نتائج البحث عن (أَبْعَثَ)

1-شمس العلوم (جَفْن)

الكلمة: جَفْن. الجذر: جفن. الوزن: فَعْل.

[جَفْن]: هو جَفْن العين.

وجَفْن السيف: غمده.

ويعبَّر بالجَفْن عن المرأة، قال الفرزدق:

وجَفْنِ سِلَاحٍ قَدْ رُزِئْتُ فَلَمْ أَنُحْ *** عَلَيْهِ ولم أَبْعَثْ عليهِ البَوَاكِيا

وفي جَوْفِهِ من دارِمٍ ذُو حَفِيظَةٍ *** لَوَ انَّ المَنَايا أَنْسَأَتْه لَيالِيا

يعني امرأة (حاملًا) ماتت.

ومن ذلك قيل في العبارة: إِن جَفْن السيف امرأة، فإِن انكسر السيف في جفنه مات الولد دون الأم، وإِن انكسر الجفن ماتت الأم وسلم الولد، وإِن انكسر الجفن والسيف ماتا جميعًا.

والجفْن: الكَرْم.

ويقال: بل هو ضرب من العنب.

ويقال: هو العنب نفسه.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


2-جمهرة اللغة (دغن دنغ غدن غند ندغ نغد)

الدَّنِغ: رجل دَنِغٌ من قوم دَنَغَة، وهم سَفِلَة الناس ورُذالهم؛ ويقال: دَنِع، بالعين، وهو الوجه.

والنَّدْغ: مصدر ندَغته بكلمة أندَغه ندغًا، إذا سبعته بها.

قال الراجز:

«مالت لأقوال الغَويِّ المِـنْـدَغِ*** فهي تُري الأعلاقَ ذاتَ النُّغْنُغِ»

والنِّدْغ: الصَّعْتَر البريّ؛ هكذا قال أبو زيد.

وقال غيره: هو النَّدْغ، بفتح النون.

وأخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: كتب هشام بن عبد الملك الى عامله بالطائف: ابعث إلي من عسَل النِّدْغ والسِّحاء أخضرَ في السِّقاء أبيضَ في الإناء؛ السِّحاء، ممدود: ضرب من الشجر تأكل منه النحل.

والغَدْن: أصل بناء التغدّن، وهو التمايل والتعطّف.

واغدودن النبتُ، إذا تمايل، ومنه اشتقاق اسم غُدانة.

وبنو غُدْن: بطن من العرب، وكذلك بنو غُدانة أيضًا.

وأحسب أن الغُدُنَّة لحمة غليظة في اللَّهازم أو قريب منها.

والقضيب الذي تعلَّق عليه الثياب في البيوت يسمّيه أهل اليمن: الغِدان.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


3-العباب الزاخر (زوف)

زوف

ابن دريد: الزَّوْفُ زَوْفُ الحمامة إذا نشرت جناحيها وذنبها وسحبته على الأرض، وكذلك زَوْفُ الإنسان إذا مشى مُسْتَرْخِيَ الأعضاء؛ يقال: زافَ يَزُوْفُ زَوْفًا.

وزَوْفٌ: أبو قبيلة، وهو زَوْفُ بن زاهر بن عامر بن عوبثان بن زاهر بن مراد، قال عمرو بن معدي كَرِب رضي الله عنه- لِكَنّاز بن صُريمٍ:

«ابعثْ صريحَكَ في زَوْفٍ وفي جَمَلٍ *** من كل ذي وَفْضَةٍ كالتيسِ مِعْزَابِ»

وزُوْفى -مثال طُوْبى-: من الأدوية.

وقال ابن عبّاد: موتٌ زُوَافٌ وزُؤافٌ: أي وَحِيٌّ.

وقال الليث: الغلمان يَتَزَاوَفُونَ: وهو أن يجيء أحدهم إلى رُكْنِ الدُّكّان فيضع يده على حرفه ثم يَزُوْفُ زَوْفَةً فيستقل من موضعه ويدور حوالي ذلك الدُّكّان في الهواء حتى يعود إلى مكانه، وإنما يتعلمون بذلك الفروسية.

وقال ابن فارس: الزاي والواو والفاء ليس بشيء إلا أنهم يقولون موت زُوَافٌ: أي وحيٌّ.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


4-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (بكر)

(بكر) - في الحديث: "جاءت هوازِنُ على بَكْرة أَبِيهم"

هذه الكَلِمة للعَرَب، يُرِيدون بها الكَثرةَ والوُفورَ في العدد.

- في حديث عَلِىًّ، رَضِى الله عنه: "كانت ضَرَبَاته مُبْتَكراتٍ لاعُونًا".

قال ابنُ الأَنبارىّ: يُرِيد أنَّ ضَربتَه كانت بِكْرًا يقتُل بواحدةٍ منها، ولا يَحْتاج أن يُعِيدَ الضَّربةَ ثانيا، وضَرْبَة بِكْرٌ: قاطِعَة لا تُثَنَّى.

وقيل: أَبكارُ الأُمورِ: صِغارُها، وعُونُها: كِبارُها، والعُونُ: حمع عَوَان.

- في حديث الجُمُعة: "مَنْ بَكَّر وابْتَكَر".

قيل مَعنَى بَكَّر: أَدركَ بَاكُورةَ الخُطبَة، وهي أَوّلها. ومعنى ابْتَكر: قَدِم في أول الوَقْتِ. وقال ابن الأَنبارِىّ: مَعنَى بَكَّر: تَصدَّق

قبل خُروجِه، يَتأَوَّلُ في ذلك ما رُوِى في الحَدِيث:

بَاكِروا بالصَّدقَة فإنَّ البَلَاءَ لا يَتَخَطَّاها

- في الحديث: "استَسْلَف من رجل بَكْرًا"

قيل: البَكْرُ من الِإبِل بمَنْزِلة الغُلامِ من الذُّكور، والقَلُوصُ بمنْزِلة الجَارِية من الِإناث.

- في حديث الحَجَّاج: "ابعَثْ إلىّ بعَسَلٍ أبكارٍ، من عَسَلِ خُلَّار، من الدِّسْتِفْشار، الذي لم تَمسَّه النَّار"، ورُوِى: "من النَّحل الأَبْكار"

: أي الأفْتاء، لأنَّ عَسلَها أطْيبُ، وقيل: أي الذي يَتولَّاه أَبكارُ الجَوارِى، والأَوَّلُ أصحُّ.

وخُلَّار: موضع بفارِسَ، والدّسْتِفشار: فارِسِىّ: أي مِمّا عصَرتْه الأَيدِى وعالجَتْه، ولم تمسّه النَّار.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


5-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (حلب)

(حلب) - في الحَدِيث: "أَخذَ الرجلُ الشَّفْرةَ. فقال: إِيَّاكَ والحَلُوبَ".

: أي ذات اللَّبَن.

يقال: ناقَةٌ وشاةٌ حَلُوبٌ، فإذا أَفردتَه عن الموصوف. قلت: حَلُوبَة. وقد أَضمَر المَوصُوف في الحَدِيث، فلِهذَا حَذَفَ الهاء.

وقِيلَ: الحَلُوب: الاسْم، والحَلُوبَة: الصِّفَة.

وقِيلَ: إنَّ الحَلُوب: الوَاحِدَة، والحَلُوبَة: الجَمَاعَة. يقال: جَاءُوا بحَلُوبَتِهم ورَكُوبَتِهم.

وقيل: الحَلُوب بمَعْنَى مَفْعُولة، وهي غَرِيبَة، والحَقيقَة أَنَّه بمعنى فَاعِلَة، لأَنَّ الفِعلَ كما يُسنَد إلى مُباشِرِه، يُسنَد إلى الحَامِل عليه، والمُسَبِّب إلى إحداثه، فالنَّاقةُ تَحمِل على احْتِلابِها، بكَوْنِها ذات حَلَب، كأنها تَحلِب نَفسَها لحَمْلِها عليه. ومنه: ناقَة صَتُوتٌ، وماء شَرُوبٌ، وطَرِيق رَكُوبٌ.

- في الحَدِيث: "أَنَّه إذا دُعِى إلى طَعامٍ جَلَس جُلوسَ الحَلَب"

: وهو الجُلوس على الرُّكبَة ليحلُب.

وقد يقال: احْلُب فَكُلْ،: أي اجْلِس، ويقال في غير هذا: احْلُب،: أي افْهَم، والحُلُب: الفُهَمَاء من الرِّجال.

- في حديث ابن عُمَر: "رأيتُ عُمَر، رضي الله عنه، يَتحَلَّب فُوهُ، فقال: أَشْتَهِى جَرَادًا مَقْلُوًّا".

: أي يَتهَيَّأ رُضَابُه للسَّيَلان، وكذلك تَحلَّب الثَّدىُ: سَالَ.

- في حَدِيثِ خَالِد بن مَعْدان: "لو يَعلَم الناس ما في الحُلْبَة لاشتَرَوْها ولو بِوَزْنِها ذَهَبًا".

الحُلْبَة: من ثَمَر العِضَاه، وقيل: هي حَبٌّ. والحُلْبَةُ أيضا: العَرفَجُ، والقَتَادُ.

يقال: صَارَ وَرَق العِضاه حُلبَةً، إذا خَرَج وعَسَا واغْبَرَّ وغَلُظ عُودُه وشَوكُه وقد يُقال: الحُلُبة بضَمَّتَيْن،. وأوردَه الأَزهَرِىُّ بالخَاءِ المُعْجَمَة.

وقال: هو مَوضِع يَكْثُر به العَسَلُ الجَيِّد.

- في حديث الحَجَّاج: "ابعَثْ إلىَّ بَعسَل حُلَّار".

قيل: هو اسْمُ جَبَل يُشْتَار منه العَسَل، قاله صاحِبُ التَّتِمّة.

- في الحَدِيثِ: "لا تَسْقُونِى حَلَب امرأَةٍ".

الحَلَب في النِّساء: عَيبٌ عِندَهم، قال الفَرزْدَق:

«كم عَمّةٍ لك يا جَرِيرُ وخالةٍ *** فَدْعَاءَ قد حَلَبَتْ علىَّ عِشَارِى»

وفي المَثَل: "يَحلُب بُنَىَّ وأَضُبُّ على يَدِه

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


6-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (زمر)

(زمر) - في الحديث: "أبِمَزْمُور الشيطان سمعناه"

بفتح الميم. وذكره عبد الغافر بضَمِّها، وهي لغة فيِ المِزْمار.

- في حديث الحجاج: "ابْعث [إلىَّ] بفلان مُزَمَّرًا مُسَمَّعًا"

: أي مُقَيَّدا مُسَوْجَرًا، والزَّمَّارة: السَّاجور والغُلّ.

- في حديث سَعِيد بنِ جُبَيْر: "أُتِى به إلى الحجاج وفي عُنُقه زَمَّارة

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


7-المعجم الاشتقاقي المؤصل (بعث)

(بعث): {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]

بعثه من نومه فانبعث: أيقظه وأهَبَّه. وبَعَثَ البعيرَ فانبعث: حلَّ عقاله فأرسله، أو كان باركًا فهاجه وأثاره. وانْبَعث في السير: أسرع.

° المعنى المحوري

هو: إثارة (الحيّ) من مكان يلزمه بقوة فيندفع ناهضًا أو

مبتعدًا: كبعث النائم والبعير. ومن ذلك: (أ) بَعْثُ الموتى من القبور: {قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52]. وهو في كل القرآن بهذا المعنى - عدا ما في الفقرات التالية:

(ب) إنهاض رسول أو نبيّ، أو ملك، أو حَكَم، أو نقيب {ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ} [البقرة: 246]، {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} [البقرة: 247] , {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة: 213]، {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} [الأعراف: 103] , {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19]، ومنه ما في [البقرة 129، 246، آل عمران 164، النساء 35، المائدة 12, 31، التوبة 46، يونس 74، 75: النحل 36، 84، 89، الإسراء 15، 94، الفرقان 41، 51، الشعراء 36، القصص 59، غافر 40، الجمعة 2].

(ج) والبَعْثُ: الإثارة والدفع نحو عمل شيء ما {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 31]، {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا} [الإسراء: 5] , {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس: 12].

(د) بعث إنهاض بعد موت مؤقت أو نوم أو نحوه [البقرة 56، 259، الأنعام 60, الكهف 12, 19].

والبعث في آية الرأس هو إقامة ربنا - عز وجل - رسوله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك المقام العظيم، يوم القيامة للشفاعة العظمى، أو شفاعته - صلى الله عليه وسلم - لأمته خاصة، أو أنه - صلى الله عليه وسلم - أول مَدْعُوّ، أو عامٌّ في كل مقام حميد. والأول أقوى. وهناك خاص أتفق مع الرافضين له [ينظر بحر 6/ 70 - 71].

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


8-المعجم العربي لأسماء الملابس (المستقة)

المُسْتُقَة: المُسْتُقَة بضم فسكون فضم: كلمة فارسية معربة، وأصلها في الفارسية: مُشْتَهْ؛ ومعناها في الفارسية: أداة يضعها النساجون والحلاجون والندافون في أيديهم عند العمل، معرب: مستق، أو أصلها في الفارسية: مِشْتِى ومعناها: نوع من الحرير الرقيق.

والمُسْتُقَة في العربية تعنى: فراء طوال الأكمام، رُوى عن عمر رضي اللَّه عنه أنه كان يصلى ويداه في مُسْتُقة، وفى رواية: صلَّى بالناس ويداه في مُسْتُقَة: قال أبو عبيد:

المساتق فراء طوال الأكمام، واحدتها مُسْتُقَة.

وروى عن أنس أن ملك الروم أهدى إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مستقة من سندس فلبسها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكأنى أنظر إلى يديها تُذْبَذَبان، فبعث بها إلى جعفر وقال: ابعث بها إلى أخيك النجاشى؛ هي بضم التاء وفتحها فرو طويل الكمين، وقوله: من سندس يشبه أنها كانت مكفوفة بالسندس،

وهو الرفيع من الحرير والديباج، لأن نفس الفرو لا يكون سندسًا، وجمعها: مساتق، وفى الحديث: أنه كان يلبس البرانس والمساتق ويصلِّى فيها؛ وأنشد شمر:

«إذا لبستْ مساتقَها غنيٌّ *** فياويحَ المساتِق ما لقينا»

قال ابن الأعرابى: هو فرو طويل الكم، وكذلك قال الأصمعى وابن شميل هي الجبة الواسعة.

المعجم العربي لأسماء الملابس-رجب عبدالجواد إبراهيم-صدر: 1423هـ/2002م


9-معجم النحو (الحال)

الحال:

1 ـ تعريفه:

هو وصف فضلة يذكر لبيان هيئة الفاعل، أو المفعول به أو كليهما نحو «أقبل محمد ضاحكا» و «اشرب الماء باردا» و «كلمت خالدا ماشيين»

2 ـ أوصاف الحال:

للحال أربعة أوصاف:

(أ) أن تكون منتقلة، وهو الأصل والغالب، نحو «سافر عليّ راكبا» وقد تقع وصفا ثابتا في مسائل ثلاث:

(1) أن تكون مؤكدة لمضمون جملة قبلها، نحو «أحمد أبوك رحيما» فإنّ الأبوّة من شأنها الرحمة، أو مؤكّدة لعاملها نحو {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}، والبعث من لازمه الحياة.

(2) أن يدلّ عاملها على تجدّد صاحبها ـ أي حدوثه بعد أن لم يكن ـ نحو {وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا} وقول الشاعر:

«فجاءت به سبط العظام كأنّما***عمامته بين الرّجال لواء »

(3) أن يكون مرجعها السماع، ولا ضابط لها، نحو {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا}.

(ب) أن تكون مشتقّة لا جامدة، وذلك أيضا غالب، وتقع جامدة في عشر مسائل:

(1) أن تدلّ على تشبيه نحو «بدا خالد أسدا» ومنه قوله:

«بدت قمرا ومالت خوط بان ***وفاحت عنبرا ورنت غزالا »

(2) أن تدلّ على مفاعلة نحو «بعته يدا بيد» و «كلمته فاه إلى فيّ».

(3) أن تفيد ترتيبا نحو «ادخلوا رجلا رجلا» و «قرأت الكتاب بابا بابا» ف «رجلا رجلا» و «بابا بابا» مجموعهما هو الحال.

(4) أن تدلّ على التّسعير نحو «بعه البرّ مدّا بدرهمين» «فمدا» حال جامدة.

وجمهور النحاة يرون أنّ الحال في هذه الصور الأربع مؤولة بالمشتق فيؤوّل الأوّل. مشبها لأسد.

والثاني: متقابضين. والثالث:

مرتّبين. والرابع: مسعّرا.

أمّا الستّة الآتية فهي جامدة لا تؤوّل بمشتق.

(5) أن تكون موصوفة نحو {إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}.

(6) أن تدلّ على عدد نحو {فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}.

(7) أن يقصد بها تفضيل شيء على نفسه أو غيره باعتبارين نحو «عليّ خلقا أحسن منه علما».

(8) أن تكون نوعا لصاحبها نحو «هذا مالك ذهبا».

(9) أن تكون فرعا لصاحبها نحو {وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتًا}.

(10) أن تكون أصلا له نحو «هذا خاتمك فضّة»، {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}.

(ج) أن تكون نكرة لا معرفة، وذلك لازم، فإن وردت معرفة أوّلت بنكرة نحو «جاء وحده» أي منفردا. و «رجع عوده على بدئه» أي عائدا، ومنه قول لبيد:

«فأرسلها العراك ولم يذدها***ولم يشفق على نغص الدّخال »

(د) أن تكون نفس صاحبها في المعنى، ولذا جاز «جاء عليّ ضاحكا»، وامتنع: «جاء عليّ ضحكا» لأنّ المصدر يباين الذات بخلاف الوصف.

وقد جاءت مصادر أحوالا بقلة في المعارف، نحو (آمنت بالله وحده) و «أرسلها العراك» وبكثرة في النّكرات نحو «طلع بغتة» و «سعى ركضا» و «قتله صبرا».

وذلك كلّه على التّأويل بالوصف: أي مباغتا، وراكضا. ومصبورا أي محبوسا، والجمهور على أنّ القياس عليه غير سائغ. وابن مالك قاسه في ثلاثة مواضع:

(الأوّل) المصدر الواقع بعد اسم مقترن ب «أل» الدالة على الكمال، نحو «أنت الرّجل علما» فيجوز «أنت الرّجل أدبا ونبلا» والمعنى:

الكامل في العلم والأدب والنّبل.

(الثاني) أن يقع بعد خبر شبّه به مبتدؤه نحو «أنت ثعلب مراوغة».

(الثالث) كلّ تركيب وقع فيه الحال بعد «أمّا» في مقام قصد فيه الرّدّ على من وصف شخصا بوصفين، وأنت تعتقد اتصافه بأحدهما دون الآخر نحو «أمّا علما فعالم» والنّاصب لهذه الحال هو فعل الشّرط المحذوف، وصاحب الحال هو الفاعل، والتّقدير: مهما يذكره إنسان في حال علم فالمذكور عالم.

3 ـ صاحب الحال:

الأصل في صاحب الحال: التّعريف، وقد يقع نكرة في مواضع، وهي المسوّغات:

منها: أن يتقدّم عليه الحال نحو قول كثيّر عزّة:

«لعزّة موحشا طلل ***يلوح كأنّه خلل »

ومنها: أن يتخصّص إمّا بوصف، نحو (ولمّا جاءهم كتاب من عند الله مصدّقا). أو إضافة نحو {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ} أو بمعمول نحو «عجبت من طالب الفحص متكاسلا».

ومنها: أن يسبقه نفي نحو {وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ}. أو نهي كقول قطريّ بن الفجاءة:

«لا يركنن أحد إلى الإحجام ***يوم الوغى متخوّفا لحمام »

أو استفهام كقوله:

«يا صاح هل حمّ عيش باقيا فترى ***لنفسك العذر في إبعادها الأملا »

وقد يقع نكرة بغير مسوّغ كقولهم «عليه مائة بيضا» وفي الحديث: «وصلى وراءه رجال قياما».

4 ـ الحال مع صاحبها ـ في التقدّم والتأخر لها ثلاث أحوال:

(أ) جواز التأخّر عنه والتّقدّم عليه، نحو «لا تأكل الطّعام حارّا» ويجوز «لا تأكل حارّا الطعام».

(ب) أن تتأخّر عنه وجوبا وذلك في موضعين:

(1) أن تكون محصورة، نحو {وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}.

(2) أن يكون صاحبها مجرورا إمّا بحرف جرّ غير زائد نحو «نظرت إلى السّماء لامعة نجومها» وأمّا قول الشّاعر:

«تسلّيت طرّا عنكم بعد بينكم ***بذكراكم حتى كأنّكم عندي »

بتقديم «طرّا» وهي حال على صاحبها المجرور بعن. فضرورة.

وإمّا بإضافة، نحو «سرّني عملك مخلصا».

(ج) أن تتقدّم عليه وجوبا كما إذا كان صاحبها محصورا فيه نحو «ما حضر مسرعا إلّا أخوك».

5 ـ شرط الحال من المضاف إليه:

تأتي الحال من المضاف إليه بشرط أن يكون المضاف عاملا فيه نحو {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا}

أو يكون بعضا منه نحو {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} أو كبعضه نحو، {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا} فلو قيل في غير القرآن: اتبع إبراهيم، لصحّ.

6 ـ الحال مع عاملها (5) ـ في التقديم والتّأخير ـ ثلاث حالات:

(أ) جواز التّأخير والتّقديم، وذلك إذا كان العامل فعلا متصرّفا نحو «دخلت البستان ناضرا». أو صفة تشبه الفعل المتصرّف نحو «خالد مقبل على العمل مسرعا» فيجوز في «ناضرا» و «مسرعا» أن نقدمهما على «دخلت ومقبل» ومنه قوله تعالى {خُشَّعًا أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ} وقول يزيد بن مفرّغ يخاطب بغلته:

«عدس ما لعبّاد عليك إمارة***أمنت وهذا تحملين طليق »

فجملة تحملين في موضع نصب على الحال، وعاملها طليق، وهو صفة مشبّهة.

(ب) أن تتقدّم عليه وجوبا، وذلك إذا كان لها صدر الكلام نحو «كيف تحفظ في النّهار».

(ج) أن تتأخّر عنه وجوبا وذلك في في ست مسائل:

(1) أن يكون العامل فعلا جامدا نحو «ما أجمل الفتى فصيحا».

(2) أو صفة تشبه الفعل الجامد، وهي أفعل التفضيل نحو «بكر أفصح النّاس خطيبا».

ويستثنى منه ما كان عاملا في حالين لاسمين متّحدي المعنى، أو مختلفيه، وأحدهما مفضّل في حالة على الآخر في حالة أخرى ـ فإنه يجب تقديم الحال الفاضلة على اسم التفضيل نحو «عمرو عبادة أحسن منه معاملة».

(3) أو مصدرا مقدرا بالفعل وحرف مصدري نحو «سرّني مجيئك سالما» أي أن جئت.

(4) أو اسم فعل نحو «نزال مسرعا»

(5) أو لفظا مضمنا معنى الفعل دون حروفه ك «إنّ» وأخواتها والظروف والإشارة، وحروف التنبيه والاستفهام التعظيمي نحو «ليت عليّا أخوك أميرا» و «كأنّ محمدا أسد قادما» وقول امرئ القيس:

«كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا***لدى وكرها العنّاب والحشف البالي »

{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً} «ها أنت محمّد مسافرا».

ويستثنى من ذلك أن يكون العامل ظرفا أو مجرورا مخبرا بهما فيجوز بقلّة توسّط الحال بين المبتدأ والخبر كقراءة بعضهم (وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا) وقراءة الحسن: (والسّموات مطويّات بيمينه».

(6) أن يكون العامل فعلا مع لام الابتداء أو القسم نحو «إني لأستمع واعيا» ونحو «لأقدمنّ ممتثلا» لأنّ التّالي للام الابتداء ولام القسم لا يتقدّم عليهما.

7 ـ تعدّد الحال:

يجوز أن يتعدّد الحال وصاحبه واحد، أو متعدّد، فالأوّل كقوله:

«عليّ إذا لاقيت ليلى بخلوة***أن ازدار بيت الله رجلان حافيا »

والثاني: إن اتّحد لفظه ومعناه ثني أو جمع نحو {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ} الأصل: دائبة ودائبا ونحو {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ}.

وإن اختلف فرق بغير عطف وجعل أول الحالين لثاني الاسمين وثانيهما للأول نحو «لقيت زيدا مصعدا منحدرا» فمصعدا حال من زيد، ومنحدرا حال من التاء.

وقد تأتي على الترتيب إن أمن اللبس كقولك «لقيت هندا مصعدا منحدرة» وكقول امرئ القيس:

«خرجت بها أمشي تجرّ وراءنا***على أثرينا ذيل مرط مرحّل »

8 ـ الحال مؤسسة أو مؤكدة:

الحال المؤسسة: هي التي لا يستفاد معناها بدونها نحو «أتى عليّ مبشّرا».

والحال المؤكدة: هي التي يستفاد معناها بدونها، وهي على ثلاثة أنواع:

(1) أن تكون إمّا مؤكدة لعاملها معنى دون لفظ نحو {فَتَبَسَّمَ ضاحِكًا} أو لفظا ومعنى نحو {وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا}.

(2) أن تكون مؤكّدة لصاحبها نحو {لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}.

(3) أن تؤكّد مضمون جملة مركّبة من اسمين معرفتين جامدين ومضمون الجملة إمّا فخر كقول سالم اليربوعي:

«أنا ابن دارة معروفا بها نسبي ***وهل بدارة يا للنّاس من عار»

أو تعظيم لغيرك نحو «أنت الرجل كاملا» أو تصغير له نحو «هو مسكين مقهورا» أو غير ذلك نحو «هذا أخوك شفيقا» {هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً}.

وهذه الحال المؤكّدة واجبة التّأخير عن الجملة المذكورة، ومعمولة لمحذوف وجوبا تقديره «أحقه أو أعرفه» أو «أحقني أو أعرفني» لتناسب المبتدأ في الغيبة والحضور.

9 ـ الحال مقارنة أو مقدّرة:

الحال إمّا مقارنة لعاملها كالأمثلة السّابقة ـ وإمّا مقدّرة وهي المستقبلة، وتسمّى حالا منتظرة نحو {فَادْخُلُوها خالِدِينَ} أي مقدّرا خلودكم.

10 ـ الحال حقيقيّة أو سببيّة:

والحال إما حقيقية كالأمثلة السابقة، وإمّا سببيّة ـ وهي التي تتعلّق فيما بعدها وفيها ضمير يعود على صاحب الحال ـ نحو «دخلت على الأمير ضاحكا وجهه».

11 ـ الحال مفرد، وشبه جملة، أو جملة:

الأصل في الحال: أن تكون اسما مفردا نحو {وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} وقد تجيء ظرفا نحو «رأيت الهلال بين السّحاب» وجارّا ومجرورا نحو «رأيت السّبّاح في الماء».

وقد تجيء جملة بثلاثة شروط:

الأوّل: أن تكون خبريّة فليس من الحال قول الشاعر:

«اطلب ولا تضجر من مطلب ***فآفة الطالب أن يضجرا»

فهذه الواو الداخلة على «لا» النّاهية ليست للحال، وإنما هي عاطفة مثل قوله تعالى {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}.

الثاني: أن تكون غير مصدّرة بعلامة استقبال، فليس من الحال: «سيهدين» من قوله تعالى {وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ}.

الثالث: أن تشتمل على رابط، وهو إمّا الواو فقط نحو {قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أو الضّمير فقط نحو {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}، أو هما معا نحو {خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ}.

12 ـ الواو الرّابطة أو الضّمير بدلها

تجب الواو قبل مضارع مقرون بقد نحو {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ}.

وتمتنع الواو ويتعيّن الضّمير في سبعة مواضع:

(1) أن تقع الجملة بعد عاطف نحو {فَجاءَها بَأْسُنا بَياتًا أَوْ هُمْ قائِلُونَ}.

(2) أن تكون الحال مؤكّدة لمضمون الجملة نحو {ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ}.

(3) الجملة الماضويّة الواقعة بعد «إلّا» نحو {وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ}.

(4) الجملة الماضويّة المتلوّة ب «أو» نحو «لأصادقنّه غاب أو حضر».

(5) الجملة المضارعيّة المنفيّة ب «لا» نحو {وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ} ومنه قوله:

«ولو أنّ قوما لارتفاع قبيلة***دخلوا السّماء دخلتها لا أحجب »

(6) المضارعيّة المنفيّة ب «ما» كقوله:

«عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة***فما لك بعد الشّيب صبّا متيّما»

(7) المضارعيّة المثبتة التي لم تقترن ب «قد» نحو {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} و «قدم الأمير تقاد الجنائب بين يديه» وأمّا قول عنترة:

«علّقتها عرضا وأقتل قومها***زعما لعمر أبيك ليس بمزعم »

فالواو عاطفة، والمضارع مؤوّل بالماضي، أي وقتلت قومها، أو الواو للحال، والمضارع خبر لمبتدأ محذوف تقديره، وأنا أقتل قومها.

13 ـ حذف عامل الحال جوازا: قد يحذف عامل الحال جوازا لدليل حاليّ كقولك لقاصد السّفر «راشدا» أي تسافر، وللقادم من الحجّ «مأجورا» أي رجعت، أو دليل مقالي، نحو {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْبانًا} أي صلّوا.

14 ـ حذف عامل الحال وجوبا: يحذف العامل وجوبا في أربعة مواضع:

(1) أن تكون الحال سادّة مسدّ الخبر نحو «إكرامي بكرا قادما».

(2) أن تؤكّد مضمون جملة نحو «عليّ أخوك شفيقا» ف «أخوك» تفيد الشّفقة.

(3) أن تكون مبيّنة لزيادة أو نقص تدريجيّين نحو «تصدّقت بدرهم فصاعدا» أي فذهب المتصدّق به صاعدا.

(4) أن تكون مسوقة للتّوبيخ نحو «أمتوانيا وقد جدّ غيرك» و «أعربيّا حينا وأجنبيّا آخر» أي أتكون عربيا حينا، وتتحوّل أجنبيّا حينا آخر.

15 ـ حذف عامل الحال سماعا:

ويحذف العامل ـ في غير ما تقدّم ـ سماعا نحو «هنيئا لك» أي ثبت لك الخير هنيئا.

معجم النحو-عبدالغني الدقر-صدر: 1395هـ/1975م


10-المعجم المفصل في النحو العربي (الجمل التي لها محل من الإعراب)

الجمل التي لها محل من الإعراب

هي الجمل التي تحل محل المفرد وهي التي تكون غير مستقلّة عما قبلها، وإذا ذكر مكانها المفرد كان معربا. وهي كثيرة منها:

1 ـ الجملة الواقعة «فاعلا» مثل: «سرني أنك ناجح» والتّقدير: سرني نجاحك.

2 ـ الجملة الواقعة «مفعولا به» وتكون إمّا بعد فعل القول، مثل قوله تعالى: {قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ} أو بعد فعل «علم» أو «ظن»، مثل قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ} جملة «أنهم كانوا كاذبين» سدّت مسدّ المفعولين ل «يعلم».

3 ـ الجملة الواقعة نائب فاعل، كقوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآنًا عَجَبًا}.

4 ـ الجملة الواقعة مضافا إليه فتكون في محل جرّ، وتقع بعد الظرف، كقوله تعالى: {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} جملة «ولدت» وقعت بعد الظّرف «يوم». وتقع بعد «حيث» ولا يشترط فيها أن تكون ظرفا، كقوله تعالى: و {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ} فجملة «يجعل رسالته» في محل جرّ بالإضافة إلى حيث. أو إذا وقعت بعد «ريث»، كقول الشاعر:

«خليليّ رفقا ريث أقضي لبانة***من العرصات المذكرات عهودا”

فجملة «أقضي» في محل جرّ بالإضافة إلى «ريث». ارجع إلى الجملة الإضافية.

5 ـ الجملة الواقعة جوابا للشرط الجازم المقترن بالفاء أو بـ «إذا» الفجائية. كقوله تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ} فجملة «فلا هادي له» مقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشّرط الجازم «من». وكقوله تعالى: {إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ} فجملة «هم يقنطون» مقترنة بـ «إذا» الفجائية فهي في محل جزم جواب الشرط الجازم «إن».

6 ـ الجملة الواقعة نعتا لاسم نكرة قبلها، كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} فجملة «ترجعون» في محل نصب نعت «يوما» ارجع إلى الجملة النعتيّة.

7 ـ الجملة الواقعة حالا كقوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى} فالجملة الاسميّة «أنتم سكارى» في محل نصب حال.

ارجع إلى الجملة الحاليّة.

8 ـ الجملة الواقعة خبرا. إمّا أن يكون خبرا للمبتدأ كقوله تعالى: {الم، ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} فكلمة «الم» خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه. وجملة لا ريب فيه خبر المبتدأ «ذلك». وكقوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ} فجملة «تمنّون الموت» في محل نصب خبر «كنتم». وكقوله تعالى: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ} فجملة «يخادعون الله» في محل رفع خبر «إن».

9 ـ الجملة الواقعة بدلا، كقوله تعالى: {ما يُقالُ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ} (8).

10 ـ الجملة الاستثنائيّة كقوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ} بمسيطر {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} جملة «من تولّى» جملة استثنائيّة. ومثلها جملة «كفر».

11 ـ الجملة التابعة لجملة لها محل من الإعراب كقول الشاعر:

«أقول له ارحل لا تقيمنّ عندنا***وإلا فكن في السّرّ والجهر مسلما»

فجملة «لا تقيمن» بدل من الجملة الأولى «ارحل». وكقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} فجملة «هو أعلم» الأولى في محل رفع خبر «إنّ».

وجملة «هو أعلم» الثانية معطوفة عليها بالواو فهي مثلها في محل رفع خبر «إنّ».

المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م


11-المعجم المفصل في النحو العربي (الجملة الإضافية)

الجملة الإضافيّة

الواقعة في محل جرّ بالإضافة وتكون واقعة:

1 ـ بعد الظرف، كقول تعالى: {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} جملة «ولدت» في محل جر بالإضافة والمضاف هو الظرف «يوم» ومثلها «أموت وأبعث» كل منهما جملة فعليّة في محل جرّ بالإضافة والمضاف «اليوم».

2 ـ بعد «حيث» كقوله تعالى: و {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ} فالجملة المؤلفة من «يجعل» ومعموليها في محل جر بالإضافة، والمضاف هو الظرف «يوم».

3 ـ بعد «لدن»، كقول الشاعر:

«صريع غوان شاقهنّ وشقنه ***لدن شبّ حتى شاب سود الذوائب»

حيث وقعت جملة «شب» في محل جر بالإضافة والمضاف هو «لدن».

4 ـ بعد «حين» كقول الشاعر:

«على حين عاتبت المشيب على الصّبا***فقلت: ألمّا أصح والشّيب وازع “

حيث وقعت جملة: «عاتبت المشيب على الصّبا» في محل جر بالإضافة، والمضاف «حين».

5 ـ بعد «إذا» الظرفيّة الشرطيّة، كقول الشاعر:

«إذا ما غزا بالجيش حلق فوقه ***عصائب طير تهتدي بعصائب»

حيث وردت جملة «غزا» في محل جر بإضافة «إذا»، كما أن جملة تهتدي نعت «طير».

6 ـ بعد «آية» بمعنى «علامة» وتضاف إلى الجملة الفعليّة المثبتة، أو المنفيّة بـ «ما»، مثل:

«بآية يقدمون الخيل شعثا***كأن على سنابكها مداما»

فجملة «يقدمون الخيل» جملة فعليّة مثبتة في محل جرّ بالإضافة. «آية» المضاف.

7 ـ بعد «ذو» بغير معنى صاحب، مثل: «انتظر بذي تشفى» فجملة «تشفى» في محل جرّ بالإضافة والتقدير: في وقت يكون لك فيه شفاء.

بعد «ريث» ومعناها بقدر، أو بوقت، كقول الشاعر:

«خليليّ رفقا ريث أقضي لبانة***من العرصات المذكرات عهودا»

فجملة «أقضي لبانه» في محل جر بالإضافة، والمضاف «ريث».

المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م


12-المعجم المفصل في النحو العربي (الحال الثابتة)

الحال الثّابتة

اصطلاحا: هي الحال الملازمة، وتكون الحال ثابتة في ثلاث مسائل:

الأولى: إذا كانت مؤكّدة للجملة قبلها، مثل: «خليل أبوك عادلا» الجملة قبل الحال هي جملة اسميّة مؤلّفة من كلمتين جامدتين والعامل محذوف تقديره: أعرفه عادلا. وكقوله تعالى: {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}.

الثانية: إذا دلّ عاملها على تجدد صاحبها بتكراره نفسه طوال حياته، مثل: «خلق الله الزّرافة يديها أطول من رجليها» «أطول» حال ثابتة «يديها» بدل بعض من كل من الزّرافة.

الثالثة: لا ضابط لها، بل يكون ذلك موقوفا على السّماع، كقوله تعالى: {أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا} وكقوله تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِمًا بِالْقِسْطِ}.

المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م


13-المعجم المفصل في النحو العربي (المنصوبات)

المنصوبات

لغة: جمع منصوب اسم مفعول من نصب الشيء: أقامه.

اصطلاحا: هي الأسماء المعربة التي يكون موقعها النّصب في الكلام. وهي:

1 ـ المفعول به كقوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ}.

2 ـ الاختصاص: «نحن المعلمين أهل الفكر». «المعلّمين»: مفعول به لفعل محذوف تقديره: أخصّ.

3 ـ التحذير: «النار النار»، «النار»: مفعول به لفعل محذوف تقديره: احذر، ومثله: «النار» الثانية. أو هي توكيد للأولى.

4 ـ الإغراء: «الصدق والزكاة» الصّدق: مفعول به لفعل محذوف تقديره: الزم ومثله «الزّكاة».

5 ـ المفعول المطلق: احتفل الطلاب بعيد العلم احتفالا عظيما «احتفالا»: مفعول مطلق.

6 ـ المفعول لأجله: «وقف الطلاب احتراما للمعلم». «احتراما»: مفعول لأجله منصوب.

7 ـ المفعول فيه: كقوله تعالى: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}. بكرة: مفعول فيه ومثله «أصيلا».

8 ـ المفعول معه، مثل: «كيف حالك والدرس». «الدرس»: مفعول معه منصوب.

9 ـ الحال، كقوله تعالى: {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ، وَيَوْمَ أَمُوتُ، وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}.

«حيّا»: حال منصوب.

10 ـ التّمييز، كقوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} «شيبا»: تمييز منصوب.

11 ـ المستثنى، كقول الشاعر:

«وما لي إلّا آل أحمد شيعة***وما لي إلّا مذهب الحقّ مذهب»

«آل»: مستثنى منصوب ومثله: «مذهب».

12 ـ المنادى: كقوله تعالى: {يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} «معشر»: منادى منصوب لأنه مضاف.

13 ـ اسم إن وأخواتها، كقول الشاعر:

«نيّ إنّ أباك كارب يومه ***فإذا دعيت إلى المكارم فاعجل»

أباك اسم «إنّ» منصوب بالألف لأنه من الأسماء السّتّة وهو مضاف والكاف: في محل جر بالإضافة.

14 ـ خبر الحروف المشبهة بليس. كقول الشاعر:

«إن هو مستوليا على أحد***إلّا على أضعف المجانين»

مستوليا: خبر «إن» المشبّهة بـ «ليس» منصوب.

15 ـ نعت المنصوب، كقوله تعالى: {قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْمًا جَبَّارِينَ} «جبّارين» نعت قوما منصوب بالياء لأنه جمع مذكّر سالم.

16 ـ توكيد المنصوب، كقول الشاعر:

«فإيّاك إيّاك المراء فإنّه ***إلى الشّرّ دعاء وللشّرّ جالب»

«إيّاك»: ضمير منفصل مبنيّ على الفتح في محلّ نصب مفعول به لفعل التّحذير المحذوف تقديره أحذرك. «إيّاك»: الثانية توكيد للأولى.

17 ـ اسم «لا» النافية للجنس، كقول الشاعر:

«أودى الشباب الذي مجد عواقبه ***فيه نلذّ ولا لذّات للشّيب»

«لذات»: اسم «لا» مبنيّ على الكسر لأنه جمع مؤنّث سالم. وكقول الشاعر:

«هذا لعمركم الصّغار بعينه ***لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب»

«أمّ»: اسم «لا» منصوب وهو مضاف.

و «الياء»: ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة و «اللّام» مقحمة بين المضاف والمضاف إليه.

18 ـ المعطوف على المنصوب، مثل: «إنّ الله والملائكة يصلّون على النبي» «الملائكة»: معطوف على الله منصوب بالفتحة.

19 ـ البدل من المنصوب، مثل: «إن أخاك سميرا قادم من السّفر». «سميرا» بدل من «أخاك» منصوب بالفتحتين.

20 ـ النائب عن المفعول فيه، مثل: «نمت قليلا». «قليلا»: نائب عن المفعول فيه والتقدير: «وقتا قليلا».

21 ـ النائب عن الظّرف، مثل: «لا أكلّم الفاسق الفرقدين» أي طيلة ظهورهما: أي اللّيل والنهار.

22 ـ خبر النّواسخ: «كان» و «كاد» وأخواتهما. كقول الشاعر:

«فإن لم تك المرآه أبدت وسامة***فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم»

جملة «أبدت وسامة» جملة فعليّة في محل نصب خبر «تك».

أسماؤها الأخرى: الأسماء المنصوبة. الأسماء المنتصبة.

المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م


14-المعجم المفصل في علم الصرف (ذكر أحكام حروف الحلق في الإدغام)

ذكر أحكام حروف الحلق في الإدغام

«للحلق ثلاثة مخارج: فمن أقصاه الألف، والهمزة والهاء، ومن وسطه العين والحاء، ومن أدنى مخارج الحلق إلى اللسان مخرج الغين والخاء».

أما الألف والهمزة فلا يدغمان في شيء، ولا يدغم فيهما شيء والسبب في ذلك أنّ إدغام المتقاربين محمول على إدغام المثلين. فلما امتنع فيهما إدغام المثلين امتنع فيهما إدغام المتقاربين.

وأما الهاء فليس لها من مخرجها ما يدغم فيها أو تدغم فيه، لأنها من مخرج الألف والهمزة، فلم يبق لها ما تدغم فيه إلّا ما هو من المخرج الذي يلي مخرجها.

فإذا اجتمعت مع الحاء فلا يخلو أن تتقدّم الحاء أو تتقدّمها الحاء. فإن تقدّمت على الحاء جاز الإدغام والبيان، نحو: «اجبه حاتما»: إن شئت لم تدغم، وإن شئت قلبت الهاء حاء، وأدغمت الحاء في الحاء فقلت: «اجبحّاتما»، لأنهما متقاربان ليس بينهما شيء، إلّا أنّ الحاء من وسط الحلق، وهما مهموسان. وإنما قلبت الأوّل إلى جنس الثاني ولم تقلب الثاني إلى جنس الأوّل. لأنّ الذي ينبغي أن يغيّر بالقلب الأوّل كما غيّر بالإسكان؛ ألا ترى أنّ الذي يسكن لأجل الإدغام إنما هو الأول. فإن قلب الثاني إلى جنس الأوّل في موضع ما فلعلّة، وسيبيّن ما جاء من ذلك في موضعه. والبيان وترك الإدغام أحسن لاختلاف المخرجين، ولأنّ حروف الحلق ليست بأصل للإدغام لقلّتها، والتصرّف بابه أن يكون فيما يكثر.

وإن تقدّمتها الحاء، نحو: «امدح هلالا» فالبيان، ولا يجوز الإدغام. والعلّة في ذلك أنّ المخرجين، كما تقدّم، قد اختلفا مع أنّ الإدغام في حروف الحلق ليس بأصل.

وأيضا فإنك لو أدغمت لوجب أن تقلب الأوّل إلى الثاني على أصل الإدغام، فكنت تقلب الحاء هاء، وذلك لا يجوز لأنّ الهاء أدخل في الحلق من الحاء ولا يقلب الأخرج إلى الفم إلى جنس الأدخل في الحلق. والسبب في ذلك أنّ حروف الفم أخفّ من حروف الحلق، ولذلك يقل اجتماع الأمثال في حروف الحلق. وما قرب من حروف الحلق إلى الفم كان أخفّ من الذي هو أدخل منه في الحلق. فكرهوا لذلك تحويل الأخرج إلى جنس الأدخل، لأن في ذلك تثقيلا، فإن أردت الإدغام قلبت الهاء حاء. وأدغمت، فقلت: «امد حّلالا» وجاز قلب الثاني لمّا تعذّر قلب الأوّل، وليكون الإدغام فيما هو أقرب إلى حروف الفم التي هي أصل للإدغام في مثل هذا أقلّ من الإدغام في مثل «اجبه حاتما» لأنّ الباب ـ كما تقدّم ـ أن يحوّل الأوّل إلى الثاني.

فإن اجتمعت مع العين فالبيان ـ تقدّمت العين أو تأخّرت ـ ولا يجوز الإدغام إلا أن تقلب العين والهاء حاء، ثم تدغم الحاء في الحاء. وذلك نحو قولك: «اجبحّتبة» و «اقطحّاذا» و «ذهب محّم» تريد: «اجبه عتبة» و «اقطع هذا» و «ذهب معهم». وهي كثيرة في كلام بني تميم. وإنما لم تدغم إلّا بتحويل الحرفين، لأنك لو قلبت العين إلى الهاء كنت قد قلبت الأخرج إلى جنس الأدخل. وقد تقدّم ذلك. ولو قلبت الهاء إلى العين لاجتمع لك عينان، وذلك ثقيل، لأنّ العين قربية من الهمزة، فكما أنّ اجتماع الهمزتين ثقيل فكذلك اجتماع العينين. وأيضا فإنها بعيدة من الهاء لأنها ليست من مخرجها وتباينها في الصفة، لأنّ العين مجهورة والهاء مهموسة، والعين بين الشدّة والرّخاوة والهاء رخوة. فكرهوا أن يقلبوا واحدة منهما إلى الأخرى، للتباعد الذي بينهما. فلذلك أبدلوا منهما الحاء، لأنّ الحاء من مخرج العين، وتقارب الهاء في الهمس والرّخاوة.

وأما العين إذا اجتمعت مع الحاء، فلا يخلو أن تتقدّم أو تتقدّم الحاء. فإن تقدّمت كنت بالخيار: إن شئت أدغمت فقلبت العين حاء، وإن شئت لم تدغم، نحو: «اقطع حّبلا». وحسّن الإدغام هنا كونهما من مخرج واحد.

وإن تقدّمت الحاء بيّنت ولم تدغمها في العين، لأنّ العين أدخل في الحلق. ولا يقلب الأخرج إلى الأدخل لما تقدّم. وأيضا فإن اجتماع العينين ثقيل كما تقدّم فإن أردت الإدغام قلبت العين حاء، وأدغمت الحاء في الحاء، لأنه قد تقدّم أنّ الثاني قد يقلب إذا تعذّر قلب الأوّل.

وأما الغين مع الخاء فإنه يجوز فيهما البيان والإدغام، وكلاهما حسن، لأنهما من مخرج واحد. وإذا أدغمت قلبت الأوّل منهما إلى الثاني، كائنا ما كان، نحو «اسلخ

غّنمك» و «ادمغ خّلفا» وإنما جاز قلب الخاء غينا، وإن كانت أخرج إلى الفم منها، لأنّ الغين والخاء لقرب مخرجهما من الفم، أجريا مجرى حروف الفم، وحروف الفم يجوز فيها قلب الأخرج إلى الأدخل.

ومما يبيّن أنهما يجريان مجرى حروف الفم أنّ العرب قد تخفي معهما النون، كما تفعل بها مع حروف الفم، على ما يبيّن بعد.

ولهذه العلّة بنفسها لم يجز إدغام واحد من الحاء، والعين، والهاء في الغين والخاء، أعني لكونهما قد أجريا مجرى حروف الفم. فكما أنّ حروف الحلق لا تدغم في حروف الفم، فكذلك لا تدغم الهاء، والحاء ولا العين.

هذا مذهب سيبويه. وحكى المبرّد أن من النحويين من أجاز إدغام العين والحاء في الغين والخاء. نحو قولك «امد غالبا» و «امد خّلفا»، و «اسمغّالبا» و «اسمخّلفا». تريد: امدح غالبا، وامدح خلفا، واسمع غالبا، واسمع خلفا. وزعم أنّ ذلك مستقيم في اللغة، معروف جائز في القياس، لأنّ الخاء والغين أدنى حروف الحلق إلى الفم. فإذا كانت الهاء تدغم في الحاء، والهاء من المخرج الأوّل من الحلق، والحاء من الثاني، وليست حروف الحلق بأصل للإدغام، فالمخرج الثالث أولى أن يدغم فيما كان بعده، لأنّ ما بعده متّصل بحروف الفم، التي هي أصل للإدغام؛ ألا ترى أنّهم أدغموا الباء في الفاء من الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا، فقالوا: «إذهفّي ذلك» و «اضر فّرجا»، لقرب الفاء من حروف الفم.

ذكر حكم حروف الفم في الإدغام

فأولها مما يلي حروف الحلق ـ كما تقدّم ـ القاف والكاف وكلّ واحد منهما يدغم في صاحبه، فتقول: «الحق كّلدة»، و «انهك قّطنا» ترفع اللسان بهما رفعة واحدة. والبيان والإدغام في «الحق كّلدة» حسنان. والبيان في «انهك قّطنا» أحسن من الإدغام، لقرب القاف والكاف من حروف الحلق، وحروف الحلق ـ كما تقدّم ـ لا يجوز إدغام الأخرج منها في الأدخل. فلذلك ضعف إدغام الكاف، التي هي الأخرج، في القاف التي هي أدخل، كما شبّه أقرب حروف الحلق إلى اللسان، وهما الغين والخاء، بحروف اللسان، فأخفيت النون الساكنة عندهما كما تقدّم.

ولا يجوز إدغام كلّ واحد من القاف والكاف في غيرهما، ولا غيرهما فيهما.

ثم الجيم والشين والياء:

أما الجيم فإنها تدغم في الشين خاصّة، كقولك: «ابعج شّبثا» ويجوز البيان، وكلاهما حسن. وإنما جاز إدغامها فيها لكونهما من حروف وسط اللسان.

ولم يجز إدغامها في الياء وإن كانت من

مخرجها، لأن الياء حرف علّة وحروف العلة بائنة من جمع الحروف، بأنها لا يمدّ صوت إلّا بها، ولأنّ الحركات بعضها. ولذا كانت منفردة بأحكام لا توجد لغيرها، ألا ترى أنك تقول «عمرو» و «بكر» و «نصر» وما أشبه ذلك في القوافي، فيعادل الحروف بعضها بعضا، ولو وقعت ياء أو واو بحذاء حرف من هذه الحروف نحو «جور» و «خير» لم يجز.

وكذلك تكون القافية مثل «سعيد» و «قعود»، ولو وقع مكان الياء والواو غيرهما لم يصلح، وتحذف لالتقاء الساكنين في الموضع الذي يحرّك فيه غيرها، نحو: «يغزو القوم» و «يرمي الرجل» و «مثنى القوم» فصارت لذلك قسما برأسه. فلذلك لم تدغم في غيرها، ولا أدغم غيرها فيها، ما عدا النون فإنها أدغمت فيها، لعلّة تذكر في موضعها.

ولا يدغم في الجيم من مخرجها شيء: أمّا الشين فلم تدغم فيها لأنّ فيها تفشّيا، فكرهوا إذهابه بالإدغام، وأيضا فإنّ الشين بتفشّيها لحقت بمخرج الطاء والدال، فبعدت عن الجيم. وأما الياء فلم تدغم لما تقدّم من ذكر العلّة المانعة من إدغام الياء والواو في حروف الصحّة.

ويدغم فيها من غير مخرجها ستّة أحرف، وهي: الطاء، والدال، والتاء، والظاء، والذال، والثاء، نحو: «لم يربط جّملا» و «قد جّعلّ» و «وجبت جّنونها» و «احفظ جّابرا»، و «انبذ جّعفرا» و «ابعث جّامعا».

وإنما جاز إدغام هذه الأحرف في الجيم، وإن لم تكن من مخرجها، لأنها أخت الشين وهي معها من مخرج واحد. فكما أنّ هذه الأحرف تدغم في الشين، فكذلك أدغمت في أختها، وهي الجيم، حملا عليها. والبيان في جميع ذلك أحسن للبعد الذي بينها وبينهن. وإذا أدغمت الطاء والظاء في الجيم، فالأحسن أن تبقي الإطباق الذي فيهما، لئلّا تخلّ بهما وتضعفهما، بزوال الإطباق منهما. وقد يجوز أن تذهب الإطباق جملة.

وأما الشين فإنها لا تدغم في شيء.

وسبب ذلك أنها متفشّية، كما تقدم، والإدغام في مقاربها يذهبه، فيكون ذلك إخلالا بها.

وتدغم فيها الجيم ـ وقد تقدّم ذكر ذلك ـ والطاء، والدال، والتاء، والظاء، والذال، والثاء، واللّام. أمّا إدغام الجيم فيها فلكونهما من مخرج واحد. وأما إدغام سائر الحروف فيها فلأنّها استطالت بالتفشي الذي فيها، حتى اتصلت بمخرجها، فجرت لذلك مجرى ما هو من مخرج واحد. والبيان عربيّ جيدّ، لبعد ما بينها وبينهنّ.

وأما الياء فلا تدغم في حرف صحيح أصلا، وقد تقدّم سبب ذلك. وتدغم في الواو، لأنها شابهتها في اللّين والاعتلال، إلا أنّ الواو هي التي تقلب لجنس الياء، تقدّمت أو تأخّرت، لأنّ القصد بالإدغام

التخفيف والياء أخفّ من الواو، فقبلوا الواو ياء على كل حال ـ وأيضا فإنّ الواو من الشّفة، والياء من حروف الفم، وأصل الإدغام أن يكون في حروف الفم، نحو: «سيّد» و «ميّت». الأصل فيهما: «سيود» و «ميوت»، و «طيّ»، و «ليّ» الأصل فيهما: «طوي»، و «لوي».

ولا يدغم فيها حرف صحيح أصلا، إلّا النون نحو «من يّوقن». والسبب في أن أدغمت النون وحدها، من بين سائر الحروف الصحاح، في الياء، أنّ النون غنّاء فأشبهت بالغنّة التي فيها الياء، لأنّ الغنّة فضل صوت في الحرف، كما أنّ اللّين فضل صوت في حروف العلّة وأيضا فإنّ النون قربية في المخرج من الواو التي هي أخت الياء. ويدغم فيها الواو لتشاركهما في الاعتلال واللّين، كما تقدّم. وذلك نحو: «طويت طيّا» و «لويت ليّا».

ثم الضاد ولا تدغم في شيء من مقارباتها. وسبب ذلك أنّ فيها استطالة وإطباقا واستعلاء، وليس في مقارباتها ما يشركها في ذلك كلّه. فلو أدغمت لأدّى ذلك إلى الإخلال بها، لذهاب هذا الفضل الذي فيها.

فأما إدغام بعضهم لها في الطاء بقوله: «مطّجع» يريد: «مضطجعا». فقليل جدّا، ولا ينبغي أن يقاس. والذي شجّعه على ذلك أشياء، منها: موافقة الضاد للطاء في الإطباق الذي فيها والاستعلاء وقربها منها في المخرج ووقوعها معها في الكلمة الواحدة أكثر من وقوعها في الانفصال، لأنّ الضاد التي تكون آخر كلمة لا يلزمها أن يكون أوّل الكلمة التي تليها طاء، ولا يكثر ذلك فيها بخلاف «مضطجع». فلمّا اجتمعت هذه الأسباب أدغموا، واغتفروا لها ذهاب الاستطالة التي في الضاد.

وتدغم فيها الطاء، والدال، والتاء، والظاء، والذال، والثاء، واللّام. وذلك نحو: «هل ضّلّ زيد»، و «ابعث ضّرمة» قال سبيويه: «وسمعنا من يوثق بعربيّته قال:

ثار، فضجّت ضّجّة ركائبه

«فأدغم التاء في الضاد»، و «اضبط ضّرمة»، و «احفظ ضّرمة»، و «خذ ضّرمة»، و «قد ضّعف». أما اللّام فأدغمت فيها، لقربها منها في المخرج. وأما سائر الحروف فإنّ الضاد، بالاستطالة التي فيها، لحقت مخرج الطاء، والدال، والتاء، لأنها اتصلت بمخرج اللّام، وتطأطأت عن اللّام حتى خالطت أصول ما اللّام فوقه، إلّا أنها لم تقع من الثنيّة موقع الطاء لانحرافها، لأنك تضع لسانك للطاء بين الثّنيّتين. وقربت بسبب ذلك من الظاء، والذال، والثاء، لأنهنّ من حروف طرف اللسان والثنايا، كالطاء وأختيها. والبيان عربيّ جيّد، لتباعد ما بينها وبينهنّ.

ثم اللّام والنون والراء:

أما اللّام فإنها تدغم في ثلاثة عشر حرفا، وهي: التاء، والثاء، والدال، والذال، والراء، والزاي، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والنون. وإنما أدغمت في هذه الحروف لموافقتها لها. وذلك أنّ اللّام من طرف اللسان، وهذه الحروف: أحد عشر حرفا منها حروف طرف اللسان، وحرفان منها ـ وهما الضاد والسين ـ يخالطان طرف اللسان. وذلك أنّ الضاد لاستطالتها اتّصلت بمخرج اللّام، وكذلك الشين بالتفشّي الذي فيها لحقت أيضا مخرجها.

فإن كانت اللّام للتعريف التزم الإدغام، ولم يجز البيان. والسبب في ذلك أنه انضاف إلى ما ذكرناه من الموافقة كثرة لام المعرفة في الكلام؛ ألا ترى أنّ كلّ نكرة أردت تعريفها أدخلت عليها اللّام التي للتعريف إلّا القليل منها. وكثرة دور اللفظ في الكلام تستدعي التخفيف. وأيضا فإنّ لام المعرفة قد تنزّلت منزلة الجزء مما تدخل عليه، وعاقبها التنوين. واجتماع المتقاربين فيما هو كالكلمة الواحدة أثقل من اجتماعهما فيما ليس كذلك. فلمّا كان فيها ثلاث موجبات للتخفيف ـ وهي: ثقل اجتماع المتقاربات، وكثرة التكلم بها، وأنها مع ما بعدها كالكلمة الواحدة ـ التزم فيها الإدغام.

وإن كانت لغير تعريف أدغمت لأجل المقاربة، وجاز البيان لأنها لم يكثر استعمالها ككثرة لام التعريف، ولا هي مع ما بعدها بمنزلة كلمة واحدة كما أنّ لام التعريف كذلك. والإدغام إذا كانت اللّام ساكنة أحسن منه إذا كانت متحرّكة، نحو: «جعل رّاشد». وإدغامها في بعض هذه الحروف أحسن منها في بعض:

فإدغامها في الراء نحو «هل رّأيت» أحسن من إدغامها في سائرها، لأنها أقرب الحروف إليها، وأشبهها بها، حتى إنّ بعض من يصعب عليه إخراج الراء يجعلها لاما.

وإدغامها في الطاء، والتاء، والدال، والصاد، والسين، والزاي، يلي في الجودة إدغامها في الراء. لأنها أقرب الحروف إليها بعد الراء.

وإدغامها في الثاء، نحو: (هَلْ ثُوِّبَ) وقد قرأ به أبو عمرو ـ والذال والظاء يلي ذلك، لأنّ هذه الثلاثة من أطراف الثنايا، وقد قاربن مخرج ما يجوز إدغام اللام فيه وهو الفاء.

وإدغامها في الضاد والشين يلي ذلك، لأنهما ليسا من حروف طرف اللسان كاللّام. وإنّما اتصلتا بحروف طرف اللسان، بالاستطالة التي في الضاد، والتفشّي الذي في الشين، كما قدّمنا. ومن إدغامها في الشين قول طريف بن تميم:

«تقول إذا استهلكت مالا للذّة***فكيهة: هشّيء بكفيّك لائق؟»

يريد: هل شيء.

وإدغامها في النون دون ذلك كلّه، والبيان أحسن منه. وإنما قبح إدغامها في النون، وإن كانت أقرب إلى اللّام من غيرها من الحروف التي تقدّم ذكرها، لأنه قد امتنع أن يدغم في النون من الحروف التي أدغمت هي فيها إلّا اللّام. فكأنهم استوحشوا الإدغام فيها وأرادوا أن يجروا اللّام مجرى أخواتها من الحروف التي يجوز إدغام النون فيها، فكما أنه لا يجوز إدغام شيء منها في النون كذلك ضعف إدغام اللّام فيها.

ولا يدغم إلّا النون على ما يبيّن في فصل النون.

وأما النون فلها خمسة مواضع: موضع تظهر فيه، وموضع تدغم فيه، وموضع تخفى فيه، وموضع تقلب فيه ميما، وموضع تظهر فيه وتخفى:

فالموضع الذي تظهر فيه خاصّة إذا كان بعدها هاء أو همزة أو حاء أو عين، نحو: «منها»، و «ينأى»، و «منحار»، و «منعب».

والموضع الذي تظهر فيه وتخفى إذا وقعت بعدها الغين أو الخاء، نحو «منغلّ»، و «منخل».

والموضع الذي تدغم فيه إذا كان بعدها حرف من حروف «ويرمل».

والموضع الذي تقلب فيه إذا كان بعدها باء.

والموضع الذي تخفى فيه إذا كان بعدها حرف من سائر حروف الفم الخمسة عشر.

فأدغمت في خمسة الأحرف المتقدّمة الذكر لمقاربتها لها: أما مقاربتها للرّاء واللّام ففي المخرج. وأما مقاربتها للميم ففي الغنّة، ليس حرف من الحروف له غنّة إلّا النون والميم. ولذلك تسمع النون كالميم ويقعان في القوافي المكفأة فلا يكون ذلك عيبا، نحو قوله:

«ما تنقم الحرب العوان منّي ***بازل عامين، حديث سنّي »

لمثل هذا ولدتني أمّي

وأما مقاربتها للياء والواو فلأنّ في النون غنّة تشبه اللين في الياء والواو، لأنّ الغنّة فضل صوت في الحرف كما أنّ اللّين كذلك. وهي من حروف الزيادة كما أنّ الياء والواو كذلك، وتزاد في موضع زيادتهما تقول «عنسل»، و «جحنفل»، و «رعشن» كما تقول: «كوثر»، و «صيقل»، و «جدول»، و «عثير»، و «ترقوة»، و «عفرية». وأيضا فإنها قد أدغمت فيما قارب الواو في المخرج، وهو الميم، وفيما هو على طريق الياء وهو الراء؛ ألا ترى أنّ الألثغ بالراء يجعلها ياء. فأدغمت النون في الياء والواو كما أدغمت في الميم والراء. فلمّا قاربت النون هذه الحروف الخمسة أدغمت فيها.

ولا يجوز البيان إن كانت النون ساكنة. فإن كانت متحرّكة جاز، لفصل الحركة بين المتقاربين، لأنّ النيّة بالحركة أن تكون بعد الحرف، وذلك نحو: «ختن مّوسى».

وإذا أدغمت في الراء، واللّام، والواو، والياء، كان إدغامها بغنّة، وبغير غنّة. أما إدغامها بغير غنّة فعلى أصل الإدغام، لأنك إذا أدغمتها صار اللفظ بها من جنس ما تدغم فيه. فإذا كان ما بعدها غير أغنّ ذهبت الغنّة، لكونها تصير مثله. ومن أبقى الغنّة، فلأنها فصل صوت، فكره إبطالها. فحافظ عليها بأن أدغم، وأبقى بعضا من النون وهو الغنّة. وإبقاؤها عندي أجود، لما في ذلك من البيان للأصل والمحافظة على الغنّة.

وإذا أدغمت في الميم قلبت إلى جنسه، ولم يبق لها أثر ولست بمحتاج إلى غنّة النون، لأنّ الميم فيها غنّة، فإذا قلبتها ميما محضة لم تبطل الغنّة.

وزعم سيبويه أنها مع ما تدغم فيه مخرجها من الفم، لا من الخياشيم، لأنها لو كانت تدغم في حروف الفم، وهي من الخياشيم، لتفاوت ما بينها، ولا يدغم الأبعد في الأبعد. ووافقه المبرّد في جميع ذلك، إلّا الميم لأنها من الشفة، فلو كانت النون المدغمة فيها من الفم لبعدت من الميم. قال: ولكن مخرجها مع الميم من الخياشيم، لأنّ الميم تخرج من الشفة، وتصير إلى الخياشيم للغنّة التي فيها، فأدغمت فيها النون لتلك المجاورة.

ومذهب سيبويه عندي أولى، لأنّ النون التي في الفم تصير أيضا إلى الخياشيم، للغنّة التي فيها، كما كان ذلك في الميم.

وقلبت مع الباء ميما، ولم تدغم فيها، لأنّ الباء لا تقارب النون في المخرج كما قاربتها الراء واللّام، ولا فيما يشبه الغنّة وهو اللّين، ولا في الغنّة كما قاربتها الميم. فلمّا تعذّر إدغامها في الباء قلبت معها ميما، لأنّ الباء من مخرج الميم فعوملت معاملتها، فلمّا قلبت النون مع الميم ميما قلبت ميما أيضا مع الباء. وأمن الالتباس، لأنه ليس في الكلام ميم ساكنة قبل باء.

وأظهرت مع الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، لبعد ما بينها وبينهنّ، فلم تغيّر النون بإدغام، ولا بشبهه الذي هو الإخفاء. وأيضا فإنّ حروف الحلق أشدّ علاجا، وأصعب إخراجا، وأحوج إلى تمكين آلة الصوت من غيرها. فإخراجها لذلك يحتاج إلى اعتمادات تكون في اللسان، والنون الساكنة الخفيّة مخرجها من الخيشوم، فلا

علاج في إخراجها ولا اعتماد. فإذا كانت قبل حروف الحلق تعذّر النّطق بحروف الحلق، لأنّ النون تستدعي ترك الاعتماد، وحروف الحلق تطلب الاعتماد. فإذا بيّنت النون قبلها أمكن إخراجها، لأنّ النون البيّنة مخرجها من اللسان، فهي أيضا تطلب الاعتماد كسائر حروف اللسان.

وأما جواز خفائها وإظهارها مع الخاء والغين، فلأنهما من أقرب حروف الحلق إلى الفم. فمن أجراهما مجرى ما تقدّمهما من حروف الحلق أظهر النون معهما. ومن أجراهما مجرى ما يليهما من حروف الفم ـ وهو القاف والكاف ـ أخفى النون معهما كما يخفيها مع القاف والكاف.

وأما إخفاؤها مع الخمسة عشر حرفا من حروف الفم الباقية فلأنها اشتركت معها في كونها من حروف الفم. وأيضا فإنها ـ وإن كانت من حروف اللسان ـ فبالغنّة التي فيها، التي خالطت الخياشيم، اتّصلت بجميع حروف الفم. فلمّا أشبهتها فيما ذكرنا، وكانت قد أدغمت في بعض حروف الفم، غيّروها بالإخفاء معها كما غيّروها بالإدغام والقلب مع حروف «ويرمل» من حروف الفم، لأنّ الإخفاء شبيه بالإدغام. ولم يغيّروها بالإدغام، لأنهم أرادوا أن يفرّقوا بين ما يقاربها من حروف الفم في المخرج ـ كاللّام والراء ـ وفي الصفة ـ كالميم والياء والواو ـ وبين ما ليس كذلك، فجعلوا التغيير الأكثر للأقرب، والتغيير الأقلّ للأبعد.

ولم يسمع من كلامهم تسكين النون المتحركة، إذا جاءت قبل الحروف التي تخفى معها، كما تسكّن مع الحروف التي تدغم معها. فلم يقولوا: «ختن سليمان» كما قالوا: «ختن مّوسى». لكن إن جاء ذلك لم يستنكر، لأنّ الإخفاء نوع من الإدغام.

ولا يدغم في النون شيء إلّا اللّام. وقد تقدّم ذلك في فصل اللّام.

وأما الراء فلا تدغم في شيء، لأن فيها تكريرا؛ ألا ترى أنك إذا نطقت بها تكرّرت في النطق. فلو أدغمتها فيما يقرب منها ـ وهو اللّام والنون ـ لأذهب الإدغام ذلك الفضل الذي فيها من التكرير، لأنها تصير من جنس ما تدغم فيه، وما تدغم فيه ليس فيه تكرير. فلمّا كان الإدغام يفضي إلى انتهاكها بإذهاب ما فيها من التكرار لم يجز، وقد روي إدغامها في اللّام، وسأذكر وجه ذلك في إدغام القرآن إن شاء الله تعالى.

ولا يدغم فيها إلّا اللّام والنون، وقد تقدّم ذكر ذلك في فصليهما.

ثم الطاء، والدال، والتاء، والظاء، والذال، والثاء. كلّ واحدة منهن تدغم في الخمسة الباقية، وتدغم الخمسة الباقية فيه.

وتدغم أيضا هذه الستّة في الضاد، والجيم، والشين، والصاد، والزاي، والسين. ولم يحفظ سيبويه إدغامها في

الجيم. ولا يدغم فيهنّ من غيرهن إلّا اللّام. وسواء كان الأول منهما متحرّكا أو ساكنا، إلّا أنّ الإدغام، إذا كان الأوّل منهما ساكنا أحسن منه إذا كان الأوّل متحركا لأنه يلزم فيه تغييران: أحدهما تغيير الإدغام، والآخر تغيير بإسكان الأوّل.

وإنما جاز إدغامها فيما ذكر لتقاربها في المخرج بعضها من بعض، ولمقاربتها حروف الصفير في المخرج أيضا كما بيّن في مخارج الحروف.

وأما الضاد والشين ـ وإن لم تقاربهما في المخرج ـ فإنّ التقارب بينهما وبينها من حيث لحقت الضاد، باستطالتها، والشين، بتفشّيها مخرجها. والضاد أشبه بها من الشين، لأن الضاد قد أشبهتها من وجه آخر، أنها مطبقة كما أنّ الطاء والظاء كذلك.

وأما إدغامها في الجيم فحملا على الشين، لأنهما من مخرج واحد. والإدغام في جميع ما ذكر أحسن من البيان. والسبب في ذلك أنّ أصل الإدغام لحروف طرف اللسان والفم، بدليل أنّ حروف الحلق يدغم منها الأدخل في الأخرج، لأنه يقرب بذلك من حروف الفم. ولا يدغم الأخرج في الأدخل، لأنه يبعد بذلك من حروف الفم، ويتمكّن في الحلق.

وإنما كان الإدغام في حروف الفم وطرف اللسان أولى لكثرتها، وما كثر استدعى التخفيف. وأكثر حروف الفم من طرف اللسان، لأنّ حروف الفم تسعة عشر. منها اثنا عشر حرفا من طرف اللسان. فلذلك حسن الإدغام في هذه الحروف.

والبيان في بعضها أحسن منه في بعض، وذلك مبنيّ على القرب بين الحرفين. فما كان أقرب إلى ما بعده كان إدغامه أحسن. وذلك أن الإدغام إنما كان بسبب التقارب، فإذا قوي التقارب قوي الإدغام، وإذا ضعف ضعف الإدغام.

فتبيين هذه الستة الأحرف إذا وقعت قبل الجيم أحسن من بيانها إذا وقعت قبل الشين، لأنّ إدغامها في الجيم بالحمل على إدغامها في الشين. بل لم يحفظ سيبويه إدغامها في الجيم كما تقدّم.

وتبيينها إذا وقعت قبل الشين أحسن من تبيينها إذا وقعت قبل الضاد، لأنّ الشين أبعد منها من الضاد، لأنّ الشين أشبهتها من جهة واحدة، وهو اتصالها بمخرجها بالتفشّي الذي فيها ـ كما تقدّم ـ والضاد أشبهتها من وجهين، وهما: اتصالها بها بسبب الاستطالة، وشبهها بالطاء والظاء بسبب الإطباق كما ذكر.

وتبيينها قبل الضاد أحسن من تبيينها قبل الصاد والسين والزاي، لأنّ الضاد أبعد منها لأنها لا تقاربها في المخرج، وحروف الصفير تقاربها في المخرج.

وتبيينها قبل حروف الصفير أحسن من

تبيين بعضها قبل بعض، لأنّ بعضها أقرب إلى بعض في المخرج من حروف الصفير إليها.

وتبيين الطاء، والدال، والتاء، إذا وقعت قبل الظاء، والثاء، والذال، أو وقعت الظاء، والثاء، والذال، قبلها، أحسن من تبيين الطاء، والدال، والتاء، إذا وقع بعضها قبل بعض، والظاء، والثاء، والذال، إذا وقع بعضها قبل بعض. لأنّ الظاء وأختيها بعضها أقرب إلى بعض منها إلى الطاء وأختيها، وكذلك الطاء وأختاها بعضها أقرب إلى بعض منها إلى الظاء وأختيها.

وتبيين الظاء وأختيها إذا وقع بعض منها قبل بعض أحسن من تبيين الطاء وأختيها إذا وقع بعض منها قبل بعض، لأنّ في الظاء وأختيها رخاوة فاللسان يتجافى عنهنّ؛ ألا ترى أنّك إذا وقفت عليهنّ رأيت طرف اللسان خارجا عن أطراف الثنايا، فكأنها خرجت عن حروف الفم إذ قاربت الشفتين. والطاء وأختاها ليست كذلك؛ ألا ترى أنّ الأسنان العليا منطبقة على الأسنان السفلى، واللسان من وراء ذلك فلم يتجاوز الفم. والإدغام ـ كما تقدّم ـ أصله أن يكون في حروف الفم.

وإذا أدغمت التاء، والدال، والثاء، والذال في شيء مما تقدّم أنهنّ يدغمن فيه، قلبت إلى جنسه. قال:

ثار. فضجّت ضّجّة ركائبه

فقلب التاء ضادا. وقال ابن مقبل:

«وكأنّما اغتبقت صّبير غمامة***بعرا، تصفّقه الريّاح، زلالا»

فقلبت التاء صادا.

وإذا أدغمت الطاء والظاء في مطبق، مثل أن يدغما في الصاد والضاد، أو يدغم أحدهما في الآخر، قلب المدغم إلى جنس ما يدغم فيه.

وإذا أدغما في غير مطبق، مثل أن يدغما في الدال والتاء، فالأفصح ألّا يقلبا إلى جنس ما يدغمان فيه بالجملة، بل يبقى الإطباق، وبعض العرب يذهب الإطباق.

وإذهاب الإطباق منهما، مع ما كان من غير المطبقات أشبه بهما أحسن من إذهابه مع ما لم يكن كذلك. فإذهاب الإطباق من الطاء مع الدال، لأنهما قد اجتمعا في الشدّة، أحسن من إذهابه مع التاء لأنها مهموسة. وإذهاب الإطباق من الظاء مع الزاي، لأنهما مجهوران، أحسن من إذهابه مع الثاء لأنها مهموسة. وتمثيل الإدغام في ذلك بيّن لا يحتاج إليه.

ولا يدغم في الحروف المذكورة من غيرها إلّا اللّام. وقد تبيّن ذلك في فصل اللّام.

ثم الصاد والسين والزاي: كلّ واحدة منهن تدغم في الأخرى، لتقاربهنّ في المخرج، واجتماعهنّ في الصّفير، فإذا قلبت الأوّل منهما إلى جنس الثاني، قلبته إلى مقاربه في المخرج وصفيريّ مثله، فلم يكن في الإدغام إخلال به. وسواء كان الأول متحركا أو ساكنا، إلا أنّ الإدغام إذا كان الأول ساكنا أحسن منه إذا كان الأوّل متحرّكا، لأنه يلزم فيه تغييران: أحدهما تغيير الحرف بقلبه إلى جنس ما يدغم فيه، والآخر تغييره بالإسكان. وإذا كان الأول ساكنا لا يلزم فيه إلّا تغيير واحد، وهو قلب الأوّل حرفا من جنس ما يدغم فيه. والإدغام أحسن فيهنّ من الإظهار. لأنهنّ من حروف طرف اللسان والفم، والإدغام ـ كما تقدّم ـ أصله أن يكون في حروف الفم وطرف اللسان. وذلك نحو قولك: «احبس صّابرا»، و «حبس صّابر»، و «احبس زّيدا»، و «حبس زّيد»، و «أوجز صّابرا»، و «أوجز صّابر»، و «أوجز سّلمة»، و «أوجز سّلمة»، و «افحص زّردة»، و «فحص زّردة»، و «افحص سّالما»، و «فحص سّالم».

وإذا أدغمت الصاد في الزاي أو في السين، قلبتها حرفا من جنس ما أدغمتها فيه، فتقلبها مع السين سينا، ومع الزاي زايا، إلّا أنك تبقي الإطباق الذي في الصاد محافظة عليه. وقد يجوز ترك الإطباق، حملا على الأصل في الإدغام، من أن يقلب الحرف إلى جنس ما يدغم فيه ألبتّة. وإذهاب الإطباق منها مع السين أحسن من إذهابه مع الزاي، لأنّ السين تشاركها في الهمس، ولا تخالفها الصاد بأكثر من الإطباق.

وإذا أدغمتهما في الصاد قلبتهما صادين ألبتّة لأنه ليس في ذلك إخلال بهما. وكذلك إذا أدغمت السين في الزاي، والزاي في السين، قلبت كلّ واحدة منهما إلى جنس ما يدغم فيه ألبتّة، لأنه ليس في ذلك إخلال.

ولا يدغم شيء من هذه الصفيريّات في شيء مما يقاربها من الحروف، لأنّ في ذلك إخلالا بها، لأنها لو أدغمت لقلبت إلى جنس ما تدغم فيه فيذهب الصفير، وهو فضل صوت في الحرف.

ويدغم فيها من غيرها اللّام ـ وقد تقدّم ذلك في فصل اللّام ـ والطاء، والدال، والتاء، والظاء، والذال، والثاء، وقد تقدّم ذلك في فصل الطاء وأخواتها.

ثم الفاء: ولا تدغم في مقاربها، لأنّ فيها تفشّيا، فلو أدغمتها لذهب ذلك التفشّي. ويدغم فيها مما يقاربها الباء، فتقول: «إذهب فّي ذلك»، لأنه ليس في ذلك إخلال بالباء، بل تقوية بقلبها حرفا متفشّيا.

فأما الميم والواو، وإن كانتا تقاربان الفاء

في المخرج لأنهما من الشّفتين كالفاء، فلم تدغما في الفاء، لأنّ الميم فيها غنّة والواو فيها لين، والغنّة واللّين فضل صوت في الحرف، فلو أدغمتها فيها لقلبتهما فاء، فتذهب الغنّة واللّين فيكون ذلك إخلالا بهما.

ثم الباء: وهي تدغم في الفاء والميم، لقربهما منها في المخرج. وذلك نحو: «اذهب فّي ذلك»، و «اصحب مّطرا». ولا يدغم فيها شيء، وسبب ذلك أنّ الذي يقاربها في المخرج إنما هو الفاء والميم والواو: فأما الفاء فلم تدغم فيها للعلّة التي تقدّم ذكرها في فصل الفاء. وأما الميم والواو فلم تدغما في الباء للعلّة التي منعت من إدغامهما في الفاء. وأيضا فإنّ النون الساكنة تقلب قبل الباء ميما، فإذا كانوا يفرّون من النون الساكنة إلى الميم قبل الباء فالأحرى أن يقرّوها إذا وجدوها.

ثم الميم: ولا تدغم في شيء مما يقاربها، لأنها إنما يقاربها في المخرج الفاء، والباء، والواو، وقد تقدّم ذكر السبب المانع من إدغام الميم في هذه الأحرف الثلاثة. ولا يدغم فيها إلّا النون ـ وقد تقدّم ذلك في فصل النون وأخواتها ـ والياء، وقد تقدّم ذلك في فصل الياء وأخواتها.

ثم الواو وهي لا تدغم إلّا في الياء، لاجتماعها معها في الإعلال واللين. ولا تدغم في شيء مما يقاربها، لأنها حرف علّة والمقارب لها حروف صحّة ـ وهي الميم والباء والفاء ـ وقد تقدّم أنّ حروف العلّة لا تدغم في حروف الصحّة، وإعطاء السبب في ذلك. ولا يدغم فيها من غيرها إلّا النون، وقد تقدّم ذلك في فصل النون وأخواتها.

واعلم أنّ الإدغام في المتقاربين إنما يجوز إذا كانا من كلمتين، لأنه لا يلتبس إذ ذاك بإدغام المثلين، لأن الإدغام فيما هو من كلمتين لا يلزم، بل يجوز الإظهار فيكون في ذلك بيان للأصل. فإن اجتمع المتقاربان في كلمة واحدة لم يجز الإدغام لما في ذلك من اللّبس بإدغام المثلين، لأنّ الإدغام في الكلمة الواحدة لازم. فإذا أدغمت لم يبق ما يستدلّ به على الأصل؛ ألا ترى أنك لو أدغمت النون من «أنملة» في الميم فقلت: «أمّلة» لم يدر: هل الأصل «أنملة» أو «أمملة»؟

ولأجل اللّبس، الذي في إدغام المتقاربين من كلمة واحدة بيّنت العرب النون الساكنة، إذا وقعت قبل الميم، أو الواو، أو الياء في كلمة، نحو: «زنم»، و «أنملة»، و «قنواء»، و «كنية» ولم تخفها كما تفعل بها مع سائر حروف الفم، لأنّ الإخفاء يقرّبها من الإدغام، فخافوا أن يلتبس الإخفاء بالإدغام، فقلبوا لذلك.

ولذلك أيضا لم يوجد في كلامهم نون ساكنة قبل راء أو لام، نحو: «عنل» و «قنر» في كلمة واحدة، لأنك إن بيّنت ثقل لقرب النون من الراء واللّام وإن أدغمت التبس بإدغام المثلين.

إلا أن يجتمع المتقاربان في «افتعل»، أو «تفاعل»، أو «تفعّل»، نحو: «اختصم»، و «تطيّر»، و «تطاير» فإنّه، يجوز الإدغام فيها. والسبب في ذلك ما ذكرناه في إدغام المثلين، من أنّ التاء من هذه الأبنية الثلاثة تنزّلت ممّا بعدها منزلة المنفصل، لأنه لا يلزم أن يكون بعدها مثلها. وكذلك أيضا لا يلزم أن يكون بعدها مقاربها كما لا يلزم ذلك في الكلمتين. فلمّا أشبه اجتماع المتقاربين فيها اجتماعهما في الكلمتين لم يلزم الإدغام كما لا يلزم ذلك في الكلمتين، فأمن التباس إدغام المتقاربين في هذه الأبنية بإدغام المثلين، لأنّ الإظهار يبيّن الأصل، كما كان ذلك في الكلمتين.

فإذا أردت الإدغام قلبت أحد المتقاربين إلى جنس الآخر ـ على حسب ما أحكم في الفصول المتقدّمة ـ ثم أدغمت. فتقول في «تطيّر» و «تدارأ» إذا أردت الإدغام: «اطّيرّ» و «ادّارأ»، فتقلب التاء حرفا من جنس ما بعدها وتسكنه بسبب الإدغام. ثم تدغم وتجتلب همزة الوصل، إذ لا يمكن الابتداء بالساكن. وتقول في «اختصم» إذا أردت الإدغام: «خصّم» فتقلب التاء صادا وتسكّنها بنقل حركتها إلى ما قبلها ثم تدغم.

هذا في لغة من قال «قتّل» بفتح القاف والتاء. ومن قال: «قتّل» بفتح التاء وكسر القاف قال: «خصّم» بكسر الخاء وفتح الصاد. ومن قال: «قتّل» بكسرهما قال: «خصّم» بكسر الخاء والصاد. والعلّة في ذلك كالعلّة في «قتّل» وأمثاله.

وحكم اسم الفاعل والمفعول والمصدر والمضارع أن يكون مثله من «قتّل» وأمثاله، وقد تقدّم إذ ليس بين إدغام التاء من هذه الأمثلة فيما بعدها، إذا كان مماثلا لها وبين إدغامها فيه إذا كان مقاربا لها فرق أكثر من أنك تقلب التاء إلى جنس ما يقاربها، ولا تحتاج إلى ذلك إذا أدغمتها في مثلها.

فإن قال قائل: فهلّا أجريت التاء من «استفعل» مجرى التاء من «افتعل» فأدغموها فيما يقاربها كما فعلرا بتاء «افتعل» لأنها لا يلزمها أن يكون بعدها ما يماثلها ولا ما يقاربها، كما لا يلزم ذلك بتاء «افتعل»! فالجواب أنّ الذي منع من ذلك أنهم لو أدغموا لاحتاجوا إلى تحريك السين كما احتاجوا إلى تحريك فاء «افتعل» فكرهوا أن يحرّكوا حرفا لم تدخله الحركة في موضع، لأنّ السين لا تزاد في الفعل إلّا ساكنة وأما فاء «افتعل» فإنها قد كانت متحرّكة قبل لحاق الفعل الزيادة، فلم تكره الحركة فيها لذلك؛ ألا ترى أنّ الخاء من «اختصم» متحرّكة في «خصّم».

ولأجل تعذّر الإدغام شذّ بعضهم، فحذف التاء من «يستطيع» لمّا استثقل اجتماع المتقاربين، فقال: «يسطيع».

وكذلك أيضا يجوز الإدغام في المتقاربين، وإن كانا في كلمة واحدة، إذا كان بناء الكلمة مبيّنا أنّ الإدغام لا يمكن أن يكون من قبيل إدغام المثلين. وذلك نحو: «انفعل» من «المحو» فإنّك تقول فيه: «امّحى» لأنه لا يمكن أن يكون من قبيل إدغام المثلين، لأنه ليس في الكلام «افّعل» فعلم أنه «انمحى» في الأصل.

فهذا جميع ما يجوز فيه إدغام المتقاربين، مما هو في كلمة واحدة، إلّا ما شذّ من خلاف ذلك، فيحفظ ولا يقاس عليه. فمن ذلك «ستّ»، و «ودّ»، و «عدّان».

أما «ستّ»، فأصلها «سدس» بدليل قولهم في الجمع: «أسداس». فأبدلوا من السين تاء، لأنّ السين مضعّفة وليس بينهما حاجز إلّا الدال، وهي ليست بحاجز قويّ لسكونها. وأيضا فإنّ مخرجها من أقرب المخارج إلى مخرج السين، فكأنه قد اجتمع فيه ثلاث سينات. وكرهوا إدغام الدال في السين، لأنهم لو فعلوا ذلك لقالوا: «سسّ» فيزداد اللفظ سينا. فأبدلوا من السين حرفا يقرب منها ومن الدال، وهو التاء، لأنّ التاء تقارب الدال في المخرج والسين في الهمس، فقالوا: «سدت» فكرهوا أيضا اجتماع الدال ساكنة مع التاء، لما بينهما من التقارب حتى كأنهما مثلان، مع أنّ الكلمة قد كثر استعمالها، فهي مستدعية للتخفيف من أجل ذلك. فأدغموا الدال في التاء، ليخفّ اللفظ، فقالوا: «ستّ».

وأما «ودّ» و «عدّان» فأصلهما: «وتد» و «عتدان» جمع «عتود». فاستثقلوا في «عتدان» اجتماع التاء الساكنة مع الدال، للتقارب الذي بينهما حتى كأنهما مثلان، وليس بينهما حاجز كما تقدّم. وكذلك أيضا «وتد» لمّا سكنت التاء في لغة بني تميم ـ كما يقولون في «فخذ»: فخذ ـ اجتمعت التاء ساكنة مع الدال، فاستثقلوا ذلك كما استثقلوا في «عتدان» البيان حين أدغموا فقالوا «عدّان» والبيان فيه جائز. ولو كانت التاء متحرّكة لم تدغم، لأن الحركة في النيّة بعد الحرف، فتجيء بينهما.

ومما يبيّن استثقالهم التاء ساكنة قبل الدال اجتنابهم «وتدا» و «وطدا» في مصدر «وتد» و «وطد» وعدولهم عن ذلك إلى «تدة»، و «طدة»، كـ «عدة».

فإن كان الثاني من المتقاربين ساكنا بيّنا ولم يجز الإدغام. وقد شذّت العرب في شيء من ذلك فحذفوا أحد المتقاربين، لمّا تعذّر التخفيف بالإدغام لأنه يؤدّي إلى اجتماع ساكنين، لأنه لا يدغم الأول في الثاني حتى يسكن كما تقدّم، فقالوا:

«بلحارث»، و «بلعنبر»، و «بلهجيم» في «بني الحارث»، و «بني العنبر»، و «بني الهجيم». وكذلك يفعلون في كلّ قبيلة ظهر فيها لام المعرفة، نحو: «بلهجيم»، و «بلقين» في «بني الهجيم» و «بني القين».

فإن لم تظهر فيها لام المعرفة لم يحذفوا، نحو: «بني النّجار»، و «بني النمر»، و «بني التّيم» لئلّا يجتمع عليه علّتان: الإدغام والحذف. وذلك أنه لمّا حذفت الياء من «بني» لالتقائها ساكنة مع لام التعريف اجتمعت النون مع اللّام وهما متقاربان، فكره اجتماعهما لما في ذلك من الثقل، مع أنه قد كثر استعمالهم لذلك، وكثرة الاستعمال مدعاة للتخفيف. فخفّفوا بالحذف، إذ لا يمكن التخفيف بالإدغام».

المعجم المفصل في علم الصرف-راجي الأسمر-صدر:1414هـ/1993م


15-معجم البلدان (الأبلق)

الأَبْلَقُ:

بوزن الأحمر: حصن السّموأل بن عادياء اليهودي، وهو المعروف بالأبلق الفرد، مشرف على تيماء بين الحجاز والشام على رابية من تراب فيه آثار أبنية من لبن لا تدلّ على ما يحكى عنها من العظمة والحصانة، وهو خراب، وإنما قيل له الأبلق لأنه كان في بنائه بياض وحمرة، وكان أول من بناه عادياء أبو السموأل اليهودي، ولذلك قال السموأل:

«بنى لي عاديا حصنا حصينا، *** وماء كلّما شئت استقيت»

«رفيعا تزلق العقبان عنه، *** إذا ما نابني ضيم أبيت»

«وأوصى عاديا قدما: بأن لا *** تهدّم يا سموأل ما بنيت»

«وفيت بأدرع الكنديّ، إني *** إذا ما خان أقوام وفيت»

وكان يقال: أوفى من السموأل، وذلك أن امرأ الفيس بن حجر الكندي مرّ بالأبلق، وهو يريد قيصر يستنجده على قتلة أبيه، وكان معه أدراع مائة، فأودعها السموأل ومضى، فبلغ خبرها ملكا من ملوك غسّان، وقيل هو الحارث بن ظالم، ويقال الحارث بن أبي شمر الغسّاني، فسار نحو الأبلق ليأخذ الأدرع، فتحصّن منه السموأل، وطلب الملك منه تلك الأدرع، فامتنع من تسليمها، فقبض على ابن له، وكان قد خرج للتصيّد، وجاء به إلى تحت الحصن، وقال: إن لم تعطني الأدرع وإلا قتلت ابنك، ففكّر السموأل وقال: ما كنت لأخفر ذمّتي، فاصنع ما شئت، فذبحه والسموأل ينظر إليه. وقيل إن الذي طالبه بالأدرع الحارث بن ظالم، وإنه لما امتنع من تسليم الأدرع إليه ضرب ابنه بسيفه ذي الحيّات فقطعه نصفين. وقيل إن ذلك الذي أراد جرير بقوله للفرزدق:

«بسيف أبي رغوان، سيف مجاشع، *** ضربت، ولم تضرب بسيف ابن ظالم»

ولم يدفع إليه السموأل الأدرع، وانصرف ذلك الملك عند اليأس، فضربت العرب به المثل لوفائه.

هذا قول يحيى بن سعيد الأموي عن محمد بن السائب الكلبي. قال الأعشى يذمّ رجلا من كلب:

«بنو الشهر الحرام، فلست منهم، *** ولست من الكرام بني العبيد»

«ولا من رهط حسّان بن قرط، *** ولا من رهط حارثة بن زيد»

قال: وهؤلاء كلّهم من كلب، فقال الكلبي: لا أبا لك، أنا والله أشرف من هؤلاء كلهم. فسبّه الناس كلهم بهجاء الأعشى إياه، ثم أغار الكلبي المهجوّ على قوم قد

بات فيهم الأعشى، فأسر منهم نفرا فيهم الأعشى، وهو لا يعرفه، ورحل الكلبيّ حتى نزل بشريح ابن السموأل بن عادياء اليهودي صاحب تيماء، وهو بحصنه الأبلق، فمرّ شريح بالأعشى فناداه الأعشى:

«شريح! لا تتركنّي بعد ما علقت *** حبالك اليوم، بعد القدّ، أظفاري»

«قد جلت ما بين بانقيا إلى عدن، *** وطال في العجم تسياري وتكراري»

«فكان أكرمهم جدّا وأوثقهم *** عهدا، أبوك بعرف غير إنكار»

«كن كالسموأل، إذ طاف الهمام به *** في جحفل كهزيع الليل جرّار»

«بالأبلق الفرد، من تيماء، منزله *** حصن حصين وجار غير غدّار»

«إذ سامه خطّتي خسف، فقال له: *** قل ما تشاء، فإني سامع حار»

«فقال: ثكل وغدر أنت بينهما، *** فاختر فما فيهما حظّ لمختار»

«فشكّ غير طويل، ثم قال له: *** اقتل أسيرك إني مانع جاري»

«فاختار أدراعه كيلا يسبّ بها، *** ولم يكن وعده فيها بختّار»

قال: فجاء شريح إلى الكلبي، فقال: هب لي هذا الأسير المضرور. فقال: هو لك، فأطلقه وقال له:

أقم عندي حتى أكرمك وأحبوك. فقال الأعشى:

من تمام صنيعتك اليّ، أن تعطيني ناقة ناجية وتخليّني الساعة. فأعطاه ناقة فركبها، ومضى من ساعته، وبلغ الكلبيّ أن الذي وهب لشريح هو الأعشى، فأرسل إلى شريح: ابعث إليّ الأسير الذي وهبت لك حتى أحبوه وأعطيه، فقال: قد مضى. فأرسل الكلبي في أثره فلم يلحقه. وقال الأعشى: وهو زعم أن سليمان ابن داود هو الذي بنى الأبلق الفرد بعد أن ذكر الملوك الذين أفناهم الدهر، فقال:

«ولا عاديا لم يمنع الموت ماله، *** وورد بتيماء اليهوديّ أبلق»

«بناه سليمان بن داود حقبة، *** له أزج عال وطيّ موثّق»

«يوازي كبيدات السماء، ودونه *** بلاط، ودارأت، وكلس، وخندق»

«له درمك في رأسه، ومشارب، *** ومسك، وريحان، وراح تصفّق»

«وحور كأمثال الدّمى، ومناصف، *** وقدر، وطبّاخ، وصاع، وديسق»

«فذاك ولم يعجز من الموت ربّه، *** ولكن أتاه الموت لا يتأبّق»

وقال السموأل يصف نفسه وحصنه:

«لنا جبل يحتلّه من نجيره *** منيع، يردّ الطّرف وهو كليل»

«رسا أصله تحت الثّرى وسما به *** إلى النّجم فرع، لا ينال، طويل»

«هو الأبلق الفرد الذي سار ذكره، *** يعزّ على من رامه، ويطول»

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


16-معجم البلدان (أفيق)

أَفِيقٌ:

بالفتح ثم الكسر، وياء ساكنة، وقاف:

قرية من حوران في طريق الغور في أول العقبة المعروفة بعقبة أفيق، والعامة تقول فيق، تنزل من هذه العقبة إلى الغور، وهو الأردن، وهي عقبة طويلة نحو ميلين، قال حسّان بن ثابت:

«لمن الدار أقفرت بمعان، *** بين أعلى اليرموك فالصّمّان، »

«فقفا جاسم، فدار خليد، *** فأفيق، فجانبي ترفلان»

وفي كتاب الشام عن سعيد بن هاشم بن مرثد عن أبيه، قال: أخبرونا عن منخل المشجعي، قال:

رأيت في المنام قائلا يقول لي: إن أردت أن تدخل الجنة فقل كما يقول مؤذن أفيق، قال: فسرت إلى أفيق، فلما أذّن المؤذن قمت إليه فسألته عما يقول إذا أذّن، فقال: أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حيّ لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، أشهد بها مع الشاهدين، وأحملها عن المجاهدين، وأعدّها ليوم الدين، وأشهد أن الرسول كما أرسل، والكتاب كما أنزل، وأن القضاء كما قدّر، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، عليها أحيا وعليها أموت وعليها أبعث، إن شاء الله تعالى.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


17-معجم البلدان (البصرة)

البَصْرَةُ:

وهما بصرتان: العظمى بالعراق وأخرى بالمغرب، وأنا أبدأ أولا بالعظمى التي بالعراق، وأما البصرتان: فالكوفة والبصرة، قال المنجمون:

البصرة طولها أربع وسبعون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة، وهي في الإقليم الثالث، قال ابن الأنباري: البصرة في كلام العرب الأرض الغليظة، وقال قطرب: البصرة الأرض الغليظة التي فيها حجارة تقلع وتقطع حوافر الدوابّ، قال:

ويقال بصرة للأرض الغليظة، وقال غيره: البصرة حجارة رخوة فيها بياض، وقال ابن الأعرابي:

البصرة حجارة صلاب، قال: وإنما سميت بصرة لغلظها وشدّتها، كما تقول: ثوب ذو بصر وسقاء ذو بصر إذا كان شديدا جيّدا، قال: ورأيت في تلك الحجارة في أعلى المربد بيضا صلابا، وذكر الشرقي بن القطامي أن المسلمين حين وافوا مكان البصرة للنزول بها نظروا إليها من بعيد وأبصروا الحصى عليها فقالوا: إن هذه أرض بصرة، يعنون حصبة، فسميت بذلك، وذكر بعض المغاربة أن البصرة الطين العلك، وقيل: الأرض الطيبة الحمراء، وذكر أحمد بن محمد الهمداني حكاية عن محمد بن شرحبيل بن حسنة أنه قال: إنما سميت البصرة لأن فيها حجارة سوداء صلبة، وهي البصرة، وأنشد لخفاف بن ندبة:

«إن تك جلمود بصر لا أؤبّسه *** أوقد عليه فأحميه فينصدع»

وقال الطّرمّاح بن حكيم:

«مؤلّفة تهوي جميعا كما هوى، *** من النّيق فوق البصرة، المتطحطح»

وهذان البيتان يدلان على الصلابة لا الرخاوة، وقال حمزة بن الحسن الأصبهاني: سمعت موبذ بن اسوهشت يقول: البصرة تعريب بس راه، لأنها كانت ذات طرق كثيرة انشعبت منها إلى أماكن مختلفة، وقال قوم: البصر والبصر الكذّان، وهي الحجارة التي ليست بصلبة، سمّيت بها البصرة، كانت ببقعتها عند اختطاطها، واحده بصرة وبصرة، وقال الأزهري: البصر الحجارة إلى البياض، بالكسر، فإذا جاءوا بالهاء قالوا: بصرة، وأنشد بيت خفاف:

«إن كنت جلمود بصر»، وأما النسب إليها فقال بعض أهل اللغة: إنما قيل في النسب إليها بصريّ، بكسر الباء لإسقاط الهاء، فوجوب كسر الباء في البصري مما غيّر في النسب، كما قيل في النسب إلى اليمن يمان وإلى تهامة تهام وإلى الرّيّ رازيّ وما أشبه ذلك من المغيّر، وأما فتحها وتمصيرها فقد روى أهل الأثر عن نافع بن الحارث بن كلدة الثّقفي وغيره أن عمر بن الخطاب أراد أن يتخذ للمسلمين مصرا، وكان المسلمون قد غزوا من قبل البحرين توّج ونوبندجان وطاسان، فلما فتحوها كتبوا إليه:

إنا وجدنا بطاسان مكانا لا بأس به. فكتب إليهم:

إن بيني وبينكم دجلة، لا حاجة في شيء بيني وبينه دجلة أن تتخذوه مصرا. ثم قدم عليه رجل من بني سدوس يقال له ثابت، فقال: يا أمير المؤمنين إني مررت بمكان دون دجلة فيه قصر وفيه مسالح للعجم يقال له الخريبة ويسمى أيضا البصيرة، بينه وبين دجلة أربعة فراسخ، له خليج بحريّ فيه الماء إلى أجمة قصب، فأعجب ذلك عمر، وكانت قد جاءته أخبار الفتوح من ناحية الحيرة، وكان سويد ابن قطبة الذّهلي، وبعضهم يقول قطبة بن قتادة، يغير في ناحية الخريبة من البصرة على العجم، كما كان

المثنّى بن حارثة يغير بناحية الحيرة، فلما قدم خالد ابن الوليد البصرة من اليمامة والبحرين مجتازا إلى الكوفة بالحيرة، سنة اثنتي عشرة، أعانه على حرب من هنالك وخلّف سويدا، ويقال: إن خالدا لم يرحل من البصرة حتى فتح الخريبة، وكانت مسلحة للأعاجم، وقتل وسبى، و

فأتاها عتبة وانضمّ إليه سويد بن قطبة فيمن معه من بكر بن وائل وتميم.

قال نافع بن الحارث: فلما أبصرتنا الديادبة خرجوا هرّابا وجئنا القصر فنزلناه، فقال عتبة: ارتادوا لنا شيئا نأكله. قال: فدخلنا الأجمة فإذا زنبيلان في أحدهما تمر وفي الآخر أرزّ بقشره، فجذبناهما حتى أدنيناهما من القصر وأخرجنا ما فيهما، فقال عتبة: هذا سمّ أعدّه لكم العدوّ، يعني الأرز، فلا تقربنّه، فأخرجنا التمر وجعلنا نأكل منه، فإننا لكذلك إذا بفرس قد قطع قياده وأتى ذلك الأرز يأكل منه، فلقد رأينا أن نسعى بشفارنا نريد ذبحه قبل أن يموت، فقال صاحبه: أمسكوا عنه، أحرسه الليلة فإن أحسست بموته ذبحته. فلما أصبحنا إذا الفرس يروث لا بأس عليه، فقالت أختي: يا أخي إني سمعت أبي يقول: إن السمّ لا يضرّ إذا نضج، فأخذت من الأرز توقد تحته ثم نادت: الا انه يتفصّى من حبيبة حمراء، ثم قالت: قد جعلت تكون بيضاء، فما زالت تطبخه حتى أنماط قشره فألقيناه في الجفنة، فقال عتبة: اذكروا اسم الله عليه وكلوه، فأكلوا منه فإذا هو طيب، قال: فجعلنا بعد نميط عنه قشره ونطبخه، فلقد رأيتني بعد ذلك وأنا أعدّه لولدي، ثم قال: إنا التأمنا فبلغنا ستمائة رجل وست نسوة إحداهنّ أختي. وأمدّ عمر عتبة بهرثمة بن عرفجة، وكان بالبحرين فشهد بعض هذه الحروب ثم سار إلى الموصل، قال: وبنى المسلمون بالبصرة سبع دساكر: اثنتان بالخريبة واثنتان بالزابوقة وثلاث في موضع دار الأزد اليوم، وفي غير هذه الرواية أنهم بنوها بلبن: في الخريبة اثنتان وفي الأزد اثنتان وفي الزابوقة واحدة وفي بني تميم اثنتان، ففرّق أصحابه فيها ونزل هو الخريبة. قال نافع: ولما بلغنا ستمائة قلنا: ألا نسير إلى الأبلّة فإنها مدينة حصينة، فسرنا إليها ومعنا العنز، وهي جمع عنزة وهي أطول من العصا وأقصر من الرمح وفي رأسها زجّ، وسيوفنا، وجعلنا للنساء رايات على قصب وأمرناهن أن يثرن التراب وراءنا حين يرون أنا قد دنونا من المدينة، فلما دنونا منها صففنا أصحابنا، قال:

وفيها ديادبتهم وقد أعدّوا السّفن في دجلة، فخرجوا إلينا في الحديد مسوّمين لا نرى منهم إلا الحدق، قال: فو الله ما خرج أحدهم حتى رجع بعضهم إلى

بعض قتلا، وكان الأكثر قد قتل بعضهم بعضا، ونزلوا السّفن وعبروا إلى الجانب الآخر وانتهى إلينا النساء، وقد فتح الله علينا ودخلنا المدينة وحوينا متاعهم وأموالهم وسألناهم: ما الذي هزمكم من غير قتال؟ فقالوا: عرّفتنا الديادبة أن كمينا لكم قد ظهر وعلا رهجه، ير

ما نرى سمنا، وقال عوانة بن الحكم: كانت مع عتبة بن غزوان لما قدم البصرة زوجته أزدة بنت الحارث بن كلدة ونافع وأبو بكرة وزياد، فلما قاتل عتبة أهل مدينة الفرات جعلت امرأته أزدة تحرّض المؤمنين على القتال، وهي تقول: إن يهزموكم يولجوا فينا الغلف، ففتح الله على المسلمين تلك المدينة وأصابوا غنائم كثيرة ولم يكن فيهم أحد يحسب ويكتب إلا زياد فولّاه قسم ذلك الغنم وجعل له في كل يوم درهمين، وهو غلام في رأسه ذؤابة، ثم إن عتبة كتب إلى عمر يستأذنه في تمصير البصرة وقال:

إنه لا بدّ للمسلمين من منزل إذا أشتى شتوا فيه وإذا رجعوا من غزوهم لجأوا إليه، فكتب إليه عمر أن ارتد لهم منزلا قريبا من المراعي والماء واكتب إليّ بصفته، فكتب إلى عمر: إني قد وجدت أرضا كثيرة القضّة في طرف البرّ إلى الريف ودونها مناقع فيها ماء وفيها قصباء. والقضّة من المضاعف: الحجارة المجتمعة المتشقّقة، وقيل: ارض قضّة ذات حصّى، وأما القضة، بالكسر والتخفيف: ففي كتاب العين أنها أرض منخفضة ترابها رمل، وقال الأزهري:

الأرض التي ترابها رمل يقال لها قضّة، بكسر القاف وتشديد الضاد، وأما القضة، بالتخفيف:، فهو شجر من شجر الحمض، ويجمع على قضين، وليس من المضاعف، وقد يجمع على القضى مثل البرى، وقال أبو نصر الجوهري: القضّة، بكسر القاف والتشديد، الحصى الصغار، والقضة أيضا أرض ذات حصّى، قال: ولما وصلت الرسالة إلى عمر قال: هذه أرض بصرة قريبة من المشارب والمرعى والمحتطب، فكتب إليه أن أنزلها، فنزلها وبنى مسجدها من قصب وبنى دار إمارتها دون المسجد في الرحبة التي يقال لها رحبة بني هاشم، وكانت تسمّى الدهناء، وفيها السّجن والديوان وحمّام الأمراء بعد ذلك لقربها من الماء، فكانوا إذا غزوا نزعوا ذلك القصب ثم حزموه ووضعوه حتى يعودوا من الغزو فيعيدوا بناءه كما كان. وقال الأصمعي: لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة ولد بها عبد الرحمن بن أبي بكرة، وهو أول مولود ولد بالبصرة، فنحر أبوه جزورا أشبع منها أهل البصرة، وكان تمصير البصرة في سنة أربع عشرة قبل الكوفة بستّة أشهر، وكان أبو بكرة أول من غرس النخل بالبصرة وقال: هذه أرض نخل، ثم غرس الناس بعده، وقال أبو المنذر:

أول دار بنيت بالبصرة دار نافع بن الحارث ثم دار معقل بن يسار المزني، وقد روي من غير هذا الوجه أنّ الله عزّ وجل، لما أظفر سعد بن أبي وقّاص بأرض الحيرة وما قاربها كتب إليه عمر بن الخطاب أن ابعث عتبة بن غزوان إلى أرض الهند، فإن له من الإسلام مكانا وقد شهد بدرا، وكانت الأبلّة يومئذ تسمّى أرض الهند، فلينزلها ويجعلها قيروانا للمسلمين ولا يجعل بيني وبينهم بحرا، فخرج عتبة من الحيرة في ثمانمائة رجل حتى نزل موضع البصرة، فلما افتتح الأبلّة ضرب قيروانه وضرب للمسلمين أخبيتهم، وكانت خيمة عتبة من أكسية، ورماه عمر بالرجال

فلما كثروا بنى رهط منهم فيها سبع دساكر من لبن، منها في الخريبة اثنتان وفي الزابوقة واحدة وفي بني تميم اثنتان، وكان سعد بن أبي وقاص يكاتب عتبة بأمره ونهيه، فأنف عتبة من ذلك واستأذن عمر في الشخوص إليه، فأذن له، فاستخلف مجاشع بن مسعود السّلمي على جنده، وك

فلقد جرّبناهم فوجدنا له الفضل عليهم، قال: وشكا عتبة إلى عمر تسلّط سعد عليه، فقال له: وما عليك إذا أقررت بالإمارة لرجل من قريش له صحبة وشرف؟ فامتنع من الرجوع فأبى عمر إلّا ردّه، فسقط عن راحلته في الطريق فمات، وذلك في سنة ست عشرة، قال: ولما سار عتبة عن البصرة بلغ المغيرة أنّ دهقان ميسان كفر ورجع عن الإسلام وأقبل نحو البصرة، وكان عتبة قد غزاها وفتحها، فسار إليه المغيرة فلقيه بالمنعرج فهزمه وقتله، وكتب المغيرة إلى عمر بالفتح منه، فدعا عمر عتبة وقال له: ألم تعلمني أنك استخلفت مجاشعا؟ قال.

