَابَاةٍ يَسِيرَةٍ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ- كَابْنِهِ وَأَبِيهِ وَزَوْجَتِهِ- لَا يَجُوزُ.

ز- مُحَابَاةُ الْوَكِيلِ

8- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ بَيْعًا وَشِرَاءً بِغَبْنٍ يَسِيرٍ أَيْ بِمَا يُتَغَابَنُ بِهِ فِي الْعُرْفِ، كَشِرَاءِ مَا يُسَاوِي تِسْعَةً بِعَشَرَةٍ، أَوْ بَيْعِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِتِسْعَةٍ، إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُوَكِّلُ قَدْ قَدَّرَ قِيمَةَ الْمُثَمَّنِ لِلْوَكِيلِ، وَيَخْتَلِفُ الْعُرْفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ مِنَ الْأَمْوَالِ فَلَا تُعْتَبَرُ النِّسْبَةُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّوَقِّي وَالتَّحَرُّزُ مِنْ ذَلِكَ فِي التَّعَامُلِ عَلَى الْجُمْلَةِ.

أَمَّا الْغَبْنُ الْفَاحِشُ، مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ الْوَكِيلُ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَيَغْرَمُ الْوَكِيلُ لِمُوَكِّلِهِ مَا حَابَى بِهِ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ الْمُوَكِّلُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِجَازَتِهِ إِلاَّ إِذَا نَقَصَ الْمَبِيعُ فِي ثَمَنِهِ أَوْ بَدَنِهِ، فَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ حِينَئِذٍ الْأَكْثَرُ مِنَ الثَّمَنِ أَوِ الْقِيمَةِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَقَطْ يَصِحُّ شِرَاؤُهُ لِمُوَكِّلِهِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ وَلَا يَصِحُّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِدُونِ خِلَافٍ بَيْنَهُمْ.

وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَقَطْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَصِحُّ بَيْعُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ لِمُوَكِّلِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَالْفَرْقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ احْتِمَالُ التُّهْمَةِ فِي الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ، لِجَوَازِ أَنَّ الْوَكِيلَ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا ظَهَرَتِ الزِّيَادَةُ الْفَاحِشَةُ فِي الثَّمَنِ جُعِلَ الشِّرَاءُ لِمُوَكِّلِهِ.

وَنَقَلَ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ خُوَاهِرْ زَادَهْ: أَنَّ جَوَازَ عَقْدِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ يَكُونُ فِي سِلْعَةٍ يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى مُسَاوَمَةٍ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ لَهَا ثَمَنٌ مَعْرُوفٌ وَمُحَدَّدٌ بَيْنَ النَّاسِ.وَأَمَّا إِذَا كَانَ سِعْرُهَا مَعْلُومًا أَوْ مُحَدَّدًا كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِمَا إِذَا زَادَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ عَلَى ذَلِكَ السِّعْرِ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ، سَوَاءٌ قَلَّتِ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ، لِأَنَّ هَذَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى رَأْيٍ أَوْ تَقْوِيمٍ، لِلْعِلْمِ بِهِ، قَالَ فِي بُيُوعِ التَّتِمَّةِ: وَبِهِ يُفْتَى.

وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إِذَا بَاعَ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ يَسِيرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: يَجُوزُ بَيْعُهُ لَهُمْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَا فَاحِشٍ.

وَإِنْ صَرَّحَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَأَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفَ مَعَ مَنْ يَشَاءُ جَازَ بَيْعُهُ لَهُمْ بِدُونِ خِلَافٍ.وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى وَإِنْ صَرَّحَ الْمُوَكِّلُ لَهُ بِذَلِكَ.وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إِذَا اشْتَرَى مِنْهُمْ.

ثَانِيًا: الْفَسْخُ لِلْمُحَابَاةِ:

9- جَاءَ فِي الْبَدَائِعِ: الْبَيْعُ بِالْمُحَابَاةِ تَصَرُّفٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فِي نَفْسِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَيُفْسَخُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ وَالْإِقَالَةِ- إِذْ هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- فَكَانَتِ الْمُحَابَاةُ مُحْتَمِلَةً لِلْفَسْخِ فِي الْجُمْلَةِ.

ثَالِثًا: الْمُحَابَاةُ فِي الْإِجَارَةِ

10- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الْمُحَابَاةَ فِي إِجَارَةِ الْمَرِيضِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلَا تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ.قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: مَرِيضٌ أَجَّرَ دَارَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ قَالُوا: جَازَتِ الْإِجَارَةُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلَا تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَارَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ جَازَتْ، وَالْإِجَارَةُ بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ أَوْلَى.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ أَجَّرَ مَرِيضٌ مِلْكَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ مُعْتَبَرٌ مِنَ الثُّلُثِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَّرَهُ فِي الصِّحَّةِ فَلَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مِنَ الثُّلُثِ بَلْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.

رَابِعًا: الْمُحَابَاةُ فِي الشُّفْعَةِ

11- عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ إِذَا بَاعَ دَارًا لَهُ مَثَلًا وَحَابَى الْمُشْتَرِيَ: بِأَنْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ وَقِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ آلَافٍ فَفِيهَا.التَّفْصِيلُ الْآتِي: إِنْ بَاعَهَا لِوَارِثٍ مِنْ وَرَثَتِهِ وَشَفِيعُهَا غَيْرُ وَارِثٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ بَيْعَهَا لِلْوَارِثِ بِدُونِ مُحَابَاةٍ فَاسِدٌ عِنْدَهُ، فَبَيْعُهَا بِالْمُحَابَاةِ أَوْلَى، وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: الْبَيْعُ جَائِزٌ، لَكِنْ يَدْفَعُ الْمُشْتَرِي قَدْرَ الْمُحَابَاةِ، فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ، قَالَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ: الْأَصَحُّ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَإِنْ بَاعَهَا لِغَيْرِ وَارِثٍ، فَكَذَلِكَ لَا شُفْعَةَ لِلْوَارِثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الدَّارَ بِنَفْسِ الصَّفْقَةِ مَعَ غَيْرِ الْوُرَّاثِ بَعْدَ تَحَوُّلِهَا إِلَيْهِ، أَوْ بِصَفْقَةٍ مُبْتَدَأَةٍ مُقَدَّرَةٍ بَيْنَهُمَا، فَكَانَ ذَلِكَ بَيْعًا لِلْوَارِثِ بِالْمُحَابَاةِ، وَسَوَاءٌ أَجَازَتِ الْوَرَثَةُ الشُّفْعَةَ أَوْ لَمْ يُجِيزُوا، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَحَلُّهَا الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ، وَالشِّرَاءُ وَقَعَ نَافِذًا مِنَ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ- قَدْرُ الثُّلُثِ، وَهِيَ نَافِذَةٌ فِي الْأَلْفَيْنِ مِنَ الثَّلَاثَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ- غَيْرِ الْوَارِثِ فَانْتَفَتْ إِجَازَةُ الْوَرَثَةِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، فَتَنْتِفِي فِي حَقِّ الشَّفِيعِ أَيْضًا.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: لَا شُفْعَةَ لَهُ، وَالثَّانِيَةُ: لَهُ الشُّفْعَةُ. وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ أَجْنَبِيًّا: غَيْرَ وَارِثٍ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِأَلْفَيْنِ.

وَإِذَا بَرِئَ الْمَرِيضُ مِنْ مَرَضِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِالْمُحَابَاةِ وَالشَّفِيعُ وَارِثُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ إِلَى وَقْتِ الْبُرْءِ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ، لِأَنَّ الْمَرَضَ إِذَا زَالَ وَشُفِيَ مِنْهُ الْمَرِيضُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَالَةِ الصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ قَدْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يُطْلِبِ الشُّفْعَةَ حَتَّى بَرَأَ الْمَرِيضُ مِنْ مَرَضِهِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ.

وَإِذَا اشْتَرَى الْمَرِيضُ دَارًا وَحَابَى الْبَائِعَ بِأَنِ اشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْنِ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ، وَلَهُ سِوَى ذَلِكَ أَلْفٌ أُخْرَى، ثُمَّ مَاتَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا حَابَّاهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ، فَيَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الرُّهُونِيِّ عَلَى شَرْحِ الزُّرْقَانِيِّ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ جُزْءٌ فِي دَارٍ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، قِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ دِينَارًا، فَيَبِيعُهُ لِرَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَهُوَ مَرِيضٌ؟ قَالَ: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، إِذَا مَاتَ الْبَائِعُ وَلَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ الْمُحَابَاةَ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: زِدِ الثَّمَنَ عَشَرَةً أُخْرَى وَخُذِ الدَّارَ، وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ مُعَارَضَةُ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَلِلشَّفِيعِ- إِنْ كَانَ- أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، وَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ عَشَرَةً وَأَبَتِ الْوَرَثَةُ تَسْلِيمَهُ الدَّارَ كَمَا أَوْصَى الْمَيِّتُ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ: أَعْطُوهُ ثُلُثَ الْجُزْءِ الْمُبَاعِ لَهُ بِدُونِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ بَاعَ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ جُزْءًا مِنْ عَقَارٍ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ، وَلَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ، بَطَلَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِهِ، لِأَنَّهُ قَدْرُ الْمُحَابَاةِ.

فَإِنِ اخْتَارَ الشَّفِيعُ- وَارِثًا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا- أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ بِالْأَلْفِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، لِأَنَّ الشَّفِيعَ أَخَذَهُ بِأَلْفٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ الشَّفِيعُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ.

وَإِنْ بَاعَ لِأَجْنَبِيٍّ وَحَابَاهُ وَالشَّفِيعُ وَارِثٌ، وَاحْتَمَلَ الثُّلُثُ الْمُحَابَاةَ فَفِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ فِي نِصْفِ الشِّقْصِ بِالْأَلْفِ، وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَبْقَى النِّصْفُ لِلْمُشْتَرِي بِلَا ثَمَنٍ، لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ لِلْمُشْتَرِي تَصِحُّ، لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، وَلَا تَصِحُّ لِلشَّفِيعِ لِأَنَّهُ وَارِثٌ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ وَهَبَ لِلْمُشْتَرِي النِّصْفَ وَبَاعَ لَهُ النِّصْفَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ النِّصْفَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَبْقَى النِّصْفُ لِلْمُشْتَرِي بِدُونِ ثَمَنٍ.

الثَّانِي: يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي نِصْفِهِ بِالْأَلْفِ وَيَدْفَعُ إِلَى الشَّفِيعِ الْوَارِثِ بِدُونِ مُحَابَاةٍ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي.

الثَّالِثُ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ تَعَلَّقَتْ بِالْكُلِّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ فِي نِصْفِهِ.

الرَّابِعُ: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ، لِأَنَّ إِثْبَاتَ الشُّفْعَةِ يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ الْمَبِيعِ، وَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ سَقَطَتِ الشُّفْعَةُ.

الْخَامِسُ: - وَهُوَ الصَّحِيحُ- يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِالْأَلْفِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْجَمِيعَ بِالْأَلْفِ، لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ وَقَعَتْ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ، وَالْمُشْتَرِي أَجْنَبِيٌّ، فَصَحَّتِ الْمُحَابَاةُ لَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ حِيلَةً عَلَى مُحَابَاةِ الْوَارِثِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْغَايَاتِ.

وَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ الشِّقْصِ- النَّصِيبِ- وَالْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ أَجْنَبِيَّانِ- غَيْرُ وَارِثَيْنِ- وَلَمْ يُجِزِ الْوَارِثُ الْبَيْعَ صَحَّ الْبَيْعُ فِي ثُلُثَيِ الشِّقْصِ فَقَطْ بِثُلُثَيِ الثَّمَنِ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ.

أَمَّا إِذَا مَلَكَ الْبَائِعُ الْمَرِيضُ غَيْرَ هَذَا الشِّقْصِ- السَّهْمِ وَالنَّصِيبِ- وَاحْتَمَلَ الثُّلُثُ الْمُحَابَاةَ، وَأَجَازَ الْوَرَثَةُ الْبَيْعَ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِكُلِّ الثَّمَنِ. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ بَيْعَ الْمَرِيضِ بِالْمُحَابَاةِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِوَارِثٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ لِوَارِثٍ بَطَلَتِ الْمُحَابَاةُ لِأَنَّهَا فِي الْمَرَضِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ لَا تَجُوزُ، وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ مِنَ الْمَبِيعِ، وَهَلْ يَصِحُّ فِيمَا عَدَاهُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.

