نتائج البحث عن (أَخْبِرَكُمْ)

1-العربية المعاصرة (كنف)

كنَفَ يَكْنُف، كَنْفًا، فهو كانف، والمفعول مَكْنوف.

* كنَف ولدَه: صانه وحفِظه.

* كنَف اليتيمَ: ضمَّه إليه وجعله في عِياله.

اكتنفَ يكتنف، اكْتِنافًا، فهو مُكتنِف، والمفعول مُكتنَف.

* اكتنف الشَّخصَ: كنَفَه؛ جعله في رعايته (اكتنف ابنَ صديقه: حَضَنَه).

* اكتنف القضيَّةَ: أحاط بها (يكتنف القضيّةَ غموضٌ- اكتنفه القَوْمُ: أحاطوا به وكانوا عنه يَمْنة ويَسْرة) (*) اكتنفته المخاوفُ.

كُنافة [مفرد]: حلوى تُتَّخذ من عجين القمح، تجعل على شكل خيوط دقيقة ويتمُّ إنضاجها بالسّمن في الفرن ونحوه، ثم يضاف إليها السُّكّر المُعْقَد، وأكثر ما تؤكل غالبًا في شهر رمضان.

كَنْف [مفرد]: مصدر كنَفَ.

كَنَف [مفرد]: جمعه أكناف: ناحية أو ظلّ (كنف حزب- في أكنافه- أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنّي مَجَالِسَ يَومَ القِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلًاقًا المُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا الذَّيِنَ يَأْلَفُونَ وُيُؤْلَفُونَ) [حديث].

* كنَف الإنسان: حِضْنه، أي العضدان والصدر (في كنف أمِّه- جعله في كنفه) (*) عاش في كنفه: أي في رعايته.

* كنَف الله: سَتْرُه ورحمته وحِرزه (أنت في كنَف الله).

كَنَفانيّ [مفرد]: صانع الكُنافة وبائعها.

كَنيف [مفرد]: جمعه كُنُف: مِرْحاض.

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


2-شمس العلوم (الدُّوْرُ)

الكلمة: الدُّوْرُ. الجذر: دور. الوزن: فُعْل.

[الدُّوْرُ]: جمع دار.

والدُّور: القبائل.

وفي حديث النبي عليه‌السلام «ألا أخبركم بخير دور الأنصار: دور بني النجار، ثم دور بني عبد الأشهل، ثم دور بني الحارث، ثم دور بني ساعدة وفي كل دور الأنصار خير»

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


3-شمس العلوم (رَبَعَ يَرْبَعُ)

الكلمة: رَبَعَ يَرْبَعُ. الجذر: ربع. الوزن: فَعَلَ/يَفْعَلُ.

[رَبَعَ] الرئيسُ الغنيمةَ: إِذا أخذ رُبْعها.

قال عدي بن حاتم: ربعت في الجاهلية، وخمست في الإِسلام.

وربعتُ القومَ: إِذا صِرْتُ رابعَهم.

ورَبَعْتُهم: أخذت رُبْعَ أموالهم.

رَبَعَ الحبلَ وغيرَه: إِذا فتله على أربع قوى، قال لبيد:

*أعْطِفُ الجَوْنَ بِمرْبُوعٍ مِتَلّ*

قيل: يعني عنانًا مربوعًا، وقيل: يعني رمحًا لا طويلًا ولا قصيرًا، والباء بمعنى مع، أي: ومعي مربوعٌ.

ورَبَع: من حُمَّى الرَبْعِ، فهو مربوع.

ورَبَعَتْ عليه الحمى: إِذا جاءت اليوم الرابع.

ورَبَعَ الحجر: أي أَقَلَّه، وفي الحديث: «أنه صلى ‌الله ‌عليه ‌وسلم أمر بقومٍ يربَعون حجرًا فقالوا: هذا حجر الأشداء.

فقال: ألا أخبركم بأشدكم؟ من ملك نفسه عند الغضب»

ورَبَعَ بالمنزل: أي أقام.

وفلان لا يَرْبَعُ على فلان: إِذا لم يقم عليه.

ورَبَعَت الماشية: أي أقامت ترعى.

ويقال: ارْبَع على نفسك: أي ارفُق.

واربَعْ على ظَلْعِك: أي اقتصر عليه وأقِم.

ورَبَعَت الإِبلُ: إِذا وردت الرِّبْعُ، وإِبل روابع.

ورُبِعَت الأرضُ: أصابها الربيع، فهي مربوعة.

ورُبِعَ القومُ: أصابهم الربيع.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


4-جمهرة اللغة (ثرر ثر)

ثررتُ الشيءَ أثُرُّه ثَرًّا، إذا بددته.

وناقة ثرَّة: غزيرة اللبن.

وعين ثرَّة: كثيرة الدموع.

وطعنة ثرَّة: كثيرة الدم تشبيهًا بالعين لكثرة دمعها.

والمصدر الثرارة والثُّرورة.

قال الراجز:

«يا مَن لِعينٍ ثَرةِ المَدامـع*** يَحْفِشُها الوجدُ بماءٍ هامع»

يحفِشها: يستخرج كلَّ ما فيها.

والثرثار: نهر معروف.

ورجل ثَرثار: كثير الكلام.

وأنشد لعنترة بن شدّاد العبسي:

«جادتْ عليه كلُّ عينٍ ثَـرةٍ*** فَتَركْنَ كُلَّ قرارة كالدِّرهم»

وفي الحديث أن رسول الله صلَى الله عليه وآله وسلَم قال: (ألا اخْبركم بأبغضكم إليّ? الثرثارون المُتَفَيْهِقون).

وأصل هذا كله من العين الثَّرَّة الكثيرة الماء.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


5-جمهرة اللغة (ثرر ثر)

ثررتُ الشيءَ أثُرُّه ثَرًّا، إذا بددته.

وناقة ثرَّة: غزيرة اللبن.

وعين ثرَّة: كثيرة الدموع.

وطعنة ثرَّة: كثيرة الدم تشبيهًا بالعين لكثرة دمعها.

والمصدر الثرارة والثُّرورة.

قال الراجز:

«يا مَن لِعينٍ ثَرةِ المَدامـع*** يَحْفِشُها الوجدُ بماءٍ هامع»

يحفِشها: يستخرج كلَّ ما فيها.

والثرثار: نهر معروف.

ورجل ثَرثار: كثير الكلام.

وأنشد لعنترة بن شدّاد العبسي:

«جادتْ عليه كلُّ عينٍ ثَـرةٍ*** فَتَركْنَ كُلَّ قرارة كالدِّرهم»

وفي الحديث أن رسول الله صلَى الله عليه وآله وسلَم قال: (ألا اخْبركم بأبغضكم إليّ? الثرثارون المُتَفَيْهِقون).

وأصل هذا كله من العين الثَّرَّة الكثيرة الماء.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


6-العباب الزاخر (وطأ)

وطأ

وَطئْتُ الشيءَ برِجلي وَطْأً.

ووَطِيءَ الرجلُ امرأتَه يَطَأُ فيهما، سَقَطَتِ الواوُ من "يَطَأُ" سَقوطَها من "يَسَعُ" لِتَعَدِّيهما، لأنَّ فِعلَ يفعلُ ممّا اعتَلَّ فاؤُه لا يكونُ إلاّ لازِمًا، فلمّا جاءا من بينِ أخَتِهما مُتَعدِّييْن خُولِفَ بهما نَظائرُهُما.

والوَطَأَةُ -بالتحريك- والواطئةُ: السّابِلَةُ، سُمُّوا بذلك لِوَطْئِهم الطَّريقَ، وفي حديث النبيِّ -صلى الله عليه وسلَّم-: احتاطوا لأهلِ الأموال في النّائبَةِ والواطِئَةِ وما يجبُ في الثَّمَرِ من حَقٍّ.

والوَطْأَةُ: مَوْضِعُ القَدَمِ، وهي -أيضًا-: كالضَّغْطَة، وفي دُعاء النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- على قُرَيش: اللهمَّ أنجِ الوَليدَ بن الوليد وسَلَمَةَ بن هِشامٍ وعَيّاشَ بن أبي ربيعةَ والمُستَضعَفينَ بمكَّةَ، اللهمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ على مُضَرَ، اللهمَّ اجعَلها عليهم سِنينَ كَسِني يُوسُف. وفي حديثه الآخَر: انَّه -صلى الله عليه وسلَّم- خَرَجَ ذاتَ يومٍ وهو مُحتَضِنٌ أحَدَ ابنَيْ ابنَتِه وهو يقولُ: والله إنَّكم لَتُجَبِّنونَ وتُبَخِّلونَ وتُجَهِّلونَ وإنّكم لَمِن رَيْحانِ الله، وانَّ آخِرَ وَطْأَةٍ وَطِئَها الله بِوَجٍّ: أي آخِرَ أخْذَةٍ ووَقْعَةٍ.

والمَوْطَأُ -بفتح الطاء-: موضع وَطْءِ القدم، وقال الليث: هو المَوطِيءُ؛ قال: وكل شيءٍ يكون الفِعلُ منه على فَعِلَ يَفعَلُ مثل سَمِعَ يَسمَعُ فانَّ المَفعَلَ منه مَفتوح العين الاّ ما كان من بناتِ الواو على بِناء وَطِيءَ يَطَأُ، ومنه حديثُ طَهْفَةَ ابن ابي زُهَيرٍ النَّهدِي رضي الله عنه-: أنَّه لمّا قَدِمَت وُفودُ العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم-: قام إليه طَهْطَفَةُ بن أبى زُهَير النَّهديُّ رضي الله عنه- فقال: أتَيناكَ يا رسولَ الله من غَوْرَيْ تهامَةَ بأكْوارِ المَيس تَرتَمي بنا العِيسُ نَستَحْلِبُ الصَّبيرَ ونَسْتَخْلِبُ الخَبير ونَستعضِدُ البَريرَ ونَستَخيلُ الرِّهامَ ونَستَحيلُ أو نَستَجيلُ- الجَهامَ من ارضٍ غائلَةِ النِّطاءِ غلَيظةِ المَوْطَأ قد نَشِفَ المُدْهُنُ ويَبِسَ الجِعْثِن وسَقط الأُمْلوجُ ومات العُسلوجُ وهَلَكَ الهَديُّ ومات الوَدِيُّ، بَرِئْنا يا رسول الله من الوَثَنِ والعَنَنِ وما يُحدِثُ الزَّمَنُ؛ لنا دعوة السَّلام وشريعةُ الاسلام ما طَمَا البحرُ وقام تِعارُ، ولنا نَعَمٌ هَمَلٌ إغْفالٌ ما تَبِضٌ بِبِلالٍ ووَقيرٌ كَثيرُ الرَّسَلِ قليلُ الرِّسلِ أصابَتْها سُنَيَّةٌ حمراءُ مُؤزِلَةٌ ليس لها عَلَلٌ ولا نَهَلٌ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: اللهمَّ بارِك لهم في مَحْضِها ومَخضِها ومَذْقِها وابعَث راعيَها في الدَّثرِ بِيانِع الثَّمَر وافجُر له الثَّمَدَ وبارك له في المال والوَلَد، مَن أقامَ الصلاةَ كان مُسلِمًا ومَن آتى الزكاةَ كان مُحسِنًا ومَن شَهِدَ أنْ لا اِلهَ إلاّ الله كان مُخلِصًا، لكم يا بَني نَهْدٍ ودائعُ الشِّرْكِ ووَضائهُ المِلكِ لا تُلَطِطْ في الزَّكاة ولا تُلحِد في الحياة ولا تَتَثاقَل عن الصلاة، وكَتَبَ مَعَه كِتابًا الى بَني نَهْدٍ: بسم الله الرَّحمنِ الرَّحيم: من مُحمَّدٍ رسولِ الله إلى بني نَهْدِ بن زيدٍ، السَّلامُ على من آمَنَ باللهِ ورَسولِهِ، لكم يا بين نَهْدٍ في الوَظيفةِ الفَريضَةُ ولكم العارِضُ والفَريشُ وذو العِنانِ الرَّكوبُ والفَلُوُّ الضَّبيسُ لا يُمنَعُ سَرحُكُم ولا يُعضَدُ طَلحُكُم ولا يُحبَسُ دَرُّكُم ما لم تُضمِروا الاِماقَ وتأكُلُوا الرِّباقَ، من أقَرَّ بما في هذا الكِتاب فَلَهُ من رَسولِ الله الوَفاءُ بالعَهدِ والذِّمَّةُ ومن أبى فعليه الرِّبوَةُ.

ووَطُؤَ الموضِعُ يَوْطُؤُ وَطاءَةً: أي صار وَطيئًا، وكذلك الطِّئَةُ والطَّأَةُ مثالُ الطِّعَةِ والطَّعَةِ في المصدر، فالهاء عِوَضٌ من الواو؛ كما قال الكُمَيتُ:

«أغْشى المَكارِهَ أحيانًا ويَحمِلُنـي *** منه على طَأَةٍ والدَّهرُ ذو نُوَبِ»

أي: على حالٍ لَيِّنَةٍ، ويُروى: "على طِئَةٍ".

والوَطيئَةُ -على فَعيلَةٍ-: الغِرارَةُ، وقال بعضُ بَني عُذرَةَ: أتَينا النبيَّ -صلى الله عليه وسلَّم- بتَبُوكَ فأخرَجَ إلينا ثلاثَ أُكَلٍ من وَطيئَةِ.

والوَطيئَةُ -أيضًا-: ضَرْبٌ من الطَّعام.

وقوله تعالى: (لم تَعلَمُوهُم أن تَطَأُوهُم) أي تَناوَلوهُم بمكرُوهٍ.

وبنو فلانٍ يَطَؤُهُم الطَّريقُ: أي ينزِلونَ قريبًا منه، والمعنى: يَطَؤُهُم أهلُ الطَّريق.

والواطِئَةُ: سُقاطَةُ التمر؛ لأنَّها تُوطَأُ، فاعِلَةٌ بمعنى مَفْعولَة.

وأوْطَأْتُه الشيءَ فَوَطِئَه، يُقال: منأوْطَأَكَ عَشْوَةً. وفي حديث النبيِّ -صلى الله عليه وسلّم-: أَنَّ رِعاءَ الاِبِلِ ورِعاءَ الغنم تَفاخَروا عندَه فأوْطَأَهُم رِعاءُ الإبل غَلَبَةً؛ فقالوا: وما أنتم يا رِعاءَ النَّقَدِ هل تَخُبُّونَ أو تَصيدونَ؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم-: بُعِثَ موسى وهو راعي غَنَمٍ وبُعِثَ داوودُ وهو راعي غَنَمٍ وبُعِثْتُ وانا راعي غَنَمِ أهلي بأجيادَ. فَغَلَّبَهم رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم-. فَأَوْطَأُونَ قَهرًا وغَلَبَةً عليهم.

والاِيطاءُ في الشِّعر: اِعادةُ القافيَة.

وائْتَطَأَ الشيءُ -على افْتَعَلَ-: أي استَقامَ وبَلَغَ نِهايَتَه.

وبنو قَيسٍ يقولون: لم يَأْتَطِيءْ السِّعرُ بعدُ: أي لم يَستَقِم.

ولم يَأْتَطِيءْ الجِدتدُ بَعدُ: أي لم يَحِنْ، يُقال: وَطَّأْتُه فاتَّطَأَ: أي هَيَّأْتُه فَتَهَيَّأَ، وفي الحديث: أَنَّ جَبْرَئيلَ -صلوات الله عليه- صلى برسول الله -صلى الله عليه وسلَّم- العِشاءَ حينَ غابَ الشَّفَقُ وائتَطَأَ العِشاءُ.

ووَطَّأْتُ الشيءَ تَوْطِئَةً: جَعَلْتُه وطِيئًا، ولا تَقُل: وَطَّيْتُ.

ورَجلٌ مُوَطَّأُ الأكْناف: إذا كان سَهلًا دَمِثًا كَريمًا يَنزِلُ به الأضيافُ، ومنه حديث النبيِّ -صلى الله عليه وسلَّم-: ألاَ أُخْبِرُكُم بأَحبِّكُم إلَيَّ وأقرَبِكُم مِنِّي مَجالِسَ يومَ القيامة: أحاسِنُكُم أخْلاقًا الموطِئونَ أكْنافًا الذين يَأْلَفُونَ ويُؤلَفونَ. وقال المُبَرِّد: المُوَطَّأُ الأكْنافِ: الذي يَتمكن في ناحيته صاحِبُها غيرَ مُؤْذىً ولا نابٍ به مَوْضِعُه.

ورَجُلٌ مَوَطَّأُ العَقِبِ: أي سلطانٌ يُتَّبَعُ وتُوْطَأُ عَقِبُه، ومنه حديث عَمّار ابن ياسِر -رضي الله عنهما- حين وشَى به رَجُلٌ إلى عُمَر -رضي الله عنه- فقال عَمّارُ: اللهُمَّ إِنْ كان كَذَبَ عَلَيَّ فاجعَلْهُ مُوَطَّأَ العَقِبِ. كأنَّهُ دعا عليه بأنْ يكونَ رَأسًا أو ذا مالٍ فيتّبِعُه الناس.

أبو زيد: واَطأْتُه على الأمرِ: إذا وافَقْتَه، وفلانٌ يُواطِيءُ اسمُه اسمي، وقال الأخْفَشُ في قول الله تعالى: (لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ الله): أي لِيُوافِقُوا ويُماثِلوا.

وقوله تعالى: (هي أشَدُّ وطَاءً) بالمَدِّ، وهي قراءةُ غيرِ أبي عمرو وابن عامِر: أي مُواطَأَةً وهي المُواتَاة: أي مُواتَاةُ السَّمْع والبَصَر ايّاه، وذلك أَنَّ اللِّسانَ يُواطيءُ العملَ والسَّمْعَ يُواطِيءُ فيها القلبَ، وقَرَأَ أبو عمرو وابنُ عامر: (أشَدُّ وطْأً) بسُكون الطاء: أي قيامًا أي هي أبلَغُ في القيام وأوْطَأُ للقائم، وقيل: أبْلَغُ في الثَّواب، ويجوزُ أنْ يكونَ معناه: أغْلَظُ على الإنسان من القِيام بالنَّهار؛ لأنَّ الليلَ جُعِلَ سَكَنًا.

والمُواطَأَةُ في الشِّعْر: مثلُ الإيطاء.

وتَوَطَّأْتُه بقَدَمي: مثلُ وَطِئْتُه.

وتَواطَأُوا عليه: أي تَوافَقُوا.

والتركيبُ يدلُّ على تَمْهيد شيءٍ وتَسهِيله.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


7-العباب الزاخر (هرس)

هرس

ابن دريد: الهَرْسُ: الأكل الشديد؛ والدَّقُّ الشديد، ومن هذا اشْتِقاقُ الهَرِيْسِ؛ وهوَ الهَرِيْسَة. والهَرّاس: مُتَّخِذُ الهَرِيْسَة وصانِعُها.

والمِهْراس: الهاوُوْنُ؛ من هذا.