نعم، قال: فإنّ المغيرة كتب إليّ بكذا، فقال:

إن مجاشعا كان غائبا فأمرت المغيرة بالصلاة إلى أن يرجع مجاشع، فقال عمر: لعمري إن أهل المدر لأولى أن يستعملوا من أهل الوبر، يعني بأهل المدر المغيرة لأنه من أهل الطائف، وهي مدينة، وبأهل الوبر مجاشعا لأنه من أهل البادية، وأقرّ المغيرة على البصرة، فلما كان مع أمّ جميلة وشهد القوم عليه بالزنا كما ذكرناه في كتاب المبدأ والمآل من جمعنا، استعمل عمر على البصرة أبا موسى الأشعري، أرسله إليها وأمره بإنفاذ المغيرة إليه، وقيل: كان أبو موسى بالبصرة فكاتبه عمر بولايتها، وذلك في سنة ست عشرة وقيل في سنة سبع عشرة، وولي أبو موسى والجامع بحاله وحيطانه قصب فبناه أبو موسى باللبن، وكذلك دار الإمارة، وكان المنبر في وسطه، وكان الإمام إذا جاء للصلاة بالناس تخطّى رقابهم إلى القبلة، فخرج عبد الله بن عامر بن كريز، وهو أمير لعثمان على البصرة، ذات يوم من دار الإمارة يريد القبلة وعليه جبّة خزّ دكناء، فجعل الأعراب يقولون: على الأمير جلد دبّ، فلما استعمل معاوية زيادا على البصرة قال زياد: لا ينبغي للأمير أن يتخطى رقاب الناس، فحوّل دار الإمارة من الدهناء إلى قبل المسجد وحوّل المنبر إلى صدره، فكان الإمام يخرج من الدار من الباب الذي في حائط القبلة إلى القبلة ولا يتخطى أحدا، وزاد في حائط المسجد زيادات كثيرة وبنى دار الإمارة باللبن وبنى المسجد بالجص وسقفه بالساج، فلما فرغ من بنائه جعل يطوف فيه وينظر إليه ومعه وجوه البصرة فلم يعب فيه إلّا دقة الأساطين، قال: ولم يؤت منها قط صدع ولا ميل ولا عيب، وفيه يقول حارثة ابن بدر الغداني:

«بنى زياد، لذكر الله، مصنعه *** بالصخر والجصّ لم يخلط من الطين»

«لولا تعاون أيدي الرافعين له، *** إذا ظنناه أعمال الشياطين»

وجاء بسواريه من الأهواز، وكان قد ولى بناءه الحجاج بن عتيك الثّقفي فظهرت له أموال وحال لم تكن قبل، ففيه قيل:

«يا حبّذا الإماره *** ولو على الحجاره»

وقيل: إن أرض المسجد كانت تربة فكانوا إذا فرغوا من الصلاة نفضوا أيديهم من التراب، فلما رأى زياد ذلك قال: لا آمن أن يظنّ الناس على طول الأيام أن نفض اليد في الصلاة سنّة، فأمر بجمع الحصى وإلقائه في المسجد الجامع، ووظّف ذلك على الناس، فاشتد الموكّلون بذلك

«يا حبذا الإماره *** ولو على الحجاره»

فذهبت مثلا، وكان جانب الجامع الشمالي منزويا لأنه كان دارا لنافع بن الحارث أخي زياد فأبى أن يبيعها، فلم يزل على تلك الحال حتى ولّى معاوية عبيد الله بن زياد على البصرة، فقال عبيد الله بن زياد:

إذا شخص عبد الله بن نافع إلى أقصى ضيعة فاعلمني.

فشخص إلى قصر الأبيض، فبعث فهدم الدار وأخذ في بناء الحائط الذي يستوي به تربيع المسجد، وقدم عبد الله بن نافع فضجّ، فقال له: إني أثمن لك وأعطيك مكان كل ذراع خمسة أذرع وأدع لك خوخة في حائطك إلى المسجد وأخرى في غرفتك، فرضي فلم تزل الخوختان في حائطه حتى زاد المهدي فيه ما زاد فدخلت الدار كلّها في المسجد، ثم دخلت دار الإمارة كلها في المسجد، وقد أمر بذلك الرشيد، ولما قدم الحجّاج خبّر أن زيادا بنى دار الإمارة فأراد أن يذهب ذكر زياد منها فقال: أريد أن أبنيها بالآجرّ، فهدمها، فقيل له: إنما غرضك أن تذهب ذكر زياد منها، فما حاجتك أن تعظم النفقة وليس يزول ذكره عنها، فتركها مهدومة، فلم يكن للأمراء دار ينزلونها حتى قام سليمان بن عبد الملك فاستعمل صالح بن عبد الرحمن على خراج العراقين، فقال له صالح إنه ليس بالبصرة دار إمارة وخبّره خبر الحجاج، فقال له سليمان: أعدها، فأعادها بالجصّ والآجرّ على أساسها الذي كان ورفع سمكها، فلما أعاد أبوابها عليها قصرت، فلما مات سليمان وقام عمر بن عبد العزيز استعمل عدي بن أرطاة على البصرة، فبنى فوقها غرفا فبلغ ذلك عمر، فكتب إليه:

هبلتك أمك يا ابن عمّ عدي! أتعجز عنك مساكن وسعت زيادا وابنه؟ فأمسك عدي عن بنائها، فلما قدم سليمان بن علي البصرة عاملا للسفّاح أنشأ فوق البناء الذي كان لعديّ بناء بالطين ثمّ تحوّل إلى المربد، فلما ولي الرشيد هدمها وأدخلها في قبلة مسجد الجامع فلم يبق للأمراء بالبصرة دار إمارة، وقال يزيد الرّشك: قست البصرة في ولاية خالد بن عبد الله القسري فوجدت طولها فرسخين وعرضها فرسخين إلّا دانقا، وعن الوليد بن هشام أخبرني أبي عن أبيه وكان يوسف بن عمر قد ولاه ديوان جند البصرة قال:

نظرت في جماعة مقاتلة العرب بالبصرة أيام زياد فوجدتهم ثمانين ألفا ووجدت عيالاتهم مائة ألف وعشرين ألف عيّل ووجدت مقاتلة الكوفة ستين ألفا وعيالاتهم ثمانين ألفا.

ذكر خطط البصرة وقراها

وقد ذكرت بعض ذلك في أبوابه وذكرت بعضه هاهنا، قال أحمد بن يحيى بن جابر: كان حمران ابن أبان للمسيّب بن نجبة الفزاري أصابه بعين التمر فابتاعه منه عثمان بن عفّان وعلمه الكتابة واتخذه كاتبا، ثم وجد عليه لأنه كان وجّهه للمسألة عما رفع على الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فارتشى منه وكذّب ما قيل فيه، ثم تيقّن عثمان صحة ذلك فوجد عليه

وقال: لا تساكنّي أبدا، وخيّره بلدا يسكنه غير المدينة، فاختار البصرة وسأله أن يقطعه بها دارا وذكر ذرعا كثيرا استكثره عثمان وقال لابن عامر:

أعطه دارا مثل بعض دورك، فأقطعه دار حمران التي بالبصرة في سكة بني سمرة بالبصرة، كان صاحبها عتبة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب ابن عبد شمس بن عبد مناف، قال المدايني: قال أبو بكرة لابنه: يا بنيّ والله ما تلي عملا قط وما أراك تقصر عن إخوتك في النفقة، فقال: إن كتمت عليّ أخبرتك، قال: فإني أفعل، قال: فإني أغتلّ من حمّامي هذا في كلّ يوم ألف درهم وطعاما كثيرا. ثم إنّ مسلما مرض فأوصى إلى أخيه عبد الرحمن بن أبي بكرة وأخبره بغلة حمّامه، فأفشى ذلك واستأذن السلطان في بناء حمّام، وكانت الحمامات لا تبنى بالبصرة إلّا بإذن الولاة، فأذن له واستأذن غيره فأذن له وكثرت الحمامات، فأفاق مسلم بن أبي بكرة من مرضه وقد فسد عليه حمّامه فجعل يلعن عبد الرحمن ويقول: ما له قطع الله رحمه! وكان لزياد مولى يقال له فيل، وكان حاجبه، فكان يضرب المثل بحمّامه بالبصرة، وقد ذكرته في حمام فيل. نهر عمرو: ينسب إلى عمرو بن عتبة بن أبي سفيان. نهر ابن عمير: منسوب إلى عبد الله بن عمير بن عمرو بن مالك اللّيثي، كان عبد الله بن عامر بن كريز أقطعه ثمانية آلاف جريب فحفر عليها هذا النهر، ومن اصطلاح أهل البصرة أن يزيدوا في اسم الرجل الذي تنسب إليه القرية ألفا ونونا، نحو قولهم طلحتان:

نهر ينسب إلى طلحة بن أبي رافع مولى طلحة بن عبيد الله. خيرتان: منسوب إلى خيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلّب بن أبي صفرة. مهلّبان:

منسوب إلى المهلّب بن أبي صفرة، ويقال بل كان لزوجته خيرة فغلب عليه اسم المهلب، وهي أمّ أبي عيينة ابنه. وجبيران: قرية لجبير بن حيّة.

وخلفان: قطيعة لعبد الله بن خلف الخزاعي والد طلحة الطلحات. طليقان: لولد خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين الخزاعي، وكان خالد ولي قضاء البصرة. روّادان: لروّاد بن ابي بكرة.

شط عثمان: ينسب إلى عثمان بن أبي العاصي الثقفي، وقد ذكرته، فأقطع عثمان أخاه حفصا حفصان وأخاه أميّة أميّان وأخاه الحكم حكمان وأخاه المغيرة مغيرتان. أزرقان: ينسب إلى الأزرق بن مسلم مولى بني حنيفة. محمّدان: منسوب إلى محمد ابن علي بن عثمان الحنفي. زيادان: منسوب إلى زياد مولى بني الهجيم جدّ مونس بن عمران بن جميع بن يسار بن زياد وجد عيسى بن عمر النحوي لأمّهما.

عميران: منسوب إلى عبد الله بن عمير الليثي. نهر مقاتل بن حارثة بن قدامة السعدي. وحصينان:

لحصين بن أبي الحرّ العنبري. عبد الليان: لعبد الله بن أبي بكرة. عبيدان: لعبيد بن كعب النّميري. منقذان: لمنقذ بن علاج السّلمي. عبد الرحمانان: لعبد الرحمن بن زياد. نافعان: لنافع ابن الحارث الثقفي. أسلمان: لأسلم بن زرعة الكلابي. حمرانان: لحمران بن أبان مولى عثمان بن عفّان. قتيبتان: لقتيبة بن مسلم. خشخشان:

لآل الخشخاش العنبري. نهر البنات: لبنات زياد، أقطع كلّ بنت ستين جريبا، وكذلك كان يقطع العامة. سعيدان: لآل سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد. سليمانان: قطيعة لعبيد بن نشيط صاحب الطرف أيام الحجاج، فرابط به رجل من الزهاد يقال له سليمان بن جابر فنسب إليه. عمران:

لعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي. فيلان: لفيل

مولى زياد. خالدان: لخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة. المسماريّة: قطيعة مسمار مولى زياد بن أبيه، وله بالكوفة ضيعة.

سويدان: كانت لعبيد الله بن أبي بكرة قطيعة مبلغها أربعمائة جريب فوهبها لسويد بن منجوف السّدوسي، وذلك أن سويدا مرض فعاده عبيد الله بن أبي بكرة فقال له: كيف تجدك؟ فقال: صالحا إن شئت، فقال: قد شئت، وما ذلك؟ قال: إن أعطيتني مثل الذي أعطيت ابن معمر فليس عليّ بأس، فأعطاه سويدان فنسب إليه. جبيران: لآل كلثوم بن جبير. نهر أبي برذعة بن عبيد الله بن أبي بكرة.

كثيران: لكثير بن سيّار. بلالان: لبلال بن أبي بردة، كانت قطيعة لعبّاد بن زياد فاشتراه. شبلان:

لشبل بن عميرة بن تيري الضّبيّ.

ذكر ما جاءَ في ذم البصرة

لما قدم أمير المؤمنين البصرة بعد وقعة الجمل ارتقى منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل البصرة يا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة يا جند المرأة، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم، أما إني ما أقول ما أقول رغبة ولا رهبة منكم غير أني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: تفتح أرض يقال لها البصرة، أقوم أرض الله قبلة، قارئها أقرأ الناس وعابدها أعبد الناس وعالمها أعلم الناس ومتصدقها أعظم الناس صدقة، منها إلى قرية يقال لها الأبلّة أربعة فراسخ يستشهد عند مسجد جامعها وموضع عشورها ثمانون ألف شهيد، الشهيد يومئذ كالشهيد يوم بدر معي، وهذا الخبر بالمدح أشبه، وفي رواية أخرى أنه رقي المنبر فقال:

يا أهل البصرة ويا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة ويا جند المرأة، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم، دينكم نفاق وأحلامكم دقاق وماؤكم زعاق، يا أهل البصرة والبصيرة والسّبخة والخريبة أرضكم أبعد أرض الله من السماء وأقربها من الماء وأسرعها خرابا وغرقا، ألا إني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: أما علمت أن جبريل حمل جميع الأرض على منكبه الأيمن فأتاني بها؟ ألا إني وجدت البصرة أبعد بلاد الله من السماء وأقربها من الماء وأخبثها ترابا وأسرعها خرابا، ليأتينّ عليها يوم لا يرى منها إلا شرفات جامعها كجؤجؤ السفينة في لجة البحر، ثم قال: ويحك يا بصرة ويلك من جيش لا غبار له! فقيل: يا أمير المؤمنين ما الويح وما الويل؟ فقال: الويح والويل بابان، فالويح رحمة والويل عذاب، وفي رواية أن عليّا، رضي الله عنه، لما فرغ من وقعة الجمل دخل البصرة فأتى مسجدها الجامع فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أما بعد، فان الله ذو رحمة واسعة فما ظنكم يا أهل البصرة يا أهل السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثا وعلى الله الرابعة يا جند المرأة، ثم ذكر الذي قبله ثم قال: انصرفوا إلى منازلكم وأطيعوا الله وسلطانكم، وخرج حتى صار إلى المربد والتفت وقال: الحمد لله الذي أخرجني من شرّ البقاع ترابا وأسرعها خرابا. ودخل فتى من أهل المدينة البصرة فلما انصرف قال له أصحابه: كيف رأيت البصرة؟ قال: خير بلاد الله للجائع والغريب والمفلس، أما الجائع فيأكل خبز الأرز والصحناءة فلا ينفق في شهر إلّا درهمين، وأما الغريب فيتزوّج بشقّ درهم، وأما المحتاج فلا عليه غائلة ما بقيت له استه يخرأ ويبيع، وقال الجاحظ: من عيوب البصرة اختلاف هوائها في يوم واحد لأنهم يلبسون القمص مرة والمبطّنات مرة لاختلاف جواهر

الساعات، ولذلك سمّيت الرّعناء، قال الفرزدق:

«لولا أبو مالك المرجوّ نائله *** ما كانت البصرة الرّعناء لي وطنا»

وقد وصف هذه الحال ابن لنكك فقال:

«نحن بالبصرة في لو *** ن من العيش ظريف»

«نحن، ما هبّت شمال، *** بين جنّات وريف»

«فإذا هبّت جنوب، *** فكأنّا في كنيف»

وللحشوش بالبصرة أثمان وافرة، ولها فيما زعموا تجار يجمعونها فإذا كثرت جمع عليها أصحاب البساتين ووقفهم تحت الريح لتحمل إليهم نتنها فإنه كلما كانت أنتن كان ثمنها أكثر، ثم ينادى عليها فيتزايد الناس فيها، وقد قصّ هذه القصة صريع الدّلاء البصري في شعر له ولم يحضرني الآن، وقد ذمّتها الشعراء، فقال محمد بن حازم الباهلي:

«ترى البصريّ ليس به خفاء، *** لمنخره من البثر انتشار»

«ربا بين الحشوش وشبّ فيها، *** فمن ريح الحشوش به اصفرار»

«يعتّق سلحة، كيما يغالي *** به عند المبايعة التجار»

وقال أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي:

«لهف نفسي على المقام ببغدا *** د، وشربي من ماء كوز بثلج»

«نحن بالبصرة الذميمة نسقي، *** شرّ سقيا، من مائها الأترنجي»

«أصفر منكر ثقيل غليظ *** خاثر مثل حقنة القولنج»

«كيف نرضى بمائها، وبخير *** منه في كنف أرضنا نستنجي»

وقال أيضا:

«ليس يغنيك في الطهارة بال *** بصرة، إن حانت الصلاة، اجتهاد»

«إن تطهّرت فالمياه سلاح، *** أو تيمّمت فالصعيد سماد»

وقال شاعر آخر يصف أهل البصرة بالبخل وكذب عليهم:

«أبغضت بالبصرة أهل الغنى، *** إني لأمثالهم باغض»

«قد دثّروا في الشمس أعذاقها، *** كأنّ حمّى بخلهم نافض»

ذكر ما جاء في مدح البصرة

كان ابن أبي ليلى يقول: ما رأيت بلدا أبكر إلى ذكر الله من أهل البصرة، وقال شعيب بن صخر:

تذاكروا عند زياد البصرة والكوفة فقال زياد: لو ضلّت البصرة لجعلت الكوفة لمن دلّني عليها، وقال ابن سيرين: كان الرجل من أهل البصرة يقول لصاحبه إذا بالغ في الدعاء عليه: غضب الله عليك كما غضب على المغيرة وعزله عن البصرة وولاه الكوفة، وقال ابن أبي عيينة المهلبي يصف البصرة:

«يا جنّة فاقت الجنان، فما *** يعدلها قيمة ولا ثمن»

«ألفتها فاتخذتها وطنا، *** إنّ فؤادي لمثلها وطن»

«زوّج حيتانها الضّباب بها، *** فهذه كنّة وذا ختن»

«فانظر وفكّر لما نطقت به، *** إنّ الأديب المفكّر الفطن»

«من سفن كالنّعام مقبلة، *** ومن نعام كأنها سفن»

وقال المدائني: وفد خالد بن صفوان على عبد الملك ابن مروان فوافق عنده وفود جميع الأمصار وقد اتخذ مسلمة مصانع له، فسأل عبد الملك أن يأذن للوفود في الخروج معه إلى تلك المصانع، فأذن لهم، فلما نظر إليها مسلمة أعجب بها فأقبل على وفد أهل مكة فقال: يا أهل مكة هل فيكم مثل هذه المصانع؟

فقالوا: لا الا أن فينا بيت الله المستقبل، ثم أقبل على وفد أهل المدينة فقال: يا أهل المدينة هل فيكم مثل هذه؟ فقالوا: لا إلّا أن فينا قبر نبي الله المرسل، ثم أقبل على وفد أهل الكوفة فقال: يا أهل الكوفة هل فيكم مثل هذه المصانع؟ فقالوا: لا إلّا أن فينا تلاوة كتاب الله المرسل، ثم أقبل على وفد أهل البصرة فقال: يا أهل البصرة هل فيكم مثل هذه المصانع؟

فتكلم خالد بن صفوان وقال: أصلح الله الأمير! إن هؤلاء أقرّوا على بلادهم ولو أن عندك من له ببلادهم خبرة لأجاب عنهم، قال: أفعندك في بلادك غير ما قالوا في بلادهم؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير! أصف لك بلادنا؟ فقال: هات، قال: يغدو قانصانا فيجيء هذا بالشّبوط والشّيم ويجيء هذا بالظبي والظليم، ونحن أكثر الناس عاجا وساجا وخزّا وديباجا وبرذونا هملاجا وخريدة مغناجا، بيوتنا الذهب ونهرنا العجب أوله الرّطب وأوسطه العنب وآخره القصب، فأما الرطب عندنا فمن النخل في مباركه كالزّيتون عندكم في منابته، هذا على أفنانه كذاك على أغصانه، هذا في زمانه كذاك في إبّانه، من الراسخات في الوحل المطعمات في المحل الملقحات بالفحل يخرجن أسفاطا عظاما وأقساطا ضخاما، وفي رواية: يخرجن أسفاطا وأقساطا كأنما ملئت رياطا، ثم ينفلقن عن قضبان الفضة منظومة باللؤلؤ الأبيض ثم تتبدّل قضبان الذهب منظومة بالزبرجد الأخضر ثم تصير ياقوتا أحمر وأصفر ثم تصير عسلا في شنّة من سحاء ليست بقربة ولا إناء حولها المذابّ ودونها الجراب لا يقربها الذباب مرفوعة عن التراب ثم تصير ذهبا في كيسة الرجال يستعان به على العيال، وأما نهرنا العجب فإنّ الماء يقبل عنقا فيفيض مندفقا فيغسل غثّها ويبدي مبثّها، يأتينا في أوان عطشنا ويذهب في زمان ريّنا فنأخذ منه حاجتنا ونحن نيام على فرشنا فيقبل الماء وله ازدياد وعباب ولا يحجبنا عنه حجاب ولا تغلق دونه الأبواب ولا يتنافس فيه من قلّة ولا يحبس عنّا من علّة، وأما بيوتنا الذهب فإنّ لنا عليهم خرجا في السنين والشهور نأخذه في أوقاته ويسلمه الله تعالى من آفاته وننفقه في مرضاته، فقال له مسلمة: أنّى لكم هذه يا ابن صفوان ولم تغلبوا عليها ولم تسبقوا إليها؟ فقال: ورثناها عن الآباء ونعمّرها للأبناء ويدفع لنا عنها ربّ السماء ومثلنا فيها كما قال معن بن أوس:

«إذا ما بحر خندف جاش يوما *** يغطمط موجه المتعرّضينا»

«فمهما كان من خير، فإنّا *** ورثناها أوائل أوّلينا»

«وإنّا مورثون، كما ورثنا *** عن الآباء إن متنا، بنينا»

وقال الأصمعي: سمعت الرشيد يقول: نظرنا فإذا كلّ ذهب وفضة على وجه الأرض لا يبلغ ثمن نخل البصرة. وقال أبو حاتم: ومن العجائب، وهو مما أكرم الله به الإسلام، أنّ النخل لا يوجد إلّا في بلاد الإسلام البتة مع أن بلاد الهند والحبش والنوبة بلاد حارة خليقة بوجود النخل فيها، وقال ابن أبي عيينة يتشوّق البصرة:

«فإن أشك من ليلي بجرجان طوله، *** فقد كنت أشكو منه بالبصرة القصر»

«فيا نفس قد بدّلت بؤسا بنعمة، *** ويا عين قد بدّلت من قرّة عبر»

«ويا حبذاك السائلي فيم فكرتي *** وهمّي، ألا في البصرة الهمّ والفكر»

«فيا حبّذا ظهر الحزيز وبطنه، *** ويا حسن واديه، إذا ماؤه زخر»

«ويا حبذا نهر الأبلّة منظرا، *** إذا مدّ في إبّانه الماء أو جزر»

«ويا حسن تلك الجاريات، إذا غدت *** مع الماء تجري مصعدات وتنحدر»

«فيا ندمي إذ ليس تغني ندامتي! *** ويا حذري إذ ليس ينفعني الحذر! »

«وقائلة: ماذا نبا بك عنهم؟ *** فقلت لها: لا علم لي، فاسألي القدر»

وقال الجاحظ: بالبصرة ثلاث أعجوبات ليست في غيرها من البلدان، منها: أنّ عدد المدّ والجزر في جميع الدهر شيء واحد فيقبل عند حاجتهم إليه ويرتدّ عند استغنائهم عنه، ثم لا يبطئ عنها إلّا بقدر هضمها واستمرائها وجمامها واستراحتها، لا يقتلها غطسا ولا غرقا ولا يغبّها ظمأ ولا عطشا، يجيء على حساب معلوم وتدبير منظوم وحدود ثابتة وعادة قائمة، يزيدها القمر في امتلائه كما يزيدها في نقصانه فلا يخفى على أهل الغلّات متى يتخلفون ومتى يذهبون ويرجعون بعد أن يعرفوا موضع القمر وكم مضى من الشهر، فهي آية وأعجوبة ومفخر وأحدوثة، لا يخافون المحل ولا يخشون الحطمة، قلت أنا: كلام الجاحظ هذا لا يفهمه إلّا من شاهد الجزر والمد، وقد شاهدته في ثماني سفرات لي إلى البصرة ثم إلى كيش ذاهبا وراجعا، ويحتاج إلى بيان يعرفه من لم يشاهده، وهو أن دجلة والفرات يختلطان قرب البصرة ويصيران نهرا عظيما يجري من ناحية الشمال إلى ناحية الجنوب فهذا يسمونه جزرا، ثم يرجع من الجنوب إلى الشمال ويسمونه مدّا، يفعل ذلك في كل يوم وليلة مرّتين، فإذا جزر نقص نقصانا كثيرا بيّنا بحيث لو قيس لكان الذي نقص مقدار ما يبقى وأكثر، وليست زيادته متناسبة بل يزيد في أول كل شهر، ووسطه أكثر من سائره، وذاك أنه إذا انتهى في أول الشهر إلى غايته في الزيادة وسقى المواضع العالية والأراضي القاصية أخذ يمدّ كل يوم وليلة أنقص من اليوم الذي قبله، وينتهي غاية نقص زيادته في آخر يوم من الأسبوع الأول من الشهر، ثم يمدّ في كل يوم أكثر من مدّه في اليوم الذي قبله حتى ينتهي غاية زيادة مدّه في نصف الشهر، ثم يأخذ في النقص إلى آخر الأسبوع ثم في الزيادة في آخر الشهر هكذا أبدا لا يختلف ولا يخل بهذا القانون ولا يتغير عن هذا الاستمرار، قال الجاحظ: والأعجوبة الثانية ادّعاء أهل أنطاكية وأهل حمص وجميع بلاد الفراعنة

الطلسمات، وهي بدون ما لأهل البصرة، وذاك أن لو التمست في جميع بيادرها وربطها المعوّذة وغيرها على نخلها في جميع معاصر دبسها أن تصيب ذبابة واحدة لما وجدتها إلا في الفرط، ولو أن معصرة دون الغيط أو تمرة منبوذة دون المسنّاة لما استبقيتها من كثرة الذّبّان، والأعجوبة الثالثة أن الغربان القواطع في الخريف يجيء منها ما يسوّد جميع نخل البصرة وأشجارها حتى لا يرى غصن واحد إلا وقد تأطّر بكثرة ما عليه منها ولا كربة غليظة إلا وقد كادت أن تندقّ لكثرة ما ركبها منها، ثم لم يوجد في جميع الدهر غراب واحد ساقط إلا على نخلة مصرومة ولم يبق منها عذق واحد، ومناقير الغربان معاول وتمر الأعذاق في ذلك الإبّان غير متماسكة، فلو خلاها الله تعالى ولم يمسكها بلطفه لاكتفى كل عذق منها بنقرة واحدة حتى لم يبق عليها إلا اليسير، ثم هي في ذلك تنتظر أن تصرم فإذا أتى الصرام على آخرها عذقا رأيتها سوداء ثم تخللت أصول الكرب فلا تدع حشفة إلا استخرجتها، فسبحان من قدّر لهم ذلك وأراهم هذه الأعجوبة، وبين البصرة والمدينة نحو عشرين مرحلة ويلتقي مع طريق الكوفة قرب معدن النّقرة، وأخبار البصرة كثيرة والمنسوبون إليها من أهل العلم لا يحصون، وقد صنف عمر بن شبّة وأبو يحيى زكرياء الساجي وغيرهما في فضائلها كتابا في مجلدات، والذي ذكرناه كاف.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


18-معجم البلدان (الحولة)

الحُولَةُ:

بالضم ثم السكون: اسم لناحيتين بالشام، إحداهما من أعمال حمص ثم من أعمال بارين بين حمص وطرابلس، والأخرى كورة بين بانياس وصور من أعمال دمشق ذات قرى كثيرة، من إحداهما كان الحارث الكذاب الذي ادعى النبوة أيام عبد الملك بن مروان، قال أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا محمد بن مبارك حدثنا الوليد بن مسلمة عن عبد الرحمن بن حسان قال: كان الحارث الكذاب من أهل دمشق وكان مولى لابن الجلاس وكان له أب بالحولة، فعرض له إبليس، وكان رجلا متعبدا زاهدا لو لبس جبة من ذهب لرأيت عليه زهادة، قال: وكان إذا أخذ في التحميد لم يستمع السامعون إلى كلام أحسن من كلامه، قال:

فكتب إلى أبيه وهو بالحولة: يا أبتاه اعجل عليّ فإني رأيت أشياء أتخوف أن يكون الشيطان عرض لي، قال: فزاره أبوه غبّا وكتب إليه: يا بنيّ أقبل على ما أمرت به فإن الله تعالى يقول: عَلى من تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ 26: 221- 222، ولست بأفاك ولا أثيم فامض لما أمرت به، وكان يجيء إلى أهل المسجد رجلا رجلا فيذاكرهم أمره ويأخذ عليهم العهد والميثاق إن هو رأى ما يرضى قبل وإلا كتم عليه، قال: وكان يريهم الأعاجيب، كان يأتي رخامة في المسجد فينقرها بيده فتسبّح، وكان يطعمهم فواكه الصيف في الشتاء، وكان يقول لهم اخرجوا حتى أريكم الليلة فيخرجهم إلى دير مرّان فيريهم رجالا على خيل، فتبعه بشر كثير وفشا الأمر في المسجد وكثر أصحابه حتى وصل الأمر إلى القاسم بن مخيمرة، فعرض على القاسم وأخذ عليه العهد والميثاق إن رضي أمرا قبله وإن كره كتم عليه، فقال له: إني نبيّ، فقال له القاسم: كذبت يا عدوّ الله ما أنت نبي ولا لك عهد ولا ميثاق! فقال له أبو إدريس: ما صنعت شيئا إذ لم يبين حتى نأخذه الآن يفر، قال: وقام من مجلسه حتى دخل على عبد الملك فأعلمه بأمر حادث من الحارث، فأمر عبد الملك بطلبه فلم يقدر عليه، وخرج عبد الملك فنزل الصّبيرة، قال:

واتهم عامة عسكره، يعني بالحارث، أن يكونوا يرون رأيه، وخرج الحارث حتى أتى بيت المقدس فاختفى فيه، وكان أصحابه يخرجون فيلتمسون الرجال فيدخلونهم عليه، وكان رجل من أهل البصرة قد أتى بيت المقدس فأتاه رجل من أصحاب الحارث فقال له:

ههنا رجل يتكلم فهل لك أن تسمع من كلامه؟

قال: نعم، فانطلق معه حتى دخل على الحارث فأخذ في التحميد، فسمع البصريّ كلاما حسنا، قال: ثم أخبره

بأمره وأنه نبي مبعوث مرسل، فقال له: إن كلامك لحسن ولكن في هذا نظر فانظر، فخرج البصري ثم عاد إليه فرد كلامه فقال: إن كلامك لحسن وقد وقع في قلبي وقد آمنت بك وهذا الدين المستقيم، قال: فأمر أن لا يحجب، قال: فأقبل البصري يتردد ويعرف مداخله ومخارجه وأين يذهب

ائذن لي، فقال: إلى أين؟ فقال: إلى البصرة أكون أول داعية لك بها، قال: فأذن له فخرج البصري مسرعا إلى عبد الملك وهو بالصّبيرة، فلما دنا من سرادقه صاح النصيحة النصيحة! فقال أهل العسكر: وما نصيحتك؟

قال: هي نصيحة لأمير المؤمنين، قال: فأمر عبد الملك أن يأذنوا له فدخل وعنده أصحابه، قال:

فصاح النصيحة النصيحة! فقال: وما نصيحتك؟

قال: اخلني لا يكن عندك أحد، قال: فأخرج من كان عنده، وكان عبد الملك قد اتهم أهل عسكره أن يكون هواهم معه، ثم قال له: ادنني، فأدناه وعبد الملك على السرير، فقال: ما عندك؟ فقال:

عندي أخبار الحارث، فلما سمع عبد الملك بذكر الحارث طرد نفسه من السرير ثم قال: أين هو؟

قال: يا أمير المؤمنين هو بالبيت المقدس وقد عرفت مداخله، وقص عليه قصته وكيف صنع به، فقال له:

أنت صاحبه وأنت أمير بيت المقدس وأميرها ههنا فمرني بما شئت، فقال: ابعث معي قوما لا يفقهون الكلام، فأمر أربعين رجلا من أهل فرغانة وقال لهم:

انطلقوا مع هذا فما أمركم به من شيء فأطيعوه، قال: وكتب إلى صاحب بيت المقدس إن فلانا لأمير عليك حتى تخرج فأطعه فيما يأمرك به، فلما قدم البيت المقدس أعطاه الكتاب فقال له: مرني بما شئت، فقال له: اجمع لي إن قدرت كل شمعة تقدر عليها ببيت المقدس وادفع كل شمعة إلى رجل ورتبهم على أزقة بيت المقدس فإذا قلت أسرجوا فليسرجوا جميعا، قال: فرتبهم في أزقة بيت المقدس وفي زواياها بالشمع، فأقبل البصري وحده إلى منزل الحارث فأتى الباب وقال للحاجب: استأذن لي على نبي الله، قال: في هذه الساعة ما يؤذن عليه حتى تصبح! قال: أعلمه إنما رجعت شوقا إليه قبل أن أصل، قال: فدخل عليه فأعلمه كلامه ففتح الباب ثم صاح البصري أسرجوا فأسرجت الشموع حتى كان بيت المقدس كأنه نهار، ثم قال: كل من مرّ بكم فاضبطوه، قال: ودخل هو إلى الموضع الذي يعرفه فنظره فلم يجده فقال أصحابه: هيهات تريدون أن تقتلوا نبي الله وقد رفعه الله إلى السماء! قال: فطلبه في شقّ كان هيأه سربا فأدخل البصري يده في ذلك السرب فإذا بثوبه فاجتره فأخرجه إلى خارج ثم قال للفرغانيين: اربطوه فربطوه، فبينما هم كذلك يسيرون به على البريد إذ قال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟

فقال أهل فرغانة أولئك العجم: هذا كراننا فهات كرانك أنت، فسار به حتى أتى عبد الملك، فلما سمع به أمر بخشبة فنصبت فصلبه وأمر بحربة وأمر رجلا فطعنه فأصاب ضلعا من أضلاعه فكاعت الحربة، فجعل الناس يصيحون: الأنبياء لا يجوز فيهم السلاح! فلما رأى ذلك رجل من المسلمين تناول الحربة ثم مشى بها إليه ثم أقبل يتجسس حتى وافى بين ضلعين فطعنه بها فأنفذها فقتله، فقال الوليد: ولقد بلغني أن خالد بن يزيد بن معاوية دخل على عبد الملك فقال: لو حضرتك ما أمرتك بقتله! قال: ولم؟ قال: إنما كان به المذهب فلو جوعته لذهب عنه ذلك، والمذهب الوسوسة، ومنه المذهب وهو وسوسة الوضوء ونحوه. قال القاضي عبد الصمد بن سعيد في تاريخ حمص: كان

العرباض بن سارية السّلمي يسكن حولة حمص.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


19-معجم البلدان (خلار)

خُلّارُ:

بضم أوله، وتشديد ثانيه، وآخره راء:

موضع بفارس يجلب منه العسل، ومنه حديث الحجّاج حين كتب إلى عامله بفارس: ابعث إليّ من عسل خلّار من النحل الأبكار من الدستفشار الذي لم تمسه النار.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


20-معجم البلدان (خوز)

خُوزُ:

بضم أوله، وتسكين ثانيه، وآخره زاي:

بلاد خوزستان يقال لها الخوز، وأهل تلك البلاد يقال لهم الخوز وينسب إليه، ومنهم: سليمان بن الخوزي، روى عن خالد الحذّاء وأبي هاشم الرّماني، حدث عنه عبد الله بن موسى، وعمرو بن سعيد الخوزي، حدث عنه عباد بن صهيب. والخوز أيضا، شعب الخوز: بمكة، قال الفاكهي محمد بن إسحاق: إنما سمّي شعب الخوز لأن نافع بن الخوزي مولى عبد الرحمن بن نافع بن عبد الحارث الخزاعي نزله وكان أول من بنى فيه، ويقال شعب المصطلق، وعنده صلّي على أبي جعفر المنصور، ينسب إليه أبو إسماعيل إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي مولى عمر ابن عبد العزيز، حدّث عن عمرو بن دينار وأبي الزبير وغيرهما بمناكير كثيرة وكان ضعيفا، روى عنه المعتمر بن سليمان والمعافى بن عمران الموصلي، وقال التّوزّي: الأهواز تسمّى بالفارسية هرمشير وإنما كان اسمها الأخواز فعرّبها الناس فقالوا الأهواز، وأنشد لأعرابي:

«لا ترجعنّ إلى الأخواز ثانية، *** فعيقعان الذي في جانب السوق»

«ونهر بطّ الذي أمسى يؤرّقني *** فيه البعوض بلسب غير تشفيق»

والخوز الأمّ الناس وأسقطهم نفسا، قال ابن الفقيه قال الأصمعي: الخوز هم الفعلة وهم الذين بنوا الصّرح واسمهم مشتقّ من الخنزير، ذهب أن اسمه بالفارسية خوه فجعله العرب خوز، زادوه زايا كما زادوها في رازي ومروزي وتوزي، وقال قوم: معنى قولهم خوزيّ أي زيّهم زيّ الخنزير، وهذا كالأول، وروي أن كسرى كتب إلى بعض عمّاله: ابعث إليّ بشرّ طعام على شرّ الدوابّ مع شرّ الناس، فبعث إليه برأس سمكة مالحة على حمار مع خوزيّ، وروى أبو خيرة عن عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه قال: ليس في ولد آدم شرّ من الخوز ولم يكن منهم نجيب، والخوز: هم أهل خوزستان ونواحي الأهواز بين فارس والبصرة وواسط وجبال اللور المجاورة لأصبهان.

والخوزيّون: محلّة بأصبهان نزلها قوم من الخوز فنسبت إليهم فيقال لها درخوزيان، نسب إليها أبو العباس أحمد بن الحسن بن أحمد الخوزي يعرف بابن نجوكه، سمع أبا نعيم الحافظ، وقيل إنه آخر من حدّث عنه السمعاني منه إجازة، ومات في سنة 517 أو 518، وأحمد بن محمد بن أبي القاسم بن فليزة أبو نصر الأمين الخوزي الأصبهاني، سكن سكة الخوزيين، بها سمع أبا عمرو بن مندة وأبا العلاء سليمان بن عبد الرحيم الحسناباذي، مات يوم الأربعاء ثالث عشر شوّال سنة 531، ذكره في التحبير.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


21-معجم البلدان (ريسون)

رَيْسونُ:

آخره نون: قرية بالأردنّ كانت ملكا لمحمد بن مروان فولّاه أخوه هشام مصر فاشترط محمد على أخيه أنّه متى ما كرهها عاد إلى مكانه، فلمّا ولي شهرين جاءه ما كره فترك مصر وقدم إلى ريسون ضيعته وكتب إلى أخيه: ابعث إلى عملك واليا، فكتب إليه أخوه هشام:

«أتترك لي مصرا لريسون حسرة؟ *** ستعلم يوما أيّ بيعيك أربح»

فقال محمد: إنني لا أشك أنّ أربح البيعين ما صنعت.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


22-معجم البلدان (مزاحم)

مُزَاحِمٌ:

بالضم، والحاء مهملة: اسم أطم بالمدينة، قال قيس بن الخطيم:

«ولما رأيت الحرب حربا تجرّدت *** لبست مع البردين ثوب المحارب»

«مضاعفة يغشى الأنامل ريعها *** كأنّ قتيريها عيون الجنادب»

«وكنت امرأ لا أبعث الحرب ظالما، *** فلما أبوا أشعلتها كلّ جانب»

«رجال متى يدعوا إلى الموت يسرعوا *** كمشي الجمال المسرعات المصاعب»

«صبحنا بها الآجام حول مزاحم *** قوانس أولى بيضها كالكواكب»

«لو انّك تلقي حنظلا فوق بيضنا *** تدحرج عن ذي سامه المتقارب»

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


23-معجم القواعد العربية (الحال)

الحال:

1 ـ تعريفه:

هي ما تبيّن هيئة الفاعل أو المفعول به لفظا أو معنى، أو كليهما.

وعاملها: الفعل، أو شبهه، أو معناه وشرطها: أن تكون نكرة وصاحبها معرفة نحو «أقبل محمّد ضاحكا» و «اشرب الماء باردا» و «وكلّمت خالدا ماشيين» و «هذا زيد قائما».

وقولهم: «أرسلها العراك» و «مررت به وحده» ممّا يخالف ظاهرا شرط التّنكير ـ فمؤول، فأرسلها العراك، تؤوّل معتركة، ووحده تؤوّل منفردا وقال سيبويه: «إنّها معارف موضوعة موضع النّكرات أي معتركة، إلخ». وسيأتي بيانها وتفصيلها.

2 ـ أوصاف الحال.

للحال أربعة أوصاف:

(أ) منتقلة، وهي الحال الّتي تتقيّد بوقت حصول مضمون الجملة، وهي الأصل والغالب نحو «سافر عليّ راكبا» والمراد أنه لا يدوم على الركوب. ولا بدّ سينزل. (ب) الحال الثّابتة: هي التي تقع وصفا ثابتا في مسائل ثلاث:

(1) أن تكون مؤكّدة لمضمون جملة قبلها، نحو «عليّ أبوك رحيما» فإنّ الأبوّة من شأنها الرّحمة، أو مؤكّدة لعاملها نحو: {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} والبعث من لازمه الحياة.

(2) أن يدلّ عاملها على تجدّد صاحبها ـ أي حدوثه بعد أن لم يكن ـ نحو: {وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا}.

وقول الشاعر:

«فجاءت به سبط العظام كأنّما *** عمامته بين الرّجال لواء »

(3) أن يكون مرجعها السّماع، ولا ضابط لها، نحو: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا}.

(ب) أن تكون مشتقّة لا جامدة وذلك أيضا غالب، وتقع جامدة في عشر مسائل:

(1) أن تدلّ على تشبيه نحو «بدا خالد أسدا» ومنه قوله:

«بدت قمرا ومالت خوط بان *** وفاحت عنبرا ورنت غزالا »

(2) أن تدلّ على مفاعلة نحو «بعته يدا بيد» و «كلّمته فاه إلى فيّ».

(3) أن تفيد ترتيبا نحو «ادخلوا رجلا رجلا» و «قرأت الكتاب بابا بابا».

ف «رجلا رجلا» و «بابا بابا» مجموعهما هو الحال.

(4) أن تدلّ على التّسعير نحو «بعه البرّ مدّا بدرهمين». فـ «مدّا» حال جامدة.

وجمهور النّحاة يرون أنّ الحال في هذه الصّور الأربع مؤوّلة بالمشتق فيؤوّل الأوّل: مشبّها بأسد، والثاني: متقابضين، والثالث: مرتّبين، والرّابع: مسعّرا.

أمّا السّتّة الآتية فهي جامدة لا تؤوّل بمشتق.

(5) أن تكون موصوفة نحو {إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}.

(6) أن تدلّ على عدد نحو {فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}.

(7) أن يقصد بها تفضيل شيء على نفسه أو غيره باعتبارين نحو: «عليّ خلقا أحسن منه علما». (8) أن تكون نوعا لصاحبها نحو:

«هذا مالك ذهبا».

(9) أن تكون فرعا لصاحبها نحو: {وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتًا}.

(10) أن تكون أصلا له نحو «هذا خاتمك فضّة» ونحو قوله تعالى: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}.

أن تكون نكرة لا معرفة، وذلك لازم، فإن وردت معرفة أوّلت بنكرة نحو «جاء وحده». أي منفردا، و «رجع عوده على بدئه». أي عائدا، ومثله «مررت بالقوم خمستهم» و «مررت بهم ثلاثتهم» أي تخميسا وتثليثا، و «جاءوا قضّهم بقضيضهم». أي جميعا، ومنه أيضا قولهم «فعلته جهدي» و «أسرعت طاقتي» ولا تستعمل إلّا مضافا وهو معرفة، وفي موضع الحال، وتأويله: مجتهدا ومطيقا.

ومنه قول لبيد:

«فأرسلها العراك ولم يذدها *** ولم يشفق على نغص الدّخال »

ومثل فأرسلها العراك، قولك: «مررت بهم الجمّاء الغفير» أي على الحال على نية طرح الألف واللام وهذا كقولك: «مررت بهم قاطبة» و «مررت بهم طرّا».

(انظرهما في حرفيهما).

(د) أن تكون نفس صاحبها في المعنى، ولذا جاز «جاء عليّ ضاحكا» وامتنع: «جاء عليّ ضحكا» لأنّ المصدر يباين الذات بخلاف الوصف، وقد جاءت مصادر أحوالا في المعارف نحو:

«آمنت بالله وحده». و «أرسلها العراك» كما تقدّم وبكثرة في النّكرات نحو: «طلع بغتة» و «سعى ركضا» ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} ومنه «قتله صبرا» وذلك كلهّ على التّأويل بالوصف: أي مباغتا، وراكضا، وساعيا، ومصبورا أي محبوسا، والجمهور على أنّ القياس عليه غير سائغ. وابن مالك قاسه في ثلاثة مواضع:

(الأوّل) المصدر الواقع بعد اسم مقترن ب «أل» الدالة على الكمال، نحو «أنت الرّجل علما» فيجوز «أنت الرّجل أدبا ونبلا» والمعنى: الكامل في العلم والأدب والنّبل.

(الثاني) أن يقع بعد خبر شبّه به مبتدؤه نحو «أنت ثعلب مراوغة».

(الثالث) كلّ تركيب وقع فيه الحال بعد «أمّا» في مقام قصد فيه الرّدّ على من وصف شخصا بوصفين، وأنت تعتقد اتّصافه بأحدهما دون الآخر نحو «أمّا علما فعالم» والنّاصب لهذه الحال هو فعل الشّرط المحذوف، وصاحب الحال هو الفاعل، والتّقدير: مهما يذكره إنسان في حال علم فالمذكور عالم.

وهناك أسماء تقع حالا ليست مشتقّات، وليست مصادر، بل توضع موضع المصادر نحو «كلّمته فاه إلى فيّ» التّقدير: كلمته مشافهة، ونحو: «بايعته يدا بيد» أي بايعته نقدا وقد تقدم، ولو قلت: «كلمته فوه إلى فيّ» لجاز.

أمّا «بايعته يد بيد» برفع «يد» فلا يجوز، ومن ذلك قولهم في المثل: «تفرّقوا أيدي سبا» و «أيدي» وأيادي ـ على رواية ثانية ـ في موضع الحال، والتّقدير: مثل تفرّق أيدي سبا.

3 ـ صاحب الحال:

الأصل في صاحب الحال: التّعريف ومن التّعريف قولك: «مررت بكلّ قائما» و «مررت ببعض نائما». و «ببعض جالسا» وهو معرفة لأن التّنوين فيه عوض عن كلمة محذوفة، والمحذوف تقديره: بكلّ الصّالحين، أو بكلّ الأصدقاء، وصار معرفة لأنه بالحقيقة مضاف إلى معرفة ومثله قوله تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ}.

وقد يقع نكرة في مواضع وهي المسوّغات: منها أن يتقدّم عليه الحال نحو قول كثير عزّة:

«لعزّة موحشا طلل *** يلوح كأنّه خلل »

ومنها: أن يتخصّص إمّا بوصف، نحو: ولمّا جاءهم كتاب من عند الله مصدّقا أو إضافة نحو: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ} أو بمعمول نحو «عجبت من منتظر الفحص متكاسلا».

ومنها: أن يسبقه نفي نحو: {وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ} أو نهي كقول قطريّ بن الفجاءة:

«لا يركنن أحد إلى الإحجام *** يوم الوغى متخوّفا لحمام »

أو استفهام كقوله:

«يا صاح هل حمّ عيش باقيا فترى *** لنفسك العذر في إبعادها الأملا »

وقد تغلب المعرفة النكرة في جملة ويأتي منهما حال، تقول: «هذان رجلان وعبد الله منطلقين» وإن شئت قلت: «هذان رجلان وعبد الله منطلقان». وتقول: «هؤلاء ناس وعبد الله منطلقين» إذا خلطتهم، وتقول: «هذه ناقة وفصيلها راتعين» ويجوز راتعتان.

وقد يقع نكرة بغير مسوّغ كقولهم:

«عليه مائة بيضا» وفي الحديث: «وصلّى وراءه رجال قياما).

4 ـ الحال مع صاحبها ـ في التّقدّم والتأخر لها ثلاث أحوال:

(أ) جواز التأخّر عنه والتّقدّم عليه نحو «لا تأكل الطّعام حارّا» ويجوز «لا تأكل حارا الطّعام».

(ب) أن تتأخّر عنه وجوبا وذلك في موضعين:

(1) أن تكون محصورة، نحو: {وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}.

(2) أن يكون صاحبها مجرورا إمّا بحرف جرّ غير زائد نحو «نظرت إلى السّماء لامعة نجومها» وأمّا قول الشّاعر:

«تسلّيت طرّا عنكم بعد بينكم *** بذكراكم حتى كأنّكم عندي »

بتقديم «طرّا» وهي حال تقدّم على صاحبها المجرور بعن، فضرورة.

وإمّا بإضافة، نحو «سرّني عملك مخلصا»: حال من الكاف في عملك وهي مضاف إليه.

(ج) أن تتقدّم عليه وجوبا كما إذا كان صاحبها محصورا فيه نحو «ما حضر مسرعا إلّا أخوك».

5 ـ شرط الحال من المضاف إليه:

تأتي الحال من المضاف إليه بشرط أن يكون المضاف عاملا فيه نحو: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا}. أو يكون بعضا منه نحو: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} أو كبعضه نحو: {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا}. فلو قيل في غير القرآن: اتّبع إبراهيم، لصحّ.

6 ـ العامل في الحال:

لا بدّ للحال من عامل ولا يعمل فيها إلا الفعل، أو شيء يكون بدلا منه، دالّا عليه، والعامل من غير الفعل المشتقّ نحو «أعائد بكر حاجّا» والظّرف نحو: «زيد خلفك ضاحكا» أي استقرّ خلفك، والجارّ والمجرور نحو: «زيد في الدار نائما» أي استقرّ، والإشارة نحو: «ذاك محمد راكبا» والمعنى: أشير المنتزعة من معنى اسم الإشارة، و «ها» للتنبيه نحو «هذا عمر مقبلا» والمعنى: انبّهك.

ويعمل من أخوات «إن» ثلاث أدوات هنّ: «كأنّ لما فيها من معنى: أشبّه، نحو «كأنّ هذا بشر منطلقا» و «ليت» لما فيها من معنى، تمنّى، نحو: «ليت هذا زيد شجاعا» و «لعلّ» لما فيها من معنى أترجّى، نحو «ولعلّ هذا عمرو منطلقا». ولا يجوز أن يعمل في الحال «إنّ ولكنّ». وإذا لم يكن للحال عامل ممّا سبق فلا يجوز، فلو قلت: «زيد أخوك قائما» و «عبد الله أبوك ضاحكا» لم يجز، وذلك لأنه ليس هاهنا فعل، ولا معنى الفعل، ولا يستقيم أن يكون أباه في حال، ولا يكون في حال أخرى، ولو قصدت بالأخوّة، أخوّة الصّداقة لجاز.

7 ـ الحال مع عاملها ـ في التقديم والتّأخير ـ ثلاث حالات:

(أ) جواز التّأخير والتّقديم وذلك إذا كان العامل فعلا متصرّفا، نحو «دخلت البستان مسرورا» أو صفة تشبه الفعل المتصرّف نحو: «خالد مقبل على العمل مسرعا» فيجوز في «مسرورا» و «مسرعا» أن نقدّمهما على «دخلت ومقبل» ومنه قوله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ} وقول يزيد بن مفرّغ يخاطب بغلته:

«عدس ما لعبّاد عليك إمارة *** أمنت وهذا تحملين طليق »

فجملة تحملين في موضع نصب على الحال، وعاملها طليق، وهو صفة مشبّهة.

(ب) أن تتقدّم عليه وجوبا، وذلك إذا كان لها صدر الكلام، نحو «كيف تحفظ في النّهار» فـ «كيف» في محل نصب على الحال.

(ج) أن تتأخّر عنه وجوبا وذلك في ستّ مسائل:

(1) أن يكون العامل فعلا جامدا نحو «ما أجمل الفتى فصيحا».

(2) أو صفة تشبه الفعل الجامد، وهي أفعل التفضيل نحو «بكر أفصح النّاس خطيبا».

ويستثنى منه ما كان عاملا في حالين لاسمين متّحدي المعنى، أو مختلفين، وأحدهما مفضّل في حالة على الآخر في حالة أخرى، فإنه يجب تقديم الحال الفاضلة على اسم التفضيل نحو: «عمرو عبادة أحسن منه معاملة».

(3) أو مصدرا مقدرا بالفعل وحرف مصدري نحو «سرّني مجيئك سالما» أي أن جئت.

(4) أو اسم فعل نحو «نزال مسرعا».

(5) أو لفظا مضمنا معنى الفعل دون حروفه كبعض أخوات «إنّ» والظروف، والإشارة، وحروف التنبيه والاستفهام التعظيمي، نحو «ليت عليّا أخوك أميرا» و «كأنّ محمدا أسد قادما» وقول امرىء القيس:

«كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا *** لدى وكرها العنّاب والحشف البالي »

ونحو قوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً}.

«ها أنت محمّد مسافرا» ويستثنى من ذلك أن يكون العامل ظرفا أو مجرورا لا مخبرا بهما، فيجوز بقلّة توسّط الحال بين المبتدأ والخبر كقراءة بعضهم:

{وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا} وقراءة الحسن: {وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}.

(6) أن يكون العامل فعلا مع لام الابتداء أو القسم نحو «إنّي لأستمع واعيا» ونحو «لأقدمنّ ممتثلا». لأنّ التّالي للام الابتداء ولام القسم لا يتقدّم عليهما.

8 ـ تعدّد الحال:

يجوز أن يتعدّد الحال وصاحبه واحد، أو متعدّد، فالأوّل كقوله:

«عليّ إذا لاقيت ليلى بخلوة *** أن ازدار بيت الله رجلان حافيا »

والثاني: إن اتّحد لفظه ومعناه ثنّي أو جمع نحو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ}. الأصل: دائبة ودائبا ونحو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ}.

وإن اختلف فرّق بغير عطف وجعل أوّل الحالين لثاني الاسمين وثانيهما للأوّل نحو «لقيت زيدا مصعدا منحدرا فمصعدا حال من زيد، ومنحدرا حال من التاء.

وقد تأتي على الترتيب إن أمن اللّبس كقولك: «لقيت هندا مصعدا منحدرة» وكقول أمرىء القيس:

«خرجت بها أمشي تجرّ وراءنا *** على أثرينا ذيل مرط مرحّل »

فأمشي حال من التاء من خرجت و «تجرّ» حال من الهاء في بها.

9 ـ الحال مؤسّسة أو مؤكّدة:

%t%الحال المؤسّسة: %l% هي التي لا يستفاد معناها بدونها نحو «أتى عليّ مبشّرا» والحال المؤكدة: هي التي يستفاد معناها بدونها، وهي على ثلاثة أنواع:

(1) أن تكون إمّا مؤكّدة لعاملها معنى دون لفظ نحو {فَتَبَسَّمَ ضاحِكًا} أو لفظا ومعنى نحو: {وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا}.

(2) أن تكون مؤكّدة لصاحبها، نحو: {لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}.

(3) أن تؤكّد مضمون جملة مركّبة من اسمين معرفتين جامدين ومضمون الجملة إمّا فخر كقول سالم اليربوعي:

«أنا ابن دارة معروفا بها نسبي *** وهل بدارة يا للنّاس من عار»

أو تعظيم لغيرك نحو «أنت الرجل حزما» أو تصغير له نحو «هو المسكين محتاجا» أو غير ذلك نحو «هذا أخوك شفيقا» و {هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً}.

وهذه الحال المؤكّدة واجبة التّأخير عن الجملة المذكورة، ومعمولة لمحذوف وجوبا تقديره «أحقّه أو أعرفه» أو «أحقني أو أعرفني» لتناسب المبتدأ في الغيبة والحضور.

10 ـ الحال مقارنة أو مقدّرة:

الحال إمّا مقارنة لعاملها كالأمثلة السّابقة، وإمّا مقدّرة وهي المستقبلة وتسمّى حالا منتظرة نحو: {فَادْخُلُوها خالِدِينَ} أي مقدّرا خلودكم.

11 ـ الحال حقيقيّة أو سببيّة:

والحال إمّا حقيقيّة كالأمثلة السّابقة، وإمّا سببيّة ـ وهي التي تتعلّق فيما بعدها وفيها ضمير يعود على صاحب الحال ـ نحو «دخلت على الأمير باسما وجهه».

12 ـ الحال مفرد، وشبه جملة أو جملة:

الأصل في الحال: أن تكون اسما مفردا نحو: {وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}، وقد تجيء ظرفا نحو «رأيت الهلال بين السّحاب» فبين متعلّق بمحذوف حال أي كائنا. وجارّا ومجرورا نحو «نظرت البدر في كبد السماء» فالجارّ والمجرور متعلّقان أيضا بمحذوف حال أي كائنا في كبد السماء وقد تجيء جملة بثلاثة شروط:

الأوّل: أن تكون خبريّة فليس من الحال قول الشاعر:

«اطلب ولا تضجر من مطلب *** فآفة الطّالب أن يضجرا»

فهذه الواو الدّاخلة على «لا» النّاهية ليست للحال، وإنّما هي عاطفة مثل قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}.

الثاني: أن تكون غير مصدّرة بعلامة استقبال، فليس من الحال: «سيهدين» من قوله تعالى: {وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ}.

الثالث: أن تشتمل على رابط، وهو إمّا الواو فقط نحو: {قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ}. أو الضّمير فقط نحو {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}. فالجملة من المبتدأ وهو «بعضكم» والخبر وهو «عدوّ» في محل نصب حال، والرابط الضمير وهو «كم» في «بعضكم» أو هما معا ـ الضّمير والواو ـ نحو: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ}.

وإذا وقع الفعل الماضي حالا وجب عند البصريين أن يقترن ب «قد» ولا يشترط الكوفيّون والأخفش من البصريين ذلك، لكثرة وروده في لسان العرب نحو قوله تعالى: {أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} وتأويل هذا عند البصريين كما قال المبرد: الدعاء كما تقول: لعنوا قطّعت أيديهم.

13 ـ الواو الرّابطة أو الضّمير بدلها: تجب الواو قبل مضارع مقرون بقد نحو: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ}.

وتمتنع الواو ويتعيّن الضّمير في سبعة مواضع:

(1) أن تقع الجملة بعد عاطف نحو: {فَجاءَها بَأْسُنا بَياتًا أَوْ هُمْ قائِلُونَ}.

(2) أن تكون الحال مؤكّدة لمضمون الجملة نحو: {ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ}.

(3) الجملة الماضويّة الواقعة بعد «إلّا» نحو: {وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ}.

(4) الجملة الماضويّة المتلوّة ب «أو» نحو «لأصادقنّه غاب أو حضر».

(5) الجملة المضارعيّة المنفيّة ب «لا» نحو: {وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ} ومنه قوله:

«ولو أنّ قوما لارتفاع قبيلة *** دخلوا السّماء دخلتها لا أحجب »

(6) المضارعيّة المنفيّة ب «ما» كقوله:

«عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة *** فما لك بعد الشّيب صبّا متيّما»

(7) المضارعيّة المثبتة التي لم تقترن ب «قد» نحو: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}. و «قدم الأمير تقاد الجنائب بين يديه» وأما قول عنترة:

«علّقتها عرضا وأقتل قومها *** زعما لعمر أبيك ليس بمزعم »

فالواو عاطفة، والمضارع مؤوّل بالماضي، أي وقتلت قومها، أو الواو للحال، والمضارع خبر لمبتدأ محذوف تقديره، وأنا أقتل قومها.

14 ـ حذف عامل الحال جوازا:

قد يحذف عامل الحال جوازا لدليل حاليّ كقولك لقاصد السّفر «راشدا» أي تسافر. وللقادم من الحجّ «مأجورا» أي رجعت، أو دليل مقاليّ، نحو: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْبانًا} أي صلّوا،.

15 ـ حذف عامل الحال وجوبا:

يحذف العامل وجوبا في أربعة مواضع:

(1) أن تكون الحال سادّة مسدّ الخبر نحو «إكرامي بكرا قادما».

(2) أن تؤكّد مضمون جملة نحو: «عليّ أخوك شفيقا» فـ «أخوك» تفيد الشّفقة.

(3) أن تكون مبيّنة لزيادة أو نقص تدريجيّين نحو «تصدّقت بدرهم فصاعدا» أي فذهب المتصدّق به صاعدا.

(انظر فصاعدا).

(4) أن تكون مسوقة للتّوبيخ نحو: «أمتوانيا وقد جدّ غيرك». و «أعربيّا حينا وأجنبيّا آخر» أي أتكون عربيّا حينا، وتتحوّل أجنبيّا حينا آخر.

16 ـ حذف عامل الحال سماعا:

ويحذف العامل ـ في غير ما تقدّم ـ سماعا نحو: «هنيئا لك» أي ثبت لك الخير هنيئا، وسيأتي أمثال ذلك.

17 ـ ما ينتصب من المصادر لأنّه حال:

وذلك قولك: «قتلته صبرا» و «لقيته فجاءة ومفاجاة» و «كفاحا ومكافحة» و «لقيته عيانا» و «كلّمته مشافهة» و «أتيته ركضا وعدوا ومشيا» و «أخذت عنه سمعا وسماعا» قال سيبويه: وليس كلّ مصدر مثل ما مضى من هذا الباب يوضع هذا الموضع لأنّ المصدر هنا في موضع فاعل إذا كان حالا.

ألا ترى أنه لا يحسن أتانا سرعة ولا أتانا رجلة، ومثل ذلك قول الشاعر زهير بن أبي سلمى:

«فلأيا بلأي ما حملنا وليدنا *** على ظهر محبوك ظماء مفاصله »

كأنّه يقول: حملنا وليدنا لأيا بلأي، أو كأنّه يقول: حملناه جهدا بعد جهد، ومثله قول الرّاجز وهو نقادة الأسدي:

«ومنهل وردته التقاطا

أي فجاءة. 18 ـ المصادر تكون في موضع الحال:

يقول سيبويه ممثلا عليه: وذلك قولك «أمّا سمنا فسمين» و «أمّا علما فعالم» انتصب «سمنا» و «علما» على أنّ كلا منهما مصدر نصب على الحال وقال الخليل رحمه‌الله: أنّه بمنزلة قولك: «أنت الرجل علما ودينا» و «أنت الرّجل فهما وأدبا» أي أنت الرجل في هذه الحال، ولم يحسن في هذا الوجه الألف واللّام، ومن ذلك قولك: «أمّا علما فلا علم له» و «أمّا علما فلا علم عنده» و «أمّا علما فلا علم» وتضمر «له» لأنّك إنما تعني رجلا.

19 ـ كلمات في جملة لا تقع إلّا حالا:

وذلك قولك: «ما شأنك قائما» و «ما شأن زيد مسرعا» و «ما لأخيك مسافرا» ومثله: «هذا عبد الله قارئا» انتصب قائما، ومسرعا، ومسافرا على الحال، وانتصب بقولك: ما شأنك كما انتصب قائما في قولك: «هذا عبد الله قائما» بما قبله، ومثله قوله سبحانه: {فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ}، ومثل ذلك: «من ذا قائما بالباب» فقائما حال، أي من ذا الذي هو قائم بالباب.

معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذُيّل بالإملاء-عبدالغني الدقر-صدر: 1404ه‍/1984م


24-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (الإطناب بالزيادة)

الإطناب بالزّيادة:

ويكون على أنواع: منها دخول حرف فأكثر من حروف التوكيد كقوله تعالى: {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} وقوله: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ}.

ومنها دخول الأحرف الزائدة كقوله تعالى: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}، وقوله: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ}.

ومنها التأكيد الصناعي، وهو أربعة أقسام:

أحدها: التوكيد المعنوي بـ «كل» و «أجمع» و «كلا» و «كلتا» كقوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}، وفائدته رفع توهم المجاز وعدم الشمول.

ثانيها: التأكيد اللفظي وهو تكرار اللفظ الأول إما بمرادفه نحو قوله تعالى: {ضَيِّقًا حَرَجًا}، وإما بلفظه فيكون في الاسم والفعل والحرف والجملة فالاسم نحو قوله تعالى: {قَوارِيرَا. قَوارِيرَا} وقوله: {دَكًّا دَكًّا}. والفعل نحو قوله: {فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}. واسم الفعل نحو قوله: {هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ}. والحرف نحو قوله تعالى: {فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها}. والجملة نحو قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.

وقد تقترن الثانية بـ «ثم» نحو قوله تعالى: {وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ. ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ}.

ومن هذا النوع تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل كقوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}. ومنه تأكيد المنفصل بمثله كقوله تعالى: {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ}.

ثالثها: تأكيد الفعل وهو عوض عن تكرار الفعل مرتين، وفائدته رفع توهم المجاز في الفعل، والأصل في هذا النوع أن ينعت بالوصف المراد كقوله تعالى: {اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}.

رابعها: الحال المؤكدة كقوله تعالى: {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}، وقوله: {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.

وفي هذه الأنواع كلها جاء الاطناب بالزيادة لغرض من الأغراض، فاذا انتفى الغرض لم يعد الاطناب مفيدا.

معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م


25-موسوعة الفقه الكويتية (إرسال 1)

إِرْسَالٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْإِرْسَالُ لُغَةً: مَصْدَرُ (أَرْسَلَ) يُقَالُ: أَرْسَلَ الشَّيْءَ: أَطْلَقَهُ وَأَهْمَلَهُ، وَيُقَالُ: أَرْسَلَ الْكَلَامَ أَيْ أَطْلَقَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، وَأَرْسَلَ الرَّسُولَ: بَعَثَهُ بِرِسَالَةٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِ شَيْئًا: سَلَّطَهُ عَلَيْهِ، وَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}.

وَيَسْتَعْمِلُ الْفُقَهَاءُ كَلِمَةَ الْإِرْسَالِ بِإِطْلَاقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْهَا مَا يَلِي:

الْإِرْخَاءُ، كَإِرْسَالِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِرْسَالِ طَرَفِ الْعِمَامَةِ، وَإِرْسَالِ الشَّعْرِ بِعَدَمِ رَبْطِهِ.وَالتَّوْجِيهُ، كَإِرْسَالِ شَخْصٍ إِلَى آخَرَ بِمَالٍ أَوْ رِسَالَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.وَالتَّخْلِيَةُ، وَذَلِكَ كَإِرْسَالِ الْمُحْرِمِ مَا تَحْتَ يَدِهِ مِنْ صَيْدٍ.وَالْإِهْمَالُ، كَإِرْسَالِ الْمَاءِ وَالنَّارِ وَالْحَيَوَانِ.وَالتَّسْلِيطُ، كَإِرْسَالِ الْحَيَوَانِ أَوِ السَّهْمِ عَلَى الصَّيْدِ.

وَبِمَعْنَى عَدَمِ الْإِضَافَةِ وَعَدَمِ الْإِطْلَاقِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِيمَا إِذَا جَرَى الْخُلْعُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ فَإِلَيْهَا الْقَبُولُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَدَلُ مُرْسَلًا أَمْ مُطْلَقًا، أَمْ مُضَافًا إِلَى الْمَرْأَةِ أَوِ الْأَجْنَبِيِّ إِضَافَةَ مِلْكٍ أَوْ ضَمَانٍ.وَمَتَى جَرَى الْخُلْعُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ مُرْسَلًا (أَيْ مُعَيَّنًا بِغَيْرِ الْإِضَافَةِ) فَالْقَبُولُ إِلَيْهَا كَقَوْلِهَا: اخْلَعْنِي عَلَى هَذِهِ الدَّارِ، فَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى تَسْلِيمِهَا سَلَّمَتْهَا، وَإِلاَّ فَالْمِثْلُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ، وَالْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ، وَتَتِمَّةُ هَذَا فِي الْخُلْعِ.وَالْمُطْلَقُ كَقَوْلِهَا: خَالَعَنِي عَلَى ثَوْبٍ.وَالْمُضَافُ كَقَوْلِهَا: خَالَعَنِي عَلَى دَارِي.

وَيَسْتَعْمِلُ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ الْإِرْسَالَ فِي الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ؛ لِأَنَّهَا كُلُّ مَصْلَحَةٍ أَطْلَقَهَا الشَّارِعُ فَلَمْ يَعْتَبِرْهَا وَلَمْ يُلْغِهَا.

وَالْإِرْسَالُ فِي الْحَدِيثِ لَهُ إِطْلَاقٌ خَاصٌّ سَيَأْتِي فِيمَا يَلِي:

الْإِرْسَالُ فِي الْحَدِيثِ:

2- يُطْلَقُ لَفْظُ الْإِرْسَالِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى تَرْكِ التَّابِعِيِّ الْوَاسِطَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- بِأَنْ رَفَعَ التَّابِعِيُّ الْحَدِيثَ لِلرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- سَوَاءٌ أَكَانَ كَبِيرًا أَمْ صَغِيرًا، بِأَنْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- كَذَا، أَوْ فَعَلَ كَذَا، أَوْ فُعِلَ بِحَضْرَتِهِ كَذَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.وَبَعْضُهُمْ خَصَّهُ بِرَفْعِ التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَجَالَسَهُمْ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَمْثَالِهِمَا.

أَمَّا إِذَا انْقَطَعَ الْإِسْنَادُ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَى التَّابِعِيِّ، بِأَنْ كَانَ فِيهِ رَاوٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْمَذْكُورِينَ فَوْقَهُ، فَلَيْسَ بِمُرْسَلٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، بَلْ يُسَمَّى مُنْقَطِعًا، إِنْ كَانَ السَّاقِطُ وَاحِدًا فَحَسْبُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ سُمِّيَ مُعْضَلًا، وَأَمَّا عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ فَكُلُّ ذَلِكَ يُسَمَّى مُرْسَلًا.وَذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ الْخَطِيبُ وَقَطَعَ بِهِ.وَجَاءَ فِي مُسْلِمِ الثُّبُوتِ: الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: مَا رَوَاهُ الْعَدْلُ مِنْ غَيْرِ إِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ لِيَشْمَلَ الْمُنْقَطِعَ.وَأَمَّا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَالْمُرْسَلُ قَوْلُ التَّابِعِيِّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ كَذَا، وَالْمُعْضَلُ مَا سَقَطَ مِنْ إِسْنَادِهِ اثْنَانِ مِنَ الرُّوَاةِ، وَالْمُنْقَطِعُ مَا سَقَطَ وَاحِدٌ مِنْهَا، وَالْمُعَلَّقُ مَا رَوَاهُ مَنْ دُونَ التَّابِعِيِّ مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ، وَالْكُلُّ دَاخِلٌ فِي الْمُرْسَلِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِكَثِيرِ الِاصْطِلَاحِ وَالْأَسَامِي فَائِدَةٌ.

أَقْسَامُ وَحُكْمُ الْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ:

3- يَنْقَسِمُ الْمُرْسَلُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ هِيَ:

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَا أَرْسَلَهُ الصَّحَابِيُّ: حُكْمُهُ أَنَّهُ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: إِرْسَالُ الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَيِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ آرَاءُ الْعُلَمَاءِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ، إِذْ أَنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَأَشْهَرِ رِوَايَتَيِ الْحَنَابِلَةِ، إِذَا كَانَ الْمُرْسِلُ عَدْلًا.

أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَا يَعْتَبِرُهُ حُجَّةً إِلاَّ إِذَا تَأَيَّدَ بِآيَةٍ، أَوْ سُنَّةٍ مَشْهُورَةٍ، أَوْ مُوَافَقَةِ قِيَاسٍ صَحِيحٍ، أَوْ قَوْلِ صَحَابِيٍّ، أَوْ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، أَوِ اشْتَرَكَ فِي إِرْسَالِهِ عَدْلَانِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ شَيْخَاهُمَا مُخْتَلِفَيْنِ، أَوْ ثَبَتَ اتِّصَالُهُ بِوَجْهٍ آخَرَ، بِأَنْ أَسْنَدَهُ غَيْرُ مُرْسِلِهِ، أَوْ أَسْنَدَهُ مُرْسِلُهُ مُرَّةً أُخْرَى.

وَلِثُبُوتِ الِاتِّصَالِ بِوَجْهٍ آخَرَ قُبِلَتْ مَرَاسِيلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ؛ لِأَنَّهَا بِالتَّتَبُّعِ وُجِدَتْ مُسْنَدَةً (أَيْ مُتَّصِلَةً مَرْفُوعَةً إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَأَكْثَرُهَا مِمَّا سَمِعَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي احْتِجَاجِهِ بِالْمُرْسَلِ أَوْ عَدَمِهِ.

وَأَمَّا رَأْيُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَيَتَّضِحُ بِمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ شَرْحِ رَوْضَةِ النَّاظِرِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ لِلْإِمَامِ رِوَايَتَيْنِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ حُجَّةٌ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا أَرْسَلَهُ الْعَدْلُ مِنْ غَيْرِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ: وَيُعْتَبَرُ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْمَرَاسِيلِ حُجَّةً عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّ إِرْسَالَ الْعَدْلِ يُقْبَلُ فِي كُلِّ عَصْرٍ، إِذْ أَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي تُوجِبُ قَبُولَ مَرَاسِيلِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْعَدَالَةُ وَالضَّبْطُ، تَشْمَلُ سَائِرَ الْقُرُونِ.

الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا أُرْسِلَ مِنْ وَجْهٍ وَاتَّصَلَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَهُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْمُرْسِلَ سَاكِتٌ عَنْ حَالِ الرَّاوِي، وَالْمُسْنِدُ نَاطِقٌ، وَالسَّاكِتُ لَا يُعَارِضُ النَّاطِقَ، مِثْلَ حَدِيثِ: «لَا نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ» رَوَاهُ إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ مُسْنَدًا، وَرَوَاهُ شُعْبَةُ مُرْسَلًا.وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا يُقْبَلُ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْمَرَاسِيلِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الرَّاوِي عَنْ ذِكْرِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْجَرْحِ فِيهِ، وَإِسْنَادُ الْآخَرِ بِمَنْزِلَةِ التَّعْدِيلِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْجُرْحُ وَالتَّعْدِيلُ يُعْمَلُ بِالْجَرْحِ.

أَوَّلًا: الْإِرْسَالُ بِمَعْنَى الْإِرْخَاءِ

كَيْفِيَّةُ وَضْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ:

4- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: أَنْ يَضَعَ الْمُصَلِّي يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى، وَهُوَ اخْتِيَارُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالُوا: إِنَّهُ السُّنَّةُ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا يَلِي:

أ- مَا رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الْمُصَلِّي الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ.قَالَ أَبُو حَازِمٍ: لَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- ».

ب- مَا رُوِيَ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «أَنَّهُ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ».

ج- مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَرَّ بِي النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا وَاضِعٌ يَدِي الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى فَأَخَذَ بِيَدِي الْيُمْنَى فَوَضَعَهَا عَلَى الْيُسْرَى».

الثَّانِي: اسْتِحْبَابُ الْإِرْسَالِ وَكَرَاهِيَةُ الْقَبْضِ فِي الْفَرْضِ، وَالْجَوَازُ فِي النَّفْلِ، قِيلَ: مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إِنْ طَوَّلَ.وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَشُرَّاحُ مَتْنِهِ كَالدَّرْدِيرِ وَالدُّسُوقِيِّ، وَعُلِّلَتِ الْكَرَاهَةُ فِي الْفَرْضِ بِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ اعْتِمَادٌ عَلَى الْيَدَيْنِ فَأَشْبَهَ الِاسْتِنَادَ، وَلِذَلِكَ قَالَ الدَّرْدِيرُ: فَلَوْ فَعَلَهُ لَا لِلِاعْتِمَادِ بَلِ اسْتِنَانًا لَمْ يُكْرَهْ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَيْهِ فَيَجُوزُ فِي النَّفْلِ مُطْلَقًا، بِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ فِيهِ بِلَا ضَرُورَةٍ.

الثَّالِثُ: إِبَاحَةُ الْقَبْضِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ.

وَذَكَرَ الْحَطَّابُ نَقْلًا عَنِ ابْنِ فَرْحُونَ: وَأَمَّا إِرْسَالُهُمَا «أَيِ الْيَدَيْنِ» بَعْدَ رَفْعِهِمَا فَقَالَ سَنَدٌ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يُرْسِلَهُمَا حَالَ التَّكْبِيرِ، لِيَكُونَ مُقَارِنًا لِلْحَرَكَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرْسِلَهُمَا بِرِفْقٍ.

هَذَا، وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ مَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْمَالِكِيَّةِ إِذْ قَالَ الشِّرْبِينِيُّ مَا نَصُّهُ: «وَالْقَصْدُ مِنَ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ- يَعْنِي قَبْضَ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ- تَسْكِينُ الْيَدَيْنِ فَإِنْ أَرْسَلَهُمَا وَلَمْ يَعْبَثْ فَلَا بَأْسَ»

الرَّابِعُ: مَنْعُ الْقَبْضِ فِيهِمَا، حَكَاهُ الْبَاجِيُّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلَكِنْ قَالَ الْمِسْنَاوِيُّ: هَذَا مِنَ الشُّذُوذِ.

إِرْسَالُ الْعَذَبَةِ مِنَ الْعِمَامَةِ وَالتَّحْنِيكُ بِهَا:

5- أَوْرَدَ الْحَطَّابُ نَقْلًا عَنِ الْمَدْخَلِ لِابْنِ الْحَاجِّ أَنَّ الْعِمَامَةَ بِغَيْرِ عَذَبَةٍ وَلَا تَحْنِيكٍ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، فَإِنْ فَعَلَهُمَا فَهُوَ الْأَكْمَلُ، وَإِنْ فَعَلَ أَحَدَهُمَا فَقَدْ خَرَجَ بِهِ مِنَ الْمَكْرُوهِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ الْإِشْبِيلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَسُنَّةُ الْعِمَامَةِ بَعْدَ فِعْلِهَا أَنْ يُرْخِيَ طَرَفَهَا وَيَتَحَنَّكَ، فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ طَرَفٍ وَلَا تَحْنِيكٍ فَيُكْرَهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ.

أَمَّا النَّوَوِيُّ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا كَرَاهَةَ فِي إِرْسَالِ الْعَذَبَةِ وَلَا عَدَمِ إِرْسَالِهَا، إِلاَّ أَنَّ الشَّيْخَ الْكَمَالَ ابْنَ أَبِي شَرِيفٍ قَدْ تَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: بِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَنَّهُ مِنَ الْمُبَاحِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الْإِرْسَالُ مُسْتَحَبٌّ وَتَرْكُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى. وَبِالنِّسْبَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ فَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُنْدَبُ إِرْسَالُ ذَنَبِ الْعِمَامَةِ بِسِنِّ الْكَتِفَيْنِ إِلَى وَسَطِ الظَّهْرِ، وَقِيلَ لِمَوْضِعِ الْجُلُوسِ، وَقِيلَ شِبْرًا.

أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ وَكَرَاهَةِ الصَّمَّاءِ، قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: يَحْسُنُ أَنْ يُرْخِيَ الذُّؤَابَةَ خَلْفَهُ وَلَوْ شِبْرًا عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ.

وَقَدْ ذَكَرَ السَّخَاوِيُّ عَنْ مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ عَلِيًّا إِلَى خَيْبَرَ فَعَمَّمَهُ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا مِنْ وَرَائِهِ أَوْ قَالَ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ»، وَتَرَدَّدَ رَاوِيهِ فِيهِ، وَرُبَّمَا جَزَمَ بِالثَّانِي.

ثَانِيًا: الْإِرْسَالُ بِمَعْنَى بَعْثِ الرَّسُولِ

الْإِرْسَالُ فِي النِّكَاحِ:

6- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى صِحَّةِ الْإِرْسَالِ فِي النِّكَاحِ وَتَرَتُّبِ آثَارِهِ، وَهُنَاكَ تَفْرِيعَاتٌ فِي الْمَذَاهِبِ مِنْهَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ الرَّجُلُ إِلَى امْرَأَةٍ رَسُولًا، أَوْ كَتَبَ إِلَيْهَا كِتَابًا قَالَ فِيهِ: تَزَوَّجْتُكِ، فَقَبِلَتْ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ، سَمِعَا كَلَامَ الرَّسُولِ أَوْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ جَازَ ذَلِكَ، لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كَلَامَ الرَّسُولِ هُوَ كَلَامُ الْمُرْسَلِ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ عِبَارَتَهُ، وَكَذَا الْكِتَابُ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ، فَكَانَ سَمَاعُ قَوْلِ الرَّسُولِ أَوْ قِرَاءَةُ الْكِتَابِ سَمَاعَ قَوْلِ الْمُرْسِلِ أَوْ كَلَامِ الْكَاتِبِ مَعْنًى.وَإِنْ لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الرَّسُولِ أَوْ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ: زَوَّجْتُ نَفْسِي يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الرَّسُولِ أَوْ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ.بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهَا: زَوَّجْتُ نَفْسِي شَطْرُ الْعَقْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَالشَّهَادَةُ فِي شَطْرَيِ الْعَقْدِ شَرْطٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَقْدًا بِالشَّطْرَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الرَّسُولِ وَقِرَاءَةَ الْكِتَابِ فَلَمْ يُوجَدْ شَطْرُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعَقْدِ.وَقَوْلُ الزَّوْجِ بِانْفِرَادِهِ عَقْدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ حَضَرَ الشَّاهِدَانِ.هَذَا، وَقَدْ وَافَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا فِي قَوْلِهِمَا هَذَا.

الْإِرْسَالُ لِنَظَرِ الْمَخْطُوبَةِ:

7- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ فَلَهُ أَنْ يُرْسِلَ مَنْ يَثِقُ بِهَا مِنَ النِّسَاءِ لِتَنْظُرَ لَهُ الْمَخْطُوبَةَ، ثُمَّ تَصِفَهَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، اسْتِدْلَالًا بِفِعْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذْ رُوِيَ «أَنَّهُ بَعَثَ أُمَّ سُلَيْمٍ إِلَى امْرَأَةٍ وَقَالَ: اُنْظُرِي عُرْقُوبَيْهَا وَشُمِّي مَعَاطِفَهَا».رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.هَذَا، وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الشَّبْرَامَلِّسِيِّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ تَعْلِيقًا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ.قَوْلُهُ: لَوْ أَمْكَنَهُ إِرْسَالُ امْرَأَةٍ تَنْظُرُهَا لَهُ وَتَصِفُهَا لَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ، إِذْ أَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ كَالْعِيَانِ، فَقَدْ يُدْرِكُ النَّاظِرُ مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ مَا تَقْصُرُ الْعِبَارَةُ عَنْهُ. الْإِرْسَالُ فِي الطَّلَاقِ:

8- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا أَرْسَلَ إِلَى زَوْجَتِهِ كِتَابًا ضَمَّنَهُ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَالْحُكْمُ أَنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ، سَوَاءٌ وَصَلَ إِلَيْهَا الْكِتَابُ أَمْ لَمْ يَصِلْ، وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ عِدَّتِهَا مِنْ حِينِ كِتَابَتِهِ الْكِتَابَ.

أَمَّا إِذَا كَتَبَ إِلَيْهَا مَا مُفَادُهُ: إِذَا وَصَلَكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَتَاهَا الْكِتَابُ طَلُقَتْ مِنْ تَارِيخِ الْوُصُولِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ هُوَ وُصُولُ الْكِتَابِ إِلَيْهَا.

الْإِرْسَالُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ:

الْإِرْسَالُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ:

9- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ شَخْصٌ إِلَى غَيْرِهِ رَسُولًا أَوْ كِتَابًا يَطْلُبُ مِنْهُ فِيهِ أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا مَا، وَقَبِلَ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِ خِلَالَ الْمَجْلِسِ الَّذِي تُلِيَ فِيهِ الْكِتَابُ الْمُرْسَلُ، أَوْ سَمَاعُ أَقْوَالِ الرَّسُولِ فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، لِأَنَّ الرَّسُولَ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ عَنْ كَلَامِ الْمُرْسِلِ، نَاقِلٌ كَلَامَهُ إِلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ حَضَرَ بِنَفْسِهِ، فَأَوْجَبَ الْبَيْعَ، وَقَبِلَ الْآخَرُ فِي الْمَجْلِسِ.

وَهَذَا الْحُكْمُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ يَسْرِي عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَالْمُكَاتَبَةِ إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُفَرِّقُونَ فِي حُكْمِ الْإِرْسَالِ بِالشِّرَاءِ تَبَعًا لِلَفْظِ الرَّسُولِ، فَإِذَا أَسْنَدَ الرَّسُولُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ طُولِبَ بِالثَّمَنِ، لَكِنْ إِذَا أَقَرَّ الْمُرْسِلُ بِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ كَانَ لِلْبَائِعِ غَرِيمَانِ، فَيَتْبَعُ أَيَّهُمَا شَاءَ، إِلاَّ أَنْ يَحْلِفَ الْمُرْسِلُ أَنَّهُ دَفَعَ الثَّمَنَ لِلرَّسُولِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ، وَيَتْبَعُ الرَّسُولَ، أَمَّا إِذَا أَسْنَدَ الشِّرَاءَ لِمَنْ أَرْسَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِالثَّمَنِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُطَالَبُ بِهِ الْمُرْسِلُ.

هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ الدَّرْدِيرُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ أَنَّ الرَّسُولَ إِذَا قَالَ: بَعَثَنِي فُلَانٌ لِتَبِيعَهُ كَذَا بِمِائَةٍ، أَوْ لِيَشْتَرِيَ مِنْكَ كَذَا بِمِائَةٍ مَثَلًا، فَرَضِيَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ، لَا يُطَالَبُ الرَّسُولُ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ أَنْكَرَ فُلَانٌ هَذَا أَنَّهُ أَرْسَلَهُ فَالثَّمَنُ عَلَى الرَّسُولِ.أَمَّا إِذَا قَالَ: بَعَثَنِي فُلَانٌ لِأَشْتَرِيَ لَهُ مِنْكَ، فَيُطَالَبُ الرَّسُولُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَسْنَدَ الشِّرَاءَ لِغَيْرِهِ، وَفِي الْحَالِ الْأَخِيرَةِ أَسْنَدَ الشِّرَاءَ إِلَى نَفْسِهِ.

كَمَا أَجْمَعَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُ إِبْطَالَ الْخِيَارِ، وَلَا تَكُونُ رُؤْيَتُهُ رُؤْيَةَ الْمُرْسِلِ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُرْسِلِ إِذَا لَمْ يَرَهُ.وَقَدْ عَقَّبَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ بِأَنَّ رُؤْيَةَ الرَّسُولِ وَقَبْضَهُ لَا يَلْزَمُ الْمُرْسِلَ الْمَتَاعُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عِلْمُ الْعَاقِدِ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِيَتِمَّ رِضَاهُ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِرُؤْيَةِ الرَّسُولِ، فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ قَبْضَ رَسُولِهِ كَقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ قَبَضَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ كَانَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَرْسَلَ رَسُولًا فَقَبَضَهُ لَهُ.

مِلْكِيَّةُ الشَّيْءِ الْمُرْسَلِ:

10- قَرَّرَ الْأَئِمَّةُ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُرْسَلَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مُرْسِلِهِ، حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِ، وَمَا دَامَ لَمْ يَقْبِضْهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مُرْسِلِهِ، وَقَدْ عَيَّنَهُ لِإِنْسَانٍ فَلَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ مُطْلَقًا.

الضَّمَانُ فِي الْإِرْسَالِ:

11- ذَكَرَ الدَّرْدِيرُ أَنَّهُ إِنْ زَعَمَ شَخْصٌ أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ زَيْدٍ لِاسْتِعَارَةِ حُلِيٍّ لَهُ مِنْ بَكْرٍ، فَدَفَعَ لَهُ بَكْرٌ مَا طَلَبَ، وَزَعَمَ الرَّسُولُ أَنَّهُ تَلِفَ مِنْهُ، ضَمِنَهُ زَيْدٌ (الْمُرْسِلُ) إِنْ صَدَّقَهُ فِي الْإِرْسَالِ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْهُ وَبَرِئَ، ثُمَّ حَلَفَ الرَّسُولُ: لَقَدْ أَرْسَلَنِي وَأَنَّهُ تَلِفَ لَا تَفْرِيطَ مِنِّي وَبَرِئَ أَيْضًا، وَضَاعَ الْحُلِيُّ هَدَرًا.

لَكِنِ الرَّاجِحُ أَنَّ الرَّسُولَ يَضْمَنُ- وَلَا يَبْرَأُ بِالْحَلِفِ- إِلاَّ لِبَيِّنَةٍ بِالْإِرْسَالِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُرْسِلِ.

أَمَّا قَاضِيخَانْ فَقَدْ قَالَ فِي فَتَاوِيهِ: رَجُلٌ بَعَثَ رَسُولًا إِلَى بَزَّازٍ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِثَوْبِ كَذَا وَكَذَا بِثَمَنِ كَذَا وَكَذَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْبَزَّازُ مَعَ رَسُولِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ، فَضَاعَ الثَّوْبُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْآمِرِ، وَتَصَادَقُوا عَلَى ذَلِكَ وَأَقَرُّوا بِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّسُولِ فِي شَيْءٍ، وَإِنْ بَعَثَ الْبَزَّازُ مَعَ رَسُولِ الْآمِرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ رَسُولَهُ قَبَضَ الثَّوْبَ عَلَى الْمُسَاوَمَةِ، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ رَبِّ الثَّوْبِ مَعَهُ.فَإِذَا وَصَلَ الثَّوْبُ إِلَى الْآمِرِ يَكُونُ ضَامِنًا.

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ أَرْسَلَ رَجُلٌ رَسُولًا إِلَى رَجُلٍ آخَرَ وَقَالَ لَهُ: ابْعَثْ إِلَيَّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَرْضًا فَقَالَ: نَعَمْ، وَبَعَثَ بِهَا مَعَ رَسُولِهِ، كَانَ الْآمِرُ ضَامِنًا لَهَا، إِذَا أَقَرَّ أَنَّ رَسُولَهُ قَبَضَهَا.

وَلَوْ بَعَثَ رَجُلًا لِيَسْتَقْرِضَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقْرَضَهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ، إِنْ قَالَ الرَّسُولُ أَقْرِضْ فُلَانًا الْمُرْسَلَ.فَهِيَ لِلْمُرْسِلِ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ قَالَ الرَّسُولُ: أَقْرِضْنِي لِفُلَانٍ الْمُرْسِلِ فَأَقْرَضَهُ، وَضَاعَ فِي يَدِهِ، فَعَلَى الرَّسُولِ الضَّمَانُ.فَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْإِقْرَاضِ يَجُوزُ، وَبِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَجُوزُ، وَالرِّسَالَةُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لِلْآمِرِ جَائِزَةٌ، وَإِنْ أَخْرَجَ الْوَكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ يَقَعُ الْقَرْضُ لِلْآمِرِ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ بِأَنْ أَضَافَ إِلَى نَفْسِهِ يَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِنَفْسِهِ، وَيَكُونُ مَا اسْتَقْرَضَ مِنَ الدَّرَاهِمِ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنَ الْمُوَكِّلِ.

وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الرَّسُولَ إِنْ كَانَ رَسُولَ رَبِّ الْمَالِ فَالْوَدِيعُ يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إِلَى الرَّسُولِ وَلَوْ مَاتَ الرَّسُولُ قَبْلَ الْوُصُولِ، وَيَرْجِعُ الْكَلَامُ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَوَرَثَةِ الرَّسُولِ، فَإِنْ مَاتَ الرَّسُولُ قَبْلَ الْوُصُولِ كَانَ الضَّمَانُ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْوُصُولِ فَلَا رُجُوعَ، حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ أَوْصَلَهُ لِرَبِّ الْمَالِ.

وَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ رَسُولَ الْوَدِيعِ فَلَا يَبْرَأُ إِلاَّ بِوُصُولِهِ لِرَبِّ الْمَالِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ، فَإِنْ مَاتَ الرَّسُولُ قَبْلَ الْوُصُولِ رَجَعَ الْوَدِيعُ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْوُصُولِ فَلَا رُجُوعَ وَهِيَ مُصِيبَةٌ عَلَى الْوَدِيعِ.

قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ الْوَكِيلَ وَالْمُودَعَ وَالرَّسُولَ مُؤْتَمَنُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُوَكِّلِ وَالْمُودِعِ وَالْمُرْسِلِ، فَإِذَا ذَكَرُوا أَنَّهُمْ رَدُّوا مَا دُفِعَ إِلَيْهِمْ إِلَى أَرْبَابِهِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ قَدِ ائْتَمَنُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَكَانَ قَوْلُهُمْ مَقْبُولًا فِيمَا بَيْنَهُمْ.

كَمَا لَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا إِلَى رَجُلٍ وَقَالَ: ابْعَثْ إِلَيَّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَرْضًا، فَقَالَ: نَعَمْ، وَبَعَثَ بِهَا مَعَ رَسُولِ الْآمِرِ، فَالْآمِرُ ضَامِنٌ لَهَا إِذَا أَقَرَّ بِأَنَّ رَسُولَهُ قَدْ قَبَضَهَا، وَإِنْ بَعَثَ بِهَا مَعَ غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْآمِرِ حَتَّى تَصِلَ إِلَيْهِ.وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَبَعَثَ إِلَى الْمَدْيُونِ رَسُولًا أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِالدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْكَ، فَإِنْ بَعَثَ بِهِ مَعَ رَسُولِ الْآمِرِ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ.

أَمَّا لَوْ بَعَثَ رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ بِكِتَابٍ مَعَ رَسُولٍ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ ثَوْبَ كَذَا بِثَمَنِ كَذَا، فَفَعَلَ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ الَّذِي أَتَاهُ بِالْكِتَابِ، لَمْ يَكُنْ مِنْ مَالِ الْآمِرِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهِ، وَفِي هَذَا إِنَّمَا الرَّسُولُ رَسُولٌ بِالْكِتَابِ.

وَإِذَا أَرْسَلَ الْمُودَعُ (بِفَتْحِ الدَّالِ) الْوَدِيعَةَ لِلْمُودِعِ (بِكَسْرِ الدَّالِ) بِإِذْنِهِ صَحَّ هَذَا الْإِرْسَالُ، أَمَّا إِنْ أَرْسَلَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَتَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ مِنَ الرَّسُولِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا، إِلاَّ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، هِيَ فِيمَا إِذَا عَرَضَتْ لِلْمُودَعِ إِقَامَةٌ طَوِيلَةٌ فِي الطَّرِيقِ، كَالسَّنَةِ مَثَلًا فَالْحَقُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَبْعَثَهَا مَعَ غَيْرِهِ- وَلَوْ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا تَلِفَتْ أَوْ أَخَذَهَا اللِّصُّ، بَلْ بَعْثُهَا إِلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَاجِبٌ وَيَضْمَنُ إِنْ حَبَسَهَا، أَمَّا إِنْ كَانَتِ الْإِقَامَةُ الَّتِي عَرَضَتْ لَهُ قَصِيرَةً كَالْأَيَّامِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ إِبْقَاؤُهَا مَعَهُ، فَإِنْ بَعَثَهَا- بِغَيْرِ إِذْنٍ- ضَمِنَهَا إِنْ تَلِفَتْ، وَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الْإِقَامَةُ الَّتِي عَرَضَتْ لَهُ مُتَوَسِّطَةً، كَالشَّهْرَيْنِ مَثَلًا خُيِّرَ فِي إِرْسَالِهَا وَفِي إِبْقَائِهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِنْ أَرْسَلَهَا وَتَلِفَتْ، أَوْ حَبَسَهَا أَيْ وَتَلِفَتْ.

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي وَصِيِّ رَبِّ الْمَالِ، إِذَا أَرْسَلَ الْمَالَ لِلْوَرَثَةِ، أَوْ سَافَرَ هُوَ بِهِ إِلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِمْ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْمَالَ إِذَا ضَاعَ أَوْ تَلِفَ.وَكَذَا الْقَاضِي إِذَا بَعَثَ الْمَالَ لِمُسْتَحِقِّهِ مِنْ وَرَثَةٍ أَوْ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَضَاعَ أَوْ تَلِفَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، خِلَافًا لِقَوْلِ أَصْبَغَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ.وَنَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَوْلَهُ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولًا يَقْبِضُهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مَعَ الرَّسُولِ دِينَارًا، فَضَاعَ مِنَ الرَّسُولِ، فَهُوَ مِنْ مَالِ الْبَاعِثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِمُصَارَفَتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْبَاعِثِ لِأَنَّهُ دَفَعَ إِلَى الرَّسُولِ غَيْرَ مَا أَمَرَهُ بِهِ الْمُرْسِلُ.فَإِنَّ الْمُرْسِلَ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِقَبْضِ مَا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَهِيَ الدَّرَاهِمُ، وَلَمْ يَدْفَعْهَا، وَإِنَّمَا دَفَعَ دِينَارًا عِوَضًا عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَهَذَا صَرْفٌ يَفْتَقِرُ إِلَى رِضَى صَاحِبِ الدَّيْنِ وَإِذْنِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ، فَصَارَ الرَّسُولُ وَكِيلًا لِلْبَاعِثِ فِي تَأْدِيَتِهِ إِلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ وَمُصَارَفَتِهِ بِهِ، فَإِذَا تَلِفَ فِي يَدِ وَكِيلِهِ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ، اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ يُخْبِرَ الرَّسُولُ الْغَرِيمَ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِ الدِّينَارِ عَنِ الدَّرَاهِمِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ ضَمَانِ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَأَخَذَ الدِّينَارَ عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْمُرْسِلِ.وَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أُمِرَ بِقَبْضِهَا فَضَاعَتْ مِنَ الرَّسُولِ فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ صَاحِبِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ مِنْ يَدِ وَكِيلِهِ.

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ- رضي الله عنه- قَوْلُهُ فِي رَجُلٍ لَهُ عِنْدَ آخَرَ دَنَانِيرُ وَثِيَابٌ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولًا وَقَالَ: خُذْ دِينَارًا وَثَوْبًا، فَأَخَذَ دِينَارَيْنِ وَثَوْبَيْنِ، فَضَاعَتْ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَاعِثِ، يَعْنِي الَّذِي أَعْطَاهُ الدِّينَارَيْنِ وَالثَّوْبَيْنِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّسُولِ، يَعْنِي عَلَيْهِ ضَمَانُ الدِّينَارِ وَالثَّوْبِ الزَّائِدَيْنِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ لِأَنَّهُ دَفَعَهُمَا إِلَى مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِدَفْعِهِمَا إِلَيْهِ، وَيَرْجِعُ بِهِمَا عَلَى الرَّسُولِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَجَعَلَ التَّلَفَ فِي يَدِهِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَلِلْمُوَكِّلِ تَضْمِينُ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِقَبْضِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِقَبْضِهِ، فَإِذَا ضَمِنَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِهِ فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.

أَثَرُ الْإِرْسَالِ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِلْمُرْسِلِ أَوْ عَلَيْهِ:

12- يَتَبَيَّنُ أَثَرُ الْإِرْسَالِ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِلْمُرْسِلِ، أَوْ عَلَيْهِ مِنْ خِلَالِ مَا ذُكِرَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَقْوَالٍ، فَالْإِمَامُ الْكَاسَانِيُّ يُبَيِّنُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرْسَلَ رَسُولًا إِلَى امْرَأَةٍ يُرِيدُ الزَّوَاجَ مِنْهَا فَكَتَبَ إِلَيْهَا بِذَلِكَ كِتَابًا، فَقَبِلَتْ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ سَمِعَا كَلَامَ الرَّسُولِ وَقِرَاءَةَ الْكِتَابِ جَازَ ذَلِكَ؛ لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كَلَامَ الرَّسُولِ كَلَامُ الْمُرْسِلِ، لِأَنَّهُ يَنْقُلُ عِبَارَةَ الْمُرْسِلِ.وَكَذَا الْكِتَابُ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ مِنَ الْكَاتِبِ، فَكَانَ سَمَاعُ قَوْلِ الرَّسُولِ وَقِرَاءَةُ الْكِتَابِ سَمَاعَ قَوْلِ الْمُرْسِلِ وَكَلَامَ الْكَاتِبِ مَعْنًى، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الرَّسُولِ وَقِرَاءَةَ الْكِتَابِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، بَيْنَمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إِذَا قَالَتْ: زَوَّجْتُ نَفْسِي يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الرَّسُولِ وَقِرَاءَةَ الْكِتَابِ، إِذْ أَنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ بِانْفِرَادِهِ عَقْدٌ عِنْدَهُ وَقَدْ حَضَرَ الشَّاهِدَانِ.فَيَتَّضِحُ أَنَّ الشَّهَادَةَ هُنَا مَأْخُوذٌ بِهَا عِنْدَ السَّمَاعِ لِكَلَامِ الْمُرْسِلِ.هَذَا وَقَدْ أَيَّدَ الدُّسُوقِيُّ الْكَاسَانِيَّ فِي اعْتِبَارِ الشَّهَادَةِ لِلْمُرْسِلِ، إِذْ ذَكَرَ فِي حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيِّ عَلَى الشَّرْحِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْمُودَعَ يَضْمَنُ الْوَدِيعَةَ إِنْ دَفَعَهَا لِلرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ إِشْهَادٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَفَعَ لِغَيْرِ الْيَدِ الَّتِي ائْتَمَنَتْهُ كَانَ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ، فَلَمَّا تَرَكَهُ صَارَ مُفَرِّطًا، وَأَمَّا إِنْ دَفَعَ لَهُ بِإِشْهَادٍ فَقَدْ بَرِئَ، وَيَرْجِعُ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِ عَلَى الرَّسُولِ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ.