أَحَدُهَا: لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بَذَلَ الثَّمَنَ فِي كُلِّ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَصِحَّ فِي بَيْعِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةِ، فَقَالَ: قَبِلْتُ الْبَيْعَ فِي نِصْفِهِ، أَوْ قَالَ: قَبِلْتُهُ بِخَمْسَةٍ، أَوْ قَالَ: قَبِلْتُ نِصْفَهُ بِخَمْسَةٍ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُ الْبَيْعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تُوَاجَبَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَيَصِحُّ فِيمَا يُقَابِلُ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالْفَسْخِ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ، وَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ مَا صَحَّ الْبَيْعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ إِنَّمَا جَاءَ مِنَ الْمُحَابَاةِ فَاخْتَصَّ بِمَا يُقَابِلُهَا.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ صَحِيحَةٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَتَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ لَهُ، فَإِنْ أَجَازُوا الْمُحَابَاةَ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، وَيَمْلِكُ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ بِهِ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ رَدُّوا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَصَحَّ فِيمَا بَقِيَ، وَلَا يَمْلِكُ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ قَبْلَ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَرَدِّهِمْ، لِأَنَّ حَقَّهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَبِيعِ فَلَمْ يَمْلِكْ إِبْطَالَهُ، وَلَهُ أَخْذُ مَا صَحَّ الْبَيْعُ فِيهِ.وَإِنِ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا وَاخْتَارَ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ قُدِّمَ الشَّفِيعُ، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَجَرَى مَجْرَى الْمَعِيبِ إِذَا رَضِيَهُ الشَّفِيعُ بِعَيْبِهِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي أَجْنَبِيًّا وَالشَّفْيِعُ أَجْنَبِيٌّ: فَإِنْ لَمْ تَزِدِ الْمُحَابَاةُ عَلَى الثُّلُثِ صَحَّ الْبَيْعُ، وَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ حَصَلَ بِهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْهَا كَوْنُ الْمَبِيعِ مُسْتَرْخَصًا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ فَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ أَصْلِ الْمُحَابَاةِ فِي حَقِّ الْوَارِثِ وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ وَارِثًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ وَقَعَتْ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهَا تَمَكُّنُ الْوَارِثِ مِنْ أَخْذِهَا.

وَالثَّانِي: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ.

الْمُحَابَاةُ فِي التَّبَرُّعَاتِ الْمَالِيَّةِ

أَوَّلًا: الْمُحَابَاةُ فِي الْوَصِيَّةِ

12- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى

أَنَّ الْمُحَابَاةَ لَا تُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْوَصَايَا.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: تُقَدَّمُ الْمُحَابَاةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْوَصَايَا لِلْعِبَادِ أَوْ بِالطَّاعَاتِ وَالْقُرَبِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فَيَبْدَأُ بِالْمُحَابَاةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحَابِي قَبْلَ كُلِّ وَصِيَّةٍ، ثُمَّ يَتَقَاسَمُ أَهْلُ الْوَصَايَا فِيمَا يَبْقَى مِنْ ثُلُثِ تَرِكَةِ الْمُحَابِي، وَيَكُونُ مَا بَقِيَ مِنَ الثُّلُثِ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ وَصَايَاهُمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ تُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ ضَمَانٍ وَهُوَ الْبَيْعُ، إِذْ هُوَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ فِيهِ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَتَبَرُّعٌ، فَكَانَتِ الْمُحَابَاةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِعَقْدٍ أَقْوَى فَكَانَتْ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ.

وَلِأَنَّ تَقْدِيمَ بَعْضِ الْوَصَايَا الَّتِي لِلْعِبَادِ عَلَى الْبَعْضِ يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْمُرَجِّحِ وَلَمْ يُوجَدْ، لِأَنَّ الْوَصَايَا كُلَّهَا اسْتَوَتْ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلُ سَبَبِ صَاحِبِهِ، وَالِاسْتِوَاءُ فِي السَّبَبِ يُوجِبُ الِاسْتِوَاءَ فِي الْحُكْمِ.

وَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِمَتَاعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُعَيَّنٍ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ وَالْمُحَابَاةُ مِنَ الثُّلُثِ عَلَى السَّوِيَّةِ، إِذْ لَا مُرَجِّحَ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى حَتَّى لَوْ قَالَ الشَّخْصُ: أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِمِائَةٍ، وَلِفُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِي فَالْوَصِيَّةُ بِالْمِائَةِ الْمُرْسَلَةِ تُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ.

جَاءَ هَذَا فِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ، قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: مَعَ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَتَرَجَّحَ الْمُحَابَاةُ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَلَوْ بِمُعَيَّنٍ.

ثَانِيًا: الْمُحَابَاةُ فِي الْهِبَةِ

تَنَاوَلَ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ أَمْرَيْنِ:

الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: مُحَابَاةُ وَتَفْضِيلُ الْوَالِدِ بَعْضَ أَوْلَادِهِ بِهِبَتِهِ

13- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مُطَالَبٌ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ أَوْلَادِهِ فِي الْهِبَةِ بِدُونِ مُحَابَاةٍ وَتَفْضِيلٍ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِمَا رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ - رضي الله عنهما- أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ- أَيْ أَعْطَيْتُ بِغَيْرِ عِوَضٍ- ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: «أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا فَقَالَ: فَأَرْجِعْهُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» وَفِي ثَالِثَةٍ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» وَلِأَنَّ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ تَأْلِيفَ قُلُوبِهِمْ، وَالتَّفْضِيلُ يَزْرَعُ الْكَرَاهِيَةَ وَالنُّفُورَ بَيْنَهُمْ فَكَانَتِ التَّسْوِيَةُ أَوْلَى.

وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ التَّفْضِيلُ- فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ- إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ حَاجَةٌ تَدْعُو إِلَيْهِ مِثْلُ اخْتِصَاصِ أَحَدِ أَوْلَادِهِ بِمَرَضٍ أَوْ حَاجَةٍ أَوْ كَثْرَةِ عَائِلَتِهِ أَوِ اشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ.

أَوِ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمْ بِمَا يَقْتَضِي مَنْعَ الْهِبَةِ عَنْهُ لِفِسْقِهِ أَوْ يَسْتَعِينُ بِمَا يَأْخُذُهُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ أَوْ يُنْفِقُهُ فِيهَا، فَيَمْنَعُ عَنْهُ الْهِبَةَ وَيُعْطِيهَا لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا.

وَيُكْرَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَابِلَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ حَاجَةٌ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ التَّفْضِيلُ حِينَئِذٍ وَتَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ- إِنْ فَعَلَ- إِمَّا بِرَدِّ مَا فَضَّلَ بِهِ الْبَعْضَ، وَإِمَّا بِإِتْمَامِ نَصِيبِ الْآخَرِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ، وَيَجُوزُ التَّفْضِيلُ قَضَاءً، لِأَنَّ الْوَالِدَ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ، إِلاَّ أَنَّهُ يَكُونُ آثِمًا فِيمَا صَنَعَ بِدُونِ دَاعٍ لَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ فِي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}. وَلُزُومُ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَمْرَيْنِ:

أ- أَنْ يَهَبَ كُلَّ مَالِهِ أَوْ أَكْثَرَهُ.

ب- أَلاَّ يُطَالِبَ أَوْلَادُهُ الْآخَرُونَ بِمَنْعِهِ كُلَّ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ تَعُودَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ افْتِقَارِهِ، فَلَهُمْ رَدُّ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ وَإِبْطَالَهُ، وَأَمَّا إِذَا وَهَبَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ فَذَلِكَ جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ.

وَكَيْفِيَّةُ التَّسْوِيَةِ الْمَطْلُوبَةِ- عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ- أَنْ يُعْطِيَ الْأُنْثَى مِثْلَ مَا يُعْطِي الذَّكَرَ تَمَامًا بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: التَّسْوِيَةُ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ عَلَى حَسَبِ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ، فَيُجْعَلُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، لِأَنَّ ذَلِكَ نَصِيبُهُ مِنَ الْمَالِ لَوْ مَاتَ عَنْهُ الْوَاهِبُ.

الْأَمْرُ الثَّانِي: الْمُحَابَاةُ فِي الْهِبَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

14- جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ: لَوْ وَهَبَ مَرِيضٌ شَيْئًا قِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ لِرَجُلٍ صَحِيحٍ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَتَقَابَضَا، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي وَهَبَهُ، وَرَفَضَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا مَا صَنَعَ الْوَاهِبُ، كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْخِيَارُ: إِنْ شَاءَ فَسَخَ الْهِبَةَ وَرَدَّ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ كُلَّهُ وَأَخَذَ عِوَضَهُ.وَإِنْ شَاءَ رَدَّ ثُلُثَ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ إِلَى الْوَرَثَةِ وَسَلَّمَ لَهُ ثُلُثَيْهِ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْعِوَضِ شَيْئًا.وَإِنْ عَرَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْعِوَضِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ مِنَ الْمُحَابَاةِ عَلَى الثُّلُثِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.

وَجَاءَ فِي أَسْنَى الْمَطَالِبِ لِلشَّافِعِيَّةِ: يُنْفِذُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ الْمُرَتَّبَةِ الْمُنْجَزَةِ كَالْإِبْرَاءِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ حَتَّى يُتِمَّ الثُّلُثَ عِنْدَ ضِيقِهِ عَنْهَا، ثُمَّ يُبْقِي بَاقِيَ تَبَرُّعَاتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَلَا أَثَرَ لَهِبَةٍ بِدُونِ مُحَابَاةٍ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَا تُقَدَّمُ عَلَى مَا تَأَخَّرَ عَنْهَا مِنْ نَحْوِ وَقْفٍ أَوْ مُحَابَاةٍ فِي بَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ، بِخِلَافِ الْمُحَابَاةِ فِي بَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ، لِأَنَّهَا فِي ضِمْنِ مُعَاوَضَةٍ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


4-موسوعة الفقه الكويتية (وقف 9)

وَقْفٌ -9

النَّظَرُ عَلَى الْوَقْفِ:

98- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُتَّبَعُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي النَّظَرِ عَلَى الْوَقْفِ، فَإِذَا جَعَلَ النَّظَرَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ اتُّبِعَ شَرْطُهُ، لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- جَعَلَ وَقْفَهُ إِلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ تَلِيهِ مَا عَاشَتْ، ثُمَّ إِلَى ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلِأَنَّ مَصْرِفَ الْوَقْفِ يُتَبَّعُ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ فَكَذَلِكَ النَّاظِرُ فِيهِ.

لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ ذَلِكَ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَحُزِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ، فَإِنْ مَاتَ الْوَاقِفُ، أَوْ مَرِضَ، أَوْ فَلِسَ بَطَلَ الْوَقْفُ.

أَمَّا إِذَا حَازَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ، وَشَرَطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ، وَأُجْبِرَ الْوَاقِفُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ إِذْ لَا يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَجْعَلَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ.

وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاقِفُ نَاظِرًا عَلَى الْوَقْفِ بِأَنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ.

فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ فَالْحَاكِمُ يُوَلِّي عَلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُمْكِنُهُ تَوَلِّي النَّظَرِ بِنَفْسِهِ.

وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ رَشِيدٍ فَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَ الْوَقْفِ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَنَفْعُهُ لَهُ، فَكَانَ نَظَرُهُ إِلَيْهِ كَمِلْكِهِ الْمُطْلَقِ.

وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَشِيدٍ فَوَلِيُّهُ يَتَوَلَّى أَمْرَ الْوَقْفِ، وَفِي احْتِمَالٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ- كَمَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ- أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ الْحَاكِمُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى.

وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الْحَنَفِيَّةِ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهِلَالٍ- وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ- تَكُونُ الْوِلَايَةُ لِلْوَاقِفِ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ إِنْ كَانَ وَإِلاَّ فَلِلْحَاكِمِ، لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ إِنَّمَا يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ بِشَرْطِهِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْوِلَايَةُ وَغَيْرُهُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَى هَذَا الْوَقْفِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِوِلَايَتِهِ.

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَكُونُ الْوِلَايَةُ لِلْوَاقِفِ مَا دَامَ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ التَّسْلِيمَ إِلَى الْقَيِّمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ، فَإِذَا سَلَّمَ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةٌ فِيهِ.