والمِهْراس أيضًا-: حَجَرٌ مَنْقورٌ يُتَوَضَّأُ منه. وفي حديث النبيّ -صلى الله عليه وسلّم-: أنَّه مَرَّ بِقَوْمٍ يَتَجاذَوْنَ مِهْراسًا فقال: ما هذا؟ قالوا: حَجَرُ الأشِدّاء، فقال: ألا أُخْبِرُكُم بأشَدِّكُم؟: مَنْ مَلَكَ نَفْسَه عند الغَضَبِ. ويُروى: يَربَعونَ حَجَرًا، ويُروى: يَرْتَبِعونَ حَجَرًا، ويُروى: فقال: أتَحْسِبونَ الشِّدَّةَ في حَمْلِ الحِجَارةِ؟ إنَّما الشِّدَّةُ أنْ يَمْتَلئَ أحَدُكم غَيْظًا ثمَّ يَغْلِبَه.

والمِهْراس: ماءٌ بأُحُدٍ. وروِيَ أنَّ النبيّ- صلى الله عليه وسلّم عَطِشَ يومَ أُحُد؛ فجاء عَلِيٌّ -رضي الله عنه- في دَرَقَتِه بماءٍ من المهْراسِ، فَعافَه وغَسَلَ به الدَّمَ عن وَجْهِه. قال سُدَيْف بن إسْماعِيل بن مَيْمون يَذْكُرُ حَمْزَة بن عبدِ المُطَّلِّب وكانَ دُفِنَ بالمِهْراسِ رض الله عنه:

«اذْكُرُوا مَصْرَعَ الحُسَيْنِ وزَيْدٍ *** وقَتيلًا بِجانِبِ المِـهْـراسِ»

وروى أبو هُرَيْرَة -رضي الله عنه- أنَّ النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- قال: إذا أرادَ أحَدُكُم الوضوء فَلْيُفْرِغ على يَدَيْه من إنائه ثَلاثًا، فقال له قَيْنٌ الأشْجَعيّ: فإذا أتَيْناكُم مِهْرَاسَكُم هذا كيفَ نَصْنَع؟. أرادَ بالمِهْراس: الحَجَر المَنْقور الذي لا يُقِلُّه الرِّجال.

والمِهراس: مَوْضِعٌ باليَمامَة من منازِلِ الأعشى، وهو القائِلُ فيه:

«شاقَكَ من قَتَلَةَ أطْلالُهـا *** بالشَّطِّ فالوَتْرِ إلى حاجِرِ»

«فَرُكِنَ مِهْرَاسٍ إلى مارِدٍ *** فَقَاعِ مَنْفُوْحَةَ ذي الحائِرِ»

وبَعيرٌ مِهْراسٌ: شديد الأكل، وإبل مَهَاريس، قال الحُطَيْئَة يَذْكُرُ إبِلَه:

«مَهَاريسُ يُرْوي رِسْلُها ضَيْفَ أهْلِها *** إذا النّارُ أبْدَت أوجُهَ الخَـفِـراتِ»

وجَوْزٌ مِهْراسٌ: شديدٌ قَوِيّ، قال رؤبة:

«وعُنُقٌ تَمَّ وجَوْزٌ مِهْرَاسْ *** ومَنْكِبا عِزٍّ لها وأعْجاسْ»

وقال ابن عبّاد: المِهْراس مِنَ الرِجال: الذي لا يَتَهَيَّبُه ليلٌ ولا سُرىً.

وقال الليث: المَهَارِيْس من الإبِل: الجِسَامُ الثِّقَالُ، ومِن شِدَّةِ وَطْئِها نسَمِّيها مَهَارِيْس.

والهُرَاسُ -مثال سُعَالٍ- والهَرّاسُ -بالفتح والتَّشْدِيد- والهَرِسُ -مثال كَتِفٍ-: الأسَد الشَّديد الكَسْرِ والأكْلِ، قال رؤبة أيضًا:

«والتُّرْجُمانُ بن هُرَيْم هَرّاسْ *** كأنَّه ليثُ عَرِيْنٍ دِرْواسْ»

أي يَكْسِر الأعداء ويَدُقُّهُم. وقال آخَرُ:

«شَديدُ السّاعِدَيْنِ أخا وْثـابٍ *** شَديدًا أسْرُهُ هَرِسًا هَمُوْسا»

والمِهْرَسُ: المِدَقُّ والمِكْسَرُ، قال العجّاج:

«يُغَرِّزُ الأعْداءَ جَوْزًا مِرْدَسا *** وهامَةً ومَنْكِبًا مُفَرْدَسـا»

«وكَلْكَلًا ذا حامِياتٍ مِهْرَسا»

والهَرْسُ -وقال ابن عبّاد: الهَرِسُ مثال كَتِف-: السِّنَّوْرُ. قال: وفي المَثَل: أزْنى مِنْ هَرِسٍ، وأغْلَمُ منه.

والهَرَاسُ -مثال سَحَابٍ-: شجَر ذو شَوْك، الواحِدَة: هَرَسَة، قال النابغة الجعدي رضي الله عنه:

«وخَيْلٍ يُطَابِقْنَ بـالـدّارِعِـيْنَ *** طِباقَ الكِلابِ يَطَأْنَ الهَرَاسا»

ويروى: وشُعْثٍ تطابقُ.

وقال أبو عمرو: الهَرَاسُ: بَقْلٌ له ثَمَر مِثْلُ النَّبِقِ، وفيه شوكٌ كأنَّه أنياب. وبه سُمِّيَ الرَّجُل هَرَاسَة.

وأبو إسحاق إبراهيم بن هَرَاسَة الشَّيْباني الكوفي: متروك الحَديث، تكَلَّم فيه أبو عُبَيْد وغيرُه.

وقال غير أبي عمرو: الهَرَاسَة تُشْبِه القُطْبَة، وهي أكثر منه شَوكًا، وقالت الخنساء تَصِف الخيل:

«إذا زَجَروها في السَّريْحِ وطابَـقَـتْ *** طِباقَ الكِلابِ في الهَرَاسِ وصَرَّتِ»

والهَرَاسَةُ مُقَبَّبَةٌ، وعن الأعرابِ القُدُم: الهَرَاسَة كالقُطْبَةِ إلاّ أنَّها أصْغَرُ منها. وأرضُ هَرِسَة: إذا أنْبَتَتِ الهَرَاسَ، وقال النابغة الذُّبْيَانيّ:

«فَبِتُّ كأنَّ العائداتٍ فَرَشْـنَـنـي *** هَرَاسًا به يُعلى فِراشي ويُقْشَبُ»

وقال ابن عبّاد: الهَرَاسُ: الخَشِن مِنَ الأماكِن.

قال: وهَرَاسَة القوم: عِزُّهُم.

وهَرِسَ الرَّجُل -بكسر الراء-: إذا اشْتَدَّ أكْلُه.

وقال الجُمَحِيُّ: الهِرْسُ -بالكسر-: الثَّوْبُ الخَلَق، وهذا على معنى التَّشْبيه، كأنَّه قد هُرِسَ.

والتركيب يدل على دَقٍّ وهزمٍ في الشَّيْءِ.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


8-العباب الزاخر (ربط)

ربط

ربطت الشيْ أربطه وأربطه رَبطًا -والضمّ عن الأخفش-: أي شدَدْته. والموضعُ: مربطّ ومربطّ -بكسر الباء وفتحها-، يقال: ليس له مرِبطُ عَنزٍ، قال الحرثُ بن عُبادٍ في فَرسهِ النعامةَ: قرباّ مربطَ النعامةِ مني

«لقحتْ حربُ وائلٍ عن حيالِ»

وفي المثل: اسْتكرمتَ فارْبطْ، ويروى: أكرمْتَ: أي وجدتَ فرسًا كريمًا فأمْسكْه، يضربُ في وجوبِ الاحْتفاظ، ويروى: فارْتبطْ.

ويقال: ربط لذلك الأمرْ جاشًا: أي صبر نفسه وحبسها عليه، وهو رابط الجأش، قال لبيد رضي الله عنه يصفُ نفسه:

«رابطِ الجأش على فرجهـمِ *** أعْطف الجونْ بمربوعٍ متلْ»

وقال عمرو بن أحمر الباهلي:

«ولن ترى مثـلـي ذا شـيبةٍ *** أعْلم ما ينفعُ ممـاّ يضـرّ»

«أرْبطَ جأشًا عن ذرى قومـهِ *** إذْ قلصتْ عما تواري الأزر»

وقوله تعالى: (لولا أن ربطنا على قلبها).

الربط على القلب: إلهام الله عز وجل وتسديده وتقويته، ومنه قوله تعالى: (وربطنا على قلوبهم إذ قاموا) أي ألهمناهم الصبر.

والرابطُ والربيطُ: الرّاهب والزاهدُ والحكيمُ الذي ربط نفسه عن الدنيا، وفي بعض الحديث قال ربيط بني إسْرائيل: زَينُ الحكيم الصمتْ.

ويقال: نعم الربيط هذا: لما برتبطُ من الخيلْ.

والربيط -أيضًا-: لقبُ الغوثْ بن مر بن طابخة بن الياس بن مضرَ بن نزارِ بن معدَ بن عدنان. قال ابن الكلبي: وهو الربيطُ؛ وهو صوفة، كانت أمة نذرتْ -وكان لا يعيشُ لها ولد- لئن عاش هذا لتربطن برأسه صوفة ولتجعلنه ربيط الكعبة، ففعلت وجعلته خادمًا للبيت حتى بلغ، ثم نزعته، فسمي الربيطْ.

والربيط: البسرُ المودُوْن. وقال أبو عبيدٍ: إذا بلغ الثمر اليبس وضعَ في الحرارَ وصبّ عليه الماءُ، فذلك الربيط، فإن صب عليه الدبسُ فذلك المصقر. وقال ابن فارس: فأماّ قولهم للتمرْ: ربيطْ، فيقال انه الذي ييبسُ فيصبّ عليه الماءُ، قال: ولعل هذا من الدخيلْ، وقيل إنه بالدال: الربيدّ، وليس هو بأصْل.

ورجل ربيط الجاش: أي شديدُ القلب كأنهّ يربط نفسه عن الفرار.

ومربوط: من قرى الإسكندرية.

ومرباطُ: بلدة على ساحل بحر الهندْ.

ويقال: خلف فلان بالثغر جيشًا رابطةً. وببلدِ كذا رابطة من الخيلْ.

والرباط: واحد الرباطاتِ المبنيةّ.

والرباط: ما تشدّ به القربة والدابةُ وغيرهما، والجمع: ربطّ، قال الأخْطلُ يصف الأجنة في بطونِ الأتنِ:

«تموَتُ طَوارًا وتَحْيا في أسِرتّها *** كما تَقلّبُ في الربِط المراويدُ»

وقطعَ الظبيُ رباطه: أي حبالتهَ. يقال: جاءَ فلان وقد قرض رباطه: إذا انصرفَ مجهودًا.

والرباط: الخيل الخمس فما فوقها، قال بشيرُ ابن أبي بن جذيمة العبسيّ:

«وان الرباط النكدَ من آل داحسٍ *** أبينْ فما يفلحنْ يوم رهـانِ»

ورواية ابن دريدٍ: "جرينْ فلم يفلْحنْ". ويقال: لفلان رباط من الخيلْ؛ كما تقول: تلادّ؛ وهو أصلُ خيله.

والرباط: المرابطةَ؛ وهي ملازمةَ ثغرٍ العدوّ.

وقال القتبي: أن يربطَ هؤلاءٍ خيولهم ويربطَ هؤلاء خيولهم في ثغر، كل معد لصاحبه، فسمي المقام في الثغر رباطًا. وقوله تعالى: (وصابروا وربطوا) قال الأزهري: في قوله تعالى: (ورابطوا) قولانِ: أحدهما أقيموا على جهادِ عدوكمَ بالحرب وارتباط الخيل-، والثاني ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظارُ الصلاةِ بعد الصرة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط. جعل هذه الأعمال مثل مرابطةِ الخيل، وقال جرير يهجو الفرزدق:

«إذا آباؤنـا وأبـوك عـدوا *** أبان المقرفات من العرَابِ»

«فأوْرثك العلاة وأوْرثـونـا *** رِباطَ الخيلْ أفْنية القبـاِبِ»

وقال آخر:

«قوْمّ رِباطُ الخيلِ وَسْط بيوتْهم *** وأسنةِ زرْقّ يخَلْنَ نجومْـا»

وقال الليث: المرابطاتُ: جماعةُ الخيولِ الذين رَابطوا، قال: وفي الدّعاء: اللهمُ انصرْ جيوشَ المسُلمين وسراَياهم ومرابطاتهم: أي خَيْلَهم المرابطةَ قال: وفي بعض التفسير في قوله تعالى: (ورابطوا): هو المُواظبة على الصلوات في موَاقتْتها.

وتقول: فلان يرتبطُ كذا كذا رأسًا من الخيلْ وقد ارتْبطَ فرسًا: إذا اتخذَه للرباطّ.

وحكى الشيباْنيّ: ماءّ مترابطِّ: أي دائمّ لاُ ينزَحُ.

والتركيب يدلُّ على شدّ وثباتٍ.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


9-معجم النحو (اسم التفضيل وعمله)

اسم التّفضيل وعمله:

1 ـ تعريفه:

هو اسم مصوغ للدّلالة عل أنّ شيئين اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر فيها:

2 ـ قياسه:

قياسه: أفعل» للمذكّر، نحو «أفضل» و «أكبر» و (فعلى) للمؤنّث نحو «فضلى» و «كبرى» يقال: «عليّ أكبر من أخيه» و «هند فضلى أخواتها».

وقد حذفت همزة «أفعل» من ثلاثة ألفاظ هي «خير وشرّ وحبّ» لكثرة الاستعمال نحو «هو خير منه» و» الظالم شرّ الناس» وقول الشاعر:

«منعت شيئا فأكثرت الولوع به ***وحبّ شيء إلى الإنسان ما منعا»

وقد جاءت «خير وشر» على الأصل فقيل «أخير وأشر» قال رؤبة: «بلال خير الناس وابن الأخير» وقرأ أبو قلابة (سيعلمون غدا من الكذّاب الأشرّ»

وفي الحديث «أحبّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قل»

3 ـ صياغته:

لا يصاغ اسم التّفضيل إلّا من فعل استوفى شروط فعلي التّعجّب فلا يبنى من الفعل غير الثّلاثي، وشذّ قولهم: «هو أعطى منك» ولا من المجهول، وشذّ قولهم في المثل «العود أحمد» و «هذا الكتاب أخصر من ذاك» مشتق من «يحمد» و «يختصر» مع كون الثاني غير ثلاثي.

ولا من الجامد نحو «عسى» و «ليس»

ولا مما لا يقبل التّفاوت مثل «مات» و «فني» و «طلعت الشّمس» أو «غربت الشمس» فلا يقال: «هذا أموت من ذاك» ولا «أفنى منه» ولا «الشمس اليوم أطلع أو أغرب من أمس»

ولا من الناقص مثل «كان وأخواتها» ولا من المنفي، ولو كان النفي لازما نحو «ما ضرب» و «ما عاج عليّ بالدواء» أي ما انتفع به

ولا ممّا الوصف منه على «أفعل» الذي مؤنثه «فعلاء» وذلك فيما دل على «لون أو عيب أو حلية» لأنّ الصفة المشبهة تبنى من هذه الأفعال على وزن «أفعل»، فلو بني التّفضيل منها لالتبس بها، وشذّ قولهم «هو أسود من مقلة الظبي»

ويتوصل إلى تفضيل ما فقد الشروط ب «أشدّ» أو «أكثر» أو مثل ذلك، كما هو الحال في فعلي التعجب، غير أنّ المصدر في التّفضيل ينصب على التمييز نحو «خالد أشدّ استنباطا للفوائد» و «هو أكثر حمرة من غيره»

4 ـ لاسم التّفضيل باعتبار معناه ثلاثة استعمالات:

(أحدها) ما تقدّم في تعريفه، وهو الأصل والأكثر

(ثانيها) أن يراد به أن شيئا زاد في صفة نفسه على شيء آخر في صفته قال في الكشاف: فمن وجيز كلامهم «الصّيف أحرّ من الشّتاء» و «العسل أحلى من الخل» وحينئذ لا يكون بينهما وصف مشترك.

(ثالثها) أن يراد به ثبوت الوصف لمحلّه من غير نظر إلى تفضيل كقولهم: «الناقص والأشج أعدلا بني مروان» أي عادلاهم، وقوله:

«قبّحتم يا آل زيد نفرا***ألأم قوم أصغرا وأكبرا»

أي صغيرا وكبيرا، ومنه قولهم «نصيب أشعر الحبشة» أي شاعرهم، إذ لا شاعر غيره فيهم، وفي هذه الحالة تجب المطابقة، ومن هذا النوع قول أبي نواس:

«كأنّ صغرى وكبرى من فقاقعها***حصباء درّ على أرض من الذّهب »

وقوله تعالى {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ}

5 ـ لاسم التفضيل من جهة لفظه ثلاث حالات:

(1) أن يكون مجرّدا من «أل» و «الإضافة»

(2) أن يكون فيه «أل».

(3) أن يكون مضافا.

فالمجرّد من «أل والإضافة» يجب فيه أمران:

(أحدهما) أن يكون مفردا مذكرا دائما نحو {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا}.

(ثانيهما) أن يؤتى بعده ب «من» جارة للمفضول كالآية المارة، وقد تحذف «من» نحو {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى} وقد جاء إثبات «من» وحذفها في قوله تعالى {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} أي منك.

وأكثر ما تحذف «من» مع مجرورها إذا كان أفعل خبرا، كالآية، ويقل إذا كان حالا كقوله:

«دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا***فظلّ فؤادي في هواك مضلّلا»

أي دنوت أجمل من البدر. أو صفة كقول أحيحة بن الجلاح:

«تروّحي أجدر أن تقيلي ***غدا بجنبي بارد ظليل »

أي تروّحي وخذي مكانا أجدر من غيره بأن تقيلي فيه.

ويجب تقديم «من» ومجرورها عليه إن كان المجرور بمن استفهاما، نحو «أنت ممّن أفضل؟» أو مضافا إلى الاستفهام نحو «أنت من غلام من أفضل؟»، وقد تتقدّم في غير ذلك ضرورة كقول جرير:

«إذا سايرت أسماء يوما ظعينة***فأسماء من تلك الظعينة أملح »

وما فيه «أل» من اسم التّفضيل يجب فيه أمران:

(أحدهما) أن يكون مطابقا لموصوفه نحو «محمد الأفضل» و «هند الفضلى» و «المحمّدان الأفضلان» و «المحمّدون الأفضلون» و «الهندات الفضليات أو الفضّل»

(ثانيهما) ألّا يؤتى معه ب «من”

وأما قول الأعشى يخاطب علقمة:

«ولست بالأكثر منهم حصى ***وإنما العزة للكاثر »

فخرّج على زيادة «أل»،

و «المضاف» من اسم التفضيل يلزمه أمران: التذكير، والتوحيد كما يلزمان المجرد لاستوائهما في التّنكير، ويلزم في المضاف إليه أن يطابق، نحو «المحمدان أفضل رجلين» و «المحمّدون أفضل رجال» و «هند أفضل امرأة» فأما قوله تعالى {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ} فالتقدير على حذف الموصوف، أي أول فريق كافر به.

