نتائج البحث عن (أَخْبَرَتْهُ)
1-المعجم الوسيط (الخُبُورُ)
[الخُبُورُ] - يقال: أخْبَرَه خُبُورَه: أنبأهُ ما عنْدَه.وفي المثل: " أخْبَرتُهُ خُبُورِي وشُقُوري وفُقُورِي ".
المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
2-شمس العلوم (العُجْرَة)
الكلمة: العُجْرَة. الجذر: عجر. الوزن: فُعْلَة.[العُجْرَة]: كل عقدةٍ في خشبةٍ ونحوها.
والعُجْرَة: واحدة العُجر: وهي عروقٌ وعصبٌ ينعقد في الجسد.
والعُجْر والبجر: الأمور المعضلات، قال علي بن أبي طالب:
إلَيْكَ أشكو عُجَري وبُجَري *** شفَيْتُ غَيْظِي وَقتلْتُ معْشَري
وفي المثل: «أخبرته بعجري وبجري»: أي بما كنت أخفي من الأمور.
شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م
3-شمس العلوم (التعيير)
الكلمة: التعيير. الجذر: عير. الوزن: التَّفْعِيل.[التعيير]: عَيَّر الدنانيرَ: إذا وَزَنَها واحدًا واحدًا، (هذا قول بعضهم)، وقيل: لا يقال إلا عائر، بالألف، وهو الصحيح.
وقال: عَيَّرْتُه فِعْلَ القبيح: إذا أخبرته به.
شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م
4-معجم متن اللغة (الشقور)
الشُّقور: الحاجة "وتفتح".وفي المثل: "أخبرته بشقوري" كمال يقال: أفضيت إليه بالقلب المهمة؛ واحدها شقر.
و-: مذهب الرحل وباطن أمره.
ويقال في التهديد: لأدقّن شقورك أي لأظهرن أمورك "ل: د ق ق".
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
5-جمهرة اللغة (النون في الهمز)
نُؤتُ بالحِمل أنوء به نَوْءًا، إذا نهضت به، وناء بالحِمل، إذا نهض به.وناء النجمُ ينوء نَوْءًا، إذا سقط في المغرب ونهض رقيبُه من المشرق.
وجمع النَّوء نُوآن.
قال الشاعر:
«ويثربُ تعلم أنّا بـهـا*** إذا أقحطَ القطرُ نُوآنُها»
والنُّؤْي: الحاجز حول البيت لئلاّ يدخله ماءُ المطر، والجمع أناء.
ونأَيْتُ أنْأَى نَأْيًا، إذا بعدت فأنت ناءٍ يا هذا.
وناوأتُ الرجلَ مناوأةً ونِواءً، إذا فعلتَ كما يفعل، وهي المناوأة يا هذا.
وتقول: نَأَتَ الرجلُ ينئِت وينأَت نَأْتًا، والاسم النَّئيت.
وقالوا أيضًا: نَئتَ ينئت، فهو نائت ونَؤوت، وهو صوت شبيه بالزئير أو الزِفير.
قال الراجز:
«لهم نَئيتٌ خَلْفَنا وهمهمهْ *** لم تَنطِقي باللَّوم أدنى كَلِمَهْ»
ونأم الرجلُ يَنئم نَئيمًا، وهو مثل الأنين، وكذلك نأم الأسدُ يَنئم نَئيمًا، إذا زأر.
قال أبو زيد: النئيم أهون من الزئير.
والنَّأآم مثل النَّعّام: الفَعّال من النئيم.
وأسكتَ الله نَأْمَتَه، أي حركته.
وهذا لحم نِيء، وقد قالوا: ناء اللحمُ يَنيء نَيْئًا.
ونسأتُ اللبن أنسَؤه نَسْأً، إذا صببت على الحليب ماء، واسم ذلك اللبن: النَّسيء يا هذا، على مثال فعيل، وهو النَّسء يا هذا.
قال الشاعر:
«سَقَوْني النَّسْءَ ثم تكنَّفوني*** عُداةَ اللّه من كَذِبٍ وزُورِ»
ونسأتُ الإبل في ظِمئها فأنا أنسَوءها نَسْأً إذا زدتها في ظِمئها يومًا أو يومين.
ونَسَأتُ الإبلَ عن الحوض أنسَؤها نَسْأً، إذا أخّرتها عنها.
ونَسَأتِ الإبلُ تنسَأ نَسْأً، إذا سمنت، وكل سمينِ ناسئ.
ونُسئت المرأةُ تُنسأ نَسْأً في أول حملها فهي نَسْء كما ترى، يعني أول ما تحمل، ونَسَأَتْ تنسَأ أيضًا.
والنَّسيئة: البيع بتأخير، وكل متأخّر فهو نَسيء يا هذا.
والنَّسيء والنَّسِيّ في التنزيل: شيء كان يُفعل في الجاهلية، يقدَّم المحرَّم سنة ويُنسأ سنة، أي يؤخَّر.
قال ابن دريد: لم يكن المحرَّم معروفًا في الجاهلية، وإنما كان يقال له وللصفر، الصَّفَران.
وكان أول الصَّفَرين من الأشهر الحُرم يحرَّم القتال فيه، وإذا احتاجت العرب إلى القتال أنسأته فحاربت فيه فحرّمت الثاني مكانه.
وتقول: نَدَأتُ اللحمَ أندَؤه نَدْءًا، إذا مَلَلْتَه بالجمر، وهو النَّدي، مثل الطبيخ.
وتقول للحُمرة التي تكون في الغيم نحو الشَّفَق: النُّدْأة، وكذلك يقال لحُمرة قوسِ قُزَحَ.
وتقول: نَبَأتُ على القوم أنبَأ نَبْأً ونُبوءًا، إذا طلعت عليهم.
ونبأتُ من أرض إلى أُخرى فأنا أنبَأ نَبْأً ونُبوءًا، إذا خرجت منها إلى غيرها، وبه سُمّي الرجل نابئًا.
ونبّأتُ فلانًا بكذا وكذا، إذا أخبرته به.
ونَتَأتُ فأنا أنتَأ نَتْأً ونُتوءًا، إذا ارتفعت، وكل مرتفعٍ ناتئٌ.
وتقول: نكأتُ القَرح فأنا أنكَؤه نَكْأً، إذا قشرته.
قال الشاعر:
«ولم تُنْسِني أوْفَى المُصيبات بعده*** ولكنّ نَكْءَ القَرْح بالقَرْح أوجَعُ»
والنُّكْأة: لغة في النُّكْعَة، وهو ضرب من النبت نحو الطُّرثوث.
وتقول: نَزَأتُ بينهم أنزَأ نَزْأً، إذا حرّشت بينهم.
وتقول: نَصَأتُ الناقة أنصَؤها نَصْأً، إذا زجرتها.
ونَشَأَتُ أنشَأ نَشْأً، إذا شَبَبْتَ.
ونَشَأتِ السحابة تنشَأ، وهذا نَشْء حسن، يعني السحاب.
والنَّشْء من الناس: الأيفاع وما فوقهم.
وتقول: نئفتُ من الطعام أنأف نَأَفًا، إذا أكلت منه.
وتقول: نأنأت رأيي نأنأةً، إذا ضعّفته، ورجل نَأنَأ: ضعيف.
وقال أبو بكر رضي الله عنه: "ليتني متُّ في النَّأنأة الأولى"، أي في أول الإسلام قبل أن يقوى.
وقال علي رضي الله عنه لسليمان بن صُرَد: "تنأنأتَ وتربّصتَ فكيف رأيتَ اللهّ صنع?.
جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م
6-جمهرة اللغة (باب آخر من النوادر)
قال يونس: حَفَصْتُ الشيء"، إذا ألقيتَه من يدك، بالصاد غير المعجمة؛ وحَفَضْتُه، إذا عطفتَه، بالضاد المعجمة.قال أبو عُبيدة: يقال: عَشَشْت الرجلَ عن مكانه وأعششتُه، إذا أزلتَه عنه وهو كاره.
وقال: المُتْمَهِلّ والمُتْلَئبّ مثل المُسْجَهِرّ سواء، وهو امتداد الليل وغيره.
وقال: المُقْمَهِدّ: الذي قد لوى عُنُقَه وشمخ بأنفه.
وقال يونس: أقامت امرأة فلان عنده رُبْضَتها، يعني امرأة العِنِّين إذا أقامت عنده سنةً ثم فُرِّق بينهما.
وقال يونس: ذَفّفه بالسيف وذافّه وذفّه، وذفّف عليه، إذا أجهز أي قتله؛ يقال بالدال والذال.
وأخبر عن يونس قال: تقول العرب: "إن في مِضَّ لمَطْمَعًا" وفي مِضِّ ومِضٍّ، يريدون بذلك كَسْرَ الرجل شِدْقَه عند سؤال الحاجة.
وقال يونس: تزوج فلان في شَرِيّة نساء، يريد حيًّا تَلِد نساؤهم الإناثَ، وتزوج في عَرارة نساء، يريد حيًّا تَلِد نساؤهم الذكور.
ويقال: رجع الأمرُ على قَرْواه، أي رجع على مَسْلَكه الأول.
وقال يونس: الرأتلة: أن يمشي الرجلُ متكفّئًا على جانبيه كأنه متكسِّر العظام.
وقال أيضًا: سِقاء أَدِيّ وسِقاء زَنِيّ: بين الصغير والكبير.
ويقال: هذا أمر له نَجيث، أي عاقبة سَوءٍ، وأصله من النَّجيثة، وهي النَّبيثة.
وقال يونس: الشريطة إذا وضعت الناقة ولدًا شرطوا أُذنه، فإن خرج منه دم أكلوه وإن لم يخرج دم تركوه.
قال: ويقال: رجل دَخْشَنّ: غليظ خَشِن.
وأنشد:
«أصبحتُ يا عمرُو كمثل الشَّنِّ *** أمري ضَروسًا كعصا الدَّخْشَنَ»
وقال أبو عبيدة: تركت القوم حَوْثًا بَوثًا، أي مختلطين.
وقال: العَكْل: اللئيم من الرجال، والجمع أعكال.
وقال يونس: يقال عكبشَه وعكشَه، إذا شدّه وثاقًا.
وبالعَكْش سُمّي الرجل عُكاشة.
وقال يونس: تقول العرب للرجل إذا أقرّ بما عليه: دِحٍ دِحٍ، وقالوا دِحِنْدِحٌ موصول، وقالوا دِحْ دِحْ بلا تنوين، يريدون قد أقررتَ فاسكت.
وقال يونس: جاء فلان مُضَرْفَطًا بالحبال، أي موثَقًا.
وقال: يقال: صارت الحُمّى تُحاوِدُه وتَعَهَّدُه وتَعاهَدُه، وبه سُمّي الرجل حاوِدًا، وهو أبو قبيلة من العرب من حُدّان.
ويقال: فلان يحاودنا بالزيارة، أي يزورنا بين الأيام.
ويقال: نحن في رسْلة من العيش، أي في عيش صالح.
وقال أبو عبيدة: يقال: يوم طانٌ: كثير الطين؛ ورجل خاطٌ من الخياطة، وكَبْش صافٌ: كثير الصوف؛ ورجل مالٌ: كثير المال؛ ورَجل نالٌ: كثير النوال؛ ويقال: رجل مَأل، بالهمز: كثير اللحم، وامرأة مَأْلة مثل ذلك.
قال: ويقال: تأنّقت هذا المكانَ، أي أحببته وأعجبني.
وفي الحديث أنّ عبد الله بن مسعود كان يقول: (إذا قرأتُ آل حاميم صرتُ في روضاتٍ أتأنّق فيهنّ)، أي يعجبنني.
قال أبو بكر: قال أبو حاتم: الحواميم من كلام الصِّبيان، وإنما الوجه أن يقال: قرأت آل حاميم.
وأنشد أبو بكر فى آل حاميم:
«وجدنا لكم في آلِ حاميمَ آيةً*** تَدَبّرها منّا تَقِيّ ومُعْـرِبُ»
يعني فصيحًا يُعْرِب اللغة.
وقال يونس: لقيتُه أوّلَ ذات يَدَيْ، أي أوّلَ كل شيء.
ويقال: أخبرته بالخبر صُحْرَةَ بُحْرَةَ وصَحْرَةَ بَحْرَةَ، أي كفاحًا لم يُسْتَرمنه شيء.
قال: ويقال: أخبرتُه خُبوري وفُقوري وحُبوري وشُقوري، إذا أخبرته بما عندك.
قال: ويقال: زَمْهَرَتْ عيناه وازمهرّت، إذا أحمرّتا.
قال يونس: تقول العرب: فَطَرَ نابُ البعير وشَقَأَ نابُه وشقّ نابُه وبَقَلَ وبَزَغَ وصَبَأَ بمعنى واحد.
وقال: يقال: قد أَجهَى لك الأمرُ، إذا استبان ووضحَ؛ وأجهيتُ لك السبيل.
ويقال: ما هَيّان فلانٍ? أي ما أمرُه وما حاله? ويقال: سَدَح فلانٌ بالمكان ورَدَحَ به، إذا أقام به.
ويقال: أنف فناخِر، أي عظيم.
وأنشد أبو بكر:
«إنّ لنا لَجارةً فُنـاخِـرهْ*** تَكْدَحُ للدنيا وتَنسى الآخرهْ»
ويقال: أتانا فلان بنَعْوٍ طيّب وبمَعْوٍ طيّب، وهو ما لان من الرُّطَب.
وقال أبو عُبيدة: يقال: هو في عيش أوطَفَ وأَغضَفَ وغاضفٍ وأَرغَلَ وأغرَلَ ودَغْفَلٍ ورافغٍ وعُفاهِمً وضافٍ، إذا كان واسعًا.
ويقال: أنقفَ الجرادُ، إذا رمى ببيضه.
ونَقَفْتُ البيضةَ ونَقَبْتُها واحد، إذا ثقبتها.
وقال يونس: القِرْطِبَّى مثال فِعْلِلّى: الصَّرْع على القفا.
وأخبرنا أبو حاتم عن أبي عُبيدة عن يونس قال: شهد أعرابيّان الجمعة فلما ركع الإمامُ وجعل الناسُ يتأخّرون قال أحدهما لصاحبه: "اثْبُتْ إنها القِرْطِبَّى".
قال: ويقال: تجوّظ الرجلُ وجوّظَ وجَوِظَ، إذا سعى.
وفي كلام بعض العرب: "أكثرُ ما أسهلتنا الغيوثُ ونحن في الأموال جَشَرٌ ولو نال ذلك أحدَكم لجوّظَ حتى يَقْرَعِبَّ في أصل شجرة".
قال أبو بكر: هذا أعرابي قال لأهل الحضر: نحن أصبر منكم لأن المطر يجيئنا ونحن في السهل فلا نعتصم منه بشيء كما تعتصمون أنتم لو أصابكم بأصول لأشجار.
قال أبو عبيدة: يقال: اعتسسنا الإبلَ فما وجدنا عَساسًا ولا بَساسًا، أي قليلًا ولا كثيرًا.
قال أبو عُبيدة: الدُّقَّى: التراب الدقيق بمنزلة الجُلَّى.
وقال: مرّ يَمْلَخ مَلْخًا، إذا مرّ مرًّا سهلًا.
قال أبو حاتم: سألتُ الأصمعي عن ذلك فقال: المَلْخ: كل مَرٍّ سهلٍ.
وفي كلام الحَسَن رحمة اللّه عليه: {يَمْلَخ في الباطل مَلْخًا}، أي يسرع فيه.
وقال الراجز:
«إذا تَتَلاّهُنّ صَلصالُ الصَّعَقْ *** معتزِمُ التجليح مَلاّخُ المَلَقْ»
قال أبو عُبيدة: إذا تهيّأ الرجل للأمر قيل: قد تشنّعَ له.
قال: ويقال: أبَدٌ وآباد وبَلَدٌ وأبلاد، والأبلاد: الآثار.
وقال الأصمعي: يقال: ما ذقت غَمَاضًا ولا تَغْماضًا ولا غِماضًا ولا غُمْضًا ولا تغميضًا.
قال أبو حاتم: الغُمْض: ما دخل العينَ من النوم، والغَمَاض اسم الفعل، والتَّغماض تَفعال، وكذلك التغميض تفعيل، والغَمَاض اسم النوم.
قال رؤبة:
«أرَّقَ عينيَّ عن الغَمَاض *** بَرْقٌ سَرَى في عارضٍ نَهّاضِ»
وقال الأصمعي وأبو زيد: مضمضتِ العينُ بالنوم مِضماضًا، وتمضمضَ النومُ في العين تمضمضًا.
قال الراجز:
«وصاحب نبّهتُه ليَنْهَضا *** إذا الكَرَى في عينه تَمَضْمَضا»
«فقام عَجْلانَ وما تأرّضا *** يَمْسَح بالكفَّين وجهًا أبيضا»
وحكى الأصمعي: لهم كلب يتمضمضُ عَراقيبَ الناس.
وقال الأصمعي: قال منتجِع: عذَّبه الله عَذابًا شَزْرًا، أي شديدًا.
وقال الأصمعي: رجل نُزَك: طَعّان في الناس.
قال أبو حاتم: كأنه يطعن بنَيْزَك.
قال أبو عُبيدة: المؤتفِكة من الريح: التي تجيء بالتراب.
وقال أعرابي من بني العَنْبَر: إذا كثرت المؤتفِكات زَكَتِ الأرضُ.
وقال أبو عبيدة: الضِّكاك واللِّكاك: الزِّحام؛ ضَكَه ولَكَّه، إذا زحمه.
قال أبو حاتم: الدّاكدان من الحديد بالفارسية يسمّى المِنْصب، ويسمّى المِقْلَى المِحْضب، ويسمّى القُفْل المِحْصَن، ويسمّى الزَّبيل في بعض اللغات المِحْصَن، وتسمّى الفراشة المِنْشَب.
قال: ويقال: قِدْر صَلود: لا تغلى سريعًا.
والصَّلود من الخيل: الذي لا يعرق.
وقال أبو عبيدة: قِلْف الشيء وقِرْفه وقِشْره وأحد، وهي القُلافة والقرافة.
وقال: تركت العربُ الهمزَ في أربعة أشياء: في الخابية، وهي من خَبأْتُ، والبَرِيّة، وهي من بَرَأَ اللّه الخَلْقَ، والنبيّ، وهو من النَّبَأ؛ والذُّرّيّة من ذَرَأ اللّه الخَلْقَ.
ويَرَى من رأيتُ صحّحه أبو بكر خامسًا.
وقال: العود الذي يُدفن في الجمر حتى تأخذ فيه النار يسمّى الثَّقْبة والذَّكْوة.
ويقال: سَخّيتُ النار، بالخاء المعجمة، إذا فرّجتها؛ وسَخَوْتُها، إذا فتحتها.
وقال أبو عُبيدة والأصمعي جميعًا: الذِّيبان: الوَبَر الذي يكون على المَنْكِبين من البعير.
قال الشاعر:
«مِلاطٌ ترى الذِّيبانَ فيه كأنّه*** مَطِينٍ بثَأْطٍ قد أُمِيرَ بشَيّانِ»
المِلاطان: الكَتِفان، والثَّأْط: الحَمْأة الرقيقة؛ وأْميرَ: خُلِطَ؛ وشَيّان: دم الأخوين.
وقال الآخر:
«عَسُوف لأجواز الفَلا حِمبريّة*** مَريشٌ بذِيبان السَّبيب تليلُهـا»
ويُروى: لأجواز الفَلا هَبْهَبيّة، والهَبْهَبيّة: السريعة؛ والتَّليل: العُنُق؛ والسَّبيب: شَعَر القفا والناصية.
وقال أبو زيد: مكان عَكَوَّك، إذا كان صلبًا شديدًا.
وأنشد:
«إذا بَرَكْنَ مَبْرَكًا عَكَوَّكا*** كأنما يَطْحَنَّ فيه الدَّرْمَكا»
الدَّرْمَك: الحُوّارى من الدقيق.
ورجل تاكٌّ فاكٌّ، إذا تساقط حُمُقًا.
وقال: العَضنَّكة، وقالوا العَضْنَكة والغَضَنَّكة والعَفَلَّقة: العظيمة الرَّكَب.
وقال أبو زيد: يقال: رماه اللّه بالتُّهْلوك، أي بالهَلَكة.
وقال أبو نُخَيْلة لشَبيب بن شَيْبَة:
«شبيبُ عادى اللّه من يَقليكا *** وسبَّب اللهّ له تُهْـلُـوكـا»
وقال: العَجِنة من الإبل، وقالوا العَجِنة والعَجْناء: التي يَرِمُ حَياؤها فلا تَلْقَح، والمعتجِنة: التي قد انتهت سِمَنًا.
وقال رجل من العرب: "عَمَدَ فلانٌ إلى عِدّة من جَراهِيَة غنمه فباعها وترك دِقالها"، جَراهِيَتها: ضِخامها، ودِقالها: صِغارها، ويقال: شاة دَقِلة، على وزن فَعِلة، إذا كانت كذلك، وقالوا: أَدقلتْ فهي مُدْقِل، وقالوا: دَقيلة، وهي الشاة الضاوية.
وقالوا: الكَيَّه من الرجال: الذي لا متصرَّف له ولا حيلة، وهو البَرِم بحيلته.
وقال أبو زيد: شيخ دُمالِق ومشائخ دَماليق، أي صُلْع الرؤوس.
وقال: شخشختِ الناقةُ، إذا رفعت صدرها وهي باركة.
وقال: تشأشا القومُ، أي تشتّتوا.
وقال: البَرَصة: دابّة صغير دون الوَزَغة إذا عضّت شيئًا لم يبرأ.
وقال: سمعتُ أعرابيًا يقول: إنهم ليَهْرِجون ويَهْرِدون منذ اليوم، أي يموج بعضهم في بعض.
قال: وسمعت أعرابيًا يقول: تغطمشَ علينا فلان، أي ظلمَنا.
وقال في كلامه: فرفرَني، فِرفارةً وبعذرَني بِعذارةً، إذا نفضني.
قال: وسمعته يقول الرجل منا لصاحبه إذا قُضي له عليه:
«وَكَلْتُك العامَ من كلبٍ بتَنْباح»
وقال: صبَّ اللّه عليه حُمّى ربيضًَا، أي صبَّ اللّه عليه من يهزأ به.
وقال: المقطئرّ من الناس: الغضبان المنتفخ.
وقال: المُسْتَباه: الذي لا عقل له؛ والمُسْتَباهة: الشجرة يَقْعَرها السيلُ فينحّيها عن مَنْبِتها، والمُسْتَباه: الرجل الذي يخرج من أرض إلى أخرى.
ويقال: ضربه فوَقَطَه وأَقطَه ووَقَذه، إذا غُشي عليه.
ويقال: تمأّى فيهم الشرُّ وتمعّى، إذا فشا فيهم.
ومَأَوتُ الأديم فتمأّى، إذا بَلَلْتَه حتى يمتدّ ويتّسع.
وأنشد:
«دَلْوٌ تَمَأّى دُبغت بالخلَّـبِ*** أو بأعالي السَّلَم المضرَّبِ»
«فلا تُقَعْسِرْها ولكن صَوِّبِ»
يقول: لا تأخذها بالقهر والشدة ولكن صوَب ظهرك حتى يخرج ماءُ الدلو.
وقال أبو زيد: يقال: شاة مخروعة الأُذن، أي مشقوقة في وسطها بالطول.
وقال: تقول العرب: قد وأّر فلان فلانًا توئيرًا، على مثال وعَّر توعيرًا، وهو أن يلقيه في شرّ.
وقد وعّره، إذا حبسه عن حاجته ووِجهته.
ويقال: ما تحلَّسَ منه بشيء، أي ما أصاب منه شيئًا؛ وإنه لَحَلوس أي حريص.
وقال أبو عُبيدة: يقال: ازمهرّت الكواكبُ في السماء، إذا أضاءت.
وقال أبو زيد: تقول العرب: أكلتُ لقمة فسَبَتَتْ حلقي، بالتخفيف والتثقيل والتخفيف أجود، أي قطّعته وسرّحته.
وسَبَتَ عُنُقَه بالسيف، إذا قطعها.
قال: وسمعتُ أعرابيًا يقول: تَقَعْوَشَ عليه البيت فتغمّطه الترابُ، أي غطّاه، وتَقَعْوَشَ: انهدم.
ويقال: مَلَقْتُ جلدَه أملُقه مَلْقًا، إذا دلكته حتى يملاسَّ.
وأنشد:
«رأت غلامًا جِلْدُه لم يُمْلَق *** بماءِ حَمّامٍ ولم يخـلَّـقِ»
يخلَّق: يملسَّ من قولك: حبل أخْلَقُ، أي أمْلَسُ.
وقال: الضّافِطة من الناس: الحمّالون والمكارون.
وقال: القوس الفراغ: البعيدة موقع السهم.
وقال أبو عُبيدة: دَفَّتْ دافّة، وهَفَّتْ هافّةٌ، وهَفَتَت هافتةٌ، وهَفَتْ هافيةٌ، وقَذَتْ قاذيةٌ، إذا أتاهم قوم قد أُقحموا في البادية.
وقال أبو زيد: تقول العرب: أنا عُذَلة وأنت خُذَلة وكِلانا ليس بابن أمَة؛ يقول: أنا ألومك وأنت تخذُلني ولم نُؤتَ من قِبَل أُمّنا.
وتقول: ناقة هكِعة وهَقِعة وهَدِمة، إذا اشتدَّت ضَبْعَتُها وألقت نفسَها بين يدي الفحل.
وقال أبو زيد: يقال لكلّ منفرد من أصحابه: قد يَتِمَ، وبذلك سُمّي اليتيم.
والدُّرّة اليتيمة التي في بيت اللّه الحرام سُمّيت بذلك لأنه لا شبيه لها.
وقال أبو زيد: يقال: صَرَبْتُ في إنائي وقَرَعْتُ وقلَدْتُ، أي جمعت.
ويقال للوَطْب: المِقْرَع والمِصْرَب والمِقْلد.
وقال أبو زيد وأبو مالك: تقول العرب: سَبّوح وقَدّوس وسَمّور وذَرّوح، وقد قالوه بالضمّ وهو أعلى، وذَرّوح واحد الذَّراريح، وهي الدود الصغار وهو سَمّ.
ويقال ذُرَحرح وذُرَحْرِح وذُرْنُوح وذُرُّوخ وذُرّاح.
وقال أبو زيد: يقال: ماء كثير الواردة، إذا وردته السِّباعُ والناسُ وغيرُهم.
وماء كثير الوارد، إذا لم يَرِدْه إلاّ الناس.
ويقال: طعنتُه بالرمح طعنًا وباللسان طَعَنانًا لا غير.
قال أبو زُبيد:
«وأبَى ظاهرُ الشَّناءةِ إلاّ*** طَعَنانًا ؤقولَ ما لا يقالُ»
وقال أبو زيد: العَقَنْقس: العَسِر الأخلاق: وخالفه قوم فقالوا: العَفَنْقَس.
وقال: الخَجَل: سوء احتمال الغِنى، والدَّقَع: سوء احتمال الفقر، وعن الأصمعي أيضًا.
قال الكميت:
«ولم يَدْقَعوا عندما نالهـم*** لفَرْطِ زمانٍ ولم يَخجلوا»
وقال أبو زيد: الشَّجَى: ما اعترض في الحلق مر عظم أو غيره.
والغَصَص بالطعام، والجَأْز بالرِّيق، والجَرَض مثل الجأز.
وقال أبو زيد: سمعتُ أعرابيًا يقول: إذا أجدبَ الناسُ أتى الهاوي والعاوي، فالهاوي: الجراد، والعاوي: الذئب.
وقال أبو زيد: يقال: ذاحه يَذوحه وذوّحه، إذا فرّقه.
وأنشد لرجل يخاطب عنزًا له:
«فأبْشِري بالبيع والتّذويح*** فأنتِ في السَّوأة والقُبوح»
وقال الأصمعي: يقال: جاء يَرْنَأ في مِشيته، إذا جاء يتثاقل فيها.
وقال: سماء حريصة: كثيرة الماء تحرِص وجه الأرض أي تقشِره.
وقال: في مثل من أمثالهم: "تَفْرَق من صوت الغُراب وتَفْرِس الأسدَ المشبَّمَ"، قال: المشبَّم: الذي قد عُكِم فوه لخُبثه، مأخوذ من الشِّبام، وهي الخشبة التي تُعْرَض في فم الجدي حتى لا يَرضع.
ويقال: جاءني بكلمة فسألني عن مذاهبها فسرّجَ عليها أسروجة، أي بنى عليها بناءً ليس منها.
وقال: جاء يَزْأب بحِمله وجاء يَجْأث بحِمله، إذا جاء يجره.
وقال الأصمعي: هذا سِبْقُ زيدٍ، أي مِثله وإن لم يسابقه؛ وهذا سِبْقي، أي مِثلي.
قال الراجز:
«سِبْقانِ من نُوبةً والبَرابرِ»
ويقال: فلان عِجْبي، أي الذي أُعجب به، وكذاك فلانة عِجْبي وطِلْبي، أي التي أطلبها.
وتقول العرب: صَدَقَكَ وَسْم قِدْحِه، مثل صَدَقَكَ سِنَّ بَكْرِه.
وقال: تقول العرب: أَبصِر وَسْمَ قِدْحِك، أي لا تُجاوِزَن قَدْرَك.
ويقولون: أَلهِ له كما يُلْهي لك، أي اصنع به كما يصنع بك.
قال: وتقول العرب: بيتك هذا زَبْن، أي متنحٍّ عن البيوت.
قال: وتقول العرب: أصبتَ سَمَّ حاجتك، أي وجهَها، وفلان بصير بسَمّ حاجته، أي بمَطْلَبها.
قال: وتقول العرب: لم يكن في أمرنا توفة، أي تَوانِ، ولا أَتم ولا يَتم.
وقال: يقال: قَعَدَ مَقْعَدَ ضُنْأة، مهموز مخفّف مضموم الأول، وهو مَقْعَد الضارورة بالإنسان.
ويقال: عَتَكَ اللبنُ والنبيذُ إذا حَزَرَ، أي حَمَضَ.
وقال: ماء مُخْضم، أي شريب، وماء باضع وبضيع، أي الذي يُبْضَع به، أي يُرْوَى منه.
وقال: يقال: كان فلان راعيَ غنم فأسلمَ عنها، أي تركها؛ وكل من أسلمَ عن شيء فقد تركه.
وتقول العرب: ما يُعرف لفلان مَضْرِبُ عَسَلَة، أي أصل ولا قوم ولا أب ولا شَرَف.
وقال آخر: ما يُعرف له مَنْبِض عَسَلَة، نحو الأول.
ويقال: فلان صَوْغي وسَوْغي، أي مثلي.
وقال الأصمعي: تقول العرب: أَعرِضْ عن ذي قَبْرٍ، إذا جعل الرجل يعيب ميتًا فنُهي عن ذلك.
قال: ويقولون: ما عندنا صَميل، أي سِقاء.
ويقال: لا أفعله أبَدَ الأبَديّة، وأبَدَ الأبيد، وأبَدَ الآبدِين، وقالوا: أبَدَ الأبَدِين، مثل الأرَضِين.
قال: وتقول العرب: أدْرِكْ أمرًا برَبَغه، أي بجِنّه قبل أن يفوت، أي بحداثته، وجِنّ الشباب: أوّله، وجِنّ كل شيء: أوّله.
وقال مرة أخرى.
وتقول العرب: أَدرِك الأمرَ برَبَغه، أي بحينه قبل أن يفوت، وكذلك برَيِّقه وبجِنّه وبحداثته وبرُبّانه.
قال: تقول العرب: إن فلانًا لَيتصحّت عن مجالستنا، أي يستحيي.
وقال أبو حاتم: قلت للأصمعي: الرِّبّة: الجماعة من الناس؛ فلم يقل فيه شيئًا، وأوهمني أنه تركه لأن في القرآن {رِبِّيّونَ}، أي جَماعيّون، منسوبة إلى الرِّبّة والرُّبّة والرَّبّة.
وقال الأصمعي: تقول العرب: بلغنا أرضًَا ليس بها عاثنةٌ، أي ناس؛ وأتانا عاثنة منهم، أي ناس.
وقال: القُرْعة: جراب واسع الأسفل ضيّق الفم.
وقال: لقيتُ فيه الذَّرَبَيّا والذَّرَبَى، أي العيب.
وقال: تقول العرب: لم تفعل به المِهرَةَ ولم تعطه المِهَرةَ، وذلك إذا عالجت شيئًا فلم ترفق به ولم تُحسن عمله، وكذلك إن غذّى إنسانًا أو أدّبه فلم تحسن عمله.
قال: وتقول العرب: اُبْقُه بُقْوَتَك مالَك، وبِقْيَتَك مالَك، أي احفظه حفظك مالَك، ويقولون اِبْقِه أيضًا بكسر الألف، فمن قال بُقْوَتَك مالَك قال ابْقه بُقاوتَك مالك.
ويقول آخرون: اِمْقِه مِقْيَتَك مالَك، ويقولون أيضًا: اُمْقُه مُقاوتَك مالَك.
ويقال: مَقَوْتُ الطَّسْتَ، إذا جلوتها، وكذلك المِرآة.
ويقال: فلان أمثلُ من فلان شَوايَةً، أي بقيّة من قومه أو ماله، وهو من قولهم: قد أشواه الدهرُ، أي تركه.
ويقال: ما أشوَى لنا الدهرُ مثلَه، أي ما ترك.
والشَّوِيَّة: بقيّة من قوم قد ذهبوا.
قال الشاعر:
«وهم شَرُّ الشَّوايا من ثمودٍ*** وعَوْفٌ شَرُّ منتعِلٍ وحافي»
وقال: الطَّريدة: أصل العِذْق.
والجَمْز: ما يبقى من أصل الطَّلْع من الفُحّال، والجمع جُموز.
قال: ومن كلامهم: الآن حيث زَفَرَت الأرضُ، أي ظهر نباتُها.
قال: وتقول العرب: جاءوا بالرَّقَم والرَّقِم، وجاءوا بالطِّبن، أي الكثرة.
وجاءوا بالرَّقْم والرَّقِم والرَّقْماء، أي بالداهية.
وجاءوا بالحَظِر الرَّطْب، يعني الداهية والشيء المستشنَع.
وأنشد:
«أعانَتْ بنو الحَريش فـيهـا بـأربـعٍ*** وجاءت بنو العَجْلان بالحَظِر الرطْبِ»
الحَظِر الرطب: أغصان شجر رَطْب أو يابس تُحظر بها بيوت القوم؛ يقول: جاء بنو الحَريش بأربع ذَوْدٍ، أظنّه في حَمالة.
ويقال: نزلنا أرضًا عَفْراء وبيضاء لم تنْزل قطُّ.
قال أبو حاتم: الأتان: مقام المستقي على فم الركيّة.
قال أبو بكر: فسألت عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي فقال: الإتان بكسر الألف.
قال أبو بكر: والكفّ عنها أحبّ إليّ لاختلافهما.
وقال الأصمعي: مثل للعرب:
«لَحُسْنَ ما أضْرَعْتِ إن لم تُرْشِفي»
أي إن لم يذهب اللبن؛ يقال ذلك للرجل إذا ابتدأ بإحسان فخِيف أن يُسيء.
قال: ويقال: جاء يمشي البَرْنَسا، مقصور، أي في غير ضيعه؛ وما أدري أي البَرْنساء أنت، ممدود.
وقال: يقال: أوجأتُ، أي جئت في طلب حاجة أو صيد فلم أصبهما، وبعضهم لا يهمز.
ويقال: أوجأتِ الرَّكِيّة، إذا قل ماؤها.
قال: وتقول العرب: أمعزْنا يومَنا كلَّه، إذا سِرْنا في المَعْزاء.
ويقال: حظبتُ من الماء، أي امتلأت، وجاءني حاظبًا.
قال أبو حاتم: سألت الأصمعي عن الصَّرف والعَدْل فلم يتكلّم فيه.
قال أبو بكر: وسألت عبد الرحمن عنه فقال: الصَّرْف: الاحتيال والتكلّف، والعَدْل: الفِداء والمِثل؛ فلا أدري ممّن سمعه.
قال أبو بكر: الصَّرْف: الفريضة، والعَدْل: النافلة.
قال أبو حاتم: قال الأصمعي: يقال: ما بقي في سَنام بعيرك أَهْزَعُ، أي بقيّة شحم.
والأهْزَع: آخر سهم يبقى في الكِنانة.
وتقول العرب: أخرِجَ الرجلُ من سِرّ خَميره سِرًّا أي باح به.
واجعله في سِرّ خميرك، أي اكتمْه.
وقال: الرَّغُول: اللاّهج بالرَّضاع من الإبل والغنم.
ويقال: إنه لقريب الثَّرَى بعيد النَّبَط، أي يقول بلسانه ولا يفي به.
وأنشد:
«قريبٌ ثراه لا يَنال عَـدُوّه*** له نَبَطًا عند الهَوان قَطوبُ»
قال أبو بكر: هذا البيت في المدح.
ومثل من أمثالهم: "إن العِقاب الوَلَقَى" أي العقوبة سرعة التجازي.
قال: ويقال: أغْتَمْتُ الزيارةَ، بالغين المعجمة، وقالوا: وكان العجّاج يُغْتِم الشِّعْرَ، أي يُكثر.
ويقال: رجل تِقْن وتَقِن، أي متقن للأشياء.
وقال الصَّعَف: عصير العنب أوّل ما يُدْرِك.
وقال: مجلس عُبْر، أي وافر؛ وكذلك كبش مُعْبَر: وافر الصوف؛ وغلام مُعْبَر: لم يُختن؛ ومجلسر عُبْر، أي وافر الأهل.
وقال: الصَّقَعيّ: الذي يولد في الضَّفَريّة، والضَّفَريّة: وقت يمتارون فيه.
قال: ويقال: بقيت في الجُوالق ثُرْمُلة، أي بقيّة من تمر أو غيره.
قال: وتقول: جاءني سَلَفٌ من القوم، أي جماعة.
قال: ويقال: غَرْب معدَّن، والعدينة هي الزيادة التي تزاد في الغَرْب.
وغَرْب مسعَّن، أي من أديمين.
ويقال: نعجة ضُرّيطة، أي ضخمة سمينة.
قال: ويقال: ناقة شَصيبة، أي يابسة.
قال أبو بكر: وكذلك شَصِبة.
وأنشد:
«لحا اللّه قومًا شَوَوْا جارَهم*** والشاة بالدِّرهمين الشَصِبْ»
قال أبو بكر: وشَصائب الدهر من هذا، أي الشدائد.
قال: وقلت لأعرابي: ما شرّ الطعام? فقال: "طُرثوث مُرّ أنبتَه القُرّ" والطُرثوث: نبت يؤكل.
قال: وقيل لامرأة من العرب: ما شجرة أبيك.
فقالت: "الإسْليح رُغوة وصَريح وسَنام إطريح"، وهو الني.
يميل في أحد شِقّيه حتى يطرح الناقةَ من ثقله؛ قال أبو بكر: الإسْليح: نبت.
وقالت أخرى: "شجرة أبي العَرْفَج إن حُلِب كَثب وإن أوقِد تلهّب"، قال أبو بكر: تكثَّب، أي صار كُثَبًا، والكُثْبة: الشيء المجتمع من لبن أو غيره، ولا يكون إلا ثخينًا.
وقالت أخرى: "شجرة أبي الشِّرْشِر وَطْبٌ حَشر وغلام أشِر"؛ قال أبو بكر: حَشِر: بين الصغير والكبير.
وقال الأصمعي: تقول العرب: "ربَّ مُهْرٍ تَئق تحت غلام مَئق ضربه فانزهق"، قال أبو بكر: تئق: سريع، والمئق من الغضب.
وقال: لِحاظ السهم: ما وَلِيَ أعاليَ السهم من القُذَذ.
ويقال: رماه الله بالجَريب، أي بالحصى الذي فيه التراب.
وقال: لبن مشمعِلّ، أي حامض قد غلب بحموضته.
وقال: تهقّعت الضأن حِرْمَةً، إذا أرادت الفحل كلُّها؛ وكذلك تهقّعوا وِرْدًا، أي ودوا كلُّهم.
قال أبو بكر: قوله حِرْمَة، يقال: استحرمتِ الشاةُ، إذا اشتهت الفحلَ، وهذه شاة حَرْمَى، وشاء حَرْمَى مثله سواء للجمع، وقالوا حِرام.
جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م
7-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (المشهد)
المشهدقرية صغيرة، تبعد عن الهجرين في شمالها مسافة ساعتين، وكان موضعه يسمّى (الغيوار)، يكمن به اللّصوص فيخيفون السّابلة ويقطعون السّبيل، ويأتون في ذلك المكان المنكر.
وكان الحسد قد تكسّرت نصاله في الحبيب عليّ بن حسن بن عبد الله بن حسين بن عمر بن عبد الرّحمن العطّاس؛ لعلوّ شأنه، وغزارة علمه، وقوّة عارضته، وكان يتنقّل في البلدان لنشر الدّعوة إلى الله، وكانت أمّه من المشايخ آل إسحاق السّاكنين بهينن، فبدا له أن يختطّ بذلك المكان دارا ويبني مسجدا، ورغّب النّاس في البناء بجواره، وعندما رأوا عموم الأمان.. بنيت ديار حواليه، فكان بناؤه هناك واختطاطه ذلك المكان حصاة صادت عصفورين؛ إذ استراح هو من مناوأة الحسّاد، وأمن به النّاس، وزال البأس.
وكان يحتفل بمولد النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في اليوم الثّاني عشر من ربيع الأوّل في كلّ عام، يتقاطر له الوفود من كل ناحية حتّى من قريب صنعاء، وهناك تكثر الفوائد، وتبسط الموائد، وتهتزّ الأبشار، وتحنّ العشار، وينظم الانتشار، وتقشعرّ الأبدان؛ لحضور الأرواح من بشّار.
«هنالك يهتزّ الشّعور إذا التقى *** من الملأ الأعلى كرام وطيّب »
«وثمّ يطيب الاتّصال إذا انبرى *** نسيم الرّضا وانهلّ بالفضل صيّب »
ولا تزال تلك العادة متّبعة إلى اليوم، وهذا المولد من أقلّ الموالد بدعا ومفاسد، إلّا ما قد يقع من اختلاط الرّجال بالنّساء، ولكن لم يشتهر عنه فساد، ولا مانع أن يكون ذلك ببركة إخلاص مؤسّسه وحسن نيّته، ولو رأيت ما يقع من فرح الوفود، وزجل الأراجيز، ودويّ المدافع، وزمجرة الميازر.
«والخيل تصهل والفوارس تدّعي *** والبيض تلمع والأسنّة تزهر »
«والأرض خاشعة تميد بثقلها *** والجوّ معتكر الجوانب أغبر»
«والشّمس طالعة توقّد في الضّحى *** طورا ويطفئها العجاج الأكدر»
.. لرأيت ما يملأ عينيك نورا، وقلبك سرورا.
وتقوم هناك سوق من أسواق العرب تدوم ثلاثة أيّام، وتأتيها القوافل حتّى من نحو صنعاء.
وكان الحبيب عليّ بن حسن العطّاس ـ صاحب المشهد هذا ـ صدرا من صدور الرّجال، وله مؤلّفات كثيرة، منها: «القرطاس» في ثلاث مجلّدات كبار، ومنها: «سفينة البضائع»، وله «ديوان» عذب، كأنّه اللّؤلؤ الرّطب، وهو يمرّ في منظومه ومنثوره مع خاطره، لا يتكلّف ولا يتنطّع، ولا يدع شيئا بباله إلّا نفث به لسانه، وعسل به قلمه، من ذلك: أنّ جماعة من قرار شبام باتوا عنده، فأكرمهم وأسبغ قراهم، ومعهم جمّال من آل مهري، سأل عنه الحبيب عند حضور العشاء، فقالوا له: إنّه عند المراكيب، فأخّر عشاءه حتّى نفرغ، قال: لا يمكن أن نأكل إلّا ويده مع أيدينا.
واتّفق أنّ الحبيب دخل شباما بعد أمّة من الزّمان واجتمع بكلّ أولئك في الجامع، ولم يقل له أحد تفضّل إلى منزلي، وأبوا بلسان الحال أن يضيّفوه، فاضطرّ إلى الخروج من شبام قريب المغرب، فلاقاه ابن مهريّ خارجا من سدّة شبام وعزم عليه وألحّ، وذبح له منيحة ولده، فأنشأ الحبيب قصيدة يقول فيها:
«علي بن حسن حوّط الغيوار وامسى مزار *** وامسيت يالجحي جنّه بعد ما كنت نار»
«يا القروي القار يا عرق الحدج يا قرار *** حبّ القبيلي وقيراط القبيلي بهار»
وان جيت صرّ القبيلي ما لطف في الصّرار
وسيأتي في شبام أنّ لأهلها مكارم غزيرة، ومحاسن كثيرة، إلّا أنّهم لا يقرون الضّيف؛ لضيق منازلهم وكثرة أشغالهم.
وكلام الحبيب في «ديوانه»، وإن خرج عن قواعد الإعراب.. فإنّه عذب اللهجة، حلو السّياق، خفيف الرّوح.
أخذ عن كثير من المشايخ، مرّ ذكر جملة منهم، ومنهم: جدّ أبيه: الحبيب حسين بن عمر العطّاس، وجدّه عبد الله بن جعفر مدهر، والسّيّد أحمد بن زين الحبشيّ، وغيرهم.
وكانت وفاته بالمشهد سنة (1172 ه)، ولا يزال أولاده يتوارثون منصبه على البرّ والتّقوى، وإكرام الضّيف، وإعانة المنكوب، وتأمين الخائف، والإصلاح بين النّاس، والحجز ما بين المتحاربين.
والقائم بمنصبهم الآن هو: أخونا المنصب السّيّد أحمد بن حسين بن عمر بن هادون، سخيّ الكفّ، سليم الصّدر، خفيف الرّوح، قليل الغضب، لا يشينه عبوس، ولا يبطره غنى، ولا يذلّه بؤس.
«لا مترفا إن رخاء العيش ساعده *** وليس إن عضّ مكروه به خشعا»
وفيه أقول من «الرّحلة الدّوعنية» [من الطّويل]:
«وعجنا إلى الغيوار صبحا فأطلقوا *** كذا وكذا عند التّحيّة مدفعا»
«وزرنا البعيد الصّيت حامي الحمى الّذي *** به صار من عرّيسة اللّيث أمنعا »
«وكان زعيم المشهد الشّهم غائبا *** مضى هو والسّلطان في رحلة معا»
«وكان مكينا عنده حيث إنّه *** بأخلاقه لم يبق للظّرف موضعا»
«سوى لحية فيها يسير زيادة *** أريد على تقصيرها فتمنّعا»
«وفي جيده باللّيل أبصرت سبحة *** من الرّقش خفنا أن تدبّ وتلسعا »
ولا يشكل قولنا: (أبصرت) مع أنّه كان غائبا؛ لأنّا اجتمعنا وإيّاه بعد ذلك مع السّلطان، فكان ما في البيت.
ولقد أخبرني أنّ السّلطان صالح بن غالب أراده على حلق لحيته أيّام كان معه بمصر؛ لأنّ أهل مصر لا يحبّون اللّحى، وبذل له مئة دينار مصريّ فامتنع، إلّا أنّه ندم بعد ذلك، ولا سيّما إثر ما أخبرته باتّفاق الرّافعيّ والنّوويّ على كراهة حلقها لا حرمته، وأنّ السّخاويّ ذكر في «الضّوء اللّامع» أنّ عبد الحقّ بن هاشم الجربيّ المغربيّ كان يحلق لحيته وشاربه، وكان صالحا معتقدا، وأصله من الينبوع فيما يذكر، وقد تولّى مشيخة رباط السّيّد حسن بن عجلان بمكّة، وبها توفّي سنة (845 ه) فاشتدّ ندمه حينئذ، وأنشد لسان حاله قول كثيّر عزّة [في «ديوانه» 244 من الطّويل]:
«لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها *** وأمكنني منها إذن لا أقيلها»
وفي حوالي المشهد كثير من الأطلال والآثار العاديّة، وأكثرها في مكان يقرب منه، يقال له: ريبون، يزعمون أنّ به آثارا مطمورة بالتّراب، كمثل الآثار الّتي اكتشفت بناحية حريضة، أو أكثر.
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
8-التوقيف على مهمات التعاريف (البشرى)
البشرى: إظهار غيب المسرة بالقول، ذكره الحرالي، البشارة كل خبر صادق تتغير به بشرة الوجه، وتستعمل في الخير والشر وفي الخير أغلب، وقيل البشارة الخبر السار فقط واستعماله في غيره {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيم} استعارة أو تهكم كقوله: تحية بينهم ضرب وجيع. وبشرت الرجل وأبشرته وبشرته أخبرته بسار بسط بشرة وجهه لأن النفس إذا سرت انتشر الدم انتشار الماء في الشجرة. والبشرة ظاهر الجلد والأدمة باطنه. وعبر عن الإنسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر بخلاف الحيوان الذي عليه نحو صوف أو شعر. وباشر زوجته تمتع ببشرتها، وباشر الأمر تولاه ببشرته وهي يده ثم كثر حتى استعمل في الملاحظة.التوقيف على مهمات التعاريف-زين الدين محمد المدعو بعبدالرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري-توفي: 1031هـ/1622م
9-العباب الزاخر (نبأ)
نبأالنَّبْأَةُ: الصوت الخفِيُّ، قال ذو الرمَّة:
«وقد تَوَجَّسَ رِكْزًا مُقْفِـرٌ نَـدِسٌ *** بِنَبْأة الصَّوتِ ما في سَمْعِه كَذِبُ»
أبو زيد: نَبَأْتُ أنْبَأُ نُبُوْءً: إذا ارتفعت، وكل مُرتفع نابِيءٌ ونَبِيْءٌ، وفي الأحاديث التي لا طرق لها: لا يُصَلّى على النبي، أي: المكان المُرتَفِع المُحدَوْدِب.
ونَبَأْتُ على القوم نبْأ ونُبُوْءً: إذا طلعت عليهم. ونَبَأْتُ من أرض إلى أرض: إذا خرجْت منها إلى أُخرى، وهذا المعنى أراد الأعرابي بقوله: يا نبِيءَ الله؛ أي: يا من خرج من مكة إلى المدينة، فأُنْكِر عليه الهمْز، وقال: إنّا مَعْشر قريش لا نَنْبِر، ويروى: لا تَنْبِر باسمي فإنما أنا نبيُّ الله.
وسيل نابئٌ: جاء من بلد آخر، وكذلك: رجل نابئٌ، قال الأخطل:
«ولكِنْ قَذاها كُـلُّ أشْـعَـثَ نـابِـئٍ *** رَمَتْنا به الغيطانُ من حيثُ لا ندري»
ونبَأَتْ به الأرض: جاءَت به، قال حَنَش بن مالك:
«فَنَفْسَكَ أَحْرِزْ فإن الحُتوفَ *** يَنْبَأْنَ بالمَرْءِ في كلِّ وادِ»
ونُبَاءٌ -بالضم والمد-: موضع بالطائف.
والنَّبَأُ: الخبر، ونَبَّأَ وأنْبَأَ: أي أخبر، ومنه اشتُقَّ النبيءُ؛ لأنه أنْبَأَ عن الله عز وجل، وهو فَعِيْلٌ بمعنى فاعِل، غير أنهم تركوا الهمز في النبي والبريّة والذُرية والخابية إلاّ أهل مكة -حرسها الله تعالى- فإنهم يهمزون هذه الحروف ولا يهمزون غيرها، ويُخالفون العرب في ذلك. وتصغير النَّبيء نُبَيِّئٌ مثال نُبيِّعٍ، وتصغير النُّبُوْءَةِ نُبَيِّئَةٌ مثال نُبَيِّعة، تقول العرب: كانت نُبَيِّئةُ مُسيلِمة نُبَيِّئة سوء. وجمْع النَّبيء نُبَأةُ، قال العباس بن مِرداسٍ السُّلمي:
«يا خاتم النُّبَأءِ إنـك مُـرْسِـلٌ *** بالحقِّ كُلُّ هُدى السَّبيلِ هُدَاكا»
«إنَّ الإلهَ بَنى علـيك مَـحَـبَّةً *** في خَلْقِه ومحمَّدًا سَمّـاكـا»
ويروى: "يا خاتم الأنباء". ويجمع أيضًا على نبيين وأنبياء، لأن الهمز لما أُبدل وأُلزِم الإبدال جُمِع جَمْع ما أصل لامه حرفُ العلة؛ كعيدٍ وأعياد.
ورمى فأنْبَأ: أي لم يَشْرِمْ ولم يَخدِشْ، وقيل: الأنْبَاء: أن يَرمي ولا يُنفذَ.
ونبَّأ نبيئَةً: أخبر.
وقوله تعالى: (لَتُنَبِّئَنَّهم بأمْرِهم هذا) أي: لَتُجازينهم بفعلهم، وتقول العرب للرجل إذا توعَّدوه: لأُنبِّئنَّك ولأُعرِّفنَّك.
قال سيبويه: ليس أحد من العرب إلاّ ويقول: تَنَبَّأَ مسيلمة؛ بالهمز.
ويقال: نابَأْتُ الرجل ونابَأَني: إذا أخبرْته وأخبرَك. وقيل: نابَأْتُهم: تركتُ جِوارهم وتباعدْتُ عنهم، قال ذو الرمّة يهجو قومًا:
«زُرْقُ العُيونِ إذا جاوَرْتَهُمْ سَرَقوا *** ما يَسْرِقُ العَبْدُ أو نابأْتَهم كَذَبوا»
والاستنباء: الاستِخْبار.
والتركيب يدل على الإتيان من مكان إلى مكان.
العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م
10-القاموس المحيط (ثاب)
ثَابَ ثَوْبًا وثُؤُوبًا: رَجَع،كثَوَّبَ تَثْوِيبًا،
وـ جِسْمُهُ ثَوَبَانًا، مُحَرَّكَةً: أَقْبَلَ،
وـ الحَوْضُ ثَوْبًا وثُؤُوبًا: امْتَلأَ أو قارَبَ، وأَثَبْتُهُ.
والثَّوَابُ: العَسَلُ، والنَّحْلُ، والجَزَاءُ،
كالمَثُوبَةِ والمَثْوَبَةِ.
أَثَابَهُ اللَّهُ،
وأَثْوَبَهُ، وثَوَّبَهُ مَثُوبَتَهُ: أَعْطَاهُ إيَّاهَا.
ومَثَابُ البِئْرِ: مَقَامُ السَّاقِي، أو وَسَطُها.
ومَثَابَتُها: مَبْلَغُ جُمُومِ مائِها، وما أشْرَفَ مِنَ الحِجَارَةِ حَوْلَها، أو مَوْضِعُ طَيِّها،
ومُجْتَمَعُ النَّاسِ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ، كالمَثابِ.
والتَّثْوِيبُ: التَّعْوِيضُ، والدُّعاءُ إلى الصَّلاةِ، أو تَثْنِيَةُ الدُّعاءِ، أو أَنْ يَقولَ في أذانِ الفَجْرِ: الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ عَوْدًا على بَدْءٍ، والإِقامَةُ، والصَّلاةُ بَعْدَ الفَرِيضَةِ.
وتَثَوَّبَ: تَنَفَّلَ بَعْدَ الفَرِيضَةِ، وكَسَبَ الثَّوابَ.
والثَّوْبُ: اللِّباسُ، ج: أَثْوُبٌ وأَثْؤُبٌ وأَثْوَابٌ وثِيَابٌ،
وبائِعُهُ وصاحِبُهُ: ثَوَّابٌ، ومحمدُ بنُ عُمَرَ الثِّيابِيُّ المُحَدِّثُ: كان يَحْفَظُ الثِّيابَ في الحَمَّامِ. وثَوْبُ بنُ شَحْمَةَ: أسَرَ حاتِمَ طَيِّئٍ، وابنُ النَّارِ: شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، وابنُ تَلْدَةَ: مُعَمَّرٌ، لَهُ شِعْرٌ يَوْمَ القَادِسِيَّةِ.
وللَّهِ ثَوْبَاهُ: للَّهِ دَرُّهُ.
وثَوْبُ الماءِ: السَّلَى والغِرْسُ.
وفي ثَوْبَيْ أبي أَنْ أَفِيَهُ، أي: في ذِمَّتِي وذِمَّةِ أبي.
و" إنَّ المَيِّتَ ليُبْعَثُ في ثِيَابِهِ"، أي: أعْمالِهِ. {وثيابَكَ فَطَهِّر}: قيلَ: قَلْبَكَ. وسَمَّوْا: ثَوْبًا وثُوَيْبًا وثَوابًا، كَسَحابٍ، وثَوَابَةَ، كَسَحابَةٍ.
ومَثْوَبٌ، كمَقْعَدٍ: د باليَمَنِ.
وثُوَبُ، كَزُفَرَ، ابنُ مَعْنٍ الطائِي. وزُرْعَةُ بنُ ثُوَبُ المُقرِئ قاضي دِمَشْقَ، وعبدُ اللَّهِ بنُ ثُوَبَ أبو مُسْلمٍ الخَوْلانِيُّ، وجُمَيْح، أو جُمَيْعُ بنُ ثُوَبَ، وزيدُ بنُ ثُوَبَ: مُحَدِّثُونَ. والحَارِثُ بنُ ثُوَبَ أيضًا، لا أَثْوَبَ، (ووَهِمَ فيه عبدُ الغنِيّ، تابِعيٌّ، وأثْوِبُ بنُ عُتْبَةَ: من رُواةِ حَدِيثِ الدِّيكِ الأبْيَضِ).
وثَوَابٌ: رجُلٌ غَزَا، أو سافَرَ فانْقَطَعَ خَبَرُهُ، فَنَذَرَتِ امْرَأُتُهُ: لَئِن اللَّهُ رَدَّهُ لَتَخْرِمَنَّ أَنْفَهُ، وتَجْنُبَنَّ به إلى مَكَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ أخْبَرَتْهُ به، فقال: دُونَكِ، فقيلَ: "أطْوَعُ من ثَوَابٍ".
والثَّائِبُ: الرِّيحُ الشديدَةُ تكونُ في أوَّلِ المَطَرِ،
وـ من البَحْرِ: ماؤُهُ الفائِضُ بَعْدَ الجَزْرِ. وثَوَّابُ بنُ عُتْبَةَ، كَكَتَّانٍ: مُحَدِّثٌ،
وـ ابنُ حُزَابَةَ: له ذِكْرٌ، وبالتخفيفِ: جَماعةٌ.
واسْتَثَابَهُ: سَأَلَهُ أن يُثِيبَهُ،
وـ مالًا: اسْتَرْجَعَهُ. وكَزُبَيْرٍ: تابِعِيٌّ مُحَدِّثٌ كَلاعِيٌّ، وآخَرُ بِكَالِيُّ. وزيادُ بنُ ثُوَيْبٍ، وعبدُ الرَّحْمنِ بنُ ثُوَيْبٍ: تابِعيّانِ.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
11-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (قصص)
(قصص) - في الحديث: "أتاني آتٍ فقَدَّ مِن قَصِّي إلى شِعْرَتي "القَصُّ والقَصَصُ: عَظْمُ الصَّدْرِ؛ وهو المُشَاشُ المَغْروزُ فيه شَراسِيفُ الأَضْلاعِ في وَسَطِ الصَّدْرِ.
ومنه حديث عَطَاء: "أنّه كَرِهَ أَن تُذْبَحَ الشَّاةُ من قَصِّهَا" والجمع قُصُوصٌ وأقصَاصٌ.
- وفي حديث جابر - رضي الله عنه: "أنَّ النّبي- صلّى الله عليه وسلّم - كان يَسْجُدُ على قَصاصِ الشَّعْرِ"
وهو مُنتَهى شَعْر الرَّأْسِ, حيث يُؤخَذ بالجَلَم.
وقيل: مُنتَهى مَنْبتِه مِن مُقدَّمه؛ وتُفْتَح القَافُ وتُكْسَر.
وقُصَاصُ الوَركَيْن: مُلْتقَاهما مِن مُؤَخّرهما.
وقُصَاصُ الكَتِفَين: مُلْتقَاهما، كأنّه مِن قُصاصِ الشَّعر، ومِن اقْتِصاصِ الأَثَرِ واقْتِصاصِ الحديثِ.
- وفي الحديث: "فجاء واقْتصَّ أثَرَ الدَّم "
قال الأَصمعِيُّ: خَرجَ فُلانٌ قَصَصًا في أَثَر فُلانٍ وقَصًّا؛ إذَا اقْتصَّ أثَرَه.
- في حديث الرُّؤْيا: "لا تَقُصَّها إلَّا على وادٍّ "
يقال: قَصَصْتُ الرُّؤْيا على فُلانٍ: أخْبَرْتُه بها
قال الله - عَزَّ وجَلَّ -: {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ}
- وفي حديث ابنِ سِيرين: "كَرِهَ أن يَرفَع قِصَّةً لا يَعْلَم ما فِيهَا"
وهي كِتَاب يُخِبرُ فيه عن حالِه، وما في ضَمِيره، وهي فَعَلَة من القَصَصِ. وقد يُفسَّرُ بالأمر والحديث.
- في الحديث: "لا يَقُصُّ على النّاس إلَّا أَمِيرٌ أو مَأْمُورٌ أَو مُرَاءٍ" ورُوِى: "أو مُخْتال" بَدَل "المُرائِي".
وألفاظُ هذا الحديث مَشْهُورةٌ إلَا أنّها تحتاج إلى معنى؛ وهو أَنه لا يَنْبَغي ذلك إلَّا لِأميرِ يَعِظُ الناسَ ويُخْبِرهم بما مَضى ليَعْتَبِرُوا، أَو مأمُور بذلك يكون مذَهَبُه مَذهبَ الأَمير، ولا يَقُصُّ تَكَسُّبًا، أو مُختالٌ يَفْعَل ذلك تَكَبُّرًا على الناسِ، وطَلبًا للرِّياء، فهو مُخْتالٌ يُرَائِي بعَمله وقَولِه، لا يكون وعْظُه وكلامُه حقيقة.
وقال ابن سُرَيْج: هذا في الخُطبة كان الأمراءُ يَلُونَ الخُطبةَ فَيعِظون الناسَ فيها.
وقيل: إنّ المتكلّمين على النّاس ثلاثةُ أَصْنَافٍ: مُذَكِّرٌ وواعِظٌ وقاصٌّ؛ فالمذكِّرُ: الذي يُذكِّر الناسَ آلاءَ الله تعالى ولقاءَه؛ يَبعثُهم على الشكْر له.
والواعِظُ: يُخوِّفُهم بالله - عزّ وجلّ - ويُنذِرُهم عقوبَتَهُ، فيردَعُهم عن المعاصي.
والقاصُّ: هو الذي يَروِي لهم أخبارَ الماضِن، وَيسْرُدُ عليهم القَصَصَ، فلا يَأْمَنُ أن يزيدَ أو ينقُصَ
- فلهذا جاء في الحديث الآخر: "القاصُّ يَنتَظِرُ المَقْتَ ".
والآخران: مَأمُونٌ عليهما ذلك.
ذكر بعضُهم: ولا يُفتى الناسَ إلاَّ كذَا وكَذَا.
- وفي الحديث: "أَنَّ بَني إسرائيل لمَّا قَصُّوا هَلَكُوا" وروي: "لَمَّا هَلَكُوا قَصُّوا"
: أي اتَّكلُوا على الكَلام والقِصَصِ، وتركُوا العَملَ، فكان ذلك سَببَ هَلاكِهم.
- في حديث عُمَر: "أقِصَّ منه بعِشْرين"
: أي اجْعل شِدَّة الضربِ الذي ضربْتَه قِصاصًا بالعِشْرِين البَاقِية وعِوَضًا عنها
المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م
12-معجم الأفعال المتعدية بحرف (فضا)
(فضا) الشجر بالمكان كثر وأفضى إلى المرأة خلا بها غشيها وأفضى إليه الأمر وصل وأفضى إلى كذا انتهى وأفضى الساجد إلى الأرض مسها براحته في سجوده وأفضى بالقوم بلغ بهم مكانا فضاء وأفضى إليه بالسر أعلمه به وأفضيت إليه بشقوري أي أخبرته بأمري وأطلعته على ما أسره عن غيره.معجم الأفعال المتعدية بحرف-موسى بن الحاج محمد بن الملياني الأحمدي الدراجي المسيلي الجزائري (الملقب نويوات)-صدر:1398هـ/1977م
13-معجم البلدان (الشاذياخ)
الشّاذِياخُ:بعد الذال المكسورة ياء مثناة من تحت، وآخره خاء معجمة: قرية من قرى بلخ يقال لها الشاذياخ. وشاذياخ أيضا: مدينة نيسابور أمّ بلاد خراسان في عصرنا، وكانت قديما بستانا لعبد الله بن طاهر بن الحسين ملاصق مدينة نيسابور، فذكر الحاكم أبو عبد الله بن البيّع في آخر كتابه في تاريخ نيسابور:
أن عبد الله بن طاهر لما قدم نيسابور واليا على خراسان ونزل بها ضاقت مساكنها من جنده فنزلوا على الناس في دورهم غصبا فلقي الناس منهم شدة فاتفق أن بعض أجناده نزل في دار رجل ولصاحب الدار زوجة حسنة وكان غيورا فلزم البيت لا يفارقه غيرة على زوجته، فقال له الجندي يوما: اذهب واسق فرسي ماء، فلم يجسر على خلافه ولا استطاع مفارقة أهله فقال لزوجته: اذهبي أنت واسقي فرسه لأحفظ أنا أمتعتنا في المنزل، فمضت المرأة وكانت وضيئة حسنة، واتفق ركوب عبد الله بن طاهر فرأى المرأة فاستحسنها وعجب من تبذلها فاستدعى بها وقال لها: صورتك وهيئتك لا يليق بهما أن تقودي فرسا وتسقيه فما خبرك؟ فقالت: هذا فعل عبد الله بن طاهر بنا قاتله الله! ثمّ أخبرته الخبر، فغضب وحوقل وقال: لقد لقي منك يا عبد الله أهل نيسابور شرّا، ثمّ أمر العرفاء أن ينادوا في عسكره من بات بنيسابور حلّ ماله ودمه، وسار إلى الشاذياخ وبنى فيه دارا له وأمر الجند ببناء الدور حوله، فعمّرت وصارت محلّة كبيرة واتصلت بالمدينة فصارت من جملة محالّها ثمّ بنى أهلها بها دورا وقصورا، هذا معنى قول الحاكم، فإنّني كتبت من حفظي إذ لم يحضرني أصله، ولذلك قال الشاعر يخاطب عبد الله بن طاهر:
«فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا *** بالشاذياخ ودع غمدان لليمن»
«فأنت أولى بتاج الملك تلبسه *** من ابن هوذة يوما وابن ذي يزن»
ثمّ انقضت دولة آل طاهر وخربت تلك القصور فمرّ بها بعض الشعراء فقال:
«وكان الشاذياخ مناخ ملك، *** فزال الملك عن ذاك المناخ»
«وكانت دورهم للهو وقفا، *** فصارت للنّوائح والصّراخ»
«فعين الشّرق باكية عليهم، *** وعين الغرب تسعد بانتضاخ»
وقال آخر:
«فتلك قصور الشاذياخ بلاقع، *** خراب يباب والميان مزارع»
«وأضحت خلاء شاذمهر وأصبحت *** معطّلة في الأرض تلك المصانع»
«وغنّى مغنّي الدّهر في آل طاهر *** بما هو رأي العين في الناس شائع»
«عفا الملك من أولاد طاهر بعد ما *** عفا جشم من أهله والفوارع»
وقال عوف بن محلّم في قطعة طويلة أذكرها بتمامها في الميان، إن شاء الله:
«سقى قصور الشّاذياخ الحيا *** من بعد عهدي وقصور الميان»
«فكم وكم من دعوة لي بها *** ما إن تخطّاها صروف الزّمان»
وكنت قدمت نيسابور في سنة 613، وهي الشاذياخ، فاستطبتها وصادفت بها من الدّهر غفلة خرج بها عن عادته واشتريت بها جارية تركية لا أرى أن الله تعالى خلق أحسن منها خلقا وخلقا وصادفت من نفسي محلّا كريما، ثمّ أبطرتني النعمة فاحتججت بضيق اليد فبعتها فامتنع عليّ القرار وجانبت المأكول والمشروب حتى أشرفت على البوار، فأشار عليّ بعض النصحاء باسترجاعها، فعمدت لذلك واجتهدت بكلّ ما أمكن فلم يكن إلى ذلك سبيل لأن الذي اشتراها كان متموّلا وصادفت من قلبه أضعاف ما صادفت مني، وكان لها إليّ ميل يضاعف ميلي إليها، فخاطبت مولاها في ردّها عليّ بما أوجبت به على نفسها عقوبة، فقلت في ذلك:
«ألا هل ليالي الشاذياخ تؤوب؟ *** فإنّي إليها، ما حييت، طروب»
«بلاد بها تصبي الصّبا ويشوقنا ال *** شمال ويقتاد القلوب جنوب»
«لذاك فؤادي لا يزال مروّعا، *** ودمعي لفقدان الحبيب سكوب»
«ويوم فراق لم يرده ملالة *** محبّ ولم يجمع عليه حبيب»
«ولم يحد حاد بالرّحيل، ولم يزع *** عن الإلف حزن أو يحول كثيب»
«أئنّ ومن أهواه يسمع أنّتي، *** ويدعو غرامي وجده فيجيب»
«وأبكي فيبكي مسعدا لي فيلتقي *** شهيق وأنفاس له ونحيب»
«على أن دهري لم يزل مذ عرفته *** يشتّت خلّان الصّفا ويريب»
«ألا يا حبيبا حال دون بهائه *** على القرب باب محكم ورقيب»
«فمن يصح من داء الخمار فليس من *** خمار خمار للمحبّ طبيب»
«بنفسي أفدي من أحبّ وصاله، *** ويهوى وصالي ميله ويثيب»
«ونبذل جهدينا لشمل يضمّنا، *** ويأبى زماني، إنّ ذا لعجيب! »
«وقد زعموا أن كل من جدّ واجد، *** وما كلّ أقوال الرجال تصيب»
ثمّ لما ورد الغزّ إلى خراسان وفعلوا بها الأفاعيل في سنة 548 قدموا نيسابور فخرّبوها وأحرقوها فتركوها تلالا فانتقل من بقي منهم إلى الشاذياخ فعمّروها، فهي المدينة المعروفة بنيسابور في عصرنا هذا، ثمّ خرّبها التتر، لعنهم الله، في سنة 617 فلم يتركوا بها جدارا قائما، فهي الآن فيما بلغني تلول تبكي العيون الجامدة وتذكي في القلوب النيران الخامدة.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
14-معجم القواعد العربية (نبأ)
نبّأ:من النّبأ وهو الخبر، ونبّأته أخبرته، ونبّأ على قول سيبويه: تنصب ثلاثة مفاعيل تقول: «نبّأته عبد الله قادما» ومن ذلك قول النابغة يهجو زرعة:
«نبّئت زرعة ـ والسّفاهة كاسمها ـ *** يهدي إليّ غرائب الأشعار»
فنائب الفاعل هو التاء من نبّئت مفعول أوّل، وزرعة مفعول ثان، وجملة يهدي إليّ مفعول ثالث. (انظر المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل).
معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذُيّل بالإملاء-عبدالغني الدقر-صدر: 1404ه/1984م
15-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (الخبر)
الخبر:خبرت بالأمر أي علمته، وخبرت الأمر أخبره إذا عرفته على حقيقته، والخبر ـ بالتحريك ـ واحد الأخبار، والخبر: ما أتاك من نبأ عمن تستخبر، والخبر: النبأ، وخبّره بكذا وأخبره: نبأه.
ذكر سيبويه الخبر مقابل الاستفهام، وفعل مثله الفراء، وبدأ هذا النوع يدخل الدراسات البلاغية ويأخذ صورة محدودة، وقد قال المبرد عنه: «الخبر ما جاز على قائله التصديق والتكذيب». وقسّم ثعلب قواعد الشعر الى أربعة: أمر ونهي وخبر واستخبار، وقال إنّ الخبر كقول القطامي:
«يقتلننا بحديث ليس يعلمه ***من يتقين ولا مكنونه بادي »
«فهن ينبذن من قول يصبن به ***مواضع الماء من ذي الغلّة الصادي »
وقال ابن وهب: «والخبر كل قول أفدت به مستمعه ما لم يكن عندك كقولك: «قام زيد» فقد أفدته العلم بقيامه».
وقال ابن فارس: «أما أهل اللغة فلا يقولون في الخبر أكثر من أنّه إعلام، تقول: أخبرته أخبره، والخبر هو العلم. وأهل النظر يقولون: الخبر ما جاز تصديق قائله أو تكذيبه وهو إفادة المخاطب أمرا في ماض من زمان أو مستقبل أو دائم».
ولكنّ البلاغيين المتأخرين عادوا في بحثه الى منهج المتكلمين وأدخلوا فيه المباحث الفلسفية والعقائدية فقال الرازي: «القول المقتضي بتصريحه نسبة معلوم الى معلوم بالنفي أو بالاثبات. ومن حدّه: المحتمل للتصديق والتكذيب المحدودين بالصدق والكذب، واقع في الدور مرتين».
وذكر السكاكي أقوال السابقين في تعريف الخبر وناقشها وذهب الى أنّ الخبر والطلب مستغنيان عن التعريف الحدّي. أما القزويني فقد ذكر آراء السابقين كالنّظّام والجاحظ، ولكنه أخذ برأي الجمهور وقال في أول بحثه للخبر: «اختلف الناس في انحصار الخبر في الصادق والكاذب، فذهب الجمهور الى أنّه منحصر فيهما ثم اختلفوا فقال الاكثر منهم: صدقه مطابقة حكمه للواقع وكذبه عدم مطابقة حكمه، وهذا هو المشهور وعليه التعويل». والى ذلك ذهب شراح التلخيص ومعظم المتأخرين.
والخبر ثلاثة أضرب:
الأول: الابتدائي، وهو الخبر الذي يكون خاليا من المؤكّدات لأنّ المخاطب خالي الذهن من الحكم الذي تضمنه. ومن ذلك قوله تعالى: {قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا}.
ومنه قول المتنبي:
«أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي ***واسمعت كلماتي من به صمم »
«أنام ملء عيوني عن شواردها***ويسهر الخلق جرّاها ويختصم »
الثاني: الطلبي، وهو الخبر الذي يتردد المخاطب فيه ولا يعرف مدى صحته، أو هو كما قال السكاكي: «وإذا ألقاها الى طالب لها متحير طرفاها عنده دون الاستناد فهو منه بين بين لينقذه من ورطة الحيرة استحسن تقوية المنقذ بادخال اللام في الجملة أو «إنّ». ومنه قوله تعالى: {وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى، قالَ: يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} وقوله تعالى: {إِذْ قالُوا: لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا}.
ومنه قول جرير:
«إنّ العيون التي في طرفها حور***قتلننا ثم لم يحيين قتلانا»
وقول البحتري:
«هل يجلبنّ اليّ عطفك موقف ***ثبت لديك أقول فيه وتسمع »
الثالث: الإنكاري، وهو الخبر الذي ينكره المخاطب إنكارا يحتاج الى أن يؤكّد بأكثر من مؤكد كقوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ. قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ. قالُوا: رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ}.
ومنه قول الحماسي:
«إنّا لنصفح عن مجاهل قومنا***ونقيم سالفة العدوّ الأصيد »
«ومتى نجد يوما فساد عشيرة***نصلح وإن نر صالحا لا نفسد»
وللخبر مؤكدات كثيرة منها: إنّ، وأنّ، وكأنّ، ولكنّ، ولام الابتداء، والفصل، وامّا، وقد، والسين، والقسم، ونونا التوكيد، ولن، والحروف الزائدة، وحروف التنبيه.
وللخبر غرضان أصليان هما:
الأوّل: فائدة الخبر، ومعناه إفادة المخاطب الحكم الذي تضمنته الجملة أو الكلام، وهذا هو الاصل في كل خبر لأنّ فائدته تقديم المعرفة او العلم الى الآخرين.
الثاني: لازم الفائدة وهذا الغرض لا يقدم جديدا للمخاطب وإنّما يفيد أنّ المتكلم عالم بالحكم.
ولكنّ الخبر كثيرا ما يخرج على خلاف مقتضى الظاهر فينزل غير السائل منزلة السائل وينزل غير المنكر منزلة المنكر، وينزل المنكر منزلة غير المنكر، وله معان مجازية كثيرة تحدث عنها البلاغيون ودارسو علوم القرآن، وسيأتي الكلام عليها في الموادّ القادمة،
معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م
16-موسوعة الفقه الكويتية (تذكر)
تَذَكُّرٌالتَّعْرِيفُ:
1- التَّذْكِيرُ وَالتَّذَكُّرُ: مِنْ مَادَّةِ ذَكَرَ، ضِدُّ نَسِيَ، يُقَالُ: ذَكَرْتُ الشَّيْءَ بَعْدَ نِسْيَانٍ، وَذَكَرْتُهُ بِلِسَانِي، وَقَلْبِي، وَتَذَكَّرْتُهُ، وَأَذْكَرْتُهُ غَيْرِي، وَذَكَّرْتُهُ تَذْكِيرًا.
وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ لَا يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- السَّهْوُ:
2- السَّهْوُ فِي اللُّغَةِ: نِسْيَانُ الشَّيْءِ وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ وَذَهَابُ الْقَلْبِ إِلَى غَيْرِهِ، فَالسَّهْوُ عَنِ الصَّلَاةِ: الْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: السَّهْوُ مِنَ الشَّيْءِ: تَرْكُهُ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ، وَالسَّهْوُ عَنْهُ: تَرْكُهُ مَعَ الْعِلْمِ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}.
وَاصْطِلَاحًا، قَالَ صَاحِبُ الْمَوَاقِفِ: السَّهْوُ زَوَالُ الصُّورَةِ عَنِ الْمُدْرِكَةِ مَعَ بَقَائِهَا فِي الْحَافِظَةِ، وَقِيلَ: هُوَ الذُّهُولُ عَنِ الشَّيْءِ، بِحَيْثُ لَوْ نُبِّهَ لَهُ أَدْنَى تَنْبِيهٍ لَتَنَبَّهَ
وَفِي الْمِصْبَاحِ: إِنَّ السَّهْوَ لَوْ نُبِّهَ صَاحِبُهُ لَمْ يَتَنَبَّهْ
ب- النِّسْيَانُ:
3- النِّسْيَانُ: ضِدُّ الذِّكْرِ وَالْحِفْظِ، يُقَالُ: نَسِيَهُ نَسْيًا، وَنِسْيَانًا، وَهُوَ تَرْكُ الشَّيْءِ عَنْ ذُهُولٍ وَغَفْلَةٍ، وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى التَّرْكِ عَنْ عَمْدٍ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} أَيْ تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ فَحَرَمَهُمْ رَحْمَتَهُ.وَيُقَالُ: رَجُلٌ نِسْيَانٌ أَيْ: كَثِيرُ النِّسْيَانِ وَالْغَفْلَةِ.
وَاصْطِلَاحًا: هُوَ الذُّهُولُ عَنِ الشَّيْءِ، لَكِنْ لَا يَتَنَبَّهُ لَهُ بِأَدْنَى تَنْبِيهٍ، لِكَوْنِ الشَّيْءِ قَدْ زَالَ مِنَ الْمُدْرِكَةِ وَالْحَافِظَةِ مَعًا، فَيَحْتَاجُ إِلَى سَبَبٍ جَدِيدٍ الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:
تَذَكُّرُ الْمُصَلِّي لِصَلَاتِهِ بَعْدَ الْأَكْلِ فِيهَا:
4- قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَإِنْ كَثُرَ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَلَّ.
وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إِذَا كَانَ قَلِيلًا.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (صَلَاةٍ) (وَنِسْيَانٍ).
سَهْوُ الْإِمَامِ:
5- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ بِعَدَمِ الْإِتْمَامِ لَا يُعْتَبَرُ شَكُّهُ، وَعَلَيْهِ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِمْ.أَمَّا إِذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ فِي صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ مَثَلًا أَنَّهُ مَا صَلَّى أَرْبَعًا، وَشَكَّ فِي صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ أَعَادَ احْتِيَاطًا.أَمَّا إِذَا كَذَّبَهُ، فَلَا يُعِيدُ.وَإِنِ اخْتَلَفَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ فَإِنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ لَمْ يُعِدْ، وَإِلاَّ أَعَادَ بِقَوْلِهِمْ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا أَخْبَرَتْهُ جَمَاعَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ، يُفِيدُ خَبَرُهُمُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِتَمَامِ صَلَاتِهِ أَوْ نَقْصِهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِخَبَرِهِمْ، سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ مَأْمُومِيهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ تَيَقَّنَ كَذِبَهُمْ.وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ فَأَكْثَرُ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِالْخَبَرِ إِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ خِلَافَ ذَلِكَ، وَكَانَا مِنْ مَأْمُومِيهِ.فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ مَأْمُومِيهِ فَلَا يَرْجِعُ لِخَبَرِهِمَا، بَلْ يَعْمَلُ عَلَى يَقِينِهِ.
أَمَّا الْمُنْفَرِدُ وَالْمَأْمُومُ فَلَا يَرْجِعَانِ لِخَبَرِ الْعَدْلَيْنِ، وَإِنْ أَخْبَرَ الْإِمَامَ وَاحِدٌ، فَإِنْ أَخْبَرَ بِالتَّمَامِ فَلَا يَرْجِعُ لِخَبَرِهِ، بَلْ يَبْنِي عَلَى يَقِينِ نَفْسِهِ، أَمَّا إِذَا أَخْبَرَهُ بِالنَّقْصِ رَجَعَ لِخَبَرِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا؟ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ، وَلَا يُعْمَلُ بِتَذْكِيرِ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانُوا جَمْعًا غَفِيرًا كَانُوا يَرْقُبُونَ صَلَاتَهُ.وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّذْكِيرُ مِنَ الْمَأْمُومِينَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَاسْتَدَلُّوا بِخَبَرِ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ».
وَقَدْ أَجَابُوا عَنِ الْمُرَاجَعَةِ بَيْنَ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- وَالصَّحَابَةِ، وَعَوْدِهِ لِلصَّلَاةِ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ، بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِ الْغَيْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَذَكُّرِهِ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِ لَهُمْ، أَوْ لِأَنَّهُمْ بَلَغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ الَّذِي يُفِيدُ الْيَقِينَ، أَيِ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ: إِذَا سَبَّحَ اثْنَانِ يَثِقُ بِقَوْلِهِمَا لِتَذْكِيرِهِ، لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَالرُّجُوعُ لِخَبَرِهِمَا، سَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صَوَابُهُمَا أَوْ خِلَافُهُ.وَقَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: رَجَعَ إِلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ- رضي الله عنهما- فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ لَمَّا سَأَلَهُمَا: أَحَقٌّ مَا قَالَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالَا: نَعَمْ مَعَ أَنَّهُ كَانَ شَاكًّا فِيمَا قَالَهُ ذُو الْيَدَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَنْكَرَهُ، وَسَأَلَهُمَا عَنْ صِحَّةِ قَوْلِهِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِالتَّسْبِيحِ لِيُذَكِّرُوا الْإِمَامَ، وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِمْ.وَلِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم-: صَلَّى فَزَادَ أَوْ نَقَصَ...» الْحَدِيثَ، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي».وَإِنْ سَبَّحَ وَاحِدٌ لِتَذْكِيرِهِ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى قَوْلِهِ، إِلاَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ، فَيَعْمَلَ بِغَالِبِ ظَنِّهِ، لَا بِتَسْبِيحِ الْغَيْرِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَ ذِي الْيَدَيْنِ وَحْدَهُ.وَإِنْ ذَكَّرَهُ فَسَقَةٌ بِالتَّسْبِيحِ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ.
تَذَكُّرُ الصَّائِمِ لِصَوْمِهِ وَهُوَ يَأْكُلُ:
6- يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ تَذَكَّرَ وَأَمْسَكَ لَمْ يُفْطِرْ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ».وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَلَا يُفْطِرُ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ».
وَقَالَ عَلِيٌّ- رضي الله عنه-: لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ.
وَلِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ ذَاتُ تَحْرِيمٍ وَتَحْلِيلٍ، فَكَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ مَا يُخَالِفُ عَمْدُهُ سَهْوَهُ كَالصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ، وطَاوُسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْأَكْلُ أَوِ الشُّرْبُ قَلِيلًا، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَفْطَرَ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَقَدْ أَفْطَرَ وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (صَوْمٌ).
تَذَكُّرُ الْقَاضِي لِحُكْمٍ قَضَاهُ:
7- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا رَأَى خـَطًّا فِيهِ حُكْمِهِ، لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَيْهِ فِي إِمْضَاءِ الْحُكْمِ حَتَّى يَتَذَكَّرَ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ لَمْ يَعْلَمْهُ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ التَّزْوِيرُ عَلَيْهِ وَعَلَى خَتْمِهِ، فَلَمْ يَجُزْ إِنْفَاذُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ كَحُكْمِ غَيْرِهِ.وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْإِمَامُ: أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: إِذَا كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَهُ، وَتَحْتَ يَدِهِ جَازَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ فِيهِ، وَأَجَازَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَمَلَ بِالْخَطِّ إِذَا عَرَفَ أَنَّهُ خَطُّهُ، وَلَوْ لَمْ يَتَذَكَّرِ الْحَادِثَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْخَطُّ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّ الْغَلَطَ نَادِرٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَأَثَرُ التَّغْيِيرِ يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ، وَقَلَّمَا يَتَشَابَهُ الْخَطُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ خَطُّهُ جَازَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ.
أَمَّا إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ عِنْدَ الْقَاضِي: بِأَنَّ هَذَا حُكْمُهُ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْعَمَلِ بِقَوْلِهِمَا:
فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ وَإِمْضَاءُ الْحُكْمِ.وَقَالُوا: إِنَّهُ لَوْ شَهِدَا عِنْدَهُ بِحُكْمِ غَيْرِهِ قُبِلَ، فَكَذَلِكَ يُقْبَلُ إِذَا شَهِدَا عِنْدَهُ بِحُكْمِ نَفْسِهِ.وَلِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، فَيَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِقَوْلِهِمَا حَتَّى يَتَذَكَّرَ.