وَإِنْ مَاتَ الْوَاقِفُ وَلَمْ يَجْعَلْ وِلَايَتَهُ لِأَحَدٍ جَعَلَ الْقَاضِي لَهُ قَيِّمًا وَلَا يَجْعَلْهُ مِنَ الْأَجَانِبِ مَا دَامَ يَجِدُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْوَاقِفِ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، إِمَّا لِأَنَّهُ أَشْفَقُ، أَوْ لِأَنَّهُ مَنْ قَصَدَ الْوَاقِفُ نِسْبَةَ الْوَقْفِ إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَمِنَ الْأَجَانِبِ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاقِفُ النِّظَارَةَ لِأَحَدٍ فَالنَّظَرُ لِلْقَاضِي عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ لَهُ النَّظَرَ الْعَامَّ فَكَانَ أَوْلَى بِالنَّظَرِ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْوَقْفِ لِلَّهِ تَعَالَى.

الرَّأْيُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ النَّظَرَ إِلَى الْوَاقِفِ، لِأَنَّهُ كَانَ النَّظَرُ إِلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَشْرُطْهُ بَقِيَ عَلَى نَظَرِهِ.

وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَهُ فَكَانَ النَّظَرُ إِلَيْهِ.

مَا يُشْتَرَطُ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ:

اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِصَلَاحِيَّةِ النَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ شُرُوطًا عِدَّةً، مِنْهَا مَا هُوَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَهُمْ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: التَّكْلِيفُ:

99- يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا، فَلَا يَصِحُّ تَوْلِيَةُ الصَّبِيِّ وَلَا الْمَجْنُونِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.

وَلِلْفُقَهَاءِ بَعْضُ التَّفْصِيلِ:

فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاقِفُ نَاظِرًا مُعَيَّنًا، وَكَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو، فَإِنَّهُ يَلِي أَمْرَ الْوَقْفِ بِنَفْسِهِ وَيَكُونُ نَاظِرًا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا فَإِنَّ وَلِيَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي النَّظَرِ.

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُتَّبَعُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي تَخْصِيصِ نَاظِرٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلِ الْوَاقِفُ نَاظِرًا فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ مُعَيَّنًا رَشِيدًا فَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَ الْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَشِيدٍ فَوَلِيُّهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ فَالْحَاكِمُ يُوَلِّي عَلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِي الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ إِلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ آدَمِيًّا مُعَيَّنًا أَوْ جَمْعًا مَحْصُورًا كَأَوْلَادِهِ أَوْ أَوْلَادِ زَيْدٍ، وَيَنْظُرُ فِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُكَلَّفًا رَشِيدًا، أَوْ يَنْظُرُ فِيهِ وَلِيُّهُ إِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ سَفِيهًا.وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَنْظُرُ فِيهِ الْحَاكِمُ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْإِسْعَافِ قَوْلَهُ: وَلَوْ أَوْصَى إِلَى صَبِيٍّ تَبْطُلُ فِي الْقِيَاسِ مُطْلَقًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هِيَ بَاطِلَةٌ مَا دَامَ صَغِيرًا فَإِذَا كَبُرَ تَكُونُ الْوِلَايَةُ لَهُ، وَحُكْمُ مَنْ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ فِي الْوِلَايَةِ كَحُكْمِ الصَّغِيرِ قِيَاسًا.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَفِي فَتَاوَى الْعَلاَّمَةِ الشَّلَبِيِّ: وَأَمَّا الْإِسْنَادُ لِلصَّغِيرِ فَلَا يَصِحُّ بِحَالٍ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ بِالنَّظَرِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَارَكَةِ لِغَيْرِهِ، لِأَنَّ النَّظَرَ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَالصَّغِيرُ يُوَلَّى عَلَيْهِ لِقُصُورِهِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوَلَّى عَلَى غَيْرِهِ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: رَأَيْتُ فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلْإِسْتُرُوشِنِيِّ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ قَالَ: الْقَاضِي إِذَا فَوَّضَ التَّوْلِيَةَ إِلَى صَبِيٍّ يَجُوزُ إِذَا كَانَ أَهْلًا لِلْحِفْظِ، وَتَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ، كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ إِذْنَ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ لَا يَأْذَنُ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا فِي الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ لِلْحِفْظِ بِأَنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ، أَمَّا الْقَادِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَتَكُونُ تَوْلِيَتُهُ مِنَ الْقَاضِي إِذْنًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يَأَذَنَ لِلصَّغِيرِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلِيُّهُ.

وَكَمَا أَنَّ الْجُنُونَ يَمْنَعُ التَّوْلِيَةَ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ يَمْنَعُهَا بَقَاءً، فَلَوْ كَانَ نَاظِرًا ثُمَّ جُنَّ فَإِنَّهُ يُعْزَلُ عَنِ النِّظَارَةِ.لَكِنْ لَوْ عَادَ إِلَيْهِ عَقْلُهُ وَبَرِئَ مِنْ عِلَّتِهِ هَلْ يَعُودُ نَاظِرًا؟ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْفَتْحِ: أَنَّ النَّاظِرَ يَنْعَزِلُ بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقِ سَنَةً لَا أَقَلَّ، وَلَوْ بَرِئَ عَادَ إِلَيْهِ النَّظَرُ، قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي الْمَشْرُوطِ لَهُ النَّظَرُ، أَمَّا مَنْصُوبُ الْقَاضِي فَلَا.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ بِالْجُنُونِ تَنْسَلِبُ الْوِلَايَاتُ قَالَ الشَّبْرَامَلْسِيُّ: لَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ تَعُودُ إِلَيْهِ وِلَايَةُ النِّظَارَةِ بِنَفْسِ الْإِفَاقَةِ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ إِذَا كَانَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: الْعَدَالَةُ:

100- يُشْتَرَطُ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا.

وَلِلْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الشَّرْطِ تَفْصِيلٌ:

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِ الْعَدَالَةِ شَرْطَ صِحَّةٍ أَوْ شَرْطَ أَوْلَوِيَّةٍ عَلَى رَأْيَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ صِحَّةِ الْوَقْفِ.فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْإِسْعَافِ: وَلَا يُوَلَّى إِلاَّ أَمِينٌ قَادِرٌ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَلَيْسَ مِنَ النَّظَرِ تَوْلِيَةُ الْخَائِنِ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ.

وَالرَّأْيُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ أَوْلَوِيَّةٍ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ أَوْلَوِيَّةٍ لَا شَرْطُ صِحَّةٍ، وَأَنَّ النَّاظِرَ إِذَا فُسِّقَ اسْتَحَقَّ الْعَزْلَ وَلَا يَنْعَزِلُ، كَالْقَاضِي إِذَا فُسِّقَ لَا يَنْعَزِلُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تُعْتَبَرُ الْعَدَالَةُ شَرْطًا إِذَا كَانَ النَّاظِرُ مَنْصُوبًا مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي أَوْ مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ.فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَطَّابِ: النَّظَرُ فِي الْحَبْسِ لِمَنْ جَعَلَهُ إِلَيْهِ مُحَبِّسُهُ يَجْعَلُهُ لِمَنْ يَثِقُ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ، فَإِنْ غَفَلَ الْمُحَبِّسُ عَنْ ذَلِكَ كَانَ النَّظَرُ فِيهِ لِلْحَاكِمِ يُقَدِّمُ لَهُ مَنْ يَرْتَضِيهِ..وَالنَّاظِرُ عَلَى الْحَبْسِ إِذَا كَانَ سَيِّئَ النَّظَرِ غَيْرَ مَأْمُونٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَعْزِلُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ مَالِكًا أَمْرَ نَفْسِهِ وَيَرْضَى بِهِ وَيَسْتَمِرُّ، وَذَكَرَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَعْزِلُ نَاظِرًا إِلاَّ بِجُنْحَةٍ، وَلِلْوَاقِفِ عَزْلُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ فِي مَنْصُوبِ الْحَاكِمِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِي مَنْصُوبِ الْوَاقِفِ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ.

وَقَالَ الْأَذْرُعِيُّ: تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ فِي مَنْصُوبِ الْوَاقِفِ أَيْضًا، قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ.

وَإِذَا فُسِّقَ النَّاظِرُ انْعَزَلَ وَمَتَى انْعَزَلَ بِالْفِسْقِ فَالنَّظَرُ لِلْحَاكِمِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ فُسِّقَ النَّاظِرُ ثُمَّ صَارَ عَدْلًا فَإِنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ مَشْرُوطَةً فِي أَصْلِ الْوَقْفِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ عَادَتْ وِلَايَتُهُ وَإِلاَّ فَلَا، أَفْتَى بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ وَوَافَقَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ.قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ النَّظَرُ لِغَيْرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَكَانَتْ تَوْلِيَةُ النَّاظِرِ مِنَ الْحَاكِمِ بِأَنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ وَلَّى الْحَاكِمُ نَاظِرًا مِنْ غَيْرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، أَوْ كَانَ النَّظَرُ لِبَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ مِنْ حَاكِمٍ بِأَنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَوَلَّى الْحَاكِمُ مِنْهُمْ نَاظِرًا عَلَيْهِ، أَوْ كَانَتِ التَّوْلِيَةُ مِنْ نَاظِرٍ أَصْلِيٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْعَدَالَةِ فِيهِ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى مَالٍ فَاشْتُرِطَ لَهَا الْعَدَالَةُ كَالْوِلَايَةِ عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا لَمْ تَصِحَّ وِلَايَتُهُ وَأُزِيلَتْ يَدُهُ عَنِ الْوَقْفِ حِفْظًا لَهُ، فَإِنْ عَادَ إِلَى أَهْلِيَّتِهِ عَادَ حَقُّهُ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا لَمْ تَصِحَّ وَأُزِيلَتْ يَدُهُ، وَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ مَشْرُوطًا مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَيُضَمُّ إِلَى الْفَاسِقِ عَدْلٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالسَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِمَا فِيهِ مِنَ الْعَمَلِ بِالشَّرْطِ وَحِفْظِ الْوَقْفِ، وَلَا تُزَالُ يَدُهُ إِلاَّ أَنْ لَا يُمْكِنَ حِفْظُهُ مِنْهُ فَتُزَالُ وِلَايَتُهُ، لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ الْوَقْفِ أَهَمُّ مِنْ إِبْقَاءِ وِلَايَةٍ لِفَاسِقٍ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ النَّاظِرُ أَجْنَبِيًّا أَوْ بَعْضَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ وَأَنَّهُ يَنْعَزِلُ إِذَا فُسِّقَ فِي أَثْنَاءِ وِلَايَتِهِ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ فَنَفَاهَا الْفِسْقُ، وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إِمَّا بِجَعْلِ الْوَاقِفِ النَّظَرَ لَهُ بِأَنْ قَالَ: وَقَفْتُهُ عَلَى زَيْدِ وَنَظَرُهُ لَهُ أَوْ لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِهِ لِعَدَمِ نَاظِرٍ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ فَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَحَقُّ بِالنَّظَرِ، عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا، رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْوَقْفَ فَهُوَ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ، وَقِيلَ: يُضَمُّ إِلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ، حِفْظًا لِأَصْلِ الْوَقْفِ عَنِ الْبَيْعِ أَوِ التَّضْيِيعِ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: الْكِفَايَةُ:

101- الْمَقْصُودُ بِالْكِفَايَةِ قُوَّةُ الشَّخْصِ وَقُدْرَتُهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيمَا هُوَ نَاظِرٌ عَلَيْهِ.

وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ الْكِفَايَةُ، لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ الْوَقْفِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنِ النَّاظِرُ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يُمْكِنْهُ مُرَاعَاةُ حِفْظِ الْوَقْفِ.

فَإِنِ اخْتَلَّتِ الْكِفَايَةُ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَنْزِعُ الْحَاكِمُ الْوَقْفَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ النَّظَرُ الْوَاقِفَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَتَوَلاَّهُ اسْتِقْلَالًا فَيُوَلِّيهِ مَنْ أَرَادَ وَأَنَّ النَّظَرَ لَا يَنْتَقِلُ لِمَنْ بَعْدَهُ إِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِإِنْسَانٍ بَعْدَ آخَرَ أَيْ إِلاَّ أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ.فَإِنْ زَالَ الِاخْتِلَالُ عَادَ نَظَرُهُ إِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي الْوَقْفِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَإِنِ اقْتَضَى كَلَامُ الْإِمَامِ خِلَافَهُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنِ اخْتَلَّتِ الْكِفَايَةُ لَا يُعْزَلُ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: يُضَمُّ إِلَى نَاظِرٍ ضَعِيفٍ قَوِيٌّ أَمِينٌ، لِيُحَصَّلَ الْمَقْصُودُ سَوَاءٌ كَانَ نَاظِرًا بِشَرْطٍ أَوْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ قَالُوا: يُنْزَعُ النَّاظِرُ وُجُوبًا لَوْ كَانَ الْوَاقِفُ غَيْرَ مَأْمُونٍ أَوْ عَاجِزًا.