وإن كانت الإضافة إلى معرفة جازت المطابقة كقوله تعالى {أَكابِرَ مُجْرِمِيها} {هُمْ أَراذِلُنا} وتركها ـ وهو الشّائع في الاستعمال ـ قال تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ} وقد اجتمع الاستعمالان في الحديث «ألا أخبركم بأحبّكم إليّ وأقربكم منى منازل يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون».

6 ـ عمل اسم التّفضيل:

يرفع اسم التفضيل الضمير المستتر بكثرة نحو «أبو بكر أفضل» ويرفع الاسم الظاهر، أو الضمير المنفصل في لغة قليلة نحو «نزلت برجل أكرم منه أبوه» أو «أكرم منه أنت» ويطّرد أن يرفع «أفعل التفضيل» الاسم الظاهر إذا جاز أن يقع موقعه الفعل الذي بني منه مفيدا فائدته، وذلك إذا كان «أفعل» صفة لاسم جنس، وسبقه «نفي أو شبهه» وكان مرفوعه أجنبيا مفضّلا على نفسه باعتبارين نحو «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد» و «لم ألق إنسانا أسرع في يده القلم منه في يد علي» و «لا يكن غيرك أحبّ إليه الخير منه إليك» و «هل في الناس رجل أحقّ به الحمد منه بمحسن لا يمن»

وأما النصب به: فيمتنع منه المفعول به، والمفعول معه، والمفعول المطلق، مطلقا، ويمتنع التمييز، إذا لم يكن فاعلا في المعنى فلفظ «حيث» في قوله تعالى {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ»} في موضع نصب مفعولا به بفعل مقدر يدل عليه أعلم؛ أي يعلم الموضع والشخص الذي يصلح للرسالة، ومنه قوله:

وأضرب منا بالسيوف القوانسا وأجاز بعضهم: أن يكون «أفعل» هو العامل لتجرده عن معنى التفضيل أمّا عمله الجرّ بالإضافة، فيجوز إن كان المخفوض كلا، و «أفعل» بعضه، وذلك إذا أضيف إلى معرفة، وعكسه إذا أضيف لنكرة

وكذا بالحرف فإن كان «أفعل» مصوغا من متعد بنفسه، ودلّ على حب أو بغض عدّي ب «إلى» إلى ما هو فاعل في المعنى وعدّي ب «اللام» إلى ما هو مفعول في المعنى نحو «المؤمن أحبّ لله من نفسه، وهو أحبّ إلى الله من غيره» أي يحب الله أكتثر من حبّه لنفسه، ويحبّه الله أكثر من حبّه لغيره، ونحو «الصالح أبغض للشّرّ من الفاسق. وهو أبغض إليه من غيره» أي يبغض الشر أكثر من بغضه للفاسق، ويبغضه الفاسق أكثر من بغضه لغيره.

وإن كان من متعد لنفسه دالّ على علم عدّي بالباء نحو «محمد أعرف بي، وأنا أعلم به» وإن كان غير ذلك عدي باللام نحو «هو أطلب للثار وأنفع للجار» وإن كان من متعدّ بحرف جرّ عدّي به لا بغيره نحو «هو أزهد في الدنيا» وأسرع إلى الخير» و «أبعد من الذنب» و «أحرص على المدح» و «أجدر بالحلم» و «أحيد عن الخنى» ولفعل التعجب من هذا الاستعمال ما لأفعل التفضيل نحو «ما أحب المؤمن لله وما أحبه إلى الله» إلى آخر هذه الأمثلة.

معجم النحو-عبدالغني الدقر-صدر: 1395هـ/1975م


10-المعجم المفصل في علم الصرف (أفعل التفضيل)

أفعل التفضيل

1 ـ تعريفه: هو صيغة مشتقّة تدلّ على اشتراك شيئين في معنى، وعلى زيادة أحدهما على الآخر فيه، نحو: «سمير أكبر من سليم». ويسمّى أيضا: اسم التفضيل، والصّفة غير المشبّهة.

2 ـ وزنه: لأفعل التفضيل وزن واحد هو «أفعل»، ومؤنثه «فعلى»، نحو: «أصغر، صغرى».

وقد حذفت همزة «أفعل» في ثلاث كلمات هي: خير، شرّ، حبّ، وأصلها: أخير، أشرّ، أحبّ، ويجوز إثباتها خاصّة في «حبّ».

3 ـ صياغته: يصاغ أفعل التفضيل من الفعل الثلاثيّ المثبت، المتصرّف، المعلوم، التّامّ، القابل للتفضيل، غير الدال على لون، أو عيب، أو حلية، على وزن أفعل، نحو: «أكبر». (راجع: الملاحظة في آخر المادة).

يصاغ أفعل التفضيل من الثلاثيّ الدال على لون أو عيب أو حلية، وممّا فوق الثلاثيّ بأن يؤتى بمصدره منصوبا بعد:

«أكثر»، و «أشدّ»، ونحوهما، نحو: «الثلج أكثر بياضا من القطن»، و «الشاعر أبعد تخيّلا من الناشر».

4 ـ أحواله: لاسم التفضيل أربع حالات، هي:

أ ـ تجرّده من «أل» والإضافة: إذا تجّرد من «أل» والإضافة التزم الإفراد والتذكير، ووجب إدخال «من» على المفضّل عليه، نحو: «زيد أفضل من زياد» و «مريم أفضل من زينب»، وهؤلاء أفضل من تلك» و «هاتان أفضل من هاتين» و «المتعلّمات أفضل من الجاهلات». وقد تكون «من» مقدّرة كقوله تعالى: (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) أي خير من الحياة الدنيا وأبقى منها. وقد اجتمع إثباتها وحذفها في قوله تعالى (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) أي وأعزّ منك نفرا. ويجب عدم تقديم اسم التفضيل على «من» ومجرورها، فلا يقال مثلا: «من زيد أفضل سمير»، ولا «زيد من سمير أفضل» إلّا إذا كان المجرور بها اسم استفهام، أو مضافا إلى اسم استفهام، نحو: «ممّن أنت أفضل؟».

وقد ورد التقديم شذوذا في قول الشاعر:

«وإنّ عناء أن تناظر جاهلا***فيحسب ـ جهلا ـ أنّه منك أعلم »

والأصل: أنّه أعلم منك.

ب ـ المقترن بـ «أل»: إذا اقترن أفعل التفضيل بـ «أل» وجب حذف «من»، ووجبت مطابقته لما قبله إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا، نحو: «هو الأفضل» و «وهي الفضلى»، و «هما الأفضلان» و «هم الأفضلون» و «هنّ الفضليات».

ج ـ إضافته إلى النكرة: في هذه الحالة وجب إفراده وتذكيره، ووجب حذف «من»، نحو: «سمير أفضل زائر» و «مريم أفضل امرأة»، و «هذان أجمل رجلين» و «هؤلاء أفضل رجال»، و «المتعلّمون أفضل رجال» و «المثقّفات أفضل نساء». ويشترط هنا أن يكون «المفضّل» جزءا من المفضّل عليه، فلا يجوز القول: «سمير خير البنات».

د ـ المضاف إلى معرفة: في هذه الحالة تحذف «من»، فلا يقال مثلا: «فلان أفضل القوم من فلان». ويجوز إفراده وتذكيره، كالمضاف إلى نكرة، ومطابقته لما قبله إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا كالمقترن بـ «أل». وقد اجتمع الاستعمالان في الحديث الشريف: ألا أخبركم بأحبّكم إليّ، وأقربكم منّي مجالس يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، الموطّئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون». والأفصح التزام الإفراد والتذكير. ويشترط هنا أن يكون «المفضّل» بعضا من «المفضّل عليه». أمّا إذا كان اسم التفضيل عاريا من معنى المفاضلة، فإنّ مطابقته تصبح واجبة، عندئذ يجوز ألّا يكون «المفضل» بعضا من «المفضّل عليه»، نحو: «خليل أفضل إخوته».

5 ـ أفعل لغير التفضيل: قد يأتي «أفعل» عاريا من معنى التفضيل، فيتضمّن عندئذ معنى اسم الفاعل، نحو: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) أي عالم بكم، أو بمعنى الصفة المشبّهة نحو: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ).

ملاحظة: لا يصاغ أفعل التفضيل من النفي، ولا من الأفعال الجامدة، ولا من المجهول، ولا من الناقص، ولا من الأفعال غير القابلة للتفضيل. وإذا صيغ منها كان الاستعمال مجازا، نحو: «فلان أموت قلبا من فلان» فهنا بمعنى أبلد أو أضعف. ولا يصاغ من الدال على لون أو عيب أو حلية، ولكن شذّ المثل القائل: «العود أحمد» لأنه مصوغ من» الحمد». وقولهم: «أزهى من ديك» فبنوه من «زهي»، وهو فعل للمجهول، و «هو أسود من حلك الغراب، وأبيض من اللبن» فبنوه ممّا يدلّ على لون، و «هو أعطاهم للدراهم، وأولاهم للمعروف» فبنوه من «أعطى» و «أولى» شذوذا.

المعجم المفصل في علم الصرف-راجي الأسمر-صدر:1414هـ/1993م


11-معجم القواعد العربية (اسم التفضيل وعمله)

اسم التّفضيل وعمله:

تعريفه:

هو اسم مصوغ للدّلالة على أنّ شيئين اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر فيها، فإذا قلت: «خالد أشجع من عمرو» فإنّما جعلت غاية تفضيله عمرا.

2 ـ قياسه:

قياسه: «أفعل» للمذكّر، نحو: «أفضل» و «أكبر» وهو ممنوع من الصرف للوصفيّة ووزن الفعل، و «فعلى» للمؤنّث نحو: «فضلى» و «كبرى» يقال: «عليّ أكبر من أخيه». و «هند فضلى أخواتها».

وقد حذفت همزة «أفعل» من ثلاثة ألفاظ هي: «خير وشرّ وحبّ» لكثرة الاستعمال نحو «هو خير منه» و «الظالم شرّ الناس».

«منعت شيئا فأكثرت الولوع به *** وحبّ شيء إلى الإنسان ما منعا»

وقد جاءت «خير وشرّ» على الأصل، فقيل: «أخير وأشر» قال رؤبة: «بلال خير الناس وابن الأخير». وقرأ أبو قلابة: {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ}. وفي الحديث «أحبّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قل».

3 ـ صياغته:

لا يصاغ اسم التّفضيل إلّا من فعل استوفى شروط فعلي التّعجّب. فلا يبنى من فعل غير الثّلاثي، وشذّ قولهم: «هو أعطى منك»، ولا من المجهول، وشذّ قولهم في المثل «العود أحمد» و «هذا الكتاب أخصر من ذاك» مشتق من «يحمد» و «يختصر» مع كون الثاني غير ثلاثي، ولا من الجامد نحو «عسى» و «ليس» ولا مما لا يقبل التّفاوت مثل «مات» و «فني» و «طلعت الشّمس» أو «غربت الشّمس» فلا يقال: «هذا أموت من ذاك» ولا «أفنى منه». ولا «الشمس اليوم أطلع أو أغرب من أمس» ولا من النّاقص مثل «كان وأخواتها» ولا من المنفي، ولو كان النفي لازما نحو «ما ضرب» و «ما عجت بالدواء عيجا» أي لم أنتفع به، ولا ممّا الوصف منه على «أفعل» الذي مؤنّثه «فعلاء» وذلك فيما دلّ على «لون أو عيب أو حلية» لأنّ الصّفة المشبهة تبنى من هذه الأفعال على وزن «أفعل»، فلو بني التّفضيل منها لالتبس بها، وشذّ قولهم: «هو أسود من مقلة الظّبي» ويتوصّل إلى تفضيل ما فقد الشروط ب «أشدّ» أو «أكثر» أو مثل ذلك، كما هو الحال في فعلي التّعجّب، غير أنّ المصدر بعد التّفضيل بأشدّ ينصب على التّمييز نحو «خالد أشدّ استنباطا للفوائد» و «هو أكثر حمرة من غيره».

4 ـ لاسم التّفضيل باعتبار معناه ثلاثة استعمالات:

(أحدها) ما تقدّم في تعريفه وهو الأصل والأكثر نحو «خالد أحبّ إليّ من عمرو» (ثانيها) أن يراد به أنّ شيئا زاد في صفة نفسه على شيء آخر في صفته قال في الكشاف: فمن وجيز كلامهم: «الصّيف أحرّ من الشّتاء» و «العسل أحلى من الخل». أي إنّ الصّيف أبلغ في حرّه من الشتاء في برده والعسل في حلاوته زائد على الخلّ في حموضته. وحينئذ لا يكون بينهما وصف مشترك.

(ثالثها) أن يراد به ثبوت الوصف لمحلّه من غير نظر إلى تفضيل كقولهم: «النّاقص والأشجّ أعدلا بني مروان» أي عادلاهم، وقوله: قبّحتم يا آل زيد نفرا ألام قوم أصغرا وأكبرا أي صغيرا وكبيرا، ومنه قولهم: «نصيب أشعر الحبشة». أي شاعرهم. إذ لا شاعر غيره فيهم، وفي هذه الحالة تجب المطابقة، ومن هذا النوع قول أبي نواس:

«كأنّ صغرى وكبرى من فقاقعها *** حصباء درّ على أرض من الذّهب »

ومنه قوله: تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}. و {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ}.

5 ـ لاسم التّفضيل من جهة لفظه ثلاث حالات:

1 ـ أن يكون مجرّدا من «أل» و «الإضافة».

2 ـ أن يكون فيه «أل».

3 ـ أن يكون مضافا.

فأمّا المجرّد من «أل والإضافة».

يجب فيه أمران:

(أحدهما) أن يكون مفردا مذكّرا دائما نحو: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا}.

(ثانيهما) أن يؤتى بعده ب «من». جارّة للمفضول كالآية المارّة، وقد تحذف «من»، نحو {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى}.

وقد جاء إثبات «من» وحذفها في قوله تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} أي منك.

وأكثر ما تحذف «من» مع مجرورها إذا كان أفعل خبرا كآية {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ}، ويقل إذا كان حالا كقوله:

«دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا *** فظلّ فؤادي في هواك مضلّلا»

أي دنوت أجمل من البدر، أو صفة كقول أحيحة بن الجلاح:

«تروّحي أجدر أن تقيلي *** غدا بجنبي بارد ظليل »

أي تروّحي وخذي مكانا أجدر من غيره بأن تقيلي فيه.

ويجب تقديم «من» ومجرورها عليه إن كان المجرور بمن استفهاما، نحو: «أنت ممّن أفضل؟». أو مضافا إلى الاستفهام نحو «أنت من غلام من أفضل؟».

وقد تتقدّم في غير ذلك للضرورة كقول جرير:

«إذا سايرت أسماء يوما ظعينة *** فأسماء من تلك الظّعينة أملح »

وأمّا ما فيه «أل» من اسم التّفضيل فيجب فيه أمران:

(أحدهما) أن يكون مطابقا لموصوفه نحو: «محمد الأفضل» و «هند الفضلى». و «المحمّدان الأفضلان» و «المحمّدون الأفضلون» و «الهندات الفضليات أو الفضّل».

(ثانيهما) ألا يؤتى معه ب «من».

وأما قول الأعشى يخاطب علقمة:

«ولست بالأكثر منهم حصى *** وإنّما العزة للكاثر »

فخرّج على زيادة «أل».

وأمّا المضاف» إلى نكرة من اسم التفضيل فيلزمه أمران: التذكير، والإفراد، كما يلزمان المجرد من أل والإضافة لاستوائهما في التّنكير، ولكونهما على معنى: من، ويلزم في المضاف إليه أن يطابق الموصوف نحو «محمد أفضل رجل» و «المحمّدان أفضل رجلين» و «المحمّدون أفضل رجال» و «هند أفضل امرأة» و «الهندان» أفضل امرأتين و «الهندات أفضل نساء» إذا قصدت ثبوت المزيّة للأوّل على جنس المضاف إليه، فأما قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ}. فالتقدير على حذف الموصوف، أي أوّل فريق كافر به.

وإن كانت الإضافة إلى معرفة، فإن أوّل بما لا تفضيل فيه، أو قصد به زيادة مطلقة وجبت المطابقة للموصوف، كقولهم: «الناقص والأشجّ أعدلا بني مروان» أي عادلاهم. وإن كان أفعل على أصله من إفادة المفاضلة على ما أضيف إليه جازت المطابقة كقوله تعالى: {أَكابِرَ مُجْرِمِيها}، {هُمْ أَراذِلُنا} وترك المطابقة هو الشّائع في الاستعمال، قال تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ}.

وقد اجتمع الاستعمالان في الحديث: «ألا أخبركم بأحبّكم إليّ وأقربكم مني منازل يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطّؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون».

6 ـ عمل اسم التّفضيل:

يرفع اسم التفضيل الضمير المستتر بكثرة نحو «أبو بكر أفضل» ويرفع الاسم الظّاهر، أو الضّمير المنفصل في لغة قليلة نحو «نزلت برجل أكرم منه أبوه» أو «أكرم منه أنت» ويطّرد أن يرفع «أفعل التفضيل» الاسم الظاهر إذا جاز أن يقع موقعه الفعل الذي بني منه مفيدا فائدته، وذلك إذا كان «أفعل» صفة لاسم جنس، وسبقه «نفي أو شبهه». وكان مرفوعه أجنبيا مفضّلا على نفسه باعتبارين نحو: «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد» و «لم ألق إنسانا أسرع في يده القلم منه في يد عليّ».

و «لا يكن غيرك أحبّ إليه الخير منه إليك». و «هل في الناس رجل أحقّ به الحمد منه بمحسن لا يمنّ».

وأما النّصب به: فيمتنع منه مطلقا المفعول به والمفعول معه، والمفعول المطلق، ويمتنع التمييز، إذا لم يكن فاعلا في المعنى فلفظ «حيث» في قوله تعالى: {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ}. في موضع نصب مفعولا به بفعل مقدّر يدل عليه أعلم؛ أي يعلم الموضع والشّخص الذي يصلح للرّسالة، ومنه قوله:

«وأضرب منا بالسيوف القوانسا»

. وأجاز بعضهم: أن يكون «أفعل» هو العامل لتجرّده عن معنى التفضيل.

أمّا عمله الجرّ بالإضافة، فيجوز إن كان المخفوض كلّا، و «أفعل» بعضه، وذلك إذا أضيف إلى معرفة، نحو «الشّافعي أعلم الفقهاء». وعكسه إذا أضيف لنكرة نحو «أفضل رجلين أبو بكر وعمر». وأمّا عمله بالحرف فإن كان «أفعل» مصوغا من متعدّ بنفسه ودلّ على حب أو بغض عدّي ب «إلى» إلى ما هو فاعل في المعنى، وعدّي ب «اللام» إلى ما هو مفعول في المعنى، نحو «المؤمن أحبّ لله من نفسه، وهو أحبّ إلى الله من غيره» أي يحبّ الله أكثر من حبّه لنفسه، ويحبّه الله أكثر من حبّه لغيره، ونحو «الصّالح أبغض للشّرّ من الفاسق، وهو أبغض إليه من غيره». أي يبغض الشر أكثر من بغضه للفاسق، ويبغضه الفاسق أكثر من بغضه لغيره.