تَذَكُّرُ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ وَعَدَمُهُ:
8- إِذَا رَأَى الشَّاهِدُ بِخَطِّهِ شَهَادَةً أَدَّاهَا عِنْدَ حَاكِمٍ، وَلَمْ يَتَذَكَّرِ الْحَادِثَةَ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهِيَ إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ: لَمْ يَشْهَدْ عَلَى مَضْمُونِهَا حَتَّى يَتَذَكَّرَ، وَإِنْ كَانَ الْكِتَابُ مَحْفُوظًا عِنْدَهُ لِإِمْكَانِ التَّزْوِيرِ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ إِذَا عَرَفَ خَطَّهُ شَهِدَ بِهِ، وَهُوَ رَأْيُ أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
تَذَكُّرُ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ وَعَدَمُهُ:
9- أَمَّا رِوَايَةُ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَرْوِيَ مَضْمُونَ خَطِّهِ اعْتِمَادًا عَلَى الْخَطِّ الْمَحْفُوظِ عِنْدَهُ، لِعَمَلِ الْعُلَمَاءِ بِهِ سَلَفًا وَخَلَفًا.وَقَدْ يَتَسَاهَلُ فِي الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا تُقْبَلُ مِنَ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ.هَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ،
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُعْمَلُ بِهَا لِمُشَابَهَةِ الْخَطِّ بِالْخَطِّ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
17-موسوعة الفقه الكويتية (حيض 3)
حَيْضٌ -3(ب) إِدْرَاكُ آخِرِ الْوَقْتِ:
35- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِقْدَارِ الْوَقْتِ الَّذِي تُدْرِكُ فِيهِ الْحَائِضُ الصَّلَاةَ إِنْ طَهُرَتْ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ انْقِطَاعِ الدَّمِ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَانْقِطَاعِهِ قَبْلَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُبْتَدَأَةِ، وَانْقِطَاعِ دَمِ الْمُعْتَادَةِ فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا أَوْ بَعْدَهَا، أَوْ قَبْلَهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعْتَادَةِ.
فَإِنْ كَانَ انْقِطَاعُ الدَّمِ لِأَكْثَرَ الْحَيْضِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ، فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ لَوْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارُ تَحْرِيمَةٍ، وَإِنْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُهَا الِاغْتِسَالُ فِيهِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ.فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْوَقْتِ هَذَا الْمِقْدَارُ فَلَا قَضَاءَ وَلَا أَدَاءَ.فَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُمُ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنَ الْوَقْتِ بِقَدْرِ التَّحْرِيمَةِ.فَلَوْ كَانَتْ فِيهِ طَاهِرَةً وَجَبَتِ الصَّلَاةُ وَإِلاَّ فَلَا.
وَإِنْ كَانَ انْقِطَاعُ الدَّمِ قَبْلَ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُبْتَدَأَةِ، أَوْ كَانَ انْقِطَاعُهُ فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا أَوْ بَعْدَهَا- قَبْلَ تَمَامِ أَكْثَرِ الْمُدَّةِ- أَوْ قَبْلَهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعْتَادَةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ إِنْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ، وَالْغُسْلِ أَوِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْمَاءِ.وَلَا بُدَّ هُنَا مِنْ بَقَاءِ قَدْرِ الْغُسْلِ أَوِ التَّيَمُّمِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ التَّحْرِيمَةِ، لِأَنَّ زَمَانَ الْغُسْلِ أَوِ التَّيَمُّمِ حَيْضٌ، فَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا قَبْلَ الْغُسْلِ أَوِ التَّيَمُّمِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنَ الْوَقْتِ زَمَنٌ يَسَعُهُ وَيَسَعُ التَّحْرِيمَةَ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ بَعْدَ زَمَانِ الْغُسْلِ أَوِ التَّيَمُّمِ مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارُ التَّحْرِيمَةِ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوِ انْقَطَعَ الدَّمُ لِأَكْثَرَ الْمُدَّةِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ، فَإِنَّهُ يَكْفِي قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ فَقَطْ، لِأَنَّ زَمَانَ الْغُسْلِ أَوِ التَّيَمُّمِ مِنَ الطُّهْرِ، لِئَلاَّ يَزِيدَ الْحَيْضُ عَنِ الْعَشَرَةِ، فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ تَخْرُجُ مِنَ الْحَيْضِ، فَإِذَا أَدْرَكَتْ بَعْدَهُ قَدْرَ التَّحْرِيمَةِ تَحَقَّقَ طُهْرُهَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ فَيَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ، وَالْمَقْصُودُ بِالْغُسْلِ هُنَا الْغُسْلُ مَعَ مُقَدِّمَاتِهِ، كَالِاسْتِقَاءِ، وَخَلْعِ الثِّيَابِ، وَالتَّسَتُّرِ عَنِ الْأَعْيُنِ، كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْغُسْلُ الْفَرْضُ لَا الْمَسْنُونُ، لِأَنَّهُ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ رُجْحَانُ جَانِبِ الطَّهَارَةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحَائِضَ تُدْرِكُ الصَّلَاةَ إِذَا بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً تَامَّةً، وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ، فَإِذَا طَهُرَتْ الْحَائِضُ قَبْلَ الطُّلُوعِ، أَوِ الْغُرُوبِ، أَوِ الْفَجْرِ بِقَدْرِ رَكْعَةٍ، فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ، وَلَا تُدْرِكُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَتُدْرِكُ الظُّهْرَ وَالْمَغْرِبَ إِذَا بَقِيَ مِنْ وَقْتِهِمَا الضَّرُورِيِّ مَا يَسَعُ فَضْلَ رَكْعَةٍ عَلَى الصَّلَاةِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ، فَإِذَا طَهُرَتِ الْحَائِضُ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ اللَّيْلِ قَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ صَلَّتِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، لِأَنَّهُ إِذَا صَلَّتِ الْمَغْرِبَ بَقِيَتْ رَكْعَةٌ لِلْعِشَاءِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ وَقَدْ أَدْرَكَتْ مِنْ آخِرِ الْوَقْتِ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ، فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا فَقَطْ إِنْ لَمْ تَجْمَعْ مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا، وَقَضَاؤُهَا وَقَضَاءُ مَا قَبْلَهَا إِنْ كَانَتْ تَجْمَعُ، فَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَبَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ تَكْبِيرَةً لَزِمَهَا قَضَاءُ الصُّبْحِ فَقَطْ، لِأَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا لَا تُجْمَعُ إِلَيْهَا.وَإِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِمِقْدَارِ تَكْبِيرَةٍ لَزِمَهَا قَضَاءُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَكَذَا إِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِمِقْدَارِ تَكْبِيرَةٍ لَزِمَهَا قَضَاءُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا: فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِرَكْعَةٍ «تُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، فَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ صَلَّتِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا» لِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ لِلْأُولَى فِي حَالَةِ الْعُذْرِ، فَفِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ أَوْلَى، لِأَنَّهَا فَوْقَ الْعُذْرِ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ لِأَنَّهُ إِدْرَاكٌ.
(4) الصَّوْمُ:
36- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ مُطْلَقًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، وَعَدَمُ صِحَّتِهِ مِنْهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ، وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا» فَإِذَا رَأَتِ الْمَرْأَةُ الدَّمَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَسَدَ صَوْمُهَا، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَكَوْنُ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوطَةً فِيهِ.
كَمَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَيْهَا، لِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- فِي الْحَيْضِ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ.وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُمُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ.وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ، لِأَنَّهُ يُنَافِي الصَّوْمَ وَلَا تَخْلُو عَنْهُ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ فِي الشَّهْرِ غَالِبًا، وَالتَّأْخِيرُ إِلَى سِنِّ الْيَأْسِ فِيهِ خَطَرٌ، وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَنَحْوَهَا.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (كَفَّارَةٌ).
إِدْرَاكُ الصَّوْمِ:
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَإِنَّهُ لَا يَجْزِيهَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاؤُهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ حِينَئِذٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ لَهَا التَّمَادِي عَلَى تَعَاطِي الْمُفْطِرِ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهَا الْإِمْسَاكُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَلْزَمُهَا الْإِمْسَاكُ.
كَمَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا طَهُرَتِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْفَتْرَةِ الَّتِي إِذَا انْقَطَعَ فِيهَا الدَّمُ فَإِنَّهُ يَجْزِيهَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجْزِيهَا صَوْمُ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنَ الْوَقْتِ قَدْرُ الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا إِلاَّ بِهَذَا، وَإِنْ بَقِيَ قَدْرُهُمَا يَجْزِيهَا، لِأَنَّ الْعِشَاءَ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهَا، وَأَنَّهُ مِنْ حُكْمِ الطَّاهِرَاتِ فَحُكِمَ بِطَهَارَتِهَا ضَرُورَةً.وَالْمُرَادُ بِالْغُسْلِ هُنَا مَا يَشْمَلُ مُقَدِّمَاتِهِ كَمَا فِي غُسْلِ الْحَائِضِ لِلصَّلَاةِ.وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا إِنْ رَأَتِ الطُّهْرَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِلَحْظَةٍ وَجَبَ الصَّوْمُ، بِأَنْ رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ مُقَارِنَةً لِلْفَجْرِ وَنَوَتِ الصَّوْمَ حِينَئِذٍ.وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مُعْتَادَةَ الْقَصَّةِ لَا تَنْتَظِرُهَا هُنَا، بَلْ مَتَى رَأَتْ أَيَّ عَلَامَةٍ جُفُوفًا كَانَتْ أَوْ قَصَّةً، وَجَبَ عَلَيْهَا الصَّوْمُ، وَيَصِحُّ صَوْمُهَا حِينَئِذٍ، وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ إِلاَّ بَعْدَ الْفَجْرِ، بَلْ إِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ أَصْلًا، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الصَّوْمِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ مَتَى انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ وَجَبَ عَلَيْهَا الصَّوْمُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فَتْرَةً مُعَيَّنَةً كَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.قَالَ النَّوَوِيُّ: وَإِذَا انْقَطَعَ الْحَيْضُ ارْتَفَعَ تَحْرِيمُ الصَّوْمِ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ.
وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا نَوَتِ الْحَائِضُ صَوْمَ غَدٍ قَبْلَ انْقِطَاعِ دَمِهَا، ثُمَّ انْقَطَعَ لَيْلًا صَحَّ إِنْ تَمَّ لَهَا فِي اللَّيْلِ أَكْثَرُ الْحَيْضِ، وَكَذَا قَدْرُ الْعَادَةِ فِي الْأَصَحِّ.كَمَا صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِمِثْلِ هَذَا، فَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَتِ الْحَائِضُ صَوْمَ غَدٍ وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا تَطْهُرُ لَيْلًا صَحَّ.
(5) الْحَجُّ:
أ- أَغْسَالُ الْحَجِّ:
37- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى سُنِّيَّةِ أَغْسَالِ الْحَجِّ لِلْحَائِضِ، لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ: قَالَتْ: قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.قَالَتْ: فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي».فَيُسَنُّ لَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِلْإِحْرَامِ، وَلِدُخُولِ مَكَّةَ.وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ.
وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ الِاغْتِسَالَ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَلَمْ يَسْتَحِبُّوهُ لِلْحَائِضِ، قَالُوا: لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلطَّوَافِ، فَلِذَا لَا يُطْلَبُ مِنَ الْحَائِضِ لِمَنْعِهَا مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ.
ب- الطَّوَافُ:
38- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ إِلاَّ الطَّوَافَ، «لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِعَائِشَةَ حِينَ حَاضَتْ: افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ».
ثُمَّ إِنَّ الْأَطْوِفَةَ الْمَشْرُوعَةَ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَةٌ: طَوَافُ الْقُدُومِ، وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَدَا الْمَالِكِيَّةَ حَيْثُ قَالُوا بِوُجُوبِهِ، وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ، وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ بِالِاتِّفَاقِ، وَطَوَافُ الْوَدَاعِ وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَدَا الْمَالِكِيَّةَ حَيْثُ قَالُوا بِسُنِّيَّتِهِ.
فَإِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ طَوَافَ الْقُدُومِ سَقَطَ عَنْهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِسُنِّيَّتِهِ.وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا حَيْثُ بَقِيَ عُذْرُهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا الْإِتْيَانُ بِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَإِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَإِنَّهَا تَبْقَى عَلَى إِحْرَامِهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَطُوفَ.فَإِنْ طَافَتْ وَهِيَ حَائِضٌ فَلَا يَصِحُّ طَوَافُهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ- الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ- وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى صِحَّتِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَهُ وَاجِبَةٌ، وَهِيَ غَيْرُ طَاهِرَةٍ، وَتَأْثَمُ وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ بِلَا طَوَافِ وَدَاعٍ، تَخْفِيفًا عَلَيْهَا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- «أَنَّ صَفِيَّةَ- رضي الله عنها- حَاضَتْ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ تَنْصَرِفَ بِلَا وَدَاعٍ».وَعَنْ طَاوُسٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: تُفْتِي أَنْ تَصْدُرَ الْحَائِضُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ.فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِمَّا لَا.فَسَلْ فُلَانَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ، هَلْ أَمَرَهَا بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: فَرَجَعَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: مَا أَرَاكَ إِلاَّ قَدْ صَدَقْتَ.
وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهَا إِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ بُنْيَانِ مَكَّةَ لَزِمَهَا الْعَوْدُ فَتَغْتَسِلُ وَتَطُوفُ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَعَلَيْهَا دَمٌ بِخِلَافِ مَا إِذَا طَهُرَتْ خَارِجَ مَكَّةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حَجٌّ).
أ- قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ:
39- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ قِرَاءَةِ الْحَائِضِ لِلْقُرْآنِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى حُرْمَةِ قِرَاءَتِهَا لِلْقُرْآنِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ».
وَهُنَاكَ تَفْصِيلَاتٌ بَيَانُهَا فِيمَا يَلِي:
فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ حُرْمَةُ قِرَاءَتِهَا لِلْقُرْآنِ وَلَوْ دُونَ آيَةٍ مِنَ الْمُرَكَّبَاتِ لَا الْمُفْرَدَاتِ، وَذَلِكَ إِذَا قَصَدَتِ الْقِرَاءَةَ، فَإِنْ لَمْ تَقْصِدِ الْقِرَاءَةَ بَلْ قَصَدَتِ الثَّنَاءَ أَوِ الذِّكْرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: فَلَوْ قَرَأَتِ الْفَاتِحَةَ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ، أَوْ شَيْئًا مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ، وَلَمْ تُرِدِ الْقِرَاءَةَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَصَرَّحُوا أَنَّ مَا لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الدُّعَاءِ كَسُورَةِ الْمَسَدِ، لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ نِيَّةُ الدُّعَاءِ فَيَحْرُمُ، وَقَدْ أَجَازُوا لِلْمُعَلِّمَةِ الْحَائِضِ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ كَلِمَةً كَلِمَةً، وَذَلِكَ بِأَنْ تُقَطِّعَ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ، لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ بِالْكَلِمَةِ قَارِئَةً.كَمَا أَجَازُوا لِلْحَائِضِ أَنْ تَتَهَجَّى بِالْقُرْآنِ حَرْفًا حَرْفًا، أَوْ كَلِمَةً كَلِمَةً مَعَ الْقَطْعِ، مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَكَرِهُوا لَهَا قِرَاءَةَ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَلَا يُكْرَهُ لَهَا قِرَاءَةُ الْقُنُوتِ، وَلَا سَائِرُ الْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ حُرْمَةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْحَائِضِ وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ، كَحَرْفٍ لِلْإِخْلَالِ بِالتَّعْظِيمِ سَوَاءٌ أَقَصَدَتْ مَعَ ذَلِكَ غَيْرَهَا أَمْ لَا، وَصَرَّحُوا بِجَوَازِ إِجْرَاءِ الْقُرْآنِ عَلَى قَلْبِهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكِ اللِّسَانِ، وَجَوَازِ النَّظَر فِي الْمُصْحَفِ، وَإِمْرَارِ مَا فِيهِ فِي الْقَلْبِ، وَكَذَا تَحْرِيكُ لِسَانِهَا وَهَمْسُهَا بِحَيْثُ لَا تُسْمِعُ نَفْسَهَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ.وَيَجُوزُ لَهَا قِرَاءَةُ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ.
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا قِرَاءَةُ آيَةٍ فَصَاعِدًا، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا قِرَاءَةُ بَعْضِ آيَةٍ، لِأَنَّهُ لَا إِعْجَازَ فِيهِ، وَذَلِكَ مَا لَمْ تَكُنْ طَوِيلَةً، كَمَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَكْرِيرُ بَعْضِ آيَةٍ مَا لَمْ تَتَحَيَّلْ عَلَى الْقِرَاءَةِ فَتَحْرُمُ عَلَيْهَا.وَلَهَا تَهْجِيَةُ آيِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقِرَاءَةٍ لَهُ، وَلَهَا التَّفَكُّرُ فِيهِ وَتَحْرِيكُ شَفَتَيْهَا بِهِ مَا لَمْ تُبَيِّنِ الْحُرُوفَ، وَلَهَا قِرَاءَةُ أَبْعَاضِ آيَةٍ مُتَوَالِيَةٍ، أَوْ آيَاتٍ سَكَتَتْ بَيْنَهَا سُكُوتًا طَوِيلًا.وَلَهَا قَوْلُ مَا وَافَقَ الْقُرْآنَ وَلَمْ تَقْصِدْهُ، كَالْبَسْمَلَةِ، وَقَوْلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَكَآيَةِ الِاسْتِرْجَاعِ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} وَآيَةِ الرُّكُوبِ، وَلَهَا أَيْضًا أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهَا وَهِيَ سَاكِتَةٌ، لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تُنْسَبُ إِلَى الْقِرَاءَةِ، وَلَهَا أَنْ تَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَاخْتَارَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْحَائِضِ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ إِذَا خَافَتْ نِسْيَانَهُ، بَلْ يَجِبُ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحَائِضَ يَجُوزُ لَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي حَالِ اسْتِرْسَالِ الدَّمِ مُطْلَقًا، كَانَتْ جُنُبًا أَمْ لَا، خَافَتِ النِّسْيَانَ أَمْ لَا.وَأَمَّا إِذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا، فَلَا تَجُوزُ لَهَا الْقِرَاءَةُ حَتَّى تَغْتَسِلَ جُنُبًا كَانَتْ أَمْ لَا، إِلاَّ أَنْ تَخَافَ النِّسْيَانَ.
هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ، لِأَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى التَّطَهُّرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهُنَاكَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ هُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا جَازَ لَهَا الْقِرَاءَةُ إِنْ لَمْ تَكُنْ جُنُبًا قَبْلَ الْحَيْضِ.فَإِنْ كَانَتْ جَنْبًا قَبْلَهُ فَلَا تَجُوزُ لَهَا الْقِرَاءَةُ.
(ب) مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ:
40- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ مَسُّ الْمُصْحَفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} وَلِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا، وَكَانَ فِيهِ: لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلاَّ طَاهِرٌ» وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْمُعَلِّمَةَ وَالْمُتَعَلِّمَةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا مَسُّ الْمُصْحَفِ.وَهُنَاكَ تَفْصِيلَاتٌ فِي بَعْضِ الْمَذَاهِبِ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (مُصْحَفٌ).
دُخُولُ الْمَسْجِدِ:
41- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْحَائِضِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الِاعْتِكَافُ كَمَا صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِذَلِكَ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ عُبُورِهَا لِلْمَسْجِدِ دُونَ لُبْثٍ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَالْعُذْرِ، كَالْخَوْفِ مِنَ السَّبُعِ قِيَاسًا عَلَى الْجُنُبِ لقوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} وَاللِّصِّ وَالْبَرْدِ وَالْعَطَشِ، وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تُنَاوِلَهُ الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَالَتْ إِنَّهَا حَائِضٌ فَقَالَ حَيْضَتُك لَيْسَتْ بِيَدِكِ»، وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْأَوْلَى لَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَنْ تَتَيَمَّمَ ثُمَّ تَدْخُلَ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ حُرْمَةَ دُخُولِهَا الْمَسْجِدَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ لِلْمُكْثِ أَوْ لِلْعُبُورِ، وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ دُخُولَهَا لِلطَّوَافِ.وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى حُرْمَةِ مُرُورِهَا فِي الْمَسْجِدِ إِنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ، لِأَنَّ تَلْوِيثَهُ بِالنَّجَاسَةِ مُحَرَّمٌ، وَالْوَسَائِلُ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ.فَإِنْ أَمِنَتْ تَلْوِيثَهُ فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ عُبُورِهَا الْمَسْجِدَ، وَمَحِلُّ الْكَرَاهَةِ إِذَا عَبَرَتْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَمِنَ الْحَاجَةِ الْمُرُورُ مِنَ الْمَسْجِدِ، لِبُعْدِ بَيْتِهَا مِنْ طَرِيقٍ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَقُرْبِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ.وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ مُرُورِهَا فِي الْمَسْجِدِ حِينَئِذٍ.قَالَ أَحْمَدُ- فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ- تَمُرُّ وَلَا تَقْعُدُ.
كَمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي دُخُولِ الْحَائِضِ مُصَلَّى الْعِيدِ.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَكَذَا مُصَلَّى الْجِنَازَةِ إِذْ لَيْسَ لَهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي الْأَصَحِّ، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى حُرْمَةِ مُصَلَّى الْعِيدِ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى»، وَأَجَازُوا مُصَلَّى الْجَنَائِزِ لَهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ.
الِاسْتِمْتَاعُ بِالْحَائِضِ:
42- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ فِي الْفَرَجِ لقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّكَاحَ» وَحَكَى النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مَنْ بِهِ شَبَقٌ لَا تَنْدَفِعُ شَهْوَتُهُ بِدُونِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، وَيَخَافُ تَشَقُّقَ أُنْثَيَيْهِ إِنْ لَمْ يَطَأْ، وَلَا يَجِدُ غَيْرَ الْحَائِضِ، بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى مَهْرِ امْرَأَةٍ أُخْرَى.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ- إِلَى حُرْمَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا.قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَمْلِكُ إِرْبَهُ» وَعَنْ مَيْمُونَةَ- رضي الله عنها- نَحْوُهُ.وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ يُبَاشِرُ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ» وَلِأَنَّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ حَرِيمٌ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُخَالِطَ الْحِمَى.
وَقَدْ أَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ.
وَمَنَعَهُ الْمَالِكِيَّةُ.كَمَا مَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ النَّظَرَ إِلَى مَا تَحْتَ الْإِزَارِ، وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِجَوَازِهِ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِمْتَاعِ بِالرُّكْبَةِ لِاسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا دُونَ الْإِزَارِ» وَمَحَلُّهُ الْعَوْرَةُ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الرُّكْبَةُ.وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ الِاسْتِمْتَاعَ بِالسُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ حُكْمَ مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ لِزَوْجِهَا، وَقَرَّرُوا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا مُبَاشَرَتُهَا لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ الْحَائِضِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَهَذَا مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ حِينَئِذٍ سَتْرُ الْفَرْجِ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي النُّكَتِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ إِمَامِنَا وَأَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ أَوْ يَخَافَ، وَصَوَّبَ الْمِرْدَاوِيُّ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ حَرُمَ عَلَيْهِ لِئَلاَّ يَكُونَ طَرِيقًا إِلَى مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ.
كَفَّارَةُ وَطْءِ الْحَائِضِ:
43- نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ وَطْءَ الْحَائِضِ فِي الْفَرْجِ كَبِيرَةٌ مِنَ الْعَامِدِ الْمُخْتَارِ الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ، وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ لِأَنَّهُ حَرَامٌ لِغَيْرِهِ.وَقَدْ أَوْجَبَ الْحَنَابِلَةُ نِصْفَ دِينَارٍ ذَهَبًا كَفَّارَةً فِي وَطْءِ الْحَائِضِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.
وَاسْتَحَبَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ إِنْ كَانَ الْجِمَاعُ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ وَبِنِصْفِهِ إِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: أَوْ وَسَطِهِ.لِحَدِيثِ: «إِذَا وَاقَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَهِيَ حَائِضٌ إِنْ كَانَ دَمًا أَحْمَر فَدِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ دَمًا أَصْفَرَ فَنِصْفُ دِينَارٍ» وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
وَطْءُ الْحَائِضِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ:
44- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْءُ الْحَائِضِ حَتَّى تَطْهُرَ- يَنْقَطِعَ الدَّمُ- وَتَغْتَسِلَ.فَلَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ، قَالُوا: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ لِحِلِّ الْوَطْءِ شَرْطَيْنِ: انْقِطَاعَ الدَّمِ، وَالْغُسْلَ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} أَيْ يَنْقَطِعَ دَمَهُنَّ. {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أَيِ اغْتَسَلْنَ بِالْمَاءِ {فَأَتَوْهُنَّ}.وَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّيَمُّمُ لِعُذْرٍ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فِي حِلِّ الْوَطْءِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْغُسْلِ حَتَّى يَحِلَّ وَطْؤُهَا.
وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ أَنْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ لِأَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْقَطِعَ لِأَقَلِّهِ، وَكَذَا بَيْنَ أَنْ يَنْقَطِعَ لِتَمَامِ عَادَتِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَنْقَطِعَ قَبْلَ عَادَتِهَا.فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ عَلَى أَكْثَرِ الْمُدَّةِ فِي الْحَيْضِ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ زَادَ عَلَى أَكْثَرِ الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَطْؤُهَا بِدُونِ غُسْلٍ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْوَطْءِ لِمَا بَعْدَ الْغُسْلِ.
وَإِنِ انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ أَوْ لِتَمَامِ الْعَادَةِ فِي الْمُعْتَادَةِ بِأَنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنِ الْعَادَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ، أَوْ أَنْ تَصِيرَ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْقَى مِنَ الْوَقْتِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ مِقْدَارُ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا بِمُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا بَعْدَهُ وَلَوْ قَبْلَ الْغُسْلِ.
وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ قَبْلَ الْعَادَةِ وَفَوْقَ الثَّلَاثِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا وَإِنِ اغْتَسَلَتْ، لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ، فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ، فَلَوْ كَانَ حَيْضُهَا الْمُعْتَادُ لَهَا عَشَرَةً فَحَاضَتْ ثَلَاثَةً وَطَهُرَتْ سِتَّةً لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا مَا لَمْ تَمْضِ الْعَادَةُ.
طَلَاقُ الْحَائِضِ:
45- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي فَتْرَةِ الْحَيْضِ حَرَامٌ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْسَامِ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ لِنَهْيِ الشَّارِعِ عَنْهُ، لِمَا رُوِيَ عَنِ «ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ0 وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ عُمَرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ» وَلِمُخَالِفَتِهِ قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشْرَعْنَ فِيهِ فِي الْعِدَّةِ، وَزَمَنُ الْحَيْضِ لَا يُحْسَبُ مِنَ الْعِدَّةِ، وَلِأَنَّ فِي إِيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا حَيْثُ إِنَّ بَقِيَّةَ الْحَيْضِ لَا تُحْسَبُ مِنْهَا.
كَمَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ- رضي الله عنه- بِالْمُرَاجَعَةِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَفِي لَفْظِ الدَّارَقُطْنِيِّ، «قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتُ لَوْ أَنِّي طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا.قَالَ: كَانَتْ تَبِينُ مِنْكَ وَتَكُونُ مَعْصِيَةً» قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهِ، رَاجَعَهَا كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم-، وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ مُكَلَّفٍ فِي مَحَلِّهِ فَوَقَعَ كَطَلَاقِ الْحَامِلِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَيُعْتَبَرُ لِوُقُوعِهِ مُوَافَقَةُ السُّنَّةِ بَلْ هُوَ إِزَالَةُ عِصْمَةٍ وَقَطْعُ مِلْكٍ، فَإِيقَاعُهُ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ أَوْلَى تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَعُقُوبَةً لَهُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ مُرَاجَعَتِهَا، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مُرَاجَعَتَهَا سُنَّةٌ.
وَمَا سَبَقَ مِنْ أَحْكَامٍ إِنَّمَا هُوَ فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَوْ مِنْ فِي حُكْمِهَا.وَلِمَزِيدٍ مِنَ التَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ (طَلَاقٌ).
خُلْعُ الْحَائِضِ:
46- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى جَوَازِ الْخُلْعِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ لِإِطْلَاقِ قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} وَلِحَاجَتِهَا إِلَى الْخَلَاصِ بِالْمُفَارَقَةِ حَيْثُ افْتَدَتْ بِالْمَالِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ إِلَى مَنْعِ الْخُلْعِ فِي الْحَيْضِ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (خُلْعٌ).
مَا يَحِلُّ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ:
47- إِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ لَمْ يَحِلَّ مِمَّا حَرُمَ غَيْرُ الصَّوْمِ وَالطَّلَاقِ، وَلَمْ يُبَحْ غَيْرُهُمَا حَتَّى تَغْتَسِلَ وَإِنَّمَا أُبِيحَ الصَّوْمُ وَالطَّلَاقُ بِالِانْقِطَاعِ دُونَ الْغُسْلِ، أَمَّا الصَّوْمُ فَلِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِالْحَيْضِ لَا بِالْحَدَثِ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنَ الْجُنُبِ، وَقَدْ زَالَ، وَأَمَّا بِالطَّلَاقِ فَلِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ
أَحْكَامٌ عَامَّةٌ:
1- إِنْزَالُ وَرَفْعُ الْحَيْضِ بِالدَّوَاءِ:
48- صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ شُرْبُ دَوَاءٍ مُبَاحٍ لِقَطْعِ الْحَيْضِ إِنْ أُمِنَ الضَّرَرُ، وَذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِإِذْنِ الزَّوْجِ.لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْوَلَدِ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ مَخَافَةَ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى نَفْسِهَا ضَرَرًا بِذَلِكَ فِي جِسْمِهَا.كَمَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَشْرَبَ دَوَاءً مُبَاحًا لِحُصُولِ الْحَيْضِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا غَرَضٌ مُحَرَّمٌ شَرْعًا كَفِطْرِ رَمَضَانَ فَلَا يَجُوزُ.
ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ مَتَى شَرِبَتْ دَوَاءً وَارْتَفَعَ حَيْضُهَا فَإِنَّهُ يُحْكَمُ لَهَا بِالطَّهَارَةِ، وَأَمَّا إِنْ شَرِبَتْ دَوَاءً وَنَزَلَ الْحَيْضُ قَبْلَ وَقْتِهِ فَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ النَّازِلَ غَيْرُ حَيْضٍ وَأَنَّهَا طَاهِرٌ.فَلَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ، وَتُصَلِّي وَتَصُومُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ غَيْرَ حَيْضٍ، وَتَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَيْضٌ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا شَرِبَتِ الْمَرْأَةُ دَوَاءً فَنَزَلَ الدَّمُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ حَيْضٌ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ.
2- ادِّعَاءُ الْحَيْضِ:
49- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ الْحَيْضَ وَأَمْكَنَ ذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهَا وُجُوبًا، لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا حِينَئِذٍ وَإِنْ كَذَّبَهَا، وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ مِمَّا إِذَا كَانَتْ عَفِيفَةً أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهَا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ فَاسِقَةً وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهَا بِأَنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ أَوَانِ الْحَيْضِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا اتِّفَاقًا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا إِنْ أَخْبَرَتْهُ بِالْحَيْضِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَتُهَا إِنْ صَدَّقَهَا وَإِلاَّ فَلَا، وَإِذَا صَدَّقَهَا وَادَّعَتْ دَوَامَهُ صُدِّقَتْ.
3- مَا يَتَّفِقُ فِيهِ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ مِنْ أَحْكَامٍ وَمَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ:
50- حُكْمُ النِّفَاسِ حُكْمُ الْحَيْضِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ إِلاَّ فِي مَسَائِلَ:
1- الِاعْتِدَادُ بِالْحَيْضِ دُونَ النِّفَاسِ، لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِالْقُرُوءِ، وَالنِّفَاسُ لَيْسَ بِقُرْءٍ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ.
2- حُصُولُ الْبُلُوغِ بِالْحَيْضِ دُونَ النِّفَاسِ حَيْثُ إِنَّ الْبُلُوغَ يَحْصُلُ قَبْلَهُ بِالْحَمْلِ، لِأَنَّ الْوَلَدَ يَنْعَقِدُ مِنْ مَائِهِمَا لقوله تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}.
3- الْحَيْضُ يَكُونُ اسْتِبْرَاءً، بِخِلَافِ النِّفَاسِ.
4- الْحَيْضُ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، بِخِلَافِ النِّفَاسِ.
5- احْتِسَابُ الْحَيْضِ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ دُونَ النِّفَاسِ.
6- يَحْصُلُ بِالْحَيْضِ الْفَصْلُ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ بِخِلَافِ النِّفَاسِ.
7- أَقَلُّ الْحَيْضِ مَحْدُودٌ، وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ، وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةٌ، أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ، أَوْ سِتُّونَ.
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
18-موسوعة الفقه الكويتية (خطبة 1)
خِطْبَةٌ -1التَّعْرِيفُ:
1- الْخِطْبَةُ- بِكَسْرِ الْخَاءِ- مَصْدَرُ خَطَبَ، يُقَالُ: خَطَبَ الْمَرْأَةَ خِطْبَةً وَخَطْبًا، وَاخْتَطَبَهَا، إِذَا طَلَبَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَاخْتَطَبَ الْقَوْمُ فُلَانًا إِذَا دَعَوْهُ إِلَى تَزْوِيجِ صَاحِبَتِهِمْ.وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
النِّكَاحُ:
2- النِّكَاحُ مَصْدَرُ نَكَحَ، يُقَالُ: نَكَحَ فُلَانٌ امْرَأَةً يَنْكِحُهَا إِذَا تَزَوَّجَهَا، وَنَكَحَهَا يَنْكِحُهَا: وَطِئَهَا أَيْضًا.
وَاصْطِلَاحًا: عَقْدٌ يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ قَصْدًا، بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ شَرْعِيٍّ.وَالْخِطْبَةُ مُقَدِّمَةٌ لِلنِّكَاحِ، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى النِّكَاحِ.
وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
3- الْخِطْبَةُ فِي الْغَالِبِ وَسِيلَةٌ لِلنِّكَاحِ، إِذْ لَا يَخْلُو عَنْهَا فِي مُعْظَمِ الصُّوَرِ، وَلَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ فَلَوْ تَمَّ بِدُونِهَا كَانَ صَحِيحًا، وَحُكْمُهَا الْإِبَاحَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْخِطْبَةَ مُسْتَحَبَّةٌ لِفِعْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- حَيْثُ « خَطَبَ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَخَطَبَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ- رضي الله عنهم- ».
أَوَّلًا: اخْتِلَافُ حُكْمِ الْخِطْبَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى حَالِ الْمَرْأَةِ:
أ- خِطْبَةُ الْخَلِيَّةِ:
4- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْخَلِيَّةَ مِنَ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ وَالْخِطْبَةِ وَمَوَانِعِ النِّكَاحِ تَجُوزُ خِطْبَتُهَا تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا.
وَأَمَّا الْمَنْكُوحَةُ، أَوِ الْمُعْتَدَّةُ، أَوِ الْمَخْطُوبَةُ، أَوِ الَّتِي قَامَ بِهَا مَانِعٌ مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ، فَلَا تَجُوزُ خِطْبَتُهَا عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي:
خِطْبَةُ زَوْجَةِ الْغَيْرِ:
5- لَا تَجُوزُ خِطْبَةُ الْمَنْكُوحَةِ تَصْرِيحًا أَوْ تَعْرِيضًا؛ لِأَنَّ الْخِطْبَةَ مُقَدِّمَةٌ لِلنِّكَاحِ، وَمَنْ كَانَتْ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَا يَجُوزُ لِلْغَيْرِ أَنْ يَنْكِحَهَا فَلَا تَصِحُّ خِطْبَتُهَا وَلَا تَجُوزُ بَلْ تَحْرُمُ.
خِطْبَةُ مَنْ قَامَ بِهَا مَانِعٌ:
6- لَا تَجُوزُ خِطْبَةُ مَنْ قَامَ بِهَا مَانِعٌ مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْخِطْبَةَ مُقَدِّمَةٌ إِلَى النِّكَاحِ، وَمَا دَامَ مَمْنُوعًا فَتَكُونُ الْخِطْبَةُ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ خِطْبَةُ نَحْوِ مَجُوسِيَّةٍ لِيَنْكِحَهَا إِذَا أَسْلَمَتْ.
خِطْبَةُ الْمُعْتَدَّةِ:
7- يَخْتَلِفُ حُكْمُ خِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ بِاخْتِلَافِ لَفْظِ الْخِطْبَةِ (تَصْرِيحًا كَانَ أَوْ تَعْرِيضًا) وَبِاخْتِلَافِ حَالَةِ الْمُعْتَدَّةِ (رَجْعِيَّةً كَانَتْ أَوْ بَائِنًا بِطَلَاقٍ، أَوْ فَسْخٍ، أَوِ انْفِسَاخٍ، أَوْ مَوْتٍ، أَوْ مُعْتَدَّةٍ مِنْ شُبْهَةٍ).
التَّصْرِيحُ بِالْخِطْبَةِ:
8- هُوَ مَا يَقْطَعُ بِالرَّغْبَةِ فِي النِّكَاحِ وَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، كَقَوْلِ الْخَاطِبِ لِلْمُعْتَدَّةِ: أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ، أَوْ: إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُكِ تَزَوَّجْتُكِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّصْرِيحَ بِخِطْبَةِ مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ حَرَامٌ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَمْ بَائِنٍ، أَمْ وَفَاةٍ، أَمْ فَسْخٍ، أَمْ غَيْرِ ذَلِكَ لِمَفْهُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} وَلِأَنَّ الْخَاطِبَ إِذَا صَرَّحَ بِالْخِطْبَةِ تَحَقَّقَتْ رَغْبَتُهُ فِيهَا فَرُبَّمَا تَكْذِبُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.وَحَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ.
التَّعْرِيضُ بِالْخِطْبَةِ:
9- قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: التَّعْرِيضُ أَنْ يُضَمِّنَ كَلَامَهُ مَا يَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ وَغَيْرِهِ إِلاَّ أَنَّ إِشْعَارَهُ بِالْمَقْصُودِ أَتَمُّ، وَيُسَمَّى تَلْوِيحًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِنَايَةِ أَنَّ التَّعْرِيضَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْكِنَايَةَ هِيَ التَّعْبِيرُ عَنِ الشَّيْءِ بِلَازِمِهِ، كَقَوْلِنَا فِي كَرَمِ الشَّخْصِ: هُوَ طَوِيلُ النِّجَادِ كَثِيرُ الرَّمَادِ.
وَعَرَّفَ الشَّافِعِيَّةُ التَّعْرِيضَ بِالْخِطْبَةِ بِأَنَّهُ: مَا يَحْتَمِلُ الرَّغْبَةَ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهَا كَقَوْلِهِ: وَرُبَّ رَاغِبٍ فِيكِ، وَمَنْ يَجِدُ مِثْلَكِ؟
وَقَالُوا: وَنَحْوُ الْكِنَايَةِ وَهِيَ الدَّلَالَةُ عَلَى الشَّيْءِ بِذِكْرِ لَازِمِهِ قَدْ يُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ التَّصْرِيحُ كَأُرِيدُ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكِ نَفَقَةَ الزَّوْجَاتِ وَتَحِلِّينَ لِي، وَقَدْ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ فَيَكُونُ تَعْرِيضًا كَذِكْرِ الْعِبَارَةِ السَّابِقَةِ « أُرِيدُ أَنْ أُنْفِقَ...إِلَخْ » مَا عَدَا « وَتَحِلِّينَ لِي ».
وَفَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- التَّعْرِيضَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} بِقَوْلِهِ: يَقُولُ: إِنِّي أُرِيدُ التَّزَوُّجَ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّهُ يُيَسَّرُ لِي امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ.
وَلَيْسَ حُكْمُ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ وَاحِدًا بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الْمُعْتَدَّاتِ، بَلْ إِنَّهُ مُخْتَلِفٌ بِالنَّظَرِ إِلَى حَالَةِ كُلِّ مُعْتَدَّةٍ، رَجْعِيَّةً كَانَتْ أَوْ بَائِنًا بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ مَوْتٍ.
التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ:
10- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الزَّوْجِيَّةِ لِعَوْدِهَا إِلَى النِّكَاحِ بِالرَّجْعَةِ، فَأَشْبَهَتِ الَّتِي فِي صُلْبِ النِّكَاحِ؛ وَلِأَنَّ نِكَاحَ الْأَوَّلِ قَائِمٌ؛ وَلِأَنَّهَا مَجْفُوَّةٌ بِالطَّلَاقِ فَقَدْ تَكْذِبُ انْتِقَامًا.
التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا:
11- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، لِيُفْهَمَ مُرَادُ الْمُعَرِّضِ بِالْخِطْبَةِ لَا لِيُجَابَ، وَذَلِكَ لقوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} وَهِيَ وَارِدَةٌ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَلِأَنَّ « رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ- رضي الله عنها- وَهِيَ مُتَأَيِّمٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ- رضي الله عنه- فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَخِيرَتُهُ وَمَوْضِعِي مِنْ قَوْمِي ».
وَلِانْقِطَاعِ سَلْطَنَةِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا مَعَ ضَعْفِ التَّعْرِيضِ.
التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ:
12- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ- فِي الْأَظْهَرِ عِنْدَهُمْ- وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ لِعُمُومِ قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} وَلِمَا رُوِيَ عَنْ « فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ- رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهَا لَمَّا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا: إِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي » وَفِي لَفْظٍ « لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ ».وَفِي لَفْظٍ « لَا تَفُوتِينَا بِنَفْسِكِ » وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِخِطْبَتِهَا فِي عِدَّتِهَا، وَلِانْقِطَاعِ سُلْطَةِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ لِإِفْضَائِهِ إِلَى عَدَاوَةِ الْمُطَلِّقِ.
خِطْبَةُ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ فَسْخٍ:
13- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ التَّعْرِيضِ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَفَسْخٍ وَشَبَهِهِمَا، كَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ لِعَانٍ أَوْ رِدَّةٍ، أَوِ الْمُسْتَبْرَأَةِ مِنَ الزِّنَى، أَوِ التَّفْرِيقِ لِعَيْبٍ أَوْ عُنَّةٍ.
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى جَوَازِ التَّعْرِيضِ لَهُنَّ أَخْذًا بِعُمُومِ الْآيَةِ وَقِيَاسًا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَأَنَّ سُلْطَةَ الزَّوْجِ قَدِ انْقَطَعَتْ.
هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ صَاحِبِ الْعِدَّةِ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فِيهَا، أَمَّا هُوَ فَيَحِلُّ لَهُ التَّعْرِيضُ وَالتَّصْرِيحُ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهُ فِيهَا كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ أَوْ رَجْعِيًّا فَوَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ فَحَمَلَتْ مِنْهُ، فَإِنَّ عِدَّةَ الْحَمْلِ تُقَدَّمُ، فَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ أَنْ يَخْطُبَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ التَّعْرِيضَ يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِحَسَبِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إِلَى عَدَاوَةِ الْمُطَلِّقِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِلاَّ فَلَا. جَوَابُ الْخِطْبَةِ:
14- حُكْمُ جَوَابِ الْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيِّهَا لِلْخَاطِبِ كَحُكْمِ خِطْبَةِ هَذَا الْخَاطِبِ حِلًّا وَحُرْمَةً، فَيَحِلُّ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الْمُعْتَدَّةُ أَنْ تُجِيبَ مَنْ عَرَّضَ بِخُطْبَتِهَا بِتَعْرِيضٍ أَيْضًا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا وَعَلَى كُلِّ مُعْتَدَّةٍ التَّصْرِيحُ بِالْجَوَابِ- لِغَيْرِ صَاحِبِ الْعِدَّةِ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا- وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي بَقِيَّةِ الْمُعْتَدَّاتِ فِي ضَوْءِ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ.
خِطْبَةُ الْمُحْرِمِ:
15- يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُحْرِمَةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ، كَمَا يُكْرَهُ أَنْ يَخْطُبَ غَيْرُ الْمُحْرِمِ الْمُحْرِمَةَ، لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ- رضي الله عنه- مَرْفُوعًا: « لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ »، وَالْخِطْبَةُ تُرَادُ لِعَقْدِ النِّكَاحِ فَإِذَا كَانَ مُمْتَنِعًا كُرِهَ الِاشْتِغَالُ بِأَسْبَابِهِ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ إِلَى الْحَرَامِ.
وَيَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْخِطْبَةُ حَالَ الْإِحْرَامِ.
مَنْ تُخْطَبُ إِلَيْهِ الْمَرْأَةُ:
15 م- خِطْبَةُ الْمَرْأَةِ الْمُجْبَرَةِ تَكُونُ إِلَى وَلِيِّهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ « أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- خَطَبَ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- إِلَى أَبِي بَكْرٍ- رضي الله عنه- فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا أَنَا أَخُوكَ، فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم- لَهُ: أَخِي فِي دِينِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَهِيَ لِي حَلَالٌ ».
وَيَجُوزُ أَنْ تَخْطُبَ الْمَرْأَةُ الرَّشِيدَةُ إِلَى نَفْسِهَا لِحَدِيثِ « أُمِّ سَلَمَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ.لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ- رضي الله عنه- يَخْطُبُنِي لَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ لِي بِنْتًا وَأَنَا غَيُورٌ، فَقَالَ: أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهُبَ بِالْغَيْرَةِ ».
وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: « إِنِّي امْرَأَةٌ غَيْرَى وَإِنِّي امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ فَقَالَ: أَمَّا قَوْلُكِ: إِنِّي امْرَأَةٌ غَيْرَى فَسَأَدْعُو اللَّهَ لَكِ فَيُذْهِبُ غَيْرَتَكِ، وَأَمَّا قَوْلُكِ: إِنِّي امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ فَسَتُكْفَيْنَ صِبْيَانَكِ ».
عَرْضُ الْوَلِيِّ مُوَلِّيَتَهُ عَلَى ذَوِي الصَّلَاحِ:
16- يُسْتَحَبُّ لِلْوَلِيِّ عَرْضُ مُوَلِّيَتِهِ عَلَى ذَوِي الصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ، كَمَا عَرَضَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ إِحْدَى ابْنَتَيْهِ عَلَى مُوسَى- عليه الصلاة والسلام- الْمُشَارِ إِلَيْهِ فِي قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ}، وَكَمَا فَعَلَ عُمَرُ- رضي الله عنه- حَيْثُ عَرَضَ ابْنَتَهُ حَفْصَةَ- رضي الله عنها- عَلَى عُثْمَانَ، ثُمَّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ- رضي الله عنهما-.
إِخْفَاءُ الْخِطْبَةِ:
17- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ إِخْفَاءُ الْخِطْبَةِ خِلَافًا لِعَقْدِ النِّكَاحِ فَيُنْدَبُ- عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ بَقِيَّةِ الْفُقَهَاءِ- إِعْلَانُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: « أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ ».
ثَانِيًا: الْخِطْبَةُ عَلَى الْخِطْبَةِ:
18- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْخِطْبَةَ عَلَى الْخِطْبَةِ حَرَامٌ إِذَا حَصَلَ الرُّكُونُ إِلَى الْخَاطِبِ الْأَوَّلِ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « لَا يَخْطُبِ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ الرَّجُلِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ ».وَلِأَنَّ فِيهَا إِيذَاءً وَجَفَاءً وَخِيَانَةً وَإِفْسَادًا عَلَى الْخَاطِبِ الْأَوَّلِ، وَإِيقَاعًا لِلْعَدَاوَةِ بَيْنَ النَّاسِ.
وَحَكَى النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي الْحَدِيثِ لِلتَّحْرِيمِ.
مَتَى تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ عَلَى الْخِطْبَةِ؟
19- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلتَّحْرِيمِ أَنْ يَكُونَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ قَدْ أُجِيبَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَمْ يَعْرِضْ وَلَمْ يَأْذَنْ لِلْخَاطِبِ الثَّانِي، وَعَلِمَ الْخَاطِبُ الثَّانِي بِخِطْبَةِ الْأَوَّلِ وَإِجَابَتِهِ.
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ فِي شُرُوطِ التَّحْرِيمِ، أَنْ تَكُونَ إِجَابَةُ الْخَاطِبِ الْأَوَّلِ صَرَاحَةً، وَخُطْبَتُهُ جَائِزَةٌ أَيْ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ الْخَاطِبُ الثَّانِي عَالِمًا بِحُرْمَةِ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ إِجَابَةَ الْخَاطِبِ الْأَوَّلِ تَعْرِيضًا تَكْفِي لِتَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَتِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِالْإِجَابَةِ.وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَكَلَامِ أَحْمَدَ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ لِتَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ رُكُونُ الْمَرْأَةِ الْمَخْطُوبَةِ أَوْ وَلِيِّهَا، وَوُقُوعُ الرِّضَا بِخِطْبَةِ الْخَاطِبِ الْأَوَّلِ غَيْرِ الْفَاسِقِ وَلَوْ لَمْ يُقَدَّرْ صَدَاقٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ نَافِعٍ: لَا تَحْرُمُ خِطْبَةُ الرَّاكِنَةِ قَبْلَ تَقْدِيرِ الصَّدَاقِ.
وَسَيَأْتِي حُكْمُ خِطْبَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى خِطْبَةِ الْفَاسِقِ، أَوْ خِطْبَةِ الْكَافِرِ لِلذِّمِّيَّةِ.
مَنْ تُعْتَبَرُ إِجَابَتُهُ أَوْ رَدُّهُ:
20- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ رَدُّ الْوَلِيِّ وَإِجَابَتُهُ إِنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً، وَإِلاَّ فَرَدُّهَا وَإِجَابَتُهَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْمُعْتَبَرُ رُكُونُ غَيْرِ الْمُجْبَرَةِ إِلَى الْخَاطِبِ الْأَوَّلِ، وَرُكُونُ الْمُجْبَرَةِ مُعَرِّضًا مُجْبِرُهَا بِالْخَاطِبِ وَلَوْ بِسُكُوتِهِ، وَعَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ رُكُونُ الْمُجْبَرَةِ مَعَ رَدِّ مُجْبِرِهَا، وَلَا رَدُّهَا مَعَ رُكُونِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ رُكُونُ أُمِّهَا أَوْ وَلِيِّهَا غَيْرِ الْمُجْبِرِ مَعَ رَدِّهَا لَا مَعَ عَدَمِهِ فَيُعْتَبَرُ.
خِطْبَةُ مَنْ لَا تُعْلَمُ خِطْبَتُهَا أَوْ جَوَابُهَا:
21- الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا يُعْلَمُ أَهِيَ مَخْطُوبَةٌ أَمْ لَا، أُجِيبَ خَاطِبُهَا أَمْ رُدَّ، يَجُوزُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ أَنْ يَخْطُبَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَالْخَاطِبُ مَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ.
الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ:
22- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْخِطْبَةَ عَلَى خِطْبَةِ الْكَافِرِ الْمُحْتَرَمِ (غَيْرِ الْحَرْبِيِّ أَوِ الْمُرْتَدِّ) حَرَامٌ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: أَنْ يَخْطُبَ ذِمِّيٌّ كِتَابِيَّةً وَيُجَابُ ثُمَّ يَخْطُبُهَا مُسْلِمٌ، لِمَا فِي الْخِطْبَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْإِيذَاءِ لِلْخَاطِبِ الْأَوَّلِ، وَقَالُوا: إِنَّ ذِكْرَ لَفْظِ الْأَخِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ: « لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ ».خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ؛ وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ امْتِثَالًا.
وَلَيْسَ الْحَالُ فِي الْفَاسِقِ كَالْكَافِرِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقَرُّ شَرْعًا عَلَى فِسْقِهِ، فَتَجُوزَ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَتِهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ فِي حَالَةٍ يُقَرُّ عَلَيْهَا بِالْجِزْيَةِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَا تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ كَافِرٍ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: « عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ » وَلِأَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ، بِالْمُسْلِمِ وَإِلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ مِثْلَهُ، وَلَيْسَ الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ، وَلَا حُرْمَتُهُ كَحُرْمَتِهِ.
الْعَقْدُ بَعْدَ الْخِطْبَةِ الْمُحَرَّمَةِ:
23- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى امْرَأَةٍ تَحْرُمُ خِطْبَتُهَا عَلَى الْعَاقِدِ كَالْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ، وَكَالْخِطْبَةِ الْمُحَرَّمَةِ فِي الْعِدَّةِ تَصْرِيحًا أَوْ تَعْرِيضًا. فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَى مَنْ تَحْرُمُ خِطْبَتُهَا- كَعَقْدِ الْخَاطِبِ الثَّانِي عَلَى الْمَخْطُوبَةِ، وَكَعَقْدِ الْخَاطِبِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا- يَكُونُ صَحِيحًا مَعَ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ الْخِطْبَةَ الْمُحَرَّمَةَ لَا تُقَارِنُ الْعَقْدَ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ فَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِوُقُوعِهَا غَيْرَ صَحِيحَةٍ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ عَقْدَ الْخَاطِبِ الثَّانِي عَلَى الْمَخْطُوبَةِ يُفْسَخُ حَالَ خِطْبَةِ الْأَوَّلِ بِطَلَاقٍ، وُجُوبًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الثَّانِي بِخِطْبَةِ الْأَوَّلِ، مَا لَمْ يُبَيِّنِ الثَّانِي حَيْثُ اسْتَمَرَّ الرُّكُونُ أَوْ كَانَ الرُّجُوعُ لِأَجْلِ خِطْبَةِ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهَا لَمْ يُفْسَخْ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الثَّانِي حَاكِمٌ يَرَاهُ وَإِلاَّ لَمْ يُفْسَخْ.
وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ أَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ حِينَئِذٍ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ لِمَنْ صَرَّحَ لِامْرَأَةٍ فِي عِدَّتِهَا بِالْخِطْبَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا يُنْدَبُ لَهُ فِرَاقُهَا.
ثَالِثًا: نَظَرُ الْخَاطِبِ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ:
24- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي إِبَاحَةِ النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ لِمَنْ أَرَادَ نِكَاحَهَا، وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: « إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ ».
قَالَ: فَخَطَبْتُ امْرَأَةً فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا.
25- لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ نَظَرِ الْخَاطِبِ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ هَذَا النَّظَرِ فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: يُنْدَبُ النَّظَرُ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَعَ تَعْلِيلِهِ بِأَنَّهُ {أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَهُمَا » أَيْ تَدُومُ الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ.فَقَدْ وَرَدَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: « خَطَبْتُ امْرَأَةً فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا ».
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُبَاحُ لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إِجَابَتُهُ نَظَرَ مَا يَظْهَرُ غَالِبًا. قَالَ فِي « الْإِنْصَافِ »: وَيَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ النَّظَرُ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَذَلِكَ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِالنَّظَرِ بَعْدَ الْحَظْرِ، فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ.
نَظَرُ الْمَخْطُوبَةِ إِلَى خَاطِبِهَا:
26- حُكْمُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ الْمَخْطُوبَةِ إِلَى خَاطِبِهَا كَحُكْمِ نَظَرِهِ إِلَيْهَا لِأَنَّهُ يُعْجِبُهَا مِنْهُ مَا يُعْجِبُهُ مِنْهَا، بَلْ هِيَ- كَمَا قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ- أَوْلَى مِنْهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُفَارَقَةَ مَنْ لَا يَرْضَاهَا بِخِلَافِهَا.
وَاشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) لِمَشْرُوعِيَّةِ النَّظَرِ أَنْ يَكُونَ النَّاظِرُ إِلَى الْمَرْأَةِ مُرِيدًا نِكَاحَهَا، وَأَنْ يَرْجُوَ الْإِجَابَةَ رَجَاءً ظَاهِرًا، أَوْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُجَابُ إِلَى نِكَاحِهَا، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْإِجَابَةُ.
وَاكْتَفَى الْحَنَفِيَّةُ بِاشْتِرَاطِ إِرَادَةِ نِكَاحِهَا فَقَطْ.
الْعِلْمُ بِالنَّظَرِ وَالْإِذْنُ فِيهِ:
27- ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمَخْطُوبَةِ أَوْ إِذْنُهَا أَوْ إِذْنُ وَلِيِّهَا بِنَظَرِ الْخَاطِبِ إِلَيْهَا اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الشَّارِعِ وَلِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ عَدَمَ ذَلِكَ أَوْلَى لِأَنَّهَا قَدْ تَتَزَيَّنُ لَهُ بِمَا يَغُرُّهُ، وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ- رضي الله عنه- السَّابِقِ وَفِيهِ إِطْلَاقُ الْإِذْنِ، وَقَدْ تَخَبَّأَ جَابِرٌ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي خَطَبَهَا حَتَّى رَأَى مِنْهَا مَا دَعَاهُ إِلَى نِكَاحِهَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مَحَلُّ نَدْبِ النَّظَرِ إِنْ كَانَ بِعِلْمٍ مِنْهَا إِنْ كَانَتْ رَشِيدَةً، وَإِلاَّ فَمِنْ وَلِيِّهَا، وَإِلاَّ كُرِهَ لِئَلاَّ يَتَطَرَّقَ الْفُسَّاقُ لِلنَّظَرِ لِلنِّسَاءِ وَيَقُولُونَ: نَحْنُ خُطَّابٌ.
أَمْنُ الْفِتْنَةِ وَالشَّهْوَةِ:
28- لَمْ يَشْتَرِطِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِمَشْرُوعِيَّةِ النَّظَرِ أَمْنَ الْفِتْنَةِ أَوِ الشَّهْوَةِ أَيْ ثَوَرَانِهَا بِالنَّظَرِ، بَلْ قَالُوا: يَنْظُرُ لِغَرَضِ التَّزَوُّجِ وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَهَا، أَوْ خَافَ الْفِتْنَةَ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ بِالْمَشْرُوعِيَّةِ لَمْ تُقَيِّدَ النَّظَرَ بِذَلِكَ.
وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ لِإِبَاحَةِ النَّظَرِ أَمْنَ الْفِتْنَةِ، وَأَمَّا النَّظَرُ بِقَصْدِ التَّلَذُّذِ أَوِ الشَّهْوَةِ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ. مَا يُنْظَرُ مِنَ الْمَخْطُوبَةِ:
29- اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَا يُبَاحُ لِلْخَاطِبِ نَظَرُهُ مِنْ مَخْطُوبَتِهِ الْحُرَّةِ هُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا إِلَى كُوعَيْهِمَا لِدَلَالَةِ الْوَجْهِ عَلَى الْجَمَالِ، وَدَلَالَةِ الْكَفَّيْنِ عَلَى خِصْبِ الْبَدَنِ، وَهُنَاكَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْقَدَمَيْنِ لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ حَتَّى فِي غَيْرِ الْخِطْبَةِ.
وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فِيمَا يَنْظُرُ الْخَاطِبُ مِنَ الْمَخْطُوبَةِ، فَفِي « مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى » « وَكَشَّافِ الْقِنَاعِ » أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى مَا يَظْهَرُ مِنْهَا غَالِبًا كَوَجْهٍ وَيَدٍ وَرَقَبَةٍ وَقَدَمٍ، لِأَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أَذِنَ فِي النَّظَرِ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا، عُلِمَ أَنَّهُ أَذِنَ فِي النَّظَرِ إِلَى جَمِيعِ مَا يَظْهَرُ غَالِبًا، إِذْ لَا يُمْكِنُ إِفْرَادُ الْوَجْهِ بِالنَّظَرِ مَعَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ فِي الظُّهُورِ؛ وَلِأَنَّهُ يَظْهَرُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ الْوَجْهَ.
وَفِي الْمُغْنِي: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إِبَاحَةِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَهُوَ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ وَمَوْضِعُ النَّظَرِ، وَلَا يُبَاحُ النَّظَرُ إِلَى مَا لَا يَظْهَرُ عَادَةً.
أَمَّا مَا يَظْهَرُ غَالِبًا سِوَى الْوَجْهِ، كَالْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تُظْهِرُهُ الْمَرْأَةُ فِي مَنْزِلِهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ لِلْحَنَابِلَةِ.
إِحْدَاهُمَا: لَا يُبَاحُ النَّظَرُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ، فَلَمْ يُبَحِ النَّظَرُ إِلَيْهِ كَالَّذِي لَا يَظْهَرُ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ »، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْوَجْهِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى التَّحْرِيمِ.
وَالثَّانِيَةُ: وَهِيَ الْمَذْهَبُ، لِلْخَاطِبِ النَّظَرُ إِلَى ذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا مِنْ يَدٍ أَوْ جِسْمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا حَاسِرَةً.وَوَجْهُ جَوَازِ النَّظَرِ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أَذِنَ فِي النَّظَرِ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا عُلِمَ أَنَّهُ أَذِنَ فِي النَّظَرِ إِلَى جَمِيعِ مَا يَظْهَرُ عَادَةً إِذْ لَا يُمْكِنُ إِفْرَادُ الْوَجْهِ بِالنَّظَرِ مَعَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ فِي الظُّهُورِ، وَلِأَنَّهُ يَظْهَرُ غَالِبًا فَأُبِيحَ النَّظَرُ إِلَيْهِ كَالْوَجْهِ وَلِأَنَّهَا امْرَأَةٌ أُبِيحَ النَّظَرُ إِلَيْهَا بِأَمْرِ الشَّارِعِ فَأُبِيحَ النَّظَرُ مِنْهَا إِلَى ذَلِكَ كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَنْظُرُ الْخَاطِبُ إِلَى مَوَاضِعِ اللَّحْمِ.
تَزَيُّنُ الْمَرْأَةِ الْخَلِيَّةِ وَتَعَرُّضُهَا لِلْخُطَّابِ:
30- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَحْلِيَةَ الْبَنَاتِ بِالْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ لِيَرْغَبَ فِيهِنَّ الرِّجَالُ سُنَّةٌ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ نَقَلَ الْحَطَّابُ عَنِ ابْنِ الْقَطَّانِ قَوْلُهُ: وَلَهَا (أَيْ لِلْمَرْأَةِ الْخَالِيَةِ مِنَ الْأَزْوَاجِ) أَنْ تَتَزَيَّنَ لِلنَّاظِرِينَ (أَيْ لِلْخُطَّابِ)، بَلْ لَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ مَا كَانَ بَعِيدًا، وَلَوْ قِيلَ إِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا التَّعَرُّضُ لِمَنْ يَخْطُبُهَا إِذَا سَلِمَتْ نِيَّتُهَا فِي قَصْدِ النِّكَاحِ لَمْ يَبْعُدِ.انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ الْحَطَّابُ: هَلْ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ نَظَرُ الرَّجُلِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِلْمَالِكِيَّةِ، وَالظَّاهِرُ اسْتِحْبَابُهُ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ، قَالُوا: يُسْتَحَبُّ لَهَا أَيْضًا أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: إِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ امْرَأَةً هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْصِدَهَا مُتَعَرِّضًا لَهَا بِمَحَاسِنِهِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إِبْدَاؤُهَا إِلَيْهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مَخْطُوبَةً وَيَتَصَنَّعُ بِلُبْسِهِ، وَسِوَاكِهِ، وَمُكْحُلَتِهِ وَخِضَابِهِ، وَمَشْيِهِ، وَرِكْبَتِهِ، أَمْ لَا يَجُوزُ لَهُ إِلاَّ مَا كَانَ جَائِزًا لِكُلِّ امْرَأَةٍ؟ هُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ، وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الْمَنْعِ إِجْمَاعٌ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ خَطَبَ وَلَكِنَّهُ يَتَعَرَّضُ لِنَفْسِهِ ذَلِكَ التَّعَرُّضَ لِلنِّسَاءِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَعَرُّضٌ لِلْفِتَنِ وَتَعْرِيضٌ لَهَا، وَلَوْلَا الظَّاهِرُ مَا أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَمْ تُخْطَبْ عَلَى أَنَّا لَمْ نَجْزِمْ فِيهِ بِالْجَوَازِ.
وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: قَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ فِي مَعْرِفَةِ اسْتِعْمَالِ الْحِنَّاءِ عَنْ جَابِرٍ- رضي الله عنه- مَرْفُوعًا: « يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ اخْتَضِبْنَ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَخْتَضِبُ لِزَوْجِهَا، وَإِنَّ الْأَيِّمَ تَخْتَضِبُ تُعَرَّضُ لِلرِّزْقِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ».
وَقَدْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ « كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ وَهُوَ فِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهِيَ حَامِلٌ فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ- رضي الله عنه- رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاكِ مُتَجَمِّلَةً؟ لَعَلَّكِ تَرْجِينَ النِّكَاحَ.إِنَّكِ وَاللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ.قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي وَأَمَرَنِي بِالتَّزْوِيجِ إِنْ بَدَا لِي.}
تَكْرِيرُ النَّظَرِ:
31- لِلْخَاطِبِ أَنْ يُكَرِّرَ النَّظَرَ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ هَيْئَتُهَا فَلَا يَنْدَمُ عَلَى نِكَاحِهَا، وَيَتَقَيَّدُ فِي ذَلِكَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوِ اكْتَفَى بِنَظْرَةٍ حَرُمَ مَا زَادَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ نَظَرٌ أُبِيحَ لِحَاجَةٍ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا.
وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ- عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ- أَخَافَ الْخَاطِبُ الْفِتْنَةَ أَمْ لَا..كَمَا قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرُّويَانِيُّ.
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: يُكَرِّرُ الْخَاطِبُ النَّظَرَ وَيَتَأَمَّلُ الْمَحَاسِنَ وَلَوْ بِلَا إِذْنٍ، وَلَعَلَّهُ أَوْلَى، إِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ أَيْ ثَوَرَانَهَا.
مَسُّ مَا يَنْظُرُ:
32- لَا يَجُوزُ لِلْخَاطِبِ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَ الْمَخْطُوبَةِ وَلَا كَفَّيْهَا وَإِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ؛ لِمَا فِي الْمَسِّ مِنْ زِيَادَةِ الْمُبَاشَرَةِ؛ وَلِوُجُودِ الْحُرْمَةِ وَانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى.
الْخَلْوَةُ بِالْمَخْطُوبَةِ:
33- لَا يَجُوزُ خَلْوَةُ الْخَاطِبِ بِالْمَخْطُوبَةِ لِلنَّظَرِ وَلَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِغَيْرِ النَّظَرِ فَبَقِيَتْ عَلَى التَّحْرِيمِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنَ الْخَلْوَةِ الْوُقُوعُ فِي الْمَحْظُورِ.فَإِنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ».
إِرْسَالُ مَنْ يَنْظُرُ الْمَخْطُوبَةَ:
34- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْخَاطِبِ أَنْ يُرْسِلَ امْرَأَةً لِتَنْظُرَ الْمَخْطُوبَةَ ثُمَّ تَصِفَهَا لَهُ وَلَوْ بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُ نَظَرُهُ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَيَسْتَفِيدَ بِالْبَعْثِ مَا لَا يَسْتَفِيدُ بِنَظَرِهِ، وَهَذَا لِمَزِيدِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ مُسْتَثْنًى مِنْ حُرْمَةِ وَصْفِ امْرَأَةٍ لِرَجُلٍ، وَقَدْ رُوِيَ « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَرْسَلَ أُمَّ سُلَيْمٍ تَنْظُرُ إِلَى جَارِيَةٍ فَقَالَ: شُمِّي عَوَارِضَهَا وَانْظُرِي إِلَى عُرْقُوبِهَا ».
وَالْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ يُرْسَلُ لِلنَّظَرِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً أَوْ نَحْوَهَا مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نَظَرُهَا رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً كَأَخِيهَا، أَوْ مَسْمُوحٌ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ لِلْخَاطِبِ أَنْ يُرْسِلَ رَجُلًا.قَالَ الْحَطَّابُ: وَالظَّاهِرُ جَوَازُ النَّظَرِ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ عَلَى حَسَبِ مَا لِلْخَاطِبِ، وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ مَا لَمْ يَخَفْ مَفْسَدَةً مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا.
مَا يَفْعَلُهُ الْخَاطِبُ إِنْ لَمْ تُعْجِبْهُ الْمَخْطُوبَةُ:
35- إِذَا نَظَرَ الْخَاطِبُ إِلَى مَنْ يُرِيدُ نِكَاحَهَا فَلَمْ تُعْجِبْهُ فَلْيَسْكُتْ، وَلَا يَقُلْ، لَا أُرِيدُهَا؛ لِأَنَّهُ إِيذَاءٌ.
رَابِعًا: ذِكْرُ عُيُوبِ الْخَاطِبِ:
36- مَنِ اسْتُشِيرَ فِي خَاطِبٍ أَوْ مَخْطُوبَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ مَا فِيهِ مِنْ مَسَاوِئَ شَرْعِيَّةٍ أَوْ عُرْفِيَّةٍ وَلَا يَكُونُ غِيبَةً مُحَرَّمَةً إِذَا قَصَدَ بِهِ النَّصِيحَةَ وَالتَّحْذِيرَ لَا الْإِيذَاءَ، « لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ- رضي الله عنها- لَمَّا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ- رضي الله عنهما- خَطَبَاهَا: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ » وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: « إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْهُ »، وَعَنْهُ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: « الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ » وَقَالَ: « الدِّينُ النَّصِيحَةُ »، وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ أَنَّ أَخًا لِبِلَالٍ- رضي الله عنه- خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالُوا: إِنْ يَحْضُرْ بِلَالٌ زَوَّجْنَاكَ، فَحَضَرَ، فَقَالَ: أَنَا بِلَالٌ وَهَذَا أَخِي، وَهُوَ امْرُؤٌ سَيِّئُ الْخُلُقِ وَالدِّينِ.قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
وَمَنِ اسْتُشِيرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ فِي النِّكَاحِ بَيَّنَهُ، كَقَوْلِهِ: عِنْدِي شُحٌّ، وَخُلُقِي شَدِيدٌ وَنَحْوُهُمَا، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ.
وَفَصَّلَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْبَارِزِيِّ- مِنَ الشَّافِعِيَّةِ- لَوِ اسْتُشِيرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ فِي النِّكَاحِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِيهِ وَجَبَ ذِكْرُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ فِيهِ وَلَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ، كَسُوءِ الْخُلُقِ وَالشُّحِّ، اسْتُحِبَّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَعَاصِي وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ فِي الْحَالِ وَسَتْرُ نَفْسِهِ.
خَامِسًا: الْخُطْبَةُ قَبْلَ الْخِطْبَةِ:
37- يُنْدَبُ لِلْخَاطِبِ أَوْ نَائِبِهِ تَقْدِيمُ خُطْبَةٍ قَبْلَ الْخِطْبَةِ لِخَبَرِ: « كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ » أَيْ عَنِ الْبَرَكَةِ، فَيَبْدَأُ بِالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ بِالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ يُوصِي بِالتَّقْوَى، ثُمَّ يَقُولُ: جِئْتُكُمْ خَاطِبًا كَرِيمَتَكُمْ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا قَالَ: جَاءَكُمْ مُوَكِّلِي خَاطِبًا كَرِيمَتَكُمْ أَوْ فَتَاتَكُمْ، وَيَخْطُبُ الْوَلِيُّ أَوْ نَائِبُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يَقُولُ: لَسْتُ بِمَرْغُوبٍ عَنْكَ أَوْ نَحْوَهُ.
وَتَبَرَّكَ الْأَئِمَّةُ بِمَا جَاءَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- « أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- عَلَّمَنَا خُطْبَةَ الْحَاجَةِ: إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} إِلَى قَوْلِهِ {عَظِيمًا} »، وَكَانَ الْقَفَّالُ يَقُولُ بَعْدَهَا: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ، يَقْضِي فِيهَا مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، لَا مُؤَخِّرَ لِمَا قَدَّمَ وَلَا مُقَدِّمَ لِمَا أَخَّرَ، وَلَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ إِلاَّ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ وَكِتَابٍ قَدْ سَبَقَ، وَإِنَّ مِمَّا قَضَى اللَّهُ تَعَالَى وَقَدَّرَ أَنْ خَطَبَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ..أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ أَجْمَعِينَ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
19-موسوعة الفقه الكويتية (غنى 2)
غِنًى -2اعْتِبَارُ الْغِنَى فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ:
23- لِلْفُقَهَاءِ اتِّجَاهَانِ فِي اعْتِبَارِ الْغِنَى فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ:
أ- الِاتِّجَاهُ الْأَوَّلُ: هُوَ أَنَّ الْغِنَى مُعْتَبَرٌ فِي النِّكَاحِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ، فَلَا يَكُونُ الْفَقِيرُ كُفْئًا لِلْغَنِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ بِالْمَالِ أَكْثَرُ مِنَ التَّفَاخُرِ بِغَيْرِهِ عَادَةً؛ وَلِأَنَّ لِلنِّكَاحِ تَعَلُّقًا لَازِمًا بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «الْحَسَبُ: الْمَالُ» وَقَالَ: «إِنَّ أَحْسَابَ أَهْلِ الدُّنْيَا الَّذِي يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ هَذَا الْمَالُ» «وَقَالَ لَفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ حِينَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ خَطَبَهَا: أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ» وَلِأَنَّ عَلَى الْمُوسِرَةِ ضَرَرًا فِي إِعْسَارِ زَوْجِهَا، وَلِهَذَا مَلَكَتِ الْفَسْخَ بِإِخْلَالِهِ بِالنَّفَقَةِ فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مُقَارَنًا؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ مَعْدُودٌ نَقْصًا فِي عُرْفِ النَّاسِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْهُ إِنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ الْأَرْجَحُ دَلِيلًا وَنَقْلًا، وَهُوَ كَذَلِكَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ذَكَرَهَا ابْنُ قُدَامَةَ، فِي حِينِ أَنَّ أَكْثَر كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ لَمْ يَرْوِ غَيْرَهَا فِي الْمَذْهَبِ.
ب- وَالِاتِّجَاهُ الثَّانِي: هُوَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْغِنَى فِي الْكَفَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ ظِلٌّ زَائِلٌ، وَهُوَ يَرُوحُ وَيَغْدُو، وَلَا يَفْتَخِرُ بِهِ أَهْلُ الْمُرُوءَاتِ وَالْبَصَائِرِ.وَهَذَا قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: إِنَّهُ لَيْسَ لِلْأُمِّ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْأَبِ إِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ رَجُلٍ فَقِيرٍ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ- بِاعْتِبَارِ الْغِنَى- بِأَنَّ لَهَا الِاعْتِرَاضَ، وَعَدَمُ اعْتِبَارِ الْغِنَى هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ذَكَرَهَا ابْنُ قُدَامَةَ.
وَالْغِنَى الْمُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَالنَّفَقَةِ، وَلَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ الزَّوْجَ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَنَفَقَتِهَا يَكُونُ كُفْئًا لَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُسَاوِيهَا فِي الْمَالِ، وَمَنْ لَا يَمْلِكُ مَهْرًا وَلَا نَفَقَةً فَلَا يَكُونُ كُفْئًا لِلْغَنِيَّةِ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْغِنَى؛ لِأَنَّ الْغِنَى لَا ثَبَاتَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ، وَهَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْقَائِلُونَ بِاعْتِبَارِ الْغِنَى فِي الْكَفَاءَةِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ: أَنْ تُسَاوِيَ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ فِي الْغِنَى شَرْطُ تَحَقُّقِ الْكَفَاءَةِ؛ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ يَقَعُ فِي الْغِنَى عَادَةً.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
20-موسوعة الفقه الكويتية (نبوة)
نبوّةالتَّعْريِفُ:
1- النُّبُوَّةُ لُغَةً مِنْ (نَبَا يَنْبُو) أَوْ مِنَ (النَّبَأِ)، فَنَبَا الشَّيْءُ بِمَعْنَى ارْتَفَعَ، وَمِنْهُ «النَّبِيُّ» وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْأَرْضُ الْمُرْتَفِعَةُ.
قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: وَالنَّبِيُّ أَيْضًا الْعَلَمُ مِنْ أَعْلَامِ الْأَرْضِ الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا، أَيْ كَالْجَبَلِ وَنَحْوِهِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ «النَّبِيِّ» لِأَنَّهُ أَرْفَعُ خَلْقِ اللَّهِ، وَأَيْضًا لِأَنَّهُ يُهْتَدَى بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: إِنْ أَخَذْتَ «النَّبِيَّ» مِنَ النُّبُوَّةِ وَالنَّبَاوَةِ، وَهِيَ الِارْتِفَاعُ مِنَ الْأَرْضِ؛ لِارْتِفَاعِ قَدْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ سَائِرِ الْخَلْقِ، فَأَصْلُهُ غَيْرُ الْهَمْزِ.
وَأَمَّا مَنْ جَعَلَهُ مِنَ «النَّبَأِ» بِالْهَمْزِ، فَقَدْ لَاحَظَ مَعْنَى الْإِنْبَاءِ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: أَنْبَأْتُ فَلَانًا نُبُوءَةً، أَيْ أَخْبَرْتُهُ خَبَرًا، فَمِنْهُ «النَّبِيُّ» وَأَصْلُهُ «النَّبِيءُ» فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، أَيْ مُنَبِّأٌ أَوْ مُخْبِرٌ، ثُمَّ سُهِّلَتِ الْهَمْزَةُ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: النَّبِيُّ هُوَ مَنْ أَنْبَأَ عَنِ اللَّهِ، فَتُرِكَ هَمْزُهُ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْقِرَاءَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا فِي النَّبِيِّينَ وَالْأَنْبِيَاءِ طَرْحُ الْهَمْزِ، وَقَدْ هَمَزَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا، وَالْأَجْوَدُ تَرْكُ الْهَمْزِ.
وَالنُّبُوَّةُ فِي الِاصْطِلَاحِ: قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ: إِنَّهَا صِفَةٌ فِي النَّبِيِّ، وَقَالَ طَائِفَةٌ لَيْسَتْ صِفَةً ثُبُوتِيَّةً فِي النَّبِيِّ، بَلْ هِيَ مُجَرَّدُ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ الْإِلَهِيِّ بِهِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ النُّبُوَّةَ تَجْمَعُ هَذَا وَهَذَا، فَهِيَ تَتَضَمَّنُ صِفَةً ثُبُوتِيَّةً فِي النَّبِيِّ، وَصِفَةً إِضَافِيَّةً هِيَ مُجَرَّدُ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ الْإِلَهِيِّ بِهِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الرِّسَالَةُ:
2- الرِّسَالَةُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْإِرْسَالِ، يُقَالُ: أَرْسَلْتُ إِلَى فُلَانٍ، أَيْ وَجَّهْتُ إِلَيْهِ، وَأَرْسَلْتُهُ فِي رِسَالَةٍ، فَهُوَ مُرْسَلٌ وَرَسُولٌ.
وَالرِّسَالَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ: كَوْنُ الشَّخْصِ مُرْسَلًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ أَوْ بَعْضِهِمْ لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرِّسَالَةَ أَخَصُّ مِنَ النُّبُوَّةِ.
مَا تَثْبُتُ بِهِ نُبُوَّةُ النَّبِيِّ:
3- إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرْسَلَ رَسُولًا وَكَلَّفَ النَّاسَ بِتَصْدِيقِهِ وَطَاعَتِهِ، لَا يَتِمُّ ذَلِكَ التَّكْلِيفُ إِلاَّ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ الرَّسُولِ مِنَ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ وَالْقَرَائِنِ وَالْمُعْجِزَاتِ مَا يَكُونُ بُرْهَانًا عَلَى صِحَّةِ رِسَالَتِهِ وَصِدْقِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، يَكْفِي الْعَاقِلَ إِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِنَادٌ وَجُحُودٌ لِيَقْتَنِعَ بِأَنَّ مَنْ أَتَى بِهَا مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؛ لِكَوْنِهَا خَارِقَةً لِلْعَادَاتِ خَارِجَةً عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، مَعَ تَحَدِّيهِ لَهُمْ بِهَا، وَنِسْبَتِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَجْزِ الْبَشَرِ عَنْ مُعَارَضَتِهَا وَالْإِتْيَانِ بِمِثْلِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ مُوسَى- عليه السلام- عِنْدَمَا أَعْطَاهُ مُعْجِزَةَ الْعَصَا وَبَيَاضِ يَدِهِ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ رِسَالَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا}.
وَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
شَرَائِعُ النُّبُوَّاتِ السَّابِقَةِ:
4- مَا لَمْ يَرِدْ ذِكْرُهُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَوَرَدَ فِي الْكُتُبِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ، كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَلَيْسَ شَرْعًا لَنَا اتِّفَاقًا، وَلَسْنَا مُطَالَبِينَ شَرْعًا بِالْبَحْثِ عَمَّا وَرَدَ فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ، مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَيِّ مَسْأَلَةٍ وَاقِعَةٍ.
فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رضي الله عنهم- أَتَى النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَغَضِبَ فَقَالَ: أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى- صلى الله عليه وسلم- كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي».
5- وَأَمَّا مَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، أَوْ حَكَاهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَأْثُورِ عَنْهُ مِنَ السُّنَنِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، كَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ وَالْحِسَابِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ ثَابِتٌ فِي حَقِّنَا اتِّفَاقًا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} وَقَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَدَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
6- أَمَّا مَا نُقِلَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَحْكِيًّا عَنِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ مِنَ الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ، وَلَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا إِشْعَارٌ بِرَدِّهِ أَوْ نَسْخِهِ، فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ شَرْعٌ لَنَا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ شَرْعًا لَنَا، وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ.
انْظُرِ التَّفْصِيلَ فِي مُصْطَلَحِ (شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا ف 3) وَالْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ.
حُكْمُ مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ أَوْ صَدَّقَ مُدَّعِيًا لَهَا:
7- مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ كَاذِبٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا- صلى الله عليه وسلم- هُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، أَيْ آخِرُهُمْ، فَلَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}.وَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «أَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ» وَقَالَ أَيْضًا: «فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ....» الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: «وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ» وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بِعْدِي».
وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.
وَمِنْ هُنَا يَنُصُّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ شَرِيكٌ لِمُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- فِي الرِّسَالَةِ، أَوْ قَالَ بِجَوَازِ اكْتِسَابِهَا بِتَصْفِيَةِ الْقَلْبِ وَتَهْذِيبِ النَّفْسِ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَكَذَا إِنِ ادَّعَى أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ.قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: لَا خِلَافَ فِي تَكْفِيرِ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ.قَالَ: وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَقَالَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ: قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِتَكْفِيرِ كُلِّ مُتَنَبِّئٍ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ كَزَرَادِشْتَ، وَيُورَاسِفَ، وَمَانِي، وَدِيصَانَ، وَمَرْقِيُونَ، وَمَزْدَكَ، أَوْ بَعْدَهُ، كَمُسَيْلِمَةَ، وَسَجَاحَ، وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ الْعَنْسِيِّ، وَسَائِرِ مَنْ كَانَ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُتَنَبِّئِينَ.
8- وَمَنْ صَدَّقَ مُدَّعِي النُّبُوَّةِ يَكُونُ مُرْتَدًّا؛ لِكُفْرِهِ، كَذَلِكَ لِإِنْكَارِهِ الْأَمْرَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ.
وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ الْمُدَّعِي لِلنُّبُوَّةِ ذِمِّيًّا اسْتُتِيبَ إِنْ أَعْلَنَ ذَلِكَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُقْتَلُ الْمُتَنَبِّئُ أَسَرَّ ذَلِكَ أَوْ أَعْلَنَهُ.
وَمَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ لِغَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَلَا خِلَافَ فِي كُفْرِهِ.وَقَالَ عَبْدُ الْقَاهِرِ: قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِتَكْفِيرِ مَنِ ادَّعَى لِلْأَئِمَّةِ الْإِلَهِيَّةَ أَوِ النُّبُوَّةَ، كَالسَّبَئِيَّةِ وَالْبَيَانِيَّةِ وَالْخَطَّابِيَّةِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
21-موسوعة الفقه الكويتية (نشوز 1)
نُشُوزٌ -1التَّعْرِيفُ:
1- النُّشُوزُ فِي اللُّغَةِ مِنَ النَّشْزِ، وَهُوَ: الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ، كَالنَّشَازِ وَالنَّشَزِ، يُقَالُ: نَشَزَ الشَّيْءُ نَشْزًا وَنُشُوزًا: ارْتَفَعَ، وَنَشَزَتِ الْمَرْأَةُ تَنْشُزُ: عَصَتْ زَوْجَهَا وَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ.وَيُقَالُ: نَشَزَ بِهِ وَمِنْهُ وَعَلَيْهِ، فَهُوَ نَاشِزٌ، وَهِيَ نَاشِزٌ وَنَاشِزَةٌ، وَالْجَمْعُ نَوَاشِزُ.قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: النُّشُوزُ يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَهُوَ: كَرَاهَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ النَّشْزِ وَهُوَ: مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ، وَنَشَزَتِ الْمَرْأَةُ بِزَوْجِهَا عَلَى زَوْجِهَا: ارْتَفَعَتْ عَلَيْهِ وَأَبْغَضَتْهُ وَخَرَجَتْ عَنْ طَاعَتِهِ وَفَرَكَتْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}.نُشُوزُ الْمَرْأَةِ: اسْتِعْصَاؤُهَا عَلَى زَوْجِهَا، وَنَشَزَ هُوَ عَلَيْهَا نُشُوزًا كَذَلِكَ، وَضَرَبَهَا وَجَفَاهَا وَأَضَرَّ بِهَا وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَإِنِامْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}.وَالنُّشُوزُ فِي الِاصْطِلَاحِ: عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ: خُرُوجُ الزَّوْجَةِ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَعَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ: خُرُوجُ الزَّوْجَةِ عَنِ الطَّاعَةِ الْوَاجِبَةِ لِلزَّوْجِ وَصَرَّحَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ النُّشُوزَ بِمَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيِّ يَكُونُ مِنَ الزَّوْجَةِ وَلَا عَكْسَ، وَصَرَّحَ آخَرُونَ بِأَنَّ النُّشُوزَ كَمَا يَكُونُ مِنَ الزَّوْجَةِ يَكُونُ مِنَ الزَّوْجِ.قَالَ الشَّرْقَاوِيُّ: إِنَّ النُّشُوزَ يَكُونُ مِنَ الزَّوْجَةِ وَمِنَ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ إِطْلَاقُ النُّشُوزِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَقَالَ الْبَهْوَتِيُّ: يُقَالُ: نَشَزَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا فَهِيَ نَاشِزَةٌ وَنَاشِزٌ، وَنَشَزَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا: جَفَاهَا وَأَضَرَّ بِهَا الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الطَّاعَةُ:
2- الطَّاعَةُ فِي اللُّغَةِ: الِانْقِيَادُ وَالْمُوَافَقَةُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: طَاعَ لَهُ: إِذَا انْقَادَ لَهُ، فَإِذَا مَضَى لِأَمْرِهِ فَقَدْ أَطَاعَهُ، فَإِذَا وَافَقَهُ فَقَدْ طَاوَعَهُ، وَطَاوَعَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا طَوَاعِيَةً وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الطَّاعَةُ هِيَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ طَوْعًا.قَالَ الرَّاغِبُ: أَكْثَرُ مَا تُقَالُ الطَّاعَةُ فِي الِائْتِمَارِ لِمَا أَمَرَ وَالِارْتِسَامِ فِيمَا رَسَمَ وَالصِّلَةُ بَيْنَ النُّشُوزِ وَالطَّاعَةِ التَّضَادُّ.