وَفِي الْإِسْعَافِ: لَا يُوَلَّى إِلاَّ أَمِينٌ قَادِرٌ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَلَيْسَ مِنَ النَّظَرِ تَوْلِيَةُ الْخَائِنِ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ، وَكَذَا تَوْلِيَةُ الْعَاجِزِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ.

لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ لَا شَرْطُ صِحَّةٍ.

وَكَلَامُ الْمَالِكِيَّةِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الْكِفَايَةِ أَيْضًا، فَقَدْ قَالُوا: النَّاظِرُ عَلَى الْحَبْسِ إِنْ كَانَ سَيِّئَ النَّظَرِ غَيْرَ مَأْمُونٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَعْزِلُهُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ مَالِكًا أَمْرَ نَفْسِهِ وَيَرْضَى بِهِ وَيَسْتَمِرُّ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْإِسْلَامُ:

102- قَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ الْإِسْلَامُ إِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا أَوْ كَانَتِ الْجِهَةُ كَمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى كَافِرٍ مُعَيَّنٍ جَازَ شَرْطُ النَّظَرِ فِيهِ لِكَافِرٍ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْكُفَّارِ وَشَرَطَ النَّظَرَ لِأَحَدِهِمْ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ.

وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَكُونَ النَّاظِرُ ذِمِّيًّا وَأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلَوْ كَانَ النَّاظِرُ ذِمِّيًّا وَأَخْرَجَهُ الْقَاضِي لِأَيِّ سَبَبٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ لَا تَعُودُ الْوِلَايَةُ إِلَيْهِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: قِيَاسُ مَا فِي الْوَصِيَّةِ وَالنِّكَاحِ صِحَّةُ شَرْطِ ذِمِّيٍّ النَّظَرَ لِذِمِّيٍّ عَدْلٍ فِي دِينِهِ إِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ ذِمِّيًّا لَكِنْ يُرَدُّ بِاشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي بَابِ الْوَقْفِ، قَالَ الشَّبْرَامَلْسِيُّ: الْقَوْلُ بِالرَّدِّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَتَزْوِيجِ الذِّمِّيِّ مُوَلِّيَتَهُ أَنَّ وَلِيَّ النِّكَاحِ فِيهِ وَازِعٌ طَبِيعِيٌّ يَحْمِلُهُ عَلَى الْحِرْصِ عَلَى تَحْصِينِ مُوَلِّيَتِهِ دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْوَقْفِ.

وَهُوَ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ، فَفِي الْمَوَّاقِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: النَّظَرُ فِي الْحَبْسِ لِمَنْ جَعَلَهُ إِلَيْهِ مُحَبِّسُهُ، قَالَ الْمَتِّيطِيُّ: يَجْعَلُهُ لِمَنْ يُوثَقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ.

أُجْرَةُ نَاظِرِ الْوَقْفِ:

الْكَلَامُ عَلَى أُجْرَةِ النَّاظِرِ يَشْمَلُ عِدَّةَ مَسَائِلَ؛ مِثْلَ أَحَقِّيَّتِهِ فِي الْأُجْرَةِ، وَفِي تَقْدِيرِهَا مِنَ الْوَاقِفِ أَوِ الْقَاضِي، وَفِي مِقْدَارِهَا، وَهَلْ يَسْتَحِقُّ أَجْرًا إِذَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْوَاقِفُ أَوِ الْقَاضِي أَجْرًا؟ وَهَكَذَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أ- أَحَقِّيَّةُ نَاظِرِ الْوَقْفِ فِي الْأُجْرَةِ:

103- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ النَّاظِرَ عَلَى الْوَقْفِ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً نَظِيرَ قِيَامِهِ بِإِدَارَةِ الْوَقْفِ وَالْعِنَايَةِ بِمَصَالِحِهِ.وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا قَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- لَمَّا وَقَفَ أَرْضَهُ بِخَيْبَرَ حَيْثُ قَالَ: «لَا بَأْسَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ».

وَمَا فَعَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- حَيْثُ جَعَلَ نَفَقَةَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ وَقَفَهُمْ مَعَ صَدَقَتِهِ لِيَقُومُوا بِعِمَارَتِهَا مِنَ الْغَلَّةِ.

وَبِالْقِيَاسِ عَلَى عَامِلِ الزَّكَاةِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ».

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي عِنْدَ شَرْحِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ: هُوَ دَالٌّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ أُجْرَةِ الْعَامِلِ عَلَى الْوَقْفِ، وَمُرَادُ الْعَامِلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: الْقَيِّمُ عَلَى الْأَرْضِ.

ب- تَقْدِيرُ أُجْرَةِ النَّاظِرِ أَوْ مَا يَسْتَحِقُّهُ النَّاظِرُ مِنَ الْأَجْرِ:

أُجْرَةُ النَّاظِرِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مَشْرُوطَةً مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ أَوْ مُقَدَّرَةً مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي.

104- فَإِنْ كَانَتِ الْأُجْرَةُ مَشْرُوطَةً مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ فَإِنَّ النَّاظِرَ يَأْخُذُ مَا شَرَطَهُ لَهُ الْوَاقِفُ وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ أَجْرِ مِثْلِهِ.وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ لَهُ الْوَاقِفُ أَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُكْمِلَ لَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ بِطَلَبِهِ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَشَرَطَ لِنَفْسِهِ أَجْرًا فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنْ شَرَطَ النَّظَرَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ.

وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: أَنَّ الْوَاقِفَ لَوْ شَرَطَ لِلنَّاظِرِ أُجْرَةً أَيْ عِوَضًا مَعْلُومًا فَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لِقَدْرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ اخْتُصَّ بِهِ وَكَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهُ الْوَقْفُ مِنْ أُمَنَاءَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَكُلْفَةُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْوَقْفُ مِنْ نَحْوِ أُمَنَاءَ وَعُمَّالٍ يَكُونُ عَلَى النَّاظِرِ يَصْرِفُهَا مِنَ الزِّيَادَةِ حَتَّى يَبْقَى لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ شَرَطَهُ لَهُ خَالِصًا.

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ يُحَدِّدُوا شَيْئًا وَتَرَكُوا ذَلِكَ لِتَقْدِيرِ الْوَاقِفِ أَوِ الْقَاضِي.

105- وَإِنْ كَانَتِ الْأُجْرَةُ مُقَدَّرَةً مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي بِأَنْ لَمْ يَجْعَلِ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ شَيْئًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَا يُقَدِّرُهُ الْقَاضِي لِلنَّاظِرِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْأَجْرَ الْمُقَدَّرَ مِنَ الْقَاضِي يَجِبُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنْ عَيَّنَ لَهُ زَائِدًا عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ يُمْنَعْ عَنْهُ الزَّائِدُ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُتْرَكُ الْأَمْرُ لِاجْتِهَادِ الْقَاضِي.جَاءَ فِي مِنَحِ الْجَلِيلِ: النَّظَرُ فِي الْحَبْسِ لِمَنْ جَعَلَهُ إِلَيْهِ مُحَبِّسُهُ، يَجْعَلُهُ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ، فَإِنْ غَفَلَ الْمُحَبِّسُ عَنْ جَعْلِ النَّظَرِ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ، كَانَ النَّظَرُ فِي الْحَبْسِ لِلْقَاضِي فَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ مَنْ يَرْتَضِيهِ وَيَجْعَلُ لَهُ مِنْ كِرَاءِ الْوَقْفِ مَا يَرَاهُ الْقَاضِي سَدَادًا بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ.

وَقَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ: لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ لِمَنْ قَدَّمَهُ لِلنَّظَرِ فِي الْأَحْبَاسِ رِزْقًا مَعْلُومًا فِي كُلِّ شَهْرٍ بِاجْتِهَادِهِ فِي قَدْرٍ ذَلِكَ بِحَسَبِ عَمَلِهِ، وَفَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ أُجْرَةً فَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ وَلَمْ يَبْرَأْ إِلاَّ بِإِقْبَاضِهِ لِلْحَاكِمِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَلَوْ رَفَعَ النَّاظِرُ الْأَمْرَ إِلَى الْقَاضِي لِيُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةً فَهُوَ كَمَا إِذَا تَبَرَّمَ الْوَلِيُّ بِحِفْظِ مَالِ الطِّفْلِ فَرَفَعَ الْأَمْرَ إِلَى الْقَاضِي لِيُثْبِتَ لَهُ أُجْرَةً، قَالَهُ الْبَلْقِينِيُّ، قَالَ تِلْمِيذُهُ الْعِرَاقِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ مَعَ الْحَاجَةِ إِمَّا قَدْرَ النَّفَقَةِ لَهُ- كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ- أَوِ الْأَقَلَّ مِنْ نَفَقَتِهِ وَأُجْرَةِ مِثْلِهِ كَمَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنَ النَّفَقَةِ.

ج- حُكْمُ مَا إِذَا لَمْ يُعَيِّنِ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ أَجْرًا:

106- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا لَمْ يُعَيَّنْ لِلنَّاظِرِ أَجْرٌ.

فَقَالَ الرَّمْلِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لَوْ لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ شَيْئًا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إِلاَّ إِذَا جَعَلَ لَهُ الْقَاضِي أُجْرَةً مِثْلَ عَمَلِهِ فِي الْوَقْفِ، فَيَأْخُذُهُ عَلَى أَنَّهُ أُجْرَةٌ.

وَحَرَّرَ ابْنُ عَابِدِينَ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ: فَتَحَرَّرَ أَنَّ الْوَاقِفَ إِنْ عَيَّنَ لَهُ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَهُ، عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، حَيْثُ لَمْ يَشْرُطْهُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْوَاقِفُ وَعَيَّنَ لَهُ الْقَاضِي أُجْرَةَ مِثْلِهِ جَازَ، وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ أَكْثَرَ يُمْنَعُ عَنْهُ الزَّائِدُ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، هَذَا إِنْ عَمِلَ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ لَا يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً.وَبِمَثَلِهِ صَرَّحَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى.

وَإِنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ شَيْئًا يُنْظَرُ: إِنْ كَانَ الْمَعْهُودُ أَنْ لَا يَعْمَلَ إِلاَّ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، لِأَنَّ الْمَعْهُودَ كَالْمَشْرُوطِ، وَإِلاَّ فَلَا شَيْءَ لَهُ.

لَكِنَّ ابْنَ نُجَيْمٍ نَقَلَ عَنِ الْقُنْيَةِ رَأْيَيْنِ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي مَنْصُوبِ الْقَاضِي إِذَا لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ أُجْرَةً.

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ نَصَبَ قَيِّمًا مُطْلَقًا وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ أَجْرًا فَسَعَى فِيهِ سَنَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَيِّمَ يَسْتَحِقُّ مِثْلَ أَجْرِ سَعْيِهِ سَوَاءٌ شَرَطَ لَهُ الْقَاضِي أَوْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَجْرًا أَوْ لَا، لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْقِوَامَةَ ظَاهِرًا إِلاَّ بِأَجْرٍ، وَالْمَعْهُودُ كَالْمَشْرُوطِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِذَا لَمْ يَشْرُطِ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ شَيْئًا لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً عَلَى الصَّحِيحِ.

وَإِذَا رُفِعَ الْأَمْرُ لِلْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يُعْطَى مَعَ الْحَاجَةِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ في ف 105.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: آرَاءٌ ثَلَاثَةٌ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِالْمَعْرُوفِ سَوَاءٌ أَكَانَ مُحْتَاجًا أَوْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلْحَاقًا لَهُ بِعَامِلِ الزَّكَاةِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ.

الثَّانِي: أَنَّ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ أَوْ كِفَايَتِهِ، قِيَاسًا عَلَى وَلِيِّ الصَّغِيرِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الْأَجْرَ إِلاَّ إِذَا كَانَ فَقِيرًا كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ لِلنَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ إِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِأَنَّهُ يَأْخُذُ أَجْرَ عَمَلِهِ الْحَقُّ فِي أَجْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مُقَابِلُ عَمَلٍ يُؤَدِّيهِ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ.

فَقَدْ جَاءَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ إِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِأَخْذِ الْجَارِي عَلَى عَمَلِهِ فَلَهُ جَارِي مِثْلِهِ، وَإِلاَّ فَلَا شَيْءَ لَهُ.

وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْقَاضِي يَجْعَلُ لَهُ فِي الْأَحْبَاسِ أُجْرَةً، أَوْ كَمَا يَقُولُ ابْنُ فَتُّوحٍ رِزْقًا مَعْلُومًا فِي كُلِّ شَهْرٍ بِاجْتِهَادِهِ فِي قَدْرِ ذَلِكَ بِحَسَبِ عَمَلِهِ.

د- الْجِهَةُ الَّتِي يَسْتَحِقُّ مِنْهَا النَّاظِرُ أُجْرَتَهُ:

107- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ غَيْرَ ابْنِ عَتَّابٍ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ النَّاظِرُ مِنْ أَجْرٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مَشْرُوطًا مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ أَمْ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي يَكُونُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- حَيْثُ قَالَ: لِوَالِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا.

وَقَالَ ابْنُ عَتَّابٍ عَنِ الْمُشَاوِرِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لَا يَكُونُ أَجْرُ النَّاظِرِ إِلاَّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ أَخَذَهَا مِنَ الْأَحْبَاسِ أُخِذَتْ مِنْهُ وَرَجَعَ بِأَجْرِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يُعْطَ مِنْهَا فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، قَالَ الْحَطَّابُ: وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِلْوَصَايَا، وَبِمِثْلِ قَوْلِ الْمُشَاوِرِ أَفْتَى ابْنُ وَرْدٍ.

لَكِنَّ الدُّسُوقِيَّ ضَعَّفَ قَوْلَ ابْنِ عَتَّابٍ.

هـ- الْعَمَلُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ النَّاظِرُ الْأُجْرَةَ:

108- الْعَمَلُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ النَّاظِرُ الْأُجْرَةَ هُوَ حِفْظُ الْوَقْفِ وَعِمَارَتُهُ وَإِيجَارُهُ، وَتَحْصِيلُ رَيْعِهِ مِنْ أُجْرَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ، وَالِاجْتِهَادُ فِي تَنْمِيَتِهِ، وَصَرْفُهُ فِي جِهَاتِهِ مِنْ عِمَارَةٍ وَإِصْلَاحٍ وَإِعْطَاءٍ مُسْتَحَقٌّ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي مِثْلِهِ.

وَلِلنَّاظِرِ الْأُجْرَةُ مِنْ وَقْتِ نَظَرِهِ فِيهِ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَتِهِ، فَلَا يُسْتَحَقُّ إِلاَّ بِقَدْرِهِ.

قَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَمَتَى فَرَّطَ النَّاظِرُ سَقَطَ مِمَّا لَهُ مِنَ الْمَعْلُومِ بِقَدْرِ مَا فَوَّتَهُ عَلَى الْوَقْفِ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ، فَيُوَزَّعُ مَا قُدِّرَ لَهُ عَلَى مَا عَمِلَ وَعَلَى مَا لَمْ يَعْمَلْهُ، وَيَسْقُطُ قِسْطُ مَا لَمْ يَعْمَلْهُ.

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ نَازَعَ أَهْلُ الْوَقْفِ الْقَيِّمَ، وَقَالُوا لِلْحَاكِمِ: إِنَّ الْوَاقِفَ إِنَّمَا جَعَلَ لَهُ الْأَجْرَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ وَهُوَ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا، لَا يُكَلِّفُهُ الْحَاكِمُ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يَفْعَلُهُ الْوُلَاةُ، وَلَوْ حَلَّتْ بِهِ آفَةٌ يُمْكِنُهُ مَعَهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِلاَّ فَلَا أَجْرَ لَهُ، وَلَوْ جَعَلَ الْوَاقِفُ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ يَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْقِيَامَ بِأَمْرِهِ يَجُوزُ، فَهَذَا أَوْلَى بِالْجَوَازِ.

وَلَوْ وَقَفَ أَرْضَهُ عَلَى مَوَالِيهِ ثُمَّ مَاتَ، فَجَعَلَ الْقَاضِي لِلْوَقْفِ قَيِّمًا وَجَعَلَ لَهُ عُشْرَ الْغَلَّةِ، وَفِي الْوَقْفِ طَاحُونٌ فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْمُقَاطَعَةِ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى الْقَيِّمِ، وَأَصْحَابُ الْوَقْفِ يَقْبِضُونَ غَلَّتَهَا مِنْهُ، لَا يَسْتَحِقُّ الْقَيِّمُ عُشْرَ غَلَّتِهَا، لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ إِنَّمَا هُوَ بِطْرِيقِ الْأُجْرَةِ وَلَا أُجْرَةَ بِدُونِ عَمَلٍ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


5-تاج العروس (شبذ)

[شبذ]: شَبَذُ، مُحرَّكَةً، أَهمله الجوهري والجماعَة، وهي: قرية بِأَبِيوَرْدَ بخُرَاسَان، منها الحافظُ رَشِيدُ الدِّين أَبو بكر أَحمد بن أَبي المَجْد إِبراهيم بن محمد الخَالِدِيُّ المَنِيعِيّ الشَّبَذِيّ الأَبِيوَرْدِيّ، سمعَ عبدَ الجبّار الخواري، وأَبا المعالي محمد بن إِسماعيل الفارسيّ وأَجازاه في سنة 591 وحَفِيدُه العَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّين إِبراهيم بن محمد بن أَبي بَكْر، سَمِعَ وتَفَقَّهُ، وُلِدَ ببلادِ التُّركِ سنة 621 ومات في صَفَر سنةَ 674 بأَصْفَهَانَ، وابْنُه العَلَّامَةُ يَحْيَى بن إِبراهيم، لقبه مُحْيى الدَين، صَدْرٌ إِمامٌ سمعَ من أَبِيه ومن جَدّه ومن جماعة مِن مشايخ تُرْكُسْتَان عِظامٍ، وما وراءَ النهر، قال أَبو العلاءِ الفَرَضِيّ: اجتمعت به ببُخَارا في سنة 67 ثم ببغداد سنة 77 لمّا قَدِمها وحضَرْتُ مَجْلِسَه، وابناه عِزُّ الدين عبد العزيز ومُظْهِر الدين عبد الحَقّ، سَمِعَا من جماعة، قاله الحافظ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


6-تاج العروس (بصر)

[بصر]: البَصَرُ، محرَّكةً: [حِسُّ] * العَيْنِ، إِلّا أَنه مُذَكَّرُ، وقيل: البَصَرُ: حاسَّةُ الرُّؤْيَةِ، قالَه اللَّيْث، ومثلُه في الصّحاح. وفي المِصباح: البَصَرُ: النُّورُ الذي تُدرِكُ به الجارِحَةُ المُبْصَرَاتِ. وفي المُحكَم: البَصَرُ: حِسُّ العَيْنِ، الجمع: أَبصارٌ.

والبَصَرُ مِن القَلْبِ: نَظَرُه وخاطِرُه، والبَصَرُ: نَفَاذٌ في القَلْب، كما في اللِّسان، وبه فُسِّرت الآيةُ: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ}.

وفي البَصَائِرِ للمصنِّف: البَصِيرَةُ: قُوَّةُ القَلْبِ المُدرِكَةُ، ويقال: بَصَرٌ أَيضًا، قال الله تعالَى: {ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى}.

وجمعُ البَصَرِ أَبْصَارٌ، وجمعُ البَصِيرَةِ بَصائِرُ.

ولا يكادُ يقال للجارحَةِ النّاظرِة: بَصِيرَةٌ، إِنّما هي بَصَرٌ، ويقال للقُوَّة التي فيها أَيضًا: بَصَرٌ، ويقال منه: أَبْصَرْتُ، ومن الأَوَّلِ، أَبْصَرْتُه وبَصُرْتُ به، وقَلَّمَا يقال في الحاسَّة إِذا لم تُضامّه رؤيةُ القلبِ: بَصُرْتُ.

وبَصُرَ به ككَرُمَ وفَرِحَ، الثانيةُ حَكَاهَا اللِّحْيَانِيُّ والفَرّاءُ، بَصَرًا وبَصَارَةً، ويُكْسَرُ ككِتَابةٍ: صار مُبْصِرًا.

وأَبْصَرَه وَتَبَصَّرَه: نَظَرَ إِليه: هل يُبْصِرُه؟.

قال سِيبَوَيْه: بَصُرَ: صارَ مُبْصِرًا، وأَبْصَرَه، إِذا أَخْبَرَ بالذي وَقَعَتْ عَيْنُه عليه.

وعن اللِّحْيَانيِّ: أَبصَرتُ الشيْ‌ءَ: رأَيتُه.

وباصَرَا: نَظَرَا أَيُّهما يُبْصِرُ قَبْلُ. ونصَّ عبارةِ النَّوادِرِ: وباصَرَه: نَظَرَ معه إِلى شيْ‌ءٍ: أَيُّهما يُبْصِرُه قبلَ صاحِبِه.

وباصَرَه أَيضًا: أَبْصَرَه قال سُكَيْنُ بنُ نَضْرَةَ البَجَلِيّ:

فَبِتُّ على رَحْلِي وباتَ مَكانَه *** أُراقِبُ رِدْفِي تارةً وأُبَاصِرُه

وفي الصّحاح: باصَرْتُه، إِذا أَشْرَفْتَ تَنْظُرُ إِليه من بَعِيدٍ.

وتَباصَرُوا: أَبْصَرَ بعضُهم بعضًا.

والبَصِيرُ: المُبْصِرُ، خِلافُ الضَّرِيرِ، فَعِيلٌ بمعنى فاعلٍ. الجمع: بُصَراءُ.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: وإِنَّه لَبَصِيرٌ بالعَيْنَيْنِ.

والبَصِيرُ: العالِمُ، رجُلٌ بَصِيرٌ بالعِلْمِ: عالِمٌ به. وقد بَصُرَ بَصَارةً، وإِنه لَبَصِيرٌ بالأَشياءِ؛ أَي عالِمٌ بها. والبَصَرُ: العِلْم، وبَصُرْتُ بالشَّيْ‌ءِ: عَلِمْتُه، قال الله عَزَّ وجَلَّ: {بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} قال الأَخْفَشُ: أَي عَلِمْتُ ما لم يَعْلَمُوا به، مِن البَصِيرَة. وقال اللِّحْيَانيُّ: بَصُرْتُ؛ أَي أَبْصَرْتُ، قال: ولُغَةٌ أُخرَى: بَصِرْتُ به: أَبْصَرْتُه، كذا في اللِّسَان وفي المِصباح والصّحاح، ونقَلَه الفَخْرُ الرّازِيُّ، ويقال: بَصِيرٌ بكذا وكذا؛ أَي حاذِقٌ له عِلْمٌ دَقيقٌ به.

وقولُه عليه‌السلام: «اذْهَبْ بنَا إِلى فُلانٍ البَصِيرِ»، وكان أَعْمَى. قال أَبو عُبَيْدٍ: يُرِيدُ به المؤمِنَ، قال ابن سِيدَه: وعندِي أَنّه عليه‌السلام إِنّما ذَهَبَ إِلى التَّفَاؤُل إِلى لَفْظ البَصَر أَحسن من لَفْظ الأَعْمَى، أَلا تَرَى إِلى قَول مُعاويةَ: «والبَصِيرُ خَيرٌ مِن الأَعمَى». وقال المصنِّف في البَصائر: والضِّريرُ يقال له: بَصيرٌ، على سَبِيل العَكْسِ، والصَّوابُ أَنّه قيل ذلك له؛ لِما له مِن قُوَّةِ بَصِيرَةِ القَلْبِ.

والبَصِيرَةُ بالهاءِ: عَقِيدَةُ القَلْبِ، قال اللَّيْث: البَصِيرَةُ: اسمٌ لما اعتُقِدَ في القلْب مِن الدِّين وتحقيقِ الأَمرِ. وفي البَصَائر: البَصِيرَةُ: هي قُوَّةُ القَلْبِ المُدْرِكَةُ، وقولُه تعالَى: {أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ}؛ أَي على معرفةٍ وتَحَقُّقٍ.

والبَصِيرَةُ: الفِطْنَةُ، تقول العربُ: أَعْمَى الله بصائِرَه؛ أَي فِطَنَهُ، عن ابن الأَعرابيِّ. وفي حديث ابن عَبّاس أَنّ معاوِيَةَ لمّا قال له: «يا بَنِي هاشِمٍ أَنتم تُصَابُون في أَبصارِكم»، قال له: «وأَنتم يا بَنِي أُمَيَّةَ تُصابُون في بَصائِرِكم».