وإن كان من متعدّ لنفسه دالّ على علم عدّي بالباء نحو «محمد أعرف بي، وأنا أعلم به». وإن كان غير ذلك عدّي باللّام نحو «هو أطلب للثّأر وأنفع للجار» وإن كان من متعدّ بحرف جرّ عدّي به لا بغيره نحو «هو أزهد في الدنيا، وأسرع إلى الخير» و «أبعد من الذنب» و «أحرص على المدح» و «أجدر بالحلم» و «أحيد عن الخنى» ولفعل التّعجّب من هذا الاستعمال، ما لأفعل التفضيل نحو «ما أحبّ المؤمن لله وما أحبّه إلى الله» إلى آخر هذه الأمثلة.

معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذُيّل بالإملاء-عبدالغني الدقر-صدر: 1404ه‍/1984م


12-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (التنسيق)

التّنسيق:

النسق من كلّ شيء: ما كان على طريقة نظام واحد، وقد نسّقته تنسيقا، والتنسيق: الترتيب.

تحدّث الوطواط عن «تنسيق الصفات» وقال: «وتكون هذه الصنعة بأن يذكر الكاتب أو الشاعر شيئا بجملة أسماء أو جملة صفات متوالية».

كقوله تعالى: {هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}. ومنه قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ: «ألا أخبركم بأحبّكم إليّ وأقربكم مني مجالس يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون. ألا أخبركم بأبغضكم اليّ وأبعدكم مني مجالس يوم القيامة أسوؤكم أخلاقا الثرثارون المتفيهقون». ومنه قول العباس بن عبد المطلب في مدح المصطفى عليه‌السلام:

«وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ***ثمال اليتامى عصمة للأرامل »

وقول حسان:

«بيض الوجوه كريمة أحسابهم ***شمّ الأنوف من الطرّاز الأوّل “

وذكر الرازي تنسيق الصفات ومثّل له بالآية السابقة، وقال الحلبي والنويري عن تنسيق الصفات: «هو أن يذكر الشيء بصفات متوالية».

وسمّاه المصري «حسن النسق» وقال: «هو أن تأتي الكلمات من النثر والأبيات من الشعر متتاليات متلاحمات تلاحما سليما مستحسنا لا مستهجنا.

والمستحسن من ذلك أن يكون كل بيت إذا أفرد قام بنفسه واستقلّ معناه بلفظه وإن ردفه مجاوره صار بمنزلة البيت الواحد بحيث يعتقد السامع أنّهما اذا انفصلا تجزأ حسنهما ونقص كمالهما وتقسّم معناهما وهما ليس كذلك بل حالهما في كمال الحسن وتمام المعنى مع الانفراد والافتراق كحالهما مع الالتئام والاجتماع». ومن ذلك قوله تعالى: {وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي، وَغِيضَ الْماءُ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ، وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ، وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، وقد جاءت الجمل في هذه الآية الكريمة معطوفا بعضها على بعض بواو النسق على الترتيب الذي تقتضيه البلاغة.

ومن الشعر قول زهير:

«ومن يعص أطراف الزجاج فإنّه ***يطيع العوالي ركبّت كلّ لهذم »

فانّه نسق على هذا البيت عدة أبيات، كل بيت معطوف على ما قبله بالواو عطف تلاحم. وهذا من شواهد عطف بيت على بيت، وقد يكون حسن النسق في جمل البيت الواحد كقول ابن شرف القيرواني:

«جاور عليا ولا تحفل بحادثة***إذا ادّرعت فلا تسأل عن الأسل »

«سل عنه وانطق وانظر اليه تجد***ملء المسامع والأفواه والمقل »

وسمّاه ابن الأثير الحلبي التمزيج وحسن الارتباط وحسن الترتيب وحسن النسق وعرّفه بما يقرب من تعريف المصري. وتحدث عنه في باب آخر باسم «حسن النسق والانسجام» ونقل تعريف المصري ونقل بعض أمثلته. وتبعهما ابن قيم الجوزية وعرّف هذا النوع بتعريف المصري أيضا. وقال الحموي: «هذا النوع أعني حسن النسق ويسمّى التنسيق من محاسن الكلام وهو أن يأتي المتكلم بالكلمات من النثر والأبيات من الشعر متتاليات متلاحمات تلاحما سليما مستحسنا مستبهجا وتكون جملها ومفرداتها متسقة متوالية اذا أفرد منها البيت قام بنفسه واستقل معناه بلفظه».

وذكر السّيوطي قولين في هذا الفن:

الأوّل: ما ذكره الرازي والحلبي والنويري وهو «أن يذكر الشيء بصفات متوالية».

الثاني: قول أصحاب البديعيات وهو ما ذكره المصري والحموي. ولكنّه ذكر الرأي الثاني في «الاتقان» وحده وعرّف حسن النسق بتعريف البلاغيين السابقين ولا سيما تعريف المصري ومثاله القرآني.

وذكر المدني الرأيين أيضا، ونقل التعريفين المعروفين لكل رأي.

معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م


13-موسوعة الفقه الكويتية (استغاثة)

اسْتِغَاثَة

التَّعْرِيفُ:

1- الِاسْتِغَاثَةُ لُغَةً: طَلَبُ الْغَوْثِ وَالنَّصْرِ.

وَالِاسْتِغَاثَةُ شَرْعًا: لَا تَخْرُجُ فِي الْمَعْنَى عَنِ التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ تَكُونُ لِلْعَوْنِ، وَتَفْرِيجِ الْكُرُوبِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الِاسْتِخَارَةُ:

2- الِاسْتِخَارَةُ لُغَةً: طَلَبُ الْخِيَرَةِ فِي الشَّيْءِ.

وَاصْطِلَاحًا: طَلَبُ صَرْفِ الْهِمَّةِ لِمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ اللَّهِ، وَالْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ.فَالِاسْتِخَارَةُ أَخَصُّ، لِأَنَّهَا لَا تُطْلَبُ إِلاَّ مِنَ اللَّهِ.

الِاسْتِعَانَةُ:

3- الِاسْتِعَانَةُ: طَلَبُ الْعَوْنِ.اسْتَعَنْتُ بِفُلَانٍ طَلَبْتُ مَعُونَتَهُ فَأَعَانَنِي، وَعَاوَنَنِي.وَتَكُونُ مِنَ الْعِبَادِ فِيمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، وَمِنَ اللَّهِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِغَاثَةَ لَا تَكُونُ إِلاَّ فِي الشِّدَّةِ.

حُكْمُ الِاسْتِغَاثَةِ:

4- لِلِاسْتِغَاثَةِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ:

الْأَوَّلُ: الْإِبَاحَةُ، وَذَلِكَ فِي طَلَبِ الْحَوَائِجِ مِنَ الْأَحْيَاءِ، إِذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا- وَمِنْ ذَلِكَ الدُّعَاءُ فَإِنَّهُ يُبَاحُ طَلَبُهُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ، بَلْ يَحْسُنُ ذَلِكَ- فَلَهُ أَنْ يَسْتَغِيثَ بِالْمَخْلُوقِينَ أَوْ لَا يَسْتَغِيثَ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ السُّؤَالِ وَالذُّلِّ وَالْخُضُوعِ وَالتَّضَرُّعِ لَهُمْ كَمَا يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى، لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَخْلُوقِينَ فِي الْأَصْلِ مُحَرَّمَةٌ، وَلَكِنَّهَا أُبِيحَتْ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، وَالْأَفْضَلُ الِاسْتِعْفَافُ عَنْهَا إِلاَّ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِ الِاسْتِغَاثَةِ هَلَاكٌ، أَوْ حَدٌّ، أَوْ ضَمَانٌ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ بِالِاسْتِغَاثَةِ أَوَّلًا.فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَثِمَ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ سَبْقُ ضَمَانٍ لِلدِّمَاءِ وَالْحُقُوقِ عَلَى تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي.

الثَّانِي: النَّدْبُ، وَذَلِكَ إِذَا اسْتَغَاثَ بِاَللَّهِ، أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ فِي الشِّدَّةِ وَالْكَرْبِ {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}.

الثَّالِثُ: الْوُجُوبُ، وَذَلِكَ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِ الِاسْتِغَاثَةِ هَلَاكٌ أَوْ ضَمَانٌ، فَإِنْ تَرَكَهُ مَعَ وُجُوبِهِ أَثِمَ.

الرَّابِعُ: التَّحْرِيمُ، وَذَلِكَ إِذَا اسْتَغَاثَ بِمَنْ لَا يَمْلِكُ فِي الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ بِالْقُوَّةِ أَوِ التَّأْثِيرِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَغَاثُ بِهِ إِنْسَانًا، أَوْ جِنًّا، أَوْ مَلَكًا، أَوْ نَبِيًّا، فِي حَيَاتِهِ، أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ}.

الِاسْتِغَاثَةُ بِاَللَّهِ:

5- (أ) فِي الْأُمُورِ الْعَادِيَةِ:

أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاسْتِغَاثَةِ بِاَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قِتَالِ عَدُوٍّ أَمِ اتِّقَاءِ سَبُعٍ أَمْ نَحْوِهِ.لِاسْتِغَاثَةِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- بِاَللَّهِ فِي مَوْقِعَةِ بَدْرٍ وَقَدْ أَخْبَرَنَا الْقُرْآنُ بِذَلِكَ.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} وَلِمَا رُوِيَ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ- رضي الله عنها- قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ».

(ب) وَتُسْتَحَبُّ أَيْضًا الِاسْتِغَاثَةُ بِاَللَّهِ فِي الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ بِالْقُوَّةِ وَالتَّأْثِيرِ، وَفِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلاَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.مِثْلُ إِنْزَالِ الْمَطَرِ، وَكَشْفِ الضُّرِّ، وَشِفَاءِ الْمَرَضِ، وَطَلَبِ الرِّزْقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلاَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، لقوله تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} وقوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ}.

وَيُسْتَغَاثُ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ»

الِاسْتِغَاثَةُ بِالرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-.

6- الِاسْتِغَاثَةُ بِالرَّسُولِ أَقْسَامٌ:

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الِاسْتِغَاثَةُ بِالرَّسُولِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِغَاثَةِ بِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَبِكُلِّ مَخْلُوقٍ حَالَ حَيَاتِهِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، لقوله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} وَلِقَوْلِهِ: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} وَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْعَوْنِ وَالنَّجْدَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}

الْقِسْمُ الثَّانِي: الِاسْتِغَاثَةُ بِالرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ مَوْتِهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَالْخِلَافُ فِيهَا.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَسْتَغِيثَ الْعَبْدُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مُتَقَرِّبًا بِرَسُولِهِ- صلى الله عليه وسلم-، كَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَجَّهُ إلَيْكَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ تَفْعَلَ كَذَا كَمَا سَيَأْتِي.

الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الِاسْتِغَاثَةُ بِذَاتِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- كَمَا سَيَأْتِي.

أَنْوَاعُ الِاسْتِغَاثَةِ بِالْخَلْقِ:

7- وَالِاسْتِغَاثَةُ بِالْخَلْقِ- فِيمَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ- تَكُونُ عَلَى أَرْبَعِ صُوَرٍ:

أَوَّلُهَا: أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ بِالْمُتَوَسَّلِ بِهِ تَفْرِيجَ الْكُرْبَةِ، وَلَا يَسْأَلُ الْمُتَوَسَّلَ بِهِ شَيْئًا، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: اللَّهُمَّ بِجَاهِ رَسُولِكَ فَرِّجْ كُرْبَتِي.وَهُوَ عَلَى هَذَا سَائِلٌ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَمُسْتَغِيثٌ بِهِ، وَلَيْسَ مُسْتَغِيثًا بِالْمُتَوَسَّلِ بِهِ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَيْسَتْ شِرْكًا، لِأَنَّهَا اسْتِغَاثَةٌ بِاَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلَيْسَتِ اسْتِغَاثَةً بِالْمُتَوَسَّلِ بِهِ؛ وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: 8- الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: جَوَازُ التَّوَسُّلِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ حَالَ حَيَاتِهِمْ وَبَعْدَ مَمَاتِهِمْ.قَالَ بِهِ مَالِكٌ، وَالسُّبْكِيُّ، وَالْكَرْمَانِيُّ، وَالنَّوَوِيُّ، وَالْقَسْطَلاَّنِيُّ، وَالسَّمْهُودِيُّ، وَابْنُ الْحَاجِّ، وَابْنُ الْجَزَرِيِّ.

9- وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ الِاسْتِغَاثَةِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا مَا وَرَدَ مِنَ الْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مِثْلُ «أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَبِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا إِلَيْكَ».

وَمِنْهَا مَا قَالَهُ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- فِي الدُّعَاءِ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أُسْدٍ «اغْفِرْ لِأُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ أُسْدٍ، وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا، بِحَقِّ نَبِيِّك وَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي، فَإِنَّك أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».

وَمِنَ الْأَدِلَّةِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي».

وَمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- مَرَّ عَلَى مُوسَى وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ» وَالصَّلَاةُ تَسْتَدْعِي حَيَاةَ الْبَدَنِ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- عِنْدَ قوله تعالى {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ تُقَاتِلُ غَطَفَانَ، كُلَّمَا الْتَقَتَا هَزَمَتْ غَطَفَانُ الْيَهُودَ، فَدَعَتِ الْيَهُودُ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِحَقِّ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنْ تُخْرِجَهُ لَنَا إِلاَّ نَصَرْتَنَا عَلَيْهِمْ.فَكَانُوا إِذَا الْتَقَوْا دَعَوْا بِهَذَا الدُّعَاءِ فَتَهْزِمُ الْيَهُودُ غَطَفَانَ.

وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}.وَهَذَا تَفْخِيمٌ لِلرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- وَتَعْظِيمُهُ- صلى الله عليه وسلم- لَا يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ.

وَيَسْتَدِلُّونَ بِحَدِيثِ الْأَعْمَى الْمُتَوَسِّلِ بِرَسُولِ اللَّهِ فِي رَدِّ بَصَرِهِ.

10- الْقَوْلُ الثَّانِي: أَجَازَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ الِاسْتِغَاثَةَ بِاَللَّهِ مُتَوَسِّلًا بِالنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَالصَّالِحِينَ حَالَ حَيَاتِهِمْ.وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَصَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَحْدَهُ.وَاسْتَشْهَدَ لِهَذَا بِحَدِيثِ الْأَعْمَى الَّذِي دَعَا اللَّهَ سُبْحَانَهُ مُتَوَسِّلًا بِرَسُولِ اللَّهِ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ.

فَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ «رَجُلًا ضَرِيرًا أَتَاهُ- عليه الصلاة والسلام-.فَقَالَ: اُدْعُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَافِيَنِي، فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: إِنْ شِئْتَ أَخَّرْتَ وَهُوَ خَيْرٌ، وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتَ.فَقَالَ: اُدْعُ قَالَ: فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِحَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّكَ فِي حَاجَتِي لِتُقْضَى.اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ» وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَزَادَ: فَقَامَ، وَقَدْ أَبْصَرَ.

11- الْقَوْلُ الثَّالِثُ: عَدَمُ جَوَازِ الِاسْتِغَاثَةِ إِلاَّ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمُنِعَ التَّوَسُّلُ فِي تِلْكَ الِاسْتِغَاثَةِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، أَحْيَاءً كَانُوا أَوْ أَمْوَاتًا.

وَصَاحِبُ هَذَا الرَّأْيِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ.وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}.

وَبِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ- رضي الله عنه-، أَنَّهُ «كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مُنَافِقٌ يُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قُومُوا بِنَا نَسْتَغِيثُ بِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: إِنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي وَإِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاَللَّهِ».

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ:

12- اسْتِغَاثَةٌ بِاَللَّهِ وَاسْتِغَاثَةٌ بِالشَّفِيعِ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لَهُ: وَهُوَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ، وَيَسْأَلَ الْمُتَوَسَّلَ بِهِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ الصَّحَابَةُ، وَيَسْتَغِيثُونَ وَيَتَوَسَّلُونَ بِالنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي الِاسْتِسْقَاءِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ بِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ وَيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ- رضي الله عنهما-، فَهُوَ اسْتِغَاثَةٌ بِاَللَّهِ، وَاسْتِغَاثَةٌ بِالشَّفِيعِ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ لَهُ.فَهُوَ مُتَوَسِّلٌ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ، وَهَذَا مَشْرُوعٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي حَيَاةِ الشَّفِيعِ، وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ.

فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، كُلُّ ضَعِيفٍ مُسْتَضْعَفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ» قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى اللَّهِ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا لأَوْقَعَ مَطْلُوبَهُ، فَيَبَرُّ بِقَسَمِهِ إِكْرَامًا لَهُ، لِعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ.

فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ خَصَّهُ اللَّهُ بِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْأَلَ فَيَدْعُوَ لِلْمُسْتَغِيثِ، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا فِي آثَارٍ كَثِيرَةٍ عَنِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- وَالصَّحَابَةِ.

الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: اسْتِغَاثَةٌ فِي سُؤَالِ اللَّهِ:

13- وَهِيَ أَنْ يَسْتَغِيثَ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ فِي سُؤَالِ اللَّهِ لَهُ تَفْرِيجَ الْكَرْبِ، وَلَا يَسْأَلُ اللَّهَ هُوَ لِنَفْسِهِ.وَهَذَا جَائِزٌ لَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ.

وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «وَهَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ» أَيْ بِدُعَائِهِمْ، وَصَلَاتِهِمْ، وَاسْتِغْفَارِهِمْ.

وَمِنْ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ».أَيْ يَسْتَنْصِرُ بِهِمْ.فَالِاسْتِنْصَارُ وَالِاسْتِرْزَاقُ يَكُونُ بِالْمُؤْمِنِينَ بِدُعَائِهِمْ، مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَفْضَلُ مِنْهُمْ.لَكِنَّ دُعَاءَهُمْ وَصَلَاتَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ، وَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَنْصِرِ بِهِ وَالْمُسْتَرْزِقِ بِهِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ.وَمِنْهُ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ.مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ».

وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَدِيثِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ: «فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يُسْتَغْفَرَ لَكَ فَافْعَلْ» وَقَوْلُ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- لِعُمَرَ لَمَّا وَدَّعَهُ لِلْعُمْرَةِ: «لَا تَنْسَنَا مِنْ دُعَائِكَ».

الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ:

14- أَنْ يَسْأَلَ الْمُسْتَغَاثَ بِهِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَا يَسْأَلُ اللَّهَتَبَارَكَ وَتَعَالَى، كَأَنْ يَسْتَغِيثَ بِهِ أَنْ يُفَرِّجَ الْكَرْبَ عَنْهُ، أَوْ يَأْتِيَ لَهُ بِالرِّزْقِ.فَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ وَقَدْ عَدَّهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ الشِّرْكِ، لقوله تعالى {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «شُجَّ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ أُحُدٍ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، فَقَالَ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ؟ فَنَزَلَتْ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} » فَإِذَا نَفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ مَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى.