ب- الْإِعْرَاضُ:
3- مِنْ مَعَانِي الْإِعْرَاضِ فِي اللُّغَةِ: الصَّدُّ، يُقَالُ: أَعْرَضَ عَنِ الشَّيْءِ: صَدَّ وَوَلَّى، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ}.وَيُقَالُ: أَعْرَضْتُ عَنْهُ: أَضْرَبْتُ وَوَلَّيْتُ عَنْهُ.قَالَ الرَّاغِبُ: الْعَرْضُ خُصَّ بِالْجَانِبِ، وَعَرَضَ الشَّيْءُ: بَدَا عَرْضُهُ، وَأَعْرَضَ: أَظْهَرَ عَرْضَهُ أَيْ نَاحِيَتَهُ، فَإِذَا قِيلَ: أَعْرَضَ عَنِّي فَمَعْنَاهُ: وَلَّى مُبْدِيًا عَرْضَهُ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالصِّلَةُ بَيْنَ النُّشُوزِ وَالْإِعْرَاضِ أَنَّ الْإِعْرَاضَ يَكُونُ أَمَارَةً مِنْ أَمَارَاتِ النُّشُوزِ.
ج- الْبُغْضُ:
4- الْبُغْضُ هُوَ: الْكُرْهُ وَالْمَقْتُ، يُقَالُ: بَغَضَ الشَّيْءَ بُغْضًا: كَرِهَهُ وَمَقَتَهُ، وَأَبْغَضَهُ: كَذَلِكَ، وَبَغُضَ الشَّيْءُ بُغْضًا، وَبَغِضَ الشَّيْءُ بَغَاضَةً وَبِغْضَةً: صَارَ مَمْقُوتًا كَرِيهًا، وَبَاغَضَهُ: جَزَاهُ بُغْضًا بِبُغْضٍ.وَالْبَغْضَاءُ: شِدَّةُ الْبُغْضِ، قَالَ الْبَرَكَتِيُّ: وَهِيَ فِي الْقَلْبِ.وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْبُغْضُ نِفَارُ النَّفْسِ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي تَرْغَبُ عَنْهُ، وَهُوَ ضِدُّ الْحُبِّ وَالصِّلَةُ بَيْنَ النُّشُوزِ وَالْبُغْضِ هِيَ أَنَّ الْبُغْضَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ النُّشُوزِ، وَأَمَارَةٌ عَلَيْهِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلنُّشُوزِ:
5- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ نُشُوزَ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا حَرَامٌ، لِمَا وَرَدَ فِي تَعْظِيمِ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ وَوُجُوبِ طَاعَتِهَا لَهُ وَمِنْهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لِامْرَأَةٍ: «أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: انْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّهُ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ» وَلِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا».
وَاسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ كَذَلِكَ عَلَى حُرْمَةِ نُشُوزِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا بِمَا وَرَدَ مِنَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ لِمَنْ تَنْشُزُ عَلَى زَوْجِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ»
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الصَّالِحَاتِ مِنَ النِّسَاءِ قَانِتَاتٌ أَيْ: مُطِيعَاتٌ لِأَزْوَاجِهِنَّ، وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}.قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، كَمَا أَخْبَرَ أَنَّهُنَّ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ أَيْ: يَحْفَظْنَ أَزْوَاجَهُنَّ فِي غَيْبَتِهِمْ فِي أَنْفُسِهِنَّ وَأَمْوَالِهِمْ بِحِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعُونَتِهِ وَتَسْدِيدِهِ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} هَذَا خَبَرٌ، وَمَقْصُودُ الْأَمْرِ بِطَاعَةِ الزَّوْجِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ فِي مَالِهِ وَفِي نَفْسِهَا فِي حَالِ غَيْبَةِ الزَّوْجِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «خَيْرُ النِّسَاءِ امْرَأَةٌ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي نَفْسِهَا وَمَالِكَ، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}.الْآيَةَ».
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: عَدُّ النُّشُوزِ كَبِيرَةً هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ، أَيْ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَلَمْ يُرِدِ الشَّيْخَانِ بِقَوْلِهِمَا: امْتِنَاعُ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا بِلَا سَبَبٍ كَبِيرَةٌ خُصُوصَهُ، بَلْ نَبَّهَا بِهِ عَلَى سَائِرِ صُوَرِ النُّشُوزِ
مَا يَكُونُ بِهِ نُشُوزُ الزَّوْجَةِ:
6- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَكُونُ بِهِ عَلَى نُشُوزِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ.فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا نَفَقَةَ لِلنَّاشِزَةِ لِفَوَاتِ التَّسْلِيمِ مِنْ جِهَتِهَا وَهُوَ النُّشُوزُ، وَالنُّشُوزُ قَدْ يَكُونُ فِي النِّكَاحِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْعِدَّةِ.
فَأَمَّا النُّشُوزُ فِي النِّكَاحِ فَهُوَ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنَ الزَّوْجِ بِغَيْرِ حَقٍّ خَارِجَةً مِنْ مَنْزِلِهِ، بِأَنْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَغَابَتْ أَوْ سَافَرَتْ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ فِي مَنْزِلِهِ وَمَنَعَتْ نَفْسَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لِحَقِّهِ مُنْتَفَعٌ بِهَا ظَاهِرًا وَغَالِبًا، فَكَانَ مَعْنَى التَّسْلِيمِ حَاصِلًا.
وَجَاءَ فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ: وَشَمَلَ النُّشُوزُ بِخُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِهِ الْخُرُوجَ الْحُكْمِيَّ، كَأَنْ كَانَ الْمُنْزِلُ لَهَا فَمَنَعَتْهُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا، فَهِيَ كَالْخَارِجَةِ مَا لَمْ تَكُنْ سَأَلَتْهُ النَّقْلَةَ- بِأَنْ قَالَتْ لَهُ: حَوِّلْنِي إِلَى مَنْزِلِكَ، أَوِ اكْتَرِ لِي مَنْزِلًا فَإِنِّي مُحْتَاجَةٌ إِلَى مَنْزِلِي هَذَا آخُذُ كِرَاءَهُ- فَلَهَا النَّفَقَةُ حِينَئِذٍ.
وَلَوْ كَانَ فِي الْمَنْزِلِ شُبْهَةٌ- كَبَيْتِ السُّلْطَانِ- فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ فَهِيَ نَاشِزَةٌ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ فِي زَمَانِنَا، بِخِلَافِ مَا إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ الْغَصْبِ لِأَنَّ السُّكْنَى فِي الْمَغْصُوبِ حَرَامٌ، وَالِامْتِنَاعَ عَنِ الْحَرَامِ وَاجِبٌ، بِخِلَافِ الِامْتِنَاعِ عَنِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَقُّ الزَّوْجِ الْوَاجِبُ.
وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، أَوْ عَكْسَهُ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِنَقْصِ التَّسْلِيمِ، قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: وَبِهِ عُرِفَ جَوَابُ وَاقِعَةٍ فِي زَمَانِنَا أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ مِنَ الْمُحْتَرِفَاتِ الَّتِي تَكُونُ بِالنَّهَارِ فِي مَصَالِحِهَا وَبِاللَّيْلِ عِنْدَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَجْهُهُ- كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ- أَنَّهَا مَعْذُورَةٌ لِاشْتِغَالِهَا بِمَصَالِحِهَا، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا لَا عُذْرَ لَهَا فَنَقْصُ التَّسْلِيمِ مَنْسُوبٌ إِلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ عَصَتْهُ وَخَرَجَتْ بِلَا إِذْنٍ كَانَتْ نَاشِزَةً مَا دَامَتْ خَارِجَةً، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهَا لَمْ تَكُنْ نَاشِزَةً
وَالنُّشُوزُ فِي الْعِدَّةِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِ الْعِدَّةِ مُرَاغَمَةً لِزَوْجِهَا، أَوْ تَخْرُجَ لِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهَا.وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ كَانَتْ تَبْذُو عَلَى أَحْمَائِهَا، فَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ أَبِي عَمْرٍو بْنِ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- تَسْتَفْتِيهِ فِي خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهَا، فَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى، فَأَبَى مَرْوَانُ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِي خُرُوجِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ بَيْتِهَا، وَقَالَ عُرْوَةُ: إِنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ» وَلِأَنَّ الْإِخْرَاجَ كَانَ لِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهَا، فَصَارَتْ كَأَنَّهَا خَرَجَتْ بِنَفْسِهَا مُرَاغَمَةً لِزَوْجِهَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مِمَّا يَكُونُ بِهِ نُشُوزُ الزَّوْجَةِ مَنْعُهَا زَوْجَهَا مِنَ الْوَطْءِ أَوِ الِاسْتِمْتَاعِ- فِي الْمَشْهُورِ- وَخُرُوجُهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا لِمَحَلٍّ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَأْذَنُ فِيهِ أَوْ لَا يُحِبُّ خُرُوجَهَا إِلَيْهِ، وَعَجَزَ الزَّوْجُ عَنْ مَنْعِهَا ابْتِدَاءً ثُمَّ عَنْ رَدِّهَا لِمَحَلِّ طَاعَتِهِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى مَنْعِهَا ابْتِدَاءً أَوْ عَلَى رَدِّهَا بِصُلْحِهَا أَوْ بِحَاكِمٍ فَلَا تَكُونُ نَاشِزًا، وَيَكُونُ النُّشُوزُ كَذَلِكَ بِتَرْكِهَا حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى كَالْغُسْلِ أَوِ الصَّلَاةِ أَوْ صِيَامِ رَمَضَانَ، وَبِإِغْلَاقِهَا الْبَابَ دُونَهُ، وَبِأَنْ تَخُونَهُ فِي نَفْسِهَا أَوْ مَالِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: مِمَّا يَكُونُ بِهِ نُشُوزُ الزَّوْجَةِ خُرُوجُهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا مِنَ الْمَنْزِلِ لَا إِلَى الْقَاضِي لِطَلَبِ الْحَقِّ مِنْهُ، وَلَا إِلَى اكْتِسَابِ النَّفَقَةِ إِذَا أَعْسَرَ بِهَا الزَّوْجُ، وَلَا إِلَى اسْتِفْتَاءٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا فَقِيهًا وَلَمْ يَسْتَفْتِ لَهَا، وَلَا إِلَى الطَّحْنِ أَوِ الْخُبْزِ أَوْ شِرَاءِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، أَوِ الْخَوْفِ مِنَ انْهِدَامِ الْمَنْزِلِ، أَوْ جَلَاءِ مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْجِيرَانِ فِي غَيْبَةِ الزَّوْجِ، أَوِ انْقِضَاءِ إِجَارَةِ الْمَنْزِلِ أَوْ رُجُوعِ مُعِيرِهِ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَتْ لِحَاجَتِهَا فِي الْبَلَدِ بِإِذْنِهِ كَأَنْ تَكُونَ بَلاَّنَةً أَوْ مَاشِطَةً أَوْ دَايَةً تُوَلِّدُ النِّسَاءَ، فَلَا تُعْتَبَرُ نَاشِزَةً بِذَلِكَ.
وَتَكُونُ الزَّوْجَةُ نَاشِزَةً كَذَلِكَ بِإِغْلَاقِهَا الْبَابَ فِي وَجْهِ زَوْجِهَا، وَعَدَمِ فَتْحِهَا الْبَابَ لِيَدْخُلَ وَكَانَ قَفْلُهُ مِنْهَا، وَبِمَنْعِهِ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ، وَحَبْسِهَا زَوْجَهَا، وَدَعْوَاهَا طَلَاقًا، وَكَوْنِهَا مُعْتَدَّةً عَنْ غَيْرِهِ كَوَطْءِ شُبْهَةٍ.
وَتَكُونُ نَاشِزَةً بِمَنْعِهَا الزَّوْجَ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا حَيْثُ لَا عُذْرَ، لَا مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ تَدَلُّلًا، وَيَدْخُلُ فِي الْمَنْعِ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي تَنْشُزُ بِهِ الْمَنْعُ مِنْ نَحْوِ قُبْلَةٍ- وَإِنْ مَكَّنَتْهُ مِنَ الْجِمَاعِ- حَيْثُ لَا عُذْرَ فِي امْتِنَاعِهَا مِنْهُ، فَإِنْ عُذِرَتْ كَأَنْ كَانَ بِهِ صُنَانٌ مُسْتَحْكِمٌ- مَثَلًا- وَتَأَذَّتْ بِهِ تَأَذِّيًا لَا يُحْتَمَلُ لَمْ تَعُدْ نَاشِزَةً، وَتُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إِنْ لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى كَذِبِهَا.
وَقَالُوا: إِنَّ شَتْمَ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا وَإِيذَاءَهَا لَهُ بِنَحْوِ لِسَانِهَا لَا يَكُونُ نُشُوزًا، بَلْ تَأْثَمُ بِهِ وَتَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ عَلَيْهِ.
وَيَكُونُ النُّشُوزُ كَذَلِكَ إِذَا دَعَا الزَّوْجُ نِسَاءَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ الَّذِي أَعَدَّهُ لِإِتْيَانِهِنَّ فِيهِ، فَتَمْتَنِعُ إِحْدَاهُنَّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَعَا إِحْدَاهُنَّ لِمَنْزِلِ ضَرَّتِهَا فَلَا يُعَدُّ امْتِنَاعُهَا نُشُوزًا، وَمَحَلُّ كَوْنِ امْتِنَاعِهَا نُشُوزًا عِنْدَ دُعَائِهَا لِمَنْزِلِهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ شَرِيفَةً، وَإِلاَّ فَلَا يُعَدُّ نُشُوزًا حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُهُ فِي بَيْتٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ فِيهِ عُدَّ ذَلِكَ نُشُوزًا.
وَتُعَدُّ الزَّوْجَةُ نَاشِزَةً إِذَا سَافَرَتْ بِدُونِ زَوْجِهَا بِلَا إِذْنِهِ، أَوْ بِإِذْنٍ لِغَيْرِ حَاجَتِهِ بِأَنْ كَانَ لِحَاجَتِهَا، أَوْ لِحَاجَةِ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ لِحَاجَتِهِمَا، أَوْ لَا لِحَاجَةٍ كَنُزْهَةٍ.
وَلَوْ سَافَرَتِ الزَّوْجَةُ مَعَ الزَّوْجِ- وَلَوْ بِلَا إِذْنٍ- فَلَا تَكُونُ نَاشِزَةً إِنْ لَمْ يَنْهَهَا، فَإِنْ نَهَاهَا كَانَتْ نَاشِزَةً، سَوَاءٌ أَقْدَرَ عَلَى رَدِّهَا أَمْ لَا.نَعَمْ، إِنِ اسْتَمْتَعَ بِهَا لَا تَكُونُ بَعْدَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا نَاشِزَةً؛ لِأَنَّ اسْتِمْتَاعَهُ بِهَا رِضًا بِمُصَاحَبَتِهَا لَهُ.
وَلَوِ ارْتَحَلَتْ لِخَرَابِ الْبَلَدِ وَارْتَحَلَ أَهْلُهَا، وَاقْتَصَرَتْ عَلَى قَدْرِ الضَّرُورَةِ لَا تُعَدُّ نَاشِزَةً.وَقَالُوا: مِنْ أَمَارَاتِ نُشُوزِ الزَّوْجَةِ قَوْلًا أَنْ تُجِيبَ زَوْجَهَا بِكَلَامٍ خَشِنٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ تُجِيبُهُ بِكَلَامٍ لَيِّنٍ، فَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ الْخَشِنُ عَادَتَهَا لَمْ يَكُنْ نُشُوزًا إِلاَّ إِنْ زَادَ. وَمِنْ أَمَارَاتِ نُشُوزِهَا فِعْلًا أَنْ يَجِدَ مِنْهَا إِعْرَاضًا وَعُبُوسًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلاَّ عَنْ كَرَاهَةٍ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ السَّبَّ وَالشَّتْمَ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِسُوءِ الْخُلُقِ، لَكِنْ لِلزَّوْجِ تَأْدِيبُهَا عَلَيْهِ وَلَوْ بِلَا حَاكِمٍ
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: أَمَارَاتُ النُّشُوزِ مِثْلُ أَنْ تَتَثَاقَلَ أَوْ تَتَدَافَعَ إِذَا دَعَاهَا لِلِاسْتِمْتَاعِ، وَلَا تَصِيرُ إِلَيْهِ إِلاَّ بِتَكَرُّهٍ وَدَمْدَمَةٍ، أَوْ تُجِيبُهُ مُتَبَرِّمَةً مُتَكَرِّهَةً، وَيَخْتَلُّ أَدَبُهَا فِي حَقِّهِ.
وَيَكُونُ نُشُوزُ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا بِأَنْ تَعْصِيَهُ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهَا مِنْ طَاعَةٍ، وَتَمْتَنِعَ مِنْ فِرَاشِهِ، أَوْ تَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ
أَثَرُ النُّشُوزِ عَلَى النَّفَقَةِ:
7- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي سُقُوطِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِنُشُوزِهَا.فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَحَمَّادٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ إِلَى أَنَّ النَّاشِزَ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ تَمْكِينِهَا لَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إِلَيْهِ، وَإِذَا مَنَعَهَا النَّفَقَةَ كَانَ لَهَا مَنْعُهُ التَّمْكِينَ، فَإِذَا مَنَعَتْهُ التَّمْكِينَ كَانَ لَهُ مَنْعُهَا مِنَ النَّفَقَةِ كَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ النَّفَقَةَ لَا تَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ، وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِأَنَّ نُشُوزَهَا لَا يُسْقِطُ مَهْرَهَا فَكَذَلِكَ نَفَقَتُهَا
وَلِلْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِسُقُوطِ النَّفَقَةِ بِالنُّشُوزِ تَفْصِيلٌ: قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا نَفَقَةَ لِلْنَاشِزَةِ لِفَوَاتِ التَّسْلِيمِ بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا وَهُوَ النُّشُوزُ.وَالنُّشُوزُ عِنْدَهُمْ نَوْعَانِ: نُشُوزٌ فِي النِّكَاحِ وَنُشُوزٌ فِي الْعِدَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَتَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ النَّفَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ لَا الْمُسْتَدَانَةُ فِي الْأَصَحِّ، أَيْ إِذَا كَانَ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةُ أَشْهُرٍ مَفْرُوضَةٌ ثُمَّ نَشَزَتْ سَقَطَتْ تِلْكَ الْأَشْهُرُ الْمَاضِيَةُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ فَاسْتَدَانَتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَسُقُوطُ الْمَفْرُوضَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ، أَمَّا الْمُسْتَدَانَةُ فَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي سُقُوطِهَا بِالْمَوْتِ، وَالْأَصَحُّ مِنْهُمَا عَدَمُ السُّقُوطِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهَا لَوْ عَادَتْ إِلَى بَيْتِهِ لَا يَعُودُ مَا سَقَطَ، وَهَلْ يَبْطُلُ الْفَرْضُ فَيَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِهِ بَعْدَ الْعَوْدِ إِلَى بَيْتِهِ أَمْ لَا؟ الظَّاهِرُ عَدَمُ بُطْلَانِهِ، لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي سُقُوطِ الْمَفْرُوضِ لَا الْفَرْضِ.
وَاتَّفَقَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ النَّاشِزِ لَا تَسْقُطُ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ لِلْحَمْلِ، وَكَذَا إِذَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً رَجْعِيًّا وَخَرَجَتْ بِلَا إِذْنٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنَ الْخُرُوجِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ نَفَقَةِ النَّاشِزِ فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ:
فَقَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ: إِنْ مَنَعَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا الْوَطْءَ أَوْ الِاسْتِمْتَاعَ بِغَيْرِ عُذْرٍ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا عَنْهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَنَعَتْهُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالُوا: تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا أَيْضًا إِنْ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ أَوْ مِنْ مَحَلِّ طَاعَتِهِ ظَالِمَةً بِلَا إِذْنٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهَا بِنَفْسِهِ أَوْ رَسُولِهِ أَوْ حَاكِمٍ يُنْصِفُ، وَكَانَ خُرُوجُهَا إِلَى مَكَانٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهَا ابْتِدَاءً، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى مَنْعِهَا وَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا.
وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ بَعْدَ التَّمْكِينِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ قَوْلِهِمْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِنُشُوزٍ- أَيْ خُرُوجٍ- عَنْ طَاعَةِ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ أَوْ قَدَرَ عَلَى تَسَلُّمِهَا، وَلَوْ بِمَنْعِ لَمْسٍ أَوْ نَظَرٍ بِنَحْوِ تَغْطِيَةِ وَجْهٍ لِغَيْرِ دَلَالٍ بِلَا عُذْرٍ، وَتَسْقُطُ نَفَقَةُ كُلَّ يَوْمٍ بِالنُّشُوزِ بِلَا عُذْرٍ فِي كُلِّهِ، وَكَذَا فِي بَعْضِهِ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ: هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَكِسْوَةُ الْفَصْلِ كَنَفَقَةِ الْيَوْمِ، وَلَا تَعُودُ بِعَوْدِهَا لِلطَّاعَةِ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ أَوِ اللَّيْلَةِ أَوِ الْفَصْلِ مَا لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
وَنُشُوزُ الْمَجْنُونَةِ وَالْمُرَاهِقَةِ كَالْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا إِثْمَ عَلَيْهِمَا.
وَلَوْ صَرَفَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ الْمُؤَنَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالنُّشُوزِ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ فَلَهُ الِاسْتِرْدَادُ، وَلَوْ تَصَرَّفَتْ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ.
وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ فِي سُقُوطِ نَفَقَةِ الْيَوْمِ كُلِّهِ بِالنُّشُوزِ فِي بَعْضِهِ: وَإِنَّمَا سَقَطَتِ النَّفَقَةُ لَهَا لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُسَلَّمُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَلَا تُفَرَّقُ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: النَّاشِزُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ تَمْكِينِهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إِلَى الزَّوْجِ، فَإِذَا مَنَعَهَا النَّفَقَةَ كَانَ لَهَا مَنْعُهُ مِنَ التَّمْكِينِ، فَإِذَا مَنَعَتْهُ التَّمْكِينَ كَانَ لَهُ مَنْعُهَا مِنَ النَّفَقَةِ كَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَهُ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِمَعْصِيَتِهَا، وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُعْطِيَهَا إِيَّاهَا إِذَا كَانَتْ هِيَ الْحَاضِنَةَ لَهُ أَوِ الْمُرْضِعَةَ لَهُ، وَكَذَلِكَ أَجْرُ إِرْضَاعِهَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إِلَيْهَا، لِأَنَّهُ أَجْرٌ مَلَكَتْهُ عَلَيْهِ بِالْإِرْضَاعِ، لَا فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَلَا يَزُولُ بِزَوَالِهِ.
عَوْدَةُ النَّفَقَةِ بِتَرْكِ النُّشُوزِ:
8- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ الْقَائِلُونَ بِسُقُوطِ النَّفَقَةِ بِالنُّشُوزِ إِلَى أَنَّ النَّاشِزَ إِذَا رَجَعَتْ عَنْ نُشُوزِهَا وَعَادَتْ إِلَى زَوْجِهَا، عَادَتْ نَفَقَتُهَا لِزَوَالِ الْمُسْقِطِ لَهَا.وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ.
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: النَّاشِزُ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا حَتَّى تَعُودَ إِلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَلَوْ بَعْدَ سَفَرِ الزَّوْجِ، فَلَوْ عَادَتْ إِلَى بَيْتِهِ بَعْدَمَا سَافَرَ خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا نَاشِزَةً، فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، فَتَكْتُبُ إِلَيْهِ لِيُنْفِقَ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ أَمْرَهَا لِلْقَاضِي لِيَفْرِضَ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةً، أَمَّا لَوْ أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لَهَا، لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إِلاَّ بِالْقَضَاءِ أَوِ الرِّضَا، فَتَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ بِدُونِ قَضَاءٍ وَلَا تَرَاضٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا سُكْنَى لِلْمُعْتَدَّةِ النَّاشِزَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ طَلَاقِهَا- كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ- أَمْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ- كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي- فَإِنْ عَادَتْ إِلَى الطَّاعَةِ عَادَ حَقُّ السُّكْنَى- كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي- وَقِيلَ: إِنْ نَشَزَتْ عَلَى الزَّوْجِ وَهِيَ فِي بَيْتِهِ فَلَهَا السُّكْنَى فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ خَرَجَتْ وَاسْتَعْصَتْ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا سُكْنَى لَهَا، وَيَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمَسْكَنِ فِي مُدَّةِ النُّشُوزِ وَإِنْ كَانَ لِزَوْجِهَا، وَلَهُ إِخْرَاجُهَا إِذَا نَشَزَتْ، وَيَجِبُ عَوْدُهَا إِذَا عَادَتْ.
وَلَوْ نَشَزَتْ فَخَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَغَابَ، ثُمَّ عَادَتْ بَعْدَ غَيْبَتِهِ فَأَطَاعَتْهُ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا زَمَنَ الطَّاعَةِ فِي الْأَصَحِّ لِانْتِفَاءِ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ: تَجِبُ لِعَوْدِهَا إِلَى الطَّاعَةِ، فَإِنْ رَفَعَتِ الْأَمْرَ إِلَى الْحَاكِمِ كَتَبَ إِلَى حَاكِمِ بَلَدِهِ يُعْلِمُهُ بِالْحَالِ، فَإِنْ عَادَ الزَّوْجُ أَوْ وَكِيلُهُ وَاسْتَأْنَفَ تَسَلُّمَ الزَّوْجَةِ عَادَتِ النَّفَقَةُ، وَإِنْ مَضَى زَمَنُ إِمْكَانِ الْعَوْدِ وَلَمْ يُوجَدْ عَادَتْ أَيْضًا.
وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوْ حَصَلَتْ غَيْبَةُ الزَّوْجِ قَبْلَ النُّشُوزِ. وَلَوْ نَشَزَتْ فِي الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ فَغَابَ، ثُمَّ أَطَاعَتْ، وَجَبَتِ النَّفَقَةُ بِمُجَرَّدِ إِطَاعَتِهَا- كَمُرْتَدَّةٍ أَسْلَمَتْ- لِأَنَّهُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا سَقَطَتْ نَفَقَةُ الْمَرْأَةِ لِنُشُوزِهَا فَعَادَتْ عَنِ النُّشُوزِ وَالزَّوْجُ حَاضِرٌ عَادَتْ نَفَقَتُهَا، لِزَوَالِ الْمُسْقِطِ لَهَا وَوُجُودِ التَّمْكِينِ الْمُقْتَضِي لَهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ تَعُدْ نَفَقَتُهَا حَتَّى يَعُودَ التَّسْلِيمُ بِحُضُورِهِ، أَوْ حُضُورِ وَكِيلِهِ، أَوْ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالْوُجُوبِ إِذَا مَضَى زَمَنُ الْإِمْكَانِ.
وَقَالُوا: إِنَّ النَّفَقَةَ سَقَطَتْ فِي النُّشُوزِ بِخُرُوجِهَا عَنْ يَدِهِ، أَوْ مَنْعِهَا لَهُ مِنَ التَّمْكِينِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهَا، وَلَا يَزُولُ ذَلِكَ إِلاَّ بِعَوْدِهَا إِلَى بَيْتِهِ وَتَمْكِينِهِ مِنْهَا، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي غَيْبَتِهِ، وَلِذَلِكَ لَوْ بَذَلَتْ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا فِي حَالِ غَيْبَتِهِ لَمْ تَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ بِمُجَرَّدِ الْبَذْلِ، كَذَا هُنَا
أَثَرُ النُّشُوزِ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ:
9- نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ وُجِدَ مَانَعُ الْوَطْءِ فِي الزَّوْجَةِ الْمُوْلَى مِنْهَا وَهُوَ حِسِّيٌّ، كَصِغَرٍ وَمَرَضٍ يَمْنَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْوَطْءَ، مَنْعَ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ، فَإِذَا زَالَ اسْتُؤْنِفَتْ، وَإِنْ حَدَثَ مَانِعٌ لِوَطْءٍ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ- كَنُشُوزِهَا فِيهَا- قَطَعَهَا لِامْتِنَاعِ الْوَطْءِ مَعَهُ، فَإِذَا زَالَ الْحَادِثُ اسْتُؤْنِفَتِ الْمُدَّةُ، إِذِ الْمُطَالَبَةُ مَشْرُوطَةٌ بِالْإِضْرَارِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ، وَقِيلَ: تُبْنَى عَلَى مَا مَضَى وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ الْعُذْرُ الْمَانِعُ مِنْ وَطْئِهَا مِنْ جِهَتِهَا، كَصِغَرِهَا وَمَرَضِهَا وَحَبْسِهَا، وَصِيَامِهَا وَاعْتِكَافِهَا الْفَرْضَيْنِ، وَإِحْرَامِهَا وَنِفَاسِهَا وَغَيْبَتِهَا وَنُشُوزِهَا وَجُنُونِهَا وَنَحْوِهِ كَالْإِغْمَاءِ عَلَيْهَا، وَكَانَ ذَلِكَ الْعُذْرُ مَوْجُودًا حَالَ الْإِيلَاءِ، فَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ زَوَالِهِ، لِأَنَّ الْمُدَّةَ تُضْرَبُ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ وَطْئِهَا، وَالْمَنْعُ هُنَا مَنْ قِبَلِهَا، وَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ طَارِئًا فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ اسْتُؤْنِفَتِ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ زَوَالِهِ، وَلَمْ تُبْنَ عَلَى مَاضٍ لقوله تعالى: {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا مُتَوَالِيَةٌ، فَإِذَا انْقَطَعَتْ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا كَمُدَّةِ الشَّهْرَيْنِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ إِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ الَّتِي حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، بَلْ أَرْبَعَةٌ فَأَقَلُّ، سَقَطَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَلَا تُبْنَى عَلَى مَا مَضَى إِذَا حَدَثَ عُذْرٌ مِمَّا سَبَقَ، كَمُدَّةِ الشَّهْرَيْنِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ إِذَا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ يَسْتَأْنِفُهُمَا.
أَثَرُ النُّشُوزِ فِي الْقَسْمِ لِلزَّوْجَةِ:
10- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ نُشُوزَ الزَّوْجَةِ يُسْقِطُ حَقَّهَا فِي الْقَسْمِ لَهَا مَعَ سَائِرِ الزَّوْجَاتِ، لِأَنَّهَا بِنُشُوزِهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا فِي الْقَسْمِ، فَإِنْ عَادَتْ إِلَى الْمُطَاوَعَةِ اسْتَأْنَفَ الزَّوْجُ الْقَسْمَ لَهَا مَعَ بَاقِي زَوْجَاتِهِ، وَلَمْ يَقْضِ لَهَا مَبِيتَهُ عِنْدَ ضَرَّتِهَا لِسُقُوطِ حَقِّهَا إِذْ ذَاكَ.
إِعْطَاءُ النَّاشِزَةِ مِنَ الزَّكَاةِ:
11- نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ النَّاشِزَةَ عَلَى زَوْجِهَا لَا تُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فَقِيرَةً لِقُدْرَتِهَا عَلَى الطَّاعَةِ حَالًا وَالرُّجُوعِ عَنِ النُّشُوزِ، فَتَكُونُ عِنْدَئِذٍ مَكْفِيَّةً بِنَفَقَةِ الزَّوْجِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا فَقِيرَةٌ، لِأَنَّهَا بِاكْتِفَائِهَا بِالنَّفَقَةِ مِنَ الزَّوْجِ غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ، كَالْمُكْتَسِبِ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ كِفَايَتِهِ.
وَالثَّانِي مُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ: يَجُوزُ إِعْطَاؤُهَا مِنَ الزَّكَاةِ نَظَرًا إِلَى أَنَّهَا لَا مَالَ لَهَا وَلَا كَسْبَ، وَيُمْنَعُ تَشْبِيهُهَا بِالْمُكْتَسِبِ.
مَشْرُوعِيَّةُ تَأْدِيبِ النَّاشِزَةِ وَوِلَايَةُ تَأْدِيبِهَا:
12- تَأْدِيبُ الزَّوْجَةِ النَّاشِزَةِ مَشْرُوعٌ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ «فِي سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ- رضي الله عنه-، نَشَزَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَلَطَمَهَا، فَجَاءَ بِهَا أَبُوهَا إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَفْرَشْتُهُ كَرِيمَتِي فَلَطَمَهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: اقْتَصِّي مِنْهُ، وَانْصَرَفَتْ مَعَ أَبِيهَا لِتَقْتَصَّ مِنْهُ، فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: ارْجِعُوا، هَذَا جِبْرِيلُ أَتَانِي، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا، وَالَّذِي أَرَادَ اللَّهُ خَيْرٌ، وَرَفَعَ الْقِصَاصَ». فَالْحَقُّ فِي تَأْدِيبِ الزَّوْجَةِ إِنْ نَشَزَتْ لِلْأَزْوَاجِ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ بَيَانٌ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وِلَايَةُ التَّأْدِيبِ لِلزَّوْجِ إِذَا لَمْ تُطِعْهُ- أَيِ الزَّوْجَةُ- فِيمَا يَلْزَمُ طَاعَتُهُ بِأَنْ كَانَتْ نَاشِزَةً، فَلَهُ أَنْ يُؤَدِّبَهَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا عُلِمَ أَنَّ النُّشُوزَ مِنَ الزَّوْجَةِ فَإِنَّ الْمُتَوَلِّي لِزَجْرِهَا هُوَ الزَّوْجُ إِنْ لَمْ يَبْلُغْ نُشُوزُهَا الْإِمَامَ، أَوْ بَلَغَهُ وَرَجَا إِصْلَاحَهَا عَلَى يَدِ زَوْجِهَا، وَإِلاَّ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَتَوَلَّى زَجْرَهَا.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَّى اللَّهُ تَعَالَى الْأَزْوَاجَ ذَلِكَ دُونَ الْأَئِمَّةِ، وَجَعَلَهُ لَهُمْ دُونَ الْقُضَاةِ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَلَا بَيِّنَاتٍ ائْتِمَانًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْأَزْوَاجِ عَلَى النِّسَاءِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: جَازَ لِلزَّوْجِ ضَرْبُ النَّاشِزَةِ، وَلَمْ يَجِبِ الرَّفْعُ لِلْحَاكِمِ لِمَشَقَّتِهِ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ رَدُّهَا إِلَى الطَّاعَةِ كَمَا أَفَادَهُ قوله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} وَخَصَّصَ الزَّرْكَشِيُّ ذَلِكَ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ تَعَيَّنَ الرَّفْعُ لِلْحَاكِمِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الزَّوْجُ الَّذِي لَهُ حَقُّ تَأْدِيبِ امْرَأَتِهِ يُمْنَعُ مِنْهُ إِذَا عُلِمَ مَنْعُهُ حَقَّهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهُ وَحَتَّى يُحْسِنَ عِشْرَتَهَا، لِأَنَّهُ يَكُونُ ظَالِمًا بِطَلَبِهِ حَقَّهُ مَعَ مَنْعِهَا حَقَّهَا.
وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (تَأْدِيب ف 3، 4، 7، 8 وَزَوْج ف 7).
مَا يَكُونُ بِهِ التَّأْدِيبُ لِلنُّشُوزِ:
13- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ تَأْدِيبُ امْرَأَتِهِ لِنُشُوزِهَا، وَعَلَى أَنَّ هَذَا التَّأْدِيبَ يَكُونُ بِالْوَعْظِ وَالْهَجْرِ فِي الْمَضْجَعِ وَالضَّرْبِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}.
وَلَهُمْ بَعْدَ هَذَا الْإِجْمَالِ تَفْصِيلٌ فِي كُلٍّ مِنَ الْوَعْظِ وَالْهَجْرِ فِي الْمَضْجَعِ وَالضَّرْبِ، عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أ- الْوَعْظُ:
14- الْوَعْظُ هُوَ: التَّذْكِيرُ بِمَا يُلَيِّنُ الْقَلْبَ لِقَبُولِ الطَّاعَةِ وَاجْتِنَابِ الْمُنْكَرِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ الْمُتَرَتِّبَيْنِ عَلَى طَاعَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ وَعْظِ الرَّجُلِ امْرَأَتُهُ إِنْ نَشَزَتْ، أَوْ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ نُشُوزِهَا، لقوله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ}.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَعْظَ- فِي الْحَالَاتِ الَّتِي يُشْرَعُ فِيهَا- مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الزَّوْجَ يَعِظُ امْرَأَتَهُ إِنْ نَشَزَتْ فِعْلًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ يَعِظُهَا إِذَا ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ نُشُوزِهَا.
وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: يَعِظُهَا عَلَى الرِّفْقِ وَاللِّينِ، بِأَنْ يَقُولَ لَهَا: كُونِي مِنَ الصَّالِحَاتِ الْقَانِتَاتِ الْحَافِظَاتِ لِلْغَيْبِ، وَلَا تَكُونِي مِنْ كَذَا وَكَذَا، وَيَعِظُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُذَكِّرُهَا مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا مِنْ حُسْنِ الصُّحْبَةِ وَجَمِيلِ الْعِشْرَةِ لِلزَّوْجِ وَالِاعْتِرَافِ بِالدَّرَجَةِ الَّتِي لَهُ عَلَيْهَا، وَيُحَذِّرُهَا عِقَابَ الدُّنْيَا بِالضَّرْبِ وَسُقُوطِ الْمُؤَنِ، وَعِقَابَ الْآخِرَةِ بِالْعَذَابِ، وَيَقُولُ لَهَا: اتَّقِ اللَّهَ فِي الْحَقِّ الْوَاجِبِ لِي عَلَيْكِ، وَيُبَيِّنُ لَهَا أَنَّ النُّشُوزَ يُسْقِطُ الْقَسْمَ، فَلَعَلَّهَا تُبْدِي عُذْرًا أَوْ تَتُوبُ عَمَّا وَقَعَ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَذْكُرَ لَهَا قَوْلَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» وَقَوْلُهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: أَيُّمَا امْرَأَةٍ عَبَسَتْ فِي وَجْهِ زَوْجِهَا إِلاَّ قَامَتْ مِنْ قَبْرِهَا مُسْوَدَّةَ الْوَجْهِ وَلَا تَنْظُرُ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبَرَّهَا وَيَسْتَمِيلَ قَلْبَهَا بِشَيْءٍ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ، إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ».
وَقَالُوا: إِنْ رَجَعَتْ بِالْوَعْظِ إِلَى الطَّاعَةِ وَالْأَدَبِ حَرُمَ مَا بَعْدَ الْوَعْظِ مِنَ الْهَجْرِ وَالضَّرْبِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
22-الغريبين في القرآن والحديث (عجم)
(عجم)قوله تعالى: {ولو نزلناه على بعض الأعجمين} جمع أعجم وهو الذي في
لسانه عجمة، وقال أبو بكر: قال الفراء: وهو قول أحمد بن يحيى: الأعجم والعجمي بمعنى واحد، وقال غيره الأعجم والأعجمي الذي لا يفصح، والعجمي المنسوب إلى العجم، وإن كان فصيحا، وقوله: {أأعجمي وعربي} أي أقرآن أعجمي ونبي عربي، وفي الحديث: (العجماء جبار) أراد بال
وفي حديث أم سلمة: (نهانا أن نعجم النوى طبخا) وهو أن يبالغ في نضجه حتى يتفتت وتفسد قوته التي يصلح معها للدواجن، والعجم النوى محرك الجيم، والعجم الغض، بسكون الجيم، وفي الحديث: (حتى صعدنا إحدى عجمتي بدر) هي الرمل المشرف على ما حوله: وفي الحديث: (ما
كنا نتعاجم أن ملكا ينطق على لسان عمر- رضي الله عنه-) أي نكني ونوري فكل من لم يفصح بشيء فقد أعجمه، وفي حديث طلحة قال لعمر- رضي الله عنهما: (لقد جرستك الدهور وعجمتك البلايا) أي خبرتك، يقال: عجمت الرجل إذا أخبرته وعجمت العود إذا غضضته لتنظر أصلب هو أم رخو
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
23-المعجم الغني (أسَاسٌ)
أسَاسٌ- الجمع: أُسُسٌ. [أسس]:1- "وَضَعُوا أَسَاسَ الجِدَارِ": أَصْلَهُ، دِعَامَتَهُ، قَاعِدَتَهُ. "أسَاسُ البِنَاءِ" "أَسَاسُ العَمَلِ الصِّدْقُ".
2- "جَاءَ بِأخْبَارٍ لَا أَسَاسَ لَهَا مِنَ الصِّحَّةِ": غَيْرِ مَوْثُوقٍ بِهَا.
3- "عَلَى أَسَاسِ تَجْرِبَتِهِ أَخْبَرْتُهُ": بِنَاءً عَلَى..
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
24-المعجم الغني (بُجْرَةٌ)
بُجْرَةٌ- الجمع: بُجَرٌ.: السُّرَّةُ.1- "ذَكَرَ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ": ذَكَرَ عُيُوبَهُ ظاهِرَها وَباطِنَها.
2- "أطْلَعْتُهُ عَلَى عُجَرِي وَيُجَرِي": أخْبَرْتَهُ بأسْرَاري.
3- "أشكُو إلَى اللَّهِ عُجَري وَبُجَرِي": أحْزَانِي وَهُمُومِي.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
25-المعجم الغني (بَشَرَ)
بَشَرَ- [بشر]، (فعل: ثلاثي. لازم ومتعدٍّ. مزيد بحرف)، بَشَرْتُ، أَبْشُرُ، اُبْشُرْ، المصدر: بَشْرٌ، بِشْرٌ.1- "بَشَرَ بِهِ": فَرِحَ بِهِ، سُرَّ بِهِ. "سَيَبْشُرُ إِذا أَنْتَ أَخْبَرْتَهُ بِالنَّبَإ السَّارِّ".
2- "بَشَرَ أَهْلُهُ بِنَجاحِهِ": فَرَّحَهُمْ بِهِ.
3- "بَشَرَ الأديمَ بَشْرًا": قَشَرَ وَجْهَهُ. 4"بَشَرَهُ بِوَجْهٍ مُتَهَلِّلٍ": لَقِيَهُ بِهِ.
5- "بَشَرَ الجرادُ الأرْضَ": أَكَلَ ما عَلَيْها مِنَ النَّباتِ.
6- "بَشَرَ الأَمْرَ": اِهْتَمَّ بِهِ.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
26-الأفعال المتداولة (أَبْلَغَ)
أَبْلَغَهُ: أَبْلَغْتُ زيدًا الخبرَ. (أخبرته، أوصلت اليه الخبر)الأفعال المتداولة-محمد الحيدري-صدر: 1423هـ/2002م
27-الأفعال المتداولة (أَعْلَمَ [إيّاه أو به])
أَعْلَمَهُ [إيّاه أو به]: أَعْلَمْتُ زيدا الخبر أو بالخبر. (أخبرته به)الأفعال المتداولة-محمد الحيدري-صدر: 1423هـ/2002م
28-الأفعال المتداولة (قَالَ [له])
قَالَهُ [له]: قُلْتُ لأبي: سأسافر غدا. (أخبرته، خاطبته بخبر)الأفعال المتداولة-محمد الحيدري-صدر: 1423هـ/2002م
29-تاج العروس (ثوب)
[ثوب]: ثَابَ الرَّجُلُ يَثُوبُ ثَوْبًا وثَوَبَانًا: رجع بَعْدَ ذَهَابِهِ، ويُقَالُ: ثَابَ فُلَانٌ إِلى اللهِ وتَابَ، بالثَّاءِ والتَّاءِ، أَيْ عَادَ وَرَجَعَ إِلى طَاعَته، وكذلك أَثَابَ بمَعْنَاهُ، ورَجُلٌ تَوَّابٌ أَوَّابٌ ثَوَّابٌ مُنِيبٌ بِمَعْنًى وَاحد، وثَابَ النَّاسُ: اجْتَمَعُوا وجَاءُوا، وثَابَ الشيءُ ثَوْبًا وثُؤُوبًا أَيْ رَجَعَ، كَثَوَّبَ تَثْوِيبًا، أَنْشَدَ ثَعْلَبٌ لرَجُلٍ يَصِفُ سَاقيَيْنِ:إِذَا اسْتَرَاحَا بَعْدَ جَهْدٍ ثَوَّبَا
ومن المَجَازِ: ثَابَ جِسْمُهُ ثَوَبَانًا، مُحَرَّكَةً، وأَثَابَ: أَقْبَلَ، الأَخيرَةُ عن ابنِ قُتَيْبَةَ، وأَثَابَ الرَّجُلُ: ثَابَ إِلَيْهِ جِسْمُهُ وصَلَحَ بَدَنُهُ، وأَثَابَ اللهُ جِسْمَهُ، وفي التهذيب: ثَابَ إِلى العَليلِ جِسْمُهُ، إِذا حَسُنَتْ حَالُهُ بَعْدَ نُحُوله ورَجَعَتْ إِلَيْهِ صِحَّتُهُ. ومن المَجَازِ: ثَابَ الحَوْضُ يَثُوبُ ثَوْبَا وثُؤُوبًا: امْتَلأَ أَوْ قَارَبَ، وأَثَبْتُهُ أَنَا، قَالَ:
قَدْ ثَكِلَتْ أُخْتُ بَنِي عَدِيِّ *** أُخَيَّهَا في طَفَلِ العَشِيِّ
إِنْ لَمْ يَثُبْ حَوْضُكِ قَبْلَ الرِّيِّ
ومن المَجَازِ الثَّوَابُ بمَعْنَى العَسَلِ أَنْشَدَ ابْنُ القَطَّاعِ:
هِيَ أَحْلَى مِنَ الثَّوَابِ إِذَا مَا *** ذُقْتُ فَاهَا وبَارِئِ النَّسَمِ
والثَّوابُ: النَّحْلُ لأَنَّها تَثُوبُ قَالَ سَاعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ:
مِنْ كُلِّ مُعْنِقَةٍ وكُلِّ عطَافَةٍ *** مِنْهَا يُصَدِّقُها ثَوَابٌ يَرْعَبْ
وفي الأَسَاس: ومِنَ المَجَازِ: سُمِّيَ خَيْرُ الرِّيَاحِ ثَوَابًا، كَمَا سُمِّيَ خَيْرُ النَّحْلِ [وهو العسل] ثَوَابًا، يُقَالَ: أَحْلَى مِنَ الثَّوَابِ، والثَّوَابُ: الجَزَاءُ، قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرُهُ كالأَزْهَرِيِّ أَنَّهُ مُطْلَقٌ في الخَيْرِ والشَّرِّ لَا جَزَاءُ الطَّاعَةِ فَقَطْ، كَمَا اقْتَصَر عَلَيْهِ الجَوْهَرِيّ، واسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفّارُ} وقد صَرَّحَ ابنُ الأَثِيرِ في النهاية بأَنَّ الثَّوَابَ يَكُونُ في الخَيْرِ والشَّرِّ، قَالَ، إِلَّا أَنَّهُ فِي الخَيْرِ أَخَصُّ وأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا، قُلْتُ: وكذَا في لسان العرب.
ثُمَّ نقل شَيْخُنا عن العَيْنِيِّ في شرْح البُخَارِيِّ: الحَاصلُ بأُصُول الشَّرْع والعبَادَاتِ: ثَوَابٌ، وبالكَمَالاتِ: أَجْرٌ لأَنَّ الثَّوَابَ لُغَةً بَدَلُ العَيْنِ، والأَجْرُ بَدَلُ المَنْفَعَة، إِلى هُنَا وَسَكَتَ عَلَيْهِ، مع أَنَّ الذِي قاله من أَنَّ الثَّوَابَ لُغَةً بَدَلُ العَيْنِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ في الأُمَّهَاتِ اللُّغَوِيَّةِ فَلْيُعْلَمْ ذلكَ، كَالمَثُوبَةِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ} والمَثْوَبَةِ قال اللِّحْيَانِيُّ: أَثَابَه اللهُ مَثُوبَةً حَسَنَةً، ومَثْوَبَةٌ بِفَتْحِ الواوِ شَاذُّ، ومنه قَرَأَ مَنْ قَرأَ {لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ} وأَثَابَهُ اللهُ يُثِيبُهُ إِثَابَةً: جَازَاهُ، والاسْمُ الثَّوَابُ، ومنْهُ حَدِيثُ ابْنِ التَّيِّهَان: «أَثِيبُوا أَخَاكُمْ» أَيْ جَازُوهُ على صَنِيعِهِ وقد أَثْوَبَهُ اللهُ مَثُوبة حَسَنَةً ومَثْوَبَةً، فَأَظْهَرَ الوَاوَ عَلى الأَصْل، وقال الكلَابيُّونَ: لا نَعرِف المَثْوَبَةَ ولكن المَثَابةَ وكذا ثَوَّبَهُ اللهُ مَثُوبَتَهُ: أَعْطاهُ إِيَّاها وثَوَّبهُ من كذَا: عَوَّضَهُ.
ومَثَابُ الحَوْضِ وثُبَتُهُ: وَسَطُه الذي يَثُوبُ إِليه الماءُ إِذا اسْتُفْرِغَ.
والثُّبَةُ: مَا اجْتَمَعَ إِليهِ المَاءُ في الوَادِي أَو في الغَائِطِ، حُذِفَتْ عَيْنُهُ، وإِنَّمَا سُمِّيَتْ ثُبَةً لِأَنَّ المَاءَ يَثُوبُ إِلَيْهَا، والهَاءُ عِوَضٌ عن الوَاوِ الذّاهِبَةِ من عَيْنِ الفِعْلِ، كما عَوَّضُوا من قَوْلِهِمْ أَقَامَ إِقَامَةً، كَذَا في لسان العرب، ولم يَذْكُر المُؤَلِّفُ ثُبَة هنا، بل ذكره فِي ثَبي مُعْتَلِّ اللَّامِ، وقد عَابُوا عَلَيْه في ذلك، وذكرهُ الجَوْهَرِيّ هنا، ولكنْ أَجَادَ السَّخَاوِيُّ في سِفْرِ السَّعَادَةِ حَيْثُ قال: الثُّبَةُ: الجَمَاعَةُ فِي تَفَرُّقٍ، وهي مَحْذُوفَةُ اللَّامِ، لأَنَّهَا من ثَبَيْتُ أَي جَمَعتُ، وَوَزْنُهَا على هذا فُعَةٌ، والثُّبَةُ، أَيْضًا: وَسَطُ الحَوْضِ، وهُو مِن ثَابَ يَثُوبُ، لأَنَّ المَاءَ يَثُوبُ إِليها أَي يَرْجِعُ، وهِي مَحْذُوفَةُ العَيْنِ وَوَزْنُهَا فُلَةٌ. انْتَهَى، نقله شَيْخُنَا.
قُلْتُ: وأَصْرَحُ مِن هذَا قَوْلُ ابْنِ المُكَرَّمِ رَحِمَهُ اللهُ: الثُّبةُ: الجمَاعةُ مِنَ النَّاسِ ويُجْمَعُ عَلَى ثُبًى، وقد اختلَفَ أَهْلُ اللَّغَةِ فِي أَصْلِهِ فَقَال بَعْضُهُمْ: هي من ثَابَ أَي عَادَ ورجعَ، وكان أَصْلُهَا ثُوَبَةً، فَلَمَّا ضُمَّتِ الثاءُ حُذِفَتِ الوَاو، وتَصْغِيرُهَا ثُوَيْبَةٌ، ومن هذا أُخِذَ ثُبَةُ الحَوْضِ وهو وَسَطَهُ الذي يَثُوبُ إِليه بَقِيَّةُ المَاءِ وقولِهِ عزّ وجلّ: {فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} قال الفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ فانْفِرُوا عُصَبًا إِذَا دُعيتُمْ إِلى السَّرَايا أَو دُعيتُمْ لتَنْفِرُوا جَمِيعًا، ورُويَ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ سَلَّامٍ سأَلَ يُونُسَ عن قَوْلِهِ عزّ وجلّ: {فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} قال: ثُبَةٌ وثُبَاتٌ أَي فرْقَةٌ وفِرَقٌ، وقال زُهَيْرٌ:
وَقَدْ أَغْدُو عَلَى ثُبَة كِرَامٍ *** نَشَاوَى وَاجِدِينَ لمَا نَشَاءُ
قال أَبو مَنْصُورٍ: الثُّبَاتُ: جَمَاعَاتٌ في تَفْرِقَةٍ، وكلُّ فِرْقَة: ثُبَةٌ، وهَذَا مِن ثاب، وقال آخَرُونَ: الثُّبَةُ من الأَسْمَاءِ النَّاقِصَةِ، وهو في الأَصْل ثُبَيَة، فالسَّاقطُ لَامُ الفعْلِ في هذا القَوْلُ وأَما في القول الأَولِ فالسّاقِطٌ عَيْنُ الفِعْلِ، انْتَهَى، فإِذا عَرَفْتَ ذلك عَلمْتَ أَنَّ عَدَمَ تَعَرُّض المُؤَلِّفِ لِثُبَةٍ بمعْنَى وَسَطِ الحَوْضِ في ثَابَ غَفْلَةٌ وقُصُورٌ.
وَمَثَابُ البِئرِ: مَقَامَ السَّاقِي مِنْ عُرُوشهَا على فَمِ البِئْرِ، قال القُطَامِيُّ يَصفُ البِئرَ وتَهَوُّرَهَا:
وَمَا لِمَثَابَاتِ العُرُوشِ بَقِيَّةٌ *** إِذَا اسْتُلَّ مِنْ تَحْتِ العُرُوشِ الدَّعَائِمُ
أَوْ مَثابُ البِئْرِ: وَسَطُهَا، ومَثَابَتُهَا: مَبْلَغُ جُمُومِ مَائِهَا، ومَثَابَتُهَا: مَا أَشْرَفَ مِن الحِجَارَةِ حَوْلَهَا يَقُومُ عليها الرَّجُلُ أَحْيَانًا كَيْلَا يُجَاحِفَ الدَّلْوَ أَو الغَرْبَ أَو مَثَابَةُ البِئرِ: طَيُّهَا، عن ابْنِ الأَعْرَابيِّ، قال ابنُ سِيدَهْ: لَا أَدْرِي أَعَنَى بِطَيِّهَا مَوْضِعَ طَيِّهَا أَمْ عَنَى الطَّيَّ الَّذي هو بِنَاؤُهَا بِالحِجَارَةِ، قال: وقَلَّمَا يَكُونُ المَفْعَلَةُ مَصْدَرًا، والمَثَابَةُ: مُجْتَمَعُ النَّاسِ بَعْدَ تَفَرُّقِهم، كالمَثَابِ ورُبَّمَا قالوا لِمَوْضِع حِبَالَةٍ الصّائِدِ مَثَابَةٌ، قال الرَّاجِزُ:
حَتَّى مَتَى تطَّلعُ المَثَابَا *** لَعَلَّ شَيْخًا مُهْتَرًا مُصَابًا
يَعْنِي بالشَّيْخِ الوَعِلَ. والمَثَّابَةُ: المَوْضِعُ الَّذِي يُثَابُ إِلَيْه أَي يُرْجَعُ إِليه مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، ومنه قولُه تَعَالَى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَأَمْنًا} وإِنَّمَا قيلَ للْمَنْزِلِ مَثَابَةٌ لِأَنَّ أَهْلَهُ يَتَصَرَّفُونَ في أُمُورِهم ثُمَّ يَثُوبُونَ إِليهِ، والجَمْعُ المَثَابُ، قال أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: الأَصْلُ في مَثَابَة مَثْوَبَةٌ، ولكن حَرَكَة الواوِ نُقِلَتْ إِلى الثاء وتَبِعَتِ الواوُ الحَرَكَةَ فَانْقَلَبَتْ أَلفًا، قال: وهذا إِعْلَالٌ بِاتِّبَاع بَابِ ثَابَ، وقِيلَ المَثَابَةُ والمَثَابُ وَاحدٌ، وكذلك قال الفَرَّاءُ: وأَنشد الشَّافِعَيُّ بَيْتَ أَبي طَالِبٍ:
مَثَابًا لِأَفْنَاءِ القَبَائِلِ كُلِّهَا *** تَخُبُّ إِلَيْهَا اليَعْمَلَاتُ الذَّوَامِلُ
وقال ثَعْلَبٌ: البَيْتُ: مَثَابَةٌ، وقال بَعْضُهُمْ: مَثُوبَةٌ، ولَمْ يُقْرَأْ بها.
قلتُ: وهَذَا المَعْنَى لم يَذْكُرْهُ المُؤَلِّفُ مع أَنَّهُ مَذْكُورٌ في الصّحاحِ، وهو عَجِيبٌ، وفي الأَساس: ومنَ المَجَازِ: ثَابَ اليه عَقْلُهُ وحِلْمُهُ، وجَمَّتْ مَثَابَةُ البِئْرِ، وهي مُجْتَمَعُ مَائهَا وبِئرٌ لَهَا ثائِبٌ أَيْ مَاءٌ يَعُودُ بَعْدَ النَّزْح وقَوْمٌ لهم ثَائِبٌ، إِذا وَفَدُوا جَمَاعَةً إِثْرَ جَمَاعَةٍ. وثَابَ مَالُهُ: كَثُرَ واجْتَمَعَ، والغُبَارُ: سَطَعَ وكَثُرَ. وثُوِّبَ فُلانٌ بعد خَصَاصةٍ. وجَمَّتْ مَثَابَةُ جَهْلِهِ: اسْتحْكَمَ جَهْلُهُ، انتهى، وفي لسان العرب: قال الأَزِهريُّ وسَمِعْتُ العَرَبَ تَقُولُ: الكَلأُ بِمَوْضع كَذَا وكَذَا مِثْلُ ثَائبِ البَحْرِ، يَعْنُونَ أَنَّهُ غَضٌّ رَطْبٌ كَأَنَّهُ مَاءُ البَحْرِ إِذَا فَاضَ بَعْدَ جَزْر. وثَابَ أَي عَادَ ورَجَعَ إِلى مَوْضِعِهِ الَّذِي كَانَ أَفْضَى إِليه، ويُقَالُ: ثَابَ مَاءُ البِئرِ، إِذَا عَادَتْ جُمَّتُهَا، وما أَسْرَعَ ثَائِبَهَا، وثَابَ المَاءُ إِذا بَلَغَ إِلى حاله الأَوَّلِ بَعْدَ ما يُسْتَقَى، وثَابَ القَوْمُ: أَتَوْا مُتَوَاترِينَ، وَلَا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ، وفي حَدِيث عُمَرَ رَضِي اللهُ عنه: «لَا أَعْرِفَنَّ أَحَدًا انْتَقَصَ من سُبُلِ الناسِ إِلى مَثَابَاتِهِمْ شَيْئًا» قال ابنُ شُمَيْل إِلى مَنَازِلِهِمْ، الوَاحِدُ مَثَابَة، قال: والمَثَابَةُ: المَرْجِعُ، والمَثَابَةُ: المُجْتَمَعُ، والمَثَابَة: المَنْزِلُ، لأَنَّ أَهْلَهُ يَثُوبُونَ إِليه أَي يَرْجِعُونَ، وأَرَادَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه: لَا أَعْرِفَنَّ أَحَدًا اقْتَطَعَ شَيْئًا مِنْ طُرِقِ المُسْلمينَ وأَدْخَلَهُ دَارَه. وفي حَدِيثِ عَمْرِو بنِ العَاص: «قِيلَ له فِي مَرَضهِ الذي مَاتَ فيه: كَيْفَ تَجِدُك؟ قال: أَجِدُنِي أَذُوبُ وَلَا أَثُوبُ» أَي أَضْعُف ولا أَرْجِعُ إِلى الصِّحَّة. وعن ابن الأَعرابيّ: يُقَالُ الأَسَاس البَيْت: مَثَابَات، ويُقَالُ لتُرَابِ الأَسَاسِ: النَّثِيلُ، قَالَ: وثَابَ إِذَا انْتَبَه، وآبَ، إِذَا رَجَعَ، وتابَ إِذَا أَقْلَعَ. والمَثَابُ طَيُّ الحجَارَة يَثُوبُ بَعْضُها على بَعْض من أَعْلَاهُ إِلى أَسْفَله، والمَثَابُ: المَوْضعُ الَّذي يَثُوبُ منه المَاءُ، ومنه: بِئرٌ مَا لَهَا ثَائبٌ، منه المَاءُ، كذا في لسَان العَرَبِ.
والتَّثْوِيبُ: التَّعْوِيضُ يُقَالُ ثَوَّبَهُ مِن كَذَا: عَوَّضَهُ، وقدْ تَقَدَّمَ، والتَّثْوِيبُ الدُّعَاءُ إِلَى الصَّلاة وغَيْرهَا، وأَصْلُه أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا جاءَ مُسْتَصْرخًا لَوَّحَ بِثَوْبِهِ ليُرى وَيَشْتَهِرَ، فكان ذلك كالدُّعَاءِ، فسُمِّيَ الدُّعَاءُ تَثْوِيبًا لِذلك، وكُلَّ داعٍ مُثَوِّبٌ، وقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَ الدُّعَاءُ تَثْوِيبًا من ثَابَ يَثُوبُ إِذا رَجَعَ، فهو رُجُوعٌ إِلى الأَمْرِ بالمُبَادَرَةِ إِلى الصَّلاةِ، فإِنَّ المُؤَذِّنَ إِذا قال: حَيَّ على الصَّلاةِ، فَقَدْ دَعَاهُمْ إِليهَا، فإِذا قال بَعْدَهُ: الصَّلاةُ خَيْرٌ مِن النَّوْمِ، فقد رَجَعَ إِلى كَلَامٍ مَعْنَاهُ المُبَادَرَةُ إِليها، أَو هو تَثْنِيَةُ الدُّعَاءِ أَو هو أَنْ يَقُولَ في أَذَانِ الفَجْرِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِن النَّوْمِ، مَرَّتَيْن، عَوْدًا على بَدْءٍ، ورَدَ في حَدِيثِ بِلَال: «أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أَنْ لا أُثَوِّبَ في شَيْءٍ من الصَّلاةِ إِلَّا في صَلَاةِ الفَجْرِ، وهو قَوْلُهُ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ من النَّوْمِ، مَرَّتَيْنِ. والتَّثْوِيبُ: الإِقَامَةُ أَي إِقَامَةُ الصَّلَاةِ جَاءَ في الحَديث: «إِذا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَأْتُوهَا وعَلَيْكُمُ السَّكينَةُ والوَقَارُ» قال ابْنُ الأَثير: التَّثْويبُ هُنَا: إِقَامَةُ الصَّلَاةِ. والتَّثْوِيبُ الصَّلَاةُ بَعْدَ الفَرِيضَة حَكَاهُ يُونُسُ، قَالَ: ويُقال: تَثَوَّبَ إِذَا تَطَوَّعَ أَي تَنفَّلَ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ؛ أَي الفَرِيضَةِ وَلَا يَكُونُ التَّثْوِيبُ إِلَّا بَعْدَ المَكْتُوبَةِ، وهو العَوْدَ للصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ. وتَثَوَّبَ: كَسَبَ الثَّوَابَ قال شَيْخُنَا: وَجَدْتُ بِخَطِّ والدي: هذا كُلُّه مُوَلَّد لا لُغَوِيٌّ.
والثَّوْبُ: اللِّبَاسُ مِن كَتَّانٍ وقُطْن وصُوفٍ وخَزٍّ وفِرَاءٍ وغَيْرَ ذلكَ ولَيْسَتِ السُّتُورُ مِن اللِّبَاسِ، وقَرَأْتُ فِي مُشْكِل القُرْآنِ لابْنِ قُتَيْبَةَ: وقد يَكْنُونَ بِاللِّبَاسِ والثوْبِ عَمَّا سَترَ وَوَقَى، لأَنَّ اللِّبَاسَ والثَّوْبَ سَاتِرَانِ وَواقِيَان قَال الشَّاعرُ:
كَثَوْبِ ابْنِ بَيْض وَقَاهُمْ بِهِ *** فَسَدَّ عَلَى السَّالِكِينَ السَّبِيلَا
وسيأْتِي في «ب ى ض». الجمع: أَثْوُبٌ، وبَعْضُ العَرَبِ يَهْمِزُهُ فيقولُ أَثْؤُبٌ لاسْتثْقَالِ الضَّمَّةِ على الوَاوِ، والهَمْزَةُ أَقْوَى على احْتِمَالِهَا منها، وكذلك دَارٌ وأَدْؤُرٌ، وسَاقٌ وأَسْؤُقٌ وجَمِيعُ ما جَاءَ على هذا المِثَالِ، قَالَ مَعْرُوفُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:
لِكُلِّ دَهْرٍ قَدْ لَبِسْتُ أَثْؤُبَا *** حَتَّى اكْتَسَى الرَّأْسُ قِنَاعَا أَشْيَبَا
أَمْلَحَ لَا لَذًّا وَلَا مُحَبَّبَا
ولعَلَّ «أَثْؤُب» مَهْمُوزًا سَقط من نُسْخَةِ شَيْخِنَا فَنَسَبَ المُؤلِّفَ إِلى التَّقْصِيرِ والسَّهْوِ، وإِلَّا فهو مَوْجُودٌ في نُسْخَتِنَا المَوْجُودَةِ، وفي التَّهْذِيب: وثَلَاثَةُ أَثْوُبٍ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، حُمِلَ الصَّرْفُ فيها على الواو التي في الثَّوْبِ نَفْسِهَا، والواوُ تَحتملُ الصَّرْفَ من غير انْهِمَازٍ، قال: ولو طُرِحَ الهَمْزُ من أَدْؤُر أَو أَسْؤُق لجاز، على أَنْ تُرَدَّ تلك الأَلفُ إِلى أَصْلِها، وكان أَصلُها الواو، وأَثْوَابٌ، وثِيَابٌ، ونقل شيخُنَا عن رَوْضِ السُّهَيْلِيِّ، أَنه قد يُطْلَقُ الأَثْوَابُ على لَا بِسيهَا، وأَنْشَدَ:
رَمَوْهَا بأَثْوَابٍ خِفَافٍ فَلَا تَرَى *** لَهَا شَبَهًا إِلَّا النَّعَامَ المُنَفَّرَا
أَي بأَبْدَان. قلت: ومثْلُه قولُ الراعي:
فَقَامَ إِليها حبْتَرٌ بسِلَاحِهِ *** وللهِ ثَوْبَا حَبْتَرٍ أَيِّمَا فَتَى
يريدُ ما اشتمل عليه ثَوْبَا حَبْتَرٍ من بَدَنِه، وسيأْتي.
وبَائِعُه وصَاحِبُه: ثَوَّابٌ، الأَوَّلُ عَنْ أَبي زيد، قال شيخنا: وعلى الثاني اقتصر الجوهريّ، وعَزَاه لسيبويهِ، قلت: وعلى الأَول اقتصرَ ابن المُكَرَّمِ في لسان العرب، حيث قال: ورَجُلٌ ثَوَّابٌ، للذِي يَبِيعُ الثِّيَابَ، نَعَمْ قال في آخِرِ المادّة: ويُقَالُ لصاحب الثِّيَابِ: ثَوَّابٌ.
وأَبُو بَكْرٍ محمدُ بنُ عُمَرَ الثِّيَابِيُّ البُخَارِيُّ المَحَدِّثُ، رَوَى عنه مُحَمَّد وعمرُ ابْنَا أَبِي بكرِ بنِ عُثْمَانَ السِّنْجِيّ البخاريّ، قاله الذهبيّ، لُقِّب به لأَنّه كان يَحْفَظُ الثِّيَابَ في الحَمَّامِ كالحُسين بن طَلْحةَ النَّعَّالِ، لُقِّب بالحَافِظِ لحفظه النِّعَالَ، وثَوْبُ بنْ شَحْمَةَ التَّمِيمِيُّ، وكان يُلَقَّب مُجِيرَ الطَّيْرِ، وهو الذي أَسَر حَاتِمَ طَيِّئٍ زعموا، وثَوْبُ بنُ النَّارِ شَاعرٌ جاهليٌّ، وثوبُ بن تَلْدَةَ بفتح فسكون مُعَمَّرٌ له شِعرٌ يومَ القَادِسيَّةِ وهو من بني وَالِبَةَ.
ومن المَجَازِ: لِلّه ثَوْبَاهُ، كما تقول: لِلّه تِلَادُهُ أَي لِلّه دَرُّهُ، وفي الأَساس: يريدُ نَفْسَه ومن المجاز أَيضًا: اسْلُلْ ثِيَابَكَ مِن ثَيَابِي: اعْتَزلْنِي وفَارِقْنِي، وتَعلَّقَ بِثِيَابِ اللهِ: بأَسْتَارِ الكَعْبَةِ، كذَا في الأَساس.
وثَوْبُ المَاءِ، هو السَّلَى والغِرْسُ، نقله الصَّاغَانيّ، وقولهم وَفِي ثَوْبَيْ أَبِي، مُثَنًّى، أَنْ أَفِيَهُ، أَيْ في ذِمَّتِي وذمَّةِ أَبي، وهذَا أَيضًا من المجاز، ونقله الفرّاءُ عن بَني دُبَيْرٍ، وفي حديث الخُدْرِيِّ لمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ دَعَا بثيَاب جُدُدٍ فَلَبِسَهَا، ثم ذَكَرَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّه قال: «إِنَّ المَيِّتَ لَيُبْعَثُ وفي رواية: يُبْعثُ فِي ثِيابِه التي يَمُوتُ فيها» قال الخَطَّابِيُّ: أَمَّا أَبُو سَعيد فقد استعملَ الحديثَ على ظاهرِه، وقد رُوِيَ في تَحْسِينِ الكَفَنِ أَحاديثُ، وقد تأَوَّلَه بعضُ العلماءِ على المعنى فقال: أَيْ أَعْمَاله التي يُخْتَمُ له بها، أَو الحالة التي يَمُوتُ عليها من الخَيْر والشَّرِّ، وقد أَنكرَ شيخُنَا على التأْوِيل والخروجِ به عن ظاهرِ اللفظِ لغيرِ دليل، ثمّ قال: على أَنّ هذا كالذي يُذْكَر بعده ليس من اللغة في شيء، كما لا يخفى، وقوله عزّ وجلّ: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ قال ابنُ عبّاس: يقول: لَا تَلْبَسْ ثِيَابَكَ على مَعْصِيَةٍ ولا على فُجُورٍ، واحتجَّ بقول الشاعر:
وإِنّي بِحَمْدِ اللهِ لَا ثَوْبَ غَادِر *** لَبِسْتُ وَلَا مِنْ خَزْيةٍ أَتَقَنَّعُ
قيلَ: قَلْبَكَ، القَائِلُ: أَبو العبّاس، ونقل عنه أَيضًا: الثِّيَابُ: اللِّبَاسُ، وقال الفرّاء؛ أَي لَا تَكُنْ غادِرًا فتُدَنِّسَ ثِيابَكَ، فإِنّ الغادرَ دَنسُ الثِّيابِ، ويقال: أَي عَمَلَكَ فَأَصْلِحْ، ويقال: أَي فَقَصِّرْ، فإِنّ تَقصيرَها طُهْرٌ، وقال ابنُ قتيبةَ في مشكلِ القرآن: أَي نَفْسَكَ فَطَهِّرْهَا من الذُّنُوبِ، والعَرَبُ تَكْنِي بالثِّيَابِ عن النفْس لاشتمالها عليها، قالت لَيْلَى وذَكَرَت إِبلا:
رَمَوْهَا بِأَثْوَاب خِفَافِ فَلَا تَرَى
البَيْتُ قد تقدَّم، وقال:
فَسُلِّي ثِيَابِي عَنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ
وفُلَانٌ دَنِسُ الثِّيَابِ، إِذَا كَان خَبِيثَ الفِعْلِ والمَذْهَبِ خبيثَ العِرْض قال امرؤُ القيس:
ثِيَابُ بَنِي عَوْف طَهَارَى نَقِيَّةٌ
وَأَوْجُهُهُمْ بِيضُ المَشَافِرِ غُرَّانُ
وقال آخر:
لَا هُمَّ إِنَّ عَامِرَ بْن جهْمِ *** أَوْذَمَ حَجًّا في ثِيَابٍ دُسْمٍ
أَي مُتَدَسِّم بالذُّنُوبِ، ويقولون: قَوْمٌ لِطَافُ الأُزْرِ أَي خِمَاصُ البُطُونِ، لأَنَّ الأَزُرَ تُلاثُ عليها، ويقولون: فِدًا لَكَ إِزَارِي؛ أَي بَدَنِي، وسيأْتِي تحقيقُ ذلك.
وسَمَّوْا ثَوْبًا وثُوَيْبًا وثَوَابًا كسَحَابِ وثَوَابَةَ كسَحَابَةٍ وثَوْبَانَ وثُوَيْبَةَ، فالمُسَمَّى بثَوْبَانَ في الصَّحَابة رَجُلَانِ: ثَوْبَانُ بنُ بُجْدُدٍ مَوْلَى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وثَوْبَانُ أَبو عبدِ الرحمن الأَنْصَارِيُّ، حَدِيثُه في إِنْشَادِ الضَّالَّةِ، وثَوْبَانُ: اسْمُ ذِي النُّونِ الزَّاهِدِ المِصْرِيّ، في قول عن الدَّارَقُطْنِيِّ، وثَوْبَانُ بن شَهْرِ الأَشْعَرِيُّ، يَرْوِي المَرَاسِيلَ، عِدَادُه في أَهلِ الشأْمِ، وثُوَيْبٌ أَبُو رشيدٍ الشامِيُّ.
وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبٍ، مُرْضِعَةُ رسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ومرضعة عمِّه حمزةَ، رضي الله عنه، قال ابنُ مَنْدَة: إِنَّهَا أَسلمتْ، وأَيَّده الحافظ ابنُ حَجَر.
وَمَثْوَبُ كمَقْعَدٍ: بلد باليَمَنِ، نقله الصاغانيّ.
وثُوَبُ كزُفَرَ، وفي نسخة كصُرَدٍ ابنُ مَعْنٍ الطَّائِيُّ، من قُدماءِ الجاهليّةِ، وهو جَدُّ عَمْرِو بنِ المُسَبِّح بنِ كَعْب، وزُرْعَةُ بنُ ثُوَبَ المُقْرِيءُ تابعيٌّ، كذَا في النسخ، والصواب المُقْرَائِيّ قاضي دِمَشْقَ بعدَ أَبي إِدريسَ الخَوْلَانِيِّ وَعَبْدُ الله ابنُ ثُوَبَ أَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلَانِيُّ اليَمَانِيُّ الزاهدُ: ويقال: هو ابن ثَوَابٍ ويقال: أَثْوَبَ، سَكنَ بِدَارِيَّا الشَّام، لَقِيَ أَبَا بكرٍ الصدِّيقَ، وَرَوَى عن عوفِ بنِ مالكِ الأَشجعيِّ، وعنه أَبُو أُدْرِيسَ الخَوْلَانِيُّ، كذا في التهذيب للمِزّيّ وجُمَيْحُ، بالحَاءِ المهملة مُصَغَّرًا، هكذا في النسخ، والصَّوَاب: جَمِيعُ بالعين، كأَمير، والحَاء تصحيفٌ أَو هو جُمَيْعُ بالعين المهملة مُصَغَّرًا ابْنُ ثُوَبَ، عن خالدِ بن مَعْدَانَ، وعنه يحيى الوُحَاظِيّ وَزَيْدُ بنُ ثُوَبَ رَوَى عنه يوسفُ بنُ أَبي حَكِيمٍ مُحَدِّثُونَ. وفَاتَه ثُوَبُ بنُ شريد اليافِعيّ، شَهِدَ فتْحَ مِصْرَ.
وأَبُو سَعْد الكَلَاعِيُّ، اسمُه عبدُ الرحمن بنُ ثُوَبَ، وغيرُهُمَا والحارِثُ بن ثُوَبَ، أَيضًا كزُفَرَ لَا أَثْوَبَ بالأَلف وَوَهِمَ فيه الحافظُ عَبْدُ الغَنِيّ المَقْدِسِيُّ، خَطَّأَهُ ابن مَاكُولَا، وهو تَابِعيّ، رأَى عليًّا رضي الله عنه وأَثْوَبُ بنُ عُتْبةَ، مقبولٌ، مِنْ رُوَاة حَدِيثِ الدِّيكِ الأَبْيَضِ، وقيل: له صُحْبَة، ولا يَصِحُّ، رَوَاهُ عنه عبدُ الباقي بنُ قانع في مُعجمه، وفَاتَه: أُثْوَبُ بن أَزْهَرَ، أَخُو بني جَنَاب، وهو زَوْجُ قَيْلَةَ بنتِ مَخْرَمَةَ الصَّحَابِيَّةِ، ذَكره ابنُ مَاكُولَا.
وثَوَابٌ اسمُ رَجُلُ كَان يُوصَف بالطَّوَاعِيَةِ، ويُحْكَى أَنه غَزَا أَو سَافَرَ، فانقطع خبرُه، فَنَذَرَتِ امرأَتُه لَئنِ اللهُ رَدَّهُ إِليها لَتَخْرِمَنَّ أَنْفَهُ أَي تجعل فيه ثُقْبًا وتَجْنُبَنَّ أَي تَقُودَنَّ بِهِ وفي نسخة: تَجِيئَنَّ به إِلى مَكَّةَ، شُكْرًا للهِ تعالى، فلما قَدِمَ أَخْبَرَتْهُ به، فقال لهَا: دُونَكِ بمَا نَذَرْتِ، فقِيلَ: أَطْوَعُ مِنْ ثَوَاب، قال الأَخْنَسُ بنُ شِهَابٍ:
وكُنْتُ الدَّهْرَ لَسْتُ أُطِيعُ أَنْثَى *** فَصِرْتُ اليوْمَ أَطْوَعَ مِنْ ثَوَابِ
ومن المجاز: الثَّائِبُ: الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ التي تَكُونُ في أَوّلِ المَطَرِ.
وفي الأَساسِ: نَشَأَتْ مُسْتَثَابَاتُ الرِّيَاح: وهي ذَوَاتُ اليُمْنِ والبَرَكَةِ التي يُرْجَى خَيْرُهَا، سُمِّيَ خَيْرُ الرِّيَاحِ ثَوَابًا كمَا سُمِّيَ خَيْرُ النَّحْلِ، وهو العَسَلُ، ثَوَابًا، والثَّائِبُ مِن البَحْرِ ماؤهُ الفَائِضُ بَعْدَ الجَزْرِ، تقول العَرَبُ: الكَلأُ بِمَوْضِعِ كَذَا مِثْلُ ثَائِبِ البَحْرِ: يَعْنُونَ أَنَّه غَضٌّ طَرِيٌّ، كأَنَّهُ مَاءُ البَحْرِ إِذَا فَاضَ بَعْدَ مَا جَزَرَ.
وثَوَّابُ بنُ عُتْبَةَ المَهْرِيّ البَصْرِيّ كَكَتَّانٍ: مُحَدِّثٌ عن ابن بُرَيْدَةَ، وعنه أَبُو الوَلِيدِ، والحَوْضِيُّ.
وثَوَّابُ بنُ حُزَابَةَ، كدُعَابة له ذِكْرٌ، وابنه قُتَيْبَةُ بن ثَوَّاب له ذِكْر أَيضًا.
وثَوَابٌ، بالتَّخفيف: جَمَاعَةٌ من المُحَدِّثين. واسْتَثَابَه: سَأَله أَنْ يُثِيبَهُ أَي يُجَازِيَه. ويقال: ذَهَبَ مالُ فلانٍ فاستَثابَ مالًا؛ أَي اسْتَرْجَعَه، وقال الكُمَيْت:
إِنَّ العَشِيرَةَ تَسْتَثِيبُ بمالِه *** فتُغِيرُ وهو مُوَفِّرٌ أَمْوالَها
وأَثَبْتُ الثَّوْبَ إِثَابَةً إِذا كَفَفْتَ مَخَايِطَه، ومَلَلْتُه: خِطْتُه الخِيَاطَةَ الأُولَى بغيرِ كَفٍّ.
وعمُودُ الدِّينَ لا يُثَابُ بالنِّسَاءِ إِنْ مَال؛ أَي لا يُعَادُ إِلى استِوائه، كذا في لسان العرب.
وثُوَيْبٌ كزُبيرٍ، تابِعِيٌّ مُحَدِّثٌ وهُمَا اثنانِ، أَحَدُهُمَا كَلَاعِيٌّ يُكنَى أَبا حامِدٍ شيْخٌ، روى عن خالد بن مَعْدَانَ وآخَرُ بِكَاليٌّ حِمْصِيٌّ، يكنى أَبا رَشيد، روى عن زيدِ بن ثابتٍ، وعنه أَبو سَلَمَةَ، وزِيَادُ بن ثُوَيْبٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ، مقبولٌ، من الثالثة، وأَبو مُنْقِذٍ عبدُ الرحمن بن ثَوَيْب، تابِعِيَّانِ، وحيث إِنَّهُمَا تَابِعِيَّانِ كان الأَليَقُ أَن يقولَ: تابِعيُّونَ، لأَن اللَّذَيْنِ تقدَّمَا تابعيَّانِ أَيضًا، فتأَمّلْ.
وثَوْبَانُ بن شِهْمِيلٍ بطن من الأَزْد.
وأَبُو جَعْفَر الثَّوَابِيُّ محمدُ بن إِبرَاهِيم البِرْتيّ الكاتب: مُحَدِّثٌ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
30-تاج العروس (بجر)
[بجر]: البُجْرَةُ، بالضَّمّ: السُّرَّةُ من الإِنسان والبَعِيرِ عَظُمَتْ أَم لا، كذا في المُحْكَم.والبُجْرَةُ: العُقْدَةُ في البَطْنِ خاصَّةً، وقيل: هي العُقْدَةُ تكونُ في الوَجْهِ والعُنُقِ، وهي مثلُ العُجْرَةِ، عن كُرَاع، وهو مَجازٌ.
وابنُ بُجْرَةَ كَانَ خَمّارًا بالطّائفِ ويُروَى فيه بالفتح، قال أَبو ذُؤَيْبٍ:
فلوْ أَنَّ ما عندَ ابنِ بُجْرَةَ عندَها *** مِن الخَمْرِ لم تَبْلُلْ لَهَاتِي بناطِلِ
وعبدُ الله بن عمر بنِ بُجْرَةَ القُرَشِيُّ العَدَوِيُّ صحابيُّ، أَسلَمَ يومَ الفَتْحِ، وقُتِلَ باليَمامة، وعُقْبَةُ بنُ بَجَرَة ـ محرَّكة تابعيُّ مِن بَنِي تُجِيبَ، سَمِع أَبا بكرٍ الصِّدِّيقَ، وشَبِيبُ بنُ بَجَرَةَ، محرَّكَةً، شارَكَ عبدَ الرحمنِ بنَ مُلْجَمٍ، لَعَنَه الله تعالى، في دَمِ أميرِ المُؤمنينَ ويَعْسُوبِ المسلمينَ، عليٍّ بنِ أَبي طالبٍ كَرَّمَ اللهُ وجهَه ورَضِيَ عنه.
ومن المَجاز: ذَكَرَ فلانٌ عُجَرَه وبُجَرَه، كزُفَر فيهما أَيْ عُيُوبَه. وأَفْضَى إِليه بعُجَرِه وبُجَرِه؛ أَي بعُيَوبِه، يَعْنِي أَمْرَه كُلَّه وقال الأَصمعيُّ في باب إِسرارِ الرَّجل إِلى أَخيه ما يَستُرُه عن غيره: أَخبرتُه بعُجَرِي وبُجَرِي؛ أَي أَظهرْتُه مِن ثِقَتِي به على مَعَايِبِي.
قال ابن الأَعرابيِّ: إِذا كانتْ في السُّرَّة نَفْخَةٌ فهي بُجْرَةٌ، وإِذا كانت في الظَّهْرِ فهي عُجْرَةٌ، قال: ثم يُنقَلانِ إِلى الهُموم والأَحزانِ؛ قال: ومعنى قولِ عليّ كَرَّم الله وَجهَه: «أَشْكُو إِلى الله عُجَرِى وبُجَرِي؛ أَي هُمُومِي وأَحْزَاني وغُمُومي. وقال ابنُ الأَثِير: وأَصلُ العُجْرَةِ نَفْخَةٌ في الظَّهْرِ، فإذا كانت في السُّرَّة فهي بُجْرَةٌ. وقيل: العُجَرُ: العُرُوقُ المُتَعَقِّدَةُ في الظَّهْر، والبُجَرُ: العُرُوقُ المُتَعَقِّدَةُ في البَطْن؛ ثم نُقِلَا إِلى الهُمُوم والأَحزان؛ أَراد أَنّه يشكُو إِلى الله تعالَى أُمْورَه كلَّها ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ.
وفي حديث أُمِّ زَرْع: «إِنْ أَذْكُرْه أَذْكُرْ عُجَرَهُ وبُجَرَه»؛ أَي أُمُورَهُ كلَّهَا بادِيَها وخَافِيَهَا، وقيل: أَسرارهَ وقيل: عُيُوبَه.
وسيأْتي في موضع الجمع: ر بأَبسطَ مِن هذا.
والأَبْجَرُ: الذي خَرَجَتْ سُرَّتُه وارتَفَعَتْ وصَلُبَتْ. وقال ابن سِيدَه: وبَجَرَ بَجْرًا، وهو أَبْجَرُ، إِذا غَلُظَ أَصلُ سُرَّتِه فالْتَحَمَ مِن حيثُ دَقَّ، وبَقِيَ في ذلك العَظْمِ رتجٌ والمرأَةُ بَجْراءُ واسمُ ذلك الموضعِ: البَجَرَةُ والبُجْرَةُ.
والأَبْجَرُ: العظيمُ البَطْنِ. وقد بَجِرَ كفَرِحَ فيهما، الجمع: بُجْرٌ وبُجْرانٌ، وأَنشدَ ابنُ الأَعرابيِّ:
فلا تَحْسَبُ البُجْرَانُ أَنْ دِماءَنَا *** حَقِينٌ لهم في غيرِ مَرْبُوبَةٍ وُقْرِ
والأَبْجَرُ: حَبْلُ السَّفِينَةِ، لِعظَمِه في نَوعِ الحِبَال.