وفَعَلَ ذلك على بَصِيرَةٍ؛ أَي على عَمْدٍ. وعلى غيرِ بَصِيرٍة؛ أَي على غيرِ يَقِينٍ. وفي حديث عُثْمَانَ: «وَلَتَخْتَلِفُنَّ على بَصِيرَةٍ»؛ أَي على معرفة من أَمرِكم ويقينٍ. وإِنه لَذُو بَصَرٍ وبَصِيرَةٍ في العِبَادَة.

وبَصُرَ بَصَارةً: صار ذا بَصِيرَةٍ.

والبَصِيرَةُ: ما بَيْنَ شُقَّتَيِ البَيْتِ، وهي البَصَائِرُ، وزاد المصنِّف في البَصائر بعدَ «البيت»: والمَزَادَةِ ونحوِهَا التي يُبصَرُ منه.

والبَصِيرَةُ: الحُجَّةُ والاستِبْصارُ في الشيْ‌ءِ، كالمَبْصَرِ والمَبْصَرَة، بفتحِهما.

والبَصِيرَةُ: شيْ‌ءٌ من الدَّمِ يُسْتَدَلُّ به على الرَّمِيَّةِ، وَيَسْتَبِينُها به، قاله الأَصمعيُّ. وفي حديث الخَوَارِجِ: «ويَنْظُرُ إِلى النَّصْل فلا يَرَى بَصِيرَةً»؛ أَي شيئًا من الدَّمِ يَسْتدِلُّ به على الرَّمِيَّة. واختُلِفَ فيما أَنشدَه أَبو حنيفةَ:

وفي اليَدِ اليُمْنَى لِمُسْتَعِيرِها *** شَهْبَاءُ تُرْوِي الرِّيشَ مِن بَصِيرِهَا

فقيل: إنّه جَمْعُ البَصِيرَةِ من الدَّمِ، كشَعِيرٍ وشَعِيرَةٍ، وقيل: إِنه أَراد بَصِيرَتَهَا، فحَذَف الهاءَ ضرورةً. ويجوز أَن يكونَ البَصِيرُ لغةً في البَصِيرَة، كقولِكَ: حُقٌّ وحُقَّةٌ، وبَياضٌ وبَيَاضَةٌ.

ويقال: هذه بَصِيرَةٌ من الدَّمِ، وهي الجَدِيَّة منها على الأَرض.

والبَصِيرَةُ: مِقْدَارُ الدِّرْهَمِ مِن الدَّمِ.

وقيل: البَصِيرَةُ من الدَّمِ: ما لم يَسِلْ.

وقيل: هو الدُّفْعَةُ منه.

وقيل: البَصِيرَةُ: دَمُ البِكْرِ.

وقال أَبو زَيْدٍ: البَصِيرَةُ من الدَّمِ: ما كان على الأَرض.

وفي البَصائر للمصنِّف: والبَصِيرَةُ: قِطْعَةٌ مِن الدَّمِ تَلْمَعُ.

والبَصِيرَةُ: التُّرْسُ اللّامِعُ، وقيل: ما استطالَ منه، وكُلُّ ما لُبِسَ من السِّلاح فهو بَصَائِرُ السِّلاحِ.

والبَصِيرَةُ: الدِّرْعُ، وكلُّ ما لُبِسَ جُنَّةً بَصِيرَةٌ، وقال:

حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ على أَكْتَافهمْ *** وبَصِيرَتِي يَعْدُو بها عَتَدٌ وَأَي

هكذا رَوَاه أَبو عُبَيْد، وفَسَّره فقال: والبَصِيرَةُ: التُّرْسُ أَو الدِّرْعُ، وَرَوَاه غيرُه: «راحُوا بَصائِرُهم»، وسيأْتي فيما بعدُ. ويُجمع أَيضًا على بِصارٍ، ككَرِيمةٍ وكِرَامٍ، وبه فَسَّرَ السُّهَيْلِيُّ في الرَّوْض قولَ كَعْبِ بنِ مالكٍ:

تَصُوبُ بأَبْدَانِ الرِّجالِ وتارةً *** تَهدُّ بأَعراض البِصَارِ تُقَعْقِعُ

يقول: تَشُقُّ أَبْدَانَ الرَّجَالِ حتى تَبلُغَ البِصَارَ فتُقَعْقِعُ فيها، وهي الدِّرعُ أَو التُّرْسُ، وقيل غيرُ ذلك.

ومن المَجاز: البَصِيرَةُ: العِبْرَةُ يُعْتَبَرُ بها، وخَرَّجُوا عليه قولَه تعالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنّاسِ}؛ أَي جعلناها عِبْرَةً لهم، كذا في البَصائر، وقولُهم: أَما لَكَ بَصِيرَةٌ فيه؟ أَي عِبْرَةٌ تَعْتَبِرُ بها، وأَنشدَ:

في الذّاهِبِينَ الأَوَّلِي *** ن من القُرونِ لنا بَصائرْ

أَي عِبَرٌ.

ومن المَجَاز: البَصِيرَةُ: الشّاهِدُ، عن اللِّحْيَانِيِّ، وحُكِيَ: اجْعَلْنِي بَصِيرةً عليهم، بمَنْزِلَةِ الشَّهِيدِ قال: وقوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} قال ابن سِيدَه: له مَعْنَيَانِ، إِنْ شِئتَ كان الإِنسانُ هو البَصِيرَةَ على نفسِه؛ أَي الشاهِدَ، وإِن شِئتَ جعلتَ [البَصِيرَة] هنا غيرَه، فعَنَيتَ به يَدَيْه ورِجْلَيْه ولِسانَه؛ لأَن كلَّ ذلك شاهِدٌ عليه يومَ القيامة، وقال الأَخْفَشُ: {بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} جَعَلَه هو البَصِيرَةَ، كما تقولُ للرَّجل: أَنتَ حُجَّةٌ على نفسِكَ. وقال ابنُ عَرَفَةَ: {عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} أَي عليها شاهِدٌ بعَمَلِها، ولو اعتذَر بكلِّ عُذْرٍ، ويقول: جَوارِحُه بَصِيرةٌ عليه؛ أَي شُهُودٌ. وقال الفَرّاءُ: يقول: على الإِنسان من نفسِه رُقَباءُ يَشْهدُون عليه بعَمَله، اليَدانِ والرِّجْلان والعَيْنَان والذَّكَر، وأَنشدَ:

كَأَنَّ على ذِي الظَّنِّ عَيْنًا بَصِيرَةً *** بِمَقْعَدِه أَو مَنْظَرٍ هو ناظِرُه

يُحاذِرُ حتى يَحْسَبَ النّاسَ كلَّهم *** مِن الخَوْف لا تَخْفَى عليهم سَرائِرُه

وفي الأَساس: اجْعَلْنِي بَصِيرةً عليهم؛ أَي رَقيبًا وشاهِدًا [كقولك: عينًا عليهم]، وقال المصنِّف في البَصائر: وقال الحَسَن: جَعَلَه في نَفْسِه بَصِيرَةً، كما يقال: فلانٌ جُودٌ وكَرَمٌ، فهنا كذلك؛ لأَن الإنسانَ ببَدِيهةِ عَقْلِه يَعْلَمُ أَنَّ ما يُقَرِّبُه إِلى الله هو السَّعادةُ، وما يُبعِدُه عن طاعتِه الشَّقاوَةُ، وتأْنيثُ البَصِيرِ لأَن المراد بالإِنسان هاهنا جَوَارِحُه، وقيل: الهاءُ للمبالغة، كعَلّامةٍ ورَاوِيَةٍ.

ومن المَجاز: لَمْحٌ باصِرٌ؛ أَي ذو بَصَرٍ وتَحْدِيقٍ، على النَّسَب، كقَولهم: رجلٌ تامِرٌ ولابِنٌ؛ أَي ذو تَمْرٍ وذو لَبَنٍ؛ فمعنى باصِرٍ ذو بَصَرٍ، وهو من أَبْصَرْتُ، مثلُ مَوْتٍ مائِتٍ، من أَمَتُّ، وفي المُحْكَم: أَراه لَمْحًا باصِرًا، [أَي نظرًا بتحديقٍ شديدٍ، قال: فإما أن يكون على طرح الزائدِ، وإما أَن يكون على النَّسبِ. والآخرُ مذهبُ يعقوب: ولَقي منه لمحًا باصرًا]. أَي أَمرًا واضحًا. وقال اللَّيْث: رأَى فلانٌ لَمْحًا باصِرًا؛ أَي أَمرًا مَفْرُوغًا عنه.

والبَصْرَةُ بفتحٍ فسكونٍ، وهي اللُّغَة العاليةُ الفُصْحَى: بَلَدٌ، معروف أَي معروفٌ، وكانت تُسَمَّى في القديم تَدْمُرَ، والمُؤْتَفِكَةَ؛ لأَنها ائْتَفَكَتْ بأَهْلِهَا أَي انقَلَبَتْ في أَولِ الدَّهرِ، قالَه ابن قَرقُول في المَطَالع: ويقال لها: البُصَيْرَةُ، بالتَّصغير، وقال السّمْعَانِيُّ: يقال للبَصْرَةِ: قُبَّةُ الإِسْلامِ، وخِزَانةُ العَربِ، بَناها عُتْبَةُ بنُ غَزْوانَ في خلافة عُمَرَ رضي ‌الله‌ عنه سنةَ سبعَ عشرَةَ من الهِجْرَة، وسَكَنَهَا النّاسُ سنةَ ثمانِ عشرَةَ، ولم يُعْبَدِ الصَّنَمُ قَطُّ على ظَهْرِ أَرْضِهَا، كذا كان يقولُ أَبو الفضلِ عبدُ الوهّاب بنُ أَحمدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، الواعظُ بالبَصْرة، كما تلقّاه منه السّمْعَانِيُّ، ويُكْسَرُ ويُحَرَّكَ ويُكْسَرُ الصّادُ، كأَنّها صفَةٌ، فهي أَربعُ لُغَاتٍ: الأَخِيرتانِ عن الصَّاغانيّ، وزاد غيرُه الضَّمَّ فتكونُ مُثَلَّثَةً، والنِّسبةُ إِليها بِصْرِيُّ بالكسر، وبَصْرِيُّ، الأُولَى شاذَّةٌ، قال غُذافر:

بَصْرِيَّةٌ تَزَوَّجَتْ بَصْرِيّا *** يُطْعِمُهَا المالِحَ والطَّرِيَّا

وقال الأُبيُّ في شَرْح مُسْلِمٍ، نَقْلًا عن النَّوَوِيّ: البَصْرَةٌ مُثَلَّثَة، وليس في النَّسَب إِلا الفَتْحُ والكَسْرُ، وقال غيرُه: البَصْرَةُ مُثَلَّثَة، كما حَكَاه الأَزهريُّ، والمشهورُ الفَتْحُ، كما نَبَّه عليه النَّوَوِيّ.

وفي مَشَارِق القاضِي عِيَاضٍ: البَصْرَةُ: مدينةٌ معروفةٌ، سُمِّيَتْ بالبَصْر مُثَلَّثًا، وهو الكَذَّانُ، كان بها عند اخْتِطاطِها، واحدُهَا بِصْرَةٌ، بالفتح والكسر، وقيل: البَصْرَةُ: الطِّينُ العَلِكُ إِذا كان فيه جِصٌّ وكذا أَرضُ البَصْرَةِ. أَو هو مُعَرَّبُ بَسْ راهْ؛ أَي كَثِيرُ الطُّرُقِ فمعنى بَسْ كَثِيرٌ، ومعنَى راهْ طَرِيقٌ، وتعبيرُ المصنِّفِ به غيرُ جَيِّدٍ؛ فإِن الطُّرُقَ جَمْعٌ وراهْ مُفْرَدٌ، إِلّا أَن يقال إِنه كان في الأَصل بَسْ راهها، فحُذِفَتْ علامةُ الجمعِ، كما هو ظاهِرٌ.

والبَصْرَةُ: د، بالمَغْرِب الأَقْصَى قُرْبَ السُّوس؛ سُمِّيَتْ بمَنْ نَزَلَهَا واخَتَطَّها من أَهل البَصْرَةِ، عند فُتُوحِ تلك البلادِ، وقد خَرِبَتْ بعدَ الأَرْبَعِمِائَةِ من الهجرِة، ولا تكادُ تُعْرَفُ.