الِاسْتِغَاثَةُ بِالْمَلَائِكَةِ:

15- الِاسْتِغَاثَةُ بِهِمُ اسْتِغَاثَةٌ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ اسْتِغَاثَةٍ بِغَيْرِ اللَّهِ مَمْنُوعَةٌ، لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.«إِنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي، وَلَكِنْ يُسْتَغَاثُ بِاَللَّهِ» وَلِحَدِيثِهِ أَيْضًا- عليه السلام- «لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّارِ اعْتَرَضَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا» الِاسْتِغَاثَةُ بِالْجِنِّ:

16- الِاسْتِغَاثَةُ بِالْجِنِّ مُحَرَّمَةٌ، لِأَنَّهَا اسْتِغَاثَةٌ بِمَنْ لَا يَمْلِكُ، وَتُؤَدِّي إِلَى ضَلَالٍ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} وَيُعْتَبَرُ هَذَا مِنَ السِّحْرِ.

الْمُسْتَغِيثُ وَأَنْوَاعُهُ:

17- إِذَا اسْتَغَاثَ الْمُسْلِمُ لِدَفْعِ شَرٍّ وَجَبَتْ إِغَاثَتُهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «وَتُغِيثُوا الْمَلْهُوفَ وَتَهْدُوا الضَّالَّ» وَقَوْلِهِ- عليه السلام- «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَهَذَا إِذَا لَمْ يَخْشَ الْمُغِيثُ عَلَى نَفْسِهِ ضَرًّا، لِأَنَّ لَهُ الْإِيثَارَ بِحَقِّ نَفْسِهِ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لقوله تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}.أَمَّا الْإِمَامُ وَنُوَّابُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْإِغَاثَةُ، وَلَوْ مَعَ الْخَشْيَةِ عَلَى النَّفْسِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى وَظَائِفِهِمْ.

18- وَإِذَا اسْتَغَاثَ الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يُغَاثُ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنِ الْغَيْرِ إِذَا كَانَ آدَمِيًّا مُحْتَرَمًا، وَلَمْ يَخْشَ الْمُغِيثُ عَلَى نَفْسِهِ هَلَاكًا، لِأَنَّ لَهُ الْإِيثَارَ بِحَقِّ نَفْسِهِ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ وَلِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِغَاثَةَ الْمَلْهُوفِ» وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلاَّ مِنْ شَقِيٍّ».وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْكَافِرُ حَرْبِيًّا وَاسْتَغَاثَ، فَإِنَّهُ يُجَابُ إِلَى طَلَبِهِ، لَعَلَّهُ يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ، أَوْ يَرْجِعُ عَمَّا فِي نَفْسِهِ مِنْ شَرٍّ وَيَأْسِرُهُ الْمَعْرُوفُ.لقوله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} أَيْ فَأَجِرْهُ، وَأَمِّنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَمْوَالِهِ، فَإِنِ اهْتَدَى وَآمَنَ عَنْ عِلْمٍ وَاقْتِنَاعٍ فَذَاكَ، وَإِلاَّ فَالْوَاجِبُ أَنْ تُبْلِغَهُ الْمَكَانَ الَّذِي يَأْمَنُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَكُونُ حُرًّا فِي عَقِيدَتِهِ.

الِاسْتِعَانَةُ بِالْكَافِرِ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ:

19- اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغَاثَةَ لِدَفْعِ شَرٍّ، أَوْ جَلْبِ نَفْعٍ مِمَّا يَمْلِكُهُ الْمَخْلُوقُ تَجُوزُ بِالْمَخْلُوقِينَ مُطْلَقًا، فَيُسْتَغَاثُ بِالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، كَمَا يُسْتَغَاثُ بِالنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَيُسْتَنْصَرُ بِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» فَلَمْ تَكُنِ الْإِغَاثَةُ مِنْ خَصَائِصِ الْمُؤْمِنِينَ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّينَ أَوِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِنَّمَا هِيَ وَصْفٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمِيعِ الْآدَمِيِّينَ.

اسْتِغَاثَةُ الْحَيَوَانِ:

20- يَجِبُ إِغَاثَةُ الْحَيَوَانِ، لِمَا رُوِيَ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَنَّ رَجُلًا دَنَا إِلَى بِئْرٍ فَنَزَلَ، فَشَرِبَ مِنْهَا وَعَلَى الْبِئْرِ كَلْبٌ يَلْهَثُ، فَرَحِمَهُ، فَنَزَعَ أَحَدَ خُفَّيْهِ فَسَقَاهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ» حَالَةُ الْمُسْتَغِيثِ:

21- إِذَا كَانَ الْمُسْتَغِيثُ عَلَى حَقٍّ وَجَبَتْ إِغَاثَتُهُ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ إِغَاثَةِ الْمُسْلِمِ، لقوله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} أَيْ إِنِ اسْتَنْقَذُوكُمْ فَأَعِينُوهُمْ بِنَفِيرٍ أَوْ مَالٍ، فَذَلِكَ فَرْضٌ عَلَيْكُمْ، فَلَا تَخْذُلُوهُمْ إِلاَّ أَنْ يَسْتَنْصِرُوكُمْ عَلَى قَوْمٍ كُفَّارٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَلَا تَنْصُرُوهُمْ عَلَيْهِمْ.إِلاَّ أَنْ يَكُونُوا أَسْرَى مُسْتَضْعَفِينَ، فَإِنَّ الْوِلَايَةَ مَعَهُمْ قَائِمَةٌ، وَالنُّصْرَةَ لَهُمْ وَاجِبَةٌ، حَتَّى لَا تَبْقَى مِنَّا عَيْنٌ تَطْرُفُ، حَتَّى نَخْرُجَ إِلَى اسْتِنْقَاذِهِمْ إِنْ كَانَ عَدَدُنَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، أَوْ نَبْذُلُ جَمِيعَ أَمْوَالِنَا فِي اسْتِخْرَاجِهِمْ حَتَّى لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ دِرْهَمٌ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ الْعُلَمَاءِ

وَلِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ، أَذَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

22- أَمَّا إِنْ كَانَ الْمُسْتَغِيثُ عَلَى بَاطِلٍ، فَإِنْ أَرَادَ النُّزُوعَ عَنْهُ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ اُسْتُنْقِذَ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ الْبَقَاءَ عَلَى بَاطِلِهِ فَلَا.وَكَذَلِكَ كُلُّ ظَالِمٍ فَإِنَّ نُصْرَتَهُ مُحَرَّمَةٌ، لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَثَلُ الَّذِي يُعِينُ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ كَمَثَلِ بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَهُوَ يَنْزِعُ بِذَنَبِهِ».وَقَوْلُهُ: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي مُلْكِهِ، وَمَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ لَا يَعْلَمُ أَحَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ فَهُوَ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ».

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِذَا اسْتَغَاثَ الظَّالِمُ وَطَلَبَ شَرْبَةَ مَاءٍ فَأَعْطَيْتَهُ إِيَّاهَا كَانَ ذَلِكَ إِعَانَةً لَهُ عَلَى ظُلْمِهِ.

ضَمَانُ هَلَاكِ الْمُسْتَغِيثِ:

23- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْعَ الْمُسْتَغِيثِ عَمَّا يُنْقِذُ حَيَاتَهُ- مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إِغَاثَتِهِ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ، وَالْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَمُوتُ إِنْ لَمْ يُغِثْهُ- يَسْتَوْجِبُ الْقِصَاصَ، وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ قَتْلَهُ بِيَدِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ فِيهِ الضَّمَانَ (الدِّيَةَ)، وَسَوَّى أَبُو الْخَطَّابِ بَيْنَ طَلَبِ الْغَوْثِ، أَوْ رُؤْيَةِ مَنْ يَحْتَاجُ لِلْغَوْثِ بِلَا طَلَبٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا ضَمَانَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرِ الْفِعْلَ الْقَاتِلَ.

حُكْمُ مَنْ أَحْجَمَ عَنْ إِجَابَةِ الْمُسْتَغِيثِ.

الِاسْتِغَاثَةُ عِنْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْهَلَاكِ:

24- إِذَا اسْتَغَاثَ الْمُشْرِفُ عَلَى الْهَلَاكِ مِنَ الْجُوعِ أَوِ الْعَطَشِ وَجَبَتْ إِغَاثَتُهُ، فَإِنْ مُنِعَ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ رَأْيَانِ:

الْأَوَّلُ قَالَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ: لِلْمُسْتَغِيثِ أَنْ يُقَاتِلَ بِالسِّلَاحِ، إِنْ كَانَ الْمَاءُ غَيْرَ مُحَرَّزٍ فِي إِنَاءٍ، لِمَا وَرَدَ عَنِ الْهَيْثَمِ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ وَاسْتَغَاثُوا بِهِمْ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى بِئْرٍ فَأَبَوْا، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا فَأَبَوْا، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ أَنْ تُقْطَعَ، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ- رضي الله عنه-، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: فَهَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلَاحَ.فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُمْ فِي الْمَاءِ حَقُّ الشَّفَةِ.فَإِذَا مَنَعَ الْمُسْتَغَاثُ بِهِمْ حَقَّ الْمُسْتَغِيثِينَ بِقَصْدِ إِتْلَافِهِمْ كَانَ لِلْمُسْتَغِيثِينَ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ.

فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَاءُ مُحَرَّزًا، فَلَيْسَ لِلَّذِي يَخَافُ الْهَلَاكَ مِنَ الْعَطَشِ أَنْ يُقَاتِلَ صَاحِبَ الْمَاءِ بِالسِّلَاحِ، بَلْ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ، وَكَذَلِكَ فِي الطَّعَامِ، لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُحَرَّزٌ لِصَاحِبِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الْآخِذُ ضَامِنًا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُقَاتِلُ بِالسِّلَاحِ، وَيَكُونُ دَمُ الْمَانِعِ هَدَرًا.

الِاسْتِغَاثَةُ عِنْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ:

25- لِإِغَاثَةِ مَنْ سَيَتَعَرَّضُ لِلْحَدِّ حَالَتَانِ:

الْأُولَى: قَبْلَ أَنْ يَصِلَ أَمْرُهُ إِلَى الْإِمَامِ، أَوِ الْحَاكِمِ، يُسْتَحَبُّ إِغَاثَتُهُ بِالْعَفْوِ عَنْهُ وَالشَّفَاعَةِ لَهُ عِنْدَ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَعَدَمِ رَفْعِ أَمْرِهِ لِلْحَاكِمِ.

لِمَا رُوِيَ عَنْ «صَفْوَانِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ رَجُلًا سَرَقَ بُرْدَهُ فَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْهُ، قَالَ: فَلَوْلَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ يَا أَبَا وَهْبٍ فَقَطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ».

وَالثَّانِيَةُ: إِذَا وَصَلَ أَمْرُهُ إِلَى الْحَاكِمِ، فَلَا إِغَاثَةَ وَلَا شَفَاعَةَ.لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها-: «أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةَ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-؟ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا».

الِاسْتِغَاثَةُ عِنْدَ الْغَصْبِ:

26- اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ عَلَى أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغِيثَ أَوَّلًا، وَأَنْ يَدْفَعَ الصَّائِلَ أَوِ السَّارِقَ بِغَيْرِ الْقَتْلِ.فَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ، أَوْ كَانَ لَيْلًا، أَوْ لَمْ يُغِثْهُ أَحَدٌ، أَوْ مَنَعَهُ الصَّائِلُ، أَوِ السَّارِقُ مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ، أَوْ عَاجَلَهُ، فَلَهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ- وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا- وَلَوْ بِالْقَتْلِ، لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ عِرْضِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى لِصًّا فَأَصْلَتَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ: فَلَوْ تَرَكْنَاهُ لَقَتَلَهُ.وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ: لِصٌّ دَخَلَ بَيْتِي وَمَعَهُ حَدِيدَةٌ، أَقْتُلُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ بِأَيِّ شَيْءٍ قَدَرْتَ.

27- فَإِذَا قَتَلَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ، أَوِ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ السَّارِقَ بِدُونِ اسْتِغَاثَةٍ وَاسْتِعَانَةٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، وَإِمْكَانِ دَفْعِهِ بِمَا هُوَ دُونَ الْقَتْلِ، فَفِي الْمَسْأَلَةِ رَأْيَانِ:

الْأَوَّلُ لِلْحَنَفِيَّةِ: يَجِبُ الْقَوَدُ.

الثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يَضْمَنُ الْقَاتِلُ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُهُ فَإِذَا انْدَفَعَ بِقَلِيلٍ فَلَا يَلْزَمُ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَإِنْ ذَهَبَ مُوَلِّيًا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَتْلُهُ كَأَهْلِ الْبَغْيِ.فَإِنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ مُتَعَدِّيًا.

الِاسْتِغَاثَةُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْفَاحِشَةِ:

28- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغَاثَةَ عِنْدَ الْفَاحِشَةِ عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِكْرَاهِ الَّتِي تُسْقِطُ الْحَدَّ عَنِ الْمُكْرَهَةِ الْأُنْثَى لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «عُفِيَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


14-موسوعة الفقه الكويتية (إفساد)

إِفْسَادٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْإِفْسَادُ لُغَةً: ضِدُّ الْإِصْلَاحِ، وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ فَاسِدًا خَارِجًا عَمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ.

وَشَرْعًا: جَعْلُ الشَّيْءِ فَاسِدًا، سَوَاءٌ وُجِدَ صَحِيحًا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ- كَمَا لَوِ انْعَقَدَ الْحَجُّ صَحِيحًا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يُفْسِدُهُ- أَوْ وُجِدَ الْفَسَادُ مَعَ الْعَقْدِ، كَبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ.

وَقَدْ فَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْإِفْسَادِ وَالْإِبْطَالِ تَبَعًا لِتَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ، فَقَالُوا: الْفَاسِدُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ، وَالْبَاطِلُ مَا لَيْسَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَلَا بِوَصْفِهِ.أَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ فَالْإِفْسَادُ وَالْإِبْطَالُ عِنْدَهُمْ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَدْ وَافَقَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ.وَلِبَعْضِ الْمَذَاهِبِ تَفْرِقَةٌ بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ: كَالْحَجِّ، وَالْخُلْعِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْإِتْلَافُ:

2- الْإِتْلَافُ فِي اللُّغَةِ: بِمَعْنَى الْإِهْلَاكِ يُقَالُ: أَتْلَفَ الشَّيْءَ إِذَا أَفْنَاهُ وَأَهْلَكَهُ، وَهُوَ فِي الشَّرْعِ بِهَذَا الْمَعْنَى، يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: إِتْلَافُ الشَّيْءِ إِخْرَاجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ مَنْفَعَةً مَطْلُوبَةً مِنْهُ عَادَةً.

فَالْإِفْسَادُ أَعَمُّ مِنَ الْإِتْلَافِ، فَإِنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ، وَيَنْفَرِدُ الْإِفْسَادُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ.

ب- الْإِلْغَاءُ:

3- الْإِلْغَاءُ مِنْ مَعَانِيهِ: إِبْطَالُ الْعَمَلِ بِالْحُكْمِ، وَإِسْقَاطُهُ، وَقَدْ أَلْغَى ابْنُ عَبَّاسٍ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ، أَيْ أَبْطَلَهُ وَأَسْقَطَهُ.وَيَسْتَعْمِلُ الْأُصُولِيُّونَ الْإِلْغَاءَ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ بِمَعْنَى عَدَمِ تَأْثِيرِ الْوَصْفِ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ الْمُلْغَى عِنْدَهُمْ، كَمَا يَسْتَعْمِلُونَ الْإِلْغَاءَ فِي إِهْدَارِ أَثَرِ التَّصَرُّفِ مِنْ فَاقِدِ الْأَهْلِيَّةِ.

ج- التَّوَقُّفُ:

4- الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ضِدُّ النَّافِذِ، وَهُوَ مَا تَوَقَّفَ نَفَاذُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ مِنْ مَالِكِهَا، كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ.فَإِنَّهُ يَكُونُ بِهَذَا الْمَعْنَى جَائِزًا فِي الْجُمْلَةِ، بِخِلَافِ الْفَاسِدِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

5- الْمُقَرَّرُ شَرْعًا أَنَّ الْعِبَادَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا صَحِيحَةٌ، لَا يَلْحَقُهَا الْإِفْسَادُ ضَرُورَةَ أَنَّ الْوَاقِعَ يَسْتَحِيلُ رَفْعُهُ، إِلاَّ بِأَسْبَابٍ يُصَارُ إِلَيْهَا بِالدَّلِيلِ كَالرِّدَّةِ، فَإِنَّهَا تُفْسِدُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَالْعِبَادَاتِ، كَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ وَالْهِجْرَةُ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا، وَكَذَلِكَ التَّوْبَةُ وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ.أَمَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعِبَادَةِ وَقَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، فَيَحْرُمُ إِفْسَادُ الْفَرْضِ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ دُونَ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، وَكَذَلِكَ النَّفَلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، لقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} وَلِهَذَا يَجِبُ إِعَادَتُهُ.أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَيُكْرَهُ عِنْدَهُمْ إِفْسَادُ النَّافِلَةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَلَا إِعَادَةَ إِنْ أَفْسَدَ النَّافِلَةَ الْمُطْلَقَةَ، عَدَا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَيَحْرُمُ إِفْسَادُهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُمَا كَسَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ.

أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ اللاَّزِمَةُ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهَا الْإِفْسَادُ بَعْدَ نَفَاذِهَا.إِلاَّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْفَسْخُ بِرِضَا الْعَاقِدَيْنِ كَمَا فِي الْإِقَالَةِ، وَفِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ يَصِحُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِفْسَادُهَا مَتَى شَاءَ، أَمَّا اللاَّزِمَةُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَجُوزُ إِفْسَادُهَا مِمَّنْ هِيَ لَازِمَةٌ فِي حَقِّهِ وَيَجُوزُ لِلْآخَرِ.

وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ.

أَثَرُ الْإِفْسَادِ فِي الْعِبَادَاتِ:

6- مَنْ شَرَعَ فِي عِبَادَةٍ مَفْرُوضَةٍ فَرْضًا عَيْنِيًّا أَوْ كِفَائِيًّا، كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ بِاسْتِيفَاءِ أَرْكَانِهَا وَشَرَائِطِهَا حَتَّى تَبْرَأَ الذِّمَّةُ، فَإِذَا أَفْسَدَهَا فَعَلَيْهِ أَدَاؤُهَا فِي الْوَقْتِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ فِعْلُهَا تَامَّةٌ، كَمَا لَوْ صَلَّى مُسَافِرٌ خَلْفَ مُقِيمٍ ثُمَّ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا تَامَّةً، لِأَنَّهَا لَا تُبْرِئُ الذِّمَّةَ بَعْدَ الْفَسَادِ بِلَا خِلَافٍ.

كَمَا لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا أَوْ بَاطِلِهَا فِي الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ فَاسِدَ الْعِبَادَاتِ لَا يُلْحَقُ بِصَحِيحِهَا إِلاَّ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُ يَمْضِي فِي فَاسِدِهِمَا وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ.وَهَذَا مُخَالِفٌ لِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ حَيْثُ إِنَّ الْعِبَادَةَ الْفَاسِدَةَ يَنْقَطِعُ حُكْمُهَا وَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ عَهْدِهَا.