والأَبْجَرُ: فَرَسُ الأَمير عَنْتَرَةَ بنِ شَدّادٍ العَبْسِيِّ، وله فيه أَشعارٌ قد دُوِّنَتْ.
وأَبْجَرُ اسمُ رَجُل، هو ابنُ حاجِرٍ، سُمِّيَ بالأَبْجَرِ: حَبْلِ السَّفِينة. وجَدُّ عبدِ الملَك بنِ سَعِيد بنِ حبّانَ الكنَانِيِّ، ذَكَرَه الحافظُ ابنُ حَجَرٍ.
والبُجْرُ، بالضمِّ: الشَّرُّ، والأَمْرُ العظيمُ، قاله أَبو زَيْد. والبُجْرُ: العَجَبُ. وقال هُجْرًا وبُجْرًا؛ أَي أمْرًا عَجَبًا.
وأَنشدَ الجوهريُّ قولَ الشاعر:
أَرْمِي عليها وهو شَيْءٌ بُجْرُ *** والقَوْسُ فيها وَتَرٌ حِبَجْرُ
استشهدَ به على أَنّ البُجْرَ هو الشَّرُّ والأَمرُ العظيمُ.
وقال غيرُه: البُجْرُ: الدّاهِيَةُ، والأَمْرُ العَظِيمُ، ويُفْتَحُ، ومنهحديثُ أَبي بكرٍ رضي الله عنه: «إِنّمَا هو الفَجْرُ أَو البَجْرُ»؛ أَي إِن انتظرتَ حتى يُضِيءَ الفَجْرُ أَبصرتَ الطَّرِيقَ، وإن خَبَطْتَ الظَّلْمَاءِ أَفْضَتْ بكَ إِلى المَكْرُوه، ويُرْوَى: «البَحْرُ» بالحاءِ؛ يُريدُ غَمَراتِ الدُّنيا، شَبَّهَها بالبَحْرِ لِتَحَيُّرِ أَهلِها فيها.
وفي حديث عليٍّ رَضِيَ الله تَعَالَى عنه: «لم آت لا أَبَا لَكُمْ بُجرًا». الجمع: أباجِرُ، جج؛ أَي جَمْع الجمع أَباجيرُ. وعن أَبي عَمْرٍو: ويقال: إِنه لَيجِئُ بالأَباجِيرِ، وهي الدَّواهِي، قال الأَزهريُّ: فكأَنَّهَا جَمْعُ بُجْرٍ وأَبْجَارٍ، ثم أَباجِيرُ جَمْعُ الجَمْعِ.
وأَمْرُ بُجْرٌ: عظيمٌ، وجمعُه أَباجِيرُ كأَباطِيلَ، عن ابن الأَعرابيِّ، وهو نادرٌ.
والبُجْرِيُّ والبُجْرِيَّةُ بضمِّهما: الدّاهِيَةُ، كالبُجْرِ، بضمَّ، ويُفْتَح، كما في الصّحاح والرَّوض للسُّهَيلِيّ.
الجمع: البُجاري، بالضَّمِّ وفَتْحِ الرّاء. وقال أَبو زَيْد: لَقِيتُ منه البَجَارِيّ؛ أَي الدَّواهِيَ، واحدُهَا بُجْريُّ، مثلُ قُمْرِيٍّ وقَمَارِيّ، وهو الشَّرُّ والأَمْرُ العظيمُ.
وبَجِرَ الرَّجلُ ـ كفَرِحَ ـ بَجَرًا، فهو بَجِرٌ، ومَجِرَ مَجَرًا: امتلأَ بطنُه من اللَّبَنِ الخالص والماءِ ولم يَرْوَ، مثلُ نَجِرَ.
وقال اللِّحْيَانِيُّ: هو أَن يُكْثِرَ مِن شُرْبِ الماءِ أَو اللَّبَنِ ولا يكادُ يَرْوَى، وهو بَجِرٌ مَجِرٌ نَجِرٌ.
وتَبَحَّرَ النَّبِيذَ: أَلَحَّ في شُرْبِه، منه.
وكَثِيرٌ بَجِيرٌ، إِتْبَاعٌ والبَجِيرُ: المالُ الكثيرُ، قاله أَبو عَمْرٍو. ومكان عَمِيرٌ بَجِيرٌ كذلك.
وفي نَوَادرِ الأَعراب: يقال: بَجِرْتُ عنه، أَيْ عن هذا الأَمْرِ، بِالْكَسْرِ، وابْجَارَرْتُ كمَجِرْتُ، وابْثارَرْتُ وابثاجَحْتُ؛ أَي اسْتَرْخَيْتُ وتَثاقَلْتُ. والبَجْرَاءُ: الأَرضُ المرتفعةُ، وفي الحديث: «أَنّه بَعَثَ بَعْثًا فأَصبحُوا بأَرْضٍ بَجْرَاءَ»؛ أَي مرتفعة صُلْبَةٍ. وفي حديثٍ آخَرَ: «أَصبَحْنَا بأَرْضٍ عَرُوبَةٍ بَجْرَاءَ».
وقيل: هي التي لا نَبَاتَ بها.
والبجَرَاتُ ـ محرَّكة ـ أَو البُجَيْرَاتُ: مياهٌ في جَبَلِ شَوْرَانَ المُطِلِّ على عَقِيق المدينةِ، قال ياقوتٌ في المُعْجَم: وهي مِن مِياه السّمَاءِ، يجوزُ أَن يكونَ جمع بجْرَة وهو عِظَمُ البَطْنِ، ونقلَه الصاغانيُّ أَيضًا في التكملة.
وعن ابن الأَعرابيِّ: الباجِرُ: المُنْتَفِخُ الجَوْفِ، والهِرْدَبَّةُ: الجَبَانُ.
وقال الفَرّاءُ: الباحِرُ، بالحاء: الأَحمقُ، قال الأَزهريُّ: وهذا غيرُ الباجِرِ، ولكلٍّ معنىً.
وقال الفَرّاءُ أَيضًا: البَجْرُ والبَجَرُ: انتفاخُ البَطْنِ، وفي صِفَةِ قُرَيْشٍ: «أَشِحَّةٌ بَجَرَةٌ»، وهي جمعُ باجِرٍ، وهو العظيمُ البَطْنِ، يقال: بَجِرَ يَبْجَرُ بَجَرًا، فهو باجِرٌ وأَبْجَرُ؛ وصَفَهم بالبَطَانَةِ ونُتُوِّ السُّرَرِ، ويجوزُ أَن يكونَ كنايةً عن كَنْزِهم الأَموالَ واقتنائِهم لها، وهو أَشبهُ بالحديثِ، لأَنه قَرَنَه بالشُّحِّ، وهو أَشَدُّ البُخْلِ.
وباجَر، كهاجَرَ: صَنَمٌ عَبَدتْه الأَزْدُ ومَنْ جاوَرَهُم مِن طَيِّءٍ في الجاهِليَّة، ويُكسَر، واقتَصَر عليه ابنُ دُرَيْدٍ، وقد جاءَ ذِكْرُه في حديث مازِنٍ، ويُرْوَى بالحَاء المُهْمَلَة أَيضًا.
وبُجَيْرٌ ـ كزُبَيْرٍ ـ ابنُ أَوْسٍ الطّائِيُّ، عَمُّ عُرْوَةَ بنِ مُضَرِّس. وبُجَيْرُ بنُ زُهَيْر بنِ أَبي سُلْمَى رَبِيعَةَ بنِ رِيَاحٍ المُزَنيُّ، وأَخو كَعْبٍ، الشاعرَانِ المُجِيدَان. وبُجَيْرُ بنُ بَجْرَةَ، بالفتح الطائيّ، له ذِكْرٌ في قتال أَهلِ الرِّدَّةِ وأَشعارٌ، وفي غَزْوةِ أَكَيْدرِ دُومَةَ. وبُجَيْرُ ابنُ أَبي بُجَيْر العَبْسيُّ، حَليفُ بني النَّجَّار، شَهِدَ بَدْرًا وأُحُدًا. وبُجَيْرُ بنُ عِمْرَانَ الخُزَاعِيُّ، له شِعرٌ في فَتْح مكَّةَ، ذَكَرَه أَبو عليٍّ الغَسَّانيُّ.
وبُجَيْرُ بنُ عبدِ الله بنِ مُرَّةَ، يقال سَرَقَ عَيْبَةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَه ابنُ عبد البَرِّ: صَحابِيُّونَ وفاتَه: بُجَيْرٌ الثَّقَفيُّ، وبجراةُ بنُ عامر: صَحابِيّان.
ومُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ محمّدِ بن بُجَيْرٍ الحافظُ، هكذا في سائر النُّسَخ، والذي صَحَّ أَن الحافظَ صاحبَ المُسْنَدِ هو أَبو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ محمّدِ بنِ بُجَيْرٍ، مات سنة 311، أَحدُ أَئمَّةِ خُراسانَ، كَتَبَ وصَنَّفَ وخَرَّجَ على صَحِيح البُخَاريّ، ذَكَرَه السّمْعَانِيُّ وغيرُه، وأَبو محمّدِ بنُ بُجَيْرِ بن حازمِ بن راشد الهَمْدانِيُّ النَّجّارِيُّ السُّغْدِيُّ، عن أَبي الوَلِيد الطَّيَالِسيِّ، وابنُه أَبو الحسنِ محمّدُ بنُ عُمَرَ بنِ محمّد، له رحْلةٌ، حَدَّثَ عن مُعَاذِ بنِ المُثَنَّى، وبِشْرِ بن موسى، وخَلْقٍ، وحَدَّث عنه أَبوه بحَدِيثَيْنِ في مُسْنَدِه، تُوُفِّيَ سنةَ 345.
وَحَفِيدُه أَحمدُ بنُ عُمَرَ، هكذا في سائر النُّسَخ والصحيحُ حَفِيدُه أَحمدُ بنُ محمّدِ بنِ عُمَرَ أَبو العباس، رَوَى عن جَدِّه، وعنه عبدُ الصَّمَد بنُ نَصْرٍ العاصِمِيُّ، ومنصورُ بنُ محمّدٍ البَيّاعُ، مات سنةَ 372، ذَكَرَه الأَمِيرُ. والمُطَهَّرُ بنُ أَبِي نِزَارٍ أَبو عُمَرَ، البُجَيْرِيّانِ، مُحَدِّثانِ، وفي نسخَة مُحَدِّثُون. قلتُ: الأَخِيرُ أَصْبَهَانِيُّ حدَّث عن أَبيه وابن المقرى، وعنه مَعْمَرُ اللّبْنَانيُّ، وابنُه أَبو سعدٍ أَحمدُ بنُ المطهَّرِ، رَوَى عن جَدِّه، وعنه يحيى بنُ مَنْدَهْ. قلت: والمطهَّرُ هذا كنيتُه أَبو عمرٍو، والدُه أَبو نِزار، هو محمّدُ بنُ عليِّ بنِ محمّدِ بن أَحمدَ بنِ بُجَيْرٍ البُجَيْرِيُّ، عن أَبي عليٍّ العَسْكَرِيِّ، وعنه ابنُه المطهَّرُ، ذَكَرَه ابنُ نُقْطَةَ، نَقَلَه عنه الحافظُ.
وفاته:
عبدُ الرزّاقِ بنُ سَلْهَب بنِ عُمَر البُجَيْرِيُّ، رَوَى عن أَبي عبدِ الله بن منده، وكذا أَخوه عُمَر بنُ سَلْهب، وأَبو الطّاهر محمّدُ بنُ أَحمدَ بنِ عبدِ الله بنِ نَصْرِ بنِ بُجَيْرٍ البُجَيْرِيُّ الذُّهْلِيُّ البغداديُّ، رَوَى عنه الدَّارَقُطْنِيّ، ومحمّدُ بنُ عليٍّ بنِ أَحمدَ بنِ بُجَيْرِ بن أَزْهَرَ بنِ بُجَيْرٍ البُجَيْرِيُّ العَنْبَرِيُّ التَّمِيمِيُّ، محدِّثُ كثيرُ السَّمَاعِ واسعُ الرِّوايةِ.
* وممّا يُسْتَدرَكُ عليه:
أَبْجَرَ الرَّجلُ، إِذا اسْتَغْنَى، غِنىً يكادُ يُطْغِيه بعدَ فَقْرٍ كاد يُكَفَّرُه.
وأَبْجَرُ وبُجَيْرٌ: اسمانِ، وأَنشدَ ابنُ الأَعرابِيِّ:
ذَهَبَتْ فَشِيشَةُ بالأَباعِرِ حَوْلَنَا *** سَرَقًا فَصُبَّ على فَشِيشَةَ أَبْجَرُ
قال الأَزهريُّ: يجوزُ أَن يكونَ رجلًا، وأَن يكونَ قبيلَةً، وأَن يكونَ من الأُمُورِ البَجَارِي؛ أَي صُبَّتْ عليهم داهيةٌ، وكلُّ ذلك يكونُ خَبَرًا، ويكون دُعاءً. قلْت: والمُرَاد بالقَبِيلةِ هنا هو خُدْرَةُ جَدُّ القبيلة المشهورَةِ من الأَنصار؛ فإِنَّ لَقَبَه الأَبْجَرُ.
ومن أَمثالِهم: «عَيَّرَ بُجَيْرٌ بُجَرَه، ونَسِيَ بُجَيْرٌ خَبَرَه»، يَعْنِي عُيُوبَه. وقال الأَزهريُّ: قال المُفَضَّل: بُجَيْرٌ وبُجَرَةُ كانا أَخَوَيْنِ في الدَّهْرِ القديمِ، وذَكَرَ قِصَّتَهما، قال: والذي عليه أَهلُ اللُّغَة أَنَّ ذا بُجْرَةٍ في سُرَّتِه عَيَّرَ غيرَه بما فيه، كما قِيل في امرأَة عَيَّرتْ أُخْرَى بعَيْبٍ فيها: «رَمَتْنِي بدائِهَا وانْسَلَّتْ».
وعبدُ الله بنُ بُجَيْرٍ يُكْنَى أَبا عبدِ الرحمن، بَصْرِيُّ ثِقَةٌ، وهو بخلافِ ابنِ بَجِيرٍ ـ بالمهمَلة ـ فإِنه كَأَمِير، استدركَه شيخُنا.
وبَجْوارُ، بالفتح: مَحَلَّةٌ كبيرةٌ أَسفلَ مَرْوَ، منها أَبو عليٍّ الحسنُ بنُ محمّدِ بنِ سَهْلانَ الخَيّاطُ البَجْواريُّ، الشيخُ الصالحُ، ذَكَرَه البُلْبَيْسيُّ في كتاب الأَنساب، وياقوتٌ في المعجم.
وبَيْجُورُ، كخَيْرُون: قريةٌ بمصر.
ويقال: هذه بَجْرَةُ السِّماكِ. مثل بَغْرَتِه؛ وذلك إِذا أَصابَكَ المطرُ عند سُقُوطِ السِّماكِ، نقلَه الصاغانيُّ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
31-تاج العروس (شقر)
[شقر]: الأَشْقَرُ من الدّوَابِّ: الأَحْمَرُ في مُغْرَةٍ حُمْرَةٍ صافيةٍ يَحْمَرُّ منها العُرْفُ، بالضّمّ، والناصِيَةُ والسَّبِيبُ؛ أَي الذَّنَبُ، فإِن اسْوَدَّا فهو الكُمَيْتُ، والعَرَبُ: تقول: أَكْرَمُ الخَيْل وذَوَاتُ الخَيْرِ منها شُقْرُها، حكاه ابنُ الأَعرابِيّ: والأَشْقَرُ من النّاسِ: من يَعْلُو بَيَاضَه حُمْرَةٌ صافِيَةٌ.وفي الصّحاح: والشُّقْرَةُ: لَوْنُ الأَشْقَرِ، وهي في الإِنسانِ حُمْرَةٌ صافِيَةٌ، وبَشَرَتُه مائِلَةٌ إِلى البياضِ. شَقِرَ، كفَرِحَ، وكَرُمَ، شَقْرًا، بفتْحٍ فسكون، وشُقْرَةً، بالضَّمِّ. واشْقَرَّ اشْقِرَارًا، وهو أَشْقَرُ قال العَجّاج:
وقد رَأَى في الجَوِّ إِشْقِرارَا
وقال اللَّيْثُ: الشَّقْرُ، والشُّقْرَةُ مَصْدَرَا الأَشْقَرِ، والفِعْل شَقُرَ يَشْقُرُ شُقْرَةً، وهو الأَحْمَرُ من الدّوَابِّ.
وقال غيرُه: الأَشْقَرُ من الإِبِل: الذي يُشْبِهُ لَوْنُه لَوْنَ الأَشْقَرِ من الخَيْلِ، وبَعِيرٌ أَشْقَرُ؛ أَي شَدِيدُ الحُمْرَةِ.
والأَشْقَرُ: من الدَّمِ: ما صارَ عَلَقًا ولم يَعْلُه غُبَارٌ.
والأَشْقَرُ: فَرسُ مَرْوانَ بنِ مُحَمَّدٍ، من نسلِ الذَّائِدِ.
والأَشْقَرُ أَيضًا: فَرَسُ قُتَيْبَةَ بنِ مُسْلِمٍ الباهِلِيّ.
والأَشْقَرُ: فَرَسُ لَقِيطُ بن زُرَارَةَ التَّمِيمِيّ.
والشَّقْرَاءُ: فرسُ الرُّقَادِ بنِ المُنْذِرِ الضَّبِّيِّ ولها يقول:
إِذا المُهْرَةُ الشَّقْرَاءُ أُدْرِكَ ظَهْرُها *** فشَبَّ إِلهِي الحَرْبَ بينَ القَبَائِلِ
وأَوْقَدَ نارًا بيْنَهُمْ بضِرَامِهَا *** لها وَهَجٌ للمُصْطَلِي غيرِ طائِلِ
إِذا حَمَلَتْنِي والسِّلاح مُغِيرَةً *** إِلى الحَرْبِ لم آمُرْ بِسَلْمٍ لوائِلِ
وفَرَسُ زُهَيْرِ بنِ جَذِيمَةَ العَبْسِيّ، أَو هي فرس خَالِدِ بن جَعْفَر بن كِلَاب، وبها ضُرِبَ المَثَلُ: «شَيْئًا مّا يَطْلُبُ السَّوْطَ إِلى الشَّقْرَاءِ» لأَنّه رَكِبها، فجَعَلَ كُلَّمَا ضَرَبَهَا زادَتْهُ جَرْيًا، يُضْرَبُ هذا المثلُ لمَنْ طَلَبَ حاجَةً وجَعَلَ يَدْنُو مِن قَضَائِها، والفَرَاغِ منها.
والشَّقْرَاءُ أَيضًا: فَرَسُ أَسِيدِ، كأَمِيرِ، ابنِ حِنَّاءَةَ السَّلِيطِيّ.
وكذلك للطُّفَيْلِ بنِ مالكٍ الجَعْفَرِيّ فرسٌ تُسَمَّى الشَّقْرَاءَ، ذَكَره الصاغانيّ، وأَغفله المُصَنِّف.
والشَّقْرَاءُ أَيضًا: فَرَسُ شَيْطَانِ بنِ لاطِمٍ، قُتِلَتْ وقُتِلَ صاحبُهَا، فقِيل: «أَشْأَمُ من الشَّقراءِ» وفي الأَساس: قُتِلَتْ وقَتَلَتْ صاحِبَها. أَو جَمَحَتْ بصاحِبِهَا يومًا، فَأَتَت على وادٍ، فأَرادَتْ أَن تَثِبَه، فقَصَّرَتْ في الوُثُوبِ، فوقَعَتْ فانْدَقَّتْ عُنُقُهَا، وسَلِمَ صاحِبُها، فسُئِلَ عنها، فقال: إِنّ الشَّقْرَاءَ لم يَعْدُ شَرُّها رِجْلَيْهَا. أَو هذِه الشَّقْرَاءُ كانَتْ لابْنِ غَزِيَّةَ بنِ جُشَمَ بن مُعَاوِيَةَ، والذي في التَّكْمِلَة: إِن هذا الفَرَسَ لغَزِيَّةَ بنِ جُشَمَ، لا ابْنِه، فَرَمَحَتْ غُلامًا، فأَصابَتْ فَلُوَّها، فَقَتَلَتْهُ، والذي في اللسان ما نَصُّه: الشَّقْرَاءُ اسمُ فَرَسٍ رَمَحَت ابْنَها، فقَتَلَتْه، قال بِشْر بنُ أَبي خازم الأَسَدِيّ يَهْجُو عُتْبَةَ بنَ جَعفرِ بن كِلَابٍ، وكان عُتْبَةُ قد أَجارَ رجلًا من بني أَسَدٍ، فقَتَلَه رَجلٌ من بني كِلَابٍ، فلم يَمْنَعْه:
فأَصْبَحَ كالشَّقْرَاءِ لم يَعْدُ شَرُّها *** سَنَابِكَ رِجْلَيْهَا، وعِرْضُك أَوْفَر
والشَّقْرَاءُ أَيضًا: فَرَسُ مُهَلْهِلِ بنِ رَبِيعَة، وله فيها أَشعار.
والشَّقْرَاءُ أَيضًا: فَرَسُ حَوْطِ الفَقْعِسيّ. ذَكرَهما الصّاغانيّ.
والشَّقْرَاءُ بِنْتُ الزَّيْتِ والزَّيْتُ هذِه فَرَس مُعَاوِيَةَ بنِ سَعْد بنِ عَبْدِ سَعْدٍ، وقد تقدَّم في مَحلّه.
والشَّقْرَاءُ أَيضًا: اسمُ فَرَسِ رَبِيعَةَ بنِ أُبِيٍّ، أَوردَه صاحِب اللسان، وأَغفلَه المصنّف.
والشَّقْرَاءُ ماءٌ بالعُرَيْمَةِ بين الجَبَلَيْنِ، يَعْنِي جَبَلَيْ طَيِّئٍ.
والشَّقْرَاءُ: ماءَةٌ بالبَادِيَةِ لبني قَتَادَةَ بنِ سَكَنٍ، لها ذِكْرٌ في حديثِ عَمْرِو بنِ سَلَمَةَ بنِ سَكَنٍ الكِلابيِّ، رضي الله عنه، أَحدِ بني أَبي بكرِ بنِ كُلابٍ، لمّا وَفَدَ علَى رسول الله صلى الله عليه وسلم اسْتَقْطَعَه ما بين السَّعْدِيَّة والشَّقْرَاءِ، فأَقطَعَه، وهي رَحْبَةٌ طُولُهَا تِسْعَةُ أَميالٍ، وعَرْضُها ستّةُ أَميالٍ، وهما ماءَان.
والشَّقْرَاءُ: قرية بناحِيَةِ اليَمَامَةِ، بينها وبين اليَمَن.
والشَّقِرُ، ككَتِفٍ: شَقائِقُ النُّعْمَانِ، الواحِدَةُ شَقِرَةٌ، بهاءٍ، وبها سُمِّيَ الرّجلُ شَقِرَةَ، الجمع: شَقِرَاتٌ، كالشُّقّارِ، كرُمَّانٍ.
والشُّقْرَانِ كعُثْمَان، وضَبطه الصاغانيّ بفتح فكسر، وقال: هكذا ذُكِر في كِتَاب الأَبْنِيَةِ، وقال ابنُ دُرَيْدٍ ـ في باب فَعِلان بكسر العين ـ: الشَّقِرانُ أَحْسبه مَوْضِعًا أَو نَبْتًا.
والشُّقّارَى، كسُمّانَى، ويُخَفّفُ قال طَرَفَةُ:
وتَسَاقَى القَوْمُ كَأْسًا مُرَّةً *** وعَلَى الخَيْلِ دِمَاءٌ كالشَّقِرْ
وقيل: الشُّقَّارُ، والشُّقّارَى: نِبْتَةٌ ذاتُ زُهَيْرَةٍ شُكَيْلاءَ، ووَرَقُهَا لطيفٌ أَغْبَرُ تُشْبِهُ نِبْتَتُهَا نِبْتَةَ القَضْبِ، وهي تُحْمَد في المَرْعَى، ولا تَنْبُت إِلّا في عامٍ خَصِيبٍ.
أَو الشَّقِرُ نَبْتٌ آخرُ، غير الشَّقائِقِ إِلّا أَنّه أَحْمَرُ مثله.
وقال أَبو حَنِيفَة: الشُّقَّارَى بالضّمّ فالتَّشْدِيد: نَبْتٌ، وقيل: نَبْتٌ في الرّمْلِ، ولها رِيحٌ ذَفِرَةٌ وتُوجَدُ في طَعْمِ اللَّبَنِ، قال: وقد قيل: إِنّ الشُّقّارَى هو الشَّقِرُ نَفْسُه، وليس ذلك بقَوِيّ، وقيل: الشُّقَّارَى نَبْتٌ لَهُ نَوْرٌ فيه حُمْرَةٌ ليستْ بناصِعَةٍ، وحَبُّه يقال له: الخِمْخِمُ.
والشُّقّارُ، كرُمّان: سَمَكَةٌ حَمْرَاءُ لَهَا سَنَامٌ طَوِيلٌ.
وفي التهذيب الشَّقِرَةُ، كزَنِخَةٍ السِّنْجَرْفُ، وهو بالفَارِسيّة شنْكرف، وأَنشد:
عليهِ دِمَاءُ البُدْنِ كالشَّقِراتِ
وشَقِرَةُ: لَقَبُ مُعَاويَة بنِ الحَارِثِ بنِ تَمِيمٍ: أَبو قَبِيلَةٍ من ضَبَّة بن أُدّ بن أُدَدَ، لُقِّبَ بذلك لقوله:
وقد أَتْرُكُ الرُّمْحَ الأَصَمَّ كُعُوبُه *** بهِ منْ دِمَاءِ القَوْمِ كالشَّقِرَاتِ
قاله ابن الكَلْبِيّ والنِّسْبَةُ شَقَرِيُّ، بالتَّحْرِيكِ، كما يُنْسَبُ إِلى النَّمِرِ بن قاسِطٍ نَمَرِيّ، ويقال لهذه القَبِيلَة بنو شَقِيرَة أَيضًا، والنِّسبة كالأَوّل، منهم أَبو سَعِيدٍ المُسَيَّبُ بنُ شَرِيكٍ الشَّقَرِيّ، عن الأَعمش وهِشامِ بنُ عُرْوَة، قال أَبو حاتم: ضَعِيفُ الحَدِيثِ.
والشُّقُورُ، بالضَّمِّ: الحاجَةُ يقال: أَخْبَرْتُه بِشُقُورِي، كما يقال أَفْضَيْتُ إِليه بعُجَرِي وبُجَرِي. وقد يُفْتَح، عن الأَصمعِيّ، وأَبِي الجَرّاحِ، وقال أَبو عُبَيْد: الضّمّ أَصَحُّ؛ لأَنّ الشُّقُورَ بالضَّمّ بمعنَى الأُمور اللّاصِقَة بالقَلْبِ المُهِمَّة له، جَمْع شَقْرٍ، بالفتح.
ومن أَمثالِ العَرَبِ في سِرَارِ الرَّجُلِ إِلى أَخيه ما يَسْتُرُه عن غَيْره: «أَفْضَيْتُ إِليه بشُقُورِي» أَي أَخْبَرْتُه بأَمْرِي، وأَطْلَعْتُه على ما أُسِرُّه من غَيْره، وبَثَّهُ شُقُورَه وشَقُورَهُ؛ أَي شَكَا إِليه حالَه، قال شيْخُنَا: وفي لحن العامة للزُّبَيْدِيّ: الشَّقُور: مَذْهَبُ الرجلِ وباطِنُ أَمرِه، فتأَمَّلْ، انتهى.
قلت: لا يُحْتَاج في ذلك إِلى تأَمُّل، فإِنّه عَنَى بما ذُكِرَ سِرَّ الرَّجل الذي يَستُره عن غيره، وأَنشد الجَوْهَرِيّ للعَجّاج:
جارِيَ لا تَسْتَنْكِرِي عَذِيرِي *** سَيْرِي وإِشْفَاقِي على بَعِيرِي
وكَثْرَةَ الحَديثِ عن شَقُورِي *** مع الجَلَا ولائِحِ القَتِير
قال شيخُنَا: وقالوا: أَخْبَرْتُه خُبُورِي وشُقُورِي وبُقُورِي، قال الفَرّاءُ: كلُّه مضمومُ الأَوّل، وقال أَبو الجَرّاح: بالفَتْحِ، قلْت: وكان الأَصْمعِيّ يقوله بفتح الشين. ثم قال: وبخطّ أَبي الهَيْثَمِ شَقُورِي، بفتح الشّينِ والمَعْنَى أَخْبَرْتُه خَبَرِي.
قلت: الذي رَوَى المُنْذِرِيُّ عن أَبي الهَيْثَمِ أَنه أَنشدَه بيتَ العَجّاج، فقال: رُوِيَ شُقُورِي وشَقُورِي، والشُّقُورُ: الأُمورُ المُهِمَّة الواحِدُ شَقْرٌ، وقيل: الشَّقُورُ، بالفَتْح: بَثُّ الرَّجلِ وهَمُّه، وقيل: هو الهمُّ المُسْهِرُ.
والشُّقَرُ، كصُرَدٍ: الدِّيكُ، عن ابن الأَعرابِيّ.
والشُّقَرُ: الكَذِبُ، قال ابنُ دُرَيْدُ: يقال: جاءَ فلانٌ بالشُّقَرِ والبُقَرِ، إِذا جاءَ بالكَذِب، قال الصّاغانِيّ: هكذا قاله ابنُ دُرَيْدٍ، والصّوابُ عندي بالصّاد، وبالسين المهملة.
وشُقْرُونُ، بالضَّمّ: عَلَم جَمَاعَةٍ من المحَدَّثين. وشُقْرَانُ، كعُثْمَانَ: مَوْلًى للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو لقبٌ له، واخْتُلِف في اسمه، فقيل: اسمُه صالِحُ بن عَدِيّ، أَو ابنُه صالح، قال شيخُنَا: وَرِثَهُمَا النّبيُّ صلى الله عليه وسلم من أَبِيه، كما أَشارَ إِليه مُحَشِّي المَوَاهِبِ أَثناءَ مَبْحَثِ «كَوْنه يَرِثُ أَو لَا يَرِث».
لِمَا وَقَعَ فيه الخِلافُ بين الكُوفِيِّين وبقيّةِ المُجْتَهِدِين، بخِلافِ «كَوْنه لا يُورَثُ» فهو مُجْمَعٌ عليه بين الأَئِمَّة، خلافًا للرّافِضَةِ وبعضِ الشِّيعَةِ.
قلْت: وكان حَبَشِيًّا، وقيل: فارِسِيًّا، أَهداهُ له عبدُ الرحمنِ بنُ عَوْفٍ، وقيل: بل اشتراه منه وأَعْتَقَه، روى عنه عبدُ الله بنُ أَبي رافِعٍ، ويَحْيَى بنُ عُمَارَةَ المازِنِيّ.
وقال ابنُ الأَعرابيّ: شُقْرَانُ السُّلَامِيّ: رَجُلٌ من قُضَاعَةَ.
والشِّقْرَى، كذِكْرَى: تَمْرٌ جَيِّدٌ، وهو المعروف بالمُشَقَّرِ، كمُعَظَّمٍ، عِنْدَنَا بزَبِيد، حَرَسَها الله تعالى.
والشِّقْرَى: موضع بِدِيارِ خُزَاعَةَ، ذكره الصاغانيّ.
والمُشَقَّرُ، كمُعَظَّمٍ: حِصْنٌ بالبَحْرَيْنِ قَدِيمٌ، يقال: وَرِثَهُ امرُؤُ القَيْسِ، قال لَبِيد:
وأَفْنَى بَنَاتُ الدَّهْرِ أَرْبَابَ ناعِطٍ *** بمُسْتَمَعٍ دُونَ السَّمَاءِ ومَنْظَرِ
وأَنْزَلْنَ بالدُّومِيِّ مِنْ رَأْسِ حِصْنِه *** وأَنْزَلْنَ بالأَسْبَابِ رَبَّ المُشَقَّرِ
أَرادَ بالدُّومِيّ أُكَيْدِرًا صاحبَ دُومَةِ الجَنْدَل، وقال المُخَبَّلُ:
فَلِئنْ بَنَيْتَ ليَ المُشَقَّرَ في *** صَعْبٍ تُقَصِّرُ دُونَهُ العُصْمُ
لتُنَقِّبَنْ عَنِّي المَنِيَّةُ إِنّ *** الله ليسَ كعِلْمِه عِلْمُ
أَرادَ: فَلَئِنْ بَنَيْتَ لي حِصْنًا مِثْلَ المُشَقَّرِ.
والمُشَقَّر: قِرْبَةٌ مِنْ أَدَمٍ.
والمُشَقَّرُ: القَدَحُ العَظِيمُ.
وشَقُورُ، كصَبُور: د، بالأَنْدَلُسِ شَرقيَّ مُرْسِيَة، وهو شَقُورَةُ.
وشَقْرٌ، بالفَتْح: جَزِيرَةٌ بها، شَرْقِيَّهَا.
وشُقْرٌ، بالضَّمّ: ماءٌ بالرَّبَذَةِ عند جبل سَنَام.
وشُقْرٌ: بلد للزَّنْجِ، يُجْلَبُ منه جِنْسٌ منهم مرغُوبٌ فيه، وهم الذين بأَسْفَلِ حواجِبِهِم شَرْطتانِ أَو ثلاثٌ.
وشَقْرَةُ، بالفَتْح، ابنُ نَبْتِ بن أُدَدَ، قاله ابنُ حبيب.
وشَقْرَةُ بنُ رَبِيعَةَ بنِ كَعْب بنِ سَعْدِ بن ضبَّةَ بنِ أُدّ، قاله الرُّشَاطِيّ.
وشُقْرَةُ، بالضَّمّ، ابنُ نِكْرَةَ بنِ لُكَيْز بن أَفْضَى بن عبْدَ القَيْسِ.
وشُقُرٌ، بضَمَّتَيْنِ: مَرْسىً ببَحْرِ اليَمَنِ بَيْنَ أَحْوَرَ وأَبْيَنَ، وضَبَطَه الصّاغانِيّ هكذا: شُقُرَة والمَشَاقِرُ في قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ الشاعر:
كأَنّ عُرَا المَرْجانِ مِنْهَا تَعَلَّقَتْ *** عَلَى أُمِّ خَشْفٍ من ظِبَاءِ المَشَاقِرِ
: موضع خاصّةً، وقيل: جمْع مَشْقَرِ الرَّمْلِ، وقيل: واحدُهَا مُشَقَّر، كمُذَمَّرٍ.
وقال بعضُ العَرَبِ لراكِبٍ ورَدَ عليه: من أَيْنَ وَضَحَ الرّاكِبُ؟ قال: من الحِمَى، قال: وأَيْنَ كانَ مَبِيتُك؟ قال: بإِحدَى هذِه المَشَاقِر. والمَشَاقِرُ من الرَّمْلِ: المُتَصَوِّبُ في الأَرضِ المُنْقَادُ المطمئِنُّ، أَو المَشَاقِرُ: أَجْلَدُ الرَّمْلِ، والصوابُ أَنّ أَجْلَدَ الرِّمالِ ما انْقَادَ وتَصَوَّبَ في الأَرضِ، فهما قَوْلٌ واحِد، كما صَرَّح به غيرُ واحِدٍ من الأَئِمَّة، والمصنّفُ جاءَ بأَو الدالّةِ على تَنْوِيعِ الخِلَاف، فتأَمَّلْ.
والمَشَاقِرُ: مَنَابِتُ العَرْفَجِ، واحِدَتُهَا مَشْقَرَةٌ.
والشَّقِيرُ، كأَمِيرٍ: أَرْضٌ، قال الأَخْطَلُ.
وأَقْفَرَتِ الفَرَاشَةُ والحُبَيَّا *** وأَقْفَرَ بعدَ فاطِمَةَ الشَّقِيرُ
والشُّقَيْرُ، ككُمَيْتٍ: ضَرْبٌ مِنَ الحِرْبَاءِ أَو الجَنَادِبِ، وهي الصَّراصِيرُ. والشُّقَّارَى: الكَذِبُ، لم يَضْبُطُه، فأَوْهَم أَن يكونَ بالفَتْحِ وليس كذلك، والصَّوابُ في ضَبْطِه بضَمِّ الشين، وتَشْدِيدُ القَافِ وتخفِيفُها لغتانِ، يقال: جاءَ بالشُّقّارَى والبُقّارَى والشُّقَارَى والبُقَارَى، مُثَقّلًا ومخَفّفًا؛ أَي بالكَذِب.
والأَشَاقِرُ: حَيٌّ باليَمَنِ من الأَزْدِ، والنِّسْبَة إِليهم أَشْقَرِيٌّ.
وبنُو الأَشْقَرِ: حَيُّ أَيضًا، يقال لأُمِّهِم: الشُّقَيْرَاءُ، وقيل: أَبوهم الأَشْقَر سَعْدُ بنُ مالِكِ بنِ عَمْرِو بنِ مالِكِ بن فَهْم، منهم كَعْبُ بنُ مَعْدَانَ الأَشْقَرِيّ، نَزَلَ مَرْوَ، رَوَى عن نافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ مناولَةً، ذَكَرَه الأَميرُ.
والأَشَاقِرُ: جِبَالٌ بينَ الحَرَمَيْنِ شَرَفُهَما الله تَعَالَى.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
الشَّقِرَانُ ـ بفتحٍ فكسر ـ: ـ دَاءٌ يَأْخُذُ الزَّرْعَ، وهو مِثْلُ الوَرْسِ يعلو الأَذَنَةَ، ثم يُصَعِّدُ في الحَبِّ والثَّمَرِ.
والشَّقْرَاءُ: قَرْيَةٌ لِعُكْلٍ، بها نَخْلٌ، حكاه أَبو رِيَاشٍ، في تفسير أَشْعَارِ الحَمَاسَة، وأَنشد لزِيَادِ بن جميل:
مَتَى أَمُرّ على الشَّقْرَاءِ مُعْتَسِفًا *** خَلَّ النَّقَى بِمَرُوحٍ لَحْمُهَا زِيَمُ
وأَشْقَرُ، وشُقَيْرٌ: اسمانِ.
وجَزِيرَةُ شُقْرٍ، بالضّمّ: قريةٌ من أَعمالِ مِصْر.
وأَبو بكرٍ أَحمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ العَبّاسِ بنِ الفَرَجِ بنِ شُقَيْرٍ النَّحْوِيّ، بَغْدَادِيٌّ، رَوَى عنه أَبو بَكْرِ بنُ شَاذَانَ، توفِّي سنة 317.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
32-تاج العروس (ضبر)
[ضبر]: ضَبَرَ الفَرَسُ، وكذلك المُقَيَّدُ في عَدْوِه يَضْبِر، بالكَسْر، ضَبْرًا، بالفَتْح، وضَبَرَانًا، محرّكةً، إِذا عَدَا، وفي المحكم: جَمَعَ قَوَائِمَهُ وَوَثَبَ.وقال الأَصمعيّ: إِذَا وَثَبَ الفَرَسُ فوَقَعَ مَجْموعَةً يَدَاهُ، فذلِك الضَّبْرُ، قال العَجّاجُ يَمدح عُمَر بنَ عُبَيْدِ الله بنِ مَعْمَرٍ القُرَشِيّ:
لَقَدْ سَمَا ابنُ مَعْمَرٍ حينَ اعْتَمَرْ *** مَغْزًى بَعِيدًا مِن بَعِيدٍ وضَبَرْ
يقول: ارْتَفَع قَدْرُه حين غَزَا مَوضِعًا بَعيدًا من الشام، وجَمعَ لذلك جَيْشًا.
وفي حديث سعْدِ بنِ أَبي وَقّاص: «الضَّبْرُ ضَبْرُ البَلْقَاءِ، والطَّعْنُ طَعْنُ أَبي مِحْجَن»، البَلْقَاءُ: فَرَسُ سَعْد، وكان أَبو مِحْجَن قد حَبَسَه سَعْدٌ في شُرْبِ الخَمْرِ، وهم في قِتَالِ الفُرْسِ، فلمّا كان يوم القادِسيّة رأَى أَبو مِحْجَن الثَّقَفِيُّ من الفُرْسِ قُوَّةً، فقال لامرأَةِ سَعْد: أَطْلِقِينِي ولك اللهُ عَلَيَّ [إِن سلَّمني اللهُ] أَنْ أَرجِعَ حتّى أَضَعَ رِجْلي في القَيدِ، فحَلَّتْه، فرَكِبَ فَرسًا لسعْدٍ يقال لها: البَلْقَاءُ، فجعلَ لا يَحْمِل على ناحية من العَدُوِّ إِلّا هَزَمَهُم، ثم رَجعَ حتّى وَضعَ رِجْلَه في القَيْدِ، ووَفَى لها بذِمَّتِه. فلمّا رَجَعَ [سعدٌ] أَخبَرَتْهُ بما كانَ مِن أَمرِه، فخَلَّى سَبِيلَه.
وضَبَرَ الكُتُبَ يَضْبِرُهَا ضَبْرًا، بالفَتْح: جَعَلَها إِضْبَارَةً؛ أَي حُزْمَةً، كما سيأْتي.
وضَبَرَ الصَّخْرَ يَضْبِرُه ضَبْرًا: نَضَّدَه، قال الراجِزُ يَصف ناقَةً:
تَرَى شُئُونَ رَأْسِهَا العَوارِدَا *** مَضْبُورَةً إِلى شَبًا حَدَائِدَا
ضَبْرَ بَراطِيلَ إِلى جَلامِدَا
هَكَذَا أَنشدَه الجَوهريّ، قال الصَّاغانيّ: والصَّوَابُ يَصِف جَمَلًا، وهذا موضع المَثَلِ «اسْتَنْوَق الجَمَلُ» والرَّجَز لأَبي محمّد الفَقْعَسِيّ، والرواية: «شُئُونَ رَأْسِه».
وفَرَسٌ ضِبِرٌّ، كطِمِرٍّ: وَثّابٌ، وكذلك الرجلُ.
والتَّضْبِيرُ: الجَمْعُ، يقال: ضَبَّرْتُ الكُتُبَ وغَيْرَها تَضْبِيرًا: جَمَعْتُهَا.
والضَّبْرُ، والتَّضْبِيرُ: شِدَّةُ تَلْزِيزِ العِظَامِ، واكتِنَازُ اللَّحْمِ، يقال: جَمَلٌ مَضْبُورٌ؛ أَي مُجْتَمِعُ الخَلْقِ أَملسُ، قاله اللَّيث. ومُضِّرٌ كمُعْظْمٍ، وفَرَسٌ مُضَبَّرُ الخَلْقِ؛ أَي مُوَثَّقُه، وناقَةٌ مُضَبَّرَةُ الخَلْقِ.
ورَجُلٌ ذُو ضَبَارَةٍ في خَلْقِه، كسَحَابَةٍ: مُجْتَمِعُ الخَلْقَ، وقيل: وَثِيقُ الخَلْقِ، ومنه سُمِّيَ الرَّجلُ ضُبَارَةَ، وكذا أَسَدٌ ضُبَارِمٌ وضُبَارِمَةٌ منه، بضَمِّهما، فُعَالِمٌ عند الخليلِ، وقد أَعادَه المصنّف في الميم من غير تَنْبِيهٍ عليه.
والإِضْبارَةُ بالكَسْرِ والفَتْحِ، الحُزْمَةُ من الصُّحُفِ، كالإِضْمَامَة، الجمع: أَضابِيرُ، قال ابنُ السِّكّيتِ: يقال: جاءَ فلانٌ بإِضْبَارةٍ من كُتُب وإِضْمامَة من كُتُب، وهي الأَضابِيرُ والأَضامِيمُ.
وقال اللَّيْثُ: إِضْبارَةٌ من صُحُفٍ أَو سِهَام؛ أَي حُزْمَة.
والضُّبارُ، ككِتَاب وغُرَابٍ: الكُتُبُ، بلا واحِدٍ، قال ذُو الرُّمَّة:
أَقُولُ لنَفْسِي وَاقِفًا عِنْدَ مُشْرِفٍ *** عَلَى عَرَصَات كالضُّبَارِ النّواطِقِ
والضَّبْرُ، بالفَتْح: الجَمَاعَةُ يَغْزُونَ على أَرْجُلِهم، يقال: خَرَجَ ضَبْرٌ من بني فُلان، ومنه قول ساعِدَةَ الهُذَلِيّ:
بَيْنَا هُمُ يَومًا كذلك راعَهُمْ *** ضَبْرٌ لِبَاسُهُم القَتِيرُ مُؤَلَّبُ
أَرادَ بالقَتِير: الدُّرُوعَ، مُؤَلّب: مُجَمَّع.
والضَّبْرُ أَيضًا: جِلْدُ يُغَشَّى خَشَبًا فيها رِجالٌ تُقَرَّبُ إِلى الحُصُونِ للقِتَالِ؛ أَي لِقِتَالِ أَهلِهَا، الجمع: ضُبُورٌ.
وقال الزمخشَريّ واللَّيْثُ: الضُّبُورُ هي الدّبّابَاتُ التي تُقَرَّبُ للحُصُون لتُنْقَبَ من تحتها، الواحد ضَبْرَةٌ.
والضَّبْرُ: شَجَرُ جَوْزِ البَرِّ، يكون بالسَّرَاة في جِبَالها، يُنَوِّر ولا يَعْقِد، كالضَّبِرِ، ككَتِف لغة، في الضَّبْرِ، نقلها أَبو حنيفةَ، وكذلك رَواه آخرونَ عن الأَصمعيّ، والواحد ضَبِرَة، قال ابنُ سِيده: ولا يمتنع ضَبْرَة غير أَنّي لم أَسْمَعْه.
وفي حديثِ الزُّهْرِيّ: «أَنه ذَكَرَ بنِي إِسرائيل، فقال: جعلَ الله عِنَبَهُم الأَرَاكَ، وجَوْزَهم الضَّبْرَ، ورُمّانَهُم المَظَّ».
قال الجَوْهَرِيُّ: وهو جَوْزٌ صُلْبٌ، قال: وليس هو الرُّمّانَ البَرِّيَّ؛ لأَنَّ ذلك يُسَمَّى المَظَّ.
وقال ابنُ الأَعرابيّ: الضَّبْرُ، بالفَتْح: الذي يُسمَّيه أَهْلُ الحَضَرِ جَوْزَبُويَا، وبعضُهُم جَوْزُبَوَّا.
وقال ابنُ الفَرَجِ: الضِّبْرُ، بالكَسْر: الإِبْطُ، وكذلك الضِّبْن، قال جَنْدَل:
ولا يَؤُوبُ مُضْمَرًا في ضِبْرِي *** زَادِي وقد شَوَّلَ زادُ السَّفْرِ
أَي لا أَخْبَأُ طَعَامِي في السَّفَر فأَؤُوب به إِلى بَيْتي، وقد نَفِدَ زَادُ أَصحابِي، ولكنّي أُطْعِمُهم إِيّاه، ومعْنَى شَوَّل: خَفَّ.
والضُّبَّارُ، كرُمّانِ: شَجَرٌ يُشْبِهُ شَجَرَ البَلُّوطِ، وحَطَبُه جَيِّدٌ مثْلُ حَطَب المَظِّ، قال أَبو حنيفَة: فإِذا جُمِع حَطَبُه رَطْبًا، ثم أُشْعِلَت فيه النّار فَرْقَعَ فَرْقَعَةَ المَخَارِيقِ، ويُفْعَل ذلك بقُرْب الغِيَاض التي فيها الأُسْد، فتهرب، الواحِدَةُ ضُبّارَة، بهاءٍ.
وضُبَيْرَةُ، كجُهَيْنَة: امْرَأَةٌ، قال الأَخْطَلُ:
بَكْرِيّةٌ لمْ تَكُنْ دارِي لَهَا أَمَمًا *** ولَا ضُبَيْرَةُ مِمَّن تَيَّمَتْ صَدَدُ
وضَبَّارٌ، ككَتَّانٍ: اسم كَلْب، قال الحارِثُ بنُ الخَزْرَج الخَفَاجِيّ:
سَفَرَتْ فقُلْتُ لَهَا هَجٍ فتَبَرْقَعَتْ *** فذَكَرْتُ حين تَبَرْقَعَتْ ضَبّارَا
وتَزيَّنَتْ لتَرُوعَنِي بجَمَالِها *** فكأَنَّمَا كُسِيَ الحِمَارُ خِمَارَا
فخَرَجْتُ أَعْثُرُ في قَوَادِمِ جُبَّتِي *** لَوْلَا الحَيَاءُ أَطَرْتُها إِحْضارَا
قال الصّاغانيّ: وقال أَبو عُبَيْدِ الله محمّدُ بنُ عِمْرَانَ بنِ مُوسَى المَرْزُبَانِيّ: هو للخَزْرَجِ بنِ عَوْفِ بن جَمِيلِ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ مالِك بن خَفَاجَةَ، قال: وفي الكتاب المنسوبِ إِلى الخَلِيل عَقَّار: اسمُ كَلْب ذَكَرَه مالكُ بنُ الرَّيْب حين رأَى الغُول، وأَنشد البيتَ، ولم أَجِدْه في شعر مالك، وذَكَرَه الجَوْهَرِيّ في فَصْلِ الهاءِ من بابَيِ الجيم والرَّاءِ على أَنَّه هَبّار، فقال [في باب الراءِ] الهَوْبَرُ: القِرْدُ الكثيرُ الشَّعْرِ، وكذلك الهَبَّارُ، وأَنشد البيت، فعِنْده هو هَبّار، بالهَاءِ، ومَعْنَاه القِرْد، وكذا ذَكَرَه ثعلبٌ في ياقوتته، إِلّا أَنه قال: هَبّارٌ اسم كَلْبٍ، والصَّوَاب ضَبّارٌ بالضاد.
والضَّبُورُ، كصَبُورٍ، وضِبِرّ، مثل طِمِرّ، ومُضَبَّر، مثل مُعَظَّم: الأَسَدُ، ذكر الصّاغانيّ الأَوَّلَ والثَّالثَ، وأَمّا ضِبِرٌّ، كطِمِرٍّ، فمعناه الشَّدِيدُ، فلعلّه سُمِّيَ به الأَسَدُ لشِدَّتِه.
والضَّبِيرُ، كأَمِيرٍ: الشَّدِيدُ، من الضَّبر، وهو الشَّدّ، عن ابن الأَعرابيّ.
والضَّبِيرُ: الذَّكَرُ، لشِدّتهِ نقله الصاغانيّ.
وضَيْبَرٌ، كحَيْدَرٍ: جَبَلٌ بالحجاز قال كُثَيِّر:
وقد حَالَ منْ رَضْوَى وضَيْبَرَ دُونَهُم *** شَمَارِيخُ للأَرْوَى بهِنَّ حُصُونُ
وضِبَارَى، بالكسر والقَصْرِ: رَجُلٌ مِنْ بني تَمِيمٍ، وهو ضِبَاري بنُ عُبَيْد بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ يَرْبُوع، ولم يَتعرّض الصاغانيّ للقَصْر، ولا الحافظُ.
وضَبَارَى، بالفَتْحِ؛ أَي مع القَصْرِ، كما هو مفهوم عبارته، وضبطَه غيرُ واحدٍ بكسر الراءِ وتشدِيدِ الياءِ، في الرِّبابِ وهو ضَبَارِيّ بنُ نُشْبَةَ بنِ رُبَيْعِ بنِ عَمْرو بنِ عبدِ الله بن لُؤَيّ بنِ عَمْرِ بنِ الحارِثِ بن تَيْم. منهم وَرْدانُ بنُ مُجَالِد بنِ عُلَّفَةَ بنِ القُرَيش بن ضَبَارِيّ، والمُتَوَرِّدُ بنُ عُلَّفَةَ الخارجِيّ.
زاد الحافظ: وفي سَدوس ضَبَارى بنُ سَدُوسِ بنِ شَيْبَانَ.
وعَمْرُو بنُ ضُبَارَةَ، بالضّمّ، وضَبطَه الصّاغانيّ بالفَتْح: فارِسُ رَبِيعَةَ، ومن رؤساءِ أَجْنَادِ بني أُمَيّةَ.
وضُبَارَةُ بن السُّلَيْكِ، من الثِّقاتِ. قلْت: وهو ضُبَارَةُ بنُ عبدِ الله بنِ مالِكِ بن أَبِي السُّلَيْكِ الحَضْرَمِيّ، ويقال الأَلْهَانيّ، أَبو شُرَيْحٍ الشّاميّ الحِمْصِيّ، كان يَسْكُن اللّاذِقِيّةَ، رَوَى عن ذُوَيْدِ بن نَافِع، وعنه إِسماعيلُ بن عيّاش.
والضُّبارَةُ: الحُزْمَةُ، عن اللَّيْثِ وتُكْسَر، وغيرُ اللَّيْثِ لا يُجِيز ضُبَارَة من كُتُبٍ، ويقول إِضْبَارَة، كما تقدّم.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
المَضْبُورُ: المِنْجَل.
والضَّبَائِرُ: جَمَاعَاتُ النَّاسِ في تَفْرِقَة، كأَنه جمْع ضِبَارَةٍ، مثل عِمَارَة وعَمائِر.
والضَّبْرُ: الرَّجّالَةُ.
وعن ابن الأَعرابيّ: الضَّبْرُ: الفَقْرُ، والضَّبْرُ: الشَّدُّ.
وقد سَمَّوْا ضَنْبَرًا، وهو الشَّدِيدُ، قال ابنُ دُرَيْد: أَحسب أَن النون فيه زائدة.
وضِنْبِر، كزِبْرِج: من الأَعلام، وهو فِنْعِل من الضَّبْرِ، وهو الوَثْبُ، قاله الصاغانيّ.
والمُطَّلِبُ بنُ وَدَاعَةَ بنِ ضُبَيْرَةَ، مصغَّرًا، حكاه السُّهَيْلِيّ عن الخَطّابي، قاله الحافظ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
33-تاج العروس (عجر)
[عجر]: عَجِرَ الرجُلُ، كفَرِحَ، عَجَرًا: غَلُظَ وسَمِنَ.وعَجِرَ أَيضًا، إِذا ضَخُمَ بَطْنُه وعَظُمَ، فَهُوَ أَعْجَرُ، فيهما، بَيِّنُ العَجَرِ. وعَجِرَ الفَرَسُ: صَلُبَ لَحْمُه.
ووَظِيفٌ عَجِرٌ وعَجُرٌ، بكسر الجيم وضمّها: صُلْبٌ شَدِيدٌ، وكذلك الحافِرُ، قال المَرّارُ:
سَلِطِ السُّنْبُكِ ذِي رُسْغٍ عَجِرْ
وقال ابنُ القَطّاعِ: عَجِرَ الحافِرُ والبَطْنُ عَجَرًا وعُجْرَةً: صَلُبَا.
والعُجْرَةُ، بالضِّمِّ: مَوْضِعُ العَجَرِ، بالتَّحْرِيك، هو الحَجْمُ والنَّتُوُّ.
والعُجْرَةُ أَيضًا: العُقْدَةُ في الخَشَبَةِ ونَحْوِها، أَو في عُرُوقِ الجَسَدِ.
ومن المجازِ: يشكو عُجَرهُ وبُجرهُ؛ أَي عُيُوبهُ وأَحْزَانهُ، وقيل: ما أَبْدَى وما أَخْفَى، وكلُّه على المَثَلِ، وبهما فَسَّرَ محمّدُ بنُ يَزِيدَ ما رُوِيَ عن عليٍّ، رضي الله عنه: «أَنه طافَ لَيْلَةَ وَقْعَةِ الجَمَلِ على القَتْلَى مع مَولاه قَنْبَرٍ، فوقَفَ على طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ الله وهو صَرِيعٌ، فبَكَى ثم قال: عَزّ عليّ أَبا مُحَمَّدٍ أَن أَراكَ مُعَفَّرًا تحتَ نُجُومِ السّمَاءِ، إِلى الله أَشْكُو عُجَرِي وبُجَرِي».
وقال أَبُو عُبَيْد: ويُقَالُ: أَفْضَيْتُ إِليهِ بِعُجَرِي وبُجَرِي؛ أَي أَطْلَعْتُه من ثِقَتِي به على مَعَايِبِي، والعَربُ تقولُ: إِنّ من النّاسِ من أُحَدِّثُه بعُجَرِي وبُجَرِي. أَي أُحَدِّثُه بمَسَاوِيَّ، يقال: هذا في إِفْشَاءِ السِّرِّ، قال: وأَصْلُ العُجَرِ: العُروقُ المُتَعَقِّدَةُ في الجَسَدِ، والبُجَرُ: العُرُوقُ المُتَعَقِّدَةُ في البَطْنِ خاصَّةً.
وقال الأَصْمَعِيُّ: العُجْرَةُ: الشيْءُ يَجْتَمِعُ في الجَسَدِ كالسِّلْعَةِ، والبُجْرَةُ نَحْوُها، فيُرَادُ: أَخْبَرْتُه بكلِّ شيْءِ عندِي لم أَسْتُرْ عنهُ شَيْئًا من أَمْرِي، وفي حديثِ أُمِّ زَرْع: «إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وبُجَرَهُ»، المعنَى إِنْ أَذكُرْه أَذْكُرْ معايِبَهُ التي لا يَعْرِفُهَا إِلّا مَن خَبَرَهُ.
وقال ابنُ الأَثِيرِ: العُجَرُ: جمعُ عُجْرَة، وهو الشَّيْءُ يَجْتَمِعُ في الجَسَدِ كالسِّلْعَةِ والعُقْدَةِ، وقيل: هو خَرَزُ الظَّهْرِ، قال: أَرادَتْ ظاهِرَ أَمْرِهِ وباطِنَه، وما يُظْهِرُه ويُخْفِيه، والعُجْرَةُ: نَفْخَةٌ في الظّهْرِ، فإِذا كانت في السُّرَّةِ فهي بُجْرَةٌ، ثمّ يُنقلانِ إِلى الهُمُومِ والأَحْزَانِ.
والعَجْرُ، بالفَتْح: ثَنْيُ العُنُقِ ولَيُّكَ إِيّاها، وفي نوادِر الأَعْرَابِ: عَجَرَ عُنُقَه إِلى كذا وكذا، يَعْجِرُه، إِذا كان على وَجْهٍ فأَرَادَ أَن يَرْجِعَ عنه إِلى شَيْءٍ خَلْفَه، وهو يُنْهى عنه، أَو أَمَرْته بالشيْءٍ فعَجَرَ عُنُقَه، ولم يُرِدْ أَن يَذهَبَ إِليه لأَمْرِكَ.
والعَجْرُ: المَرُّ السَّرِيعُ من خَوْفٍ ونحْوِه، يقال: عَجَرَ الفَرَسُ يَعْجِرُ عَجْرًا، كالعَجَرَانِ، مُحَرَّكَةً، والمُعَاجَرَةِ، وقد عاجَرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ، إِذا عَدَا بين يَدَيْهِ هارِبًا.
والعَجْرُ: قَمْصُ الحِمَارِ، ويقال: فَرَسٌ عاجِرٌ، وهو الذي يَعْجِرُ برِجْليْه كقِمَاصِ الحِمَارِ، ومصدرُه العَجَرَانُ، وقال تَمِيمُ بنُ مُقْبِل:
أَمّا الأَدَاةُ فَفِينَا ضُمَّرٌ صُنُعٌ *** جُرْدٌ عَوَاجِرُ بالأَلْبَادِ واللُّجُمِ
رُوِيَتْ بالحَاءِ والجِيمِ في اللّجم، ومعناه: عليها أَلْبَادُهَا ولحْمُهَا، يَصفُها بالسِّمَنِ، وهي رافعةٌ أَذنابَهَا من نَشاطِها.
والعَجْرُ: الحَمْلَةُ والشَّدُّ بالضَّرْبِ، يقال: عَجَرَ عليه بالسَّيْفِ؛ أَي شَدَّ عليه.
والعَجْرُ: الحَجْرُ، قال شَمِرٌ: يقال: عَجَرْتُ عليه، وحَظَرْتُ عليه وحَجَرْتُ عليه، بمعنًى واحدِ.
والعَجْرُ: الإِلْحَاحُ عُجِرَ على الرّجُلِ: أُلِحَّ عليه في أَخْذِ مالِهِ، ورجلٌ مَعْجُورٌ عليه: كَثُرَ سؤالُه حتى قَلَّ، كمَثْمُودٍ، يَعْجِرُ، بالكَسْر في الكُلِّ.
قلْت: إِلّا في الأَخِيرِ؛ فإِنّه لم يُسْتعمل إِلَّا مَبْنِيًّا للمَجْهُول، كما عرفْتَ.
والاعْتِجَارُ: لَيُّ الثَّوْبِ على الرأْسِ من غير إِدارَة تَحْت الحَنَكِ، وفي بعضِ العِبَارَات: هو لَفُّ العِمَامَةِ دُونَ التَّلَحِّي، ورُويَ عن النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنّهُ دَخَلَ مكَّةَ يومَ الفَتْحِ مُعْتَجِرًا بعمَامَةٍ سَوْدَاءَ» المعنى أَنّه لَفَّهَا على رَأْسِه ولم يَتَلَحَّ بها.
وقيل: الاعْتِجَارُ: لِبْسَةٌ للمَرْأَةِ شِبْهُ الالْتِحافِ، قال الشاعِرُ:
فَمَا لَيْلَى بَناشِزَةِ القُصَيْرَى *** ولا وَقْصَاءَ لِبْسَتُها اعْتِجارُ
والمِعْجَرُ، كمِنْبَرٍ: ثَوْبٌ تَعْتَجِرُ بهِ المرأَةُ أَصْغَرُ من الرِّدَاءِ، وأَكبرُ من المِقْنَعَةِ، وهو ثَوْبٌ تَلُفُّه المَرْأَةُ على استِدَارَةِ رأْسِهَا، ثم تَجَلْبَبُ فَوقَه بجِلبابِها، كالعِجَارِ، والجمعُ المَعَاجِرُ، ومنه أُخِذَ الاعْتِجَارُ بالمعنَى السابق.
والمِعْجَرُ أَيضًا: ثَوْبٌ يَمَنِيٌّ يُلْتَحَفُ به ويُرْتَدى، والجمْع المَعَاجِرُ. وقال اللَّيْثُ: المَعَاجِرُ: ضَربٌ من الثِّيَابِ تكونُ باليَمَن.
والمِعْجَرُ أَيضًا: ما يُنْسَجُ من اللِّيفِ شِبْهُ الجُوَالِقِ، والجمعُ المَعَاجِرُ.
ويقال: رَجُلٌ مَعْجُورٌ عليه، وذلك إِذا أُلِحَّ عليهِ وأُخِذَ مالُه كُلَّه بالسُّؤالِ، كمَثْمُودٍ، وقد تَقَدَّمَ.
والعَجِيرُ، كأَمِير: العِنِّينُ من الرّجالِ والخَيْلِ، قال ابنُ الأَعْرَابِيّ: وهو أَيضًا القَحُولُ والحَرِيكُ والضَّعِيفُ والحَصُورُ.
وقال غيره: هو عَجِيرٌ وعِجِّيرٌ، كأَمِيرٍ وسِكِّيتٍ، وقد رُوِيَتْ بالزَّاي أَيضًا، ففيه ثلاثُ لُغَاتٍ، أَغفل المصنّفُ منها اثْنَتَيْنِ.
وعاجِرٌ، وعُجَيْرٌ، وعَوْجَرٌ، كناصِر، وزُبَيْرٍ، وجَوْهَرٍ، وأَعْجَرُ، كأَحْمَرَ، والعَجْرُ، بفتح فسكون، وعُجْرَةُ بالضَّم: أَسْمَاءٌ.
وعُجْرَةُ: بالضَّم: أَبُو قَبِيلَةٍ منهم.
وعُجْرَةُ: فَرَسُ نافِع الغَنَوِيِّ، كذا في التَّكْمِلَة.
وعُجْرَةُ: والِدُ كَعْب الصّحابِيّ، رضي الله عنه، وهو كَعْبُ بنُ عُجْرَةَ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَدِيٍّ البَلَوِيُّ، حليفُ الأَنصارِ، أَبو مُحَمَّد، رَوَى عنه جماعةٌ.
والعُجَيْرُ، كزُبَيْرٍ: موضع، قال أَوْسُ بنُ حَجَرٍ:
تَلَقَّيْنَنَي يَومَ العُجَيْرِ بمَنْطِق *** تَرَوَّحُ أَرْطَى سُعْدَ مِنْهُ وضَالُهَا
والعُجَيْرُ: اسمُ شاعِر سَلُولِيّ من وَلَدِ مُرَّةَ بنِ صَعْصَعَةَ.
والعُجْرِيُّ، ككُرْدِيٍّ: الكَذِبُ والدّاهِيَةُ، هكذا ذكره الصّاغانِيُّ في التَّكْملَةِ.
والعَجَاجِيرُ: كُتَلُ العَجِينِ يُقَطَّعُ على الخِوانِ قبلَ أَن يُبْسَطَ، وهو المُشَنَّقُ أَيضًا، قاله ابنُ الأَعْرَابيّ، وقال غيرُه: العَجَاجِيرُ: كُتَلُ العَجِينِ تُلْقَى على النّارِ ثم تُؤْكَلُ، والَّذِي يَأْكُلُهَا كالعَجَّارِ، هكذا في النُّسَخِ، والصوابُ «والّذِي يَأْكُلُهَا العَجّارُ».
والعَجَّارُ، ككَتّانٍ: الصِّرِّيعُ، كسِكِّيتٍ: الذي لا يُطَاقُ جَنْبُهُ في الصِّرَاعِ، المُشَغْزِبُ لِصَرِيعِهِ، من العَجْر، وهو اللَّيُّ.
والعَجْراءُ: العَصَا ذاتُ الأبَنِ، يُقَال: ضَرَبَه بعَجْراءَ من سَلَمٍ، وقالَ رجُلٌ لرَاعٍ: ما عِنْدَكَ يا رَاعِيَ الغَنَمِ؟
قالَ: عَجْرَاءُ من سَلَمٍ، قال: إِنِّي ضَيْفٌ، قال: للضَّيْفِ أَعْدَدْتُهَا.
والعَجَارِيُّ، بالفَتْح مع تشديدِ الياءِ: الدَّوَاهِي يقال: جاءَ بالعَجَارِيِّ والبَجَارِيِّ.
والعَجَارِيُّ: رُؤُسُ العِظَامِ، واحدَتُهَا عَجْرَاءُ، قاله الصّاغانِيُّ، وتُخَفَّفُ يَاؤُه في الشِّعْرِ قال رؤبة:
مَرْتٍ كجِلْدِ الصَّرْصَرانِي الأَدْخَنِ *** يَنْحَضُ أَعْنَاقَ المَهَارَى البُدَّنِ
ومِنْ عَجارِيهِنَّ كُلَّ جِنْجِنِ
فخَفَّفَ ياءَ العَجارِيّ وهي مُشَدَّدَةٌ، كما خَفَّفَ ياءَ الصَّرْصَرانِيّ.
والعَجَنْجَرَةُ: المَرْأَةُ المُكَتَّلَةُ الخَفِيفَةُ الرُّوحِ، كذا في التّكْمِلَةِ. والعَجَارِيرُ: خُطُوطُ الرَّمْلِ من الرِّيَاحِ، كذا في التَّكْملَةِ، الواحِدُ عُجْرُورٌ، بالضَّمّ.
والعَجَوْجَرُ: الرّجُلُ الضَّخْمُ العِظَامِ، من عَجِرَ لَحْمُه، إِذا صَلُبَ، وعَجِرَ بَطْنُه، إِذا ضَخُمَ.
ومن المَجَازِ: اعْتَجَرَتْ بغُلام، أَو جارِيَة، إِذا وَلَدَتْهُ بعدَ يأْسِهَا من الوَلَدِ.
ويُقَال: عَنْجَرَ الرَّجُلُ، إِذا مَدَّ شَفَتَيْهِ، وقَلَبَهُما، والنون زائدة.
وقال بعضُهم: العَنْجَرةُ بالشَّفَةِ، والزَّنْجَرَةُ بالإِصْبَعِ، هكذا ذَكَرَه بعضُهم في معْنى قولِ الشاعر:
وأَرْسَلْتُ إِلى سَلْمَى *** بأَنّ النَّفْسَ مَشْغُوفَهْ
فَلا جادَتْ لنا سَلْمَى *** بزِنْجِيرٍ ولا فُوفَهْ
والعُنْجُورَةُ، بالضَّمّ: غِلافُ القَارُورَةِ، كالحُنْجُورَةِ، بالحَاءِ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
تَعَجَّرَ بَطْنُه: تَعَكَّنَ.
وعَجَرَ الفَرَسُ يَعْجِرُ، إِذَا مَدَّ ذَنَبَه نحوَ عَجُزِه في العَدْوِ، قال أَبو زُبَيْد:
وهَبَّتْ مَطَايَاهُمْ فمِنْ بَيْنِ عاتِبٍ *** ومِنْ بَيْنِ مُودٍ بالبَسِيطَةِ يَعْجِرُ
أَي هالِكٌ قد مَدَّ ذَنَبَه.
ويُقَال: عَجَرَ الرِّيقُ على أَنْيَابِهِ، إِذا عَصَبَ به ولَزِقَ كما يَعْجِرُ الرجُل بثَوْبِهِ على رأْسِهِ، وهو مَجَاز، قال مُزَرِّدُ بنُ ضِرَارٍ أَخُو الشَّمّاخِ:
إِذْ لا يَزَالُ يابِسًا لُعَابُه *** بالطَّلَوانِ عاجِرًا أَنْيَابُه
والعَجَرُ، بالتَّحْرِيكِ: القُوَّةُ مع عِظَمِ الجَسَدِ.
والفَحْلُ الأَعْجَرُ: الضَّخْمُ.
والأَعْجَرُ: كُلُّ شَيْءٍ نَرَى فيه عُقَدًا.
وكِيسٌ أَعْجَرُ، وهِمْيَانٌ أَعْجَرُ، وهو المُمْتَلِئُ، وبَطْنٌ أَعْجَرُ: مَلْآنُ، وجمْعه عُجْرٌ، قال عَنْتَرَةُ:
أَبَنِي زَبِيبَةَ ما لِمُهْرِكُمْ *** مُتَخَدِّدًا وبُطُونُكُم عُجْرُ
والخَلَنْجُ في وَشْيِهِ عُجَرٌ، والسَّيْفُ في فِرِنْدِه عُجَرٌ، وقال أَبو زُبَيْد:
فأَوّل مَنْ لَاقَى يَجُولُ بسَيْفِهِ *** عَظِيمُ الَحَواشي قدْ شَتَا وهو أَعْجَرُ
والأَعْجَرُ: الكَبِيرُ العُجَرِ.
وسَيْفٌ ذو مَعْجَرٍ: في مَتْنِه كالتَّعْقِيدِ.
وقال الفَرّاءُ: الأَعْجَرُ: الأَحْدَبُ، وهو الأَفْزَرُ، والأَفْرَصُ، والأَفْرَسُ، والأَدَنُّ، والأَثْبَجُ.
وقال غيرُه: عَجَرَ به بَعِيرُه عَجَرَانًا، كأَنَّه أَرادَ أَن يَرْكَبَ به وَجْهًا، فرَجَعَ به قِبَلَ أُلّافِهِ وأَهْلِهِ، مثل عَكَرَ بِهِ.
وفي حَقْوَيْهِ عُجْرَةٌ، وهي أَثَرُ التِّكَّةِ، قال أَبو سَعِيدٍ في قول الشّاعر:
فَلَوْ كُنْتَ سَيْفًا كانَ أَثْرُكَ عُجْرَةً *** وكُنْتَ دَدَانًا لا يُؤَبِّسُه الصَّقْلُ
يقول: لو كُنْتَ سَيفًا كُنتَ كَهَامًا بمنزلة عُجْرَةِ التِّكَّةِ.
كهَامًا: لا يَقْطَعُ شَيْئًا.
ويُقَال: عَجَرَهُ بالعَصَا وبَجَرَهُ، إِذا ضَرَبَه بها فانْتَفَخَ مَوْضِعُ الضَّرْبِ منه.
والعِجْرَةُ، بالكَسْر: نَوْعُ من العِمَّةِ، يقال: فلانٌ حَسَنُ العِجْرَةِ.
وقال الفَرّاءُ: جاءَ فُلانٌ بالعُجَرِ والبُجَرِ؛ أَي بالكَذِبِ، وقيل [هو] الأَمرُ العَظِيمُ.
وفي تهذيب ابنِ القَطّاعِ: عَجَرْتُ الشيْءَ: شَقَقْتُه، والمُعَاجِرُ: المُشاقّ ومنه قراءَةُ من قَرَأَ: يَسْعَوْنَ في آياتِنَا مُعَاجِرِينَ أَي مُشَاقِّينَ.
ومحمّدُ بنُ عَلِيّ بنِ أَحمَدَ بنِ عَجُّور المَقْدِسِيّ، كتَنُّور: سَمِعَ على الحافظ ابن حَجَرٍ، مات بالقُدْسِ سنة 894.
والعَجر بالفَتْح: قَرْيَةٌ بحَضْرَمَوْتَ من مُضَافاتِ قَسْم.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
34-تاج العروس (قر قرر قرقر)
والقَرْقَرَةُ: الضَّحِكُ إِذا اسْتُغْرِبَ فيه ورُجِّعَ، وقال ابنُ القَطّاع: هو حِكَايَةٌ الضّحِك. وقال شَمِرٌ: هو شِبْهُ القَهْقَهَةِ.وفي الحديث: «لا بَأْسَ بالتَّبَسُّم ما لَمْ يُقَرْقِر». والقَرْقَرَة: هَدِيرُ البَعِيرِ، أَو أَحْسَنُه؛ الأَخِيرُ لابْنِ القَطَّاع. وقَرْقَرَ البَعِيرُ قَرْقَرَةً، وذلك إِذا هَدَلَ صَوْتَه ورَجَّعَ؛ والجَمْعُ القَرَاقِرُ، والاسْمُ القَرْقَارُ، بالفَتْح. يقال: بَعِيرٌ قَرْقَارُ الهَدِير: صافِي الصَّوْتِ في هَدِيرِه، قال حُمَيْدٌ:
جاءَ بِهَا الوُرّادُ يَحْجِزُ بَيْنَهَا *** سُدًى بَيْنَ قَرْقَارِ الهَدِيرِ وأَعْجَمَا
والقَرْقَرَةُ: صَوْتُ الحَمَامِ إِذا هَدَرَ، وقَدْ قَرْقَرَتْ قَرْقَرَةً، كالقَرْقَرِيرِ، نادِرٌ، وأَنشد ابنُ القَطَّاع:
إِذا قَرْقَرَتْ هاجَ الهَوَى قَرْقَرِيرُها
وقال ابنُ جِنّي: القَرْقِيرُ [فَعْلِيل] جَعَلَه رباعيًّا. قلتُ: وقرأْتُ في كِتَابِ غَرِيب الحَمَامِ للحَسَنِ بن عبد الله الكاتِبِ الأَصْبَهَانِيّ ما نَصّه: وقَرْقَرَ الحَمَامُ قَرْقَرَةً، وقَرْقارًا؛ والقَرْقارُ الاسْمُ والمَصْدَرُ جميعًا، وكذلك القَرْقَرَة، قال:
فوَ اللهِ ما أَنْساكِ ما هَبَّتِ الصَّبَا *** وما قَرْقَرَ القُمْرِيُّ في ناضِرِ الشَّجَرْ
والقَرْقَرَةُ: أَرضٌ مُطْمَئنَّة لَيِّنةٌ يَنْحَازُ إِليها الماءُ، كالقَرْقَرِ، بلا هاءٍ. وفي حَدِيث الزَّكَاة: «بُطِحَ له بِقاعٍ قَرْقَرٍ»، هو المكانُ المُسْتَوِي. وقِيلَ: القَرْقَرَة: الأَرضُ المَلْسَاءُ ليست بجِدِّ وَاسِعَة، فإِذا اتَّسَعَت غَلَبَ عليها اسمُ التَّذْكِيرِ فقالُوا: قَرْقَرٌ. قال: والقَرَقُ: مثل القَرْقَر سَواءٌ. وقال ابنُ أَحْمَر: القَرْقَرَةُ: وَسَطُ القاعِ، ووَسَطُ الغائطِ المَكَانُ الأَجْرَدُ منه لا شَجَر فيه ولا دَفّ ولا حِجَارَة، إِنّمَا هي طِينٌ لَيْسَت بجَبَل ولا قُفٍّ، وعَرْضُهَا نحوٌ من عَشَرَةِ أَذْرُعٍ أَو أَقلّ، وكذلك طُولها. والقَرْقَرَةُ: لَقَبُ سَعْدٍ هازِلِ النُّعْمَانِ بنِ المُنْذِر مَلِكِ الحِيرَة، كانَ يَضْحَك منه، يُقَالُ له: «سَعْدٌ القَرْقَرَةُ» وسيأْتِي له ذِكر في «س بلد ف».
وفي الحديثِ: «فإِذا قُرِّبَ المُهْلُ منه سَقَطَت قَرْقَرةُ وَجْهِه»، القَرْقَرةُ من الوَجْهِ: ظاهِرُه وما بَدَا منه؛ هكذا فَسَّره الزمخشريّ. قال: ومنه قِيل للصَّحراءِ البارِزَةِ: قَرْقَر. وقيل: القَرْقَرة: جِلْدَةُ الوَجْهِ؛ حكاه ابنُ سِيده عن الغَرِيبَيْن للهروِيّ. ويُرْوَى: «فَرْوةُ وَجْهِه» بالفاءِ. أَو ما بدَا من مَحاسِنه، ورَقْرقَ، فهو تصحيف رقْرقة.
ويقال: شَرِبَ بالقَرْقارِ، القَرْقارُ، بالفَتْح: إِناءٌ من زُجاجٍ، طَوِيلُ العُنُقِ، وهو الذي يُسَمّيه الفُرْسُ بالصُّرَاحِيّ.
وهو في الأَساسِ واللّسَانِ «القَرْقارَةُ» بالهاءِ، وفي الأَخِير: سُمِّيتْ بذلك لقَرْقَرَتِها.
والقَرْقَارةُ بالهاءِ: الشِّقْشِقَةُ؛ أَي شِقْشِقَة الفَحْلِ إِذا هَدَرَ.
والقُرَاقِرُ، كعُلابِطٍ: الحادِي الحسَنُ الصَّوتِ الجيِّدُهُ، كالقُراقِريّ، بالضمّ، وهو من القَرْقَرة. قال الراجز:
أَصْبَح صَوْتُ عامرٍ صَئِيَّا *** مِنْ بَعْدِ ما كانَ قُرَاقِرِيَّا
فمَنْ يُنَادِي بَعْدَكَ المَطِيَّا
والقُرَاقِرُ: فَرسٌ لِعَامِرِ بن قيْسٍ، قال:
وكان حَدّاءً قُرَاقِرِيَّا
والقُرَاقِرُ سَيْفُ ابنِ عامِرٍ هكذا في النُّسخ، وهو غَلطٌ، وصوابه؛ سَيْفُ عامِرِ بن يَزيد بن عامِرِ بن المُلَوَّح الكِنانيّ.
وقُرَاقِرُ: فرَسُ أَشْجَعَ بنِ رَيْثِ بن غَطَفَانَ.
وقُرَاقِر: موضع بْينَ الكُوفَةِ وواسَطٍ ويُقَال: بَيْن الكُوفَة والبَصْرَة قريبٌ من ذِي قارٍ، وهو اسمُ ماءٍ بعَيْنِه. وقال ابنُ بَرِّيّ: هو خَلْفَ البَصْرَة، ودُونَ الكَوفَة، قَرِيبٌ من ذِي قار، ومنه غَزَاةُ قُرَاقِرٍ. قال الأَعْشَى:
فِدًى لِبَنِي ذُهْلِ بنِ شَيْبَان ناقتِي *** وراكِبُهَا يومَ اللِّقَاءِ وقَلَّتِ
همُ ضَرَبُوا بالحِنْو حِنْوِ قُرَاقِرٍ *** مُقَدِّمةَ الهَامَرْزِ حَتَّى تَوَلَّتِ
قال ابنُ بَرِّيّ: يَذْكُر فِعْلَ بَنِي ذُهْل يومَ ذي قارٍ، وجعلَ النَّصْرَ لهم خاصَّةً دونَ بني بَكْرِ بنِ وائلٍ. والهَامَرْزُ: رجلٌ من العَجَم من قُوَّاد كِسْرَى. وفي الرَّوضِ الأُنف للسهيليّ: وأَنشد ابنُ هِشَام للأَعشى:
والصَّعْبُ ذُو القَرْنَيْنِ أَصْبَح ثاوِيًا *** بالحِنْوِ في جَدَثٍ أُمَيْمَ مُقِيمِ
قال: قولُه: بالحِنْوِ يريد حِنْوَ قُرَاقِر الّذِي ماتَ فيه ذُو القَرْنَيْن بالعِرَاق.
وقُرَاقِر: موضع بالسَّماوَة في بادِيَة الشامِ لِبَنِي كَلْبٍ تَسِيلُ إِليه أَوْدِيَةُ ما بَيْنَ الجَبَلَيْنِ في حقِّ أَسَدٍ وطَيِّئ.
وقُرَاقِرُ: قاعٌ مُسْتَطِيلٌ بالدَّهْنَاءِ، وقِيلَ: هي مَفازَةٌ في طَريق اليَمامَة قَطَعها خالدُ بنُ الوَليد. وقد جاءَ ذكْرُها في الحَدِيث، وهكذا فَسّرَهُ ابنُ الأَثِير.
والقُرَاقِرَةُ، بهاءٍ: الشِّقْشِقةُ كالقِرْقَارَةِ. ولو ذَكَرَهُمَا في مَحَلٍّ واحد لأَصَابَ.
وقُرَاقِرَاةُ: ماءَةٌ بنجْد.
والقُرَاقِرةُ: المرْأَةُ الكثِيرةُ الكَلامِ، على التَّشْبِيه.
وقُراقِريّ بالضمّ: موضع ذكَرهُ الصاغانيّ.
وقَرَاقِرٌ، بالفتْح: موضِعٌ من أَعْراضِ المدِينَةِ شرَّفها الله تعالى، لآلِ الحسنِ بن علِيٍّ رضي الله عنهما، وليس بتَصْحِيفِ قُرَاقِر ـ بالضّمِّ ـ كما زَعَمَ بعضُهُم، فإِنّ ذلِك بالدَّهناءِ؛ وقد تَقَدَّم.
والقُرْقُورُ، كعُصْفُورٍ: السَّفِينَةُ، أَو الطّويلة، أَو العظِيمةُ، والجمع القَرَاقِير. ومنه قولُ النابِغة:
قَرَاقِيرَ النَّبِيطِ على التِّلالِ
وفي الحَدِيثِ: «فإِذا دخَل أَهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ ركِبَ شُهداءُ البحْرِ في قَرَاقِيرَ من دُرٍّ».
وفي حديثِ مُوسَى عليه وعلى نَبِيّنَا أَفضلُ الصَّلاة والسلام: «ركِبُوا القَرَاقِيرَ حَتَّى أَتَوْا آسِيَةَ امْرأَةَ فِرْعْونَ بِتَابُوتِ مُوسى».
وفي الحَدِيث: «خَرَجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم على صَعْدةٍ، يَتْبعُهَا حُذَاقِيُّ، عليها قَوْصَفٌ، لم يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا قَرْقَرُها» الصَّعْدةُ: الأَتانُ. والحُذاقِيّ: الجَحْشُ. والقَوْصفُ: القَطِيفَة.
والقَرْقَرُ: الظَّهْرُ، كالقِرْقِرَّى، كفِعْفِلَّى، بكسر الفَاءَيْن وتشديد الّلام المفتوحة. وفي بعض النُّسخ بِفتْحِ الفاءَيْن وتَخْفِيف الّلام. قال شَيْخُنَا: ومثلُه في شرح التَّسْهيل لأَبي حيّانَ، ولكنّه فَسّره بأَنّه اسمُ موْضع، وكذلِك الجوهرِيّ.
قلتُ: الَّذِي ذَكَرُوه أَنَّه اسمُ مَوْضِع هو «قَرْقَرَى» بالفَتْح، ووَزَنُوه بفَعلَلَى، ولا إِخالُه إِلّا هذا، وما ذَكَره المُصَنّف غَرِيبٌ. ثم إِنّهُم اقْتَصرُوا على ذكْر المَوْضِع، ولم يُحلّوه.
ووجدتُ أَنا في معجم البِلاد ما نصّه: قَرْقَرى، مقصورًا: بلَدٌ من اليمامة، أَرْبعةُ حُصُونٍ: اثنانِ لثَقِيف، وحِصْنٌ لكِنْدَةَ، وآخَرُ لِنُمير.
والقَرْقَرُ: القَاعُ الأَمْلَسُ، ومنه حديثُ الزَّكَاةِ، وقد تَقَدَّم قريبًا في كِلامِه، فهو تَكْرَارٌ، ويَرْتكِبُ مثلَ هذا كثيرًا.
والقَرْقَرُ: لِباسُ المرْأَةِ، لغةٌ في القَرْقَل؛ قاله الصاغانيّ.
ويُقَال: شُبِّهتْ بَشَرةُ الوَجْهِ به؛ كذا في اللّسَان. ومن المَجَازِ: قَال بَعْضُ العَرب لرجُلٍ: أَمِنْ أُسْطُمَّتِها أَنْتَ أَمْ مِنْ قَرْقَرِهَا؟ القَرْقَرُ من البَلْدةِ: نَواحِيها الظاهِرَة، على التّشبيه بقَرْقَرَةِ الوَجْه؛ هكذا ذكرَهُ الصاغانيّ. وفي الأَساس: يقال: هو ابنُ قَرْقَرِها، كما يُقَالُ: ابن بَجْدَتِها.
والقِرِّيَّة، كجرِّيَّة: الحَوْصَلَةُ والقِرِّيَّةُ: لقَبُ جُمَاعَةَ بنَت جُشَمَ وهي أُمّ أَيُّوبَ بن يَزيدَ البليغِ الشاعر الفَصيح المعْرُوف وهو أَيُّوبُ بنُ يَزيدَ بن قَيْس بن زُرَارة بن سَلمَة بن جُشَم بن مالك بن عَمْرو بن عامِرِ بن زَيْدِ منَاةَ بنِ عَوْفِ بنِ سعْدِ بنِ الخَزْرج بنِ تَيْمِ اللهِ بنِ النَّمِر، وكانَ ابن القِرِّيَّةِ خَرج مع ابنِ الأَشْعثِ، فقَتَلَه الحجّاجُ بنُ يُوسُفَ؛ ذكره ابنُ الكَلْبِيّ.