ثَالِثًا: الْإِرْسَالُ بِمَعْنَى الْإِهْمَالِ

حُكْمُ ضَمَانِ مَا أَتْلَفَتْهُ الْحَيَوَانَاتُ وَالْمَوَاشِي الْمُرْسَلَةُ:

13- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مَعْرِضِ بَيَانِهِمْ لِحُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى التَّفْرِيقِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ بَيْنَ الدَّابَّةِ الَّتِي تُتْلِفُ أَمْوَالَ الْغَيْرِ وَمَعَهَا رَاكِبٌ، وَالدَّابَّةِ الَّتِي تُتْلِفُهَا مِنْ غَيْرِ قَائِدٍ.

وَبِنَاءً عَلَى هَذَا التَّفْرِيقِ فَقَدْ قَالُوا: إِذَا أَتْلَفَتِ الدَّابَّةُ مَالًا أَوْ نَفْسًا، لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَكَانَ مَعَهَا رَاكِبُهَا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ، وَعَلَيْهِ تَعَهُّدُهَا وَحِفْظُهَا، وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعَهَا كَانَ فِعْلُهَا مَنْسُوبًا إِلَيْهِ.

وَلَوْ كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ مَعَ رَاكِبٍ فَهَلْ يَخْتَصُّ الضَّمَانُ بِالرَّاكِبِ أَوْ يَجِبُ أَثْلَاثًا؟ وَجْهَانِ: أَرْجَحُهُمَا الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا رَاكِبَانِ فَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَوْ يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ، دُونَ الرَّدِيفِ؟ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُمَا.

أَمَّا إِذَا أَتْلَفَتِ الدَّابَّةُ أَمْوَالَ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا رَاكِبٌ فَهُنَا يُنْظَرُ إِلَى الزَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْإِتْلَافُ، فَإِنْ كَانَ نَهَارًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا، وَإِنْ كَانَ لَيْلًا ضَمِنَ، لِتَقْصِيرِهِ بِإِرْسَالِهَا لَيْلًا، بِخِلَافِ الْإِرْسَالِ نَهَارًا، لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ.وَهُوَ عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ فِي حِفْظِ الزَّرْعِ وَنَحْوِهِ نَهَارًا وَالدَّابَّةِ لَيْلًا، وَلَوْ تَعَوَّدَ أَهْلُ الْبَلَدِ إِرْسَالَ الدَّوَابِّ وَحِفْظَ الزَّرْعِ لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ، فَيَضْمَنُ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ، اتِّبَاعًا لِمَعْنَى الْخَبَرِ وَالْعَادَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ جَرَتْ عَادَةٌ بِحِفْظِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا ضَمِنَ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ مُطْلَقًا.

هَذَا، وَقَدِ اسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنَ الدَّوَابِّ الَّتِي يَلْزَمُ الضَّمَانُ بِإِتْلَافِهَا الْحَمَامَ وَغَيْرَهُ مِنَ الطُّيُورِ وَالنَّحْلَ، إِذْ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ بِإِتْلَافِهَا مُطْلَقًا، وَهَذَا الْحُكْمُ حَكَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنِ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْعَادَةَ إِرْسَالُهَا.

هَذَا، وَقَدْ وَافَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الشَّافِعِيَّةَ فِي أَنَّ الضَّمَانَ لَازِمٌ فِي إِتْلَافِ الدَّوَابِّ إِنْ كَانَ لَيْلًا، أَمَّا إِنْ كَانَ نَهَارًا فَلَا ضَمَانَ فِيهِ.بَيْنَمَا لِلْحَنَفِيَّةِ قَوْلٌ آخَرُ نَذْكُرُهُ بَعْدَ قَلِيلٍ بِإِذْنِ اللَّهِ.

هَذَا، وَقَدْ وَافَقَ الْمَالِكِيَّةُ الشَّافِعِيَّةَ فِي قَوْلِهِمْ بِتَضْمِينِ رَاكِبِهَا وَقَائِدِهَا وَسَائِقِهَا.

أَمَّا حُكْمُ مَا أَتْلَفَهُ الْحَمَامُ وَالنَّحْلُ وَالدَّجَاجُ فَجَاءَ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ:

الْأُولَى: تُوَافِقُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ.وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ حُكْمَهَا كَالْمَاشِيَةِ فِي الْإِتْلَافِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، إِلاَّ أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ قَدْ قَالَ بِصَوَابِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى.أَمَّا الْبَاجِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْمَوَاضِعِ ضَرْبٌ تَنْفَرِدُ فِيهِ الْمَزَارِعُ وَالْحَوَائِطُ، لَيْسَ بِمَكَانِ سَرْحٍ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ إِرْسَالُ الْمَوَاشِي فِيهِ، وَمَا أَفْسَدَتْ فِيهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَعَلَى أَرْبَابِهَا الضَّمَانُ.وَضَرْبٌ آخَرُ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِإِرْسَالِ مَوَاشِيهِمْ فِيهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَأَحْدَثَ رَجُلٌ فِيهِ زَرْعًا فَأَتْلَفَتْهُ الْمَوَاشِي، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي، سَوَاءٌ وَقَعَ الْإِتْلَافُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا.

وَمِنَ الْمُفِيدِ جِدًّا أَنْ نُشِيرَ إِلَى مَا ذَكَرَهُ مُؤَلِّفُ التَّاجِ وَالْإِكْلِيلِ إِذْ قَالَ: بِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَرْسَلَ فِي أَرْضِهِ نَارًا أَوْ مَاءً فَوَصَلَ إِلَى أَرْضِ جَارِهِ فَأَتْلَفَ زَرْعَهَا، يُنْظَرُ فِي الْأَمْرِ عَلَى ضَوْءِ قُرْبِ الْأَرْضِ وَبُعْدِهَا، فَإِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ قَرِيبَةً فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً إِلاَّ أَنَّ النَّارَ وَصَلَتْهَا بِسَبَبِ رِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ. وَهَذَا الرَّأْيُ قَدْ قَالَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا إِلاَّ أَنَّ لَهُمْ رَأْيًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإِرْسَالِ الدَّابَّةِ وَالْكَلْبِ أَرَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ هُنَا، وَمُفَادُ هَذَا الرَّأْيِ هُوَ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالْكَلْبِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ، حَيْثُ إِنَّهُ إِذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ وَلَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ فَلَا ضَمَانَ فِيمَا يُتْلِفُهُ، وَإِنْ أَصَابَ الْمُتْلَفَ مِنْ فَوْرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ، إِذْ لَا يُمْكِنُهُ اتِّبَاعُهُ، وَالْمُتَسَبِّبُ لَا يَضْمَنُ إِلاَّ إِذَا تَعَدَّى، بَيْنَمَا إِذَا أَرْسَلَ الدَّابَّةَ فَأَتْلَفَتْ أَمْوَالَ الْغَيْرِ عَلَى الْفَوْرِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِإِرْسَالِهَا فِي الطَّرِيقِ مَعَ إِمْكَانِ اتِّبَاعِهَا، إِلاَّ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يُفَرِّقْ فِي لُزُومِ الضَّمَانِ بَيْنَ مَا يُتْلِفُهُ الْكَلْبُ بِإِرْسَالِهِ وَمَا تُتْلِفُهُ الدَّابَّةُ بِإِرْسَالِهَا.

هَذَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَرْسَلَ طَيْرًا سَاقَهُ (أَيْ سَارَ خَلْفَهُ) أَوْ لَا، أَوْ أَرْسَلَ دَابَّةً أَوْ كَلْبًا وَلَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ، أَوِ انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ بِنَفْسِهَا فَأَصَابَتْ مَالًا أَوْ آدَمِيًّا نَهَارًا أَوْ لَيْلًا فَلَا ضَمَانَ فِي الْكُلِّ، لِقَوْلِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» أَيِ الْمُنْفَلِتَةُ هَدَرٌ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


26-موسوعة الفقه الكويتية (بيع الاستجرار)

بَيْعُ الِاسْتِجْرَارِ

التَّعْرِيفُ:

1- الْبَيْعُ: مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ تَمْلِيكًا وَتَمَلُّكًا.

وَالِاسْتِجْرَارُ لُغَةً: الْجَذْبُ وَالسَّحْبُ، وَأَجْرَرْتُهُ الدَّيْنَ: أَخَّرْتُهُ لَهُ.وَبَيْعُ الِاسْتِجْرَارِ: أَخْذُ الْحَوَائِجِ مِنَ الْبَيَّاعِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَدَفْعُ ثَمَنِهَا بَعْدَ ذَلِكَ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي:

2- الْمُعَاطَاةُ وَالتَّعَاطِي: الْمُنَاوَلَةُ وَالْمُبَادَلَةُ.وَالْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي: أَنْ يَتَقَابَضَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ صِيغَةٍ، أَيْ إِنَّ الْبَائِعَ يُعْطِي الْمَبِيعَ وَلَا يَتَلَفَّظُ بِشَيْءٍ، وَالْمُشْتَرِيَ يُعْطِي الثَّمَنَ كَذَلِكَ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَيْعِ الِاسْتِجْرَارِ وَالتَّعَاطِي هُوَ: أَنَّ بَيْعَ الِاسْتِجْرَارِ أَعَمُّ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّعَاطِي، كَمَا أَنَّ الْغَالِبَ فِي الِاسْتِجْرَارِ تَأْجِيلُ الثَّمَنِ، وَعَدَمُ تَحْدِيدِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِبَيْعِ الِاسْتِجْرَارِ:

تَتَعَدَّدُ صُوَرُ بَيْعِ الِاسْتِجْرَارِ، وَلِذَلِكَ تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُ مِنْ صُورَةٍ لِأُخْرَى، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ:

صُوَرُ بَيْعِ الِاسْتِجْرَارِ الَّتِي وَرَدَتْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ:

3- الصُّورَةُ الْأُولَى: أَنْ يَأْخُذَ الْإِنْسَانُ مِنَ الْبَيَّاعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا مِمَّا يُسْتَهْلَكُ عَادَةً، كَالْخُبْزِ وَالْمِلْحِ وَالزَّيْتِ وَالْعَدَسِ وَنَحْوِهَا، مَعَ جَهَالَةِ الثَّمَنِ وَقْتَ الْأَخْذِ، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهَا.

فَالْأَصْلُ عَدَمُ انْعِقَادِ هَذَا الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْدُومٌ وَقْتَ الشِّرَاءِ، وَمِنْ شَرَائِطِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا، لَكِنَّهُمْ تَسَامَحُوا فِي هَذَا الْبَيْعِ وَأَخْرَجُوهُ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ (اشْتِرَاطُ وُجُودِ الْمَبِيعِ) وَأَجَازُوا بَيْعَ الْمَعْدُومِ هُنَا اسْتِحْسَانًا، وَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ وَالْقُنْيَةِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: لَيْسَ هَذَا بَيْعَ مَعْدُومٍ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ بِإِذْنِ مَالِكِهَا عُرْفًا، تَسْهِيلًا لِلْأَمْرِ وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ، كَمَا هُوَ الْعَادَةُ.وَلَمْ يَرْتَضِ الْحَمَوِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا الْمَعْنَى.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ الْمَسْأَلَةَ اسْتِحْسَانٌ، وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهَا عَلَى قَرْضِ الْأَعْيَانِ، وَيَكُونُ ضَمَانُهَا بِالثَّمَنِ اسْتِحْسَانًا، كَحِلِّ الِانْتِفَاعِ فِي الْأَشْيَاءِ الْقِيَمِيَّةِ؛ لِأَنَّ قَرْضَهَا فَاسِدٌ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَإِنْ مُلِّكَتْ بِالْقَبْضِ.

4- الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ نَفْسُ الصُّورَةِ الْأُولَى، لَكِنْ تَخْتَلِفُ عَنْهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَعْرِفَةِ الثَّمَنِ، أَيْ إِنَّ الْإِنْسَانَ يَأْخُذُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا مَعَ الْعِلْمِ بِالثَّمَنِ وَقْتَ الْأَخْذِ، ثُمَّ يُحَاسِبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَهَذَا الْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِهِ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا أَخَذَ شَيْئًا انْعَقَدَ بَيْعًا بِثَمَنِهِ الْمَعْلُومِ، وَيَكُونُ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي، وَالْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي يَنْعَقِدُ، سَوَاءٌ أَدَفَعَ الثَّمَنَ وَقْتَ الْأَخْذِ أَمْ تَأَجَّلَ.

وَمِثْلُهَا فِي الْحُكْمِ: أَنْ يَدْفَعَ الْإِنْسَانُ إِلَى الْبَيَّاعِ الدَّرَاهِمَ دُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: اشْتَرَيْتُ، وَجَعَلَ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ مَعَ الْعِلْمِ بِثَمَنِهَا.

هَذَا الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَمَا أَكَلَهُ حَلَالٌ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الشِّرَاءَ وَقْتَ الدَّفْعِ إِلاَّ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَ بَيْعًا الْآنَ بِالتَّعَاطِي، وَالْآنَ الْمَبِيعُ مَعْلُومٌ فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ صَحِيحًا.

5- الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَدْفَعَ الْإِنْسَانُ إِلَى الْبَيَّاعِ دَرَاهِمَ، وَيَقُولَ لَهُ: اشْتَرَيْتُ مِنْكَ مِائَةَ رِطْلٍ مِنْ خُبْزٍ مَثَلًا، وَجَعَلَ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ.

هَذَا الْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَمَا أَكَلَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَذَلِكَ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، لِأَنَّهُ اشْتَرَى خُبْزًا غَيْرَ مُشَارٍ إِلَيْهِ فَكَانَ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا، وَمِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا.

6- الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ: وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ الْإِنْسَانُ الدَّرَاهِمَ لِلْبَيَّاعِ دُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: اشْتَرَيْتُ، وَجَعَلَ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَلَا يَعْلَمُ ثَمَنَهَا.فَهَذَا لَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، فَإِذَا تَصَرَّفَ الْآخِذُ فِي الْمَبِيعِ، وَقَدْ دَفَعَهُ الْبَيَّاعُ بِرِضَاهُ بِالدَّفْعِ وَبِالتَّصَرُّفِ فِيهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْوِيضِ عَنْهُ، لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى نِيَّةِ الْبَيْعِ، لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ، فَيَكُونُ شَبِيهَ الْقَرْضِ الْمَضْمُونِ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ، فَإِذَا تَوَافَقَا عَلَى شَيْءٍ بَدَلَ الْمِثْلِ أَوِ الْقِيمَةِ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْآخِذِ.

مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ:

الصُّوَرُ الَّتِي وَرَدَتْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هِيَ:

7- أَنْ يَضَعَ الْإِنْسَانُ عِنْدَ الْبَيَّاعِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ يَأْخُذَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ سِلْعَةً مَعْلُومَةً وَهَكَذَا.فَهَذَا الْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ السِّلْعَةَ مَعْلُومَةٌ وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ.

8- أَنْ يَضَعَ عِنْدَ الْبَيَّاعِ دِرْهَمًا، وَيَقُولَ لَهُ: آخُذُ بِهِ مِنْكُ كَذَا وَكَذَا مِنَ التَّمْرِ مَثَلًا، أَوْ كَذَا وَكَذَا مِنَ اللَّبَنِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.يُقَدِّرُ مَعَهُ فِيهِ سِلْعَةً مَا، وَيُقَدِّرُ ثَمَنَهَا قَدْرًا مَا، وَيَتْرُكُ السِّلْعَةَ يَأْخُذُهَا مَتَى شَاءَ، أَوْ يُؤَقِّتُ لَهَا وَقْتًا يَأْخُذُهَا فِيهِ، فَهَذَا الْبَيْعُ جَائِزٌ أَيْضًا.

9- أَنْ يَتْرُكَ عِنْدَ الْبَيَّاعِ دِرْهَمًا فِي سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ بِسِعْرِهِ، وَعَقَدَا عَلَى ذَلِكَ الْبَيْعَ، فَهَذَا الْبَيْعُ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ مَا عَقَدَا عَلَيْهِ مِنَ الثَّمَنِ مَجْهُولٌ، وَذَلِكَ مِنَ الْغَرَرِ الَّذِي يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ.

10- أَنْ يَأْخُذَ الْإِنْسَانُ مِنَ الْبَيَّاعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ، فَيَأْخُذَ كُلَّ يَوْمٍ وَزْنًا مَعْلُومًا بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ، وَالثَّمَنُ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، أَوْ إِلَى الْعَطَاءِ إِذَا كَانَ الْعَطَاءُ مَعْلُومًا مَأْمُونًا، فَهَذَا الْبَيْعُ جَائِزٌ.

مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ:

لِبَيْعِ الِاسْتِجْرَارِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ صُورَتَانِ:

11- إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَأْخُذَ الْإِنْسَانُ مِنَ الْبَيَّاعِ مَا يَحْتَاجُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلَا يُعْطِيهِ شَيْئًا، وَلَا يَتَلَفَّظَانِ بِبَيْعٍ، بَلْ نَوَيَا أَخْذَهُ بِثَمَنِهِ الْمُعْتَادِ، وَيُحَاسِبُهُ بَعْدَ مُدَّةٍ وَيُعْطِيهِ، كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ (أَيْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لَفْظِيٍّ وَلَا مُعَاطَاةً.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا مَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيُّ، وَذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ نَحْوَهُ فِي فَتَاوِيهِ.وَتَسَامَحَ الْغَزَالِيُّ فَأَبَاحَ هَذَا الْبَيْعَ، لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِهِ، وَهُوَ عُمْدَتُهُ فِي إِبَاحَتِهِ.

وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قَوْلُ النَّوَوِيِّ- إِنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ مُعَاطَاةً وَلَا بَيْعًا- فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ يَعُدُّهُ النَّاسُ بَيْعًا، وَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ قَدْرُ ثَمَنِ الْحَاجَةِ مَعْلُومًا لَهُمَا عِنْدَ الْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضَا لَهُ لَفْظًا.

12- الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ لِلْبَيَّاعِ: أَعْطِنِي بِكَذَا لَحْمًا أَوْ خُبْزًا مَثَلًا، فَيَدْفَعَ إِلَيْهِ مَطْلُوبَهُ فَيَقْبِضَهُ وَيَرْضَى بِهِ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يُحَاسِبَهُ وَيُؤَدِّي مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ، فَهَذَا الْبَيْعُ مَجْزُومٌ بِصِحَّتِهِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُعَاطَاةَ.

مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ:

13- مَسَائِلُ بَيْعِ الِاسْتِجْرَارِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْبَيْعِ بِغَيْرِ ذِكْرِ الثَّمَنِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمِرْدَاوِيُّ فِي الْإِنْصَافِ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فَقَالَ: الْبَيْعُ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: يَصِحُّ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ، وَقَالَ: هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.

وَمِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ كَوْنُ الثَّمَنِ مَعْلُومًا حَالَ الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَاخْتَارَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ الثَّمَنُ، وَلَهُ ثَمَنُ الْمِثْلِ، نَظِيرُهُ: صِحَّةُ النِّكَاحِ بِدُونِ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي فَوَائِدِهِ عَلَى مُشْكِلِ الْمُحَرَّرِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مَسَائِلِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ ذِكْرِ الثَّمَنِ، وَأَوْرَدَ صُورَتَيْنِ اخْتَلَفَ فِيهِمَا رَأْيُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَلَمْ يُجِزِ الْبَيْعَ فِي إِحْدَاهُمَا، وَأَجَازَهُ فِي الْأُخْرَى.

14- قَالَ الْخَلاَّلُ فِي الْبَيْعِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ مُسَمًّى، عَنْ حَرْبٍ: سَأَلْتُ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قُلْتُ: الرَّجُلُ يَقُولُ لِرَجُلٍ: ابْعَثْ لِي جَرِيبًا مِنْ بُرٍّ، وَاحْسِبْهُ عَلَيَّ بِسِعْرِ مَا تَبِيعُ.قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُ السِّعْرَ.

وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ قُلْتُ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: الرَّجُلُ يَأْخُذُ مِنَ الرَّجُلِ سِلْعَةً فَيَقُولُ: أَخَذْتُهَا مِنْكَ عَلَى مَا تَبِيعُ الْبَاقِيَ، قَالَ: لَا يَجُوزُ، وَعَنْ حَنْبَلٍ قَالَ عَمِّي: أَنَا أَكْرَهُهُ، لِأَنَّهُ بَيْعُ مَجْهُولٍ، وَالسِّعْرُ يَخْتَلِفُ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ.

فِي هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يُجِيزُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا الْبَيْعَ.

15- أَمَّا رِوَايَتَا الْجَوَازِ فَهُمَا: قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي مَسَائِلِهِ: بَابٌ فِي الشِّرَاءِ وَلَا يُسَمَّى الثَّمَنُ.سَمِعْتُ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَبْعَثُ إِلَى الْبَقَّالِ، فَيَأْخُذُ مِنْهُ الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ، ثُمَّ يُحَاسِبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِذَلِكَ بَأْسٌ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: يَكُونُ الْبَيْعُ سَاعَتَئِذٍ؟ قَالَ: لَا.

قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ، وَأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الْقَبْضِ وَإِنَّمَا كَانَ وَقْتَ التَّحَاسُبِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ: صِحَّةُ الْبَيْعِ بِالسِّعْرِ، أَيِ السِّعْرِ الْمَعْهُودِ بَيْعُهُ بِهِ.وَعَنْ مُثَنَّى بْنِ جَامِعٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي الرَّجُلُ يَبْعَثُ إِلَى مُعَامِلٍ لَهُ، لِيَبْعَثَ إِلَيْهِ بِثَوْبٍ، فَيَمُرُّ بِهِ فَيَسْأَلُهُ عَنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ فَيُخْبِرُهُ، فَيَقُولُ لَهُ: اكْتُبْهُ.وَالرَّجُلُ يَأْخُذُ التَّمْرَ فَلَا يَقْطَعُ ثَمَنَهُ، ثُمَّ يَمُرُّ بِصَاحِبِ التَّمْرِ فَيَقُولُ لَهُ: اكْتُبْ ثَمَنَهُ؟ فَأَجَازَهُ إِذَا ثَمَّنَهُ بِسِعْرِ يَوْمِ أَخْذِهِ.وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الشِّرَاءِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَقْتَ الْقَبْضِ لَا وَقْتَ الْمُحَاسَبَةِ، سَوَاءٌ أَذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَمْ أَطْلَقَ لَفْظَ الْأَخْذِ زَمَنَ الْبَيْعِ.وَرِوَايَةُ الْجَوَازِ هَذِهِ هِيَ مَا اخْتَارَهَا وَأَخَذَ بِهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ الْقَيِّمِ.يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَصُورَتُهَا: الْبَيْعُ مِمَّنْ يُعَامِلُهُ مِنْ خَبَّازٍ أَوْ لَحَّامٍ أَوْ سَمَّانٍ أَوْ غَيْرِهِمْ، يَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، ثُمَّ يُحَاسِبُهُ عَنْ رَأْسِ الشَّهْرِ أَوِ السَّنَةِ عَلَى الْجَمِيعِ، وَيُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ.فَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَجَعَلُوا الْقَبْضَ فِيهِ غَيْرَ نَاقِلٍ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ قَبْضٌ فَاسِدٌ يَجْرِي مَجْرَى الْمَقْبُوضِ بِالْغَصْبِ، لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، هَذَا وَكُلُّهُمْ إِلاَّ مَنْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا، وَهُوَ يُفْتِي بِبُطْلَانِهِ، وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ بِمُسَاوَمَتِهِ لَهُ عِنْدَ كُلِّ حَاجَةٍ يَأْخُذُهَا قَلَّ ثَمَنُهَا أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ شَرَطَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ لَفْظًا، فَلَا بُدَّ مَعَ الْمُسَاوِمَةِ أَنْ يَقْرِنَ بِهَا الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ لَفْظًا.

16- قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، وَهُوَ عَمَلُ النَّاسِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ: جَوَازُ الْبَيْعِ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ، وَهُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا (يَعْنِي ابْنَ تَيْمِيَّةَ) وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: هُوَ أَطْيَبُ لِقَلْبِ الْمُشْتَرِي مِنَ الْمُسَاوَمَةِ، يَقُولُ لِي: أُسْوَةً بِالنَّاسِ، آخُذُ بِمَا يَأْخُذُ بِهِ غَيْرِي، قَالَ: وَالَّذِينَ يَمْنَعُونَ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُمْ تَرْكُهُ، بَلْ هُمْ وَاقِعُونَ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- وَلَا إِجْمَاعِ الْأَمَةِ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٍ صَحِيحٍ مَا يُحَرِّمُهُ، وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَأَكْثَرُهُمْ يُجَوِّزُونَ عَقْدَ الْإِجَارَةِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، كَالْغَسَّالِ وَالْخَبَّازِ وَالْمَلاَّحِ وَقَيِّمِ الْحَمَّامِ وَالْمُكَارِي، فَغَايَةُ الْبَيْعِ بِالسِّعْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، فَيَجُوزُ كَمَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَغَيْرِهَا، فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ، وَلَا تَقُومُ مَصَالِحُ النَّاسِ إِلاَّ بِهِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


27-موسوعة الفقه الكويتية (كتاب 1)

كِتَابٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْكِتَابُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ كَتَبَ، يُقَالُ: كَتَبَ الشَّيْءَ يَكْتُبُهُ كَتْبًا وَكِتَابًا وَكِتَابَةً، وَيُطْلَقُ عَلَى عِدَّةِ مَعَانٍ مِنْهَا:

أ- أَنَّهُ اسْمٌ لِمَا كُتِبَ مَجْمُوعًا، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ.

ب- يُطْلَقُ عَلَى مَا يَكْتُبُهُ الشَّخْصُ وَيُرْسِلُهُ إِلَى غَيْرِهِ.

ج- يُطْلَقُ عَلَى الْمَكْتُوبِ وَعَلَى مَا كُتِبَ فِيهِ.

د- يُطْلَقُ عَلَى الْمُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَشْمَلُ الْقُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ.

هـ- يُطْلَقُ عَلَى الصُّحُفِ الْمَجْمُوعَةِ.

وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: الْكِتَابُ هُوَ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَى الْمَسَائِلِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً مِنْ فَنٍّ أَوْ فُنُونٍ.

وَعِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ الْكِتَابُ هُوَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، قَالَ تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} وَالْفُقَهَاءُ يَسْتَعْمِلُونَ هَذَا الْمَعْنَى فَيَقُولُونَ فِي الِاسْتِدْلَالِ: وَدَلِيلُهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْكِتَابُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُطْلَقُ عَلَى مُخْتَصَرِ الْإِمَامِ الْقُدُورِيِّ.

وَالْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا يُكْتَبُ فِيهِ شَهَادَةُ الشُّهُودِ عَلَى غَائِبٍ بِلَا حُكْمٍ لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ مِنَ الْقُضَاةِ بِهِ وَيُسَمَّى كِتَابَ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- السِّجِلُّ:

2- مِنْ مَعَانِي السِّجِلِّ لُغَةً: كِتَابُ الْعَهْدِ وَنَحْوُهُ، وَكِتَابُ الْقَاضِي، وَالْجَمْعُ سِجِلاَّتٌ، وَأَسْجَلْتُ لِلرَّجُلِ إِسْجَالًا: كَتَبْتُ لَهُ كِتَابًا، وَسَجَّلَ الْقَاضِي: قَضَى وَحَكَمَ وَأَثْبَتَ حُكْمَهُ فِي السِّجِلِّ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ يُطْلَقُ السِّجِلُّ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي الَّذِي فِيهِ حُكْمُهُ، قَالَ الْحَصْكَفِيُّ: هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِنَا: كِتَابٌ كَبِيرٌ تُضْبَطُ فِيهِ وَقَائِعُ النَّاسِ.

وَعَلَى ذَلِكَ فَالسِّجِلُّ أَخَصُّ مِنَ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى كِتَابٍ مَخْصُوصٍ.

ب- الدَّفْتَرُ:

3- الدَّفْتَرُ لُغَةً: جَرِيدَةُ الْحِسَابِ، وَالدَّفْتَرُ جَمَاعَةُ الصُّحُفِ الْمَضْمُومَةِ، وَالدَّفْتَرُ وَاحِدُ الدَّفَاتِرِ وَهِيَ الْكَرَارِيسُ، وَهُوَ عَرَبِيٌّ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَلَا يُعْرَفُ لَهُ اشْتِقَاقٌ.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الدَّفْتَرِ وَالْكِتَابِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ وَالدَّفْتَرُ أَعَمُّ مِنَ الْكِتَابِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْكِتَابَ يُفِيدُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ، وَلَا يُفِيدُ الدَّفْتَرُ ذَلِكَ، تَقُولُ: عِنْدِي دَفْتَرٌ بَيَاضٌ وَلَا تَقُولُ: عِنْدِي كِتَابٌ بَيَاضٌ.

ج- الرِّسَالَةُ:

4- فِي اللُّغَةِ: رِسَالَةٌ- بِكَسْرِ الرَّاءِ- اسْمٌ مِنَ الرَّسَالَةِ- بِفَتْحِ الرَّاءِ- يُقَالُ رَسِلَ رَسَلًا وَرِسَالَةً مِنْ بَابِ تَعِبَ.يُقَالُ أَرْسَلْتُ رَسُولًا: بَعَثْتُهُ بِرِسَالَةٍ يُؤَدِّيهَا.

وَالْفُقَهَاءُ يَسْتَعْمِلُونَهَا تَارَةً بِمَعْنَى الرَّسُولِ وَتَارَةً بِمَعْنَى الْكِتَابِ.

وَعَلَى هَذَا فَبَيْنَ الْكِتَابِ وَالرِّسَالَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ نِسْبِيٌّ.

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ مِنْ أَحْكَامٍ:

تَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ أَحْكَامٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اسْتِعْمَالَاتِهِ كَمَا يَلِي:

أَوَّلًا: الْكِتَابُ بِمَعْنَى الرِّسَالَةِ: أَيْ إِرْسَالِ كِتَابٍ إِلَى الْغَيْرِ بِشَأْنِ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ أَوْ طَلَبِ شَيْءٍ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ مِنْهَا:

كِتَابُ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي:

5- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى جَوَازِ كِتَابَةِ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ لَدَيْهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَغَيْرِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الشُّرُوطِ وَاللُّزُومِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (قَضَاءٌ ف 49، 52، 53).

كِتَابُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ بِالطَّلَاقِ:

6- إِذَا كَتَبَ الزَّوْجُ إِلَى زَوْجَتِهِ كِتَابًا بِطَلَاقِهَا، فَإِنْ كَتَبَ إِلَيْهَا: يَا فُلَانَةُ أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ كَتَبَ: هِيَ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ سَوَاءٌ وَصَلَ إِلَيْهَا الْكِتَابُ أَوْ لَمْ يَصِلْ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ لَكِنْ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِذَا كَتَبَ لِزَوْجَتِهِ نَاوِيًا الطَّلَاقَ حِينَ الْكِتَابَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ طَرِيقٌ فِي إِفْهَامِ الْمُرَادِ كَالْعِبَارَةِ وَقَدِ اقْتَرَنَتْ بِالنِّيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَالْحِكَايَةَ وَتَجْرِبَةَ الْقَلَمِ وَالْمِدَادِ وَغَيْرِهَا، وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا قَرَأَ مَا كَتَبَهُ حَالَ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَصَرِيحٌ فَإِنْ قَالَ قَرَأْتُهُ حَاكِيًا مَا كَتَبْتُهُ بِلَا نِيَّةِ طَلَاقٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ كَتَبَ مُسْتَشِيرًا أَوْ مُتَرَدِّدًا وَأَخْرَجَ الْكِتَابَ عَازِمًا عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ لِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ نَوَى الطَّلَاقَ، وَإِنْ كَتَبَ الطَّلَاقَ غَيْرَ عَازِمٍ عَلَيْهِ، بَلْ كَتَبَهُ مُتَرَدِّدًا أَوْ مُسْتَشِيرًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ، أَوْ أَخْرَجَهُ مُتَرَدِّدًا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إِلاَّ إِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إِلَى الزَّوْجَةِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ.

وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى شَرْطِ الْوُصُولِ إِلَيْهَا، بِأَنْ كَتَبَ: إِذَا وَصَلَ كِتَابِي إِلَيْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا الْكِتَابُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْوُقُوعَ بِشَرْطِ الْوُصُولِ فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ آخَرَ.

وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا كَانَتْ أَدَاةُ الشَّرْطِ (إِنْ)؛ لِأَنَّ (إِنْ) صَرِيحَةٌ فِي الشَّرْطِ فَلَا تَطْلُقُ إِلاَّ عِنْدَ وُصُولِ الْكِتَابِ إِلَيْهَا، أَمَّا إِذَا كَانَتْ أَدَاةُ الشَّرْطِ (إِذَا) فَقَدِ اخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي وَقْتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَذَهَبَ الدَّرْدِيرُ وَالدُّسُوقِيُّ وَالْخَرَشِيُّ إِلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ مِثْلَ قَوْلِهِ لَهَا فِي كِتَابِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَدَاةَ الشَّرْطِ (إِذَا) لِمُجَرَّدِ الظَّرْفِيَّةِ فَيَنْجُزُ الطَّلَاقُ كَمَنْ أَجَّلَ الطَّلَاقَ بِمُسْتَقْبَلٍ.

وَنَقَلَ الدُّسُوقِيُّ عَنْ مُصْطَفَى الرَّمَاصِيِّ أَنَّهُ إِذَا كَتَبَ: إِذَا وَصَلَ لَكَ كِتَابِي فَفِي تَوَقُّفِهِ عَلَى الْوُصُولِ خِلَافٌ، وَقَوَّى الْقَوْلَ بِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْوُصُولِ، لِتَضَمُّنِ (إِذَا) مَعْنَى الشَّرْطِ.

وَاعْتَبَرَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ فِي مِنَحِ الْجَلِيلِ أَنَّ عَدَمَ التَّنْجِيزِ وَتَوَقُّفَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى وُصُولِ الْكِتَابِ ظَاهِرٌ مَشْهُورٌ.

مَحْوُ مَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ:

7- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنِ انْمَحَى مَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْوُصُولِ أَوِ انْطَمَسَ مَا فِيهِ لِعَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ قِرَاءَةُ مَا فِيهِ لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ وَإِنْ وَصَلَ الْكِتَابُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُصُولُ الْكِتَابِ وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ عِبَارَةٌ عَمَّا فِيهِ الْكِتَابَةُ.

وَإِنْ ذَهَبَ مَوْضِعُ الطَّلَاقِ فَقَطْ وَانْمَحَقَ وَوَصَلَ بَاقِيهِ لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهَا جَمِيعُ الْكِتَابِ وَلَا مَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ مَحَا ذِكْرَ الطَّلَاقِ مِنْهُ وَأَنْفَذَ الْكِتَابَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ كَلَامٌ يُسَمَّى كِتَابًا وَرِسَالَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ وُصُولُ الْكِتَابِ إِلَيْهَا.

وَإِنِ انْمَحَى مَا فِي الْكِتَابِ سِوَى مَا فِيهِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ، أَوْ تَخَرَّقَ بَعْضُ مَا فِيهِ الْكِتَابَةُ سِوَى مَا فِيهِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ: مَا لَوْ ذَهَبَتْ سَوَابِقُهُ وَلَوَاحِقُهُ كَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَبَقِيَتْ مَقَاصِدُهُ، وَوَصَلَ الْكِتَابُ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ لِوُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا مَحَا مَا سِوَى كِتَابَةِ الطَّلَاقِ وَأَنْفَذَهُ فَوَصَلَ إِلَيْهَا لَا يَقَعُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرِّسَالَةَ الْمُتَضَمِّنَةَ لِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ لَا تَكُونُ كِتَابًا، ذَكَرَ ذَلِكَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ.

8- وَلِلْمَذَاهِبِ فُرُوعٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْكِتَابِ بَيَانُهَا فِيمَا يَلِي:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: كَتَبَ فِي قِرْطَاسٍ: إِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ نَسَخَهُ فِي كِتَابٍ آخَرَ، أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِنَسْخِهِ وَلَمْ يُمْلِهِ عَلَيْهِ، فَأَتَاهَا الْكِتَابَانِ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ قَضَاءً، إِنْ أَقَرَّ أَنَّهُمَا كِتَابَاهُ أَوْ بَرْهَنَتْ، وَفِي الدِّيَانَةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بِأَيِّهِمَا أَتَاهَا وَيَبْطُلُ الْآخَرُ.

وَلَوِ اسْتَكْتَبَ مِنْ آخَرَ كِتَابًا بِطَلَاقِهَا وَقَرَأَهُ عَلَى الزَّوْجِ، فَأَخَذَهُ الزَّوْجُ وَخَتَمَهُ وَعَنْوَنَهُ وَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهَا، فَأَتَاهَا وَقَعَ إِنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ كِتَابُهُ.

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ قَالَ لِلرَّجُلِ ابْعَثْ بِهِ إِلَيْهَا، أَوْ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ نُسْخَةً وَابْعَثْ بِهَا إِلَيْهَا.

وَإِنْ أَنْكَرَ وَلَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ كِتَابُهُ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ كِتَابُهُ، لَكِنَّهُ وَصَفَ الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ لَا تَطْلُقُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً.وَكَذَا كُلُّ كِتَابٍ لَمْ يَكْتُبْهُ بِخَطِّهِ وَلَمْ يُمْلِهِ بِنَفْسِهِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ كِتَابُهُ.

وَمَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ تُدْعَى زَيْنَبَ ثُمَّ تَزَوَّجَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى امْرَأَةً تُدْعَى عَائِشَةَ، فَبَلَغَ زَيْنَبَ فَخَافَ مِنْهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهَا: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرِكِ وَغَيْرِ عَائِشَةَ طَالِقٌ، ثُمَّ مَحَا قَوْلَهُ: وَغَيْرِ عَائِشَةَ، وَبَعَثَ الْكِتَابَ إِلَى زَيْنَبَ لَمْ تَطْلُقْ عَائِشَةُ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْهِدَ عَلَى كِتَابَةِ مَا مَحَاهُ؛ لِئَلاَّ يَظْهَرَ الْحَالُ، فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِطَلَاقِ عَائِشَةَ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ كَتَبَ إِلَى امْرَأَتِهِ بِطَلَاقِهَا ثُمَّ أَنْكَرَ الْكِتَابَ وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إِنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَلَوْ كَتَبَ إِلَيْهَا: أَمَّا بَعْدُ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إِنْ كَانَ مَوْصُولًا بِكِتَابَتِهِ لَا تَطْلُقُ، وَإِنْ كَتَبَ الطَّلَاقَ ثُمَّ فَتَرَ فَتْرَةً، ثُمَّ كَتَبَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ؛ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ إِلَى الْغَائِبِ كَالْمَلْفُوظِ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِلْخَاصِّيِّ وَالْخُلَاصَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ كَتَبَ: إِذَا بَلَغَكِ نِصْفُ كِتَابِي هَذَا، فَبَلَغَهَا كُلُّهُ طَلُقَتْ، فَإِنِ ادَّعَتْ وُصُولَ كِتَابِهِ بِالطَّلَاقِ، فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ خَطُّهُ لَمْ تُسْمَعْ إِلاَّ بِرُؤْيَةِ الشَّاهِدِ بِكِتَابِهِ وَحِفْظِهِ عِنْدَهُ لِوَقْتِ الشَّهَادَةِ.

وَإِنْ كَتَبَ: إِذَا قَرَأْتِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ قَارِئَةٌ، فَقَرَأَتْهُ طُلِّقَتْ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.

قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَعِبَارَةُ النَّوَوِيِّ تَقْتَضِي أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: اشْتِرَاطُ اللَّفْظِ بِهِ إِذِ الْقِرَاءَةُ تُعْطِي ذَلِكَ، لَكِنْ نَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا لَوْ طَالَعَتِ الْكِتَابَ وَفَهِمَتْ مَا فِيهِ طَلُقَتْ وَإِنْ لَمْ تَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ.

وَالشَّرْطُ الثَّانِيَ: اشْتِرَاطُ قِرَاءَةِ جَمِيعِ الْكِتَابِ، وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِقِرَاءَةِ الْمَقَاصِدِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَحُكْمُ قِرَاءَةِ بَعْضِ الْكِتَابِ كَوُصُولِ بَعْضِهِ، وَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهَا الْكِتَابُ فَلَا تَطْلُقُ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ قِرَاءَتِهَا مَعَ إِمْكَانِهَا الْقِرَاءَةَ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِطْلَاعُهَا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَقَدْ وُجِدَ، وَإِذَا كَانَتْ لَا تَعْرِفُ الْقِرَاءَةَ، وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَقُرِئَ عَلَيْهَا طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ الْقَارِئَةِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الزَّوْجُ حَالَهَا فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَى الْأَقْرَبِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا.

وَلَوْ عَلَّقَ بِوُصُولِ الْكِتَابِ، ثُمَّ عَلَّقَ بِوُصُولِ الطَّلَاقِ، وَوَصَلَ، طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا كَتَبَ لِزَوْجَتِهِ: إِذَا أَتَاكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهَا: إِذَا أَتَاكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَتَاهَا الْكِتَابُ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ لِوُجُودِ الصِّفَتَيْنِ فِي مَجِيءِ الْكِتَابِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ إِذَا أَتَاكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ الَّذِي عَلَّقْتُهُ دِينَ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

وَإِذَا كَتَبَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ اسْتَمَدَّ (أَيْ أَخَذَ الْمِدَادَ مِنَ الدَّوَاةِ بِالْقَلَمِ) فَكَتَبَ: إِذَا أَتَاكِ كِتَابِي، أَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ أَوِ اسْتِثْنَاءٍ، وَكَانَ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ لِلطَّلَاقِ مُرِيدًا لِلشَّرْطِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ فِي الْحَالِ، بَلْ نَوَاهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ نَوَى الطَّلَاقَ فِي الْحَالِ غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ طَلُقَتْ لِلْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَقُلْنَا: إِنَّ الْمُطْلَقَ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَ اسْتِمْدَادًا لِحَاجَةٍ أَوْ عَادَةٍ، لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ النَّفَسُ أَوْ شَيْءٌ يُسْكِتُهُ فَسَكَتَ لِذَلِكَ، ثُمَّ أَتَى بِشَرْطٍ تَعَلَّقَ بِهِ فَالْكِتَابَةُ أَوْلَى.

وَإِنِ اسْتَمَدَّ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا عَادَةٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ، كَمَا لَوْ سَكَتَ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ شَرْطًا.

وَإِنْ قَالَ: إِنَّنِي كَتَبْتُهُ مُرِيدًا لِلشَّرْطِ فَقِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ قَبْلَ الشَّرْطِ، إِلاَّ أَنَّهُ يَدِينُ وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ الشَّهَادَةَ لِإِثْبَاتِ كِتَابِ الطَّلَاقِ، جَاءَ فِي الْمُغْنِي: وَلَا يَثْبُتُ الْكِتَابُ بِالطَّلَاقِ إِلاَّ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ فِي امْرَأَةٍ أَتَاهَا كِتَابُ زَوْجِهَا بِخَطِّهِ وَخَاتَمِهِ بِالطَّلَاقِ: لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهَا شُهُودٌ عُدُولٌ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ شَهِدَ حَامِلُ الْكِتَابِ؟ قَالَ: لَا، إِلاَّ شَاهِدَانِ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ حَامِلِ الْكِتَابِ وَحْدَهُ حَتَّى يَشْهَدَ مَعَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْكُتُبَ الْمُثْبِتَةَ لِلْحُقُوقِ لَا تَثْبُتُ إِلاَّ بِشَاهِدَيْنِ كَكِتَابِ الْقَاضِي، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْكِتَابَ يَثْبُتُ عِنْدَهَا بِشَهَادَتِهِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا بِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ أَثَرَهُ فِي حَقِّهَا فِي الْعِدَّةِ وَجَوَازِ التَّزْوِيجِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا.

وَهَذَا مَعْنًى يُخْتَصُّ بِهِ، لَا يَثْبُتُ بِهِ حَقٌّ عَلَى الْغَيْرِ، فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِسَمَاعِهَا لِلشَّهَادَةِ.

وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذَا خَطُّ فُلَانٍ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشَبَّهُ بِهِ وَيُزَوَّرُ، وَلِهَذَا لَمْ يَقْبَلْهُ الْحَاكِمُ، وَلَوِ اكْتُفِيَ بِمَعْرِفَةِ الْخَطِّ لَاكْتُفِيَ بِمَعْرِفَتِهَا لَهُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ حَتَّى يُشَاهِدَاهُ يَكْتُبُهُ، ثُمَّ لَا يَغِيبُ عَنْهُمَا حَتَّى يُؤَدِّيَا الشَّهَادَةَ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَإِنَّ كِتَابَ الْقَاضِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ فَهَذَا أَوْلَى، وَقَدْ يَكُونُ صَاحِبُ الْكِتَابِ لَا يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ، وَإِنَّمَا يَسْتَنِيبُ فِيهَا، وَقَدْ يَسْتَنِيبُ فِيهَا مَنْ يَعْرِفُهَا، بَلْ مَتَى أَتَاهَا بِكِتَابٍ وَقَرَأَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ: هَذَا كِتَابِي كَانَ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِهِ.

الْكِتَابُ الَّذِي يُعْتَبَرُ إِيجَابًا أَوْ قَبُولًا فِي الْعُقُودِ:

9- جَاءَ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا فِي بَابِ الْبَيْعِ: الْكِتَابُ كَالْخِطَابِ، وَكَذَا الْإِرْسَالُ، حَتَّى اعْتُبِرَ مَجْلِسُ بُلُوغِ الْكِتَابِ وَأَدَاءِ الرِّسَالَةِ، فَصُورَةُ الْكِتَابِ بِأَنْ يَكْتُبَ: أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ بِعْتُ عَبْدِي مِنْكَ بِكَذَا، فَلَمَّا بَلَغَهُ الْكِتَابُ وَفَهِمَ مَا فِيهِ قَالَ: قَبِلْتُ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ انْعَقَدَ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عَقْدٌ ف 13).

رَدُّ جَوَابِ الْكِتَابِ:

10- رَوَى أَبُو جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- مَرْفُوعًا: «إِنِّي لأَرَى لِرَدِّ جَوَابِ الْكِتَابِ عَلَيَّ حَقًّا كَمَا أَرَى رَدَّ جَوَابِ السَّلَامِ»، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي مَوْقُوفًا، قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيَتَوَجَّهُ الْقَوْلُ بِهِ اسْتِحْبَابًا، وَيَتَوَجَّهُ فِي الْوُجُوبِ مَا فِي الْمُكَافَأَةِ عَلَى الْهَدِيَّةِ وَرَدِّ جَوَابِ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

أَمَّا إِنْ أَفْضَى تَرْكُ ذَلِكَ إِلَى سُوءِ ظَنٍّ وَإِيقَاعِ عَدَاوَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ تَوَجَّهَ الْوُجُوبُ.

وَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّ جَوَابِ مَا قَصَدَهُ الْكَاتِبُ، وَإِلاَّ كَانَ الرَّدُّ كَعَدَمِهِ شَرْعًا وَعُرْفًا.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِذَا وَرَدَ عَلَى إِنْسَانٍ كِتَابُ التَّحِيَّةِ أَوْ نَحْوُهَا يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ الْجَوَابَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ مِنَ الْغَائِبِ كَالسَّلَامِ مِنَ الْحَاضِرِ.

كَيْفِيَّةُ الْبَدْءِ فِي الْكِتَابِ:

11- يُسْتَحَبُّ ابْتِدَاءُ الْكِتَابِ وَالرِّسَالَةِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اقْتِدَاءً بِالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي أَشْرَفُهَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ؛ لِمَا قَالَهُ الْعَلاَّمَةُ أَبُو بَكْرٍ التُّونِسِيُّ مِنْ إِجْمَاعِ عُلَمَاءِ كُلِّ مِلَّةٍ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ افْتَتَحَ جَمِيعَ كُتُبِهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيَشْهَدُ لَهُ خَبَرُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ «فَاتِحَةُ كُلِّ كِتَابٍ» وَعَمَلًا بِخَبَرِ: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» أَيْ قَلِيلُ الْبَرَكَةِ أَوْ مَقْطُوعُهَا.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ اتَّفَقُوا عَلَى كَتْبِ ( (فِي أَوَّلِ الْكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ وَعَلَى خَتْمِهَا؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الرِّيبَةِ، وَعَلَى هَذَا جَرَى الرَّسْمُ، وَبِهِ جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا كِتَابٍ لَمْ يَكُنْ مَخْتُومًا فَهُوَ أَغْلَفُ.

وَبَعْدَ الْبَسْمَلَةِ فِي الْكِتَابِ الْمُرْسَلِ إِلَى الْغَيْرِ يُكْتَبُ إِلَى فُلَانٍ، وَلَا يُكْتَبُ لِفُلَانٍ، قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لِأَبِي جَعْفَرٍ أَكْرَمَهُ اللَّهُ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: نَكْتُبُ: إِلَى أَبِي فُلَانٍ وَلَا نَكْتُبُ: لِأَبِي فُلَانٍ، قَالَ: لَيْسَ لَهُ مَعْنًى إِذَا كَتَبَ لِأَبِي فُلَانٍ، وَقَالَ الْمَرْوَزِيُّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَكْتُبُ عِنْوَانَ الْكِتَابِ: إِلَى أَبِي فُلَانٍ وَقَالَ: هُوَ أَصْوَبُ مِنْ أَنْ يُكْتَبَ لِأَبِي فُلَانٍ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَأَمَّا ابْتِدَاءُ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ وَكَتْبُهُ مِنْ فُلَانٍ إِلَى فُلَانٍ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْعِنْوَانِ وَصَدْرِ الْكِتَابِ، فَأَكْثَرُهُمْ يَرَى أَنْ يَبْتَدِئَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ هُوَ السُّنَّةُ، كَمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ - رضي الله عنه- كَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما- كَانَ يَقُولُ لِغِلْمَانِهِ وَوَلَدِهِ: إِذَا كَتَبْتُمْ إِلَى فُلَانٍ فَلَا تَبْدَءُوا بِي وَكَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى الْأُمَرَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا كَتَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ إِلاَّ إِلَى وَالِدٍ أَوْ وَالِدَةٍ، وَإِمَامٍ يَخَافُ عُقُوبَتَهُ» وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: مَا كَانَ أَحَدٌ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَكْتُبُونَ إِلَيْهِ فَيَبْدَءُونَ بِأَنْفُسِهِمْ.

وَفِي الْقُرْطُبِيِّ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ أَهْلَ فَارِسَ إِذَا كَتَبُوا بَدَءُوا بِعُظَمَائِهِمْ، فَلَا يَبْدَأُ الرَّجُلُ إِلاَّ بِنَفْسِهِ»، قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ الْبُسْتَانِ: وَلَوْ بَدَأَ بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ قَدِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ وَفَعَلُوهُ لِمَصْلَحَةٍ رَأَوْا فِي ذَلِكَ، أَوْ نَسْخِ مَا كَانَ مِنْ قَبْلُ.

فَالْأَحْسَنُ فِي زَمَانِنَا هَذَا أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ ثُمَّ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْبِدَايَةَ بِنَفْسِهِ تُعَدُّ مِنْهُ اسْتِخْفَافًا بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى غُلَامٍ مِنْ غِلْمَانِهِ.

ثَانِيًا: الْكِتَابُ بِمَعْنَى الْوَثِيقَةِ وَالْعَهْدِ:

12- أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِتَوْثِيقِ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي تَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ فِي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} وَقَدْ وَثَّقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- فَبَاعَ وَكَتَبَ وَمِنْ ذَلِكَ: «هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ، بَيْعَ الْمُسْلِمِ مِنَ الْمُسْلِمِ».

وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- بِالْكِتَابِ فِي الصُّلْحِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (تَوْثِيقٌ ف 12).

ثَالِثًا: الْكِتَابُ بِمَعْنَى كُتُبِ الْعِلْمِ:

13- يَأْتِي الْكِتَابُ بِمَعْنَى كُتُبِ الْعِلْمِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ شَرْعِيَّةً أَمْ غَيْرَ شَرْعِيَّةٍ وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ صَاحِبُ الْكُلِّيَّاتِ بِقَوْلِهِ: الْكِتَابُ هُوَ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَى الْمَسَائِلِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً مِنْ فَنٍّ أَوْ فُنُونٍ، وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ فِي أَسْنَى الْمَطَالِبِ.

وَيَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ بِهَذَا الْمَعْنَى أَحْكَامٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا:

الِاسْتِنْجَاءُ بِالْكُتُبِ:

14- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِمُحْتَرَمٍ كَالْكُتُبِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَكُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ؛ لِحُرْمَةِ الْحُرُوفِ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَتْكِ الشَّرِيعَةِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِحُرْمَتِهَا.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْكُتُبِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ، وَمَثَّلُوا لَهَا بِكُتُبِ السَّحَرِ وَالْفَلْسَفَةِ وَبِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ إِذَا عُلِمَ تَبَدُّلُهُمَا.

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَذِهِ الْكُتُبِ لِحُرْمَةِ الْحُرُوفِ- أَيْ لِشَرَفِهَا- قَالَ إِبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ: مَحَلُّ كَوْنِ الْحُرُوفِ لَهَا حُرْمَةٌ إِذَا كَانَتْ مَكْتُوبَةً بِالْعَرَبِيِّ، وَإِلاَّ فَلَا حُرْمَةَ لَهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَكْتُوبُ بِهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ عَلِيٌّ الأَجْهُورِيُّ: الْحُرُوفُ لَهَا حُرْمَةٌ سَوَاءٌ كُتِبَتْ بِالْعَرَبِيِّ أَوْ بِغَيْرِهِ.

وَقَالَ الْحَطَّابُ: لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِالْمَكْتُوبِ وَلَوْ كَانَ الْمَكْتُوبُ بَاطِلًا كَالسِّحْرِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِلْحُرُوفِ، وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى إِنْ كُتِبَتْ فِي أَثْنَاءِ مَا تَجِبُ إِهَانَتُهُ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بَعْدَ تَحْرِيفِهِمَا، فَيَجُوزُ إِحْرَاقُهَا وَإِتْلَافُهَا، وَلَا يَجُوزُ إِهَانَتُهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِهَذِهِ الْكُتُبِ إِهَانَةٌ لِمَكَانِ مَا فِيهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً فَإِنَّ حُرْمَةَ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُبَدَّلُ عَلَى وَجْهٍ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُحْتَرَمِ مِنَ الْكُتُبِ كَكُتُبِ الْفَلْسَفَةِ وَكَذَا التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِذَا عُلِمَ تَبَدُّلُهُمَا وَخُلُوُّهُمَا عَنِ اسْمٍ مُعَظَّمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: نَقَلُوا عِنْدَنَا أَنَّ لِلْحُرُوفِ حُرْمَةً وَلَوْ مُقَطَّعَةً، وَذَكَرَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ أَنَّ حُرُوفَ الْهِجَاءِ قُرْآنٌ أُنْزِلَتْ عَلَى هُودٍ - عليه السلام-، وَمُفَادُهُ الْحُرْمَةُ بِالْمَكْتُوبِ مُطْلَقًا.

مَسُّ غَيْرِ الْمُتَطَهِّرِ كُتُبَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ:

15- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَسِّ غَيْرِ الْمُتَطَهِّرِ كُتُبَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ.

فَبِالنِّسْبَةِ لِكُتُبِ التَّفْسِيرِ أَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنْ يَمَسَّهَا غَيْرُ الْمُتَطَهِّرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى مُصْحَفًا عُرْفًا؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ التَّفْسِيرِ مَعَانِي الْقُرْآنِ لَا تِلَاوَتُهُ، قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كُتِبَتْ فِيهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ مُتَوَالِيَةٌ وَقَصَدَهَا بِالْمَسِّ كَمَا قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ.

وَعَامَّةُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَنْعِ مَسِّ لَفْظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، قَالَ فِي السِّرَاجِ عَنِ الْإِيضَاحِ: لَا يَجُوزُ مَسُّ مَوْضِعِ الْقُرْآنِ مِنْهَا، أَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ التَّفْسِيرِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ بِالْكَرَاهَةِ، وَقَوْلٌ بِعَدَمِهَا، وَالثَّالِثُ: الْكَرَاهَةُ فِي التَّفْسِيرِ دُونَ غَيْرِهِ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ هُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَحْوَطُ لِظُهُورِ الْفَرْقِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ فِي التَّفْسِيرِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ الْمَسُّ وَإِنْ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ جَازَ مَسُّهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لَا يَجُوزُ مَسُّ التَّفَاسِيرِ الَّتِي فِيهَا آيَاتٌ كَثِيرَةٌ مُتَوَالِيَةٌ.

16- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ كَذَلِكَ فِي مَسِّ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ- غَيْرِ الْقُرْآنِ- كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ.

فَأَجَازَ مَسَّهَا لِغَيْرِ الْمُتَطَهِّرِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْآنًا.

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ مَسُّهَا وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُبَدَّلَةٍ، إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: إِنْ ظَنَّ أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ وَنَحْوِهَا غَيْرَ مُبَدَّلٍ كُرِهَ مَسُّهُ.

وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الْحَنَفِيَّةِ، فَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: قَالَ الشَّيْخُ إِسْمَاعِيلُ: وَفِي الْمُبْتَغَى.وَلَا يَجُوزُ مَسُّ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ.وَعَلَّلَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ ذَلِكَ بِاشْتِرَاكِ سَائِرِ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ فِي وُجُوبِ التَّعْظِيمِ، لَكِنَّهُ قَالَ: نَعَمْ، يَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ بِمَا لَمْ يُبَدَّلْ.

وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسُّ، فَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: الظَّاهِرُ جَوَازُ الْمَسِّ، قَالَ فِي النَّهْرِ: وقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ صِفَةٌ لِلْقُرْآنِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْمَنْعِ بِهِ.

17- وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَسِّ غَيْرِ الْمُتَطَهِّرِ كُتُبَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ وَالرَّسَائِلِ الَّتِي فِيهَا قُرْآنٌ.

فَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِغَيْرِ الْمُتَطَهِّرِ أَنْ يَمَسَّهَا وَيَحْمِلَهَا وَلَوْ كَانَ فِيهَا آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ، بِدَلِيلِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- كَتَبَ إِلَى هِرَقْلَ كِتَابًا وَفِيهِ آيَةٌ»؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ اسْمُ مُصْحَفٍ وَلَا تَثْبُتُ لَهَا حُرْمَتُهُ.

وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، وَمِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إِنَّهُ يُكْرَهُ مَسُّ كُتُبِ الْأَحَادِيثِ وَالْفِقْهِ لِغَيْرِ الْمُتَطَهِّرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَرْجِيحُ ابْنِ عَابِدِينَ الْقَوْلَ بِقَصْرِ الْكَرَاهَةِ عَلَى كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَحْدَهَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَحَبُّ التَّطَهُّرُ لِحَمْلِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَمَسِّهَا.

تَوَسُّدُ الْكُتُبِ وَالِاتِّكَاءُ عَلَيْهَا:

18- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يُكْرَهُ أَنْ يَضَعَ الْمُصْحَفَ تَحْتَ رَأْسِهِ إِلاَّ لِلْحِفْظِ أَيْ حِفْظِهِ مِنْ سَارِقٍ وَنَحْوِهِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهَلِ التَّفْسِيرُ وَالْكُتُبُ الشَّرْعِيَّةُ كَذَلِكَ؟ أَقُولُ: الظَّاهِرُ نَعَمْ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَحْرُمُ تَوَسُّدُ الْقُرْآنِ وَإِنْ خَافَ سَرِقَتَهُ، نَعَمْ، إِنْ خَافَ عَلَى الْمُصْحَفِ مِنْ تَلَفٍ نَحْوِ حَرْقٍ أَوْ تَنَجُّسٍ أَوْ كَافِرٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّدَهُ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَيَحْرُمُ تَوَسُّدُ كُتُبِ عِلْمٍ مُحْتَرَمٍ إِلاَّ لِخَوْفٍ مِنْ نَحْوِ سَرِقَةٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَوَسُّدُهَا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ تَوَسُّدُ الْمُصْحَفِ وَالْوَزْنُ بِهِ وَالِاتِّكَاءُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ابْتِذَالٌ لَهُ، قَالَ فِي الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ: وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ التَّحْرِيمَ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَبِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي كِتَابِهِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، لَكِنْ جَاءَ فِي الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ: وَيُكْرَهُ تَوَسُّدُ الْمُصْحَفِ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.

أَمَّا كُتُبُ الْعِلْمِ فَقَدْ قَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ فِيهَا قُرْآنٌ حَرُمَ تَوَسُّدُهَا وَالْوَزْنُ بِهَا وَالِاتِّكَاءُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قُرْآنٌ كُرِهَ ذَلِكَ، أَمَّا إِنْ خَافَ عَلَيْهَا سَرِقَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَسَّدَهَا لِلْحَاجَةِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ نُعَيْمِ بْنِ نَاعِمٍ وَقَدْ سَأَلَهُ: أَيَضَعُ الرَّجُلُ الْكُتُبَ تَحْتَ رَأْسِهِ؟ قَالَ: أَيُّ كُتُبٍ؟ قُلْتُ: كُتُبُ الْحَدِيثِ، قَالَ: إِذَا خَافَ أَنْ تُسْرَقَ فَلَا بَأْسَ، وَأَمَّا أَنْ تُتَّخَذَ وِسَادَةً فَلَا.

كَيْفِيَّةُ وَضْعِ الْكُتُبِ فَوْقَ بَعْضِهَا:

19- ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ كَيْفِيَّةَ تَرْتِيبِ الْكُتُبِ مِنْ حَيْثُ الْأَوْلَوِيَّةُ عِنْدَ وَضْعِهَا فَوْقَ بَعْضِهَا.فَقَالُوا: تُوضَعُ كُتُبُ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ كُتُبُ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا كَكُتُبِ ابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ شَاهِينَ لِأَفْضَلِيَّتِهِ، لِكَوْنِهِ تَفْسِيرًا لِمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَهُوَ الرُّؤْيَا، ثُمَّ كُتُبُ الْكَلَامِ، ثُمَّ كُتُبُ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَدِلَّتِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَيَكْثُرُ فِيهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ، بِخِلَافِ عِلْمِ الْكَلَامِ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالسَّمْعِيَّاتِ مِنْهُ فَقَطْ، ثُمَّ كُتُبُ الْأَخْبَارِ وَالْمَوَاعِظِ، ثُمَّ التَّفْسِيرُ، ثُمَّ الْمُصْحَفُ فَوْقَ الْجَمِيعِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


28-الغريبين في القرآن والحديث (سلم)

(سلم)

قوله عز وجل: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا) قال ابن عرفة: أي

قولًا يسلمون منه، ليس فيه تعد ولا مأثم، وكانت العرب في الجاهلية يحبون أن يقول أحدهم لصاحبه أنعم صباحًا وعم صباحًا، وأبيت اللعن، ويقولون: سلام عليكم فكأنه علامة المسالمة، وأنه لا حرب هنالك ثم جاء الله بالإسلام فقصروا على السلام، وأمروا بإفشائه، وقال الأ

ومنه قوله: {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيًا} أي سلمني الله من الآفات حيًا وميتًا.

وقوله: {قالوا سلامًا} أي سلموا سلامًا قال: سلام أي أمري سلام، ولا أريد غير السلامة.

قوله تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم} لم يرد به التحية، وإنما المعنى أعرضوا عنه وقالوا سلام عليكم أي بيننا وبينكم المتاركة والتسليم.

ومنه قوله: {وقل سلام فسوف يعلمون}.

وقوله: {لا يسمعون فيها لغوًا إلا سلامًا}.

وقوله: {إلا قيلًا سلامًا سلامًا} السلام من الكلام ما لا لغو فيه ولا مأثم، واللغو ما يلغى من الكلام ونصب إلا سلامًا على نية التكرير أي لا يسمعون إلا سلامًا.

وقوله: {إلا قيلًا سلامًا سلامًا} أي إلا أن يقول بعضهم لبعض سلامًا.

ومنه قوله: {تحيتهم يوم يلقونه سلام}.

وقوله: {سبل السلام} أي دين الله الإسلام، ويقال: طرق السلامة مما يسخط الله، وهما قريبان من السواء.

وقوله تعالى: {والسلام على من اتبع الهدى} أي من اتبع الهدى سلم من عذاب الله تعالى.

وقوله: {سلام هي حتى مطلع الفجر} يعني ليلة القدر ذات سلام لا داء فيها، ولا يستطيع شيطان أن يصنع فيها شيئًا، وقال أبو بكر في تفسير قوله: {سلام عليكم} ثلاثة أوجه: يقال معناه لكم ومعكم، ويقال معناه: الله عليكم، أي على حفظكم، ويقال معناه نحن مسالمون لكم.

وقوله تعالى: {فسلموا على أنفسكم} أي فليسلم بعضكم على بعض.

وقوله تعالى: {وألقوا إلى الله يومئذ السلم} أي استسلموا للأمر.

وقوله تعالى: {ويلقوا إليكم السلم} أي المقادة.

وقوله: {ويسلموا تسليمًا} أي ينقادون لحكمك، يقال: سلم واستسلم وأسلم إذا انقاد وخضع.

وقوله: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} أي مالوا للصلح، ويقال: سلم وسلم.

وقوله: تعالى: {بقلب سليم} أي من الشرك.

وقوله: {ورجلًا سلمًا لرجل} كأنه سلم إليه فهو سلم له، وقال الزجاج: أي سالمًا له لا يشركه فيه أحد، يقال: سلم فلان لفلان أي خلص له.

وقوله تعالى: {فلما أسلما وتله للجبين} أي أسلما أنفسهما إلى أمر الله وهو الذبح.

وقوله تعالى: {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} أي دخلنا في السلم والطاعة فالإسلام ظاهر الأمر والإيمان باطنه وحقيقة الإسلام الطاعة.

ومنه قوله: {واجعلنا مسلمين لك} أي مطيعين.

وقوله تعالى: {مسلمة لا شية فيها} أي سالمة من إثارة الأرضين وسقى الحرث.

وقوله تعالى: {أو سلمًا في السماء} أي مصعدًا وهو الشيء الذي يسلمك إلى مصعدك مأخوذ من السلامة.

وفي الحديث: (على كل سلامي من أحدكم صدقة) قال أبو عبيد: هو في الأصل عظم يكون في فرسن البعير فكأن المعنى على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة.

ومنه حديث خزيمة: (حتى آل السلامى) يريد: رجع إليه المخ، ويقال: السلامى آخر ما يبقى فيه المخ.

وفي الحديث: (أتى الحجر فاستلمه) قال الأزهري: استلام الحجر افتعال من السلام وهو التحية كما تقول أقرأت السلام، ولذلك أهل اليمن يسمون الركن الأسود المحيا، معناه أن الناس يحيونه، وقال القتيبي: هو افتعال من السلام وهي الحجارة واحدتها سلمة، تقول: استلمت الحجر إذا لمسته كما تقول: اكتحلت من الكحل.

في الحديث: (أنه كان يقول إذا دخل شهر رمضان: اللهم سلمني من رمضان، وسلم رمضان لي وسلمه مني) قوله: (سلمني من رمضان) يسأله أن لا يصيب الصائم في رمضان ما يحول بينه وبين الصوم من مرض أو فتنة أو غير ذلك، وقوله: (وسلم رمضان لي) هو أن لا يغم عليه الهلال فيلتبس

وفي الحديث: (لآتينك برجل سلم) أي أسير: قيل له ذلك لأنه أسلم وخذل وألقى السلم أي انقاد.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


29-الغريبين في القرآن والحديث (سمع)

(سمع)

قوله عز وجل: {واسمع غير مسمع} أي غير مجاب إلى ما تدعونا إليه.

ومنه قول المصلي: (سمع الله لمن حمده) أي تقبل الله منه حمده وأجاب حمده، ويقال اسمع دعائي أي أجب دعائي لأن غرض السائل الإجابة

والقبول فذكر مراده وغرضه باسم غيره للاشتراك الذي بين القبول والسمع، فوضع السمع موضع القبول والإجابة.

ومنه قوله: {إني آمنت بربكم فاسمعون} أي اسمعوا مني الطاعة والقبول.

ومنه الحديث: (أعوذ بك من دعاء لا يسمع) أي لا يجاب وعلى هذا المعنى يتأول قوله تعالى: {إنك لا تسمع الموتى} أي لا تقدر أن توفق الكفار لقبول الحق.

ومنه قوله: {وقولوا انظرنا واسمعوا} يعني سمع الطاعة.

وقوله تعالى: {سماعون للكذب} أي قابلون للباطل.

وقوله: {إنما يستجيب الذين يسمعون} الذين يصغون إليك إصغاء الطاعة والقبول، وقال مجاهد في قوله: {واسمع غير مسمع} أي غير مقبول ما تقول، وقال ابن عرفة: معناه اسمع لا سمعت، وكذلك قوله قم غير صاغر: أي لا أصغرك الله.

وقال في قوله: {يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون} أي كانوا يستطيعون السمع ويبصرون أيام حياتهم: أي يعرضون عما يسمعون ويبصرون فيضاعف لهم العذاب أضعاف تلك المدة التي لا أكد لها عقوبة لهم على إعراضهم عما كانوا يسمعونه.

وقوله: {وكانوا لا يستطيعون سمعًا} أي لا يقدرون أن يسمعوا ما يتلى عليهم من القرآن لبغضهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا كما تقول لمن يكره قولك: ما يستطيع أن يسمع كلامي.

وقوله: (وفيكم سماعون لهم) أي مطيعون، وقيل: متحسسون للأخبار.

وفي الحديث: (من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه) ورواه

بعضهم (أسامع خلقه) قال أبو عبيد: يقال سمعت بالرجل تسميعًا إذا نددت به وشهرته فمن رواه (سامع خلقه) برفع العين أراد سمع الله الذي هو سامع خلقه من نعت الله تبارك وتعالى أي فضحه الله، ومن رواه (أسامع خلقه) منصوبًا فهو جمع أسمع، يقال: سمع وأسمع، وأسامع جمع

وفي الحديث: (أنه سئل أي الساعات أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر) أي أخلق بالدعاء وأرجى للاستجابة.

ومنه حديث الضحاك: (لما عرض عليه الإسلام قال: فسمعت منه كلامًا لم أسمع قط قولًا أسمع منه) يريد أبلغ وأنجع في القلب.

وفي حديث بعض الصحابة: (قيل له: لم لا تكلم عثمان رضي الله عنه؟ قال: أترونني أكلمه سمعكم) أي بحيث تسمعون، قال الراجز.

«حتى إذا أجرس كل طائر *** قامت تغتظي بك سمع الحاضر»

أي حيث يسمع من حضر، ويقال: سمع به إذا أسمعه المكروه بمرأى من الناس.

وفي حديث قيلة: (لا تخبر أختي فتتبع أخا بكر بن وائل بين سمع الأرض وبصرها) قال أبو زيد: يقال: خرج فلان بين سمع الأرض وبصرها إذا لم يدر أين يتوجه، لأنه لا يدل على الطريق، وقيل: أرادت بين سمع أهل الأرض وبصرها كقوله: {واسأل القرية} يعني أنها أرادت أنه لا يبصرها إلا الأرض القفر ولا يصحبها من يحوطها ويؤنسها، وقال ابن الأعرابي: يقال للرجل إذا غرر بنفسه، وألقاها حيث لا يدرى أين هو ألقى نفسه بين سمع الأرض وبصرها، وقيل معناه بين طولها وعرضها.

وكتب الحجاج إلى بعض عماله (أن ابعث إلى فلانًا مسمعًا مزمرًا) أي مقيدًا مسجورًا، والمسمع من أسماء القيد والزمارة الساجورة.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


30-الفروق اللغوية للعسكري (الفرق بين الجمع والحشر)

الْفرق بَين الْجمع والحشر

أَن الْحَشْر هُوَ الْجمع مَعَ السُّوق وَالشَّاهِد قَوْله تَعَالَى (وَابعث فِي الْمَدَائِن حاشرين) أَي ابْعَثْ من يجمع السَّحَرَة ويسوقهم اليك وَمِنْه يَوْم الْحَشْر لِأَن الْخلق يجمعُونَ فِيهِ ويساقون غلى الْموقف وَقَالَ صَاحب الْمفصل لَا يكون الْحَشْر إِلَّا فِي الْمَكْرُوه وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَن الله تعال يَقُول (يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا) وَتقول الْقيَاس جمع بَين مشتبهين يدل الأول على صِحَة الثَّانِي وَلَا يُقَال فِي ذَلِك حشر وَإِنَّمَا يُقَال الْحَشْر فِي مَا يَصح فِيهِ السُّوق على مَا ذكرنَا وَأَقل الْجمع عِنْد شُيُوخنَا ثَلَاثَة وَكَذَلِكَ هـ وَعند الْفُقَهَاء وَقَالَ بَعضهم أثنان وَاحْتج بِأَنَّهُ مُشْتَقّ من اجْتِمَاع شَيْء أإلى شَيْء وَهَذَا وَإِن كَانَ صَحِيحا فَإِنَّهُ قد خص بِهِ شَيْء بِعَيْنِه كَمَا أَن قَوْلنَا دَابَّة وَإِن كَانَ يُوجب اشتقاقه إِن جرى على كل مَا دب فَأَنَّهُ قد خص بِهِ شَيْء بِعَيْنِه فَأَما قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الِاثْنَان فَمَا فَوْقهمَا جمَاعَة فان ذَلِك ورد فِي الحكم لَا فِي تعلم الِاسْم لِأَن كَلَامه يجب أَن يحمل على مَا يُسْتَفَاد من جِهَته دون مَا يَصح أَن يعلم من جِهَته وَأما قَوْله تَعَالَى (هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا) وَقَوله تَعَالَى (وَكُنَّا لحكمهم شَاهِدين) يعين دَاوُد وَسليمَان عَلَيْهِمَا السَّلَام فغن ذَلِك مجَاز كَقَوْلِه تَعَالَى (إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون) وَلَو كَانَ لفظ الْجمع حَقِيقَة فِي الِاثْنَيْنِ لعقل مِنْهُ الِاثْنَان كَمَا يعقل مِنْهُ الثَّلَاثَة وَإِذا كَانَ قَول الرجل رَأَيْت الرِّجَال لَا يفهم مِنْهُ إِلَّا ثَلَاثَة علمنَا أَن قَول الْخصم بَاطِل.

الفروق اللغوية-أبو هلال الحسن بن عبدالله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري-توفي:نحو: 395هـ/1005م


31-المعجم الغني (بَعَثَ)

بَعَثَ- [بعث]، (فعل: ثلاثي. لازم ومتعدٍّ. مزيد بحرف)، بَعَثْتُ، أَبْعَثُ، اِبْعَثْ، المصدر: بَعْثٌ.

1- "بَعَثَهُ في مُهِمَّةٍ": أَرْسَلَهُ وَحْدَهُ.

2- "بَعَثَ إِلَيْهِ رِسالَةً": أَرْسَلَها مَعَ غَيْرِهِ.

3- "بَعَثَ بِالكُتُبِ": أَرْسَلَهَا مَعَ الرَّسُولِ.

4- "بَعَثَتِ ابْنَها مِنْ نَوْمِهِ": أَيْقَظَتْهُ.

5- "يَبْعَثُ اللَّهُ الخَلْقَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ": يُحْيِيهِمْ، يَنْشُرُهُمْ. "بَعَثَ رُوحَ الحَياةِ فيهِ": أَحْياهُ.

6- "بَعَثَ السُّرُورَ": أَشَاعَهُ. "يُهَدِّئ الأعْصابَ وَيَبْعَثُ الطُّمَأْنِينَةَ". (أحمد أَمين):

7- "بَعَثَهُ على الأمْرِ": حَمَلَهُ على فِعْلِهِ.

8- "بَعَثَ عَلَيْهِ المُصيبَةَ": أَنْزَلَها بِهِ.

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


32-المعجم الغني (سَرِيَّةٌ)

سَرِيَّةٌ- الجمع: سَرَايَا. [سرو]:

1- "سَرِيَّةُ الجُنْدِ": الفِرْقَةُ مِنَ الجُنْدِ.

2- "سَرِيَّةُ المِدْفَعِيَّةِ": الْمُشَاةُ.

الملك طالوت والنهر

حين تباعدَ اليهودُ عن تَعاليمِ التَّوراةِ التي نَزلتْ على موسى عليه السلام، حين هَجروا كثيرًا من تَعاليمِه وأَوامِرهِ، عندئذٍ وقعَ لهم ما يقعُ لكلِّ أُمةٍ تهجرُ كِتابَها أو تُضيعُ أَوامرَ نَبيِّها المُرسلِ..

تَدهورتْ أَحوالُ بني إسرائيلَ عندئذٍ، وهُزِموا من أَعدائِهِم، واستولى الأعداءُ على تابوتِ العهدِ، وفيه بقيةٌ مما تركَ آلُ موسى وَهارونَ، وتَشرَّدوا في الأرضِ، وطُرِدوا من دِيارهِم، وساءَتْ أحْوالُهُم، وشاعَ الذُّلُّ بينهم، وحكَمَهُم الضَّعفُ. فجعل من بينهم حكيمًا يدعوهم إلى الله.

وذات يومٍ ذهبَ كبارُ القومِ من بني إسرائيلَ إلى هذا الحكيم وقالوا له:

: أليس الله هو الذي بعثكَ إلينا؟

الحكيم: بلى.

القوم: ألسنا مُشرَّدينَ؟

الحكيم: بلى.

القوم: ألسنا مَظْلومينَ؟

الحكيم: بلى.

القوم: لماذا لا تَسألُ أن يبعثَ لنا مَلِكًا يَجمعُنا تحت رَايتهِ كي نُقاتلَ في سَبيلِ الله ونَستعيدَ حقَّنا ونُصلحَ ما فَسدَ من أَحوالِنا؟

الحكيم: أخَافُ إنْ دعوتُ الله أن يَبعثَ لكُم مَلِكًا يَدعوكُم إلى القتالِ ألا تُقاتِلوا.

القوم: ولماذا لا نُقاتِلُ في سَبيلِ الله وقد أُخرِجْنَا من دِيارِنا؟

الحكيم: ألن تَتراجَعوا لو حدث ما تَطلُبونَه؟

القوم: أبدًا لن نَتراجعَ.

الحكيم: سوف أَسأَلُ الله تعالى أن يختارَ لكم مَلِكًا تُقاتِلونَ تحت رَايَتِه.

انصرفَ القومُ ودَعا الحكيمُ ربَّ العالمينَ أن يختارَ لهم مَلِكًا.

في نفسِ الوقتِ خرجَ طالوتُ يَرعى غَنَمه. كان طالوتُ واحِدًا من بني إسرائيلَ، وكان قلبُه يَنطوي على الخيرِ، وكان معه أَحدُ فِتيانِه، فانشغلَ في حَديث هَامِسٍ معَ الفتى، فتشَردَتْ غنمُه في السُّهولِ.

ثم انتهى حَديثُه مع الغُلامِ، فنظرَ حولَه فلم يرَ الغنمَ ولا رأى الحميرَ.

طالوت: لقد استَغرقَنا الحديثُ فَسارتِ الأغنامُ في الصحراءِ، تعالَ نبحثُ عنها.

انطلقَ طالوتُ في الصحراءِ بحثًا عن قطِيعِهِ فسارَ مَسافةً طَويلةً، حتى إذا أَجهَدهُ التعبُ وانحدرتِ الشمسُ نحو المَغيبِ ولم يجدْ غنَمه ويَئِسَ من العُثور عليها، قرر أَن يذهبَ إلى الحكيم ليسألَه أَين ضاعتْ.

عاد طالوتُ من الصحراءِ وشقَّ طريقَهُ إلى بيتِ حكيمهم ودخلَ عليه.

طالوتُ: أَيُّها الحكيمُ الكريمُ، خرجتُ أرعى الأغنامَ والحميرَ، فَشردتْ مني في الصحراءِ، ولم أَعرفُ أَين ذهبتْ، وقد جئتُ أسألُك عنها.

الحكيم: هل تُحِسُّ بالقلقِ على أَغنامِكَ وحَميرِكَ؟

طالوتُ: نعم.

الحكيم: لا تُشغْل بالَك بها، فقد عادتْ إلى بيت أَبيكَ. دعكَ من مَوضوعِ الأغنامِ واستمعْ إلىَّ. لقد سأَلني الَملأُ من بني إسرائيلَ أَن أَدعوا الله أن يختارَ لهم ملكًا يُقاتِلونَ تحت رَايتِهِ في سبيل الله، وقد دعوتُ الله؛ فاختاركَ مَلِكًا على بني إسرائيلَ. وعليكَ أن تُعِدَّ نَفسكَ للقِتال.

طالوت: الله هو الذي اختارَني؟

الحكيم: نعم.

قال طالوتُ وهو يُحسُّ بالسّعادةِ والرّهبةِ: أنا رهْنُ إشارتِكَ.

الحكيم: غَدًا نُقابلُ رؤَساءَ بني إسرائيلَ.

جاءَ الغدُ، فاجتَمَع رؤساءُ بني إسرائيلَ واجتَمَعَ معهم طالوتُ.

وقال لهم حكيمُهُم: إن الله قد بعثَ لكُم طالوتَ مَلِكًا.

برزتْ عواملُ العِنادِ في نُفوسِ بني إسرائيلَ.

القوم: كيف يكونُ له المُلكُ ونحن أَحقُّ بالمُلكِ منه؟

الحكيم: لماذا تَتَصوَّرونَ أنكُم أَحقُّ بالمُلكِ منه؟

قال الرؤساءُ: نحن أغنى كثيرًا منه. انْظُرْ إليه، إنه يرتدي ملابسَ الرُّعاةِ الفقيرةِ.

الحكيم: ليستِ العِبرةُ في حُكمِ الشعُّوبِ بالغِنى أو الفَقر، العِبرةُ بالقدرة على قِيادَتِها، إن طالوتَ هو اختيارُ الله تعالى لَكُم، وقد اختاره الله تعالى لِعِلمِه وقُدرَتِه.

القوم: نحن نُصدِّقُك أَيها الحكيم، ولكن كيفَ نَتأكَّدُ أن الله هو الذي اختارَه؟

اذهبوا إلى المَعْبَدِ غدًا فسوف تَقعُ المُعجزةُ ويَأْتيكُم تابوتُ العهدِ.

احتَشدَ خلقٌ هائلٌ من بني إسرائيلَ في اليومِ التَالي؛ انتِظارًا لوُقوعِ المُعجِزةِ. كان تابوتُ العهدِ يَضُمُّ بَعضَ أَلواحِ التوراةِ التي أُنزلتْ على موسى، كما كان فيه بعضُ آثارٍ تَركَها موسى وهارُون. وكان هذا التابوتُ قد سُلِبَ منهم واستولى عليه عَدُوُّهم.

وقفَ الناسُ يَنتظِرونَ وُقوعَ المُعجِزَةِ، وفي الوقتِ الذي حدَّدهُ نبيُّهم فُوجِئوا أن التابوتَ يَعودُ إلى مكانِه في المَعبد، حَملتهُ الملائِكَةُ وَوضَعتهُ في مكانِه وسطَ دهشةِ الناسِ وانبهارهم. لم يروا الملائكةَ ولكنَّهم رأوا تابوتَ العَهدِ يَسبحُ بِبطءٍ وجَلالٍ إلى مكانِهِ في المَعبدِ.

وأَحَسَّ الناسُ بالسَّكينةِ واطمأنّوا لاختيارِ طالوتَ ملِكًا عليهِم.

أصبحَ طالوتُ ملِكًا على قَومِه.

قَدَّم الناسُ له فروضَ الطَّاعةِ في حفلٍ كبيرٍ وانتظَروا أوامِرَه.

كان أولُ أمرٍ أصدرَه طالوتُ أن يَبدأَ تكوينَ جيشٍ قويّ يَتدربُ على القِتالِ.

أرسلَ طالوتُ في كلِّ قُرى بني إسرائيلَ يدعوُ الشبابَ القادرَ على حملِ السلاحِ إلى الحرب. انضمَّ إلى الجَيشِ جَمْعٌ كثيرٌ من الشبابِ والرجالِ. وبدأتْ مصانعُ الدُّروعِ والأسلِحَةِ تعملُ، وبدأَ التدريبُ على استِخدامِ الأسلحةِ.

كان عدوُّهُم هو جالوتَ، وكان جالوتُ قائِدًا عَظيمًا لم يَهزمْهُ أَحدٌ. وكان يتبعُه جيشٌ هائِلٌ لا نِهايةَ لِجُنودِه ولا مثيلَ لأسلحَتِه في القُوةِ. وكانَ جالوتُ يُشبِهُ إعصارًا مُدمِّرًا لا يُقاومُه أَحَدٌ.

كان طالوتُ حَكيمًا فأَدركَ أن جَوهَر النَّصر لا يَكْمُنُ في قُوةِ السلاحِ بِقدرِ ما يخضَعُ لِقُوةِ الإرادة، أدركَ أَن الغَلَبَةَ ليستْ بتعدد الجُنودِ إنما بِصلابةِ العَزيمة. وهكذا اطمأنَّ طالوتُ لِقُوةِ الجيشِ، ولكنّه لم يكُن قد اطمأنّ بعد لِقُوةِ الرُّوحِ المَعنويّةِ عند الجُنودِ والقادةِ.

ولِهذا قرّرَ أن يَمتحنَ هذا الجيشَ قبل أن يَخوضَ به المعركة الحاسِمة مع عدِّوهِم جالوت.

وأَمر طالوتُ جيشَه أن يسيرَ وسطَ صحراءٍ مُحرقَةٍ.

ظلَّ الجيشُ يسيرُ أيَّامًا ولياليَ وسطَ هذه الصحراءِ حتى بلغَ العطشُ بالرجالِ كلّ مَبلغٍ.

وانتهى كلُّ الماءِ الذي يَحمِلُه الجُنودُ والضُّباطُ.

كانت نِهايةُ الرِّحلة في الصحراءِ قد اقتربَت، وكان طالوتُ يعرفُ أن هناكَ نَهرًا قَريبًا ماؤهُ شديدُ العذوبةِ. وقرَّر طالوتُ أن يكونَ هذا النهرُ أولَ امتحانٍ عَمليّ لجيشِه.

جمعَ طالوتُ قادةَ الجُندِ والألِويَة وقال لهُم: نَقتربُ الآن من نهرٍ سوفَ يَعبُرهُ الجيشُ، لا تَشربوا مِن هذا النهرِ، بلِّلوا شِفاهَكُم وأيديَكُم بالماءِ فقط.

ضابط: لكن الجيشَ يحسُّ بالعَطشِ.

طالوت: من يشربُ من هذا النهرِ فليسَ منِّي، إلا من اغترفَ غرفةً بيدهِ، ومن يشربُ من النهرِ فَلينسحبْ من الجيشِ، واعلمُوا أن الله يراكُم.

انْقُلوا أَوامِري للجُنودِ وتَهيّأوا لعبورِ النهرِ.

نَقلَ الضُّباطُ والقادةُ أوامرَ طالوتَ للجُنودِ، وبدأَ الجيشُ يعبرُ النهرَ.

كانَ الامتحانُ قاسِيًا؛ فالدُّنيا شَديدةُ الحَرارةِ، والماءُ عذبٌ وباردٌ، والإِغْراءُ قويٌّ.

وشربَ مُعظمُ الجنُودِ من النهرِ ولم يَستطيعوا مُقاومةَ الإغراءِ.

انتهى عبورُ الجيشِ للنهرِ.

أَخرجَ طالوتُ كلَّ من عصى أوامرَه وشربَ من النهرِ.

كان الجيشُ كبيرًا قَبْلَ أن يَعْبُرَ النهرَ، ولكنّه بعدَ عُبورِ النهرِ وخُروجِ من خرج منه قد تغيرَ تمامًا.

الضابط: لقد انكمشَ عَددُنا كثيرًا، فكيف نُقاتلُ جيشَ جالوتَ الهائل بهذا العددِ القليلِ؟

طالوت: ليست العبرةُ في القِتالِ بعددِ المُقاتلين، المُهم إرادَتُهم.

الضابط: لقد خرجَ مُعظمُ الجيشِ، ولم يبقَ سِوى القليلِ.

طالوت: بلى بقيَ الكثيرُ، لقد خرجَ غيرُ المُخلصينَ، وبقيَ المُخلصونَ الصَّابرونَ، والصبرُ طريقُ النصرِ وأَدَاتِه.

تساءل بعض ضعاف الإيمان كيف يواجهون جالوتَ بهذا العدد. ورد أهل الإيمان العميق {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}. (البقرة/249)

بسم الله الرحمن الرحيم

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بَالظَّالِمِينَ. (*) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. (*) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. (*) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}. [البقرة: 246- 249].

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


33-طِلبة الطلبة (وفي)

(وفي):

وَعَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَتْ «أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرِ خَيْبَرَ وَقَدْ فَسَّرْنَا هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْهِبَةِ قَالَتْ فَقَالَ لِي عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ أُعْطِيك تَمْرًا هَاهُنَا وَأَتَوَفَّى تَمْرَك بِخَيْبَرَ أَيْ أَسْتَوْفِي يُقَالُ وَفَّيْته فَتَوَفَّى وَاسْتَوْفَى كَمَا يُقَالُ عَجَّلْته فَتَعَجَّلَ وَاسْتَعْجَلَ فَقَالَتْ حَتَّى اسْأَلْ عَنْ ذَلِكَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ عُمَرَ فَنَهَاهَا عَنْهُ وَقَالَ كَيْفَ بِالضَّمَانِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ كَأَنَّ عَاصِمَ يُقْرِضُهَا تَمْرًا هَاهُنَا لِيَقْبِضَ مِثْلَهُ بِخَيْبَرَ فَيُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ ضَمَانَ حَمْلِ التَّمْرِ مِنْ هَاهُنَا إلَى خَيْبَرَ وَهُوَ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً» وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَقْرَضَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ لِأُبَيٍّ نَخْلَةٌ تَعَجَّلَ أَيْ تَسَرَّعَ إدْرَاكَ ثِمَارِهَا فَأَهْدَى أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رُطَبًا فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَلَقِيَهُ أُبَيٌّ فَقَالَ لَهُ: أَظَنَنْت أَنِّي أَهْدَيْت إلَيْك مِنْ أَجْلِ مَالِك أَيْ لِتُؤَخِّرَهُ عَنِّي مُدَّةً بِسَبَبِ هَدِيَّتِي وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؟ ثُمَّ قَالَ: ابْعَثْ إلَى مَالِكَ فَخُذْهُ أَيْ ابْعَثْ رَجُلًا لِيَقْبِضَ مِنِّي دَيْنَك الَّذِي لَك عَلَيَّ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ قَالَ: لِأُبَيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رُدَّ إلَيْنَا هَدِيَّتَنَا أَيْ ابْعَثْ عَلَيْنَا هَذِهِ الْهَدِيَّةَ الَّتِي كُنْت أَهْدَيْتهَا إلَيْنَا حَتَّى نَقْبَلَهَا إذْ لَيْسَ فِيهَا شُبْهَةُ الرِّشْوَةِ.

طلبة الطلبة-أبوحفص النسفي-توفي: 537هـ/1142م


34-تاج العروس (بعث)

[بعث]: بَعَثَه، كمَنَعَه يَبْعَثُه بَعْثًا: أَرْسَلَهُ وَحْدَه.

وبَعَثَ بِه: أَرسَلَه مع غَيْرِه، كابْتَعَثَه ابْتِعاثًا فانْبَعَثَ.

ومحمَّدٌ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلّم خَيْرُ مَبْعُوثٍ ومُبْتَعَثٍ.

وَبَعَثَه لكذا، فانْبَعَثَ.

وفي حديثِ ابن زَمْعَةَ «انْبَعَثَ أَشْقَاهَا» يقال: انْبَعَثَ فُلان، لشَأْنِه، إِذا ثارَ ومَضَى ذاهِبًا لقضاءِ حاجَتِهِ.

وبَعَثَ النَّاقَةَ: أَثارَهَا فانْبَعَثَتْ: حَلَّ عِقَالَها، أَو كانَتْ بارِكَةً فهَاجَها.

وفي حديث حُذَيْفَة. إِنَّ لِلْفِتْنَةِ بَعَثَاتٍ ووَقَفَاتٍ، فمن اسْتطاع أَنْ يَموت في وَقَفَاتِها فلْيَفْعَلْ.

قوله: بَعَثاتٍ؛ أَي إِثارَاتٍ وتَهْيِيجاتٍ جَمعُ بَعْثةٍ، وكلّ شيْ‌ءٍ أَثَرْته فقدْ بَعَثْتَه، ومنه‌حديثُ عائِشةَ، رضي الله عنْهَا، «فبَعَثْنا البَعِيرَ، فإِذا العِقْدُ تَحْتَه».

وبَعَثَ فُلانًا مِن مَنامه فانْبَعَثَ: أَيْقظَه، وأَهَبَّهُ.

وفي الحديث: «أَتأَني اللَّيْلةَ آتِيَانِ، فابْتعثانِي» أَي أَيْقظانِي من نوْمي، وتأْويلُ البَعْثِ: إِزالةُ ما كان يَحْبِسُه عن التَّصَرُّفِ والانْبِعاث.

وفي الأَساس: بَعَثَهُ، وبَعْثرَهُ: أَثارَه، وعلى الأَمْرِ: أَثارَه. وتوَاصَوْا بالخَيْر، وتبَاعَثُوا عَليْهِ.

والبَعْثُ بفتح فسكون ويُحَرَّكُ وهو لغة فيه: بَعْثُ الجُنْدِ إِلى الغَزْوِ، وبَعَثَ الجُنْدَ يَبْعَثُهُم بَعْثًا، والبَعْثُ يكونُ بَعْثًا للقوْم يُبْعَثُون إِلى وَجْه من الوجُوه، مثل السَّفْرِ والرَّكْب.

والبَعْثُ: الجَيْشُ، يقال: كنْتُ في بَعْثِ فُلانٍ؛ أَي في جَيْشِه الذي بُعث معه، الجمع: بُعُوثٌ، يقال: خَرَج في البُعُوثِ. [وهم] الجُنُودُ يُبْعَثُون إِلى الثُّغُور.

واعلم أَنّ البَعْث في كلام العَرَب على وَجْهَيْن: أَحدُهما: الإِرْسالُ، كقوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى} معناه: أَرْسَلْنا.

والبَعْثُ: إِثارَةُ بارِكٍ، أَو قاعِدٍ.

والبَعْثُ أَيضًا: الإِحْياءُ من الله للمَوْتى، ومنه قولُه تعالى: {ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} أَي أَحْيَيْناكُم.

والبَعْثُ: النَّشْرُ، بَعَثَ المَوْتَى: نَشَرَهُم ليومِ البَعْثِ، وبَعَثَ اللهُ الخَلْقَ يَبْعَثُهُمْ بَعْثًا: نَشَرَهم، من ذلك، وفتح العَيْن في البَعْثِ كُلِّه لُغَةٌ.

ومن أَسْمَائِه عَزّ وجلّ الباعِثُ: هو الذي يَبْعَثُ الخَلْقَ؛ أَي يُحْيِيهم بعد المَوْتِ يومَ القِيَامَةِ.

والبَعِثُ ككَتِفٍ: المُتَهَجِّدُ السَّهْرَانُ كثيرُ الانْبِعاثِ من نَومه، وأَنشد الأَصمعيّ:

يا رَبِّ رَبِّ الأَرِقِ اللَّيْلَ البَعِثْ *** لم يُقْذِ عَيْنَيْهِ حِثَاثُ المُحْتَثِثْ

وبَعِثَ الرَّجُلُ كفَرحَ: أَرِقَ من نَوْمِهِ.

ورجل بَعْثٌ، بفتح فسكون، وبَعَثٌ، محرّكة، وبَعِثٌ، ككَتِف: لا تَزالُ هُمُومُه تُؤَرِّقُه وتَبْعَثُه من نَومه، قال حُمَيْدُ بنُ ثَوْرٍ:

تَعْدُو بأَشْعَثَ قَدْ وَهَى سِرْبالُه *** بَعْثٍ تُؤَرِّقُهُ الهُمُومُ فيَسْهَرُ

والجمْع أَبْعَاثٌ.

وانْبَعَثَ الشَّيْ‌ءُ، وتَبَعَّثَ: انْدَفَعَ.

وتَبَعَّثَ مِنّي الشِّعْرُ: انْبَعَث؛ كأَنَّه سَالَ، وفي بعض النسخ الصّحاح: كأَنَّه سارَ.

والبَعِيثُ: الجُنْدُ، جمعه بُعُثٌ.

وبَعِيثُك نِعْمَةٌ؛ أَي مَبْعُوثُكَ [الذي بَعَثْتَه إِلى الخَلق أَي أَرْسَلْتَه، فَعِيل بمعنى مفعول].

وَالبَعِيثُ: فرَسُ عَمْرِو بنِ مَعْدِيكَرِبَ الزُّبَيْدِيّ، وبِنْتُه الكامِلَةُ يأْتي ذِكْرُها.

وبَاعِثٌ، وبَعِيثٌ: اسمانِ.

والبَعِيثُ بنُ حُرَيْثٍ الحَنفِيّ والبَعِيثُ بنُ رِزَامٍ، هكذا في النُّسخ، وفي التَّكْملة: والبَعِيثُ: بَعِيثُ بني رِزَامٍ التَّغْلبِيّ.

وأَبُو مالكٍ البَعِيثُ، واسمه خِدَاشُ بنُ بَشيرٍ المُجَاشِعِيّ، هكذا في نسخَتنَا وفي بعضها بِشْر، ومثله في هامِش الصّحاح، وهو الصَّواب، وهو الذي هَجَاه جَرِير.

وفي التّكملة: والبَعِيثُ بنُ بِشِيرٍ راكبُ الأَسدِ السُّحَيْمِيّ، شُعَرَاءُ سُمِّيَ الأَخِير لِقَوْلِه ـ وهو من بني تميم:

تَبَعَّثَ مِنّي ما تَبَعَّثَ بَعْدَ مَا اسْ *** تَمَرَّ فُؤادي واسْتَمَرّ مَرِيرِي

قال ابنُ بَرِّيّ: وصوابه

... «واسْتَمَرّ عَزِيمِي

. والمُنْبَعِثُ على صيغة اسم الفاعل: رَجُلٌ من الصَّحابَةِ، وكان اسمُه مُضْطَجِعًا، فغَيَّرهُ النَّبِيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّم، تَفَاؤُلًا، وذلك في نَوْبةِ الطّائِف، وهو من عَبِيدِهِم، هَرَبَ كأَبِي بَكْرَةَ.

وبُعَاثٌ بالعَيْن المهملة وبالغَيْن المعجمة كغُرَاب، ويُثَلَّث: موضع بِقُربِ المَدينةِ على مِيلَيْنِ منها، كما في نسخة، وهذا لا يصحّ، وفي بعضها: على لَيْلَتَيْنِ من المدينة، وقد صَرّح به عِيَاضٌ، وابنُ قَرْقُول والفَيُّومِيّ، وأَهلُ الغَرِيبِ أَجمع، قال شيخنا: وجزَمَ الأَكثرُ بأَنّه ليس في بابه إِلا الضَّمّ كغُراب وفي المصباح: بُعَاث، كغُراب: موضعٌ بالمدينة، وتأْنيثه أَكثر، ويومُه م، معروف؛ أَي من أَيّامِ الأَوْسِ والخَزْرَجِ، بين المَبْعَث والهِجْرَةِ، وكان الظَّفَرُ للأَوْس.

قال الأَزهريّ: وَذَكَرَهُ ابن المُظَفَّر هذا في كتاب العَيْن، فجعله يوم بُغاث، وصَحَّفَه، وما كان الخَليلُ ـ رحِمَه الله ـ لِيَخْفَى عليه يومُ بُعاث، لأَنه من مشاهِيرِ أَيامِ العَربِ، وإِنما صَحّفه اللَّيْثُ، وعَزاه إِلى خَلِيلِ نَفْسِه، وهو لسانُه، واللهُ أَعلم.

وفي حديثِ عائِشَة رضِيَ اللهُ عنها، «وعِنْدَها جارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِما قِيلَ يومَ بُعَاثٍ» وهو هذا اليَوْم.

وبُعاثٌ: اسمُ حِصْنٍ للأَوْس.

قلت: وهكذا ذكره أَبو عليّ القالِي في العَيْنِ المُهْمَلة، كغُرَاب. وقال: هكذا سَمِعْناه من مشايخنا أَيضًا، وَهي عِبارَةُ ابنِ دُرَيْد بعَيْنِهَا، ووافقهُ البَكْرِيّ، وصاحِبُ المشارق، وحكى أَبو عُبَيْدَة فيه الإِعْجَام عن الخلِيل، وضبطه الأَصِيلِيّ بالوَجْهَيْنِ، وبالمُعْجَمَة عندَ القابِسِيّ، وهو خطأٌ.

قال شيخُنا: فهؤلاءِ كلّهم مُجْمِعُون على ضمّ الباءِ، ولا قائل بغير الضمّ، فقولُ المصنّف: ويُثلَّث، غير صحيح.

وفي حديثِ عُمرَ رضي ‌الله‌ عنه «لمّا صَالحَ نَصارَى الشَّامِ، كَتبُوا له؛ أَن لا نُحْدِث كَنيسَةً ولا قَلِيَّةً، ولا نُخْرِج سَعَانِينَ ولا بَاعُوثًا» البَاعُوثُ: اسْتِسْقاءُ النَّصَارَى وهو اسمٌ سُرْيَانيّ، وقيل: هو بالغيْنِ المُعْجَمَة والتّاءِ المنقوطة، فوقها نُقْطتان، وقد تقدّم الإِشارةُ إِليه.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

البَعْثُ: الرَّسولُ، والجمع البُعْثانُ.

والبَعْث: القوْمُ المُشْخَصُون، وفي حديث القِيامة: «يا آدمُ ابْعَثْ بَعْثَ النّارِ» أَي المعبوثَ إِليها من أَهلِها، وهو من بابِ تسمية المَفْعُولِ بالمَصْدَر، وهو البعِيثَ، وجمعُ البَعْثِ بُعُوث، وجمع البَعِيثِ بُعُثٌ، قال:

ولكِنَّ البُعُوثَ جَرَتْ عَليْنا *** فصِرْنا بَيْن تَطْوِيحٍ وغُرْمِ

وَبَعَثه على الشَّيْ‌ءِ: حَمَله على فِعْلِه.

وبَعَثَ عَليْهم البَلاءَ: أَحَلَّهُ، وفي التَّنْزِيل {بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادًا لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} وانْبَعَثَ في السَّيْرِ؛ أَي أَسْرَعَ.

وقُرِئ «يَا وَيْلنا مِنْ بَعْثِنا مِنْ مَرْقدِنا» أَي من بَعْثِ اللهِ إِيّانا من مَرْقدِنا.

والتَّبْعَاثُ: تَفْعَالٌ من بَعَثَه، إِذا أَثارَهُ، أَنْشدَ ابنُ الأَعْرَابيّ:

أَصْدَرَهَا عن كثْرَةِ الدَّآثِ *** صاحِبُ ليْلٍ خَرِشِ التَّبْعاثِ

وباعيثا: مَوضِعٌ معروف.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


35-تاج العروس (بشر)

[بشر]: البَشَرُ: الخَلْقُ، يَقَعُ على الأُنْثَى والذَّكَرِ، والواحِد والاثْنيْنِ والجَمْعِ، لا يُثَنَّى ولا يُجمَعُ، يقال هي بَشَرٌ، وهو بَشَرٌ، وهما بَشَرٌ، وهم بَشَرٌ، كذا في الصّحاح. وفي المُحْكَم: البَشَرُ، مُحَرَّكَةً: الإِنسانُ، ذَكَرًا أَو أُنْثَى، واحدًا أَو جمعًا، وقد يُثَنَّى، وفي التَّنْزِيل العزيز:

{أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا} قال شيخُنا: ولعلَّ العَرَبَ حين ثَنَّوْه قَصَدُوا به حين إِرادةِ التَّثْنِيَةِ الواحِدَ، كما هو ظاهرٌ، ويُجْمَعُ أَبشارًا، قياسًا. وفي المِصْباح: لكنّ العَرَبَ ثَنَّوْه ولم يَجْمَعُوه. قال شيخُنا، نَقْلًا عن بعض أَهْلِ الاشتقاق: سُمِّيَ الإِنسانُ بَشَرًا؛ لِتَجرُّدِ بَشَرَتِه من الشَّعَر والصُّوف والوَبَر.

ومِن فُصُوله الممتازِ بها عن جميعِ الحيوانِ بادِي البَشَر، وهو ظاهِرُ جِلْدِ الإِنسانِ، قيل: وغيرِه كالحَيَّة، وقد أَنكَرَه الجَمَاهِيرُ ورَدُّوه. جَمعُ بَشَرَةٍ، وأَبْشَارٌ ججٍ؛ أَي جَمْعُ الجَمْعِ، وفي المُحْكَم: البشَرةُ أَعلَى جِلْدَةِ الرَّأسِ والوَجْهِ والجَسَدِ من الإِنسان، وهي التي عليها الشَّعرُ، وقيل: هي التي تَلِي اللَّحْمَ. وعن اللَّيْث: البَشَرَةُ أَعلَى جِلْدَةِ الوَجهِ والجسدِ من الإِنسانِ، ويُعْنَى به اللَّوْنُ والرِّقَّةُ، ومنه اشْتُقَّتْ مُباشَرَةُ الرَّجُلِ المرأَةَ: لتَضامِّ أَبشارِهما. وفي الحديث: «لم أَبْعثْ عُمّالِي لِيضْرِبُوا أَبشارَكم». وقال أَبو صَفْوَانَ: يُقَال لظاهِرِ جِلْدَةِ الرأْسِ الذي يَنْبُتُ فيه الشَّعرُ: البشَرةُ، والأَدَمَةُ، والشَّوَاةُ.