أَمَّا مَا شَرَعَ فِيهِ مِنَ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ إِتْمَامُهُ، وَإِذَا أَفْسَدَهُ يَقْضِيهِ وُجُوبًا، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَدْ قَالُوا: يُسْتَحَبُّ إِتْمَامُ النَّفْلِ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ، كَمَا يُسْتَحَبُّ قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ مِنَ النَّوَافِلِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ التَّطَوُّعِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، حَيْثُ يَجِبُ إِتْمَامُهُمَا إِذَا شَرَعَ فِيهِمَا.

وَلَوْ وَقَعَ مِنْهُ مُفْسِدٌ لَهُمَا، يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُمَا حِينَئِذٍ مَعَ الْجَزَاءِ اللاَّزِمِ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى مَا سَبَقَ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (الْإِحْرَامِ، وَالْحَجِّ)

إِفْسَادُ الصَّوْمِ:

7- أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ جَامَعَ أَوِ اسْتَمْنَى أَوْ طَعِمَ أَوْ شَرِبَ عَنْ قَصْدٍ، مَعَ ذِكْرِ الصَّوْمِ فِي نَهَارِهِ فَقَدْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ، لقوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}

وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مُفْسِدَاتٍ أُخْرَى لِلصَّوْمِ، مِنْهَا مَا يَرِدُ إِلَى الْجَوْفِ مِنْ غَيْرِ مَنْفَذِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِثْلُ الْحُقْنَةِ، وَمِنْهَا مَا يَرِدُ إِلَى بَاطِنِ الْأَعْضَاءِ وَلَا يَرِدُ الْجَوْفَ، مِثْلُ أَنْ يَرِدَ الدِّمَاغَ وَلَا يَرِدَ الْمَعِدَةَ.وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذِهِ هُوَ قِيَاسُ الْمُغَذِّي عَلَى غَيْرِ الْمُغَذِّي.فَمَنْ رَأَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالصَّوْمِ مَعْنًى مَعْقُولٌ لَمْ يُلْحِقِ الْمُغَذِّيَ بِغَيْرِ الْمُغَذِّي، وَمَنْ رَأَى أَنَّهَا عِبَادَةٌ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا إِنَّمَا هُوَ الْإِمْسَاكُ فَقَطْ عَمَّا يَرِدُ الْجَوْفَ، سَوَّى بَيْنَ الْمُغَذِّي وَغَيْرِهِ.ر: (احْتِقَانٌ) (وَصَوْمٌ).

8- وَاخْتَلَفُوا فِي الْحِجَامَةِ وَالْقَيْءِ.فَأَمَّا الْحِجَامَةُ فَقَدْ رَأَى أَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَّهَا تُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِالْكَرَاهَةِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِعَدَمِ الْإِفْسَادِ.

وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ هُوَ تَعَارُضُ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ.وَأَمَّا الْقَيْءُ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ بِمُفْطِرٍ، وَأَنَّ مَنِ اسْتِقَاءَ فَقَاءَ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ صَوْمَهُ.وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ: (صَوْمٌ) (وَقَيْءٌ).

نِيَّةُ إِفْسَادِ الْعِبَادَةِ:

9- نِيَّةُ الْإِفْسَادِ يَخْتَلِفُ أَثَرُهَا صِحَّةً وَبُطْلَانًا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِاخْتِلَافِ الْعِبَادَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَالْأَحْوَالِ.

فَإِذَا نَوَى إِفْسَادَ الْإِيمَانِ أَوْ قَطْعَهُ، صَارَ مُرْتَدًّا فِي الْحَالِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، وَإِنْ نَوَى إِفْسَادَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا لَمْ تَبْطُلْ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعِبَادَاتِ، وَإِنْ نَوَى قَطْعَ الصَّلَاةِ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّهَا شَبِيهَةٌ بِالْإِيمَانِ، وَلَوْ نَوَى قَطْعَ السَّفَرِ بِالْإِقَامَةِ صَارَ مُقِيمًا.أَمَّا إِذَا نَوَى قَطْعَ الصِّيَامِ بِالْأَكْلِ أَوِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ حَتَّى يَأْكُلَ أَوْ يُجَامِعَ.

وَلَوْ نَوَى قَطْعَ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَبْطُلَا بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالْإِفْسَادِ، فَلَا يَخْرُجُ بِالْأَوْلَى بِنِيَّةِ الْإِفْسَادِ أَوِ الْإِبْطَالِ.وَلِتَفْصِيلِ ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ: (نِيَّةٌ) وَإِلَى مَوَاطِنِ تِلْكَ الْعِبَادَاتِ.

أَثَرُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي إِفْسَادِ الْعَقْدِ:

10- إِفْسَادُ الْعَقْدِ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ يَرْجِعُ إِلَى مَا يُسَبِّبُهُ مِنْ غَرَرٍ أَوْ رِبًا أَوْ نَقْصٍ فِي الْمِلْكِ، أَوْ اشْتِرَاطِ أَمْرٍ مَحْظُورٍ أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ.

وَالْعُقُودُ عِنْدَ اقْتِرَانِهَا بِهَذِهِ الشُّرُوطِ: نَوْعَانِ:

(الْأَوَّلُ): عُقُودٌ تَفْسُدُ عِنْدَ اقْتِرَانِهَا بِهَا،

(وَالثَّانِي): عُقُودٌ تَصِحُّ، وَيَسْقُطُ الشَّرْطُ، وَعَلَى هَذَا اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ.

وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْمَذَاهِبُ فِي الْأَثَرِ النَّاشِئِ عَنِ الشُّرُوطِ:

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَكُونُ الْغَرَضُ مِنْهُ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ، لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ يَعْتَرِيهِ الْفَسَادُ.

فَاَلَّذِي يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ مِثْلُ: الْبَيْعِ، وَالْقِسْمَةِ، وَالْإِجَارَةِ، وَاَلَّذِي لَا يَفْسُدُ مِثْلُ: النِّكَاحِ وَالْقَرْضِ، وَالْهِبَةِ، وَالْوَقْفِ، وَالْوَصِيَّةِ.

وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ، إِذْ يَفْسُدُ الْعَقْدُ عِنْدَهُمْ بِالشَّرْطِ فِي الْجُمْلَةِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ مَحْظُورٍ، أَوْ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى غَرَرٍ فَاحِشٍ، يُؤَدِّي إِلَى فَسَادِ الْعَمْدِ، فَالْأَمْرُ الْمَحْظُورُ مِثْلُ: مَا إِذَا اشْتَرَى دَارًا وَاشْتَرَطَ اتِّخَاذَهَا مَجْمَعًا لِلْفَسَادِ.فَالشَّرْطُ حَرَامٌ وَالْبَيْعُ فَاسِدٌ.وَالْغَرَرُ الْفَاحِشُ مِثْلُ: مَا إِذَا بَاعَ دَارًا وَاشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهَا يَكْفِيهِ لِلنَّفَقَةِ طُولَ حَيَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَا تُدْرَى نَفَقَتُهُ وَلَا كَمْ يَعِيشُ.

وَخَالَفَ الْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: هَذِهِ الشُّرُوطُ الْمُحَرَّمَةُ أَوْ تِلْكَ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى غَرَرٍ فَاحِشٍ، لَا تُؤَدِّي إِلَى إِفْسَادِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا تُلْغَى، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ.أَمَّا الشُّرُوطُ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى إِفْسَادِ الْعَقْدِ فَهِيَ، اشْتِرَاطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ، أَوْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يُنَافِي مَقْصُودَ الْعَقْدِ.مِثْلُ: مَا إِذَا اشْتَرَطَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ عَقْدًا آخَرَ كَشَرْطٍ لِلْبَيْعِ، كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي هَذِهِ الْفَرَسَ.فَهَذَا اشْتِرَاطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ، وَمِثْلُ: مَا إِذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَلَا يَبِيعَ الْمَبِيعَ، وَكَذَلِكَ إِنْ شَرَطَ أَنَّ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ لَا تَحْمِلُ، أَوْ تَضَعُ الْوَلَدَ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ.فَهَذَا اشْتِرَاطٌ يُنَافِي مَقْصُودَ الْعَقْدِ.

إِفْسَادُ النِّكَاحِ:

11- إِفْسَادُ النِّكَاحِ بَعْدَ وُجُودِهِ صَحِيحًا لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْمَرْأَةِ فِي الصَّدَاقِ إِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ اتِّفَاقًا، أَمَّا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ حَقَّهَا فِي نِصْفِ الْمَهْرِ، إِذَا وَقَعَ الْإِفْسَادُ مِنْ جِهَتِهِ، كَرِدَّتِهِ.

أَمَّا لَوْ وَقَعَ إِفْسَادُ النِّكَاحِ مِنْ جِهَتِهَا، فَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ، لِتَسَبُّبِهَا فِي إِفْسَادِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ مُوجِبٌ لِلْمَهْرِ.وَلِتَفْصِيلِ ذَلِكَ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (نِكَاحٌ) (وَرَضَاعٌ).

أَثَرُ الْإِفْسَادِ فِي التَّوَارُثِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ:

12- إِذَا وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِإِفْسَادِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ انْتَفَى التَّوَارُثُ عِنْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، أَمَّا مَا كَانَتِ الْفُرْقَةُ فِيهِ بِطَلَاقٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ التَّوَارُثُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَارًّا مِنْ تَوْرِيثِهَا.

إِفْسَادُ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا:

13- يَحْرُمُ إِفْسَادُ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا، لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا»

فَمَنْ أَفْسَدَ زَوْجَةَ امْرِئٍ أَيْ: أَغْرَاهَا بِطَلَبِ الطَّلَاقِ أَوِ التَّسَبُّبِ فِيهِ فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ.وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ وَزَجْرِهِ، حَتَّى قَالَ الْمَالِكِيَّةُ بِتَأْبِيدِ تَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ الْمُخَبَّبَةِ عَلَى مَنْ أَفْسَدَهَا عَلَى زَوْجِهَا مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَلِئَلاَّ يَتَّخِذَ النَّاسُ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى إِفْسَادِ الزَّوْجَاتِ.ر- (تَخْبِيبٌ).

الْإِفْسَادُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ:

14- تَحْرُمُ الْوَقِيعَةُ وَإِفْسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، لِأَمْرَيْنِ:

الْأَوَّلُ: الْإِبْقَاءُ عَلَى وَحْدَةِ الْمُسْلِمِينَ.

الثَّانِي: رِعَايَةُ حُرْمَتِهِمْ، لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} وَلِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ نَظَرَ يَوْمًا إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتِكِ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ وَلِهَذَا كَانَ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ، وَإِفْسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: إِصْلَاحُ ذَاتِ بَيْنٍ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ» وَلِهَذَا نَهَى الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم- عَنْ تَتَبُّعِ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَنِ الْغِيبَةِ، وَالنَّمِيمَةِ، وَسُوءِ الظَّنِّ، وَالتَّبَاغُضِ، وَالتَّحَاسُدِ، وَكُلِّ مَا يُؤَدِّي إِلَى الْوَقِيعَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ: فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ»

أَمَّا الْإِفْسَادُ فِي الْأَرْضِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَسَلْبِ الْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ وَإِتْلَافِ النُّفُوسِ فَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَعُقُوبَتُهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}.وَتَفْصِيلُهُ فِي حِرَابَةٌ.

كَمَا نَهَى الشَّارِعُ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْإِفْسَادِ، بِفِعْلِ الْمَعَاصِي، وَإِشَاعَةِ الْفَوَاحِشِ، وَفِعْلِ كُلِّ مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


15-موسوعة الفقه الكويتية (أنوثة 1)

أُنُوثَةٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْأُنُوثَةُ خِلَافُ الذُّكُورَةِ، وَالْأُنْثَى- كَمَا جَاءَ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ- خِلَافُ الذَّكَرِ، قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} وَتُجْمَعُ عَلَى إِنَاثٍ وَأَنَاثَى، وَامْرَأَةٌ أُنْثَى.أَيْ كَامِلَةٌ فِي أُنُوثَتِهَا.

وَالْأُنْثَيَانِ: الْخُصْيَتَانِ. (ر: خِصَاءٌ).

وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى.

هَذَا، وَيَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ لِلْأُنُوثَةِ عَلَامَاتٍ وَأَمَارَاتٍ تُمَيِّزُهَا عَنِ الذُّكُورَةِ فَضْلًا عَنْ أَعْضَاءِ الْأُنُوثَةِ، وَتِلْكَ الْأَمَارَاتُ إِمَّا حِسِّيَّةٌ كَالْحَيْضِ، وَإِمَّا مَعْنَوِيَّةٌ كَالطِّبَاعِ.

وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (خُنْثَى).

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْخُنُوثَةُ:

2- الْخُنُوثَةُ حَالَةٌ بَيْنَ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ.وَتَذْكُرُ كُتُبُ اللُّغَةِ أَنَّ الْخُنْثَى مَنْ لَهُ مَا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا.

وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ: الْخُنْثَى ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ لَهُ فَرْجُ الْمَرْأَةِ وَذَكَرُ الرِّجَالِ، وَضَرْبٌ لَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.

وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (خُنْثَى).

أَحْكَامُ الْأُنُوثَةِ

أُنْثَى الْآدَمِيِّ:

أَوَّلًا: تَكْرِيمُ الْإِسْلَامِ لِلْأُنْثَى:

يَتَمَثَّلُ تَكْرِيمُ الْإِسْلَامِ لِلْأُنْثَى فِيمَا يَأْتِي:

حُسْنُ اسْتِقْبَالِهَا عِنْدَ وِلَادَتِهَا:

3- كَانَ اسْتِقْبَالُ الْأُنْثَى فِي الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ اسْتِقْبَالًا سَيِّئًا، يَتَبَرَّمُونَ بِهَا، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُهُمْ، وَيَتَوَارَوْنَ عَنِ الْأَعْيُنِ، إِذْ هِيَ فِي نَظَرِهِمْ مَجْلَبَةٌ لِلْفَقْرِ أَوْ لِلْعَارِ، فَكَانُوا يَئِدُونَهَا حَيَّةً، وَيَسْتَكْثِرُ الرَّجُلُ عَلَيْهَا النَّفَقَةَ الَّتِي لَا يَسْتَكْثِرُهَا عَلَى عَبْدِهِ أَوْ حَيَوَانِهِ فَنَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ، وَذَمَّ هَذَا الْفِعْلَ الشَّنِيعَ، وَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ بَاءَ بِالْخُسْرَانِ الْمُبِينِ، {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}.

وَنَبَّهَ الْإِسْلَامُ إِلَى أَنَّ حَقَّ الْوُجُودِ وَحَقَّ الْحَيَاةِ هِبَةٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}.

قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ قَدَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا كَانَتْ تُؤَخِّرُهُ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ أَمْرِ الْبَنَاتِ حَتَّى كَانُوا يَئِدُونَهُنَّ، أَيْ هَذَا النَّوْعَ الْمُؤَخَّرَ الْحَقِيرَ عِنْدَكُمْ مُقَدَّمٌ عِنْدِي فِي الذِّكْرِ.وَالْمَقْصُودُ أَنَّ التَّسَخُّطَ بِالْإِنَاثِ مِنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ ذَمَّهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسَوَّدًا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}.

وَقَالَ قَتَادَةَ فِيمَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ: أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِخُبْثِ صَنِيعِهِمْ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَهُوَ حَقِيقٌ أَنْ يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ، وَقَضَاءُ اللَّهِ لَهُ خَيْرٌ مِنْ قَضَاءِ الْمَرْءِ نَفْسِهِ، وَلَعَمْرِي مَا يَدْرِي أَنَّهُ خَيْرٌ؛ لَرُبَّ جَارِيَةٍ خَيْرٌ لِأَهْلِهَا مِنْ غُلَامٍ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَكُمُ اللَّهُ بِصَنِيعِهِمْ لِتَجْتَنِبُوهُ وَتَنْتَهُوا عَنْهُ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَغْذُو كَلْبَهُ وَيَئِدُ ابْنَتَهُ.

وَالْإِسْلَامُ لَا يَكْتَفِي مِنَ الْمُسْلِمِ بِأَنْ يَجْتَنِبَ وَأْدَ الْبَنَاتِ، بَلْ يَرْتَقِي بِالْمُسْلِمِ إِلَى دَرَجَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمُثْلَى، فَيَأْبَى عَلَيْهِ أَنْ يَتَبَرَّمَ بِذُرِّيَّةِ الْبَنَاتِ، وَيَتَلَقَّى وِلَادَتَهُنَّ بِالْعَبُوسِ وَالِانْقِبَاضِ، بَلْ يَتَقَبَّلُهَا بِالرِّضَى وَالْحَمْدِ، قَالَ صَالِحُ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: كَانَ أَحْمَدُ إِذَا وُلِدَ لَهُ ابْنَةٌ يَقُولُ: الْأَنْبِيَاءُ كَانُوا آبَاءَ بَنَاتٍ، وَيَقُولُ: قَدْ جَاءَ فِي الْبَنَاتِ مَا عَلِمْتَ.

الْعَقُّ عَنْهَا:

4- الْعَقِيقَةُ عَنِ الْمَوْلُودِ سُنَّةٌ، وَيَسْتَوِي فِي السُّنَّةِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، فَكَمَا يَعُقُّ الْوَلِيُّ عَنِ الذَّكَرِ يَوْمَ السَّابِعِ يَعُقُّ عَنِ الْأُنْثَى أَيْضًا وَلَكِنْ يَعُقُّ عَنِ الْأُنْثَى شَاةٌ، وَعَنِ الذَّكَرِ شَاتَانِ.وَيُنْظَرُ تَفْصِيلٌ ذُكِرَ فِي (عَقِيقَةٍ).

تَسْمِيَتُهَا بِاسْمٍ حَسَنٍ:

5- مِنَ السُّنَّةِ تَسْمِيَةُ الْمَوْلُودِ بِاسْمٍ حَسَنٍ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَكَمَا كَانَ النَّبِيُّ يُغَيِّرُ أَسْمَاءَ الذُّكُورِ مِنَ الْقَبِيحِ إِلَى الْحَسَنِ، فَإِنَّهُ كَذَلِكَ كَانَ يُغَيِّرُ أَسْمَاءَ الْإِنَاثِ مِنَ الْقَبِيحِ إِلَى الْحَسَنِ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ «ابْنَةً لِعُمَرِ- رضي الله عنه- كَانَ يُقَالُ لَهَا عَاصِيَةٌ فَسَمَّاهَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- جَمِيلَةٌ».