والقَرَارِيُّ: الخَيّاطُ، قال الأَعشَى:
يَشُقُّ الأُمُورَ ويجْتَابُها *** كشَقِّ القَرَارِيِّ ثَوْبَ الرَّدَنْ
وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: يُقَال للخَيّاطِ: القَرَارِيّ، والفُضُوليّ، وهو البِيَطْرُ. وقِيل: القَرَارِيّ: القَصّابُ، قال الرّاعِي في رِواية غيرِ ابن حَبِيب:
ودَاوِيٍّ سَلخْنا اللَّيْلَ عنه *** كما سَلَخَ القَرارِيُّ الإِهَابَا
والقَرَارِيُّ: الحضَرِيُّ الّذِي لا يَنْتَجِعُ، يكونُ من أَهْلِ الأَمْصَارِ، أَو كلّ صانِعٍ عند العَرب قَرَارِيّ. قلتُ: وقد استعملَتْه العامَّةُ الآن في المُبالَغَة فيَقُولُون إِذا وَصَفُوا صانِعًا: خيّاطٌ قَرَارِيٌّ، ونَجّارٌ قَرَارِيٌّ.
ومن المَجازِ قولُهُمْ: قَرْقَارِ، مبْنِيَةً على الكَسْرِ، وهو معدولٌ، قال الأَزْهَرِيّ: ولم يُسْمع العَدْلُ في الرُّباعي إِلّا في عَرْعَارِ وقَرْقَارِ. قال أَبُو النَّجْمِ العِجْلِيُّ:
حتَّى إِذا كان علَى مُطَارِ *** يُمْنَاهُ واليُسْرَى على الثَّرْثَارِ
قالَتْ لهُ رِيحُ الصَّبَا قَرْقَارِ
أَي اسْتِقرِّي، ويُقَال للرَّجُلِ: قَرْقَارِ؛ أَي قَرَّ واسْكُنْ.
ومعنى البيْتِ: قالتْ له رِيحُ الصَّبا: صُبَّ ما عِنْدكَ من الماءِ مُقْتَرِنًا بصوْتِ الرَّعْدِ، وهو قَرْقَرتُه.
وقال ابنُ الأَعْرابِيّ: المَقَرَّةُ: الحَوْضُ الصَّغِيرُ يُجْمع فيه المَاءُ. قال الصاغَانيّ: وكَوْنُ المقَرَّةِ الجَرَّة الصَّغِيرَة التي هي فَوْقَ الكُوز ودُون الجرَّةِ لُغَةٌ يمانِيَّة، وفِيه تَوَسُّعٌ وتَسامُحٌ.
والقَرَارَةُ: القَصِيرُ، على التَّشْبِيه، والقَرَارَةُ: القَاعُ المُسْتَدِيرُ، قاله ابنُ الأَعْرابيّ. وقد تَقدّم في كَلام المُصَنّف، فهو تَكْرار.
والقَرُورَةُ: الحقِيرُ، نقله الصاغانيّ.
والقَرَوْرَى ـ بفتح القافِ والراءِ الأُولَى. وكَسْرِ الرّاءِ الثانية؛ كذا في النُّسَخ، وهو خطأٌ والصَّوابُ كما ضَبَطه الصاغانيّ بفَتحَات، وقال: هُوَ من صِفَةِ الفَرَس المَدِيد الطَّوِيل القَوَائمِ.
وقال أَيضًا: وقَرَوْرَى؛ أَي بالضَّبْطِ السابِق: موضع بَيْنَ الحاجِر والنُّقرَة.
ومن المَجاز: يُقَال عِنْدَ المُصِيبَة الشَّدِيدَة تُصِيبهُم: «صابَتْ بقُرٍّ». ورُبمَا قالوا: «وَقَعَتْ بقُرٍّ»، بالضَّم؛ أَي صارتْ الشِّدَّةُ في قَرارِهَا أَي إِلى قَرَارِهَا. وقال ثعْلبٌ: وَقَعَتْ في المَوْضِع الذِي يَنْبَغِي. قال عَدِيُّ بنُ زَيْد:
تُرَجِّيهَا وقدْ وَقَعَتْ بقُرٍّ *** كما تَرْجُو أَصاغِرَها عَتِيبُ
وقال الزَّمخشريّ: إِذا وَقَع الأَمْرُ مَوْقِعَه قالُوا: صابَتْ بقُرٍّ. قال طَرَفَةُ:
كُنْت فِيهمْ كالمُغطِّي رَأْسهُ *** فانْجَلَى اليَوْمَ غِطائِي وخُمُرْ
سادِرًا أَحسَبُ غَيِّى رَشَدًا *** فتَناهَيْتُ وقد صابَتْ بقُرّ
وقال أَبو عُبَيْدٍ في بابِ الشِّدَّة: صابَتْ بقُرٍّ، إِذا نَزَلَتْ بهم شِدَّةٌ. قال: وإِنّمَا هو مَثَلٌ. وقال الأَصمعيّ: وَقع الأَمْرُ بِقُرِّهِ؛ أَي بمُسْتَقَرِّه. وقال غيرُه: يُقال للثّائر إِذا صادَفَ ثَأْرَه: وَقَعْتَ بقُرِّكَ؛ أَي صادَفَ فُؤادُكَ ما كان مُتطلِّعًا إِليه.
وقَارَّهُ مُقارَّةً: قَرَّ معه وسَكَنَ، ومنه قَوْلُ ابنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: قَارُّوا الصَّلاةَ، هو من القَرَارِ لا مِنَ الوَقارِ، ومعناهُ السُّكُونُ؛ أَي اسْكُنُوا فيها ولا تَتَحَرَّكُوا ولا تَعْبَثُوا، وهو تَفَاعُلٌ من القَرَارِ.
وأَقَرَّهُ في مَكَانِه فاسْتَقَرَّ، وفي حَدِيث أَبِي مُوسَى: «أُقِرَّت الصَّلاةُ بالبِرِّ والزَّكَاة» أَي اسْتَقَرَّت مَعَهُما وقُرِنَت بِهِمَا.
وقال اللَّيْث: أَقْرَرْتُ الشَّيْءَ في مَقَرِّه لِيَقِرَّ.
وفُلانٌ قارٌّ: ساكِنٌ. وأَقَرَّت الناقَةُ: ثَبَت ـ وفي تهذيب ابنِ القَطّاع: ظَهَر، وقال غيرُه: اسْتَبانَ ـ حَمْلُهَا، فهي مُقِرٌّ، وقد تقدَّم ذلك في كَلامِه، فهو تَكْرَار.
وتَقَارَّ الرَّجُلُ: اسْتَقَرَّ، وفي حديثِ أَبِي ذَرٍّ: فلم أَتَقارَّ أَنْ قُمْتُ» أَي لم أَلْبَثْ، وأَصلُه أَتَقارَر، فأُدْغِمَت الرّاءُ في الرّاءِ.
وقَرُورَاءُ، كجَلُولاءَ: موضع.
وقَرَارٌ، كسَحَابِ: قَبِيلَةٌ قَلِيلَةُ باليَمَن، منهم عليُّ بنُ الهَيْثَم بنِ عُثْمَانَ القَرَارِيُّ، رَوَى عنه ابنُ قَانع؛ وأَبُو الأَسَدِ سَهْلٌ القَرَارِيّ، رَوَى عنه الأَعْمَشُ.
وقَرَارٌ: موضع بالرّومِ، ذكره الصاغانيّ.
وسُمُّوا قُرَّة، بالضَّمّ، وقُرْقُر، كهُدْهُد، وزُبَيْر، وإِمامٍ، وغَمَام. أَمّا المُسَمَّوْنَ بقُرَّةَ فكثيرُون. ومن الثّانِي: أَحمدُ بنُ عُمَرَ بنِ قُرْقُرٍ الحَذَّاءُ، بَغْدادِيٌّ؛ وابنُ أَخِيه عبدُ الوَاحِد بنُ الحُسَيْنِ بنِ عُمَرَ بنِ قُرْقُر، سَمِع، الدّارَقُطْنِيّ. وفاتَهُ قَرْقَر، كجَعْفَر، منهم: عَبْدُ الله بنُ قَرْقَر؛ هكذا ضَبَطَه الصاغَانيّ والحافِظ، حدَّث عن أَبِي عَرُبَةَ الحَرّانِيّ، وعنه ابْنُ جُمَيْع.
وكذا قَرِيرٌ، كأَمِير، منهم عبدُ العَزيز بنُ قَرِيرٍ، عن ابْنِ سِيرِينَ؛ وأَخُوه عبدُ المَلِكِ بنُ قَرِيرٍ، عن طَلْقٍ اليَمَامِيِّ. وقِرَارُ بنُ ثَعْلَبَةَ بنِ مالِكٍ العَنْبَرِيّ، بالكَسْر.
وغالِبُ بنُ قَرَار، بالفَتْح.
ودَهْثَمُ بنُ قُرّانَ ـ بالضَّمّ ـ رَوَى عنه مَرْوَانُ الفَزارِيُّ. وأَبو قُرّانَ طُفَيْلٌ الغَنَوِيّ شاعِرٌ. وغالِبُ بن قُرّانَ، له ذِكْر.
وعُثْمَانُ القُرَيْرِيُّ ـ بالضَّمّ ـ صاحِبُ كَشْف وأَتْبَاعٍ، مات بكَفْرِ بَطْنَا في بِضْع وثمانِينَ وسِتّمائة. والمُقْريءُ شِهَابُ الدِّين بنُ نَمِرٍ القُرَيْرِيُّ الشافعيُّ.
وقُرَارٌ كهُمامٍ: موضع، نقله الصاغانيّ، قلت: وهو في شعر كَعْبٍ الأَشْقَرِيّ.
* وممّا يُسْتَدْرك عليه:
مِنْ أَمْثَالِهِم لِمَنْ يُظْهِرُ خِلافَ ما يُضْمِرُ: «حِرَّةٌ تَحْتَ قِرَّة». ويقال: أَشَدُّ العَطشِ حِرَّةٌ على قِرَّة. ويُقال أَيضًا: ذَهَبَتْ قِرَّتُهَا؛ أَي الوَقْتُ الذِي يَأْتِي فيه المَرَضُ، والهاءُ للعِلَّة.
وقولُهُم: وَلِّ حارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّها، أَيْ شَرَّهَا مَنْ تَوَلَّى خَيْرَهَا؛ قاله شمِرٌ. أَو شَدِيدَتهَا مَنْ توَلَّى هَيِّنَتَهَا. وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: يَوْمٌ قَرٌّ، ولا أَقولُ: قارٌّ، ولا أَقُولُ: يَوْمٌ حَرٌّ.
وقِيل لِرَجُل: ما نَثَرَ أَسْنَانَك؟ فقال: أَكْلُ الحَارِّ، وشُرْبُ القارِّ.
وفي حدِيثِ حُذَيْفَةَ في غزْوَةِ الخَنْدَق: «فلمّا أَخبرتُه خبَرَ القَوْمِ وقَرَرْتُ قَرِرْت» أَي لَمّا سَكَنْتُ وَجَدْتُ مَسَّ البَرْدِ.
والقَرُّ: صَبُّ الماءِ دَفْعَةً واحدةً.
وأَقْرَرْتُ الكَلامَ لِفُلانٍ إِقْرَارًا؛ أَي بَيَّنْتُه حَتَّى عَرَفَه.
وقَرْقَرَتِ الدَّجَاجَةُ قَرْقَرةً: رَدَّدَتْ صَوْتَها.
وقَرُّ الزُّجَاجَةِ: صَوْتُهَا إِذا صُبَّ فيها الماءُ.
والقَرَارُ، بالفتح: الحَضَرُ، وإِليه نُسِب القَرارِيّ، لاسْتِقْرَارِه في المَنَازِلِ، ومنهحديثُ نائلٍ مَوْلَى عُثْمَانَ: قُلْنَا لرَبَاحِ بن المُغْتَرِف: «غَنِّنا غِنَاءَ أَهْلِ القَرَارِ».
{وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} أَي قَرَارٌ وثُبُوتٌ. و {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ} أَي غايَةٌ ونِهَايَةٌ تَرَوْنَه في الدُّنْيَا والآخِرَة.
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها}؛ أَي لِمَكانٍ لا تُجَاوِزُه وَقْتًا ومَحَلًا، وقيل: لأَجَلٍ قُدِّر لها.
وأَما قوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} قُرِئَ بالفَتْح، وبالكَسْر. قيل: من الوَقَارِ، وقيل: من القَرار.
وفي حديثِ عُمَرَ: «كُنْتُ زَمِيلَهُ في غَزْوَةِ قَرْقَرَةِ الكُدْرِ».
الكُدْرُ: ماءٌ لِبَنِي سُليْمٍ. والقَرْقَرُ: الأَرْضُ المستويةُ.
وقِيلَ: إِنّ أَصْلَ الكُدْرِ طيْرٌ غُبْرٌ سُمِّيَ المَوْضِعُ أَو الماءُ بها.
وسيأْتِي في الكافِ قَرِيبًا إِنْ شاءَ الله تعالى.
والقَرَارَةُ: مَوضعٌ بمكَّةَ معروفٌ.
ويُقال: صارَ الأَمْرُ إِلى قَرَارِه، ومُسْتَقَرِّه، إِذا تَناهَى وثَبت.
وفي حديثِ عُثْمَانَ: «أَقِرُّوا الأَنْفُسَ حَتَّى تَزْهَقَ» أَي سَكِّنوا الذَّبائحَ حَتَّى تُفَارِقَها أَرْواحُها ولا تُعْجِلُوا سَلْخَهَا ولا تَقْطِيعَها.
وفي حديث البُرَاقِ: «أَنَّه اسْتصْعَبَ ثم ارْفضَّ وأَقرَّ»؛ أَي سَكَنَ وانْقادَ.
وقال ابنُ الأَعرابِيّ: القَوَارِيرُ: شَجرٌ يُشْبِهُ الدُّلْب تُعْمَلُ منه الرِّحال والمَوَائِد. والعَرَبُ تُسمِّي المَرْأَةَ القَارُورَةَ، مَجازًا. ومنهالحديثُ: «رُوَيْدَكَ، رِفْقًا بالقَوَارِيرِ» شَبَّهَهُنَّ بها لضَعفِ عَزَائِمِهِنَّ وقِلَّةِ دَوامِهِنّ على العَهْدِ، والقَوَارِيرُ من الزُّجاج يُسرِعُ إِليهَا الكَسْرُ ولا تَقْبَلُ الجَبْرَ. فأَمَر أَنْجَشَةَ بالكَفِّ عن نَشِيدِه وحُدائه حِذَارَ صَبْوَتِهِنَّ إِلى ما يَسْمَعْنَ فيَقَعُ في قُلوبِهِنّ. وقيلَ: أَرادَ أَنَّ الإِبِلَ إِذا سَمِعَتِ الحُدَاءَ أَسْرَعَتْ في المَشْيِ واشتدَّت، فأَزْعَجَتِ الرّاكِبَ فأَتْعَبَتْه، فنَهاهُ عن ذلك لأَن النِّساءَ يَضْعُفْنَ عن شِدَّة الحَرَكَة. ورُوِيَ عن الحُطَيئة أَنّه قال: «الغِنَاءُ رُقْيَةُ الزِّنَى» وسَمعَ سُلَيْمَانُ بنُ عبدِ المَلِكِ غِناءَ راكبٍ لَيْلًا، وهو في مِضْرَب له، فبَعَثَ إِلَيْه من يُحْضِرُه، وأَمَرَ أَنْ يُخْصَى، وقال: ما تَسْمَعُ أُنْثَى غِنَاءَه إِلا صَبَتْ إِلَيْه. وقال: ما شَبَّهْتُه إِلّا بالفَحْلِ يُرْسَلُ في الإِبِلِ، يُهَدِّرُ فِيهِنَّ فيَضْبَعُهُنَّ.
ومَقَرُّ الثَّوْبِ: طَيُّ كَسْرِه؛ عن ابنِ الأَعْرَابيّ.
والقَرْقَرَةُ: دُعَاءُ الإِبِل؛ والإِنْقَاضُ: دُعَاءُ الشّاءِ والحَمِير.
قال شِظَاظٌ:
رُبَّ عَجُوزٍ من نُمَيْرٍ شَهْبَرَهْ *** عَلَّمْتُها الإِنْقاضَ بَعْدَ القَرْقَرَةْ
أَي سَبَيْتُها فَحَوَّلْتُهَا إِلى ما لَمْ تعْرفْه.
وجَعَلُوا حِكَايَةَ صَوْت الرِّيحِ قَرْقَارًا.
والقَرْقَرِيرُ: شِقْشِقَةُ الفَحْلِ إِذا هَدَرَ.
ورَجُلٌ قُرَاقِرِيٌّ، بالضَّمّ: جَهِيرُ الصَّوْتِ. قال:
قَدْ كانَ هَدّرًا قُرَاقِرِيَّا
وقَرْقَرَ الشَّرَابُ في حَلْقَهِ: صَوَّتَ. وقَرْقَرَ بَطْنُه: صَوَّتَ من جُوعٍ أَو غَيْرِه. قال ابنُ القَطّاع في كِتَاب الأَبْنِيَة له: وكانَ أَبو خِرَاشِ الهُذَلِيّ من رِجَالِ قَوْمِه، فخرَج في سَفَرٍ له. فمَرَّ بامرأَة من العَرَب، ولم يُصِبْ قبلَ ذلك طَعامًا بثَلاث أَو أَرْبَع. فقال: يا رَبَّةَ البَيْتِ، هَلْ عِنْدَكِ من طَعَامٍ؟
قالت: نَعَمْ. وأَتَتْهُ بعُمْرُوس فذَبَحَهُ وسَلَخَه، ثم حَنَّذَتْه وأَقْبَلَتْ به إِليه. فلما وَجَد رِيحَ الشِّوَاءِ قَرْقَرَ بَطْنُه، فقال: وإِنَّك لتُقَرْقِرُ مِنْ رائِحَةِ الطَّعَامِ، يا رَبَّةَ البَيت، هَلْ عِنْدَكم من صَبِرٍ؟ قالتْ: نعم، فما تَصْنَع به؟ قال: شيءٌ أَجِدُه في بَطْنِي. فَأَتَتْهُ بصَبرٍ فمَلأَ رَاحَتَه ثم اقْتَمَحْهُ وأَتْبَعه المَاءَ. ثم قال: أَنتِ الآنَ فَقَرْقِرِي إِذا وَجَدْتِ رائحةَ الطَّعَام. ثم ارْتَحَلَ ولَمْ يَأْكُل. فقالتْ له: يا عَبْدَ الله، هَلْ رَأَيْتَ قَبِيحًا؟ قال: لا والله إِلَّا حَسَنًا جَمِيلًا. ثم أَنشأَ يقولُ:
وإِنّي لأُثْوِي الجُوعَ حَتَّى يَمَلَّنِي *** جَنَانِي ولَمْ تَدْنَس ثِيابِي ولا جِرْمي
وأَصْطَبِحُ المَاءَ القَرَاحَ وأَكْتَفِي *** إِذا الزَّادُ أَمْسَى للمُزَّلجِ ذا طَعْمِ
أَرُدُّ شُجَاعَ البَطْنِ قد تَعْلَمِينَه *** وأُوثِرُ غَيْرِي من عِيالِكِ بالطُّعْمِ
مَخَافَةَ أَنْ أَحْيَا برَغْم وذِلَّةٍ *** ولَلْمَوْتُ خَيرٌ من حياةٍ على رَغْمِ
قلتُ: وقد قَرَأْتُ هذِه القِصَّةَ هكذا في «بُغْيَةِ الآمَالِ» لأَبِي جَعْفَرٍ اللَّبْلِيِّ اللُّغَوِيِّ.
وقال ابنُ الأَعْرَابيّ: القُرَيْرَةُ: تصغِير القُرَّةِ، وهِيَ ناقَةٌ تُؤْخَذُ من المَغْنَم قَبْلَ قِسْمَةِ الغَنَائمِ فتُنْحَر وتُصْلح ويأْكُلُهَا الناسَ، يُقَال لها: قُرَّةُ العَيْنِ.
وتَقَرُّرُ الإِبلِ، مثْلُ اقْتِرَارِهَا.
وهو ابن عِشْرِينَ قارَّةٍ سَوَاءٍ، وهو مَجَازٌ.
وقُرّانُ، بالضّمِّ: فَرَسُ عَمْرِو بنِ رَبِيعَةَ الجَعْدِيِّ.
واذْكُرْنِي [في] المَقَارِّ المُقَدِّسَةِ.
وأَنا لا أُقَارُّك على ما أَنْتَ عليه؛ أَي لا أَقَرُّ مَعَكَ.
وما أَقَرَّنِي في هذا البَلَدِ إِلّا مَكَانُك.
ومن المَجَازِ: إِنّ فُلانًا لَقَرَارَةُ حُمْق وفِسْقٍ.
وهو في قُرَّةٍ من العَيْشِ: في رَغَدٍ وطِيبٍ.
وقَرْقَرَ السَّحَابُ بالرَّعْدِ.
وفي المَثَلِ: «ابْدَأْهُمْ بالصُّراخ يَقِرّوا» أَي ابْدَأْهُم بالشِّكايَة يَرْضُوْا بالسُّكُوت.
وقَرْقَرٌ، كجَعْفَر: جانبٌ من القُرَيَّة، به أَضاةٌ لِبَنِي سِنْبِسٍ، والقُرَيَّة: هذِه بَلْدَةٌ بين الفَلَج ونَجْرانَ.
وقَرْقَرَى، بالفَتْح مقصورًا، تَقَدّم ذِكْره.
وقِرّانُ، بكَسْرٍ فتَشْدِيد راءٍ مَفْتُوحَة: ناحِيَةٌ بالسَّرَاةِ من بِلادِ دَوْسٍ، كانَت بها وَقْعَةٌ؛ وصُقْعٌ من نَجْدٍ؛ وجَبَلٌ من جِبَالِ الجَدِيلَة. وقد خُفِّفَ في الشِّعْر، واشتهر به حَتّى ظُنَّ أَنَّهُ الأَصْل.
وقُرَّةُ، بالضَّم: بَلَدٌ حَصِينٌ بالرُّوم.
ودَيْرُ قُرَّةَ: مَوْضِعٌ بالشَّام. وقُرَّةُ: أَيضًا مَوْضِعٌ بالحِجَازِ، في دِيارِ فِرَاس، من جِبالِ تِهَامَةَ لهُذَيْل.
وسِراجُ بن قُرَّةَ: شاعِرٌ من بَنِي عبد اللهِ بن كِلابٍ.
وقُرَّةُ بنُ هُبَيْرَة القُشَيرِيّ، الذي قتَلَ عِمْرَانَ بنَ مُرَّةَ الشَّيْبَانِيَّ.
والقَرْقَرُ، كجَعْفَرٍ: الذَّلِيلُ؛ نَقَلَه السُّهَيلِيّ. قُلتُ: وهو مَجَازٌ، مأْخوذٌ من القَرْقَرِ، وهو الأَرْضُ المَوْطُوءَةُ التي لا تَمْنَعُ سالِكَهَا، وبه فُسِّر قولُه:
مَنْ لَيْسَ فيهَا بقَرْقَرِ
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
35-تاج العروس (عشو)
[عشو]: والعَشا، مَقْصورَةً: سُوءُ البَصَرِ باللَّيْلِ والنَّهارِ يكونُ في الناسِ والدّوابِّ والإِبلِ والطَّيْرِ، كما في المُحْكم.وقال الراغبُ: ظُلْمةٌ تَعْتَرِضُ العَيْنَ.
وفي الصِّحاح: هو مَصْدرُ الأَعْشى لمَنْ لا يُبْصِرُ باللّيْلِ ويُبْصِرُ بالنّهارِ؛ كالعَشاوَةِ.
أَو هو العَمَى؛ أَي ذهابُ البَصَرِ مُطْلقًا؛ وقد عَشِيَ، كرَضِيَ ودعا، يَعْشَى ويَعْشُو عَشًى، مَقْصورٌ مَصْدَرُ عشى، وهو عَشٍ، مَنْقُوصٌ، وأَعْشَى وهي عَشْواءُ، ورجُلانِ أَعْشَيانِ وامْرأَتانِ عَشْواوانِ.
وقد أَعْشاهُ اللهُ، فعَشِيَ، وهما يَعْشَيانِ، ولم يقولوا يَعْشَوَانِ، لأنَّ الواوَ لمَّا صارَتْ في الواحِدِ ياءً لكَسْرَةِ ما قَبْلها تُرِكَتْ في التَّثْنِيَةِ على حالِها؛ كما في الصِّحاح.
وقولُه تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ}؛ أَي يَعْمَ.
وعَشَّى الطَّيْرَ تَعْشِيةً: أَوْقَدَ لها نارًا لتَعْشَى منها فتُصادَ، كذا في المُحْكم.
وتَعاشَى عن كذا: تَجاهَلَ، كأنَّه لم يَرَه كتَعامَى على المَثَلِ.
ومن المجازِ: خَبَطَهُ خَبْطَ عَشْواءَ: لم يَتَعَمَّدْهُ، كما في المُحْكم.
وفي الصِّحاح: ركِبَ فلانٌ العَشْواءَ إذا خَبَطَ أَمْرَه ورَكِبَه على غيرِ بَصِيرَةٍ وبَيانٍ؛ وقيلَ: حَمَلَه على أَمْرٍ غَيْر مُسْتَبينِ الرشدِ فرُبَّما كان فيه ضلالُه، وأَصْلُه مِن العَشْواءِ، وهي النَّاقَةُ التي لا تُبْصِرُ أَمامَها، فهي تخْبِطُ بيَدَيْها كلَّ شيءٍ ولا تَتَعَهَّدُ مَواضِعَ أَخْفَافِها؛ وقيلَ: أَصْلُه مِن عَشْواءِ الليْل أَي ظلْمائِهِ؛ ويُضْرَبُ هذا مَثَلًا للشارِدِ الذي يَرْكَبُ رأْسَه ولا يَهْتَمُّ لعاقِبَتِه.
وعَشا النَّارَ وعَشا إليها عَشْوًا، بالفَتْح، وعُشُوًّا، كعُلُوِّ: رآها لَيْلًا من بعيدٍ فقَصَدَها مُسْتَضِيئًا، بها يَرْجُو بها هُدًى وخَيْرًا.
قال الجوهريُّ: وهذا هو الأصْلُ ثم صارَ كلُّ قاصِدٍ عاشِيًا.
وقيلَ: عَشَوْتُ إلى النارِ عَشْوًا إِذا اسْتَدْلَلْتُ عليها ببَصَرٍ ضَعِيفٍ؛ قالَ الحُطَيْئة:
مَتَى تأْتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نارِهِ *** تَجِدْ خَيرَ نارٍ عندَها خَيْرُ مُوقِدِ
والمَعْنى: مَتَى تَأْتِهِ عاشِيًا.
كاعْتَشَاها واعْتَشَى بها.
والعُشْوَةُ، بالضَّم والكسر: تلكَ النَّارُ التي يُسْتَضاءُ بها؛ أَو ما أُخِذَ من نارٍ لتقْتبسَ.
وقالَ الجوهريُّ: شُعْلَةُ النارِ؛ وأَنْشَدَ:
كعُشْوةِ القابِسِ تَرْمِي بالشَّرر
والعُشْوَةُ: رُكوبُ الأمْرِ على غيرِ بَيانٍ وبَصِيرَةٍ، ويُثَلَّثُ. يقالُ: أَوطأْنَنِي عَشْوَةً وعِشْوةً وعُشْوَةً؛ أَي أَمْرًا مُلْتَبِسًا، وذلكَ إذا أَخْبَرْتَه بما أَوْقَعْتَه به في حِيْرَةٍ أَو بَلِيَّةٍ؛ كما في الصِّحاحِ.
والعَشْوةُ، بالفَتْح: الظُّلْمَةُ تكونُ باللّيْلِ وبالسَّحرِ؛ كالعَشْواءِ.
أَو العَشْوَةُ: ما بينَ أَوَّلِ اللَّيْلِ إلى رُبْعِه؛ ومنه قوْلُهم: مَضَى مِن اللّيْلِ عَشْوَةُ.
والعِشاءُ، ككِساءٍ: أَوَّلُ الظَّلامِ؛ أَو مِن صَلاةِ المَغْربِ إلى العَتَمَةِ؛ أَو مِن زَوالِ الشَّمْسِ إلى طُلُوعِ الفَجْرِ.
قالَ الجوهريُّ: زَعَمَهُ قوْمٌ، وأَنْشَدُوا:
غَدَوْنا غَدْوَةً سَحَرًا بليْلٍ *** عِشاءً بعدَ ما انْتَصَف النَّهارُ
والعَشِيُّ، كغَنِيِّ، والعَشِيَّةُ، كغَنِيَّةٍ: آخِرُ النَّهارِ.
وفي الصِّحاح: مِن صَلاةِ المَغْربِ إلى العَتَمَةِ؛ تقولُ أَتَيْته عَشِيّ أَمْسٍ وعَشِيَّةَ أَمْسٍ انتَهَى، وقيلَ العَشِيُّ بلا هاءٍ آخِرُ النّهارِ، فإذا قُلْتَ عَشِيَّة فهو ليَوْمٍ واحِدٍ ويُقالُ جِئْتُه عَشِيَّةً وأَتَيْتُه العَشِيَّةَ ليَوْمِك وأَتَيْته عَشِيَّ غدٍ، بِلا هاءٍ، إِذا كانَ للمُسْتَقْبلٍ، وأَتَيْتك عَشِيًّا غَيْر مُضافٍ، وأَتَيْته بالعَشِيِّ والغَدِ: أَي كلِّ عَشِيَّةٍ وغَدَاةٍ.
{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا}، إنَّما هو في مِقْدارِ ما بينَ الغَدَاةِ والعَشِيِّ.
وقالَ الراغِبُ: العَشِيُّ مِن زَوالِ الشَّمْسِ إلى الصَّباح؛ قالَ، عزّ وجلّ: {عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها}.
وقالَ الأزْهري: صَلاةُ العِشاءِ هي التي بعدَ صَلاةِ المَغْربِ، وإذا زَالَتِ الشمْسُ دُعِيَ ذلكَ الوَقْتُ العَشِيّ، ويَقَعُ العَشِيُّ على ما بينَ الزَّوالِ والغُروبِ؛ كلُّ ذلكَ عَشِيٌّ، فإذا غابَتْ فهو العِشاءُ.
وقولُه تعالى: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها}؛ إنْ قُلْتَ هل للعَشِيَّةِ ضُحًى؟ قيلَ: هذا جَيِّد من كَلامِهم، يُقالُ آتِيكَ العَشِيَّةَ أَو غداتها والغَدَاةَ أَو عَشِيَّتَها فالمعْنَى: لم يَلْبَثُوا إلَّا عَشِيَّة أَو ضُحى العَشِيَّة، أَضافَ الضُّحَى إلى العَشِيَّة.
* قُلْت: وقد يُرادُ بالعَشِيِّ اللّيْلُ لمَكانِ العِشاءِ، وهي الظُّلْمةُ؛ وبه فُسِّر قولُ الشاعِرِ:
هَيْفاءُ عَجْزاءُ خَرِيدٌ بالعَشِيِّ *** تُضْحَكُ عن ذِي أُشُرٍ عَذْبٍ نَقِي
أَرادَ المُبالَغَة في اسْتِحْيائِها، لأنَّ اللَّيْل قد يُعْدَمُ فيه الرُّقباءُ؛ أَي إذا كانَ ذلكَ مع عَدَم هَؤُلاء فما ظنُّك بتَجَرّدِها نَهارًا؛ ويجوزُ أَن يُرِيدَ اسْتِحياءَها عندَ المُباعَلَةِ لأَنَّها أَكْثَرُ ما تكونُ لَيْلًا.
الجمع: عَشايا وعَشِيَّاتٌ؛ شاهِدُ عَشِيَّات قولُ الشَّاعِرِ:
أَلا لَيْتَ حَظِّي من زِيارَةِ أُمِّيَهْ *** غَدِيَّات قَيْظٍ أَو عَشِيَّات أَشْتِيَهْ
وأصْلُ عَشايا عشايو قُلِبَت الواوُ ياءً لتَطرّفِها بعدَ الكَسْرةِ ثم قُلِبَتِ الياءُ الأُولى هَمْزةً ثم أُبْدِلَتِ الكَسْرةُ فَتْحةً، ثم الياءُ أَلِفًا، ثم الهَمْزَةُ ياءً، فصارَ عَشايا بعدَ خَمْسَة أَعْمالٍ، كذا في شُرُوحِ الشافِيَةِ والألْفِيّة.
والعَشِيُّ: السَّحابُ يَأْتِي عَشِيًّا.
وحُكِيَ: لَقِيتُهُ عُشَيْشَةً وعُشَيْشانًا وعُشَّانًا، بالتَّشديدِ؛ كذا في النُّسخِ والصَّوابُ عُشَيّانًا؛ وعُشَيْشِيَةً، كجُوَيْرِيَةٍ، وعُشَيْشِياتٍ وعُشَيْشِياناتٍ وعُشَيَّانات، كُلُّه نادِرٌ.
وفي الصِّحاح: تَصْغيرُ العَشِيِّ عُشَيَّانٌ، على غيرِ قِياسِ مُكَبَّره، كأَنَّهم صَغَّروا عَشْيانًا، والجمْعُ عُشَيَّاناتٍ، وقيلَ أَيْضًا في تصْغِيرِه عُشَيْشِيانٌ والجمْعُ عُشَيشِياناتٍ وتَصْغيرُ العَشِيَّةِ عُشَيْشِيَةٌ والجمْعُ عُشَيْشِيات، انتَهَى.
وقال الأزْهريُّ: ولم أَسْمَعْ عُشَيَّة في تَصْغيرِ عَشِيَّة لأنَّه تَصْغِيرُ عَشْوَةٍ، أَوَّل ظُلْمةِ اللّيْلِ، فأَرادُوا أَنْ يَفْرِّقوا بَيْنَهما.
والعِشْيُ، بالكسْرِ، والعَشاءُ، كسَماءٍ: طَعامُ العَشِيِّ.
قالَ الجوهريُّ: العَشاءُ، بالفَتْح والمدِّ، الطَّعامُ بعَيْنِه، وهو خِلافُ الغَداءِ، الجمع: أَعْشِيَةٌ وعُشِيّ؛ هكذا في النسخِ بضمِّ العَيْن وكَسْر الشِّين وتَشْديدِ الياءِ وهو غَلَطٌ والصَّوابُ أنَّ الكَلامَ تمَّ عنْدَ قوْلِه أَعْشِيَة، ثم ابْتَدَأَ في مَعْنًى آخَر فقالَ: وعَشِيَ؛ أَي كرَضِيَ، وعَشَى كدَعَا وهذا قد أَهْمَلَهُ؛ وتَعَشَّى كُلّه أَكَلَهُ؛ أَي العَشاءَ.
وهو عاشٍ وعَشْيانُ؛ وأَصْلُه عَشْوانٌ، وكذا غَدْيانٌ وأَصْلُه غَدْوان؛ ومِن كَلامِهم: لا يَعْشَى إلَّا بعدَ ما يَعْشُو أَي بعدَ ما يَتَعَشَّى؛ ومُتَعَشِّ. يقالُ إذا قيلَ، تَعَشَّ، قُلْت:
ما بي من تَعَشِّ، ولا تَقُلْ: ما بي من عَشاءٍ.
وعَشاهُ يَعْشُوه عَشْوًا ويَعْشيه عَشْيانًا؛ كذا في النسخِ والصَّوابُ عَشْيًا، كما في المُحْكم؛ أَطْعَمَه إِيَّاهُ؛ أَي العَشاءَ؛ كعَشَّاهُ، بالتَّشْديدِ، وأَعْشاهُ.
والعَواشِي: الإبِلُ والغَنَمُ التي تَرْعَى لَيْلًا، صفَةٌ غالبَةٌ.
وفي الصِّحاح: العَواشِي: هي التي تَرْعَى لَيْلا؛ قالَ:
تَرَى المِصَكَّ يَطْرُدُ العَواشِيَا *** جِلَّتَها والأُخَرَ الحَواشِيَا
وبعيرٌ عَشِيٌّ، كغَنِيٍّ: يُطيلُ العَشاءَ، وهي بهاءٍ.
وعَشا الإِبِلَ، كدَعا، وعَشَّاها، بالتَّشديدِ، رَعاها لَيْلًا.
وعَشِيَ عليه عَشًا، كرَضِيَ: ظَلَمَهُ؛ نقلَهُ ابنُ سِيدَه.
وابنُ السِّكِّيت: عَشِيَتِ الإِبِلُ تَعْشَى عَشًا: إذا تَعَشَّتْ فهي عاشِيَةٌ؛ نقلَهُ الجوهريُّ.
ومِن المجازِ: عَشَّى عنه تَعْشِيةً: إذا رَفَقَ به، وكَذلكَ ضَحَّى عنه.
وفي الأساس: عشِّ رُويدًا وضحِّ رُويدًا: أَمر برَعْي الإِبِل عَشِيًّا وضُحًى على سَبِيلِ الأَناةِ والرِّفْقِ، ثم صارَ مَثَلًا في الأَمْرِ بالرِّفْقِ في كلِّ شيءٍ، انتَهَى؛ وكَذلكَ عَشِّ ولا تَغْتَرَّ والعُشْوانُ، بالضَّمِّ: تَمْرٌ أَوْ نَخْلٌ؛ أَي ضَرْبٌ منهما؛ الأُوْلى عن ابنِ دُرَيْدٍ.
كالعَشْواءِ، وهو ضَرْبٌ من متأَخِّر النَّخْلِ حَمْلًا. وصلاتا العَشِيِّ: الظُّهْرُ والعَصْرُ؛ نقلَهُ الأزْهري لكَوْنِهما في آخِرِ النَّهارِ بعدَ الزَّوالِ.
والعِشاءانِ: المَغْرِبُ والعَتَمَة؛ نقلَهُ الجوهريُّ وابنُ فارِسَ، وهو على قولِ مَنْ قالَ: إنَّ العَشِيَّ والعِشاءَ مِن صَلاةِ المَغْربِ إلى العَتَمَةِ؛ كما في المِصْباحِ.
وأَعْشَى: أَعطَى.
واسْتَعْشاهُ: وَجَدَهُ عاشِيًا؛ أَي جائِرًا في حقِّ أَصْحابِه.
واسْتَعْشَى نارًا: اهْتَدَى بها.
والعِشْوُ، بالكسْرِ: قَدَحُ لَبَنٍ يُشْرَبُ ساعَةَ تَرُوحُ الغَنَمُ أَو بعدَها.
وعَشَا الرَّجُلُ: فَعَلَ فِعْلَ الأَعْشَى.
واعْتَشَى: سارَ وقْتَ العِشاءِ، كاهْتَجَرَ سارَ في الهاجِرَةِ.
والمُسَمَّى بالأَعْشى عدَّةُ شُعَراءٍ في الجاهِلِيَّةِ والإِسْلام، منهمْ: أَعْشَى باهِلَةَ، جاهِلِيٌّ واسْمُه عامِرٌ يكنَى أبا قحْفان وأَعْشَى بَني نَهْشَلِ بنِ دارِمٍ، هو الأَسْودُ بنُ يَعْفُرَ النَّهْشَليُّ جاهِلِيٌّ، وتقدَّمَ الاخْتِلافُ في ضَبْطِ اسْمِ والِدِ في «ع ف ر». وأَعْشَى هَمْدانَ، هو عبدُ الرحمنِ بنِ الحارِثِ من بَني مالِكِ بنِ جشمِ ابنِ حاشدٍ. وأَعْشَى بَني أَبي ربِيعَةَ، كذا في النسخِ، وفي التكْمِلَةِ: أَعْشَى بَني ربيعَةَ بنِ ذُهْلِ بنِ شَيْبان بنِ ثَعْلَبَةُ، واسْمُه عبدُ اللهِ بنُ خارِجَةَ مِن بَني قَيْسِ بنِ عَمْرِو بنِ أَبي ربيعَةَ المَذْكُور. وأَعْشَى طِرْوَدٍ، كدِرْهَمٍ، وبَنُو طِرْوَدٍ مِن بَني فهمِ بنِ عَمْرِو بنِ قيْسِ بنِ فهمٍ.
وأَعْشَى بَني الحِرْمازِ بنِ مالِكِ بنِ عَمْرِو بنِ تَمِيمٍ، ويُعْرفُ أَيْضًا بأَعْشَى بَني مازِنٍ، ومازِنُ وحِرْمازُ أَخَوان.
وقالَ الآمديُّ: أَهْلُ الحديثِ يقولونَ: أَعْشَى بَني مازِنٍ، والثَّبْتُ أَنَّه أَعْشَى بَني الحِرْمازِ؛ وصَوّبَه الصَّاغاني.
وأَعْشَى بَني أَسدٍ. وأَعْشَى بَني عُكلٍ مِن تيم الرّبابِ، اسْمُه كهَمْسٌ وأَعْشَى ابن، كذا في النُّسخِ ومِثْلُه في التكْملَةِ، مَعْرُوفٌ اسْمُه خَيْثَمةُ. وأَعْشَى بَنِي عُقَيْلٍ، واسْمُه مُعاذُ. وأَعْشَى بَنِي مالِكِ بنِ سعْدٍ. وأَعْشَى بَني عَوْفٍ اسْمُه ضابِئٌ من بني عَوْفِ بنِ همام. وأَعْشى بَنِي ضَوْرَة اسْمُه عبدُ اللهِ. وأَعْشَى بَني جِلّانَ مِن بَني عنْزَةَ اسْمُه سَلَمَةُ. وأَعْشَى بَني قَيْسٍ أَبو بَصِيرٍ جاهِلِيٌّ.
والأعْشَى التَّغْلَبِيُّ هو النُّعْمانُ، ويقالُ له: ابنُ جاوَانَ، وهو مِن الأَراقِمِ مِن بَني معاوِيَةَ بنِ بكْرِ بنِ حبيبِ بنِ عَمْرِو بنِ غنمِ بنِ تَغْلب؛ شُعراءُ وغيرُهم من العُشْي، جَمْعُ الأَعْشَى كَأَحْمَر وحُمْرٍ؛ جماعَةٌ؛ ذكَرَ المصنِّفُ منهم سِتَّةَ عَشَرَ رجُلًا تبْعًا للصَّاغاني في تكْمِلَتِه. وابنُ سِيدَه اقْتَصَرَ على السَّبْعةِ المَشاهِير؛ وأَوْصَلَها أَرْبابُ النَّظائِرِ إلى عِشْرِين.
وقد وَجَدْت أَنا واحِدًا مِن بَني سعْدِ بنِ ضبيعَةَ بنِ قَيْسِ بنِ ثَعْلَبَة الأَعْشى الشَّاعِر واسْمُه مَيْمونُ بنُ قَيْسٍ.
وقرَأْتُ في كتابِ الحماسَةِ ما نَصُّه: ودَخَلَ أَعْشَى ربيعَةَ، وهو مِن شَيْبان مِن بَطْنٍ منهم، يقالُ لهم بَنُو أَمامَةَ، على عبدِ الملِكِ بنِ مَرْوان فقالَ له: يا أَبا المُغِيرَةَ ما بَقِيَ مِن شِعْرِك إلى آخِرِ ما قالَ فلا أَدْرِي هو أَعْشَى بَنِي أَبي ربيعَةَ الذي ذَكَرَه المصنِّفُ أَوَّلَا أَمْ غَيْره، فليُنْظر.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
عَشَا عن الشيءِ يَعْشُو: ضَعُفَ بَصَرَه عنه.
وتَعَاشَى: أَظْهَرَ العَشا وليسَ به.
وفي الصِّحاح: أَرى من نَفْسِه أَنَّه أَعْشَى.
والعاشِيَةُ: كلُّ شيءٍ يَعْشُو باللَّيْلِ إلى ضَوْءِ نارٍ مِن أَصْنافِ الخَلْقِ.
والعاشِي: القاصِدُ.
وأَعْشاهُ اللهُ: جَعَلَه أَعْشَى.
وجاءَ عَشْوةً: أَي عِشاءً، لا يتمكَّن؛ لا تقولُ: مضَتْ عَشْوَةٌ.
وعَشا يَعْشُو: تَعَشَّى.
والعَشْوَةُ العَشاءُ، كالغَدْوَةِ فِي الغَداءِ عاميَّةٌ.
وعِشْيُ الإِبِلِ، بالكسْر: ما تَتَعَشَّاهُ؛ وأَصْلُه الواوُ.
وفي المَثَلِ: العاشِيَةُ تَهِيجُ الآبِيَةَ؛ أَي إذا رَأَتِ التي تأْبَى العَشاءَ التي تَتَعَشَّى تَبِعَتْها فتَعَشَّتْ معها.
وبعيرٌ عَشٍ وناقَةٌ عَشِيَةٌ، كفَرحَةٍ: يَزِيدَان على الإِبِلِ في العَشا، كِلاهُما على النَّسَبِ دُونَ الفِعْل.
والعُقابُ العَشْواءُ: التي لا تُبالِي كيفَ خَبَطَتْ وأَيْنَ ضَرَبَتْ بمخالِبِها.
وعَشا عن كذا: صَدَرَ عنه؛ قيلَ: ومنه قولُه تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ}.
وعَشا عن النارِ: أَعْرَضَ ومَضَى عن ضَوْئِها.
وعَشِيَ عن حَقِّه، كعَمِي زِنَةً ومَعْنًى.
وإنَّهم لفي عشوى أَمْرهم: أَي في حَيْرةٍ وقِلَّة هِدَايةٍ.
والعَشْواءُ: فَرَسُ حسَّان بن مسلمَةَ بنِ خرزِ بنِ لوذان.
وتَعشاهُ: أَعْطاهُ عشْوَةً.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
36-تاج العروس (نبو)
[نبو]: ونَبَا بَصَرُهُ يَنْبُو نُبُوًّا، كعُلُوِّ، ونُبِيًّا، كعُنِيٍّ، ونَبْوَةً: تجَافَى؛ وشاهِدُ النُّبِيّ قولُ أَبي نخيلة:لمَّا نَبَا بي صاحِبي نُبِيّا
ومنه حديثُ الأحْنَف: «قَدِمْنا على عُمَر في وَفْدٍ فنَبَتْ عَيْناهُ عنهم ووقَعَتْ عليَّ؛ أَي تجَافَى ولم يَنْظرْ إلى كأنَّه حَقَّرَهم ولم يَرْفَع لهم رأْسًا.
ويقالُ: النَّبْوةُ للمَرَّةِ الواحِدَةِ؛ ثم نَبَا بَصَرُه مجازٌ مِن نَبَا السَّيْف عن الضَّرِيبَةِ، قالَهُ الرَّاغبُ.
ونَبَا السَّيْفُ عن الضَّريبَهِ نَبْوًا، بالفتح، ونَبْوَةً؛ قالَ ابنُ سِيدَه: لا يرادُ بالنَّبْوةِ المرَّةَ الواحِدَة؛ كَلَّ وارْتَدَّ عنها ولم يَمْضِ ومنه قولُهم: ولكلِّ صارِمٍ نَبْوةٌ. ويقالُ أَيْضًا: نَبَا حَدُّ السَّيْفِ إذا لم يَقْطَعْ.
وفي الأساس: نَبَا عليه السَّيْف، وجَعَله مجازًا.
ونَبَتْ صُورَتُهُ: أَي قَبُحَتْ فلم تَقْبَلْها العَيْنُ.
ومِن المجازِ: نَبَا مَنْزلُه به: إذا لم يُوافِقْهُ؛ ومنه قولُ الشاعر:
وإذا نَبَا بِكَ مَنْزِلٌ فَتَحَوَّلِ
ويقالُ: نَبَتْ بي تِلْكَ: أَي لم أَجِدْ بها قرارًا.
ومِن المجازِ: نَبَا جَنْبُه عن الفِراشِ: إذا لم يَطْمَئِنَّ عليه، وهو كقولهم: أقض عليه مَضْجَعَه.
ومن المجازِ: نَبَا السَّهْمُ عن الهَدَفِ نَبْوًا: قَصَّرَ.
والنَّابِيَهُ: القَوْسُ التي نَبَتْ عن وَتَرِها؛ أَي تجافَتْ، عن ابن الأعرابي.
والنَّبِيُّ، كغَنِيٍّ: الطَّريقُ الواضِحُ والأَنْبياءُ طُرُقُ الهُدَى؛ قالَهُ الكِسائي. وقد ذَكَرَه المصنِّفْ أيْضًا في الهَمْزةِ.
والنَّبِيَّةُ، كغَنِيَّةٍ: سُفْرَةٌ مِن خُوصٍ؛ كلمةٌ فارِسِيَّةٌ مُعَرَّبُها النَّفِيَّةُ بالفاءِ، وتقدَّمَ في «ت ف ف».
ونَصُّ التكملةِ: قال أبو حاتمٍ: وأَمَّا أَهْلُ البَصْرةِ فيقولونَ النَّبِيَّةُ بالفارِسِيَّةِ، فإن عَرَّبْتها قلْتَ النَّفِيَّة بالفاءِ؛ أَي السُّفْرَةُ المَنْسوجةُ مِن خُوصٍ، انتَهَى.
قلْتُ: تقدَّمَ له هنالك أنَّها سُفْرَةٌ من خُوصٍ مُدوَّرَة، ومُقْتضاهُ أَنَّه بتَشْديدِ الفاءِ، ثم قالَ في آخرِه ويقالُ لها أَيْضًا نَفِيَّة جَمْعُه نَفي، كنَهيَّةٍ ونِهى؛ أَي بالكَسْر، وأَحالَهُ على المُعْتل، وسَيَأْتي له في «ن ف ي» النَّفْيَةُ، بالفتح، وكغَنِيَّ سُفْرَةٌ من خُوصٍ، يشررُ عليها الأقِطُ، وفي كَلامِه نَظَرٌ مِن وُجُوهٍ.
الأول: التَّخالفُ في الضَّبْط فذِكُرُه في «ن ف ف» دلَّ على أنَّه بتَشْديدِ الفاءِ، وقَوْله في الآخر: ويقالُ إلى آخره، دلَّ على أنَّه بالكَسْر ثم ضَبَطَه في المُعْتل بالفَتْح، وقال هنا كغَنِيَّة، واقْتَصَرَ عليه، ولم يَتَعرَّض لفَتْح ولا لكَسْر، فإذا كانتِ الكَلِمةُ مُتّفِقَةَ المَعْنى فما هذه المُخالَفَة.
الثَّاني: اقْتِصارُه هنا على سُفْرةٍ مِن خُوصٍ، وفي الفاءِ سُفْرَة تُتَّخَذُ من خُوصٍ مُدوَّرَة؛ وقوْلُه فيمَا بَعْد: سُفْرَة مِن خُوص يشررُ عليها الأقِطُ، فلو أَحالَ الواحِدَة على ما بَقيَ مِن لُغاتِها كانَ أَجْودُ لصَنْعتِه.
الثَّالث: ذكره هنا في هذا الحَرْف تِبْعًا للصَّاغاني، وقيلَ هو النثِّيَّة، بالثاءِ المُثَلَّثَةِ المُشَدَّدة المَكْسُورة، كما قالَهُ أبو تُرابٍ، والفاءُ تُبْدَل عن ثاءٍ كثيرًا. وفاتَهُ من لُغاتِه النُّفتة بالضم والتَاءِ الفَوْقِيَةِ نقلَهُ الزَّمَخْشري عن النَّضْر، وسَيَأْتي لذلكَ مَزِيد إيْضاح في «ن ف ي»، فتأمَّل ذلكَ حَقّ التأمّل.
والنَّباوَةُ: ما ارْتَفَعَ من الأرضِ كالنَّبْوةِ والنَّبِيِّ، كغَنِيٍّ؛ ومنه الحديثُ: «فأُتِي بثلاثَةِ قِرَصةٍ فوُضِعَتْ على نَبِيٍّ»؛ أَي على شيءٍ مُرْتَفِعٍ مِن الأرضِ. وفي حديثٍ آخَر: «لا تُصَلُّوا على النَّبِيِّ أَي على الأرضِ المُرْتفِعَةِ المُحْدَوْدبةِ؛ ومن هنا يُسْتَظْرف ويقالُ: صَلّوا على النَّبِيءِ ولا تُصَلُّوا على النّبِيِّ، وقد ذُكِرَ ذلكَ في الهَمْزِ.
ويقالُ: النَّبِيُّ: عَلَمٌ من أَعْلامِ الأرضِ التي يُهْتدَى بها؛ قالَ بعضُهم: ومنه اشْتِقاقُ النَّبيَّ لأنَّه أَرْفَع خَلْقِ الله ولأنّهُ يُهْتَدى به؛ وقد تقدَّمَ في الهَمْزةِ.
وقال ابنُ السِّكِّيت، فإن جَعَلْت النَّبِيَّ مَأْخوذًا من النَّباوَةِ أَي أنَّه شُرِّفَ على سائِرِ الخَلْق،. فأَصْله غَيْر الهَمْزة، وهو فَعِيل بمعْنَى مَفْعولٍ، تَصْغيرُه نُبَيٌّ، والجَمْعُ أَنْبياءُ؛ وأَمَّا قولُ أَوْسِ بنِ حجرٍ يَرْثِي فُضالَةَ بنِ كلْدَةَ الأسَديّ:
على السَّيِّدِ الصَّعْبِ لو أَنَّه *** يَقُومُ على ذِرْوةِ الصَّاقِبِ
لأَصْبَح رَتْمًا دُقاقَ الحَصَى *** مَكانَ النَّبيِّ من الكاثِبِ
قال النَّبِيُّ: المَكانُ المُرْتَفِعُ؛ والكاثِبُ: الرمْلُ المُجْتمِعُ؛ وقيلَ: النَّبِيُّ ما نَبَا مِنَ الحِجارَةِ إذا نَحَلَتْها الحَوافِرُ، ويقالُ: الكاثِبُ جَبَلٌ وحَوْله رَوابٍ يقالُ لها النَّبيُّ، الواحِدُ نابٍ مثْل غازٍ وغَزِيِّ، يقولُ: لو قامَ فُضالَةُ على الصاقِبِ، وهو جَبَلٌ، لَذَلَّلَهُ وتَسَهَّل له حتى يَصِيرَ كالرَّمْلِ الذي في الكاثِبِ؛ ونقلَهُ الجَوْهرِي أيْضًا.
قالَ ابنُ برِّي: الصَّحِيحُ في النَّبِّي هنا أَنَّه اسْمُ رَمْلٍ مَعْروف؛ وقيلَ: الكاثِبُ: اسْمُ قُنَّةٍ في الصاقِبِ، وقيلَ: يَقُومُ بمعْنَى يُقاوِمُ، انتَهَى.
وقال الزجَّاجُ: القِراءَةُ المُجْمَعُ عليها في {النَّبِيِّينَ} و {الْأَنْبِياءَ} طَرْح الهَمْزة، وقد هَمَز جماعَةٌ مِن أَهْلِ المَدينَةِ جَمِيعَ ما في القُرْآنِ من هذا؛ واشْتِقاقُه مِن نَبَّأَ وأَنْبَأَ؛ أَي أَخْبَر؛ قالَ: والأَجْود تَرْكَ الهَمْز لأنَّ الاسْتِعمالَ يُوجِبُ أَنَّ ما كانَ مَهْموزًا مِن فَعِيل فجمعه فُعَلاء مِثْل ظَرِيفٍ وظُرَفاء، فإذا كانَ مِن ذواتِ الياءِ فجمْعُه أَفْعِلاء نَحْو غَنِيِّ وأَغْنِياء ونَبِيِّ وأَنْبِياء بغَيْرِ هَمْز، فإذا هَمَزْت قلْتَ نَبِيء ونُبَآء مما تقولُ في الصَّحِيح، قالَ: وقد جاءَ أَفْعلاء في الصَّحِيح، وهو قَلِيلٌ، قالوا خَمِيسٌ وأَخْمساء ونَصِيَبٌ وأنْصِباء، فيجوزُ أَن يكونَ نَبيّ من أَنْبَأْتُ ممَّا تركَ هَمْزه لكَثْرةِ الاسْتِعْمال، ويَجوزُ أَن يكونَ مِن نَبَا يَنْبُو إذا ارْتَفَعَ، فيكونُ فَعِيلًا مِن الرِّفْعةِ.
والنَّباوَةُ: موضع بالطَّائِفِ، وقد جاءَ في الحديثِ: «خَطَبنا رَسُولُ الله، صلى الله عليه وسلم، بالنَّباوَةِ مِن الطائِفِ».
والنَّباوَةُ، بالكسر: النُّبُوَّةُ؛ أَي اسْمٌ منه على رأْيِ مَنْ قال إنَّ النَّبِيَّ مَأْخوذٌ مِن النّباوَةِ.
ونابِي بنُ ظَبْيانَ: محدِّثٌ. ونابِي بنُ زيْدِ بن حرام الأنْصارِيُّ: جَدُّ عُقْبَةَ بنِ عامِرٍ: وجَدُّ والِدِ ثَعْلبَةَ بن عَنْمَةَ بنِ عَدِيِّ بنِ نابِي بنِ عَمْرو بنِ سوادِ بن غنم بنِ كعْبِ بنِ سلمَةَ السّلميّ، الصَّحابِيَّيْنِ. أَمَّا عُقْبَةُ بنُ عامِرٍ فإنَّه بَدْرِيٌّ شهِدَ العَقَبَةَ الأُولى وقُتِلَ باليَمامَةِ. وأمَّا ثَعْلبةُ ابنُ عنمةَ فإنَّه شهِدَ بدْرًا والعَقَبَةَ وقُتِلَ يومَ الخَنْدقِ ويَوْم خَيْبَر، وهو خالُ جابِرِ بنِ عبدِ الله.
قُلْتُ: وابنُ أَخِي الأوَّل بهيرُ بنُ الهَيْثمِ بنِ عامِرٍ صَحابيٌّ أَيْضًا، ومِن أَوْلادِ نابِي بنِ عَمْرو السّلمي مِن الصَّحابَة: عُمَرُ بنُ عُمَيْر وعَبْسُ بنُ عامِرٍ وأَسْماءُ بنْتُ عَمْرو بني عَدِيِّ بن نابِي، فهؤلاء كُلُّهم لَهُم صُحْبَة، رضي الله عنهم.
وكسُمَيٍّ: نُبَيُّ بنُ هُرْمُزَ الباهِلِيُّ أَو الذُّهُلِيُّ تابِعِيٌّ عن عليِّ، وعنه سماكُ بنُ حَرْب.
وذُو النَّبَوانِ، محرَّكة: وَدِيعَةُ بنُ مَرْثَدٍ اليَرْبُوعي مِن الفُرْسانِ.
ونَبَوانُ، مُحرَّكةً: ماءٌ نَجْدِيٌّ لبَني أَسَدٍ، وقيلَ: لبَني السَّيِّدِ من ضبةَ؛ قالَهُ نَصْر؛ ومنه قولُ الشاعر:
شَرْجٌ رَواءٌ لَكُما وزُنْقُبُ *** والنَّبَوانُ قَصَبٌ مُثَقَّبُ
يَعْني بالقَصَبِ مَخارِجَ ماءِ العُيونِ، ومُثَقَّب: مَفْتوح بالماءِ.
وأَنْبَيْتُهُ إنْباءً: نَبَّأْتُه؛ أَي أَخْبَرْتُهُ، لُغَةٌ في أَنْبَأْته، ومنه قولُ الشاعرِ:
فمن أَنْبَاك أَنَّ أبَاكَ ذيبُ
وعليه أُخْرِجَ المَثَلُ: الصِّدْقُ يُنْبي عنْكَ لا الوعيدُ؛ أَي أنَّ الفِعْلَ يُخْبرُ عن حَقِيقَتِك لا القَوْل؛ نقلَهُ الجَوْهرِي.
وهناك قوْلٌ آخَرُ نَذْكُره فيما بعد.
وأَبو البيانِ: نَبَا بنُ محمدِ بنِ محفُوظِ بن أَحمدَ القُرَشِيُّ الدِّمَشْقي الزَّاهدُ، شَيْخُ البَيانِيِّينَ، ذَكَرَه أَبو الفُتوحِ الطَّاوِسي في رِسالَةِ الخرق ولَقّبَهُ بقُطْبِ العارِفِينَ، وقالَ: إنَّه رأَى النَّبيَّ، صلى الله عليه وسلم، عيانًا وأَلْبَسَهُ الخرقَةَ الشَّريفَةَ مع بُعْدِ العَصْر، وكانَ المَلْبوسُ معه معاينًا للخَلقِ، ونسبَ إليه الخِرْقَة يقالُ لها النّبائِيَّة والبَيائِيَّة؛ قال الحافِظُ تُوفي في سنة 551.
قلْت: وذكَرَ الطَّاوِسي سَنَدَ لِبْسِه لخِرْقتِه إليه، فقالَ: لَبِسْتها مِن يَدِ الشيخِ عبدِ الرحيمِ بنِ عبدِ الكَريمِ الجرهي عن قاضِي القُضاةِ كَمال الدِّيْن محمد بن أَحمدَ بن عبْدِ العزيزِ القُرَشِي عن العزِّ بنِ جماعَةَ عن والِدِه عن جدِّه البُرْهان إبراهيمَ بنِ عبْدِ الرحمنِ عن عَمِّه أَبي الفَتْح نَصْر الله بنِ جماعَةَ عن قُطْبِ الوَقْت أَبي عبدِ الله بنِ الفُراتِ عنه، وقد ذَكَرْنا ذلكَ في كتابِنا عقد الثمين، وفي إتْحافِ الأصفياء، وَأوْصلْنا سَنَدنا إلى الطَاوِسي المَذْكور، فرَاجِعْهما. وابنُ أَخيهِ أبو الفَتْح نَصْرُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ محمدٍ تُوفي سَنَة 591؛ وابْنُه محمدُ بنُ نَصْر سَمِعَ منه الحافِظُ المُنْذري:
وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
نَبَا الشيءُ عنِّي نَبْوًا: تَجافَى وتَباعَدَ.
وأَنْبَيْتُه أَنا: أَي أَبْعَدْته عن نَفْسِي.
قال الجَوْهرِي: ومنه المَثَلُ: الصِّدْقُ يُنْبي عنْكَ لا الوَعِيدُ؛ أَي يَدْفَعُ عنْكَ الغائِلَةَ في الحَرْبِ دونَ التَّهْديدِ.
قالَ أبو عبيدٍ: هو غَيْرُ مَهْموزٍ؛ قالَ ساعِدَةُ بنُ جُؤَيَّة:
صَبَّ اللهيفُ السُّيُوبَ بطَغْيةٍ *** تُنْبي العُقابَ كما يُلَطُّ المِجْنَبُ
ويقالُ: هو بالهَمْز مِن الأنْباءِ؛ وقد تقدَّمَ للمصنِّفِ قرِيبًا.
ونَبَا فلانٌ عن فلانٍ: لم يَنْقَدْ له؛ وهو مجازٌ؛ وكَذلكَ نَبَا عليه.
وفي الحديثِ: «قالَ طَلْحَةُ لعُمَر، رضي الله عنهما: أَنْتَ ولِيُّ من وَلِيتَ ولا نَنَيُو في يَدَيْك»؛ أَي نَنْقادُ لكَ ولا نَمْتَنعُ عمَّا تريدُ مِنَّا.
ونَبَا عن الشيء نَبْوًا ونَبْوةً: زايَلَهُ، وإذا لم يَسْتَمْكِن للسَّرْج أَو الرَّحْل قيلَ نَبَا.
ويقالُ: قد نَبَوْتُ مِن أَكْلَةٍ أَكَلْتُها: أَي سَمِنْت؛ عن ابنِ بُزُرْج.
والنابِي: السَّمِين.
ونَبَا بي فلانٌ نُبِيَّا جَفَانِي؛ ومنه قولُ أَبي نُخَيْلة:
لمَّا نَبَا بي صاحِبي نُبِيّا
والنَّبْوةُ: الجَفْوةُ. يقالُ: بَيْني وبَيْنه نَبْوةٌ. وهو يَشْكُو نَبَواتِ الدّهْرِ وجَفَواتِه؛ وهو مجازٌ.
والنَّبْوةُ: الإقامَةُ.
والنَّبْوُ: العُلُوّ والارْتِفاعُ.
ونَبَاةُ، كحَصاةٍ: موضِعٌ؛ عن الأخْفَش وأنْشَدَ لساعِدَةَ ابنِ جُؤَيَّة:
فالسِّدْرُ مُخْتَلَجٌ وغُودِرَ طافِيًا *** ما بَيْنَ عَيْنَ إلى نَباةَ الأَثْأَبُ
ويُرْوَى: نَباتَى، كسَكَارَى، ونَبات، كسَحابٍ، وهُما مَذْكُورانِ في موضِعِهما.
وتَنَبَّى الكَذَّابُ: ادَّعَى النُّبُوَّةَ، وليسَ بنَبِيِّ، يُهْمَزُ ولا يُهْمَزُ، وقد ذُكِرَ في أوَّلِ الكِتابِ.
وقال أَبو بكْرِ بنُ الأنْبارِي في الزاهرِ في قولِ القُطامي:
لمَّا وَرَدْنَ نُبَيًّا واسْتَتَبَّ بِنا *** مُسْحَنْفِرٌ كخُطُوطِ النَّسْجِ مُنْسَحِلُ
إنَّ النُّبيَّ في هذا لبَيْتِ هو الطَّريقُ، وقد رَدَّ ذلك عليه أَبو القاسِمِ الزجَّاجي وقالَ. كيفَ يكونُ ذلكَ مِن أَسْماءِ الطَّريقِ وهو يقولُ: لمَّا وَرَدْنَ نُبَيًّا، وقد كانتْ قَبْل وُرُودِه على طَرِيقٍ فكأنَّه قالَ لمَّا وَرَدْنَ طَرِيقًا، وهذا لا مَعْنًى له إلَّا أَن يكونَ أَرادَ طرِيقًا بعَيْنِه في مَكانٍ مَخْصوصٍ فيرجعُ إلى اسْمِ مَكانٍ بعَيْنِه، قيلَ: هو رَمْل بعَيْنِه، وقيلَ: هو اسْمُ جَبَلٍ.
قلْت: وقد صَرَّحَ ابنُ برِّي أنَّه في قولِ أَوْسِ بنِ حَجَر الذي تقدَّمَ ذِكْرُه اسْم رَمْلٍ بعَيْنهِ وصَوَّبَه.
وقال الجَوْهرِي: إنَّه جَمْع نابٍ كغازٍ وغَزِيِّ لرَوابٍ حَوْلَ الكاثِبِ، وهو اسْمُ جَبَلٍ.
وقال ابنُ سِيدَه في قولِ القُطامي: إنَّه موضِعٌ بالشامِ دونَ السّرْ، وقال نَصْر: النَّبِيُّ، كغَنِىِّ: بالجَزيرَةِ مِن دِيارٍ تَغْلب النَّمرِ بنِ قاسِطٍ، ويقالُ: هو كسُمَيِّ؛ وأَيْضًا: موضِعٌ مِن وادِي ظَبِي على القبْلَةِ منه إلى أهيل، وأَيْضًا وادٍ بنجْدٍ.
قالَ ياقوتُ: ويُقَوِّي ما ذهَبَ إليه الزجَّاجِي قولُ عَدِيّ ابن زِيْدٍ:
سقى بطن العقيق إلى أُفاق *** ففاثُور إلى البيت الكثيب
فروّى قلة الأوجال وَبْلًا *** ففَلْجًا فالنبيَّ فذا كَريب
والنّباوَةُ: طَلَبُ الشَّرَفِ والرِّياسَةِ والتَّقدّمِ؛ ومنه قولُ قتادَةَ في حميدِ بن هِلالٍ: ما بالبَصْرَةِ أعْلَم منه غَيْر أنَّ النَّباوَة، أَضَرَّت به.
ونُبَيٌّ، كسُمَيٍّ: رمْلٌ قُرْبَ ضريَّةَ شَرْقي بِلادِ عبدِ الله ابنِ كِلَابٍ؛ عن نَصْر.
وذُو نَبَوانِ: موضِعٌ في قولِ أَبي صَخْرٍ الهُذَلي:
ولها بذِي نَبَوانِ مَنْزَلَةٌ *** قَفْرٌ سِوى الأرواح والرَّهْمِ
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
37-لسان العرب (بجر)
بجر: البَجَرُ، بِالتَّحْرِيكِ: خروجُ السُّرَّة ونُتُوُّها وغِلَظُ أَصلِها.ابْنُ سِيدَهْ: البُجْرَةُ السُّرَّةُ مِنَ الإِنسان وَالْبَعِيرِ، عَظُمَتْ أَو لَمْ تَعْظُمْ.
وبَجَرَ بَجْرًا، فَهُوَ أَبْجَرُ إِذا غَلُظَ أَصلُ سُرَّتِهِ فالتَحَمَ مِنْ حَيْثُ دَقَّ وَبَقِيَ فِي ذَلِكَ الْعِظَمِ رِيحٌ، والمرأَةُ بَجْراءُ، وَاسْمُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ البَجَرَةُ والبُجْرَةُ.
والأَبْجَرُ: الَّذِي خَرَجَتْ سُرَّتُهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ صِفَةِ قُرَيْش: أَشِحَّةٌ بَجَرَةٌ؛ هِيَ جَمْعٌ بَاجِرٌ، وَهُوَ الْعَظِيمُ الْبَطْنِ.
يُقَالُ: بَجِرَ يَبْجَرُ بَجَرًا، فَهُوَ باجِرٌوأَبْجَرُ، وَصَفَهُمْ بالبَطانَةِ ونُتُوءِ السُّرَرِ وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ كِنَايَةً عَنْ كَنزهم الأَموال وَاقْتِنَائِهِمْ لَهَا، وَهُوَ أَشبه بِالْحَدِيثِ لأَنه قَرَنَهُ بِالشُّحِّ وَهُوَ أَشد الْبُخْلِ.
والأَبْجَرُ: العظيمُ البَطْنِ، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بُجْرٌ وبُجْرانٌ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
فَلَا يَحْسَب البُجْرانُ أَنَّ دِماءَنا ***حَقِينٌ لهمْ فِي غيرِ مَرْبُوبَةٍ وُقْرِ
أَي لَا يَحْسَبْنَ أَن دماءَنا تَذْهَبُ فِرْغًا بَاطِلًا أَي عِنْدِنَا مِنْ حِفْظِنا لَهَا فِي أَسْقِيَةٍ مَرْبُوبَةٍ، وَهَذَا مَثَلٌ.
ابْنُ الأَعرابي: الباجِرُ المُنْتَفِخُ الجَوْف، والهِرْدَبَّةُ الجَبانُ.
الْفَرَّاءُ: الباحرُ، بِالْحَاءِ: الأَحمق؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا غَيْرُ الْبَاجِرِ، ولكلٍّ مَعْنًى.
الْفَرَّاءُ: البَجْرُ والبَجَرُ انْتِفَاخُ الْبَطْنِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه بَعَثَ بَعْثًا فأَصْبَحُوا بأَرْضٍ بَجْراءَ»؛ أَي مرتفعةٍ صُلْبَةٍ.
والأَبْجَرُ: الَّذِي ارْتَفَعَتْ سُرَّتُه وصَلُبَتْ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ: " أَصْبَحْنا فِي أَرضٍ عَرُونَةٍ بَجْراءَ "، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَا نباتَ بِهَا.
والأَبْجَرُ: حَبْلُ السَّفِينَةِ لِعِظَمِهِ فِي نَوْعِ الْحِبَالِ، وَبِهِ سُمِّي أَبْجَرُ بنُ حَاجِزٍ.
والبُجْرَةُ: العُقْدَةُ فِي الْبَطْنِ خَاصَّةً، وَقِيلَ: البُجْرَةُ العُقْدَةُ تَكُونُ فِي الْوَجْهِ والعُنُقِ، وَهِيَ مثلُ العُجْرَةِ؛ عَنْ كُرَاعٍ.
وبَجِرَ الرجلُ بَجَرًا، فَهُوَ بَجِرٌ، ومَجَرَ مَجْرًا: امتلأَ بطنُه مِنَ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ الْحَامِضِ ولسانُه عطشانُ مِثْلُ نَجَرَ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ أَن يُكْثِرَ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ أَو اللَّبَنِ وَلَا يَكَادُ يَرْوَى، وَهُوَ بَجِرٌ مَجِرٌ نَجِرٌ.
وتَبَجَّر النبيذَ: أَلَحّ فِي شُرْبِهِ، مِنْهُ.
والبَجَاري والبَجارى: الدَّوَاهِي والأُمور الْعِظَامُ، وَاحِدُهَا بُجْرِيٌّ وبُجْرِيَّةٌ.
والأَباجِيرُ: كالبَجَاري وَلَا وَاحِدَ لَهُ.
والبُجْرُ، بِالضَّمِّ: الشَّرُّ والأَمر الْعَظِيمُ.
أَبو زَيْدٍ: لَقِيتُ مِنْهُ البَجَاري أَي الدَّوَاهِيَ، وَاحِدُهَا بُجْرِيٌّ مِثْلُ قُمْرِيٍّ وقَماري، وَهُوَ الشَّرُّ والأَمر الْعَظِيمُ.
أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ إِنه ليجيءُ بالأَباجِرِ، وَهِيَ الدَّوَاهِي؛ قَالَ الأَزهري: فكأَنها جَمْعُ بُجْرٍ وأَبْجارٍ ثُمَّ أَباجِرُ جمعُ الْجَمْعِ.
وأَمرٌ بُجْرٌ: عَظِيمٌ، وَجَمْعُهُ أَباجِيرُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَهُوَ نَادِرٌ كأَباطيل وَنَحْوِهِ.
وَقَوْلُهُمْ: أَفْضَيْتُ إِليك بِعُجَرِي وبُجَري أَي بِعُيُوبِي يَعْنِي أَمري كُلِّهِ.
الأَصمعي فِي بَابِ إِسرار الرَّجُلِ إِلى أَخيه مَا يَسْتُرُهُ عَنْ غَيْرِهِ: أَخبرته بِعُجَرِي وبُجَرِي أَي أَظهرته مِنْ ثِقَتِي بِهِ عَلَى مَعايبي.
ابْنُ الأَعرابي: إِذا كَانَتْ فِي السُّرَّة نَفْخَةٌ فَهِيَ بُجْرَةٌ، وإِذا كَانَتْ فِي الظَّهْرِ فَهِيَ عُجْرَةٌ؛ قَالَ: ثُمَّ يُنْقَلَانِ إِلى الْهُمُومِ والأَحزان.
قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَشْكُو إِلى اللَّهِ عُجَرِي وبُجَرِي أَي هُمُومِي وأَحزاني وَغُمُومِي.
ابْنُ الأَثير: وأَصل العُجْرَةِ نَفْخَةٌ فِي الظَّهْرِ فإِذا كَانَتْ فِي السُّرَّةِ فَهِيَ بُجْرَةٌ؛ وَقِيلَ: العُجَرُ العروقُ المُتَعَقِّدَةُ فِي الظَّهْرِ، والبُجَرُ الْعُرُوقُ الْمُتَعَقِّدَةُ فِي الْبَطْنِ ثُمَّ نُقِلَا إِلَى الْهُمُومِ والأَحزان؛ أَراد أَنه يَشْكُو إِلى اللَّهِ تَعَالَى أُموره كُلَّهَا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
وَفِي حَدِيثِ أُم زَرْع: «إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وبُجَرَه»أَي أُموره كُلَّهَا بَادِيَهَا وَخَافِيَهَا، وَقِيلَ: أَسراره، وَقِيلَ: عُيُوبَهُ.
وأَبْجَرَ الرجلُ إِذا اسْتَغْنَى غِنًى يَكَادُ يُطْغِيهِ بَعْدَ فَقْرٍ كَادَ يُكَفِّرُهُ.
وَقَالَ: هُجْرًا وبُجْرًا أَي أَمرًا عَجَبًا، والبُجْرُ: العَجَبُ؛ قال الشاعر:
أَرْمي عَلَيْهَا وَهِيَ شيءٌ بُجْرُ، ***والقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ حِبَجْرُ
وأَورد الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الرَّجَزَ مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى البُجْرِ الشَّرِّ والأَمر الْعَظِيمِ، وَفَسَّرَهُ فَقَالَ: أَي دَاهِيَةٌ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنما هُوَ الفَجْرُ أَو البَجْرُ»؛ البَجْرُ، بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ: الدَّاهِيَةُ والأَمر الْعَظِيمُ؛ أي إِن انْتَظَرْتَ حَتَّى يُضِيءَ الفجرُ أَبصرتَ الطريقَ، وإِن خبطت الظلماء أَفضتْ بك إِلى الْمَكْرُوهِ، وَيُرْوَى الْبَحْرُ، بِالْحَاءِ، يُرِيدُ غَمَرَاتِ الدُّنْيَا شَبَّهَهَا بِالْبَحْرِ لِتَحَيُّرِ أَهلها فِيهَا.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: «لمْ آتِ»، لَا أَبا لَكُمْ، بُجْرًا.
أَبو عَمْرٍو: البَجِيرُ المالُ الْكَثِيرُ.
وكثيرٌ بَجِيرٌ: إِتباعٌ.
وَمَكَانٌ عَمِيرٌ بَجِيرٌ: كَذَلِكَ.
وأَبْجَرُ وبُجَيْرٌ: اسْمَانِ.
وابنُ بُجْرَةَ: خَمَّارٌ كَانَ بِالطَّائِفِ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
فَلَوْ أَنَّ مَا عِنْدَ ابنِ بُجْرَةَ عِنْدَها، ***مِنَ الخَمْرِ، لَمْ تَبْلُلْ لَهاتِي بناطِلِ
وباجَرٌ: صَنَمٌ كَانَ للأَزد فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ من طيء، وَقَالُوا باجِر، بِكَسْرِ الْجِيمِ.
وَفِي نَوَادِرِ.
الأَعراب: ابْجارَرْتُ عَنْ هَذَا الأَمر وابْثارَرْتُ وبَجِرْتُ ومَجِرْتُ أَي اسْتَرْخَيْتُ وَتَثَاقَلْتُ.
وَفِي حَدِيثِ مَازِنٍ: «كَانَ لَهُمْ صَنَمٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ لْهُ بَاجِرٌ، تُكْسَرُ جِيمُهُ وَتُفْتَحُ، وَيُرْوَى بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَانَ فِي الأَزد»؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
ذَهَبَتْ فَشيِشَةُ بالأَباعِرِ حَوْلَنا ***سَرَقًا، فَصُبَّ عَلَى فَشِيشَةَ أَبْجَرُ
قَالَ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ رَجُلًا، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ قَبِيلَةً، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ الأُمور البَجَارى، أَي صُبَّتْ عَلَيْهِمْ داهيةٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَكُونُ خَبَرًا وَيَكُونُ دُعَاءً.
وَمِنْ أَمثالهم: عَيَّرَ بُجَيْرٌ بُجَرَهْ، ونَسِيَ.
بُجَيْرٌ خَبَرَهْ؛ يَعْنِي عُيُوبَهُ.
قَالَ الأَزهري: قَالَ الْمُفَضَّلُ: بُجَيْرٌ وَبُجَرَةُ كَانَا أَخوين فِي الدَّهْرِ الْقَدِيمِ وَذَكَرَ قِصَّتَهُمَا، قَالَ: وَالَّذِي رأَيت عَلَيْهِ أَهل اللُّغَةِ أَنهم قَالُوا الْبُجَيْرُ تَصْغِيرُ الأَبجر، وَهُوَ النَّاتِئُ السُّرَّةِ، وَالْمَصْدَرُ الْبَجَرُ، فَالْمَعْنَى أَن ذَا بُجْرَةٍ فِي سُرَّتِه عَيَّرَ غَيْرَهُ بِمَا فِيهِ، كَمَا قِيلَ فِي امرأَة عَيَّرَتْ أُخرى بِعَيْبٍ فِيهَا: رَمَتْني بدائها وانْسَلَّتْ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
38-لسان العرب (شقر)
شقر: الأَشْقَرُ مِنَ الدَّوَابِّ: الأَحْمَرُ فِي مُغْرَةِ حُمْرَةٍ صافيةٍ يَحْمَرُّ مِنْهَا السَّبِيبُ والمَعْرَفَةُ وَالنَّاصِيَةُ، فإِن اسودَّا فَهُوَ الكُمَيْتُ.وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَكرمُ الْخَيْلِ وَذَوَاتُ الْخَيْرِ مِنْهَا شُقْرُها؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي.
اللَّيْثُ: الشَّقْرُ والشُّقْرَةُ مَصْدَرُ الأَشْقَرِ، وَالْفِعْلُ شَقُرَ يَشْقُرُ شُقْرَةً، وَهُوَ الأَحمر مِنَ الدَّوَابِّ.
الصِّحَاحُ: والشُّقْرَةُ لونُ الأَشْقَرِ، وَهِيَ فِي الإِنسان حُمْرَةٌ صَافِيَةٌ وبَشَرَتُه مَائِلَةٌ إِلى الْبَيَاضِ؛ ابْنُ سِيدَهْ: وشَقِرَ شَقَرًا وشَقُرَ، وَهُوَ أَشْقَرُ، واشْقَرَّ كَشَقِرَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ: " وَقَدْ رأَى فِي الأُفُقِ اشْقِرارَا وَالِاسْمُ الشُّقْرَةُ.
والأَشْقَرُ مِنَ الإِبل: الَّذِي يُشْبِهُ لَوْنُه لَوْنَ الأَشْقَرِ مِنَ الْخَيْلِ.
وَبَعِيرٌ أَشْقَرُ أَي شَدِيدُ الْحُمْرَةِ.
والأَشْقَرُ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي يَعْلُو بياضَه حمرةٌ صافيةٌ.
والأَشْقَرُ مِنَ الدَّمِ: الَّذِي قَدْ صَارَ عَلَقًا.
يُقَالُ: دَمٌ أَشْقَرُ، وَهُوَ الَّذِي صَارَ عَلَقًا وَلَمْ يَعْلُهُ غُبارٌ.
ابْنِ الأَعرابي قَالَ: لَا تَكُونُ حَوْرَاءُ شَقْراءَ، وَلَا أَدْماءُ حَوْراءَ وَلَا مَرْهاءَ، لَا تَكُونُ إِلا ناصِعَةَ بياضِ العَيْنَيْنِ فِي نُصوعِ بَياضِ الْجِلْدِ فِي غَيْرِ مُرْهَةٍ وَلَا شُقْرَةٍ وَلَا أُدْمَةٍ وَلَا سُمْرَةٍ وَلَا كَمَدِ لَوْنٍ حَتَّى يَكُونَ لَوْنُهَا مُشْرِقًا ودَمُها ظَاهِرًا.
والمَهْقاءُ والمَقْهاءُ: الَّتِي يَنْفي بياضَ عَيْنِهَا الكُحْلُ وَلَا يَنْفي بياضَ جِلْدِهَا.
والشَّقْراءُ: اسْمُ فَرَسِ رَبِيعَةَ بْنِ أُبَيٍّ، صِفَةٌ غَالِبَةٌ.
والشَّقِرُ، بِكَسْرِ الْقَافِ: شَقائِقُ النُّعمانِ، وَيُقَالُ: نَبْتٌ أَحمر، وَاحِدَتُهَا شَقرَةٌ، وَبِهَا سُمِّيَ الرجلُ شَقِرَة، قَالَ طَرَفَةُ.
وتَساقَى القَوْمُ كأْسًا مُرَّةً، ***وَعَلَى الخَيْلِ دِماءٌ كالشَّقِرْ
وَيُرْوَى: وعَلا الخيلَ.
وَجَاءَ بالشُّقَّارَى والبُقَّارَى والشُقارَى والبُقارَى، مُثَقَّلًا وَمُخَفَّفًا، أَي بِالْكَذِبِ.
ابْنُ دُرَيْدٍ: يُقَالُ جَاءَ فُلَانٌ بالشُّقَرِ والبُقَرِ إِذا جَاءَ بِالْكَذِبِ.
والشُّقَّارُ والشُّقَّارَى: نِبْتَةٌ ذَاتُ زُهَيْرَةٍ، وَهِيَ أَشبه ظُهُورًا عَلَى الأَرض مِنَ الذَّنْيَانِ.
وزَهْرَتُها شُكَيْلاءُ وورقها لَطِيفٌ أَغبر، تُشْبِهُ نِبْتَتُها نِبْتَةَ القَضْب، وَهِيَ تُحْمَدُ فِي الْمَرْعَى، وَلَا تَنْبُتُ إِلا فِي عَامٍ خَصِيبٍ؛ قال ابن مقبل:
حَشا ضِغْثُ شُقَّارَى شَراسِيفَ ضُمَّرٍ، ***تَخَذَّمَ منْ أَطْرافِها مَا تَخَذَّما
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الشُّقَّارَى، بِالضَّمِّ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ، نَبْتٌ، وَقِيلَ: نَبْتٌ فِي الرَّمْلِ، وَلَهَا رِيحٌ ذَفِرَةٌ، وَتُوجَدُ فِي طَعْمِ اللَّبَنِ، قَالَ: وَقَدْ قِيلَ إِن الشُّقَّارَى هُوَ الشَّقِرُ نَفْسُهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَوِيٍّ، وَقِيلَ: الشُّقَّارَى نَبْتٌ لَهُ نَوْرٌ فِيهِ حُمْرَةٌ لَيْسَتْ بِنَاصِعَةٍ وَحَبُّهُ يُقَالُ لَهُ الخِمْخِمُ.
والشِّقرانُ: دَاءٌ يأَخذ الزَّرْعَ، وَهُوَ مِثْلُ الوَرْسِ يَعْلُو الأَذَنَةَ ثُمَّ يُصَعِّدُ فِي الْحَبِّ وَالثَّمَرِ.
والشَّقِرانُ: نَبْتٌ.
أَو مَوْضِعٌ.
والمَشاقِرُ: مَنَابِتُ العَرْفَجِ، وَاحِدَتُهَا مَشْقَرَةٌ.
قَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ لِرَاكِبٍ وَرَدَ عَلَيْهِ: مِنْ أَين وَضَحَ الراكبُ؟ قَالَ: مِنَ الحِمَى، قَالَ: وأَين كَانَ مَبيتُكَ؟ قَالَ: بإِحدى هَذِهِ المَشاقِرِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ: " مِنْ ظِباء المَشاقِر "وَقِيلَ: الْمَشَاقِرُ مَوَاضِعُ.
والمَشاقِرُ مِنَ الرِّمَالِ: مَا انْقَادَ وتَصَوَّب فِي الأَرض، وَهِيَ أَجلد الرِّمَالِ، الْوَاحِدُ مَشْقَرٌ.
والأَشاقرُ: جِبَالٌ بَيْنَ مَكَّةَ والمدينة.
والشُّقَيْرُ: ضَرْبٌ مِنَ الحِرْباءِ أَو الجنَادِب.
وشَقِرَةُ: اسْمُ رَجُلٍ، وَهُوَ أَبو قَبِيلَةٍ مِنَ الْعَرَبِ يُقَالَ لَهَا شَقِرَة.
وشَقِيرَة: قَبِيلَةٌ فِي بَنِي ضَبَّةَ، فإِذا نَسَبْتَ إِليهم فَتَحْتَ الْقَافَ قُلْتَ شَقَرِيٌّ.
والشُّقُور: الْحَاجَةُ.