وفي المِصْباح: البَشَرَةُ ظاهِرُ الجِلْدِ، والجمعُ البَشَرُ، مثلُ قَصَبَةٍ وقَصَبٍ، ثم أُطْلِقَ على الإِنسان واحِدِه وجَمْعِه.

قال شيخُنا: كلامُه كالصَّرِيح في أَنّ إِطلاقَ البَشَرِ على الإِنسان مَجازٌ لا حقيقةٌ، وإن كَتَبَ بعضٌ على قوله؛ «ثم أُطْلِقَ إِلخ» ما نَصُّه: بحيثُ صار حقيقةً عُرْفِيَّةً، فلا تَتوقَّفُ إِرادتُه منه على قَرِينَةٍ؛ أَي والمرادُ من العُرْفِيَّة عُرْفُ اللُّغَةِ.

وكلامُ الجوهريِّ كالمصنِّف صريحٌ في الحقيقة؛ ولذلك فَسَّره الجوهريُّ بالخَلْق، وهو ظاهرُ كلامِ الجَمَاهِيرِ. والبَشْرُ بفتحٍ فسكونٍ: القَشْرُ، كالإِبْشَارِ، وهذه عن الزَّجّاج، يقال: بَشَرَ الأَدِيمَ يَبْشُرُه بَشْرًا، وأَبْشَرَه: قَشَرَ بَشَرَتَه التي يَنْبُتُ عليها الشَّعَرُ، وقيل: هو أَن يَأْخُذَ باطِنَه بشَفْرَةٍ.

وعن ابن بُزُرْجَ: من العَرَبِ مَن يَقُولُ: بَشَرْتُ الأَدِيمَ أَبْشِرُه ـ بكسرِ الشِّينِ ـ إِذا أَخَذْتَ بَشَرَتَه.

وأَبْشُرُه ـ بالضمِّ ـ: أُظْهِرُ بَشَرَتَه، وأَبْشَرْتُ الأَدِيمَ فَهو مُبْشَرٌ، إِذا ظَهَرَتْ بَشَرَتُه التي تَلِي اللَّحْمَ، وآدَمْتُهُ؛ إِذا أَظْهَرْتَ أَدَمَتَه التي يَنْبُتُ عليها الشَّعَرُ. وفي التَّكْمِلَةِ: بَشَرْتُ الأَدِيمَ أَبْشِرُه ـ بالكسر ـ لغةٌ في أَبْشُرُه بالضَّمِّ.

والبَشْر: إِحْفَاءُ الشّارِبِ حتَّى تَظْهَرَ البَشَرَةُ، وفي حديث عبدِ اللهِ بن عَمْرٍو: «أُمِرْنَا أَنْ نَبْشُرَ الشَّوَارِبَ بَشْرًا» أَي نُحْفِيِها حتى تَتَبَيَّنَ بَشَرتُها، وهي ظاهِرُ الجِلْدِ.

والبَشْرُ: أَكْلُ الجَرَادِ ما على وَجْهِ الأَرضِ. وقد بَشَرَها بَشْرًا: قَشَرَهَا وأَكَلَ ما عليها؛ كأَنَّ ظاهِرَ الأَرضِ بَشَرَتُها.

والمُبَاشَرَةُ والتَّبْشِيرُ، كالإِبشارِ والبُشُورِ والاستبشارِ.

والبِشَارةُ الاسمُ منه، كالبُشْرَى.

وقد بشرَه بالأَمْرِ ـ يَبْشُرُه، بالضمِّ ـ بَشْرًا وبُشُورًا وبِشْرًا، وبَشرَه به، عن اللِّحْيَانيِّ، وبَشَّرَه وأَبْشَرَه فبَشِرَ به، وبَشَرَ يَبْشُرُ بَشْرًا وبُشُورًا، يقال: بَشَرْتُه، فأَبْشَرَ، واسْتَبْشَرَ وتَبَشَّرَ وبَشِرَ: فرِحَ، وفي التَّنزِيل: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ}، وفيه أَيضًا: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ}، واسْتَبْشَرَه كبَشَّرَهُ. وفي الصّحاح: بَشَرْتُ الرَّجُلَ أَبْشُرُه ـ بالضمِّ ـ بَشْرًا وبُشُورًا، مِن البُشْرَى، وكذلك الإِبشارُ، والتَّبْشِيرُ: ثلاثُ لُغَاتٍ.

والبِشَارةُ: اسمُ ما يُعْطَاه المُبَشِّرُ بالأَمْر. ويُضَمُّ فيهما.

يقال: بَشَرْتُه بِمَوْلُودٍ فأَبْشَرَ إِبشارًا؛ أَي سُرَّ، وتقولُ: أبْشِرْ بِخَيْرٍ، بقَطْع الأَلفِ، وبَشِرْتُ بكذا ـ بالكسر ـ أَبْشَرُ؛ أَي اسْتَبْشَرْتُ به.

وفي حديثِ تَوْبَةِ كَعْبٍ: «فأَعْطَيْتُه ثَوْبِي بُشَارةً»، قال ابنُ الأَثِير: البُشَارةُ، بالضمِّ: ما يُعْطَى البَشِيرُ، كالعُمَالَةِ للعاملِ، وبالكسر، الاسْمُ؛ لأَنها تُظْهِرُ طَلَاقَةَ الإِنسانِ.

وهم يَتَبَاشَرُون بذلك الأَمرِ؛ أَي يُبَشِّرُ بعضُهُم بعضًا.

وقولُه تعالى: يا بُشْرَايَ هذا غُلامٌ كقولك: عَصَايَ، وتقولُ في التَّثْنِيَةِ: يا بُشْرَيَيَّ.

والبِشَارَةُ المُطْلَقَةُ لا تكونُ إِلّا بالخَيْر، وإِنّمَا تكونُ بالشَّرِّ إِذا كانت مُقَيَّدَةً، كقوله تعالَى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} والتِّبْشِيرُ يكونُ بالخيرِ والشَّرِّ، كقولِه تعالَى {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} وقد يكونُ هذا على قولِهم: تَحيَّتُكَ الضَّرْبُ، وعِتابُكَ السَّيْفُ.

وقال الفَخْرُ الرّازِيُّ أَثناءَ تفسيرِ قولِه تعالَى: {وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى}: التَّبْشِيرُ في عُرْفِ اللُّغَة مُختصٌّ بالخَبَرِ الذي يُفيدُ السُّرُورَ، إِلّا أَنه بِحَسَبِ أَصْلِ اللُّغَةِ عبارةٌ عن الخَبَرِ الذي يُؤَثِّر في البَشَرةِ تَغَيُّرًا، وهذا يكونُ للحُزْن أَيضًا، فوَجَبَ أَن يكونَ لفظُ التَّبْشِيرِ حقيقةً في القِسْمَيْن.

وفي المِصْباح: بَشِرَ بكذا كفَرِحَ وَزْنًا ومعنًى، وهو الاستبشارُ أَيضًا. ويَتعدَّى بالحركةِ فيقال: بَشَرْتُه وأَبْشَرْتُه، كنَصرْتُه في لُغَةِ تهامةَ وما وَالاها، والتَّعْدِيَةُ بالتَّثْقِيل لغةُ عامَّةِ العربِ، وقرأَ السَّبْعَةَ باللُّغَتَيْن. والفاعِلُ من المخفَّف بَشِيرٌ، ويكون البَشِيرُ في الخَيْرِ أَكثرَ منه في الشَّرِّ.

والبِشَارةُ، بالكسر، والضمُّ لغةٌ، وإِذا أُطلِقتْ اختَصَّتْ بالخَيْرِ، وفي الأَساس: وتَتَابَعَتِ البِشَارَاتُ والبَشَائِرُ.

والبَشَارَةُ بالفَتْح: الجَمَالُ والحُسْنُ، قال الأَعْشَى:

ورَأَتْ بأَنَّ الشَّيْبَ جا *** نَبَه البَشَاشَةُ والبَشَارَهْ

ويقال: هو أَبْشَرُ منه؛ أَي أَحْسَنُ وأَجْمَلُ وأَسْمَنُ، وفي الحديث: «ما مِن رَجُلٍ له إِبِلٌ وبَقَرٌ لا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إِلّا بُطِحَ لها يومَ القِيَامَةِ بقَاع قَرْقَرٍ، كأَكْثَرِ مَا كَانَتْ، وأَبْشَرِه» أَي أَحْسَنِه، ويُرْوَى: «وآشَرِه»؛ من النّشاط والبَطَر.

والبِشْرُ، بالكسر: الطَّلاقَةُ والبَشَاشَةُ، يقال: بَشَرَنِي فلانٌ بوَجهٍ حَسَنٍ؛ أَي لَقِيَنِي وهو حَسَنُ البِشْرِ؛ أَي طَلْقُ الوَجْهِ.

والبِشْرُ: ع: وقيل: جَبَلٌ بالجَزِيرة في عَيْنِ الفُراتِ الغَربيِّ، وله يَومٌ، وفيه يقول الأَخطلُ:

لقد أَوْقَعَ الجَحَّافُ بالبِشْرِ وَقْعَةً *** إِلى اللهِ منها المُشْتَكَى والمُعَوَّلُ

وتَفصيله في كتاب البلاذريّ.

وقيل: ماءٌ لِتَغْلِبَ بنِ وائلٍ، قال الشاعر:

فلَنْ تَشْرَبِي إِلَّا بِرَنْقٍ ولَنْ تَرَيْ *** سَوَامًا وحَيًّا في القُصَيْبَةِ فالبِشْرِ

أَو البِشْرُ: اسمُ وادٍ يُنْبِتُ أَحْرَارَ البُقُولِ وذُكُورَهَا.

والمُسَمَّى ببِشْر سبعةٌ وعشرون صَحابيَّا، وهم: بِشْرُ بنُ البَرَاءِ الخَزْرَجِيُّ، وبِشْرٌ الثَّقَفِيُّ، ويقال: بَشِير؛ وبِشْرُ بنُ الحارث الأَوْسِيُّ، وبِشْرُ بنُ الحارث القُرَشِيّ، وبِشْرُ بن حَنْظَلَةَ الجُعْفِيّ، وبِشْرٌ أَبو خليفةَ، وبِشْرٌ أَبو رافعٍ، وبِشْرُ بنُ سُحَيْمٍ الغِفَاريُّ، وبِشْرُ بنُ صُحَار، وبِشْرُ بنُ عاصمٍ الثَّقَفِيُّ، وبِشْرُ بنُ عبد الله الأَنصاريُّ، وبِشْرُ بنُ عَبْدٍ، نَزَلَ البصرة، وبِشْرُ بنُ عُرْفَطَةَ الجُهَنيُّ، وبِشْرُ بن عِصْمَةَ اللَّيْثِيُّ، وبشْرُ بنُ عَقْرَبَةَ الجُهَنِيّ، وبِشْرُ بنُ عَمْرٍو الخَزْرَجِيُّ، وبِشْرٌ الغَنَوِيُّ، وبِشْرُ بنُ قُحَيْفٍ، وبِشْرُ بنُ قُدَامةَ، وبِشْرُ بنُ مُعَاذٍ الأَسَدِيُّ، وبِشْرُ بنُ معاويةَ البَكّائِيُّ، وبِشْرُ بنُ هِلالٍ العَبْدِيُّ، وبِشْرُ بنُ مادة الحارِثيّ، وبِشْرُ بنُ حَزْنٍ النَّضْرِيُّ، وبِشْرُ بنُ جِحَاشٍ، ويقال بسر، وقد تقدّم.

وأَبو الحَسَنِ البِشْرُ صاحبُ أَبي محمّدٍ سَهْلِ بنِ عبد الله بن يُونُسَ التُّسْتَرِيّ البَصْرِيّ، صاحب الكرامات.

وأَبو حامدٍ أَحمدُ بنُ محمّدِ بنِ أَحمدَ بنِ محمّدٍ الهَرَوِيُّ، عن حامد الرّفَّاءِ، رَوَى عنه شيخُ الإِسلام الهَرَوِيُّ. وأَبو عَمْرٍو أَحمدُ بنُ محمّدٍ الأَسْتَراباذِيّ، عن إِبراهِيمَ الصّفارِ، ذَكَره حمزةُ السَّهْمِيُّ البِشْرِيُّون: محدِّثون.

وفاته:

محمّدُ بنُ يزَيدَ البِشْرِيُّ الأُمَوِيُّ، قال الأَمِير: أَظنُّه مِن وَلَدِ بِشْر بنِ مَروانَ، كان شاعرًا. وأَبو القاسم البِشْرِيُّ، من شُيوخ ابن عبد البَرِّ، قال ابنُ الدَّبّاغ: لم أَقف على اسمه، ووجدتُه مضبوطًا بخطِّ طاهرِ بن مفوز.

وبِشْرَوَيْهِ كسِيبَوَيْهِ. جماعةٌ منهم: أَحمدُ بنُ إِسحاقَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ محمّدِ بنِ بِشْرَوَيْهِ. وعليُّ بنُ الحَسَنِ بنِ بِشْرَوَيْهِ الخُجَنديّ، شيخٌ لغُنجار، صاحِبِ تاريخ بُخارَى.

وإِبراهيمُ بنُ أَحمدَ بنِ بِشْرَوَيْهِ بخارِيُّ. وأَبو نُعيمٍ بِشْرَوَيْهِ بُن محمّدِ بنِ إِبراهِيمَ المعقليّ، رئيسُ نَيْسابُورَ، رَوَى عن بِشْرِ بنِ أَحمدَ الإِسفرايِنيّ. ومحمّدُ بنُ عبد اللهِ بنِ محمّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ بِشْرَوَيْهِ الأَصْبهانيُّ، وابنُه أَحمدُ بنُ بِشْرَوَيْهِ الحافظُ. وأَحمدُ بنُ بِشْرَوَيْهِ الإِمامُ، قديمٌ، حدَّث عن أَبي مَسْعُودٍ الرّازيّ.

وبَشَرى كجَمَزَى: قرية بمكَّةَ بالنَّخْلَةِ الشّامِيَّةِ.

وبُشَرَى كأُرَبَى: بالشّام.

وعن ابن الأَعرابيِّ: هم البُشَارُ كغُرَابٍ: سُقَّاطُ النّاسِ كالقُشَار والخُشَارِ. وبِشْرَةُ، بالكسر: اسمُ جارِيَة عَوْنِ بنِ عبدِ الله، وفيها يقول إِسحاقُ بنُ إِبراهيمَ المَوْصلِيُّ:

أَيَا بِنْتَ بِشْرَةَ ما عاقَنِي *** عن العَهْدِ بَعْدَكِ مِنْ عائِقِ

قال مغلْطايْ: رأَيتُه مضبوطًا بخطِّ أَبي الرَّبِيعِ بنِ سالمٍ.

وبِشْرَةُ: فَرَسُ ماوِيَةَ بنِ قَيْسٍ الهَمْدَانِيِّ، المُكَنَّى بأَبِي كُرْزٍ.

والبَشِيرُ: المُبَشِّرُ الذي يُبَشِّرُ القَوْمَ بأَمْر: خيرٍ أَو شَرٍّ.

والبَشِيرُ: الجَميِلُ. وهي بهاءٍ. رجلٌ بَشِيرُ الوَجه: جميلُه، وامرأَةٌ بَشِيرَةُ الوجهِ. ووَجْهٌ بَشِيرٌ: حَسَنٌ.

وبَشِيرٌ، كأَمِيرٍ: جُبَيْلٌ أَحمرُ مِن جِبالِ سَلْمَى لِبَنِي طَيِّي‌ءٍ.

وبَشِيرٌ: إِقليمٌ بالأَنْدَلُسِ نُسِبَ إِليه جماعةٌ من المحدِّثين.

والمُسَمَّى ببَشِيرٍ ستّةٌ وعشرونَ صَحابيًّا وهم: بَشِيرُ بنُ أَنَسٍ الأَوسيُّ، وبَشيرُ بنُ تَيْمٍ، وبَشيرُ بن جابرٍ العَبْسِيُّ، وبَشيرٌ أَبو جَمِيلَةَ السُّلَمِيُّ، وبَشيرُ بنُ الحارثِ الأَنْصاريُّ، وبَشيرُ بنُ الحارثِ العَبْسِيُّ، وبَشيرُ بنُ الخَصاصِيَّة، وبشيرُ بنُ أَبي زَيْد، وبشيرُ بنُ زيدٍ الضُّبَعِيُّ، وبَشيرُ بنُ سعدٍ الأَنصاريُّ، وبَشيرُ بنُ سَعد بنِ النُّعمان، وبَشيرُ بنُ عبد الله الأَنصاريُّ، وبَشيرُ بنُ عبدِ المُنذر، وبَشيرُ بنُ عتيك، وبشيرُ بن عُقْبَةَ، وبَشيرُ بنُ عَمْرو، وبَشيرُ بن عَنْبَسٍ، وبَشيرُ بنُ فديكٍ، وبَشيرُ بنُ مَعْبد أَبو بِشْر، وبَشيرُ بنُ النَّهّاس العَبْدِيّ، وبَشيرُ بنُ يزَيدَ الضُّبَعِيُّ، وبَشيرُ بنُ عَقْرَبَةَ الجُهَنِيّ، وبَشيرُ بنُ عَمْرِو بن محصن، وبَشيرٌ الغِفَاريُّ، وبشيرٌ الحارثيُّ أَبو عِصَامٍ، وبَشيرُ بنُ الحارثِ الشاعر.

والمُسَمَّى ببَشِيرٍ جماعةٌ محدِّثون منهم: بَشِيرُ بن المُهَاجِر الغَنَوِيّ، وبَشيرُ بن نهيك، وبَشيرٌ مولَى بني هاشم، وبَشيرٌ أَبو إِسماعيل الضُّبَعيّ، وبَشيرُ بن مَيْمونٍ الوَاسِطيّ، وبَشيرُ بن زاذانَ، وبَشيرُ بنُ زياد، وبَشيرُ بن ميمونٍ، غير الذي تقدَّم، وبَشيرُ بنُ مهرانَ، وبَشيرٌ أَبو سَهْل، وبَشيرُ بن كَعْب بن عُجْرَةَ، وبَشيرُ بنُ عبد الرحمن الأَنصاريّ، وبَشيرٌ مولَى معاويَةَ، وبَشيرُ بنُ كَعْبٍ العَدَوِيّ، وبشيرُ بن يَسار، وبشيرُ بن أَبي كَيْسَانَ، وبَشيرُ بن رَبِيعَةَ البَجليّ، وبَشيرُ بنُ حَلْبَسٍ، وبَشيرٌ الكَوْسَجُ، وبَشيرُ بن عُقبة، وبَشيرُ بن مُسلم الكِنديّ، وبشيرُ بن مُحرِز، وبشيرُ بنُ غالب، وبَشيرُ بنُ المهلَّب، وبَشيرُ بن عُبَيْد، وغير هؤلاءِ ممّن رَوَى الحديث، وأَحمدُ بنُ محمّدِ بنِ عبد الله عن عليِّ بنِ خَشْرَمٍ، وعنه عبدُ الله بن جعفرِ بن الوَرْدِ، وعبدُ الله بنُ الحَكَمِ شيخٌ لأَبي أُميّةَ الطَّرسوسيّ، وأَبو محمّدٍ المُطَّلِبُ بنُ بَدْرِ بنِ المُطَّلِب بنِ رهْمانَ البغداديّ، الكُرْديّ، نُسِب إِلى جدِّه بَشِير، وُلدِ سنة 547، وسمع من ابن البَطّيّ مع أَبيه، تُوفِّي سنة 674، البَشِيريُّون: محدِّثون.

وأَحمدُ بنُ بَشِير أَبو بكرٍ الكُوفيُّ، وأَحمدُ بن بشير أَبو جعفرٍ المؤدِّب، وأَحمدُ بنُ بَشّار الصَّيْرفيُّ، وأَحمدُ بنُ بشّار بنُ الحسن الأَنباريُّ، وأَحمدُ بنُ بِشْر الدمشقيُّ، وأحمدُ بنُ بِشْر المَرثديُّ، وأَحمدُ بنُ بِشْر الطَّيالسيُّ، وأَحمدُ بنُ بِشْر البَزّازُ، وأَحمدُ بنُ بِشْر بن سَعِيد: محدِّثون.

وقَلْعَةُ بَشِيرٍ بِزَوْزَنَ، نقلَه الصَّاغانيّ.

وحِصْنُ بَشِيرٍ بينَ بغدادَ والحِلَّةِ على يسارِ الجائي من الحِلَّةِ إِلى بغدادَ.

وعن ابن الأَعرابِيّ: المَبْشُورةُ: الجارِيَةُ الحَسَنَةُ الخَلْقِ واللَّوْنِ، وما أَحْسَنَ بَشَرَتَها.

والتَّبَاشِيرُ: البُشْرَى، وليس له نَظِيرٌ إِلّا ثلاثةُ أَحرفٍ: تَعاشِيبُ الأَرضِ، وتَعاجِيبُ الدَّهرِ، وتَفاطِيرُ النَّبَاتِ: مَا يَنْفَطِرُ منه، وهو أَيضًا ما يَخْرُجُ على وَجْهِ الغِلْمَانِ والقَيْنَاتِ، قال:

تَفاطِيرُ الجُنُونِ بِوَجْهِ سَلْمَى *** قَدِيمًا لا تَفَاطِيرُ الشَّبابِ

ومن المَجَاز: التَّبَاشِيرُ: أَوائِلُ الصُّبْحِ، كالبَشَائِرِ، قال أَبو فِرَاس:

أَقولُ وقد نَمَّ الحُلِيُّ بخرْسِه *** علينا ولاحتْ للصَّباحِ بَشائِرُهْ

والتَّبَاشِيرُ أَيضًا: أَوائِلُ كلِّ شيْ‌ءٍ، كَتَباشِيرِ النّورِ وغيرِه، ولا واحِدَ له، قال لَبِيدٌ يصفُ صاحبًا له عَرَّسَ في السَّفَرِ فأَيقظَه:

قَلَّما عَرَّسَ حَتَّى هِجْتُه *** بالتَّبَاشِيرِ من الصُّبْحِ الأُوَلْ

والتَّبَاشِيرُ: طَرَائِقُ ضوءِ الصُّبْح في اللَّيْل. وفي الأَساس: كأَنَّه جَمْعُ تَبْشِيرٍ، مصدرُ بَشَّرَ.

وعن اللَّيْث: التَّبَاشِيرُ: طَرَائِقُ تَرَاها على وَجْهِ الأَرضِ من آثار الرِّياحِ.

والتَّبَاشِيرُ: آثارٌ بِجَنْبِ الدّابَّةِ من الدَّبَرِ، محرَّكةً، وأَنشدَ:

ونِضْوَةُ أَسْفَارٍ إِذا حُطَّ رَحْلُهَا *** رأَيتَ بدِفْئَيْهَا تَباشِيرَ تَبْرُقُ

وفي حديث الحجّاج: «كيف كان المَطَرُ وتَبْشِيرُهُ»؟ أَي مَبْدَؤُه وأَوَّلُه.

ورأَى النَّاسُ في النَّخْل التَّبَاشيرَ؛ أَي البَواكِر من النَّخْلِ.

والتَبَاشِيرُ: أَلوانُ النَّخْلِ أَوَّلَ ما يُرْطِبُ، وهو التَّبَاكِيرُ.

وفي المُحْكَم: أَبْشَرَ الرَّجلُ إِبشارًا: فَرِحَ، قال الشّاعر:

ثُمَّ أَبْشَرْتُ إِذْ رَأَيْتُ سَوَامًا *** وبُيُوتًا مَبْثُوثَةً وجِلَالا

وعن ابن الأَعرابيِّ: يقال: بَشَرْتُه وبَشَّرْتُه، وأَبْشَرْتُه، وبَشَرْتُ بكذا، وبَشِرْتُ، وأَبْشَرْتُ، إِذا فَرِحْت، ومنه: أَبْشِرْ بخَيرٍ، بقَطْعِ الأَلِفِ.

ومن المَجاز: أَبْشَرَتِ الأَرضُ: أَخرجَتْ بَشَرَتَها؛ أَي ما ظَهَرَ مِن نَبَاتِهَا؛ وذلك إِذا بُذِرَتْ. وقال أَبو زيادٍ الأَحمرُ: أَمْشَرَتِ الْأَرضُ، وما أَحسنَ مَشَرَتَها.

وأَبْشَرَتِ النّاقَةُ: لَقِحَتْ؛ فكأَنَّهَا بَشَّرَتْ باللِّقَاح، كذا في التَّهْذِيب، قال: وقولُ الطِّرِمّاحِ يُحَقِّقُ ذلك:

عَنْسَلٌ تَلْوِي إِذا أَبْشَرَتْ *** بخَوَافِي أَخْدَرِيٍّ سُخامْ

وفي غيره: وبَشَّرَتِ النّاقَةُ باللِّقاح، وهو حين يُعلَمُ ذلك عند أَوَّلِ ما تَلْقَحُ.

وأَبْشَرَ الأَمْرَ: حَسَّنَه ونَضَّرَه، هكذا في النُّسَخِ، وقد وَهِمَ المصنِّفُ، والصَّوابُ: وأَبْشَرَ الأَمرُ وَجْهَه: حَسَّنَه ونَضَّرَه. وعليه وَجَّهَ أَبو عَمْرٍو مَنْ قَرَأَ: ذلِكَ الَّذِي يَبْشُرُ الله عِبَادَه قال: إِنّمَا قُرِئَتْ بالتَّخْفِيف؛ لأَنه ليس فيه بكذا، إِنما تقديرُه: ذلك الذي يُنَضِّرُ الله به وُجُوهَهم، كذا في اللِّسَان.

ومن المَجَاز: باشَرَ فلانٌ الأَمْرَ، إِذا وَلِيَه بنفسِه، وهو مستعارٌ من مُباشَرَةِ الرجلِ المرأَةَ؛ لأَنه لا بَشَرةَ للأَمْرِ؛ إِذْ ليس بِعَيْنٍ. وفي حديث عليٍّ كَرَّمَ الله وجهَه: «فباشِرُوا رُوحَ اليَقِينِ»، فاستعاره لِرُوحِ اليَقِين؛ لأَنّ رُوحَ اليَقِينِ عَرَض، وبَيِّنٌ أَنَّ العَرَضَ ليستْ له بَشَرَة. ومُبَاشَرَةُ الأَمْرِ: أَن تَحْضُرَه بنفْسِكَ وتَلِيَه بنفْسِك.

وباشَرَ المرأَةَ: جامَعَها مُبَاشرةً وبِشَارًا، قال الله تعالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ}. المُباشَرةُ: الجِمَاعُ، وكان الرجلُ يَخرُج من المسجدِ وهو مُعْتَكِف فيُجامِعُ، ثم يعودُ إِلى المسجد.

أو باشَرَ الرجلُ المرأَةَ، إِذا صارا في ثَوْبٍ واحدٍ، فباشَرَتْ بَشَرَتُه بَشَرَتَها. ومنه‌الحديثُ: «أَنّه كان يُقَبِّلُ ويُبَاشِرُ وهو صائِم» وأَراد به المُلَامَسَةَ، وأَصلُه مِن لَمْسِ بَشَرةِ الرجلِ بَشَرةَ المرأَةِ، وقد يَرِدُ بمعنَى الوَطْءِ في الفَرْجِ، وخارجًا منه. والتُّبُشِّرُ بضمِّ التاءِ والباءِ وكسرِ الشَّيْن المشدَّدةِ ووُجِدَ بخطِّ الجوهريِّ. الباءُ مفتوحة، وهو لغة فيه ـ: طائرٌ يقال له: الصُّفَارِيّةُ، ولا نَظِيرَ له إِلا التُّنَوِّطُ، وهو طائر أَيضًا، وقولهم: وَقَعَ في وادِي تُهُلِّكَ، ووادِي تُضُلِّلَ، ووادِي تُخَيِّبَ، الواحدُة بهاءٍ.

وَبَشِرْتُ به، كعَلِمَ وضَرَبَ: سُرِرْتُ، الأُولَى لغة رواهَا الكِسائِيُّ.

ويقال: بَشَرَنِي بوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ حَسَنٍ يَبْشُرني، إِذا لَقِيَني به.

وسَمَّوْا مُبَشِّرًا وبَشّارًا وبِشَارَة وبِشْرًا كمحدِّثٍ وكَتّان وكِتَابةٍ وعِجْلٍ.

وفاته:

بَشِرٌ، ككَتِفٍ، ومنهم: بَشِرُ بنُ مُنْقِذٍ البُسْتِيُّ، قال الرَّضِيّ الشاطِبيُّ: رأَيتُه بخطِّ الوزيرِ المغربيِّ مُجوَّدًا بالكسرِ.

وبُشَيْر، كزُبَيْرٍ، الثَّقفيُّ قال ابنُ ماكُولا: له صُحْبَة، وبُشَيْرُ بنُ كَعْبٍ أَبو أَيَّوبَ العَدَوِيُّ عَدِيُّ مَنَاةَ، ويقال: العَامِرِيُّ، وبُشَيْر السُّلَمِيُّ رَوَى عنه ابنُه رافِعٌ أَو هو أَي الأَخيرُ بِشْرٌ، وقيل: بَشِيرٌ كأَمِيرٍ: وقيل: بُسْرٌ بالمُهْمَلَة: صَحابِيُّون.

وبُشَيْرُ بنُ كَعْبٍ أَبو عبدِ الله العَدَوِيُّ، ويقال: العامِرِيُّ، وبُشَيْرُ بنُ يَسارٍ الحارِثِيُّ الأَنصارِيُّ، وبُشَيْرُ بنُ عبدِ الله بنِ بُشَيْر بن يَسار الحارِثيُّ الأَنصارِيُّ، وبُشَيْرُ بنُ مُسْلِمٍ الحِمْصِيُّ، وعبدُ العزيزِ بنُ بُشَيْرٍ شيخٌ لأَبِي عاصِمٍ: محدِّثون.

ومن المَجاز: يقال: رجلٌ مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ، وهو الذي قد جَمَعَ لِينًا وشِدَّةً مع المعرفةِ بالأُمور، عن الأَصمعيِّ، قال: وأَصلُه مِن أَدَمَةِ الجِلْدِ وبَشَرَتِه.

وامرأَةٌ مُؤْدَمَةٌ مُبْشَرَةٌ: تامَّةٌ في كلِّ وَجهٍ، وسيأتي في أَدم.

وتَلُّ باشِرٍ: موضع قُرْبَ حَلَبَ، منه ـ على يَوْمَيْن منها، وفيه قلعةٌ، منها ـ محمّدُ بنُ عبدِ الرّحمنِ بنِ مُرْهَفٍ الباشِرِيُّ، قال الذَّهَبِيُّ: لا أَعرفه، قال الحافظُ: بل حَدَّثَ عن الفَخْر الفارِسِيِّ، وحَسَنُ بنُ عليِّ بنِ ثابتٍ التَّلُّ باشِرِيِّ، سَمِعَ الغَيلانيّاتِ على الفَخْرِ ابنِ البُخَارِيِّ.

وأَبو البَشَرِ: آدَمُ عليه‌السلام، أَوّلُ مَن تَكَنَّى به، ولَقَبُه صَفِيُّ اللهِ. وأَبو البَشَرِ عبدُ الآخِرِ المُحَدِّثُ، الرّاوِي عن عبدِ الجَلِيلِ بنِ أَبي سَعْد جزءَ بِيبَى. وأَبو البَشَرِ بَهْلَوانُ ابنُ شهر مزن بنِ محمّدِ بن بيوراسفَ، كما رَأَيتُه بخطِّه، هكذا في آخرِ شرْح المَصابيحِ للبَغَوِيِّ البَزْدِيُّ، دَجَّالٌ كذَّابٌ، زَعَمَ أَنه سَمِعَ من شَخْصٍ لا يُعرَف بعد السبعين وخَمْسمائة صحيحَ البُخَاريِّ، قال: أَخبرَنَا الدّاوُودِيُّ؛ فانْظُرْ إِلى هذه الوَقَاحَةِ، قالَه الحافظُ.

وأَبو الحَرَم مَكِّيُ بنُ أَبي الحَسَنِ بنِ أَبي نَصْرٍ، المعروفُ بابنِ بَشَرٍ ـ مُحَرَّكةً ـ المُطَرّز البغداديُّ: محدِّثٌ، رَوَى عن ابن نُقْطَةَ، وهو من شيوخِ الحافِظِ الدِّمْيَاطِيِّ، أَخرجَ حديثَه في مُعْجَمه وضَبَطَه.

* وممّا يُستدرَك عليه:

البُشَارةُ، بالضمِّ: ما بُشِرَ من الأَدِيم، عن اللِّحْيانِيِّ، قال: والتَّحْلِئُ: ما قُشِرَ مِن ظَهْرِه.

وفي المَثَل: «إِنّمَا يُعَاتَبُ الأَدِيمُ ذو البَشَرَةِ، قال أَبو حَنِيفَةَ: معناه إِنّمَا يُعَاتَبُ مَنْ يُرْجَى، ومَنْ له مُسْكَةُ عَقْلٍ.

وفي الحديث: «مَنْ أَحَبَّ القُرْآنَ فَلْيَبْشَرْ»، مَنْ رَوَاه بالضَّمِّ، فقال: هو مِن بَشَرْتُ الأَدِيمَ، إِذا أَخذْتُ باطِنَه بالشَّفْرَة، فمعناه فَلْيُضَمِّرْ نفْسَه للقرآن؛ فإِن الاستكثارَ مِن الطَّعَامِ يُنْسِيه القرآن.

وما أَحْسَنَ بَشَرَتَه؛ أَي سَحْنَاءَه وهَيْئَتَه.

والبَشَرَةُ: البَقْلُ والعُشْبُ.

والبَشْرُ: المُبَاشَرَةُ، قال الأَفْوَهُ:

لمّا رَأَتْ شَيْبِي تَغَيَّرَ وانْثَنَى *** مِن دُونِ نَهْمَةِ بَشْرِهَا حِينَ انْثَنَى

أَي مُبَاشَرَتِي إِيّاهَا.

وتَبَاشَر القَومُ: بَشَّرَ بعضُهم بعضًا.

ومن المَجاز: المُبَشِّرَاتُ: الرِّياحُ التي تَهُبُّ بالسَّحَاب، وتُبَشِّرُ بالغَيْث، وفي الأَساس: وهَبَّتِ البَوَاكيرُ والمُبَشِّرَاتُ، وهي الرِّيَاحُ المُبَشِّرَةُ بالغَيْث، قال اللهُ تَعَالَى:

{وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ}، {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا} وبُشُرًا وبُشْرَى وبَشْرًا؛ ف بُشُرًا جمعُ بَشُورٍ، وبُشْرًا مُخَفَّفٌ منه، وبُشْرَى بمعنَى بِشارَةٍ، وبَشْرًا مصْدرُ بَشَرَه بَشْرًا، إِذا بَشَّرَه.

ومِن المَجاز: فيه مَخايِلُ الرُّشْدِ وتَباشِيرُه.

وباشَرَه النَّعِيمُ: والفِعْلُ ضَرْبانِ: مُباشِرٌ ومُتَوَلِّدٌ، كذا في الأَساس.

وبَشَائِرُ الوَجهِ: مُحَسِّناتُه.

وبَشَائِرُ الصُّبحِ: أَوَائلُه.

وعن اللِّحْيَانِيِّ: ناقةٌ بَشِيرَةٌ؛ أَي حَسَنَةٌ، وناقَةٌ بَشِيرَةٌ: ليست بمَهْزُولةٍ ولا سَمِينَةٍ. وحُكيَ عن أَبي هلالٍ، قال: هي التي ليستْ بالكرِيمَةِ ولا الخَسِيسَةِ، وقيل: هي التي على النِّصْفِ مِن شَحْمِها.

وبِشْرَةُ: اسمٌ، وكذلك بُشْرَى اسمُ رَجُلٍ، لا ينصرفُ في معرفةً ولا نكرةٍ؛ للتَّأْنِيثِ ولُزُومِ حرفِ التأْنيثِ له، وإِن لم تكن صفةً؛ لأَنّ هذه الأَلِفَ يُبْنَى الاسمُ لها، فصارتْ كأَنَّها من نفْسِ الكلمةِ وليستْ كالهَاءِ التي تَدخلُ في الاسمِ بعد التَّذْكِير.

وأَبو الحَسَنِ عليُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ بَشّارٍ، نَيْسَابُورِيُّ، وأَبو بكرٍ أَحمدُ بنُ محمّدِ بنِ إِسماعيلَ بنِ بَشَّارٍ البُوشَنْجِيُّ، وأَبو محمّدٍ بِشْر بنِ محمّد بن أَحْمدَ بنِ بِشْرٍ البِشْرِيُّ، وأَبو الحسنِ أَحمدُ بنُ إِبراهيمَ بنِ أَحمدَ بنِ بَشِيرٍ، وابنُه عليٌّ.

وأَحمدُ بنُ محمّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ بَشِيرِ بنِ عبد الرَّحِيمِ: محدِّثون.

والبِشْرِيَّةُ: طائفةٌ مِن المُعْتَزِلَةِ؛ يَنْتَسِبُون إِلى بِشْرِ بنِ المُعْتَمِر.

وباشِرُ بنُ حازِمٍ، عن أَبي عِمْرانَ الجَوْنِيّ.

وكزُبَيْرٍ: بُشَيْر بنُ طَلحةَ.

وبَشِيرُ بنُ أُبَيْرِقٍ. شاعرٌ مُنافِق. وبَشِيرُ بنُ النِّكْث اليَرْبُوعِيُّ راجزٌ.

وأبو بَشيرٍ محمّدُ بنُ الحسنِ بنِ زكريّا الحَضْرَمِيُّ.

وحِبّانُ بنُ بَشِيرِ بنِ سَبْرَةَ بنِ مِحْجَنٍ: شاعِرٌ فارسٌ، لقبُه الْمِرقال.

وأَمّا مَن اسمُه بَشَّارٌ ـ ككَتَّان ـ فقد اسْتَوْفاهم الحافظُ في التَّبْصِير، فراجِعْه، وكذلك البشاريّ، ومن عُرِفَ به ذَكَرَه في كتابِه المذكور.

وابنُ بشْرانَ: محدِّث مشهور.

وبِشْرَيْنِ، بالكسر مثنَّى: جَدُّ الشَّعْبِيِّ.

والبَشِيرُ: فَرَسُ محمّدِ بنِ أَبي شِحَاذٍ الضَّبِّيِّ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


36-تاج العروس (بكر)

[بكر]: البُكْرَةُ، بالضَّمِّ: الغُدْوَةُ، قال سِيْبَوَيْهِ: مِن العرب مَن يقول: أَتَيْتُكَ بُكْرَةً، نَكِرَةً مُنَوَّنًا، وهو يُرِيدُ في يومِه أَو غَدِه. وفي التَّهْذِيب: البُكْرَةُ من الغَدِ، ويُجمع بُكَرًا وأَبكارًا، وقولُه تعالى: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ} بُكْرَةٌ وغُدْوَةٌ إِذا كانتا نَكِرَتَيْنِ نُوِّنَتَا وصُرِفَتَا، وإِذا أَرادُوا بها بُكْرَةَ يَومِكَ وغَداةَ يَومِكَ لم تَصْرِفْهُما، فبُكْرَةٌ هنا نَكِرَةٌ، كالبَكَرَةِ، مُحَرَّكَةً.

وفي الصّحاح: سِيرَ على فَرَسِكَ بُكْرَةً وبَكَرًا، كما تقول: سَحَرًا، والبكَرُ: البُكْرَةُ.

واسمها الإِبكارُ، كالإِصْباحِ، قال سِيبَوَيْهِ: هذا قولُ أَهلِ اللغة، وعندِي أَنه مَصْدَرُ أَبْكَرَ.

وفي التَّهْذِيب: والبُكُور والتَّبْكِيرُ: الخُرُوج في ذلك الوقتِ. والإِبكارُ: الدُّخُول في ذلك الوقتِ.

و. البَكْرَةُ بالفَتْحِ: اسمٌ للّتي يُسْتَقَى عليها، وهي خَشَبَةٌ مُسْتَدِيرةٌ في وَسَطِها مَحَزٌّ للحَبْل، وفي جَوْفِها مِحْوَرٌ تَدُورُ عليه، يُسْتَقَى عليها، أَو هي المَحَالَةُ السَّرِيعَةُ، ويُحَرَّكُ، وهذه عن الصَّاغَانيّ، وهكذا لابن سِيدَه في المُحكَم، وهو تابعٌ له في أَكثَرِ السِّيَاقِ، فاعتراضُ شيخِنا عليه هنا في غير مَحَلِّه.

الجمع: بَكَرٌ، بالتَّحْرِيك، وهو من شواذّ الجَمْع؛ لأَن فَعْلَةً لا تُجْمَعُ على فَعَلٍ إِلا أَحْرُفًا، مثل: حَلْقَةٍ وحَلَقٍ، وحَمْأَةٍ وحَمَإِ، وبَكْرَةٍ وبَكَرٍ، كما في الصّحاح، أَو هو اسمُ جِنْسٍ جَمْعِيّ، كشَجَرٍة وشَجَرٍ، قاله شيخُنَا، وَبَكَرَاتٌ أَيضًا، قال الراجز:

والبَكَراتُ شَرُّهُنَّ الصّائِمَهْ

يَعْنِي التي لا تَدُور.

والبَكْرَةُ: الجَمَاعَةُ.

والفَتِيَّةُ من الإِبلِ.

قال الجوهريُّ: والجمع: البَكْرِ بِكارٌ كفَرْخٍ وفِرَاخٍ.

وبَكَرَ عليه وإِليه وفيه يَبْكُرُ بُكُورًا، بالضَّمِّ، وَبَكَّرَ تَبْكِيرًا، وابْتَكَرَ، وأَبْكَرَ إِبكارًا وباكَرَه: أَتاهُ بُكْرَةً، كلُّه بمعنًى؛ أَي باكِرًا، فإِن أَردتَ به بُكْرَةَ يومٍ بعَيْنهِ قلتَ:

أَتيتُه بُكْرَةَ، غيرَ مصروفٍ، وهي من الظروف التي لا تَتَمَكَّنُ.

وكلُّ مَن بادَرَ إِلى شَيْ‌ءٍ فقد أَبْكَرَ إِليه وعليه، وبَكَّرَ في أَيِّ وقتٍ كان بُكْرَةً أَو عَشِيَّةً، يقال: بَكِّروا بصلاةِ المَغْرِب؛ أَي صَلُّوهَا عند سُقُوطِ القُرْصِ.

ورَجُلٌ بَكُرٌ في حاجته، كنَدُسٍ، وبَكِرٌ، كحَذِرٍ، وبَكِيرٌ، كأَمِيرٍ: قَوِيٌّ على البُكُورِ وبَكِرٌ وبَكِيرٌ كلاهما على النَّسَب؛ إِذْ لا فِعْلَ له ثُلاثِيًّا بَسِيطًا. وفي المُحكَم: وبَكَّرَه على أَصحابِه تَبْكِيرًا، وأَبْكَرَه عليهم: جَعَلَهُ يُبَكِّرُ عليهم وأَبْكَرَ الوِرْدَ والغَداءَ: عاجَلَهما، وقال أَبو زَيْد: أَبْكَرتُ على الوِرْدِ إِبكارًا، وكذلك أَبْكَرتُ الغَداءَ.

وقال غيرُه: يقال: باكَرْتُ الشَّيْ‌ءَ، إِذا بَكَّرْتَ له، قال لَبِيد:

باكَرْتُ حَاجَتَها الدَّجاجَ بِسُحْرَةٍ

معناه بادَرْتُ صَقِيعَ الدِّيكِ سَحَرًا إِلى حاجَتِي.

ويقال: أَتيتُه باكِرًا، فمَن جَعَلَ البَاكِرَ نَعْتًا قال للأُنْثَى: باكِرَة، ولا يقال: بَكُرَ ولا بَكِرَ، إِذا بَكَّرَ.

وَبكَّرَ تَبْكِيرًا، وأَبْكَرَ، وَتبَكَّر: تَقَدَّمَ، وهو مَجازٌ.

وفي حديث الجُمعَةِ: «مَنْ بَكَّرَ يومَ الجُمعَةِ وابْتَكَرَ فله كذا وكذا»؛ قالوا: بَكَّرَ: أَسْرَعَ وخَرَجَ إِلى المسجد باكِرًا، وأَتَى الصّلاةَ في أَوّلِ وَقْتِهَا، وهو مَجازٌ. وقال أَبو سَعِيد: معناه مَن بَكَّر إِلى الجُمعَةِ قبلَ الأَذانِ وإِن لم يَأْتِهَا باكِرًا فقد بَكَّرَ: وأَمّا ابتكارُهَا فهو أَنْ يُدْرِكَ أَوَّلَ وَقتِهَا، وقيل: معنى اللَّفْظَيْنِ واحدٌ، مثل فَعَلَ وافْتَعَل، وإِنما كُرِّر للمبالغَةِ والتَّوكيدِ، كما قالوا: جادٌّ مُجِدٌّ.

وبَكِرَ إِلى الشَّيْ‌ءِ كفَرِحَ: عَجِلَ.

قاله ابنُ سِيده و. من المجاز: غَيْثٌ باكِرٌ وباكُورٌ، البَاكُورُ والبَاكِرُ مِن المَطَرِ: ما جاءَ في أَوّلِ الوَسْمِيِّ، كالمُبْكِرِ؛ مِن أَبْكَرَ، والبَكُورِ، كصَبُورٍ، ويقال أَيضًا هو السَّارِي في آخِرِ اللَّيْلِ وأَوّلِ النَّهَارِ، وأَنْشَدَ:

جَرَّرَ السَّيْلُ بها عُثْنُونَه *** وتَهادَتْهَا مَدالِيجُ بُكُرْ

وفي الأَساس: سحابَةٌ مِدْلاجٌ بَكُورٌ.

والبَاكُورُ: المُعَجَّلُ المَجِي‌ءِ والإِدراكِ من كلِّ شيْ‌ءٍ، وبهاءٍ الأُنْثَى؛ أَي الباكُورة.

وباكُورَة الثَّمَرة منه، ومن المجاز: ابتَكَرَ الفاكهةَ: أَكَلَ باكُورَتَهَا، وهي أَوّلُ ما يُدْرِكُ منها. وكذا ابتَكَرَ الرجلُ: أَكَلَ باكُورَةَ الفَاكِهَةِ.

ومن المجاز: البَاكُورَةُ: النَّخْلُ التي تُدْرِكُ أَوَّلًا، كالبَكِيرَةِ والمِبْكارِ والبَكُورِ، كصَبُورٍ.

جَمْعُه أَي البَكُورِ بُكُرٌ، بضَمَّتَيْن، قال المُتَنَخِّل الهُذَلِيُّ:

ذلكَ مادِينُك إِذْ جُنِّبَتْ *** أَحْمالُها كالبُكُرِ المُبْتِلِ

قال ابنُ سِيدَه: وَصَفَ الجَمْعَ بالواحدِ، كأَنَّه أَراد المُبْتِلَةَ فَحَذَف؛ لأَن البناءَ قد انتهى، ويجوزُ أَن يكونُ المُبْتِلُ جَمْعَ مُبْتِلةٍ، وإِنْ قَلَّ نَظِيرُه، ولا يَجُوزُ أَن يَعْنِيَ بالبُكُر هنا الواحدةَ؛ لأَنه إِنّمَا نَعَتَ حُدُوجًا كثيرةً، فشَبَّهَها بنَخِيلٍ كثيرةٍ. وقول الشاعر:

إِذا وَلَدَتْ قَرَائِبُ أُمِّ نَبْل *** فذاكَ اللُّؤْمُ واللَّقَحُ البَكُورُ

أَي إِنّمَا عَجِلَتْ بجَمْعِ اللُّؤْمِ، كما تَعْجَلُ النَّخْلةُ والسحابةُ.

وفي الأَساس: ومن المَجَاز: نَخْلَةٌ باكِرٌ وبَكُورٌ: تُبكِّرُ بحَمْلِها.

وأَرْضٌ مِبْكَارٌ: سَرِيعَةُ الإِنْبَاتِ.

وسَحَابَةٌ مِبْكَارٌ: مِدْلاجٌ مِن آخِر اللَّيْلِ.

والبِكْرُ، بالكسر: العَذْرَاءُ، وهي التي لم تُفْتَضَّ. ومن الرِّجال: الذي لم يَقْرَبِ امرأَةً بَعْدُ. الجمع: أَبكارٌ، والمصدرُ البَكَارَةُ: بالفتح.

والبِكْرُ: المرأَةُ، والنّاقَةُ، إِذا وَلَدَتَا بَطْنًا واحدًا، والذَّكَرُ والأُنْثَى فيهما سَواءٌ، وقال أَبو الهَيْثَم: والعَربُ تُسَمِّي التي وَلَدَتْ بَطْنًا واحدًا بِكْرًا: بوَلَدِهَا الذي تَبْتَكِرُ به، ويقال لها أَيضًا: بِكْرٌ ما لم تَلِد، ونحوُ ذلك، قال الأَصمعِيُّ: إِذا كان أَوّلُ وَلَدٍ وَلَدَتْه الناقَةُ فهي بِكْرٌ، والجمعُ أَبكارٌ وبِكَارٌ، قال أَبو ذُؤَيْبٍ الهُذَلِيُّ:

وإِنَّ حَدِيثًا منكِ لو تَبْذُلِينَه *** جَنَى النَّحْلِ في أَلْبانِ عُودٍ مَطَافِلِ

مَطافِيلَ أَبْكَارٍ حَدِيثٍ نِتاجُها *** تُشابُ بماءٍ مثلِ ماءِ المَفَاصِلِ

والبِكْرُ: أَوّلُ كلِّ شيْ‌ءٍ.

والبِكْرُ: كُلُّ فَعْلَةٍ لم يَتَقَدَّمْها مِثلُها.

والبِكْرُ: بَقَرَةٌ لم تَحْمِلْ أَو هي الفَتِيَّةُ، وكلاهما واحدٌ، فلو قال: فَتِيَّةٌ لم تَحْمِلْ، لكان أَوْلَى، كما في غيره من الأُصول، وفي التَّنْزِيلِ: {لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ} أَي ليست بكَبِيرَةٍ ولا صَغِيرَةٍ.

ومن المَجاز: البِكْرُ: السَّحَابَةُ الغَزِيرَةُ، شُبِّهَتْ بالبِكْر مِن النِّساءِ. قلت: قال ثَعلبٌ: لأَن دَمَها أَكثرُ من دَمِ الثَّيِّب، ورُبَّما قيل: سَحابٌ بِكْرٌ، أَنشد ثعلب:

ولقد نَظَرْتُ إِلى أَغَرَّ مُشَهَّرٍ *** بِكْرٍ تَوَسَّنَ في الخَمِيلَةِ عُونَا

والبِكْرُ: أَوَّلُ وَلَدِ الأَبَويْنِ غُلامًا كان أَو جارِيَةً، وهذا بِكْرُ أَبَوَيْه؛ أَي أَوّلُ وَلدٍ يُولَدُ لهما، وكذلك الجاريةُ بغير هاءٍ، وجمعُها جميعًا أَبْكارٌ، وفي الحديث: «لا تُعَلِّموا أَبكارَ أَولادِكم كُتُبَ النَّصارَى؛ يَعْنِي أَحداثَكُم. وقد يكون البِكْرُ من الأَولاد في غيرِ النّاس، كقولِهِم: بِكْرُ الحَيَّةِ.

ومن المَجاز قولُهم: أَشَدُّ الناسِ بِكْرٌ ابنُ بِكْرَيْنِ، وفي المُحكَم: بِكْرُ بِكْرَيْنِ، قال:

يا بِكْرَ بَكْرَيْنِ ويا خِلْبَ الكَبِدْ *** أَصْبحْتَ منِّي كذِرَاعٍ مِن عَضُدْ

ومِن المَجَاز: البِكْرُ: الكَرْمُ الذي حَمَلَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، جمعُه أَبكارٌ، قال الفرزدقُ:

إِذا هُنَّ ساقَطْنَ الحَدِيثَ كأَنَّه *** جَنَى النَّحْلِ أَو أَبْكارُ كَرْمٍ تُقَطَّفُ

ومِن المَجاز: الضَّرْبَةُ. البِكْرُ: هي القاطِعَةُ القاتِلَةُ، وفي بعض النُّسَخِ: الفاتِكَة، وضَرْبَةٌ بِكْرٌ: لا تُثَنَّى، وفي الحديث: «كانت ضَرَباتُ عليٍّ ـ كرَّمَ الله وجهَه ـ أَبكارًا، إِذا اعتلَى قَدّ، وإِذا اعترضَ قَطّ»، وفي رواية: «كانَت ضَرَباتُ عليٍّ مُبْتَكَرَاتٍ لا عُونًا»؛ أَي أَنّ ضَرْبَتَه كانت بِكْرًا تَقْتُل بواحِدَةٍ منها، لا يحتاج أَن يُعِيدَ الضَّرْبَةَ ثانيًا، والمراد بالعُون المُثنّاة.

والبُكْرُ بالضَّمّ، والبَكْرُ بالفتح: وَلَدُ النّاقَةِ، فلم يُحَدَّ ولا وُقِّت، أَو الفَتِيُّ منها؛ فمَنْزِلَتُه من الإِبل منزلةُ الفَتِيِّ من الناس، والبكْرَةُ بمنزلةِ الفَتَاةِ، والقَلُوصُ بمنزلةِ الجارِيَةِ، والبَعِيرُ بمنزلة الإِنسانِ، والجَمَلُ بمنزلةِ الرجلِ، والناقةُ بمنزلةِ المرأَةِ، أَو الثَّنِيُّ منها إِلى أَن يُجْذِعَ، أَو ابنُ المَخَاضِ إِلى أَن يُثْنِيَ، أَو هو ابنُ اللَّبُونِ والحِقُّ والجَذَعُ، فإِذا أَثْنَى فهو جَمَلٌ، وهو بَعِيرٌ حتى يَبْزُلَ، وليس بعدَ البازِل سِنٌّ تُسَمَّى، ولا قَبلَ الثَّنِيِّ سِنٌّ تُسَمَّى. قال الأَزهريُّ: هذا قولُ ابنِ الأَعْرابِيِّ وهو صحيحٌ، وعليه شاهدتُ كلامَ العربِ. أَو هو الذي لم يَبْزُلْ، والأُنْثَى بكْرَةٌ، فإِذا بَزَلَا فجَمَلٌ وناقةٌ، وقيل في الأُنثَى أَيضًا: بِكْرٌ، بلا هاءٍ.

وقد يُستعارُ للناسِ، ومنه‌حديثُ المُتْعَةِ: «كأَنها بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ»؛ أَي شابَّةٌ طَوِيلَةُ العُنُقِ في اعتدالٍ.

قال شيخُنَا: والضَّمُّ الذي ذَكَرَه في البِكْر بالمعانِي السابقة، لا يكادُ يُعرَفُ في شيْ‌ءٍ من دَواوِين اللغةِ، ولا نقلَه أَحدٌ مِن شُرّاح الفَصِيح، على كَثْرَة ما فيها من الغَرَائب، ولا عَرَّجَ عليه ابنُ سِيدَه، ولا القَزّازُ، مع كثرة اطِّلاعِهما وإِيرادِهما لشواذِّ الكلامِ، فلا يُعْتَدُّ بهذا الضَّمِّ.

قلتُ: وقد نُقِلَ الكسرُ عن ابن سِيدَه في بَيْتِ عَمْرِو بنِ كُلْثُوم، فيكونُ بالتَّثْلِيثِ كما سيَأْتِي قريبًا.

الجمع: في القِلَّة أَبْكُرٌ، قال الجوهريُّ: وقد صَغَّرَه الراجزُ: وجَمَعَه بالياءِ والنُّونِ فقال:

قد شَرِبَتْ إِلَّا الدُّهَيْدِ هِينَا *** قُلَيِّصاتٍ وأُبَيْكِرِينَا

وقال سِيبوَيْه: هو جمعُ الأَبكُرِ كما تَجمَع الجُزُرَ والطُّرُقَ، فتقول: طُرُقَاتٌ وجُزُراتٌ، ولكنَّه أَدْخَلَ الياءَ والنُّونَ، كما أَدخلَها في «الدُّهَيْدهِين».

والجَمْعُ الكثيرُ بُكْرانٌ بالضَّمِّ، وبِكَارٌ بالكسر، مثل فَرْخ وفِراخ، قاله الجوهَريُّ. وَبِكَارَةٌ، بالفتحِ والكسرِ، مثلُ فَحْلٍ وفِحَالَةٍ، كذا في الصّحَاح، والأُنْثَى بَكْرَةٌ، والجمعُ بِكَارٌ، بغير هاءٍ، كعَيْلَةٍ وعِيَالٍ، وقال ابن الأَعرابيِّ: البِكَارَةُ للذُّكُور خاصّةً، والبِكَارُ ـ بغير هاءٍ ـ للإِناثِ.

وفي حديث طَهْفَةَ: «وسَقَطَ الأُمْلُوجُ من البِكَارة»، وهي بالكسر جَمْعُ البَكْرِ بالفتح؛ يُرِيدُ أَن السِّمَن الذي قد عَلَا بِكَارَةَ الإِبلِ بما رَعَتْ من هذا الشَّجَرِ قد سَقَطَ عنها، فسَمَّاه باسمِ المَرْعَى؛ إِذْ كان سَبَبًا له، وقال ابن سِيدَه في بيت عَمْرِو بنِ كُلْثُومٍ:

ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بَكْرٍ *** غَذَاهَا الخَفْضُ لم تَحْمِلْ جَنِينَا

أَصحُّ الرِّوايَتَيْن «بِكْر» بالكسر، والجمعُ القَلِيلُ من ذلك أَبكارٌ. قلتُ: فإِذًا هو مُثَلَّثٌ.

ومن المَجَاز: البَكَرَاتُ مُحَرَّكَةً: الحَلَقُ التي في حِلْيَة السَّيْفِ، شبيهةٌ بفَتَخِ النِّسَاءِ.

والبَكَراتُ: جِبالٌ شُمَّخٌ عند ماءٍ لِبَنِي ذُؤَيْبٍ، كذا في النُّسَخ، والصَّوَابُ لبني ذُؤَيْبَةَ. كما هو نَصُّ الصَّاغانيِّ، وهم من الضِّباب، يُقال له: البَكْرَةُ بفتح فسكون.

والبَكَرَاتُ: قارَاتٌ سُودٌ بِرَحْرَحانَ، أَو بطريقِ مَكَّةَ شَرَّفَها الله تعالَى، قال امْرُؤُ القَيْس:

غَشِيتُ دِيَارَ الحَيِّ بالبَكَرَاتِ *** فعارِقةٍ فبُرْقَةِ العِيَرَاتِ

وَالبَكْرَتانِ: هَضْبتَانِ حَمْرَاوانِ لِبَنِي جَعْفَر بنِ الأَضْبَطِ، وفيهما ماءٌ يُقال له: البَكْرَةُ أَيضًا، نقلَه الصّاغانيّ.

وبَكّار ككَتّانٍ: قرية قُرْبَ شِيرازَ، منها: أَبو العَبّاسِ عبدُ اللهِ بنُ محمّدِ بن سليمانَ الشِّيرَازِيّ، حَدَّثَ عن إِبراهيمَ ابنِ صالحٍ الشِّيرَازِيِّ وغيرِه، وتُوُفِّيَ سنةَ 348.

وبَكّارٌ: اسم جماعةٍ من المحدِّثين، منهم: القاضِي أَبو بكرٍ بَكّارُ بنُ قُتَيْبَةَ بن أَسَدٍ البَصْرِيّ الحَنَفِيّ، قاضي مصرَ.

وبَكَّارٌ: جَدّ أَبي القاسمِ الحُسَيْن بنِ محمّدِ بن الحُسَيْن الشاهد. وغيرُهم.

وبُكُرٌ، كعُنُقٍ: حِصْنٌ باليَمَنِ نقلَه الصّاغانيّ.

وبُكَيْرٌ، كزُبَيْرٍ: اسمُ جماعة من المحدِّثين، كبُكَيْرِ بنِ عبد الله بنِ الأَشَجِّ المَدَنِيِّ، وبُكَيْرِ بنُ عَطَاءِ اللَّيْثِيّ.

ومن القبائل: بُكَيْرُ بنُ يالِيلَ بن ناشِبٍ، من كِنَانَةَ، منهم من الرُّواة: محمّدُ بنُ إِيَاس بنِ البُكَيْرِ، تابِعِيٌّ. وغيرُهُم.

وأَبو بَكْرَةَ نُفَيْعُ بنُ الحارثِ بن كَلَدَةَ بنِ عمرِو بنِ عِلَاجٍ الثَّقَفِيّ، أو هو نُفَيْعُ بنُ مَسْرُوح، والحارثُ بنُ كَلَدَةَ مولاه، الصَّحابِيّ المشهورُ بالبَصْرَةِ، تَدَلَّى يومَ الطّائِف من الحِصْنِ ببَكْرَةٍ فكَناه النَّبيُّ صَلى الله عليه وسلّم أَبا بَكْرَةَ لذلك، ومِن وَلَده أَبو الأَشْهَبِ هَوْذَةُ بنُ خَلِيفَةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ أَبي بَكْرَةَ. ثَقَفِيٌّ، سَكَنَ بغدَادَ، كَتَبَ عنه أَبو حاتمٍ.

والنِّسْبَةُ إِلى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وإِلى بَنِي بَكْرِ بنِ عَبْدِ مَنَاةَ بنِ كِنَانَةَ بنِ خُزَيْمَةَ، وإِلى بَكْرِ بنِ عَوْفِ بنِ النَّخَعِ، وإِلى بَكْرِ بنِ وائِل بنِ قاسِط بنِ هِنْبٍ: بَكْرِيٌّ.

فمِنَ الأَول: القاضِي أَبو محمّدٍ عبدُ الله بنُ أَحمدَ بنِ أَفْلَحَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ محمّدِ بنِ عبد الله بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ أَبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، حَدَّث عن هِلالِ بن العَلاءِ الرَّقِّيّ.

ومِن بَكْرِ النَّخَغِ: جُهَيشُ بنُ يَزِيدَ بنِ مالكٍ البَكْرِيّ، وَفَدَ على النّبيِّ صَلى الله عليه وسلّم. وعَلْقَمةُ بنُ قيسٍ صاحبُ عليٍّ وابنِ مَسْعُودٍ.

ومِن بَكْرِ عبدِ مَناةَ: عامرُ بنُ واثِلةَ اللَّيْثِيّ، وغيرُه.

ومن بَكْرِ بنِ وائلٍ: حَسّانُ بنُ خَوْطِ بن شُعْبَةَ البَكْرِيّ، صَحابِيٌّ، شَهِدَ مع عليٍّ الجَمَلَ، ومعه ابناه الحارثُ وبِشْرٌ.

والنِّسْبَةُ إِلى بَنِي أَبي بَكْرِ بنِ كِلَاب بنِ رَبِيعَةَ بنِ عامرِ ابنِ صَعْصَعَةَ، واسمُه عُبَيْدٌ، ولَقَبُه البَزْريّ. وكذا إِلى بَكْرِ آباذَ، مَحَلَّةٍ بجُرْجانَ: بَكْرَاوِيٌّ.

فمن الأَول: مُطِيعُ بنُ عامرِ بن عَوْفٍ الصَّحَابِيّ، وأَخُوه ذو اللِّحْيَةِ شُرَيْحٌ، له صُحْبَةٌ أَيضًا، والمحلَّق عبدُ العزيز ابنُ حَنْتَمِ بن شَدّادِ بن رَبِيعَةَ بنِ عبدِ الله بنِ أَبي بَكْرِ بن كِلابٍ.

ومن بَكْر آباذَ: أَبو سَعِيدِ بنِ محمّد البَكْراوِيّ، وأَبو الفَتْح سَهْلُ بنُ عليٍّ ابن أَحمدَ البَكْراوِيُّ، وأَبو جَعْفَرٍ كُمَيلُ ابنُ جَعْفَرِ بنِ كُمَيْلٍ الفَقِيهُ الجُرْجانيّ، الحَنَفِيّ، وغيرُهم.

وبَكْرٌ: موضع ببلادِ طَيِّئٍ، وهو وادٍ عند رَمَّانَ.

والبَكْرَانُ: موضع بناحيَةِ ضَرِيَّةَ، نقلَه الصَّاغانيّ، والبَكْرانُ: قرية.

وقولُهم: «صَدَقَنِي سِنَّ بَكْرِه»، من الأَمثال المشهورةِ، وبَسَطَه المَيْدَانِيُّ في مَجْمَع الأَمثالِ، وهو بِرَفْعِ سِنٍّ ونَصْبِه؛ أَي خَبَّرَنِي بما في نفْسِه، وما انْطَوتْ عليه ضُلُوعُه؛ وأَصلُه أَن رجلًا ساوَمَ في بَكْرٍ بفتحٍ فسكونٍ، فقال: ما سِنُّه؟ فقال: بازِلٌ، ثم نَفَرَ البَكْرُ، فقال صاحبُه له: هِدَعْ هِدَعْ. بكسرٍ ففتحٍ فسكونٍ فيهما، وهذه لفظةٌ يُسَكَّنُ بها الصَّغارُ مِن وَلَدِ النّاقَةِ، فلما سَمِعَه المُشْتَرِي قال: صَدَقَنِي سِنُّ بَكْرِه، ونَصْبُه على معنَى: عَرَّفَنِي، فيكون السِّنُّ منصوبًا على أَنه مفعولٌ ثانٍ، أَو إِرادَةِ خَبَرِ سِنِّ، أَو في سِنِّ، فحُذِفَ المُضَافُ أَو الجارُّ على الوَجْهَيْن، ورَفْعُه على أَنه جَعَلَ الصِّدْقَ للسِّنِّ تَوسُّعًا.

ومن المَجاز: بَكَّرَ تَبْكِيرًا: أَتَى الصَّلاةَ لأَوَّلِ وَقْتِهَا، وفي الحديث: «لا يزالُ الناسُ بخيرٍ مَا بكَّرُوا بصلاةِ المَغْرِبِ»؛ معناه: ما صَلَّوهَا في أَوّلِ وَقتِهَا، وفي حديث آخَرَ: «بَكِّرُوا بالصَّلاةِ في يومِ الغَيْم؛ فإِنه مَنْ تَرَكَ العَصْرَ حَبِطَ عَملُه»؛ أَي حافِظُوا عليها وقَدِّمُوهَا.

ومن المجاز: ابْتَكَرَ الرجلُ، إِذا أَدْرَكَ أَوّلَ الخُطْبَةِ.

وعبارَةُ الأَساس: وابْتَكَرَ الخُطْبَةَ: سَمِعَ أَوّلَهَا؛ وهو مِن الباكُورَة.

ومن المجاز: ابْتَكَرَ، إِذا أَكَلَ باكُورَةَ الفاكهةِ، وأَصلُ الابتكارِ الاستيلاءُ على باكُورةِ الشَّيْ‌ءِ.

وأَوّلُ كلِّ شيْ‌ءٍ: باكُورَتُه.

وفي نَوَادِرِ الأَعْرَابِ: ابْتَكَرتِ المرأَةُ: وَلَدَتْ ذَكَرًا في الأَوّل، واثْتَنَتْ: جائَت بوَلَدٍ ثِنْيٍ، واثْتَلَثَتْ وَلَدَهَا الثّالِثَ، وابْتَكَرْتُ أَنا واثْتَنَيْتُ واثْتَلَثْتُ.

وقال أَبو البَيْداءِ: ابتَكَرتِ الحامِلُ، إِذا وَلَدَتْ بِكْرَها، وأَثْنَتْ في الثاني، وثَلَّثَتْ في الثّالث، ورَبَّعَتْ، وخَمَّسَتْ، وعَشَّرَتْ.

وقال بعضُهُم: أَسْبَعَتْ، وأَعْشَرَتْ، وأَثْمَنَتْ، في الثّامن، والعاشر، والسّابع.

وأَبْكَرَ فُلانٌ: وَرَدَتْ إِبلُه بُكْرَةَ النَّهَارِ.

وبَكْرُونُ كحَمْدُونَ: اسمٌ. أَحمدُ بنُ بَكْرُونَ بنِ عبدِ اللهِ العَطَّارُ الدَّسْكَرِيُّ، سَمِعَ أَبا طاهِرٍ المخلصِ، تُوُفِّيَ سنة 434.

* وممّا يُستدرَك عليه:

حَكَى اللِّحْيَانيُّ عن الكِسَائِيِّ: جِيرَانُكَ باكِرٌ، وأَنشدَ:

يا عَمْرُو جِيرَانُكُمُ باكِرُ *** فالقَلْبُ لا لاهٍ ولا صابِرُ

قال ابنِ سِيدَه: وأُراهم يَذْهَبُون في ذلك إِلى معنَى القَومِ والجمعِ؛ لأَن لفظَ الجمْعِ واحدٌ، إِلّا أَنَّ هذا إِنّمَا يُسْتَعمَلُ إِذا كان المَوْصُوفُ معرفةً، لا يقولون: جِيرَانٌ باكِرٌ.

هذا قولُ أَهلِ اللغةِ، قال: وعندِي أَنه لا يَمْتَنِعُ جِيرانٌ باكِرٌ، كما لَا يمتنعُ جِيرَانُكُم باكِرٌ.

ومن المَجَاز: عَسَلُ أَبكارٍ؛ أَي تُعَسِّلُه أَبكارُ النَّحْلِ؛ أَي أَفتاؤُها، ويقال: بل أَبكارُ الجَوَارِي يَلِينَهُ وكَتَبَ الحَجّاجُ إِلى عاملٍ له: «ابْعَثْ إِليَّ بعَسَلِ خُلّارَ، من النَّحْل الأَبْكار مِن الدَّسْتَفْشارِ، الذي لم تَمَسَّه النار» يريد بالأَبكار أَفراخَ النَّحْل؛ لأَنّ عَسَلَها أَطيبُ وأَصْفَى. وخُلّارُ:

موضعٌ بفارِسَ، والدَّسْتَفْشارُ: فارسيَّةٌ معناه ما عَصَرتْه الأَيْدِي وقال الأَعْشَى:

تَنَحَّلَها مِن بِكَارِ القِطَافِ *** أُزَيْرِقُ آمِنُ إِكسادِهَا

بِكَارُ القِطَاف: جمعُ باكِرٍ، كما يُقَال صاحِبٌ وصِحَابٌ، وهو أَوّلُ ما يُدرِكُ.

ومن المَجَاز عن الأَصمعيِّ: نارٌ بِكْرٌ: لم تُقْتَبَسْ مِن نارٍ.

وحاجةٌ بِكْرٌ: طُلِبَتْ حَدِيثًا، وفي الأَساس: وهي أَوّلُ حاجةٍ رُفِعَتْ، قال ذُو الرُّمَّة:

وُقُوفًا لَدَى الأَبوابِ طُلّابَ حاجَةٍ *** عَوانٍ مِن الحاجاتِ أَو حاجةً بِكْرَا

ومن المَجاز: يقال: ما هذا الأَمرُ منكَ بِكْرًا ولا ثِنْيًا، على معنَى: ما هو بأَوّلٍ ولا ثانٍ.

والبِكْرُ: القَوْسُ، قال أَبو ذُؤَيْبٍ:

وبِكْرٍ كُلَّما مُسَّتْ أَصاتَتْ *** تَرَنُّمَ نَغْمِ ذِي الشِّرَعِ العَتِيقِ

أَي القَوْس أَوّلَ ما يُرْمَى عَنْهَا؛ شَبَّه تَرَنُّمَها بنَغَمِ ذِي الشِّرَعِ، وهو العُودُ الذي عليه أَوتارٌ.

والبِكْرُ: الدُّرَّةُ التي لم تثقب، قال امْرُؤُ القَيْسِ:

كبِكْر مُقَانَاةِ البَيَاضِ بصُفْرَةٍ

ذَكَرَه شُرّاحُ الدِّيوان كما نقله شيخُنَا.

ومن الأَمثال: «جاءُوا على بَكْرَةِ أَبِيهم»، إِذا جاءُوا جميعًا على آخِرِهم. وقال الأَصمعيُّ: جاءُوا على طريقةٍ واحدةٍ، وقال أَبو عَمْرٍو: جاءُوا بأَجمعهم، وفي الحديث: «جاءَتْ هوازِنُ على بَكْرَةِ أَبِيها»، هذه كلمةُ العربِ، يريدون بها الكَثْرَةَ وتَوْفِيرَ العَدَدِ، وأَنَّهم جاءُوا جميعًا لم يَتخلَّف منهم أَحدٌ، وقال أَبو عُبَيْدَةَ: معناه جاءُوا بعضُهُم في إِثْرِ بعضٍ، وليس هناك بَكْرَةٌ حقيقةً، وهي التي يُستَقَى عليها الماءُ العَذْبُ، فاسْتُعِيرَتْ في هذا الموضعِ، وإِنّمَا هي مَثَلٌ. قال ابن بَرِّيٍّ: قال ابن جِنِّي: وعندِي أَنَّ قولَهم:

جاءُوا على بَكْرَةِ أَبِيهم، بمعنَى جاءُوا بأَجمعِهم، هو مِن قولك: بَكَرْتُ في كذا؛ أَي تَقدَّمتُ فيه، ومعناه: جاءُوا على أَوَّلِيَّتِهم؛ أَي لم يَبْقَ منهم أَحدٌ، بل جاءُوا مِن أَوّلِهم إِلى آخِرهِم.

وبَكْرٌ: اسمٌ، وحَكَى سِيبَوَيْه في جَمْعِه أَبْكُرٌ وبُكُورٌ.

وبكران ومُبَكِّرٌ أَسماءٌ.

وأَبو بَكْرَةَ بَكّارُ بنُ عبدِ العَزِيز بنِ أَبي بَكْرَةَ البَصْرِيُّ، وبَكْرُ بنُ خَلَفٍ، وبَكْرُ بنُ سَوَادَةَ، وبَكْرُ بن عَمْرٍو المَعافريّ، وبَكْرُ بنُ عَمْرٍو، وَبَكْرُ بنُ مُضَر: محدِّثون.

وأَحمدُ بنُ بكْرانَ بنِ شاذَانَ، وأَبو بكْرٍ أَحمدُ بنُ بكْرانَ الزّجَّاجُّ النّحويُّ، حَدَّثَا.

وأَبو العَبّاس أَحمدُ بنُ أَبي بَكِيرٍ، كأَمير، سَمعَ أَبا الوَقْتِ، وأَخوه تَمِيمٌ كان معيدًا ببغدادَ، وابنُه أَبو بكرٍ سَمعَ من ابنِ كُلَيْبٍ، وأَبو الخَير صُبَيح بن بكّر، بتشديد الكاف، البَصْرِيُّ، حَدَّث عن أَبي القاسمِ العَسْكَرِيِّ وأَبي بَكْر بن الزّاغُونِيّ، وكان ثِقَةً، ذَكَرَه ابنُ نُقْطَةَ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


37-تاج العروس (جشر)

[جشر]: الجَشْرُ: إِخراجُ الدَّوَابِّ للرَّعْيِ، وقد جَشَرَهَا يَجْشُرُهَا جَشْرًا، كالتَّجْشِير.

والجَشْرُ: أَن تَنْزُوَ خَيْلُكَ: وفي اللسان: أَن تَخْرُجَ بخَيْلِكَ فتَرعَاهَا أَمامَ بَيتِك.

والجَشْر: التَّرْكُ والإِرسالُ، والتَّبَاعُد، كالتَّجْشِير. وفي حديث أَبي الدَّرْدَاءِ: «مَن تَرَكَ القرآنَ شَهْرَيْنِ فلم يَقرأْه فقد جَشَرَه». والجَشَر، بالتَّحْرِيك: المالُ الذي يَرْعى في مكانه، لا يَرْجِعُ إِلى أَهْلِه باللَّيْل. مالٌ جَشَرٌ: لَا يَأْوِي إِلى أَهله، قاله الأَصمعيُّ. وكذلك القَومُ يَبيتُون مع الإِبل في المَرْعَى، لا يَأْوُون بُيُوتَهم. وقد أَصبحوا جَشْرًا وجَشَرًا. وفي حديث عثمانَ رضي ‌الله‌ عنه: «لا يَغُرَّنَّكُم جَشَرُكم مِن صَلاتِكم؛ فإِنما يَقْصُرُ الصلاةَ مَن كان شاخِصًا أَو يَحْضُرُه عَدُوٌّ». قال أَبو عُبَيْدٍ: الجَشَرُ: القومُ يَخْرجُون بدَوابِّهم إِلى المَرْعَى، ويَبِيتُون مَكانَهم، لا يَأْوُونَ البُيُوتَ، ورُبَّما رَأَوْه سَفَرًا فَقَصرُوا الصلاةَ، فنَهَاهم عن ذلك؛ لأَن المُقَامَ في المَرْعَى وإِن طالَ فليس بسفَرٍ، وأَنشدَ ابن الأَعرابيِّ لابن أَحْمَرَ في الجَشْر:

إِنّكَ لو رأَيتَنِي والقَسْرَا *** مُجَشِّرين قد رَعَيْنا شَهْرَا

لم تَرَ في الناس رِعَاءً جَشْرَا *** أَتَمَّ مِنَّا قَصَبًا وسَبْرَا

قال الأَزهريّ: أَنْشَدَنِيه المُنْذِرِيُّ عن ثَعْلَبٍ عنه، وقال الأَخطل:

يَسْأَلُه الصُّبْرُ مِن غَسّانَ إِذْ حَضَرُوا *** والحَزْنُ كيفُ قَراكَ الغِلْمَةُ الجَشَرُ

الصُّبْرُ والحَزْنُ: قَبِيلتانِ من غَسّانَ. قال ابن بَرِّيّ: وهو مِن قصيدة طَنّانةٍ من غُرَرِ قصائدِ الأَخطلِ يُخاطِبُ فيها عبدَ المَلِكِ بنَ مَرْوانَ:

يُعَرِّفُونكَ رَأْسَ ابنِ الحُبَابِ وقد *** أَضْحَى وللسَّيْفِ في خَيْشُومِه أَثَرُ

لا يَسْمَعُ الصَّوْتَ مُسْتَكًّا مَسامِعُه *** وليس يَنْطِقُ حتى يَنْطِقَ الحَجَرُ

قال يصفُ قَتْلَ عُمَيْرِ بنِ الحُبَابِ، وكَوْنَ الصُّبْرِ والحَزْنِ يقولون له بعدَ موتِه، وقد طافُوا برأْسِه: كيف قَراكَ الغِلْمَةُ الجَشَرُ؟ وكان يقولُ لهم: إِنما أَنتم جَشَرٌ لا أُبالِي بكم.

والجَشَرُ: مصدرُ جَشِرَ يَجْشَرُ، كفَرِحَ: أَن يَخْشُنَ طِينُ السّاحِلِ ويَيْبَسَ كالحَجَرِ، قاله أَبو نَصْر.

وقال شَمِرٌ: ومكانٌ جَشِرٌ، ككَتِف؛ أَي كثيرُ الجَشَرِ.

وقال الرِّياشِيّ: الجَشَرُ: حِجارةٌ في البَحْرِ خَشِنَةٌ. وعن ابن دُرَيْدٍ: الجَشْرُ والجَشَرُ: حجارةٌ تَنْبُتُ في البَحْر. وقال اللَّيْث: الجَشَرُ: ما يكونُ في سواحِلِ البحرِ وقَرارِه من الحَصَى والأَصْداف، يَلْزَقُ بعضُه ببعضٍ، فيَصِيرُ حَجَرًا تُنْحَتُ منها الأَرْحِيَةُ بالبَصْرَة، لا تَصْلُحُ للطَّحْن، ولكنها تُسَوَّى لِرُؤُوسِ البَلالِيع.

ومِن المجاز: الجَشَرُ: الرَّجلُ العَزَبُ عن أَهله في إِبله، كالجَشِير.

وجَشَرَ عن أَهله: سافَرَ.

وفي اللِّسَان: قومٌ جُشْرٌ وجُشَّرٌ: عُزّابٌ في إِبلِهم.

والجَشَرُ والجشر: بُقُولُ الرَّبِيعِ. وفي اللِّسَان: بَقْلُ الرَّبِيع.

والجَشَرُ: خُشُونَةٌ في الصَّدْرِ، وغِلَظٌ في الصَّوْت، وسُعَالٌ، وفي التَّهْذِيب: بَحَحٌ في الصَّوت، [كالجُشْرَةِ] بالضمّ فيهما؛ أَي في الخُشُونة والغِلَظ، عن اللِّحْيانيّ. وقد جَشِرَ ـ كفَرِحَ ـ وجُشِرَ ـ مثل عُنِيَ ـ فهو أَجْشَرُ، وهي جَشْرَاءُ. وقد خالَفَ هنا اصطلاحَه: وهي بهاءٍ، فلْيُنْظَرْ.

وفي التَّهْذِيب: يقال: به جُشْرَةٌ، وقد جَشِرَ.

وقال اللِّحْيانيّ: جُشِرَ جُشْرَةً، قال ابن سِيدَه: وهذا نادِرٌ، وقال: وعندِي أَن مصدرَ هذا إِنما هو الجَشَرُ.

ورجلٌ مَجْشُورٌ.

وبَعِيرٌ أَجْشَرُ، وناقَةٌ جَشْرَاءُ، بهما جُشْرَةٌ.

وقال حُجْر:

رُبَّ هَمٍّ جَشَمْتُه في هَواكُمْ

وبَعِير مُنَفَّهٍ مَجْشُورِ: به سُعالٌ، وأَنشدَ:

وساعِلٍ كسَعَلِ المَجْشُورِ

وعن ابن الأَعرابيِّ: الجُشْرَةُ: الزُّكامُ.

وعن الأَصمعيّ: بَعِيرٌ مَجْشُورٌ: به سُعَالٌ جافٌّ، هكذا بالجيم في سائر الأُصُول، وفي بعض النسخ بالحاءِ المهملَة.

ومن المَجَاز: جَشَرَ الصُّبْحُ جُشُورًا. بالضمّ: طَلَعَ وانْفَلَقَ، وفي الأَساس: خَرَجَ، ومنه: لاحَ أَبْرَقُ جاشِرٌ.

والجاشِريَّةُ: شُرْبٌ يكونُ مع جُشُورِ الصُّبْحِ، نُسِبَ إِلى الصُّبْح الجاشِر، أَو لا يكونُ إِلّا مِن أَلبان الإِبلِ خاصَّةً، والصَّوابُ العُمُومُ أَو التخصيصُ بالخَمْر؛ لأَنه أَكثرُ ما في كلامهم، ويُؤَيِّدُه قولُ الفَرَزْدَقِ:

إِذا ما شَرِبْنا الجاشِريَّةَ لم نُبَلْ *** كَبِيرًا وإِن كان الأَمِيرُ مِن الأَزْدِ

ويقال: اصْطَبَحْتُ الجاشِرِيَّةَ، ولا يَتَصَرَّفُ له فِعْلٌ، وهو مَجَازٌ، ويُوصَفُ به، فيُقال: شَرْبَةٌ جاشِرِيَّةٌ، وقال آخَرُ:

ونَدْمانٍ يَزِيدُ الكاسَ طِيبًا *** سَقَيْتُ الجاشِريَّةَ أَو سَقَانِي

والجاشِرِيَّةُ في شِعْر الأَعْشَى: قبيلةٌ مِن قبائِلِ العَرَبِ من رَبِيعَةَ.

والجاشِرِيَّةٌ: امرأَةٌ. والجاشِرِيَّةُ: نِصْفُ النَّهَارِ، لظُهُور نُورِه وانتشارِه. وقد يُطْلَقُ الجاشِرِيَّةُ ويُرَادُ به السَّحَرُ؛ لقُرْبه من انْفِلاقِ الصُّبْحِ.

والجاشِرِيَّةُ: طعامٌ يُؤْكَلُ في الصُّبْح، أَو نوعٌ من الأَطعمةِ، فلْيُنْظَرْ.

والجَشِيرُ والجَفِيرُ: الوَفْضَةُ، وهي الكِنَانَةُ. وقال ابن سِيدَه: وهي الجَعْبَةُ من جُلُودٍ تكونُ مَشْقُوقَةً في جَنْبها، يُفْعَلُ ذلك بها ليَدْخُلَهَا الرِّيحُ فلا يَأْتَكِلُ الرِّيشُ. وفي حديث الحَجّاج: «أَنه كَتَبَ إِلى عامِلِه: أَن ابْعَثْ إِليَّ بالجَشِير اللُّؤْلُؤِيِّ». الجَشِيرُ: الجِرَابُ. قال ابن الأَثير: قالَه الزَّمَخْشَرِيُّ.

والجَشِيرُ: الجُوَالِقُ الضَّخْمُ، والجَمْعُ أَجْشِرَةٌ وجُشُرٌ، قال الرّاجِز:

يُعْجِلُ إِضْجاعَ الجَشِيرِ القَاعِدِ

والجِشّارُ ككَتّانٍ: صاحبُ الجَشَرِ؛ أَي مَرْجِ الخَيْلِ، وهو جَشّارُ أَنعامِنا.

والمُجَشَّر، كمُعَظَّم: المُعزَّبُ عن أَهلِه، وفي بعض النُّسَخ: المجرب، وهو خطأُ والذي صحَّ عن ابن الأَعرابيّ أَن المُجَشَّرَ: الذي لا يَرْعَى قُرْبَ الماءِ. وقال المُنْذِريُّ: هو الذي يَرْعَى قُرْب الماءِ.

وخَيْلٌ مُجَشَّرةٌ بالحِمَى؛ أَي مَرْعِيَّةٌ.

ومُجَشَّرٌ، كمُحَدِّث؛ وَالدُ سَوّارٍ العِجْلِيِّ ـ هكذا بالواو في سائر النُّسَخ، والصَّوابُ سَرَّار، براءَيْن، كما في تاريخ البُخَارِيِّ ـ المُحَدِّثِ البَصْرِيِّ، عن ابن أَبي عَرُوبَةَ، ويقال: هو أَبو عُبَيْدةَ الغَزِّيُّ.

وأَبُو الجَشْرِ، بفتحٍ فسكون، رَجُلانِ، أَحدُهما الأَشْجَعِيُّ خالُ بَيْهَسٍ الفَزارِيِّ، ولعلَّه عَنَى بالثاني أَبا الجَشْرِ مُدْلِجَ بنَ خالد، والصَّوابُ أَنه بالحاءِ المهملَة، وليس لهم غيرُهما، وسيأْتي.

والمِجْشَرُ كمِنْبَرٍ: حَوْضٌ لا يُسْقَى فيه، كأَنه لجَشَرِه؛ أَي وَسَخِه وقَذَرِه.

وجَشَّرَ الإِناءَ تَجْشِيرًا: فَرَّغَه كجَفَّرَه.

وقولُ الجوهَرِيِّ الجَشْرُ: وَسَخُ الوَطْبِ من اللَّبَن، ويقال: وَطْبٌ جَشِرٌ، ككَتِف؛ أَي وَسِخٌ، تصحيفٌ، والصَّوابُ، على ما ذَهَبَ إِليه الصَّاغانيُّ، بالحاءِ المهملَة.

قال شيخُنا: كأَنَّه قَلَّدَ في ذلك حمزَةَ الأَصبهانيَّ في أَمثاله؛ لأَنه رُوِيَ هكذا بالحاءِ المهملَة، وقد تَعَقَّبَه المَيْدَانِيُّ وغيرُه من أَئِمَّةِ اللُّغَة والأَمثال، وقالوا: الصَّوَابُ أَنه بالجيم، كما صَوَّبَه في التَّهْذِيب وصَحَّحَ كلَام الصّحاح، فلا التفاتَ لدَعْوَى المصنِّف أَنه تصحيف.

* وممّا يُسْتَدْرَك عليه:

جَشِرَ البَعِيرُ ـ كفَرِحَ ـ جَشَرًا، بالتَّحريك: أَصابَه سُعالٌ.

وفي حديث ابن مَسْعُود: «يا مَعْشَرَ الجُشّارِ، لا تَغْتَرُّوا بصلاتِكم»، وهو جمعُ جاشِرٍ: الذي يَجْشُرُ الخَيْلَ والإِبلَ إِلى المَرْعَى، فيأْوِي هناك.

وإِبلٌ جُشَّرٌ: تَذهبُ حيث شاءَتْ، وكذلك الحُمُرُ، قال:

وآخَرُونَ كالحَمِيرِ الجُشَّرِ

وقومٌ جُشَّرٌ: عُزّابٌ في إِبلهم.

وجَشَرَ الفَحْلُ، مثلُ جَفَرَ، وجَسَرَ، وحَسَرَ، وفَدَرَ، بمعنىً واحدٍ.

والجَشَرُ، محرَّكَةً: حُثالةُ النّاسِ.

ومكانٌ جَشِرٌ: كثيرُ الجَشَرِ، وهو ما يُلْقِيه البَحْرُ من الأَوساخِ والرِّمَمِ.

والجَشَرَةُ: القِشْرَةُ السُّفْلَى التي على حَبَّةِ الحِنْطَةِ.

ورجلٌ مَجْشُورٌ: أَبَحٌّ.

ورجلٌ مَجْشُورٌ: مَزْكُومٌ.

وجَنْبٌ جاشِرٌ: مُنْتَفِخٌ.

وتَجَشَّرَ بَطْنُه: انْتَفَخَ، وأَنشدَ ثعلبٌ:

فقامَ وثّابٌ نَبِيلٌ مَحْزِمُهْ *** لم يَتَجشَّرْ مِن طعامٍ يُبْشِمُهْ

وجَشَرٌ، محرَّكةَ: جَبَلٌ في ديار بَنِي عامِرٍ، ثم لبَنِي عُقَيْل، من الدِّيار المُجَاوِرَةِ لِبَنِي الحارثِ بنِ كَعْب.

وأَبو مُجَشِّرٍ، كمُحَدِّث: كُنْيَةُ عاصِمٍ الجَحْدَرِيِّ، على الصَّوَاب، كما قالَه ابنُ ناصِر، وشَذّ الدُّولابِيُّ، فَضَبَطَه بالمُهْمِلَتَيْن، قالَه الحافِظُ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


38-تاج العروس (زمر)

[زمر] زَمَرَ يَزْمُر، بالضَّم، لُغَة حكاها أَبو زَيْد، ويَزْمِرُ، بالكسر، زَمْرًا، بالفَتْح، وزَمِيرًا، كأَمِير، وزَمَرَانًا، مُحَرَّكةً، عن ابْنِ سِيدَه، وزَمَّرَ تَزْمِيرًا: غَنَّى في القَصَبِ ونَفَخَ فيه، وهي زامِرَةٌ، ولا يقال زَمَّارةٌ، وهو زَمَّارٌ، ولا يُقَالُ زَامِرٌ، وقد جاءَ عن الأَصْمَعِي لكِنَّه قَلِيل. ولمَّا كان تَصْرِيفُ هذه الكَلِمَة وَارِدًا على خِلاف الأَصْل خَالفَ قاعِدَتَه في تقديم المُؤَنَّث على المُذَكَّر، قاله شَيخُنا. قال الأَصْمَعِيُّ، يقال لِلَّذِي يُغَنِّي: الزَّامر والزَّمَّار. وفِعْلُهُمَا؛ أَي زَمَر وزَمَّر، الزِّمَارَة، بالكَسْر على القِياس كالكِتَابَةِ والخِيَاطَة ونَحْوِهما.

ومن المَجَازِ، في حديث أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ: «سَمِعه النبيُّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم يَقرأُ فقال: «لقد أُعطِيتَ مِزْمارًا من مَزامِيرِ آل دَاوودَ» شَبَّهَ حُسْنَ صَوْتِه وحَلاوةَ نَغْمته بصَوْتِ المِزْمَار.

ومَزامِيرُ دَاوودَ، عَليهِ السَّلام: ما كان يَتَغَنَّى به من الزَّبُورِ، وإِليه المُنْتَهَى في حُسْنِ الصَّوْتِ بالقراءَة. والآلُ في قَوله «آل داوود» مُقْحَمة، قِيلَ: مَعْنَاه هاهنا الشَّخْص.

وقيل: مَزامِيرُ دَاوودَ: ضُرُوبُ الدُّعَاءِ، جمْعُ مِزْمارٍ ومَزْمُورٍ، الأَخِيرة عن كُراع، ونَظيره مَعْلُوق ومَغْرُود. وفي حَدِيثِ أَبِي بَكْر رضي ‌الله‌ عنه: «أَبِمَزْمُورِ الشَّيْطَانِ في بَيْتِ رَسُولِ اللهِ» وفي رِواية: «مِزْمَارَة الشَّيْطَان عند النَّبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم».

قال ابنُ الأَثِير: المَزْمور، بفتح الميم وضَمِّها، والمِزْمارُ سواءٌ، وهو الآلةُ التي يُزْمَرُ بها.

والزَّمَّارَةُ كجَبَّانَةٍ: ما يُزْمَرُ به وهي القَصَبَة، كما يُقَالُ للأَرضِ التي يُزْرَع فِيها زَرَّاعَة، كالمِزْمَارِ، بالكَسْر.

ومن المَجَاز: الزَّمَّارة: السَّاجُورُ الذي يُجْعَل في عُنقِ الكَلْب. قال الزَّمَخْشَرِيّ: واستُعِير للجَامِعَة. وكتبَ الحَجَّاج إِلى بَعض عُمَّاله أَن ابْعث إِليَّ فُلانًا مُسمَّعًا مُزَمَّرًا؛ أَي مُقَيَّدًا مُسَوْجَرًا. وأَنْشَدَ ثَعْلَب:

ولِي مُسْمِعانِ وزَمَّارةٌ *** وظِلٌّ مَدِيدٌ وحِصْنٌ أَمَقّ

فسَّرَه فقال: الزَّمَّارة: السَّاجور. والمُسْمِعَانِ: القَيْدَان، يَعنِي قَيْدَيْن وغُلَّيْنِ. والحِصْن: السِّجْن، وكلّ ذلك على التَّشْبِيه. وهذا البَيْتُ لبعض المُحَبَّسِينَ، كان مَحْبُوسًا.

فمُسْمِعَاه قَيْدَاه، لصَوْتِهما إِذا مَشَى. وزَمَّارَتُه السَّاجْور، والحِصْن: السِّجن وظُلْمته: وفي حديث سَعِيد بْنِ جُبَيْر: «أَنه أُتِيَ به الحَجَّاجُ وفي عُنقه زَمَّارةٌ».

[الزَّمَّارة] أَي الغُلّ.

والزَّمَّارة: الزَّانِيَةُ، عن ثَعْلَب. قال: لأَنَّهَا تُشِيعُ أَمْرَها.

وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم نَهَى عن كَسْب الزَّمَّارة.

قال أَبُو عُبَيْد: قال الحَجَّاج: الزَّمّارةُ: الزَّانِيَةُ.

قال: وقال غيره: إِنَّمَا هي الرَّمَّازة، بتَقْدِيم الرَّاءِ على الزَّاي، من الرَّمْزِ، وهي التي تُومِي‌ءُ بشَفَتَيْهَا وبِعَيْنَيها وحاجِبَيْهَا، والزَّوانِي يَفْعَلْن ذلك، والأَوَّلُ الوَجْهُ. وقال أَبو عُبَيْد: هي الزَّمَّارة، كما جاءَ في الحديث. قال الأَزهريّ: واعترض القُتَيْبِيُّ على أَبي عُبَيْد في قَوْله: هي الزَّمَّارة، كما جاءَ في الحَدِيث، فقال: الصَّواب الرَّمَّازَة، لأَنَّ من شَأْنِ البَغِيّ أَن تُومِضَ بعَيْنِها وحاجِبها، وأَنشد:

يُومِضْنَ بالأَعْيُنِ والحَوَاجِبِ *** إِيماضَ بَرْقٍ في عَمَاءٍ ناصِبِ

قال الأَزهريّ: وقول أَبي عبيد عندي الصوابُ. وسُئِل أَبُو العبّاس أَحمدُ بنُ يَحْيَى عن مَعْنَى الحَدِيثِ: «أَنه نَهَى عن كَسْب الزَّمَّارة» فقال: الحَرْف الصَّحيحُ زَمَّارة. ورَمَّازةٌ هاهنا خَطَأٌ، والزَّمَّارة: البَغِيّ الحَسْنَاءُ. والزَّمِيرُ: الغُلامُ الجَمِيل، وإِنَّما كان الزِّنَا مع المِلَاحِ لا معَ القِبَاحِ. قال الأَزهَرِيّ: لِلزَّمَّارَة في تفسيرِ ما جاءَ في الحَدِيثِ وَجْهَانِ: أَحدهما أَن يَكونَ النّهْيُ عن كَسْب المُغَنِّيَة، كما رَوَى أَبُو حَاتم عن الأَصمَعِيّ، أَو يَكون النَّهْيُ عن كَسْبِ البَغِيِّ، كما قال أَبو عُبَيْدٍ وأَحْمَدُ بنُ يحيى، وإِذا رَوَى الثِّقاتُ للحديثِ تَفْسِيرًا له مَخْرَجٌ، لم يَجُزْ أَن يُرَدَّ عليهم، ولكِن تُطلَب له المَخَارِجُ من كلامِ العَرَب. أَلَا تَرَى أَنَّ أَبا عُبَيْدٍ وأَبا العَبَّاس لَمَّا وَجَدَا لِمَا قال الحَجَّاج وَجْهًا في اللُّغَة لم يَعْدُوَاه.

وعَجِل القُتَيْبيّ ولم يَتَثَبَّت، ففسَّر الحَرْفَ على الخِلاف. ولو فَعَل فِعْل أَبي عُبَيد وأَبي العَبَّاس كان أَوْلَى به، قال: فإِيَّاك والإِسراعَ إِلى تَخْطِئة الرُّؤَساءِ ونِسْبَتهم إِلى التَّصْحِيف، وتأَنَّ في مِثْل هذَا غَايَةَ التَّأَنِّي، فإِنِّي قد عَثَرْت على حُروف كَثِيرةٍ رَواها الثِّقَاتُ فغَيَّرهَا مَنْ لا عِلْم له بها، وهي صَحِيحَة.

قُلْتُ: والحَجَّاج هذا هو رَاوِي الحَدِيث عن حَمّاد بنِ سَلَمَة، عن هِشَام بْنِ حَسَّان وحَبِيب بن الشَّهِيد، كِلاهُمَا عن ابْنِ سِيرِين عن أَبِي هُرَيْرَةَ. وهو شَيْخُ أَبِي عُبَيْد، ورَواه ابن قُتَيْبَة عن أَحْمدَ بنِ سَعِيد عن أَبي عُبَيْد، كذا في «استدراك الغَلَط» وهو عندي.

وفي الْمحكم: الزَّمَّارة: عَمودٌ بين حَلْقَتَيِ الغُلِّ.

والزِّمَار، ككِتَاب: صَوْتُ النِّعَّامِ، كذا في الصّحاح، وفي غَيْره: صَوتُ النَّعَامَةِ، وهو مجازٌ. وفِعْلُه كضَرب.

يقال: زَمَرَت النَّعامةُ تَزْمِر زِمَارًا: صَوَّتَت. وأَمّا الظَّلِيم فلا يقال فيه إِلا عَارَّ يُعَارُّ.

وزَمَرَ القِرْبَةَ يَزْمُرها زَمْرًا وزَنَرَها، كزَمَّرها تَزْمِيرًا: مَلَأَها*، عن كُراع واللِّحْيانيّ.

ومن المَجَازِ: زَمَرَ بالحَدِيث: أَذَاعَه وأَفْشَاه. وفي الأَسَاسِ: بَثَّة وأَفْشاه.

ومن المَجَاز: زَمَرَ فُلانًا بفُلان ـ ونَصُّ الأَساس: فُلانٌ فُلانًا، وما ذَكرَه المصنّف أَثْبَتُ ـ: أَغْرَاه به.

وزَمَرَ الظَّبْيُ زَمَرَانًا، محرَّكَةً نَفَرَ.

والزَّمِرُ، ككَتِف: القَلِيلُ الشَّعرِ والصُّوفِ والرِّيشِ، وقد زَمِرَ زَمَرًا. ويقال: صَبِيٌّ زَمِرٌ زَعِرٌ، وهي بهاءٍ يقال: شاة زَمِرَةٌ، وغَنَمٌ زَوَامِرُ وشَعرٌ زَمِرٌ.

ومن المَجَاز: الزَّمِر: القَلِيلُ المُرُوءَةِ، يقال: رَجلٌ زَمِرٌ بَيِّنُ الزَّمَارَةِ والزُّمُورَةِ؛ أَي قَلِيلُهَا، وقد زَمِرَ، كفَرِحَ، زَمَارَةً وزُمَورَةً.

وقال ثَعْلَب: الزَّمِرُ الحَسَنُ. وأَنشد:

دَنَّانِ حَنَّانَانِ بَيْنَهُما *** رَجُلٌ أَجَشُّ غِنَاؤُه زَمِرُ

أَي غنَاؤُه حَسَنٌ. وخَصَّه المُصَنِّفُ بحَسَنِ الوَجْهِ.

والزِّمِرُّ، كطِمِرٍّ وزِبِرّ: الشَّدِيدُ من الرِّجال. والزَّمِيرُ، كأَمِير: القَصِيرُ منهم، الجمع: زِمَارٌ، بالكسر، عن كُراع.

والزَّمِير: الغُلامُ الجَميلُ، قاله ثَعْلَب، وقد تقدّم. قال الأَزهريّ: ويقال: غِنَاءٌ زَمِيرٌ؛ أَي حَسَنٌ، كالزَّوْمَرِ، كجَوْهَر والزَّمُور، كصَبُور.

والزُّمْرَةُ، بالضَّمّ: الفَوْجُ من النّاسِ، والجَمَاعَةُ من النَّاس، وقيل: الجَمَاعَةُ في تَفْرقَة، الجمع: زُمَرٌ، كصُرَد. يقال: جَاءُوا زُمَرًا؛ أَي جَمَاعَاتٍ في تَفْرِقَة، بعضُها إِثْرَ بَعْض. قال شَيْخُنا: قال بَعضُهم: الزُّمْرَة مَأْخُوذ من الزَّمْر الذي هو الصَّوْت، إِذا الجماعةُ لا تَخْلُو عنه. وقيل: هي الجَمَاعَةُ القَلِيلَةُ، من قولهم: شاةٌ زَمِرَةٌ، إِذا كانت قلِيلَةَ الشَّعرِ، انتهَى.

قلْتُ: والأَوّلُ الوَجْهُ ويَعْضُدُه قَوْلُ المصنِّف في البصائر: لأَنها إِذا اجتمعَتْ كان لها زِمَارٌ وجَلَبة. والزِّمار بالكَسْر: صَوْتُ النَّعَامِ.

ومن المَجَاز: المُسْتَزْمِرُ: المُنْقَبِضُ المُتَصاغِرُ، قال:

إِنَّ الكَبِيرَ إِذا يُشَافُ رَأَيْتَهُ *** مُقْرَنْشِعًا وإِذَا يُهَانُ استَزْمَرَا

وفي الأَساس: استَزْمَرَ فُلانٌ عِنْد الهَوَانِ: صارَ ذَلِيلًا ضَئِيلًا.

وبَنُو زُمَيْر، كزُبَيْر: بَطْنٌ من العَرَب.

وزَيْمَرٌ، كحَيْدُر، عَلَمٌ. واسْمُ ناقة الشَّمَّاخِ، وأَنشدَ له ابنُ دريد في «ع ر ش»:

ولمَّا رأَيتُ الأَمْرَ عَرْشَ هَوِيَّةٍ *** تَسلَّيْت حاجَاتِ النُّفُوسِ بزَيْمَرَا

وهكذا فَسَّرَه.

وزَيْمَرُ: بُقْعَةٌ بجِبَالِ طَيِّئ. قال امرؤُ القَيْس:

وكُنْتُ إِذَا ما خِفْتُ يَوْمًا ظُلَامَةً *** فإِنَّ لها شِعْبًا ببُلْطَةِ زَيْمَرَا

وزَيْمُرَانُ، بضمّ الميم، كضَيْمُرَان: موضع.

وزَمَّارَاءُ، بالضمّ مُشَدَّدَةً مَمْدُودَةً: موضع. قال حَسَّانُ بن ثابِت رضي ‌الله‌ عنه:

فقَرَّب فالمَرُّوت فالخَبْت فالمُنَى *** إِلى بَيْتِ زَمَّارَاءَ تَلْدًا علَى تَلْدِ

والزِّمِّيرُ، كسِكِّيت: نَوعٌ من السَّمكِ له شَوْكٌ ناتئٌ وَسطَ ظَهْره، وله صَخَبٌ وَقْت صَيْدِ الصَّيّاد إِيّاه وقَبْضِه عليه، وأَكثرُ ما يُصْطَاد في الأَوْحَالِ وأُصُولِ الأَشْجَارِ في المِياه العَذْبةِ.

وازْمأَرَّ: غَضِبَ واحْمَرَّتْ عَيْنَاهُ عند الشِّدَّة والغَضَب، لغة في ازْمَهَرَّ، عن الفَرّاءِ.

* ومما يُسْتَدْرَك عليه:

عَطِيَّةٌ زَمِرَةٌ؛ أَي قليلة، وهو مَجاز.

والزُّمَارُ، بالضمّ: لغة في زِمَارِ النَّعَام. والزَّوْمَر، كجَوْهَرٍ: الجمَاعةُ.

والزِّمَار، بالكسر: الغِرْسُ على رأْس الولد.