وَالْكُنْيَةُ مِنَ الْأُمُورِ الْمَحْمُودَةِ، يَقُولُ النَّوَوِيُّ: مِنَ الْأَدَبِ أَنْ يُخَاطَبَ أَهْلُ الْفَضْلِ وَمَنْ قَارَبَهُمْ بِالْكُنْيَةِ، وَقَدْ كُنِّيَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بِأَبِي الْقَاسِمِ، بِابْنِهِ الْقَاسِمِ.وَالْكُنْيَةُ كَمَا تَكُونُ لِلذَّكَرِ تَكُونُ لِلْأُنْثَى.قَالَ النَّوَوِيُّ: رَوَيْنَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ عَنْ «عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ صَوَاحِبِي لَهُنَّ كُنًى، قَالَ: فَاكْتَنِّي بِابْنِكِ عَبْدِ اللَّهِ» قَالَ الرَّاوِي.يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُكَنَّى أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ.

لَهَا نَصِيبٌ فِي الْمِيرَاثِ:

6- جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْأُنْثَى نَصِيبًا فِي الْمِيرَاثِ كَمَا لِلذَّكَرِ نَصِيبٌ، وَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ الْإِنَاثَ.قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَجْعَلُونَ الْمَالَ لِلرِّجَالِ الْكِبَارِ وَلَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا الْأَطْفَالَ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} أَيِ الْجَمِيعُ فِيهِ سَوَاءٌ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى يَسْتَوُونَ فِي أَصْلِ الْوِرَاثَةِ وَإِنْ تَفَاوَتُوا بِحَسَبِ مَا فَرَضَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُوَرِّثُونَ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ، فَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: «نَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ}.الْآيَةَ فِي أُمِّ كَجَّةَ وَبَنَاتِهَا وَثَعْلَبَةَ وَأَوْسِ بْنِ سُوَيْدٌ وَهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا زَوْجَهَا وَالْآخَرُ عَمَّ وَلَدِهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوُفِّيَ زَوْجِي وَتَرَكَنِي وَابْنَتَهُ وَلَمْ نُوَرَّثْ، فَقَالَ عَمُّ وَلَدِهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَدُهَا لَا يَرْكَبُ فَرَسًا وَلَا يَحْمِلُ كَلًّا، وَلَا يَنْكَأُ عَدُوًّا يَكْسِبُ عَلَيْهَا وَلَا تَكْسِبُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ».

وَوَرَدَ كَذَلِكَ فِي سَبَبِ نُزُولِ قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ فِي يَوْمِ أُحُدٍ شَهِيدًا، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا، وَلَا يُنْكَحَانِ إِلاَّ وَلَهُمَا مَالٌ فَقَالَ: يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ: أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وَأُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ».

رِعَايَةُ طُفُولَتِهَا، وَعَدَمُ تَفْضِيلِ الذَّكَرِ عَلَيْهَا:

7- يَعْتَنِي الْإِسْلَامُ بِالْأُنْثَى فِي كُلِّ أَطْوَارِ حَيَاتِهَا فَيَرْعَاهَا وَهِيَ طِفْلَةٌ، وَيَجْعَلُ رِعَايَتَهَا سِتْرًا مِنَ النَّارِ وَسَبِيلًا إِلَى الْجَنَّةِ.فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ عَالَ جَارَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ، وَضَمَّ أَصَابِعَهُ».

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَضِّلَ الذَّكَرَ عَلَيْهَا فِي التَّرْبِيَةِ وَالْعِنَايَةِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ (يَعْنِي الذُّكُورَ) عَلَيْهَا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ».وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا كَانَ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ فَقَبَّلَهُ وَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ جَاءَتْ بِنْتُهُ فَأَخَذَهَا فَأَجْلَسَهَا إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: فَمَا عَدَلْتَ بَيْنَهُمَا».وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: لَا يَجُوزُ تَفْضِيلُ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى فِي الْعَطِيَّةِ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَبْطُلُ الْوَقْفُ إِذَا وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ الذُّكُورِ دُونَ بَنَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ.

وَتَشْمَلُ الْعِنَايَةُ بِهَا فِي طُفُولَتِهَا تَأْهِيلَهَا لِحَيَاتِهَا الْمُسْتَقْبَلَةِ، فَيُسْتَثْنَى مِمَّا يَحْرُمُ مِنَ الصُّوَرِ صُوَرُ لَعِبِ الْبَنَاتِ فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ، وَيَجُوزُ اسْتِصْنَاعُهَا وَصُنْعُهَا وَبَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ يَتَدَرَّبْنَ بِذَلِكَ عَلَى رِعَايَةِ الْأَطْفَالِ، وَقَدْ «كَانَ لِعَائِشَةَ- رضي الله عنها- جَوَارٍ يُلَاعِبْنَهَا بِصُوَرِ الْبَنَاتِ الْمَصْنُوعَةِ مِنْ نَحْوِ خَشَبٍ، فَإِذَا رَأَيْنَ الرَّسُولَ- صلى الله عليه وسلم- يَسْتَحِينَ مِنْهُ وَيَتَقَمَّعْنَ، وَكَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَشْتَرِيهَا لَهَا». (ر: تَصْوِيرٌ).

إِكْرَامُ الْأُنْثَى حِينَ تَكُونُ زَوْجَةً:

8- أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِحْسَانِ مُعَاشَرَةِ الزَّوْجَةِ فَقَالَ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أَيْ طَيِّبُوا أَقْوَالَكُمْ لَهُنَّ، وَحَسِّنُوا أَفْعَالَكُمْ وَهَيْئَاتِكُمْ بِحَسَبِ قُدْرَتِكُمْ، كَمَا تُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهَا فَافْعَلْ أَنْتَ بِهَا مِثْلَهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»، وَكَانَ مِنْ أَخْلَاقِهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ جَمِيلُ الْعِشْرَةِ دَائِمُ الْبِشْرِ، يُدَاعِبُ أَهْلَهُ وَيَتَلَطَّفُ بِهِمْ وَيُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ فِي النَّفَقَةِ وَيُضَاحِكُ نِسَاءَهُ، حَتَّى أَنَّهُ كَانَ يُسَابِقُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ- رضي الله عنها- يَتَوَدَّدُ إِلَيْهَا بِذَلِكَ، قَالَتْ: سَابَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَسَبَقْتُهُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ أَحْمِلَ اللَّحْمَ، ثُمَّ سَابَقْتُهُ بَعْدَمَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ فَسَبَقَنِي فَقَالَ: «هَذِهِ بِتِلْكَ» وَ «كَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ يَسْمُرُ مَعَ أَهْلِهِ قَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ».

وَيَنْبَغِي الصَّبْرُ عَلَى الزَّوْجَةِ حَتَّى لَوْ كَرِهَهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ، أَيْ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ صَبْرُكُمْ فِي إِمْسَاكِهِنَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِيهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ يَعْطِفَ عَلَيْهَا فَيُرْزَقَ مِنْهَا وَلَدًا وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْوَلَدِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ».

هَذَا، وَحُقُوقُ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا مَبْسُوطَةٌ فِي بَابِ النِّكَاحِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ، وَنَذْكُرُ هُنَا مَثَلًا وَاحِدًا مِمَّا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ، يَتَّصِلُ بِإِكْرَامِ أُمُومَةِ الْأُنْثَى، فَقَدْ أَكْثَرَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْوِصَايَةِ بِالْأُمِّ وَقَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَةِ عَلَى الْأَبِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُوكَ».وَجَعَلَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- رِضَاهَا طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، فَقَدْ «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتُ الْغَزْوَ وَجِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ، فَقَالَ: فَهَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَالْزَمْهَا، فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلَيْهَا».

ثَانِيًا: الْحُقُوقُ الَّتِي تَتَسَاوَى فِيهَا مَعَ الرَّجُلِ:

تَتَسَاوَى الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ مَعَ التَّقْيِيدِ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ بِمَا يَتَلَاءَمُ مَعَ طَبِيعَتِهَا.

وَفِيمَا يَأْتِي بَعْضُ هَذِهِ الْحُقُوقِ:

أ- حَقُّ التَّعْلِيمِ:

9- لِلْمَرْأَةِ حَقُّ التَّعْلِيمِ مِثْلُ الرَّجُلِ: فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ».وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ أَيْضًا، فَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ: قَدْ أَلْحَقَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ بِآخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ (وَمُسْلِمَةٍ) وَلَيْسَ لَهَا ذِكْرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهَا صَحِيحًا.

وَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَن أَدَبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَسْبَغَ عَلَيْهَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ الَّتِي أَسْبَغَ عَلَيْهِ كَانَتْ لَهُ سِتْرًا أَوْ حِجَابًا مِنَ النَّارِ».

وَقَدْ كَانَ النِّسَاءُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- يَسْعَيْنَ إِلَى الْعِلْمِ.رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ، فَوَاعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ».وَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ.

وَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُنَّ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ».

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْحَدِيثُ يَتَنَاوَلُ بِمَنْطُوقِهِ الصَّبِيَّ وَالصَّبِيَّةَ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بِلَا خِلَافٍ، ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ تَعْلِيمُ أَوْلَادِهِمُ الصِّغَارِ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَنَحْوَهَا، وَتَعْلِيمُهُمْ تَحْرِيمَ الزِّنَى وَاللِّوَاطِ وَالسَّرِقَةِ، وَشُرْبِ الْمُسْكِرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَشِبْهِهَا، وَأَنَّهُمْ بِالْبُلُوغِ يَدْخُلُونَ فِي التَّكْلِيفِ، وَهَذَا التَّعْلِيمُ وَاجِبٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأُجْرَةُ التَّعْلِيمِ تَكُونُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَقَدْ جَعَلَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِلْأُمِّ مَدْخَلًا فِي وُجُوبِ التَّعْلِيمِ؛ لِكَوْنِهِ مِنَ التَّرْبِيَةِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا كَالنَّفَقَةِ.

وَمِنَ الْعُلُومِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يُعْتَبَرُ ضَرُورَةً بِالنِّسْبَةِ لِلْأُنْثَى كَطِبِّ النِّسَاءِ حَتَّى لَا يَطَّلِعَ الرِّجَالُ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ.جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: امْرَأَةٌ أَصَابَتْهَا قُرْحَةٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، لَا يَحِلُّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا، لَكِنْ يُعَلِّمُ امْرَأَةً تُدَاوِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا امْرَأَةً تُدَاوِيهَا وَلَا امْرَأَةً تَتَعَلَّمُ ذَلِكَ إِذَا عُلِّمَتْ، وَخِيفَ عَلَيْهَا الْبَلَاءُ أَوِ الْوَجَعُ أَوِ الْهَلَاكُ فَإِنَّهُ يَسْتُرُ مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ مَوْضِعَ تِلْكَ الْقُرْحَةِ، ثُمَّ يُدَاوِيهَا الرَّجُلُ، وَيَغُضُّ بَصَرَهُ مَا اسْتَطَاعَ إِلاَّ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ.

10- وَإِذَنْ، فَلَا خِلَافَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ تَعْلِيمِ الْأُنْثَى.لَكِنْ فِي الْحُدُودِ الَّتِي لَا مُخَالَفَةَ فِيهَا لِلشَّرْعِ وَذَلِكَ مِنَ النَّوَاحِي الْآتِيَةِ:

أ- أَنْ تَحْذَرَ الِاخْتِلَاطَ بِالشَّبَابِ فِي قَاعَاتِ الدَّرْسِ، فَلَا تَجْلِسِ الْمَرْأَةُ بِجَانِبِ الرَّجُلِ، فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- لِلنِّسَاءِ يَوْمًا غَيْرَ يَوْمِ الرِّجَالِ يَعِظُهُنَّ فِيهِ.بَلْ حَتَّى فِي الْعِبَادَةِ لَا يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ، بَلْ يَكُنْ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهُمْ يَسْتَمِعْنَ إِلَى الْوَعْظِ وَيُؤَدِّينَ الصَّلَاةَ، وَلَا يَجِبُ اسْتِحْدَاثُ مَكَانٍ خَاصٍّ لِصَلَاتِهِنَّ، أَوْ إِقَامَةِ حَاجِزٍ بَيْنَ صُفُوفِهِنَّ وَصُفُوفِ الرِّجَالِ.

ب- أَنْ تَكُونَ مُحْتَشِمَةً غَيْرَ مُتَبَرِّجَةٍ بِزِينَتِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وَفِي اتِّبَاعِ ذَلِكَ مَا يَمْنَعُ مِنَ الْفِتْنَةِ وَمِنْ إِشَاعَةِ الْفَسَادِ.

ب- أَهْلِيَّتُهَا لِلتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ:

11- الْمَرْأَةُ أَهْلٌ لِلتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ مِثْلُ الرَّجُلِ، وَوَلِيُّ أَمْرِهَا مُطَالَبٌ بِأَمْرِهَا بِأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ، وَتَعْلِيمِهَا لَهَا مُنْذُ الصِّغَرِ؛ لِمَا جَاءَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُنَّ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» وَالْحَدِيثُ يَتَنَاوَلُ الْأُنْثَى بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ.

وَهِيَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مُكَلَّفَةٌ بِالْعِبَادَاتِ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ- زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ- مَنْعُهَا مِنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ.فَجُمْلَةُ الْعَقَائِدِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ لِلْإِنْسَانِ يَسْتَوِي فِي التَّكْلِيفِ بِهَا وَالْجَزَاءِ عَلَيْهَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى.

يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.وَيُؤَكِّدُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} وَيُرْوَى فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «قَالَ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مَا لَهُ يَذْكُرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَذْكُرُ الْمُؤْمِنَاتِ، فَنَزَلَتْ».وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُذْكَرُ الرِّجَالُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَا نُذْكَرُ؟، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ».

وَفِي اسْتِجَابَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِسُؤَالِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}.

وَلَقَدْ رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا مَا رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَيَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ: {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} أَيْ جَمِيعُكُمْ فِي ثَوَابِي سَوَاءٌ.وَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الَّذِي يُؤْذِي الْمُؤْمِنَاتِ هُوَ فِي الْإِثْمِ كَمَنْ يُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}.

وَهِيَ مُطَالَبَةٌ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ كَالرَّجُلِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتَوْنَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

وَالْجِهَادُ كَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا هَاجَمَ الْعَدُوُّ الْبِلَادَ.يَقُولُ الْفُقَهَاءُ: إِذَا غَشِيَ الْعَدُوُّ مَحَلَّةَ قَوْمٍ كَانَ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْجَمِيعِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ فَرْضِ الْعَيْنِ.

وَقَدْ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهَا فِي الْعِبَادَاتِ فِي فَتَرَاتِ تَعَبِهَا مِنَ الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ وَالنِّفَاسِ وَالرَّضَاعِ.وَتُنْظَرُ الْأَحْكَامُ الْخَاصَّةُ بِذَلِكَ فِي (حَيْضٌ، حَمْلٌ، نِفَاسٌ، رَضَاعٌ).

ج- احْتِرَامُ إِرَادَتِهَا:

12- لِلْأُنْثَى حُرِّيَّةُ الْإِرَادَةِ وَالتَّعْبِيرُ عَمَّا فِي نَفْسِهَا، وَقَدْ مَنَحَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَا الْحَقَّ الَّذِي سَلَبَتْهُ مِنْهَا الْجَاهِلِيَّةُ وَحَرَمَتْهَا مِنْهُ، فَقَدْ كَانَتْ حِينَ يَمُوتُ زَوْجُهَا لَا تَمْلِكُ مِنْ أَمْرِ نَفْسِهَا شَيْئًا، وَكَانَ يَرِثُهَا مَنْ يَرِثُ مَالَ زَوْجِهَا.رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} قَالَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا.فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ كَانَ أَهْلُ يَثْرِب إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَرِثَ امْرَأَتَهُ مَنْ يَرِثُ مَالَهُ، وَكَانَ يَعْضُلُهَا حَتَّى يَرِثَهَا أَوْ يُزَوِّجَهَا مَنْ أَرَادَ، وَكَانَ أَهْلُ تِهَامَةَ يُسِيءُ الرَّجُلُ صُحْبَةَ الْمَرْأَةِ حَتَّى يُطَلِّقَهَا، وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهَا أَلاَّ تَنْكِحَ إِلاَّ مَنْ أَرَادَ حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِبَعْضِ مَا أَعْطَاهَا، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَبِيشَةِ بِنْتِ مَعْنِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ الْأَوْسِ، تُوُفِّيَ عَنْهَا أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ، فَجَنَحَ عَلَيْهَا ابْنُهُ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَنَا وَرِثْتُ زَوْجِي، وَلَا أَنَا تُرِكْتُ فَأُنْكَحَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: فَالْآيَةُ تَعُمُّ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ ذَلِكَ.

وَإِرَادَتُهَا كَذَلِكَ مُعْتَبَرَةٌ فِي نِكَاحِهَا، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَرْوِيهِ الْبُخَارِيُّ: «لَا تُنْكَحِ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحِ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ».

وَالِاسْتِئْمَارُ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ الْكَبِيرَةِ الْعَاقِلَةِ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَإِذَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهَا فَنِكَاحُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَتِهَا، عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي بَابِ النِّكَاحِ.وَهُوَ فِي حَقِّ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَسْتَأْمِرُ بَنَاتِهِ إِذَا أَنْكَحَهُنَّ».وَاسْتِئْذَانُهَا وَاجِبٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.بَلْ إِنَّهَا يَجُوزُ لَهَا تَزْوِيجُ نَفْسِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.جَاءَ فِي الِاخْتِيَارِ: عِبَارَةُ النِّسَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ، حَتَّى لَوْ زَوَّجَتِ الْحُرَّةُ الْعَاقِلَةُ الْبَالِغَةُ نَفْسَهَا جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَتْ غَيْرَهَا بِالْوِلَايَةِ أَوِ الْوَكَالَةِ، وَكَذَا إِذَا وَكَّلَتْ غَيْرَهَا فِي تَزْوِيجِهَا، أَوْ زَوَّجَهَا غَيْرُهَا فَأَجَازَتْ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَيَسْتَدِلُّونَ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ حِزَامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَرَدَّهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- » وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ بِنْتَهَا بِرِضَاهَا فَجَاءَ الْأَوْلِيَاءُ وَخَاصَمُوهَا إِلَى عَلِيٍّ- رضي الله عنه- فَأَجَازَ النِّكَاحَ.هَذَا دَلِيلُ الِانْعِقَادِ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ، وَأَنَّهُ أَجَازَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا غَائِبِينَ؛ لِأَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لِغَيْرِهَا فَيَنْفُذُ، كَتَصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا.

هَذَا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ، وَتَفْصِيلُ الْخِلَافِ فِي هَذَا يَنْظُرُ فِي (نِكَاحٌ).

وَلِلْمَرْأَةِ أَيْضًا مُشَارَكَةُ زَوْجِهَا الرَّأْيَ بَلْ وَمُعَارَضَتُهُ، «قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاللَّهِ إِنْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ، وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِي أَمْرٍ أَتَأَمَّرُهُ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتِي: لَوْ صَنَعْتُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: مَا لَكِ وَلِمَا هَا هُنَا، فِيمَا تَكَلُّفُكِ فِي أَمْرٍ أُرِيدُهُ؟ فَقَالَتْ لِي: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ، وَإِنَّ ابْنَتَك لَتُرَاجِعَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ.فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ مَكَانَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ إِنَّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ؟ فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَاللَّهِ إِنَّا لَنُرَاجِعُهُ.