يُقَالُ: أَخبرته بشُقُورِي، كَمَا يُقَالُ: أَفْضَيْتُ إِليه بِعُجَري وبُجَرِي، وَكَانَ الأَصمعي يَقُولُهُ بِفَتْحِ الشِّينِ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الضَّمُّ أَصح لأَن الشُّقُور بِالضَّمِّ بِمَعْنَى الأُمورِ اللَّاصِقَةِ بِالْقَلْبِ المُهِمَّةِ لَهُ، الْوَاحِدُ شَقْرٌ.
وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ فِي سِرارِ الرَّجُلِ إِلى أَخيه مَا يَسْتُره عَنْ غَيْرِهِ: أَفْضَيْتُ إِليه بشُقُورِي أَي أَخبرته بأَمري وأَطلعته عَلَى مَا أُسِرُّه مِنْ غَيْرِهِ.
وبَثَّهُ شُقُورَهُ وشَقُورَهُ أَي شَكَا إِليه حَالَهُ؛ قَالَ الْعَجَّاجِ:
جارِيَ، لَا تَسْتَنْكِرِي عَذِيرِي، ***سَيْرِي، وإِشْفاقِي عَلَى بَعيرِي
وكَثْرَةَ الحديثِ عَنْ شَقُورِي، ***مَعَ الجَلا ولائِحِ القَتِيرِ
وَقَدِ اسْتَشْهَدَ بالشَّقورِ فِي هَذِهِ الأَبيات لِغَيْرِ ذَلِكَ فَقِيلَ: الشَّقُور، بِالْفَتْحِ، بِمَعْنَى النَّعْتِ، وَهُوَ بَثُّ الرَّجُلِ وهَمُّهُ.
وَرَوَى الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه أَنشده بَيْتَ الْعَجَّاجِ فَقَالَ: رُوِيَ شُقُورِي وشَقُورِي؛ والشُّقُور: الأُمور الْمُهِمَّةُ، الْوَاحِدُ شَقْرٌ.
والشَّقُورُ: هُوَ الْهَمُّ المُسْهِرُ، وَقِيلَ: أَخبرني بشَقُوره أَي بِسِرِّه.
والمُشَقَّرُ، بِفَتْحِ الْقَافِ مَشْدُودَةٍ: حِصْنٌ بِالْبَحْرَيْنِ قَدِيمٌ؛ قَالَ لَبِيدٍ يَصِفُ بَنَاتَ الدَّهْرِ:
وأَنْزَلْنَ بالدُّومِيّ مِنْ رأْسِ حِصْنِهِ، ***وأَنْزَلْنَ بالأَسْبَابِ رَبَّ المُشَقَّرِ
والمُشَقَّرُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: " دُوَيْنَ الصَّفا اللَّائِي يَلِينَ المُشَقَّرَا والمُشَقَّرُ أَيضًا: حِصْنٌ، قال المخبل:
فَلَئِنْ بَنَيْت لِيَ المُشَقَّرَ فِي ***صَعْبٍ تُقَصِّرُ دُونَهُ العُصْمُ،
لَتُنَقِّبَنْ عَنِّي المَنِيَّةُ، إِنَّ ***اللهَ لَيْسَ كَعِلْمِهِ عِلْمُ
أَراد: فَلَئِنْ بَنَيْتَ لِي حِصْنًا مِثْلَ المُشَقَّرِ.
والشَّقْراءُ: قَرْيَةٌ لِعُكْلٍ بِهَا نَخْلٌ؛ حَكَاهُ أَبو رِياشٍ فِي تَفْسِيرِ أَشعار الحماسَة، وأَنشد لِزِيَادِ بْنِ جَمِيلٍ:
مَتَى أَمُرُّ عَلَى الشَّقْراءِ مُعْتَسِفًا ***خَلَّ النَّقَى بِمَرُوحٍ، لَحْمُها زِيَمُ
والشَّقْراءُ: مَاءٌ لِبَنِي قَتادة بْنِ سَكَنٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ لَمَّا وَفَدَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأَسلم اسْتَقْطَعَهُ مَا بَيْنَ السَّعْدِيَّةِ والشَّقْراءِ»؛ وَهُمَا مَاءَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ السَّعْدِيَّةِ فِي مَوْضِعِهِ.
والشَّقِيرُ: أَرض؛ قَالَ الأَخطل:
وأَقْفَرَتِ الفَراشَةُ والحُبَيَّا، ***وأَقْفَرَ، بَعْدَ فاطِمَةَ، الشَّقِيرُ
والأَشاقِرُ: حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ مِنَ الأَزد، وَالنِّسْبَةُ إِليهم أَشْقَريٌّ.
وبنو الأَشْقَرِ: حَيّ أَيضًا، يُقَالُ لأُمِّهم الشُّقَيراءُ، وَقِيلَ: أَبوهم الأَشْقَرُ سَعْدُ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنُ مَالِكِ بْنِ فَهْمٍ؛ وَيُنْسَبُ إِلى بَني شَقِرَةَ شَقَرِيٌّ، بِالْفَتْحِ، كَمَا يُنْسَبُ إِلى النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ نَمَرِيٌّ.
وأَشْقَرُ وشُقَيْرٌ وشُقْرانُ: أَسماء.
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: شُقْرانُ السُّلامِيُّ رَجُلٌ مِنْ قُضاعَةَ.
والشَّقْراءُ: اسْمُ فَرَسٍ رَمَحَتِ ابنَها.
فَقَتَلَتْهُ؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ الأَسَدِيُّ يَهْجُو عُتْبَةَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ، وَكَانَ عُتْبَةُ قَدْ أَجار رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسد فقتله رَجُلًا مِنْ بَنِي كِلَابٍ فَلَمْ يَمْنَعْهُ:
فأَصْبَحَ كالشَّقْراءِ، لَمْ يَعْدُ شَرُّها ***سَنابِكَ رِجْليها، وعِرْضُكَ أَوْفَرُ
التَّهْذِيبُ: والشَّقِرَةُ هُوَ السَّنْجُرْفُ وَهُوَ السَّخْرُنج؛ وأَنشد: " عَلَيْهِ دِماءُ البُدْنِ كالشَّقِرات ابْنُ الأَعرابي: الشُّقَرُ الدِّيكُ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
39-لسان العرب (ضبر)
ضبر: ضَبَرَ الفَرَسُ يَضْبُر ضَبْرًا وضَبَرانًا إِذا عَدَا، وَفِي الْمُحْكَمِ: جَمَع قَوَائِمَهُ ووَثَبَ، وَكَذَلِكَ المقيَّد فِي عَدْوه.الأَصمعي: إِذا وثَب الفرسُ فوقع مجوعةً يَدَاهُ فَذَلِكَ الضَّبْر؛ قَالَ الْعَجَّاجِ يَمْدَحُ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ الْقُرَشِيَّ:
لَقَدْ سَمَا ابْنُ مَعْمَرٍ حِينَ اعْتَمَرْ ***مَغْزًى بَعيدًا مِنْ بَعيد وضَبَرْ،
تَقَضِّيَ البَازِي إِذا البَازِي كَسَرْ يَقُولُ: ارْتَفَعَ قَدْرُه حِينَ غَزَا مَوْضِعًا بَعِيدًا مِنَ الشَّامِ وَجَمَعَ لِذَلِكَ جَيْشًا.
وَفِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبي وقَّاصٍ: «الضَّبْر ضَبر البَلْقاء وَالطَّعْنُ طَعْنُ أَبي مِحْجَنٍ»؛ البَلْقاء: فَرَسُ سَعْدٍ، وَكَانَ أَبو مِحْجن قَدْ حَبَسَهُ سعدٌ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَهُمْ فِي قِتَالِ الفُرْس، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ القَادِسِيَّة رأَى أَبو محْجن الثَّقَفِيُّ مِنَ الفُرْس قُوَّةً، فَقَالَ لامرأَة سَعْدٍ: أَطلقيني ولكِ اللهَ عليَّ أَن أَرجع حَتَّى أَضع رِجْلي فِي الْقَيْدِ؛ فَحَلَّتْهُ، فَرَكِبَ فَرَسًا لِسَعْدٍ يُقَالُ لَهَا البَلْقاء، فَجَعَل لَا يَحْمِل عَلَى نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْعَدُوِّ إِلا هَزَمَهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ حَتَّى وَضَعَ رِجْله فِي الْقَيْدِ ووَفى لَهَا بذمَّته، فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ أَخبرته بِمَا كَانَ مِنْ أَمره فَخَلَّى سَبِيلَهُ.
وَفَرَسٌ ضِبِرٌّ، مِثَالُ طِمِرٍّ، فِعِلٌّ مِنْهُ، أَي وثَّاب، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ.
وضَبَّر الشيءَ: جَمَعَهُ.
والضَّبْر والتَّضْبِير: شِدَّةُ تَلْزِيز الْعِظَامِ وَاكْتِنَازِ اللَّحْمِ؛ جَمَلٌ مَضْبُور ومُضَبَّر، وَفَرَسٌ مُضَبَّر الْخَلْقِ أَي مُوَثَّقُ الْخَلْقِ، وَنَاقَةٌ مُضَبَّرة الخَلْق.
وَرَجُلٌ ضِبِرٌّ: شَدِيدٌ.
وَرَجُلٌ ذُو ضَبَارَةٍ فِي خَلْقِهِ: مُجْتَمِعُ الْخَلْقِ، وَقِيلَ: وَثِيقُ الْخَلْقِ؛ وَبِهِ سُمِّيَ ضَبَارَةُ، وَابْنُ ضَبَارة كَانَ رَجُلًا مِنْ رُؤَسَاءِ أَجناد بَنِي أُمية.
والمَضْبُور: الْمُجْتَمِعُ الْخَلْقِ الأَملس؛ وَيُقَالُ للمِنْجل: مَضْبُور.
اللَّيْثُ: الضَّبْر شِدَّةُ تَلْزِيز الْعِظَامِ وَاكْتِنَازِ اللَّحْمِ، وَجَمَلٌ مُضَبَّر الظَّهْرِ؛ وأَنشد: " مُضَبَّر اللَّحْيَيْن نَسْرًا مِنْهَسا وأَسد ضُبَارِم وضُبَارِمَة مِنْهُ فُعالم عِنْدَ الْخَلِيلِ.
والإِضْبَارَةُ: الحُزْمة مِنَ الصُّحُف، وَهِيَ الإِضْمَامَة.
ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ جَاءَ فُلَانٌ بإِضْبَارَةٍ مِنْ كُتب وإِضْمامةٍ مِنْ كُتب، وَهِيَ الأَضَابِير والأَضَامِيم.
اللَّيْثُ: إِضْبارَةٌ مِنْ صُحُف أَو سِهَامٍ أَي حُزْمة، وضُبَارَةُ [ضِبَارَةُ] لُغَةٌ، وَغَيْرُ اللَّيْثِ لَا يُجِيزُ ضُبَارة مِنْ كُتُب، وَيَقُولُ: أَضْبَارة وإِضْبارة.
وضَبَّرت الكُتب وَغَيْرَهَا تضبِيرًا: جَمَعْتُهَا.
الْجَوْهَرِيُّ: ضَبَرت الكُتب أَضْبُرُها ضَبْرًا إِذا جَعَلْتَهَا إِضْبارَة.
وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه ذَكَرَ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ، كأَنها جَمْعُ ضِبَارَةٍ مِثْلُ عِمَارَةٍ وعَمائِر.
وَكُلُّ مُجْتَمِعٍ: ضِبَارَة.
والضَّبَائِر: جَمَاعَاتُ النَّاسِ.
يُقَالُ: رأَيتهم ضَبائرَ أَي جَمَاعَاتٍ فِي تَفْرقة.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَتَتْه الملائكةُ بِحَرِيرَةٍ فِيهَا مِسْك وَمِنْ ضَبائِر الرَّيْحَانِ.
والضُّبَار [الضِّبَار]: الكُتُب، لَا وَاحِدَ لَهَا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَقولُ لِنَفْسي واقِفًا عِنْدَ مُشْرِفٍ، ***عَلَى عَرَصَاتٍ، كالضبَارِ النَّوَاطق
والضَّبْر: الْجَمَاعَةُ يَغْزُونَ عَلَى أَرجلهم؛ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْجَمَاعَةُ يَغْزُونَ.
يُقَالُ: خَرَجَ ضَبْرٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ سَاعِدَةُ بْنُ جَؤَيَّةَ الْهُذَلِيُّ:
بَيْنا هُمُ يَوْمًا كَذَلِكَ رَاعَهُمْ ***ضَبْرٌ، لباسُهُمُ القَتيرُ مُؤَلَّبُ
القَتِير: مَسَامِيرُ الدُّرُوعِ وأَراد بِهِ هَاهُنَا الدُّرُوعَ.
وَمُؤَلَّبٌ: مُجمَّع، وَمِنْهُ تَأَلَّبُوا أَي تجمَّعوا.
والضَّبْر: الرَّجَّالة.
والضَّبْر: جِلْدٌ يُغَشَّى خَشَبًا فِيهَا رِجَالٌ تُقَرَّبُ إِلى الحُصون لِقِتَالِ أَهلها، وَالْجَمْعُ ضُبُورٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: إِنا لَا نأْمَنُ أَن يأْتوا بضُبُور؛ هِيَ الدَّبَّابات الَّتِي تُقَرَّب لِلْحُصُونِ لِتَنْقُبَ مِنْ تَحْتِهَا، الْوَاحِدَةُ ضَبْرة.
وضَبَرَ عَلَيْهِ الصَّخْر يَضْبُره أَي نَضَّدَه؛ قَالَ الرَّاجِزُ يَصِفُ نَاقَةً:
ترى شُؤُون رأْسِها العَوارِدا ***مَضْبُورَةً إِلى شَبًا حَدائِدا،
ضَبْرَ بَراطِيلَ إِلى جَلامِدا "والضَّبْرُ والضَّبِر: شَجَرُ جَوْز الْبَرِّ يُنَوِّرُ وَلَا يَعْقِدُ؛ وَهُوَ مِنْ نَبَاتِ جِبَالِ السَّرَاةِ، وَاحِدَتُهُ ضَبِرَة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا يَمْتَنِعُ ضَبْرَة غَيْرَ أَني لَمْ أَسمعه.
وَفِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ: «أَنه ذَكَرَ بَنِي إِسرائيل فَقَالَ: جَعَلَ اللَّهُ عِنَبَهُمُ الأَرَاكَ وجَوْزَهم الضَّبْرَ ورُمَّانهم المَظَّ»؛ الأَصمعي: الضَّبْر جَوْز الْبَرِّ، الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ جَوْزٌ صُلْبٌ، قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ الرُّمان الْبَرِّيَّ، لأَن ذَلِكَ يُسَمَّى المَظّ.
والضُّبَّار: شَجَرٌ طَيِّبُ الحَطَب؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ مَرَّةً: الضُّبَّار شَجَرٌ قَرِيبُ الشَّبَهِ مِنْ شَجَرِ البَلُّوط وحَطَبه جَيِّدٌ مِثْلَ حَطَبِ المَظّ، وإِذا جُمِعَ حَطَبُهُ رَطْبًا ثُمَّ أُشعلت فِيهِ النَّارَ فَرْقَعَ فَرْقَعَة المَخَاريق، وَيُفْعَلُ ذَلِكَ بِقُرْبِ الغيَاض الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الأُسْد فَتَهْرُبُ، وَاحِدَتُهُ ضُبَّارة.
ابْنُ الأَعرابي: الضَّبْر الْفَقْرُ، والضَّبْر الشَّدُّ، والضَّبْر جَمْعُ الأَجزاء؛ وأَنشد:
مَضْبُورَةً إِلى شَبَا حَدَائِدَا، ***ضَبْرَ براطيلَ إِلى جَلَامِدَا
وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ يَصِفُ الْمَنْجَنِيقَ:
وَكُلُّ أُنثى حَمَلَتْ أَحْجارا، ***تُنْتَجُ حِينَ تَلْقَح ابْتِقارا
قَدْ ضُبِرَ القومُ لَهَا اضْطبارا، ***كأَنما تجمَّعوا قُبّارا
أَي يَخْرُجُ حَجَرُهَا مِنْ وَسَطِهَا كَمَا تُبْقر الدَّابَّةُ.
والقُبّار مِنْ كَلَامِ أَهل عُمَانَ: قومٌ يَجْتَمِعُونَ فَيَحُوزُونَ مَا يَقَعُ فِي الشِّباك مِنْ صَيْد، الْبَحْرِ، فَشَبَّهَ جَذْب أُولئك حِبالَ المنْجَنِيق بِجَذْبِ هؤُلاء الشِّبَاكَ بِمَا فِيهَا.
ابْنُ الْفَرَجِ: الضِّبْر والضِّبْن الإِبْط؛ وأَنشد لجندل:
وَلَا يَؤُوبُ مُضْمَرًا فِي ضِبْرِي ***زادِي، وَقَدْ شَوَّلَ زَادُ السَّفْرِ
أَي لَا أَخْبَأُ الطَّعَامَ فِي السَّفَرِ فَأَؤُوب بِهِ إِلى بَيْتِي وقد نفد زَادُ أَصحابي وَلَكِنِّي أُطعمهم إِياه.
وَمَعْنَى شَوَّلَ أَي خَفَّ، وقلَّما تُشَوِّلُ القِرْبةُ إِذا قَلَّ مَاؤُهَا.
وَعَامِرُ بْنُ ضَبارة، بِالْفَتْحِ.
وضُبَيْرَة: اسْمُ امرأَة؛ قَالَ الأَخطل:
بَكْرِيَّةٌ لَمْ تكُنْ دَارِي لَهَا أَمَمًا، ***وَلَا ضُبَيْرَةُ مِمَّن تَيَّمَت صَدَدُ
وَيُرْوَى صُبَيْرَةُ.
وضَبَّار: اسْمُ كَلْبٍ؛ قَالَ:
سَفَرَتْ فَقُلْت لَها: هَجٍ، فَتَبَرْقَعَتْ، ***فَذَكَرْتُ حِينَ تَبَرْقَعَتْ ضَبَّارا
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
40-لسان العرب (عجر)
عجر: العَجَر، بِالتَّحْرِيكِ: الحَجْم والنُّتُوُّ.يُقَالُ: رَجُلٌ أَعْجَرُ بَيِّن العَجَر أَي عَظِيمُ الْبَطْنِ.
وعَجِر الرجلُ، بِالْكَسْرِ، يعْجَر عَجَرًا أَي غلُظ وسَمِن.
وتَعَجَّر بطنُه: تَعَكَّنَ.
وعَجِر عَجَرًا: ضَخُم بطنُه.
والعُجْرةُ: مَوْضِعُ العَجَر.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، كرَّم اللَّهُ وَجْهَهُ، أَنه طَافَ ليلةَ وقعةِ الْجَمَلِ عَلَى القَتْلى مَعَ مَوْلاه قَنْبَرٍ فَوَقَفَ عَلَى طلحةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَهُوَ صَريع، فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: عَزَّ عَلَيَّ أَبا مُحَمَّدٍ أَن أَراك مُعَفَّرًا تَحْتَ نُجُومِ السَّمَاءِ؛ إِلى اللَّهِ أَشكو عُجَرِي وبُجَرِي" قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: مَعْنَاهُ هُمُومِي وأَحزاني، وَقِيلَ: مَا أُبْدِي وأُخْفِي، وَكُلُّهُ عَلَى المَثَل.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَيُقَالُ أَفضيت إِليه بعُجَرِي وبُجَرِي أَي أَطلعتُه مِنْ ثِقتي بِهِ عَلَى مَعَايِبي.
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: إِن مِنَ النَّاسِ مَنْ أُحَدِّثه بعُجَرِي وبُجَري أَي أُحدثه بمَساوِيَّ، يُقَالُ هَذَا فِي إِفشاء السِّرِّ.
قَالَ: وأَصل العُجَر العُرُوق الْمُتَعَقِّدَةُ فِي الْجَسَدِ، والبُجَر الْعُرُوقُ الْمُتَعَقِّدَةُ فِي الْبَطْنِ خَاصَّةً.
وَقَالَ الأَصمعي: العُجْرَة الشَّيْءُ يَجْتَمِعُ فِي الْجَسَدِ كالسِّلعة، والبُجْرة نَحْوُهَا، فَيُرَادُ: أَخْبرته بِكُلِّ شَيْءٍ عِنْدِي لَمْ أَستر عَنْهُ شَيْئًا مِنْ أَمري.
وَفِي حَدِيثِ أُم زَرْعٍ: «إِن أَذكُرْه أَذكُرْ عُجَرَهُ وبُجَرَه»؛ الْمَعْنَى إِنْ أَذكُرْه أَذكر مَعايِبَه الَّتِي لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا مَن خَبَرَه؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: العُجَر جمع عُجْرة، هو الشَّيْءُ يَجْتَمِعُ فِي الْجَسَدِ كالسِّلعة والعُقْدة، وَقِيلَ: هُوَ خَرَز الظَّهْرِ، قَالَ: أَرادت ظاهرَ أَمره وباطنَه وَمَا يُظْهِرُه ويُخفيه.
والعُجْرَة: نَفْخَة فِي الظَّهْرِ، فإِذا كَانَتْ فِي السُّرَّةِ فَهِيَ بُجْرة، ثُمَّ يُنْقَلانِ إِلى الْهُمُومِ والأَحزان.
قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: العُجَر فِي الظَّهْرِ والبُجر فِي الْبَطْنِ.
وعَجَرَ الفرسُ يَعْجِرُ إِذا مدَّ ذَنَبَهُ نَحْوَ عَجُزِه فِي العَدْو؛ وقال أَبو زيد:
وهَبَّتْ مَطاياهُمْ، فَمِنْ بَيْنِ عاتبٍ، ***ومِنْ بَيْنِ مُودٍ بالبَسِيطَةِ يَعْجِرُ
أَي هَالِكٌ قَدْ مَدَّ ذَنَبَهُ.
وعَجَر الفرسُ يَعْجِرُ عَجْرًا وعَجَرَانًا وعاجَرَ إِذا مَرَّ مَرًّا سَرِيعًا مِنْ خَوْفٍ وَنَحْوِهِ.
وَيُقَالُ: فَرَسٌ عاجِر، وَهُوَ الَّذِي يَعْجِر بِرِجْلَيْهِ كقِماص الحِمار، وَالْمَصْدَرُ العَجَران؛ وعَجَرَ الحمارُ يَعْجِر عَجْرًا: قَمصَ؛ وأَما قول" تَمِيمِ بْنِ مُقْبِلٍ:
أَما الأَداةُ ففِينا ضُمَّرٌ صُنُعٌ، ***جُرْدٌ عَواجِرُ بالأَلْبادِ واللُّجُمِ
فإِنها رُوِيَتْ بِالْحَاءِ وَالْجِيمِ فِي اللُّجُمِ، وَمَعْنَاهُ عَلَيْهَا أَلبادها ولحمُها، يَصِفُهَا بالسِّمَن وَهِيَ رافعةٌ أَذنابها مِنْ نَشَاطِهَا.
وَيُقَالُ: عَجَرَ الرِّيقُ عَلَى أَنيابه إِذا عَصَبَ بِهِ ولزِقَ كَمَا يَعْجِرُ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ عَلَى رأْسه؛ قَالَ مُزَرِّد بْنُ ضِرَارٍ أَخو الشَّمَّاخِ:
إِذ لَا يَزَالُ يابِسًا لُعابُه ***بالطَّلَوَان، عَاجِرًا أَنْيابُه
والعَجَرُ: الْقُوَّةُ مَعَ عِظَم الْجَسَدِ.
وَالْفَحْلُ الأَعْجَرُ: الضَّخْم.
وعَجِرَ الفرسُ: صلُب لحمُه.
وَوَظِيفٌ عَجِرٌ وعَجُرٌ، بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا: صُلْبٌ شَدِيدٌ، وَكَذَلِكَ الْحَافِرُ؛ قَالَ المَرَّارُ: " سَلِط السُّنْبُكِ ذِي رُسْغٍ عَجِرْ "والأَعْجَر: كُلُّ شَيْءٍ تَرَى فِيهِ عُقَدًا.
وكِيسٌ أَعْجَر وهِمْيان أَعْجَر: وهو الْمُمْتَلِئُ.
وبَطْنٌ أَعْجرُ: مَلآن، وَجَمْعُهُ عُجْر؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
أَبَنِي زَبِيبةَ، مَا لِمُهْرِكُمُ ***مُتَخَدِّدًا، وبُطونكُمْ عُجْر؟
والعُجْرة، بِالضَّمِّ: كُلُّ عُقْدَةٍ فِي الْخَشَبَةِ، وَقِيلَ: العُجْرة الْعُقْدَةُ فِي الْخَشَبَةِ وَنَحْوِهَا أَو فِي عُرُوقِ الْجَسَدِ.
والخَلَنْج فِي وشْبِه عُجَر، وَالسَّيْفُ فِي فِرِنْدِه عُجَر؛ وَقَالَ أَبو زُبَيْدٍ:
فأَوَّلُ مَنْ لاقَى يجُول بسَيْفهِ ***عَظِيم الْحَوَاشِي قَدْ شَتا، وَهُوَ أَعْجَرُ
الأَعْجَر: الْكَثِيرُ العُجَر.
وَسَيْفٌ ذُو مَعْجَرٍ: فِي مَتْنِه كَالتَّعْقِيدِ.
والعَجِير: الَّذِي لَا يأْتي النِّسَاءَ، يُقَالُ لَهُ عَجِير وعِجِّير، وَقَدْ رُوِيَتْ بِالزَّايِ أَيضًا.
ابْنُ الأَعرابي: العَجِير، بِالرَّاءِ غَيْرُ مُعْجَمَةٍ، والقَحُول والحَرِيك وَالضَّعِيفُ والحَصُور العِنِّين، والعَجِير العِنِّين مِنَ الرِّجَالِ وَالْخَيْلِ.
الْفَرَّاءُ: الأَعْجَر الأَحْدَب، وَهُوَ الأَفْزَرُ والأَفْرَصُ والأَفْرَسُ والأَدَنّ والأَثْبَج.
والعَجّارُ: الَّذِي يأْكل العَجاجِير، وَهِيَ كُتَلُ الْعَجِينِ تُلقى عَلَى النَّارِ ثُمَّ تُؤْكَلُ.
ابْنُ الأَعرابي: إِذا قُطِّع العَجين كُتَلًا عَلَى الخِوَان قَبْلَ أَن يُبْسَطَ فَهُوَ المُشَنَّق.
والعَجاجِيرُ والعَجّارُ: الصِّرِّيعُ الَّذِي لَا يُطاق جنبُه فِي الصِّراع المُشَغْزب لِصَريعه.
والعَجْرُ: لَيُّك عُنُقِ الرَّجُلِ.
وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: عَجَر عُنُقَهُ إِلى كَذَا وَكَذَا يَعْجِره إِذا كَانَ عَلَى وَجْهٍ فأَراد أَن يَرْجِعَ عَنْهُ إِلى شَيْءٍ خَلْفَهُ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، أَو أَمَرْته بِالشَّيْءِ فَعَجَر عُنُقَهُ وَلَمْ يُرِدْ أَن يَذْهَبَ إِليه لأَمرك.
وعَجَر عنقَه يَعْجِرها عَجْرًا: ثَنَاهَا.
وَعَجَر بِهِ بَعِيرُه عَجَرانًا: كأَنه أَراد أَن يَرْكَبَ بِهِ وَجْهًا فَرَجَعَ بِهِ قِبَل أُلَّافِه وأَهِله مِثْلَ عكَر بِهِ؛ وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
فَلَوْ كُنتَ سَيْفًا كَانَ أَثْرُكَ عُجْرَةً، ***وَكُنْتَ دَدانًا لَا يُؤَيِّسُه الصَّقْل
يَقُولُ: لَوْ كنتَ سَيْفًا كُنْتَ كَهامًا بِمَنْزِلَةِ عُجْرَةِ التِّكَّة.
كَهامًا: لَا يَقْطَعُ شَيْئًا.
قَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ عَجَرْت عَلَيْهِ وحَظَرْت عَلَيْهِ وحَجَرْت عَلَيْهِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وعَجَر عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ أَي شَدَّ عَلَيْهِ.
وعُجِرَ عَلَى الرَّجُلِ: أُلِحَّ عَلَيْهِ فِي أَخذ مَالِهِ.
وَرَجُلٌ مَعْجورٌ عَلَيْهِ: كَثُر سُؤَالُهُ حَتَّى قلَّ، كمَثْمودٍ.
الْفَرَّاءُ: جَاءَ فُلَانٌ بالعُجرِ والبُجَرِ أَي جَاءَ بِالْكَذِبِ، وَقِيلَ: هُوَ الأَمر الْعَظِيمُ.
وَجَاءَ بالعَجارِيّ والبَجاريّ، وَهِيَ "الدَّوَاهِي.
وعَجَرَه بِالْعَصَا وبَجَرَه إِذا ضَرَبه بِهَا فَانْتَفَخَ مَوْضِعُ الضَّرْبِ مِنْهُ.
والعَجارِيُّ: رؤوس الْعِظَامِ؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ: " ومِنْ عَجارِيهنَّ كلَّ جِنْجِن "فَخَفَّفَ ياءَ العَجارِي، وَهِيَ مُشَدَّدَةٌ.
والمِعْجَر والعِجارُ: ثَوْبٌ تَلُفُّه المرأَة عَلَى اسْتِدَارَةِ رأْسها ثُمَّ تَجَلْبَبُ فَوْقَهُ بجلِبابِها، وَالْجَمْعُ المَعاجرُ؛ وَمِنْهُ أُخذ الاعْتِجارُ، وَهُوَ لَيُّ الثَّوْبِ عَلَى الرأْس مِنْ غَيْرِ إِدارة تَحْتَ الحنَك.
وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ: الاعْتِجارُ لَفُّ الْعِمَامَةِ دُونَ التَّلَحِّي.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ مُعْتَجِرًا بعمامةٍ سَوْداءَ "؛ الْمَعْنَى أَنه لَفَّها عَلَى رأْسه وَلَمْ يَتَلَحَّ بِهَا؛ وَقَالَ دُكَيْنٌ يَمْدَحُ عَمْرَو بْنَ هُبَيْرَةَ الْفَزَارِيَّ أَمِيرَ الْعِرَاقِ وَكَانَ رَاكِبًا عَلَى بَغْلَةٍ حَسْنَاءَ فَقَالَ يَمْدَحُهُ بَدِيهًا:
جَاءَتْ بِهِ، مُعْتَجِرًا بِبُرْدِه، ***سَفْواءُ تَرْدِي بنَسِيج وَحْدِه
مُسْتَقْبِلًا خَدَّ الصَّبَّا بخدِّه، ***كالسَّيفِ سُلَّ نَصْلُه مِنْ غِمْدِه
خَيرُ أَميرٍ جَاءَ مِنْ مَعَدِّه، ***مِنْ قَبْلِهِ، أَو رَافِدًا مِن بَعْدِه
فَكُلُّ قَلْسٍ قادِحٌ بِزَنْدِه، ***يَرْجُون رَفْعَ جَدِّهم بِجَدِّه
فَإِنْ ثَوَى ثَوى النَّدَى فِي لَحْدِه، ***واخْتَشَعَتْ أُمَّتُه لِفَقْدِه
فَدَفَعَ إِليه البغلةَ وثيابَه والبُرْدة الَّتِي عَلَيْهِ.
والسَّفْواء: الخَفِيفةُ الناصِيةِ، وَهُوَ يُسْتَحَبُّ فِي البِغال وَيُكْرَهُ فِي الْخَيْلِ.
والسَّفْواء أَيضًا: السَّرِيعَةُ.
وَالرَّافِدُ: هُوَ الَّذِي يَلي المَلِك وَيَقُومُ مَقَامَهُ إِذا غَابَ.
والعِجْرة، بِالْكَسْرِ: نَوْعٌ مِنَ العِمَّة.
يُقَالُ: فُلَانٌ حسَنُ العِجْرة.
وَفِي حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ: «وَجَاءَ وَهُوَ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَتِهِ مَا يَرَى وَحْشِيٌّ مِنْهُ إِلَّا عَيْنَيْهِ ورِجْلَيْه»؛ الاعْتِجارُ بِالْعِمَامَةِ: هُوَ أَن يَلُفَّها عَلَى رأْسِه ويردَّ طَرَفَهَا عَلَى وَجْهِهِ وَلَا يَعْمَلَ مِنْهَا شَيْئًا تَحْتَ ذَفَنِه.
والاعْتِجارُ: لِبسة كالالْتِحافِ؛ قَالَ الشاعر:
فما لَيْلى بِتَاشِزَة القُصَيْرَى، ***وَلَا وَقْصاءَ لِبْستُها اعْتجِارُ
والمِعْجَر: ثوبٌ تَعْتَجِر بِهِ المرأَة أَصغَر مِنَ الرِّدَاءِ وأَكبر مِنَ المِقْنَعة.
والمِعْجر والمَعاجِرُ: ضَرْبٌ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ.
والمِعْجَر: مَا ينْسَج مِنَ اللِّيف كالجُوالقِ.
والعَجْراء: الْعَصَا الَّتِي فِيهَا أُبَنٌ؛ يُقَالُ: ضَرَبَهُ بعَجْراءَ مِنْ سَلَمٍ.
وَفِي حَدِيثِ عَيَّاشِ بْنِ أَبي رَبِيعَةَ لَمَّا بَعَثَه إِلى الْيَمَنِ: «وقَضيب ذُو عُجَرٍ كأَنه مِنْ خَيزُرانٍ»أَي ذُو عُقَدٍ.
وَكَعْبُ بْنُ عُجْرة: مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وعاجِرٌ وعُجَيرٌ والعُجَير وعُجْرة، كُلُّهَا: أَسماء.
وَبَنُو عُجْرة: بَطْنٌ مِنْهُمْ.
والعُجَير: مَوْضِعٍ؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:
تَلَقَّيْنَني يَوْمَ العُجَيرِ بمنْطِقٍ، ***ترَوَّحَ أَرْطَى سُعْدَ مِنْهُ وضالُها
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
41-لسان العرب (قرر)
قرر: القُرُّ: البَرْدُ عَامَّةً، بِالضَّمِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: القُرُّ فِي الشِّتَاءِ وَالْبَرْدُ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، يُقَالُ: هَذَا يومٌ ذُو قُرٍّ أَي ذُو بَرْدٍ.والقِرَّةُ: مَا أَصاب الإِنسانَ وَغَيْرَهُ مِنَ القُرِّ.
والقِرَّةُ أَيضًا: الْبَرْدُ.
يُقَالُ: أَشدُّ الْعَطَشِ حِرَّةٌ عَلَى قِرَّةٍ، وَرُبَّمَا قَالُوا: أَجِدُ حِرَّةً عَلَى قِرَّةٍ، وَيُقَالُ أَيضًا: ذَهَبَتْ قِرَّتُها أَي الوقتُ الَّذِي يأْتي فِيهِ الْمَرَضُ، وَالْهَاءُ لِلْعِلَّةِ، ومَثَلُ الْعَرَبِ لِلَّذِي يُظهر خِلَافَ مَا يُضْمِرُ: حِرَّةٌ تَحْتَ قِرَّةٍ، وَجَعَلُوا الْحَارَّ الشديدَ مِنْ قَوْلِهِمُ اسْتَحَرَّ القتلُ أَي اشْتَدَّ، وَقَالُوا: أَسْخَنَ اللهُ عَيْنَهُ والقَرُّ: الْيَوْمُ الْبَارِدُ.
وكلُّ باردٍ: قَرٌ.
ابْنُ السِّكِّيتِ: القَرُورُ الْمَاءُ الْبَارِدُ يُغْسَلُ بِهِ.
يُقَالُ: "قَدِ اقْتَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ البَرُودُ، وقرَّ يَوْمُنَا، مِنَ القُرّ.
وقُرَّ الرجلُ: أَصابه القُرُّ.
وأَقَرَّه اللهُ: مِنَ القُرِّ، فَهُوَ مَقْرُورٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كأَنه بُنِيَ عَلَى قُرٍّ، وَلَا يُقَالُ قَرَّه.
وأَقَرَّ القومُ: دَخَلُوا فِي القُرِّ.
وَيَوْمٌ مقرورٌ وقَرٌّ وقارٌّ: بَارِدٌ.
وَلَيْلَةٌ قَرَّةٌ وقارَّةٌ أَي بَارِدَةٌ؛ وَقَدْ قَرَّتْ تَقَرّ وتَقِرُّ قَرًّا.
وَلَيْلَةٌ ذاتُ قَرَّةٍ أَي لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ؛ وأَصابنا قَرَّةٌ وقِرَّةٌ، وَطَعَامٌ قارٌّ.
وَرُوِيَ عَنْ" عُمَرَ أَنه قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ: بَلَغَنِي أَنك تُفْتي، وَلِّ حارَّها مَنْ تَوَلَّى قارَّها "؛ قَالَ شَمِرٌ: مَعْنَاهُ وَلِّ شَرَّها مَنْ تَولَّى خَيْرَها ووَلِّ شديدَتها مَنْ تَوَلَّى هَيِّنَتها، جَعَلَ الْحَرَّ كِنَايَةً عَنِ الشَّرِّ، والشدّةَ والبردَ كِنَايَةً عَنِ الْخَيْرِ والهَيْنِ.
والقارُّ: فَاعِلٌ مِنَ القُرِّ الْبَرْدِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ" الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي جَلْدِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبة: وَلِّ حارَّها مَنْ تولَّى قارَّها، وامتنعَ مِنْ جَلْدِه.
ابْنُ الأَعرابي: يَوْمٌ قَرٌّ وَلَا أَقول قارٌّ وَلَا أَقول يَوْمٌ حَرٌّ.
وَقَالَ: تَحَرَّقت الأَرضُ وَالْيَوْمُ قَرٌّ.
وَقِيلَ لِرَجُلٍ: مَا نَثَرَ أَسنانَك؟ فَقَالَ: أَكلُ الْحَارِّ وشُرْبُ القارِّ.
وَفِي حَدِيثِ أُم زَرْعٍ: «لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ»؛ القُرُّ: البَرْدُ، أَرادت أَنه لَا ذُو حَرٍّ وَلَا ذُو بَرْدٍ فَهُوَ مُعْتَدِلٌ، أَرادت بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ الْكِنَايَةَ عَنِ الأَذى، فَالْحَرُّ عَنْ قَلِيلِهِ وَالْبَرْدُ عَنْ كَثِيرِهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" حُذَيفة فِي غَزْوَةِ الخَنْدَق: فَلَمَّا أَخبرتُه خَبَرَ الْقَوْمِ وقَرَرْتُ قَرِرْتُ؛ أي لَمَّا سكنتُ وجَدْتُ مَسَّ الْبَرْدِ.
وَفِي حَدِيثُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْر: لَقُرْصٌ بُرِّيٌّ بأَبْطَحَ قُرِّيٍ "؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: سُئِلَ شَمِرٌ عَنْ هَذَا فَقَالَ: لَا أَعرفه إِلا أَن يَكُونَ مِنَ القُرِّ الْبَرْدِ.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَرَّ يومُنا يَقُرُّ، ويَقَرُّ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ.
والقُرارة: مَا بَقِيَ فِي القِدْرِ بَعْدَ الغَرْفِ مِنْهَا.
وقَرَّ القِدْرَ يَقُرُّها قَرًّا: فَرَّغَ مَا فِيهَا مِنَ الطَّبِيخِ وَصَبَّ فِيهَا مَاءً بَارِدًا كَيْلَا تَحْتَرِقَ.
والقَرَرَةُ والقُرَرَة والقَرارة والقِرارة والقُرورةُ، كُلُّهُ: اسْمُ ذَلِكَ الْمَاءِ.
وكلُّ مَا لَزِقَ بأَسفل القِدْر مِنْ مَرَقٍ أَو حُطامِ تابِلٍ مُحْتَرِقٍ أَو سَمْنٍ أَو غَيْرِهِ: قُرّة وقُرارة وقُرُرَة، بِضَمِّ الْقَافِ وَالرَّاءِ، وقُرَرة، وتَقَرَّرَها واقْتَرَّها: أَخذها وائْتَدَمَ بِهَا.
يُقَالُ: قَدِ اقْتَرَّتِ القِدْرُ وَقَدْ قَرَرْتُها إِذا طَبَخْتَ فِيهَا حَتَّى يَلْصَقَ بأَسفلها، وأَقْرَرْتها إِذا نَزَعْتَ مَا فِيهَا مِمَّا لَصِقَ بِهَا؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ.
والقَرُّ: صبُّ الْمَاءِ دَفْعَة وَاحِدَةً.
وتَقَرَّرتِ الإِبلُ: صَبَّتْ بَوْلَهَا عَلَى أَرجلها.
وتَقَرَّرَت: أَكلت اليَبِسَ فتَخَثَّرت أَبوالُها.
والاقْتِرار: أَن تأْكل الناقةُ اليبيسَ والحِبَّةَ فَيَتَعَقَّدَ عَلَيْهَا الشحمُ فَتَبُولَ فِي رِجْلَيْهَا مِنْ خُثُورة بَوْلِهَا.
وَيُقَالُ: تَقَرَّرت الإِبل فِي أَسْؤُقها، وقَرّت تَقِرُّ: نَهِلَتْ وَلَمْ تَعُلَّ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
حَتَّى إِذا قَرَّتْ وَلَمَّا تَقْرِرِ، ***وجَهَرَت آجِنَةً، لَمْ تَجْهَرِ
وَيُرْوَى أَجِنَّةً.
وجَهَرَتْ: كَسَحَتْ.
وَآجِنَةٌ: مُتَغَيِّرَةٌ، وَمَنْ رَوَاهُ أَجِنَّةَ أَراد أَمْواهًا مُنْدَفِنَةً، عَلَى التَّشْبِيهِ بأَجنَّة الْحَوَامِلِ.
وقَرَّرت الناقةُ بِبَوْلِهَا تَقْريرًا إِذا رَمَتْ بِهِ قُرَّةً بَعْدَ قُرَّةٍ أَي دُفْعَةً بَعْدَ دُفْعة خَاثِرًا مِنْ أَكل الحِبّة؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
يُنْشِقْنَه فَضْفاضَ بَوْلٍ كالصَّبَرْ، ***فِي مُنْخُرَيْه، قُرَرًا بَعْدَ قُرَرْ
قَرَرًا بَعْدَ قَرَرٍ أَي حُسْوَة بَعْدَ حُسْوَة ونَشْقَةً بَعْدَ نَشْقة.
ابْنُ الأَعرابي: إِذا لَقِحَت النَّاقَةُ فَهِيَ مُقِرٌّ وقارِحٌ، وَقِيلَ: إِن الاقْترارَ السِّمنُ، تَقُولُ: "اقْتَرَّتِ الناقةُ سَمِنَتْ؛ وأَنشد لأَبي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيِّ يَصِفُ ظَبْيَةً:
بِهِ أَبِلَتْ شَهْرَي رَبيعٍ كِلَاهُمَا، ***فَقَدْ مارَ فِيهَا نَسْؤُها واقترارُها
نَسْؤُهَا: بَدْءُ سِمَنِهَا، وَذَلِكَ إِنما يَكُونُ فِي أَوّل الرَّبِيعِ إِذا أَكلت الرُّطْبَ، واقترارُها: نِهَايَةُ سِمَنِهَا، وَذَلِكَ إِنما يَكُونُ إِذا أَكلت الْيَبِيسَ وبُزُور الصَّحْرَاءِ فعَقَّدَتْ عَلَيْهَا الشَّحْمَ.
وقَرَّ الكلامَ وَالْحَدِيثَ فِي أُذنه يَقُرُّه قَرًّا: فَرَّغه وصَبَّه فِيهَا، وَقِيلَ هُوَ إِذا سارَّه.
ابْنُ الأَعرابي: القَرُّ تَرْدِيدُك الْكَلَامَ فِي أُذن الأَبكم حَتَّى يَفْهَمَهُ.
شَمِرٌ: قَرَرْتُ الكلامَ فِي أُذنه أَقُرُّه قَرًّا، وَهُوَ أَن تَضَعَ فَاكَ عَلَى أُذنه فَتَجْهَرَ بِكَلَامِكَ كَمَا يُفعل بالأَصم، والأَمر: قُرَّ.
وَيُقَالُ: أَقْرَرْتُ الكلامَ لِفُلَانٍ إِقرارًا أَي بَيَّنْتُهُ حَتَّى عَرَفَهُ.
وَفِي حَدِيثِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ: «يأْتي الشيطانُ فَيَتَسَمَّعُ الكلمةَ فيأْتي بِهَا إِلى الْكَاهِنِ فَيُقِرُّها فِي أُذنه كَمَا تُقَرُّ القارورةُ إِذا أُفرغ فِيهَا، وَفِي رِوَايَةٍ: فيَقْذفها فِي أُذن وَلِيِّه كقَرِّ الدَّجَاجَةِ»؛ القَرُّ: تَرْدِيدُكَ الْكَلَامَ فِي أُذن المخاطَب حَتَّى يَفْهَمَهُ.
وقَرُّ الدَّجَاجَةِ: صوتُها إِذا قَطَّعَتْهُ، يُقَالُ: قَرَّتْ تَقِرُّ قَرًّا وقَرِيرًا، فإِن رَدَّدَتْه قُلْتَ: قَرْقَرَتْ قَرْقَرَةً، وَيُرْوَى: كقَزِّ الزجاجة، بالزاي، أَي كَصَوْتِهَا إِذا صُبَّ فِيهَا الْمَاءُ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَن النَّبِيَّ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ فِي العَنانِ وَهِيَ السحابُ فَيَتَحَدَّثُونَ مَا عَلِمُوا به مما لَمْ يَنْزِلْ مِنَ الأَمر، فيأْتي الشَّيْطَانُ فَيَسْتَمِعُ فَيَسْمَعُ الكلمة فيأْتي بها إِلى الْكَاهِنِ فيُقِرُّها فِي أُذنه كَمَا تُقَرُّ القارورةُ إِذا أُفرغ فِيهَا مِائَةُ كِذْبةٍ.
والقَرُّ: الفَرُّوج.
واقْتَرَّ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ: اغْتَسَلَ.
والقَرُورُ: الْمَاءُ الْبَارِدُ يُغْتَسل بِهِ.
واقْتَرَرْتُ بالقَرُور: اغْتَسَلْتُ بِهِ.
وقَرَّ عَلَيْهِ الماءَ يَقُرُّه: صَبَّهُ.
والقَرُّ: مَصْدَرُ قَرَّ عَلَيْهِ دَلْوَ مَاءٍ يَقُرُّها قَرًّا، وقَرَرْتُ عَلَى رأْسه دَلْوًا مِنْ مَاءٍ بَارِدٍ أَي صَبَبْتُهُ.
والقُرّ، بِالضَّمِّ: القَرار فِي الْمَكَانِ، تَقُولُ مِنْهُ قَرِرْتُ بِالْمَكَانِ، بِالْكَسْرِ، أَقَرُّ قَرارًا وقَرَرْتُ أَيضًا، بِالْفَتْحِ، أَقِرُّ قَرَارًا وقُرورًا، وقَرَّ بِالْمَكَانِ يَقِرُّ ويَقَرُّ، والأُولى أَعلى؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَعني أَن فَعَلَ يَفْعِلُ هَاهُنَا أَكثر مِنْ فَعَلَ يَفْعَلُ قَرارًا وقُرورًا وقَرًّا وتَقْرارةً وتَقِرَّة، والأَخيرة شَاذَّةٌ؛ واسْتَقَرَّ وتَقارَّ واقْتَرَّه فِيهِ وَعَلَيْهِ وقَرَّره وأَقَرَّه فِي مَكَانِهِ فاستقرَّ.
وَفُلَانٌ مَا يَتَقارُّ فِي مَكَانِهِ أَي مَا يَسْتَقِرُّ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي مُوسَى: «أُقِرَّت الصَّلَاةُ بِالْبِرِّ وَالزَّكَاةِ؟»، وَرُوِيَ: قَرَّتْ أَي اسْتَقَرَّت مَعَهُمَا وقُرِنت بِهِمَا، يَعْنِي أَن الصَّلَاةَ مَقْرُونَةٌ بِالْبِرِّ، وَهُوَ الصِّدْقُ وَجِمَاعُ الْخَيْرِ، وأَنها مَقْرُونَةٌ بِالزَّكَاةِ فِي الْقُرْآنِ مَذْكُورَةٌ مَعَهَا.
وَفِي حَدِيثِ أَبي ذَرٍّ: «فَلَمْ أَتَقارَّ أَن قمتُ» أَي لَمْ أَلْبَثْ، وأَصله أَتَقارَر، فأُدغمت الرَّاءُ فِي الرَّاءِ.
وَفِي حَدِيثِ نَائِلٍ مَوْلَى عُثْمَانَ: «قُلْنَا لرَباح بْنِ المُغْتَرِف: غَنِّنا غِناءَ أَهل القَرارِ»؛ أي أَهل الحَضَر المستقرِّين فِي مَنَازِلِهِمْ لَا غِناءَ أَهل البَدْو الَّذِينَ لَا يَزَالُونَ مُتَنَقِّلِينَ.
اللَّيْثُ: أَقْرَرْتُ الشَّيْءَ فِي مَقَرِّه ليَقِرّ.
وَفُلَانٌ قارٌّ: ساكنٌ، وَمَا يَتَقَارُّ فِي مَكَانِهِ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ}؛ أَي قَرار وَثُبُوتٌ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ}؛ أَي لِكُلِّ مَا أَنبأْتكم عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَايَةٌ وَنِهَايَةٌ تَرَوْنَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها؛ أَي لِمَكَانٍ لَا تُجَاوِزُهُ وَقْتًا وَمَحَلًّا وَقِيلَ لأَجَلٍ قُدِّر لَهَا.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَقَرْنَ} وَقَرْنَ "، هُوَ كَقَوْلِكَ ظَلْنَ وظِلْنَ؛ فقَرْنَ عَلَى أَقْرَرْنَ كظَلْنَ عَلَىأَظْلَلْنَ وقِرنَ عَلَى أَقْرَرنَ كظِلْنَ عَلَى أَظْلَلنَ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ؛ هُوَ مِنَ الوَقار.
وقرأَ عَاصِمٌ وأَهل الْمَدِينَةِ: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ؛ قَالَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الوَقار وَلَكِنْ يُرَى أَنهم إِنما أَرادوا: واقْرَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، فَحَذَفَ الرَّاءَ الأُولى وحُوّلت فَتْحَتُهَا فِي الْقَافِ، كَمَا قَالُوا: هَلْ أَحَسْتَ صاحِبَك، وَكَمَا يُقَالُ فَظِلْتم، يُرِيدُ فَظَلِلْتُمْ؛ قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: واقْرِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، فإِن قَالَ قَائِلٌ: وقِرْن، يُرِيدُ واقْرِرْنَ فتُحَوَّلُ كَسْرَةُ الرَّاءِ إِذا أُسقطت إِلى الْقَافِ، كَانَ وَجْهًا؛ قَالَ: وَلَمْ نَجِدْ ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ مُسْتَعْمَلًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلا فِي فعَلْتم وفَعَلْتَ وفَعَلْنَ، فأَما فِي الأَمر وَالنَّهْيِ وَالْمُسْتَقْبَلِ فَلَا، إِلا أَنه جَوَّزَ ذَلِكَ لأَن اللَّامَ فِي النِّسْوَةِ سَاكِنَةٌ فِي فَعَلْن ويَفْعَلن فَجَازَ ذَلِكَ؛ قَالَ: وَقَدْ قَالَ أَعرابي مِنْ بَنِي نُمَيْر: يَنْحِطْنَ مِنَ الْجَبَلِ، يُرِيدُ ينْحَطِطْنَ، فَهَذَا يُقَوِّي ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ"، عِنْدِي مِنَ القَرارِ، وَكَذَلِكَ مَنْ قرأَ: وَقَرْنَ، فَهُوَ مِنَ القَرارِ، وَقَالَ: قَرَرْتُ بِالْمَكَانِ أَقِرُّ وقَرَرْتُ أَقَرُّ.
وَقَارَّهُ مُقارَّةً أَي قَرّ مَعَهُ وسَكَنَ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «قارُّوا الصلاةَ»، هُوَ مِنَ القَرارِ لَا مِنَ الوَقارِ، وَمَعْنَاهُ السُّكُونُ؛ أي اسْكُنُوا فِيهَا وَلَا تَتَحَرَّكُوا وَلَا تَعْبَثُوا، وَهُوَ تَفَاعُلٌ، مِنَ القَرارِ.
وتَقْرِيرُ الإِنسان بِالشَّيْءِ: جعلُه فِي قَراره؛ وقَرَّرْتُ عِنْدَهُ الْخَبَرَ حَتَّى اسْتَقَرَّ.
والقَرُور مِنَ النساء: التي تَقَرّ [تَقِرّ] لِمَا يُصْنَعُ بِهَا لَا تَرُدّ المُقَبِّلَ والمُراوِدَ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، كأَنها تَقِرُّ وَتَسْكُنُ وَلَا تَنْفِرُ مِنَ الرِّيبَة.
والقَرْقَرُ: القاعُ الأَمْلَسُ، وَقِيلَ: الْمُسْتَوِي الأَملس الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ.
والقَرارة والقَرارُ: مَا قَرَّ فِيهِ الْمَاءُ.
والقَرارُ والقَرارةُ مِنَ الأَرض: الْمُطْمَئِنُّ الْمُسْتَقِرُّ، وَقِيلَ: هُوَ القاعُ الْمُسْتَدِيرُ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: القَرارة كُلُّ مُطْمَئِنٍّ انْدَفَعَ إِليه الْمَاءُ فاستقَرّ فِيهِ، قَالَ: وَهِيَ مِنْ مَكَارِمِ الأَرض إِذا كَانَتْ سُهولةٌ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكَرَ عَلِيًّا فَقَالَ: «عِلْمِي إِلى عِلْمِهِ كالقَرارة فِي المُثْعَنْجَرِ»؛ القَرارةُ الْمُطَمَئِنُّ مِنَ الأَرض وَمَا يَسْتَقِرُّ فِيهِ مَاءُ الْمَطَرِ، وَجَمْعُهَا القَرارُ.
وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ يَعْمَر: «وَلَحِقَتْ طائفةٌ بقَرارِ الأَودية».
وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ: «بُطِحَ لَهُ بِقاعٍ قَرْقَرٍ»؛ هُوَ الْمَكَانُ الْمُسْتَوِي.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: «كُنْتُ زَميلَه فِي غَزْوة قَرقَرةِ الكُدْرِ»؛ هِيَ غَزْوَةٌ مَعْرُوفَةٌ، والكُدْرُ: مَاءٌ لَبَنِي سُلَيْمٍ: والقَرْقَرُ: الأَرض الْمُسْتَوِيَةُ، وَقِيلَ: إِن أَصل الكُدْرِ طَيْرٌ غُبْرٌ سُمِّيَ الموضعُ أَو الْمَاءُ بِهَا؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
بقَرارِ قِيعانٍ سقَاها وابلٌ ***واهٍ، فأَثْجَمَ بُرْهَةً لَا يُقْلِعُ
قَالَ الأَصمعي: القَرارُ هَاهُنَا جَمْعُ قَرارةٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما حَمَلَ الأَصمعي عَلَى هَذَا قولُه قِيعان لِيُضِيفَ الْجَمْعَ إِلى الْجَمْعِ، أَلا تَرَى أَن قَرَارًا هَاهُنَا لَوْ كَانَ وَاحِدًا فَيَكُونُ مِنْ بَابِ سَلٍّ وسَلَّة لأَضاف مُفْرَدًا إِلى جَمْعٍ وَهَذَا فِيهِ ضَرْبٌ مِنَ التَّنَاكُرِ وَالتَّنَافُرِ.
ابْنُ شُمَيْلٍ: بُطونُ الأَرض قَرارُها لأَن الْمَاءَ يَسْتَقِرُّ فِيهَا.
وَيُقَالُ: القَرار مُسْتَقَرُّ الْمَاءِ فِي الرَّوْضَةِ.
ابْنُ الأَعرابي: المَقَرَّةُ الْحَوْضُ الْكَبِيرُ يُجْمَعُ فِيهِ الْمَاءُ، والقَرارة القاعُ الْمُسْتَدِيرُ، والقَرْقَرة الأَرض الْمَلْسَاءُ لَيْسَتْ بجِدِّ واسعةٍ، فإِذا اتَّسَعَتْ غَلَبَ عَلَيْهَا اسْمُ التَّذْكِيرِ فَقَالُوا قَرْقَرٌ؛ وَقَالَ عَبِيدٌ: " تُرْخِي مَرابِعَها فِي قَرْقَرٍ ضاحِي "قال: والقَرَقُ [القَرِقُ] مِثْلُ القَرْقَرِ سَوَاءٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَحمر: القَرْقَرة وسطُ الْقَاعِ ووسطُ الْغَائِطِ المكانُ الأَجْرَدُ مِنْهُ لَا شَجَرَ فِيهِ وَلَا دَفَّ وَلَا حِجَارَةَ، إِنما هِيَ طِينٌ لَيْسَتْ بِجَبَلٍ وَلَا قُفٍّ، وعَرْضُها نَحْوٌ مِنْ عَشَرَةِ أَذرع أَو أَقل، وَكَذَلِكَ طُولُهَا؛ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ}؛ هُوَ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ الَّذِي يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْمَاءُ.
وَيُقَالُ لِلرَّوْضَةِ الْمُنْخَفِضَةِ: القَرارة.
وَصَارَ الأَمر إِلى قَراره ومُسْتَقَرِّه: تَناهَى وَثَبَتَ.
وَقَوْلُهُمْ عِنْدَ شِدَّةٍ تُصِيبُهُمْ: صابتْ بقُرٍّ أَي صَارَتِ الشدّةُ إِلى قَرارها، وَرُبَّمَا قَالُوا: وَقَعَت بقُرٍّ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ وَقَعَتْ فِي الْمَوْضِعِ الذِي يَنْبَغِي.
أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ الشِّدَّةِ: صابتْ بقُرٍّ إِذا نَزَلَتْ بِهِمْ شِدَّةٌ، قَالَ: وإِنما هُوَ مَثَل.
الأَصمعي: وَقَعَ الأَمرُ بقُرِّه أَي بمُسْتَقَرّه؛ وأَنشد:
لعَمْرُكَ، مَا قَلْبي عَلَى أَهله بحُرّ، ***وَلَا مُقْصِرٍ، يَوْمًا، فيأْتيَني بقُرّ
أَي بمُسْتَقَرّه؛ وَقَالَ عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ:
تُرَجِّيها، وَقَدْ وقَعَتْ بقُرٍّ، ***كَمَا تَرْجُو أَصاغِرَها عَتِيبُ
وَيُقَالُ لِلثَّائِرِ إِذا صادفَ ثَأْرَه: وقَعْتَ بقُرِّكَ أَي صادَفَ فؤادُك مَا كَانَ مُتَطَلِّعًا إِليه فتَقَرّ؛ قَالَ الشَّمَّاخ:
كأَنها وابنَ أَيامٍ تُؤَبِّنُه، ***مِنْ قُرَّةِ العَيْنِ، مُجْتابا دَيابُوذِ
أَي كأَنهما مِنْ رِضَاهُمَا بِمَرْتَعِهِمَا وَتَرْكِ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ مُجتابا ثوبٍ فاخِرٍ فَهُمَا مَسْرُورَانِ بِهِ؛ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: فعُرِضَ هَذَا القولُ عَلَى ثَعْلَبٍ فَقَالَ هَذَا الْكَلَامُ أَي سَكَّنَ اللهُ عينَه بِالنَّظَرِ إِلى مَا يُحِبُّ.
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: قَرْقارِ أَي قِرَّ واسكنْ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وقَرَّتْ عينُه تَقَرّ؛ هَذِهِ أَعلى عَنْ ثَعْلَبٍ، أَعني فَعِلَتْ تَفْعَلُ، وقَرَّت تَقِرُّ قَرَّة وقُرَّةً؛ الأَخيرة عَنْ ثَعْلَبٍ، وَقَالَ: هِيَ مَصْدَرٌ، وقُرُورًا، وَهِيَ ضدُّ سَخِنتْ، قَالَ: وَلِذَلِكَ اخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَن يَكُونَ قَرَّت فَعِلَت لِيَجِيءَ بِهَا عَلَى بِنَاءِ ضِدِّهَا، قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِقَاقِ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ بَرَدَتْ وَانْقَطَعَ بُكَاؤُهَا واستحرارُها بِالدَّمْعِ فإِن لِلسُّرُورِ دَمْعَةً بَارِدَةً وَلِلْحُزْنِ دَمْعَةً حَارَّةً، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ القَرارِ، أَي رأَت ما كانت متشوّقة إِليه فقَرَّتْ وَنَامَتْ.
وأَقَرَّ اللهُ عينَه وَبِعَيْنِهِ، وَقِيلَ: أَعطاه حَتَّى تَقَرَّ فَلَا تَطْمَحَ إِلى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ، وَيُقَالُ: حَتَّى تَبْرُدَ وَلَا تَسْخَنَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَرَّت عينُه مأْخوذ مِنَ القَرُور، وَهُوَ الدَّمْعُ الْبَارِدُ يَخْرُجُ مَعَ الْفَرَحِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ القَرارِ، وَهُوَ الهُدُوءُ، وَقَالَ الأَصمعي: أَبرد اللهُ دَمْعَتَه لأَن دَمْعَة السُّرُورِ بَارِدَةٌ.
وأَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ: مُشْتَقٌّ مِنَ القَرُور، وَهُوَ الْمَاءُ الْبَارِدُ، وَقِيلَ: أَقَرَّ اللهُ عَيْنَكَ أَي صَادَفْتَ مَا يُرْضِيكَ فَتَقَرُّ عَيْنُكَ مِنَ النَّظَرِ إِلى غَيْرِهِ، وَرَضِيَ أَبو الْعَبَّاسِ هَذَا الْقَوْلَ وَاخْتَارَهُ، وَقَالَ أَبو طَالِبٍ: أَقرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ أَنام اللَّهُ عَيْنَهُ، وَالْمَعْنَى صَادَفَ سُرُورًا يُذْهِبُ سَهَرَهُ فَيَنَامُ؛ وأَنشد: " أَقَرَّ بِهِ مَوَالِيكِ العُيونا أَي نَامَتْ عُيُونُهُمْ لَمَّا ظَفِرُوا بِمَا أَرادوا.
وَقَوْلُهُ تعالى: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَي طِيبِي نَفْسًا، قَالَ: وإِنما نُصِبَتِ الْعَيْنُ لأَن الْفِعْلَ كَانَ لَهَا فَصَيَّرَتْهُ للمرأَة، مَعْنَاهُ لِتَقَرَّ عينُك، فإِذا حُوِّل الفعلُ عَنْ صَاحِبِهِ نَصَبَ صَاحِبَ الْفِعْلِ عَلَى التَّفْسِيرِ.
وَعَيْنٌ قَرِيرةٌ: قارَّة، وقُرَّتُها: مَا قَرَّت بِهِ.
والقُرَّةُ: كُلُّ شَيْءٍ قَرَّت بِهِ عَيْنُكَ، والقُرَّةُ: " مَصْدَرُ قَرَّت الْعَيْنُ قُرَّةً.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}؛ وقرأَ أَبو هُرَيْرَةَ: " مِنْ قُرَّاتِ أَعْيُن، وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ: «لَوْ رَآكَ لقَرَّتْ عَيْنَاهُ»أَي لَسُرَّ بِذَلِكَ وفَرِحَ، قَالَ: وَحَقِيقَتُهُ أَبْرَدَ اللهُ دَمْعَةَ عَيْنِيهِ لأَن دَمْعَةَ الْفَرَحِ بَارِدَةٌ، وَقِيلَ: أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَكَ؛ أي بَلَّغَك أُمْنِيَّتك حَتَّى تَرْضَى نَفْسُك وتَسْكُنَ عَيْنُك فَلَا تَسْتَشْرِفَ إِلى غَيْرِهِ؛ وَرَجُلٌ قَرِيرُ الْعَيْنِ وقَرِرْتُ بِهِ عَيْنًا فأَنا أَقَرُّ وقَرَرْتُ أَقِرُّ وقَرِرْتُ [قَرَرْتُ] فِي الْمَوْضِعِ مِثْلُهَا.
ويومُ القَرِّ: الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي عِيدَ النَّحْرِ لأَن النَّاسَ يَقِرُّونَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَقِيلَ: لأَنهم يَقِرُّون بِمِنًى؛ عَنْ كُرَاعٍ، أَي يَسْكُنُونَ وَيُقِيمُونَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَفضلُ الأَيام عِنْدَ اللَّهِ يومُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ القَرِّ»؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَراد بِيَوْمِ القَرِّ الغَدَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ حَادِيَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ، سُمِّيَ يومَ القَرِّ لأَن أَهل المَوْسِمِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ فِي تَعَبٍ مِنَ الْحَجِّ، فإِذا كَانَ الغدُ من يوم النحر قَرُّوا بِمِنًى فَسُمِّيَ يومَ القَرِّ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عُثْمَانَ: أَقِرُّوا الأَنفس حَتَّى تَزْهَقَ أَي سَكِّنوا الذَّبَائِحَ حَتَّى تُفارقها أَرواحها وَلَا تُعْجِلُوا سَلْخها وَتَقْطِيعَهَا.
وَفِي حَدِيثِ البُراق: «أَنه استصعبَ ثُمَّ ارْفَضَّ وأَقَرَّ»؛ أي سَكَنَ وَانْقَادَ.
ومَقَرُّ الرَّحِمِ: آخِرُها، ومُسْتَقَرُّ الحَمْل مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ}؛ أَي فَلَكُمْ فِي الأَرحام مُسْتَقَرٌّ وَلَكُمْ فِي الأَصلاب مُسْتَوْدَعٌ، وَقُرِئَ: " فمستقِرٌّ ومُسْتَوْدَعٌ "؛ أَي مُسْتَقِرٌّ فِي الرَّحِمِ، وَقِيلَ: مُسْتَقِرٌّ فِي الدُّنِيَا مَوْجُودٌ، ومستودعَ فِي الأَصلاب لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: الْمُسْتَقِرُّ مَا وُلِدَ مِنَ الْخَلْقِ وَظَهَرَ عَلَى الأَرض، والمستودَع مَا فِي الأَرحام، وَقِيلَ: مُسْتَقَرُّهَا فِي الأَصلاب ومستودعها في الأَرحام، وسيأْتي ذِكْرُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي حرف العين، إِن شاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ: مُسْتَقِرٌّ فِي الأَحياء ومستودَع فِي الثَّرَى.
وَالْقَارُورَةُ: وَاحِدَةُ القَوارير مِنَ الزُّجاج، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي المرأَة الْقَارُورَةَ وَتُكَنِّي عَنْهَا بِهَا.
والقارُورُ: مَا قَرَّ فِيهِ الشرابُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ إِلا مِنَ الزُّجَاجِ خَاصَّةً.
وقوله تعالى: {قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ}؛ قَالَ بَعْضُ أَهل الْعِلْمِ: مَعْنَاهُ أَوانيَ زُجاج فِي بَيَاضِ الْفِضَّةِ وَصَفَاءِ الْقَوَارِيرِ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا حَسَنٌ، فأَما مَنْ أَلحق الأَلف فِي قَوَارِيرَ الأَخيرة فإِنه زَادَ الأَلف لتَعْدِلَ رؤوس الْآيِ.
وَالْقَارُورَةُ: حَدَقة الْعَيْنِ، عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْقَارُورَةِ مِنَ الزُّجَاجِ لِصَفَائِهَا وأَن المتأَمّل يَرَى شَخْصَهُ فِيهَا؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
قَدْ قَدَحَتْ مِنْ سَلْبِهِنَّ سَلْبا ***قارورةُ العينِ، فصارتْ وَقْبا
ابْنُ الأَعرابي: القَوارِيرُ شَجَرٌ يُشْبِهُ الدُّلْبَ تُعمل مِنْهُ الرِّحالُ وَالْمَوَائِدُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَنْجَشةَ وَهُوَ يَحْدُو بِالنِّسَاءِ: رِفْقًا بالقَوارير»؛ أَراد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَوَارِيرِ النِّسَاءَ، شَبَّهَهُنَّ بِالْقَوَارِيرِ لِضَعْفِ عَزَائِمِهِنَّ وَقِلَّةِ دَوَامِهِنَّ عَلَى الْعَهْدِ، والقواريرُ مِنَ الزُّجاج يُسْرِع إِليها الْكَسْرُ وَلَا تَقْبَلُ الجَبْرَ، وَكَانَ أَنْجَشَةُ يَحْدُو بِهِنَّ رِكابَهُنَّ وَيَرْتَجِزُ بِنَسِيبِ الشِّعْرِ وَالرَّجَزِ وَرَاءَهُنَّ، فَلَمْ يُؤْمَنْ أَن يُصِيبَهُنَّ مَا يَسْمَعْنَ مِنْ رَقِيقِ الشِّعْرِ فِيهِنَّ أَو يَقَعَ فِي قُلُوبِهِنَّ حُداؤه، فأَمر أَنجشَةَ بِالْكَفِّ عَنْ نَشِيدِهِ وحُدائه حِذارَ صَبْوَتِهن إِلى غَيْرِ الْجَمِيلِ، وَقِيلَ: أَراد أَن الإِبل إِذا سَمِعْتِ الحُداء أَسرعت فِي الْمَشْيِ وَاشْتَدَّتْ فأَزعجت الراكبَ فأَتعبته فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ لأَن النِّسَاءَ يَضْعُفْنَ عَنْ شِدَّةِ الْحَرَكَةِ.
وواحدةُ" الْقَوَارِيرِ: قارورةٌ، سُمِّيَتْ بِهَا لِاسْتِقْرَارِ الشَّرَابِ فِيهَا.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «مَا أَصَبْتُ مُنْذُ وَلِيتُ عَمَلِي إِلا هَذِهِ القُوَيْرِيرةَ أَهداها إِليّ الدِّهْقانُ»؛ هِيَ تَصْغِيرُ قَارُورَةٍ.
وَرُوِيَ عَنِ الحُطَيْئة أَنه نَزَلَ بِقَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ فِي أَهله فَسَمِعَ شُبَّانَهم يَتَغَنَّوْنَ فَقَالَ: أَغْنُوا أَغانيَّ شُبَّانِكم فإِن الغِناء رُقْيَةُ الزِّنَا.
وَسَمِعَ سليمانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ غِناءَ رَاكِبٍ لَيْلًا، وَهُوَ فِي مِضْرَبٍ لَهُ، فَبَعْثَ إِليه مَنْ يُحْضِرُه وأَمر أَن يُخْصَى وَقَالَ: مَا تَسْمَعُ أُنثى غِناءه إِلا صَبَتْ إِليه؛ قَالَ: وَمَا شَبَّهْتُه إِلا بِالْفَحْلِ يُرْسَلُ فِي الإِبل يُهَدِّرُ فِيهِنَّ فيَضْبَعُهنّ.
والاقْترارُ: تَتَبُّعُ مَا فِي بَطْنِ الْوَادِي مِنْ بَاقِي الرُّطْبِ، وَذَلِكَ إِذا هَاجَتِ الأَرض ويَبِستْ مُتونُها.
والاقترارُ: استقرارُ مَاءُ الْفَحْلِ فِي رَحِمِ النَّاقَةِ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ: " فَقَدْ مَارَ فِيهَا نَسْؤُهَا وَاقْتِرَارُهَا "قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعرف مِثْلَ هَذَا، اللَّهُمَّ إِلا أَن يَكُونَ مَصْدَرًا وإِلا فَهُوَ غَرِيبٌ ظَرِيفٌ، وإِنما عَبَّرَ بِذَلِكَ عَنْهُ أَبو عُبَيْدٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِمِثْلِ هَذَا عِلْمٌ، وَالصَّحِيحُ أَن الِاقْتِرَارَ تَتَبُّعُها فِي بُطُونِ الأَوْدِية النباتَ الَّذِي لَمْ تُصِبْهُ الشَّمْسُ.
والاقترارُ: الشِّبَعُ.
وأَقَرَّت الناقةُ: ثَبَتَ حَمْلُهَا.
واقْتَرَّ ماءُ الفحل في الرحم أَي استقرَّ.
أَبو زَيْدٍ: اقترارُ مَاءِ الْفَحْلِ فِي الرَّحِمِ أَن تبولَ فِي رِجْلَيْهَا، وَذَلِكَ مِنْ خُثورة الْبَوْلِ بِمَا جَرَى فِي لَحْمِهَا.
تَقُولُ: قَدِ اقْتَرَّت، وَقَدِ اقْتَرَّ المالُ إِذَا شَبِعَ.
يُقَالُ ذَلِكَ فِي النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ.
وَنَاقَةٌ مُقِرٌّ: عَقَّدَتْ مَاءَ الْفَحْلِ فأَمسكته فِي رَحِمِهَا وَلَمْ تُلْقِه.
والإِقرارُ: الإِذعانُ لِلْحَقِّ والاعترافُ بِهِ.
أَقَرَّ بِالْحَقِّ أَي اعْتَرَفَ بِهِ.
وَقَدْ قَرَّرَه عَلَيْهِ وقَرَّره بِالْحَقِّ غيرُه حَتَّى أَقَرَّ.
والقَرُّ: مَرْكَبٌ لِلرِّجَالِ بَيْنَ الرَّحْل والسَّرْج، وَقِيلَ: القَرُّ الهَوْدَجُ؛ وأَنشد: " كالقَرِّ ناسَتْ فوقَه الجَزاجِزُ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فإِمَّا تَرَيْني فِي رِحالةِ جابرٍ ***عَلَى حَرَجٍ كالقَرِّ، تَخْفِقُ أَكفاني
وَقِيلَ: القَرُّ مَرْكَبٌ لِلنِّسَاءِ.
والقَرارُ: الْغَنَمُ عامَّةً؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
أَسْرَعْت فِي قَرارِ، ***كأَنما ضِرارِي
أَرَدْتِ يَا جَعارِ "وخصَّ ثعلبٌ بِهِ الضأْنَ.
وَقَالَ الأَصمعي: القَرارُ والقَرارةُ النَّقَدُ، وَهُوَ ضربٌ مِنَ الغَنَمِ قِصَارُ الأَرْجُل قِباح الْوُجُوهِ.
الأَصمعي: القَرار النَّقَدُ مِنَ الشَّاءِ وَهِيَ صغارٌ، وأَجودُ الصُّوفِ صُوفُ النَّقَدِ؛ وأَنشد لِعَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدَةَ:
والمالُ صُوفُ قَرارٍ يَلْعَبونَ بِهِ، ***عَلَى نِقادَتِه، وافٍ ومَجْلُومُ
أَي يَقِلُّ عِنْدَ ذَا وَيَكْثُرُ عِنْدَ ذَا.
والقُرَرُ: الحَسا، وَاحِدَتُهَا قُرَّة؛ حَكَاهَا أَبو حَنِيفَةَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري أَيَّ الحَسا عَنَى أَحَسَا الْمَاءِ أَم غَيْرَهُ مِنَ الشَّرَابِ.
وطَوَى الثَّوْبَ عَلَى قَرِّه: كَقَوْلِكَ عَلَى غَرّه أَي عَلَى كَسْرِه، والقَرُّ والغَرُّ والمَقَرُّ: كَسْرُ طَيِّ الثَّوْبِ.
والمَقَرّ: موضعٌ وسطَ كاظمةَ، وَبِهِ قَبْرُ غَالِبٍ أَبي الْفَرَزْدَقِ وَقَبْرُ امرأَة جَرِيرٍ؛ قَالَ الرَّاعِي:
فصَبَّحْنَ المَقَرَّ، وَهُنَّ خُوصٌ، ***عَلَى رَوَحٍ يُقَلِّبْنَ المَحارا
وَقِيلَ: المَقَرُّ ثنيةُ كاظِمةَ.
وَقَالَ خالدُ بْنُ جَبَلَة: زَعَمَ النُّمَيْرِي أَن المَقَرّ جَبَلٌ لِبَنِي تَمِيمٍ.
وقَرَّتِ الدَّجاجةُ تَقِرّ قَرًّا وقَرِيرًا: قَطَعتْ صوتَها وقَرْقَرَتْ رَدَّدَتْ صوتَها؛ حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ عَنِ الْهَرَوِيِّ فِي الْغَرِيبَيْنِ.
والقِرِّيَّة: الحَوْصلة مِثْلَ الجِرِّيَّة.
والقَرُّ: الفَرُّوجةُ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر: " كالقَرِّ بَيْنَ قَوادِمٍ زُعْرِ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا العَجُزُ مُغَيَّر، قَالَ: وَصَوَابُ إِنشاد الْبَيْتِ عَلَى مَا رَوَتْهُ الرُّوَاةُ فِي شِعْرِهِ:
حَلَقَتْ بَنُو غَزْوانَ جُؤْجُؤَه ***والرأْسَ، غيرَ قَنازِعٍ زُعْرِ
فَيَظَلُّ دَفَّاه لَهُ حَرَسًا، ***ويَظَلُّ يُلْجِئُه إِلى النَّحْرِ
قَالَ هَذَا يَصِفُ ظليمًا.
وبنو غَزْوَانَ: حَيٌّ مِنَ الْجِنِّ، يُرِيدُ أَن جُؤْجُؤَ هَذَا الظَّلِيمِ أَجربُ وأَن رأْسه أَقرع، والزُّعْرُ: الْقَلِيلَةُ الشَّعْرِ.
ودَفَّاه: جَنَاحَاهُ، وَالْهَاءُ فِي لَهُ ضَمِيرُ الْبَيْضِ، أَي يجعل جناجيه حَرَسًا لِبَيْضِهِ وَيَضُمُّهُ إِلى نَحْرِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ يُلْجِئُهُ إِلى النَّحْرِ.
وقُرَّى وقُرَّانُ: مَوْضِعَانِ.
والقَرْقَرة: الضَّحِكُ إِذا اسْتُغْرِبَ فِيهِ ورُجِّعَ.
والقَرْقَرة: الْهَدِيرُ، وَالْجَمْعُ القَراقِرُ.
والقَرْقَرة: دُعاء الإِبل، والإِنْقاضُ: دُعَاءُ الشَّاءِ وَالْحَمِيرِ؛ قَالَ شظَاظٌ:
رُبَّ عَجُوزٍ مِنْ نُمَيْرٍ شَهْبَرَهْ، ***عَلَّمْتُها الإِنْقاضَ بَعْدَ القَرْقَره
أَي سَبَيْتُهَا فَحَوَّلْتُهَا إِلى مَا لَمْ تَعْرِفْهُ.
وقَرْقَر البعيرُ قَرْقَرة: هَدَر، وَذَلِكَ إِذا هَدَلَ صوتَه ورَجَّع، وَالِاسْمُ القَرْقارُ.
يُقَالُ: بَعِيرٌ قَرْقارُ الهَدِير صَافِيَ الصَّوْتِ فِي هَديرِه؛ قَالَ حُمَيدٌ:
جَاءَتْ بِهَا الوُرَّادُ يَحْجِزُ بينَها ***سُدًى، بَيْنَ قَرْقارِ الهَدِير، وأَعْجَما
وَقَوْلُهُمْ: قَرْقارِ، بُنِيَ عَلَى الْكَسْرِ وَهُوَ مَعْدُولٌ، قَالَ: وَلَمْ يُسْمَعِ الْعَدْلُ مِنَ الرُّبَاعِيِّ إِلا فِي عَرْعارِ وقَرْقارِ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ العِجْلِيُّ:
حَتَّى إِذا كَانَ عَلَى مَطارِ ***يُمناه، واليُسْرى عَلَى الثَّرْثارِ
قَالَتْ لَهُ ريحُ الصَّبا: قَرْقارِ، ***واخْتَلَطَ المعروفُ بالإِنْكارِ
يريد: قالت لسحاب قَرْقارِ كأَنه يأْمر السَّحَابَ بِذَلِكَ.
ومَطارِ والثَّرْثارُ: مَوْضِعَانِ؛ يَقُولُ: حَتَّى إِذا صَارَ يُمْنى السَّحَابِ عَلَى مَطارِ ويُسْراه عَلَى الثَّرْثارِ قَالَتْ لَهُ رِيحُ الصَّبا: صُبَّ مَا عِنْدَكَ مِنَ الْمَاءِ مُقْتَرِنًا بِصَوْتِ الرَّعْدِ، وَهُوَ قَرْقَرَته، وَالْمَعْنَى ضَرَبَتْهُ رِيحُ الصَّبا فدَرَّ لَهَا، فكأَنها قَالَتْ لَهُ وإِن كَانَتْ لَا تَقُولُ.
وَقَوْلُهُ: وَاخْتَلَطَ الْمَعْرُوفُ بالإِنكار أَي اخْتَلَطَ مَا عُرِفَ مِنَ الدَّارِ بِمَا أُنكر أَي جَلَّلَ الأَرضَ كلَّها المطرُ فَلَمْ يُعْرَفْ مِنْهَا الْمَكَانُ الْمَعْرُوفُ مِنْ غَيْرِهِ.
والقَرْقَرة: نَوْعٌ مِنَ الضَّحِكِ، وَجَعَلُوا حِكَايَةَ صَوْتِ الرِّيحِ قَرْقارًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا بأْس بِالتَّبَسُّمِ مَا لَمْ يُقَرْقِرْ»؛ القَرْقَرة: الضحك لعالي.
والقَرْقَرة: لَقَبُ سَعْدٍ الَّذِي كَانَ يَضْحَكُ مِنْهُ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ.
والقَرْقَرة: مِنْ أَصوات الْحَمَامِ، وَقَدْ قَرْقَرَتْ قَرْقَرَةً وقَرْقَرِيرًا نادرٌ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: القَرْقِيرُ فَعْلِيلٌ، جَعَلَهُ رُباعيًّا، والقَرْقارَة: إِناء، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لقَرْقَرَتها.
وقَرْقَرَ الشرابُ فِي حَلْقِهِ: صَوَّت.
وقَرْقَرَ بطنُه صَوَّت.
قَالَ شَمِرٌ: القَرْقَرة قَرْقَرةُ الْبَطْنِ، والقَرْقَرة نَحْوُ القَهْقهة، والقَرْقَرة قَرْقَرةُ الْحَمَامِ إِذا هَدَر، والقَرْقَرة قَرْقَرة الْفَحْلِ إِذا هَدَر، وَهُوَ القَرْقَرِيرُ.
وَرَجُلٌ قُراقرِيٌّ: جَهيرُ الصَّوْتِ؛ وأَنشد: " قَدْ كَانَ هَدَّارًا قُراقِرِيَّا "والقُراقِرُ والقُراقِرِيّ: الحَسَنُ الصَّوْتِ؛ قَالَ: " فِيهَا عِشاشُ الهُدْهُدِ القُراقِر "وَمِنْهُ: حادٍ قُراقِرٌ وقُراقِرِيٌّ جَيِّدُ الصَّوْتِ مِنَ القَرْقَرة؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
أَصْبَح صَوْتُ عامِرٍ صَئِيَّا، ***مِنْ بعدِ مَا كَانَ قُراقِرِيّا،
فَمَنْ يُنادي بعدَك المَطِيّا؟ "والقُراقِرُ: فَرَسُ عَامِرِ بْنِ قَيْسٍ؛ قَالَ: " وكانَ حدَّاءً قُراقِرِيَّا "والقَرارِيُّ: الحَضَريّ الَّذِي لَا يَنْتَجِعُ يَكُونُ مِنْ أَهل الأَمصار، وَقِيلَ: إِن كُلُّ صَانِعٍ عِنْدَ الْعَرَبِ قَرارِيّ.
والقَرارِيُّ: الخَيَّاط؛ قَالَ الأَعشى:
يَشُقُّ الأُمُورَ ويَجْتابُها ***كشَقِّ القَرارِيِّ ثوبَ الرَّدَنْ
قَالَ: يُرِيدُ الخَيَّاطَ؛ وَقَدْ جَعَلَهُ الرَّاعِي قَصَّابًا فَقَالَ:
ودَارِيٍّ سَلَخْتُ الجِلْدَ عَنْهُ، ***كَمَا سَلَخ القَرارِيُّ الإِهابا
ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لِلْخَيَّاطِ القَرارِيُّ والفُضُولِيُّ، وَهُوَ البَيطَرُ والشَّاصِرُ.
والقُرْقُورُ: ضَرْبٌ مِنَ السُّفُنِ، وَقِيلَ: هِيَ السَّفِينَةُ الْعَظِيمَةُ أَو الطَّوِيلَةُ، والقُرْقُورُ مِنْ أَطول السُّفُنِ، وَجَمْعُهُ قَراقير؛ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ: " قَراقِيرُ النَّبيطِ عَلَى التِّلالِ وَفِي حَدِيثِ صَاحِبِ الأُخْدُودِ: «اذْهَبُوا فاحْمِلُوه فِي قُرْقُورٍ»؛ قَالَ: هُوَ السَّفِينَةُ الْعَظِيمَةُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فإِذا دَخَلَ أَهل الجنةِ الجنةَ رَكِبَ شهداءُ الْبَحْرِ فِي قَراقيرَ مِنْ دُرّ».
وَفِي حَدِيثِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: «رَكِبُوا القَراقِيرَ حَتَّى أَتوا آسِيَةَ امرأَة فِرْعَوْنَ بتابُوتِ مُوسَى».
وقُراقِرُ وقَرْقَرى وقَرَوْرى وقُرَّان وقُراقِريّ: مَوَاضِعُ كُلُّهَا بأَعيانها مَعْرُوفَةٌ.
وقُرَّانُ: قَرْيَةٌ بِالْيَمَامَةِ ذَاتُ نَخْلٍ وسُيُوحٍ جاريةٍ؛ قَالَ عَلْقَمَةُ:
سُلَّاءَة كَعصَا النَّهْدِيِّ غُلَّ لَها ***ذُو فِيئَةٍ، مِنْ نَوى قُرَّانَ، مَعْجومُ
ابْنُ سِيدَهْ: قُراقِرُ وقَرْقَرى، عَلَى فَعْلَلى، مَوْضِعَانِ، وَقِيلَ: قُراقِرُ، عَلَى فُعالل، بِضَمِّ الْقَافِ، اسْمُ مَاءٍ بِعَيْنِهِ، وَمِنْهُ غَزَاةُ قُراقِر؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَهُمْ ضَرَبُوا بالحِنْوِ، حِنْوِ قُراقِرٍ، ***مُقَدِّمَةَ الهامُرْزِ حَتَّى تَوَلَّتِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ للأَعشى، وَصَوَابُ إِنشاده: هُمُ ضَرَبُوا؛ وَقَبْلَهُ:
فِدًى لَبَنِي دُهْلِ بنِ شَيْبانَ ناقَتِي، ***وراكبُها يومَ اللِّقَاءِ، وقَلَّتِ
قَالَ: هَذَا يذكِّر فِعْلَ بَنِي ذُهْلٍ يَوْمَ ذِي قَارٍ وَجُعِلَ النَّصْرُ لَهُمْ خَاصَّةً دُونَ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ.