والبَصْرَةَ والبَصْرُ: حِجَارَةُ الأَرض الغَلَيظة، نَقَلَه القَزّازُ في الجامع. وفي الصّحاح: البَصْرَةُ: حِجَارَةٌ رِخْوَةٌ فيها بَيَاضٌ مّا، وبها سُمِّيَتِ البَصْرَةُ، وقال ذو الرُّمَّة:

تَداعَيْنَ باسْمِ الشِّيبِ في مُتَثَلِّمٍ *** جَوانِبُه مِنْ بَصْرَةٍ وسِلامِ

المُتَثَلِّمُ: حَوْصٌ تَهَدَّمَ أَكثرُه، لِقِدَمِ العَهْدِ: والشِّيبُ: حكايةُ صَوْتِ مَشافِرها عند رَشْفِ الماءِ.

وقال ابن شُمَيْلٍ: البَصْرَةُ: أَرضٌ كأَنَّهَا جَبلٌ من جِصٍّ، وهي التي بُنِيتْ بالمِرْبَدِ؛ وإِنّمَا سُمِّيَتِ البَصْرَةُ بَصْرةً بها.

وفي المِصْباح: البَصْرَةُ وِزَانُ كَثْرَةٍ: الحِجَارةُ الرِّخْوَةُ، وقد تُحذَف الهاءُ مع فتحِ الباءِ وكسرِهَا، وبها سُمِّيَتِ البلدَةُ المعروفَةُ.

وعن أَبي عَمْرٍو: البَصْرَةُ والكَذّانُ كلاهما الحِجَارَةُ التي ليستْ بصُلْبة.

والبُصْرَةُ بالضَّمِّ: الأَرضُ الحَمْرَاءُ الطَّيِّبَةُ.

وأَرضٌ بَصِرَةٌ، إِذا كانت فيها حِجَارَةٌ تَقْطَعُ حَوافِرَ الدّوابِّ.

وقال ابن سِيدَه: والبُصْرُ: الأَرضُ الطَّيِّبَةُ الحمراءُ، والبَصْرَةُ مُثَلَّثًا: أَرضٌ حِجَارَتُها جِصُّ، قال: وبها سُمِّيَتِ البَصْرَةُ.

والبُصْرَةُ: الأَثَرُ القَلِيلُ مِن اللَّبَنِ يُبْصِرُه النّاظِرُ إِليه، ومنه حديثُ عليٍّ رضِيَ اللهُ عنه: «فأَرْسلتُ إِليه شاةً فرأَى فيها بُصْرَةً مِن لَبَنٍ».

وبُصْرَى، كحُبْلَى: د، بالشَّام بين دِمَشْقَ والمَدِينَةِ، أَولُ بلادِ الشّامِ فُتُوحًا سنةَ ثلاثَ عشرةَ، وحَقَّقَ شُرّاحُ الشِّفَاءِ أَنَّهَا حَوْرانُ أَو قَيْسَارِيّةُ، قال الشاعر:

ولو أُعْطِيتُ مَنْ ببلادِ بُصْرَى *** وقِنَّسْرِينَ مِن عَرَبٍ وعُجْمِ

ويُنسَبُ إِليها السُّيوفُ البُصْرِيَّةُ، وأَنشدَ الجوهريُّ للحُصَين بن الحُمَامِ المُرِّيّ:

صَفَائِحُ بُصْرَى أَخْلَصَتْهَا قُيُونُهَا *** ومُطَّرِدًا مِنْ نَسْجِ داوُدَ أُحْكِمَا

والنَّسبُ إِليها بُصْريٌّ، قال ابن دُرَيْدٍ: أَحْسَبُه دَخيلًا.

وبُصْرَى: قرية ببغدادَ ذَكَرَهَا ياقوت في المُعْجَم، وهي قُرْبَ عُكْبَرَاءَ، منها: أَبو الحَسَن محمّدُ بنُ محمّد بن أَحمدَ بن محمّد خَلَفٍ، الشاعرُ البُصْرَويُّ، سَكَنَ بغدادَ، وقَرَأَ الكلامَ على الشَّريف المُرْتَضَى، وكان مَليحَ العارضَة، سَريعَ الجَوَاب، تُوُفِّيَ سنةَ 443.

ومنها أَيضًا: القاضي صدرُ الدِّين إِبراهيمُ بنُ أَحمدَ بن عُقْبَةَ بن هِبَةِ الله البُصْرَوِيُّ الحَنَفِيُّ، مات بدمشقَ سنةَ 669. والعَلَّامة أَبو محمّدٍ رَشِيدُ الدِّينِ سعيدُ بنُ عليِّ بنِ سَعِيدٍ البُصْرَوِيُّ، كَتَبَ عنه ابنُ الخَبّازِ والبِرْزالِيّ.

وبُوصِيرُ: أَربعُ قُرى بمصر.

ويقالُ بزيادةِ الأَلِفِ، بناءً على أَنه مركَّبٌ مِن «أَبو» «وصِير»، وهُنَّ: أَبُو صِير السِّدْر بالجِيزَة، وأَبُو صِير الغَرْبِيَّة، وتذكر مع بَنَا، وهي مدينةٌ قديمةٌ عامرةٌ على بحرِ النِّيل، بينها وبين سَمنّودَ مسافةٌ يسيرةٌ، وقد دَخَلتُهَا وسمِعْتُ بجامعها الحديثَ على عالِمها المُعَمَّرِ البُرْهَانِ إِبراهِيمَ بنِ أَحمدَ بنِ عَطَاءِ اللهِ الشافِعِيِّ، رَوَى عن أَبيه، وعن المحدِّث المعمَّر البُرْهَانِ إِبراهِيمَ بن يوسفَ بنِ محمَّدٍ الطَّوِيلِ الخَزْرَجِيِّ الأَبُو صِيرِيِّ، وغيرِهما، وأَبُو صِير: قريةٌ بصَعِيدِ مصرَ، منها أَبو حَفْصٍ عُمرُ بنُ أَحمدَ بنِ محمّدِ بنِ عيسى الفَقِيهُ المالِكِيُّ، والإِمامُ شَرفُ الدِّينِ أَبو عبد اللهِ محمّدُ بنُ سَعيدِ بنِ حَمّادِ بنِ مُحْسِنِ بنِ عبد الله الصِّنْهَاجِيُّ، قيل أَحَدُ أَبَويْه مِن دَلَاص، والآخَرُ من أَبُو صِير، فركَّب لنفسِه منها نِسْبَةً؛ فقال: الدَّلَاصِيريّ، ولكنه لم يشتهر إِلّا بالأَبُوصِيريِّ وهو صاحبُ البُرْدَةِ الشَّرِيفَةِ، تُوفِّيَ بالقاهرة سنةَ 695. وأَبُوصِير أَيضًا: قريةٌ كبيرةٌ بالفَيُّوم عامرةٌ.

وبُوصِيرُ: نَبْتٌ يُتَدَاوَى به، أَجْودُه الذَّهبِيُّ الزَّهْرِ، كذا في المِنْهَاجِ، وذَكَر له خواصّ.

والبصْرُ، بفتح فسكونٍ: القَطْعُ. وقد بصَرْتُه بالسَّيْفِ، وهو مَجازٌ، وفي الحديث: «فأَمر به فَبُصِرَ رَأْسُه» أَي قُطِعَ، كالتَّبْصِيرِ، يقال: بصَره وبَصَّرَه.

والبَصْرُ: أَن تُضَمَّ حاشِيَتَا أَدِيميْنِ يُخَاطانِ كما يُخَاطُ حاشِيتَا الثَّوْبِ. ويقال: رَأَيتُ عليه بَصِيرَةً؛ أَي شُقَّةً مُلَفَّقَةً، وفي الصّحاح: والبصْرُ: أَن يُضَمَّ أَدِيمٌ إِلى أَدِيمٍ فيُخْرَزانِ كما يُخاطُ حاشيتَا الثَّوْبِ، فتُوضَعُ إِحْدَاهما فوقَ الأُخْرَى، وهو خِلافُ خِياطَةِ الثَّوْبِ قبلَ أَن يُكَفَّ.

والبُصْرُ بالضَّمِّ: الجانبُ والناحِيَةُ، مقلوبٌ عن الصُّبْرِ.

والبُصْرُ: حَرْفُ كلِّ شيْ‌ءٍ.

والبُصْرُ: القُطْنُ، ومنه البَصيرة: لشْقَّةٍ من القُطْنِ.

والبُصْرُ: القِشْرُ.

والبُصْرُ: الجِلْدُ وقد غَلَبَ على جِلْدِ الوجْهِ، ويقال: إِنّ فلانًا لَمَعْضُوبُ البُصْرِ، إِذا أَصابَ جِلْدَه عُضَابٌ، وهو داءٌ يَخْرجُ به. ويُفْتَحُ أَي في الأَخِير، يقال: بُصْرُه وبَصْرُه؛ أَي جِلْدُه، حَكاهما اللِّحْيَانِيُّ عن الكِسَائِيِّ.

والبُصْرُ: الحجَرُ الغَلِيظ، ويُثَلَّثُ، وقد سَبَقَ النَّقْلُ عن صاحبِ الجامِعِ أَنَّ البُصْرَ مُثَلَّثًا: حجارةُ الأَرضِ الغَلِيظةُ، والتَّثْلِيثُ حَكاه القاضِي في المَشَارِق، والفَيُّومِيُّ في المِصباح. وقيل: البَصْرُ والبِصْرُ والبَصْرَةُ: الحَجَرُ الأَبيضُ الرِّخْوُ، وقيل: هو الكَذّانُ، فإِذا جاءُوا بالهاءِ قالُوا: بَصْرَة لا غَير، وجَمْعُها بِصَارٌ.

وقال الفَرّاءُ: البِصْرُ والبَصْرَةُ: الحِجارةُ البَرّاقَةُ، وأَنْكَرَ الزَّجّاجُ فَتْحَ الباءِ مع الحذفِ، كذا في المِصباح.

وبُصَرٌ كصُرَدٍ: موضع قال الصَّاغَانِيّ: البُصَر: جَرَعَاتٌ مِن أَسْفَلِ أُودَ، بأَعْلَى الشِّيخَةِ مِن بلاد الحَزْنِ.

والبَاصَرُ، بالفتح؛ أَي بفتح الصّادِ: القَتَبُ الصَّغِير المسْتَدِير، مَثَّلَ به سِيبَوَيْه، وفَسَّره السِّيرافيُّ عن ثَعْلَبٍ، وهي البَوَاصِرُ.

والباصُورُ: اللَّحْمُ؛ سُمِّيَ به لأَنه جَيِّدٌ للبَصَرِ يَزِيدُ فيه، نقلَه الصّاغَانِيُّ. ورَحْلٌ دُونَ القِطْعِ وهو عِيدَانٌ تُقَابَلُ شبيهَةٌ بأَفْتَابِ البُخْتِ، نقلَه الصَّاغانيّ.

والمُبْصِرُ كمُحْسِنٍ: الوَسَطُ مِن الثَّوْبِ، ومن المَنْطِقِ، ومِن المَشْيِ.

والمُبْصِرُ: مَن عَلَّقَ على بابِه بَصِيرَةً، للشُّقَّةِ مِن قُطْنٍ وغيرِه. ويقال أَبْصَرَ، إِذا عَلَّقَ على بابِ رَحْلِه بَصِيرَةً.

والمُبْصِرُ: الأَسَدُ يُبْصِرُ الفَرِيسَةَ مِن بُعْدٍ فيَقْصِدُها.

وأَبْصَرَ الرجلُ وبَصَّرَ تَبْصِيرًا، كَكَوَّنَ تَكْوِينًا: أَتَى البَصْرَةَ والكُوفةَ، وهما البَصْرتَانِ، الأُولَى عن الصّاغانيّ.

وأَبو بَصْرَةَ، بفتحٍ فسكونٍ: جَمِيلُ بنُ بَصْرَةَ، وقيل: جَمِيلُ بنُ بَصْرَةَ الغِفَارِيُّ.

وأَبو بَصِيرٍ: عُقْبَةُ، وفي بعض النُّسَخِ: عُتْبَةُ، وهو الصَّوابُ، وهو ابن أُسَيْدِ بنِ حارِثَةَ الثَّقَفِيُّ.

وأَبو بَصِيرَةَ الأَنْصارِيُّ ذَكَره سيفٌ. صَحَابِيُّون، وكذلك بَصْرَةُ بنُ أَبي بَصْرَةَ، هو وأَبوه صَحَابِيّانِ نَزَلا مِصْرَ.

وعبدُ الله بنُ أَبي بَصِيرٍ ـ كأَمِير ـ شيخٌ لأَبي إِسحاقَ السَّبِيعيِّ. ومَيْمُونٌ الكُرديُّ، يُكْنَى أَبا بَصِيرٍ. وبَصِيرُ بن صابرٍ البُخَارِيُّ. وأَبو بَصيرٍ يحيى بنُ القاسِمِ الكُوفِيُّ، من الشِّيعة. وأَبو بَصيرٍ أَعْشَى بَنِي قَيْس، واسمُه مَيْمُونٌ. وقد استوفاهم الأَمِيرُ فراجِعْه.