وزَمْرَانُ، كسَحْبَانَ: مَدينةٌ بالمَغْرِب منها أَبو عَبْدِ الله مُحمَّدُ بنُ عَلِيّ بنِ مَهْدِيّ بنِ عِيسَى بنِ أَحمدَ الهراويّ المعروف بالطالب توفي سنة 964 وأَخذ عن القُطب أَبي عبد الله محمّد بن عجال الغزوانيّ المرَّاكِشيّ وغيره.

وإِزميرُ، كإِزميل: مدينةٌ بالرُّوم.

والزمّارَة: قَرية بمصر.

وكَفْرُزَمَّارٍ، كشَدّاد: ناحية واسعةٌ من أَعْمال قَرْدَى بينها وبين بَرْقَعِيد أَربعةُ فراسخَ أَو خَمْسَة.

ووادِي الزَّمَّار: قُربَ المَوْصل بينها وبين دَيرِ ميخَايِيل، وهو مُعشِب أَنِيق وعليه رَابِية عالية، يقال لها رَابِيَةُ العُقَاب.

قال الخَالِدِيّ:

أَلسْتَ تَرَى الرَّوضَ يُبْدِي لنا *** طَرَائِفَ منْ صُنْعِ آذَارِهِ

تَلبّسَ مِنْ مَا تَخَايَالِه *** حُلِيًّا على تَلِّ زَمَّارِهِ

وزَامِرَانُ: قريةٌ على أَقلَّ من فَرسخ من مَدِينةِ نَسَا. منها أَبو جَعْفَر مُحمَّدُ بنُ جَعْفَر بن إِبراهِيم بن عِيسى الزَّامِرَانِيّ، مع الطَّحاوِيّ والباغَنْدِيّ، تُوفِّيَ بها سنة 360 قاله ابنُ عَسَاكِر في التَّارِيخ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


39-تاج العروس (سجر)

[سجر]: سَجَرَ التَّنُّورَ يَسْجُره سَجْرًا: أَوْقَدَه وأَحْماهُ، وقيل: أَشْبَعَ وَقُودَه. وفي حَدِيث عَمْرِو بنِ العَاص: «فَصَلِّ حتَّى يَعْدِلَ الرُّمْحَ ظِلُّه، ثم اقْصُر، فإِنّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ وتُفْتَح أَبْوابُهَا». أَي تُوقَد، كأَنَّه أَرادَ الإِبْرادَ بالظُّهْرِ، كما في حَدِيثٍ آخَرَ. وقال الخطّابِيُّ: قوله: تُسْجَر جَهَنَّم، وبين قَرْنَيِ الشَّيْطَان، وأَمثالُها من الأَلْفَاظ الشَّرْعيَّة التي يَنْفَرِد الشارِعُ بمعَانِيهَا، ويَجِب علينا التَّصْدِيقُ بها والوقوفُ عند الإِقرار بصِحَّتها والعَمَلُ بِمُوجِبِها.

وسَجَرَ النَّهْرَ يَسَجُره سَجْرًا وسُجُورًا: مَلأَه، كسَجَّرَه تَسْجِيرًا.

وسَجَرْت الماءَ في حَلْقِه: صَبَبْتُه. قال مُزاحِمٌ:

كما سَجَرَتْ في المَهْدِ أُمٌّ حَفِيَّةٌ *** بيُمْنَى يَدَيْهَا مِن قَدِيٍّ مُعَسَّلِ

ويُرْوَى سَحَرتْ. والقَدِيُّ: الطَّيِّب الطَّعْمِ من الشَّرَابِ والطَّعَامِ.

ومن المَجَاز: سَجَرَت النَّاقَةُ تَسْجُر سَجْرًا وسُجُورًا: مَدَّت حَنِينَها فَطَربَتْ في إِثْر وَلَدِهَا، قاله الأَصمَعِيّ. قال أَبُو زُبَيْدٍ الطَّائِيُّ في الوَلِيد بنِ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، ويُروَى أَيضًا للحَزِينِ الكِنَانِيّ:

فإِلى الوَليدِ اليَوْمَ حَنَّتْ ناقَتِي *** تَهْوِي لِمُغْبَرِّ المُتُونِ سَمَالِقِ

حَنَّتْ إِلى بَرْكٍ فقُلْتُ لها قُرِي *** بَعْضَ الحَنِينِ فإِنّ سَجْرَك شائِقي

كَمْ عِنْدَه من نائِلٍ وسَمَاحَة *** وشَمَائِلٍ مَيْمُونةٍ وخَلائِقِ

قوله: «قُرِي» من الوَقَارِ والسُّكُون. ونصب به «بعض الحَنِين» على معنى كُفِّي عن بعض الحَنِين فإِنَّ حَنِينَك إِلى وَطَنِك شائِقي لأَنَّه مُذَكِّر لي أَهْلِي ووَطَنِي.

والسَّجُورُ، كصَبُور: ما يُسْجَرُ بِهِ التَّنُّور؛ أَي يُوقَد ويُحْمَى، فهو كالوَقُود لَفْظًا ومعنًى، كالْمِسْجَر، بالكَسْر، والمِسْجَرة، وهي الخَشَبَة التي يُسَاطُ بها السَّجُور في التَّنُّور، قاله الصاغانيّ.

والمَسْجُورُ: المُوقَدُ.

والمَسْجُورُ: الفَارِغُ، عن أَبي علِيّ.

والساجِرُ والمَسْجُور: السَّاكِنُ. وقال أَبُو عُبَيْدٍ.

المَسْجُور: الساكِن، والمُمْتَلِئ، معًا. وقال أَبو زَيْد: المَسْجورُ يكون المملوءَ، ويكون الذي ليس فيه شيْ‌ءٌ، ضِدّ.

وو المَسْجُورُ: البَحْرُ الذي ماؤُه أَكثرُ منه.

وقوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ} فَسَّره ثَعْلب فقال: مُلِئتْ. قال ابنُ سِيدَه: ولا وَجْهَ له إِلَّا أَن تكون مُلِئَتْ نَارًا، وجاءَ أَنَّ البحرَ يُسْجَر فيكُون نارَ جَهَنَّم، وكان عليٌّ رضي ‌الله‌ عنه يقول: مَسْجُورٌ بالنَّار؛ أَي مَمْلوءٌ.

قال: والمَسْجُور في كلام العرب: المَمْلُوءُ. وقد سَكَرْتُ الإِنَاءَ وسَجَرْتُه، إِذا مَلأْتَه. قال لَبِيد:

مَسْجُورةً مُتَجاوِرًا قُلَّامُها

وقال في قولِه تعالى: {وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ} أَفْضَى بعضُها إِلى بَعْض فصار بَحْرًا واحِدًا. وقال الرّبِيع: سُجِّرت؛ أَي فاضَتْ. وقال قَتادَةُ: ذَهَبَ مَاؤُهَا. وقال كَعْب: البَحْرُ جَهَنَّم يُسْجَر. وقال الزَّجَّاج: جُعِلَت مَبانِيهَا نِيرانَها يُحَاطُ بِها أَهلُ النَّار. وقال أَبو سَعِيد: بَحْرٌ مَسْجُورٌ ومَفْجورٌ. وقال الحَسَن البَصْريّ؛ أَي أُضْرِمَت نارًا. وقيل: غِيضَت مِيَاهُها، وإِنما يكون ذلِك لِتَسْجِير النار فيها، وهذا الأَخِير من البصائر وقيل: لا يَبعُدُ الجميع، تُخْلَط وتَفِيض وتَصِير نارًا، قاله الأَبّيّ وغيرُه. قال شَيْخُنَا: وهذا مبنِيٌّ على جَوازِ استعمال المُشْتَرَك في معانِيه، وهو مَذْهَب الجُمْهُور.

ثم إِنَّ قولَ المصنّف: البحرُ الذي ماؤُه أَكثرُ منه، لم أَجِده في أُمَّهات الأُصولِ اللغَويَّة. وهُم صَرَّحُوا أَن المَسْجُورَ المملوءُ أَو المُوقَدُ أَو المفجورُ، أَو غيرُ ذلِك، وقد تقدَّم.

ولعلَّه أُخِذَ من قول الفَرَّاءِ؛ فإِنّه قال في: «المَسْجُور»: اللّبَنُ الذي ماؤُه أَكثرُ من لَبَنِه، وهو يُشِير إِلى مَعْنَى المُخَالَطَةِ، فتَأَمَّل.

وفي الصّحاح: المَسْجُور: من اللُّؤْلُؤ: المَنْظُومُ المُسْتَرْسلُ. قال المُخَبَّل السَّعْدِيّ:

وإِذَا أَلَّمَ خَيَالُهَا طَرَفَتْ *** عَيْنِي فمَاءُ شُؤُونِهَا سَجْمُ

كاللُّؤْلُؤِ المَسْجُورِ أُغْفِل في *** سِلْكِ النِّظَامِ فخَانَه النَّظْمُ

ويُقال: مَرَرْنا بكُلِّ حاجِرٍ وسَاجِرٍ. الساجِرُ: المَوْضِعُ الَّذِي يأْتِي عَلَيْهِ السَّيْلُ ويَمُرّ به فيَمْلَؤُه، على النَّسَبِ أَو يَكُونُ فاعِلًا بمعنَى مَفْعُول. قال الشَّمَّاخ:

وأَحمَى عليها ابْنَا يَزِيدَ بْنِ مُسْهِرٍ *** ببَطْنِ المَرَاضِ كُلَّ حِسْيٍ وساجِرِ

وساجِرٌ: مَاءٌ باليَمَامَةِ لضَبَّةَ. قال ابنُ بَرِّيّ: يَجْتَمِع من السَّيْل، وبه فُسِّرَ قولُ السَّفَّاح بنِ خالِدٍ التَّغْلبِيّ:

إِنَّ الكُلَاب ماؤُنا فخَلُّوهْ *** وساجِرًا والله لَنْ تَحُلُّوهْ

وساجِرٌ: موضع آخَرُ. قال الرَّاعي:

ظَعَنَّ ووَدَّعْنَ الجَمَادَ مَلَامَةً *** جَمَادَ قَسَا لَمَّا دَعَاهُنَّ ساجِرُ

وقال سَلَمَةُ بنُ الخُرْشُب:

وأَمْسَوْا حِلَالًا ما يُفرَّقُ جَمْعُهُمْ *** علَى كُلِّ ماءٍ بَينَ فَيْدَ وساجِرِ

ومن المَجَاز: السَّجِيرُ: الخَلِيلُ الصَّفِيُّ المُخَالِط الصَّدِيقُ، من سَجَرَت النَّاقَةُ إِذا حَنَّت، لأَنَّ كل واحِدٍ منهما يَحِنّ إِلى صاحبه، كما في الأَساس والبصائر، الجمع: سُجَرَاءُ، كأَمِيرٍ وأُمراءَ.

والسّاجُورُ: خَشَبَةٌ تُعَلَّق. وقال الزَّمخشريّ. طَوْقٌ من حَدِيد. وقال بعضهم: السَّاجُور: القِلادةُ تُجْعَل في عُنُق الكَلْب. وقد سَجَرَه، إِذا شَدَّهُ بِه، وكُلُّ مَسْجُورٍ في عُنُقِه ساجُورٌ، عن أَبي زَيْد، كسَوْجَرَه، حكاه ابنُ جِنِّي، فإِنه قال: كَلْبٌ مُسَوْجَرٌ، فإِن صَحَّ ذلك فشَاذٌّ نادِرٌ.

وقال أَبو زيد. كَتبَ الحَجَّاجُ إِلى عامِلٍ له أَن ابْعَثْ إِليَّ فُلانًا مُسَمَّعًا مُسَوْجَرًا؛ أَي مُقَيَّدًا مَغْلُولًا. قلْت: وزادَ الزمخشريّ: سَجَّرَه تَسْجِيرًا. وقال: كَلْبٌ مَسْجُورٌ ومُسَجَّرٌ ومُسَوْجَرٌ. وقد سَجَرْتُه وسَجَّرْتُه وسَوْجَرْتُه، إِذا طوَّقْتَه السَّاجورَ.

والسّاجُور: نَهرٌ بمَنْبجَ، ضِفَّتَاه بَسَاتِينُ، ويقال لهما: السَّوَاجِرُ، أَيضًا.

والسِّجَارُ، ككِتَاب: قرية، قُربَ بُخَارَى، وهي التي يقال لها: ججَار، بجِيمَين، وقد ذَكَرها المُصَنِّف هناك. ومنها أَبو شُعَيْب الوَلِيّ العَابِد المذكور، فكان يَنْبَغِي أَن يُنَبّه على ذلِك، لئلا يَغْتَرّ المُطَالِعُ بأَنَّهما اثْنَتَانِ.

والسَّوْجَرُ: شَجَرُ، أَو هو شَجَرُ الخِلَاف، يمانِيَةٌ، أَو الصَّواب بالمهملَة، كما سيأْتي.

والسَّجْوَرِيُّ، كجَوْهَرِيّ: الرَّجُل الخَفِيفُ، حكاه يَعْقُوب، وأَنْشَد:

جَاءَ يَسُوقُ العَكَرَ الهُمْهُومَا *** السَّجْوَرِيُّ لارَعَى مُسِيمَا

وصَادَفَ الغَضَنْفَرَ الشَّتِيمَا

أَو السَّجْوَرِيُّ: الأَحْمَقُ، لخِفَّة عقْلِه.

وعَيْنٌ سَجْراءُ: خَالَطَت بَيَاضَهَا حُمْرَةٌ أَو زُرْقَةٌ، وهي بَيِّنَةُ السُّجْرَةِ، بالضَّمِّ، والسَّجَرِ، بالتَّحْرِيك وفي التَّهْذِيب: السَّجَرُ والسُّجْرَةُ: حُمْرَةٌ في العَيْن في بَيَاضِها وقال بَعْضُهم: إِذا خالَطَت الحُمْرَةُ الزُّرقَةَ فهي أَيضًا سَجْرَاءُ. وقال أَبو العَبَّاس: اختلَفُوا في السَّجَر في العَيْن. فقال بَعْضُهُم: هي الحُمْرَة في سَوَادِ العَيْن. وقيل: البَيَاضُ الخَفِيفُ في سَوَادِ العَيْن. وقيل: هي كُدْرَةٌ في باطِنِ العَيْن من تَرْكِ الكُحْلِ.

وفي صِفَةِ علِيٍّ رضي الله عَنْه: «كان أَسْجَرَ العَيْنِ»، وأَصلُ السَّجَرِ والسُّجْرَةِ الكُدرَةُ. وفي المُحْكَمِ: السَّجَرُ والسُّجْرَة: أَن يُشْرَبَ سَوَادُ العَيْنِ حُمْرَةً. وقيل: أَن يَضْرِبَ سَوَادُهَا إِلى الحُمْرَة. وقيل: هي حُمْرَةٌ في بياض. وقيل: حُمْرَةٌ في زُرْقَة. وقيل: حُمْرَةٌ يَسيرةٌ تُمازِجُ السَّوَادَ. رَجلٌ أَسْجَرُ وامرأَةٌ سَجْرَاءُ، وكذلِك العَيْن.

وشَعرٌ مُسَجَّرٌ ومُنْسَجِرٌ ومُسَوْجَرٌ: مُسْتَرْسِلٌ مُرْسَلٌ.

وقالوا: شَعرٌ مُنْسَجِرٌ ومَسْجُورٌ: مُسْتَرسِلٌ: وشَعرٌ مُسَجَّرٌ: مُرَجَّلٌ.

وسَجَرَ الشي‌ءَ سَجْرًا: أَرْسَلَه.

والمُسَجَّرُ: الشَّعرُ المُرْسَل. قال الشَّاعر:

إِذَا مَا انْثَنَى شَعْرُه المُنْسَجِرْ

وقال آخَر:

إِذَا ثُنِيَ فَرْعُها المُسَجَّرْ

والأَسْجَرُ: الغَدِيرُ الحُرُّ الطِّينِ. قال الحُوَيْدِرَةُ:

بِغَرِيضِ سارِيَةٍ أَدَرَّتْه الصَّبَا *** من ماءِ أَسْجَرَ طَيِّبِ المُسْتَنْقَعِ

ويقال: غَدِيرٌ أَسْجَرُ، إِذا كَان يَضْرب ماؤُه إِلى الحُمْرَة، وذلك إِذا كان حَدِيثَ عَهْدٍ بالسماءِ قبْل أَن يَصْفُوَ.

والأَسْجَرُ: الأَسَدُ، إِمَّا للَوْنِه وإِمّا لحُمْرةِ عَيْنَيْه.

وتَسْجِيرُ المَاءِ: تَفْجِيرُه حَيْثُ يريد، قاله أَبُو سَعِيد.

وقال الزَّجّاج: قُرِئَ سُجِرَت وسُجِّرَتْ فسُجِرَت: مُلِئَت. وسُجِّرَت: فُجِّرَت وأَفْضَى بَعْضُها إِلى بعضٍ فصارت بحْرًا واحِدًا، نقله الصَّاغانِي.

ومن المَجاز: المُسَاجَرَةُ: المُخَالَّةُ والمُصَادَقَة والمُصَاحَبَة والمُصَافَاة، من سَجَرَتِ النَّاقَة سَجْرًا، إِذا مَلأَت فاهَا من الحَنِين إِلى وَلدِها، قاله الزَّمَخْشَرِيّ، ومثلُه في البصائر، قال أَبو خِرَاشٍ:

وكُنْتَ إِذا ساجَرْتَ منهم مُسَاجِرًا *** صَبَحْتَ بفَضْلٍ في المُروءَةِ والعِلْمِ

وأَسْجَرَ في السَّيْرِ: تَتَابَعَ، هكذا في النُّسخ، والذي في الأُمّهات اللُّغويّة: انْسَجَرَتِ الإِبِلُ في السَّيْر: تَتَابَعَتْ.

والسَّجْرُ: ضَرْبٌ من السَّيْر للإِبِل بين الخَبَبِ والهَمْلَجَةِ، وقال ابن دُرَيْد: شَبِيهٌ بخَبَبِ الدَّوَابِّ. وقيل: الانْسِجَارُ: التَّقَدُّمُ في السَّيْرِ والنَّجَاءُ. ويقال أَيضًا بالشِّين المعجمةِ، كما سَيَأْتي.

والمُسْجَئِرُّ، كمُقْشَعِرَّ الصُّلْبُ من كلّ شَيْ‌ءٍ، عن ابن دُرَيْد.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

انْسَجَر الإِناءُ: امْتَلأَ.

وسَجَرَ البَحْرُ: فَاضَ أَو غَاضَ.

وسُجِرَت الثِّمَادُ: مُلِئَتْ من المَطَر، وكذلك الماءُ سُجْرَةٌ، والجمْع سُجَر.

والسَّاجِر: السَّيْلُ الذي يَملأُ كُلَّ شَيْ‌ءٍ.

وبِئْرٌ سَجْرٌ؛ أَي مُمْتلِئَةٌ.

والمَسْجُور: اللَّبَنُ الذِي ماؤُه أَكثرُ من لَبَنِه، عن الفَرَّاءِ.

والمُسَجَّر: الذي غاضَ ماؤُه.

ولُؤْلُؤٌ مَسْجُورٌ انتَثَرَ من نظامِه.

وقيل: لُؤْلُؤةٌ مَسْجُورة: كَثِيرةُ الماءِ.

وسَجَّرَت النَّاقَةُ تَسْجِيرًا: حَنَّتْ، قاله الزَّمَخْشَرِيّ. وقد يُستعمَل السَّجْرُ في صَوْت الرَّعْدِ.

وعَينٌ مُسَجَّرَةٌ: مُفْعَمَةٌ.

والسَّاجِر: الساكِن.

وقَطْرَةٌ سَجْرَاءُ: كَدِرَةٌ، وكذلك النُّطْفَةُ. وفي أَعْنَاقِهمِ السَّواجِيرُ؛ أَي أَغلالٌ، وهو مَجَاز.

وسَجْرٌ، بالفتح: موضعٌ حِجَازِيّ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


40-تاج العروس (سمع)

[سمع]: السَّمْعُ: حِسُّ الأُذُنِ، وهي قُوَّةٌ فيها، بها تُدْرَكُ الأَصْوَات، وفي التَّنْزِيلِ العَزِيز: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} قال ثعلب: أَي خَلَا له فلم يَشْتَغِلْ بغَيْرِه، ويُعَبَّرُ تارَةً بالسَّمْع عن الأُذُن، نحو قوله تعالَى: {خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ} كما فِي المُفْرَداتِ.

وِالسَّمْعُ أَيْضًا: اسْمُ ما وَقَرَ فِيها من شَيْ‌ءٍ تَسْمَعُه، كما فِي اللِّسَانِ.

وِالسَّمْعُ أَيضًا: الذِّكْرُ المَسْمُوعُ الحَسَنُ الجَمِيلُ، ويُكْسَرُ، كالسَّمَاعِ، الفَتْحُ عن اللِّحْيَانِيِّ، والكسرُ سَيَذْكُره المُصَنِّفُ فيما بَعْدُ بمعنَى الصِّيتِ، وشَاهِدُ الأَخِيرِ:

أَلا يَا أُمَّ فارِعَ لا تَلُومِي *** على شَيْ‌ءٍ رَفَعْتُ به سَمَاعِي

وِالسَّمَاع: ما سَمَّعْتَ به فشَاعَ وتُكُلِّمَ به.

وِيكونُ السَّمْعُ للوَاحِدِ والجَمْع، كقَوْلِه تَعالى: {خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ} لأَنَّه في الأَصْلِ مَصْدَرٌ، كما في الصِّحاح، ج: أَسْمَاعٌ، قال أَبُو قَيْسِ بنُ الأَسْلَتِ:

قالَتْ ولم تَقْصِدْ لِقِيلِ الخَنَا *** مَهْلًا فقد أَبْلَغْتَ أَسْمَاعِي

ويُرْوَى: «إِسْمَاعِي» بكسر الهَمْزَة على المَصْدَر وجَمْع القِلَّة أَسْمُعٌ، وجج أَي جَمْع الأَسْمُع كما فِي العُبَابِ، وفي الصّحاح: جَمْع الأسْمَاعِ: أَسامِعُ، ومنه‌الحَدِيثُ: «مَنْ سَمَّعَ الناسَ بعَمَلِه سَمَّعَ الله به أَسامِعَ خَلْقِه، وحَقَّرَه، وصَغَّرَه» يريد أَنّ الله تَعالَى يُسَمِّعُ أَسماع خَلْقه بهذا الرَّجُل يومَ القيَامة.

ويحْتَملُ أَنْ يكونَ أَراد أَنَّ الله يُظْهِرُ للنّاسِ سَرِيرَتَه، ويمْلأُ أَسماعَهُم بما يَنْطوِي عليه من خُبْثِ السَّرائرِ؛ جَزَاءً لعَملِه. ويُرْوَى «سَامِعُ خَلْقِه» برفع العَيْن، فيكون صِفَةً من اللهِ تَعَالَى؛ المَعْنَى: فَضَحَه الله تَعالَى.

سَمِعَ، كعلِمَ سَمْعًا، بالفَتْحِ ويُكْسَرُ، كعَلِمَ عِلْمًا، أَو بالفَتْحِ المَصْدَرُ، وبالكَسْرِ الاسْمُ، نَقَلَه اللِّحْيَانِيُّ في نَوَادِرِهِ عن بَعْضِهِم، وسَماعًا وسَمَاعَةً، وسَمَاعِيَةً ككَرَاهِيَة.

وِتَسَمَّع الصَّوْتَ: مثلُ سَمِع، قال لَبِيدٌ ـ رضِيَ اللهُ عنه ـ يصِفُ مَهَاةً:

وِتَسَمَّعَتْ رِزَّ الأَنِيسِ فَرَاعَها *** عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ والأَنِيسُ سَقَامُها

وِإِذا أَدْغَمْتَ قُلْت: اسَّمَّعَ، وقرأَ الكُوفيُّون، غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ: {لا يَسَّمَّعُونَ}، بتشديدِ السِّينِ والمِيمِ، وفي الصّحاحٍ: يقال: تَسَمَّعْت إِليه، وسَمِعْتُ إِلَيْهِ، وَسَمِعْتُ له، كُلُّهُ بمعنًى واحِدٍ؛ لأَنَّهُ تعالى قال: وقَالُوا {لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ} وقُرِئَ: لا يسمَعُون إِلى المَلإِ الأَعْلَى مُخَفَّفًا.

وِالسَّمْعَة: فَعْلَةٌ من الإِسْمَاع، وبِالكَسْرِ: هَيْئتُه، يُقَالُ: أَسْمَعْتَه سَمْعَةً حَسَنَةً.

وِقولُهُمْ: سَمْعَكَ إِلَيَّ؛ أَي اسْمَعْ مِنِّي، وكذلِكَ سَمَاعِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وسيأْتِي «سَمَاعِ» للمُصَنِّفِ في آخِر المادَّةِ.

وِقالُوا: ذلِكَ سَمْعَ أُذْنِي، بالفَتْحِ ويُكْسَر، وسَمَاعَهَا وسَمَاعَتَهَا؛ أَي إِسْمَاعَها قال:

سَماعَ اللهِ والعُلَمَاءِ إِنِّي *** أَعُوذُ بخَيْرِ خالِكَ يا ابْنَ عَمْرِو.

أَوْقَع الاسمَ مَوْقِعَ المَصْدَرِ، كأَنَّه قال: إِسْماعًا عَنِّي، قال:

وِبَعْدَ عَطَائِكَ المِائَةَ الرِّتَاعَا

قال سِيبَوَيْهٌ: وإِن شِئْتَ قُلْتَ: سَمْعًا، قالَ سِيبَوَيْهٌ أَيضًا: ذلِكَ إِذا لم تَخْتَصِصْ نَفْسَكَ، غير المستعملِ إِظْهَارُه.

وِقَالُوا: أَخَذْتُ ذلِكَ عَنْه سَمْعًا وسَمَاعًا، جاءُوا بالمَصْدَرِ عَلَى غيرِ فِعْلِه وهذا عِنْدَهُ غيرُ مُطَّرِدٍ.

وِقالُوا: سَمْعًا وطَاعَةً مَنْصُوبانِ على إِضْمارِ الفِعْلِ، والَّذِي يُرْفَعُ عليه غَيْرُ مستَعمَلٍ إِظهارُه، كما أَنَّ الذي يُنْصَب عليه كذلِكَ، ويُرْفَعُ أَيْضًا فيهما؛ أَي أَمْرِي ذلِكَ، فرفع في كُلِّ ذلِكَ.

وِسَمْعُ أُذُنِي فُلانًا يقولُ ذلِكَ، وسَمْعَةُ أُذُنِي، ويُكْسَرَانِ.

قال اللِّحْيَانِيُّ: ويُقَال: أُذُنٌ سَمْعَةٌ، بالفَتْحِ، ويُحَرَّكُ، وكَفَرِحَةٍ، وشَرِيفَةٍ، وشَرِيفٍ، وسامِعَةٌ وسَمّاعَةٌ وسَمُوعٌ، كصَبُورٍ وجَمْعُ الأَخِيرَةِ: سُمُعٌ، بضَمَّتَيْنِ.

وِيُقَال: مَا فَعَله رِيَاءً ولا سَمْعَةً بالفَتْحِ، ويُضَمُّ، ويُحَرَّكُ، وهي ما نُوِّهَ بذِكْرِهِ، لِيُرَى ويُسْمَع، ومنه حَدِيثُ عُمَرَ رضِي الله عنه: «من النّاسِ مَنْ يُقَاتِلُ رِيَاءً وسُمْعَةً، ومنهُم من يُقَاتِلُ وهو يَنْوِي الدُّنْيَا، ومِنْهُم من أَلْجَمَهُ القِتَالُ فلم يَجِدْ بُدًّا، ومِنْهُم مَنْ يُقَاتِلُ صابِرًا مُحْتَسِبًا أُولَئِكَ هُمُ الشُّهَدَاءُ» والسُّمْعَةُ: بمَعْنَى التَّسْمِيعِ، كالسُّخْرَةِ بمَعْنَى التَّسْخِيرِ.

وِرَجُلٌ سِمْعٌ، بالكَسْرِ: يُسْمَعُ، أَو يُقَالُ: هذا امْرُؤٌ ذُو سِمْعٍ، بالكسْرِ، وذُو سَمَاعٍ إِمّا حَسَنٌ وإِمّا قَبِيحٌ، قالَهُ اللِّحْيَانِيُّ.

وِفي الدُّعَاءِ: اللهُمَّ سِمْعًا لا بِلْغًا، ويُفْتَحَانِ، وكذا سِمْعٌ لا بِلْغٌ، بكسرِهِمَا، ويُفْتَحَانِ، ففيه أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، ذَكَر أَحَدَها الجَوْهَرِيُّ، وهو «سِمْعًا لا بِلْغًا» بالكَسْرِ مَنْصُوبًا؛ أَي يُسْمَعُ ولا يَبْلُغ، أَو يُسْمَعُ ولا يُحْتَاجُ إِلى أَنْ يُبَلَّغَ، أَو يُسْمَعُ به ولا يَتِمُّ الأَخِيرُ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، أَو هو كلامٌ يَقُولُه من يَسْمَعُ خَبَرًا لا يُعْجِبُه قاله الكِسَائِيُّ؛ أَي أَسْمَعُ بالدَّوَاهِي ولا تَبْلُغُنِي.

وِالمِسْمَعُ، كمِنْبَر: الأُذُنُ، وقِيلَ: خَرْقُهَا، وبها شُبِّه حَلْقَةُ مِسْمَعِ الغَرْب، كما في المُفْرَدَاتِ، يُقَال: فُلانٌ عَظِيمُ المِسْمَعَيْنِ؛ أَي عظيمُ الأُذُنَيْن، وقيل للأُذُن: مِسْمَعٌ؛ لأَنَّهَا آلَةٌ للسَّمْعِ كالسّامِعَةِ، قالَ طَرَفَةُ يَصِفُ أُذُنَيْ نَاقَتِه:

مُؤَلَّلَتانِ تَعرِفُ العِتْقَ فِيهِما *** كسَامِعَتَيْ شَاةٍ بحَوْمَلَ مُفْرَدِ

كما في الصّحاحِ، ج: مَسَامِعُ، ورُوِيَ أَنَّ أَبا جَهْلٍ قال: «إِنَّ مُحَمَّدًا قد نَزَلَ يَثْرِبَ، وإِنَّهُ حَنِقٌ عليكم؛ نَفَيْتُموه نَفْيَ القُرَادِ عن المَسَامِع» أَي أَخْرَجْتُمُوه إِخْرَاجَ اسْتِئْصالٍ؛ لأَنَّ أَخْذَ القُرَاد عن الدّابَّةِ هو قَلْعُهُ بكُلِّيَّتِهِ، والأُذُن أَخَفُّ الأَعْضَاءِ شَعَرًا، بل أَكْثَرُهَا لا شَعرَ عليهِ، فيكونُ النَّزْعُ مِنْهَا أَبْلَغَ. قال الصّاغَانِيُّ: ويَجُوزُ أَن يَكُونَ المَسَامِعُ جَمْعَ سَمْعٍ على غَيْرِ قِيَاسٍ، كمَشَابِهَ ومَلَامِحَ، في جَمْعَي: شِبْه ولَمْح.

وِمن المَجَاز: المِسْمَعُ: عُرْوَةٌ تكونُ في وَسَطِ الغَرْبِ يُجْعَلُ فِيها حَبْلٌ؛ لِتَعْتَدِلَ الدَّلْوُ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ للشَّاعِرِ، وهُوَ أَوْسٌ، وقيلَ: عبدُ الله بنُ أَبِي أَوْفَى:

نُعَدِّلُ ذا المَيْلِ إِنْ رَامَنَا *** كمَا عُدِّلَ الغَرْبُ بالمِسْمَعِ

وقِيلَ: المِسْمَعُ: مَوْضِع العُرْوَةِ من المَزَادَةِ، وقيل: هو ما جَاوَزَ خُرْتَ العُرْوَة.

وِقال ابنُ دُرَيْدٍ: المِسْمَعُ: أَبو قَبِيلَةٍ من العَرَبِ وهُمُ المَسَامِعَةُ، كما يُقَال: المَهَالِبَةُ، والقَحَاطِبَةُ.

وقال اللِّحْيَانِيُّ: هم من بَنِي تَيْمِ الّلاتِ.

وِقال الأَحْمَرُ: المِسْمَعَانِ: الخَشَبَتانِ اللَّتَانِ تُدْخَلانِ في عُرْوَتِي الزَّبِيلِ إِذا أُخْرِجَ به التُّرَابُ من البِئرِ، وهو مَجازٌ.

وِالمَسْمَعُ، كمَقْعَدٍ: المَوْضِعُ الّذِي يُسْمَعُ منه، نَقَلَهُ ابنُ دُرَيْدٍ، قال: وهو من قَوْلِهم: هو مِنِّي بمَرْأَى ومَسْمَعٍ؛ أَي بِحَيْثُ أَراهُ وأَسْمَعُ كَلامَهُ، وكذلِكَ هو مِنِّي مَرْأًى ومَسْمَعٌ، يُرْفَع ويُنْصَبُ، وقد يُخَفِّفُ الهَمْزةَ الشاعِرُ، قال الحَادِرَةُ:

مُحْمَرَّةِ عَقِبَ الصَّبُوحِ عُيُونُهُمْ *** بِمَرًى هُنَاكَ من الحَيَاةِ ومَسْمَعِ

وِيُقَال: هُوَ خَرَج بَيْنَ سَمْعِ الأَرْضِ وَبَصَرِهَا، قال أَبو زَيْدٍ: إِذا لَمْ يُدْرَ أَيْنَ تَوَجَّهَ، أَو مَعْنَاهُ: بينَ سَمْعِ أَهْلِ الأَرْضِ وأَبْصَارِهم، فحُذِفَ المُضَافُ، كقوله تَعَالَى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} أَي أَهْلَها، نَقَلَه أَبو عُبَيْد أَو معنى لَقِيتُه بَيْنَ سَمْعِ الأَرْضِ وبَصَرِهَا؛ أَي بأَرْضٍ خَالِيَةٍ ما بَها أَحَدٌ، نقله ابنُ السِّكِّيتِ قالَ الأَزْهَرِيُّ: وهو صَحِيحٌ يَقْرُبُ من قولِ أَبِي عُبَيْدٍ. أَي لا يَسْمَعُ كَلامَه أَحَدٌ، ولا يُبْصِرُه أَحَدٌ، هو مَأْخُوذٌ من كَلامِ أَبي عُبَيْدٍ في تَفْسِيرِ حَدِيثِ قَيْلَةَ بنتِ مَخْرَمَةَ، رضِيَ الله عنها قَالَت: «الوَيْلُ لأُخْتِي لا تُخْبِرْها بكذا، فتَتَّبعَ أَخَا بَكْرِ بن وائلٍ بَيْنَ سَمْع الأَرْضِ وَبَصَرهَا» قال: معناه أَنَّ الرَّجُلَ يَخْلُو بها ليسَ مَعَها أَحَدٌ يَسْمَعُ كلامَها، أَو يُبْصِرُهَا إِلّا الأَرْضُ القَفْزُ، ليس أَنَّ الأَرْضَ لها سَمْعٌ وَبَصَرٌ، ولكِنَّهَا وَكَّدَت الشَّناعَةَ في خَلْوَتِها بالرَّجُلِ الذي صَحِبَها. أَو سَمْعُهَا وَبَصَرُهَا: طُولُهَا وعَرْضُها، وهو مَجَازٌ، قالَ أَبو عُبَيْد: ولا وَجْهَ له، إِنَّمَا مَعْنَاهُ الخَلَاء.

وِيُقَال: أَلْقَى نَفْسَه بين سَمْعِ الأَرْضِ وبَصَرِهَا، إِذا غَرَّرَ بِها، وأَلْقَاهَا حَيْثُ لا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ، قاله ثَعْلَبٌ وابنُ الأَعْرَابِيِّ، أَو أَلْقاها حيثُ لا يُسْمَعُ صَوْتُ إِنْسَانٍ، ولا يُرَى بَصَرُ إِنْسَانٍ. وهو قَرِيبٌ من قولِ ثَعْلَبٍ.

وَسَمَّوْا سَمْعُونَ، وسَمَاعَةَ ـ مُخَفَّفَةً ـ وسِمْعَانَ، بالكَسْرِ والعَامَّةُ تَفْتَحُ السِّينَ، وسُمَيْعًا كزُبَيْرٍ فمن الأَوّلِ: أَبُو الحُسَيْنِ بنُ سَمْعُونَ الوَاعِظُ مَشْهُور، وأَخُوه حَسَنٌ من شُيُوخِ ابن الأَبنُوسيّ. وفي سِمْعَان قال الشّاعِرُ:

يا لَعْنَةُ الله والأَقْوَامِ كُلِّهم *** وِالصَّالِحِينَ عَلَى سِمْعَانَ من جَارِ

حَذَفَ المُنَادَى، ولَعْنةُ: مرفُوعٌ بالابْتِدَاءِ، وعلى سِمْعَانَ: خَبَرُه، ومِنْ جارِ: تمييزٌ، كأَنَّهُ قال: على سِمْعَانَ جَارًا.

وِدَيْرُ سِمْعَانَ، بالكسرِ: موضع، بحَلَبَ.

وِدَيْرُ سِمْعَانَ أَيْضًا: موضع، بحِمْصَ، به دُفِنَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ، رَحِمَهُ الله تَعَالَى، وقد تَقَدَّمَ ذِكْر الدَّيْرِ في «د ى ر» وقِيلَ: سِمْعَانُ هذا كانَ أَحَدَ أَكابِر النَّصَارَى، قال له عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ: يا دَيْرَانِيُّ، بَلَغَنِي أَنَّ هذا الموضِعَ مِلْكُكُم، قال: نَعَمْ. قال: أُحِبُّ أَنْ تَبِيعَنِي مِنْه مَوْضِعَ قَبْرٍ سَنَةً، فإِذا حالَ الحَوْلُ فانْتَفِع به. فَبَكَى الدَّيْرَانِيُّ، وبَاعَه، فدُفِنَ فيهِ، قال كُثَيِّرٌ:

سَقَى رَبُّنا مِنْ دَيْرِ سِمْعَانَ حُفْرَةً *** بها عُمَرُ الخَيْرَاتِ رَهْنًا دَفِينُها

صَوَابِحَ مِنْ مُزْنٍ ثِقَالًا غَوَادِيًا *** دَوَالِحَ دُهْمًا مَاخِضَاتٍ دُجُونُها

وِمُحَمّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سِمْعَانَ، بالكَسْر، السِّمْعَانِيُّ أَبو مَنْصُورٍ: مُحَدِّثٌ، عن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عبدِ الجَبّارِ، وعنه عبدُ الوَاحِدِ المَلِيحِيُّ. وبِالفَتْحِ، ويُكْسَر، واقْتَصَرَ الحَافِظُ على الفَتْحِ: الإِمامُ أَبُو المُظَفَّرِ مَنْصُورُ بنُ مُحَمَّد بنِ عَبْدِ الجَبّارِ بنِ سَمْعَان السَّمْعَانِيُّ، وابنُه الحافِظُ أَبُو بكْرٍ مُحَمَّدٌ وآل بَيْتِهِ.

وِالسَّمِيعُ، كأَمِير: المُسْمِعُ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ لعَمْرِو بن مَعْدِيَكَرِبَ:

أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدّاعِي السَّمِيعُ *** يُؤَرِّقُنِي وأَصْحَابِي هُجُوعُ

قال الأَزْهَرِيُّ: العَجَبُ من قَوْمٍ فَسَّرُوا السَّمِيعَ بمَعْنَى المُسْمِعِ فِرَارًا من أَنْ يُوصَفَ الله تَعَالَى بأَنَّ له سَمْعًا، وقد ذَكَرَ الله تَعالَى [الفِعْلَ] في غيرِ مَوْضِعٍ من كتابِه، فهو سَمِيعٌ: ذُو سَمْعٍ بلَا تَكْيِيفٍ ولا تَشْبِيهٍ بالسَّمْعِ من خَلْقِه، ولا سَمْعُه كسَمْعِ خَلْقهِ، ونحنُ نَصِفُه كما وَصْفَ به نَفْسَه بلا تَحْدِيدٍ ولا تَكْيِيفٍ، قال: ولَسْتُ أُنْكِرُ في كَلامِ العَرَبِ أَنْ يَكُونَ السَّمِيعُ سَامِعًا أَو مُسْمِعًا، وأَنْشَدَ: «أَمِنْ رَيْحَانَة...» قالَ، وهو شاذٌّ والظاهِرُ الأَكْثَرُ من كَلامِ العَرَبِ أَنْ يكونَ السَّمِيعُ بمَعْنَى السّامِع مثال: عَليمٍ وعالِم، وقَدِيرٍ وقادِرٍ.

وِالسَّمِيعُ: الأَسَدُ الّذِي يَسْمَع الحِسَّ حِسَّ الإِنْسَانِ والفَرِيسَةِ من بُعْدٍ، قالَ:

مُنْعَكِرُ الكَرِّ سَمِيعٌ مُبْصِرُ

وِأُمُّ السَّمِيعِ، وأُمُّ السَّمْعِ: الدِّماغُ، كما في العُبَابِ، وعَلَى الأَخِيرِ اقْتَصَرَ الزَّمْخَشْرِيُّ، قال: يُقَالُ: ضَرَبَه على أُمِّ السَّمْعِ.

وِالسَّمْعُ، مُحَرَّكَةً، كما ضَبَطَهُ الصّاغَانِيُّ، أَو كعِنَبٍ، كما ضَبَطَه الحافِظ، هو ابنُ مَالِكِ بنِ زَيْدِ بنِ سَهْل بنِ عَمْرِو بنِ قَيْسِ بنِ مُعَاويَةَ بن جُشَمَ بنِ عَبْدِ شَمْسِ بنِ وائلِ بنِ الغَوْثِ بن قَطَنِ بن عَرِيبِ بن زُهَيْرِ بنِ أَيْمَنَ بنِ الهَمَيْسَعِ بنِ حِمْيَرَ: أَبو قَبِيلة من حِمْيَرَ، مِنْهُم أَبُو رُهْمٍ، بضَمِّ الرّاءِ، أَحْزَابُ بنُ أَسِيدٍ كأَمِيرٍ الظَّهْرِيُّ، وشُفْعَةُ، بضَمّ الشّين المعجمة، السَّمَعِيّان التّابِعِيّانِ. قلتُ: وقالَ الحافِظُ في التَّبْصِيرِ: قيلَ: لأَبِي رُهْمٍ صُحْبَةٌ، وقال ابنُ فَهْدٍ: أَبو رُهْمٍ السَّمَعِيُّ ذكرَهُ ابنُ أَبي خَيْثَمَةَ في الصَّحَابَةِ، وهو تَابِعِيٌّ اسمُه أَحْزَابُ بنُ أَسِيد، ثم قال بَعْدَه: أَبو رُهْمٍ الظَّهْرِيُّ: شيخُ مَعْمَر، أَوْرَدَه أَبو بَكْرِ بنُ أَبِي عليٍّ في الصَّحَابَةِ، وقد تَقَدَّمَ ذِكْرُه في «ظ هـ ر» بأَتَمَّ من هذا، فراجِعْه، وجَعَله هُنَاكَ صحابِيًّا.

وِمُحَمَّدُ بنُ عَمْرو السَّمَعِيُّ، ضَبَطَه الحافِظُ بالتَّحْريك، من أَتْبَاع* التّابِعِينَ، شيخٌ للوَاقِدِيِّ، وعلى ضَبْطِ الحَافِظِ فهو من الأَنْصَارِ، لا مِنْ حِمْيَرَ، وقد أَغْفَلَه المُصَنِّفُ، وسَيَأْتِي، فتَأَمَّل.

وِعبدُ الرَّحْمنِ بنُ عَياشٍ الأَنْصَارِيُّ ثمّ السَّمَعِيُّ، مُحَرَّكَةً، المُحَدِّثُ عن دَلْهَمِ بنِ الأَسْوَد، أَو يُقَال في النِّسْبَةِ أَيضًا: سِمَاعِيٌّ، بالكَسْرِ، وهكَذا يَنْسُبونَ أَباهُم المَذْكُور.

وِالسُّمَّعُ، كسُكَّرٍ: الخفِيفُ، ويُوصَفُ به الغُولُ، يُقَال: غُولٌ سُمَّعٌ، وأَنْشَدَ شَمِرٌ:

فَلَيْسَتْ بإِنْسَان فيَنْفَعَ عَقْلُه *** وِلكِنَّهَا غُولٌ من الجِنَّ سُمَّعُ

وِالسَّمَعْمَعُ: الصَّغِيرُ الرَّأْسِ، وهو فعَلْعَلٌ، نقله الجَوْهَرِيُّ.

أَو: الصَّغِيرُ اللِّحْيَةِ، عن ابنِ عَبّادٍ، هكَذَا نَقَله الصّاغانِيُّ عنه، وهو تَحْرِيفٌ منهما، وصَوَابُه: والجُثَّةِ؛ أَي الصَّغِيرُ الرَّأْسِ والجُثَّةِ، الدّاهِيَةُ، هكَذَا بِغَيْرِ واوٍ، فتأَمَّلْ.

وِالسَّمَعْمَع: الدّاهِيَةُ، وعن ابْنِ عَبّاد أَيْضًا: الخَفِيفُ اللَّحْم السَّرِيعُ العَمَلِ، الخَبِيثُ اللَّبِقُ ويُوصَفُ به الذِّئْبُ، ومنه‌قولُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقّاصٍ رضِيَ الله عنه: «رَأَيْتُ عَلِيًّا ـ رضِيَ الله عنه ـ يومَ بَدْرٍ وهو يَقُولُ:

ما تَنْقِمُ الحَرْبُ العَوَانُ مِنِّي *** بازِلُ عامَيْنِ حَدِيثٌ سِنِّي

سَمَعْمَعٌ كأَنَّنِي من جِنِّ *** لِمِثْلِ هذَا وَلَدَتْنِي أُمِّي

ومنه أَنَّ المُغِيرَةَ سأَلَ ابنَ لِسَانِ الحُمَّرَةِ عن النِّسَاءِ، فقال: النِّسَاءُ أَرْبَع: فرَبِيعٌ مَرْبَع، وجَمِيعٌ تَجْمَع، وشَيْطَانٌ سَمَعْمَع، وغُلٌّ لا تُخْلَع، فقال: فَسِّرْ، قال: الرَّبِيعِ المَرْبَع: الشابَّةُ الجَمِيلَةُ التي إِذا نَظَرْتَ إِليها سَرَّتْكَ، وإِذا أَقْسَمْتَ عليها أَبَرَّتْكَ، وأَمّا الجَمِيعُ التي تَجْمَع: فالمَرْأَةُ تَزَوَّجُها ولَكَ نَشَبٌ، ولها نَشَبٌ، فتَجْمَعُ ذلِك. وأَما الشَّيْطَان السَّمَعْمَع فهي: المَرْأَةُ الكالِحَةُ في وَجْهِك إِذا دَخَلْتَ، المُوَلْوِلَةُ في أَثَرِكَ إِذا خَرَجْتَ. قال: وأَمَّا الغُلُّ التي لا تُخْلَع، فبِنْتُ عَمِّك القَصِيرَةُ الفَوْهَاءُ، الدَّمِيمَةُ السَّوْداءُ، التي نَثَرَتْ لك ذا بَطْنِهَا، فإِن طَلَّقْتَهَا ضاعَ وَلَدُك، وإِنْ أَمْسَكْتَهَا أَمْسَكْتَها على مِثْلِ جَدْعِ أَنْفِكَ.

وِقال غَيْرُه: السَّمَعْمَعُ: الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الدَّقِيقُ، وهي بهاءٍ.

وِامرأَةٌ سِمْعنَّةٌ نِظْرَنَّةٌ، كقِرْشَبَّةٍ؛ أَي بكَسْرِ أَوّلهما، وفَتْح ثَالِثِهما، وهو قولُ الأَحْمَرِ وطُرْطُبَّة. أَي بضمِّ أَوّلهما، وهو قولُ أَبي زَيْدٍ وتُكْسَر الفاءُ والَّلام، وقد تَقَدَّم في: ن ظ ر بيانُ ذلكَ ويُقَال فيها: سِمْعَنَةٌ كخِرْوَعَةٍ، مُخَفَّفَةَ النُّونِ؛ أَي مُسْتَمِعَةٌ سَمّاعَةٌ، وهي الَّتِي إِذا تَسَمَّعَت أَو تَبَصَّرَتْ فلَمْ تَسْمَعْ ولم تَرَ شيئًا تَظَنَّتْه تَظَنِّيًا، وكان الأَحْمَرُ يُنْشِدُ:

إِنَّ لنا لَكَنَّهْ *** مِعنَّةً مِفنَّهْ

سُمْعَنَّةً نُظْرَنَّهْ *** كالرِّيح حَوْلَ القُنَّهْ

إِلَّا تَرَهْ تَظَنَّهْ

وِالسِّمْعُ، بالكَسْرِ: الذِّكْرُ الجَمِيلُ، يُقَالُ: ذَهَبَ سِمْعُه في النّاسِ. نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

وِالسِّمْعُ أَيضًا: سَبُعٌ مُرَكَّبٌ، وهو: وَلَدُ الذِّئْبِ من الضَّبُعِ، وهي بهَاءٍ، وفي المَثَل: «أَسْمَعُ من السِّمْعِ الأَزَلّ»، ورُبَّمَا قالوا: «أَسْمَعُ من سِمْعٍ» قال الشّاعِرُ:

تَرَاهُ حَدِيدَ الطَّرْفِ أَبْلَجَ وَاضِحًا *** أَغَرَّ طَوِيلَ البَاعِ أَسْمَعَ من سِمْعِ

يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لا يَعْرِفُ العِلَلَ والأَسْقَامَ، ولا يَمُوتُ حَتْفَ أَنْفِه كالحَيَّةِ، بل يَمُوتُ بعَرَضٍ من الأَعْرَاضِ يَعْرِضُ له، وليسَ في الحَيَوَانِ شَيْ‌ءٌ عَدْوُه كعَدْوِ السِّمْعِ؛ لأَنَّه في عَدْوِهِ أَسْرَعُ من الطَّيْرِ، ويُقَال: وَثْبَتُه تَزِيدُ على عِشْرِينَ، وثَلاثِينَ ذِرَاعًا.

وِسِمْعٌ بلا لامٍ: جَبَلٌ.

وِيُقَالُ: فَعَلْتُهُ تَسْمِعَتَكَ وتَسْمِعَةً لَكَ؛ أَي لِتَسْمَعَه، قاله أَبو زَيْد.

وِالسَّمَاعُ، كسَحَابٍ: بَطْنٌ من العَرَبِ، عن ابْنِ دُرَيْدٍ.

وِقَوْلُهُم: سَمَاعِ، كقَطامِ؛ أَي اسْمَعْ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وهو مِثْلُ دَرَاكِ، وَمَنَاعِ؛ أَي أَدْرِكْ وامْنَعْ، قال ابنُ بَرِّيٍّ: وشاهِدُه:

فسَمَاعِ أَسْتَاهَ الكِلابِ سَمَاعِ

وِالسُّمَيْعِيَّةُ، كزُبَيْرِيَّةٍ: قرية، قُرْبَ مَكَّةَ شَرَّفها الله تَعَالَى.

وِأَسْمَعَه: شَتَمَهُ، نَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ والجَوْهَرِيُّ. قال الرّاغِبُ: وهو مُتَعَارَفٌ في السَبِّ.

وِمن المَجَازِ: أَسْمَعَ الدَّلْوَ؛ أَي جَعَل لها مِسْمَعًا، وكذا أَسْمَعَ الزَّبِيلَ، إِذا جَعَلَ لَه مِسْمَعَيْنِ يُدْخَلانِ في عُرْوَتَيْهِ إِذا أُخْرِجَ به التُّرَابُ من البِئْرِ، كما تَقَدَّمَ.

وِالمُسْمِعُ، كمُحْسِنٍ، من أَسْمَاءِ القَيْد، قاله أَبو عَمْرٍو، وأَنْشَدَ:

وِلِي مُسْمِعَانِ وزَمَّارَةٌ *** وِظِلٌّ ظَلِيلٌ وحِصْنٌ أَنِيقْ

وقد تَقَدَّم في «ز معروف ر».

وِالمُسْمِعَةُ بهَاءٍ: المُغَنِّيَةُ، وقد أَسْمَعَت، قال طَرَفَةُ يصفُ قَيْنَةً:

إِذا نَحْنُ قُلْنَا: أَسْمِعِينا، انْبَرَتْ لَنَا *** عَلَى رِسْلِهَا مَطْرُوفَةً لم تَشَدَّدِ

وِالتَّسْمِيعُ: التَّشْنِيعُ والتَّشْهِيرُ، ومنه‌الحَدِيثُ: «سَمَّعَ الله به أَسامِعَ خَلْقِه» وقد تقدَّم في أَوْلِ المادَّةِ.

وِالتَّسْمِيعُ أَيضًا: إِزالَةُ الخُمُولِ بنَشْرِ الذِكْرِ، يُقَال: سَمَّعَ بِه، إِذا رَفَعَه من الخُمُول، وَنَشَر ذِكْرَه، نَقَله الجَوْهَرِيُّ.

وِالتَّسْمِيعُ: الإِسْمَاعُ، يُقَال: سَمَّعَهُ الحَدِيثَ، وأَسْمَعَهُ، بمعنًى، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ.

وِالمُسَمَّعُ، كمُعَظَّمٍ: المُقَيَّدُ المُسَوْجَرُ، وكَتَب الحَجّاجُ إِلى عامِلٍ له أَنْ «أَبْعَثْ إِليَّ فُلانًا مُسَمَّعًا مُزَمَّرًا» أَي: مُقَيَّدًا مُسَوْجَرًا، فالصَّوَابُ أَنَّ المُسَوْجَرَ تفسيرُ المُزَمَّر، وأَمّا المُسَمَّعُ فهو المُقَيَّدُ فقط، وقد تَقَدَّم في «س الجمع: ر».

وِاسْتَمَعَ له، وإِلَيْهِ: أَصْغَى، قال أَبُو دُوَادٍ يَصف ثَوْرًا:

وِيَصِيحُ تَاراتٍ كَما اسْ *** تَمَعَ المُضِلُّ لِصَوْتِ ناشِدْ

وشاهِدُ الثّانِي قولُه تَعالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}.

وِيُقَال: تسامَعَ به النّاسُ. نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ؛ أَي اشْتَهَرَ عِنْدَهُم.

وِقولُه تَعالَى: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} أَي غَيْرَ مَقْبُولٍ ما تَقُولُ قاله مُجَاهِدٌ، أَو معناه اسْمَعْ لا أُسْمِعْتَ، قاله ابنُ عَرَفَةَ، وكذلِكَ قولُهُم: قُمْ غَيْرَ صاغِرٍ؛ أَي لا أَصْغَرَكَ الله، وفي الصِّحَاحِ قال الأَخْفَشُ: أَي لا سَمِعْتَ، وقال الأَزهريّ والرّاغِبُ: رُوِي أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ كانُوا يَقُولُونَ ذلِكَ للنَّبِيِّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم، يُوهِمُونَ أَنَّهم يُعَظِّمُونَهُ ويَدْعُونَ له، وهم يَدْعُونَ عليهِ بذلِكَ.

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

رجلٌ سَمّاعٌ، كشَدّادٍ، إِذا كانَ كَثِيرَ الاسْتِماعِ لما يُقَالُ ويُنْطَقُ به، وهو أَيضًا: الجَاسُوسُ.

ويُقَال: الأَمِيرُ يَسْمَع كلامَ فُلانٍ؛ أَي يُجِيبُه. وهو مَجازٌ.

وقولُ ابنِ الأَنْبَارِيّ: وقولُهُم: «سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَه» أَي أَجابَ الله دُعَاءَ مَنْ حَمِدَه» أَي أَجابَ الله دُعَاءَ من حَمِدَه، فوضَعَ السَّمْعَ مَوْضِعَ الإِجَابَةِ، ومنه‌الدُّعَاءُ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بك من دُعَاءٍ لا يُسْمَعُ» أَي لا يُعْتَدُّ به، ولا يُسْتَجَابُ، فكأَنَّه غيرُ مَسْمُوع، وقال سُمَيْرُ بنُ الحارِثِ الضَّبِّيُّ:

دَعَوْتُ الله حَتّى خِفْتُ أَنْ لا *** يكونَ الله يَسْمَعُ ما أَقُولُ

وبه فُسِّرَ قولُه تعالَى: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} أَي غَيْرَ مُجابٍ إِلى ما تَدْعُو إِلَيْه.

وقولُهُم: سَمْعٌ لا بَلْغٌ، بالفَتْح مَرْفُوعَانِ، ويُكْسَران: لُغَتان في سَمْعَان لا بَلْغان.

وِالسَّمَعْمَع: الشَّيْطَان الخَبِيث.

والسِّمْعَانِيَّةُ، بالكَسرِ: من قُرَى ذَمَار باليَمَنِ.

وِاسْتَمَع: أَصْغَى، قالَ الله تعالَى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} وقولُه تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ} وكذا اسْتَمَعَ، بهِ، ومنه قولُه تَعالَى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ}.

ويُعَبَّر بالسَّمْع تارةً عن الفَهْم، وتارةً عن الطّاعَةِ، تقولُ: اسْمَعْ ما أَقُولُ لك، ولَمْ تَسْمَعْ ما قُلْتُ لك؛ أَي لم تَفْهَم، وقولهُ تَعَالَى: {وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ}؛ أَي أَفْهَمَهُم بأَنْ جَعَلَ لهم قُوَّةً يَفْهَمُون بها. وقالَ اللهُ تَعالَى: {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} أَي أَطِيعُونِ.

ويُقَال: أَسْمَعَكَ الله؛ أَي لا جَعَلَكَ أَصَمَّ، وهو دعاءٌ.

وقولُه تعالَى: {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} أَي ما أَبْصَرَه وما أَسْمَعَه! على التَّعَجُّبِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

وِالسَّمَّاعُ، كشَدَّادٍ: المُطِيعُ.

ويُقَال: كَلَّمَهُ سِمْعَهُم، بالكسر، أَي: بحيثُ يَسْمَعُونَ، ومنه قولُ جَنْدَلِ بن المُثَنَّى:

قامَتْ تُعَنْظِي بكَ سِمْعَ الحاضِرِ

أَي بحَيْثُ يَسْمَعُ مَنْ حَضَرَ. وتَقُولُ العَرَبُ: لا وِسِمْعِ الله، يَعْنُون وذِكْرِ الله.

والسَّمَاعِنَة: بَطنٌ من العَرَبِ، مَساكِنُهم جَبَلُ الخَلِيلِ عليه‌السلام.

والسَّوَامِعَةُ: بطنٌ آخرُ، مَسَاكِنُهم بالصَّعِيد.

وِالمَسْمَع: خَرْقُ الأُذُنِ، كالمِسْمَعِ. نَقَلَه الرّاغِبُ.

وِالسِّمَاعِيَةُ، بالفَتْحِ: موْضعٌ.

وَبَنُو السَّمِيعَةِ، كسَفِينَةٍ: قَبِيلةٌ من الأَنْصَارِ، كانوا يُعْرَفُونَ ببَنِي الصَّمَّاءِ، فغَيَّره النَّبِيُّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم.

وِالمَسْمَعُ، كمَقْعَدٍ: مصدرُ سَمِعَ سَمْعًا.

وأَيْضًا: الأُذُنُ، عن أَبِي جَبَلَةَ، وقِيلَ: هو خَرْقُهَا الَّذِي يُسْمَعُ به، وحكى الأَزْهَرِيُّ عن أَبِي زَيْدٍ: ويُقَال لِجَمِيعِ خُرُوقِ الإِنْسَانِ؛ عَيْنَيْه ومَنْخَرَيْه واسْتِهِ: مَسَامِعُ، لا يُفْرَدُ وَاحِدُهَا.

وقال اللَّيْثُ: يُقالُ: سَمِعَتْ أُذُنِي زَيْدًا يَفْعَلُ كذا وكذا؛ أَي أَبْصَرْتُه بِعَيْنِي يَفْعَلُ كذا وكذا، قالَ الأَزْهَرِيُّ: ولا أَدْرِي مِن أَيْن جاءَ اللّيْثُ بهذا الحَرْفِ، وليسَ من مَذْهَبِ العَرَبِ أَنْ يَقُولَ الرجلُ: سَمِعَتْ أُذُني بمَعْنَى أَبْصَرَت عَيْنِي، قال.

وهو عِنْدِي كلامٌ فاسِدٌ، ولا آمَنُ أَنْ يَكُونَ [مما] وَلَّدَه أَهْلُ البِدَع والأَهْوَاءِ [وكأَنه من كلام الجهمية].

ويُقَال: باتَ في لَهْوٍ وسَمَاعٍ: السَّمَاعُ: الغِنَاءُ، وكُلُّ ما الْتَذَّتْه الآذَانُ من صَوْتٍ حَسَنٍ: سَماعٌ.

وِالسَّمِيعُ، في أَسْمَاءِ الله الحُسْنَى: الَّذِي وَسِعَ سَمْعُه كُلَّ شَيْ‌ءٍ.

وِالسَّمِيعانِ مِنْ أَدَوَاتِ الحَرّاثِينَ: عُودانِ طَوِيلانِ في المِقْرَنِ الَّذِي يُقْرَنُ به الثَّوْرَانِ لِحِرَاثَةِ الأَرْضِ، قاله اللَّيْثُ.

وِالمِسْمَعانِ: جَوْرَبانِ يَتَجَوْرَبُ بهما الصائد إِذا طَلَبَ الظِّبَاءَ في الظَّهِيرَةِ.

وِالمِسْمَعانِ: عامِرٌ وعبدُ المَلِكِ بنُ مالِكِ بن مِسْمَع، هذا قولُ الأَصْمَعِيُّ وأَنْشَدَ:

ثَأَرْتُ المِسْمَعَيْنِ وقُلْتُ بُوآ *** بِقَتْلِ أَخِي فَزارَةَ والخَبَارِ

وقال أَبو عُبَيْدَة: هُمَا مَالِكٌ وعَبْدُ المَلِك ابْنَا مِسْمَع بنِ سُفيَانَ بنِ شِهَابِ الحِجَازِيّ، وقال غيرُه: هما مَالِكٌ وعبدُ المَلِك ابْنا مِسْمَعِ بن مالِكِ بنِ مِسْمَعِ بنِ سِنَانِ بنِ شِهَابٍ.

وأَبو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ سَمْعان الحافظُ: حَدَّثَ عن أَسْلَمَ بنِ سَهْل الوَاسِطِيِّ، وغيرِه.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


41-تاج العروس (ضوع)

[ضوع]: ضاعَهُ، يَضُوعُهُ ضَوْعًا: حَرَّكَه وَرَاعَه.

وِضَاعَهُ الريحُ: أَثْقَلَه، وأَقْلَقَه، وقِيلَ: ضَاعَهُ: هَيَّجَهُ، وقالَ أَبُو عَمْرٍو: ضَاعَهُ أَمرُ كَذا وكذا يَضُوعُه: أَفْزَعَهُ. وقالَ غيْرُه: ضَاعَهُ: شَاقَّهُ، وهذا عن ابْنِ عَبّادٍ، فهو مَضُوعٌ في الكُلِّ، قال بِشْرُ بنُ أَبِي خازِمٍ.

سَمِعْتُ بدَارَةِ القَلْتَيْنِ صَوْتًا *** لِحَنْتَمَةَ، الفُؤادُ به مَضُوعُ

وأَنْشَدَ ابنُ السِّكِّيتِ لِبشْرٍ:

وِصاحَبَهَا غَضِيضُ الطَّرْفِ أَحْوَى *** يَضُوعُ فُؤادَها مِنْه بُغامُ

وقال الكُمَيْتُ:

رِئابُ الصُّدُوعِ غِيَاثُ المَضُو *** عِ لأُمَتُكَ الزُّفَرُ النَّوْفَلُ

ويُرْوَى:

«لأْمَتُه الصَّدَرُ المُبْجِلُ

وأَنْشَدَ أَبو عَمْرٍو لأَبِي الأَسْوَدِ العِجْلِيِّ:

فما ضَاعَنِي تَعْرِيضُهُ وانْدِرَاؤُهُ *** عَلَيَّ وإِنِّي بالعُلَا لَجَدِيرُ

وقال ابنُ هَرْمَةَ:

أَذَكَرْتَ عَصْرَكَ أَمْ شَجَتْكَ رُبُوعُ *** أَمْ أَنْتَ مُتَّبِلُ الفُؤَادِ مَضُوعُ؟

وِضاعَ السَّفَرُ الدّابَّةَ: هَزَلَها، وهُنَّ الضَّوائِعُ.

وِقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: ضَاعَ الطّائِرُ فَرْخَهُ يَضُوعُه ضَوْعًا: زَقَّهُ، ويُقَالُ منه: ضَعْ ضَعْ، إِذا أَمَرْتَه بزَقِّه.

وِضَاعَ المِسْكُ يَضُوعُ ضَوْعًا: تَحَرَّكَ فانْتَشَرَت رائِحَتُه ونَفَحَتْ، كتَضَوَّعَ: سَطَعَ وتَفَرَّقَ، قالَ امْرُؤُ القيْسِ:

إِذا قَامَتَا تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنْهُما *** نَسِيمَ الصَّبَا جَاءَتْ برَيَّا القَرَنْفُلِ

وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للنُمَيْرِيِّ، وهو مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن نُمَيْرٍ الثَّقَفِيّ، يُشبِّبُ بزيْنَبَ أُخْتِ الحَجّاجِ بنِ يُوسُفَ:

تَضَوَّعَ مِسْكًا بَطْنُ نَعْمَانَ إِذْ مَشَتْ *** به زَيْنَبٌ في نِسْوَةٍ عَطِراتِ

ويُرْوَى: «خَفِرَاتِ» وقال آخَرُ:

أَعِدْ ذِكْرَ نَعْمَانٍ لَنَا إِنَّ ذِكْرَهُ *** هو المِسْكُ ما كَرَّرْتَهُ يَتَضَوَّعُ

وِكذلِكَ الشَّيْ‌ءُ المُنْتِنُ المُصِنُّ يُقَالُ: تَضَوَّعَ النَّتْنُ، حكاهُ ابنُ الأَعْرَابِيِّ، وأَنْشَدَ:

يَتَضَوَّعْنَ لو تَضَمَّخْنَ بالمِسْ *** كِ صُمَاحًا كأَنَّهُ رِيحُ مَرْقِ

والصُّمَاحُ: الريحُ المُنْتِن، والمَرْق: الإِهابُ الّذِي عُطِّنَ فأَنْتَنَ.

وِضَاعَت الريحُ الغُصْنَ ضَوْعًا: مَيَّلَتْه، فهو غُصْنٌ مَضُوعٌ.

وِضَاعَ الصَّبِيُّ ضَوْعًا: تَضَوَّرَ وصَاحَ من البُكَاءِ، كذا في النُّسَخِ، والصَّوابُ «في البكاءِ» كتَضَوَّع، ولو قالَ: والمِسْكُ: انْتَشَرَتْ رائِحَتُه، والصَّبِيُّ: تَضَوَّرَ، كتَضَوَّع فِيهِمَا، كان أَخْصَرَ، ثُمَّ إِنَّ الضَّوْعَ والتَّضَوُّرَ هو البُكَاءُ، يُقَالُ: ضَرَبْتُه حَتَّى تَضَوَّعَ وتَضَوَّرَ، وقد غَلَب على بُكَاءِ الصَّبِيِّ، وقالَ اللَّيْثُ: التَّضَوُّع: تَضَوَّرُ الصَّبِيِّ في البُكَاءِ في شِدَّةٍ ورَفْعِ صَوْتٍ، قالَ: والصَّبِيُّ بُكَاؤُه تَضَوُّعٌ، قال امْرُؤُ القيْسِ يصِفُ امْرَأَةً:

يَعَزُّ عَليْهَا رُقبَتِي ويَسُوءُهَا *** بُكَاهُ، فتَثْنِي الجِيدُ أَن يَتَضَوَّعَا

يَقُول: تَثْنِي الجِيدَ إِلى صَبِيِّها حَذَرَ أَنْ يَتَضَوَّعَ.

وِالضُّوَعُ، كصُرَدٍ وعِنَبٍ، الأَخِيرُ عن أَبِي الهَيْثَمِ: طائرٌ من طَيْرِ اللَّيْلِ كالهامَةِ، قال أَبُو الدُّقَيْشِ: إِذا أَحَسَّ بالصَّبَاحِ صَرَخَ، أَو الكَرَوانُ، أَو ذَكَرُ البُومِ، وهذا قَوْلُ المُفَضَّل، أَو طائِرٌ أَسْوَدُ كالغُرَابِ أَصْغَرُ منه، غيرَ أَنَّه أَحْمَرُ الجَنَاحَيْنِ، نقَلَه أَبو حاتِمٍ في كِتَابِ الطَّيْرِ عن الطّائِفِيِّ، قالَ: وقالَ غَيْرُ الطّائِفِيِّ: هو طائِرٌ من العَصَافِيرِ، والعَصَافِيرُ من الطَّيْرِ: ما صَغُرَ، وكانَ دُونَ الدُّخَّلِ والحُمَّرِ. قلتُ: ومثله قولُ ثَعْلَبٍ، وأَنْشَدَ:

مَنْ لا يَدُلُّ على خَيْرٍ عَشِيرَتَهُ *** حَتَّى يَدُلَّ على بَيْضَاتِه الضُّوَعُ

قال: لِأَنَّه يَضَعُ بَيْضَهُ في مَوْضِعٍ لا يُدْرَى أَيْنَ هو، ثمّ قالَ أَبو حاتِمٍ: والضُّوَعَةُ صغيرةٌ، ولَوْنُهَا إِلى الصُّفْرَة، قَصِيرَةُ العُنُقِ، وإِنَّمَا سُمِّيَت مِنْ قِبلِ صُوَيْتٍ لها، تُصَوِّتُ في وَجْهِ الصُّبْح. قال: وقال الخشي الضُّوَعُ: طائرٌ أَبْعَثُ مثلُ الدَّجَاجَةِ، وهو طيِّبُ اللَّحْمِ، قال الأَعْشَى يَصِفُ فَلاةً:

لا يَسْمَعُ المَرْءُ فِيها ما يُؤَنِّسُه *** بالليْلِ إِلَّا نَئِيمَ البُومِ والضِّوَعا

هكذا رواه أَبو الهيْثَمِ بكسرِ الضّادِ، قال ونَصَبَ الضِّوَعَ بنِيَّةِ النَّئِيم، كأَنَّه قال: إِلّا نَئِيمَ البُومِ وصِياحَ الضِّوَعِ، ورواهُ أَبُو حاتِمٍ عن الخشي بالضّمِّ، وبِهِمَا رُوِيَ قولُ سُوَيْدِ بنِ أَبِي كَاهِلٍ، أَنْشَدَه الأَصْمَعِيُّ:

لَمْ يَضِرْنِي غَيْر أَنْ يَحْسُدَنِي *** فَهْوَ يَزْقُو مِثْلَ مَا يَزْقُو الضُّوَعْ

ج: أَضْوَاعٌ، كعِنَبٍ وأَعْنَابٍ، وضِيعانٌ، كصُرَدٍ وصِرْدانٍ، الأَخِيرُ من كتابِ الطَّيْرِ. ومِنْ سَجَعاتِ الأَسَاس: لن يُخَاطِرَ البَازِلَ الرُّبَع، ولن يُطايِرَ البَازِيَ الضُّوَع.

وِالضُّوَاعُ، كغُرَابٍ: صَوْتُه.

وِالضَّوَّاعُ، كشَدَّادٍ: الثَّعْلَبُ، عن ابنِ عَبّادٍ.

وِقال ابنُ عَبّادٍ: الضَّوَائعُ: الضَّوامِرُ مِنَ الإِبِل وغيْرِها، قال الصّاغَانِيُّ: وكأَنَّهَا مِن ضاعَهَا السَّفَرُ ضَوْعًا؛ أَي هَزَلَها، قُلْتُ: ولم يَذْكُر لها وَاحِدًا، والقِيَاسُ الضّائِعَةُ. وانْضَاعَ الفَرْخُ، أَو الصَّبِيُّ: تَضَوَّرَ، أَو بَسَطَ جَنَاحَيْه إِلَى أُمِّه لِتَزُقَّه، وفيه لَفٌّ ونَشْرٌ غيرُ مُرَتَّبٍ، كتَضَوَّعَ، فيهما، كما في التَّهْذِيبِ، قال أَبُو ذُؤَيْبٍ:

فُرَيْخانِ يَنْضَاعانِ في الفَجْرِ كُلَّمَا *** أَحَسَّا دَوِيَّ الريحِ أَو صَوْتَ نَاعِبِ

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

ضَوَّعَه تَضْوِيعًا: حَرَّكَه ورَاعَه، وقِيلَ: هَيَّجَهُ.

وِتَضَوَّعَ الرِّيحُ: تحَرَّكَ.

وِانْضاعَ: فزِعَ مِنْ شَيْ‌ءٍ فصاحَ منه.

ويُقَال: لا يَضُوعَنَّكَ ما تَسْمَعُ مِنْهَا أَي لا تَكْتَرِثْ له.

وِتَضَوَّعَ منه رَائِحَةً: تَنَشَّقَهَا.

وِتَضَوَّعَ الضُّوَعُ: إِذا صاحَ وصَوَّتَ، قالَهُ أَبُو حَاتِمٍ في كِتابِ الطَّيْرِ.

وِأَضْوُعٌ، كأَفْلُسٍ: مَوْضِعٌ، ونَظِيره أَقْرُنٌ وأَخْرُبٌ وأَسْقُفٌ، وهذِه كُلُّهَا مَوَاضِعُ، وقد أَهْمَلَه ياقُوت في مُعْجَمِه.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


42-تاج العروس (زوف)

[زوف]: زَافَتِ الْحَمَامَةُ، أَهْمَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وقال ابنُ دُرَيْدٍ: زَافَتْ، تَزُوفُ، زَوْفًا: نَشَرَتْ جَنَاحَيْهَا وذَنَبَهَا وَسَحَبَتْهُمَا علَى الْأَرْضِ.

قال: وكذلك: زَافَ فُلانٌ، يَزُوفُ، زَوْفًا: إذا مَشَى مُسْتَرْخِيَ الْأعْضَاءِ.

وزَوْفٌ الْجَيْشَانِيُّ، رَوَى عَنِ الْأَكْدَرِ، وزَوْفُ بنُ عَدِيِّ بنِ زَوْفٍ، عن أَبِيهِ، عَن جَدِّه، وزَوْفٌ، هو ابنُ زَاهِرٍ، أو أَزْهَر، بن عَامِرِ بنِ عُوَيْثَانِ بنِ زَاهِرِ بنِ مُرادٍ: أَبُو قَبِيلَةٍ مِن اليَمَنِ: وإِليْهِ يُنْسَبُ جماعةٌ من المُحَدَّثِين، منهم عبدُ الله بنُ أَبي مُرَّةَ الزَّوفيُّ، مِن التَّابِعِين، مَجْهُولٌ، قال عَمْرُو بنُ مَعْدِي كَرِبَ ـ رضي ‌الله‌ عنه ـ لكَنَّازِ بنِ صُرَيْمٍ [الجُرْميّ]:

ابْعَثْ صَرِيخَكَ في زَوْفٍ وفي جملٍ *** مِن كُلِّ ذي وفْضَةٍ كالتَّيْسِ مِعْزَابِ

وزُوفَى، كَطُوبَى: نبَاتٌ بِجِبَالِ الْقُدْسِ، طَبِيخُهُ بِالسَّكَنْجَبِينِ يُسْهِلُ كَيْمُوسًا غَلِيظًا، وبِالْخَلِّ مَضْمَضَةً، نَافِعٌ لِوَجَعِ الْأَسْنَانِ، وتَبْخِيرًا لِوَجَعِ الْآذَانِ.

وزُوفَى أَيضا: الدَّسَمُ الْمَوْجُودُ في الصُّوفِ، يُغْسَلُ بِمَاءِ سَطْرُوبِيُونَ مَرَّاتٍ، حتى يَصْفُوَ الدَّسَمُ عَنِ الْوَسَخِ، فَيُحَلِّلُ الْأَورَامَ الصُّلْبَةِ، ويَنْفَعُ بُرُودَةَ الكَبِدِ والكُلَى.

ومَوْتٌ زُوَافٌ، كَغُرَابٍ: مُجْهِزٌ وحِيٌّ، عن ابنِ عَبَّادٍ، وَابنِ فَارِسٍ، لُغَةٌ في زَؤَافٍ، بالهَمْزِ.

وقال اللَّيْثُ: الْغِلْمَانُ يَتَزَاوَفُونَ، وهُوَ أَنْ يَجِي‌ءَ أَحَدُهُمْ إلى رُكْنِ الدُّكَّانِ، فَيَضَعَ يَدَهُ علَى حَرْفِهِ، ثُمَّ يَزُوفَ زَوْفَةً، فَيَسْتَقِلَّ مِن موضِعِه، ويَدُورَ حَوَالَيْ ذلك الدُّكَانِ في الْهَوَاءِ، حتَّى يعُودَ إِلَى مَكَانِهِ، يَتَعَلَّمُونَ بذلك الْخِفَّةَ لِلْفُرُوسِيَّةِ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

زَافَ، يَزافُ: لُغَةٌ في: يَزُوفُ.

وَالزُّوُوفُ، كقُعُودٍ: الاسْتِرْخَاءُ في المِشْيَةِ.

وَزَافَ الطائرُ في الهواءِ: حَلَّقَ، ومنه زَافَ الغُلامُ، زَوْفًا: إذا اسْتَدَارَ، ووَثَبَ.

وَزَافَ الماءُ، زَوْفًا: عَلَا حَبَابُهُ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


43-تاج العروس (فوق)

[فوق]: فَوْقُ: نَقِيض تَحْت، يَكُون اسمًا وظَرْفًا، مبنِيٌّ، فإِذا أُضِيفَ أُعْرِبَ. وحَكَى الكِسائِيُّ: أَفَوْقَ تَنامُ أَم أَسفَلَ؟، بالفتحِ عَلَى حَذْفِ المُضافِ، وتَرْك البِناءِ. وقالَ اللَّيْثُ: مَنْ جَعَلَه صِفةً كانَ سَبِيلُه النَّصْبَ، كقولك: عَبدُ الله فوقَ زَيْدٍ؛ لأَنّه صفة، فإِن صَيَّرتَه اسمًا رفعتَه، فقلتَ: فَوْقُه رأْسُه، صار رَفْعًا ههنا، لأَنّه هو الرأْسُ نفسُه، ورفعتَ كُلَّ واحدٍ منهما بصاحبِه، الفَوْقُ بالرَّأْسِ، والرّأْسُ بالفَوْقِ. وتَقولُ فوقَه قَلَنْسُوتُه، نصَبْت الفَوْقَ؛ لأَنَّهُ صِفَةُ عَيْنِ القَلَنْسُوةِ، وقوله تعالى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} لا تَكادُ تَظْهَر الفائِدةُ في قَوْله «مِنْ فَوْقِهِمْ» لأَنَّ «عَلَيْهِمُ» قَدْ تَنُوبُ عَنْها. قالَ ابنُ جِنِّي: قد يَكُونُ قولُه [تعالى]: {مِنْ فَوْقِهِمْ} هُنا مُفيدًا، وذلِك أَنَّه قد تُسْتَعْمَلُ في الأَفْعالِ الشّاقَّة المُسْتَثْقَلة «عَلَى» تقولُ: قد سِرْنا عَشْرًا، وبَقِيَتْ علينا لَيْلَتانِ، وقد حَفِظْتُ القُرآنَ وبَقِيَتْ عليَّ منه سُورَتان، وكذا يُقالُ في الاعْتِدادِ على الإِنسانِ بذُنُوبه، وقُبْحِ أَفعالِهِ: قد أَخْرَبَ عليَّ ضَيْعَتِي وأَعْطَب علي عَوامِلي، فعَلَى هذا لو قيلَ: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ}، ولم يَقُل: «مِنْ فَوْقِهِمْ» لَجازَ أَن يُظَنَّ بهِ أَنَّه كقولك: قد خَرِبَتْ عليهم دَارُهم، وقد هَلَكَتْ عليهِم مَواشِيهم وغِلالُهم، فإِذا قالَ: «مِنْ فَوْقِهِمْ» زالَ ذلِك المعنى المُحْتَمَل، وصارَ مَعْناه أَنَّه سَقَطَ وَهُمْ من تَحْتِه، فهذا معْنًى غيرُ الأَول، إِلى آخرِ ما قالَ، وهو تَحْقِيقٌ نَفِيسٌ جدًّا.

وقولُه تعالى: {لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} أَراد تَعالى: لأَكلُوا من قَطْرِ السماءِ ومن نَباتِ الأَرض، وقيل: قد يكونُ هذا منْ جهة التَّوْسِعَةِ. كما تقول: فلانٌ في خَيْر من فَرْقه إِلى قَدَمِه، وقولُه تعالى: {إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} عَنَى الأَحْزَابَ، وهم قُرَيشٌ، وغَطَفانُ، وبَنُو قُرَيظَةَ. وكانت قُرَيْظةُ قد جاءَتْهُم من فَوْقِهم، وجاءَتْ قُرَيْشٌ وغَطَفانُ من ناحِيَةِ مَكَّة من أَسْفَل منهم.

وقَولُه تَعالَى: {إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما} بَعُوضَةً فَما فَوْقَها. قال أَبو عُبَيْدةٌ أَي: في الصِّغَر أَي: فما دُونَها، كما تَقُولُ: إِذا قِيلَ لك فُلانٌ صَغِيرٌ، تقول: وفَوْقَ ذلِك، أَي: أَصْغَرُ من ذلك، وقِيلَ في الكِبَر أَي: أَعظَم منها يَعْنِي الذُّبابَ والعَنْكَبُوتَ، وهو قَوْلُ الفَرّاءِ، كما في الصِّحاح.

وفَاقَ أَصحابَه يَفوقُهم فَوْقًا، وفَواقًا أَي: عَلاهُم بالشَّرَفِ وغَلَبَهم وفَضَلهم، وفي الحَدِيثِ: «حُبِّبَ إِليّ الجَمالُ، حتَّى ما أُحِبُّ أَنْ يَفُوقَنِي أَحَدٌ بشِراكِ نَعْلٍ» يُقال: فُقْتُ فُلانًا، أَي: صِرْتُ خَيْرًا منه وأَعْلَى وأَشْرَف، كأَنَّك صِرتَ فوقَهُ في المَرْتَبةِ، ومنهُ حَدِيثُ حُنَيْن:

فما كانَ حِصْنٌ ولا حابِسٌ *** يَفُوقانِ مِرْداسَ في مَجْمَعِ

وفَاقَ الرجلُ يَفُوق فُواقًا، بالضمِّ: إِذا شَخَصَت الرِّيحُ من صَدْرِه.

وفَاقَ بِنَفْسِه يَفُوق فُؤُوقًا، وفُوَاقًا بضَمِّهِما: إِذا كانَتْ نَفسُه على الخُرُوجِ مثلُ: يَرِيقُ بنفسِه.

أَو فاقَ بنَفْسِه: مَاتَ.

أَو فاقَ بِنَفْسِه: جَادَ بِهَا.

وقالَ ابنُ الأَعرابيّ: الفَوْق: نَفْسُ المَوْت.

وفاقَتِ النَّاقَةُ تَفُوقُ فَواقًا: اجْتَمَعَت الفِيقَةُ في ضَرْعِها.

وفِيقَتُها، بالكَسْرِ: دِرَّتُها، كما سيأْتي.

والفائِقُ: الخِيارُ من كُلِّ شَيْ‌ءٍ والجَيِّدُ الخالِصُ في نَوْعه.

والفائِقُ: مَوْصِلُ العُنُقِ والرَّأْسِ. وفي العُبابِ: في الرَّأْسِ، فإِذا طالَ الفائِقُ طالَ العُنُقُ، ومِثلُه في اللّسان.

وقالَ ابنُ الأَعرابيِّ: الفَوَقَة مُحَرَّكةً: الأُدَباءُ الخُطَباءُ. وقال اللَّيثُ: الفاقُ: الجَفْنَةُ المَمْلُوءَةُ طَعامًا، وأَنْشَدَ:

تَرَى الأَضْيافَ يَنْتَجِعُون فاقِي

كذا في التَّهْذِيبِ.

والفَاقُ: الزَّيتُ المَطْبوخُ. قالَ الشّمَّاخُ يصِف شَعَرَ امْرأَة:

قامَتْ تُرِيكَ أَثِيثَ النَّبْتِ مُنْسَدِلًا *** مِثلَ الأَساوِدِ قَدْ مُسِّحْنَ بالفَاقِ

وقِيلَ: أَرادَ الأَنفاق، وهو الغَضُّ من الزَّيت.

ورواه أَبو عَمْروٍ: «قد شُدِّخْن بالفاقِ». وقالَ: الفاقُ هو الصَّحْراءُ. وقالَ مَرّة: هي أَرْضٌ واسِعَة.

وقولُه: الفاقُ: الطَّوِيلُ المُضْطَربُ الخَلْقِ، كالفُوقِ والفُوقَة بضَمِّهِما. والفِيقِ بالكَسْر. والفُواقِ والفُياقِ، بضَمِّهِما إِلى هُنا الصّواب فيه بقافَيْن، كما سيأْتِي له أَيضًا هُناك، ولم يَذكُر أَحدٌ من أَئِمَّة اللُّغَةِ هذه الأَلفاظَ بهذا المَعْنَى. وكذا قَوْلُه: الفاقُ: طائِرٌ مَائِيٌّ طَوِيلُ العُنُق فإِنه أَيضًا بقافَيْن على الصَّحِيح، كما سيَأْتِي له أَيضًا، وقد تَصحَّفَ على المُصنِّفِ في هذه الأَلْفاظِ فلْيُتَنَبَّه لذلِكَ.

والفاقَةُ: الفَقْرُ والحَاجَةُ ولا فِعْلَ لها.

ورَوى الزَّجّاجِيُّ في أَمالِيه بسَنَدِه عن أَبي عُبَيْدة قال: خَرَجَ سامةُ بنُ لُؤيِّ بنِ غالِبٍ من مَكَّة، حتى نَزَلَ بعُمانَ وأَنشأَ يَقُولُ:

بَلِّغا عامِرًا وكَعْبًا رَسُولًا: *** إِنَّ نَفْسِي إِليهِما مُشتاقَهْ

إِن تَكُنْ في عُمانَ دارِي فإِنِّي *** غالِبِيٌّ خرَجْتُ من غَيْرِ فَاقَهْ

ويُرْوَى:

ماجِدٌ ما خَرَجْتُ من غير فاقَهْ

ثُمَّ خَرَج يَسِيرُ حتَّى نَزَل على رَجُل من الأَزْدِ، فَقَراهُ وباتَ عندَه، فلما أَصْبَح قَعَدَ يَسْتَنُّ، فنظَرَت إِليه زَوْجَةُ الأَزْدِيّ، فأَعجَبَها، فلمّا رَمَى سِواكَه أَخَذَتْها فمَصَّتْها، فنَظَر إِليها زَوجُها فحَلَبَ ناقَةً، وجَعل في حِلابها سُمًّا، وقَدَّمه إِلى سامَةَ، فَغَمَزَتْه المَرّأَةُ: فهَراقَ اللَّبَنَ، وخَرَجَ يَسِيرُ، فبَيْنا هو فِي مَوْضِع يُقال له: جوفُ الخَمِيلَةِ، هَوَتْ ناقَتُه إِلى عَرْفَجَة، فانتَشَلَتْها، وفِيها أَفْعَى، فَنَفَحَتْها، فَرَمَتْ بِها على ساقِ سامَة، فنَهَشَتْها، فماتَ، فبَلَغ الأَزدِيَّةَ، فقالَت تَرْثِيه:

عينُ بَكِّي لسامَةَ بنِ لُؤَيٍّ *** عَلِقَتْ ساقَ سامةَ العَلَّاقَهْ

لا أَرَى مثلَ سامةَ بن لُؤَيٍّ *** حَمَلَتْ حَتْفَه إِليه النَّاقَهْ

رُبَّ كَأْسٍ هَرَقْتَها ابنَ لُؤَيٍّ *** حَذَرَ المَوْتِ لم تَكُنْ مُهرَاقَهْ

وحُدُوسَ السُّرَى تَرَكْتَ رَدِيئًا *** بعدَ جِدٍّ وجُرْأَةٍ ورَشاقَهْ

وتعاطَيْتَ مَفْرَقًا بحُسامٍ *** وتَجنَّبْت قالَةَ العَوَّاقَهْ

ومَحالةٌ فَوْقاءُ: إِذا كانَ لكُلِّ سِنٍّ مِنْها فُوقانِ كفُوقَيِ السَّهْمِ.

والفَوْقاءُ: الكَمَرَة المُحَدَّدَةُ الطَّرَفِ كالحَوْقاءِ.

وقالَ النَّضْرُ: فُوقُ الذَّكَر، بالضَّمِ: أَعْلَاهُ يُقال: كَمَرةٌ ذاتُ فُوق، وأَنشد:

يا أَيُّها الشَّيخُ الطَّويلُ المُوقِ *** اغْمِزْ بهِنَّ وَضَحَ الطَّرِيقِ

غَمزَكَ بالحَوْقاءِ ذاتِ الفُوقِ *** بينَ مَناطَيْ رَكَبٍ مَحْلُوقِ

وقالَ أَبو عَمْروٍ: الفُوقُ: الطَّرِيقُ الأَوَّل وهو مَجازٌ.

ويُقال: رَمَيْنا فُوقًا واحدًا، أَي: رِشْقًا واحدًا، وهو مجاز.

ويُقالُ للرَّجُل إِذا وَلَّى: ما ارتَدَّ على فُوقِه أَي: مَضَى ولم يَرْجِعْ.

والفُوقُ: طائِرٌ مائِيٌّ، صوابُه بقافَيْن، كما سيَأْتِي، وقد تَصَحَّفَ على المُصَنِّفِ. والفُوقُ: الفَنُّ من الكَلام جمعه فُوَق كصُرَد. قال رُؤْبةُ:

كَسَّر من عَيْنَيْه تقويمُ الفُوَقْ *** وما بعَيْنَيْه عَواوِيرُ البَخَقْ

وفي الأَساسِ: يُقال: للرجلِ إِذا أَخَذَ في فَنٍّ من الكَلامِ: خُذْ في فُوقٍ أَحسَنَ منه، وهو مجاز.

وقالَ ابنُ عبّادٍ: الفُوق: فَرْج المَرْأَة. وقالَ الأَصمعيّ: هو بالقاف وسيَأْتِي.

وقيل: هو طَرَفُ اللسان. أَو هو مَخْرَج كذا في النّسخ، والصّواب: مَفرجُ الفَمِ وجَوْبَتُه كما هو نَصّ المُحِيط.

والفُوقُ: مَوْضِعُ الوَتَرِ من السَّهْمِ، كالفُوقَةِ. وقالَ اللَّيْثُ: هو مَشَقُّ رَأْسِ السَّهْمِ حيث يَقَعُ الوَتَر. وحَرْفاه: زَنَمَتاه.

أَو الفُوقَان: الزَّنَمَتَانِ في لُغة هُذَيْل. قال عَمرُو بن الدّاخِل الهُذَليّ: قالَهُ الجُمحِيّ وأَبو عَمْرٍو وأَبو عَبْد الله.

وقال الأَصْمَعِيّ: هو الدّاخِلُ بنُ حَرام أَحَدُ بني سَهْمِ بن مُعاوِية:

كأَنَّ الرِّيشَ والفُوقَيْن منه *** خِلالَ النَّصْلِ سِيطَ به مَشِيجُ

منه، أَي: من السَّهْم. وقالَ أَبو عُبَيْدَةَ: أَرادَ فُوقًا واحِدًا، فَثَنّاه.

ج: فُوَق، وأَفْواق كصُرَد وأَصْحاب، ومنه قولُ رُؤْبَةَ:

كَسَّر من عَيْنَيْه تَقْوِيمُ الفُوَقْ

وقال غَيرُه:

فأَقْبِلْ على أَفواق سَهْمِك إِنّما *** تَكلَّفتَ مِلْ أَشْياءِ ما هُو ذاهِبُ

وذَهَب بعضهم إِلى أَن فُوقًا جمع فُوقَة.

وقال ابنُ السِّكّيت. يقال: فُوَقَةٌ وفُوَقٌ وأَفواقٌ، وأَنشدَ بيت رُؤْبَة أَيضًا، وقال: هذا جمعُ فُوقَة.

ويُقال: فُقْوَةٌ، وفُقًا، مَقْلُوبة قال الفِنْد الزِّمَّانِيّ:

ونَبْلِي وفُقاهَا كَ *** عراقِيبِ قَطًا طُحْلِ

وفي حَدِيثِ ابنِ مَسْعودٍ رضي ‌الله‌ عنه: «فأَمَّرْنا عُثْمانَ ولم نَأْلُ عن خَيْرِنا ذا فُوَقٍ» يقول: إِنه خَيْرُنا سَهْمًا تامًّا في الإِسلامِ والفَضْلِ والسّابِقَةِ.

وذُو الفُوقِ: سَيْفُ مَفْروقٍ أَبِي عَبْدِ المَسِيح. قَال عبدُ المَسِيح بنُ مَفْروق: أَضْرِبُهم بذي الفُوق، سَيفِ أَبينَا مَفْروق، بالوِتْر غير مَسْبوق، أَخْلُص لابنِ مَطْرُوق.

وفُوقٌ: مَلِك للرُّوم، نُسِب إِليه الدَّنانِيرُ الفُوقِيَّة، أَو الصَّواب بالقافَيْن قلتُ: والذي صَوَّبه هو الصّواب، وسيَأْتي ذكرُه في موضعه، والرِّواية الثانيةُ هي بالقَافِ والفَاءُ من القَوْفِ: الإِتْباع. وأَمّا بالفاءِ والقافِ الذي أَوردَه المُصنّف هُنا فإِنه غَلَطٌ مَحْضٌ، وتَصْحِيفٌ، فَليُتَنبَّه لذلِكَ.

وفُقْتُ السَّهمَ أَفُوقه: كَسَرْتُ فُوقَه، فهو سَهْم أَفوَقُ مَكْسور الفُوق، والجمعُ فُوق، وهو مجاز.

قالَ ابنُ الأَعرابيّ: الفُوقُ: السِّهامُ الساقِطاتُ النُّصول.

وفاقَ الشي‌ءَ يَفُوقُه: كَسَره. قال أَبو الرُّبَيْس:

يكادُ يَفُوقُ المَيْسَ ما لم يَرُدَّها *** أَمينُ القُوَى من صُنْعِ أَيمَنَ حادِرِ

أَمينُ القُوَى: الزِّمام. وأَيمَنُ: اسم رجُل. وحادِر: غَلِيظ.

والفَوَقُ، مُحَرَّكة: مَيَل وانْكِسار في أَحَدِ زَنَمَتَي الفُوق.

أَو فِعْلُه فَاقَ السَّهمُ يَفاقُ فَاقًا وفَوْقًا بالفَتْح مثل خاف يَخاف خَوْفًا، ثم حُرِّك الواوُ، وأُخرِجَ مُخْرَج الحَذَر؛ لأَنَّ هذا الفِعْلَ على فَعِل يفعَلُ بكَسْرِ العينِ في الماضِي، وفَتْحِها في المضارع.

والفُواقُ، كَغُراب: الذِي يَأْخُذُ المُحْتَضَرَ عند النَّزْع.

وفي الصِّحاح: الإِنْسانُ بَدَلَ المُحْتَضَر. ومن المَجازِ: الفُواقُ الرِّيحُ التي تَشْخَصُ من الصَّدْرِ.

ومن المَجازِ: الفُواقُ أَيضًا: ما بَيْن الحَلْبَتَيْن من الوَقْت، لأَنَّها تُحْلَب، ثم تُترَك سُوَيْعة يرضَعُها الفَصِيلُ لِتَدِرّ، ثم تُحلَب. يقال: ما أَقامَ عنده إِلَّا فُواقًا ويفتح. وقرأَ الكُوفِيُّون غيرَ عاصِمٍ: ما لَها من فُواق بالضّم، والباقُون بالفَتْح. قالَ أَبو عُبَيْدَةَ: مَنْ قرأَ بالفَتْحِ، أَرادَ ما لَها من إِفاقَةٍ ولا رَاحَةٍ، ذَهَب بها إِلى إِفاقَةِ المَرِيضِ، ومن ضَمَّها جَعَلَها من فُواقِ الناقَة، يُرِيد مالَها من انْتِظارٍ. وقالَ قَتادةُ: أَي ما لَها منْ مَرْجوعٍ ولا مَثْنَوِيةٍ، ولا ارْتِدادٍ. وقال ثَعْلبٌ: أَي ما لَها من فَتْرةٍ.

ويقال: فُواق النّاقة وفَواقُها: رجُوعُ اللَّبَنِ في ضَرْعِها بعد حَلْبِها. يُقال: لا تَنْتَظِرْه فُواقَ ناقَة، وأَقام فُواقَ ناقه، جَعلُوه ظَرْفًا على السَّعةِ، وهو مجازٌ. وفي حَدِيثِ عليٍّ رضي ‌الله‌ عنه: «قال له الأَسِيرُ: أَنظِرْني فُواقَ ناقَةٍ» أَي أَخِّرني قَدرَ ما بين الحَلْبَتَيْنِ. وفي الحَدِيثِ المَرْفُوعِ: «أَنّه قَسَمَ الغَنائِم يَومَ بَدْرٍ عن فُواق» يُضَمُّ ويُفْتَح، أَي: قَسَمها في قَدْرِ فُواقِ نَاقَةٍ من الرّاحَةِ، وقِيلَ: أَرادَ التَّفْضِيلَ في القِسْمةِ، كأَنَّه جعَلَ بعضَهم أَفْوقَ من بَعْضِ على قَدْرِ غَنائِمِهم وبَلائِهم.

القَولُ الأَولُ مالَ إِليه الأَزْهَريّ، والثانِي مالَ إِليه ابنُ سِيدَه.

أَو فُواقُ النّاقَةِ: ما بَيْن فَتْحِ يَدِك وقَبْضِها على الضَّرْعِ أَو إِذا قَبَض الحالِبُ على الضَّرْعِ، ثم أَرْسَلَه عندَ الحَلْبِ.

ج: أَفْوِقَة كجَوابٍ وأَجْوِبة، وغُراب وأَغْرِبة، وآفِقَةٌ نَقَلَه الصاغَانِيُّ. وقال الفَرّاء: يُجمعَ الفُواقُ أَفْيِقَة. والأَصل أَفْوِقة، فنُقِلت كَسْرة الواو لِمَا قَبْلَها، فقُلِبت ياءً لانكِسار ما قَبْلَها، ومثله: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ}. الأَصلُ أَقْوِمُوا، قالَ: وهذا مِيزانٌ واحد ومثله مُصِيبَةٌ. ويُجمعُ الأَفْوِقة على أَفْوِقات، ومنه قَولُ الرَّاجز:

أَلا غُلامٌ شَبَّ من لِداتِها *** مُعاودٌ لشُرْبِ أَفْوِقاتِها

والفِيقَة، بالكَسْر: اسمُ اللَّبَن يَجْتَمِعُ في الضَّرْعِ بَيْنَ الحَلْبَتَيْن، والأَصْلُ، فِوقَة، صارت الواوُ ياءً لكسرةِ ما قبلها. قالَ الأَعشَى يَصِفُ بَقَرة:

حَتَّى إِذا فِيقَةٌ في ضَرْعِها اجْتَمَعَت *** جاءَتْ لتُرضِعَ شِقَّ النَّفْسِ لو رَضَعَا

وفي بعضِ رِوايات حَدِيث أُمِّ زَرع: «وتُشبِعُه ذِراعُ الجُفْرة وترويه فِيقَةُ اليَعْرة».

ج: فِيقٌ بالكَسْر، وفِيَقٌ كعِنَب، وفِيقاتٌ، ويُجمَع أَيضًا أَفْواق كشِبْرٍ وأَشْبارٍ، ثم جمع الجمع: جمع الجَمْعِ أَفاوِيقُ.

قال عبدُ الله بنُ هَمَّام السَّلوليّ:

يَذُمُّون دُنْيانا وهم يَرْضَعُونَها *** أَفاوِيقَ حتى ما يَدِرُّ لها ثَعْلُ

وقال ابنِ بَرِّي: قد يَجُوزُ أَن يجمعَ فِيَقةَ على فِيق، ثم يُجْمَع فِيقَ على أَفْواقٍ، فيكون مثل شِيعَةٍ، وشِيَع، وأَشْياع.

وشاهِدُ أَفْواقٍ قولُ الشّاعر:

تَعْتادُه زَفَراتٌ حين يَذكُرُها *** يَسْقِينَه بكُؤُوس المَوْتِ أَفْواقَا

ومن المَجازِ: الأَفاوِيقُ: ما اجْتَمَعَ في السَّحاب من مَاءٍ، فهو يُمْطِرُ سَاعَةً بَعْد ساعةٍ. قال الكُمَيْتُ يَصِفُ ثَوْرًا وَحْشِيًّا:

فباتَتْ تَثِجُّ أَفاوِيقُها *** سِجال النِّطافِ عليه غِزَارَا

قال ابنُ سِيدَه: أَراهم كَسَّروا فُوقًا على أَفْواق، ثم كَسُّروا أَفْواقًا على أَفاوِيق.

ومن المَجازِ: الأَفاوِيقُ من اللَّيلِ: أَكثَرَهُ. يُقال: خَرجْنا بعدَ أَفاويقَ من اللَّيل، أَي: بعدَ ما مَضَى عامَّةُ اللَّيْلِ، قاله اللِّحيانيّ. وقِيلَ: هو كقَوْلك بعد أَقْطاع من اللَّيل، رَواه ثَعْلَب.

وأَفِيقُ، كأَمِير: قرية باليَمَن من نَواحِي ذِمَار، وقد ذَكَرها المُصَنِّفُ أَيضًا في «أ ف ق»، وأَغفَله ياقُوت والصاغانِيّ.

وأَفِيقُ: بلد بين دِمَشْقَ وطَبَرِيَّة من أَعْمال حَوْران.

ولِعَقَبتِهِ ذِكْرٌ في أَخْبارِ المَلاحِم، وهي عَقَبةٌ طويلةٌ نحو مِيلَين، والبلد المَذْكُور في أَول العَقَبةِ يُنْحَدَرُ منها إِلى غَوْر الأُردُنِّ، ومنها يُشْرَف على طَبرِيّة ولا تَقُل فِيق كالعَامَّة نَبَّه عليه الصاغانيّ وياقُوتُ، وقد ذكره المُصنِف في «أَ ف ق» ومعنى قَولِ حَسَّان بنِ ثَابِت رضي ‌الله‌ عنه هُناك.

وفي المُعْجَمِ ما نَصُّهُ: وفي كِتابِ الشّام عن سَعِيد بنِ هاشم بن مَرْثَد [عن أَبيه] قال: أَخْبَرونا عن مُنْخَّل المَشْجعيّ قال: رأَيتُ في المنام قائِلًا يقولُ لي: إِن أَردتَ أَن تدخُلَ الجنةَ فقُلْ كما يقولُ مُؤذِّنُ أَفِيق، قال: فسِرْتُ إِلى أَفِيق، فلمّا أَذّن المُؤذّن قُمتُ إِليه فسَأَلْتُه عما يَقُول، فقال: {لا إِلهَ إِلَّا اللهُ} وحدَه {لا شَرِيكَ لَهُ}، {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ}، {يُحْيِي وَيُمِيتُ} وهو حَيٌّ لا يَمُوت، بِيَدِه الخَيْرُ (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ)، أَشهَدُ بِها مع الشَّاهِدِين، وأَحمِلُها مع المُجاهِدِين، وأَعدُّها إِلى يَومِ الدِّين، وأَشهَدُ أَنَّ الرَّسولَ كما أُرسِل، والكِتابَ كما أُنْزِل، وأَنَّ القَضاءَ كما قَدَّر، (وَأَنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها، وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)، عليها أَحيَا وعليها أَمُوت وعليها أُبْعَث إِنْ شاءَ الله تَعالَى.

ومن المَجازِ: أَتيتُه فِيقَة الضُّحَى بالكَسْرِ. قال ابنُ عَبَّادٍ: ارْتِفاعُها. وقال الزَّمَخشريّ: مَيْعَتُها، أَي: أَوَّلَها.

وأَفَقْتُ السَّهْمَ أَي: وَضَعْتُ فُوقَه في الوَتَر لأَرمِيَ به كأَوْفَقْته كما في الصِّحاح، وكذا أَوفَقْت بهِ، كلاهُما على القَلْب.

وفي التَّهْذِيبِ: فإِنْ وَضعْتَه في الوَتَرِ لتَرْمِيَ به قُلتَ: فُقْتُ السَّهْمَ، وأَفْوَقْتُه.

وقِيل: يُقال: فُقتُ السَّهمَ. وأَما أَفْوَقْتُه فنَادِر.

وأَفاقَتِ النَّاقَة تُفِيقُ إِفاقَة، أَي: اجْتَمَعَت الفِيقَةُ في ضَرْعِها، فهِي مُفِيقٌ، ومُفِيقَةٌ: دَرَّ لبَنُها. وقالَ الأَصمعيُّ: أَفاقَت الناقةُ فاحلُبْها. وقالَ ابنُ الأَعْرابِيّ: أَفاقَت الناقةُ تُفِيقُ إِفاقةً وفُواقًا: إِذا جاءَ حِينُ حَلْبِها.

وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ: الإِفاقَةُ للناقةِ: أَن تَرِدَ من الرَّعْيِ وتُتْركَ ساعةً، حتى تَسْتَرِيحَ وتُفِيقَ.

وقال زَيدُ بنُ كُثَوة: إِفاقةُ الدَّرَّة: رُجوعُها. وغِرارُها: ذَهابُها.