والهامُرْزُ: رَجُلٌ مِنَ الْعَجَمِ، وَهُوَ قَائِدٌ مِنْ قُوَّاد كِسْرى.
وقُراقِرُ: خَلْفَ الْبَصْرَةِ وَدُونَ الْكُوفَةِ قَرِيبٌ مِنْ ذِي قَارٍ، وَالضَّمِيرُ فِي قَلَّتِ يَعُودُ عَلَى الْفِدْيَةِ أَي قَلَّ لَهُمْ أَن أَفديهم بِنَفْسِي وَنَاقَتِي.
وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ قُراقِرَ، بِضَمِّ الْقَافِ الأُولى، وَهِيَ مَفَازَةٌ فِي طَرِيقِ الْيَمَامَةِ قَطَعَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ، مَوْضِعٌ مِنْ أَعراض الْمَدِينَةِ لِآلِ الْحَسَنَ بْنِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
والقَرْقَرُ: الظَّهْرُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «رَكِبَ أَتانًا عَلَيْهَا قَرْصَف لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلا قَرْقَرُها» أَي ظَهْرُهَا.
والقَرْقَرَةُ: جِلْدَةُ الْوَجْهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فإِذا قُرِّبُ المُهْلُ مِنْهُ سَقَطَتْ قَرْقَرَةُ وَجْهِهِ»؛ حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ عَنْ الْغَرِيبَيْنِ لِلْهَرَوِيِّ.
قَرقَرَةُ وَجْهِهِ أَي جِلْدَتُهُ.
والقَرْقَرُ مِنْ لِبَاسِ النِّسَاءِ، شُبِّهَتْ بَشَرَةُ الْوَجْهِ بِهِ، وَقِيلَ: إِنما هِيَ رَقْرَقَةُ وَجْهِهِ، وهو مَا تَرَقْرَقَ مِنْ مَحَاسِنِهِ.
وَيُرْوَى: فَرْوَةُ وَجْهِهِ، بِالْفَاءِ؛ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَراد ظَاهِرَ وَجْهِهِ وَمَا بَدَا مِنْهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّحْرَاءِ الْبَارِزَةِ: قَرْقَرٌ.
والقَرْقَرُ والقَرْقَرَةُ: أَرض مُطَمَئِنَّةٌ لَيِّنَةٌ.
والقَرَّتانِ: الغَداةُ والعَشِيُّ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
وجَوارِنٌ بيضٌ وكلُّ طِمِرَّةٍ، ***يَعْدُو عَلَيْهَا، القَرَّتَيْنِ، غُلامُ
الجَوارِنُ: الدُّرُوعُ.
ابْنُ السِّكِّيتِ: فُلَانٌ يأْتي فُلَانًا القَرَّتين أَي يأْتيه بالغداة والعَشِيّ.
وأَيوب بْنُ القِرِّيَّةِ: أَحدُ الْفُصَحَاءِ.
والقُرَّةُ: الضِّفْدَعَة وقُرَّانُ: اسْمُ رَجُلٍ.
وقُرَّانُ فِي شِعْرِ أَبي ذُؤَيْبٍ: اسْمُ وادٍ.
ابْنُ الأَعرابي: القُرَيْرَةُ تَصْغِيرُ القُرَّة، وَهِيَ نَاقَةٌ تؤْخذ مِنَ المَغْنَم قَبْلَ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ فَتُنْحَرُ وتُصْلَح ويأْكلها النَّاسُ يُقَالُ لَهَا قُرَّة العين.
يقال ابْنُ الْكَلْبِيِّ: عُيِّرَتْ هَوازِنُ وبنو أَسد بأَكل القُرَّة، وَذَلِكَ أَن أَهل الْيَمَنِ كَانُوا إِذا حلقوا رؤوسهم بِمِنًى وَضَع كلُّ رَجُلٍ عَلَى رأْسه قُبْضَةَ دَقِيقٍ فإِذا حلقوا رؤوسهم سَقَطَ الشَّعْرُ مَعَ ذَلِكَ الدَّقِيقِ وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ الدَّقِيقَ صَدَقَةً فَكَانَ نَاسٌ مِنْ أَسد وقيس يأْخذون ذَلِكَ الشَّعْرَ بِدَقِيقِهِ فَيَرْمُونَ الشَّعْرَ وَيَنْتَفِعُونَ بِالدَّقِيقِ؛ وأَنشد لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبي مُعَاوِيَةَ الجَرْمي:
أَلم تَرَ جَرْمًا أَنْجَدَتْ وأَبوكُمُ، ***مَعَ الشَّعْرِ، فِي قَصِّ المُلَبّدِ، سارِعُ
إِذا قُرَّةٌ جَاءَتْ يقولُ: أُصِبْ بِهَا ***سِوى القَمْلِ، إِني مِنْ هَوازِنَ ضارِعُ
التَّهْذِيبُ: اللَّيْثُ: الْعَرَبُ تُخْرِجُ مِنْ آخَرِ حُرُوفٍ مِنَ الْكَلِمَةِ حَرْفًا مِثْلَهَا، كَمَا قَالُوا: رَمادٌ رَمْدَدٌ، وَرَجُلٌ رَعِشٌ رِعْشِيشٌ، وَفُلَانٌ دَخيلُ فُلَانٍ ودُخْلُله، وَالْيَاءُ فِي رِعْشِيشٍ مَدَّة، فإِن جعلتَ مَكَانَهَا أَلفًا أَو وَاوًا جَازَ؛ وأَنشد يَصِفُ إِبلًا وشُرْبَها:
كأَنَّ صَوْتَ جَرْعِهِنّ المُنْحَدِرْ ***صَوْتُ شِقِرَّاقٍ، إِذا قَالَ: قِرِرْ
فأَظهر حَرْفَيِ التَّضْعِيفِ، فإِذا صَرَّفوا ذَلِكَ فِي الْفِعْلِ قَالُوا: قَرْقَرَ فَيُظْهِرُونَ حَرْفَ الْمُضَاعَفِ لِظُهُورِ الرَّاءَيْنِ فِي قَرْقَر، كَمَا قَالُوا صَرَّ يَصِرُّ صَرِيرًا، وإِذا خَفَّفَ الرَّاءَ وأَظهر الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا تَحَوَّلَ الصَّوْتُ مِنَ الْمَدِّ إِلى التَّرْجِيعِ فَضُوعِفَ، لأَن التَّرْجِيعَ يُضاعَفُ كُلُّهُ فِي تَصْرِيفِ الْفِعْلِ إِذا رَجَعَ الصَّائِتُ، قَالُوا: صَرْصَر وصَلْصَل، عَلَى تَوَهُّمِ الْمَدِّ فِي حَالٍ، وَالتَّرْجِيعِ فِي حَالٍ.
التَّهْذِيبُ: واد قَرِقٌ وقَرْقَرٌ وقَرَقُوْسٌ أَي أَملس، والقَرَق الْمَصْدَرُ.
وَيُقَالُ لِلسَّفِينَةِ: القُرْقُور والصُّرْصُور.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
42-لسان العرب (قصص)
قصص: قَصَّ الشَّعْرَ وَالصُّوفَ وَالظُّفْرَ يقُصُّه قَصًّا وقَصّصَه وقَصّاه عَلَى التَّحْوِيلِ: قَطعَه.وقُصاصةُ الشَّعْرِ: مَا قُصّ مِنْهُ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيُّ، وَطَائِرٌ مَقْصُوص الْجَنَاحِ.
وقُصَاصُ الشَّعْرِ، بِالضَّمِّ، وقَصَاصُه وقِصاصُه، وَالضَّمُّ أَعلى: نهايةُ مَنْبَتِهِ ومُنْقَطعه عَلَى الرأْس فِي وَسَطِهِ، وَقِيلَ: قُصاصُ الشَّعْرِ حدُّ الْقَفَا، وَقِيلَ: هُوَ حَيْثُ تَنْتَهِي نبْتتُه مِنْ مُقدَّمه ومؤخَّره، وَقِيلَ: قُصاص الشَّعْرِ نهايةُ مَنْبَتِهِ مِنْ مُقدَّم الرأْس.
وَيُقَالُ: هُوَ مَا اسْتَدَارَ بِهِ كُلِّهُ مِنْ خَلْفٍ وأَمام وَمَا حَوَالَيْهِ، وَيُقَالُ: قُصاصَة الشَّعْرِ.
قَالَ الأَصمعي: يُقَالُ ضربَه عَلَى قُصاصِ شَعْرِهِ ومقَصّ وَمَقَاصِ.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى قِصاص الشَّعْرِ»وَهُوَ، بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، مُنْتَهَى شَعْرِ الرأْس حَيْثُ يُؤْخَذُ بالمِقَصّ، وَقَدِ اقْتَصَّ وتَقَصّصَ وتقَصّى، وَالِاسْمُ القُصّةُ.
والقُصّة مِنَ الْفَرَسِ: شَعْرُ النَّاصِيَةِ، وَقِيلَ: مَا أَقْبَلَ مِنَ النَّاصِيَةِ عَلَى الْوَجْهِ.
والقُصّةُ، بِالضَّمِّ: شعرُ النَّاصِيَةِ؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ يَصِفُ فَرَسًا:
لَهُ قصّةٌ فَشَغَتْ حاجِبَيه، ***والعيْنُ تُبْصِرُ مَا فِي الظُّلَمْ
وَفِي حَدِيثِ سَلْمان: «ورأَيته مُقَصَّصًا»؛ هُوَ الَّذِي لَهُ جُمّة.
وَكُلُّ خُصْلة مِنَ الشَّعْرِ قُصّة.
وَفِي حَدِيثِ أَنس: «وأَنتَ يَوْمَئِذٍ غُلامٌ وَلَكَ قَرْنانِ أَو قُصّتانِ»؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" مُعَاوِيَةَ: تنَاوَلَ قُصّةً مِنْ شَعَرٍ كَانَتْ فِي يَدِ حَرَسِيّ.
والقُصّة: تَتَّخِذُهَا المرأَة فِي مقدمِ رأْسها تقصُّ ناحيتَيْها عدا جَبِينها.
والقَصُّ: أَخذ الشَّعْرِ بالمِقَصّ، وأَصل القَصِّ القَطْعُ.
يُقَالُ: قصَصْت مَا بَيْنَهُمَا أَي قَطَعْتُ.
والمِقَصُّ: مَا قصَصْت بِهِ أَي قَطَعْتُ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: القِصاص فِي الجِراح مأْخوذ مِنْ هَذَا إِذا اقْتُصَّ لَهُ مِنْهُ بِجرحِه مثلَ جَرْحِه إِيّاه أَو قتْله بِهِ.
اللَّيْثُ: القَصُّ فِعْلُ الْقَاصِّ إِذا قَصَّ القِصَصَ، وَالْقِصَّةٌ مَعْرُوفَةٌ.
وَيُقَالُ: فِي رأْسه قِصّةٌ يَعْنِي الْجُمْلَةَ مِنَ الْكَلَامِ، ونحوُه قَوْلُهُ تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}؛ أَي نُبَيّن لَكَ أَحسن الْبَيَانِ.
وَالْقَاصُّ: الَّذِي يأْتي بالقِصّة مِنْ فَصِّها.
وَيُقَالُ: قَصَصْت الشَّيْءَ إِذا تتبّعْت أَثره شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ}؛ أَي اتّبِعي أَثَرَه، وَيَجُوزُ بِالسِّينِ: قسَسْت قَسًّا.
والقُصّةُ: الخُصْلة مِنَ الشَّعْرِ.
وقُصَّة المرأَة: نَاصِيَتُهَا، وَالْجَمْعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قُصَصٌ وقِصاصٌ.
وقَصُّ الشَّاةِ وقَصَصُها: مَا قُصَّ مِنْ صُوفِهَا.
وشعرٌ قَصِيصٌ: مقصوصٌ.
وقَصَّ النسّاجُ الثوبَ: قطَع هُدْبَه، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ.
والقُصاصَة: مَا قُصَّ مِنَ الهُدْب وَالشَّعْرِ.
والمِقَصُّ: المِقْراض، وَهُمَا مِقَصَّانِ.
والمِقَصَّان: مَا يَقُصّ بِهِ الشَّعْرُ وَلَا يُفْرَدُ؛ هَذَا قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مُفْرَدًا فِي بَابِ مَا يُعْتَمل بِهِ.
وقصَّه يقُصُّه: قطَعَ أَطراف أُذُنيه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.
قَالَ: وُلدَ لِمَرْأَةٍ مِقْلاتٍ فَقِيلَ لَهَا: قُصِّيه فَهُوَ أَحْرى أَن يَعِيشَ لكِ أَي خُذي مِنْ أَطراف أُذنيه، ففعلَتْ فَعَاشَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «قَصَّ اللهُ بِهَا خَطَايَاهُ»أَي نقَصَ وأَخَذ.
والقَصُّ والقَصَصُ والقَصْقَصُ: الصَّدْرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَقِيلَ: هُوَ وَسَطُهُ، وَقِيلَ: هُوَ عَظْمُه.
وَفِي الْمَثَلِ: هُوَ أَلْزَقُ بِكَ مِنْ شَعَرَاتِ قَصِّك وقَصَصِك.
والقَصُّ: رأْسُ الصَّدْرِ، يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ سَرِ سينه، يُقَالُ لِلشَّاةِ وَغَيْرِهَا.
اللَّيْثُ: الْقَصُّ هُوَ المُشاشُ المغروزُ فِيهِ أَطرافُ شراسِيف الأَضلاع فِي وَسَطِ الصَّدْرِ؛ قَالَ الأَصمعي: يُقَالُ فِي مَثَلٍ: هُوَ أَلْزَمُ لَكَ مِنْ شُعَيْراتِ قَصِّك، وَذَلِكَ أَنها كُلَّمَا جُزَّتْ نَبَتَتْ؛ وأَنشد هُوَ وَغَيْرُهُ:
كَمْ تمَشَّشْتَ مِنْ قَصٍّ وانْفَحَةٍ، ***جَاءَتْ إِليك بِذَاكَ الأَضْؤُنُ السُّودُ
وَفِي حَدِيثِ صَفْوانَ بْنِ مُحْرز: «أَنه كَانَ إِذا قرأَ: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»، بَكى حَتَّى نَقُولَ: قَدِ انْدَقَّ قَصَصُ زَوْرِه، وَهُوَ مَنْبَتُ شَعْرِهِ عَلَى صَدْرِهِ، وَيُقَالُ لَهُ القصَصُ والقَصُّ.
وَفِي حَدِيثِ الْمَبْعَثِ: «أَتاني آتٍ فقدَّ مِنْ قَصِّي إِلى شِعْرتي»؛ القصُّ والقَصَصُ: عظْمُ الصَّدْرِ المغروزُ فِيهِ شَراسِيفُ الأَضلاع فِي وَسَطِهِ.
وَفِي حَدِيثِ عَطَاءٍ: «كَرِه أَن تُذْبَحَ الشاةُ مِنْ قَصِّها»، وَاللَّهُ أَعلم.
والقِصّة: الْخَبَرُ وَهُوَ القَصَصُ.
وَقَصَّ عَلَيَّ خبَره يقُصُّه قَصًّا وقَصَصًا: أَوْرَدَه.
والقَصَصُ: الخبرُ المَقْصوص، بِالْفَتْحِ، وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ حَتَّى صَارَ أَغْلَبَ عَلَيْهِ.
والقِصَص، بِكَسْرِ الْقَافِ: جَمْعُ القِصّة الَّتِي تُكْتَبُ.
وَفِي حَدِيثِ غَسْل دَمِ الْحَيْضِ: «فتقُصُّه بَرِيقِهَا»أَي تعَضُّ مَوْضِعَهُ مِنَ الثَّوْبِ بأَسْنانها وَرِيقِهَا لِيَذْهَبَ أَثره كأَنه مِنَ القَصّ الْقَطْعُ أَو تتبُّع الأَثر؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «فَجَاءَ واقْتصّ أَثَرَ الدَّمِ».
وتقَصّصَ كلامَه: حَفِظَه.
وتقَصّصَ الْخَبَرَ: تَتَبَّعَهُ.
والقِصّة: الأَمرُ والحديثُ.
واقْتَصَصْت الْحَدِيثَ: رَوَيْته عَلَى وَجْهِهِ، وقَصَّ عَلَيْهِ الخبَرَ قَصَصًا.
وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا: «لَا تقُصَّها إِلا عَلَى وادٍّ».
يُقَالُ: قَصَصْت الرُّؤْيَا عَلَى فُلَانٍ إِذا أَخبرته بِهَا، أَقُصُّها قَصًّا.
والقَصُّ: الْبَيَانُ، والقَصَصُ، بِالْفَتْحِ: الِاسْمُ.
والقاصُّ: الَّذِي يأْتي بالقِصّة عَلَى وَجْهِهَا كأَنه يَتَتَبّع معانيَها وأَلفاظَها.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يقصُّ إِلا أَميرٌ أَو مأْمورٌ أَو مُخْتال» أَي لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ إِلا لأَمير يَعظُ النَّاسَ وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا مَضَى لِيَعْتَبِرُوا، وأَما مأْمورٌ بِذَلِكَ فَيَكُونُ حكمُه حكمَ الأَمير وَلَا يَقُصّ مُكْتَسِبًا، أَو يَكُونُ الْقَاصُّ مُخْتَالًا يَفْعَلُ ذَلِكَ تَكَبُّرًا عَلَى النَّاسِ أَو مُرائيًا يُرائي النَّاسَ بِقَوْلِهِ وعملِه لَا يَكُونُ وعظُه وَكَلَامُهُ حَقِيقَةً، وَقِيلَ: أَراد الْخُطْبَةَ لأَن الأُمَراء كَانُوا يَلونها فِي الأَول ويَعظون النَّاسَ فِيهَا ويَقُصّون عَلَيْهِمْ أَخبار الأُمم السَّالِفَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «القاصُّ يَنْتظر المَقْتَ لِمَا يَعْرِضُ فِي قِصَصِه مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ»؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «أَنّ بَني إِسرائيل لَمَّا قَصُّوا هَلَكوا، وَفِي رِوَايَةٍ: لَمَّا هَلَكُوا قَصُّوا أَي اتكَلوا عَلَى الْقَوْلِ وَتَرَكُوا الْعَمَلَ فَكَانَ ذَلِكَ سببَ هَلَاكِهِمْ، أَو الْعَكْسُ لَمَّا هَلَكُوا بِتَرْكِ الْعَمَلِ أَخْلَدُوا إِلى القَصَص».
وقَصَّ آثارَهم يَقُصُّها قَصًّا وقَصَصًا وتَقَصّصَها: تَتَبَّعَهَا بِاللَّيْلِ، وَقِيلَ: هُوَ تَتَبُّعُ الأَثر أَيَّ وَقْتَ كَانَ.
قَالَ تعالى: {فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصًا}.
وَكَذَلِكَ اقْتَصَّ أَثره وتَقَصّصَ، وَمَعْنَى فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصًا "أَي رَجَعا مِنَ الطَّرِيقِ الَّذِي سَلَكَاهُ يَقُصّان الأَثر أَي يَتَّبِعَانِهِ؛ وَقَالَ أُمية بْنُ أَبي الصَّلْتِ:
قَالَتْ لأُخْتٍ لَهُ: قُصِّيهِ عَنْ جُنُبٍ، ***وَكَيْفَ يَقْفُو بِلَا سَهْلٍ وَلَا جَدَدِ؟
قَالَ الأَزهري: القصُّ اتِّباع الأَثر.
وَيُقَالُ: خَرَجَ فُلَانٌ قَصَصًا فِي أَثر فُلَانٍ وقَصًّا، وَذَلِكَ إِذا اقْتَصَّ أَثره.
وَقِيلَ: القاصُّ يَقُصُّ القَصَصَ لإِتْباعه خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ وسَوْقِه الكلامَ سَوْقًا.
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: تقَصّصْت الكلامَ حَفِظته.
والقَصِيصَةُ: البعيرُ أَو الدابةُ يُتَّبع بِهَا الأَثرُ.
والقَصيصة: الزامِلةُ الضَّعِيفَةُ يُحْمَلُ عَلَيْهَا الْمَتَاعُ وَالطَّعَامُ لِضَعْفِهَا.
والقَصيصةُ: شَجَرَةٌ تَنْبُتُ فِي أَصلها الكَمأَةُ وَيُتَّخَذُ مِنْهَا الغِسْل، وَالْجَمْعُ قَصائِصُ وقَصِيصٌ؛ قَالَ الأَعشى:
فَقُلْتُ، وَلَمْ أَمْلِكْ: أَبَكْرُ بْنُ وائلٍ ***مَتَى كُنْتَ فَقْعًا نَابِتًا بقَصائِصا؟
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِامْرِئِ الْقَيْسِ:
تَصَيَّفَها، حَتَّى إِذا لَمْ يَسُغ لَهَا ***حَلِيّ بأَعْلى حائلٍ وقَصِيص
وأَنشد لِعَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
يَجْنِي لَهُ الكَمْأَةَ رِبْعِيّة، ***بالخَبْءِ، تَنْدَى فِي أُصُولِ القَصِيص
وَقَالَ مُهاصِر النَّهْشَلِيُّ:
جَنَيْتُها مِنْ مُجْتَنًى عَوِيصِ، ***مِنْ مُجْتَنى الإِجْرِدِ والقَصِيصِ
وَيُرْوَى:
جَنَيْتُهَا مِنْ منبِتٍ عَوِيصِ، ***مِنْ مَنبت الإِجرد وَالْقَصِيصِ
وَقَدْ أَقَصَّت الأَرضُ أَي أَنْبَتَتْه.
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنه إِنما سُمِّيَ قَصيصًا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الكمأَة كَمَا يُقْتَصّ الأَثر، قَالَ: وَلَمْ أَسمعه، يُرِيدُ أَنه لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ ثِقَةٍ.
اللَّيْثُ: القَصِيص نَبْتٌ يَنْبُتُ فِي أُصول الكمأَة وَقَدْ يُجْعَلُ غِسْلًا للرأْس كالخِطْمِيّ، وَقَالَ: القَصِيصة نَبْتٌ يَخْرُجُ إِلى جَانِبِ الكمأَة.
وأَقَصّت الفرسُ، وَهِيَ مُقِصّ مِنْ خَيْلٍ مَقاصَّ: عظُم وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا، وَقِيلَ: هِيَ مُقِصّ حَتَّى تَلْقَح، ثُمَّ مُعِقٌّ حَتَّى يَبْدو حَمْلُهَا، ثُمَّ نَتُوج، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي امْتَنَعَتْ ثُمَّ لَقِحت، وَقِيلَ: أَقَصّت الْفَرَسُ، فَهِيَ مُقِصٌّ إِذا حَمَلَتْ.
والإِقْصاصُ مِنَ الحُمُر: فِي أَول حَمْلِهَا، والإِعْقاق آخِرُهُ.
وأَقَصّت الْفَرَسُ وَالشَّاةُ، وَهِيَ مُقِصٌّ: اسْتَبَانَ ولدُها أَو حملُها، قَالَ الأَزهري: لَمْ أَسمعه فِي الشَّاءِ لِغَيْرِ اللَّيْثِ.
ابْنُ الأَعرابي: لَقِحت النَّاقَةُ وَحَمَلَتِ الشَّاةُ وأَقَصّت "الْفَرَسُ والأَتان فِي أَول حَمْلِهَا، وأَعَقَّت فِي آخِرِهِ إِذا اسْتَبَانَ حَمْلُهَا.
وضرَبه حَتَّى أَقَصَّ عَلَى الْمَوْتِ أَي أَشْرف.
وأَقْصَصْته عَلَى الْمَوْتِ أَي أَدْنَيْته.
قَالَ الْفَرَّاءُ: قَصَّه مِنَ الْمَوْتِ وأَقَصَّه بِمَعْنًى أَي دَنَا مِنْهُ، وَكَانَ يَقُولُ: ضَرَبَهُ حَتَّى أَقَصَّه الْمَوْتَ.
الأَصمعي: ضَرَبَهُ ضَرْبًا أَقصَّه مِنَ الْمَوْتِ أَي أَدناه مِنَ الْمَوْتِ حَتَّى أَشرف عَلَيْهِ؛ وَقَالَ:
فإِن يَفْخَرْ عَلَيْكَ بِهَا أَميرٌ، ***فَقَدَ أَقْصَصْت أُمَّك بالهُزال
أَي أَدنيتها مِنَ الْمَوْتِ.
وأَقَصَّته شَعُوبٌ إِقْصاصًا: أَشرف عَلَيْهَا ثُمَّ نَجَا.
والقِصاصُ والقِصاصاءُ والقُصاصاءُ: القَوَدُ وَهُوَ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ أَو الْجَرْحِ بِالْجُرْحِ.
والتَّقاصُّ: التناصفُ فِي القِصَاص؛ قَالَ:
فَرُمْنا القِصَاصَ، وكان التقاصُّ ***حُكمًا وعَدْلًا عَلَى المُسْلِمينا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَوْلُهُ التَّقَاصُّ شَاذٌّ لأَنه جَمَعَ بَيْنَ السَّاكِنِينَ فِي الشِّعْرِ وَلِذَلِكَ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ: وَكَانَ القِصاصُ؛ وَلَا نَظِيرَ لَهُ إِلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ أَنشده الأَخفش:
وَلَوْلَا خِداشٌ أَخَذْتُ دوابَّ ***سَعْدٍ، وَلَمْ أُعْطِه مَا عليها
قال أَبو إِسحاق: أَحسَب هَذَا الْبَيْتَ إِن كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ:
وَلَوْلَا خِدَاشٌ أَخذت دوابِب ***سعدٍ، وَلَمْ أُعْطِه مَا عَلَيْهَا
لأَن إِظهار التَّضْعِيفِ جَائِزٌ فِي الشِّعْرِ، أَو: أَخذت رَوَاحِلَ سَعْدٍ.
وتقاصَّ القومُ إِذا قاصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صاحبَه فِي حِسَابٍ أَو غَيْرِهِ.
والاقْتِصاصُ: أَخْذُ القِصاصِ.
والإِقْصاصُ: أَن يُؤْخَذ لَكَ القِصاصُ، وَقَدْ أَقَصَّه.
وأَقَصَّ الأَمير فُلانًا مِنْ فُلَانٍ إِذا اقْتَصَّ لَهُ مِنْهُ فَجَرَحَهُ مِثْلَ جُرْحِهِ أَو قتَلَه قوَدًا.
واسْتَقَصَّه: سأَله أَن يُقِصَّه مِنْهُ.
اللَّيْثُ: القِصاصُ والتَّقاصُّ فِي الْجِرَاحَاتِ شيءٌ بِشَيْءٍ، وَقَدِ اقْتَصَّ مِنْ فُلَانٍ، وَقَدْ أَقْصَصْت فُلَانًا مِنْ فُلَانٍ أَقِصّه إِقْصاصًا، وأَمْثَلْت مِنْهُ إِمْثالًا فاقتَصَّ مِنْهُ وامْتَثَل.
والاسْتِقْصاص: أَن يَطْلُب أَن يُقَصَّ مِمَّنْ جَرَحَهُ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «رأَيت رَسُولَ اللَّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِصّ مِنْ نَفْسِهِ.
يُقَالُ: أَقَصَّه الْحَاكِمُ يُقِصّه إِذا مكَّنَه مِنْ أَخذ القِصاص، وَهُوَ أَن يَفْعَلَ بِهِ مِثْلَ فِعْلِهِ مِنْ قَتْلٍ أَو قَطْعٍ أَو ضَرْبٍ أَو جَرْحٍ، والقِصَاصُ الِاسْمُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عُمَرَ: رأَيت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بشَارِبٍ فَقَالَ لمُطيع بْنِ الأَسود: اضرِبْه الحَدَّ، فَرَآهُ عمرُ وَهُوَ يَضْرِبُه ضَرْبًا شَدِيدًا فَقَالَ: قَتَلْتَ الرَّجُلَ، كَمْ ضَرَبْتَه؟ قَالَ سِتِّينَ فَقَالَ عُمر: أَقِصّ مِنْهُ بِعِشْرِين "أَي اجْعَلْ شِدَّةَ الضَّرْبِ الَّذِي ضرَبْتَه قِصاصًا بِالْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةِ وَعِوَضًا عَنْهَا.
وَحَكَى بَعْضُهُمْ: قُوصَّ زَيْدٌ مَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه فِي مَعْنَى حوسِبَ بِمَا عَلَيْهِ إِلا أَنه عُدِّيَ بِغَيْرِ حَرْفٍ لأَن فِيهِ مَعْنَى أُغْرِمَ وَنَحْوَهُ.
والقَصّةُ والقِصّة والقَصُّ: الجَصُّ، لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ، وَقِيلَ: الْحِجَارَةُ مِنَ الجَصِّ، وَقَدْ قَصّصَ دارَه أَي جَصّصَها.
وَمَدِينَةٌ مُقَصَّصة: مَطْليّة بالقَصّ، وَكَذَلِكَ قَبْرٌ مُقَصَّصٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَقْصِيص القُبور، وَهُوَ بِنَاؤُهَا بالقَصّة».
والتَّقْصِيصُ: هُوَ التجْصِيص، وَذَلِكَ أَن الجَصّ يُقَالُ لَهُ القَصّة.
يُقَالُ: قصّصْت البيتَ وَغَيْرَهُ أَي جَصّصْته.
وَفِي حَدِيثِ زَيْنَبَ: «يَا قَصّةً عَلَى مَلْحودَةٍ»؛ شَبَّهت أَجسامَهم بِالْقُبُورِ الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الجَصّ، وأَنفُسَهم بجِيَف الْمَوْتَى الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَيْهَا القبورُ.
والقَصّة: الْقُطْنَةُ أَو الخرقةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي تحْتَشي بِهَا المرأَة عِنْدَ الْحَيْضِ.
وَفِي حَدِيثِ الْحَائِضِ: «لَا تَغْتَسِلِنَّ حَتَّى تَرَيْنَ القَصّة البَيْضاءَ»، يَعْنِي بِهَا مَا تَقَدَّمَ أَو حَتَّى تَخْرُجَ الْقُطْنَةُ أَو الْخِرْقَةُ الَّتِي تَحْتَشِي بِهَا المرأَة الْحَائِضُ، كأَنها قَصّة بَيْضَاءُ لَا يُخالِطُها صُفْرة وَلَا تَرِيّةٌ، وَقِيلَ: إِن القَصّة كَالْخَيْطِ الأَبيض تَخْرُجُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ كُلِّهِ، وأَما التَّريّة فَهُوَ الخَفِيّ، وَهُوَ أَقل مِنَ الصُّفْرَةِ، وَقِيلَ: هُوَ الشَّيْءُ الْخَفِيُّ الْيَسِيرُ مِنَ الصُّفْرَةِ والكُدْرة تَرَاهَا المرأَة بَعْدَ الِاغْتِسَالِ مِنَ الْحَيْضِ، فأَما مَا كَانَ مِنْ أَيام الْحَيْضِ فَهُوَ حَيض وَلَيْسَ بِتَرِيّة، وَوَزْنِهَا تَفْعِلة، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالَّذِي عِنْدِي أَنه إِنما أَراد مَاءً أَبيض مِنْ مَصَالة الْحَيْضِ فِي آخِرِهِ، شبّهَه بالجَصّ وأَنّثَ لأَنه ذَهَبَ إِلى الطَّائِفَةِ كَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ لبَنة وعَسَلة.
والقَصّاص: لُغَةٌ فِي القَصّ اسْمٌ كالجيَّار.
وَمَا يَقِصُّ فِي يَدِهِ شَيْءٌ أَي مَا يَبْرُدُ وَلَا يَثْبُتُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
لأُمِّكَ وَيْلةٌ وَعَلَيْكَ أُخْرى، ***فَلَا شاةٌ تَقِصّ وَلَا بَعِيرُ
والقَصَاصُ: ضَرْبٌ مِنَ الْحَمْضِ.
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: القَصاصُ شَجَرٌ بِالْيَمَنِ تَجْرُسُه النَّحْلُ فَيُقَالُ لِعَسَلِهَا عَسَلُ قَصَاصٍ، وَاحِدَتُهُ قَصَاصةٌ.
وقَصْقَصَ الشَّيْءَ: كَسَره.
والقُصْقُصُ والقُصْقُصة، بِالضَّمِّ، والقُصَاقِصُ مِنَ الرِّجَالِ: الغليظُ الشَّدِيدُ مَعَ قِصَر.
وأَسد قُصْقُصٌ وقُصْقُصةٌ وقُصاقِصٌ: عَظِيمُ الْخَلْقِ شَدِيدٌ؛ قَالَ:
قُصْقُصة قُصاقِص مُصَدَّرُ، ***لَهُ صَلًا وعَضَلٌ مُنَقَّرُ
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ مِنْ أَسمائه.
الْجَوْهَرِيُّ: وأَسد قَصْقاصٌ، بِالْفَتْحِ، وَهُوَ نَعْتٌ لَهُ فِي صَوْتِهِ.
والقَصْقاصُ: مِنْ أَسْمَاءِ الأَسد، وَقِيلَ: هُوَ نَعْتٌ لَهُ فِي صَوْتِهِ.
اللَّيْثُ: القَصْقاصُ نَعْتٌ مِنْ صَوْتِ الأَسد فِي لُغَةٍ، والقَصْقاصُ أَيضًا: نَعْتُ الْحَيَّةِ الْخَبِيثَةِ؛ قَالَ: وَلَمْ يَجِئْ بِنَاءٌ عَلَى وَزْنِ فَعْلال غَيْرُهُ إِنما حَدُّ أَبْنِيةِ المُضاعَفِ عَلَى وَزْنِ فُعْلُل أَو فُعْلول أَو فِعْلِل أَو فِعْلِيل مَعَ كُلِّ مَقْصُورٍ مَمْدُودٍ مِنْهُ، قَالَ: وَجَاءَتْ خَمْسُ كَلِمَاتٍ شَوَاذٍّ وَهِيَ: ضُلَضِلة وزُلزِل وقَصْقاص وَالْقَلَنْقَلُ والزِّلزال، وَهُوَ أَعمّها لأَن مَصْدَرَ الرُّبَاعِيِّ يَحْتَمِلُ أَن يُبْنَى كُلُّهُ عَلَى فِعْلال، وَلَيْسَ بِمُطَّرِدٍ؛ وَكُلُّ نَعْتٍ رُباعِيٍّ فإِن الشُّعَراء يَبْنُونه عَلَى فُعالِل مِثْلَ قُصَاقِص كَقَوْلِ الْقَائِلِ فِي وَصْفِ بَيْتٍ مُصَوَّرٍ بأَنواع التَّصاوير:
فيه الغُواةُ مُصَوَّرون، ***فحاجِلٌ مِنْهُمْ وراقِصْ
والفِيلُ يرْتكبُ الرِّدَاف ***عَلَيْهِ، والأَسد القُصاقِصْ
التَّهْذِيبُ: أَما مَا قَالَهُ اللَّيْثُ فِي القُصَاقِص بِمَعْنَى صَوْتِ الأَسد وَنَعْتِ الْحَيَّةِ الْخَبِيثَةِ فإِني لَمْ أَجِدْه لِغَيْرِ اللَّيْثِ، قَالَ: وَهُوَ شاذٌ إِن صَحَّ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبي مَالِكٍ: أَسد قُصاقِصٌ ومُصَامِصٌ وفُرافِصٌ شديد.
ورجل قُصَاقِصٌ فُرافِصٌ: يُشَبَّه بالأَسد.
وَجَمَلٌ قُصاقِصٌ أَي عظيمٌ.
وحيَّة قَصْقاصٌ: خَبِيثٌ.
والقَصْقاصُ: ضرْبٌ مِنَ الْحَمْضِ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هُوَ ضَعِيفٌ دَقِيق" أَصفر اللَّوْنِ.
وقُصاقِصا الوَرِكَين: أَعلاهما.
وقُصاقِصَةُ: مَوْضِعٌ.
قَالَ: وَقَالَ أَبو عَمْرٍو القَصقاص أُشْنان الشَّأْم.
وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ: «خَرَجَ زمَنَ الرِّدّة إِلى ذِي القَصّةِ»؛ هِيَ، بِالْفَتْحِ، مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ بِهِ حَصًى بَعَثَ إِليه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محمدَ بْنَ مَسْلمة وَلَهُ ذِكْرٌ فِي حَدِيثِ الردة.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
43-لسان العرب (عشا)
عشا: العَشَا، مقصورٌ: سوءُ البَصَرِ بالليلِ والنهارِ، يكونُ فِي الناسِ والدَّوابِّ والإِبلِ والطَّيرِ، وَقِيلَ: هُوَ ذَهابُ البَصَرِ؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٍ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا لَا يصحُّ إِذَا تأَمَّلته، وَقِيلَ: هُوَ أَن لَا يُبْصِر بِاللَّيْلِ، وَقِيلَ: العَشَا يكونُ سُوءَ البصَرِ مِنْ غيرِ عَمًى، ويكونُ الَّذِي لَا يُبْصِرُ باللَّيْلِ ويُبْصِرُ بالنَّهارِ، وَقَدْ عَشا يَعْشُو عَشْوًا، وَهُوَ أَدْنَى بَصَرِه وَإِنَّمَا يَعْشُو بعدَ ما يَعْشَى.قال سيبويه: أَمالوا العَشَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَواتِ الواوِ، تَشْبيهًا بذَوات الواوِ مِنَ الأَفعال كغَزا وَنَحْوِهَا، قَالَ: وَلَيْسَ يطَّرِدُ فِي الأَسْماء إِنَّمَا يَطَّرِدُ فِي الأَفْعالِ، وَقَدْ عَشِيَ يَعْشَى عَشًى، وَهُوَ عَشٍ وأَعْشَى، والأُنثى عَشْوَاء، والعُشْوُ جَمعُ الأَعْشَى؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: العُشْوُ مِنَ الشُّعراء سَبْعة: أَعْشَى بَنِي قَيْسٍ أَبو بَصِير، وأَعْشَى باهلَةَ أَبو قُحافة وأَعْشَى بَني نَهْشَلٍ الأَسْودُ بنُ يَعْفُرَ، وَفِي الإِسلام أَعْشَى بَني رَبيعة مِنْ بَنِي شَيْبانَ، وأَعْشَى هَمْدان، وأَعْشَى تَغْلِب بنُ جاوانَ، وأَعْشَى طِرْوَدٍ مِنْ سُلَيْم، وَقَالَ غَيْرُهُ: وأَعْشَى بَني مازِنٍ مِنْ تَمِيم.
ورَجُلان أَعْشَيَانِ، وامرأتانِ عَشْوَاوَانِ، وَرِجَالٌ عُشْوٌ وأَعْشَوْنَ.
وعَشَّى الطَّيْرَ: أَوْقَد لَهَا نَارًا لتعَشى مِنْهَا فَيَصِيدُهَا.
وعَشا يَعْشُو إِذَا ضَعُفَ بَصَرُه، وأَعْشَاهُ اللَّهُ.
وَفِي حَدِيثِ ابنِ المُسَيَّب: « أَنه ذَهَبَتْ إحدْى عَينَيْه وَهُوَ يَعْشُو بالأُخْرى »أَي يُبْصِر بِهَا بَصَرًا ضَعِيفًا.
وعَشا عَنِ الشَّيْءِ يَعْشُو: ضَعُفَ بَصَرُه عَنْهُ، وخَبَطَه خَبْطَ عَشْواء: لَمْ يَتَعَمَّدْه.
وفلانٌ خابطٌ خَبْطَ عَشْوَاء، وأَصْلُه مِنَ الناقةِ العَشْواءِ لأَنها لَا تُبْصِر مَا أَمامَها فَهِيَ تَخْبِطُ بِيَدَيْها، وَذَلِكَ أَنها تَرْفَع رَأْسها فَلَا تَتَعَهَّدُ مَواضِعَ أَخْفافِها؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
رأَيْتُ المَنايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ، مَنْ تَصِبْ ***تُمِتْهُ، ومَنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ
وَمِنْ أَمثالهم السَّائرة: وهو يَخْبِط خَبْطَ عَشْوَاء، يضرَبُ مَثَلًا للسَّادِرِ الَّذِي يَرْكَبُ رَأْسَهُ وَلَا يَهْتَمُّ لِعاقِبَتِهِ كالنَّاقَة العَشْوَاء الَّتِي لَا تُبْصِرُ، فَهِيَ تَخْبِطُ بيَدَيْها كلَّ مَا مَرَّت بِهِ، وشَبَّه زُهَيرٌ الْمَنَايَا بخَبْطِ عَشْواءَ لأَنَّها تَعُمُّ الكُلَّ وَلَا تَخُصُّ.
ابْنُ الأَعرابي: العُقابُ العَشْواءُ الَّتِي لَا تُبالي كيْفَ خَبَطَتْ وأَيْنَ ضَرَبَتْ بمخالِبها كالنَّاقة العَشْوَاء لَا تَدْرِي كَيْفَ تَضَع يَدَها.
وتَعَاشَى: أَظْهَرَ العَشا، وأَرى مِنْ نَفْسِه أَنه أَعْشَى وَلَيْسَ بِهِ.
وتَعَاشَى الرجلُ فِي أَمْرِه إِذَا تَجَاهَلَ، عَلَى المَثَل.
وعَشَا يَعْشُو إِذَا أَتى نَارًا للضِّيافَة وعَشَا إِلَى النَّارِ، وعَشَاها عَشْوًا وعُشُوًّا واعْتَشَاها واعْتَشَى بِهَا، كلُّه: رَآهَا لَيْلًا عَلَى بُعْدٍ فقَصَدَها مُسْتَضِيئًا بِهَا؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:
مَتَى تأْتِهِ تَعْشُو إِلى ضَوْء نارِهِ، ***تَجِدْ خَيرَ نارٍ، عندَها خَيرُ مُوقِدِ
أَي مَتَى تأْتِهِ لَا تَتَبَيَّن نارَهُ مِنْ ضَعْف بَصَرِك؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وُجُوهًا لَوْ أنَّ المُدْلِجِينَ اعْتَشَوْا بِهَا، ***صَدَعْنَ الدُّجى حتَّى تَرى اللّيْلَ يَنْجَلي
وعَشَوْتُه: قَصَدْتُه لَيْلًا، هَذَا هُوَ الأَصْلُ ثُمَّ صَارَ كلُّ قاصِدٍ عاشِيًا.
وعَشَوْت إِلى النارِ أَعْشُو إِليها عَشْوًا إِذا اسْتَدْلَلْتَ عَلَيْهَا بِبَصَرٍ ضَعيفٍ، ويُنْشد بَيْتُ الحُطيئة أَيضًا، وفسَّره فَقَالَ: الْمَعْنَى مَتَى تَأْتِه عَاشِيًا، وَهُوَ مَرْفُوعٌ بَيْنَ مَجْزُومَيْن لأَن الفعلَ المُسْتَقْبَل إِذا وَقَع مَوقِعَ الْحَالِ يَرْتَفِع، كَقَوْلِكَ: إِن تأْتِ زَيْدًا تُكْرِمُه يَأْتِكَ، جَزَمْتَ تأْتِ بأَنْ، وجَزَمْتَ يأْتِكَ بِالْجَوَابِ، ورفَعْتَ تُكْرِمُه بَيْنَهُمَا وجَعَلْتَه حَالًا، وإِن صَدَرْت عَنْهُ إِلى غَيْرِهِ قُلْتَ عَشَوْتُ عَنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}؛ " قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ مَنْ يُعْرضْ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: وَمَنْ قرأَ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ فَمَعْنَاهُ مَن يَعْمَ عَنْهُ، وَقَالَ القُتَيبي: مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ "أَي يُظْلِمْ بَصَرُه، قَالَ: وَهَذَا قولُ أَبي عُبَيْدَةَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَرُدُّ قولَ الْفَرَّاءِ وَيَقُولُ: لَمْ أَرَ أَحدًا يُجيزُ عَشَوْتُ عَنِ الشَّيْءِ أَعْرَضْتُ عَنْهُ، إِنما يُقَالُ تَعَاشَيْتُ عَنِ الشَّيْءِ أَي تَغافَلْت عَنْهُ كأَني لَمْ أَرَهُ، وَكَذَلِكَ تعامَيْت، قَالَ: وعَشَوْتُ إِلى النَّارِ أَي اسْتَدْلَلْت عَلَيْهَا ببَصَرٍ ضَعِيفٍ.
قَالَ الأَزهري: أَغْفَل القُتَيْبي موضعَ الصوابِ واعْتَرَض مَعَ غَفْلَتِه عَلَى الْفَرَّاءِ يَرُدُّ عَلَيْهِ، فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لأَبَيِّن عُوارَه فَلَا يَغْتَرَّ بِهِ الناظرُ فِي كِتَابِهِ.
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: عَشَوْتُ إِلى النَّارِ أَعْشُو عَشْوًا أَي قَصَدتُها مُهْتَدِيًا بِهَا، وعَشَوْتُ عَنْهَا أَي أَعْرَضْت عَنْهَا، فيُفرِّقون بَيْنَ إِلى وعَنْ موصولَيْن بِالْفِعْلِ.
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ عَشَا فلانٌ إِلى النَّارِ يَعْشُو عَشْوًا إِذا رأَى نَارًا فِي أَوَّل اللَّيْلِ فيَعْشُو إِليها يَسْتضِيءُ بضَوْئها.
وعَشَا الرجلُ إِلى أَهلِه يَعْشُو: وَذَلِكَ مِنْ أَوَّل اللَّيْلِ إِذا عَلِمَ مكانَ أَهلِه فقَصدَ إِليهم.
وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: عَشِيَ الرجلُ يَعْشَى إِذا صَارَ أَعْشَى لَا يُبْصِرُ لَيْلًا؛ وَقَالَ مُزاحِمٌ العُقَيْلي فجعَل الاعْتِشَاء بِالْوُجُوهِ كَالِاعْتِشَاءِ بِالنَّارِ يَمْدَحُ قَوْمًا بِالْجَمَالِ:
يَزينُ سَنا الماوِيِّ كلَّ عَشِيَّةٍ، ***عَلَى غَفلات الزَّيْنِ والمُتَجَمَّلِ،
وُجُوهٌ لوَانَّ المُدْلِجينَ اعْتَشَوْا بِهَا، ***سَطَعْنَ الدُّجى حَتَّى ترَى الليْلَ يَنْجَلي
وعَشَا عَنْ كَذَا وَكَذَا يَعْشُو عَنْهُ إِذا مَضى عَنْهُ.
وعَشَا إِلى كَذَا وَكَذَا يَعْشُو إِليه عَشْوًا وعُشُوًّا إِذا قَصَد إِليه مُهْتَدِيًا بضَوْء نارِه.
وَيُقَالُ: اسْتَعْشَى فلانٌ نَارًا إِذا اهْتَدى بِهَا؛ وأَنشد:
يَتْبعن حُرُوبًا إِذا هِبْنَ قَدَمْ، ***كأَنه باللَّيْلِ يَسْتَعْشِي ضَرَم
يَقُولُ: هُوَ نَشِيطٌ صادِقُ الطَّرْفِ جَرِيءٌ عَلَى الليلِ كأَنه مُسْتَعْشٍ ضَرَمةً، وَهِيَ النارُ، وَهُوَ الرجلُ الَّذِي قَدْ ساقَ الخارِبُ إِبله فطَرَدَها فَعَمَد إِلى ثَوْبٍ فشَقَّه وفَتَلَه فَتْلًا شَدِيدًا، ثُمَّ غَمَره فِي زَيْتٍ أَو دُهْن فرَوَّاهُ، ثُمَّ أَشْعل فِي طَرَفِه النَّارَ فاهْتَدى بِهَا واقْتَصَّ أَثَرَ الخارِبِ ليَسْتَنْقِذَ إِبلَه؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ، وإِنما أَتى القُتَيْبيَّ فِي وَهْمِهِ الخَطَأُ مِنْ جِهَةِ أَنه لَمْ يَفْرُق بَيْنَ عَشَا إِلى النَّارِ وعَشَا عَنْهَا، وَلَمْ يَعْلَم أَن كلَّ واحدٍ مِنْهُمَا ضِدُّ الْآخَرِ مِنْ بَابِ المَيْلِ إِلى الشيءِ والمَيْل عَنْهُ، كَقَوْلِكَ: عَدَلْت إِلى بَنِي فلانٍ إِذا قَصدتَهم، وعَدَلْتُ عَنْهُمْ إِذا مَضَيْتَ عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ مِلْتُ إِليهم ومِلْت عَنْهُمْ، ومَضيْت إِليهم ومضيْت عَنْهُمْ، وَهَكَذَا قَالَ أَبو إِسحق الزجَّاج فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِأَي يُعْرِض عَنْهُ كَمَا قَالَ الْفَرَّاءُ}؛ قَالَ أَبو إِسحاق: وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ مَنْ أَعرض عَنِ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنِ الْحِكْمَةِ إِلى أَباطِيل المضلِّين نُعاقِبْه بشيطانٍ نُقَيِّضُه لَهُ حَتَّى يُضِلَّه وَيُلَازِمَهُ قَرِينًا لَهُ فَلَا يَهْتدي مُجازاةً لَهُ حِينَ آثرَ الباطلَ عَلَى الْحَقِّ البيِّن؛ قَالَ الأَزهري: وأَبو عُبَيْدَةَ صَاحِبُ مَعْرِفَةٍ بِالْغَرِيبِ وأَيام الْعَرَبِ، وَهُوَ بَليدُ النَّظَرِ فِي بَابِ النَّحْوِ ومقَاييسه.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: « أَنَّ رَجُلًا أَتاه فَقَالَ لَهُ كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الشِّرْكِ عَمَلٌ هَلْ يَضُرُّ مَعَ الإِيمان ذَنْبٌ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: عَشِ وَلَا تَغْتَرَّ، ثُمَّ سأَل ابنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ مثلَ ذَلِكَ »؛ هَذَا مَثَلٌ لِلْعَرَبِ تَضْربُه فِي التَّوْصِية بالاحتِياط والأَخْذِ بالحَزْم، وأَصلُه أَن رَجُلًا أَراد أَن يَقْطَع مَفازَة بإبلِه وَلَمْ يُعَشِّها، ثِقَةً عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الكَلإِ، فَقِيلَ لَهُ: عَشِّ إِبلَك قَبْلَ أَن تُفَوِّزَ وخُذْ بِالِاحْتِيَاطِ، فإِن كَانَ فِيهَا كلأٌ لَمْ يَضُرَّك مَا صنَعْتَ، وإِن لَمْ يَكُنْ فِيهَا شيءٌ كنتَ قَدْ أَخَذْت بالثِّقة والحَزْم، فأَراد ابْنُ عُمَرَ بِقَوْلِهِ هَذَا اجتَنِبِ الذنوبَ وَلَا تَرْكبْها اتِّكالًا عَلَى الإِسلام، وخُذْ فِي ذَلِكَ بالثِّقة وَالِاحْتِيَاطِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَعْنَاهُ تَعَشَّ إِذا كنتَ فِي سَفَرٍ وَلَا تَتَوانَ ثِقةً مِنْكَ أَنْ تتَعَشَّى عِنْدَ أَهلِكَ، فلَعَلَّك لَا تَجِدُ عِنْدَهُمْ شَيْئًا.
وَقَالَ اللَّيْثُ: العَشْوُ إِتْيانُكَ نَارًا تَرْجُو عِنْدَهَا هُدًى أَو خَيْرًا، تَقُولُ: عَشَوْتُها أَعْشُوها عَشْوًا وعُشُوًّا، والعَاشِيَة: كُلُّ شيءٍ يعشُو بالليلِ إِلى ضَوءِ نارٍ مِنْ أَصنافِ الخَلقِ الفَراشِ وغيرِه، وَكَذَلِكَ الإِبل العَوَاشِي تَعْشُو إِلى ضَوءِ نارٍ؛ وأَنشد:
وعَاشِيَةٍ حُوشٍ بِطانٍ ذَعَرْتُها ***بضَرْبِ قَتِيلٍ، وَسْطَها، يَتَسَيَّفُ
قَالَ الأَزهري: غَلِطَ فِي تَفْسِيرِ الإِبلِ العَوَاشِي أَنها الَّتِي تَعْشُو إِلى ضَوْءِ النارِ، والعَوَاشِي جمعُ العَاشِيَة، وَهِيَ الَّتِي تَرْعى لَيْلًا وتتَعَشَّى، وَسَنَذْكُرُهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ: والعُشْوَة والعِشْوَة: النارُ يُسْتَضاءُ بِهَا.
والعَاشِي: القاصِدُ، وأَصلُه مِنْ ذَلِكَ لأَنه يَعْشُو إِليه كَمَا يَعْشُو إِلى النَّارِ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّة:
شِهابي الَّذِي أَعْشُو الطريقَ بضَوْئِه ***ودِرْعي، فَلَيلُ الناسِ بَعْدَك أَسْوَدُ
والعُشْوَة: مَا أُخِذَ مِنْ نارٍ ليُقْتَبس أَو يُسْتَضاءَ بِهِ.
أَبو عَمْرٍو: العُشْوَة كالشُّعْلة مِنَ النارِ؛ وأَنشد:
حَتَّى إِذا اشْتالَ سُهَيْلٌ بسَحَرْ، ***كعُشْوَةِ القابِسِ تَرْمي بالشَّرر
قَالَ أَبو زَيْدٍ: ابْغُونا عُشْوَةً أَي نَارًا نَسْتَضيءُ بِهَا.
قَالَ أَبو زَيْدٍ: عَشِيَ الرجلُ عَنْ حَقِّ أَصحابِه يَعْشَى عَشًى شَدِيدًا إِذا ظَلَمَهم، وَهُوَ كَقَوْلِكَ عَمِيَ عَنِ الْحَقِّ، وأَصله مِنَ العَشَا؛ وأَنشد:
أَلا رُبَّ أَعْشَى ظالِمٍ مُتَخَمِّطٍ، ***جَعَلْتُ بعَيْنَيْهِ ضِياءً، فأَبْصَرا
وَقَالَ: عَشِيَ عليَّ فلانٌ يَعْشَى عَشًى، مَنْقُوصٌ، ظَلَمَني.
وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ لِلرِّجَالِ يَعْشَوْنَ، وهُما يَعْشَيَانِ، وَفِي النِّسَاءِ هُنَّ يَعْشَيْن، قَالَ: لمَّا صَارَتِ الْوَاوُ فِي عَشِيَ يَاءً لكَسْرة الشِّينِ تُرِكَتْ فِي يَعْشَيَانِ يَاءً عَلَى حالِها، وَكَانَ قِياسُه يَعْشَوَانِ فتَرَكوا الْقِيَاسَ، وَفِي تَثْنِيَةِ الأَعْشَى هُمَا يَعْشَيانِ، وَلَمْ يَقُولُوا يَعْشَوانِ لأَنَّ الْوَاوَ لمَّا صَارَتْ فِي الْوَاحِدِ يَاءً لكَسْرة مَا قَبْلَها تُرِكَت فِي التَّثْنية عَلَى حَالِهَا، والنِّسْبة إِلى أَعْشَى أَعْشَوِيٌّ، وإِلى العَشِيَّةِ عَشَوِيٌّ.
والعَشْوَةُ والعُشْوَةُ والعِشْوَةُ: رُكوبُ الأَمْر عَلَى غَيْرِ بيانٍ.
وأَوْطأَني عَشْوَةً وعِشْوَةً وعُشْوَة: لبَسَ عليَّ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنه حَمَله عَلَى أَن يَرْكَب أَمرًا غيرَ مُسْتَبينِ الرُّشْدِ فرُبَّما كَانَ فِيهِ عَطَبُه، وأَصله مِنْ عَشْوَاءِ اللَّيْلِ وعُشْوَتِه مثلُ ظَلْماءِ اللَّيْلِ وظُلْمَته، تَقُولُ: أَوْطَأْتَني عَشْوَةً أَي أَمْرًا مُلْتَبِسًا، وَذَلِكَ إِذا أَخْبَرْتَه بِمَا أَوْقَعْتَه بِهِ فِي حَيْرَةٍ أَو بَلِيَّة.
وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ: أَوطَأْته عَشْوَة أَي غَرَرْته وحَمَلْته على أَن يَطَأَ مَا لَا يُبْصِرُه فرُبَّما وَقَعَ فِي بِئْرٍ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: « خَبَّاط عَشَوَات»؛ أي يَخْبِطُ فِي الظَّلامِ والأَمر المُلْتَبِس فيَتَحَيَّر.
وَفِي الْحَدِيثِ: « يَا مَعْشَرَ العَرَب احْمَدُوا اللهَ الَّذِي رَفَعَ عنكمُ العُشْوَةَ »؛ يُرِيدُ ظُلْمة الكُفْرِ كُلَّما ركِبَ الإِنسانُ أَمرًا بجَهْلٍ لَا يُبْصرُ وجْهَه، فَهُوَ عُشْوَة مِنْ عُشْوَة اللَّيْلِ، وَهُوَ ظُلْمة أَوَّله.
يُقَالُ: مَضى مِنَ اللَّيْلِ عَشْوَة، بِالْفَتْحِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ أَوَّلِه إِلى رُبْعه.
وَفِي الْحَدِيثِ: « حَتَّى ذَهَبَ عَشْوَةٌ مِنَ اللَّيْلِ».
وَيُقَالُ: أَخَذْتُ عَلَيْهم بالعَشْوَة أَي بالسَّوادِ مِنَ اللَّيل.
والعُشْوَة، بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: الأَمْرُ المُلْتَبس.
وَرَكِبَ فلانٌ العَشْوَاءَ إِذا خَبَطَ أَمرَه عَلَى غيرِ بَصِيرة.
وعَشْوَةُ اللَّيْلِ والسَّحَر وعَشْوَاؤه: ظُلْمَتُه.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الأَكوع: « فأَخَذَ عَلَيْهِمْ بالعَشْوَةِ» أَي بالسَّوادِ مِنَ اللَّيْلِ، ويُجْمَع عَلَى عَشَواتٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ فِي سَفَر فاعْتَشَى فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ »أَي سَارَ وقتَ العِشاء كَمَا يُقَالُ اسْتَحَر وابْتَكَر.
والعِشاءُ: أَوَّلُ الظَّلامِ مِنَ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ صلاةِ المَغْرِب إِلى العَتَمة.
والعِشَاءَانِ: المَغْرِب والعَتَمة؛ قَالَ الأَزهري: يُقَالُ لِصَلَاتَيِ المَغْرِب والعِشاءِ العِشَاءَانِ، والأَصلُ العِشاءُ فغُلِّبَ عَلَى المَغْرِب، كَمَا قَالُوا الأَبَوان وَهُمَا الأَبُ والأُمُّ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ.
وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: العِشَاءُ حينَ يُصَلّي الناسُ العَتَمة؛ وأَنشد:
وَمُحَوَّلٌ مَلَثَ العِشَاءِ دَعَوْتُه، ***والليلُ مُنْتَشِرُ السَّقِيط بَهِيمُ
قَالَ الأَزهري: صَلاةُ العِشاءِ هِيَ الَّتِي بعدَ صلاةِ المَغْرِب، ووَقْتُها حينَ يَغِيبُ الشَّفَق، وَهُوَ قَوْلُهُ تعالى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ}.
وأَما العَشِيُّ فَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: إِذا زَالَتِ الشَّمْسُ دُعِي ذَلِكَ الوقتُ العَشِيَّ، فَتَحَوَّلَ الظلُّ شَرْقِيًّا وتحوَّلت الشمْسُ غَرْبيَّة؛ قَالَ الأَزهري: وَصَلَاتَا العَشِيِّ هُمَا الظُّهْر والعَصْر.
وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: « صَلَّى بِنَا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْدى صلاتَي العَشِيِّ، وأَكْبَرُ ظَني أَنها العَصْر، وَسَاقَهُ ابْنُ الأَثير فَقَالَ: صَلى بِنَا إحْدى صَلَاتَيِ العَشِيِّ فسَلَّم مِنَ اثْنَتَيْن »، يريدُ صلاةَ الظُّهْر أَو العَصْر؛ وَقَالَ الأَزهري: يَقَع العَشِيُّ عَلَى مَا بَيْنَ زَوالِ الشمْسِ إِلَى وَقْت غُروبها، كُلُّ ذَلِكَ عَشِيٌّ، فَإِذَا غابَتِ الشَّمْسُ فَهُوَ العِشَاءُ، وَقِيلَ: العَشِيُّ منْ زَوالِ الشَّمْس إِلى الصَّباح، وَيُقَالُ لِما بَيْنَ المَغْرِب والعَتَمة: عِشاءٌ؛ وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ العِشَاء مِنْ زَوال الشَّمْسِ إِلى طُلوع الفَجْر، وأَنشدوا فِي ذَلِكَ:
غَدَوْنا غَدْوَةً سَحَرًا بليْلٍ ***عِشاءً، بعدَ ما انْتَصف النَّهارُ
وَجَاءَ عَشْوَةَ أَي عِشاءً، لَا يتمكَّن؛ لَا تَقُولُ مضتْ عَشْوَةٌ.
والعَشِيُّ والعَشِيَّةُ: آخرُ النَّهَارِ، يُقَالُ: جئتُه عَشِيَّةً وعَشِيَّةَ؛ حَكَى الأَخيرةَ سِيبَوَيْهِ.
وأَتَيْتُه العَشِيَّةَ: ليوْمِكَ، وَآتِيهِ عَشِيَّ غدٍ، بِغَيْرِ هاءٍ، إِذا كَانَ للمُسْتَقبل، وأَتَيتك عَشِيًّا غَيْرُ مضافٍ، وآتِيه بالعَشِيِّ وَالْغَدِ أَي كلَّ عَشيَّة وغَداةٍ، وإِني لَآتِيهِ بالعَشَايا والغَدايا.
وَقَالَ اللَّيْثُ: العَشِيُّ، بِغَيْرِ هاءٍ، آخِرُ النهارِ، فإِذا قُلْتَ عَشِيَّة فَهُوَ لِيوْم واحدٍ، يُقَالُ: لَقِيته عَشِيَّةَ يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، ولَقِيته عَشِيَّةً مِنَ العَشِيّات، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها}، يَقُولُ القائلُ: وَهَلْ للعَشِيَّة ضُحًى؟ قَالَ: وَهَذَا جَيِّد مِنْ "كَلَامِ الْعَرَبِ، يُقَالُ: آتِيك العَشِيَّةَ أَو غداتَها، وَآتِيكَ الغَداةَ أَو عَشِيَّتَها، فَالْمَعْنَى لَمْ يَلْبثوا إِلَّا عَشِيَّة أَو ضُحى العَشِيَّة، فأَضاف الضُّحى إِلى العَشِيَّة؛ وأَما مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
أَلا لَيتَ حَظِّي مِنْ زِيارَةِ أُمِّيَهْ ***غَدِيَّات قَيْظٍ، أَو عَشِيَّات أَشْتِيَهْ
فإِنه قَالَ: الغَدَوات فِي القَيْظ أَطْوَلُ وأَطْيَبُ، والعَشِيَّاتُ فِي الشِّتاءِ أَطولُ وأَطيبُ، وَقَالَ: غَدِيَّةٌ وغَدِيَّات مثلُ عَشِيَّةٍ وعَشِيَّات، وَقِيلَ: العَشِيُّ والعَشِيَّة مِنْ صلاةِ المَغْرِب إِلَى العَتمة، وَتَقُولُ: أَتَيْتُه عَشِيَّ أَمْسِ وعَشِيَّة أَمْسِ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا}، وليسَ هُناك بُكْرَةٌ وَلَا عَشِيٌّ وَإِنَّمَا أَراد لهُم رزْقُهُم فِي مِقْدار، بَيْنَ الغَداةِ والعَشِيِّ، وَقَدْ جَاءَ فِي التَّفْسِير: أَنَّ معْناه ولهُمْ رِزْقُهُم كلَّ ساعةٍ، وتصٌغِيرُ العَشِيِّ عُشَيْشِيانٌ، عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ، وَذَلِكَ عِنْدَ شَفىً وَهُوَ آخِرُ ساعةٍ مِنَ النَّهار، وَقِيلَ: تَصْغِيرُ العَشِيِّ عُشَيَّانٌ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسِ مُكَبَّره، كَأَنَّهُمْ صَغَّروا عَشيْانًا، وَالْجَمْعُ عُشَيَّانات.
ولَقِيتُه عُشَيْشِيَةً وعُشَيْشِيَاتٍ وعُشَيْشِياناتٍ وعُشَيَّانات، كلُّ ذَلِكَ نَادِرٌ، وَلَقِيتُهُ مُغَيْرِبانَ الشَّمْسِ ومُغَيْرِباناتِ الشَّمْسِ.
وَفِي حَدِيثِ جُنْدَب الجُهَني: « فأَتَيْنا بَطْنَ الكَديد فنَزَلْنا عُشَيْشِيَةً »، قَالَ: هِيَ تَصْغِيرُ عَشِيَّة عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، أُبْدلَ مِنَ الْيَاءِ الوُسْطى شِينٌ كأَنّ أَصلَه عُشَيِّيةً.
وَحُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ: أَتَيْتُه عُشَيْشَةً وعُشَيْشِيانًا وعُشيَّانًا، قَالَ: وَيَجُوزُ فِي تَصْغيرِ عَشِيَّةٍ عُشَيَّة وعُشَيْشِيَةٌ.
قَالَ الأَزهري: كَلَامُ الْعَرَبِ فِي تَصْغِيرِ عَشِيَّة عُشَيْشِيَةٌ، جَاءَ نَادِرًا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَلَمْ أَسْمَع عُشَيَّة فِي تَصْغِيرِ عَشِيَّة، وَذَلِكَ أَنَّ عُشَيَّة تصْغِيرُ العَشْوَة، وَهُوَ أَولُ ظُلْمة اللَّيْلِ، فأَرادوا أَن يَفْرُقوا بَيْنَ تَصْغِيرِ العَشِيَّة وَبَيْنَ تَصغير العَشْوَة؛ وأَمَّا مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي مِنَ قَوْلِهِ:
هَيْفاءُ عَجْزاءُ خَرِيدٌ بالعَشِي، ***تَضْحَكُ عَنْ ذِي أُشُرٍ عَذْبٍ نَقِي
فَإِنَّهُ أَراد باللَّيل، فإمَّا أَن يَكُونَ سَمَّى الليلَ عَشِيًا لمَكانِ العِشاء الَّذِي هُوَ الظُّلْمَةُ، وإمَّا أَن يَكُونَ وَضَعَ العَشِيَّ موضِعَ اللَّيْلِ لقُرْبِه مِنْهُ مِنْ حَيْثُ كانَ العَشِيُّ آخِرَ النَّهار، وآخرُ النَّهارِ مُتَّصِلٌ بأَوَّل اللَّيْلِ، وَإِنَّمَا أَرادَ الشاعرُ أَنْ يُبالغَ بتَخَرُّدِها واسْتِحيائِها لأَنَّ الليلَ قَدْ يُعْدَمُ فِيهِ الرُّقَباءُ والجُلَساءُ، وأَكثرُ مَنْ يُسْتَحْيا مِنْهُ، يَقُولُ: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ هَؤُلاء فَمَا ظَنُّكَ بتَخَرُّدِها نَهارًا إِذَا حَضَرُوا؟ وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُعْنَى بِهِ اسْتِحياؤها عِنْدَ المُباعَلَة لأَنَّ المُباعَلَة أَكثرُ مَا تَكُونُ لَيْلًا.
والعِشْيُ: طَعامُ العَشيّ والعِشاءِ، قُلِبَتْ فِيهِ الواوُ يَاءً لقُرْب الْكَسْرَةِ.
والعَشاءُ: كالعِشْيِ، وجَمعه أَعْشِيَة.
وعَشِيَ الرجلُ يَعْشَى وعَشَا وتَعَشَّى، كلُّه: أَكلَ العَشاء فَهُوَ عاشٍ.
وعَشَّيْت الرجلَ إِذَا أَطْعَمته العَشَاءَ، وَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُؤكَلُ بَعْدَ العِشاء.
وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَضَر العَشَاءُ والعِشَاءُ فابْدَؤوا بالعَشَاءِ "؛ العَشَاء، بِالْفَتْحِ والمدِّ: الطعامُ الَّذِي يؤكَلُ عِنْدَ العِشَاء، وَهُوَ خِلاف الغَداءِ وأَراد بالعِشاءِ صلاةَ الْمَغْرِبِ، وَإِنَّمَا قدَّم العَشاء لئلَّا يَشْتَغِل قلْبُه بِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا قِيلَ إِنَّهَا الْمَغْرِبُ لأَنها وقتُ الإِفطارِ ولِضِيقِ وقتِها.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَفِي الْمَثَلِ سَقَطَ العَشَاءُ بِهِ عَلَى سِرْحان؛ يُضْرَبُ للرجُلِ يَطْلُب الأَمر التَّافِه" فيقَع فِي هَلَكةٍ، وأَصله أَنَّ دابَّة طَلبَت العَشاءَ فَهَجَمَتْ عَلَى أَسَدٍ.
وَفِي حَدِيثِ الْجَمْعِ بعَرفة: « صلَّى الصَّلاتَيْن كلُّ صلاةٍ وحْدها والعَشَاءُ بَيْنَهُمَا »أَي أَنه تَعَشَّى بَيْنَ الصَّلاتَيْن.
قَالَ الأَصمعي: وَمِنْ كَلَامِهِمْ لَا يَعْشَى إلا بعد ما يَعْشُو أَي لَا يَعْشَى إلا بعد ما يَتَعَشَّى.
وَإِذَا قِيلَ: تَعَشَّ، قلتَ: مَا بِي مِنْ تَعَشٍّ أَي احْتِيَاجٍ إِلَى العَشاءِ، وَلَا تقُلْ مَا بِي عَشاءٌ.
وعَشَوْتُ أَي تَعَشَّيْتُ.
ورجلٌ عَشْيَانٌ: مُتَعَشٍّ، والأَصل عَشْوانٌ، وَهُوَ مِنْ بَابِ أَشاوَى فِي الشُّذُوذِ وطَلَب الخِفَّة.
قَالَ الأَزهري: رجلٌ عَشْيَان وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الواوِ لأَنه يُقَالُ عَشَيته وعَشَوته فأَنا أَعْشُوه أَي عَشَّيْته، وَقَدْ عشِيَ يَعْشَى إِذَا تَعشَّى.
وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: يُقَالُ مِنَ الغَداء والعَشاء رجلٌ غَدْيان وعَشْيان، والأَصل غَدْوان وعَشْوان لأَنَّ أَصْلَهُما الواوُ، وَلَكِنَّ الواوُ تُقْلَب إِلَى الْيَاءِ كَثِيرًا لأَن الْيَاءَ أَخفُّ مِنَ الواوِ.
وعَشاه عَشْوًا وعَشْيًا فتَعَشَّى: أَطْعَمَهُ العَشاءَ، الأَخيرةُ نادرةٌ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
قَصَرْنا عَلَيْه بالمَقِيظِ لِقاحَنَا، ***فَعَيَّلْنَه مِنْ بَينِ عَشْيٍ وتَقْييلِ
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لقُرْط بْنِ التُّؤام الْيَشْكُرِيُّ:
كانَ ابنُ أَسْماءَ يَعْشُوه ويَصْبَحُه ***مِنْ هَجْمَةٍ، كفَسِيلِ النَّخلِ دُرَّارِ
وعَشَّاهُ تَعْشِية وأَعْشاه: كَعَشاه قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
فأَعْشَيْتُه، مِنْ بَعدِ مَا راثَ عِشْيُهُ، ***بسَهْمٍ كسَيْرِ التَّابِرِيَّةِ لَهْوَقِ
عدّاه بالباء فِي مَعْنَى غَذَّيْتُه.
وعَشَّيْتُ الرجُل: أَطْعَمْتُهُ العَشاءَ.
وَيُقَالُ: عَشِّ إِبِلَكَ وَلَا تَغْتَرَّ؛ وَقَوْلُهُ:
باتَ يُعَشِّيها بِعَضْبٍ باتِرِ، ***يَقْصِدُ فِي أَسْؤُقِها، وجائِرِ
أَي أَقامَ لهَا السَّيْفَ مُقامَ العَشاءِ.
الأَزهري: العِشْيُ مَا يُتَعَشَّى بِهِ، وجَمْعه أَعْشَاء؛ قَالَ الحُطَيْئة:
وقَدْ نَظَرْتُكُمُ أَعْشَاءَ صادِرَةٍ ***للْخِمْسِ، طالَ بِهَا حَوْزي وتَنْساسِي
قَالَ شَمِرٌ: يقولُ انْتَظَرْتُكُمُ انْتِظارَ إبِلٍ خَوامِسَ لأَنَّها إِذَا صَدَرَتْ تَعَشَّت طَويلًا، وَفِي بُطونِها ماءٌ كثيرٌ، فَهِيَ تَحْتاجُ إِلَى بَقْلٍ كَثِيرٍ، وواحدُ الأَعْشَاء عِشْيٌ.
وعِشْيُ الإِبلِ: مَا تَتَعشَّاه، وأَصلُه الْوَاوُ.
والعَوَاشِي: الإِبل والغَنم الَّتِي تَرْعَى بالليلِ، صِفَةٌ غالبَةٌ والفِعْلُ كالفِعْل؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:
يَعْشَى، إِذَا أَظْلَم، عَنْ عَشائِه، ***ثُمَّ غَدَا يَجْمَع مِنْ غَدائِهِ
يَقُولُ: يَتَعَشَّى فِي وَقْتِ الظُّلْمة.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ عَشِيَ بِمَعْنَى تَعَشَّى.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: « مَا مِنْ عاشِيَةٍ أَشَدَّ أَنَقًا وَلَا أَطْولَ شِبَعًا مِنْ عالِمٍ مِن عِلْمٍ »؛ الْعَاشِيَةُ: الَّتِي تَرْعَى بالعَشِيِّ مِنَ المَواشِي وغيرِها.
يُقَالُ: عَشِيَت الإِبلُ وتَعَشَّتْ؛ الْمَعْنَى: أَنَّ طالِبَ العِلْمِ لَا يكادُ يَشْبَعُ مِنْهُ، كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ: " مَنْهُومانِ لَا يَشْبَعانِ: طالِبُ عِلْمٍ وطالِبُ دُنْيا.
وَفِي كِتَابِ أَبي مُوسَى: مَا مِنْ عاشِيَة أَدوَمُ أَنقًا وَلَا أَبْعَدُ مَلالًا مِنْ عَاشِيَةِ عِلْمٍ.
وَفَسَّرَهُ فَقَالَ: العَشْوُ إتْيانُكَ نَارًا تَرْجُو عندَها خَيْرًا.
يُقَالُ: عَشَوْتُه أَعْشُوه، فأَنا عاشٍ "مِنْ قَوْمٍ عاشِيَة، وَأَرَادَ بالعَاشِيَة هَاهُنا طَالِبِي العِلْمِ الرَّاجينَ خيرَه ونَفْعَه.
وَفِي الْمَثَلِ: العَاشِيَةُ تَهِيجُ الآبِيَةَ أَي إِذَا رَأتِ الَّتِي تأبَى الرَّعْيَ الَّتِي تَتَعَشَّى هاجَتْها للرَّعْي فرَعَتْ مَعَهَا؛ وَأَنْشَدَ:
تَرَى المِصَكَّ يَطْرُدُ العَواشِيَا: ***جِلَّتَها والأُخرَ الحَواشِيَا
وبَعِيرٌ عَشِيٌّ: يُطِيلُ العَشاءَ؛ قَالَ أَعْرابيٌّ وَوَصَفَ بَعيرَه: " عريضٌ عَروُضٌ عَشِيٌّ عَطُوّ "وعَشَا الإِبلَ وعَشَّاها: أَرْعاها لَيْلًا.
وعَشَّيْتُ الإِبلَ إِذَا رَعَيْتَها بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.
وعَشِيَت الإِبلُ تَعْشَى عَشًى إِذَا تَعشَّت، فَهِيَ عَاشِيَة.
وجَمَلٌ عَشٍ وَنَاقَةٌ عَشِيَة: يَزيدان عَلَى الإِبلِ فِي العَشاء، كلاهُما عَلَى النَّسَب دُونَ الْفِعْلِ؛ وَقَوْلُ كُثَيِّر يَصِفُ سَحَابًا:
خَفِيٌّ تَعَشَّى فِي الْبِحَارِ ودُونَه، ***مِنَ اللُّجِّ، خُضْرٌ مُظْلِماتٌ وسُدَّفُ
إِنَّمَا أَراد أَنَّ السحابَ تَعَشَّى مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ، جَعَلَه كالعَشاءِ لَهُ؛ وَقَوْلُ أُحَيْحَةَ بنِ الجُلاح:
تَعَشَّى أَسافِلُها بالجَبُوب، ***وتأْتي حَلُوبَتُها مِنْ عَل
يَعْنِي بِهَا النَّخْلَ، يَعْنِي أَنها تَتَعَشَّى مِنْ أَسفل أَي تَشْرَبُ الماءَ ويأْتي حَمْلُها مِنْ فَوْقُ، وعَنى بِحَلُوبَتِها حَمْلَها كأَنه وَضَعَ الحَلُوبة موضعَ المَحْلُوب.
وعَشِيَ عَلَيْهِ عَشًى: ظَلَمه.
وعَشَّى عَنِ الشَّيْءِ: رَفَقَ بِهِ كَضَحَّى عَنْهُ.
والعُشْوان: ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ أَو النَّخْلِ.
والعَشْواءُ، مَمْدودٌ: ضربٌ مِنْ متأخِّر النخلِ حَمْلًا.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
44-لسان العرب (لوي)
لوي: لَوَيْتُ الحَبْلَ أَلْوِيه لَيًّا: فَتَلْتُه.ابْنُ سِيدَهْ: اللَّيُّ الجَدْلُ والتَّثَنِّي، لَواهُ لَيًّا، والمرَّةُ مِنْهُ لَيَّةٌ، وَجَمْعُهُ لِوًى ككَوَّةٍ وكِوًى؛ عَنْ أَبي عَلِيٍّ، ولَواهُ فالتَوَى وتَلَوَّى.
ولَوَى يَده لَيًّا ولَوْيًا نَادِرٌ عَلَى الأَصل: ثَناها، وَلَمْ يَحْكِ سِيبَوَيْهِ لَوْيًا فِيمَا شذَّ، ولَوَى الغلامُ بَلَغَ عِشْرِينَ وقَوِيَتْ يدُه فلوَى يدَ غَيْرِهِ.
ولَوِيَ القِدْحُ لَوًى فَهُوَ لَوٍ والتَوى، كِلاهما: اعْوجَّ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.
واللِّوَى: مَا التَوى مِنَ الرَّمْلِ، وَقِيلَ: هُوَ مُسْتَرَقُّه، وَهُمَا لِوَيانِ، وَالْجَمْعُ أَلْوَاء، وكسَّره يَعْقُوبُ عَلَى أَلْوِيَةٍ فَقَالَ يَصِفُ الظِّمَخ: يَنْبُتُ فِي أَلْوِيَةِ الرَّمل ودَكادِكِه، وفِعَلٌ لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفْعِلةٍ.
وأَلْوَيْنا: صِرْنا إِلى لِوَى الرملِ، وَقِيلَ: لَوِيَ الرمْلُ لَوًى، فَهُوَ لَوٍ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي: " يَا ثُجْرةَ الثَّوْرِ وظَرْبانَ اللَّوِي "وَالِاسْمُ اللِّوى، مَقْصُورٌ.
الأَصمعي: اللِّوى مُنْقَطَعُ الرَّملة؛ يُقَالُ: قَدْ أَلْوَيْتُم فانزِلوا، وَذَلِكَ إِذا بَلَغُوا لِوَى الرَّمْلِ.
الْجَوْهَرِيُّ: لِوَى الرملِ، مَقْصُورٌ، مُنْقَطَعُه، وَهُوَ الجَدَدُ بعدَ الرَّمْلَةِ، ولِوَى الْحَيَّةِ حِواها، وَهُوَ انْطِواؤها؛ عَنْ ثَعْلَبٍ.
ولاوَتِ الحَيَّةُ الحَيَّةَ لِواءً: التَوَت عَلَيْهَا.
والْتَوَى الماءُ فِي مَجْراه وتَلَوَّى: انْعَطَفَ وَلَمْ يَجْرِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ، وتَلَوَّتِ الحيةُ كَذَلِكَ.
وتَلَوَّى البَرْقُ فِي السَّحَابِ: اضطَرب عَلَى غَيْرِ جِهَةٍ.
وقَرْنٌ أَلْوَى: مُعْوَجٌّ، وَالْجَمْعُ لُيٌّ، بِضَمِّ اللَّامِ؛ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ سَمِعْنَاهَا مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ: وَلَمْ يَكسِروا، وإِن كَانَ ذَلِكَ الْقِيَاسَ، وَخَالَفُوا بَابَ بِيض لأَنه لَمَّا وَقَعَ الإِدغام فِي الْحَرْفِ ذَهَبَ الْمَدُّ وَصَارَ كَأَنَّهُ حَرْفٌ مُتَحَرِّكٌ، أَلا تَرَى لَوْ جَاءَ مَعَ عُمْيٍ فِي قَافِيَةٍ جَازَ؟ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَن الْمُدْغَمَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ، والأَقيسُ الْكَسْرُ لِمُجَاوَرَتِهَا الْيَاءَ.
ولَوَاه دَيْنَه وبِدَيْنِه لَيًّا ولِيًّا ولَيَّانًا ولِيَّانًا: مَطَله؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ فِي اللَّيَّانِ:
تُطِيلِينَ لَيَّاني، وأَنت مَلِيَّةٌ، ***وأُحْسِنُ، يَا ذاتَ الوِشاحِ، التَّقاضِيا
قَالَ أَبو الهيثم: لم يجيء مِنَ الْمَصَادِرِ عَلَى فَعْلان إِلا لَيَّانَ.
وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ أَبي زَيْدٍ قَالَ: لِيَّان، بِالْكَسْرِ، وَهُوَ لُغَيَّة، قال: وَقَدْ يَجِيءُ اللَّيَّان بِمَعْنَى الْحَبْسِ وَضِدَّ التَّسْرِيحِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَلْقَى غَريمُكُمُ مِنْ غَيْرِ عُسْرَتِكمْ ***بالبَذْلِ مَطْلًا، وبالتَّسْريحِ لَيّانا
وأَلْوى بحقِّي ولَوَانِي: جَحَدَني إِيّاه، ولَوَيْتُ الدَّيْنَ.
وَفِي حَدِيثِ المَطْلِ: « لَيُّ الواجِدِ يُحِلُّ عِرْضَه وعُقوبَتَه».
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: اللَّيُّ هُوَ المَطْل؛ وأَنشد قَوْلَ الأَعشى:
يَلْوِينَنِي دَيْني، النَّهارَ، وأَقْتَضِي ***دَيْني إِذا وَقَذَ النُّعاسُ الرُّقَّدا
لَواه غريمُه بدَيْنِه يَلْوِيه لَيًّا، وأَصله لَوْيًا فأُدغمت الْوَاوُ فِي الْيَاءِ.
وأَلْوَى بِالشَّيْءِ: ذهَب بِهِ.
وأَلْوَى بِمَا فِي الإِناء مِنَ الشَّرَابِ: استأْثر بِهِ وغَلَب عَلَيْهِ غيرَه، وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ فِي الطَّعَامِ؛ وَقَوْلُ سَاعِدَةَ بْنِ جؤيَّة:
سادٍ تَجَرَّمَ فِي البَضِيع ثَمانِيًا، ***يُلْوِي بِعَيْقاتِ البِحارِ ويُجْنَبُ
يُلْوِي بِعَيْقَاتِ الْبِحَارِ أَي يَشْرَبُ مَاءَهَا فَيَذْهَبُ بِهِ.
وأَلْوَتْ بِهِ العُقاب: أَخذته فَطَارَتْ بِهِ.
الأَصمعي: وَمِنْ أَمثالهم أَيْهاتَ أَلْوَتْ بِهِ العَنْقاءُ المُغْرِبُ كأَنها داهيةٌ، وَلَمْ يُفَسِّرْ أَصله.
وَفِي الصِّحَاحِ: أَلْوَتْ بِهِ عَنْقاء مُغْرِب أَي ذهَبَت بِهِ.
وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَة: « أَنَّ جِبريلَ رَفَع أَرضَ قَوْم لُوطٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثمَّ أَلْوَى بِهَا حَتَّى سَمِعَ أَهلُ السَّمَاءِ ضُغاء كِلابهم »أَي ذَهَبَ بِهَا، كَمَا يُقَالُ أَلْوَتْ بِهِ العَنْقاء؛ أي أَطارَتْه، وَعَنْ قَتَادَةَ مِثْلُهُ، وَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ أَلْوَى بِهَا فِي جَوّ السَّمَاءِ، وأَلْوَى بِثَوْبِهِ فَهُوَ يُلوِي بِهِ إِلْوَاء.
وأَلْوَى بِهم الدَّهْرُ: أَهلكهم؛ قَالَ:
أَصْبَحَ الدَّهْرُ، وَقَدْ أَلْوَى بِهِم، ***غَيرَ تَقْوالِك مِنْ قيلٍ وَقَالَ
وأَلْوَى بِثَوْبِهِ إِذا لَمَع وأَشارَ.
وأَلْوَى بِالْكَلَامِ: خالَفَ بِهِ عَنْ جِهته.
ولَوَى عَنِ الأَمر والْتَوى: تثاقَل.
ولَوَيْت أَمْري عَنْهُ لَيًّا ولَيّانًا: طَوَيْتُه.
ولَوَيْتُ عَنْهُ الخَبَرَ: أَخبرته بِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ.
ولَوَى فُلَانٌ خَبَرَهُ إِذا كَتَمه.
والإِلْوَاء: أَن تُخالف "بِالْكَلَامِ عَنْ جِهَتِهِ؛ يُقَالُ: أَلْوَى يُلوِي إِلْواءً ولَوِيَّةً.
وَالْإِخْلَافُ الِاسْتِقَاءُ ولَوَيْتُ عَلَيْهِ: عطَفت.
ولَوَيْتُ عَلَيْهِ: انْتَظَرْتُ.
الأَصمعي: لَوَى الأَمْرَ عَنْهُ فَهُوَ يَلْوِيه لَيًّا، وَيُقَالُ أَلْوَى بِذَلِكَ الأَمر إِذا ذَهَب بِهِ، ولَوَى عَلَيْهِمْ يَلوِي إِذا عطَف عَلَيْهِمْ وتَحَبَّس؛ ويقال: ما تَلْوِي عَلَى أَحد.
وَفِي حَدِيثِ أَبي قَتَادَةَ: « فَانْطَلَقَ النَّاسُ لَا يَلْوِي أَحد عَلَى أَحد»؛ أي لَا يَلتَفِت وَلَا يَعْطف عَلَيْهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « وجَعَلَتْ خَيلُنا تَلَوَّى خَلفَ ظُهُورِنَا» أَي تَتَلَوَّى.
يُقَالُ: لَوَّى عَلَيْهِ إِذا عَطَف وعَرَّج، وَيُرْوَى بِالتَّخْفِيفِ، وَيُرْوَى تَلُوذ "، بِالذَّالِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ.