والأَباصِرُ: موضع كالأَصافِرِ والأَخامِرِ.

والتَّبَصُّرُ في الشيْ‌ءِ: التَأَمُّلُ والتَّعَرُّفُ. وتقولُ: تَبَصَّرْ لي فلانًا.

ومن المَجَاز: اسْتَبْصَرَ الطَّرِيقُ: استَبَانَ ووَضَحَ، ويقال: هو مُسْتَبْصِرٌ في دِينه وعَمَلِه، إِذا كان ذا بَصِيرَةٍ. وفي حديث أُمِّ سَلَمَةَ: «أَليسَ الطَّرِيقُ يَجمعُ التّاجِرَ وابنَ السَّبِيلِ والمُسْتَبْصِرَ والمَجْبُورَ»؛ أَي المُسْتَبِينَ للشَّيْ‌ءِ؛ أَرادت أَنّ تلك الرُّفْقَةَ قد جَمَعَتِ الأَخيارَ والأَشرارَ.

وبَصَّرَه تَبْصِيرًا: عَرَّفَه وأَوْضَحه وبَصَّرتُه به: عَلَّمتُه إِيّاه.

وتَبَصَّرَ في رأْيه واسْتَبْصَرَ: تَبَيَّنَ ما يَأْتِيه من خيرٍ وشرٍّ.

وفي التَّنْزِيل العزيز: {وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} أَي أَتَوْا ما أَتَوْه وهم قد تَبَيَّنَ لهم أَنّ عاقِبَتَه عذابُهم، وقيل: أَي كانوا في دِينهم ذَوِي بَصَائِرَ، وقيل: كانوا مُعْجَبِين بضَلالَتِهم.

وبَصَّرَ اللَّحْمَ تَبْصِيرًا: قَطَعَ كلَّ مَفْصِلٍ وما فيه من اللَّحْم، من البَصْرِ وهو القَطْعُ.

وبَصَّرَ الجَرْوُ تَبْصِيرًا: فَتَحَ عَيْنَيْه، عن اللَّيْث.

وبَصَّرَ رَأْسَه تَبْصِيرًا: قَطَعَه، كبَصَرَه.

وبِصَارٌ ككِتَاب: جَدُّ المعمَّرِ نَصْرِ بنِ دُهْمَانَ الأَشْجَعِيِّ، وهو بِصَارُ بنُ سُبَيْعِ بنِ بكرِ بنِ أَشْجَعَ: بَطْنٌ، ومِن وَلَدِه جارِيَةُ بنُ حمِيل بنِ نُشْبَةَ بنِ قُرْطِ بنِ مُرَّةَ بنِ نصر [بن] دُهْمَانَ بن بِصَارٍ، شَهِدَ بَدْرًا. وفِتْيَانُ بنُ سُبَيْعِ بنِ بَكْرٍ بطنٌ.

وفي التَّنْزِيل العزيزِ قولُه تعالَى: وَالنَّهارَ {مُبْصِرًا}: أَي مُضِيئًا يُبْصَرُ فيه. ومن المَجاز قولُه تعالى: وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً؛ أَي بَيِّنَةً واضِحَةً، وقولُه تعالَى: وَآتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً؛ أَي آيَةً واضِحَةً، قالَه الزَّجّاجُ. وقال الفَرّاءُ: جَعَلَ الفِعْلَ لها، ومعنَى مُبْصِرَةً مُضِيئَة، وقال الزَّجّاج: ومَن قَرَأَ «مُبْصِرَةً» فالمعنى بَيِّنَةٌ، ومَن قَرَأَ «مُبْصَرَةً» فالمعنى مُبَيَّنَةٌ، وقال الأَخْفَشُ: «مُبْصَرَة»؛ أَي مُبْصَرًا بها، وقال الأَزهريُّ: والقَوْلُ ما قال الفَرّاءُ، أَراد آتَيْنَا ثَمُودَ النّاقَةَ آيَةً مُبْصِرَةً؛ أَي مُضِيئَةً. وفي الصّحاح: المُبْصِرَةُ: المُضِيئةُ، ومنه قولُه تعالَى: فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً. قال الأَخْفَشُ: أَي تُبَصِّرُهم تَبْصِيرًا أَي تَجْعَلُهم بُصْراءَ.

* وممّا يُسْتَدرَك عليه:

{الْبَصِيرُ}، وهو مِن أَسماءِ اللهِ تعالَى، وهو الذي يُشَاهِدُ الأَشْيَاءَ كلَّهَا ظاهِرَها وخافِيهَا بغيرِ جارِحَةٍ، والبَصَرُ في حَقِّه عبارةٌ عن الصِّفَةِ التي يَنْكَشِفُ بها كمالُ نُعُوتِ المُبْصَرَاتِ، كذا في النِّهَايَة.

وأَبصَرَه. إِذا أَخْبَرَ بالذي وقَعَتْ عَينُه عليه، عن سِيبَوَيْهِ.

وتَبَصَّرْتُ الشَّيْ‌ءَ: شِبْهُ رَمَقْتُه.

وعن ابن الأَعرابِيّ: أَبْصَرَ الرَّجلُ، إِذا خَرَجَ من الكُفْر إِلى بَصِيرَةِ الإِيمانِ، وأَنشدَ:

قَحْطَانُ تَضْرِبُ رَأْسَ كُلِّ مُتَوَّجٍ *** وعلى بَصَائِرِهَا وإِنْ لم تُبْصِرِ

قال: بَصَائِرُها: إِسلامُها، وإِن لم تُبْصِر في كُفْرها.

ولَقِيَه بَصَرًا، محرَّكَةً؛ أَي حين تَباصَرَتِ الأَعيانُ، ورأَى بعضُهَا بَعضًا، وقيل: هو أَوّلُ الظَّلامِ إِذا بَقِيَ من الضَّوءِ قَدْرُ ما تَتَبَايَنُ به الأَشباحُ، لا يُسْتَعْمل إِلّا ظَرْفًا. وفي الحديث: «كان يُصَلِّي بنا صلَاةَ البَصَرِ حتَّى لو أَنَّ إِنسانًا رَمَى بِنَبْلِهِ أَبْصَرَهَا». قيل: هي صلاةُ المَغْرِبِ، وقيل: الفَجْر، لأَنهما يُؤَدَّيانِ وقد اختَلَط الظَّلامُ بالضِّياءِ.

ومن المَجَاز: ويقال للفِراسَةِ الصّادِقَةِ: فِرَاسَةٌ ذاتُ بَصِيرَةٍ، ومِن ذلك قولُهم: رأَيتُ عليك ذاتَ البَصَائِرِ.

والبَصِيرَةُ: الثَّباتُ في الدِّين. وقال ابن بُزُرْج: أَبْصِرْ إِليَّ؛ أَي انْظُرْ إِليَّ، وقيل: الْتَفِتْ إِليّ.

وقولُ الشّاعر:

قَرَنْتُ بِحَقْوَيْهِ ثَلاثًا فلم يَزِغْ *** عن القَصْد حتَّى بُصِّرَتْ بدِمَامِ

قال ابن سِيدَه: يجوزُ أَن يكونَ معناه قَوِّيَتْ؛ أَي لمّا هَمَّ هذا الرِّيشُ بالزُّوال عن السَّهْمِ لِكَثْرَةِ الرَّمْيِ به، أَلْزَقَه بالغِرَاءِ فثَبَتَ.

والباصِرُ: المُلَفِّقُ بين شُقَّتَيْنِ أَو خِرْقَتَيْن.

وقال الجوهَرِيُّ في تفسير البيتِ: يَعنِي طَلَى رِيشَ السَّهْمِ بالبَصِيرَةِ، وهي الدَّمُ.

وقال تَوْبَةُ:

وأُشْرِفُ بالغور اليَفَاعِ لَعَلَّنِي *** أَرَى نارَ لَيْلَى أَو يَرَانِي بَصيرُهَا

قال ابن سِيدَه: يَعْنِي كَلْبَهَا، لأَنّ الكَلْبَ مِن أَحَدِّ العُيُونِ بَصَرًا.

وبُصْرُ الكَمْأَةِ وَبَصَرُهَا: حُمْرَتُها، قال:

ونَفَّضَ الكَمْ‌ءَ فأَبْدَى بَصَرَهْ

وبُصْرُ السَّمَاءِ وبُصْرُ الأَرضِ: غِلَظُهما، وبُصْرُ كلِّ شيْ‌ءٍ: غِلَظُه. وفي حديث ابن مَسْعُود: «بُصْرُ كلِّ سماء مَسِيرَةُ خَمْسِمائةِ عامٍ»، يُرِيدُ غِلَظَها وسَمْكَهَا، وهو بضمِّ الباءِ. وفي الحديث أَيضًا: «بُصْرُ جِلْدِ الكافِرِ في النَّار أَربعونَ ذِرَاعًا». وثَوْبٌ جَيِّدُ البُصْرِ. قَوِيٌّ وَثِيجٌ.

والبَصْرَةُ: الطِّينُ العَلِكُ، قيل: وبه سُمِّيَتِ البَصْرَةُ.؟؟؟

عِياضٌ في المَشارِق. وقال اللِّحيانِيُّ: البَصْرُ: الطِّينُ؟؟؟

الجَيِّدُ الذي فيه حَصىً.

والبَصِيرَةُ: ما لَزِقَ بالأَرض مِن الجَسَدِ، وقيل: هو قَدْرُ فِرْسِنِ البَعِيرِ منه.

والبَصِيرَةُ: الثَّأْرُ، وقال الشّاعر:

راحُوا بَصائِرُهُم على أَكْتَافِهمْ *** وَبَصِيرَتِي يَعْدُو بها عَتَدٌ وَأَى

يعني تَرَكُوا دَمَ أَبِيهِم خَلْفَهم، ولم يَثْأَرُوا به، وطَلَبْتُه أَنا، وفي الصّحاح: وأَنا طَلَبْتُ ثَأْرِي، وقال ابن الأَعرابيِّ: البَصِيرَةُ: الدِّيَةُ، والبَصَائِرُ: الدِّياتُ، قال: أَخَذُوا الدِّيَاتِ فصارتْ عارًا، وبَصِيرَتِي؛ أَي ثَأْرِي، قد حَملتُه على فَرَسِي لأُطالِبَ به، فبيني وبينهم فَرْقٌ.

وأَبو بَصِيرٍ: الأَعْشَى، على التَّطَيُّر.

ومن المَجَاز: ورَتَّبْتُ في بُستَانِي مُبْصِرًا؛ أَي ناظِرًا، وهو الحافظُ.

ورأَيْتُ باصِرًا؛ أَي أَمْرًا مُفَزِّعًا.

ورأَيتُه بين سَمْعِ الأَرضِ وبَصَرِها؛ أَي بأَرضٍ خَلاءٍ، ما يُبْصِرُنِي ويَسْمعُ بي إِلّا هي.

وَبَصِيرٌ الجَيْدُور: مِن نَوَاحِي دِمشقَ.

وبَصِيرٌ: جَدُّ أَبي كاملٍ أَحمد بنِ محمّد بنِ عليِّ بنِ محمّد بنِ بَصِيرٍ البُخَاريّ البَصِيرِيّ.

وبُوصَرا، بالضَّمّ وفتح الصاد: قريةٌ ببغدادَ، منها أَبو عليٍّ الحسنُ بنُ الفَضْلِ بن السَّمْح الزَّعْفَرَانِيُّ البُوصَرِيُّ، رَوَى عنه الباغنديُّ، توفي سنة 280.

وبَصْرُ بنُ زمان بنِ خُزَيمةَ بنِ نَهْد بنِ زيدِ بنِ لَيْثِ بن أسلم، هكذا ضَبَطَه أَبو عليٍّ التَّنُوخيُّ في نَسَب تَنُوخَ، قال: وبعضُ النُّسّاب يقول: نَصْر، بالنُّونِ وسكونِ الصاد المهملَةِ، قال الخطيبُ: ومِن وَلَده أَبو جعفرٍ النُّفَيْلِيُّ المحدِّث، واسمُه عبدُ الله بنُ محمّدِ بنُ عليِّ بنِ نُفَيْلِ بنِ زراعِ بنِ عبد الله بنِ قيسِ بنِ عصمِ بنِ كُوزِ بنِ هلالِ بنِ عصمةَ بنِ بَصْرٍ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com