ج: مَفاوِيقُ، نَقَله الجوهريُّ ومَفاوِق. أَيضًا، عن الأَخفَش.

وأَفاقَ من مَرَضه ومن غَشْيَته يُفِيق إِفاقةً وفُواقًا، أَي: رَجَعَت الصِّحَّة إِليهِ، أَو رَجَع إِلى الصِّحَّة، ومنه قَولُه تَعالَى: {فَلَمّا أَفاقَ} وكُلُّ مَغْشِيٍّ عليه أَو سَكْرانَ مَعْتُوهٍ إِذا انْجَلَى ذلِكَ عنه قِيلَ: قد أَفاق كاسْتَفاقَ وقِيلَ: أَفاقَ العَلِيلُ، واستَفاق: إِذا نَقِه. والاسمُ الفُواقُ. قال عَدِيُّ بنُ زَيْد:

بَكَرَ العاذِلُونَ في وَضَحِ الصُّبْ *** حِ يَقولُونَ لِي: أَلَا تَسْتَفِيقُ؟!

وقالت الخَنساءُ:

هَرِيقِي مِنْ دُمُوعِكِ واستَفِيقي *** وصَبْرًا إِن أَطَقْتِ، ولن تُطِيقِي

ومن المَجازِ: أَفاقَ الزَّمانُ أَي: أَخْصَب بَعْد جَدْب.

قالَ الأَعْشَى:

المُهِينِينَ ما لَهم في الزَّمانِ السَّوْ *** ءِ حتّى إِذا أَفاقَ أَفاقُوا

يَقُولُ: إِذا أَفاقَ الزَّمان بالخِصْبِ أَفاقُوا من نَحْرِ إِبلِهمْ.

وقال نُصَيْر: يُرِيد: إِذا أَفاقَ [الزمانُ] سَهْمَه ليَرْمِيَهُم بالقَحْطِ أَفاقُوا له سِهامَهُم بنَحْرِ إِبلِهمْ.

وقال بَعضُهم: الإِفاقَةُ: الرَّاحَةُ من الفُواق.

وهو الرَّاحَةُ بَيْن الحَلْبَتَيْن. وسِياقُ المُصَنِّف يَقتَضِي أَنّ الإِفاقَة هي الرّاحة بين الحَلْبَتَيْن، والصَّحِيحُ أَنّه من مَعْنَى الفُواقِ، ومنه الإِفاقَةُ.

وفَوَّق السَّهمَ تَفْوِيقًا: جَعَلَ له فُوقًا كما في العُبابِ، وهو قَوْلُ الأَصمَعِيِّ. وفي الأَساسِ: أَي جَعَل الوَتَر في فُوقهِ عندَ الرَّمْيِ. ومنه قَولُهم: لا زِلْتَ للخَيْرِ مُوفَّقًا، وسَهمُك في الكَرَمِ مُفوَّقًا.

وفَوَّق الرَّاعِي الفَصِيلَ تَفْويقًا: إِذا سَقاهُ اللَّبنَ فُواقًا فُواقًا.

وقالَ ابنُ الأَعرابِيّ: المُفَوَّق كمُعَظَّم: ما يُؤْخَذ قَلِيلًا قَلِيلًا من مَأْكول ومَشْرُوب وهو مَجازٌ.

وتَفوَّق على قَوْمه: تَرَفَّع عليهم.

وتَفوَّق الفَصِيلُ: شَرِب اللَّبنَ فُواقًا فُواقًا كما في الصِّحاحِ.

وتَفوّق زَيْدٌ ناقَتَه: حَلَبَها كذلِك أَي: فُواقًا بعدَ فُواق.

قال الجوهريّ: ومنه حدِيثُ أَبِي مُوسَى: «أَنه تَذاكَرَ هو ومُعاذٌ ـ رضي ‌الله‌ عنهما ـ قِراءَةَ القُرْآنِ، فقالَ أَبو مُوسَى: أَمّا أَنَا فأَتَفوَّقُهُ تَفوّقَ اللَّقوح» أَي: لا أَقرأْ جُزْئِي بمَرَّةٍ، ولكن أَقرَأُ منه شَيْئًا بعد شَيْ‌ءٍ في لَيْلِي ونَهارِي، وهو مَجازٌ: قال الشّاعِر:

تَفَوَّقْتُ مالِي من طَرِيفٍ وتَالدٍ *** تَفوُّقِيَ الصَّهباءَ من حَلَبِ الكَرْمِ

وقد ذَكَر سِيبَوَيْهٌ: يتجَرَّعُه ويتفَوَّقهُ فيما ليسَ مُعالَجَةً للشَّي‌ءِ بمرةٍ، ولكنه عَمَلٌ بعدَ عَمَلٍ في مُهْلَةٍ. وفي حَدِيث عليٍّ رضي ‌الله‌ عنه: «إِن بَنِي أُميَّة لَيُفَوِّقُونَنِي تُراثَ مُحَمَّدٍ تَفْوِيقًا» أَي يُعْطُونَنِي من المالِ قَلِيلًا قَلِيلًا كاسْتَفاقَها إِذا نَفَّسَ حلبها حَتّى تَجْتَمِعَ دِرَّتُها.

ويُقالُ: استَفِق النَّاقَةَ أَي: لا تَحْلُبْها قَبْلَ الوَقْتِ.

ورَجُل مُسْتَفِيقٌ: كَثِير النَّوْم عن ابنِ الأَعرابيّ، وهو غَرِيب.

وفلانٌ ما يَسْتَفِيقُ من الشَّرابِ أَي ما يكُفُّ عنه، أَو لا يَشرَبُه في الوَقْت، وقِيلَ: لا يَجعل لشُرْبِه وقتًا، وإِنما يَشرَبُه دائِمًا، ومنه قولُ الحَرِيريّ:

لا يَسْتَفِيق غَرامًا لها وفَرْطَ صَبابَهْ

وانْفاقَ الجَمَلُ انْفِياقًا: هُزِل، انْفِعال من فاقَ الشي‌ءَ: إِذا كَسَره.

وقيل: هَلَك، ومن ذلك انفاقَ السَّهمُ: إِذا تَكَسَّر فُوقُه أَو انْشَقّ.

وافْتاقَ الرجلُ: إِذا افْتَقَر افْتِعال من الفَاقَه، ولا يُقالُ: فاقَ فإِنَّه لا فِعْلَ للفاقَةِ، قالَهُ الجَوْهَرِيُّ.

أَو افْتاق: إِذا مَاتَ بكَثْرةِ الفُواقِ نقله الصّاغانِيُّ.

وشَاعِر مُفِيقٌ ومُفْلِق بالياءِ واللام بِمَعْنىً واحدٍ، رواه السُّلَمِيُّ، وهو أَبو تُراب.

* ومما يُسْتَدْرَكُ عليه:

جاريةٌ فَائِقَةٌ: فاقَتْ في الجَمال.

ورَجَعَ فُلانٌ إِلى فُوقِه، بالضم، أَي: مات، عن أَبِي عَمْرو، وأَنشَدَ:

ما بالُ عِرْسِي شَرِقَت بِريقِها *** ثُمَّتَ لا يَرجِعْ لها في فُوقِها

أَي: لا يَرْجعُ رِيقُها إِلى مَجْراهُ.

وفاق فُؤُوقًا وفُواقًا: أَخذه البُهْرُ.

والفُواقُ: تَردِيد الشَّهْقَةِ العالِيَةِ.

وحَكَى كُراع: فَيْقة النّاقَةِ، بالفَتْح. قالَ ابنُ سِيدَه: ولا أَدْرِي كَيْفَ ذلك.

وفَوَّقَ الناقةَ أَهْلُها تَفْويقًا: نَفَّسُوا حَلبَها؛ لتَجْتَمع إِليها الدِّرّة.

وحَكَى أَبو عَمْروٍ في الجُزْءِ الثالث من نَوادِره بعد أَن أَنْشَد لأَبِي الهَيْثَم التَّغْلِبِيّ يَصِف قِسِيًّا:

لَنا مَسائحُ زُورٌ في مراكِضِها *** لِينٌ ولَيْسَ بها وَهْيٌ ولا رَقَقُ

شُدَّتْ بكُلِّ صُهابِيٍّ تَئطُّ بهِ *** كما تَئطُّ إِذا مَارُدَّت الفُيُقُ

قال: الفُيُق: جمع مُفِيق، وهي التي يَرجِع إِليها لَبنُها بعد الحَلْب.

قال ابن بَرّي: قوله: الفُيُق جمع مُفِيق، قِياسُه جمع ناقة فَيُوق، وأَصلُه فَوُوق، فأَبدلَ من الواوِ ياء، استِثْقالًا للضَّمَّةِ على الواو، ويُرْوَى الفِيقُ وهو أَقيسُ.

والفَواق، كَسَحابٍ: ثائِبُ اللَّبن بعد رَضاعٍ أَو حِلابٍ.

وتَفوَّقَ شَرابَه: شَرِبه شَيْئًا بعد شَي‌ءٍ، وهو مجاز.

وأَعلاهُم فُوقًا، بالضم، أَي: أَكثَرُهم حَظًّا ونَصِيبًا من الدِّينِ، وهو مُسْتَعارٌ من فُوقِ السَّهْمِ.

وفي المَثَلِ «رَددتُه بأَفوقَ ناصِلٍ»: إِذا أَخْسَسْتَ حَظَّه.

ورجع فُلانٌ بأَفوقَ ناصِل: إِذا خَسَّ حظُّه، أَو خابَ.

ومثَلٌ للعَرَب يُضْرَبُ للطَّالب لا يَجِدُ ما طَلَبَ: «رَجَع بأَفْوق نَاصِل» أَي: بسَهْمٍ مُنْكَسِر الفُوقِ لا نَصْلَ له.

ويُقالُ: له من كذا سَهْم ذُو فُواقٍ، أَي: حَظٍّ كاملٍ.

وفَوَّقَه تفْوِيقًا: فَضَّلَه. ويُقالُ: فَوَّقَنِي الأَمانيَّ تَفْويقًا.

وأَرْضَعَنِي أَفاوِيقَ بِرّه، وهو مَجازٌ. ويَقُولون: أَقبِل على فُوقِ نَبْلِك؛ أَي على شَأْنِك وما يَعْنِيك.

وفُوقُ الرَّحِمِ: مَشَقُّه، على التَّشْبِيه.

والفاقُ: البانُ. وأَيضًا المُشْط، عن ثَعْلب. وبَيتُ الشَّماخ الذي تقدم ذِكرُه مُحتَمِل لهما.

ويقال: ارجِعْ إِن شِئْتَ في فُوقي، أَي: لِمَا كُنَّا عليه من المُؤاخاةِ والتَّواصُلِ، عن ابنِ عبّادٍ والزَّمخشَرِي، وهو مَجازٌ.

وكان فُلانٌ لأَوَّل فُوقٍ، أَي: أَوَّل مَرْمِيٍّ وهالِكٍ، وهو مَجَازٌ.

وفائِقُ السّامانِيّ: مُحدِّث، رَوَى عن عبد اللهِ بنِ محمد بنِ يَعْقُوب السّامانِيّ.

والفَوْقانِيُّ: ما يلْبَسهُ الإِنسانُ فَوْقَ شِعاره، مكيَّة مولَّدة.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


44-لسان العرب (بعث)

بعث: بَعَثَهُ يَبْعَثُه بَعْثًا: أَرْسَلَهُ وَحْدَه، وبَعَثَ بِهِ: أَرسله مَعَ غَيْرِهِ.

وابْتَعَثَه أَيضًا أَي أَرسله فانْبعَثَ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ يَصِفُ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، شَهِيدُك يومَ الدِّينِ، وبَعِيثُك نعْمة؛ أَي مَبْعُوثك الَّذِي بَعَثْته إِلى الخَلْق أَي أَرسلته، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ زَمْعَة: «انْبَعَثَ أَشْقاها»؛ يُقَالُ: انْبَعَثَ فلانٌ لشأْنه إِذا ثَارَ ومَضَى ذَاهِبًا لِقَضَاءِ حاجَته.

والبَعْثُ: الرسولُ، وَالْجَمْعُ بُعْثانٌ، والبَعْثُ: بَعْثُ الجُنْدِ إِلى الغَزْو.

والبَعَثُ: القومُ المَبْعُوثُونَ المُشْخَصُونَ، وَيُقَالُ: هُمُ البَعْثُ بِسُكُونِ الْعَيْنِ.

وَفِي النَّوَادِرِ: يُقَالُ ابْتَعَثْنا الشامَ عِيرًا إِذا أَرسَلوا إِليها رُكَّابًا لِلْمِيرَةِ.

وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ: «يَا آدمُ ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ»؛ أي المَبْعُوث إِليها مِنْ أَهلها، وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ.

وبَعَثَ الجُنْدَ يَبْعَثُهم بَعْثًا: وجَّهَهُمْ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ البَعْثُ والبَعِيثُ، وَجَمْعُ البَعْثِ: بُعُوث؛ قَالَ:

ولكنَّ البُعُوثَ جَرَتْ عَلَيْنَا، ***فَصِرْنا بينَ تَطْوِيحٍ وغُرْمِ

وَجَمْعُ البَعِيثِ: بُعُثٌ.

والبَعْثُ: يَكُونُ بَعْثًا لِلْقَوْمِ يُبْعَثُون إِلى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، مِثْلَ السَّفْر والرَّكْب.

وَقَوْلُهُمْ: كنتُ فِي بَعْثِ فلانٍ أَي فِي جَيْشِهِ الَّذِي بُعِثَ مَعَهُ.

والبُعُوثُ: الجُيوش.

وبَعَثَه عَلَى الشَّيْءِ: حَمَلَهُ عَلَى فِعْله.

وبَعَثَ عَلَيْهِمُ البَلاء: أَحَلَّه.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادًا لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}.

وَفِي الْخَبَرِ: أَنَّ عَبْدَ المَلِك خَطَبَ فَقَالَ: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ مُسلِمَ بْنَ عُقْبة، فَقَتلَكم يَوْمَ الحَرَّة.

وانْبَعَثَ الشيءُ وتَبَعَّثَ: انْدَفَع.

وبَعَثَه مِنْ نَوْمه بَعَثًا، فانْبَعَثَ: أَيْقَظَه وأَهَبَّه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَتاني الليلةَ آتِيانِ فابْتَعَثَاني»أَي أَيقَظاني مِنْ نَوْمِي.

وتأْويلُ البَعْثِ: إِزالةُ مَا كَانَ يَحْبِسُه عَنِ التَّصَرُّف والانْبِعاثِ.

وانْبَعَثَ فِي السَّيْر أَي أَسْرَع.

ورجلٌ بَعِثٌ: كَثِيرُ الانْبِعاثِ مِنْ نَوْمِهِ.

وَرَجُلٌ بَعْثٌ وبَعِثٌ وبَعَثٌ: لَا تَزَالُ هُمُومه تؤَرِّقُه، وتَبْعَثُه مِنْ نَوْمِهِ؛ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْر:

تَعْدُو بأَشْعَثَ، قَدْ وَهَى سِرْبالُه، ***بَعْثٍ تُؤَرِّقُه الهُمُوم، فيَسْهَرُ

وَالْجَمْعُ: أَبْعاث: وَفِي التنزيل: قالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا؟

هَذَا وَقْفُ التَّمام، وَهُوَ قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ النُّشور.

وقولُه عَزَّ وَجَلَّ: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}؛ قَوْلُ المؤْمِنين؛ وَهَذَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، والخَبَرُ مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ؛ وَقُرِئَ: يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا؟

أَي مِن بَعْثِ اللَّهِ إِيَّانا مِنْ مَرْقَدِنا.

والبَعْثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما الإِرْسال، كَقَوْلِهِ تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى}؛ مَعْنَاهُ أَرسلنا.

والبَعْثُ: إِثارةُ باركٍ أَو قاعدٍ، تَقُولُ: بَعَثْتُ الْبَعِيرَ فانبَعَثَ أَي أَثَرْتُه فَثار.

والبَعْثُ أَيضًا: الإِحْياء مِنَ اللَّهِ للمَوْتى؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ:} أَي أَحييناكم.

وبَعَثَ اللمَوْتى: نَشَرَهم لِيَوْمِ البَعْثِ.

وبَعَثَ اللهُ الخَلْقَ يَبْعَثُهُم بَعْثًا: نَشَرَهم؛ مِنْ ذَلِكَ.

وَفَتْحُ الْعَيْنِ فِي الْبَعَثِ كُلُّهُ لُغَةٌ.

وَمِنْ أَسمائه عَزَّ وَجَلَّ: الباعِثُ، هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ الخَلْقَ أَي يُحْييهم بَعْدَ الْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وبَعَثَ البعيرَ فانْبَعَثَ: حَلَّ عِقالَه فأَرسله، أَو كَانَ بَارِكًا فَهاجَهُ.

وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: «إِنَّ للفِتْنةِ بَعَثاتٍ ووَقَفاتٍ»، فَمَنِ اسْتَطاعَ أَن يَمُوتَ فِي وَقَفاتِها فَلْيَفعل.

قوله: بَعَثات أَي إِثارات وتَهْييجات، جَمْعُ بَعْثَةٍ.

وكلُّ شَيْءٍ أَثَرْته فَقَدْ بَعَثْته؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فبَعَثْنا البَعيرَ، فإِذا العِقْدُ تَحْتَهُ.

والتَّبْعاثُ تَفْعال، مِن ذَلِكَ: أَنشد ابْنُ الأَعرابيّ:

أَصْدَرها، عَنْ كَثْرَةِ الدَّآثِ، ***صاحبُ لَيْلٍ، حَرِشُ التَّبْعاثِ

وتَبَعَّثَ مِنِّي الشِّعْرُ أَي انْبَعَثَ، كأَنه سالَ.

ويومُ بُعاثٍ، بِضَمِّ الْبَاءِ: يَوْمٌ مَعْرُوفٌ، كَانَ فِيهِ حَرْبٌ بَيْنَ الأَوْسِ والخَزْرج فِي الجَاهلية، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسحاق فِي كِتَابَيْهِمَا؛ قَالَ الأَزهري: وذكَرَ ابْنُ المُظَفَّر هَذَا فِي كِتَابِ الْعَيْنِ، فجعلَه يومَ بُغَاث وصَحَّفَه، وَمَا كَانَ الخليلُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، لِيَخفَى عَلَيْهِ يومُ بُعاثٍ، لأَنه مِنْ مَشَاهِيرِ أَيام الْعَرَبِ، وإِنما صحَّفه الليثُ وَعَزَاهُ إِلى الخَليل نفسِه، وَهُوَ لسانُه، وَاللَّهُ أَعلم.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ تُغَنِّيانِ بِمَا قِيل يومَ بُعَاثٍ»؛ هُوَ هَذَا الْيَوْمُ.

وبُعاثٌ: اسْمُ حِصن للأَوْس.

وباعِثٌ وبَعِيثٌ: اسْمَانِ.

والبَعِيثُ: اسْمُ شَاعِرٍ مَعْرُوفٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، اسْمُهُ خِدَاشُ بْنُ بَشيرٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبو مَالِكٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ:

تَبَعَّثَ مِنِّي ما تَبَعَّثَ، بعد ما اسْتَمرَّ ***فؤَادي، واسْتَمَرَّ مَرِيري

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُ إِنشاد هَذَا الْبَيْتَ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبة وَغَيْرُهُ: واستَمَرَّ عَزِيمي، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ: أَنه قَالَ الشِّعْرَ بعد ما أَسَنَّ وكَبِرَ.

وَفِي حَدِيثِعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا صالَحَ نصارَى الشَّامِ، كَتَبُوا لَهُ؛ إِنَّا لَا نُحْدِثُ كَنِيسَةً وَلَا قَلِيَّة، وَلَا نُخْرِج سَعانِينَ، وَلَا بَاعُوثًا؛ الباعوثُ للنَّصارى: «كَالِاسْتِسْقَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ»، وَهُوَ اسْمٌ سُرْيَانِيٌّ؛ وَقِيلَ: هُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّاءِ فَوْقَهَا نُقْطَتَانِ.

وباعِيثا: موضع معروف.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


45-لسان العرب (سطح)

سطح: سَطَحَ الرجلَ وَغَيْرَهُ يَسطَحه، فَهُوَ مسْطوحٌ وسَطِيح: أَضْجَعَه وَصَرَعَهُ فَبَسَطَهُ عَلَى الأَرض.

وَرَجُلٌ مَسْطُوحٌ وسَطِيحٌ: قَتيلٌ منبَسِطٌ؛ قَالَ اللَّيْثُ: السَّطِيحُ المَسْطُوحُ هُوَ الْقَتِيلُ: وأَنشد:

حَتَّى يَراه وَجْهها سَطِيحا والسَّطِيح: الْمُنْبَسِطُ، وَقِيلَ: الْمُنْبَسِطُ الْبَطِيءُ الْقِيَامُ مِنَ الضَّعْفِ.

والسَّطِيح: الَّذِي يُولَدُ ضَعِيفًا لَا يقدر

عَلَى الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، فَهُوَ أَبدًا مُنْبَسِطٌ.

والسَّطِيح: الْمُسْتَلْقِي عَلَى قَفَاهُ مِنَ الزِّمَانَةِ.

وسَطِيحٌ: هَذَا الْكَاهِنُ الذِّئْبيُّ، مِنْ بَنِي ذِئْب، كَانَ يَتَكَهَّنُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه كَانَ إِذا غَضِبَ قَعَدَ مُنْبَسِطًا فِيمَا زَعَمُوا؛ وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْنَ مَفَاصِلِهِ قَصَبٌ تَعْمِدُه، فَكَانَ أَبدًا مُنْبَسِطًا مُنْسَطِحًا عَلَى الأَرض لَا يَقْدِرُ عَلَى قِيَامٍ وَلَا قُعُودٍ، وَيُقَالُ: كَانَ لَا عَظْمَ فِيهِ سِوَى رأْسه.

رَوَى الأَزهري بإِسناده عَنِ مَخْزُوم بْنِ هانئٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبيه: وأَتت لَهُ خَمْسُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ؛ قَالَ: لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةَ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَجَسَ إِيوانُ كِسْرى وَسَقَطَتْ مِنْهُ أَربع عَشْرَةَ شُرْفةً، وخَمِدَتْ نَارُ فارِسَ وَلَمْ تَخْمَدْ قَبْلَ ذَلِكَ مِائَةَ عَامٍ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَة ساوَةَ؛ ورأَى المُوبِذانُ إِبلًا صِعابًا تَقُودُ خَيْلًا عِرابًا قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَة وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا، فَلَمَّا أَصبح كِسْرَى أَفزعه مَا رأَى فَلَبِسَ تَاجَهُ وأَخبر مرازِبَتَه بِمَا رأَى، فَوَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابٌ بِخُمُودِ النَّارِ؛ فَقَالَ المُوبِذانُ: وأَنا رأَيت فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وقَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فِي الإِبل، فَقَالَ لَهُ: وأَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ هَذَا؟ قَالَ: حَادَثَ مِنْ نَاحِيَةِ الْعَرَبِ.

فَبَعَثَ كِسْرَى إِلى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ: أَنِ ابْعَثْ إِليَّ بِرَجُلٍ عَالِمٍ لِيُخْبِرَنِي عَمَّا أَسأَله؛ فَوَجَّه إِليه بِعَبْدِ المَسيح بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيلَة الغسَّانيّ، فأَخبره بِمَا رأَى؛ فَقَالَ: عَلِمَ هَذَا عِنْدَ خَالِيَ سَطِيح، قَالَ: فأْتِه وسَلْه وأْتنِي بِجَوَابِهِ؛ فَقَدِمَ عَلَى سَطِيح وَقَدْ أَشْفى عَلَى الْمَوْتِ، فأَنشأَ يَقُولُ:

أَصَمّ أَم يَسْمَعُ غِطرِيفُ اليَمنْ؟ ***أَم فادَ فازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ العَنَنْ؟

يَا فاصِلَ الخُطَّةِ أَعْيَتْ مَنْ ومَنْ ***، أَتاكَ شَيْخُ الحَيِّ مِنْ آلِ سَنَنْ

رسولُ قَيْلِ العُجْمِ يَسْري للوَسَنْ، ***وأُمُّه مِنْ آلِ ذِئْبِ بنِ حَجَنْ

أَبْيضُ فَضْفاضُ الرِّداءِ والبَدَنْ، ***تَجُوبُ بِي الأَرْضَ عَلَنْداةٌ شَزَنْ،

تَرْفَعُنِي وَجْنًا وتَهْوِي بِي وَجَنْ ***، حَتَّى أَتى عارِي الْجَآجِي والقَطَنْ،

لَا يَرْهَبُ الرَّعْدَ وَلَا رَيْبَ الزَّمَنْ، ***تَلُفُّهُ فِي الرِّيحِ بَوْغاءُ الدِّمَنْ

، كأَنما حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَيْ ثَكَنْ

قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ سَطِيحٌ شِعْرَهُ رَفَعَ رأْسه، فَقَالَ: عبدُ الْمَسِيحِ، عَلَى جَمَل مُسيح، إِلى سَطيح، وَقَدْ أَوْفى عَلَى الضَّريح، بَعَثَكَ مَلِكُ بَنِي سَاسَانَ، لِارْتِجَاسِ الإِيوان، وخُمُود النِّيرَانِ، ورُؤيا المُوبِذان، رَأَى إِبلًا صِعابًا، تَقُود خَيْلًا عِرابًا، يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ إِذا كَثُرَتِ التِّلاوَة، وبُعِثَ صَاحِبُ الهِراوة، وغاضَتْ بُحَيْرَة سَاوَةْ، فَلَيْسَ الشَّامَ لِسَطِيحٍ شَامًا، يَمْلِكُ مِنْهُمْ مُلوكٌ ومَلِكات، عَلَى عددِ الشُّرُفاتِ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ، ثُمَّ قُبِضَ سطيحٌ مَكَانَهُ، وَنَهَضَ عَبْدُ الْمَسِيحِ إِلى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ:

شَمِّرْ فإِنك، مَا عُمِّرْتَ، شِمِّيرُ ***لَا يُفْزِعَنَّك تَفْريقٌ وتَغْييرُ

إِن يُمْسِ مُلْكُ بَنِي ساسانَ أَفْرَطَهُمْ، ***فإِنَّ ذَا الدَّهْرَ أَطْوارٌ دَهارِيرُ

فَرُبَّما رُبَّما أَضْحَوا بمنزلةٍ، ***تَخافُ صَولَهُمُ أُسْدٌ مَهَاصِيرُ

مِنْهُمْ أَخُو الصَّرْحِ بَهْرام، وإِخْوَتُهُمْ، ***وهُرْمُزانٌ، وسابورٌ، وسَابُورُ

والناسُ أَوْلادُ عَلَّاتٍ، فَمَنْ عَلِمُوا ***أَن قَدْ أَقَلَّ، فمَهْجُورٌ ومَحْقُورُ

وَهُمْ بَنُو الأُمِّ لمَّا أَنْ رَأَوْا نَشَبًا، ***فذاكَ بالغَيْبِ محفوظٌ ومنصورُ

والخيرُ والشَّرُّ مَقْرُونانِ فِي قَرَنٍ، ***فالخَيرُ مُتَّبَعٌ والشَّرُّ مَحْذورُ

فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى كِسْرَى أَخبره بِقَوْلِ سَطِيحٍ؛ فَقَالَ كِسْرَى: إِلى أَن يَمْلِكَ مِنَّا أَربعة عَشَرَ مَلِكًا تَكُونُ أُمور، فَمَلَكَ مِنْهُمْ عَشْرَةٌ فِي أَربع سِنِينَ، وَمَلَكَ الْبَاقُونَ إِلى زَمَنِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ ذِكْرُ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ نُبُوَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، قَالَ: وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وانْسَطَحَ الرجلُ: امتدَّ عَلَى قَفَاهُ وَلَمْ يَتَحَرَّكِ.

والسَّطْحُ: سَطْحُك الشيءَ عَلَى وَجْهِ الأَرض كَمَا تَقُولُ فِي الْحَرْبِ: سَطَحُوهم أَي أَضْجَعُوهم عَلَى الأَرض.

وتَسَطَّحَ الشيءُ وانْسَطَحَ: انْبَسَطَ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ للمرأَة الَّتِي مَعَهَا الصِّبْيَانُ: «أَطْعِمِيهم وأَنا أَسْطَحُ لَكِ»أَي أَبْسُطه حَتَّى يَبْرُدَ.

والسَّطْحُ: ظَهْرُ الْبَيْتِ إِذا كَانَ مُسْتَوِيًا لِانْبِسَاطِهِ؛ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَعلاه، وَالْجَمْعُ سُطوح، وفعلُك التَّسطيحُ.

وسَطَحَ البيتَ يَسْطَحُه سَطْحًا وسَطَّحه سوَّى سَطْحه.

ورأَيت الأَرضَ مَساطِحَ لَا مَرْعَى بِهَا: شُبِّهَتْ بِالْبُيُوتِ الْمَسْطُوحَةِ.

والسُّطَّاحُ مِنَ النَّبْتِ: مَا افْتَرَشَ فَانْبَسَطَ وَلَمْ يَسْمُ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.

وسَطَحَ اللهُ الأَرضَ سَطْحًا: بَسَطَهَا.

وتَسطِيحُ الْقَبْرِ: خِلَافُ تَسْنِيمِه.

وأَنفٌ مُسَطَّحٌ: منبسِط جِدًّا.

والسُّطَّاحُ، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ: نَبتَةٌ سُهْلِيَّة تَنسَطِح عَلَى الأَرض، وَاحِدَتُهُ سُطَّاحة.

وَقِيلَ: السُّطَّاحة شَجَرَةٌ تَنْبُتُ فِي الدِّيَارِ فِي أَعطان الْمِيَاهِ مُتَسَطِّحَة، وَهِيَ قَلِيلَةٌ، وَلَيْسَتْ فِيهَا مَنْفَعَةٌ؛ قَالَ الأَزهري: والسُّطَّاحة بَقْلَةٌ تَرْعَاهَا الْمَاشِيَةُ ويُغْسَلُ بوَرَقِها الرؤوس.

وسَطَحَ النَّاقَةَ: أَناخها.

والسَّطيحة والسَّطيح: المَزادة الَّتِي مِنْ أَدِيمَيْن قُوبل أَحدُهما بِالْآخَرِ، وَتَكُونُ صَغِيرَةً وَتَكُونُ كَبِيرَةً، وَهِيَ مِنْ أَواني الْمِيَاهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي بَعْضِ أَسفاره فَفَقَدوا الماءَ، فأَرْسَل عَلِيًّا وَفُلَانًا يَبْغِيان الْمَاءَ فإِذا هما بامرأَة بين سَطِيحَتَيْن»؛ قَالَ: السَّطِيحة المَزادة تَكُونُ مِنْ جِلْدَيْنِ أَو المَزادة أَكبر مِنْهَا.

والمِسْطَحُ: الصَّفاة يحاط عليها بالحجارة فيجتمع فِيهَا الْمَاءُ؛ قَالَ الأَزهري: والمِسْطَحُ أَيضًا صَفِيحة عَرِيضَةٌ مِنَ الصَّخْر يُحَوَّط عَلَيْهَا لِمَاءِ السَّمَاءِ؛ قَالَ: وَرُبَّمَا خَلَقَ اللَّهُ عِنْدَ فَمِ الرَّكِيَّة صَفاةً مَلْساء مُسْتَوِيَةً فَيُحَوَّطُ عَلَيْهَا بِالْحِجَارَةِ وتُسْقَى فِيهَا الإِبلُ شِبْهَ الحَوْض؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الطِّرِمَّاح:

فِي جنبي مريٍّ ومِسْطَحِ

والمِسْطَحُ: كُوز ذُو جَنْبٍ وَاحِدٍ، يُتَّخَذُ لِلسَّفَرِ.

والمِسْطَحُ والمِسْطَحَةُ: شِبْهُ مِطْهَرة لَيْسَتْ بمربعة، والمِسْطَحُ [المَسْطَحُ]، تُفْتَحُ مِيمُهُ وَتُكْسَرُ: مَكَانٌ مستوٍ يُبْسَطُ عَلَيْهِ التَّمْرُ وَيُجَفَّفُ ويُسَمَّى الجَرِينَ، يَمَانِيَةٌ.

والمِسْطَحُ: حَصِيرٌ يُسَفُّ مِنْ خُوصِ الدَّوْم؛ وَمِنْهُ قَوْلُ تَمِيمِ بْنِ مُقْبِلٍ:

إِذا الأَمْعَزُ المَحْزُوُّ آضَ كأَنه، ***مِنَ الحَرِّ فِي حَدِّ الظَّهِيرَةِ، مِسْطَحُ

الأَزهري: قَالَ الْفَرَّاءُ هُوَ المِسْطَحُ والمِحْوَرُ والشُّوبَقُ.

والمِسْطَحُ: عمودٌ مِنْ أَعمِدَة الخِباءِ والفُسْطاط؛ وَفِي حَدِيثِالنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ حَمَلَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ»، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْتُ بَيْنَ جَارَتَيْنِ لِي فضربتْ إِحداهما الأُخرى بمسْطَح، فأَلقت جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِيَةِ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ؛ وَجَعَلَ فِي الْجَنِينِ غُرَّة؛ وَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ النَّضْرِيُّ، وَفِي حَوَاشِي ابْنِ بَرِّيٍّ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النَّضْرِيِّ:

تَعرَّضَ ضَيطارُو خُزاعَةَ دونَنا، ***وَمَا خَيرُ ضَيطارٍ يُقَلِّبُ مِسْطَحا

يَقُولُ: لَيْسَ لَهُ سِلَاحٌ يُقَاتِلُ بِهِ غَيْرَ مِسْطَح.

والضَّيْطارُ: الضَّخْمُ الَّذِي لَا غَناءَ عِنْدَهِ.

والمِسْطَحُ: الْخَشَبَةُ المُعَرَّضة عَلَى دِعامَتَيِ الكَرْم بالأُطُرِ؛ قَالَ ابْنُ شُمَيْل: إِذا عُرِّشَ الكَرْمُ، عُمِدَ إِلى دَعَائِمَ يَحْفِرُ لَهَا فِي الأَرض، لِكُلِّ دِعامةٍ شُعْبَتان، ثُمَّ تؤْخذ شُعْبَةٌ فتُعَرَّضُ عَلَى الدِّعامَتين، وتسمَّى هَذِهِ الْخَشَبَةُ الْمُعَرَّضَةُ المِسْطَح، وَيُجْعَلُ عَلَى المَساطِح أُطُرٌ مِنْ أَدناها إِلى أَقصاها؛ تُسَمَّى المَساطِحُ بالأُطُر مَساطِحَ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


46-لسان العرب (بكر)

بكر: البُكْرَةُ: الغُدْوَةُ.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ أَتيتك بُكْرَةً؛ نَكِرَةٌ مُنَوَّنٌ، وَهُوَ يُرِيدُ فِي يَوْمِهِ أَو غَدِهِ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا}.

التَّهْذِيبُ: والبُكْرَةُ مِنَ الْغَدِ، وَيُجْمَعُ بُكَرًا وأَبْكارًا، وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ}؛ بُكْرَةٌ وغُدْوَةٌ إِذا كَانَتَا نَكِرَتَيْنِ نُوِّنَتَا وَصُرِفَتَا، وَإِذَا أَرادوا بِهِمَا بُكْرَةَ يَوْمِكَ وَغَدَاةَ يَوْمِكَ لَمْ تصرفهما، فبكرة هاهنا نَكِرَةٌ.

والبُكُور والتَّبْكيرُ: الْخُرُوجُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.

والإِبْكارُ: الدُّخُولُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.

الجوهري: وسِيرَ عَلَى فَرَسِكَ بُكْرَةً وبَكَرًا كَمَا تَقُولُ سَحَرًا.

والبَكَرُ: البُكْرَةُ.

وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يُستعمل إِلَّا ظَرْفًا.

والإِبْكارُ: اسْمُ البُكْرَةِ كالإِصباح، هَذَا قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ، وَعِنْدِي أَنه مَصْدَرُ أَبْكَرَ.

وبَكَرَ عَلَى الشَّيْءِ وإِليه يَبْكُرُ بُكُورًا وبكَّرَ تَبْكِيرًا وابْتَكَرَ وأَبْكَرَ وباكَرَهُ: أَتاهُ بُكْرةً، كُلُّهُ بِمَعْنًى.

وَيُقَالُ: باكَرْتُ الشَّيْءَ إِذا بكَّرْت لَهُ؛ قال لبيد: " باكَرْتُ جاجَتَها الدجاجَ بِسُحْرَةٍ مَعْنَاهُ بَادَرْتُ صَقِيعَ الدِّيكِ سَحَرًا إِلى حَاجَتِي.

وَيُقَالُ: أَتيته بَاكِرًا، فَمَنْ جَعَلَ الْبَاكِرَ نَعْتًا قَالَ للأُنثى باكِرَةٌ، وَلَا يقال بَكُرَ ولا بَكِرَ إِذا بَكَّرَ، وَيُقَالُ: أَتيته بُكرة، بِالضَّمِّ، أَي باكِرًا، فإِن أَردت بِهِ بُكْرَةَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ، قُلْتَ: أَتيته بُكْرَةَ، غَيْرَ مَصْرُوفٍ، وَهِيَ مِنَ الظُّرُوفِ الَّتِي لَا تَتَمَكَّنُ.

وَكُلُّ مَنْ بَادَرَ إِلَى شَيْءٍ، فَقَدَ أَبكر عَلَيْهِ وبَكَّرَ أَيَّ وَقْتٍ كانَ.

يُقَالُ: بَكِّرُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَي صَلُّوها عِنْدَ سُقُوطِ القُرْص.

وَقَوْلُهُ تعالى: {بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ}؛ جَعَلَ الإِبكار وَهُوَ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْوَقْتِ وَهُوَ البُكْرَةُ، كَمَا قَالَ تعالى: {بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ}؛ جَعَلَ الْغُدُوَّ وَهُوَ مَصْدَرٌ يَدُلُّ عَلَى الْغَدَاةِ.

وَرَجُلٌ بَكُرٌ فِي حَاجَتِهِ وبَكِرٌ، مِثْلَ حَذُرٍ وحَذِرٍ، وبَكِيرٌ؛ صَاحِبُ بُكُورٍ قَوِيٌّ عَلَى ذَلِكَ؛ وبَكِرٌ وبَكِيرٌ: كِلَاهُمَا عَلَى النَّسَبِ إِذ لَا فِعْلَ لَهُ ثُلَاثِيًّا بَسِيطًا.

وبَكَرَ الرجلُ: بَكَّرَ.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: جِيرانُك باكِرٌ؛ وأَنشد:

يَا عَمْرُو جِيرانُكُمُ باكِرُ، ***فالقلبُ لَا لاهٍ وَلَا صابِرُ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراهم يَذْهَبُونَ فِي ذَلِكَ إِلى مَعْنَى الْقَوْمِ وَالْجَمْعِ لأَن لَفْظَ الْجَمْعِ وَاحِدٌ، إِلَّا أَن هَذَا إِنما يُسْتَعْمَلُ إِذا كَانَ الْمَوْصُوفُ مَعْرِفَةً لَا يَقُولُونَ جِيرانٌ باكِرٌ؛ هَذَا قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ؛ قَالَ: وَعِنْدِي أَنه لَايَمْتَنِعُ جِيرانٌ باكِرٌ كَمَا لَا يَمْتَنِعُ جِيرانُكُمْ باكِرٌ.

وأَبْكَرَ الوِرْدَ والغَداءَ إِبْكارًا: عاجَلَهُما.

وبَكَرْتُ عَلَى الْحَاجَةِ بُكُورًا وغَدَوْتُ عَلَيْهَا غُدُوًّا مِثْلَ البُكُورِ، وأَبْكَرْتُ غَيْرِي وأَبْكَرْتُ الرجلَ عَلَى صَاحِبِهِ إِبكارًا حَتَّى بَكَرَ إِليه بُكُورًا.

أَبو زَيْدٍ: أَبْكَرْتُ عَلَى الوِرْدِ إِبْكارًا، وَكَذَلِكَ أَبكرت الْغَدَاءَ.

وأَبْكَرَ الرجلُ: وَرَدَتْ إِبله بُكْرَةً.

ابْنُ سِيدَهْ: وبَكَّرَهُ عَلَى أَصحابه وأَبْكَرَهُ عَلَيْهِمْ جَعَلَهُ يَبْكُرُ عَلَيْهِمْ.

وبَكِرَ: عَجِلَ.

وبَكَّرَ وتَبَكَّرَ وأَبْكَرَ: تَقَدَّمَ.

والمُبْكِرُ والباكُورُ جَمِيعًا، مِنَ الْمَطَرِ: مَا جَاءَ فِي أَوَّل الوَسْمِيِّ.

والباكُورُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: المعَجَّلُ الْمَجِيءِ والإِدراك، والأُنثى بَاكُورَةٌ؛ وَبَاكُورَةُ الثَّمَرَةِ مِنْهُ.

وَالْبَاكُورَةُ: أَوَّل الْفَاكِهَةِ.

وَقَدِ ابْتَكَرْتُ الشيءَ إِذا اسْتَوْلَيْتُ عَلَى بَاكُورَتِهِ.

وابْتَكَرَ الرجلُ: أَكل باكُورَةَ الْفَاكِهَةِ.

وَفِي حَدِيثِ الْجُمُعَةِ: «مَنْ بَكَّرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وابْتَكَرَ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا»؛ قَالُوا: بَكَّرَ أَسرع وَخَرَجَ إِلى الْمَسْجِدِ بَاكِرًا وأَتى الصَّلَاةَ فِي أَوّل وَقْتِهَا؛ وَكُلُّ مَنْ أَسرع إِلى شَيْءٍ، فَقَدْ بَكَّرَ إِليه.

وابْتَكَرَ: أَدرك الخُطْبَةَ مِنْ أَوَّلها، وَهُوَ مِنَ الْبَاكُورَةِ.

وأَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ: باكُورَتُه.

وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ الْجُمُعَةِ: مَعْنَاهُ مَنْ بَكَّرَ إِلى الْجُمُعَةِ قَبْلَ الأَذان، وإِن لَمْ يأْتها بَاكِرًا، فَقَدْ بَكَّرَ؛ وأَما ابْتِكارُها فأَنْ يُدْرِكَ أَوَّلَ وَقْتِهَا، وأَصلُه مِنِ ابْتِكارِ الْجَارِيَةِ وَهُوَ أَخْذُ عُذْرَتها، وَقِيلَ: مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ وَاحِدٌ مِثْلَ فَعَلَ وافْتَعَلَ، وإِنما كُرِّرَ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّوْكِيدِ كَمَا قَالُوا: جادٌّ مُجِدٌ.

قَالَ: وَقَوْلُهُ غَسَلَ واغْتَسَلَ، غَسَل أَي غَسَلَ مَوَاضِعَ الْوُضُوءِ، كَقَوْلِهِ تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}؛ وَاغْتَسَلَ أَي غَسَلَ الْبَدَنَ.

وَالْبَاكُورُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: هُوَ المُبَكِّرُ السَّرِيعُ الإِدْراكِ، والأُنثى باكُورَةٌ.

وَغَيْثٌ بَكُورٌ: وَهُوَ المُبَكِّرُ فِي أَوَّل الوَسْمِيّ، وَيُقَالُ أَيضًا: هُوَ السَّارِي فِي آخِرِ اللَّيْلِ وأَول النَّهَارِ؛ وأَنشد:

جَرَّرَ السَّيْلُ بِهَا عُثْنُونَهُ، ***وتَهادَتْها مَداليجٌ بُكُرْ

وَسَحَابَةٌ مِدْلاجٌ بَكُورٌ.

وأَما قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ: أَو أَبْكارُ كَرْمٍ تُقْطَفُ؛ قَالَ: وَاحِدُهَا بِكْرٌ وَهُوَ الكَرْمُ الَّذِي حَمَلَ أَوّل حَمْلِهِ.

وعَسَلٌ أَبْكارٌ: تُعَسِّلُه أَبْكارُ النَّحْلِ أَي أَفتاؤها وَيُقَالُ: بَلْ أَبْكارُ الْجَوَارِي تَلِينَهُ.

وَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلى عَامِلٍ لَهُ: ابعثْ إِلَيَّ بِعَسَلِ خُلَّار، مِنَ النَّحْلِ الأَبكار، مِنَ الدِّسْتِفْشَارِ، الَّذِي لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ؛ يُرِيدُ بالأَبكار أَفراخ النَّحْلِ لأَن عَسَلَهَا أَطيب وأَصفى، وَخُلَّارُ: موضع بفارس، والدستفشار: كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ مَعْنَاهَا مَا عَصَرَتْهُ الأَيْدِي؛ وَقَالَ الأَعشى:

تَنَحَّلَها، مِنْ بَكارِ القِطاف، ***أُزَيْرقُ آمِنُ إِكْسَادِهَا

بِكَارِ الْقِطَافِ: جَمْعُ بَاكِرٍ كَمَا يُقَالُ صاحِبٌ وصِحابٌ، وَهُوَ أَول مَا يُدْرِك.

الأَصمعي: نَارٌ بِكْرٌ لَمْ تُقْبَسْ مِنْ نَارٍ، وَحَاجَةٌ بِكْرٌ طُلبت حَدِيثًا.

وأَنا آتِيكَ العَشِيَّةَ فأُبَكِّر أَي أُعجل ذَلِكَ؛ قَالَ:

بَكَرَتْ تَلُومُكَ، بَعْدَ وَهْنٍ فِي النَّدَى؛ ***بَسْلٌ عَلَيْكِ مَلامَتِي وعِتابي

فَجُعِلَ الْبُكُورُ بَعْدَ وَهْنٍ؛ وَقِيلَ: إِنما عَنَى أَوَّل اللَّيْلِ فَشَبَّهَهُ بِالْبُكُورِ فِي أَول النَّهَارِ.

وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: أَصل [ب ك ر] إِنما هُوَ التَّقَدُّمُ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَو نَهَارٍ، فأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ: " [بَكَرَتْ تَلُومُكَ بَعْدَ وَهْنٍ] "فَوَجْهُهُ أَنه اضْطُرَّ فَاسْتَعْمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَصل وَضْعِهِ الأَول فِي اللُّغَةِ، وَتَرَكَ مَا وَرَدَ بِهِ الِاسْتِعْمَالُ الْآنَ مِنَ الِاقْتِصَارِ بِهِ عَلَى أَول النَّهَارِ دُونَ آخِرِهِ، وإِنما يَفْعَلُ الشَّاعِرُ ذَلِكَ تَعَمُّدًا لَهُ أَو اتِّفَاقًا وَبَدِيهَةَ تَهَجُّمٍ عَلَى طَبْعِهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ؛ " لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا بَكَّرُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ "؛ مَعْنَاهُ مَا صلَّوها فِي أَول وَقْتِهَا؛ وَفِي رِوَايَةٍ: " مَا تَزَالُ أُمتي عَلَى سُنَّتي مَا بَكَّرُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، فإِنه مَن تَرَكَ الْعَصْرَ حَبِطَ عَمَلُهُ "؛ أَي حَافِظُوا عَلَيْهَا وَقَدِّمُوهَا.

والبِكِيرَةُ والباكُورَةُ والبَكُورُ مِنَ النَّخْلِ، مِثْلُ البَكِيرَةِ: الَّتِي تُدْرَكُ فِي أَول النَّخْلِ، وَجَمْعُ البَكُورِ بُكُرٌ؛ قَالَ الْمُتَنَخِّلِ الْهُذَلِيِّ:

ذَلِكَ مَا دِينُك، إِذ جُنِّبَتْ ***أَحْمالُها كالبُكُرِ المُبْتِلِ

وَصَفَ الْجَمْعَ بِالْوَاحِدِ كأَنه أَراد المُبْتِلَةَ فَحُذِفَ لأَن الْبِنَاءَ قَدِ انْتَهَى، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ المُبْتِل جَمْعَ مُبْتِلَة، وإِن قَلَّ نَظِيرُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَن يَعْنِيَ بالبُكُرِ هاهنا الْوَاحِدَةَ لأَنه إِنما نَعَتَ حُدوجًا كَثِيرَةً فَشَبَّهَهَا بِنَخِيلٍ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ المِبْكارُ؛ وأَرْضٌ مِبْكار: سَرِيعَةُ الإِنبات؛ وَسَحَابَةٌ مِبكار وبَكُورٌ: مِدْلاجٌ مِنْ آخَرِ اللَّيْلِ؛ وَقَوْلُهُ:

إِذا وَلَدَتْ قَرَائبُ أُمِّ نَبْلٍ، ***فذاكَ اللُّؤْمُ واللَّقَحُ البَكُورُ

أَي إِنما عَجَّلَتْ بِجَمْعِ اللؤْم كَمَا تُعَجِّلُ النَّخْلَةُ وَالسَّحَابَةُ.

وبِكرُ كُلِّ شَيْءٍ: أَوّله؛ وكُلُّ فَعْلَةٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مِثْلُهَا، بِكْرٌ.

والبِكْرُ: أَوَّل وَلَدِ الرَّجُلِ، غُلَامًا كَانَ أَو جَارِيَةً.

وَهَذَا بِكْرُ أَبويه أَي أَول وَلَدٍ يُولَدُ لَهُمَا، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ بِغَيْرِ هَاءٍ؛ وَجَمْعُهُمَا جَمِيعًا أَبكار.

وكِبْرَةُ وَلَدِ أَبويه: أَكبرهم.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تُعَلِّمُوا أَبْكارَ أَولادكم كُتُبَ النَّصَارَى»؛ يَعْنِي أَحداثكم.

وبِكْرُ الرَّجُلِ بِالْكَسْرِ: أَوّل وَلَدِهِ، وَقَدْ يَكُونُ البِكْرُ مِنَ الأَولاد فِي غَيْرِ النَّاسِ كَقَوْلِهِمْ بِكْرُ الحَيَّةِ.

وَقَالُوا: أَشدّ النَّاسِ بِكْرٌ ابنُ بِكْرَيْن، وَفِي الْمُحْكَمِ: بِكْرُ بِكْرَيْن؛ قَالَ:

يَا بِكْرَ بِكْرَيْنِ، وَيَا خِلْبَ الكَبِدْ، ***أَصبَحتَ مِنِّي كَذِرَاعٍ مِنْ عَضُدْ

والبِكْرُ: الْجَارِيَةُ الَّتِي لَمْ تُفْتَضَّ، وَجَمْعُهَا أَبْكارٌ.

والبِكْرُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي لَمْ يَقْرَبْهَا رَجُلٌ، وَمِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي لَمْ يَقْرُبِ امرأَة بَعْدُ؛ وَالْجَمْعُ أَبْكارٌ.

ومَرَةٌ بِكْرٌ: حَمَلَتْ بَطْنًا وَاحِدًا.

والبِكْرُ: العَذْراءُ، وَالْمَصْدَرُ البَكارَةُ، بِالْفَتْحِ.

والبِكْرُ: المرأَة الَّتِي وَلَدَتْ بَطْنًا وَاحِدًا، وبِكْرُها وَلَدُهَا، وَالذَّكَرُ والأُنثى فِيهِ سَوَاءٌ؛ وَكَذَلِكَ البِكْرُ مِنَ الإِبل.

أَبو الْهَيْثَمِ: وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الَّتِي وَلِدَتْ بَطْنًا وَاحِدًا بِكْرًا بِوَلَدِهَا الَّذِي تَبْتَكرُ بِهِ، وَيُقَالُ لَهَا أَيضًا بِكْرٌ مَا لَمْ تَلِدْ، وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الأَصمعي: إِذا كَانَ أَوّل وَلَدٍ وَلَدَتْهُ النَّاقَةُ فَهِيَ بِكْرٌ.

وَبَقَرَةٌ بِكْرٌ: فَتِيَّةٌ لَمْ تَحْمِلْ.

وَيُقَالُ: مَا هَذَا الأَمر مِنْكَ بِكْرًا وَلَا ثِنْيًا؛ عَلَى مَعْنَى مَا هُوَ بأَوّل وَلَا ثَانٍ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

وقُوفًا لَدَى الأَبْوابِ، طُلابَ حاجَةٍ، ***عَوانٍ مِنَ الحاجاتِ، أَو حاجَةً بِكْرَا

أَبو الْبَيْدَاءِ: ابْتَكَرَتِ الحاملُ إِذا وَلَدَتْ بِكْرَها، وأَثنت فِي الثَّانِي، وثَلَّثَتْ فِي الثَّالِثِ، وَرَبَّعَتْ وَخَمَّسَتْ وَعَشَّرَتْ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَسبعت وأَعشرت وأَثمنت فِي الثَّامِنِ وَالسَّابِعِ وَالْعَاشِرِ.

وَفِي نَوَادِرِ "الأَعراب: ابْتَكَرَتِ المرأَةُ وَلَدًا إِذا كَانَ أَول وَلَدِهَا ذَكَرًا، واثْتَنَيَتْ جَاءَتْ بولدٍ ثِنْيٍ، واثْتَلَثَتْ وَلَدَها الثَّالِثَ، وابْتَكَرْتُ أَنا واثْتَنَيْتُ واثْتَلَثْتُ.

والبِكْرُ: النَّاقَةُ الَّتِي وَلَدَتْ بَطْنًا وَاحِدًا، وَالْجَمْعُ أَبْكارٌ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ:

وإِنَّ حَدِيثًا مِنْكِ لَوْ تَبْذُلِينَهُ، ***جَنَى النَّحْلِ فِي أَلْبانِ عُوذٍ مَطافِلِ

مَطافِيلِ أَبْكارٍ حَدِيثٍ نِتَاجُها، ***تُشابُ بماءٍ مثلِ ماءِ المَفَاصِلِ

وبِكْرُها أَيضًا: وَلَدُها، وَالْجَمْعُ أَبْكارٌ وبِكارٌ.

وَبَقَرَةٌ بِكْرٌ: لَمْ تَحْمِلْ، وَقِيلَ: هِيَ الفَتِيَّةُ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ}؛ أَي لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ وَلَا صَغِيرَةٍ، وَمَعْنَى ذَلِكَ: بَيْنَ البِكْرِ والفارِضِ؛ وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:

إِذا هُنَّ ساقَطْنَ الحَدِيثَ، كَأَنَّهُ ***جَنَى النَّحْل أَوْ أَبْكارُ كَرْمٍ تُقَطَّفُ

عَنَى الكَرْمَ البِكْرَ الَّذِي لَمْ يَحْمِلْ قَبْلَ ذَلِكَ؛ وَكَذَلِكَ عَمَلُ أَبْكار، وَهُوَ الَّذِي عَمِلَتْهُ أَبْكار النَّحْلِ.

وَسَحَابَةٌ بكْرٌ: غَزيرَةٌ بِمَنْزِلَةِ البكْرِ مِنَ النِّسَاءِ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: لأَن دَمَهَا أَكثر مِنْ دَمِ الثيِّب، وَرُبَّمَا قِيلَ: سَحابٌ بكْرٌ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

ولَقَدْ نَظَرْتُ إِلى أَغَرَّ مُشَهَّرٍ، ***بِكْرٍ تَوَسَّنَ فِي الخَمِيلَةِ عُونَا

وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:

وبِكْرٍ كُلَّمَا مُسَّتْ أَصَاتَتْ، ***تَرَنُّمَ نَغْمِ ذِي الشُّرُعِ العَتِيقِ

إِنما عَنَى قَوْسًا أَوَّل مَا يُرْمَى عَنْهَا، شَبَّهَ تَرَنُّمَهَا بِنَغَمِ ذِي الشُّرُع وَهُوَ الْعُودُ الَّذِي عَلَيْهِ أَوتار.

والبِكْرُ: الفَتِيُّ مِنَ الإِبل، وَقِيلَ: هُوَ الثَّنيُّ إِلى أَن يُجْذِعَ، وَقِيلَ: هُوَ ابْنُ الْمَخَاضِ إِلى أَن يُثْنِيَ، وَقِيلَ: هُوَ ابْنُ اللَّبُونِ، والحِقُّ والجَذَعُ، فإِذا أَثْنى فَهُوَ جَمَلٌ وَهِيَ نَاقَةٌ، وَهُوَ بَعِيرٌ حَتَّى يَبْزُلَ، وَلَيْسَ بَعْدَ الْبَازِلِ سِنٌّ يُسَمَّى، وَلَا قَبْلَ الثَّنيِّ سَنٌّ يُسَمَّى؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الأَعرابي وَهُوَ صَحِيحٌ؛ قَالَ: وَعَلَيْهِ شَاهَدْتُ كَلَامَ الْعَرَبِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا لَمْ يَبْزُلْ، والأُنثى بِكْرَةٌ، فإِذا بَزَلا فَجَمَلٌ وَنَاقَةٌ، وَقِيلَ: البِكْرُ وَلَدُ النَّاقَةِ فَلَمَّ يُحَدَّ وَلَا وُقِّتَ، وَقِيلَ: البِكْرُ مِنَ الإِبل بِمَنْزِلَةِ الفَتِيِّ مِنَ النَّاسِ، والبِكْرَةُ بِمَنْزِلَةِ الْفَتَاةِ، والقَلُوصُ بِمَنْزِلَةِ الْجَارِيَةِ، والبَعِيرُ بِمَنْزِلَةِ الإِنسان، والجملُ بمنزلةِ الرجلِ، والناقةُ بمنزلةِ المرأَةِ، وَيُجْمَعُ فِي الْقِلَّةِ عَلَى أَبْكُرٍ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ صَغَّرَهُ الرَّاجِزُ وَجَمَعَهُ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ فَقَالَ:

قَدْ شَرِبَتْ إِلَّا الدُّهَيْدِهِينَا ***قُلَيِّصَاتٍ وأُبَيْكِرِينَا

وَقِيلَ فِي الأُنثى أَيضًا: بِكْرٌ، بِلَا هَاءٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «اسْتَسْلَفَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا»؛ البَكر، بِالْفَتْحِ: الفَتِيُّ مِنَ الإِبل بِمَنْزِلَةِ الْغُلَامِ مِنَ النَّاسِ، والأُنثى بَكْرَةٌ، وَقَدْ يُسْتَعَارُ لِلنَّاسِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" الْمُتْعَةِ: كأَنها بَكْرَةٌ عَيْطاء أَي شَابَّةٌ طَوِيلَةُ الْعُنُقِ فِي اعْتِدَالٍ.

وَفِي حَدِيثِ طَهْفَةَ: «وَسَقَطَ الأُملوج مِنَ الْبِكَارَةِ»؛ البِكارة، بِالْكَسْرِ: جَمْعُ البَكْرِ، بِالْفَتْحِ؛ يُرِيدُ أَن السِّمَنَ الَّذِي قَدْ عَلَا بِكَارَةَ الإِبل بِمَا رَعَتْ مِنْ هَذَا الشَّجَرِ قَدْ سَقَطَ عَنْهَا فَسَمَّاهُ بِاسْمِ الْمَرْعَى إِذ كَانَ سَبَبًا لَهُ؛ وَرَوَى بَيْتَ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:

ذِراعَيْ عَيْطَلٍ أَدْماءَ بَكْرٍ، ***غَذَاهَا الخَفْضُ لَمْ تَحْمِلْ جَنِينَا

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَصح الرِّوَايَتَيْنِ بِكر، بِالْكَسْرِ، وَالْجَمْعُ الْقَلِيلُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَبْكارٌ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَجَمْعُ البَكْرِ بِكارٌ مِثْلَ فَرْخٍ وفِرَاخٍ، وبِكارَةٌ أَيضًا مِثْلَ فَحْلٍ وفِحالَةٍ؛ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِ الرَّاجِزِ: " قليِّصات وأُبيكرينا "جمعُ الأَبْكُرِ كَمَا تُجْمَعُ الجُزُرَ والطُّرُقَ، فَتَقُولُ: طُرُقاتٌ وجُزُراتٌ، وَلَكِنَّهُ أَدخل الْيَاءَ وَالنُّونَ كَمَا أَدخلهما فِي الدُّهَيْدِهِينِ، وَالْجَمْعُ الْكَثِيرُ بُكْرانٌ وبِكارٌ وبَكارَةٌ [بِكارَةٌ]، والأُنثى بَكْرَةٌ وَالْجَمْعُ بِكارٌ، بِغَيْرِ هَاءٍ، كعَيْلَةٍ وعِيالٍ.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: البَكارَةُ للذكور خَاصَّةً، والبَكارُ، بِغَيْرِ هَاءٍ للإِناث.

وبَكْرَةُ الْبِئْرِ: مَا يُسْتَقَى عَلَيْهَا، وَجَمْعُهَا بَكَرٌ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ مِنْ شَوَاذِّ الْجَمْعِ لأَن فَعْلَةً لَا تُجْمَعُ عَلَى فَعَلٍ إِلَّا أَحرفًا مِثْلُ حَلْقَةٍ وحَلَقٍ وحَمْأَةٍ وحَمَإٍ وبَكْرَةٍ وبَكَرٍ وبَكَرات أَيضًا؛ قَالَ الرَّاجِزُ: " والبَكَرَاتُ شَرُّهُنَّ الصَّائِمَهْ "يَعْنِي الَّتِي لَا تَدُورُ.

ابْنُ سِيدَهْ: والبَكْرَةُ والبَكَرَةُ لُغَتَانِ لِلَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا وَهِيَ خَشَبَةٌ مُسْتَدِيرَةٌ فِي وَسَطِهَا مَحْزُّ لِلْحَبْلِ وَفِي جَوْفِهَا مِحْوَرٌ تَدُورُ عَلَيْهِ؛ وَقِيلَ: هِيَ المَحَالَةُ السَّريعة.

والبَكَراتُ أَيضًا: الحَلَقُ الَّتِي فِي حِلْيَةِ السَّيْفِ شَبِيهَةٌ بِفَتَخِ النساء.

وجاؤوا عَلَى بَكْرَةِ أَبيهم إِذا جاؤوا جَمِيعًا عَلَى آخِرِهِمْ؛ وَقَالَ الأَصمعي: جاؤوا عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَقَالَ أَبو عمرو: جاؤوا بأَجمعهم؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «جَاءَتْ هوازنُ عَلَى بَكْرَةِ أَبيها»؛ هَذِهِ كَلِمَةٌ لِلْعَرَبِ يُرِيدُونَ بِهَا الْكَثْرَةُ وَتَوْفِيرُ الْعَدَدِ وأَنهم جاؤوا جَمِيعًا لَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ أَحد.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: معناه جاؤوا بَعْضُهُمْ فِي إِثر بَعْضٍ وَلَيْسَ هُنَاكَ بَكْرَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَهِيَ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا الْمَاءُ الْعَذْبُ، فَاسْتُعِيرَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وإِنما هِيَ مَثَلٌ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: عندي أَن قولهم جاؤوا عَلَى بَكَرَةِ أَبيهم بِمَعْنَى جاؤوا بأَجمعهم، هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ بَكَرْتُ فِي كَذَا أَي تقدّمت فيه، ومعناه جاؤوا عَلَى أَوليتهم أَي لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحد بَلْ جاؤوا مِنْ أَولهم إِلى آخِرِهِمْ.

وَضَرْبَةٌ بِكْرٌ، بِالْكَسْرِ، أَي قَاطِعَةٌ لَا تُثْنَى.

وَفِي الْحَدِيثِ: «كَانَتْ ضَرَبَاتُ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَبْكارًا إِذا اعْتَلَى قَدَّ وإِذا اعْتَرَضَ قَطَّ»؛ وَفِي رِوَايَةٍ: " كَانَتْ ضَرَبَاتُ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مُبْتَكَرَاتٍ لَا عُونًا أَي أَن ضَرْبَتَهُ كَانَتْ بِكرًا يَقْتُلُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا لَا يَحْتَاجُ أَن يُعِيدَ الضَّرْبَةَ ثَانِيًا؛ والعُون: جَمْعُ عَوانٍ هِيَ فِي الأَصل الْكَهْلَةُ مِنَ النِّسَاءِ وَيُرِيدُ بِهَا هاهنا المثناة.

وبَكْرٌ: اسْمٌ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ فِي جمعه أَبْكُرٌ وبُكُورٌ.

وبُكَيْرٌ وبَكَّارٌ ومُبَكِّر: أَسماء.

وبَنُو بَكْرٍ: حَيٌّ مِنْهُمْ؛ وَقَوْلُهُ:

إِنَّ الذِّئَابَ قَدِ اخْضَرَّتْ بَراثِنُها، ***والناسُ كُلُّهُمُ بَكْرٌ إِذا شَبِعُوا

أَراد إِذا شَبِعُوا تَعَادَوْا وَتَغَاوَرُوا لأَن بَكْرًا كَذَا فِعْلُهَا.

التَّهْذِيبُ: وبنو بَكْرٍ فِي الْعَرَبِ قَبِيلَتَانِ: إِحداهما بَنُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ، والأُخرى بَكْرُ بْنُ وَائِلِ بْنِ قَاسِطٍ، وإِذا نُسِبَ إِليهما قَالُوا بَكْرِيُّ.

وأَما بَنُو بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ فَالنِّسْبَةُ إِليهم بَكْراوِيُّونَ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وإِذا نَسَبْتَ إِلى أَبي بَكْرٍ قُلْتَ بَكْرِيٌّ، تَحْذِفُ مِنْهُ الِاسْمَ الأَول، وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ كُنْيَةٍ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


47-لسان العرب (جشر)

جَشَرَ: الجَشَر: بَقْلُ الرَّبِيعِ.

وجَشَرُوا الخَيْلَ وجَشَّروها: أَرْسَلُوها فِي الجَشْرِ.

والجَشْرُ: أَن يَخْرُجُوا بِخَيْلِهِمْ فَيَرْعَوْها أَمام بُيُوتِهِمْ.

وأَصبحوا جَشْرًا وجَشَرًا إِذا كَانُوا يَبِيتُون مَكَانَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ إِلى أَهليهم.

والجَشَّار: صاحبُ الجَشَرِ.

وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ: «لَا يَغُرَّنَّكُمْ جَشَرُكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ فإِنما يَقْصُرُ الصلاةَ مَنْ كَانَ شَاخِصًا أَو يَحْضُرُهُ عَدُوٌّ».

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الجَشَرُ القومُ يَخْرُجُونَ بِدَوَابِّهِمْ إِلى الْمَرْعَى وَيَبِيتُونَ مَكَانَهُمْ وَلَا يأْوون إِلى الْبُيُوتِ، وَرُبَّمَا رأَوه سَفَرًا فَقَصَرُوا الصَّلَاةَ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ لأَن المُقَامَ فِي الْمَرْعَى وإِن طَالَ فَلَيْسَ بِسَفَرٍ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «يَا مَعْشَرَ الجُشَّارِ لَا تَغْتَرُّوا بِصَلَاتِكُمْ»؛ الجُشَّار جَمْعُ جاشِرٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشْرَةٍ».

وَفِي حَدِيثِ أَبي الدَّرْدَاءِ: «مَنْ تَرَكَ الْقُرْآنَ شَهْرَيْنِ فَلَمْ يقرأْه فَقَدْ جَشَرَهُ»أَي تَبَاعَدَ عَنْهُ.

يُقَالُ: جَشَرَ عَنْ أَهله أَي غَابَ عَنْهُمْ.

الأَصمعي: بَنُو فُلَانٍ جَشَرٌ إِذا كَانُوا يَبِيتُونَ مَكَانَهُمْ لَا يأْوون بُيُوتَهُمْ، وَكَذَلِكَ مَالٌ جَشَرٌ لَا يأْوي إِلى أَهله.

وَمَالٌ جَشَرٌ: يَرْعَى فِي مكانه لا يؤوب إِلى أَهله.

وإِبل جُشَّرٌ: تَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَتْ، وَكَذَلِكَ الحُمُرُ؛ قَالَ: " وآخرونَ كَالْحَمِيرِ الجُشَّرِ "وَقَوْمٌ جُشْرٌ وجُشَّرٌ: عُزَّابٌ فِي إِبلهم.

وجَشَرْنا دوابَّنا: أَخرجناها إِلى الْمَرْعَى نَجْشُرُها جَشْرًا، بالإِسكان، وَلَا نَرُوحُ.

وَخَيْلٌ مُجَشَّرةٌ بالحِمَى أَي مَرْعِيَّة.

ابْنُ الأَعرابي: المُجَشَّرُ الَّذِي لَا يَرْعَى قُرْبَ الماء؛ والمنذري: الَّذِي يَرْعَى قُرْبَ الْمَاءِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي لِابْنِ أَحمر فِي الجَشْرِ:

إِنَّكَ لَوْ رأَيتَني والقَسْرَا، ***مُجَشِّرِينَ قَدْ رَعَينا شَهْرَا

لَمْ تَرَ فِي الناسِ رِعاءً جَشْرَا، ***أَتَمَّ مِنَّا قَصَبًا وسَيْرَا

قَالَ الأَزهري: أَنشدنيه الْمُنْذِرِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْهُ.

قَالَ الأَصمعي: يُقَالُ: أَصبح بَنُو فُلَانٍ جَشَرًا إِذا كَانُوا يَبِيتُونَ فِي مَكَانِهِمْ فِي الإِبل وَلَا يَرْجِعُونَ إِلى بُيُوتِهِمْ؛ قَالَ الأَخطل:

تَسْأَلُه الصُّبْرُ مِنْ غَسَّانَ، إِذْ حَضَرُوا، ***والحَزْنُ كَيْفَ قَراهُ الغِلْمَةُ الجَشَرُ

الصُّبْرُ والحَزْنُ: قَبِيلَتَانِ مِنْ غَسَّانَ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده: كَيْفَ قَرَاكَ، بِالْكَافِ، لأَنه يَصِفُ قَتْلَ عُمَيْرِ بْنِ الحُبَابِ وكَوْنَ الصُّبْر والحَزْنِ، وَهُمَا بَطْنَانِ مِنْ غَسَّانَ، يَقُولُونَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ طَافُوا برأْسه: كَيْفَ قَراك الغِلْمَةُ الجَشَرُ؟ وَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنما أَنتم جَشَرٌ لَا أُبالي بِكُمْ، وَلِهَذَا يَقُولُ فِيهَا مُخَاطِبًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ:

يُعَرِّفُونَكَ رَأْسَ ابنِ الحُبابِ وَقَدْ ***أَضْحَى، وللسَّيْفِ فِي خَيْشُومِهِ أَثَرُ

لَا يَسْمَعُ الصَّوْتَ مُسْتَكًّا مسامِعُه، ***وَلَيْسَ يَنْطِقُ حَتَّى يَنْطِقَ الحَجَرُ

وَهَذِهِ الْقَصِيدَةُ مِنْ غُرَرِ قَصَائِدِ الأَخطل يُخَاطِبُ فِيهَا عَبْدَ الملِك بْنَ مَرْوان يَقُولُ فِيهَا:

نَفْسِي فِداءُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ إِذا ***أَبْدَى النَّواجِذَ يَوْمٌ باسِلٌ ذَكَرُ

الخائِضِ الغَمْرِ والمَيْمُونِ طائِرُهُ، ***خَلِيفَةِ اللهِ يُسْتَسْقَى بِهِ المَطَرُ

فِي نَبْعَةٍ مِن قُرَيشٍ يَعْصِبُونَ بِهَا، ***مَا إِنْ يُوازى بأَعْلَى نَبتِها الشَّجَرُ

حُشْدٌ عَلَى الْحَقِّ عَيَّافو الخَنَا أُنُفٌ، ***إِذا أَلَمَّتْ بِهِمْ مَكْرُوهَةٌ صَبَرُوا

شُمْسُ العَداوَةِ حَتَّى يُسْتَقَادَ لَهُمْ، ***وأَعظمُ الناسِ أَحْلامًا، إِذا قَدَرُوا

مِنْهَا:

إِنَّ الضَّغِينَةَ تَلْقَاها، وإِن قَدُمَتْ، ***كالعُرِّ يَكْمُنُ حِينًا ثُمَّ يَنْتَشِرُ

والجَشْرُ والجَشَرُ: حِجَارَةٌ تَنْبُتُ فِي الْبَحْرِ.

قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لَا أَحسبها مُعَرَّبَةً.

شِمْرٌ: يُقَالُ مَكَانٌ جَشِر أَي كَثِيرُ الجَشَر، بِتَحْرِيكِ الشِّينِ.

وَقَالَ الرِّياشي: الجَشَرُ حِجَارَةٌ فِي الْبَحْرِ خَشِنَةٌ.

أَبو نَصْرٍ: جَشَرَ الساحلُ يَجْشُرُ جَشْرًا.

اللَّيْثُ: الجَشَرُ مَا يَكُونُ فِي سَوَاحِلِ الْبَحْرِ وَقَرَارِهِ مِنَ الْحَصَى والأَصداف، يَلْزَقُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَتَصِيرَ حَجَرًا تُنْحَتُ مِنْهُ الأَرْحِيَةُ بِالْبَصْرَةِ لَا تَصْلُحُ لِلطَّحْنِ، وَلَكِنَّهَا تُسَوَّى لرؤوس الْبَلَالِيعِ.

والجَشَرُ: وَسَخُ الوَطْبِ مِنَ اللَّبِنِ؛ يُقَالُ: وَطْبٌ جَشِرٌ أَي وَسِخٌ.

والجَشَرَةُ: القِشْرَةُ السُّفْلَى الَّتِي عَلَى حَبَّةِ الْحِنْطَةِ.

والجَشَرُ والجُشْرَةُ: خُشُونة فِي الصَّدْرِ وغِلَظٌ فِي الصَّوْتِ وسُعال؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: بَحَحٌ فِي الصَّوْتِ.

يُقَالُ: بِهِ جُشْرَةٌ وَقَدْ جَشِرَ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: جُشِرَ جُشْرَةً؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا نَادِرٌ، قَالَ: وَعِنْدِي أَن مَصْدَرَ هَذَا إِنما هُوَ الجَشَرُ؛ وَرَجُلٌ مَجْشُورٌ.

وَبَعِيرٌ أَجْشَرُ وَنَاقَةٌ جَشْراءُ: بِهِمَا جُشْرَةٌ.

الأَصمعي: بَعِيرٌ مَجْشُورٌ بِهِ سُعال جافٌّ.

غَيْرُهُ: جُشِرَ، فَهُوَ مَجْشُورٌ، وجَشِرَ يَجْشَرُ جَشَرًا، وَهِيَ الجُشْرَةُ، وَقَدْ جُشِرَ يُجْشَرُ عَلَى مَا لَمْ يسمَّ فَاعِلُهُ؛ وَقَالَ حَجَرٌ:

رُبَّ هَمٍّ جَشَمْتُهُ فِي هَواكُمْ، ***وبَعِيرٍ مُنَفَّهٍ مَجْشُورِ

ورجلٌ مَجْشُورٌ: بِهِ سُعال؛ وأَنشد: " وسَاعِلٍ كَسَعَلِ المَجْشُورِ "والجُشَّةُ والجَشَشُ: انْتِشَارُ الصَّوْتِ فِي بُحَّةٍ.

ابْنُ الأَعرابي: الجُشْرَةُ الزُّكامُ.

وجَشرَ الساحلُ، بِالْكَسْرِ، يَجْشَرُ جَشْرًا إِذا خَشُنَ طِينُهُ ويَبِسَ كالحجَر.

والجَشِيرُ: الجُوالِقُ الضَّخْمُ، وَالْجَمْعُ أَجْشِرَةٌ وجُشُرٌ؛ قَالَ الرَّاجِزُ: " يُعْجلُ إِضْجاعَ الجَشِيرِ القَاعِدِ "والجَفِيرُ والجَشِيرُ: الوَفْضَةُ، وَهِيَ الكِنانَةُ.

ابْنُ سِيدَهْ: والجَشِيرُ الْوَفْضَةُ وَهِيَ الجَعْبَةُ مِنْ جُلُودٍ تَكُونُ مَشْقُوقَةً فِي جَنْبها، يُفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا لِيَدْخُلَهَا الرِّيحُ فَلَا يأْتكل الرِّيشُ.

وجَنْبٌ جاشِرٌ: مُنْتَفِخٌ.

وتَجَشَّرَ بَطْنُهُ: انْتَفَخَ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

فقامَ وَثَّابٌ نَبِيلٌ مَحْزِمُهْ***.

لَمْ يَتَجَشَّرْ مِنْ طَعامٍ يُبْشِمُهْ

وجَشَرَ الصُّبْحُ يَجْشُرُ جُشُورًا: طَلَعَ وَانْفَلَقَ.

والجاشِرِيَّةُ: الشُّرْبُ مَعَ الصُّبْحِ، وَيُوصَفُ بِهِ فَيُقَالُ: شَرْبَةٌ جاشِرِيَّةٌ؛ قَالَ:

ونَدْمانٍ يَزِيدُ الكأْسَ طِيبًا، ***سَقَيْتُ الجاشِرِيَّةَ أَو سَقَانِي

وَيُقَالُ: اصْطَبَحْتُ الجاشِرِيَّةَ، وَلَا يَتَصَرَّفُ لَهُ فِعْلٌ؛ وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:

إِذا مَا شَرِبْنَا الجاشِرِيَّةَ لَمْ نُبَلْ ***أَمِيرًا، وإِن كانَ الأَمِيرُ مِنَ الأَزْدِ

والجاشِرِيَّةُ: قَبِيلَةٌ فِي رَبِيعَةَ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَما الْجَاشِرَيَّةُ الَّتِي فِي شِعْرِ الأَعشى فَهِيَ قَبِيلَةٌ من قبائل الْعَرَبِ.

وَفِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ: «أَنه كَتَبَ إِلى عَامِلِهِ أَن ابْعَثْ إِليَّ بالجَشِيرِ اللُّؤْلُؤِيّ»؛ الجَشِيرُ: الجِرابُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَهُ الزمخشري.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


48-لسان العرب (خلر)

خلر: الخُلَّرُ، مِثَالُ السُّكَّرِ، قِيلَ: هُوَ نَبَاتٌ أَعجمي، قِيلَ: هُوَ الجُلْبانُ، وَقِيلَ: هُوَ الفُولُ.

وَفِي التَّهْذِيبِ: الخُلَّرُ الماشُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْحُبُوبِ الَّتِي تُقْتاتُ.

وخُلَّار: مَوْضِعٌ يَكْثُرُ بِهِ الْعَسَلُ الْجَيِّدُ؛ وَمِنْهُ كِتَابُ الْحَجَّاجِ إِلى بَعْضِ عُمَّاله بِفَارِسَ: أَن ابْعَثْ إِليّ بِعَسَلٍ مِنْ عَسَلِ خُلَّار، مِنَ النَّحْلِ الأَبكار، مِنَ الدَّسْتِفْشارِ، الَّذِي لَمْ تَمَسَّهُ نَارٌ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


49-لسان العرب (زمر)

زمر: الزَّمْرُ بالمِزْمارِ، زَمَرَ يَزْمِرُ ويَزْمُرُ زَمْرًا وزَمِيرًا وزَمَرانًا: غَنَّى فِي القَصَبِ.

وامرأَة زامِرَةٌ وَلَا يُقَالُ زَمَّارَةٌ، وَلَا يُقَالُ رَجُلٌ زامِرٌ إِنما هُوَ زَمَّارٌ.

الأَصمعي: يُقَالُ لِلَّذِي يُغَنِّي الزّامِرُ والزَّمَّارُ، وَيُقَالُ لِلْقَصَبَةِ الَّتِي يُزْمَرُ بِهَا زَمَّارَةٌ، كَمَا يُقَالُ للأَرض الَّتِي يُزْرَعُ فِيهَا زَرّاعَةٌ.

قَالَ: وَقَالَ فُلَانٌ لِرَجُلٍ: يَا ابْنَ الزِّمَّارَة، يَعْنِي المُغَنِّيَة.

والمِزْمارُ والزَّمَّارَةُ: مَا يُزْمَرُ فِيهِ.

الْجَوْهَرِيُّ: المِزْمارُ وَاحِدُ المَزامِيرِ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَبِمَزْمُورِ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي رِوَايَةٍ: مِزْمارَةِ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، المزمورُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا، والمِزْمارُ سَوَاءٌ، وَهُوَ الْآلَةُ الَّتِي يُزْمَرُ بِهَا.

ومَزامِيرُ دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا كَانَ يَتَغَنَّى بِهِ مِنَ الزَّبُورِ وضُروب الدُّعَاءِ، وَاحِدُهَا مِزْمارٌ ومُزْمُورٌ؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ، وَنَظِيرُهُ مُعْلُوقٌ ومُغْرُودٌ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي مُوسَى: «سَمِعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأُ فَقَالَ: لَقَدْ أُعْطِيتَ مِزْمارًا مِنْ مَزامِيرِ آلِ داودَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ»؛ شَبَّهَ حُسْنَ صوتِه وحلاوةَ نَغْمَتِه بِصَوْتِ المِزْمارِ، وَدَاوُدُ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإِليه المُنْتَهى فِي حُسْنِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ، وَالْآلُ فِي قَوْلِهِ آلِ دَاوُدَ مُقْحَمَةٌ، قِيلَ: مَعْنَاهُ هَاهُنَا الشَّخْصُ.

وَكَتَبَ الْحَجَّاجِ إِلى بَعْضِ عُمَّالِهِ أَن ابْعَثْ إِليَّ فُلَانًا مُسَمَّعًا مُزَمَّرًا؛ فالمُسَمَّعُ: المُقَيَّدُ، والمُزَمَّرُ: المُسَوْجَرُ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

وَلِي مُسْمِعانِ وزَمَّارَةٌ، ***وظِلُّ مَدِيدٌ وحِصْنٌ أَمَقّ

فَسَّرَهُ فَقَالَ: الزَّمَّارَةُ السَّاجُورُ، والمُسْمِعانِ الْقَيْدَانِ، يَعْنِي قَيْدَيْنِ وغُلَّيْنِ، والحِصْنُ السِّجْنُ، وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى التَّشْبِيهِ، وَهَذَا الْبَيْتُ لِبَعْضِ المُحَبَّسِينَ كَانَ مَحْبُوسًا فمُسْمِعاهُ قَيْدَاهُ لِصَوْتِهِمَا إِذا مَشَى، وزَمَّارَتُه السَّاجُورُ وَالظِّلُّ، وَالْحِصْنُ السِّجْنُ وَظُلْمَتُهُ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جُبَيْرٍ: «أَنه أَتى بِهِ الْحَجَّاجُ وَفِي عُنُقِهِ زَمَّارَةٌ»؛ الزَّمَّارَةُ الغُلُّ وَالسَّاجُورُ الَّذِي يُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْكَلْبِ.

ابْنُ سِيدَهْ: والزَّمَّارَةُ عَمُودٌ بَيْنَ حَلْقَتَيِ الْغُلِّ.

والزِّمارُ بِالْكَسْرِ: صَوْتُ النَّعَامَةِ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: صَوْتُ النَّعَامِ.

وزَمَرَتِ النعامةُ تَزْمِرُ زِمارًا: صَوَّتَتْ.

وَقَدْ زَمَرَ النعامُ يَزْمِرُ، بِالْكَسْرِ، زِمارًا.

وأَما الظَّلِيمُ فَلَا يُقَالُ فِيهِ إِلَّا عارَّ يُعارُّ.

وزَمَرَ بِالْحَدِيثِ: «أَذاعه وأَفشاه».

والزَّمَّارَةُ: الزَّانِيَةُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَقَالَ: لأَنها تُشِيعُ أَمرها.

وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «أَن النَّبِيَّ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ كَسْبِ الزَّمَّارَةِ.

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ الْحَجَّاجُ: الزَّمَّارَةُ الزَّانِيَةُ، قَالَ وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنما هِيَ الرَّمَّازَةُ، يتقديم الرَّاءِ عَلَى الزَّايِ، مِنَ الرَّمْزِ، وَهِيَ الَّتِي تُومِئُ بِشَفَتَيْهَا وَبِعَيْنَيْهَا وَحَاجِبَيْهَا، وَالزَّوَانِي يَفْعَلْنَ ذَلِكَ، والأَول الْوَجْهُ.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هِيَ الزَّمَّارَةُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: واعترض القتيب عَلَى أَبي عُبَيْدٍ فِي قَوْلِهِ هِيَ الزَّمَّارة كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، فَقَالَ: الصَّوَابُ الرَّمَّازَة لأَن مِنْ شأْن البَغِيِّ أَن تُومِضَ بِعَيْنِهَا وَحَاجِبِهَا؛ وأَنشد:

يُومِضْنَ بالأَعْيُنِ والحواجِبِ، ***إِيماضَ بَرْقٍ فِي عَماءٍ ناصِبِ

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ عِنْدِي الصَّوَابُ، وَسُئِلَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يَحْيَى عَنْ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنه نَهَى عَنِ كَسْبِ الزَّمَّارَة فَقَالَ: الْحَرْفُ الصَّحِيحُ رَمَّازَةٌ، وزَمَّارَةٌ هَاهُنَا خطأٌ.

والزَّمَّارَةُ: البَغِيُّ الْحَسْنَاءُ، والزَّمِيرُ: الْغُلَامُ الْجَمِيلُ، وإِنما كَانَ الزِّنَا مَعَ الْمِلَاحِ لَا مَعَ الْقِبَاحِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لِلزَّمَّارَةِ فِي تَفْسِيرِ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَجْهَانِ: أَحدهما أَن يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ كَسْبِ الْمُغَنِّيَةِ، كَمَا رَوَى أَبو حَاتِمٍ عَنِ الأَصمعي، أَو يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ كَسْبِ البَغِيِّ كَمَا قَالَ أَبو عُبَيْدٍ وأَحمد بْنُ يَحْيَى؛ وإِذا رَوَى الثِّقَاتُ لِلْحَدِيثِ تَفْسِيرًا لَهُ مَخْرَجٌ لَمْ يَجُزْ أَن يُرَدَّ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ نَطْلُبُ لَهُ المخارجَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، أَلا تَرَى أَن أَبا عُبَيْدٍ وأَبا الْعَبَّاسِ لَمَّا وَجَدَا لِمَا قَالَ الحجاجُ وَجْهًا فِي اللُّغَةِ لَمْ يَعْدُواهُ؟ وَعَجَّلَ القتيبي ولم يثبت فَفَسَّرَ الْحَرْفَ عَلَى الْخِلَافِ وَلَوْ فَعَل فِعل أَبي عُبَيْدٍ وأَبي الْعَبَّاسِ كَانَ أَولى بِهِ، قَالَ: فإِياك والإِسراع إِلى تَخْطِئَةِ الرُّؤَسَاءِ وَنِسْبَتِهِمْ إِلى التَّصْحِيفِ وتأَنَّ فِي مِثْلِ هَذَا غَايَةَ التَّأَنِّي، فإِني قَدْ عَثَرْتُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ رَوَاهَا الثِّقَاتُ فغيَّرها مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ.

وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ قَالَ: تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ أَنها الزَّانِيَةُ، قَالَ: وَلَمْ أَسمع هَذَا الْحَرْفَ إِلَّا فِيهِ، قَالَ: وَلَا أَدري مِنْ أَي شَيْءٍ أُخذ، قَالَ الأَزهري: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ أَراد الْمُغَنِّيَةَ.

يُقَالُ: غِنَاءٌ زَمِيرٌ أَي حَسَنٌ.

وزَمَرَ إِذا غَنَّى وَالْقَصَبَةُ الَّتِي يُزْمَرُ بِهَا: زَمَّارَةٌ.

والزَّمِرُ: الحَسَنُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وأَنشد:

دَنَّانِ حَنَّانانِ، بَيْنَهُمَا ***رَجُلٌ أَجَشُّ، غِناؤُه زَمِرُ

أَي غِنَاؤُهُ حَسُنَ.

والزَّمِيرُ: الْحَسَنِ مِنَ الرِّجَالِ.

والزَّوْمَرُ: الْغُلَامُ الْجَمِيلُ الْوَجْهِ.

وزَمَرَ القربَةَ يَزْمُرُهَا زَمْرًا وزَنَرَها: ملأَها؛ هَذِهِ عن كراع واللحياني.

وَشَاةٌ زَمِرَةٌ: قَلِيلَةُ الصُّوفِ.

والزَّمِرُ: الْقَلِيلُ الشَّعَرِ وَالصُّوفِ وَالرِّيشِ، وَقَدْ زَمِرَ زَمَرًا.

وَرَجُلٌ زَمِرٌ: قَلِيلُ المُروءَةِ بَيِّنُ الزَّمَارَة والزُّمُورَةِ أَي قَلِيلُهَا، والمُسْتَزْمِرُ: المُنْقَبِضُ الْمُتَصَاغِرُ؛ قَالَ:

إِنَّ الكَبِيرَ إِذا يُشَافُ رَأَيْتَهُ ***مُقْرَنْشِعًا، وإِذا يُهانُ اسْتَزْمَرَا

والزُّمْرَةُ: الفَوْجُ مِنَ النَّاسِ والجماعةُ مِنَ النَّاسِ، وَقِيلَ: الْجَمَاعَةُ فِي تَفْرِقَةٍ.

والزُّمَرُ: الْجَمَاعَاتُ، وَرَجُلٌ زِمِرٌّ: شَدِيدٌ كَزِبِرٍّ.

وزَمِيرٌ: قَصِيرٌ، وَجَمْعُهُ زِمَارٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ.

وَبَنُو زُمَيْرٍ: بَطْنٌ.

وزُمَيْرٌ: اسْمُ نَاقَةٍ؛ عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ.

وزَوْمَرٌ: اسمٌ.

وزَيْمَرانُ وزَمَّاراءُ: مَوْضِعَانِ؛ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

فَقَرَّب فالمَرُّوت فالخَبْت فالمُنَى، ***إِلى بيتِ زَمَّاراءَ تَلْدًا عَلَى تَلْدِ

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


50-لسان العرب (سجر)

سجر: سَجَرَه يَسْجُرُه سَجْرًا وسُجورًا وسَجَّرَه: ملأَه.

وسَجَرْتُ النهَرَ: ملأْتُه.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ}؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: مُلِئَتْ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا وَجْهَ لَهُ إِلا أَن تَكُونَ مُلِئَت نَارًا.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}؛ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَن الْبَحْرَ يُسْجَر فَيَكُونُ نارَ جَهَنَّمَ.

وسَجَرَ يَسْجُر وانْسَجَرَ: امتلأَ.

وَكَانَ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَقُولُ: المسجورُ بِالنَّارِ "أَي مَمْلُوءٌ.

قَالَ: وَالْمَسْجُورُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَمْلُوءُ.

وَقَدْ سَكَرْتُ الإِناء وسَجَرْته إِذا ملأْته؛ قَالَ لَبِيدٌ: " مَسْجُورةً مُتَجاورًا قُلَّامُها وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ "؛ أَفضى بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ فَصَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا.

وَقَالَ الرَّبِيعُ: سُجِّرَتْ أَي فَاضَتْ، وَقَالَ قَتَادَةُ: ذَهَب مَاؤُهَا، وَقَالَ كَعْبٌ: الْبَحْرُ جَهنم يُسْجَر، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قُرِئَ" سُجِّرت وسُجِرَت "، وَمَعْنَى سُجِّرَت فُجِّرَت، وسُجِرَت مُلِئَتْ؛ وَقِيلَ: جُعِلَت مَبانِيها نِيرانَها بِهَا أَهْلُ النَّارِ.

أَبو سَعِيدٍ: بَحْرٌ مسجورٌ ومفجورٌ.

وَيُقَالُ: سَجَّرْ هَذَا الماءَ أَي فَجّرْه حَيْثُ تُرِيدُ.

وسُجِرَت الثِّماد.

سَجْرًا: مُلِئت مِنَ الْمَطَرِ وَكَذَلِكَ الماءُ سُجْرَة، وَالْجَمْعُ سُجَر، وَمِنْهُ الْبَحْرُ الْمَسْجُورُ.

وَالسَّاجِرُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يَمُرُّ بِهِ السَّيْلُ فَيَمْلَؤُهُ، عَلَى النَّسَبِ، أَو يَكُونُ فَاعِلًا فِي مَعْنَى مَفْعُولٍ، وَالسَّاجِرُ: السَّيْلُ الَّذِي يملأَ كُلَّ شَيْءٍ.

وسَجَرْت الْمَاءَ فِي حَلْقِهِ: صَبَبْتُهُ؛ قَالَ مُزَاحِمٌ:

كَمَا سَجَرَتْ ذَا المَهْدِ أُمٌّ حَفِيَّةٌ، ***بِيُمْنَى يَدَيْها، مِنْ قَدِيٍّ مُعَسَّلِ

القَدِيُّ: الطَّيِّبُ الطَّعْمِ مِنَ الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ.

وَيُقَالُ:.

وَرَدْنا مَاءً ساجِرًا إِذَا ملأَ السيْلُ.

وَالسَّاجِرُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يأْتي عَلَيْهِ السيل فيملؤه؛ " قَالَ الشَّمَّاخُ:

وأَحْمَى عَلَيْهَا ابْنَا يَزِيدَ بنِ مُسْهِرٍ، ***بِبَطْنِ المَراضِ، كلَّ حِسْيٍ وساجِرِ

وَبِئْرٌ سَجْرٌ: مُمْتَلِئَةٌ والمَسْجُورُ: الْفَارِغُ مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ، ضِدٌّ؛ عَنْ أَبي عَلِيٍّ.

أَبو زَيْدٍ: الْمَسْجُورُ يَكُونُ المَمْلُوءَ وَيَكُونُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ.

الْفَرَّاءُ: المَسْجُورُ اللبنُ الَّذِي مَاؤُهُ أَكثر مِنْ لَبَنِهِ.

والمُسَجَّرُ: الَّذِي غَاضَ مَاؤُهُ.

والسَّجْرُ: إِيقَادُكَ فِي التَّنُّور تَسْجُرُه بالوَقُود سَجْرًا.

والسَّجُورُ: اسْمُ الحَطَب.

وسَجَرَ التَّنُّورَ يَسْجُرُه سَجْرًا: أَوقده وأَحماه، وَقِيلَ: أَشبع وَقُودَه.

والسَّجُورُ: مَا أُوقِدَ بِهِ.

والمِسْجَرَةُ: الخَشَبة الَّتِي تَسُوطُ بِهَا فِيهِ السَّجُورَ.

وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «فَصَلِّ حَتَّى يَعْدِلَ الرُّمْحَ ظِلُّه ثُمَّ اقْصُرْ فإِن جَهَنَّمَ تُسْجَرُ وتُفتح أَبوابُها»أَي تُوقَدُ؛ كأَنه أَراد الإِبْرادَ بالظُّهر" لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فإِن شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمِ، وَقِيلَ: أَراد بِهِ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: إِنّ الشَّمْسَ إِذا استوتْ قارَنَها الشيطانُ فإِذا زَالَتْ فارَقَها "؛ فَلَعَلَّ سَجْرَ جَهَنَّمَ حينئذٍ لِمُقَارَنَةِ الشيطانِ الشمسَ وتَهْيِئَتِه لأَن يَسْجد لَهُ عُبَّادُ الشَّمْسِ، فَلِذَلِكَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: قَوْلُهُ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ وَبَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ وأَمثالها مِنَ الأَلفاظ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يَنْفَرِدُ الشَّارِعُ بِمَعَانِيهَا وَيَجِبُ عَلَيْنَا التصديقُ بِهَا والوُقوفُ عِنْدَ الإِقرار بِصِحَّتِهَا والعملُ بِمُوجَبِها.

وشَعْرٌ مُنْسَجِرٌ وَمَسْجُورٌ: مُسْتَرْسِلٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " إِذا مَا انْثَنَى شَعْرُه المُنْسَجِرْ "وَكَذَلِكَ اللؤلؤُ لؤلؤٌ مسجورٌ إِذا انْتَثَرَ مِنْ نِظَامِهِ.

الْجَوْهَرِيُّ: اللؤلؤُ المَسْجُورُ المنظومُ الْمُسْتَرْسِلُ؛ قَالَ الْمُخَبَّلُ السَّعْدِيُّ وَاسْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ مَالِكٍ:

وإِذا أَلَمَّ خَيَالُها طَرَفَتْ ***عَيْني، فماءُ شُؤُونها سَجْمُ

كاللُّؤْلُؤِ المَسْجُورِ أُغفِلَ فِي ***سِلْكِ النِّظامِ، فَخَانَهُ النَّظْمُ

أَي كأَنَّ عَيْنِي أَصابتها طَرْفَةٌ فَسَالَتْ دُمُوعُهَا مُنْحَدِرَةً، كَدُرٍّ فِي سِلْكٍ انْقَطَعَ فَتَحَدَّرَ دُرُّه؛ والشُّؤُونُ: جمعُ شَأْنٍ، وَهُوَ مَجْرَى الدَّمْعِ إِلى الْعَيْنِ.

وَشَعْرٌ مُسَجَّرٌ: مُرَجَّلٌ.

وسَجَرَ الشيءَ سَجْرًا: أَرسله، والمُسَجَّرُ: الشعَر المُرْسَل؛ وأَنشد: " إِذا ثُني فَرْعُها المُسَجَّر "وَلُؤْلُؤَةٌ مَسْجُورَةٌ: كَثِيرَةُ الْمَاءِ.

الأَصمعي: إِذا حنَّت النَّاقَةُ فَطَرِبَتْ فِي إِثر وَلَدِهَا قِيلَ: سَجَرَت الناقةُ تَسْجُرُ سُجورًا وسَجْرًا ومَدَّتْ حَنِينَهَا؛ قَالَ أَبو زُبَيْد الطَّائِيُّ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَيُرْوَى أَيضًا لِلْحَزِينِ الْكِنَانِيِّ:

فإِلى الوليدِ اليومَ حَنَّتْ نَاقَتِي، ***تَهْوِي لِمُغْبَرِّ المُتُونِ سَمَالِقِ

حَنَّتْ إِلى بَرْقٍ فَقُلْتُ لَهَا: قُرِي [قِرِي] ***بَعْضَ الحَنِينِ، فإِنَّ مسَجْرَكِ شَائِقِي

كَمْ عِنْدَه مِنْ نائِلٍ وسَماحَةٍ، ***وشَمائِلٍ مَيْمُونةٍ وخَلائق

قُرِي: هُوَ مِنَ الوَقارِ وَالسُّكُونِ، وَنَصَبَ بِهِ بَعْضَ الْحَنِينِ عَلَى مَعْنَى كُفِّي عَنْ بَعْضِ الْحَنِينِ فإِنَّ حَنِينَكِ إِلى وَطَنِكِ شَائِقِي لأَنه مُذَكِّر لِي أَهلي وَوَطَنِي.

والسَّمالِقُ: جمعُ سَمْلَق، وَهِيَ الأَرض الَّتِي لَا نَبَاتَ بِهَا.

وَيُرْوَى: قِرِي، مِنْ وَقَرَ.

وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ السَّجْرُ فِي صَوْتِ الرَّعْدِ.

والساجِرُ والمَسْجُورُ: السَّاكِنُ.

أَبو عُبَيْدٍ: المَسْجُورُ السَّاكِنُ والمُمْتَلِئُ مَعًا.

والساجُورُ: القِلادةُ أَو الْخَشَبَةُ الَّتِي تُوضَعُ فِي عُنُقِ الْكَلْبِ.

وسَجَرَ الكلبَ والرجلَ يَسْجُرُه سَجْرًا: وَضَعَ الساجُورَ فِي عُنُقِهِ؛ وَحَكَى ابْنُ جِنِّي: كلبٌ مُسَوْجَرٌ، فإِن صَحَّ ذَلِكَ فشاذٌّ نَادِرٌ.

أَبو زَيْدٍ: كَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلى عَامِلٍ لَهُ أَنِ ابْعَثْ إِليَّ فُلَانًا مُسَمَّعًا مُسَوْجَرًا أَي مُقَيَّدًا مَغْلُولًا.

وَكَلْبٌ مَسْجُورٌ: فِي عُنُقِهِ ساجورٌ.

وَعَيْنٌ سَجْراءُ: بَيِّنَةُ السَّجَرِ إِذا خَالَطَ بَيَاضَهَا حُمْرَةٌ.

التَّهْذِيبِ: السَّجَرُ والسُّجْرَةُ حُمْرَةٌ فِي الْعَيْنِ فِي بَيَاضِهَا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِذا خَالَطَتِ الْحُمْرَةُ الزُّرْقَةَ فَهِيَ أَيضًا سَجْراءُ؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: اخْتَلَفُوا فِي السَّجَرِ فِي الْعَيْنِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الْحُمْرَةُ فِي سَوَادِ الْعَيْنِ، وَقِيلَ: الْبَيَاضُ الْخَفِيفُ فِي سَوَادِ الْعَيْنِ، وَقِيلَ: هِيَ كُدْرَة فِي بَاطِنِ الْعَيْنِ مِنْ تَرْكِ الْكُحْلِ.

وَفِي صِفَةِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَانَ أَسْجَرَ الْعَيْنِ؛ وأَصل السَّجَرِ والسُّجْرَةِ الكُدْرَةُ.

ابْنُ سِيدَهْ: السَّجَرُ والسُّجْرَةُ أَن يُشْرَبَ سوادُ الْعَيْنِ حُمْرَةً، وَقِيلَ: أَن يَضْرِبَ سَوَادُهَا إِلى الْحُمْرَةِ، وَقِيلَ: هِيَ حُمْرَةٌ فِي بَيَاضٍ، وَقِيلَ: حُمْرَةٌ فِي زُرْقَةٍ، وَقِيلَ: حمرةٌ يَسِيرَةٌ تُمازج السوادَ؛ رَجُلٌ أَسْجَرُ وامرأَة سَجْراءُ وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ.

والأَسْجَرُ: الغَدِيرُ الحُرُّ الطِّينِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

بِغَرِيضِ ساريةٍ أَدَرَّتْه الصَّبَا، ***مِنْ مَاءٍ أَسْجَرَ، طَيِّبِ المُسْتَنْقَعِ

وغَدِيرٌ أَسْجَرُ: يَضْرِبُ مَاؤُهُ إِلى الْحُمْرَةِ، وَذَلِكَ إِذا كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالسَّمَاءِ قَبْلَ أَن يَصْفُوَ؛ ونُطْفَةٌ سَجْراءُ، وَكَذَلِكَ القَطْرَةُ؛ وَقِيلَ: سُجْرَةُ الْمَاءِ كُدْرَتُه، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ.

وأَسَدٌ أَسْجَرُ: إِمَّا لِلَوْنِهِ، وإِما لِحُمْرَةِ عَيْنَيْهِ.

وسَجِيرُ الرَّجُلِ: خَلِيلُه وصَفِيُّه، وَالْجَمْعُ سُجَرَاءٌ.

وسَاجَرَه: صاحَبَهُ وَصَافَاهُ؛ قَالَ أَبو خِرَاشٍ:

وكُنْتُ إِذا سَاجَرْتُ مِنْهُمْ مُساجِرًا، ***صَبَحْتُ بِفَضْلٍ فِي المُروءَةِ والعِلْم

والسَّجِيرُ: الصَّدِيقُ، وجمعُه سُجَراء.

وانْسَجَرَتِ الإِبلُ فِي السَّيْرِ: تَتَابَعَتْ.

والسَّجْرُ: ضَرْبٌ مِنْ سَيْرِ الإِبل بَيْنَ الخَبَب والهَمْلَجَةِ.

والانْسِجارُ: التقدّمُ فِي السَّيْرِ والنَّجاءُ، وَهُوَ بِالشِّينِ مُعْجَمَةً، وسيأْتي ذِكْرُهُ.

والسَّجْوَرِيُّ: الأَحْمَقُ.

والسَّجْوَرِيُّ: الْخَفِيفُ مِنَ الرِّجَالِ؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ، وأَنشد:

جَاءَ يَسُوقُ الْعَكَرَ الهُمْهُومَا ***السَّجْوَرِيُّ لَا رَعَى مُسِيمَا

وصادَفَ الغَضَنْفَرَ الشَّتِيمَا "والسَّوْجَرُ: ضَرْبٌ مِنَ الشَّجَرِ، قِيلَ: هُوَ الخِلافُ؛ يَمَانِيَةٌ.

والمُسْجَئِرُّ: الصُّلْبُ.

وساجِرٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الرَّاعِي:

ظَعَنَّ ووَدَّعْنَ الجَمَادَ مَلامَةً، ***جَمَادَ قَسَا لَمَّا دعاهُنَّ سَاجِرُ

والسَّاجُورُ: اسْمُ مَوْضِعٍ.

وسِنْجارٌ: مَوْضِعٌ؛ وَقَوْلُ السَّفَّاحِ بْنِ خَالِدٍ التَّغْلِبِيِّ:

إِنَّ الكُلابَ ماؤُنا فَخَلُّوهْ، ***وساجِرًا واللهِ لَنْ تَحُلّوهْ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: سَاجِرًا اسْمُ مَاءٍ يَجْتَمِعُ مِنَ السيل.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


51-لسان العرب (فقر)

فقر: الفَقْر والفُقْر: ضِدُّ الغِنى، مِثْلُ الضَّعْفِ والضُّعْف.

اللَّيْثُ: والفُقْر لُغَةٌ رَدِيئَةٌ؛ ابْنُ سِيدَهْ: وقَدْرُ ذَلِكَ أَن يَكُونَ لَهُ مَا يَكْفي عيالَه، وَرَجُلٌ فَقِيرٌ مِنَ الْمَالِ، وَقَدْ فَقُرَ، فَهُوَ فَقير، وَالْجَمْعُ فُقَراءُ، والأُنثى فَقِيرةٌ مِنْ نِسْوَةٍ فَقَائِر؛ وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: نِسْوَةٌ فُقَراءُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري كَيْفَ هَذَا، قَالَ: وَعِنْدِي أَن قَائِلَ هَذَا مِنَ الْعَرَبِ لَمْ يَعْتدّ بِهَاءِ التأْنيث فكأَنه إِنما جَمَعَ فَقِيرًا، قَالَ: وَنَظِيرُهُ نِسْوَةٌ فُقَهاءُ.