وأَلْوَى: عطَف عَلَى مُسْتَغِيث، وأَلْوَى بِثَوْبِهِ للصَّريخِ وأَلْوَتِ المرأَةُ بِيَدِهَا.
وأَلْوَتِ الحَرْبُ بالسَّوامِ إِذا ذهَبَت بِهَا وصاحِبُها يَنْظُر إِليها وأَلْوَى إِذا جَفَّ زرعُه.
واللَّوِيُّ، عَلَى فَعِيل: مَا ذَبُل وجَفَّ مِنَ البَقل؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
حَتَّى إِذا تَجَلَّتِ اللَّوِيَّا، ***وطَرَدَ الهَيْفُ السَّفا الصَّيْفِيَّا
وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَحَتَّى سَرَى بعدَ الكَرَى فِي لَوِيِّهِ ***أَساريعُ مَعْرُوفٍ، وصَرَّت جَنادِبُه
وَقَدْ أَلْوَى البَقْلُ إِلواءً أَي ذَبُلَ.
ابْنُ سِيدَهْ: واللَّوِيُّ يَبِيس الكَلإِ والبَقْل، وَقِيلَ: هُوَ مَا كَانَ مِنْهُ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ.
وَقَدْ لَوِيَ لَوًى وأَلْوَى صَارَ لَوِيًّا.
وأَلْوَتِ الأَرضُ: صَارَ بَقْلُهَا لَوِيًّا.
والأَلْوَى واللُّوَيُّ، عَلَى لَفْظِ التَّصْغِيرِ: شَجَرَةٌ تُنْبِت حِبَالًا تَعَلَّقُ بِالشَّجَرِ وتَتَلَوَّى عَلَيْهَا، وَلَهَا فِي أَطرافها وَرَقٌ مُدوَّر فِي طَرَفِهِ تَحْدِيدٌ.
واللَّوَى، وَجَمْعُهُ أَلْوَاء: مَكْرُمة للنَّبات؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَلَمْ تُبْقِ أَلْوَاءُ اليَماني بَقِيَّةً، ***مِنَ النَّبتِ، إِلا بَطْنَ وَادٍ رَحَاحِمِ
والأَلْوَى: الشَّدِيدُ الخُصومة، الجَدِلُ السَّلِيطُ، وَهُوَ أَيضًا المُتَفَرِّدُ المُعْتَزِلُ، وَقَدْ لَوِيَ لَوًى.
والأَلْوَى: الرَّجُلُ المجتَنب المُنْفَرِد لَا يَزَالُ كَذَلِكَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ امرأَة:
حَصانٌ تُقْصِدُ الأَلْوَى ***بِعَيْنَيْها وبالجِيدِ
والأُنثى لَيَّاء، وَنِسْوَةٌ لِيَّانٌ،، وإِن شِئْتَ بِالتَّاءِ لَيَّاواتٍ، وَالرِّجَالِ أَلْوُون، وَالتَّاءُ وَالنُّونُ فِي الْجَمَاعَاتِ لَا يمتَنع مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنْ أَسماء الرِّجَالِ وَنُعُوتِهَا، وإِن فَعَلَ فَهُوَ يَلْوِي لَوًى، وَلَكِنِ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ بِقَوْلِهِمْ لَوَى رأْسه، وَمَنْ جَعَلَ تأْليفه مِنْ لَامٍ وَوَاوٍ قَالُوا لَوَى.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ فِي ذكر المنافقين: لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ، ولَوَوْا، قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ.
ولَوَّيْت أَعْناقَ الرِّجَالِ فِي الخُصومة، شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ وَالْمُبَالَغَةِ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ}.
وأَلْوَى الرجلُ برأْسِه ولَوَى رَأْسه: أَمالَ وأَعْرضَ.
وأَلْوَى رأْسه ولَوَى برأْسِه: أَمالَه مِنْ جَانِبٍ إِلى جَانِبٍ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: « إِنَّ ابْنِ الزُّبَيْرِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، لَوَى ذَنَبه »؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُقَالُ لَوَى رأْسه وذَنَبه وعطْفَه عَنْكَ إِذا ثَنَاهُ وصَرَفه، وَيُرْوَى بِالتَّشْدِيدِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَهُوَ مَثَلٌ لِتَرْكِ المَكارِم والرَّوَغانِ عَنِ المعْرُوف وإِيلاء الجمِيل، قَالَ وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ كِنَايَةً عَنِ التأَخر وَالتَّخَلُّفِ لأَنه قَالَ فِي مُقَابَلَتِهِ: وإِنَّ ابنَ العاصِ مَشَى اليَقْدُمِيَّةَ.
وقوله تعالى: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا}، بِوَاوَيْنِ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُوَ الْقَاضِي يَكُونُ لَيُّه وإِعْراضُه لأَحد الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَي تَشدّده وصَلابَتُه، وَقَدْ قُرِئَ بِوَاوٍ وَاحِدَةٍ مَضْمُومَةِ اللَّامِ مِنْ وَلَيْتُ؛ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَي أَن تَلُوا الشَّهَادَةَ فتُقِيموها أَو تُعْرِضُوا عَنْهَا فَتَتْرُكُوها؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ فُرْعانَ بْنِ الأَعْرَفِ.
تَغَمَّدَ حَقِّي ظَالِمًا، ولَوَى يَدِي، ***لَوَى يَدَه اللهُ الَّذِي هُوَ غالِبُهْ
والْتَوَى وتَلَوَّى بِمَعْنًى.
اللَّيْثُ: لَوِيتُ عَنْ هَذَا الأَمر إِذا التَوَيْت عَنْهُ؛ وأَنشد:
إِذا الْتَوَى بِي الأَمْرُ أَو لَوِيتُ، ***مِن أَيْنَ آتِي الأَمرَ إِذْ أُتِيتُ؟
الْيَزِيدِيُّ: لَوَى فُلَانٌ الشَّهَادَةَ وَهُوَ يَلْوِيها لَيًّا ولَوَى كَفَّه ولَوَى يَده ولَوَى عَلَى أَصحابه لَوْيًا ولَيًّا وأَلْوَى إِليَّ بِيَدِه إِلْوَاءً أَي أَشار بِيَدِهِ لَا غَيْرُ.
ولَوَيْتُه عَلَيْهِ أَي آثَرْتُه عَلَيْهِ؛ وَقَالَ:
وَلَمْ يَكُنْ مَلَكٌ لِلقَومِ يُنْزِلُهم، ***إِلَّا صَلاصِلُ لَا تُلْوَى عَلَى حَسَب
أَي لَا يُؤْثَرُ بِهَا أَحد لحسَبه للشدَّة الَّتِي هُمْ فِيهَا، وَيُرْوَى: لَا تَلْوي أَي لَا تَعْطِفُ أَصحابُها عَلَى ذَوِي الأَحساب، مِنْ قَوْلِهِمْ لَوى عَلَيْهِ أَي عَطَف، بَلْ تُقْسَم بالمُصافَنة عَلَى السَّوية؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِمَجْنُونِ بَنِي عَامِرٍ:
فَلَوْ كَانَ فِي لَيْلى سَدًى مِنْ خُصومةٍ، ***لَلَوَّيْتُ أَعْناقَ المَطِيِّ المَلاوِيا
وَطَرِيقٌ أَلْوى: بعيد مجهول.
واللَّوِيَّةُ: مَا خَبَأْته عَنْ غَيْرِكَ وأَخْفَيْتَه؛ قَالَ:
الآكِلين اللَّوَايا دُونَ ضَيْفِهِمِ، ***والقدْرُ مَخْبوءةٌ مِنْهَا أَثافِيها
وَقِيلَ: هِيَ الشَّيْءُ يُخْبَأُ لِلضَّيْفِ، وَقِيلَ: هِيَ مَا أَتحَفَتْ بِهِ المرأَةُ زائرَها أَو ضَيْفَها، وَقَدْ لَوَى لَوِيَّةً والْتَوَاها.
وأَلْوَى: أَكل اللَّوِيَّةَ.
التَّهْذِيبُ: اللَّوِيَّةُ مَا يُخْبَأُ لِلضَّيْفِ أَو يَدَّخِره الرَّجلُ لنفْسِه، وأَنشد:
آثَرْت ضَيْفَكَ باللَّوِيَّة وَالَّذِي ***كانتْ لَه ولمِثْلِه الأَذْخارُ
قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ أَعرابيًّا مِنْ بَنِي كِلَابٍ يَقُولُ لقَعِيدةٍ لَهُ أَيْنَ لَوَايَاكِ وحَواياكِ، أَلا تُقَدِّمينَها إِلينا؟ أَراد: أَين مَا خَبَأْتِ مِنْ شُحَيْمةٍ وقَديدةٍ وَتَمْرَةٍ وَمَا أَشبهها مِنْ شيءٍ يُدَّخَر لِلْحُقُوقِ.
الْجَوْهَرِيُّ: اللَّوِيَّةُ مَا خبأْته لِغَيْرِكَ مِنَ الطَّعَامِ؛ قَالَ أَبو جُهَيْمَةَ الذُّهَلِيُّ:
قُلْتُ لِذاتِ النُّقْبةِ النَّقِيَّهْ: ***قُومي فَغَدِّينا مِنَ اللَّوِيَّهْ
وَقَدِ التَوَتِ المرأَة لَوِيَّةً.
والْوَلِيَّة: لُغَةٌ فِي اللَّوِيَّةِ، مَقْلُوبَةٌ عَنْهُ؛ حَكَاهَا كُرَاعٌ، قَالَ: وَالْجَمْعُ الْوَلَايَا كاللَّوَايَا، ثَبَتَ الْقَلْبُ فِي الْجَمْعِ.
واللَّوَى: وَجَعٌ فِي الْمَعِدَةِ، وَقِيلَ: وَجَعٌ فِي الجَوْف، لَوِيَ، بِالْكَسْرِ، يَلْوَى لَوًى، مَقْصُورٌ، فَهُوَ لَوٍ.
واللَّوَى: اعْوِجاج فِي ظَهْرِ الْفَرَسِ، وَقَدْ لَوِيَ لَوًى.
وعُود لَوٍ: مُلْتَوٍ.
وذَنَبٌ أَلْوَى: مَعْطُوفٌ خِلْقةً مِثْلَ ذَنَبِ الْعَنْزِ.
وَيُقَالُ: لَوِيَ ذنَبُ الفرَس فَهُوَ يَلْوَى لَوًى، وَذَلِكَ إِذا مَا اعْوَجَّ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ: " كالكَرِّ لَا شَخْتٌ وَلَا فِيهِ لَوَى "يُقَالُ مِنْهُ: فَرَسٌ مَا بِهِ لَوًى وَلَا عَصَلٌ.
وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: كَبْشٌ أَلْوَى وَنَعْجَةٌ لَيَّاء، مَمْدُودٌ، مِنْ شاءٍ لِيٍّ.
الْيَزِيدِيُّ: أَلْوَتِ النَّاقَةُ بذنَبها ولَوَّتْ ذنَبها إِذا حرَّكته، الْبَاءُ مَعَ الأَلف فِيهَا، وأَصَرَّ الفرسُ بأُذنه وصَرَّ أُذنَه، وَاللَّهُ أَعلم.
واللِّوَاء: لِواء الأَمير، مَمْدُودٌ.
واللِّوَاء: العَلَم، وَالْجَمْعُ أَلْوِيَة وأَلْوِياتٌ، الأَخيرة جَمْعُ الْجَمْعُ؛ قَالَ: " جُنْحُ النَّواصِي نحوُ أَلْوِياتِها وَفِي الْحَدِيثِ: « لِواءُ الحَمْدِ بِيَدِي يومَ القيامةِ »؛ اللِّوَاء: الرايةُ وَلَا يُمْسِكُهَا إِلا صاحبُ الجَيْش؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
غَداةَ تَسايَلَتْ مِنْ كلِّ أَوْب، ***كَتائبُ عاقِدينَ لَهُمْ لِوَايا
قَالَ: وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ، تَقُولُ: احْتَمَيْتُ احْتِمايا.
والأَلْوِية: المَطارِد، وَهِيَ دُونَ الأَعْلام والبُنود.
وَفِي الْحَدِيثِ: « لكلِّ غادِرٍ لِوَاء يَوْمَ الْقِيَامَةِ »أَي عَلَامَةٌ يشْهَرُ بِهَا فِي النَّاسِ، لأَنَّ مَوْضُوعَ اللِّواء شُهْرةُ مَكَانِ الرَّئِيسِ.
وأَلْوَى اللِّوَاءَ: عَمِلَهُ أَو رفعَه؛ عَنِ ابْنُ الأَعرابي، وَلَا يُقَالُ لَوَاه.
وأَلْوَى: خاطَ لِواء الأَمير.
وأَلْوَى إِذا أَكثر التَّمَنِّيَ.
أَبو عُبَيْدَةَ: مِنْ أَمثالهم فِي الرَّجُلِ الصَّعْبِ الْخُلُقِ الشَّدِيدِ اللَّجَاجَةِ: لتَجِدَنَّ فلانا أَلوَى بَعِيدَ المستمَر؛ وأَنشد فِيهِ:
وجَدْتَني أَلْوَى بَعِيدَ المُسْتَمَرْ، ***أَحْمِلُ مَا حُمِّلْتُ مِنْ خَيْرٍ وشَرِّ
أَبو الْهَيْثَمِ: الأَلْوَى الْكَثِيرُ الْمُلَاوِي.
يُقَالُ: رَجُلٌ أَلْوَى شَدِيدُ الخُصومة يَلْتَوي عَلَى خَصْمِهِ بِالْحُجَّةِ وَلَا يُقِرّ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ.
والأَلْوَى: الشَّدِيدُ الالْتِواء، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ سَحَّابِينُ.
ولَوَيْت الثوبَ أَلْوِيه لَيًّا إِذا عَصَرْتَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مَا فِيهِ مِنَ الْمَاءِ.
وَفِي حَدِيثِ الاخْتمار: « لَيَّةً لَا لَيَّتَيْنِ »أَي تَلْوي خِمارَها عَلَى رأْسها مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَا تُدِيرُهُ مَرَّتَيْنِ، لِئَلَّا تُشْتَبَهُ بِالرِّجَالِ إِذا اعتمُّوا.
واللَّوَّاء: طَائِرٌ.
واللَاوِيا: ضَرْبٌ مِنَ النَّبْت واللاوِيَاء: ميسم يُكْوى بِهِ.
ولِيَّةُ: مَكَانٌ بِوَادِي عُمانَ.
واللَّوَى: فِي مَعْنَى اللَّائِي الَّذِي هُوَ جَمْعُ الَّتِي؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، يُقَالُ: هُنَّ اللَّوَى فَعَلْنَ؛ وأَنشد:
جَمَعْتُها مِنْ أَيْنُقٍ غِزارِ، ***مِنَ اللَّوَى شُرِّفْن بالصِّرارِ
واللَّاؤُون: جَمْعُ الَّذِي مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ بِمَعْنَى الَّذِينَ، فِيهِ ثلاث لغات: اللَّاؤون فِي الرَّفْعِ، واللَّائِينَ فِي الخفض والنصب، واللَّاؤُو بِلَا نُونٍ، واللَّائِي بإِثبات الْيَاءِ فِي كُلِّ حَالٍ يَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَلَا يُصَغَّرُ لأَنهم اسْتَغْنَوْا عَنْهُ باللَّتيَّات لِلنِّسَاءِ وباللَّذَيُّون لِلرِّجَالِ، قَالَ: وإِن شِئْتَ قُلْتَ لِلنِّسَاءِ اللَّا، بِالْقَصْرِ بِلَا يَاءٍ وَلَا مَدٍّ وَلَا هَمْزٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَهْمِزُ؛ وَشَاهِدُهُ بِلَا يَاءٍ وَلَا مَدٍّ وَلَا هَمْزٍ قَوْلُ الْكُمَيْتُ:
وكانَتْ مِنَ اللَّا لَا يُغَيِّرُها ابْنُها؛ ***إِذا مَا الغُلامُ الأَحْمَقُ الأُمَّ غَيَّرا
قَالَ: وَمِثْلُهُ قول الراجز:
فدُومي عَلَى العَهْدِ الَّذِي كَانَ بَيْنَنا، ***أَمَ انْتِ مِنَ اللَّا مَا لَهُنَّ عُهودُ؟
وأَما قَوْلُ أَبي الرُّبَيْس عِبَادَةِ بْنِ طَهْفَة الْمَازِنِيِّ، وَقِيلَ اسْمُهُ عَبَّاد بْنُ طَهفة، وَقِيلَ عَبَّاد بْنُ عَبَّاسٍ:
مِنَ النَّفَرِ اللَّائي الذينَ، إِذا هُمُ، ***يَهابُ اللِّئامُ حَلْقةَ الْبَابِ، قَعْقَعُوا
فإِنما جَازَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ أَو عَلَى إِلغاء أَحدهما.
ولُوَيُّ بنُ غَالِبٍ: أَبو قُرَيْشٍ، وأَهل الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُونَهُ بِالْهَمْزِ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ لُوَيٌّ؛ قَالَ الأَزهري: قَالَ ذَلِكَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ.
يُقَالُ: لَوَى عَلَيْهِ الأَمْرَ إِذا عَوَّصَه.
وَيُقَالُ: لَوَّأَ اللَّهُ بِكَ، بِالْهَمْزِ، تَلْوِيَةً أَي شوَّه بِهِ.
وَيُقَالُ: هَذِهِ وَاللَّهِ الشَّوْهةُ واللَّوْأَةُ، وَيُقَالُ اللَّوَّةُ، بِغَيْرِ هَمْزٍ.
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الشَّدِيدِ: مَا يُلْوَى ظَهرُه أَي لَا يَصْرَعُه أَحد.
والمَلاوي: الثَّنايا الْمُلْتَوِيَةُ الَّتِي لَا تَسْتَقِيمُ.
واللُّوَّةُ: الْعُودُ الَّذِي يُتبخَّر بِهِ، لُغَةٌ فِي الأَلُوَّة، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ كاللِّيَّة.
وَفِي صِفَةِ أَهل الْجَنَّةِ: " مَجامِرُهم الأَلُوَّةُ أَي بَخُورهم العُود، وَهُوَ اسْمٌ لَهُ مُرْتَجل، وَقِيلَ: هُوَ ضَرْبٌ مِنَ خِيَارِ الْعُودِ وأَجوده، وَتُفْتَحُ هَمْزَتُهُ وَتُضَمُّ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَصليتها وَزِيَادَتِهَا.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: « أَنه كَانَ يَسْتَجْمِرُ بالأَلُوَّة غيرَ مُطَرَّاة».
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: « مَن حافَ فِي وَصِيَّته أُلْقِيَ فِي اللَّوَى »؛ قِيلَ: إِنه وادٍ فِي جَهَنَّمَ، نَعُوذُ بِعَفْوِ اللَّهِ مِنْهَا.
ابْنُ الأَعرابي: اللَّوَّة السّوْأَة، تَقُولُ: لَوَّةً لِفُلَانٍ بِمَا صَنَعَ أَي سَوْأَةً.
قَالَ: والتَّوَّةُ السَّاعَةُ مِنَ الزَّمَانِ، والحَوَّة كَلِمَةُ الْحَقِّ، وَقَالَ: اللَّيُّ واللَّوُّ الْبَاطِلُ والحَوُّ والحَيُّ الْحَقُّ.
يُقَالُ: فُلَانٌ لَا يَعْرِفُ الحَوَّ مِنَ اللَّوِّ أَي لَا يَعْرِفُ الكلامَ البَيِّنَ مِنَ الخَفِيّ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ.
واللَّوْلاء: الشدَّة وَالضُّرُّ كاللأْواء.
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: « إيَّاك واللَّوَّ فإِن اللَّوّ مِنَ الشَّيْطَانِ »؛ يُرِيدُ قَوْلَ الْمُتَنَدِّمِ عَلَى الْفَائِتِ لَوْ كَانَ كَذَا لَقُلْتَ وَلَفَعَلْتَ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي لَا مِنْ حَرْفِ الأَلف الْخَفِيفَةِ.
واللّاتُ: صَنَمٌ لثَقِيف كَانُوا يَعْبُدُونَهُ، هِيَ عِنْدَ أَبي عَلِيٍّ فَعَلة مِنْ لَوَيْت عَلَيْهِ أَي عَطَفْت وأَقَمْت، يَدُلك عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ}؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَما الإِضافة إِلى لَاتَ مِنَ اللَّاتِ والعُزّى فإِنك تَمُدّها كَمَا تَمُدُّ لَا إِذا كَانَتِ اسْمًا، وَكَمَا تُثَقِّل لَوْ وَكَيْ إِذا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْمًا، فَهَذِهِ الْحُرُوفُ وأَشباهها الَّتِي لَيْسَ لَهَا دَلِيلٌ بِتَحْقِيرٍ وَلَا جَمْعٍ وَلَا فِعْلٍ وَلَا تَثْنِيَةٍ إِنما يُجْعَلُ مَا ذَهَبَ مِنْهُ مِثْلَ مَا هُوَ فِيهِ وَيُضَاعَفُ، فَالْحَرْفُ الأَوسط سَاكِنٌ عَلَى ذَلِكَ يُبْنَى إِلا أَن يُسْتَدَلَّ عَلَى حَرَكَتِهِ بِشَيْءٍ، قَالَ: وَصَارَ الإِسكان أَولى لأَن الْحَرَكَةَ زَائِدَةٌ فَلَمْ يَكُونُوا لِيُحَرِّكُوا إِلا بثبَت، كَمَا أَنهم لَمْ يَكُونُوا لِيَجْعَلُوا الذَّاهِبَ مِنْ لَوْ غَيْرَ الْوَاوِ إِلا بثَبَت، فجَرَت هَذِهِ الْحُرُوفُ عَلَى فَعْل أَو فُعْل أَو فِعْل؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: انْتَهَى كَلَامُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ أَما اللَّاتُ والعُزَّى فَقَدْ قَالَ أَبو الْحَسَنِ إِن اللَّامَ فِيهَا زَائِدَةٌ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِهِ أَن اللَّاتَ والعُزّى عَلَمان بِمَنْزِلَةِ يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْرٍ ومَناةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسماء الأَصنام، فهذه كلهاأَعلام وَغَيْرُ مُحْتَاجَةٍ فِي تَعْرِيفِهَا إِلى الأَلف وَاللَّامِ، وليست من باب الحَرِث والعَبَّاس وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي تَغْلِبُ غَلبَة الأَسماء، فَصَارَتْ أَعلامًا وأُقِرَّت فِيهَا لَامُ التَّعْرِيفِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ تَنَسُّم رَوَائِحِ الصِّفَةِ فِيهَا فيُحْمل عَلَى ذَلِكَ، فَوَجَبَ أَن تَكُونَ اللَّامُ فِيهَا زَائِدَةً، ويؤكِّدُ زِيَادَتَهَا فِيهَا لزومُها إِياها كَلُزُومِ لَامِ الَّذِي وَالْآنَ وَبَابِهِ، فإِن قُلْتَ فَقَدْ حَكَى أَبو زَيْدٍ لَقِيتُه فَيْنَة والفَيْنةَ وإِلاهةَ والإِلاهةَ، وَلَيْسَتْ فَيْنةُ وإِلاهةُ بِصِفَتَيْنِ فَيَجُوزُ تَعْرِيفُهُمَا وَفِيهِمَا اللَّامُ كالعَبَّاس والحَرِث؟ فَالْجَوَابُ أَن فَيْنةَ والفَيْنةَ وإِلاهةَ والإِلاهةَ مِمَّا اعْتَقَبَ عَلَيْهِ تَعْرِيفَانِ: أَحدهما بالأَلف وَاللَّامِ، وَالْآخَرُ بِالْوَضْعِ وَالْغَلَبَةِ، وَلَمْ نَسْمَعْهُمْ يَقُولُونَ لاتَ وَلَا عُزَّى، بِغَيْرِ لَامٍ، فدَلَّ لزومُ اللَّامِ عَلَى زِيَادَتِهَا، وأَنَّ مَا هِيَ فِيهِ مِمَّا اعْتَقَبَ عَلَيْهِ تَعْرِيفَانِ؛ وأَنشد أَبو عَلِيٍّ:
أَمَا ودِماءٍ لَا تَزالُ، كأَنها ***عَلَى قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ عَنْدَما
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا أَنشده أَبو عَلِيٍّ بِنَصْبِ عَنْدَما، وَهُوَ كَمَا قَالَ لأَن نَسْرًا بِمَنْزِلَةِ عَمْرٍو، وَقِيلَ: أَصلها لاهةٌ سُمِّيَتْ بِاللَّاهَةِ الَّتِي هِيَ الحَية.
ولاوَى: اسْمُ رَجُلٍ عَجَمِيٌّ، قِيلَ: هُوَ مِنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ، عَلَيْهِ السلام، وموسى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ سِبْطه.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
45-مجمل اللغة (عين)
عين: العين: عين الإنسان وكل ذي بصر، وهي مؤنثة، والجمع أعين وعيون.وعنت الرجل، أصبته بعيني، وهو معين ومعيون، والفاعل عائن.
ورأيت هذا الشيء عيانا وعينة.
ولقيته عين عنة، أي: عيانا.
وفعل ذلك عمد عين، إذا تعمده.
وهذا عبد عين، أي: يخدمك ما دمت تراه، فإذا غبت فلا.
والعين: المتجسس للخبر.
ولقيته (أدنى عائنة) وأول عائنة، أي: قبل كل شيء.
وبلد قليل العين، أي: قليل الناس، وما بها عين متحركة الياء.
وعائنة بني فلان، أموالهم ورعيانهم.
واذهب
فاعتن لنا منزلا، أي: ارتده.
والعين للماء.
والعين: سحابة تقبل من ناحية القبلة.
والعين: مطر يدوم خمسا أو ستًا لا يقلع.
والعين: للشمس.
والماء المعين: الظاهر للعيون.
وعاين، أي: سائل.
والعين: الثقب في المزادة.
أنشدنا القطان عن ثعلب:
قالت سليمى قولة لريدها
ما لابن عمي صادرا عن شيدها
بذات لوث عينها في جيدها
وسقاء عين ومتعين.
ويقال إن قول القائل:
ما بال عيني كالشعيب العين
أريد به هذا.
ويقال: عين قربتك، أي: صب فيها الماء حتى تسند آثار الخرز.
والعينة: السلف.
والعين: البقر؛ سميت بذلك لسعة عيونها.
ويقال: ثور أعين، وقد أنكر قوم ذلك، فقالوا: لا يقال إلا للبقرة، وقد جاء في الشعر ثور أعين ومعين.
وأعيان القوم: أشرافهم.
والأعيان: الإخوة بنو أب وأم.
وهذا درهمك بعينه.
ويقال: إن أولاد الرجل من الحرائر: بنو أعيان.
والثوب المعين معروف.
وهذا ثوب عينة، إذا كان حسنا في مرآة العين.
وعينة كل شيء: خياره.
وعينت اللؤلؤة: ثقبتها.
وابنا عيان: قدحان معروفان بالفوز.
والعين: المال الناض.
ونفس الشيء: عينه.
والعين: الميل في الميزان.
وعينت فلانا، إذا أخبرته بمساوئه في وجهه.
وعيون البقر: جنس من العنب يكون بالشام.
وجاء فلان في عين، أي: جماعة.
قال الراجز:
إذا رآني واحدا أو في عين
يعرفني أطرق إطراق الطحن
ورأس عين: بلدة.
وعين الركية: النقرة التي (تكون) فيها.
وأسود العين جبل.
قال:
إذا زال عنكم أسود العين كنتم
كراما وأنتم ما أقام ألائم
مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
46-صحاح العربية (جمهر)
[جمهر] قال الاصمعي: الجمهور: الرملة المشرفة علىما حولها، وهى المجتمعة.
وفي حديث موسى بن طلحة أنَّه شهد دَفْنَ رجلٍ فقال: " جمهروا قبره جمهرة "، أي اجمعوا عليه التُرابَ، ولا تطيِّنوه.
والجمهور من الناس: جُلَّهم.
وجَمهرت عليه الخبَرَ، إذا أخبرتَه بطرَفٍ وكتمت الذى تريد.
صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
47-صحاح العربية (شقر)
[شقر] الشُقْرَةُ: لون الأَشْقَرِ، وهي في الإنسان حُمْرَةٌ صافية وبَشَرَتُهُ مائلة إلى البياض.وفي الخيل حمرةٌ صافية يحمرُّ معها العُرْفُ والذَنَبُ.
فإن اسودَّا فهو الكُمَيْتُ.
وبعيرٌ أَشْقَرُ، أي شديد الحمرة.
والشقراء: اسم فرس رمحت ابنها فقتلته.
قال بشر بن أبي خازم الاسدي يهجو عتبة ابن جعفر بن كلاب، وكان عتبة قد أجار رجلا من بنى أسد فقتله رجل من بنى كلاب فلم يمنعه: فأصبحت كالشقراء لم يعد شرها *** سنابك رجليها وعرضك أوفر -
والشَقِرُ بكسر القاف: شقائق النعمان، الواحدة شَقِرَةٌ.
قال طرفة: وتَساقى القَوْمُ كَأْسًا مُرَّةً *** وعلى الخيلِ دِماءٌ كالشَقِرْ - ويروى: " وعَلا الخَيْلَ ".
وشقرة أيضا: قبيلة من بنى ضبة، فإذا نسبت إليهم فتحت القاف، قلت: شقرى.
والاشاقر: حى من اليمن.
والمشقر بفتح القاف مشددة: حصن بالبحرين قديم.
قال لبيد يصف بنات الدهر: وأنزلن بالرومي من رأس حصنه *** وأنزلن بالاسباب رب المشقر - والشُقورُ: الحاجةُ.
يقال: أخبرته بشُقوري، كما يقال: أفضيت إليه بعُجَري وبجرى.
وكان الاصمعي يقول بفتح الشين.
وقال أبو عبيد: الاول أصح، لان الشقور بالضم بمعنى الامور اللاصقة بالقلب المهمة له، الواحد شقر.
والشقور بالفتح، بمعنى النعت.
وأنشد للعجاج: جارى لا تستنكرى عذيري
سيرى وإشفاقى على بعيرى *** وكثرة الحديث عن شقورى *** مع الجلاء ولائح القتير *** والشقارى بالضم وتشديد القاف: نبت.
صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
48-صحاح العربية (عشا)
[عشا] العَشِيُّ والعَشِيَّةُ: من صلاة المغرب إلى العَتَمة.تقول: أتيته عَشِيّ أمس وعَشِيَّةَ أمس.
وتصغير العَشِيِّ عُشَيَّانٌ على غير قياس مكبره، كأنهم صغروا عشيانا، والجمع عشيانات.
وقيل أيضا في تصغيره عشيشيانا، والجمع عشيشيانات.
وتصغير العشية عشيشية، والجمع عشيشيات.
والعشاء، بالكسر والمد، مثل العَشِيِّ.
والعِشاءان: المغربُ والعتمةُ.
وزعم قوم أنَّ العِشاءَ من زوال الشمس إلى طلوع الفجر، وأنشدوا: غَدَوْنا غدوةً سَحَرًا بليل *** عشاء بعدما انتصف النهار
والعشاء بالفتح والمد: الطعام بعينه، وهو خلاف الغداء.
والعَشا مقصورٌ: مصدر الأعْشى، وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار، والمرأة عَشْواء وامرأتان عَشْواوانِ.
وأعشاه فعشى بالكسر يعشى عشا، وهما يعشيان ولم يقولوا يعشوان ; لان الواو لما صارت في الواحد ياء لكسرة ما قبلها تركت في التثنية على حالها.
وتعاشى، إذا أرى من نفسه أنَّه أعْشى.
والنسبة إلى أعشى أعْشَوِيٌّ، وإلى العشيّة عَشَوِيٌّ.
والعَشْواء: الناقة التي لا تبصر أمامَها فهي تخبط بيديها كل شئ.
وركب فلانٌ العَشْواءَ، إذا خبط أمره على غير بصيرة.
وفلانٌ خابطٌ خَبْطَ عَشْواءَ.
ابن السكيت: عَشِيَتِ الإبل تَعْشى عَشًا، إذا تَعَشَّتْ، فهي عاشِيَةٌ وهذا عِشْيُها.
وفي المثل: " العاشِيَةُ تَهيجُ الآبِيَة " أي إذا رأت التي تأبى العَشاءَ التي تَتَعَشَّى تبعتها فَتَعَشَّت معها.
وانشد: ترى المصك يطرد العواشيا *** جلتها والاخر الحواشيا
والعَواشي هي التي ترعى ليلًا.
وقال أبو النجم:
يَعْشى إذا أظلم عن عشائه *** يقول: يتعشى في وقت الظلمة.
والعَشْوَةُ: أن تركب أمرًا على غير بياتٍ ; يقال: أوطَأتَني عُشْوَةً وعَشْوَةً، أي أمرًا ملتبسًا، وذلك إذا أخبرته بما أوقعته به في حيرة أو بليَّةٍ.
وعَشَوْتُ، أي تَعَشَّيْتُ.
ورجلٌ عَشْيانٌ، وهو المُتَعَشِّي.
أبو زيد: مضى من الليل عَشْوَةٌ بالفتح، وهو ما بين أوّله إلى ربعه.
يقال: أخذت عليهم بالعَشْوَةِ، أي بالسواد من الليل.
والعُشْوَةُ بالضم: الشُعلة من النار.
وقال:
كعُشْوَةِ القابِسِ تَرْمي بالشَرَرْ *** وَعَشوتُهُ: قصدتُه ليلًا.
هذا هو الأصل، ثمَّ صار كلُّ قاصد عاشِيًا.
وعَشَوْتُ إلى النار أعْشو إليها عَشْوًا، إذا استدللت عليها ببصر ضعيف.
قال الحطيئة:
متى تأته تَعْشو إلى ضوء ناره *** تجِدْ خير نارٍ عندها خيرُ موقِدِ والمعنى: متى تأته عاشيا.
وهو مرفوع بين مجزومين، لان الفعل المستقبل إذا وقع موقع الحال يرتفع، كقولك: إن تأت زيدا تكرمه يأتك.
جزمت تأت بإن، وجزمت يأتك بالجواب، ورفعت تركمه بينهما وجعلته حالا.
وإذا صدرت منه إلى غيره قلت: عَشَوْتُ عنه.
ومنه قوله تعالى: (ومن يَعْشُ عن ذكر الرحمن نُقَيِّضْ له شيطانًا).
وعَشَوْتُهُ فتعشى أي أطعمثه عشاء.
وقال يصف فرسا: كان ابن أسماء يعشوه يصبحه *** من هجمة كفسيل النخل درار وكذلك عشيته تعشية.
يقال: عَشِّ إبلك ولا تغتر.
وعَشَّيْتُ عنه أيضًا: رفقت به، مثل ضحّيت عنه.
وإذا قيل لك: تعش قلت: مابى من تعش، ولا تقل: مابى عشاء.
صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
49-منتخب الصحاح (جمهر)
قال الأصمعيّ: الجثمْهورُ: الرملة المشرفة على ما حولها، وهي المجتمعة.وفي حديث موسى بن طلحة أنَّه شهد دَفْنَ رجلٍ فقال: جَمْهِر واقبره جَمْهَرَةً، أي اجمعوا عليه التُرابَ ولا تطيِّنوه.
والجمهور من الناس: جُلَّهم.
وجَمهرت عليه الخبَرَ، إذا أخبرتَه بطرَفٍ وكتمت الذي تريد.
منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
50-منتخب الصحاح (شقر)
الشُقْرَةُ: لون الأَشْقَرِ، وهي في الإنسان حُمْرَةٌ صافية وبَشَرَتُهُ مائلة إلى البياض.وفي الخيل حمرةٌ صافية يحمرُّ معها العُرْفُ والذَنَبُ.
فإن اسودَّا فهو الكُمَيْتُ.
وبعيرٌ أَشْقَرُ، أي شديد الحمرة.
والشَقِرُ بكسر القاف: شقائق النعمان، الواحدة شَقِرَةٌ.
قال طرفة:
وتَساقى القَوْمُ كَأْسًا مُرَّةً *** وعلى الخيلِ دِماءٌ كالشَقِرْ
ويروى: وعَلا الخَيْلَ.
والشُقورُ: الحاجةُ.
يقال: أخبرته بشُقوري، كما يقال: أفضيت إليه بعُجَري وبُجَري.
وكان الأصمعي يقوله بفتح الشين.
منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
51-منتخب الصحاح (عشا)
العَشِيُّ والعَشِيَّةُ: من صلاة المغرب إلى العَتَمة.تقول: أتيته عَشِيّ أمس وعَشِيَّةَ أمس.
وتصغير العَشِيِّ عُشَيَّانٌ على غير قياس مكبَّرِه، والجمع عُشَيَّاناتٌ.
والعِشاءُ، بالكسر والمد، مثل العَشِيِّ.
والعِشاءان: المغربُ والعتمةُ.
وزعم قوم أنَّ العِشاءَ من زوال الشمس إلى طلوع الفجر، وأنشدوا:
غَدَوْنا غدوةً سَحَرًا بليلٍ *** عِشاءً بعد ما انتصف النَهارُ
والعَشاءُ بالفتح والمد: الطعام بعينه، وهو خلاف الغداء.
والعَشا مقصورٌ: مصدر الأعْشى، وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار، والمرأة عَشْواء وامرأتان عَشْواوانِ.
وأعشاه فعَشِيَ بالكسر يَعْشى عَشًا.
وتَعاشى، إذا أرى من نفسه أنَّه أعْشى.
والنسبة إلى أعشى أعْشَوِيٌّ، وإلى العشيّة عَشَوِيٌّ.
والعَشْواء: الناقة التي لا تبصر أمامَها فهي تخبِط بيديها كلَّ شيء.
وركبَ فلانٌ العَشْواءَ، إذا خبط أمره على غير بصيرة.
وفلانٌ خابطٌ خَبْطَ عَشْواءَ.
ابن السكيت: عَشِيَتِ الإبل تَعْشى عَشًا، إذا تَعَشَّتْ، فهي عاشِيَةٌ وهذا عِشْيُها.
وفي المثل: العاشِيَةُ تَهيجُ الآبِيَة، أي إذا رأت التي تأبى العَشاءَ التي تَتَعَشَّى تبعتها فَتَعَشَّت معها.
والعَواشي هي التي ترعى ليلًا.
وقال أبو النجم:
يَعْشى إذا أظلم من عَشائِهِ
يقول: يَتَعَشَّى في وقت الظلمة.
والعَشْوَةُ: أن تركب أمرًا على غير بياتٍ؛ يقال: أوطَأتَني عُشْوَةً وعَشْوَةً، أي أمرًا ملتبسًا، وذلك إذا أخبرته بما أوقعته في حيرةٍ أو بليَّةٍ.
وعَشَوْتُ، أي تَعَشَّيْتُ.
ورجلٌ عَشْيانٌ، وهو المُتَعَشِّي.
أبو زيد: مضى من الليل عَشْوَةٌ بالفتح، وهو ما بين أوّله إلى ربعه.
يقال: أخذت عليهم بالعَشْوَةِ، أي بالسواد من الليل.
والعُشْوَةُ بالضم: الشُعلة من النار.
وقال:
كعُشْوَةِ القابِسِ تَرْمي بالشَرَرْ
وَعَشوتُهُ: قصدتُه ليلًا.
هذا هو الأصل.
ثمَّ صار كلُّ قاصد عاشِيًا.
وعَشَوْتُ إلى النار أعْشو إليها عَشْوًا، إذا استدللت عليها ببصر ضعيف.
قال الحطيئة:
متى تَأتِهِ تَعْشو إلى ضوء ناره *** تجِدْ خير نارٍ عندها خيرُ موقِدِ
وإذا صدرت عنه إلى غيره قلت: عَشَوْتُ عنه.
ومنه قوله تعالى: ومن يَعْشُ عن ذكر الرحمن نُقَيِّضْ له شيطانًا.
وعَشَوْتُهُ فَتَعَشَّى أي أطعمته عَشاء.
وكذلك عَشَّيْتُهُ تَعْشِيَةً.
يقال:
عَشِّ إبلك ولا تغتر.
وعَشَّيْتُ عنه أيضًا: رفقت به، مثل ضحّيت عنه.
وإذا قيل لك: تَعَشَّ قلت: ما بي من تَعَشٍّ، ولا تقل: ما بي عشاء.
منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
52-المحيط في اللغة (عين)
العَيْنُ: الناظِرَةُ، والجَميعُ: العُيُوْنُ والأعْيَانُ والأعْيُنُ والأعْيُنات.والفَوّارَةُ تفور من غير عَمَل.
والسَّحَابَةُ تَنْشَأُ من يَمين القِبْلَة.
ونُقْرَةُ الرُّكْبَةِ.
والمالُ الحاضِرُ، يُقال: هُوَ عَيْنٌ غيرُ دَيْنٍ، وصَيْخَدُ الشَّمْس.
والشَّمْسُ نَفْسُها، يُقال: طَلَعَتِ العَيْنُ: والدِّيْنارُ.
ومَصْدَرُ عِنْتُه: إِذا أصَبْتَه بالعَيْن.
والجاسُوْسُ، ويُسَمّى ذا العَيْنَيْنِ أيضًا.
والمَيْلُ في الميزان.
ولُّبُّ الشَّيْءِ وخِيَارُه.
ونَفْسُ الشَّيْءِ، ومنه: (لا أتْبَعُ أثَرًا بَعْد عَيْنٍ).
والعَيَنُ - بفَتْح الياء وسُكونها -: الجَماعَةُ من النّاس.
وما بها عَيَنٌ وعَيْنٌ وعائنَةٌ: أي أحَدٌ.
ولَقِيْتُه أدنى عَيَنٍ وأدنى عائنَةٍ وأدنى عَيْنٍ: أي قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ.
وبَعَثْنا عَيْنًا يَعْتانُ لنا وَيَتَعَيَّنُ: أي يأْتِيْنا بالخَبَر.
واعْتَانَ لنا مَنْزِلًا: ارْتادَه.
واعْتَانَ: تَبَصَّرَ هل يَرى أحَدًا.
وعانَ عليهم يعِيْنُ عِيَانَةً: كان عَيْنًا.
ونَظَرَتِ البلادُ بِعَيْنٍ أو بِعَيْنَيْنِ: طَلَعَ نَباتُها.
وعانَتِ العَيْنُ عَيْنًا: جَرَتْ.
وسالَتْ أيضًا، ومنه العَيِّنُ: الشَّديدُ البُكاء، وهو فَيْعِلٌ.
وسِقَاءٌ عَيِّنٌ - بكَسْر الياء وفَتْحِها -: وهو الجَدِيدُ في لُغَةِ طَيِّءٍ، والحَلَقُ في لُغَةِ غيرِهم.
وليس في المُعْتَلِّ فَيْعَلٌ - بالفَتْح - غير هذا.
وَتَعَيَّنَ: وَهَتْ مَخَارِزُه.
وقِرْبَةٌ عَيْناءُ: تَهَيَّأَتْ للخَرْق.
وعَيَّنْتُها: تَتَبَّعْتَ ما تَعَيَّنَ فَدُهِنَتْ وشُحِمَت.
وحَفَرْتُ البئْرَ حتّى عِنْتُ عَيْنًا وأعْيَنْتُ: بَلَغْتَ العَيْنَ.
وهو الرَّجُلُ عَيْنُ الرَّجُلِ وعَيْنَه - بالفَتْح - ولا يُثَنّى ولا يُجْمَعُ.
وهو أخُوْ عَيْنٍ وصَدِيْقُ عَيْنٍ وعَبْدُ عَيْنٍ: أي إِذا غابُوا تَغَيَّرُوْا.
وأَعْيَانُ القَوْم: أشْرَافُهُم.
وأوْلاَدُ الرَّجُلِ من الحَرائِر: بَنُو أعْيانٍ، وهم أعْيَانٌ.
وتقول للأخْوَةِ من أبٍ وأُمٍّ ولهم أخْوَةٌ من أُمَّهاتٍ شَتّى: هؤلاءِ أعْيَانُ إخْوَتِهم.
وأسْوَدُ العَيْنِ: جَبَلٌ.
ويقولونَ للمَبْعُوثِ في أمرٍ إِذا اسْتُعْجِلَ: (بعَيْنٍ ما أرَيَنَّكَ).
والعَيَنُ: طائرٌ.
وعِظَمُ سَوادِ العَيْنِ في سَعَةٍ، يُقال: ثَوْرٌ أعْيَنُ بَيِّنُ العِيْنَة والعَيَن، قال ذو الرُّمَّة: رَفْيقُ أعْيَنُ ذَيّالٌ.
وزَعَمَ الخَليلُ أنَّهم لا يقولونَ إلاّ: بَقَرَةٌ عَيْناءُ، والأعْيَنُ يُسْتَعْمَلُ في غيرِ البَقَرَة.
وقال أيضًا: الأعْيَنُ اسْمٌ للثَّوْرِ وليس بصِفَةٍ.
وهو مِعْيانٌ وعَيُوْنٌ: شَديدُ العَيْن.
وقَوْمٌ عِيْنٌ وعُيُنٌ.
والعِيْنَةُ: اسْمٌ من عانَهُ بالعَيْن.
وخِيَارُ المال، والجَميعُ: عِيَنٌ، واعْتَانَ: اخْتَارَ.
والشَّرُّ.
والفَسَادُ.
والسَّلَفُ، وكأنَّه من عَيْنِ الميزانِ وهو زِيادَتُه، واعْتَانَ وتَعَيَّنَ: أخَذَ عِيْنَةً.
وعَيَّنَ الحَرْبَ واعْتَانَها: ارَّثَها.
وعَيَّنَ الشَّجَرُ: نَضَرَ ونَوَّرَ.
وعَيَّنْتُه: أخْبَرْتَه بمَساوئ أعْمالِه في وَجْهِه.
وما عَيَّنَ لي بِشَيْءٍ: أي لم يَدُلَّني على شيْءٍ ولم يُبَيِّن.
وما أعْطاني شَيْئًا أيضًا.
وعَيْناءُ ثَبِيرٍ: شَجْرَاءُ في رأسِه.
وكُلُّ عَيْنَاءَ فهيَ خَضْرَاء.
وقافِيَةٌ عَيْنَاءُ: نَافِذَةٌ، وقَوَافٍ عِيْنٌ.
والعَيْنَاءُ من الضَّأْنِ: البَيْضَاءُ وعَيْناها في سَوَادٍ.
وأمّا قَوْلُهم: ابْنَا عِيَان أسْرَعا البَيَان، فَخَطَّانِ في الأرْض يُزْجَرُ بهما الطًّيْرُ.
وإذا عُلِمَ أنَّ القامِرَ يَفُوْزُ قِدْحُه قيل: جَرى ابْنا عِيَان.
وفي مَثَلٍ يُضْرَبُ عند اليأْس من كلِّ شَيْءٍ: (لا حَسَاسَ من ابْنَيْ عِيَانٍ).
والعِيَانُ: حَلْقَةُ الفَدّانِ، وقيل: ما يُقْرَنُ به الخَشَبَةُ الطَّويلةُ من الفَدّانِ إلى المَكْرَب.
والمُعَيَّنُ: المُلَوَّنُ من الجَرَاد.
وثَوْبٌ مُعَيَّنٌ: يُرى في وَشْيه تَرَابِيْعُ صِغَارٌ.
فأمّا المَثَل: (هَيْنٌ لَيْنٌ وَأَوْدَتِ العَيْنُ) فَيُضْرَبُ لِمَا يَذْهَبُ حُسْنُه.
وفي الحَديث: (عَيْنٌ سَاهِرَةٌ لِعَيْنٍ نائمة) أي عَيْنُ ماءٍ لا يَنْقَطِعُ، ويَعْني بالنائمة عَيْنَ صاحبها، أي هو يَنامُ وتلك تَجْري.
والماءُ المَعِيْنُ: الظّاهِرُ.
وهو مَعِيْنٌ ومَعْيُوْنٌ: أي تأخُذُه العَيْنُ لِبَراعَتِه.
المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م
53-المحيط في اللغة (جمهر)
وجمهرت الخبر جمهرة أخبرته بطرف منه.المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م
54-المحيط في اللغة (خبر)
الخَبَرُ: ما أتاكَ من نَبَأٍ، أخْبَرْتُه وخَبرْتُه، والجميع الأخْبَار.ورَجُلٌ خَبِرٌ: كريم الخَبرِ.
وهو يَتَخَيرُ الأخْبَارَ.
والخَبِيرُ: العالِمُ بالأمر.
والخُبْرَةُ: مَخْبَرَةُ الإِنسان إذا خُبِرَ أي جُرِّبَ.
والخِبْرَةُ: الاخْتِبار.
والخابِر: المُخْتَبِرُ المُجَرِّبُ.
وخَبِرْتُه أخْبَرُه: أي عَلِمْته.
والخَبَارُ: أرْضٌ رِخْوَةٌ، واحِدُها خَبَارَةٌ.
والخَبَارُ: ما اجْتَمَع من التُراب في أصل الشَجَرَة.
والخَبْرَاءُ: شَجَرٌ في بَطْن رَوْضَةٍ فيها يَنْبُت الخَبْرُ وهو شَجَرُ السِّدْرِ والأراك.
وتُسَمّى الخَبْرَةَ أيضًَا.
والخَبْر: من مَناقِع الماء في رؤوس الجِبال.
والخِبْرُ والمُخَابَرَةُ: أنْ يَزْرَعَ على النِّصْف أو الثُّلُث ونحوه.
والأكارُ خَبِيرٌ.
والمخَابَرَةُ: المُؤاكَرَةُ.
وناقَةٌ خَبْر: غَزِيرةٌ، وكذلك الخَبْرَاء، تقول: أخْبَرْتُ لِقْحَةَ فلانٍ: أي وَجَدْتَها خَبْرَاءَ.
والخُبْرَةُ: الطعام.
والخَبْرُ: المَزَادةُ، وجَمْعُها خُبُوْز.
والخُبْرَةُ: السًّفْرَةُ.
والخُبُوْرُ: الزّادُ من الطعام.
والخُبْرَةُ: النَّصِيْبُ.
والقِسْمَةُ أيضًا.
والخِبْرَةُ: اللَحْمُ يَشْتَرِيه الرجُلُ لأهْلِه، وجَمْعُها خِبَرٌ.
واجتمعوا على خِبْرَتِه: أي طعامِه.
واخْبُرْ طعامَكَ: أي دَسمْه.
والخَبِيْرَةُ: الشاة تُشْتَرى بَيْنَ جَماعةٍ فَتُذْبَح.
والصُّوف الجيِّد من أوَّل الجَزِّ.
وتُجْمَع خَبَائرَ.
وكذلك الوَبَرُ.
والزَّبَدُ.
وجِحَرَةُ الفارِ: مَخابِرُ.
والمَخْبَرَةً: المَخْرُؤة.
والخَيْبَرِيُ: الحَيةُ السَّوْداء.
ويقولون: حُمّى خَيْبَرى فإنَها خَيْسَرى.
المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م
55-تهذيب اللغة (عجر)
عجر: روي عن علي رضياللهعنه أنه طاف ليلةَ وقعةِ الجمل على القتلى مع مولاه قَنْبَر، فوقَف على طلحة بن عبيد الله وهو صريع، فبكى ثم قال: «عَزَّ عليَّ، أبا محمد أن أراك معفَّرًا تحت نجوم السَّماء! إلى الله أشكو عُجَري وبُجَرِي».قال أبو العباس محمد بن يزيد: معناه إلى الله أشكو همومي وأحزاني التي أُسِرُّها.
وأخبرني المنذري عن الكُدَيمي قال: سألت الأصمعيّ قلت: يا أبا سعيد، ما عُجَري وبُجري؟ فقال: غمومي وأحزاني.
وقال أبو عبيد: يقال أفضيتُ إليه بعُجَرى وبُجَري، أي أطلعْتُه من ثقتي به على معايبي.
قال: وأصل العُجَر العُروقُ المتعقِّدة في الجسد.
والبُجَر العروق المتعقّدة في البطن خاصّة.
وقال أبو حاتم: قال الأصمعي في قولهم: حدَّثته بعُجَري وبُجَري، فالعُجْرَةُ: الشيء يجتمع في الجسد كالسِّلْعة، والبُجْرةُ نحوها.
فيراد أخبرتُه بكلّ شيء عندي لم أستُرْ عنه شيئًا من أمري.
وقال الأصمعي: عَجَر الفرسُ يعجرُ، إذا مدَّ ذنبَه يعدو.
وقال أبو زُبَيد:
مِن بينِ مُودٍ بالبسيطة يعجُر
أي: هالكٍ قد مدَّ ذنبه.
وقال أبو عبيد: فرسٌ عاجر، وهو الذي يعجُر برجليه كقُماص الحمار.
والمصدر العَجَران.
وأما قول تميم بن أبيّ بن مقبل:
جُردٌ عواجرُ بالألبادِ واللُّحُمِ
فإنه يقول: عليها ألبادها ولحمها، يصفها بالسِّمَن، وهي رافعةٌ أذنابَها من نشاطها.
ورواه شمر:
أما الأداة ففينا ضُمَّر صُنُعٌ *** جُردٌ عواجر بالألباد واللجُمِ
بالجيم.
قال: ويقال الخيل عواجر بلُجمها وألبادها، إذا عَدَتْ وعليها سُروجُها وألبادُها وأداتُها.
ورواه أبو الهيثم بالحاء.
قال شمر: ويقال عَجَر الريقُ على أنيابه، إذا عَصَب به ولزِق، كما يَعجِر الرجلُ بثوبه على رأسه.
وقال مزرِّد بن ضرار أخو الشماخ:
إذ لا يزال نائسًا لعابُه *** بالطَّلَوَان عاجزًا أنيابُه
قال: وقال الأصمعيّ: عَجَر الفرسُ يَعجِر عجرًا، إذا مرّ مرًّا سريعًا.
وعَجَر عجرًا، إذا مدّ ذنبَه.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَجَر: القُوّة مع عِظَم الجسَد.
قال: والعَجير بالراء غير معجمة، والقَحول، والحَرِيك، والضعيف، والحصُور: العِنِّين.
سلمة عن الفراء قال: الأعجر: الأحدب، وهو الأفزر، والأفرص، والأفرس، والأدنُّ، والأثبج قال: والعجّار الذي يأكل العجاجير، وهي كُتَل العجين تُلقى على النار ثم تؤكل.
والعَجَّار: الصِّرِّيع الذي لا يُطاق جَنْبُهُ في الصِّراع المُشَغزِبُ لصَرِيعه.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: إذا قُطع العجيم كُتَلًا على الخوان قبل أن يُبسَط فهو المُشنَّق والعجاجير.
سلمة عن الفراء قال: العَجْر: ليُّكَ عُنقَ الرجل.
وفي «نوادر الأعراب»: عجر عنقَه إلى كذا وكذا يَعجِره، إذا كان على وجهٍ فأرادَ أن يرجعَ عنه إلى شيءٍ خلفَه وهو يُنهى عنه، أو أمرته بالشيء فعَجر عنقَه ولم يرد أن يذهب إليه لأمرك.
وقال أبو سعيد في قول الشاعر:
فلو كنتَ سيفًا كان أَثْرك عُجرة *** وكنَت دَدانًا لا يؤيِّسه الصَّقْلُ
يقول: لو كنت سيفًا كنت كَهامًا بمنزلة عُجْرة التِّكَّة لا تقطع شيئًا.
وقال شمر: يقال عَجَرتُ عليه، وحَظَرت عليه، وحَجَرتُ عليه، بمعنًى واحد.
وقال الفراء: جاء فلان بالعُجَر والبُجَر، أي جاء بالكذب.
وقال أبو سعيد: هو الأمر العظيم.
وجاء بالعَجَارِيّ والبَجاريّ، وهي الدَّواهي.
وقال أبو عبيدة: عَجَره بالعصا وبَجره، إذا ضرَبه بها فانتفخَ موضعُ الضَّرب منه.
والعَجاريُ: رؤوس العِظام.
وقال رؤبة:
ومن عَجَاريهنَ كلَّ جنجنِ
فخفّف ياء العجاريّ وهو مشدّد وقال أبو عبيد: العَجِير: الذي لا يأتي النساء.
وقال شمر: يقال عَجِير وعِجِّير.
وقال غيره: المِعجَر والعِجار: ثوبٌ تلفُّه المرأة على استدارة رأسها ثم تجلبِب فوقه بجلبابها.
وجمع المِعجر المعاجر.
قال شمر: ومنه أُخِذ الاعتجار، وهو ليُّ الثوب على الرأس من غير إدارةٍ تحت الحنَك.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «دخل مكةَ يوم الفتح معتجرًا بعمامةٍ سوداء» المعنى أنه لفَّها على رأسه ولم يتَلحَّ بها.
وقال الراجز:
جاءت به معتجرًا ببُردهِ *** سَفْواء تَخدِي بنسيجِ وَحدِهِ
وقال الليث: المعاجر من ثياب اليَمن.
قال: ومِعْجَر المرأة أصغر من الرِّداء وأكبر من المِقْنعة.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: العجراء: العصا الي فيها أُبَنٌ؛ يقال ضربَه بعَجْراءَ من سَلَم.
وقال الليث: حافرٌ عَجِرٌ: صُلب شديد.
وقال المرَّار:
سَلِطُ السُّنْبُكِ ذو رُسغٍ عَجِرْ
قال: والأعجر: كلُّ شيء ترى فيه عُقدًا.
قال: وكيسٌ أعجر، وهو الممتلىء.
وبطنٌ أعجرُ: ملآنُ، وجمعه عُجْر.
وقال عنترة:
أبَنِي زَبِيبةَ ما لمُهركمُ *** متجرّدًا وبطونُكم عُجْرُ
قال: والعُجْرة: كلُّ عقدةٍ في الخشبة.
والخَلنْجُ في وشيِه عُجَر.
قال: والسيف في فرِندِه عُجَر.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
56-تهذيب اللغة (عين)
عين: يقال عان الرجل فلانًا يعينه عَيْنًا إذا ما أصابه بالعين، فهو عائن، والمصاب بالعين معين.ومن العرب من يقول: مَعْيون.
وأنشدني غير واحد:
قد كان قومك يحسبونك سيدا *** وإخال أنك سيّد مَعْيون
وتعيَّن الرجلُ إذا تشوَّه تأنّى ليصيب شيأ بعينه.
ورجل عَيُون إذا كان نَجِىءَ العين.
ويقال: أتيت فلانًا فما عيّن لي بشيء، وما عيَّنني بشيء أي ما أعطاني شيأ.
ويقال: عيَّنت فلانًا أي أخبرته بمساويه في وجهه.
ويقال: بعثنًا عَيْنا أي طليعة، يعتان لنا أي يأتينا بالخبَر.
والاعتيان: الارتياد.
ويقال ذهب فلان فاعتان لنا منزلا مُكْلئًا أي ارتاد لنا منزلًا ذا كلأ.
والعِينة: خيار الشيء وجمعها عِيَن.
وقال الراجز:
فاعتان منها عِينة فاختارها *** حتى اشترى بعينه خيارها
ابن الأنباريّ في قوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا} [هود: 37] قال أصحاب النقل والأخذ بالأثر: الأعين يريد به العَين.
قال: وعَيْن الله لا تفسَّر بأكثر من ظاهرها، ولا يسع أحدًا أن يقول: كيف هي أو ما صفتها.
قال: وقال بعض المفسرين بِأَعْيُنِنا بإبصارنا إليك.
وقال غيره: بإشفاقنا عليك.
واحتجّ بقوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي} [طه: 39] أي لتغَذَّى بإشفاقي.
تقول العرب: على عيني قصدت زيدًا يريدون الإشفاق.
عمرو عن أبيه قال: اللُّومة: السِنّة التي تُحرث بها الأرض، فإذا كانت على الفَدَان فهي العِيان وجمعها عُيُن لا غير.
وقول عمر بن أبي ربيعة:
ونفسك لم عينين جئت الذي ترى *** وطاوعت أمر الغيّ إذا أنت سادر
قال: قال الزبير: عينين: معاينة.
وقال أبو العباس: عينين جعله بدلًا من النفس.
أبو عبيد: حضرت حتى عِنْت وأَعْينت بلغت العيون.
ابن السكيت: يقال قدِم فلان من رأس عَيْن، ولا تقل: من رأس العين.
ويقال: ما بالدار عين ولا عائنة أي أحدٌ.
الفراء: لقيته أوّل عَيْن أي أوَّل شيء.
وأبو عبيد عن الكسائي مثله.
وقال أبو زيد لقيته أول عائنة مثله.
وقال الفراء: ما بها عائن وما بها عَيَن بنصب الياء.
والعَينُ: أهل الدار.
وقال اللحياني: إنه لأعيْن إذا كان ضخم العين واسعها والأنثى عيناء.
والجميع منها عِين قال الله تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقِعَة: 22] ولقد عَيِنَ يَعْيَنُ عَيَنًا وعِينةً حسنةً.
ونعجة عيناء إذا اسودت عينتها، وابيض سائر جسدها قال وعِينتها: موضع المَحْجِر من الإنسان، وهو ما حول العين.
وحفر الحافر فأعْيَن وأعان أي بلغ العُيون.
ورأيت فلانًا عِيَانًا أي مواجهة.
ويقال: طلعت العين وغابت العين، أي الشمس.
وفي الحديث: «إن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العَلّات».
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: الأعيان: ولد الرجل من امرأة واحدة، والأَقْران: بنو أمّ من رجال شتّى، وبنو العَلّات: بنو الرجل من أمّهات شتى، ومعنى الحديث أن الإخوة للأب وللأم يتوارثون، دون الأخوة للأب.
ابن الأعرابي: يقال: أصابته من الله عَيْن.
قال: وقال عمر لرجل ضربه رجل بحقّ: أصابتك عين من عيون الله.
وأنشد:
فما الناس أردَوه ولكن أقاده *** يد الله والمستنصر الله غالب
ويقال: هذه دراهمك بأعيانها وهي أعيان دراهمك ولا يقال فيها أعْيُن ولا عيون وكذلك يقال هؤلاء إخوتك بأعيانهم، ولا يقال: أعين وعيون.
ويقال: غارت عَيْن الماء، وتجمع عيونًا.
ويقال: عيَّن التاجر يُعيّن تعيينا وعينة قبيحة، وهي الاسم، وذلك إذا باع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ثم اشتراها منه بأقلّ من الثمن الذي باعها به.
وقد كرِه العِينَة أكثرُ الفقهاء.
ورُوي النهي فيها عن عائشة وابن عباس.
فإن اشترى التاجر بحضرة طالب العِينة سِلْعة من آخر بثمن معلوم، وقبضها، ثم باعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمّى ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقل الثمن الذي اشتراها به فهذه أيضًا عِينة.
وهي أهون من الأولى.
وأكثر الفقهاء على إجازتها، على كراهة من بعضهم لها.
وجملة القول فيها أنها إذا تعرّت من شرط يفسدها فهي جائزة.
وإن اشتراها المتعيّن بشرط أن يبيعها من
بائعها الأول فالبيع فاسد عند جميعهم وسمّيت عِينة لحصول النقد لطالب العِينة.
وذلك أن العينة اشتقاقها من العَيْن وهو النقد الحاضر يحصل له من فوره.
وقال الراجز:
* وعَيْنه كالكالىء الضِّمَارِ*
يريد بعِينه حاضر عطيته.
يقول فهو كالضِّمار، وهو الغائب الذي لا يُرجى.
والعَيْن: عين الرُكْبَة وهي نُقْرة الرُكْبة.
وقال الأصمعي: العَيْن: المطر يدوم خمسة أيام أو أكثر لا يُقلع.
والعين: ما عن يمين قِبلة أهل العراق.
وكانت العرب تقول: إذا نشأت السحابة من قِبَل العَيْن فإنها لا تكاد تُخلِف، أي من قِبَل قِبْلة أهل العراق.
الحراني عن ابن السكيت قال: العين: التي يبصر بها الناظر.
والعين: أن يصيب الإنسان بعين.
والعين: الذي ينظر للقوم.
وعينُ المتاع: خياره.
وعين الشيء: نفسه.
ويقال: لا أقبل إلّا درهمي بعينِه.
والعينُ عين الرُكبةِ والعين: التي يخرج منها الماء.
والعين: الدنانير.
والعين: مطر أيام لا يُقلِع.
والعين: ما عَنْ يمين قبلة أهل العراق.
ويقال: في الميزان عَيْن إذا رجحت إحدى كِفَّتيه على الأخرى.
والعين عين الشمس.
قال والعين: أهل الدار.
وأنشد:
* تشرب ما في وَطْبها قبل العَين *
والعين: النَقْد.
يقال: اشتريت العبد بالدَيْن أو بالعَيْن.
وعين القوس: التي يقع فيها البندق.
والعين اليَنبوع الذي ينبع من الأرض ويجري.
وعين الركيَّة: منبعها.
وقال أبو الهيثم: العرب تقول: في هذا الميزان عَيْن أي في لسانه مَيَل قليل.
ويقولون: هذا دينارٌ عَيْن إذا كان ميّالًا أرجح بمقدار ما يميل به لسان الميزان.
قال وعين سبعة دنانير نصف دانق.
أبو سعيد عين مَعْيونة: لها مادّة من الماء وقال الطرمّاح:
ثم آلت وهي مَعْيونة *** من بطىء الضَهْل نَكْز المهامي
أراد أنها طَمَتْ ثم آلت أي رجعت.
ويقال للرجل يُظهر لك من نفسه ما لا يفي به إذا غاب: وهو عَبْدُ عَيْنٍ، وهو صديق عَيْن.
وعان الماءُ يعين إذا سال.
والعِيَان: حَلْقة السِّنَّة وجمعه عُيُن.
وقال الليث: يقال إن فلانًا لكريمٌ عينُ الكرم.
ويقال في مثل: لا أطلب أثرًا بعد عين أي بعد المعاينة.
وأصله أن رجلًا رأى قاتِل أخيه فلما أراد قتله قال: أفتدي بمائة ناقة، فقال: لست أطلب أثرًا بعد عين وقتله.
وقوله:
حبشيًّا له ثمانون عينا *** بين عينيه قد يسوق إفالا
أراد عبدًا حبشيًا له ثمانون دينارًا بين عينيه يعني بين عيني رأسه.
والعين: الذي تبعثه بتجسس الأخبار، تسميه العرب ذا
العِيَيْنَتين وذا العُيَيْنَتَين وذا العُوَينتين كله بمعنى واحد.
قال الليث: والعِينة: السَلَف.
وقد تعيّن منه عِينة، وعيَّنة التاجر.
والعِين: بقر الوحش وهؤلاء أعيان قومهم أي أشرافهم والماء المعِين: الظاهر الذي تراه العيون.
وثوب مُعَيَّر: يُرى في وشيه ترابيع صغار تشبه عُيُون الوحش.
وقال الأصمعي: عيَّنت القربة إذا صببت فيها ماء ليخرج من مخارزها وهي جديدة فتنسدّ وسرَّبتها كذلك.
وقال الفراء: التعيّن أن يكون في الجلد دوائر رقيقة.
وقال القطامي:
ولكن الأدِيم إذا تَفَرّى *** بِلًا وتعيُّنًا غلب الصَنَاعا
وقال ابن الأعرابي: تعيّنت أخفافُ الإبل إذا نقِبت مثل تعيّن القربة.
وتعينتُ الشخص تعيُّنًا إذا رأيته.
وسقاء عَيِّن إذا رَقَّ فلم يُمسك الماء.
ويقال: عيَّن فلان الحرب بيننا تعيينًا إذا أدارها وِعِينة الحرب مادّتها.
وقال ابن مقبل:
لا تحلُب الحربُ مني بعد عِينتها *** إلا عُلَالة سِيد مارد سَدِم
أبو عمرو: ما عيّن فلان لي شيأ، أي لم يدلّني على شيء.
وقال الأصمعي: الكُوفَة مَعَان منا أي منزل ومَعْلم.
ورأيته بعائنة العدوّ، أي بحيث تراه عيون العدوّ، وما رأيت ثَمّ عائنة أي إنسانًا.
ورجل عَيِّن أي سريع البكاء، ولقيته عَيْنَ عُنَّةٍ أي مواجهة وعَيْنَين: جبل بأُحُد.
وبالبحرين قرية تعرف بعينين، وإليها ينسب خُلَيد عينين وقد دخلتها أنا، وعان الماء يَعِين إذا سال.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
57-تهذيب اللغة (خبر)
خبر: قال الليث: الْخَبَرُ ما أَتَاك من نَبَإ عَمَّنْ تَسْتَخْبِر.تقولُ: أَخْبَرْتُهُ وَخَبَّرْتُهُ.
وجَمْعُ الْخَبَرِ: أَخْبَارٌ.
والْخَبِيرُ: الْعَالِمُ بالأمر، والْخُبْرُ: مَخْبَرَة الإنْسَانِ ـ إذا خُبِرَ ـ أَي: جُرِّبَ فَبَدَتْ أَخْلَاقُهُ.
والخِبْرَةُ: الاختِبَارُ.
.
تقول: أَنتَ أَبْطَنُ به خِبْرَةً، وَأَطْولُ له عِشْرَةً.
والْخابِرُ: الْمُخْتَبِرُ الْمُجَرِّبُ.
وَالخُبْرُ: عِلْمُكَ بالشيء ـ تقولُ: لَيْسَ لي بهِ خُبْرٌ ـ أَيْ: لا عِلْمَ لي بهِ.
والْخَبَارُ: أَرْضٌ رِخْوَةٌ يَتَتَعْتَعُ فيها الدَّوابُّ وأنشد:
يُتَعْتِعُ في الْخَبَارِ إذَا عَلَاهُ *** وَيَعْثُرُ في الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ
وقال ابن الأعرابي: الْخَبَارُ: ما اسْتَرْخَى من الأرض وَتَحَفَّرَ.
وقال غيرهُ: ما تَهَوَّرَ وَسَاخَتْ فيهِ الْقَوَائِم.
شَمِرُ: قال أبو عمرو: الْخَبَارُ أَرضٌ لَيِّنَةٌ فيها جِحَرَةٌ.
أَبو عبيد ـ عن الأصمعي ـ: الْخَبِرَةُ وَالْخَبْرَاءُ: الْقاعُ.
.
يُنْبِتُ السِّدْر.
والْخَبَارُ ما لَانَ من الأرض واسْتَرْخَى.
وقال الليث: الْخَبْراءُ: شَجْرَاءُ في بَطْنِ رَوْضَةٍ يَبْقَى الماءُ فيها إلى الْقَيْظِ.
وَفِيها يَنْبُتُ الْخَبْرُ، وهو شَجَرُ السِّدْرِ وَالأَرَاكِ.
.
وَحَوَالَيْها عُشْبٌ كثِيرٌ.
وتُسَمَّى: الْخَبِرَةَ ـ أَيضًا ـ والجميعُ: الْخَبِرُ.
قال: وَخَبْرُ الْخَبِرَةِ: شَجَرُهَا، وأَنشد:
فَجَادَتْكَ أَنْوَاءُ الرَّبيعِ وَهَلَّلتْ *** عَلَيْكَ رِياضٌ مِنْ سَلَامٍ ومِنْ خَبْرِ
قال: والْخَبْرُ ـ من مَنَاقع الماءِ ـ: مَا خَبَّرَ الْمَسِيلَ في الرُّؤُوس، فَيَخُوضُ الناسُ فيهِ.
وأخبرني المنذري ـ عن الصَّيْداويِّ عن الرِّياشِيِّ ـ قال: الْخُبْرةُ: لَحْمٌ يَشْتريهِ الإنسانُ لأهْلِهِ.
يقال للرجلِ: مَا اختْبَرْتَ لأَهْلِكَ؟ أبو عبيد ـ عن الأصمعي ـ: الْخُبْرَةُ: النَّصِيبُ.
.
تَأْخُذُهُ من لَحْمٍ أَو سَمَكٍ.
وقال الرياشيُّ: الخبِيرُ: الزَّبَدُ.
وقال أبو عبيد: قال الأصمعيُّ: هو زَبَدُ أَفْوَاهِ الإبِلِ.
وقال الرياشيُّ: الْخبِيرُ: الْوَبَرُ.
قال: وَالْخبِيرُ: الأكَّارُ.
وأنشد في الخُبْرَةِ:
بَاتَ الرَّبِيعِيُّ وَالْخَامِيزُ خُبْرَتُهُ *** وَطَاحَ ظَبْيُ بَني عَمرو بن يَرْبوعِ
وأنشد للهُذَلِيِّ في الخَبِير الزَّبَدِ:
تَغَذَّمْنَ في جَانِبَيْهِ الْخَبِي *** رَ لَمَّا وَهَى مُزْنُهُ واسْتُبِيحَا
«تَغَذَّمْنَ»: يعني الفُحولَ ـ أي: مَضَغْنَ الزَّبَد وعَمَيْنَهُ ـ أي: رَمَيْنَهُ.
وأنشد:
تجُذُّ رِقابَ الأَوْسِ في غَيْرِ كُنْهِهِ *** كَجَذِّ عَقَاقِيلِ الْكُرُومِ.
.
خَبِيرُها
رُفِعَ قولُه: «خَبِيرُها» على تكرير الفعل.
أرَادَ: جَذَّهُ خبِيرُها ـ أي: أَكَّارُها.
أبو عبيد ـ عن أبي عبيدة: الْخَبِيرُ: الأَكَّارُ.
ومُخَابرَةُ الأرض ـ أي: مُزَارَعَتها على الثُّلثِ والرُّبعِ: مِنْ هذا.
وقال جابرُ عن عبد الله: كُنّا نُخَابِرُ ولا نَرَى بذلك بأسًا.
.
حتى أَخْبَرَنا رافِعُ بنُ خَدِيجٍ أنّ رسول الله صَلَى الله عليه وسلم قدْ نَهَى عَنْهُ.
قال: وقال الأصمعيُّ: الْخَبِرُ: المَزَادة.
ويقال: الْخَبْرُ.
.
إلا أنه بالْكَسْرِ أكثر.
.
وجَمْعُه: خُبُورٌ.
وقال أبو الهيثم: الْخَبْرُ ـ بالفتح ـ: المَزَادَةُ.
.
وأنكر فيه الكَسْرَ.
قال: ومنه قيل: ناقةٌ خَبْرٌ ـ إذا كانت غَزِيرَةً.
والْخَبْرُ والْخِبْرُ: الناقة الغزيرةُ اللّبن شُبِّهَتْ بالمزَادة في خُبْرِها.
وفي الحديث: «كنَّا نَسْتَخْلِبُ الْخَبِيرَ» أراد ب «الْخَبير»: النَّباتَ والعُشْبَ واستخْلَابُهُ: احْتِشَاشُه.
كأَنّ العُشْبَ شُبِّه بخَبِير الإبل، وهو وبَرُها.
فالنَّبَاتُ ينْبُتُ ـ كما يَنبتُ الوَبَرُ.
وخَيْبَرُ: موضِعٌ بعينه.
.
معروفٌ.
ويقال: تَخبَّرْتُ الخَبَر واستَخبَرْتُه ـ بمعنى واحِدٍ.
ومِثْله: تَضَعَّفْتُ الرجلَ واستضْعفتُه وتنَجّزْتُ الجَوَابَ، واسْتَنْجَزْتُه.
ثعلب عن ابن الأعرابي: المَخْبُور: الطَّيِّبُ الإِدَامِ، والمَخْبُورُ: المَخْمُورُ والْخَبيرُ: مِن أسماء الله تعالى: معناه العالِمُ «بما كان، وما يَكُونُ، وهذه الصِّفَةُ لا تكونُ إلا لله تَبَارَكَ وتَعالَى.
وخَبُرْتُ بالأمر ـ أي: عَلِمْتُهُ.
وقول الله جلّ وعزّ: {فَسْئَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفُرقان: 59] أي: سَلْ عنه خَبِيرًا عَالِمًا تُخْبَرْ.
والْخَابُورُ: بلدٌ معروفٌ ومنه قوله:
أَيَا شَجَرَ الْخَابُورِ ما لَكَ مُورِقًا
ورجلٌ مُخْبَرٌ ـ أي: إذا خُبِرَ وجِدَ كامِلًا.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
58-تهذيب اللغة (شقر)
شقر: قال الليثُ: الشقَرُ والشُّقرةُ مصدر الأشقر، والفعل شَقِرَ يَشْقَرُ شُقرةً، وهو الأحمر من الدَّواب.ويقال: دمٌ أَشْقرُ، وهو الذي صارَ علقًا ولم يَعْلُه غُبَارٌ، والأشاقِرُ حَيٌّ من اليمنَ من الأزْدِ، والنسبةُ إليهم أشْقَرِيّ، وبنو شَقِرة حَيٌّ آخرون والنسبةُ إليهم شَقَريُ بالفتح، كما ينسب إلى النَّمِر بن قاسط نَمَرِيٌّ.
أبو عبيد عن الأصمعي: الشَّقِرُ: شقائقُ النعمان واحدتهُ شقرةٌ.
وقال طَرفة:
وعَلَا الخيلَ دِماءٌ كالشقْر
قال: وبها سمي الرجلُ شَقِرَةً.
قال أبو منصور: والشَّقَّارَى نبتٌ آخر له نَوْرٌ فيه حُمْرَةٌ ليست بنَاصِعةٍ.
ويقال لحَبِّهِ الخِمْخِمُ.
وقال الليث: الشقِرةُ هو السَّنْجُرْفُ وهو السَّخْرُنْجُ وأنشد:
عليه دِماءُ البُدْنِ كالشقِرَاتِ
والمشقّرُ: حِصْنٌ بِالبحرينِ مَعروفٌ.
ثعلب عن ابن الأعرابي: الشُّقَر: الديك.
أبو عبيد عن الأصمعي: من أمثال العرب في إسْرَارِ الرجل إِلى أخيه ما يَسترُهُ عن غيره: أفْضَيتُ إليه بِشقُورِي: أي: أخبرتهُ بأمري وأطلعتهُ على ما أسرهُ من غَيرِه، وأنشد للعجاج:
وكثرة الحديث عن شُقُوري
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال يروي بيت العَجاجِ: شُقورِي شَقُوري.
قال: والشُّقورُ: الأمور المهمةُ الواحد شَقْرٌ والشُّقُورُ في معنى النَّعْتِ، وهو بَثُّ الرجلِ وهَمُّه.
فقال أبو زيد: بَثَّ فلانٌ فلانًا شقورَةُ وبُقورَةُ: إذا اشتكى إليه الحاجةَ.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الشَّقورُ: الهمُّ المسهرُ.
وقال ابن دُريد: جاءَ فلانٌ بالشِّقرِ والبُقَرِ إذا جاء بالكذبِ.
وقال النَّضْرُ: المشاقِرُ من الرِّمالِ ما انقادَ وتصوَّبَ في الأرضِ وهي أجْلَدُ الرّملِ.
والأشَاقِرُ: جبال بين مكة والمدينة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
59-تهذيب اللغة (بجر)
بجر: ثعلب عن ابن الأعرابيّ: الباجِرُ: المُنْتَفِخُ الجَوْف.الْهِرْدَبَّةُ الْجَبان.
أبو عبيد، عن الفرّاء: الباحِر الأحمق بالحاء قلت: وهذا غَيْرُ الباجِر، ولكلِّ مَعْنًى.
أبو عبيد، عن الأصْمَعيّ، في باب إسْرارِ الرَّجلِ إِلى أخيه ما يَسْتُرُه عن غيره أخْبَرْتُه بعُجَرِي وبُجَرِي أي أَظْهَرتُه من ثِقَتِي بهِ على مَعايِبي، وقد فَسَّرتُ العُجَرَ في بابه.
وأمَّا البُجَر: فالعُروقُ المُتَعَقِّدَةُ في الْبَطْن خاصَّة.
ثعلب، عن ابنْ الأعرابيّ: العُجْرَةُ نَفْخَةٌ في الظَّهْر، فإذا كانت في السُّرَّة فهي بُجْرَة.
قال: ثم تُنْتَقلان إلى الهُمومِ والأَحْزان.
قال: ومَعْنى قول عليّ رضياللهعنه: إلى الله أَشكو عُجَرِي، وبُجَري، أي هُمومي وأَحْزَانِي.
قال: وأَبْجَرَ الرَّجُلُ، إذا اسْتَغْنَى غِنًى كادَ يُطْغِيه بعد فَقْرٍ كادَ يُكْفِرُه.
وأَخبرني المُنْذِريّ عن السكُدَيْميّ، قال: سأَلت الأصمعيّ فقلت له: ما عُجَرِي وبُجَرِي؟ فقال: هُمومِي وغُمومِي وأَحْزانِي.
أبو عبيد، عن أبِي زيد: لَقِيتُ منه البَجَارِيّ، واحِدها بُجْرِيّ، وهو السِّرّ والأَمْرُ العظيم.
والْبُجْرُ: الْعَجَب.
وأنشد أبو عبيد:
أَرْمي عليها وهِي شَيْءٌ بُجْرُ *** والْقَوْسُ فيها وَتَرٌ حِبَجْرُ
وأمَّا قولُ العَرب: عَيَّر بُجَيْرٌ بَجَرَة، ونَسِيَ بُجَيْرٌ خَبَره؛ فقد حُكِيَ عن المْفَضَّل أنه قال: بُجَيْرٌ وبَجَرَة كانا أَخَوين في الدَّهْر القديم، وذكر قِصَّةً لهما، والذي رأيت عليه أهْلُ اللُّغة أَنهم قالوا البُجَيْرُ: تصغير الأبْجَر، وهو النّاتِئ السُّرَّة، والمَصْدَرُ الْبَجَر، فالمعنى: أَنَّ ذا بُجْرَةٍ في سُرَّته عَيَّرَ غَيْرَه بما فيه، كما قيل في امْرَأَةٍ عَيَّرت أخْرى بعيب فيها: رَمَتْنِي بِدَائِها وانْسَلَّت.
وقال أبو عمرو: يقال: إنَّه لَيَجِيءُ بالأَباجِير، وهي الدَّوَاهي، قلت: وكأنَّها
جمع بُجْرٍ وأَبْجار، ثم أباجير جمع الجمع.
وقال الفرّاء: الْبَجَرُ والْبَجْرُ انْتِفَاخُ الْبَطن، رواه عنه سَلمة.
عمرو، عن أبيه: الْبَجِيرُ: المال الكَثير.
وفي «نِوادِر الأَعْراب»: ابْجارَرتُ عن هذا الأمر، وابْتَارَرْتُ، وابْتَاجَجْتُ أي اسْتَرخَيْتُ وتَثَاقَلت، وكذلك نَجِرْتُ ومَجِرْتُ.
اللِّحيانيّ: يُقال للرَّجُل إذا أكثر من شُرب الْماء، ولم يَكَدْ يَرْوَى: قد بَجِرَ بَجَرًا، ومَجَرَ مَجَرًا، وهو بَجِرٌ مَجِر، وكذلك الممتلىء من اللبن، ذكَر ذلك في باب الْبَاءِ والميم.
ومِثْلُه: نَجِرَ ومَجِرَ في باب النُّون والمِيم.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
60-تهذيب اللغة (نبأ)
نبأ: قال أبو زيد: يقال: نَبَأتُ على القَوم أَنْبَأُ نَبْئًا، إذا طَلعت عليهم.ويُقال: نَبَأْتُ من أرضٍ إلى أرض أُخرى، إذا خرجت منها إليها؛ قال عَديّ بن زيد يَصِف فرسًا:
وله النَّعْجةُ المَرِيّ تُجاه الرَّ *** كْبِ عِدْلًا بالنَّابِىء المِخْرَاقِ
أراد ب «النابىء»: الثور، خرج مِن بَلدٍ إلى بَلد.
الليث: النَّبأ: الخَبر.
وإنّ لفلان نَبأ، أي خبرًا.
والفِعل: نبّأته، وأَنْبأته، واسْتَنْبَأْته.
والجَميع: الأَنْبَاء.
قال اللّيث: والنَّبْأة: الصَّوتُ ليس الشّديد؛ وأنشد:
آنَسَتْ نَبْأةً وأَفْزعها القَنَّ *** اصُ قَصْرًا وقد دَنا الإمْسَاءُ
أردت: آنست صاحبَ نَبْأة.
ويُقال: نَابأْت الرَّجُلَ ونَابأنِي، إذا أَخبرتُه وأَخبرك؛ قال ذو الرُّمة يَهْجو قومًا:
زُرْقُ العُيون إذا جاوَرْتَهم سَرَقُوا *** ما يَسْرِقُ العَبْدُ أَو نَابأْتَهم كَذَبُوا
وقيل: نابأتهم: تركتُ جِوارهم وتباعَدْتُ عنهم.
ويقال: تنبّأ الكذّاب، إذا ادّعَى النُّبوة.
وليس بنبيّ، كما تَنَبّأ مُسَيْلِمة الكذّاب وغيره من الدجَّالين الكذَّابين المُتنبِّئين.
وقول الله تعالى: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ} [القصص: 66].
قال الفَرَّاء: يقول القائل: قال الله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ} [الصافات: 27] كيف قال ها هنا: {فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ} ؟ قال أهل التَّفسير: إنه يقول: عَمِيت عليهم الْحُجَج يومئذ فسكتوا، فذلك قوله: {فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ}.
قلت: الحُجَج أنباء، وهي جمع «النبأ»، لأن الحجج أنباء عن الله تعالى.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
61-معجم العين (خبر)
خبر: أخْبَرْتُه وخَبَّرْتُه، والخَبَرُ: النَّبَأُ، ويجْمَعُ على أخبار.والخبيرُ: العالِمُ بالأمر.
والخُبْرُ: مَخْبَرةُ الإنسان إذا خُبِرَ أي جُرِّبَ فبدت أخباره أي أخلاقه.
والخبرة: الاختبار، تقول: أنت أبطن به خِبْرةً، وأطوَلُ به عشرةً.
والخابرُ: المُخْتَبرُ المُجَرِّبُ، والخُبْرُ: علمك بالشيء، تقول: (ليس لي به خُبْرٌ).
والخَبارُ: أرض رخوة يتتعتع فيها الدواب، قال:
يُتَعْتِعُ بالخّبارِ إذا عَلاه *** ويَعْثُرُ في الطَّريقِ المستقيمِ
والخَبْرُ والمُخَابَرة: أن تَزْرَعَ على النصف أو الثلث ونحوه، والأكار: الخبيرُ، والمُخابرة: المُؤاكَرَة.
الخبراء: شجر في بطن روضةٍ يبقى الماء فيها إلى القيظ، وفيها ينبت الخَبْرِّ وهو شجر السِّدْر والأراك، وحواليها عشبٌ كثيرٌ.
ويقال: الخَبِرَة أيضًا، والجميع خَبِر، وخَبْرُ الخَبِرةِ: شجرها، قال:
فجادَتكَ أنواء الربيع وهَلَّلَت *** عليك رياضٌ من سلامٍ ومن خَبْرِ
والخَبْر من مناقع الماء: ما خَبَّرَ المسيل في الرءوس، فيخوض الناس فيه.
العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م