ابْنُ السِّكِّيتِ: الفَقِيرُ الَّذِي لَهُ بُلْغَةٌ مِنَ الْعَيْشِ؛ قَالَ الرَّاعِي يَمْدَحُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوان وَيَشْكُو إِليه سُعاته:

أَما الفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ***وَفْقَ العِيال، فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ

قَالَ: وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ.

وَقَالَ يُونُسُ: الفَقِيرُ أَحسن حَالًا مِنَ الْمِسْكِينِ.

قَالَ: وَقُلْتُ لأَعرابي مَرَّةً: أَفَقِيرٌ أَنت؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ بَلْ مِسْكِينٌ؛ فَالْمِسْكِينُ أَسوأُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الفَقِيرُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، قَالَ: وَالْمِسْكِينُ مِثْلُهُ.

والفَقْر: الْحَاجَةُ، وَفِعْلُهُ الافْتِقارُ، وَالنَّعْتُ فَقِيرٌ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ}؛ سُئِلَ أَبو الْعَبَّاسِ عَنْ تَفْسِيرِ الفَقِير وَالْمِسْكِينِ فَقَالَ: قَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ فِيمَا يَروي عَنْهُ يونُس: الفَقِيرُ الَّذِي لَهُ مَا يَأْكل، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ؛ وَرَوَى ابْنُ سَلَامٍ عَنْ يُونُسَ قَالَ: الفَقِيرُ يَكُونُ لَهُ بَعْضُ مَا يُقيمه، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ؛ ويُرْوى عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ أَنه قَالَ: كأَن الفَقِيرَ إِنما سُمِّي فَقِيرًا لِزَمانةٍ تُصِيبُهُ مَعَ حَاجَةٍ شَدِيدَةٍ تَمْنَعُهُ الزَّمانةُ مِنَ التَّقَلُّب فِي الْكَسْبِ عَلَى نَفْسِهِ فَهَذَا هُوَ الفَقِيرُ.

الأَصمعي: الْمِسْكِينُ أَحسن حَالًا مِنَ الفَقِيرِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ أَحمد بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ أَبو بَكْرٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا لأَن اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى مَنْ لَهُ الفُلْك مِسْكِينًا، فَقَالَ: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ؛ وَهِيَ تُسَاوِي جُمْلة؛ قَالَ: وَالَّذِي احْتَجَّ بِهِ يُونُسُ مِنْ أَنه قَالَ لأَعرابي أَفَقيرٌ أَنت؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ بَلْ مِسْكِينٌ، يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد لَا وَاللَّهِ بَلْ أَنَا أَحسن حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ، وَالْبَيْتُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لأَن الْمَعْنَى كَانَتْ لِهَذَا الفَقِيرِ حَلوبةٌ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَتْ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَلوبَةٌ؛ وَقِيلَ الفَقِيرُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَهُ بَعْضُ مَايَكْفِيه؛ وإِليه ذَهَبَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقِيلَ فِيهِمَا بِالْعَكْسِ، وإِليه ذَهَبَ أَبو حَنِيفَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: والفَقِيرُ مَبْنِيٌّ عَلَى فَقُرَ قِيَاسًا وَلَمْ يُقَلْ فِيهِ إِلا افْتَقَر يَفْتَقِرُ، فَهُوَ فَقِيرٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «عَادَ البراءَ بنَ مالكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي فَقَارة مِنْ أَصحابه» أَي فِي فَقْرٍ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ}، قَالَ الْفَرَّاءُ: هُمْ أَهل صُفَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا لَا عَشَائِرَ لَهُمْ، فَكَانُوا يَلْتَمِسُونَ الْفَضْلَ فِي النَّهَارِ ويأْوون إِلى الْمَسْجِدِ، قَالَ: وَالْمَسَاكِينُ الطَوَّافون عَلَى الأَبواب.

وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ: الفُقَراءُ الزَّمْنَى الضِّعَافُ الَّذِينَ لَا حِرْفَةَ لَهُمْ، وأَهل الحِرْفةِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي لَا تَقَعُ حرْفتُهم مِنْ حَاجَّتْهُمْ مَوْقِعًا، وَالْمَسَاكِينُ: السُّؤَّالُ مِمَّنْ لَهُ حرفةٌ تَقَعُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ وعيالَهُ، قَالَ الأَزهري: الفَقِيرُ أَشد حَالًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الفَقِيرُ، عِنْدَ الْعَرَبِ، الْمُحْتَاجُ.

قَالَ اللَّهُ تعالى: {أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ}؛ أَي الْمُحْتَاجُونَ إِليه، فأَما الْمِسْكِينُ فَالَّذِي قَدْ أَذلَّه الفَقْرُ، فإِذا كَانَ هَذَا إِنما مَسْكَنَتُه مِنْ جِهَةِ الفَقْر حلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ وَكَانَ فَقيرًا مِسْكِينًا، وإِذا كَانَ مِسْكِينًا قَدْ أَذلَّهُ سِوَى الفَقْرِ فَالصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ لَهُ، إِذ كَانَ شَائِعًا فِي اللُّغَةِ أَن يُقَالَ: ضُرِبَ فلانٌ المسكينُ وظُلِمَ المسكينُ، وَهُوَ مِنْ أَهل الثَّرْوَةِ واليَسار، وإِنما لَحِقَهُ اسْمُ الْمِسْكِينِ مِنْ جِهَةِ الذِّلَّةِ، فَمَنْ لَمْ تَكُنْ مسكنتُه مِنْ جِهَةِ الفَقْر فالصدقةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ، عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: عَدْلُ هَذِهِ الملةِ الشَّرِيفَةِ وإِنْصافُها وكَرَمُها وإِلطافها إِذا حَرَّمَت صدقةَ الْمَالِ عَلَى مِسْكِينِ الذِّلَّةِ أَباحَتْ لَهُ صدقةَ القُدْرةِ، فَانْتَقَلَتِ الصدقةُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ ذِي الغِنَى إِلى نُصْرة ذِي الجَاهِ، فالدِّينُ يَفْرِضُ لِلْمِسْكِينِ الفَقِيرِ مَالًا عَلَى ذَوِي الغِنَى، وَهُوَ زَكَاةُ الْمَالِ، والمُرُوءةُ تَفْرِضُ لِلْمِسْكِينِ الذليلِ عَلَى ذَوِي الْقُدْرَةِ نُصْرَةً، وَهُوَ زَكَاةُ الْجَاهِ، لِيَتَسَاوَى مَنْ جَمَعَتْهُ أُخُوَّةُ الإِيمانِ فِيمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى للأَغنياء مِنْ تَمْكينٍ وإِمكان، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ ذُو الغِنَى والقدرةِ والمُجازِي عَلَى الصَّدَقَةِ عَلَى مِسْكِينِ الفَقْرِ والنُّصْرَةِ لِمِسْكِينِ الذِّلَّةِ، وإِليه الرَّغْبَةُ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى مِسْكِينَيْنَا بالنُّصرةِ والغِنَى ونَيْلِ المُنَى، إِنه غنيٌّ حَمِيدٌ.

وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا افْتَقَر كَمَا قَالُوا اشتَدَّ، وَلَمْ يَقُولُوا فَقُر كَمَا لَمْ يَقُولُوا شَدُدَ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ.

وأَفْقَرَهُ اللَّهُ مِنَ الفَقْرِ فافْتَقَرَ.

والمَفَاقِرُ: وُجُوهُ الفَقْرِ لَا وَاحِدَ لَهَا.

وشَكَا إِليه فُقُورَه أَي حاجتَه.

وأَخبره فُقُورَه أَي أَحْوالَه.

وأَغنى اللَّهُ مَفَاقِرَه أَي وُجُوه فَقْره.

وَيُقَالُ: سَدّ اللَّهُ مَفاقِره أَي أَغناه وسَدَّ وُجوه فَقْره؛ وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنه أَنشد:

«لَمَالُ المَرْءِ يُصْلِحه، فيُغْني ***مَفاقِرَه، أَعفّ مِنَ القُنُوعِ»

المَفاقِر: جَمْعُ فَقْر عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كالمَشابه والمَلامحِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ جَمْعَ مَفْقَر مَصْدَرَ أَفْقَره أَو جَمْعَ مُفْقِرٍ.

وَقَوْلُهُمْ: فُلَانٌ مَا أَفْقَره وَمَا أَغْناه، شَاذٌّ لأَنه يُقَالُ فِي فِعْلَيْهما افْتَقَرَ وَاسْتَغْنَى، فَلَا يَصِحُّ التعَجُّب مِنْهُ.

والفِقْرة والفَقْرة والفَقَارة، بِالْفَتْحِ: وَاحِدَةُ فَقَار الظَّهْرِ، وَهُوَ مَا انْتَضَدَ مِنْ عِظام الصُّلْبِ مِنْ لَدُن الكاهِل إِلى العَجْب، وَالْجَمْعُ فِقَر وفَقَارٌ، وَقِيلَ فِي الْجَمْعِ: فِقْرات وفِقَرات وفِقِرات.

قَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَقَلُّ فِقَر البَعِير ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وأَكثرها إِحدى وَعِشْرُونَ إِلى ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وفَقَار الإِنسان سَبْعٌ.

وَرَجُلٌ مَفقُور وفَقِير: مَكْسُورُ الفَقَار؛ " قَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ لُبَدًا وَهُوَ السَّابِعُ مِنْ نُسُور لُقْمان بْنِ عَادٍ:

لَمَّا رأَى لُبَدُ النُّسورَ تطايَرَتْ، ***رَفَعَ القَوادِم كالفَقِيرِ الأَعْزَلِ

والأَعْزَلُ مِنَ الْخَيْلِ: الْمَائِلُ الذَّنَب.

وَقَالَ: الفَقِير الْمَكْسُورُ الفَقَار؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِكُلِّ ضعيفٍ لَا ينفُذ فِي الأُمور.

التَّهْذِيبُ: الْفَقِيرُ مَعْنَاهُ المَفْقُور الَّذِي نُزِعت فِقَره مِنْ ظَهْرِهِ فَانْقَطَعَ صُلْبه مِنْ شِدَّةِ الفَقْر، فَلَا حَالَ هِيَ أَوكد مِنْ هذه.

أَبو الهثيم: للإِنسان أَربع وَعِشْرُونَ فَقَارةً وأَربع وَعِشْرُونَ ضِلَعًا، سِتُّ فَقَاراتٍ فِي الْعُنُقِ وَسِتُّ فَقَاراتٍ فِي الْكَاهِلِ، وَالْكَاهِلُ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ، بَيْنَ كُلِّ ضِلَعَينِ مِنْ أَضلاع الصَّدْرِ فَقَارةٌ مِنْ فَقَاراتِ الْكَاهِلِ السِّتِّ ثُمَّ ستُّ فَقَاراتٍ أَسفلُ مِنْ فَقَاراتِ الْكَاهِلِ، وَهِيَ فَقَاراتُ الظهرِ الَّتِي بِحِذاء الْبَطْنِ، بَيْنَ كلِ ضِلَعَيْنِ مِنْ أَضلاع الْجَنْبَيْنِ فَقَارةٌ مِنْهَا، ثُمَّ يُقَالُ لِفَقَارةٍ وَاحِدَةٍ تَفَرُقُ بَيْنَ فَقَارِ الظَّهْرِ والعَجُزِ: القَطاةُ، وَيَلِي القَطاةَ رأْسا الوَرِكَيْنِ، ويقال لهما: الغُرابانِ أَبعدُهما تمامُ فَقارِ العَجُز، وَهِيَ سِتُّ فَقَاراتٍ آخِرُهَا القُحْقُحُ والذَّنَبُ مُتَّصِلٌ بِهَا، وَعَنْ يَمِينِهَا وَيَسَارِهَا الجَاعِرتانِ، وَهُمَا رأْسا الْوَرِكَيْنِ اللَّذَانِ يَلِيَانِ آخِرَ فَقَارةٍ مِنْ فَقَاراتِ العَجُز، قَالَ: والفَهْقَةُ فَقارةٌ فِي أَصل الْعُنُقِ دَاخِلَةٌ فِي كُوَّةِ الدِّمَاغِ الَّتِي إِذا فُصِلَتْ أَدخل الرَّجُلُ يَدَهُ فِي مَغْرزِها فَيُخْرِجُ الدِّمَاغَ.

وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «مَا بَيْنَ عَجْبِ الذَّنَب إِلى فِقْرةِ الْقَفَا ثِنْتَانِ وَثَلَاثُونَ فِقْرَة فِي كُلِّ فِقْرَةٍ أَحد وَثَلَاثُونَ دِينَارًا»، يَعْنِي خَرَز الظَّهْرِ.

وَرَجُلٌ فَقِرٌ: يَشْتَكِي فَقارَهُ؛ قَالَ طَرَفَةُ:

وإِذا تَلْسُنُني أَلْسُنُها، ***إِنَّني لسْتُ بمَوْهونٍ فَقِرْ

وأَجود بَيْتٍ فِي الْقَصِيدَةِ يُسَمَّى فِقْرَةً، تَشْبِيهًا بفِقْرةِ الظَّهْرِ.

والفاقِرةُ: الدَّاهِيَةُ الْكَاسِرَةُ للفَقَارِ.

يُقَالُ: عَمِلَ بِهِ الفاقِرةَ أَي الداهية.

قَالَ أَبو إِسحق فِي قَوْلِهِ تعالى: {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ}؛ الْمَعْنَى تُوقِنُ أَن يُفْعَلَ بِهَا دَاهِيَةً مِنَ الْعَذَابِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ وَقَدْ جَاءَتْ أَسماء الْقِيَامَةِ وَالْعَذَابِ بِمَعْنَى الدَّوَاهِي وأَسمائها؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: الفاقِرةُ دَاهِيَةٌ تَكْسِرُ الظَّهْرِ.

والفاقِرةُ: الدَّاهِيَةُ وَهُوَ الْوَسْمُ الَّذِي يَفْقِرُ الأَنف.

وَيُقَالُ: فَقَرَتْه الفاقِرةُ أَي كَسَرَتْ فَقَارَ ظَهْرِهِ.

وَيُقَالُ أَصابته فاقِرةٌ وَهِيَ الَّتِي فَقَرَتْ فَقَارَه أَي خَرَز ظَهْرَهُ.

وأَفْقَرَك الصيدُ: أَمْكَنَك مِنْ فَقارِه أَي فارْمِه، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قَدْ قَرُبَ مِنْكَ.

وَفِي حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ: «أَفْقَر بَعْدَ مَسْلَمَةَ الصيدُ لِمَنْ رَمى»أَي أَمكن الصيدُ مِنْ فَقارِه لِرَامِيهِ؛ أَراد أَن عَمَّهُ مَسْلَمَةَ كَانَ كَثِيرَ الْغَزْوِ يَحْمي بيضةَ الإِسلام وَيَتَوَلَّى سِدادَ الثُّغُورِ، فَلَمَّا مَاتَ اخْتَلَّ ذَلِكَ وأَمكن الإِسلامُ لِمَنْ يَتَعَرَّضُ إِليه.

يُقَالُ: أَفقرك الصيدُ فارْمِه أَي أَمكنك مِنْ نَفْسِهِ.

وَذَكَرَ أَبو عُبَيْدَةَ وجوهَ العَوارِيّ وَقَالَ: أَما الإِفقارُ فأَن يُعْطِيَ الرجلُ الرجلَ دَابَّتَهُ فَيَرْكَبُهَا مَا أَحب فِي سَفَرٍ ثُمَّ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ.

ابْنُ السِّكِّيتِ: أَفْقَرْتُ فُلَانًا بَعِيرًا إِذا أَعرته بَعِيرًا يَرْكَبُ ظَهْرَهُ فِي سَفَرٍ ثُمَّ يَرُدُّهُ.

وأَفْقَرَني ناقتَه أَو بَعِيرَهُ: أَعارني ظَهْرَهُ لِلْحَمْلِ أَو لِلرُّكُوبِ، وَهِيَ الفُقْرَى عَلَى مِثَالِ العُمْرَى؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

لَهُ رَبَّةٌ قَدْ أَحْرَمَتْ حِلَّ ظَهْرِه، ***فَمَا فِيهِ لِلفُقْرَى وَلَا الحَجِّ مَزْعَمُ

وأَفقرتُ فُلَانًا نَاقَتِي أَي أَعرته فَقَارَها.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا يَمْنَعُ أَحدَكم أَن يُفْقِرَ البعيرَ مِنْ إِبله» أَي يُعيره لِلرُّكُوبِ.

يُقَالُ: أَفقر البعيرَ يُفْقِرُه إِفقارًا إِذا أَعاره، مأْخوذ مِنْ رُكُوبِ فَقارِ الظَّهْرِ، وَهُوَ خَرَزَاتُه، الْوَاحِدَةُ فَقارَة وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ: «وَمِنْ حَقِّها إِفْقارُ ظهرِها».

وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «أَنه اشْتَرَى مِنْهُ بَعِيرًا وأَفْقَره ظهرَه إِلى الْمَدِينَةِ».

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ: «سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ اسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ ثُمَّ إِنه أَفْقَر المُقْرِضَ دابتَه»، فَقَالَ: مَا أَصاب مِنْ ظَهْرِ دَابَّتِهِ فَهُوَ رِبًا.

وَفِي حَدِيثِ الْمُزَارَعَةِ: «أَفْقِرْها أَخاك»أَي أَعِرْه أَرضك لِلزِّرَاعَةِ، اسْتَعَارَهُ للأَرض مِنَ الظَّهْرِ.

وأَفْقَرَ ظهرُ المُهْرِ: حَانَ أَن يُرْكَبَ.

ومُهْر مُفْقِر: قَوِيُّ الظَّهْرِ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ.

ابْنُ شُمَيْلٍ: إِنه لَمُفْقِرٌ لِذَلِكَ الأَمر أَي مُقْرنٌ لَهُ ضَابِطٌ؛ مُفْقِرٌ لِهَذَا العَزْم وَهَذَا القِرْنِ ومُؤْدٍ سَوَاءٌ.

والمُفَقَّر مِنَ السُّيُوفِ: الَّذِي فِيهِ حُزُوز مُطَمْئِنَةٌ عَنْ مَتْنِهِ؛ يُقَالُ مِنْهُ: سَيْفٌ مُفَقَّر.

وكلُّ شَيْءٍ حُزَّ أَو أُثِّرَ فِيهِ، فَقَدْ فُقِّرَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «كَانَ اسْمُ سيف النبي، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَا الفَقَارِ»؛ شَبَّهُوا تِلْكَ الْحُزُوزَ بالفَقارِ.

قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: سُمِّي سيف النبي، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَا الفَقار لأَنه كَانَتْ فِيهِ حُفَرٌ صِغار حِسانٌ، وَيُقَالُ للحُفْرة فُقْرة، وَجَمْعُهَا فُقَر؛ وَاسْتَعَارَهُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ للرُّمْح، فَقَالَ:

فَمَا ذُو فَقارٍ لَا ضُلُوعَ لجوفِه، ***لَهُ آخِرٌ مِنْ غَيْرِهِ ومُقَدَّمُ؟

عَنَى بِالْآخِرِ والمُقَدَّم الزُّجَّ والسِّنانَ، وَقَالَ: مِنْ غَيْرِهِ لأَنهما مِنْ حَدِيدٍ، وَالْعَصَا لَيْسَتْ بِحَدِيدٍ.

والفُقْر: الْجَانِبُ، وَالْجَمْعُ فُقَر، نَادِرٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَقَدْ قِيلَ: إِن قَوْلَهُمْ أَفْقَرَكَ الصيدُ أَمكنكَ مِنْ جَانِبِهِ.

وفَقَرَ الأَرضَ وفَقَّرَها: حَفَرَهَا.

والفُقْرةُ: الحُفرة؛ ورَكِيَّة فَقِيرةٌ مَفْقُورةٌ.

والفَقِيرُ: الْبِئْرُ الَّتِي تُغْرَسُ فِيهَا الفَسِيلةُ ثُمَّ يُكْبَسُ حولَها بتُرْنُوقِ المَسِيل، وَهُوَ الطِّينُ، وبالدِّمْنِ وَهُوَ الْبَعْرُ، وَالْجَمْعُ فُقُر، وَقَدْ فَقَّرَ لَهَا تَفْقِيرًا.

الأَصمعي: الوَدِيَّة إِذا غُرِسَتْ حَفَرَ لَهَا بِئْرٌ فَغُرِسَتْ ثُمَّ كُبِسَ حَوْلَهَا بتُرْنُوق المَسِيلِ والدِّمْنِ، فَتِلْكَ الْبِئْرُ هِيَ الفَقِيرُ.

الْجَوْهَرِيُّ: الفَقِيرُ حَفِيرٌ يُحْفَرُ حَوْلَ الفَسِيلة إِذا غُرِسَتْ.

وفَقِيرُ النَّخْلَةِ: حَفِيرَةٌ تُحْفَرُ لِلْفَسِيلَةِ إِذا حُوِّلَتْ لِتُغْرَسِ فِيهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «قَالَ لِسَلْمَانَ: اذْهَبْ ففَقّر الْفَسِيلَ» أَي احْفِرْ لَهَا مَوْضِعًا تُغْرَسُ فِيهِ، وَاسْمُ تِلْكَ الْحُفْرَةِ فُقْرَةٌ وفَقِيرٌ.

والفَقِير: الْآبَارُ الْمُجْتَمِعَةُ الثَّلَاثُ فَمَا زَادَتْ، وَقِيلَ: هِيَ آبَارٌ تُحْفَرُ وَيَنْفُذُ بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ، وَجَمْعُهُ فُقُرٌ.

وَالْبِئْرُ الْعَتِيقَةُ: فَقِير، وَجَمْعُهَا فُقُر.

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «ثُمَّ جَمَعْنَا الْمَفَاتِيحَ فَتَرَكْنَاهَا فِي فَقِيرٍ مِنْ فُقُر خَيْبَرَ»؛ أي بِئْرٍ مِنْ آبَارِهَا.

وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنه كَانَ يَشْرَبُ وَهُوَ مَحْصُورٌ مِنْ فَقِيرٍ فِي دَارِهِ» أَي بِئْرٍ، وَهِيَ الْقَلِيلَةُ الْمَاءِ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَذَكَرَ إمرأَ الْقَيْسِ فَقَالَ: افْتَقَر عَنْ مَعانٍ عُورٍ أَصَحَّ بصَرٍ»، أَي فَتَحَ عَنْ مَعَانٍ غَامِضَةٍ.

وَفِي حَدِيثِ القَدَر: «قِبَلَنَا ناسٌ يتَفَقَّرون الْعِلْمِ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، بِتَقْدِيمِ الْفَاءِ عَلَى الْقَافِ، قَالَ وَالْمَشْهُورُ بِالْعَكْسِ؛ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ المتأَخرين هِيَ عِنْدِي أَصح الرِّوَايَاتِ وأَليَقها بِالْمَعْنَى، يَعْنِي أَنهم يَسْتَخْرِجُونَ غَامِضَهُ وَيَفْتَحُونَ مُغْلَقَه، وأَصله مِنْ فَقَرْتُ الْبِئْرَ إِذا حَفَرْتُهَا لِاسْتِخْرَاجِ مَائِهَا، فَلَمَّا كَانَ القَدَرِيَّةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنَ الْبَحْثِ والتَتَبُّع لِاسْتِخْرَاجِ الْمَعَانِي الْغَامِضَةِ بِدَقَائِقِ التأْويلات وَصْفَهُمْ بِذَلِكَ.

والفَقِيرُ: رَكِيَّة بِعَيْنِهَا مَعْرُوفَةٌ؛ قَالَ:

مَا لَيْلَةُ الفَقِيرِ إِلا شَيْطان، ***مجنونةٌ تُودِي بِرُوح الإِنسانْ

لأَن السَّيْرَ إِليها مُتْعِبٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلشَّيْءِ إِذا اسْتَصْعَبُوهُ: شَيْطَانٌ.

والفَقِيرُ: فَمُ القَناةِ الَّتِي تَجْرِي تَحْتَ الأَرض، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ، وَقِيلَ: الفَقِيرُ مَخْرَجُ الْمَاءِ مِنَ القَناة.

وَفِي حَدِيثِ مُحَيِّصَةَ: «أَن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْل قُتِلَ وطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَو فَقِيرٍ»؛ الفَقِيرُ: فَمُ القَناة.

والفَقْر: أَن يُحَزَّ أَنفُ الْبَعِيرِ.

وفَقَر أَنفَ الْبَعِيرِ يَفْقِرُه ويَفْقُره فَقْرًا، فَهُوَ مَفْقُورٌ وفَقِيرٌ إِذا حَزَّه بِحَدِيدَةٍ حَتَّى يَخْلُصَ إِلى الْعَظْمِ أَو قَرِيبٍ مِنْهُ ثُمَّ لَوَى عَلَيْهِ جَريرًا ليُذلِّلَ الصعبَ بِذَلِكَ ويَرُوضَه.

وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «فأَشار إِلى فَقْرٍ فِي أَنفه»أَي شِقٍّ وحَزٍّ كَانَ فِي أَنفه؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: قَدْ عَمِلَ بِهِمُ الْفَاقِرَةَ.

أَبو زَيْدٍ: الفَقْرُ إِنما يَكُونُ لِلْبَعِيرِ الضَّعِيفِ، قَالَ: وَهِيَ ثَلَاثُ فِقَرٍ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «ثلاثٌ مِنَ الفَواقِرِ»أَي الدَّوَاهِي، وَاحِدَتُهَا فاقِرَةٌ، كأَنها تَحْطِمُ فَقارَ الظَّهْرِ كَمَا يُقَالُ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ.

والفَقارُ: مَا وَقَعَ عَلَى أَنفِ الْبَعِيرِ الفَقِير مِنَ الجرِيرِ؛ قَالَ:

يَتُوقُ إِلى النَّجاءِ بفَضْلِ غَرْبٍ، ***وتَقْذَعُه الخِشَاشَةُ والفَقارُ

ابْنُ الأَعرابي: قَالَ أَبو زِيَادٍ تَكُونُ الحُرْقة فِي اللِّهْزِمَة.

أَبو زِيَادٍ: وَقَدْ يُفْقَرُ الصعْب مِنَ الإِبل ثلاثةَ أَفْقُرٍ فِي خَطْمِه، فإِذا أَراد صَاحِبُهُ أَن يُذِله وَيَمْنَعَهُ مِنْ مَرَحِه جَعَلَ الجَرِيرَ عَلَى فَقْرِه الَّذِي يَلِي مِشْفَره فَمَلَكه كَيْفَ شَاءَ، وإِن كَانَ بَيْنَ الصَّعْبِ وَالذَّلُولِ جَعَلَ الْجَرِيرَ عَلَى فَقْره الأَوسط فَتَرَيَّد فِي مِشْيَتِهِ وَاتَّسَعَ، فإِذا أَراد أَن يَنْبَسِطَ وَيَذْهَبَ بلا مؤونة عَلَى صَاحِبِهِ جَعَلَ الْجَرِيرَ عَلَى فَقْره الأَعلى فَذَهَبَ كَيْفَ شَاءَ، قَالَ: فإِذا حُزَّ الأَنف حَزًّا فَذَلِكَ الفَقْرُ، وَبَعِيرٌ مَفْقُور.

ورَوَى مُجالِدٌ عَنْ عَامِرٍ فِي قوله تعالى: {السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}؛ قَالَ الشَّعْبِيُّ: فُقرات ابْنِ آدَمَ ثلاثٌ: يَوْمُ وُلِدَ وَيَوْمُ يَمُوتُ وَيَوْمُ يَبْعَثُ حَيًّا، هِيَ الَّتِي ذِكْرِ عِيسَى [عَلَيْهِ السَّلَامُ]؛ قَالَ: وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ الفُقرات هِيَ الأُمور الْعِظَامُ جَمْعُ فُقْرة، بِالضَّمِّ، كَمَا قِيلَ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: استَحَلُّوا الفُقَر الثلاثَ: حُرْمة الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَحُرْمَةُ الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَحُرْمَةُ الْخِلَافَةِ؛ قَالَ الأَزهري: وَرَوَى الْقُتَيْبِيُّ قَوْلُ" عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي عُثْمَانَ: المركوبُ مِنْهُ الفِقَرُ الأَربع "، بِكَسْرِ الْفَاءِ، وَقَالَ: الفِقَر خَرَزَات الظَّهْرِ، الْوَاحِدَةُ فِقْرَة؛ قَالَ: وضَربتْ فِقَرَ الظَّهْرِ مَثَلًا لِمَا ارْتُكِبَ مِنْهُ لأَنها مَوْضِعُ الرُّكُوبِ، وأَرادت أَنه رُكِبَ مِنْهُ أَربعُ حُرَمٍ عِظَامٍ تَجِبُ لَهُ بِهَا الحقوقُ فَلَمْ يَرْعَوْها وَانْتَهَكُوهَا، وَهِيَ حُرْمَتُهُ بِصُحْبَةِ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَصَهَرِهِ وَحُرْمَةُ الْبَلَدِ وَحُرْمَةُ الْخِلَافَةِ وَحُرْمَةُ الشَّهْرِ الْحَرَامِ.

قَالَ الأَزهري: وَالرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ الفُقَر الثلاثُ، بِضَمِّ الْفَاءِ، عَلَى مَا فَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي وأَبو الْهَيْثَمِ، وَهُوَ الأَمر الشَّنِيعُ الْعَظِيمُ، وَيُؤَيِّدُ قَوْلُهُمَا مَا قَالَهُ الشَّعْبِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَقَوْلِهِ: فُقراتُ ابْنِ آدَمَ ثَلَاثٌ.

وَرَوَى أَبو الْعَبَّاسِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ: الْبَعِيرُ يُقْرَمُ أَنفه، وَتِلْكَ القُرْمَة يُقَالُ لَهَا الفُقْرَة، فإِن لَمْ يَسْكُنْ قُرِمَ أُخرى ثُمَّ ثَالِثَةً؛ قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ" عَائِشَةَ فِي عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: بَلَغْتُم مِنْهُ الفُقَرَ الثَّلَاثَ، وَفِي رِوَايَةٍ: اسْتَعْتَبْتُمُوهُ ثُمَّ عَدَوْتُمْ عَلَيْهِ الفُقَرَ الثلاثَ.

قَالَ أَبو زَيْدٍ: وَهَذَا مَثَلٌ، تَقُولُ: فَعَلْتُمْ به كفعلكم هذا الْبَعِيرِ الَّذِي لَمْ تُبْقُوا فِيهِ غَايَةً؛ " أَبو عُبَيْدٍ: الفَقِير لَهُ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ، يُقَالُ: نَزَلْنَا ناحيةَ فَقِير بَنِي فُلَانٍ، يَكُونُ الْمَاءُ فِيهِ هَاهُنَا رَكِيَّتان لِقَوْمٍ فَهُمْ عَلَيْهِ، وَهَاهُنَا ثَلَاثٌ وَهَاهُنَا أَكثر فَيُقَالُ: فَقِيرُ بَنِي فُلَانٍ أَي حِصَّتُهُمْ مِنْهَا كَقَوْلِهِ:

تَوَزَّعْنا فَقِيرَ مِياهِ أُقْرٍ، ***لكلِّ بَنِي أَبٍ فِيهَا فَقِيرُ

فَحِصَّةُ بعضِنا خَمْسٌ وسِتٌّ، ***وحِصَّةُ بعضِنا مِنْهُنَّ بِيرُ

وَالثَّانِي أَفواه سَقْفِ القُنِيّ؛ وأَنشد:

فَوَرَدَتْ، والليلُ لَمَّا يَنْجَلِ، ***فَقِيرَ أَفْواهِ رَكِيَّاتِ القُني

وَقَالَ اللَّيْثُ: يَقُولُونَ فِي النِّضال أُراميك مِنْ أَدنى فِقْرةٍ وَمِنْ أَبعد فِقْرة أَي مِنْ أَبعد مَعْلَمٍ يَتَعَلَّمُونَهُ مِنْ حفِيرة أَو هَدَف أَو نَحْوِهِ.

قَالَ: والفُقْرة حُفْرة فِي الأَرض.

وأَرض مُتَفَقِّرة: فِيهَا فُقَرٌ كَثِيرَةٌ.

ابْنُ سِيدَهْ: والفِقْرَةُ العَلم مِنْ جَبَلٍ أَو هَدَفٍ أَو نَحْوِهِ.

ابْنُ المُظَفَّر فِي هَذَا الْبَابِ: التَّفْقِير فِي رِجْل الدَّوَابِّ بياضٌ مَخَالِطٌ للأَسْؤُقِ إِلى الرُّكَبِ، شَاةٌ مُفَقَّرة وَفَرَسٌ مُفَقَّر؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا عِنْدِي تَصْحِيفٌ وَالصَّوَابُ بِهَذَا الْمَعْنَى التَّقْفِيزُ، بِالزَّايِ وَالْقَافِ قَبْلَ الْفَاءِ، وسيأْتي ذِكْرُهُ.

وفَقَرَ الخَرَزَ: ثَقَبه للنَّظْم؛ قَالَ:

غَرائِرُ فِي كِنٍّ وصَوْنٍ ونَعْمةٍ، ***يُحَلَّيْنَ ياقُوتًا وشَذْرًا مُفَقَّرا

قَالَ الأَزهري: وَهُوَ مأْخوذ مِنَ الفَقارِ.

وفُقْرَةُ الْقَمِيصِ: مَدْخَلُ الرأْس مِنْهُ.

وأَفْقَرَكَ الرَّمْيُ: أَكْثَبَك.

وَهُوَ مِنْكَ فُقْرَةً أَي قريبٌ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

راميتُ شَيْبي، كِلانا مُوضِعٌ حِجَجًا ***سِتِّينَ، ثُمَّ ارْتَمَيْنا أَقربَ الفُقَرِ

والفَقُرَة: نَبْتٌ، وَجَمْعُهَا فَقُرٌ؛ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَلَا يُكَسَّرُ لِقِلَّةِ فَعُلَةٍ فِي كَلَامِهِمْ وَالتَّفْسِيرُ لِثَعْلَبٍ، وَلَمْ يحكِ الفَقُرَة إِلا سِيبَوَيْهِ ثُمَّ ثَعْلَبٌ.

ابْنُ الأَعرابي: فُقُورُ النَّفْس وشُقُورُها هَمُّها، وَوَاحِدُ الفُقُورِ فَقْر.

وَفِي حَدِيثِ الإِيلاء" عَلَى فَقِيرٍ مِنْ خَشَب، فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بأَنه جِذْعٌ يُرْقى عَلَيْهِ إِلى غُرْفة أَي جُعِلَ فِيهِ كالدَّرَج يُصْعَدُ عَلَيْهَا وَيُنْزَلُ، قَالَ ابْنُ الأَثير: «والمعروف نَفِير»، بالنون، أَي منقور.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


52-لسان العرب (مسر)

مسر: مَسَرَ الشيءَ يَمْسُرُه مَسْرًا: اسْتَخْرَجَهُ مِنْ ضِيقٍ، والمَسْرُ فِعْلُ الماسِرِ.

ومَسَرَ الناسَ يَمْسُرُهُمْ مَسْرًا: غَمزَ بِهِمْ.

وَيُقَالُ: هُوَ يَمْسُرُ الناسَ أَي يُغْرِيهِمْ.

ومَسَرْتُ بِهِ ومَحَلْتُ بِهِ أَي سَعَيْتُ بِهِ.

والماسِرُ: الساعِي.

مستفشر: مِنَ الْمُعَرَّبِ: المُسْتَفْشارُ، وَهُوَ العسَل المعتَصَرُ بالأَيدي إِذا كَانَ يَسِيرًا، وإِن كَانَ كَثِيرًا فبالأَرجل؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَجَّاجِ فِي كِتَابِهِ إِلى بَعْضِ عُمَّالِهِ بِفَارِسَ: أَن ابْعَثْ إِليّ بعَسَلٍ مِنْ عسَلِ خُلَّار، مِنَ النحْلِ الأَبْكار، مِنَ المُسْتفْشار، الَّذِي لَمْ تمسَّه نَارٌ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


53-لسان العرب (رتع)

رتع: الرَّتْعُ: الأَكل وَالشُّرْبُ رَغَدًا فِي الرِّيف، رَتَعَ يَرْتَعُ رَتْعًا ورُتوعًا ورِتاعًا، وَالِاسْمُ الرَّتْعةُ والرَّتَعةُ.

يُقَالُ: خَرَجْنَا نَرْتَعُ ونَلْعب أَي نَنْعَم ونَلْهُو.

وَفِي حَدِيثِ أُمّ زَرْع: «فِي شِبَعٍ ورِيٍّ ورَتْعٍ»؛ أي تَنَعُّمٍ.

وَقَوْمٌ مُرْتِعُون: راتِعُون إِذا كَانُوا مَخاصِيبَ، وَالْمَوْضِعُ مَرْتَعٌ، وكلُّ مُخْصِب مُرْتِع.

ابْنُ الأَعرابي: الرَّتْع الأَكل بشَرَهٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذا مَرَرْتُم بِرياضِ الْجَنَّةِ فارْتَعُوا»؛ أَراد بِرياض الْجَنَّةِ ذِكر اللَّهِ، وشبَّه الخَوْضَ فِيهِ بالرَّتْع فِي الخِصْب.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ إِخوة يُوسُفَ: أَرْسِلْهُ مَعَنا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ؛ أَي يَلْهُو ويَنْعَم، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَسْعَى وينْبَسِط، وَقِيلَ: مَعْنَى يَرتَع يأْكل؛ واحتج بقوله:

وحَبِيبٌ لِي إِذا لاقَيْتُه، ***وإِذا يَخْلو لَهُ لَحْمِي رَتَعْ

مَعْنَاهُ أَكله، وَمَنْ قرأَ نَرتع، بِالنُّونِ، أَراد نَرْتَعْ.

قَالَ الْفَرَّاءُ: يَرْتَعْ، الْعَيْنُ مَجْزُومَةٌ لَا غَيْرَ، لأَن الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ أَرسله معرفة وغَدًا مَعْرِفَةٌ وَلَيْسَ فِي جَوَابِ الأَمر وَهُوَ يَرْتَعْ إِلَّا الْجَزْمُ؛ قَالَ: وَلَوْ كَانَ بدل المعرفة نكرة كقولك أَرسل رَجُلًا يَرتع جَازَ فِيهِ الرَّفْعُ وَالْجَزْمُ كَقَوْلِهِ تعالى: {ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، ويقاتلُ، الْجَزْمُ لأَنه جَوَابُ الشَّرْطِ، وَالرَّفْعُ عَلَى أَنها صِلَةٌ لِلْمَلِكِ كأَنه قَالَ ابْعَثْ لَنَا الَّذِي يُقَاتِلُ.

والرتْعُ: الرَّعيُ فِي الخِصْبِ.

قَالَ: وَمِنْهُ حَدِيثُ" الغَضْبان الشَّيْباني مَعَ الحَجّاج أَنه قَالَ لَهُ: سَمِنْتَ يَا غَضْبان فَقَالَ: الخَفْضُ والدَّعَةُ، والقَيْدُ والرَّتَعَة، وقِلّة التَّعْتَعة، وَمَنْ يَكُنْ ضَيْفَ الأَمير يَسْمَن "؛ الرَّتَعَة: الِاتِّسَاعُ فِي الْخِصْبِ.

قَالَ أَبو طَالِبٍ: سَمَاعِيٌّ مِنْ أَبي عَنِ الِفَرَّاءِ والرَّتَعةُ مُثَقّل؛ قَالَ: وَهُمَا لُغَتَانِ: الرتَعة والرتْعة؛ بِفَتْحِ التَّاءِ وَسُكُونِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: هُوَ يَرْتَع أَي أَنه فِي شَيْءٍ كَثِيرٍ لَا يُمْنع مِنْهُ فَهُوَ مُخْصِب.

قَالَ أَبو طَالِبٍ: وأَوّل مَنْ قَالَ القَيْدُ والرتعةُ عَمْرُو بْنُ الصَّعِق بْنِ خُوَيْلد بْنِ نُفَيْل بْنِ عَمْرِو بْنِ كِلاب، وَكَانَتْ شاكرٌ مِنْ هَمْدان أَسَرُوه فأَحسنوا إِليه ورَوَّحُوا عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ يومَ فارَق قومَه نَحِيفًا فهرَب مِنْ شَاكِرٍ فَلَمَّا وَصَلَ إِلى قَوْمِهِ قَالُوا: أَيْ عَمرُو خَرجت مِنْ عِنْدِنَا نَحِيفًا وأَنت الْيَوْمَ بادِنٌ فَقَالَ: القيدُ والرَّتعةُ، فأَرسلها مَثَلًا.

وَقَوْلُهُمْ: فُلَانٌ يَرْتع، مَعْنَاهُ هُوَ مُخْصِب لَا يَعْدَم شَيْئًا يُرِيدُهُ.

ورتَعَت الماشِيَةُ تَرْتَع رَتْعًا ورُتُوعًا: أَكلت مَا شَاءَتْ وَجَاءَتْ وَذَهَبَتْ فِي المَرْعَى نَهَارًا، وأَرْتَعْتُها أَنا فَرَتَعت.

قَالَ: والرَّتْع لَا يَكُونُ إِلا فِي الخِصْب وَالسَّعَةِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عُمَرَ: إِني وَاللَّهِ أُرْتِعُ فأُشْبِعُ "؛ يُرِيدُ حُسْن رِعايَتِه للرَّعِيَّة وأَنه يَدَعُهم حَتَّى يَشْبَعُوا فِي المَرْتع.

وماشِيةٌ رُتَّعٌ ورُتُوع ورَواتِعُ وَرِتاعٌ، وأَرْتَعَها: أَسامها.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ زِمْلٍ: «فَمِنْهُمُ المُرْتِع»؛ أي الَّذِي يُخَلِّي رِكابَه تَرْتَع.

وأَرْتَع الغيْثُ أَي أَنْبت مَا تَرْتَع فِيهِ الإِبل.

وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ: «اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثًا مُرْبِعًا مُرْتِعًا»أَي يُنْبِت مِنَ الكَلإِ مَا تَرْتع فِيهِ المَواشِي وتَرعاه، وَقَدْ أَرْتَعَ المالَ وأَرْتَعَتِ الأَرضُ.

وغَيث مُرْتِع: ذُو خِصب.

ورَتَع فُلَانٌ فِي مَالِ فُلَانٍ: تَقلَّب فِيهِ أَكلًا وَشُرْبًا، وإِبل رِتاع.

وأَرْتَعَ القومُ: وَقَعُوا فِي خِصب ورَعَوْا.

وَقَوْمٌ رَتِعُون مُرْتِعُون، وَهُوَ عَلَى النَّسَبِ كَطَعِم، وَكَذَلِكَ كَلأٌ رَتِع؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي فَقْعس الأَعرابي فِي صِفَةِ كلإٍ: خَضِعٌ مَضِعٌ ضَافٍ رَتِعٌ، أَراد خَضِع مَضِغ، فَصَيَّرَ الْغَيْنَ عَيْنًا مُهْمَلَةً لأَن قَبْلَهُ خَضِع وَبَعْدَهُ رتِع، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا كَثِيرًا.

وأَرْتعتِ الأَرضُ: كَثُرَ كَلَؤها.

وَاسْتَعْمَلَ أَبو حَنِيفَةَ المَراتِع فِي النَّعم.

والرَّتَّاعُ: الَّذِي يَتَتَبَّعُ بإِبله المَراتِع المخْصِبة.

وَقَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ أَتَيْت عَلَى أَرض مُرْتِعة وَهِيَ الَّتِي قَدْ طَمِعَ مالُها فِي الشِّبع.

وَالَّذِي فِي الْحَدِيثِ: «أَنه مَنْ يَرْتَع حَوْل الحِمى يُوشِك أَن يُخالِطه» أَي يَطُوفُ به ويَدُور حولَه.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


54-لسان العرب (سمع)

سمع: السَّمْعُ: حِسُّ الأُذن.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ خَلا لَهُ فَلَمْ يَشْتَغِلْ بِغَيْرِهِ؛ وَقَدْ سَمِعَه سَمْعًا وسِمْعًا وسَماعًا وسَماعةً وسَماعِيةً.

قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ السَّمْعُ الْمَصْدَرُ، والسِّمع: الِاسْمُ.

والسَّمْعُ أَيضًا: الأُذن، وَالْجَمْعُ أَسْماعٌ.

ابْنُ السِّكِّيتِ: السَّمْعُ سَمْعُ الإِنسان وَغَيْرِهِ، يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا؛ وأَما قَوْلُ الْهُذَلِيِّ:

فلمَّا رَدَّ سامِعَه إِليه، ***وجَلَّى عَنْ عَمايَتِه عَماهُ

فإِنه عَنَى بالسامِع الأُذن وَذَكَّرَ لِمَكَانِ العُضْو، وسَمَّعه الْخَبَرَ وأَسْمعه إِيّاه.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ}؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: اسْمَعْ لَا سَمِعْتَ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا}؛ أَي مَا تُسمع إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِهَا، وأَراد بالإِسماعِ هَاهُنَا الْقَبُولَ وَالْعَمَلَ بِمَا يَسْمَعُ، لأَنه إِذا لَمْ يَقْبَلُ وَلَمْ يَعْمَلْ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ.

وسَمَّعَه الصَّوْتَ وأَسمَعه: اسْتَمَعَ لَهُ.

وتسَمَّع إِليه: أَصْغى، فإِذا أَدْغَمْت قُلْتَ اسَّمَّعَ إِليه، وَقُرِئَ: لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى".

يُقَالُ تَسَمَّعت إِليه وسَمِعْتُ إِليه وسَمِعْتُ لَهُ، كُلُّهُ بِمَعْنًى لأَنه تَعَالَى قَالَ: لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ، وقرئ: لا يَسْمَعُون إِلى الملإِ الأَعلى "، مُخَفَّفًا.

والمِسْمَعةُ والمِسْمَعُ والمَسْمَعُ؛ الأَخيرة عَنِ ابْنِ جَبَلَةَ: الأُذن، وَقِيلَ: المَسْمَعُ خَرْقُها الَّذِي يُسْمَعُ بِهِ ومَدْخَلُ الْكَلَامِ فِيهَا.

يُقَالُ: فُلَانٌ عَظِيمُ المِسْمَعَيْن والسامِعَتَيْنِ.

والسامِعتانِ: الأُذنان مِنْ كُلِّ شَيْءِ ذِي سَمْعٍ.

والسامِعةُ: الأُذن؛ قَالَ طَرَفَةُ يَصِفُ أُذن نَاقَتِهِ:

مُؤَلَّلتانِ تَعْرِفُ العِتْقَ فِيهِمَا، ***كَسامِعَتَيْ شاةٍ بحَومَلَ مُفْرَدِ

وَيُرْوَى: وسامِعتانِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «ملأَ اللهُ مَسامِعَه»؛ هِيَ جَمْعُ مِسْمع وَهُوَ آلةُ السَّمع أَو جَمْعُ سَمْعٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كمَشابِهَ ومَلامِحَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" أَبي جَهْلٍ: إِنَّ مُحَمَّدًا نَزَلَ يَثْرِبَ وإِنه حَنِقَ عَلَيْكُمْ نَفَيْتُموه نَفْي القُراد عَنِ المَسامِع "، يَعْنِي عَنِ الْآذَانِ، أَي أَخرجتموه مِنْ مَكَّةَ إِخراج استِئْصالٍ لأَن أَخذ الْقُرَادِ عَنِ الدَّابَّةِ قلعُه بِالْكُلِّيَّةِ، والأُذن أَخَفُّ الأَعضاء شعَرًا بَلْ أَكثرها لَا شعَر عَلَيْهِ، فَيَكُونُ النَّزْعُ مِنْهَا أَبلغ.

وَقَالُوا: هُوَ مِنِّي مَرأًى ومَسْمَعٌ، يرفع وَيُنْصَبُ، وَهُوَ مِني بمَرأًى ومَسْمَعٍ.

وَقَالُوا: ذَلِكَ سَمْعَ أُذُني وسِمْعَها وسَماعَها وسَماعَتَها أَي إِسْماعَها؛ قَالَ:

سَماعَ اللهِ والعُلَماءِ أَنِّي ***أَعُوذُ بخَيْرِ خالِك، يَا ابنَ عَمْرِو

أَوقَعَ الِاسْمَ مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ كأَنه قَالَ إِسماعًا كَمَا قَالَ: وبَعْدَ عَطائِك المائةَ الرِّتاعا "أَي إِعطائِك.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: وإِن شِئْتَ قُلْتَ سَمْعًا، قَالَ ذَلِكَ إِذا لَمْ تَخْتَصِصْ نفْسَك.

وَقَالَ اللحْيَانِيُّ: سَمْعُ أُذني فُلَانًا يَقُولُ ذَلِكَ، وسِمْعُ أُذني وسَمْعةُ أُذني فَرَفَعَ فِي كُلِّ ذَلِكَ.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا أَخذت ذَلِكَ عَنْهُ سَماعًا وسَمْعًا، جاؤوا بِالْمَصْدَرِ عَلَى غَيْرِ فِعْلِهِ، وَهَذَا عِنْدَهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ، وتَسامَعَ بِهِ النَّاسُ.

وَقَوْلُهُمْ: سَمْعَكَ إِليَّ أَي اسْمَعْ مِني، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: سَماعِ أَي اسْمَعْ مِثْلُ دَراكِ ومَناعِ بِمَعْنَى أَدْرِكْ وامْنَعْ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: " فسَماعِ أَسْتاهَ الكِلابِ سَماعِ "قَالَ: وَقَدْ تأْتي سَمِعْتُ بِمَعْنَى أَجَبْتُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه أَي أَجاب حَمْده وَتَقَبَّلَهُ.

يُقَالُ: اسْمَعْ دُعائي أَي أَجِبْ لأَن غَرَضَ السَّائِلِ الإِجابةُ والقَبُولُ؛ وَعَلَيْهِ مَا أَنشده أَبو زَيْدٍ:

دَعَوْتُ اللهَ، حَتَّى خِفْتُ أَن لَا ***يكونَ اللهُ يَسْمَعُ مَا أَقولُ

وَقَوْلُهُ: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ "أَي مَا أَبْصَرَه وَمَا أَسْمَعَه عَلَى التَّعَجُّبِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ إِني أَعوذ بِكَ مِنْ دُعاء لَا يُسْمعُ»أَي لَا يُستجاب وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ فكأَنه غَيْرُ مَسْموع؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «سَمِعَ سامِعٌ بحمدِ اللهِ وحُسْنِ بَلَائِهِ عَلَيْنَا أَي لِيَسْمَعِ السامِعُ ولِيَشْهَدِ الشاهِدُ حَمْدَنا اللهَ تَعَالَى عَلَى مَا أَحسَن إِلينا وأَوْلانا مِنْ نِعَمِهِ، وحُسْنُ الْبَلَاءِ النِّعْمةُ والاخْتِبارُ بِالْخَيْرِ لِيَتَبَيَّنَ الشُّكْرُ، وَبِالشَّرِّ لِيَظْهَرَ الصَّبْرُ».

وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبْسة قَالَ لَهُ: «أَيُّ الساعاتِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفُ الليلِ الآخِرُ»؛ أي أَوْفَقُ لِاسْتِمَاعِ الدُّعَاءِ فِيهِ وأَوْلى بِالِاسْتِجَابَةِ وَهُوَ مِنْ بَابِ نهارُه صَائِمٌ وَلَيْلُهُ قَائِمٌ.

وَمِنْهُ حَدِيثُ الضَّحَّاكِ: لَمَّا عُرِضَ عَلَيْهِ الإِسلام قَالَ: فسمعتُ مِنْهُ كَلَامًا لَمْ أَسْمَعْ قَطُّ قَوْلًا أَسْمَعَ مِنْهُ "؛ يُرِيدُ أَبْلَغَ وأَنْجَعَ فِي الْقَلْبِ.

وَقَالُوا: سَمْعًا وَطَاعَةً، فَنَصَبُوهُ عَلَى إِضْمار الْفِعْلِ غَيْرِ" الْمُسْتَعْمَلِ إِظهاره، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْفَعُهُ أَي أَمري ذَلِكَ وَالَّذِي يُرْفَعُ عَلَيْهِ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ إِظهاره كَمَا أَنّ الَّذِي يُنْصَبُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ.

وَرَجُلٌ سَمِيعٌ: سامِعٌ، وعَدَّوْه فَقَالُوا: هُوَ سَمِيعٌ قوْلَكَ وقَوْلَ غيرِك.

وَالسَّمِيعُ: مِنْ صِفَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وأَسمائه لَا يَعْزُبُ عَنْ إِدْراكِه مَسْمُوعٌ، وإِن خَفِيَ، فَهُوَ يَسْمَعُ بِغَيْرِ جَارِحَةٍ.

وفَعِيلٌ: مِنْ أَبْنِيةِ المُبالغة.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَكانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا، وَهُوَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُه كُلَّ شَيْءٍ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها}، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى}؛ قَالَ الأَزهري: وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْمٍ فسَّروا السميعَ بِمَعْنَى المُسْمِع فِرارًا مِنْ وَصْفِ اللهِ بأَن لَهُ سَمْعًا، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ الْفِعْلَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ كِتَابِهِ، فَهُوَ سَمِيعٌ ذُو سَمْعٍ بِلَا تَكيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ بِالسَّمْعِ مِنْ خَلْقِهِ وَلَا سَمْعُه كسَمْعِ خَلْقِهِ، وَنَحْنُ نَصِفُ اللهَ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ بِلَا تَحْدِيدٍ وَلَا تَكْيِيفٍ، قَالَ: وَلَسْتُ أُنكر فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَن يَكُونَ السَّمِيعُ سامِعًا وَيَكُونُ مُسْمِعًا؛ وَقَدْ قَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ:

أَمِنْ رَيْحانةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ***يُؤَرِّقُني، وأَصحابي هُجُوعُ؟

فَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ بِمَعْنَى المُسْمِعِ وَهُوَ شَاذٌّ، وَالظَّاهِرُ الأَكثر مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ أَن يَكُونَ السميعُ بِمَعْنَى السامِعِ مِثْلَ علِيمٍ وعالِم وقدِير وقادِرٍ.

ومُنادٍ سَمِيعٌ: مُسْمِعٌ كَخَبِيرٍ ومُخْبر؛ وأُذن سَمْعةٌ وسَمَعَةٌ وسَمِعةٌ وسَمِيعةٌ وسامِعةٌ وسَمّاعةٌ وسَمُوعةٌ.

والسَّمِيع: المَسْمُوعُ أَيضًا.

والسَّمْعُ: مَا وَقَر فِي الأُذن مِنْ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ.

وَيُقَالُ: ساءَ سَمْعًا فأَساءَ إِجابةً أَي لَمْ يَسْمَعْ حسَنًا.

وَرَجُلٌ سَمّاعٌ إِذا كَانَ كَثِيرَ الِاسْتِمَاعِ لِمَا يُقال ويُنْطَقُ بِهِ.

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ}، فُسّر قَوْلُهُ {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَنهم يَسْمَعُونَ لِكَيْ يُكَذِّبُوا فِيمَا سَمِعُوا، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنهم يَسْمَعُونَ الْكَذِبَ لِيُشِيعُوهُ فِي النَّاسِ، وَاللَّهُ أَعلم بِمَا أَراد.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ}، فَمَعْنَى خَتَمَ طَبَع عَلَى قُلُوبِهِمْ بِكُفْرِهِمْ وَهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ وَيُبْصِرُونَ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا هَذِهِ الْحَوَاسَّ اسْتِعْمَالًا يُجْدِي عَلَيْهِمْ فَصَارُوا كَمَنْ لَمْ يَسْمَعْ وَلَمْ يُبْصِرْ وَلَمْ يَعْقِلْ كَمَا قَالُوا: أَصَمّ عَمّا ساءَه سَمِيع وَقَوْلُهُ عَلَى سَمْعِهم فَالْمُرَادُ مِنْهُ عَلَى أَسماعهم، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوجه: أَحدها أَن السَّمْعَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ يُوَحَّدُ وَيُرَادُ بِهِ الْجَمْعُ لأَن الْمَصَادِرَ لَا تُجْمَعُ، وَالثَّانِي أَن يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى مَوَاضِعِ سَمْعِهِمْ فَحُذِفَتِ الْمَوَاضِعُ كَمَا تَقُولُ هُمْ عَدْل أَي ذَوُو عَدْلٍ، وَالثَّالِثُ أَن تَكُونَ إِضافته السَّمْعَ إِليهم دَالًا عَلَى أَسماعِهم كَمَا قَالَ: فِي حَلْقِكُم عَظْمٌ وَقَدْ شَجِينا "مَعْنَاهُ فِي حُلوقكم، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَجَمْعُ الأَسْماعِ أَسامِيعُ.

وَحَكَى الأَزهري عَنْ أَبي زَيْدٍ: وَيُقَالُ لِجَمِيعِ خُرُوقِ الإِنسان عَيْنَيْهِ ومَنْخِرَيْهِ واسْتِه مَسامِعُ لَا يُفْرَدُ وَاحِدُهَا.

قَالَ الليْثُ: يُقَالُ سَمِعَتْ أُذُني زَيْدًا يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا أَي أَبْصَرْتُه بِعَيْنِي يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ قَالَ الأَزهري: لَا أَدري مِنْ أَين جَاءَ اللَّيْثُ بِهَذَا الْحَرْفِ وَلَيْسَ مِنْ مَذَاهِبِ الْعَرَبِ أَن يَقُولَ الرَّجُلُ سَمِعَتْ أُذُني بِمَعْنَى أَبْصَرَتْ عَيْنِي، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي كَلَامٌ فَاسِدٌ وَلَاآمَنُ أَن يَكُونَ ولَّدَه أَهل البِدَع والأَهواء.

والسِّمْعُ والسَّمْعُ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، والسَّماعُ، كُلُّهُ: الذِّكْرُ المَسْمُوعُ الحسَن الجميلُ؛ قَالَ:

أَلا يَا أُمَّ فارِعَ لَا تَلُومِي ***عَلَى شيءٍ رَفَعْتُ بِهِ سَماعي

وَيُقَالُ: ذَهَبَ سمْعُه فِي النَّاسِ وصِيتُه أَي ذِكْرُهُ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هَذَا أَمر ذُو سِمْع وَذُو سَماع إِمّا حسَنٌ وإِمَّا قَبِيحٌ.

وَيُقَالُ: سَمَّعَ بِهِ إِذا رَفَعَه مِنَ الخُمول ونَشَرَ ذِكْرَه.

والسَّماعُ: مَا سَمَّعْتَ بِهِ فَشَاعَ وتُكُلِّمَ بِهِ.

وكلُّ مَا الْتَذَّتْهُ الأُذن مِنْ صَوْتٍ حَسَنٍ سَمَاعٌ.

والسَّماعُ: الغِناءُ.

والمُسْمِعةُ: المُغَنِّيةُ.

وَمِنْ أَسماء القيدِ المُسْمِعُ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:

ومُسْمِعَتانِ وزَمَّارةٌ، ***وظِلٌّ مَدِيدٌ، وحِصْنٌ أَنِيق

فَسَّرَهُ فَقَالَ: المُسْمِعَتانِ القَيْدانِ كأَنهما يُغَنِّيانه، وأَنث لأَنّ أَكثر ذَلِكَ للمرأَة.

والزَّمّارةُ: السّاجُور.

وَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلى عَامِلٍ لَهُ أَن ابْعَثْ إِليّ فُلَانًا مُسَمَّعًا مُزَمَّرًا "أَي مُقَيَّدًا مُسَوْجَرًا، وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى التَّشْبِيهِ.

وفَعَلْتُ ذلك تَسْمِعَتَك وتَسْمِعةً لَكَ أَي لِتَسْمَعَه؛ وَمَا فعَلْت ذَلِكَ رِياءً وَلَا سَمْعةً ولا سُمْعةً.

وسَمَّعَ بِهِ: أَسمَعَه القبيحَ وشَتَمَه.

وتَسامَعَ بِهِ الناسُ وأَسمَعَه الحديثَ وأَسمَعَه أَي شتَمه.

وسَمَّعَ بِالرَّجُلِ: أَذاعَ عَنْهُ عَيْبًا ونَدَّدَ بِهِ وشَهَّرَه وفضَحَه، وأَسمَعَ الناسَ إِياه.

قَالَ الأَزهري: وَمِنَ التَّسْمِيعِ بِمَعْنَى الشَّتْمِ وإِسماع الْقَبِيحِ قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَمَّعَ بِعَبْدٍ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ.

أَبو زَيْدٍ: شَتَّرْتُ بِهِ تَشْتِيرًا، ونَدَّدْتُ بِهِ، وسَمَّعْتُ بِهِ، وهَجَّلْتُ بِهِ إِذا أَسْمَعْتَه القبيحَ وشَتَمْتَه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ سَمَّعَ الناسَ بعَمَلِه سَمَّعَ اللهُ بِهِ سامِعُ خَلْقِه وحَقَّرَه وصَغَّرَه، وَرُوِيَ: أَسامِعَ خَلْقِه»، فَسامِعُ خَلْقه بَدَلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَكُونُ صِفَةً لأَنَّ فِعْله كلَّه حالٌ؛ وَقَالَ الأَزهري: مَنْ رَوَاهُ سامِعُ خَلْقِهِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ، أَراد سَمَّعَ اللهُ سامِعُ خَلْقِهِ بِهِ أَي فضَحَه، وَمَنْ رَوَاهُ أَسامِعَ خَلْقِه، بِالنَّصْبِ، كَسَّرَ سَمْعًا عَلَى أَسْمُع ثُمَّ كسَّر أَسْمُعًا عَلَى أَسامِعَ، وَذَلِكَ أَنه جَعَلَ السَّمْعَ اسْمًا لَا مَصْدَرًا وَلَوْ كَانَ مَصْدَرًا لَمْ يَجْمَعْهُ، يُرِيدُ أَن اللَّهَ يُسْمِع أَسامِعَ خَلْقِهِ بِهَذَا الرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ: أَراد مَنْ سَمَّع الناسَ بِعَمَلِهِ سَمَّعه اللَّهُ وأَراه ثَوَابَهُ مِنْ غَيْرِ أَن يُعْطِيَهُ، وَقِيلَ: مَنْ أَراد بِعَمَلِهِ النَّاسَ أَسمعه اللَّهُ النَّاسَ وَكَانَ ذَلِكَ ثَوَابُهُ، وَقِيلَ: مَنْ أَراد أَن يَفْعَلَ فِعْلًا صَالِحًا فِي السِّرِّ ثُمَّ يُظْهِرَهُ لِيَسْمَعَهُ النَّاسُ وَيُحْمَدَ عَلَيْهِ فإِن اللَّهَ يُسْمِعُ بِهِ وَيُظْهِرُ إِلى النَّاسِ غَرَضَه وأَن عَمَلَهُ لَمْ يَكُنْ خَالِصًا، وَقِيلَ: يُرِيدُ مَنْ نَسَبَ إِلى نَفْسِهِ عَمَلًا صَالِحًا لَمْ يَفْعَلْهُ وَادَّعَى خَيْرًا لَمْ يَصْنَعْهُ فإِن اللَّهَ يَفْضَحُه وَيُظْهِرُ كَذِبَهُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «إِنما فَعَله سُمْعةً وَرِيَاءً أَي لِيَسْمَعَه الناسُ ويَرَوْه؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «قِيلَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ لِمَ لَا تُكَلِّمُ عُثْمَانَ؟ قَالَ: أَتُرَوْنَني أُكَلِّمُه سَمْعكُم أَي بِحَيْثُ تَسْمَعُونَ».

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ جُنْدُبٍ البَجَلِيّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَمَّعَ يُسَمِّعُ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرائي يُرائي اللهُ بِهِ.

وسَمِّع بِفُلَانٍ أَي ائْتِ إِليه أَمرًا يُسْمَعُ بِهِ ونوِّه بِذِكْرِهِ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

وسَمَّعَ بِفُلَانٍ فِي النَّاسِ: نَوَّه بِذِكْرِهِ.

والسُّمْعةُ: مَا سُمِّعَ بِهِ مِنْطَعَامٍ أَو غَيْرِ ذَلِكَ رِياء ليُسْمَعَ ويُرى، وَتَقُولُ: فَعَلَهُ رِياءً وَسُمْعَةً أَي لِيَرَاهُ النَّاسُ وَيَسْمَعُوا بِهِ.

والتسْمِيعُ: التشْنِيعُ.

وامرأَة سُمْعُنَّةٌ وسِمْعَنَّةٌ وسِمْعَنَةٌ، بِالتَّخْفِيفِ؛ الأَخيرة عَنْ يَعْقُوبَ، أَي مُسْتَمِعةٌ سَمّاعةٌ؛ قَالَ:

إِنَّ لَكُمْ لَكَنّهْ ***مِعَنّةً مِفَنّهْ

سِمْعَنّةً نِظْرَنّهْ ***كالرِّيحِ حَوْلَ القُنّهْ

إِلَّا تَرَهْ تَظَنّهْ وَيُرْوَى: كَالذِّئْبِ وسْطَ العُنّهْ والمِعَنّةُ: المعترضةُ.

والمِفَنَّةُ: الَّتِي تأْتي بفُنُونٍ مِنَ الْعَجَائِبِ، وَيُرْوَى: سُمْعُنَّةً نُظْرُنَّةً، بِالضَّمِّ، وَهِيَ الَّتِي إِذا تَسَمَّعَتْ أَو تَبَصَّرَت فَلَمْ ترَ شَيْئًا تَظَنَّتْه تَظَنِّيًا أَي عَمِلَتْ بِالظَّنِّ، وَكَانَ الأَخفش يَكْسِرُ أَولهما وَيَفْتَحُ ثَالِثَهُمَا، وَقَالَ اللِّحْيَانِيِّ: سُمْعُنّةٌ نُظْرُنَّةٌ وسِمْعَنَّةٌ نِظْرَنَّةٌ أَي جَيِّدَةُ السَّمْعِ وَالنَّظَرِ.

وَقَوْلُهُ: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ "، أَي مَا أَسْمَعَه وَمَا أَبصَرَه عَلَى التَّعَجُّبِ.

وَرَجُلٌ سِمْعٌ يُسْمَعُ.

وَفِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ سِمْعًا لَا بِلْغًا، وسَمْعًا لَا بَلْغًا، وسِمْعٌ لَا بِلْغٌ، وسَمْعٌ لَا بَلْغ، مَعْنَاهُ يُسْمَعُ وَلَا يَبْلُغُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يُسْمَعُ وَلَا يحتاجُ أَن يُبَلَّغَ، وَقِيلَ: يُسْمَعُ بِهِ وَلَا يَتِمُّ.

الْكِسَائِيُّ: إِذا سَمِعَ الرَّجُلُ الْخَبَرَ لَا يُعْجِبُهُ قَالَ: سِمْعٌ وَلَا بِلْغ، وسَمْع لَا بَلْغ أَي أَسمع بِالدَّوَاهِي وَلَا تَبْلُغْنِي.

وسَمْعُ الأَرضِ وبَصَرُها: طُولُها وعَرْضها؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَا وَجْهَ لَهُ إِنما مَعْنَاهُ الخَلاء.

وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: أَلقى نَفْسَهُ بَيْنَ سَمْعِ الأَرضِ وبَصَرِها إِذا غَرَّرَ بِهَا وأَلقاها حَيْثُ لَا يُدْرى أَين هُوَ.

وَفِي حَدِيثِ قَيْلة: «أَن أُختها قَالَتْ: الوَيْلُ لأُختي لَا تُخْبِرْها بِكَذَا فتخرجَ بَيْنَ سَمْعِ الأَرض وَبَصَرِهَا»، وَفِي النِّهَايَةِ: لَا تُخبِرْ أُخْتي فتَتَّبِعَ أَخا بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ بَيْنَ سَمْعِ الأَرض وَبَصَرِهَا.

يُقَالُ: خَرَجَ فُلَانٌ بَيْنَ سَمْعِ الأَرض وَبَصَرِهَا إِذا لَمْ يَدْرِ أَين يَتَوَجَّهُ لأَنه لَا يَقَعُ عَلَى الطَّرِيقِ، وَقِيلَ: أَرادت بَيْنَ سَمْعِ أَهل الأَرض وَبَصَرِهِمْ فَحَذَفْتُ الأَهل كقوله تعالى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}، أَي أَهلها.

وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا غَرَّرَ بِنَفْسِهِ وأَلقاها حَيْثُ لَا يُدْرى أَين هُوَ: أَلقى نَفْسَهُ بَيْنَ سَمْعِ الأَرض وَبَصَرِهَا.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَى قَوْلِهِ تَخْرُجُ أُختي مَعَهُ بَيْنَ سَمْعِ الأَرض وَبَصَرِهَا "، أَن الرَّجُلَ يَخْلُو بِهَا ليس معها أَحد يَسْمَعُ كَلَامَهَا وَيُبْصِرُهَا إِلا الأَرضُ القَفْرُ، لَيْسَ أَن الأَرض لَهَا سَمْع، وَلَكِنَّهَا وكَّدت الشَّناعة فِي خَلْوتِها بِالرَّجُلِ الَّذِي صَحِبها؛ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ تَمْثِيلٌ أَي لَا يَسْمَعُ كَلَامَهُمَا ولا يبصرهما إِلا الأَرض تَعْنِي أُختها، والبكْريّ الَّذِي تَصْحَبُه.

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ لَقِيتُهُ بَيْنَ سَمْعِ الأَرضِ وبَصَرِها أَي بأَرض مَا بِهَا أَحد.

وسَمِعَ لَهُ: أَطاعه.

وَفِي الْخَبَرِ: " أَن عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوان خَطَبَ يَوْمًا فَقَالَ: ولِيَكُم عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَكَانَ فَظًّا غَلِيظًا مُضَيِّقًا عَلَيْكُمْ فَسَمِعْتُمْ لَهُ.

والمِسمَع: مَوْضِعُ العُروة مِنَ المَزادة، وَقِيلَ: هُوَ مَا جَاوَزَ خَرْتَ العُروة، وَقِيلَ: المِسْمَعُ عُروة فِي وسَط الدَّلْوِ والمَزادةِ والإِداوةِ، يُجْعَلُ فِيهَا حَبْلٌ لِتَعْتَدِلَ الدَّلْوُ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَوفى:

نُعَدِّلُ ذَا المَيْلِ إِنْ رامَنا، ***كَمَا عُدِّلَ الغَرْبُ بالمِسْمَعِ

وأَسمَعَ الدلوَ: جُعِلَ لَهَا عُرْوَةً فِي أَسفلها مِنْ بَاطِنٍ ثُمَّ "شُدَّ حَبْلًا إِلى العَرْقُوةِ لِتَخِفَّ عَلَى حَامِلِهَا، وَقِيلَ: المِسْمَعُ عُروة فِي دَاخِلِ الدَّلْوِ بإِزائها عُرْوَةٌ أُخرى، فإِذا اسْتَثْقَلَ الشَّيْخُ أَو الصَّبِيُّ أَن يَسْتَقِيَ بِهَا جَمَعُوا بَيْنَ الْعُرْوَتَيْنِ وَشَدُّوهُمَا لتخِفّ ويَقِلَّ أَخذها لِلْمَاءِ، يُقَالُ مِنْهُ: أَسْمَعْتُ الدَّلْوَ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

أَحْمَر غَضْب لَا يُبَالِي مَا اسْتَقَى، ***لَا يُسْمِعُ الدَّلْو، إِذا الوِرْدُ التَقَى

وَقَالَ:

سأَلْت عَمْرًا بَعْدَ بَكْرٍ خُفّا، ***والدَّلْوُ قَدْ تُسْمَعُ كَيْ تَخِفّا

يَقُولُ: سأَله بَكْرًا مِنَ الإِبل فَلَمْ يُعْطِهِ فسأَله خُفًّا أَي جَمَلًا مُسِنًّا.

والمِسْمَعانِ: جَانِبَا الغَرْب.

والمِسمَعانِ: الخَشَبتانِ اللَّتَانِ تُدْخَلانِ فِي عُرْوَتي الزَّبِيلِ إِذا أُخرج بِهِ التُّرَابُ مِنَ الْبِئْرِ، وَقَدْ أَسْمَعَ الزَّبِيلَ.

قَالَ الأَزهريّ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ يَنْزِعَانِ المِشْآة مِنَ الْبِئْرِ بِتُرَابِهَا عِنْدَ احْتِفَارِهَا: أَسْمِعا المِشآة أَي أَبيناها عَنْ جُول الرَّكِيَّةِ وَفَمِهَا.

قَالَ اللَّيْثُ: السَّمِيعانِ مِنْ أَدَواتِ الحَرَّاثين عُودانِ طوِيلانِ فِي المِقْرَنِ الَّذِي يُقْرَنُ بِهِ الثَّوْرُ أَي لِحِرَاثَةِ الأَرض.

والمِسْمَعانِ: جَوْرَبانِ يَتَجَوْرَبُ بِهِمَا الصائدُ إِذا طَلَبَ الظِّبَاءَ فِي الظَّهِيرَةِ.

والسِّمْعُ: سَبُع مُرَكَّبٌ، وَهُوَ ولَد الذِّئب مِنَ الضَّبُع.

وَفِي الْمَثَلِ: أَسمَعُ مِنَ السِّمْعِ الأَزَلِّ، وَرُبَّمَا قَالُوا: أَسمَعُ مِنْ سِمْع؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

تَراهُ حَدِيدَ الطَّرْفِ أَبْلَجَ واضِحًا، ***أَغَرَّ طَوِيلَ الباعِ، أَسْمَعَ مِنْ سِمْعِ

والسَّمَعْمَعُ: الصَّغِيرُ الرأْس والجُثَّةِ الداهيةُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: " كأَنَّ فِيهِ وَرَلًا سَمَعْمَعا "وَقِيلَ: هُوَ الخفيفُ اللحمِ السريعُ العملِ الخبيثُ اللَّبِقُ، طَالَ أَو قَصُر، وَقِيلَ: هُوَ المُنْكَمِشُ الْمَاضِي، وَهُوَ فَعَلْعَلٌ.

وغُول سَمَعْمَعٌ وَشَيْطَانٌ سَمَعْمَعٌ لخُبْثِه؛ قَالَ:

ويْلٌ لأَجْمالِ العَجُوزِ مِنِّي، ***إِذا دَنَوْتُ أَو دَنَوْنَ منِّي،

كأَنَّني سَمَعْمَعٌ مِن جِنِ "لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِهِ سَمَعْمَعٍ حَتَّى قَالَ مِنْ جِنٍّ لأَن سَمَعْمَعَ الْجِنِّ أَنْكَرُ وأَخبث مِنْ سَمَعْمَعِ الإِنس؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَا يَكُونُ رويُّه إِلا النُّونَ، أَلا تَرَى أَن فِيهِ مِنْ جِنّ وَالنُّونُ فِي الْجِنِّ لَا تَكُونُ إِلا رَوِيًّا لأَن الْيَاءَ بَعْدَهَا للإِطلاق لَا مَحَالَةَ؟ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «سَمَعْمَعٌ كأَنَّني مِنْ جِنِ»أَي سَرِيعٌ خَفِيفٌ، وَهُوَ فِي وَصْفِ الذِّئْبِ أَشهر.

وامرأَة سَمَعْمَعةٌ: كأَنها غُولٌ أَو ذِئْبَةٌ؛ حَدَّثَ" عَوَانَةُ أَن الْمُغِيرَةَ سأَل ابْنُ لِسَانِ الْحُمَّرَةِ عَنِ النِّسَاءِ فَقَالَ: النِّسَاءُ أَرْبَع: فَرَبِيعٌ مَرْبَع، وجَمِيعٌ تَجْمَع، وشيطانٌ سَمَعْمَع، وَيُرْوَى: سُمَّع، وغُلٌّ لَا يُخْلَع، فَقَالَ: فَسِّرْ، قَالَ: الرَّبِيعُ المَرْبَع الشابّةُ الْجَمِيلَةُ الَّتِي إِذا نَظَرْتَ إِليها سَرَّتْك وإِذا أَقسَمْتَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْك، وأَما الْجَمِيعُ الَّتِي تَجْمَعُ فالمرأَة تَتَزَوَّجَهَا وَلَكَ نَشَب وَلَهَا نشَب فَتَجْمَعُ ذَلِكَ، وأَما الشَّيْطَانُ السَّمَعْمَعُ فَهِيَ الْكَالِحَةُ فِي وَجْهِكَ إِذا دَخَلْتَ المُوَلْوِلَةُ فِي إِثْرك إِذا خَرَجْتَ.

وامرأَة سَمَعْمَعةٌ: كأَنها غُول.

والشيطانُ الخَبِيث يُقَالُ لَهُ السَّمَعْمَعُ، قَالَ: وأَما الغُلُّ الَّذِي لَا يُخْلَعُ فَبِنْتُ عَمِّكَ الْقَصِيرَةُ الفَوْهاء الدَّمِيمةُ السَّوْدَاءُ الَّتِي نَثَرَتْ لَكَ ذَا بَطْنِهَا، فإِن طَلَّقْتَهَا ضَاعَ وَلَدُكَ، وإِن أَمْسَكْتها أَمسَكْتَها عَلَى مِثْلِ جَدْعِ أَنفك.

والرأْس السَّمَعْمَعُ: الصَّغِيرُ الْخَفِيفُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: غُولٌ سُمَّعٌ خفيفُ الرأْس؛ وأَنشد شَمِرٌ:

فَلَيْسَتْ بِإِنسانٍ فَيَنْفَعَ عَقْلُه، ***ولكِنَّها غُولٌ مِن الجِنِّ سُمَّعُ

وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيح الْهُذَلِيِّ: «ورأْسُه متَمرِّقُ الشَّعْرِ سَمَعْمَعٌ»أَي لطيف الرأْس.

والسَّمَعْمَعُ والسَّمْسامُ مِنَ الرِّجَالِ: الطَّوِيلُ الدقيقُ، وامرأَة سَمَعْمَعةٌ وسَمْسامةٌ.

ومِسْمَعٌ: أَبو قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهُمُ المَسامِعةُ، دَخَلَتْ فِيهِ الْهَاءُ لِلنَّسَبِ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: المَسامِعةُ مِنْ تَيْمِ اللَّاتِ.

وسُمَيْعٌ وسَماعةُ وسِمْعانُ: أَسماء.

وسِمْعانُ: اسْمُ الرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَكْتُمُ إِيمانَه، وَقِيلَ: كَانَ اسْمُهُ حَبِيبًا.

والمِسْمَعانِ: عَامِرٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ ابْنَا مَالِكِ بْنِ مِسْمَعٍ؛ هَذَا قَوْلُ الأَصمعي؛ وأَنشد:

ثَأَرْتُ المِسْمَعَيْنِ وقُلْتُ: بُوآ ***بِقَتْلِ أَخِي فَزارةَ والخبارِ

وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: هُمَا مَالِكٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ ابْنا مِسْمَع بْنِ سُفْيَانَ بْنِ شِهَابٍ الْحِجَازِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا: هُمَا مَالِكٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ ابْنَا مَسْمَعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مَسْمَعِ بْنِ سِنان بْنِ شِهَابٍ.

ودَيْرُ سَمْعانَ: موضع.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


55-لسان العرب (مستق)

مستق: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه كَانَ يُصَلِّي وَيَدَاهُ فِي مُسْتُقَة، وَفِي رِوَايَةٍ: صَلَّى بِالنَّاسِ وَيَدَاهُ فِي مُسْتُقَة "؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: المَسَاتِقُ فِراءٌ طِوالُ الأَكمام، وَاحِدَتُهَا مُسْتُقة، قَالَ: وأَصلها بِالْفَارِسِيَّةِ مُشْتَهْ فَعُرِّبَ.

قَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ مُسْتُقة ومُسْتَقة، وَرُوِيَ" عَنْ أَنس أَن مَلِكَ الرُّومِ أَهدى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتُقَةً مِنْ سُنْدُسٍ فَلَبِسَهَا رسولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فكأَني أَنْظُرُ إِلَى يَدَيْهَا تُذَبْذِبانِ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَى جَعْفَرٍ وَقَالَ: ابْعَثْ بِهَا إِلَى أَخيك النَّجاشي "؛ هِيَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِهَا فَرْوٌ طَوِيلُ الْكُمَّيْنِ، وَقَوْلُهُ مِنْ سُنْدُسٍ يُشْبِهُ أَنها كَانَتْ مَكْفُوفَةً بِالسُّنْدُسِ، وَهُوَ الرَّفِيعُ مِنَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ لأَن نَفْسَ الفَرْوِ لَا يَكُونُ سُنْدُسًا، وَجَمْعُهَا مَسَاتِقُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه كَانَ يَلْبَسُ البَرَانِس والمَسَاتِقَ وَيُصَلِّي فِيهَا»؛ وأَنشد شَمِرٌ:

إِذَا لَبِسَتْ مَسَاتِقَها غَنِيٌّ، ***فَيَا وَيْحَ المَسَاتِقِ مَا لَقِينَا

ابْنُ الأَعرابي: هُوَ فَرْوٌ طَوِيلُ الكُمِّ، وَكَذَلِكَ قَالَ الأَصمعي وَابْنُ شُمَيْلٍ فِي الجبة الواسعة.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


56-لسان العرب (علل)

علل: العَلُّ والعَلَلُ: الشَّرْبةُ الثَّانِيَةُ، وَقِيلَ: الشُّرْب بَعْدَ الشُّرْبِ تِباعًا، يُقَالُ: عَلَلٌ بَعْدَ نَهَلٍ.

وعَلَّه يَعُلُّه ويَعِلُّه إِذا سَقَاهُ السَّقْيَة الثَّانِيَةَ، وعَلَّ بِنَفْسِهِ، يَتعدَّى وَلَا يتعدَّى.

وعَلَّ يَعِلُّ ويَعُلُّ عَلًّا وعَلَلًا، وعَلَّتِ الإِبِلُ تَعِلُّ وتَعُلُّ إِذا شَرِبت الشَّرْبةَ الثَّانِيَةَ.

ابْنُ الأَعرابي: عَلَّ الرَّجلُ يَعِلُّ مِنَ الْمَرَضِ، وعَلَّ يَعِلُّ ويَعُلُّ مِنْ عَلَل الشَّراب.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ يُسْتَعْمَل العَلَلُ والنَّهَل فِي الرَّضاع كَمَا يُسْتَعْمل فِي الوِرْد؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

غَزَال خَلاء تَصَدَّى لَهُ، ***فتُرْضِعُه دِرَّةً أَو عِلالا

واستَعْمَل بعضُ الأَغْفال العَلَّ والنَّهَلَ فِي الدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ فَقَالَ:

ثُمَّ انْثَنى مِنْ بَعْدِ ذَا فَصَلَّى ***عَلَى النَّبيّ، نَهَلًا وعَلَّا

وعَلَّتِ الإِبِلُ، وَالْآتِي كَالْآتِي وَالْمَصْدَرُ كَالْمَصْدَرِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فَعْلى مِنَ العَلَل والنَّهَل.

وإِبِلٌ عَلَّى: عَوَالُّ؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي؛ وأَنشد لِعَاهَانَ بْنِ كَعْبٍ:

تَبُكُّ الحَوْضَ عَلَّاها ونَهْلًا، ***ودُون ذِيادِها عَطَنٌ مُنِيم

تَسْكُن إِليه فيُنِيمُها، وَرَوَاهُ ابْنُ جِنِّي: عَلَّاها ونَهْلى، أَراد ونَهْلاها فحَذَف واكْتَفى بإِضافة عَلَّاها عَنْ إِضافة نَهْلاها، وعَلَّها يَعُلُّها ويَعِلُّها عَلًّا وعَلَلًا وأَعَلَّها.

الأَصمعي: إِذا وَرَدتِ الإِبلُ الماءَ فالسَّقْية الأُولى النَّهَل، وَالثَّانِيَةُ العَلَل.

وأَعْلَلْت الإِبلَ إِذا أَصْدَرْتَها قَبْلَ رِيِّها، وَفِي أَصحاب الِاشْتِقَاقِ مَنْ يَقُولُ هُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ كأَنه مِنَ العَطَش، والأَوَّل هُوَ الْمَسْمُوعُ.

أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي: أَعْلَلْت الإِبِلَ فَهِيَ إِبِلٌ عَالَّةٌ إِذا أَصْدَرْتَها وَلَمْ تُرْوِها؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا تَصْحِيفٌ، وَالصَّوَابُ أَغْلَلْت الإِبلَ، بِالْغَيْنِ، وَهِيَ إِبل غالَّةٌ.

وَرَوَى الأَزهري عَنْ نُصَير الرَّازِيِّ قَالَ: صَدَرَتِ الإِبلُ غالَّة وغَوَالَّ، وَقَدْ أَغْلَلْتها مِنَ الغُلَّة والغَلِيل وَهُوَ حَرَارَةُ الْعَطَشِ، وأَما أَعْلَلْت الإِبلَ وعَلَلْتها فَهُمَا ضِدَّا أَغْلَلْتها، لأَن مَعْنَى أَعْلَلْتها وَعَلَلتها أَن تَسْقِيها الشَّرْبةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ تُصْدِرَها رِواء، وإِذا عَلَّتْ فَقَدْ رَوِيَتْ؛ وَقَوْلُهُ:

قِفِي تُخْبِرِينا أَو تَعُلِّي تَحِيَّةً ***لَنَا، أَو تُثِيبي قَبْلَ إِحْدَى الصَّوافِق

إِنَّما عَنى أَو تَرُدِّي تَحِيَّة، كأَنَّ التَّحِيَّة لَمَّا كَانَتْ مَرْدُودَةً أَو مُرادًا بِهَا أَن تُرَدَّ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ المَعْلُولة مِنَ الإِبل.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مِنْ جَزيل عَطائك المَعْلول»؛ يُرِيدُ أَن عَطَاءَ اللَّهِ مضاعَفٌ يَعُلُّ بِهِ عبادَه مَرَّةً بَعْدَ أُخرى؛ وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبٍ: " كأَنه مُنْهَلٌ بالرَّاح مَعْلُول "وعَرَضَ عَلَيَّ سَوْمَ عالَّةٍ إِذا عَرَض عَلَيْكَ الطَّعامَ وأَنت مُسْتَغْنٍ عَنْهُ، بِمَعْنَى قَوْلِ العامَّة: عَرْضٌ سابِرِيٌّ؛ أي لَمْ يُبالِغْ، لأَن العَالَّةَ لَا يُعْرَضُ عَلَيْهَا الشُّربُ عَرْضًا يُبالَغ فِيهِ كالعَرْضِ عَلَى الناهِلة.

وأَعَلَّ القومُ: عَلَّتْ إِبِلُهم وشَرِبَت العَلَل؛ واسْتَعْمَل بعضُ الشُّعَرَاءِ العَلَّ فِي الإِطعام وَعَدَّاهُ إِلى مَفْعُولَيْنِ، أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

فباتُوا ناعِمِين بعَيْشِ صِدْقٍ، ***يَعُلُّهُمُ السَّدِيفَ مَعَ المَحال

وأُرَى أَنَّ مَا سَوَّغَ تَعْدِيَتَه إِلى مَفْعُولَيْنِ أَن عَلَلْت هَاهُنَا فِي مَعْنَى أَطْعَمْت، فَكَمَا أَنَّ أَطعمت متعدِّية إِلى مَفْعُولَيْنِ كَذَلِكَ عَلَلْت هُنَا متعدِّية إِلى مَفْعُولَيْنِ؛ وَقَوْلُهُ: " وأَنْ أُعَلَّ الرَّغْمَ عَلًّا عَلَّا "جعَلَ الرَّغْمَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرَابِ، وإِن كَانَ الرَّغْم عَرَضًا، كَمَا قَالُوا جَرَّعْته الذُّلَّ وعَدَّاه إِلى مَفْعُولَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا بِحَذْفِ الوَسِيط كأَنه قَالَ يَعُلُّهم بالسَّدِيف وأُعَلّ بالرَّغْم، فَلَمَّا حَذَف الْبَاءَ أَوْصَلَ الْفِعْلَ، والتَّعْلِيل سَقْيٌ بَعْدَ سَقْيٍ وجَنْيُ الثَّمرة مَرَّةً بَعْدَ أُخرى.

وعَلَّ الضاربُ المضروبَ إِذا تابَع عَلَيْهِ الضربَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عَطَاءٍ أَو النَّخَعِيِّ فِي رَجُلٍ ضَرَب بالعَصا رَجُلًا فقَتَله قَالَ: إِذا عَلَّه ضَرْبًا فَفِيهِ القَوَدُ "أَي إِذا تَابَعَ عَلَيْهِ الضربَ، مِنْ عَلَلِ الشُّرب.

والعَلَلُ مِنَ الطَّعَامِ: مَا أُكِلَ مِنْهُ؛ عَنْ كُرَاعٍ.

وطَعامٌ قَدْ عُلَّ مِنْهُ أَي أُكِل؛ وَقَوْلُهُ أَنشده أَبو حَنِيفَةَ:

خَلِيلَيَّ، هُبَّا عَلِّلانيَ وانْظُرا ***إِلى الْبَرْقِ مَا يَفْرِي السَّنى، كَيْفَ يَصْنَع

فَسَّرَه فَقَالَ: عَلِّلاني حَدِّثاني، وأَراد انْظُرا إِلى "الْبَرْقِ وانْظُرَا إِلى مَا يَفرِي السَّنى، وفَرْيُه عَمَلُه؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:

خَلِيلَيَّ، هُبَّا عَلِّلانيَ وانْظُرَا ***إِلى الْبَرْقِ مَا يَفْرِي سَنًى وتَبَسَّما

وتَعَلَّلَ بالأَمر واعْتَلَّ: تَشاغَل؛ قَالَ:

فاسْتَقْبَلَتْ لَيْلَة خِمْسٍ حَنَّان، ***تَعْتلُّ فِيهِ بِرَجِيع العِيدان

أَي أَنَّها تَشاغَلُ بالرَّجِيع الَّذِي هُوَ الجِرَّة تُخْرِجها وتَمْضَغُها.

وعَلَّلَه بِطَعَامٍ وَحَدِيثٍ وَنَحْوِهِمَا: شَغَلهُ بِهِمَا؛ يُقَالُ: فُلَانٌ يُعَلِّل نفسَه بتَعِلَّةٍ.

وتَعَلَّل بِهِ أَي تَلَهَّى بِهِ وتَجَزَّأَ، وعَلَّلتِ المرأَةُ صَبِيَّها بِشَيْءٍ مِنَ المَرَق ونحو ليَجْزأَ بِهِ عَنِ اللَّبن؛ قَالَ جَرِيرٌ:

تُعَلِّل، وَهِيَ ساغِبَةٌ، بَنِيها ***بأَنفاسٍ مِنَ الشَّبِم القَراحِ

يُرْوَى أَن جَرِيرًا لَمَّا أَنْشَدَ عبدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوان هَذَا البيتَ قَالَ لَهُ: لَا أَرْوى اللَّهُ عَيْمَتَها وتَعِلَّةُ الصبيِّ أَي مَا يُعَلَّل بِهِ لِيَسْكُتَ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي حَثْمة يَصِف التَّمر: «تَعِلَّة الصَّبيِّ وقِرى الضَّيْفِ».

والتَّعِلَّةُ والعُلالَة: مَا يُتَعَلَّل بِهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه أُتيَ بعُلالة الشَّاةِ فأَكَلَ مِنْهَا» أَي بَقِيَّة لَحْمِهَا.

والعُلُل أَيضًا: جَمْعُ العَلُول، وَهُوَ مَا يُعَلَّل بِهِ المريضُ مِنَ الطَّعَامِ الْخَفِيفِ، فإِذا قَوي أَكلُه فَهُوَ الغُلُل جَمْعُ الغَلُول.

وَيُقَالُ لبَقِيَّة اللَّبَنِ فِي الضَّرْع وبَقيَّة قُوّة الشَّيْخِ: عُلالة، وَقِيلَ: عُلالة الشَّاةِ مَا يُتَعَلَّل بِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ مِنَ العَلَل الشُّرب بَعْدَ الشُّرْب؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عَقِيل بْنِ أَبي طَالِبٍ: قَالُوا فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ عُلالة "أَي بَقِيَّة مِنْ قُوَّةِ الشَّيْخِ.

والعُلالةُ والعُراكةُ والدُّلاكة: مَا حَلَبْتَ قَبْلَ الفِيقة الأُولى وَقَبْلَ أَن تَجْتَمِعَ الفِيقة الثَّانِيَةُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

وَيُقَالُ لأَوَّل جَرْي الْفَرَسِ: بُداهَته، وَلِلَّذِي يَكُونُ بَعْدَهُ: عُلالته؛ قَالَ الأَعشى:

إِلَّا بُداهة، أَو عُلالَة ***سابِحٍ نَهْدِ الجُزاره

والعُلالة: بَقِيَّة اللَّبَنِ وغيرِه.

حَتَّى إِنَّهم لَيَقولون لبَقِيَّة جَرْي الفَرَس عُلالة، ولبَقِيَّة السَّيْر عُلالة.

وَيُقَالُ: تَعَالَلْت نَفْسِي وَتَلوَّمْتها أَي استَزَدْتُها.

وتَعَالَلْت الناقةَ إِذا اسْتَخْرَجْت مَا عِنْدَهَا مِنَ السَّيْر؛ وَقَالَ: " وَقَدْ تَعالَلْتُ ذَمِيل العَنْس "وَقِيلَ: العُلالة اللَّبَن بَعْدَ حَلْبِ الدِّرَّة تُنْزِله الناقةُ؛ قَالَ:

أَحْمِلُ أُمِّي وهِيَ الحَمَّاله، ***تُرْضِعُني الدِّرَّةَ والعُلاله،

وَلَا يُجازى والدٌ فَعَالَه وَقِيلَ: العُلالة أَن تُحْلَب النَّاقَةُ أَوّل النَّهَارِ وَآخِرَهُ، وتُحْلَب وَسَطَ النَّهَارِ فَتِلْكَ الوُسْطى هِيَ العُلالة، وَقَدْ تُدْعى كُلُّهنَّ عُلالةً.

وَقَدْ عالَلْتُ النَّاقَةَ، وَالِاسْمُ العِلال.

وعالَلْتُ النَّاقَةَ عِلالًا: حَلَبتها صَبَاحًا ومَساء ونِصْفَ النَّهَارِ.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: العِلالُ الحَلْبُ بَعْدَ الحَلْب قَبْلَ اسْتِيجَابِ الضَّرْع للحَلْب بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ، وَقَالَ بَعْضُ الأَعراب:

العَنْزُ تَعْلَمُ أَني لَا أُكَرِّمُها ***عَنِ العِلالِ، وَلَا عَنْ قِدْرِ أَضيافي

والعُلالة، بِالضَّمِّ: مَا تَعَلَّلت بِهِ أَي لَهَوْت بِهِ.

وتَعَلَّلْت بالمرأَة تَعَلُّلًا: لَهَوْت بِهَا.

والعَلُّ: الَّذِي يَزُورُ النِّسَاءَ.

والعَلُّ: التَّيْس الضَّخْم الْعَظِيمُ؛ قَالَ: " وعَلْهَبًا مِنَ التُّيوس عَلَّا "والعَلُّ: القُراد الضَّخْم، وَجَمْعُهَا عِلالٌ، وَقِيلَ: هُوَ القُراد المَهْزول، وَقِيلَ: هُوَ الصَّغِيرُ الْجِسْمِ.

والعَلُّ: الْكَبِيرُ المُسِنُّ.

ورَجُلٌ عَلٌّ: مُسِنٌّ نَحِيفٌ ضَعِيفٌ صَغِيرُ الجُثَّة، شُبِّه بالقُراد فَيُقَالُ: كأَنه عَلٌّ؛ قَالَ المُتَنَخِّل الْهُذَلِيُّ:

لَيْسَ بِعَلٍّ كبيرٍ لَا شَبابَ لَهُ، ***لَكِنْ أُثَيْلَةُ صَافِي الوَجْهِ مُقْتَبَل

أَي مُسْتَأْنَف الشَّباب، وَقِيلَ: العَلُّ المُسِنُّ الدَّقِيقُ الْجِسْمِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

والعَلَّة: الضَّرَّة.

وبَنُو العَلَّاتِ: بَنُو رَجل وَاحِدٍ مِنْ أُمهات شَتَّى، سُمِّيَت بِذَلِكَ لأَن الَّذِي تَزَوَّجها عَلَى أُولى قَدْ كَانَتْ قَبْلَهَا ثُمَّ عَلَّ مِنْ هَذِهِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وإِنما سُمِّيت عَلَّة لأَنها تُعَلُّ بَعْدَ صَاحِبَتِهَا، مِنَ العَلَل؛ قَالَ:

عَلَيْها ابْنُ عَلَّاتٍ، إِذا اجْتَشَّ مَنْزِلًا ***طَوَتْه نُجومُ اللَّيل، وَهِيَ بَلاقِع

إِنَّما عَنى بِابْنِ عَلَّاتٍ أَن أُمَّهاته لَسْنَ بقَرائب، وَيُقَالُ: هُمَا أَخَوانِ مِنْ عَلَّةٍ.

وَهُمَا ابْنا عَلَّة: أُمَّاهُما شَتَّى والأَب وَاحِدٌ، وَهُمْ بَنُو العَلَّات، وهُمْ مِنْ عَلَّاتٍ، وَهُمْ إِخُوةٌ مِنْ عَلَّةٍ وعَلَّاتٍ، كُلُّ هَذَا مِنْ كَلَامِهِمْ.

وَنَحْنُ أَخَوانِ مِنْ عَلَّةٍ، وَهُوَ أَخي مِنْ عَلَّةٍ، وَهُمَا أَخَوانِ مِنْ ضَرَّتَيْن، وَلَمْ يَقُولُوا مِنْ ضَرَّةٍ؛ وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: هُمْ بَنُو عَلَّةٍ وأَولاد عَلَّة؛ وأَنشد:

وهُمْ لمُقِلِّ المالِ أَولادُ عَلَّةٍ، ***وإِن كَانَ مَحْضًا فِي العُمومةِ مُخْوِلا

ابْنُ شُمَيْلٍ: الأَخْيافُ اخْتِلَافُ الْآبَاءِ وأُمُّهُم وَاحِدَةٌ، وبَنُو الأَعيان الإِخْوة لأَب وأُمٍّ وَاحِدٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «الأَنبياء أَولاد عَلَّاتٍ»؛ مَعْنَاهُ أَنهم لأُمَّهات مُخْتَلِفَةٍ ودِينُهم وَاحِدٌ؛ كَذَا فِي التَّهْذِيبِ وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الأَثير، أَراد أَن إِيمانهم وَاحِدٌ وَشَرَائِعَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ.

وَمِنْهُ حَدِيثِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَتَوارَثُ بَنُو الأَعيان مِنَ الإِخوة دُونَ بَنِي العَلَّات "أَي يَتَوَارَثُ الإِخوة للأُم والأَب، وَهُمُ الأَعيان، دُونَ الإِخوة للأَب إِذا اجْتَمَعُوا مَعَهُمْ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ لبَني الضَّرائر بَنُو عَلَّات، وَيُقَالُ لِبَنِي الأُم الْوَاحِدَةِ بَنُو أُمٍّ، وَيَصِيرُ هَذَا اللَّفْظُ يُسْتَعْمَلُ لِلْجَمَاعَةِ الْمُتَّفِقِينَ، وأَبناء عَلَّاتٍ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجَمَاعَةِ الْمُخْتَلِفِينَ؛ قَالَ عَبْدُ الْمَسِيحِ:

والنَّاسُ أَبناء عَلَّاتٍ، فَمَنْ عَلِمُوا ***أَنْ قَدْ أَقَلَّ، فَمَجْفُوٌّ ومَحْقُور

وهُمْ بَنُو أُمِّ مَنْ أَمْسى لَهُ نَشَبٌ، ***فَذاك بالغَيْبِ مَحْفُوظٌ ومَنْصور

وَقَالَ آخَرُ:

أَفي الوَلائِم أَوْلادًا لِواحِدة، ***وَفي المآتِم أَولادًا لِعَلَّات؟

وَقَدِ اعْتَلَّ العَلِيلُ عِلَّةً صَعْبَةً، والعِلَّة المَرَضُ.

عَلَّ يَعِلُّ واعْتَلَّ أَي مَرِض، فَهُوَ عَلِيلٌ، وأَعَلَّه اللهُ، وَلَا أَعَلَّك اللهُ أَي لَا أَصابك بِعِلَّة.

واعْتَلَّ عَلَيْهِ بِعِلَّةٍ واعْتَلَّه إِذا اعْتَاقَهُ عَنْ أَمر.

واعْتَلَّه تَجَنَّى عَلَيْهِ.

والعِلَّةُ: الحَدَث يَشْغَل صاحبَه عَنْ حَاجَتِهِ، كأَنَّ تِلْكَ العِلَّة صَارَتْ شُغْلًا ثَانِيًا مَنَعَه عَنْ شُغْله الأَول.

وَفِي حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ثابت: «مَا عِلَّتي وأَنا جَلْدٌ نابلٌ؟» أَي مَا عذْري فِي تَرْكِ الْجِهَادِ ومَعي أُهْبة الْقِتَالِ، فَوَضَعَ العِلَّة مَوْضِعَ الْعُذْرِ.

وَفِي الْمَثَلِ: لَا تَعْدَمُ خَرْقاءُ عِلَّةً، يُقَالُ هَذَا لِكُلٍّ مُعْتَلٍّ وَمُعْتَذِرٍ وَهُوَ يَقْدِر.

والمُعَلِّل: دَافِعُ جَابِي الْخَرَاجِ بالعِلَل، وَقَدِ، اعْتَلَّ الرجلُ.

وَهَذَا عِلَّة لِهَذَا أَي سبَب.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَضْرِب رِجْلي بِعِلَّة الرَّاحِلَةِ»أَي بِسَبَبِهَا، يُظْهِر أَنه يَضْرِبُ جَنْب الْبَعِيرِ برِجْله وإِنما يَضْرِبُ رِجْلي.

وقولُهم: عَلَى عِلَّاتِه أَي عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ وَقَالَ:

وإِنْ ضُرِبَتْ عَلَى العِلَّاتِ، أَجَّتْ ***أَجِيجَ الهِقْلِ مِنْ خَيْطِ النَّعام

وَقَالَ زُهَيْرٌ:

إِنَّ البَخِيلَ مَلُومٌ حيثُ كانَ، ولَكِنَّ ***الجَوَادَ، عَلَى عِلَّاتِهِ، هَرِم

والعَلِيلة: المرأَة المُطَيَّبة طِيبًا بَعْدَ طِيب؛ قَالَ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ: " وَلَا تُبْعِدِيني مِنْ جَنَاكِ المُعَلَّل "أَي المُطَيَّب مرَّة بَعْدَ أُخرى، وَمَنْ رَوَاهُ المُعَلِّل فَهُوَ الَّذِي يُعَلِّلُ مُتَرَشِّفَه بِالرِّيقِ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: المُعَلِّل المُعِين بالبِرِّ بَعْدَ البرِّ.

وحروفُ العِلَّة والاعْتِلالِ: الأَلفُ والياءُ والواوُ، سُمِّيت بِذَلِكَ لِلينها ومَوْتِها.

وَاسْتَعْمَلَ أَبو إِسحاق لَفْظَةَ المَعْلول فِي المُتقارِب مِنَ العَروض فَقَالَ: وإِذا كَانَ بِنَاءُ المُتَقارِب عَلَى فَعُولن فَلَا بُدَّ مِنْ أَن يَبْقى فِيهِ سَبَبٌ غَيْرُ مَعْلُول، وَكَذَلِكَ اسْتَعْمَلَهُ فِي الْمُضَارِعِ فَقَالَ: أُخِّر المضارِع فِي الدَّائِرَةِ الرَّابِعَةِ، لأَنه وإِن كَانَ فِي أَوَّله وَتِدٌ فَهُوَ مَعْلول الأَوَّل، وَلَيْسَ فِي أَول الدَّائِرَةِ بَيْتٌ مَعْلولُ الأَول، وأَرى هَذَا إِنما هُوَ عَلَى طَرْحِ الزَّائِدِ كأَنه جَاءَ عَلَى عُلَّ وإِن لَمْ يُلْفَظ بِهِ، وإِلا فَلَا وَجْهَ لَهُ، وَالْمُتَكَلِّمُونَ يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَةَ المَعْلول فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرًا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَبِالْجُمْلَةِ فَلَسْتُ مِنْهَا عَلَى ثِقَةٍ وَلَا عَلَى ثَلَجٍ، لأَن الْمَعْرُوفَ إِنَّما هُوَ أَعَلَّه اللَّهُ فَهُوَ مُعَلٌّ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَكُونَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِليه سِيبَوَيْهِ مِنَ قَوْلِهِمْ مَجْنُون ومَسْلول، مِنْ أَنه جَاءَ عَلَى جَنَنْته وسَلَلْته، وإِن لَمْ يُسْتَعْملا فِي الْكَلَامِ استُغْنِيَ عَنْهُمَا بأَفْعَلْت؛ قَالَ: وإِذا قالُوا جُنَّ وسُلَّ فإِنما يَقُولُونَ جُعِلَ فِيهِ الجُنُون والسِّلُّ كَمَا قَالُوا حُزِنَ وفُسِلَ.

ومُعَلِّل: يومٌ مِنْ أَيام الْعَجُوزِ السَّبْعَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي آخِرِ الشِّتَاءِ لأَنه يُعَلِّل الناسَ بِشَيْءٍ مِنْ تَخْفِيفِ الْبَرْدِ، وَهِيَ: صِنٌّ وصِنَّبْرٌ ووَبْرٌ ومُعَلِّلٌ ومُطْفئُ الجَمْر وآمِرٌ ومُؤْتَمِر، وَقِيلَ: إِنما هُوَ مُحَلِّل؛ وَقَدْ قَالَ فِيهِ بعضُ الشُّعَرَاءِ فقدَّم وأَخَّر لإِقامة وَزْنِ الشِّعْرِ:

كُسِعَ الشِّتاءُ بسَبْعةٍ غُبْر، ***أَيّامِ شَهْلَتِنا مِنَ الشَّهْر

فإِذا مَضَتْ أَيّامُ شَهْلَتِنا: ***صِنٌّ وصِنَّبرٌ مَعَ الوَبْر

وبآمرٍ وأَخِيه مُؤْتَمِر، ***ومُعَلِّل وبمُطْفِئِ الجَمْر

ذَهب الشِّتاءُ مولِّيًا هَرَبًا، ***وأَتَتْكَ واقدةٌ مِنَ النَّجْر

وَيُرْوَى: مُحَلِّل مَكَانَ مُعَلِّل، والنَّجْر الحَرُّ.

واليَعْلُول.

الغَدِير الأَبيض المُطَّرِد.

واليَعَالِيل: حَبَابُ الْمَاءِ.

واليَعْلُول: الحَبَابة مِنَ الْمَاءِ، وَهُوَ أَيضًا السَّحَابُ المُطَّرِد، وَقِيلَ: القِطْعة الْبَيْضَاءُ مِنَ السَّحَابِ.

واليَعَالِيل: سَحَائِبُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، الْوَاحِدُ يَعْلُولٌ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:

كأَنَّ جُمَانًا واهِيَ السِّلْكِ فَوْقَه، ***كَمَا انهلَّ مِنْ بِيضٍ يَعاليلَ تَسْكُب

وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبٍ: مِنْ صَوْبِ ساريةٍ بِيضٌ يَعالِيل "وَيُقَالُ: اليَعالِيلُ نُفَّاخاتٌ تَكُونُ فَوْقَ الْمَاءِ مِنْ وَقْع المَطَر، وَالْيَاءُ زَائِدَةٌ.

واليَعْلُول: المَطرُ بَعْدَ الْمَطَرِ، وَجَمْعُهُ اليَعالِيل.

وصِبْغٌ يَعْلُولٌ: عُلَّ مَرَّة بَعْدَ أُخرى.

وَيُقَالُ لِلْبَعِيرِ ذِي السَّنَامَيْنِ: يَعْلُولٌ وقِرْعَوْسٌ وعُصْفُوريٌّ.

وتَعَلَّلَتِ المرأَةُ مِنْ نِفَاسِهَا وتَعَالَّتْ: خَرَجَتْ مِنْهُ وطَهُرت وحَلَّ وَطْؤُها.

والعُلْعُل والعَلْعَل؛ الْفَتْحُ عَنْ كُرَاعٍ: اسمُ الذَّكر جَمِيعًا، وَقِيلَ: هُوَ الذَّكر إِذا أَنْعَظ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي إِذا أَنْعَظَ وَلَمْ يَشْتَدّ.

وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: العُلْعُل الجُرْدَان إِذا أَنْعَظَ، والعُلْعُل رأْسُ الرَّهابَة مِنَ الفَرَس.

وَيُقَالُ: العُلْعُل طَرَف الضِّلَعِ الَّذِي يُشْرِفُ عَلَى الرَّهابة وَهِيَ طَرَفُ المَعِدة، وَالْجَمْعُ عُلُلٌ وعُلٌّ وعِلٌّ،، وَقِيلَ: العُلْعُل، بِالضَّمِّ، الرَّهابة الَّتِي تُشْرِف عَلَى الْبَطْنِ مِنَ العَظْم كأَنه لِسانٌ.

والعَلْعَل والعَلْعَالُ: الذَّكَر مِنَ القَنَابِر، وَفِي الصِّحَاحِ: الذَّكر مِنَ القنافِذ.

والعُلْعُول: الشَّرُّ؛ الْفَرَّاءُ: إِنه لَفِي عُلْعُولِ شَرٍّ وزُلْزُولِ شَرٍّ أَي فِي قِتَالٍ وَاضْطِرَابٍ.

والعِلِّيَّة، بِالْكَسْرِ: الغُرْفةُ، وَالْجَمْعُ العَلالِيُّ، وَهُوَ يُذْكر أَيضًا فِي المُعْتَلِّ.

أَبو سَعِيدٍ: والعَرَب تَقُولُ أَنا عَلَّانٌ بأَرض كَذَا وَكَذَا أَي جَاهِلٌ.

وامرأَة عَلَّانَةٌ: جَاهِلَةٌ، وَهِيَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَا أَعرف هَذَا الْحَرْفَ وَلَا أَدري مَنْ رَوَاهُ عَنْ أَبي سَعِيدٍ.

وتَعِلَّةُ: اسمُ رَجُلٍ؛ قَالَ:

أَلْبانُ إِبْلِ تَعِلَّةَ بنِ مُسافِرٍ، ***مَا دامَ يَمْلِكُها عَلَيَّ حَرَامُ

وعَلْ عَلْ: زَجْرٌ لِلْغَنَمِ؛ عَنْ يَعْقُوبَ.

الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَقُولُ لِلْعَاثِرِ لَعًا لَكَ وَتَقُولُ: عَلْ ولَعَلْ وعَلَّكَ ولَعَلَّكَ بِمِعْنًى وَاحِدٍ؛ قَالَ العَبْدي:

وإِذا يَعْثُرُ فِي تَجْمازِه، ***أَقْبَلَتْ تَسْعَى وفَدَّتْه لَعل

وأَنشد لِلْفَرَزْدَقِ:

إِذا عَثَرَتْ بِي، قُلْتُ: عَلَّكِ وانتهَى ***إِلى بابِ أَبْوابِ الوَلِيد كَلالُها

وأَنشد الْفَرَّاءُ:

فَهُنَّ عَلَى أَكْتافِها، ورِمَاحُنا ***يقُلْنَ لِمَن أَدْرَكنَ: تَعْسًا وَلَا لَعَا

شُدِّدت اللَّامُ فِي قَوْلِهِمْ عَلَّك لأَنهم أَرادوا عَلْ لَك، وَكَذَلِكَ لَعَلَّكَ إِنما هُوَ لَعَلْ لَك، قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْعَرَبُ تُصَيِّرُ لَعَلْ مَكَانَ لَعًا وَتَجْعَلُ لَعًا مَكَانَ لَعَلْ، وأَنشد فِي ذَلِكَ البيتَ، أَراد وَلَا لَعَلْ، وَمَعْنَاهُمَا ارْتَفِعْ مِنَ العثْرَة؛ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ:

عَلِّ صُروفِ الدَّهْرِ أَو دَوْلاتِها، ***يُدِلْنَنا اللَّمَّة مِنْ لَمَّاتِها

مَعْنَاهُ عًا لِصُروف الدَّهْرِ، فأَسْقَطَ اللَّامَ مِنْ لَعًا لِصُروف الدَّهْرِ وصَيَّر نُونَ لَعًا لَامًا، لِقُرْبِ مَخْرَجِ النُّونِ مِنَ اللَّامِ، هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ كَسَر صُرُوفَ، وَمَنْ نَصَبَهَا جَعَلَ عَلَّ بِمَعْنَى لَعَلَّ فَنَصَب صروفَ الدَّهْرِ، وَمَعْنَى لَعًا لَكَ أَي ارْتِفَاعًا؛ قَالَ ابْنُ رُومان: وَسَمِعْتُ الْفَرَّاءَ يُنْشد عَلِّ صُروفِ الدَّهْرِ، فسأَلته: لِمَ تَكْسِر عَلِّ صُروفِ؟ فَقَالَ: إِنما مَعْنَاهُ لَعًا لِصُروف الدَّهْرِ ودَوْلاتها، فَانْخَفَضَتْ صُروف بِاللَّامِ وَالدَّهْرُ بإِضافة الصُّرُوفِ إِليها، أَراد أَوْ لَعًا لِدَوْلاتها ليُدِلْنَنا مِنْ هَذَا التَّفَرُّقِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ اجْتِمَاعًا ولَمَّة مِنَ اللمَّات؛ قَالَ: دَعا لِصُرُوفِ الدَّهْرِ ولدَوْلاتِها لأَنَّ لَعًا مَعْنَاهُ ارْتِفَاعًا وتخَلُّصًا مِنَ الْمَكْرُوهِ، قَالَ: وأَو بِمَعْنَى الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ أَو دَوْلاتِها، وَقَالَ: يُدِلْنَنا فأَلقى اللَّامَ وَهُوَ يُرِيدُهَا كَقَوْلِهِ: " لَئِنْ ذَهَبْتُ إِلى الحَجَّاج يقتُلني "أَراد لَيَقْتُلني.

ولعَلَّ ولَعَلِّ طَمَعٌ وإِشْفاق، وَمَعْنَاهُمَا التَّوَقُّع لِمَرْجُوٍّ أَو مَخُوف؛ قَالَ الْعَجَّاجُ: " يَا أَبَتا عَلَّك أَو عَساكا "وَهُمَا كَعَلَّ؛ قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: اللَّامُ زَائِدَةٌ مؤَكِّدة، وإِنما هُوَ عَلَّ، وأَما سِيبَوَيْهِ فَجَعَلَهُمَا حَرْفًا وَاحِدًا غَيْرَ مَزِيدٍ، وَحَكَى أَبو زَيْدٍ أَن لُغَةَ عُقَيْل لعَلِّ زيدٍ مُنْطَلِقٌ، بِكَسْرِ اللَّامِ، مِنْ لَعَلِّ وجَرِّ زِيدٍ؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ سُوَيد الغَنَوي:

فَقُلْتُ: ادْعُ أُخرى وارْفَع الصَّوتَ ثَانِيًا، ***لَعَلِّ أَبي المِغْوارِ مِنْكَ قَرِيب

وَقَالَ الأَخفش: ذَكَرَ أَبو عُبَيْدَةَ أَنه سَمِعَ لَامَ لَعَلَّ مَفْتُوحَةً فِي لُغَةِ مَنْ يَجُرُّ بِهَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

لَعَلَّ اللهِ يُمْكِنُني عَلَيْهَا، ***جِهارًا مِنْ زُهَيرٍ أَو أَسيد

وَقَوْلُهُ تعالى: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى}؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: والعِلم قَدْ أَتى مِنْ وَرَاءِ مَا يَكُونُ ولكِن اذْهَبا أَنتما عَلَى رَجائكما وطمَعِكما ومَبْلَغِكما مِنَ العِلم وَلَيْسَ لَهُمَا أَكثرُ مِنْ ذَا مَا لَمْ يُعْلَما، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ كَيْ يتَذَكَّر.

أَخبر" مُحَمَّدُ بْنُ سَلَام عَنْ يُونُسَ أَنه سأَله عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ} و {فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ}، قَالَ: مَعْنَاهُ كأَنك فاعِلٌ ذَلِكَ إِن لَمْ يُؤْمِنُوا، قَالَ: ولَعَلَّ لَهَا مَوَاضِعَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} و {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} و {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ}، قَالَ: مَعْنَاهُ كيْ تتَذَكَّروا كيْ تَتَّقُوا، كَقَوْلِكَ ابْعَثْ إِليَّ بدابَّتك لعَلِّي أَرْكَبُها، بِمَعْنَى كَيْ أَرْكَبَها، وَتَقُولُ: انطَلِقْ بِنَا لعَلَّنا نتَحدَّث أَي كَيْ نتحدَّث؛ قَالَ ابْنُ الأَنباري: لعَلَّ تَكُونُ تَرَجِّيًا، وَتَكُونُ بِمَعْنَى كيْ عَلَى رأْي الْكُوفِيِّينَ؛ وَيُنْشِدُونَ:

فأَبْلُوني بَلِيَّتَكُمْ لَعَلِّي ***أُصالِحُكُم، وأَسْتَدْرِجْ نُوَيّا

وَتَكُونُ ظَنًّا كَقَوْلِكَ لَعَلِّي أَحُجُّ العامَ، وَمَعْنَاهُ أَظُنُّني سأَحُجُّ، كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ: لَعَلَّ مَنايانا تَبَدَّلْنَ أَبْؤُسا "أَي أَظُنُّ مَنَايَانَا تبدَّلنَ أَبؤُسا؛ وَكَقَوْلِ صَخْرٍ الْهُذَلِيِّ:

لعَلَّكَ هالِكٌ أَمَّا غُلامٌ ***تَبَوَّأَ مِنْ شَمَنْصِيرٍ مَقاما

وَتَكُونُ بِمَعْنَى عَسى كَقَوْلِكَ: لعَلَّ عبدَ اللَّهِ يَقُومُ، مَعْنَاهُ عَسى عبدُ اللَّهِ؛ وَذَلِكَ بِدَلِيلِ دُخُولِ أَن فِي خَبَرِهَا فِي نَحْوِ قَوْلِ مُتَمِّم:

لعَلَّكَ يَوْمًا أَن تُلِمَّ مُلِمَّةٌ ***عَلَيْك مِنَ اللَّاتي يَدَعْنَكَ أَجْدَعا

وَتَكُونُ بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِكَ: لَعَلَّك تَشْتُمُني فأُعاقِبَك؟ مَعْنَاهُ هَلْ تشْتُمني، وَقَدْ جَاءَتْ فِي التَّنْزِيلِ بِمَعْنَى كَيْ، وَفِي حَدِيثِ حَاطِبٍ: «وَمَا يُدْريك لَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَّلَع عَلَى أَهل بَدْرٍ فَقَالَ لَهُمُ اعْمَلوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»؛ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَن مَعْنَى لَعَلَّ هَاهُنَا مِنْ جِهَةِ الظَّن والحِسْبان، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وإِنما هِيَ بِمَعْنَى عَسى، وعَسى ولعَلَّ مِنَ اللَّهِ تَحْقِيقٌ.

وَيُقَالُ: عَلَّك تَفْعَل وعَلِّي أَفعَلُ ولَعَلِّي أَفعَلُ، وَرُبَّمَا قَالُوا: عَلَّني ولَعَّنِي ولعَلَّني؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ:

أَرِيني جَوَادًا مَاتَ هُزْلًا، لعَلَّني ***أَرى مَا تَرَيْنَ، أَو بَخِيلًا مُخَلَّدا

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ أَبو عُبَيْدَةَ أَن هَذَا الْبَيْتَ لحُطائط بْنِ يَعْفُر، وَذَكَرَ الْحَوْفِيُّ أَنه لدُرَيد، وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لِحَاتِمٍ مَعْرُوفَةٍ مَشْهُورَةٍ.

وعَلَّ ولَعَلَّ: لُغَتَانِ بِمَعْنًى مِثْلُ إِنَّ ولَيتَ وكأَنَّ ولكِنَّ إِلَّا أَنها تَعْمَلُ عَمَلَ الْفِعْلِ لشبههنَّ بِهِ فَتَنْصِبُ الِاسْمَ وَتَرْفَعُ الْخَبَرَ كَمَا تَفْعَلُ كَانَ وأَخواتها مِنَ الأَفعال، وَبَعْضُهُمْ يخفِض مَا بَعْدَهَا فَيَقُولُ: لعَلَّ زيدٍ قائمٌ؛ سَمِعَهُ أَبو زَيْدٍ مِنْ عُقَيل.

وَقَالُوا لَعَلَّتْ، فأَنَّثُوا لعَلَّ بِالتَّاءِ، وَلَمْ يُبْدِلوها هَاءً فِي الْوَقْفِ كَمَا لَمْ يُبْدِلُوهَا فِي رُبَّتْ وثُمَّت ولاتَ، لأَنه لَيْسَ لِلْحَرْفِ قوَّةُ الِاسْمِ وتصَرُّفُه، وَقَالُوا لعَنَّك ولغَنَّك ورَعَنَّكَ ورَغَنَّك؛ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْبَدَلِ، قَالَ يَعْقُوبُ: قَالَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ أَبا النَّجْمِ يَقُولُ: " أُغْدُ لَعَلْنا فِي الرِّهان نُرْسِلُه "أَراد لعَلَّنا، وَكَذَلِكَ لَأَنَّا ولَأَنَّنا؛ قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبا الصَّقْر يُنْشِدُ:

أَرِيني جَوَادًا مَاتَ هُزْلًا، لَأَنَّنِي ***أَرَى مَا تَرَيْنَ، أَو بَخِيلًا مُخَلَّدا

وَبَعْضُهُمْ يقول: لَوَنَّني.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


57-لسان العرب (سحا)

سحا: سَحَوْتُ الطِّينَ عَنْ وجْهِ الأَرض وسَحَيْته إِذَا جَرَفْته.

وسَحَا الطِّينَ بالمِسْحاة عَنِ الأَرض يَسْحُوه ويَسْحِيه ويَسْحاه سَحْوًا وسَحْيًا: قَشَره، وأَنا أَسْحَاه وأَسْحُوه وأَسْحِيه، ثلاثُ لُغَاتٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبو زَيْدٍ أَسْحِيه.

والمِسْحَاة الْآلَةُ الَّتِي يُسْحَى بِهَا.

ومُتَّخِذ المَسَاحِي السَحَّاءُ، وحِرْفَتُه السِّحَايَةُ؛ وَاسْتَعَارَهُ رُؤْبَةُ لِحَوَافِرِ الحُمُر فَقَالَ: " سَوَّى مَسَاحِيهِنَّ تَقْطِيطَ الحُقَقْ فسمَّى سَنابكَ الحُمُر مَساحِيَ لأَنها يُسْحَى بِهَا الأَرضُ.

والمِسْحَاة: المِجْرَفة إِلَّا أَنها مِنْ حَدِيدٍ، وَفِي حَدِيثِ خَيْبَرَ: « فَخَرَجُوا بمسَاحِيهِم »؛ المَسَاحِي جَمْعُ مِسْحَاة وَهِيَ المِجرفة مِنَ الْحَدِيدِ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ لأَنه مِنَ السَّحْو الكَشْف والإِزالة.

وسَحَى القِرْطاس والشَّحْمَ واسْتَحَى اللحمَ: قَشَرة؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

وكلُّ مَا قُشِرَ عن شيء سِحايَةٌ.

وسَحْوُ الشَّحمِ عَنِ الإِهاب: قَشْرُه، وَمَا قُشِرَ عَنْهُ سِحاءَة كسِحاءَةِ النَّواةِ وسِحاءَة الْقِرْطَاسِ.

والسَّحا والسَّحاة والسِّحاءَةُ والسِّحاية: مَا انْقَشَر مِنَ الشَّيْءِ كسِحاءَةِ النَّواة وَالْقِرْطَاسِ.

وسيلٌ ساحِيةٌ: يَقْشِرُ كلُّ شَيْءٍ ويجرُفه، الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرى اللِّحْيَانِيُّ حَكَى سَحَيْت الجَمْرَ جَرَفْته، وَالْمَعْرُوفَ سخَيْت بِالْخَاءِ.

وَمَا فِي السَّمَاءِ سِحاءَةٌ مِنْ سَحَابٍ أَي قِشْرة عَلَى التَّشْبِيهِ أَي غَيمٌ رَقِيقٌ.

وسِحايَة القِرْطاس وسِحَاءته، مَمْدُودٌ، وسَحاتُه: مَا أُخِذَ مِنْهُ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيُّ.

وسَحا مِنَ القِرْطاس: أَخذ مِنْهُ شَيْئًا.

وسَحَا القِرْطاسَ سَحْوًا وسَحّاه: أَخذ مِنْهُ سِحاءَةً أَو شدَّة بِهَا.

وسَحا الكتابَ وسَحَّاهُ وأَسْحَاه: شَدَّه بسِحاءة، يُقَالُ مِنْهُ سَحَوْته وسَحَيْته، وَاسْمُ تِلْكَ الْقِشْرَةِ سِحَايَة وسِحاءَةٌ وسَحَاةٌ.

وسَحَّيْت الْكِتَابَ تَسْحِيَة: لشدِّه بِالسَّحَّاءَةِ، وَيُقَالُ بالسِّحاية.

الْجَوْهَرِيُّ: وسِحاءُ الْكِتَابِ، مَكْسُورٌ مَمْدُودٌ، الْوَاحِدَةُ سِحاءَة، وَالْجَمْعُ أَسحِيةٌ.

وسَحَوْت القِرطاسَ وسَحَيْته أَسْحاهُ إِذَا قَشَرْته.

وأَسْحَى الرجلُ إِذَا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الأَسْحِيةُ.

وَإِذَا شَدَدْت الكتابَ بسِحاءَةٍ قُلْتُ: سَحَّيته تَسْحِية، بِالتَّشْدِيدِ، وسَحَيْته أَيضًا، بِالتَّخْفِيفِ.

وانْسَحَت اللِّيطة عَنِ السَّهم: زَالَتْ عَنْهُ.

والأُسْحِيَّة: كلُّ قِشْرة تَكُونُ عَلَى مَضائِغِ اللَّحْمِ مِنَ الجِلْدِ.

وسِحاءة أُمِّ الرأْس: الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الدِّمَاغُ.

وسحاةُ كلِّ شَيْءٍ أَيضًا: قِشرُه، وَالْجَمْعُ سَحًا.

وَفِي حَدِيثِ أمِّ حَكِيمٍ: « أَتَتْه بكَتِفٍ تَسْحَاها »أَي تَقْشِرُها وتكشِطُ عَنْهَا اللَّحم؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: « فَإِذَا عُرْضُ وَجهِه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مُنْسَحٍ »أَي مُنْقَشِرٌ.

وسَحى شعرَه واسْتَحَاه: حَلَقَه حَتَّى كأَنه قَشَرَه.

واسْتَحَى اللحمَ: قَشَرَه، أُخِذَ مِنْ سِحاءة الْقِرْطَاسِ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

وسِحَاءَتَا اللِّسَانِ: ناحِيَتاه.

ورجلٌ أُسْحُوان: جميلٌ طويلٌ.

والأُسْحُوان، بِالضَّمِّ: الكثيرُ الأَكل.

والسَّحَاءَة والسَّحَاءُ مِنَ الْفَرَسِ: عِرْقٌ فِي أَسفل لسانه.

والسَّاحِيَة: المَطْرة الَّتِي تَقْشِر الأَرض وَهِيَ الْمَطَرَةُ الشَّدِيدَةُ الوَقْع؛ وأَنشد: " بساحِيَةٍ وأَتْبَعَها طِلالا "والسِّحَاء: نبتٌ تأْكله النَّحلُ فَيَطِيبُ عسلُها عَلَيْهِ، وَاحِدَتُهُ سِحَاءَة.

وَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عاملٍ لَهُ: أنِ ابْعثْ إِلَيَّ بعَسلٍ مِنْ عَسلِ النَّدْغِ والسِّحاء أَخضَر فِي الإِناء؛ النَّدْغُ والنِّدْغُ: بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: السَّعتر البَرِّي، وَقِيلَ: شَجَرَةٌ خَضْرَاءُ لَهَا ثَمَرَةٌ بيضاءُ.

والسِّحَاء، بِالْمَدِّ وَالْكَسْرِ: شَجَرَةٌ صَغِيرَةٌ مِثْلَ الْكَفِّ لَهَا شَوْكٌ وَزَهْرَةٌ حَمْرَاءُ فِي بَيَاضٍ تُسمَّى زَهرتها البَهْرَمة، قَالَ: وَإِنَّمَا خصَّ هَذَيْنِ النَّبْتَيْنِ لأَن النحلَ إِذَا أَكلتهما طَابَ عسلُها وجادَ.

والسَّحَاة، بِفَتْحِ السِّينِ وَبِالْقَصْرِ: شَجَرَةٌ شاكةٌ وَثَمَرَتُهَا بيضاءُ، وَهِيَ عُشبة مِنْ عُشب الرَّبِيعِ مَا دَامَتْ خَضْرَاءَ، فَإِذَا يَبِسَتْ فِي الْقَيْظِ فَهِيَ شَجَرَةٌ، وَقِيلَ: السِّحَاءُ والسَّحَاةُ نبتٌ يأْكله الضَّبُّ.

وضبٌّ سَاحٍ حابِلٌ إِذَا رَعى السِّحاءَ والحُبْلَة.

والسَّحَاة: الخُفّاشُ، وَهِيَ السَّحَا والسِّحَاء، إِذَا فُتِحَ قُصِرَ، وَإِذَا كُسِرَ مُدَّ.

الْجَوْهَرِيُّ: السَّحَا الخُفّاشُ، الْوَاحِدَةُ سَحَاةٌ، مفتوحانِ مَقْصُورَانِ؛ عَنِ النَّضْرِ إبن شُمَيْلٍ.

وسَحَوْت الجَمْر إِذَا جَرَفْته، وَالْمَعْرُوفُ سَخَوْت، بِالْخَاءِ.

والسَّحَاة: النَّاحِيَةُ كالساحةِ؛ يُقَالُ: لَا أَرَيَنَّك بسَحْسَحي وسَحَاتي؛ وأَما قَوْلُ أَبي زُبَيْد:

كأَنَّ أَوْبَ مَسَاحِي القومِ، فَوْقَهُمُ، ***طَيرٌ تَعِيفُ عَلَى جُونٍ مَزاحِيفِ

شبَّه رَجْع أَيدي القوم بالمَسَاحِي المُعْوَجَّة الَّتِي يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ كَنَنْد فِي حَفْرَ قبرِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِطَيْرٍ تَعِيف عَلَى جُونٍ مَزاحِيف؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالَّذِي فِي شِعْرِ أَبي زُبيد: " كأَنَّهُنَّ بأَيدي الْقَوْمِ فِي كَبَدٍ "سخا: السَّخَاوَة والسَّخَاءُ: الجُودُ.

والسَّخِيُّ: الجَوَادُ، وَالْجَمْعُ أَسْخِيَاء وسُخَواءُ؛ الأَخيرة عَنِ اللحياني وابن الأَعرابي، وامرأَة سَخِيَّة مِنْ نِسْوة سَخِيّاتٍ وسَخَايا، وَقَدْ سَخَا يَسْخَى ويَسْخُو سَخَاءً.

وسَخِيَ يَسْخَى سَخًا وسُخُوَّةً.

وسَخُوَ الرجلُ يَسْخُو سَخاءً وسُخُوًّا وسَخاوَةً أَي صَارَ سَخِيًّا، وأَما اللِّحْيَانِيُّ فَقَالَ: سَخَا يَسْخُو سَخَاءً، مَمْدُودٌ، وسُخُوًّا، وسَخِيَ سَخَاءً، مَمْدُودٌ أَيضًا، وسُخُوَّةً.

وسَخَّى نفْسَه عَنْهُ وبنَفْسِه: تَرَكَهُ.

وسَخَّيْتُ نَفْسِي عَنْهُ: تَركته وَلَمْ تُنَازِعْنِي نَفْسِي إِلَيْهِ.

وَفُلَانٌ يتَسَخَّى عَلَى أَصحابه أَي يتكَلّف السَّخاء، وَإِنَّهُ لسَخِيُّ النَّفْس عَنْهُ.

الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُ عَمْرُو بْنُ كُلْثوم:

مُشَعْشَعَةً، كأَنَّ الحُصَّ فِيهَا، ***إِذَا مَا الماءُ خالَطَها سَخِينا

أَي جُدْنا بأَموالِنا.

قَالَ: وَقَوْلُ مَنْ قَالَ سَخِينا، مِنَ السُّخُونةِ، نصبٌ عَلَى الْحَالِ، فَلَيْسَ بشيءٍ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ الْقِطَاعِ الصَّوَابُ مَا أَنكره الْجَوْهَرِيُّ مِنْ ذَلِكَ.

وَيُقَالُ: إِنَّ السَّخاء مأْخوذ مِنَ السَّخْو، "وَهُوَ الموضِعُ الَّذِي يُوَسَّعُ تَحْتَ القِدْرِ لِيَتَمَكَّنَ الوَقُودُ لأَنّ الصدرَ أَيضًا يتّسِعُ للعَطيَّة، قَالَ: قَالَ ذَلِكَ أَبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ.

وسَخَوْت النارَ وسَخا النارَ يَسْخُوها ويَسْخَاها سَخْوًا وسَخْيًا: جعَلَ لَهَا مَذْهبًا تَحْتَ القِدْر، وَذَلِكَ إِذَا أَوْقَدْتَ فاجتمعَ الجَمْرُ والرَّمادُ ففَرَّجْتَه.

أَبو عَمْرٍو: سَخَوْت النارَ أَسْخُوها سَخْوًا وسَخِيتها أَسْخَاها سَخْيًا مِثَالُ لَبِثْتُ أَلْبَثُ لَبْثًا.

الغَنَوي: سَخَى النارَ وصَخاها إِذَا فتَحَ عيْنَها.

وسَخَا القِدْرَ سَخْوًا وسَخَاها سَخْيًا: جعلَ للنارِ تَحْتَهَا مَذْهَبًا.

وسَخى القِدْرَ سَخْيًا: فرَّجَ الجَمرَ تَحْتَهَا، وسَخَاها سَخْوًا أَيضًا: نَحَّى الجَمرَ مِنْ تَحْتِهَا.

وَيُقَالُ: اسْخَ نارَكَ أَيِ اجعلْ لَهَا مَكَانًا تُوقد عَلَيْهِ؛ قَالَ:

ويُرْزِمُ أَن يَرَى المَعْجُونَ يُلْقى ***بسَخْيِ النارِ، إرْزامَ الفَصيلِ

وَيُرْوَى: بسَخْوِ النَّارِ، إرْزامَ الفَصيل "أَي بمَسْخى النارِ فوضَعَ المصدرَ مَوْضِعَ الِاسْمِ، ويُرْزِمُ أَي يُصَوِّتُ؛ يَصِفُ رجُلًا نَهِمًا إِذَا رأَى الدَّقِيقَ المَعْجونَ يُلْقى عَلَى سَخْي النارِ أَي موضعِ إيقادِها يُرْزِمُ إرْزامَ الفَصيل.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَفِي كِتَابِ الأَفعال سَخَوْت النارَ وسخَيْتها وسَخِيتها وأَسْخَيْتها بِمَعْنًى.

والسَّخاةُ: بَقْلة رَبيعيَّة، وَالْجُمَعُ سَخًا؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: السَّخَاءَةُ بَقلة ترْتَفِعُ عَلَى ساقٍ لَهَا كهيئةِ السُّنْبُلة، وَفِيهَا حَبٌّ كَحَبِّ اليَنْبُوت ولُبابُ حَبِّها دَوَاءٌ لِلْجُرُوحِ، قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ لَهَا الصَّخاءَة أَيضًا، بِالصَّادِّ مَمْدُودٌ، وَجَمْعُ السَّخَاءَة سخاءٌ، وَهَمْزَةُ السَّخاءَةِ ياءٌ لأَنها لامٌ، وَاللَّامُ يَاءٌ أَكثر مِنْهَا وَاوًا.

وسَخا يَسْخُو سَخْوًا: سَكَنَ مِنْ حَرَكَتِهِ.

والسَّخاويُّ: الأَرضُ اللَّيِّنة الترابِ مَعَ بُعدٍ، واحدتُه سَخاوِيَّةٌ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَذَا قَالَ أَبو عُبَيْدٍ الأَرض، وَالصَّوَابُ الأَرَضون.

وَقِيلَ: سَخَاوِيُّها سَعَتُها؛ وَمَكَانٌ سَخاوِيٌّ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: السَّخَاوِيُّ مِنَ الأَرض الواسِعة الْبَعِيدَةُ الأَطراف، والسَّخَاوِيُّ مَا بَعُد غَوْلُه؛ وأَنشد:

تَنْضُو المَطِيُّ، إِذَا جَفَّتْ ثَمِيلتُها، ***فِي مهْمَهٍ ذِي سَخَاوِيٍّ وغيطانِ

والسَّخْوَاءُ: الأَرض السَّهْلة الْوَاسِعَةُ، وَالْجَمْعُ السَّخَاوِي والسَّخَاوَى مِثْلَ الصَّحاري والصَّحارى؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ:

أَتاني وعِيدٌ، والتَّنائِفُ بينَنا ***سخاوِيُّها، والغائِطُ المُتَصوِّبُ

أَبو عَمْرٍو: السَّخَاوِيُّ مِنَ الأَرض الَّتِي لَا شَيْءَ فِيهَا، وَهِيَ سَخَاوِيَّة؛ وَقَالَ الْجَعْدِيُّ: " سَخَاوِيُّ يَطْفُو آلُها ثُمَّ يَرْسُبُ "والسَّخا، مقصورٌ: ظَلْعٌ يصيبُ البعيرَ أَو الفصيلَ بأَنْ يَثِب بالحِمْل الثَّقِيلِ فتَعترِضَ الريحُ بَيْنَ الجِلد والكَتِفِ.

يُقَالُ: سَخِيَ البعيرُ، بِالْكَسْرِ، يَسْخى سَخًا، فَهُوَ سَخٍ، مَقْصُورٌ مِثْلَ عَمٍ؛ حكاه يعقوب.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


58-تهذيب اللغة (عل)

عل: قال أبو زيد في كتاب «النوادر»: يقال هما أخوان من عَلّة، وهما ابنا عَلّةٍ، إذا كانت أُمَّاتهما شتّى والأب واحد وهم بنو العَلَّات، وهم من عَلَّات، وهم إخوةٌ من عَلَّةٍ وعَلَّاتٍ.

كلُّ هذا من كلامهم.

ونحن أخَوَانِ من عَلّة، وهو أخي من عَلّة: من ضَرّتين، ولم يقولوا من ضَرّة.

والعَلّة: الرابَّة.

وبنو العَلَّات: بنو رجلٍ واحدٍ من أُمَّهاتٍ شتّى.

وقال ابن شميل: هو بنو عَلّةٍ وأولاد عَلّة.

وقال أوس بن حَجَر:

وهمْ لمقلِّ المال أولادُ عَلّةٍ *** وإن كان محضًا في العمومة مُخْوَلا

أبو عبيد عن الأصمعيّ: تعلَّلتُ بالمرأة تعلُّلًا، أي لهوتُ بها.

ويقال علَّلَنا فلانٌ بأغانيهِ، إذا غنّاهم بأغنيّة بعد أخرى.

وقال أبو عمرو: العليلة: المرأة المطيَّبة

طيبًا بعد طِيب.

قال: ومنه قول امرىء القيس:

ولا تُبعِدِيني من جَنَاكِ المُعلَّلِ

أي: المطيَّب مرة بعد أخرى.

ومن رواه «المعلِّل» فهو الذي يعلِّل مُترشِّفه بالريق.

وقال ابن الأعرابي: المعلِّل: المُعِين بالبرّ بعد البرّ.

قال: والمعلِّل: دافع جابي الخَراج بالعِلل.

وفي الحديث: «يتوارث بنو الأعيان من الأخوات دون بني العَلّات»، أي يتوارث بنو الإخوة للأب والأمّ دون الإخوة للأب.

والعِلال هو الحلب قبل استيجاب الضرع للحلب بكثرة اللبن.

وقال بعض الأعراب فيه:

العَنز تعلم أنّى لا أكرّمها *** عن العِلالِ ولا عن قِدر أضيافي

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: العُلالة والعُراكة والدُّلاكة: ما حلبتَه قبل الفِيقة الأولى وقبل أن تجتمع الثانية.

ويقال لأوّل جري الفرس بُداهتُه، وللذي يكون بعده عُلالته.

وقال الأعشى:

إلّا عُلالةَ أو بُدا *** هةَ سابحٍ نهد الجُزاره

علَ ولعلَ حرفان وُضِعا للترجّي في قول النحويّين.

وأثبِتَ عن ابن الأنباريّ أنه قال: لعلّ يكون ترجيًا، ويكون بمعنى كي، ويكون ظنًّا كقولك: لعلّي أحجّ العامَ، معناه أظنُّني سأحجّ.

ويكون بمعنى عَسَى لعل عبد الله يقوم معناه عسى عبد الله.

ويكون بمعنى الاستفهام كقولك: لعلَّك تشتمني فأعاقبَك، معناه هل تشتمني؟

وأخبرني المنذريّ عن الحسين بن فهم أنّ محمد بن سلّام أخبره عن يونس أنه سأله عن قول الله تعالى: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ} [الكهف: 6]، و {فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ} [هود: 12] قال: معناه كأنّك فاعل ذلك إن لم يؤمنوا.

قال: ولعلّ لها مواضع في كلام العرب، من ذلك قوله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النُّور: 27] و {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [طه: 113] و {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} [طه: 44] قال: معناه كي تذكروا، وكي يتقوا، كقولك: ابعثْ إليّ بدابّتك لعلّي أركبها، بمعنى كي.

قال: وتقول انطلقْ بنا لعلّنا نتحدّث، أي كي نتحدّث.

الحرّاني عن ابن السكيت: في لعلّ لغات، يقول بعض العرب لعلّي، وبعضهم لعلّني، وبعضهم لعَنِّي، وبعضهم عَلِّي، وبعضهم علِّني، وبعضهم لأنّي، وبعضهم لأنّني، وبعضهم لوَنَّني.

وقال العجاج حاكيًا قول ابنته:

يا أبتا عَلَّكَ أو عساكا

ويقال: تعاللتُ نفسي وتلوَّمْتها، أي استزدتها.

أبو عبيد عن الأصمعيّ: إذا وردت الإبلُ الماءَ فالسَّقْية الأولى النَّهَل، والثانية العَلَل.

قلت: وسمعتُ العرب تقول: عَلَّت الإبل تَعِلّ، إذا شربت الشربة الثانية، وقد عللتُها أنا أعُلُّها، بضم العين.

وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ: علّ الرجلُ يَعِلُ من المرض، وعلّ يعِلّ ويَعُلُ من عَلَل الشَّراب.

وقد اعتلَ العليل عِلَّةً صعبة.

وقال أبو عبيد: يقال عرضَ عليَ سَومَ عالَّةٍ، إذا عرضَ عليك الطّعامَ وأنت مُستغنٍ عنه، وهو كقولهم: عَرْضَ سابِرِيٍّ.

أبو عبيد: العَلُ: الكبير المُسِنّ.

والعَلُ: القُراد.

والجمع أعلال.

قاله الأصمعيّ، قال: وبه شبِّه الرجل الضعيف، فيقال كأنّه عَلّ.

أبو عبيد عن أبي عبيدة: اليعلول: المطر بعد المطر، وجمعه اليعاليل.

قال: واليعاليل أيضًا: حَباب الماء.

قال: وقال الأصمعي: اليعلول: غدير أبيض مطّرد.

قال: وهو السَّحاب المطَّرد أيضًا.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ: العُلعُل: اسم ذكر الرجُل.

والعُلعل: ذكر القَنَابر.

والعُلعُل: طرف الضِّلع التي تُشرف على الرَّهابة وهي طرف المعدة.

قال: ويُجمع العلعلُ منها كلها على عُلُل وعَلالل.

قال: والعُلُل أيضًا: جمع العَلول، وهو ما يعلَّل به المريض من الطعام الخفيف، فإذا قوِيَ أكله فهو الغُلُل جمع غَلول.

وقال اللِّحياني: عاللت الناقةَ عِلالًا، إذا حلبتَها صباحًا ومساءً ونصف النهار وقال أبو زيد: العُلالة: أن تحلب الناقة أوّلَ النهار وآخرَه وتحلب وسط النهار، فتلك الحلبة الوسطى هي العُلالة، وقد يُدعَى كلُّهن عُلالة.

وقال الفراء: يقال إنه لفي عُلعُولِ شرٍّ وزُلزُول شَرّ، أي في قتال واضطراب.

وقال أبو سعيد: تقول العرب: أنا عَلَّانُ بأرضِ كذا كذا، أي جاهل.

قال: وامرأة علّانة: جاهلة.

قال: وهي لغة معروفة.

قلت: لا أعرف هذا الحرف ولا أدري من رواه عن أبي سعيد.

وقال الفراء: العرب تقول للعاثر: لعًا لك وتقول عَلْ ولَعَلْ، وعَلَّك ولعلَّك واحد.

وقال الفرزدق:

إذا عثَرت بي قلت عَلّكِ وانتهى *** إلى باب أبواب الوليد كلالُها

وأنشد أيضًا:

فهنّ على أكتافهم ورماحهم *** يقلن لمن أدركن تَعْسًا ولا لَعَلْ

قلت: شُدِّدت اللام في قولهم عَلَّكِ لأنهم أرادوا عَلْ لك.

وكذلك لعلَّك إنما هو لَعَلْ لك.

ثعلب عن ابن الأعرابي: يقال للبعير ذي السَّنامين: يَعلول، وقِرعَوْس، وعُصفوريّ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


59-تهذيب اللغة (سمع)

سمع: أبو زيد: يقال لسمع الأذن: المِسْمَع وهو الخَرْق الذي يُسمَع به.

وقد يقال لجميع خُرُوق الإنسان.

عينيه ومَنْخِريه وإسته: مَسَامع، لا يفرد واحدها.

الحرّاني عن ابن السكيت: السَّمْع سِمْع الإنسان وغيره.

ويقال: قد ذهب سِمْعُ فلان في الناس وصِيتُه أي ذِكْره.

قال: والسِّمْعُ أيضًا: ولد الذئب من الضَبُع.

ويقال: سِمْع أزَلّ.

قال: وقال الفرّاء: يقال: اللهم سِمْعٌ لا بِلْغٌ وسَمْعٌ لا بَلْغٌ وسَمْعًا لا بَلْغًا وسِمْعًا لا بِلْغًا معناه: يُسْمَعُ ولا يَبْلغُ.

قال وقال الكسائي: إذا سمع الرجل الخبر لا يعجبه قال: سِمْعٌ لا بِلْغٌ وسَمْعٌ لا بَلْغٌ أي أسْمَعُ بالدواهي ولا تَبْلغني.

الليث: السَّمْع: الأُذُن وهي المِسْمَعَةُ.

قال: والمِسْمَعُ: خَرْقها.

والسِّمْعُ: ما وَقَر فيها من شيء تسمعه.

ويقال أساء سَمْعًا فأساء جَابَة أي لم يسمع حَسَنًا.

قال وتقول العرب: سَمِعَتْ أذني زيدًا يفعل كذا أي أبصرْتُه بعيني يفعل ذاك.

قلت: لا أدري من أين جاء الليث بهذا الحرف، وليس من مذاهب العرب أن يقول الرجل: سَمِعَتْ أذني بمعنى أبصرتْ عيني وهو عندي كلام فاسد، ولا آمن أن يكون ممّا ولّده أهل البِدَع والأهواء وكأنه من كلام الجَهْميَّة وقال الليث: السّمَاعُ: اسم ما استلذَّت الأذنُ من صوتٍ حسنٍ.

والسَّمَاعُ أيضًا ما سَمِعْتَ به فشاع وتُكُلِّمَ به.

والسَّامِعَتَان: الأذنان من كل ذي سَمْعٍ، ومنه قوله:

وَسَامِعَتَانِ تعرف العِتْق فيهما *** كَسَامِعَتَيْ شاةٍ بحَوْمَلِ مُفْرَدِ

و {السَّمِيعُ} من صفات الله وأسمائه.

وهو الذي وسِعَ سَمْعُهُ كلّ شيء؛ كما قال النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم.

قال الله تبارك وتعالى: {قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها} [المجادلة: 1] وقال في موضع آخر: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى} [الزخرف: 80] قلت: والعَجَب من قوم فسَّروا السَّمِيع بمعنى المُسْمِع، فرارًا من وصف الله بأن له سَمْعًا.

وقد ذكر الله الفعل في غير موضع من كتابه.

فهو سَمِيعٌ: ذو سَمْعٍ بلا تكييف ولا تشبيه بالسميع من خَلْقه، ولا سَمْعُه كسمع خَلْقه، ونحن نَصِفُهُ بما وصف به نفسه بلا تحديد ولا تكييف.

ولست أنكر في كلام العرب أن يكون السَّمِيعُ سَامِعًا، ويكون مُسمِعًا.

وقد قال عمرو بن مَعْدِي كَرِبَ:

أمِنْ ريحانة الداعي السَّمِيعُ *** يؤرِّقني وأصحابي هجوعُ

وهو في هذا البيت بمعنى المُسْمِع، وهو شاذّ؛ والظاهر الأكثر من كلام العرب أن يكون السميع بمعنى السامع، مثل عليم وعالم وقدير وقادر.

ورجلٌ سَمَّاعٌ إذا كان كثير الاستماع لما يقال ويُنْطَق به.

قال الله جلّ وعزّ: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] وفُسِّرَ قوله: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} على وجهين أحدهما: أنهم يسمعون لكي يكذبوا فيما سمعوا.

ويجوز أن يكون معناه: أنهم يسمعون الكذب ليُشيعوه في الناس والله أعلم بما أراده.

عمرو عن أبيه أنه قال: من أسماء القيد المُسْمِعُ.

وأنشد:

وَلِي مُسْمِعَانِ وَزَمَّارَةٌ *** وظلٌّ ظليلٌ وحصْنٌ أَمَقْ

أراد بالزمّارة: السّاجور.

وكتب الحجّاج إلى عامل له: أن ابعثْ إليّ فلانًا مُسَمَّعًا مُزَمَّرًا أي مَقيَّدًا مُسَوْجَرًا.

وقال الزجّاج: المِسْمَعَانِ جَانِبا الغَرْب.

وقال أبو عمرو: المِسْمَعُ العُرْوة التي تكون في وسط المزادة.

ووسط الغَرْب ليعتدل.

أبو عبيد عن الأحمر قال: المِسْمَعَانِ: الخشبتان اللتان تُدْخَلان في عُرْوتي الزَبِيل إذا أخْرج به التراب من البئر، يقال منه: أسمَعتُ الزَبِيل.

وروى أبو العباس عن أبي نصر عن الأصمعي قال: المِسْمَعُ عُرْوة في داخل الدلو بإزائها عروة أخرى، فإذا استَثقل الصبيُّ أو الشيخ أن يستقي بها جمعوا بين العُرْوتين وشدّوهما لتخفّ.

وأنشد:

سألتُ زيدًا بعد بَكْرٍ خُفَّا *** والدَلْوُ قد تُسْمَعُ كَيْ تَخِفَّا

قال: سأله بَكْرًا من الإبل فلم يعطه، فسأله خُفًّا أي جَمَلًا مُسِنًّا.

وقال آخر:

ونَعْدِلُ ذا المَيْلِ إنْ رَامَنَا *** كما عُدِلَ الغَرْبُ بالمِسْمَعِ

وسمعت بعض العرب يقول للرجلين اللذين ينزِعان المِشْئاة من البئر بترابها عند احتفارها، أسْمِعَا المِشْئاة أي أبيناها عن جُول الرَكِيَّة وفمها.

وقال الله جلّ وعزّ: {خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ} [البقرة: 7] فمعنى خَتَمَ:

طَبَعَ على قلوبهم بكفرهم، وهم كانوا يسمعون ويبصرون، ولكنهم لم يستعملوا هذه الحواسّ استعمالًا يُجدي عليهم؛ فصاروا كمن لم يسمع ولم يبصر ولم يعقل؛ كما قال الشاعر:

أصَمُّ عَمَّا ساءه سَمِيعُ

وأما قوله: على سمعهم فالمراد منه على أسماعهم.

وفيه ثلاثة أوجه أحدها: أن السمع بمعنى المصدر، والمصدر يوحّد يراد به الجميع.

والثاني أن يكون المعنى على مواضع سمعهم، فحذفت المواضع كما تقول: هم عَدْلٌ أي ذوو عَدْلٍ.

والوجه الثالث: أن يكون إضافته السمع إليهم دالًا على أسماعهم؛ كما قال:

في حَلْقكم عَظْم وقد شَجِينا

معناه: في حلوقكم.

ومثله كثير في كلام العرب.

ورُوِي عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه قال: «من سَمَّعَ الناس بعمله سَمَّعَ الله به سَامِعُ خَلْقِه وحقّره وصغّره».

ورواه بعضهم: أسَامِعَ خَلْقِه.

قال أبو عبيد: قال أبو زيد: يقال سَمَّعْتَ بالرجل تسميعًا إذا ندَّدت به وشهَّرته وفضحته.

قال: ومَن روى سامعُ خَلْقِه فهو مرفوع أراد: سَمَّعَ الله سامعُ خلقه به أي فضحه.

ومن رواه أسَامِع خلقه فهو منصوب، وأسَامِع جمع أسْمُع وهو جمع السَّمْع، ثم أسَامِعُ جمع الأَسْمُع.

يريد إن الله ليسمع أسماع خلقه بهذا الرجل يوم القيامة.

والسُّمْعَةُ: ما

سَمَّعْتَ به من طعام أو غيره رياءً.

وسَمَّعْت بفلان في الناس إذا نوَّهتَ بذكره.

وحدّثنا أبو القاسم بن مَنيع قال: حدّثنا محمد بن ميمون قال: حدّثنا سفيان قال: حدثنا الوليد بن حرب عن سَلمة بن كُهَيل عن جندب البَجَليّ قال: سمعت رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم يقول: «من سمَّع يسمّع الله به، ومن يُراء يراءِ الله به».

زاد هذا الجنيد عن سفيان بإسناده.

أبو عبيد عن أبي زيد في المؤلف: شتَّرت به تشتيرًا ـ بالتاء ـ وندَّدت به وسمَّعت به وهجَّلت به إذا أسمعته القبيح وشتمته.

قال الأزهري: من التسميع بمعنى الشتم وإسماع القبيح قول النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «من سمَّع يُسمِّع الله به» أبو عبيد عن الأصمعي أو الأموي: السّمَعْمَعُ: الصغيرُ الرأس.

ورَوَى شمر عن ابن الكلبي أن عَوَانَة حَدَّثه أن المغيرة سأل ابن لِسَان الحُمَّرة عن النساء، فقال: النساء أربع: فربيع مُرْبع.

وجَميعٌ تَجمع.

وشيطانٌ سَمَعْمَع.

ويروى سُمَّعَ، وغُلٌّ لا يُخْلَع.

قال: فَسِّرْ.

قال: الربيع المُرْبعُ: الشابَّة الجميلة، التي إذا نظرْت إليها سرّتك، وإذا أقسمت عليها أبَرّتك.

وأمَّا الجميع التي تَجمع فالمرأة تَزَوَّجُها ولك نَشَبٌ ولها نَشَبٌ فتجمع ذلك.

وأمَّا الشيطان السَّمَعْمَع فهي الكالحة في وجهك إذا دَخَلْتَ، المولولِة في أثرك إذا خرجتَ.

قال شمر: وقال بعضهم امرأة سَمَعْمَعَة كأنها غُول.

قال: والشيطان الخبيث يقال له سَمَعْمَع.

قال: وأما الغُلّ الذي لا يُخْلع فبنت عمك القصيرة الفوهاء، الدَمِيمة السوداء، التي قد نَثَرتْ لك ذا بطنِها.

فإن طلّقتها ضاع ولدك، وإن أمسكْتها أمسكْتها على مثل جَدْع أنفك.

وقال الليث: السَّمَعْمَع من الرجال: المنكمش الماضي.

قال: وغُولٌ سَمَعْمَعٌ وامرأة سَمَعْمَعةٌ كأنها غولٌ أو ذئبةٌ.

والمِسْمَعان الأذنان، يقال: إنه لطويل المِسْمَعَين.

وقال الليث: السميعان من أدوات الحرّاثين: عودان طويلان في المِقْرَن الذي يُقْرن به الثَوْران لحراثة الأرض.

وقال أبو عبيد عن أبي زيد: امرأةٌ سُمْعُنَّة نُظْرُنَّة، وهي التي إذا سَمِعتْ أو تبصّرتْ فلم تر شيئًا تظنَّتْ تَظَنِّيًا أي عمِلتْ بظنّ.

قال وقال الأحمر أو غيره: سِمْعَنَّةٌ نِظْرَنَّةٌ.

وأنشد:

إنَّ لنا لكَنَّهْ مِعَنَّة *** مِفَنَّهْ سِمْعَنَّةً نِظْرَنَّهْ

إلَّا ترهْ تَظُنَّهْ *** كالذئب وَسْطَ العُنَّهْ

وقال أبو زيد: يقال فعلتُ ذلك تَسْمِعَتَكَ وتَسْمِعَةً لك أي لِتَسْمَعَهُ.

وفي حديث قَيْلَة أن أختها قالت: الويلُ لأختي، لا تخبرها بكذا فتخرجَ بين سمع الأرض وبصرها.

قال أبو زيد: يقال خرج فلان بين سَمْعِ الأرض وبصرها إذا لم يَدْرِ أين يتوجَّه.

وقال أبو عبيد: معنى قولها: تخرج أختي معه بين سمع الأرض وبصرها: أن الرجل يخلو بها ليس معها أحد يسمع كلامها أو يبصرها إلّا الأرض القَفْر، ليس أن الأرض لها سَمْع ولكنها وَكّدت الشناعة في خلوتها بالرجل الذي صحبها.

وقيل معناه: أن تخرج بين سَمْع أهل الأرض

وأبصارهم، فحذفت الأهل كقول الله جلّ وعزّ: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أي أهلها.

وقال ابن السكيت: يقال لقِيته يمشي بين سَمْع الأرض وبصرها أي بأرضٍ خلاءٍ ما بها أحد.

قلت: وهذا يقرب من قول أبي عبيد، وهو صحيح.

وقال بعضهم: غولٌ سُمَّعٌ: خفيف الرأس.

وأنشد شمر البيت:

فليست بإنسان فينفعَ عقلُه *** ولكنها غولٌ من الجنّ سُمَّعُ

والسَّمَعْمَع والسَمْسَام من الرجال: الدقيق الطويل.

وامرأةٌ سَمَعْمَعة سَمْسامة.

وأنشد غيره:

وَيْلٌ لأجمال العجوز مِنِّي *** إذا دنوتُ ودَنَوْنَ مِنِّي

كأنني سَمَعْمَع من جِنّ

وأمّ السَّمْعِ وأمّ السَّمِيعِ: الدماغ.

قال:

نَقَبْنَ الحَرّة السوداء عنهم *** كنقب الرأس عن أُمّ السَّمِيعِ

ويُقال في التشبيه: هو أَسْمَعُ من الفرس والقُرَاد وفرخ العُقاب والقُنْفُذ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


60-تهذيب اللغة (رتع)

رتع: قال الله جلّ وعزّ مخبِرًا عن إخوة يوسف وقولهم لأبيهم يعقوب عليه‌السلام {أَرْسِلْهُ مَعَنا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [يوسف: 12].

قال الفرّاء: يَرْتَعْ، العين مجزومة لا غير؛ لأن الهاء في قوله {أَرْسِلْهُ} معرفة و {غَدًا} معرفة فليس في جواب الأمر وهو يَرْتَعْ إلّا الجزم.

قال: ولو كان بدل المعرفة نكرة كقولك: أرسِل رجلًا يرتع جاز فيه الرفع والجزم، كقول الله جلّ وعزّ {ابعث لنا ملكًا يقاتلْ في سبيل الله} [البقرة: 246] ويقاتلُ، الجزم لأنه جواب الشرط، والرفع على أنه صلة للملِك كأنه قال: ابعث لنا الذي يقاتل.

وأخبرني المنذري عن أبي طالب أنه قال: الرَّتْعُ: الرَعيُ في الخِصْب.

قال: ومنه قولهم: القَيْدُ والرَّتَعَة، ويقال: الرَّتَعة.

قال: ومعنى الرَّتْعَة: الخِصْب.

ومن ذلك قولهم هو يَرتَع أي إنه في شيء كثير لا يُمْنَع منه فهو مخصبٌ.

قلت: والعرب تقول: رَتَع المالُ إذا رَعَى ما شاء، وأرْتَعْتُها أنا.

والرَّتْع لا يكون إلا في الخِصْب والسِعَة.

وإبل رِتَاع وقوم مرتِعون وراتعون إذا كانوا مخاصيب.

وقال أبو طالب: سَمَاعي من أبي عن الفرّاء: القَيْد والرَّتَعة، مُثقّل.

قال: وهما لغتان: الرَّتْعَة والرَّتَعَة.

قال أبو طالب: وأوّل من قال القيد والرتْعة عمرو بن الصَّعِق بن خويلد بن نُفَيل بن عمرو بن كلاب، وكانت شاكرُ من هَمْدَان أسروه فأحسنوا إليه وروّحوا عنه، وقد كان يوم فارق قومه نحيفًا فهَرَب من شاكِرَ فلما وصل إلى قومه قالوا: أَيْ عمرو خرجْتَ من عندنا نحيفًا وأنت اليوم بادِنٌ، فقال: القيد والرتْعَة فأرسلها مثلًا.

ثعلب عن ابن الأعرابي: الرَّتْع: الأكل

بشَرَهِ، يقال: رَتَعَ يَرْتَع رَتْعًا ورِتَاعًا، والرَّتَّاع: الذي يتتبّع بإبله المراتع المخصِبَة.

وقال شمر: يقال أتيت على أرض مُرْتِعَة وهي التي قد طمِع ما لها من الشِبَع، وقد أرتع المالُ وأرتَعَت الأرضُ وغيثٌ مُرْتِع: ذو خِصْبٍ.

وقولهم فلان يرتع قال أبو بكر معناه: هو مُخصب لا يَعْدَم شيئًا يريده.

وقال أبو عبيدة: معنى يَرْتَعْ: يلهو.

وقال في معنى قوله: (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) أي يلهو ويَنعَم.

وقال غيره: معناه: يسعى وينبسط.

وقيل معنى قوله يَرْتَعْ: يأكل.

واحتجّ بقوله:

وحبيب لي إذا لاقيته *** وإذا يخلو له لحمي رَتَعْ

معناه: أكله.

ومن قرأ (نرتع) بالنون أراد: ترتع إبلنا:

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


61-تهذيب اللغة (سطح)

سطح: قال الليث: السَّطْحُ: سَطْحُك الشيءَ على وجه الأرض، كما تقول في الحرب: سَطَحُوهُم أي أَضْجَعُوهُم على الأَرْضِ، والسَّطِيحُ المسطوح هو القَتِيلُ، وأنشد:

* حتى تَراهُ وَسْطَهَا سَطيحًا*

وسَطِيحٌ الذِّئْبِيُّ كان في الجاهلية يتكَهَّنُ سُمِّي سطيحًا، لأنه لم يكن له بين مَفَاصِلِه قَصَبٌ فكان لا يقدر على قيام ولا قعود، وكان مُنْسَطِحًا على الأرض، وحَدَّثنا بقصته محمدُ ابنُ إسْحَاق السّعْدِيّ قال: حدثنا علي بن حرب المَوْصِليّ، قال: حدثنا أبو أيوب يَعْلَى بن عمْران البَجَلِيّ، قال: حدثني مخزوم بن هانىء المخزومي عن أبيه، وأَتَتْ له خمسون ومائة سنة قال: لما كانت ليلة ولد فيها رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم ارْتَجَس إيوانُ كِسْرَى، وسقطت منه أربعَ عشرة شُرْفَةً، وخَمِدَت نارُ فارِس، ولم تَخْمَد قبل ذلك مائة عام، وغاضت بُحَيْرَة سَاوَةَ، ورأى المُوبِذَان إِبِلًا صِعابًا تقود خَيْلًا عِرابًا قد قَطَعَتْ دِجْلَةَ، وانتشرت في بلادها فلمّا أصبح كسرى أفزعه ما رأى، فلَبِس تاجه وأخبر مَرازِبَتَه بما رأى، فورد عليه كتَابٌ بخمود النار، فقال المُوبِذَانُ: وأنا رأيت في هذه الليلة وقَصَّ عليه رؤياه في الإبل، فقال له الملك: وأيُّ شيء يكون هذا؟ قال: حادث من ناحية العرب، فبعث كسرى إلى النعمان بن المنذر أن ابْعَثْ إليّ برجل عَالِمٍ ليخبرني عمَّا أسأله، فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن نُفَيْلَة الغَسَّانِي، فأخبره بما رأى، فقال: عِلْم هذا عند خالي سَطِيح، قال: فأته وسَلْه وأتِني بجوابه، فقدم على سَطِيح وقد أَشْفَى على الموت فأنْشَأَ يقول:

أَصَمُّ أم يَسْمَعُ غِطْرِيفُ اليمَن *** أم فَادَ فازْلَمَّ به شَأْوُ العَنَن

يا فَاصِلَ الْخُطَّة أَعْيَتْ مَنْ ومَنْ *** أَتَاكَ شَيْخُ الحَيِّ من آل سَنَنْ

رَسُولُ قَيْل العُجْم يَسْرِي لِلْوَسَن *** وأمّه من آل ذئْب بن حَجَن

أَبْيَضُ فَضْفَاضُ الرِّداء والبَدَنْ *** تَجُوبُ بي الأرضَ عَلَى ذات شَجَن

تَرْفَعُني وَجْنَاءُ تَهْوِي من وَجَن *** حتى أَتَى عاري الجبين والقَطَن

لا يَرْهَبُ الرَّعدَ ولا ريْبَ الزَّمن *** تَلُفُّهُ في الرِّيح بَوْغَاءٌ الدِّمَن

كأَنَّما حُثْحِثَ من حِضْنَي ثَكَن فلما سمع سَطِيح شِعْرَه رفع رأسَه فقال: عبد المسيح على جَمَلٍ مُشيح يهوي إلى سَطيح وقد أوفى على الضَّرِيح، بَعَثَكَ مَلِك من بني سَاسَان لارْتجَاسِ الإيوان وخمود النيران ورُؤْيا المُوبِذان، رأى إبِلًا صِعَابًا تقود خَيْلًا عِرَابًا.

يا عبدَ المسيح، إذا كَثُرَت التِّلاوة، وبُعِثَ صاحبُ الهِرَاوَة، وغاضت بُحَيرةُ سَاوَة، فليس الشأم لِسَطيح شَأمًا، يَمْلكُ منهم ملوك ومَلِكات على عَدَدِ الشُّرُفات، وكلّ ما هو آتٍ آت، ثم قُبِضَ سَطِيحٌ مكانه، ونهض عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول:

شَمِّر فإنك ما عُمِّرْتَ شِمِّيرُ *** لا يُفْزِعَنَّكَ تَفْرِيقٌ وتَغْيِيرُ

إن يُمْسِ مُلْكُ بني ساسان أفرطهم *** فإنَّ ذا الدَّهْرِ أَطْوَارٌ دَهَارِيرُ

فرُبَّما رُبَّمَا أَضْحَوْا بِمَنْزِلَةٍ *** تخَافُ صَوْلَهُم أُسْدٌ مَهَاصِير

منهم أخو الصَّرْح بَهْرَامٌ وإخْوَتهُم *** وهْرْمُزَانٌ وسَابُورٌ وسَابُورُ

والناسُ أولاد عَلَّاتٍ فمن عَلِمُوا *** أَنْ قد أقلَّ فَمَهْجُورٌ ومَحْقُورُ

وهُم بَنُو الأُمِّ لَمَّا أن رَأَوْا نَشَبًا *** فذاك بالغَيْبِ مَحْفُوظٌ ومَنْصُورُ

والخيرُ والشَّرُّ مقرونان في قَرَنٍ *** فالخيرُ مُتَّبَعٌ والشَّرُّ مَحْذُورُ

فلمّا قدم على كِسْرى أخبره بقول سطيح فقال كِسْرى: إلى أن يَمْلِكَ مِنَّا أربعةَ عشرَ مَلِكًا تكون أمُورٌ، فملك منهم عَشَرَة في أربع سنين، ومَلَك الباقون إلى زَمَن عُثمان.

قلت: وهذا الخبر فيه ذكر آية من آيات نبوة محمد صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم قبل مبعثه، وهو حديث حسن غريب.

وقال الليث: السَّطحُ: ظَهْرُ البيت إذا كان مُسْتَوِيًا، وفِعْلُكه التَّسْطِيح.

قال: والمِسْطَح والمِسْطَحَةُ: شبه مِطْهَرَة ليست بمُربَّعة، قال: ويُسَمَّى هذا الكوزُ الذي يُتَّخَذُ للسفر ذُو الجَنْبِ الواحِدِ مِسْطَحًا.

وفي حديث النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنّ حَمَلَ بن مالك قال للنبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، كنتُ بين جَارَتَين لي فضَرَبَت إحداهما الأخرى بمِسْطح فألقت جَنينًا ميِّتًا وماتت، فقضى رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم بدية المقتولة على عاقلة القاتلة، وجعل في الجنين غُرَّة.

قال أبو عُبَيد: المِسْطح: عُودٌ من عِيدان الخِباءِ أو الفُسْطاط.

وأنشد قول عوف بن مالك النَّضْرِيّ:

تَعرَّض ضَيْطَارُو فُعَالة دوننا *** وما خَيْرُ ضَيْطَارٍ يُقَلِّبُ مِسْطَحا

يقول: ليس له سلاح يقاتل به غير مِسْطح.

وفي حديث آخر أن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم كان في بعض أسفاره، ففقدوا الماء، فأرسل عَلِيًّا وفلانًا يبغيان الماء فإذا هما بامرأة بين سطيحتين.

قال أبو عُبَيد: قال الأصمعي والكِسَائي: السَّطِيحةُ: المزادَةُ تكون من جلدين، والمزادة أكبر منها.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال: السَّطِيحة من المزاد: إذا كانت من جلدين قُوبِل أحدهما بالآخر فَسُطح عليه فهي سطيحة.

وقال غيره: المِسْطحُ: حصيرٌ يُسَفُّ من خُوصِ الدَّوْمِ، ومنه قولُ تَمِيم بن مُقبل:

إذا الأمْعَزُ المَحْزُوُّ آضَ كأنه *** من الحَرِّ في حَدِّ الظهيرة مِسطَحُ

والمِسْطَح: أيضًا: صفيحة عريضة من الصخر يُحَوَّط عليه لماء السماء، ورُبما خلق الله عند فم الرَّكِيَّة صفَاةً ملساء مستويةً فيُحَوَّط عليها بالحجارة، ويُسقَى فيها للإبل شبه الحوض، ومنه قول الطّرمّاح:

*.

.

.

في جَنْبَيْ مَدِيِّ ومِسْطَح *

والمِسْطَح أيضًا: مكان مُسْتَوٍ يُجَفَّفُ عليه التمر ويُسَمَّى الجَرِين.

والسُّطَّاحَة: بقلة ترعاها الماشية، ويُغسَل بورقها الرؤوس.

وقال الفرّاء: هو المِسْطح والمِحْورُ والشُّوبق.

قال ابن شميل: إذا عُرِّش الكرْمُ عُمِدَ إلى دعائم يُحْفَر لها في الأرض، لكل دعامة شُعْبَتان، ثم تؤخَذُ خَشَبَةٌ فَتُعَرَّضُ على الدّعامَتَيْن، وتُسَمَّى هذه الخشبة المعروضة المِسْطح، ويجعل على المساطِح أُطُرٌ من أدناها إلى أقصاها تُسمَّى المساطِح بالأُطُر مساطِح.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


62-تهذيب اللغة (حرو حري)

أبو عبيد عن الأمويّ: الحَرْوَةُ الحُرْقَةُ يجدها الرجل في حَلْقِه.

وقال النضر الفُلْفُل له حَرَاوَةٌ بالواو وحَرَارَةٌ بالراء.

وقال الليث: الحَرْيُ النقصان بعد الزيادة يقال إنه لَيُحْرِي كما يَحْرِي القمَرُ حَرْيًا ينقص الأوَّلُ مِنه فالأولُ وأنشد شَمِر:

ما زالَ مجْنُونًا على اسْتِ الدّهْرِ *** في بَدَنٍ يَنْمِي وَعقْلٍ يَحْرِي

وقال الأصمعي: حَرَى الشيءُ يَحْرِي حَرْيًا إذا نقص، وأَحْرَاهُ الزمانُ ويقال للأفْعَى حَارِيَةٌ للتي قَدْ كَبِرَتْ ونَقَصَ جِسْمُهَا، وهي أخبث ما تكون، قال شمر: ويقال أفعى حَاريَةٌ؛ وأنشد:

ابعثْ على الجَوْفَاءِ في الصُّبْحِ الفَضِحْ *** حُوَيْرِيًا مِثْلَ قَضِيبِ المُجْتَدِحْ

وقال الليث: الحَرَى مقصورٌ والجميع أحْرَا، وهو الأُفْحُوص والأُدْحِيّ وأنشد:

بَيْضَةٌ زَادَ هَيْقُها عن حَرَاها *** كُلَّ طَارٍ عليه أن يَطْرَاهَا

قال: والحَرَى أيضًا كلُّ موضعٍ لظبْي يأوِي إليه، قلت: قول الليث الحَرَىً: إنَّه بيضُ النَّعامِ أو مَأْوَى الظَّبْيِ باطلٌ، والحَرَى عند العرب ما روى أبو عبيد عن الأصمعيّ الحرى جَنَابُ الرجل وما حولَه، يقال: لا تَقْرَبَنَ حَرَانا، ويقال نزل فلانٌ بِحَراه وعَرَاه إذا نزل بساحته، وحَرَى مبيضِ النعام ما حولَه وكذلك حرى كِناسِ الظَّبي ما حولَه.

وقال الليث الحَرَى الخليقُ كقولك حرًى أَنْ يكونَ كذا وإنه لَحَرًى أن يكون ذاك وأنشد

إن تقُلْ هنَّ من بني عبد شمسٍ *** فَحَرىً أن يكونَ ذاكَ وكانا

الحراني عن ابن السكيت: هو حَرىً لكذا وكذا وحَرٍ أي خليق له وأنشد:

وَهُنَ حَرىً أَلَّا يُثِبْنَكَ نَقْرَةً *** وأنتَ حَرىً بالنارِ حينَ تُثِيبُ

فمن قال حرىً لم يُثَنِّ ولم يجمع، ومن قال حَرٍ ثنّى وجَمع.

وقال غيره: هو حرِيٌ بذاك على فعيلٍ، وهما حَرِيّان، وهم أَحْرِياءُ بذاك.

ويقال: أَحْرِ بِهِ وما أَحْراهُ بذلك، كقولك: ما أَخْلَقَه.

وقال الشاعر:

فإِنْ كنتَ تُوعِدُنا بالهِجَاءِ *** فَأَحْرِ بِمَنْ رَامَنا أن يَخِيبَا

وقال الليث: حِرَاءُ: جبل بمكة معروفٌ.

وقال غيره هو يتحرَّى الصوابَ أي يتوخّاه.

والتحرّي قصْدُ الأَوْلى والأحَقّ، مأخوذ من الحَرَى، وهو الخليق، والمتوخِّي مثلُه.

أبو عبيد عن أبي زيد: الحَرَاةُ والوَحَاةُ والخوَاتُ الصَّوْتُ ويقال إنه لَمحْرَاةٌ أن يفعلَ ذاك، كقولك مَخْلَقَةٌ ومَقْمَنَة.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


63-تهذيب اللغة (فقر)

فقر: قال الليث: الفَقْر: الحاجة، وفِعْلُه الافتقار، والنعت فقير.

وقد أفقره الله، والفُقْر: لُغة رديئة.

وأَغنَى اللهُ مفاقِرَه، أي: وجوه فقرِه.

وقال الله جلّ وعزّ: {إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ} [التوبة: 60]، فسمعتُ المنذريَّ يقول: سمعتُ أبا العباس وسُئل عن تفسير الفقيرِ والمسكين؟ فقال: قال أبو عمرو بن العلاء فيما يَروي عنه الأصمعي: الفقير الذي له ما يأكل.

قال: والمسكين الذي لا شيء له.

وقال الراعي:

أمَّا الفقيرُ الذي كانت حَلُوبَتُه *** وَفْق العِيالِ فلم يُترَك له سَبَدُ

قال المنذرِيُّ: وأخبَرني ابنُ فَهْمٍ عن محمد بن سلّام عن يونس قال: الفقير يكون له بعضُ ما يقيمه.

والمسكين: الذي لا شيء له.

قال: وقلت لأعرابي مرَّةً: أَفَقِيرٌ أَنت؟ قال: لا والله، بل: مسكين.

قال: فالمسكين أَسْوَأ حالًا من الفقير.

والفقير: الذي له بُلْغَةٌ من العيش.

وقال أبو بكر: يروى عن الأصمعي أنه قال: المسكينُ أحسَنُ حالًا من الفقير.

قال: وكذلك قال أحمد بن عبيد، قال: وهو الصحيح عندنا، لأنَّ الله قال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79]، وهي تساوي جملةً.

قال: والذي احتجَّ به يونس أنه قال لأعرابي: أفقيرٌ أنت؟ قال: لا والله بل مسكين! يجوز أن يكون أراد لا والله بل أنا أحسن حالًا من الفقير.

قال: والبيت الذي احتج به ليس فيه حجة لأن المعنى كانت لهذا الفقير حلوبة فيما مضى وليست له في هذه الحالة حلوبة.

قال: والفقير معناه المفقور الذي نُزِعَت فِقرة من ظهره فانقطع صُلبه من شدَّةِ الفقر، فلا حال هي أوْكد من هذه.

وأنشد:

رفع القوادمَ كالفَقِير الأعزلِ

وأخبرني المنذريُّ عن خالد بن يزيد أنه قال: كأنَ الفقيرَ إنما سُمِّي فقيرًا لزمانة تصيبُه مع حاجة شديدة تمنعه الزمانة من التصرُّف في الكسب على نفسه، فهذا هو الفقير.

وَيقال: أصابته فاقرة، وهي التي فَقَرَت فَقارَه، أي: خَرَزَ ظهرِه.

وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابيّ أنه أنشده للبيد:

لمّا رأى لُبَدُ النُّسُورَ تطايرتْ *** رَفَعَ القوادمَ كالفَقير الأعزَلِ

وقال: الفقير: المكسور الفَقار، يُضرب مثلًا لكلِّ ضعيف لا ينفُذُ في الأمور، قال: وأقلّ فِقَر البعير ثماني عشرة، وأكثرها إحدى وعشرون، إلى ثلاث وعشرين، ويقال: فِقْرةٌ وثلاثُ فِقَر وفَقارة، وتُجمع فِقَارًا.

وقال الفرّاء في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ} [التوبة: 60].

قال: الفقراء: هم أهلُ صُفَّة رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، كانوا لا عشائرَ لهم، فكانوا يلتمسون الفَضْل بالنَّهار، ويأوْون إلى المسجد.

قال: والمساكين الطوَّافون على الأبواب.

وأخبرني عبد الملك عن الربيع عن الشافعي أنّه قال: الفقراء: الزَّمْنَى الضِّعاف الذين لا حِرْفة لهم، وأهل

الحِرْفة الضّعيفةِ التي لا تَقع حِرْفتُهم مِن حاجتهم مَوقِعًا.

والمساكين: السُّؤَّال ممّن لا حرفةَ لهم تقع موقعًا ولا تغنيه وعيالَه.

قلت: فالفقير أشدُّهما حالًا عند الشافعي.

وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: للإنسان أربعٌ وعشرون فَقَارةً وأربعٌ وعشرون ضِلَعًا، ستُ فَقارات في العُنق وستّ فقَاراتٍ في الكاهل، والكاهل بين الكتفين، وبين كلِّ ضِلعين من أضلاع الصّدر فَقارة من فقارات الكاهل الستّ، ثم ست فقارات، أسفلَ مِن فَقارات الكاهل، وهي فَقارات الظَّهر التي بحذاء البطن بين ضِلَعين من أضلاع الجنبين فَقارةٌ منها، ثم يقال لفَقارةٍ واحدةٍ تَفرُق بين فَقار الظهر والعَجز: القَطاة، ويلي القَطاة رأسا الوَرِكَين، ويقال لهما: الغُرابان، وبَعدها تمامُ فَقار العَجُز، وهي سِتّ فَقارات آخرُها القُحْقُح، والذَّنَبُ متّصل بها، وعن يمينها ويسارها الجاعِرَتان؛ وهما رأسا الورِكين اللذان يَليانِ آخرَ فَقَارةٍ من فَقارات العَجُز، قال: والفَهقَة: فَقارةٌ في أصل العُنُق داخلة في كُوَّة الدماغِ التي إذا فُصِلتْ أدخَلَ الرّجلُ يدَه في مَغْرِزها فيخرج الدماغ.

وقال أبو إسحاق في قول الله جلّ وعزّ: {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ} [القيامة: 25]، المعنى: توقِن أن يفعل بها داهية من العذاب، ونحو ذلك قال الفرّاء.

قال: وقد جاءت أسماءُ القيامة والعذاب بمعنى الدَّواهي وأسمائها.

وقال الليث: الفاقرة: داهية تكسر الظَّهر.

قال: والفاقرة: الداهية، وهو الوَسْم الذي يُفْقَر به الأنف.

أبو عبيد عن الأصمعي: الفَقْر: أن يُحَزَّ أنفُ البعير حتَّى يَخْلُص إلى العَظْم أو قريبٍ منه، ثم يُلوَى عليه جَرير، يُذَلَّل بذلك الصَّعْبُ.

ومنه قيل: عُملتْ به الفاقرة.

وقال الأصمعي: الوديَّةُ إذا غُرست حُفِرَ لها بئر فغُرِستْ، ثم كُبس حَولَها بتُرْنُوق المَسِيل والدّمْن، فتلك البئر هي الفقير.

يقال: فَقَّرْنا للوَدِية تفقيرًا.

قال ابن الأعرابي: قال أبو زياد: تكون الجرفة في اللهزمة، وقد يفقر الصعب من الإبل ثلاثة أفقُر في خطمه، فإذا أراد صاحبُه أن يذلّه ويمنعه من مرحه جعل الجرير الذي على فقره الذي يلي مشفره فَمَلكه كيف شاء.

وإن كان بين الصَّعب والذّلول جعل على فقره الأوسط فتزيد في مشيه واتَّسع، فإذا أراد أن ينبسط ويذهب بلا مؤونة على صاحبه جعل الجرير على فقره الأعلى فذهب كيف شاء، قال: وإذا حزّ الأنف حزًّا فذلك الفَقْر، وبعير مفقِر.

شمر عن أبي عبيدة قال: الفقير له ثلاثة مواضع، يقال: نَزلْنا ناحية فقير بني فلان،

يكون الماء فيه هاهنا ركيَّتان لقومٍ، فهُمْ عليه؛ وهاهنا ثلاث، وهاهنا أكثر، فيقال: فقيرُ بني فلان، أي: حِصَّتُهم منها، كقوله:

تَوزَّعْنا فقيرَ مياهِ أُقْرٍ *** لكلِّ بني أبٍ منها فقيرُ

فحِصّة بعضِنا خَمسٌ وسِتٌ *** وحصّة بعضنا مِنهنَّ بِيرُ

والثاني: أفواه سُقُف القُنِيّ.

وأنشد:

فوَرَدتْ والليلُ لمّا ينجلي *** فقيرَ أفواهٍ ركيات القُنِي

والثالث: تُحفَر حفرةٌ ثم تُغرَس فيها الفسيلة، فهي فقير كقوله:

احفِرْ لكلّ نخلةٍ فقيرا

وقال الليث: يقولون في النِّضال: أراميكَ مِن أدنى فُقْرة، ومن أبعَد فُقْرة، أي: مِن أَبعَد مَعْلم يتعلّمونه مِن حُفْرة أو من هَدَفٍ أو نحوِه.

قال: والفُقْرة: حُفْرة في الأرض، وأرضٌ منْفقرة: فيها فُقَر كثيرة.

وحدثني محمد بن إسحاق عن أبي الهيثم عن إبراهيم بن موسى عن ابن أبي زائدة عن مُجالد عن عامر، في قول الله جلَّ وعزّ: {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 33].

قال: فُقَراتُ ابن آدم ثلاث: يوم وُلِد، ويوم يموت، ويوم يُبعث حيًّا؛ هي التي ذَكَر عيسى.

قال محمد بن إسحاق: قَال أبو الهيثم: الفُقَرات: هي الأمور العظام.

كما قيل في قتل عثمان: «أن استَحلُّوا الفقر الثلاث: حرمة الشهر الحرام، وحرمة البلد، وحرمة الخليفة».

قلت: ورَوَى القُتيبيُّ قول عائشة في عثمان: «المركوبُ منه الفِقَر الأربع»، بكسر الفاء.

وقال: الفِقَر: خَرَزات الظهر؛ الواحدة فِقْرة.

قال: وضربَتْ فَقار الظَّهر مثلًا لما ارتُكِب منه، لأنها موضع الركوب.

وأرادت أنّه رُكب منه أَربع حُرَم عظام تَجِب له بها الحقوق، فلم يَرعوْها وانتهكوها، وهي حُرمته بصحبته النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم وصهرِه، وحُرمة البلد، وحرمة الخلافة، وحرمة الشهر الحرام.

قلت: والرواية الصحيحة: «الفقَر الثلاث» بضم الفاء على ما فسّره ابن الأعرابي وأبو الهيثم، ويؤيد قولَهما ما قاله الشعبيّ في تفسير الآية وقوله: «فُقرات ابن آدم ثلاث».

ورَوَى أبو العباس عن ابن الأعرابي أَنه قال: البعيرُ يقرَم أنفُه، وتلك القُرْمة يقال لها: الفُقْرة، فإن لم يَسْكُنْ قُرِم أخرى ثم

ثالثة.

قال: ومنه قول عائشة في عثمان: «بَلَغتمْ منه الفُقَر الثلاث».

قال: وقال أبو زياد: يُفقَر الصَّعبُ من الإبل ثلاثة أفقُرٍ في خَطْمه، فإذا أراد صاحبه أن يُذلّه ويَمنعَه مِن مرَحِه جعلَ الجرير على فقره الذي يَلِي مشفَره، فملكه كيف شاء، وإن كان بين الصَّعب والذَّلُول جعلَ الجريرَ على فقْره الأوسط فتزيدَ في مَشْيه واتَّسَع، فإن أَراد أَلا يكون عليه منه مَؤونة جعل الجَرير على فَقره الأعلى فذهب كيف شاء.

فهذه الأقاويل أولَى بنا في تفسيره الفُقَر ممَّا فسّره القُتيبي.

وقال شمِر: الفقير: اسم بئرٍ بعينها.

وأنشد:

ما ليلةُ الفقير إلَّا شَيْطانْ *** مجنونةٌ تُودِي برُوحِ الإنسان

لأنَّ السَّيْر إليها مُتْعِب.

وقال ابن دريد: الفقير وجمعُها فُقُر، وهي رَكايا يَنْفُذُ بعضُها إلى بعض.

قال: وفقَّرتُ الْخَرَزَ، إذا ثَقَّبته.

وأنشد:

شَذْرًا مُفقَّرًا

قلت: وأصل هذا مأخوذ من الفَقار.

وقال ابن المظفّر في هذا الباب: التفقير في رجل الدوابّ: بياضٌ يخالط الأسوُقَ إلى الرُكَب.

شاةٌ مُفقَّرة وفرس مفقَّر.

قلت: هذا تصحيفٌ عندي، والصواب بهذا المعنى التقفيز بالزاي والقاف قبل الفاء.

وقال أبو عبيدة: إذا كان البياض في يدَي الفرس إلى مرفقيه دون الرِّجلين فهو أقفز.

وروى أبو العباس عن عمرٍو عن أبيه قال: إذا كان البياض في يدَي الفرس فهو مقفَّز، فإذا ارتفع إلى رُكبتيه فهو مجبَّب وهو مأخوذ من القفَّازين.

وذكر أبو عبيدٍ وُجوه العَوارِي فقال: أمَّا الإفقار فأن يُعطيَ الرجلُ الرجلَ دابَّته فيركبها ما أحبَّ في سَفر أو حَضر ثم يردّها عليه.

أبو عبيد عن الكسائيّ: أركب المهرُ، أي: حانَ له أن يركب.

وأفقرَ ظهرُه بمعناه.

قال: وأفقرك الرَّمي وأكثَبكَ: أمكنك.

وقال ابن السكيت: أفقرتُ فلانًا بعيرًا: إذا أعرتَه بعيرًا يَركب ظهرَه في سَفَر ثم يَردُّه، وهي الفُقْرى.

ويقال: قد أفْقَرك الصَّيدُ: إذا قَرُب منكَ أو أمكنك مِن رَمْيه.

وقد فَقَرْتُ أنفَ البعير أفقِرُه: إذا حززتَه بحديدة، ثم وضعْتَ على موضع الحزِّ منه جريرًا وعليه وتَرٌ مَلْوِيّ لتُذِلّه.

ومنه قولهم: عَمِلتُ به الغاقرة.

وقال ابن الأعرابيّ: فُقُور النَّفس وشُقُورُها هَمُّها، وواحد الفُقور فَقْرٌ.

وقال الليث: رجل مُفْقَر، أي: قوي.

وقال ابن شُميل: إنَّه لَمُفْقَر لذاك الأمرِ، أي: مُقْرِن له ضابط مُفْقِر لهذا الغُرم وهذا القِرْن ومؤْدٍ سواءٌ.

أبو عبيد عن الأصمعي: المُفَقَّر مِن السيوف الذي فيه حُزوز مطمئنّة عن متنه.

وقال أبو العباس: سُمِّي سيفُ النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: ذا الفَقَار لأنه كانت فيه حُفَر صغارٌ حِسَان، ويقال للحُفْرة فُقْرة، وجمعُها فُقَر، وللبئر العتيقةَ فَقِير، وجمعُه فُقُر.

ولأمور الناس فُقورٌ وفَقُور.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


64-تهذيب اللغة (مستق)

[مستق]: ورُوِي عن عمر أنَّه كان يصلي ويداه في مُسْتُقه.

قال أبو عبيد: المَسَاتق: فِراءٌ طِوال الأكمام، واحدها مُستَقة، وأصلُها بالفارسية مُشْتَة فعُرِّب.

قلت: والفُسْتُقة أيضًا فارسية معرّبة، وهي ثمرةُ شجرةٍ معروفة.

وقال شمر: يقال: مُسْتُفة ومُسْتَقَة.

وعن أنس رضي‌الله‌عنه، «أن ملك الرُّوم أهدى إلى رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم مُسْتُقةً من سُندسٍ فلبِسها رسولُ الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، فكأنّي أنظُر إلى يديها تذبذِبان، فبعثَ بها إلى جعفر، وقال: ابعثْ بها إلى أخيك النَّجاشيّ».

وأنشد:

إذا لبِسَتْ مساتقَها غنيٌ *** فيا ويحَ المساتقِ ما لَقِينا

قال ابنُ الأعرابي: هو فروٌ طويلُ الكم، وكذلك قال الأصمعيّ، قال النَّضر: هي الجُبة الواسعة.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


65-تهذيب اللغة (بكر)

بكر: قال الليث: البَكْرُ من الإبل: ما لم يَبْزُلْ، والأنثى بَكْرَةٌ، فإذا بزَلَا فجمَلٌ وناقةٌ.

(ثعلب عن ابن الأعرابي) قال: البَكْرُ: ابن المخاضِ، وابن الَّلبُونِ، والحِقُّ والجَذَعُ، فإذا أثنى فهو جملٌ وهو جِلَّةٌ، وهو بعيرٌ حتى يبزُلَ وليس بعدَ البازلِ سنٌّ يسمى، ولا قبل الثّنِيّ سنٌّ يسمَّى.

(قلت): وما قاله ابن الأعرابي صحيحٌ، وعليه كلام من شاهدتُ من العرب.

وقال الليث: البَكْرَةُ، والبَكَرَةُ: لُغتان للتي يستقى عليها، وهي خشبةٌ مستديرةٌ في وسطها مَحَزٌّ للحبلِ، وفي جوفها مِحْورٌ تدور عليه.

قال: والحَلَقُ التي في حلية السيف هي البَكَرَاتُ، كأنها فتوخُ النساءِ.

وأخبرني المنذريُّ عن أبي طالب أنه قال في قولهمْ: جاءوا على بَكْرَةِ أَبيهم.

قال قال الأصمعيُّ: يعني جاءُوا على طريقةٍ واحدةٍ.

وقال أبو عمرو: معناهُ جاءوا بأَجمعهم.

وقال أبو عبيدة: معناه جاءوا بعضهم في إثرِ بعضٍ، وليس هناك بَكْرَةٌ.

(ثعلب عن ابن الأعرابي): البُكَيرةُ: تصغيرُ البَكْرَةِ وهي جماعةُ الناسِ.

يقال: جاءوا على بَكْرَتهمْ، وعلى بكْرَة أُمّهمْ أي بأَجمعهمْ، وليسَ ثَمَ بكْرَةٌ، وإنما هو مَثَل.

وقول الله جل وعز: {لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ} [البقرة: 68].

قالَ أبو إسحاق: أيْ ليستْ بِصغيرةٍ ولا كبيرَة، ومعنى (بين ذلك) بين البِكْرِ والفارضِ.

(الحراني عن ابن السكيت) قال: البِكْرُ: الجاريةُ التي لم تقتضَّ، وجمعُها: أبكارٌ، والبِكْرُ: النَّاقة التي حملتْ بطنًا واحدًا، وبِكْرُهَا: ولدها، والبَكْرُ: الفَتيُّ من الإبل وجمعه: بِكارٌ، وبِكَارةٌ.

وقال أبو الهيثمِ: العربُ تسمِّي التي ولدت بطنًا واحدًا بِكْرًا بولدِها الذي تَبتكِرُ به.

ويقال لها أيضًا بِكْرٌ ما لم تلد، ونحو ذلك، قال الأصمعيُّ: إذا كان أولَ ولد ولدتهُ الناقةُ فهي بكْرٌ.

وقال الليث: البِكْرُ من النساء: التي لم تمسَّ، والبِكْرُ من الرجال: الذي لم يقرب النساء بعْدُ، والبِكْرُ: أوَّلُ وَلدِ الرجل غلامًا كان أو جاريةً.

ويقال: أشدَّ الرجال بِكْرٌ ابنُ بِكْرَينِ، وبقرةٌ بِكْرٌ: فتيَّةٌ لم تحمِل، وبِكْرُ كلِّ شيء: أولهُ.

(أبو عبيد عن الكسائيّ): هذا بكْر أَبويهِ وهو أَوَّلُ ولدٍ يولدُ لهما، وكذلك الجارية بغير هاء، والجميعُ منهما: أبكارٌ، وبِكْرةُ ولدِ أَبويه: أَكْبرهمْ.

وقال الليثُ: يقال: ما هذا الأمرُ منكَ بِكْرًا ولا ثِنْيًا على معنى: ما هو بأَول ولا ثان.

قال ذو الرمة:

وقُوفًا لَدَى الأبوابِ طَلَّابَ حاجةٍ *** عوَانٍ من الحاجَاتِ أو حَاجَةً بِكْرَا

وبنو بكرٍ في العرَب: قبيلتانِ: إحداهما: بنو بكر بن عبد مَناةَ بنِ كِنانةَ.

والأخرَى: بكرُ بن وائل في ربيعة، وإذا نُسِبَ إليهما قالوا بَكْريٌ، وأما بنو بكر بنِ كِلابٍ فالنسبةُ إِليهم بَكْرَاوِيٌّ، والبُكْرَةُ من الغَدَاة تُجمع بُكرًا وأبكارًا.

وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ} [القمر: 38] بكرة وغدوة إذا كانتا نكرتين أُنثتا وصُرِفتا، وإذا أرادوا بهما بكرةَ يومِك؛ وغداةَ يومك لم تصرفهما فبكرة هاهنا نكرة.

والبُكورُ، والتبكيرُ: الخروج في ذلك الوقت.

والإبكارُ: الدُّخول في ذلك الوقت، ويقال: باكَرْتُ الشيء إذا بكَّرْتَ له.

وقال لبيد:

بَاكَرْتُ حاجَتَها الدّجَاجَ بسُحْرَةٍ *** لأعِلَّ منها حِينَ هَبَّ نِيَامُهَا

أي: بادرْتُ صقيعَ الدِّيكِ سَحَرًا إلى حاجتي.

والباكورُ من كل شيء هو المبَكِّرُ السريع الإدراك، والأُنثى: باكورَةٌ، وغيثٌ بَكورٌ، وهو المبَكِّرُ في أوّل الوَسْمِيِّ ويقال أيضًا: هو الساري في آخر الليل وأول النهار،

وأنشد:

جَرَّرَ السيْلُ بها عُثْنُونَه *** وتَهادَتْها مَداليجٌ بُكرْ

وسحابةٌ مِدْلاجٌ: بَكُورٌ.

ويقال: أتيتُهُ باكِرًا.

فمن جعل الباكِرَ نعتًا قال للأُنثى: باكِرَة وقوله:.

.

.

أَوْ أَبكارُ كَرْمٍ تُقَطّفُ واحِدُها: بِكْرٌ، وهوَ الكَرْمُ الذي حملَ أول حملِه.

وعَسَلٌ أبكارٌ: يُعَسِّلهُ أبكارُ النحل أي أَفتاؤُها، ويقال: بل أبكار الجوارِي يلينَه.

وكتبَ الحجَّاجُ إلى عامل له: ابعثْ إليَّ بعَسَل من الدَّسْتَفْشارِ، الذي لم تمَسَّهُ النارُ.

وقال الأعشى:

تَنَحَّلَها مِن بِكارِ القِطافِ *** أُزَيرِقُ آمِنُ إكْسادِها

بِكارُ القطاف جمع باكر كما يقال: صاحب وصِحاب، وهو أول ما يُدْرِكُ.

وقال الأصمعي: نَارٌ بِكْرٌ: لم تُقْتَبَسْ من نارٍ، وحاجةٌ بكْر: طُلِبت حديثًا.

وفي الحديث: «لا يزَالُ الناس بخيْرٍ ما بَكَّرُوا بصلاةِ المَغْرِب» معناه: ما صَلّوْها في أول وقتها.

وفي حديث آخر: «مَنْ بَكَّرَ يوْمَ الجُمعَةِ وابتَكر فلهُ كذَا» فمعنى بَكَّرَ: خرج إلى المسجد باكِرًا، ومعنى ابتَكرَ: أَدركَ أول الخُطبة.

وقال أبو سعيد في قوله: من بكر وابتكر إلى الجمعة، تفسيره عندنا: من بكر إلى الجمعة قبل الأذان، وإن لم يأتها باكرًا فقد بكَّر، وأما ابتكارها فأن تدركَ أول وقتها، وأصله من ابتكار الجارية، وهو أخذ عُذْرتها.

(أبو عبيد عن الأصمعي): إذا كانت النخلةُ تُدرِكُ في أوّل النخل، فهيَ البَكورُ، وهنّ البُكُر.

وقال المُتَنَخِّلُ الهذلي:

ذلكَ ما دِينُكَ إذْ جُنِّبَتْ *** أحْمَالُها كالبُكُرِ المُبْتِلِ

قال: وقال الفراء: البَكِيرةُ: مِثلُ البَكُور.

(أبو زيد): أبكَرْتُ الوِرْدَ إبكارًا وأبكَرْتُ الغداءَ إبكارًا، وبكَرْتُ على الحاجة بكورًا، وغدوْت عليها غُدُوًّا، مثل البُكور، وأبكرْتُ الرّجلَ على صاحبهِ إبكارًا حتى بَكر إليه بُكورًا.

(ابن شميل) قال: قال أبو البَيْداء: ابتكرَتِ الحاملُ إذا ولَدَت بِكرَها، وأثنتْ في الثاني، وثلَّثتْ في الثالث: ورَبَّعتْ وخَمَّستْ وعشّرتْ.

وقال بعضهم: أَسْبَعتْ وأعْشرتْ وأَثمنتْ في الثامن والسابع والعاشر.

وفي «نوادر الأعراب»: ابتَكرَتِ المرأةُ ولدًا إذا كانَ أولُ ولدِها ذكرًا، وأنْتَنَتْ إذا جاءتْ بولدٍ ثِني، واثْتلثَتْ ولدَها الثالث، وابتكرْتُ أنا واثْتنيْت، واثتلثتُ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


66-تهذيب اللغة (سجر)

سجر: قال الليث: السَّجْرُ: إيقَادكَ في التنُّورِ تَسْجُرُه بالوَقُودِ سَجْرًا.

والسَّجُورُ: اسْمُ الحَطَبِ.

والمِسْجَرَةُ: الخَشَبَةُ التي يُسَاطُ بها السَّجُورُ في التّنُّورِ.

وقال الفراء في قول الله جل وعز: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور: 6] وفي قوله: {وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] كان عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضيَ الله عنه يقولُ: مَسْجُورٌ بالنّارِ أَيْ مَمْلُوءٌ.

وقال الفراء: المَسْجُورُ في كلامِ العَرَبِ: المَمْلُوءُ، وقد سَجَرْتُ الإنَاءَ وسَكَرْتُهُ إذا ملأتَهُ، وقال لبيدٌ: مَسْجُورَةً متجاورًا أقلامُهَا وقال الفراء في قوله: (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) أي أفضَى بعْضُها إلى بَعضٍ فَصَارَ بَحْرًا وَاحِدًا.

وقال الربيعُ بن خَيثَمٍ: {وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6]: فَاضَتْ وقال قَتَادَةُ: ذَهَبَ مَاؤُها.

وقال كَعْبٌ: البحر: هو جَهَنَّمُ يُسْجَرُ.

وقال الزَّجَّاجُ: قُرِئ سُجِّرَتْ، وسُجِرَتْ ومَعنَى سُجِّرَتْ: فُجِّرتْ، ومعنى سُجِرَتْ: مُلِئَتْ.

وقيل: جُعلت مياهُهَا نِيرَانًا بهَا يعذبُ أَهْلُ النارِ.

وقال الليث: الساجِرُ: السيلُ الذي يَملأُ كلَّ شيءٍ.

قال: والسَّجَرُ والسُّجرَةُ: حُمْرَةٌ في العَينِ في بياضهَا، وبعضُهم يقولُ: إذا خالَطتِ الحُمرَةُ الزُّرقَةَ فهيَ أيْضًا سَجْرَاء.

(أبو عبيدٍ): المسْجُورُ: السَّاكِنُ، والمُمْتَلِئُ مَعًا.

وقال الليثُ: المُسَجَّرُ: الشَّعرُ المرسَلُ، وأَنشد:

إذا تَثَنّى فَرْعُهَا المُسَجَّرُ

(أبو عبيد وابن السكيت): السَّجِيرُ: الصَّديقُ، وجَمعهُ: سُجَرَاءُ.

وقال الفراءُ: المسجورُ: اللبنُ الذي ماؤهُ أكثرُ مِنْ لَبَنِه.

وقال أبو زيدٍ: المَسجُورُ يكونُ المَملُوءَ، ويكونُ الذي ليسَ فيه شيءٌ.

ولؤْلؤَة مسجورةٌ إذا كانتْ كثيرةَ الماءِ.

وكلبٌ مَسْجُورٌ: في عنقِهِ ساجورٌ.

(سلمة عن الفراء) قال: السَّجوريُ: الأحمقُ.

(أبو عبيد عن الأصمعي): إذا حنَّت النَّاقة فطرَّبتْ في إثرِ وَلدهَا قيلَ: سَجَرتْ تسجُرُ سَجْرًا.

وقال أبو زُبَيدٍ:

حَنَّتْ إلى برقٍ فقلتُ لها قِرِي *** بعضَ الحَنِينِ فإنَّ سَجْرَكِ شَائِقِي

وقال أبو زيدٍ: كَتَبَ الحجاجُ إلى عاملٍ له: أنِ ابعثْ إليّ فُلانًا مُسَمَّعًا مُسوجَرًا، أي مُقيدًا مغلُولًا.

وشَعْرٌ منسجرٌ أي مُسْتَرْسِلٌ.

ولؤلؤٌ مَسجورٌ إذا انتَثرَ منْ نِظَامِهِ، وأنشد:

كَاللُّؤلؤ المسجورِ أُغفِلَ في *** سِلْكِ النِّظَامِ فَخَانَهُ النَّظْمُ

وسَجَرتُ الماءَ في حَلقِهِ: صببتُه.

قال مُزاحِمٌ:

كمَا سَجَرتْ ذا المَهْدِ أُمٌّ حَفِيَّةٌ *** بِيُمْنَى يَدَيْهَا من قَدِيٍّ مُعَسَّلِ

القَديُ: الطيبُ الطعمِ من الشرابِ والطعامِ.

ويُقالُ: وَرَدْنَا ماءً سَاجِرًا.

إذا مَلأَ السيل، وقال الشماخ:

وَأَحْمَى عليها ابْنَا يزيدَ بنِ مُسْهرٍ *** بِبَطْنِ المَرَاضِ كُلَّ حِسْيٍ وسَاجِرِ

وقال أبو العبَّاسِ: اختلُفوا في السَّجَرِ في العينِ فقال بعضهم: هو الحُمرَةُ في سوادِ العينِ، وقيل: هو البياضُ الخَفِيفُ في سوادِ العينِ، وقيل: هي كُدرَةٌ في بَيَاضِ العينِ منْ تَرْكِ الكُحْلِ.

وقال أبو سعيدٍ: بحرٌ مسجورٌ ومَفْجُورٌ.

ويقالُ: سَجِّرْ هذا الماءَ: أي فَجِّرْهُ حيثُ تُرِيدُ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


67-تهذيب اللغة (زمر)

زمر: قال الليث: الزَّمْر بالمِزْمار، وفِعْلُه زَمَر يَزْمر زَمْرا.

أبو حاتم عن الأصمعيّ: يقال للّذي يُغنِّي الزامر والزَّمّار؛ ويقال: زَمَّرَ إذا غَنَّى، ويقال للقَصَبة الّتي يُزْمَرُ بها: زَمّارة، كما يقال للأرض التي يُزْرَع فيها زَرَّاعة.

قال: وقال فلان لرجلٍ: يا بنَ الزَّمّارة، يعني المُغنِّية.

ورَوَى محمد بنُ سِيرِينَ عن أبي هُريرة أنّ النبيّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم نَهَى عَنْ كَسْب الزَّمّارة.

قال أبو عُبيد: قال الحجّاج: الزَّمارة: الزانية.

قال: وقال غيرُه: إنما هي الرّمّازة، وهي الّتي تومِىءُ بشفَتَيها أو بعَيْنَيها.

قال أبو عُبيد: وهي الزّمّارة كما جاء في الحديث.

وقال القُتَيْبيّ فيما يرُدّ على أبي عبيد: الصوابُ الرمّازة، لأنّ من شَأَن البَغيِّ أن ترمزَ بعَيْنَيْها وحاجِبَيْها، وأنشَد في صفة البَغايَا:

يُومِضْنَ بالأعْيُن والحَواجبِ *** إيماضَ بَرْقٍ في عَماءٍ ناضِبِ

قلت: وقول أبي عبيد عندي الصّواب.

وسئل أبو العبّاس عن معنى الحديث: أنَّه نَهَى عن كَسْب الزّمّارة، فقال: الحرفُ صحيح، زَمارة ورمَّازة، وقال: ورَمّازة ههنا خطأ.

قال: والزَّمارة: البَغِيُّ الحَسْناء، وإنما كان الزِّنا مع المِلاح لا مع القِباح.

قال: وأنشَدَنا ابن الأعرابيّ:

دَنّان حَنّانانِ بينهما *** صَوْتٌ أَجَشُّ غِناؤُه زَمِرُ

أي: غناؤُه حَسَن.

ومنه قيل للمرأة المغنية: زمّارة؛ ومنه قول النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم حين سمع قراءة أبي موسى: «أنه أوتي مزمارا من مزامير آل داود» أي: أوتي صوتا حسنا كأنه صوت داود.

قال: وقال أبو عَمرو: والزَّميرُ: الحَسَن من الرّجال، والزَّوْمَرُ: الغلام الجميلُ الوجه.

قلتُ: للزَّمارة في تفسير ما جاء في الحديث وَجْهَان: أحدُهما أن يكون النَّهيُ عن كَسْب المغنِّية.

كما رَوَى أبو حاتم عن الأصمعيّ، أو يكون النَّهيُ عن كَسْب البَغِيّ كما قال أبو عُبَيد وأحمد بن يحيى، وإذا رَوَى الثِّقاتُ حَدِيثا بلفظٍ له مَخرَج في العربيّة لم يَجُز رَدُّه عليهم، واختراعُ لفظ لَم يُرْوَ، ألَا تَرى أنّ أبا عُبيد وأبا العبّاس لمّا وَجَدا لِما قال الحجّاج مَذهبا في اللّغة لَم يَعْدُواه، وعَجل القُتيبيُّ فلم يثبت ففسّر لفظا لَم يَرْوِه الثِّقات، وقد عَثرتُ على حروف كثيرةٍ رَواها الثِّقات بألفاظٍ كثيرة حفِظوها، فغَيَّرها مَنْ لا عِلْمَ له بها وهي صحيحة، والله يوفِّقنا لقَصْد الصّواب.

وقال اللّيث: الزُّمْرَة: فَوْجٌ من النّاس.

وقال أبو عُبَيد: الزِّمَارُ: صَوتُ النَّعامة، وقد زَمَرَتْ تَزْمِرُ زِمارا.

وشاةٌ زَمِرةٌ: قليلةُ الصُّوف، ورجلٌ زَمِرُ المروءة.

سلمة عن الفرّاء: زَمَّر الرجلُ قِرْبتَه وزَنَرها: إذا مَلأَها.

وقال أبو عمرو: الزَّمّارةُ: الساجُور.

وكَتَب الحَجّاج إلى بعض عُمّاله أن ابعثْ إليّ فلانا مُسمَّعا مُزَمَّرا، فالمسَمَّع: المقيَّد، والمُزَمَّرُ: المُسَوْجَر.

وأنشد:

ولي مُسمِعانِ وزَمّارَةٌ *** وظِلٌّ ظليل وحِصْنٌ أمَقّ

والمُسمِع: القَيْد.

والزمّارة: الغُلّ.

وأراد بالحِصْنِ الأمَقّ: السِّجْن.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


68-معجم العين (بعث)

بعث: البَعْثُ: الإِرسالُ، كبعث الله من في القبور.

وَبَعَثْتُ البعيرَ أرسلتُه وحللت عِقالُه، أو كان باركًا فَهِجْتُهُ.

قال:

أُنيخها ما بدا لي ثم أَبْعَثُها *** كأنها كاسر في الجو فتخاء

وبعثته من نومه فانبعث، أي: نبّهته.

ويومُ البَعْثِ: يومُ القيامة.

وضرب البَعْثُ على الجند إذا بعثوا، وكل قوم بُعِثوا في أمرٍ أو في وَجْه فهم بَعْثٌ.

وقيل لآدم: ابعَثْ بَعْثَ النار فصار البَعْثُ بَعْثًا للقوم جماعة.

هؤلاء بَعْثٌ مثل هؤلاء سفر وركب.

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com