فَقُلْتُ: تَعْلَمِينَ أَنِّي أُحَذِّرُكِ عُقُوبَةَ اللَّهِ، وَغَضَبَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.يَا بُنَيَّةُ لَا يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا حُبُّ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِيَّاهَا- يُرِيدُ عَائِشَةَ- قَالَ: خَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ لِقَرَابَتِي مِنْهَا فَكَلَّمْتُهَا، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: عَجَبًا لَك يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، دَخَلْتَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى تَبْتَغِيَ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَأَزْوَاجِهِ.فَأَخَذَتْنِي وَاللَّهِ أَخْذًا كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُ أَجِدُ، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدَهَا، وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِذَا غِبْتُ أَتَانِي بِالْخَبَرِ، وَإِذَا غَابَ كُنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ، وَنَحْنُ نَتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا، فَقَدِ امْتَلأَتْ صُدُورُنَا مِنْهُ، فَإِذَا صَاحِبِي الْأَنْصَارِيُّ يَدُقُّ الْبَابَ، فَقَالَ: افْتَحِ افْتَحْ، فَقُلْتُ: جَاءَ الْغَسَّانِيُّ؟ فَقَالَ: بَلْ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَزْوَاجَهُ، فَقُلْتُ رَغِمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ.فَأَخَذْتُ ثَوْبِي، فَأَخْرُجُ حَتَّى جِئْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ يَرْقَى عَلَيْهَا بِعَجَلَةٍ، وَغُلَامٌ لِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: قُلْ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.

فَأَذِنَ لِي.قَالَ عُمَرُ: فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- هَذَا الْحَدِيثَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُوبًا، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ، فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَمَّا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ»؟

وَاسْتِشَارَةُ الْمَرْأَةِ فِيمَا يَتَّصِلُ بِشُئُونِ النِّسَاءِ أَوْ فِيمَا لَدَيْهَا خِبْرَةٌ بِهِ مَطْلُوبَةٌ، بِأَصْلِ نَدْبِ الْمَشُورَةِ فِي قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} وَلِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ: «لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا، فَمَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، قَالَتْ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا».

وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْقِدَ الْأَمَانَ مَعَ الْكُفَّارِ، وَيَسْرِي ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَفِي الْمُغْنِي: إِذَا أَعْطَتِ الْمَرْأَةُ الْأَمَانَ لِلْكُفَّارِ جَازَ عَقْدُهَا، وَقَالَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها-: إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ، وَعَنْ «أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجَرْتُ أَحْمَائِي وَأَغْلَقْتُ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ ابْنَ أُمِّي أَرَادَ قَتْلَهُمْ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» وَأَجَارَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- زَوْجَهَا أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ فَأَمْضَاهُ رَسُولُ اللَّهِ.

د- ذِمَّتُهَا الْمَالِيَّةُ:

13- لِلْأُنْثَى ذِمَّةٌ مَالِيَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَالرَّجُلِ، وَحَقُّهَا فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهَا أَمْرٌ مُقَرَّرٌ فِي الشَّرِيعَةِ مَا دَامَتْ رَشِيدَةً؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}.وَلَهَا أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي مَالِهَا كُلِّهِ عَنْ طَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ بِدُونِ إِذْنٍ مِنْ أَحَدٍ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.أَمَّا تَصَرُّفُهَا فِي مَالِهَا عَنْ طَرِيقِ التَّبَرُّعِ بِهِ، فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: يَجُوزُ لَهَا التَّصَرُّفُ فِي كُلِّ مَالِهَا بِالتَّبَرُّعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَرِوَايَةٍ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» وَأَنَّهُنَّ تَصَدَّقْنَ فَقَبِلَ صَدَقَتَهُنَّ، وَلَمْ يَسْأَلْ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ.وَلِهَذَا جَازَ لَهَا التَّصَرُّفُ بِدُونِ إِذْنٍ لِزَوْجِهَا فِي مَالِهَا، فَلَمْ يَمْلِكِ الْحَجْرَ عَلَيْهَا فِي التَّصَرُّفِ بِجَمِيعِهِ.

وَعِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا التَّبَرُّعُ فِي حُدُودِ الثُّلُثِ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّبَرُّعُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا.

وَلِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ ذِمَّةً مَالِيَّةً مُسْتَقِلَّةً فَقَدْ أَجَازَ الْفُقَهَاءُ لَهَا أَنْ تَضْمَنَ غَيْرَهَا، جَاءَ فِي الْمُغْنِي: يَصِحُّ ضَمَانُ كُلِّ جَائِزِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، فَصَحَّ مِنَ الْمَرْأَةِ كَالْبَيْعِ.

وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ لَهَا التَّبَرُّعَ بِكُلِّ مَالِهَا، أَمَّا مَنْ لَا يُجِيزُ لَهَا التَّبَرُّعَ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا، فَإِنَّهُمْ يُجِيزُونَ لَهَا الضَّمَانَ فِي حُدُودِ ثُلُثِ مَالِهَا أَوْ بِزَائِدٍ يَسِيرٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الضَّمَانَ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الزَّوْجِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


16-موسوعة الفقه الكويتية (تحريش)

تَحْرِيشٌ

التَّعْرِيفُ:

1- التَّحْرِيشُ فِي اللُّغَةِ: إِغْرَاءُ الْإِنْسَانِ أَوِ الْحَيَوَانِ لِيَقَعَ بِقِرْنِهِ، أَيْ نَظِيرِهِ.يُقَالُ: حَرَّشَ بَيْنَ الْقَوْمِ إِذَا أَفْسَدَ بَيْنَهُمْ، وَأَغْرَى بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: التَّحْرِيشُ: الْإِغْرَاءُ بَيْنَ الْقَوْمِ، أَوِ الْبَهَائِمِ، كَالْكِلَابِ وَالثِّيرَانِ وَغَيْرِهِمَا، بِتَهْيِيجِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، فَفِي التَّحْرِيشِ تَسْلِيطٌ لِلْمُحَرَّشِ عَلَى غَيْرِهِ.وَيُقَالُ فِي تَسْلِيطِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ نَحْوَهُ عَلَى الصَّيْدِ: إِشْلَاءٌ.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ لِلتَّحْرِيشِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

التَّحْرِيضُ:

2- التَّحْرِيضُ: الْحَثُّ عَلَى الْقِتَالِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ يَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَيَغْلِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يَكُونُ الْحَثُّ فِيهِ لِطَرَفٍ، أَمَّا التَّحْرِيشُ فَيَكُونُ فِيهِ الْحَثُّ لِطَرَفَيْنِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

3- التَّحْرِيشُ بَيْنَ النَّاسِ بِقَصْدِ الْإِفْسَادِ حَرَامٌ، لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِإِفْسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ.وَمِنْ صُوَرِ التَّحْرِيشِ: النَّمِيمَةُ.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى.قَالَ: صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ»

أَمَّا تَحْرِيشُ الْحَيَوَانِ- بِمَعْنَى الْإِغْرَاءِ وَالتَّسْلِيطِ وَالْإِرْسَالِ بِقَصْدِ الصَّيْدِ- فَمُبَاحٌ كَإِرْسَالِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ.

وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي حُرْمَةِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ، بِتَحْرِيضِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَتَهْيِيجِهِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ سَفَهٌ وَيُؤَدِّي إِلَى حُصُولِ الْأَذَى لِلْحَيَوَانِ، وَرُبَّمَا أَدَّى إِلَى إِتْلَافِهِ بِدُونِ غَرَضٍ مَشْرُوعٍ.

وَجَاءَ فِي الْأَثَرِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ».

وَيَحْرُمُ التَّحْرِيشُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِقَصْدِ الْإِفْسَادِ وَإِثَارَةِ الْفِتْنَةِ بَيْنَهُمْ.وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ».

أَمَّا الْإِغْرَاءُ عَلَى فِعْلٍ مَشْرُوعٍ فَيُسَمَّى تَحْرِيضًا، وَمِنْهُ التَّحْرِيضُ عَلَى رُكُوبِ الْخَيْلِ، وَالتَّدَرُّبُ عَلَى الرَّمْيِ، وَفُنُونِ الْقِتَالِ وَهُوَ جَائِزٌ.

وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ.وَتَفْصِيلُهُ فِي (تَحْرِيضٌ).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


17-موسوعة الفقه الكويتية (تحليل)

تَحْلِيلٌ

التَّعْرِيفُ:

1- التَّحْلِيلُ لُغَةً ضِدُّ التَّحْرِيمِ، وَأَصْلُ الْفِعْلِ (حَلَّ) وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَالتَّضْعِيفِ، فَيُقَالُ: أَحْلَلْتُهُ.وَمِنْهُ {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} أَيْ أَبَاحَهُ وَخَيَّرَ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَاسْمُ الْفَاعِلِ: مُحِلٌّ وَمُحَلِّلٌ.

وَالتَّحْلِيلُ فِي الشَّرْعِ هُوَ: حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ فِعْلًا مَا هُوَ حَلَالٌ.قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: لَمْ يَكُنْ مِنْ فُتْيَا النَّاسِ أَنْ يَقُولُوا: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ، وَلَكِنْ يَقُولُونَ: إِيَّاكُمْ كَذَا وَكَذَا، وَلَمْ أَكُنْ لِأَصْنَعَ هَذَا.قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:

وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّ التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَوْ يُصَرِّحَ بِهَذَا فِي عَيْنٍ مِنَ الْأَعْيَانِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْبَارِئُ تَعَالَى يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَنْهُ.

ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَقْوَى الدَّلِيلُ عَلَى التَّحْرِيمِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ، فَلَا بَأْسَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ، كَمَا يَقُولُ: إِنَّ الرِّبَا حَرَامٌ فِي غَيْرِ الْأَعْيَانِ السِّتَّةِ.

وَقَدْ يُطْلَقُ التَّحْلِيلُ وَيُرَادُ مِنْهُ الْعَفْوُ عَنْ مَظْلَمَةٍ، وَيُطْلَقُ التَّحْلِيلُ وَيُرَادُ مِنْهُ: تَحْلِيلُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِمُطَلِّقِهَا.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْإِبَاحَةُ:

2- الْإِبَاحَةُ فِي اللُّغَةِ: الْإِحْلَالُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّ: هِيَ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ تَخْيِيرًا مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ.

وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ: الْإِذْنُ بِإِتْيَانِ الْفِعْلِ حَسَبَ مَشِيئَةِ الْفَاعِلِ فِي حُدُودِ الْإِذْنِ وَقَدْ تُطْلَقُ الْإِبَاحَةُ عَلَى مَا قَابَلَ الْحَظْرَ، فَتَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالْإِيجَابَ وَالنَّدْبَ.وَالْإِبَاحَةُ فِيهَا تَخْيِيرٌ، أَمَّا الْحِلُّ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ شَرْعًا.

ر: (إِبَاحَةٌ).

تَحْلِيلُ الْحَرَامِ:

3- الْمُرَادُ بِهِ: جَعْلُ الْحَرَامِ حَلَالًا، كَتَحْلِيلِ الرِّبَا، فَذَلِكَ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ وَكَذِبٌ تَوَعَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}.

التَّحْلِيلُ مِنَ الدُّيُونِ وَغَيْرِهَا:

4- التَّحْلِيلُ مِنَ الدَّيْنِ: إِخْرَاجُ الدَّيْنِ مِنْهُ.وَأَمَّا التَّحَلُّلُ فَهُوَ: طَلَبُ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَظَالِمِ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ».

وَالتَّحْلِيلُ قَدْ يَكُونُ بِمُقَابِلٍ وَبِغَيْرِهِ:

فَاَلَّذِي بِمُقَابِلٍ: كَالزَّوْجَةِ تُرِيدُ أَنْ تَخْتَلِعَ مِنْ زَوْجِهَا، فَتُعْطِيهِ مَالًا لِيَخْلَعَهَا.وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}.

وَقَدْ يَكُونُ التَّحْلِيلُ بِلَا مُقَابِلٍ، وَأَصْلُ ذَلِكَ قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَلَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}.

فَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى جَوَازِ هِبَةِ الْمَرْأَةِ لِلْمَهْرِ، وَهُوَ دَيْنٌ.

التَّحْلِيلُ مِنَ التَّبِعَاتِ وَالْحُقُوقِ غَيْرِ الْمَالِيَّةِ لِلْحَيِّ وَالْمَيِّتِ:

5- مَنْ أَخْطَأَ فِي حَقِّ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللَّهِ عَنْ ذَنْبِهِ.وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ لِلتَّوْبَةِ شُرُوطًا مِنْهَا: أَنْ يَبْرَأَ التَّائِبُ مِنْ حَقِّ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مَالًا رَدَّهُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ حَدَّ قَذْفٍ وَنَحْوَهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ، أَوْ طَلَبَ عَفْوَهُ، وَإِنْ كَانَ غِيبَةً اسْتَحَلَّهُ مِنْهَا. (ر: تَوْبَةٌ).

نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ:

6- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ رَجْعِيَّتَيْنِ جَازَ لَهُ إِرْجَاعُهَا فِي الْعِدَّةِ.

وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بَيْنُونَةً صُغْرًى، فَحُكْمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنَ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ وَالثِّنْتَيْنِ الْبَائِنَتَيْنِ هُوَ نُقْصَانُ عَدَدِ الطَّلَاقِ وَزَوَالُ مِلْكِ الِاسْتِمْتَاعِ، حَتَّى لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا إِلاَّ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَيَجُوزُ نِكَاحُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثِ- وَإِنْ كَانَ بَائِنًا- فَإِنَّهُ يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِ الِاسْتِمْتَاعِ، لَا زَوَالَ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ.

أَمَّا إِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا، فَإِنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ لِلطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ هُوَ زَوَالُ مِلْكِ الِاسْتِمْتَاعِ وَزَوَالُ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ أَيْضًا، حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ نِكَاحُهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ، لقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}.بَعْدَ قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}.

وَإِنَّمَا تَنْتَهِي الْحُرْمَةُ وَتَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِشُرُوطٍ:

أ- النِّكَاحُ:

7- أَوَّلُ شُرُوطِ التَّحْلِيلِ: النِّكَاحُ، لقوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} فَقَدْ نَفَى حِلَّ الْمَرْأَةِ لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا، وَحَدُّ النَّفْيِ إِلَى غَايَةِ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ.وَالْحُكْمُ الْمَحْدُودُ إِلَى غَايَةٍ لَا يَنْتَهِي قَبْلَ وُجُودِ الْغَايَةِ، فَلَا تَنْتَهِي الْحُرْمَةُ قَبْلَ التَّزَوُّجِ، فَلَا تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ قَبْلَهُ ضَرُورَةً.وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إِذَا وَطِئَهَا إِنْسَانٌ بِالزِّنَى أَوْ بِشُبْهَةٍ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا لِعَدَمِ النِّكَاحِ.

صِحَّةُ النِّكَاحِ:

8- يُشْتَرَطُ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي لِكَيْ تَحِلَّ الْمَرْأَةُ لِلْأَوَّلِ: أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ إِذَا كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا، حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِنِكَاحٍ حَقِيقَةً، وَمُطْلَقُ النِّكَاحِ يَنْصَرِفُ إِلَى مَا هُوَ نِكَاحٌ حَقِيقَةً.

وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ الثَّانِي مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ، وَدَخَلَ بِهَا، لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِفَسَادِهِ لِمَا قُلْنَا.

ج- الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ:

9- ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ صِحَّةِ الزَّوَاجِ: أَنْ يَطَأَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي فِي الْفَرْجِ، فَلَوْ وَطِئَهَا دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ فِي الدُّبُرِ لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- عَلَّقَ الْحِلَّ عَلَى ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ مِنْهُمَا.فَقَالَ لِامْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ».

وَلَا يَحْصُلُ هَذَا إِلاَّ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ.وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: تَحِلُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، لِحَمْلِهِ النِّكَاحَ فِي الْآيَةِ عَلَى الْعَقْدِ دُونَ الْجِمَاعِ، وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ حَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى الْجِمَاعِ.وَأَدْنَى الْوَطْءِ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ تَتَعَلَّقُ بِهِ، وَذَلِكَ بِشَرْطِ الِانْتِشَارِ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ، وَلَا تُعْقَلُ مِنْ غَيْرِ انْتِشَارٍ.

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْإِنْزَالَ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلاَّ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تَحِلُّ إِلاَّ بِوَطْءٍ وَإِنْزَالٍ.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا وَقَعَ الْوَطْءُ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُبَاحٍ كَحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، هَلْ يُحِلُّ الْمَرْأَةَ أَمْ لَا؟

ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّ الْوَطْءَ يُحِلُّ الْمَرْأَةَ، وَإِنْ وَقَعَ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُبَاحٍ كَحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاطِئُ بَالِغًا عَاقِلًا أَمْ صَبِيًّا مُرَاهِقًا أَمْ مَجْنُونًا، لِأَنَّ وَطْءَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ، مِنَ الْمَهْرِ وَالتَّحْرِيمِ، كَوَطْءِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ.

وَالْحَنَابِلَةُ كَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّ وَطْءَ الْمَجْنُونِ يُحِلُّ الْمَرْأَةَ كَالْعَاقِلِ.

وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ الَّتِي يُجَامَعُ مِثْلُهَا، إِذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا، وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي، حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ، لِأَنَّ وَطْأَهَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطْءِ مِنَ الْمَهْرِ وَالتَّحْرِيمِ، كَوَطْءِ الْبَالِغَةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ حَلَالًا (مُبَاحًا)، لِأَنَّ الْوَطْءَ غَيْرُ الْمُبَاحِ حَرَامٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْإِحْلَالُ كَوَطْءِ الْمُرْتَدَّةِ.

وَبِنَاءً عَلَى هَذَا: فَلَا تَحِلُّ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إِذَا جَامَعَهَا زَوْجُهَا الثَّانِي فِي صَوْمٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ حَيْضٍ أَوِ اعْتِكَافٍ.

كَمَا اشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الْوَاطِئُ بَالِغًا، وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ أَنْ يَكُونَ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً؛ لِأَنَّ مَنْ دُونَ الْبُلُوغِ أَوْ مَنْ دُونَ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ لَا يُمْكِنُهُ الْمُجَامَعَةُ.

وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ، فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ وَطْءَ زَوْجِهَا الذِّمِّيِّ يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ زَوْجٌ.

وَلَا يُحِلُّهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَرَبِيعَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ.

الزَّوَاجُ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ:

10- مَنْ تَزَوَّجَ مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا بِشَرْطٍ صَرِيحٍ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ يُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ».وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ: هُوَ الْمُحَلِّلُ.لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ لَهُ».

وَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ) بِفَسَادِ هَذَا النِّكَاحِ لِلْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ بِشَرْطِ الْإِحْلَالِ فِي مَعْنَى النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ، وَشَرْطُ التَّأْقِيتِ فِي النِّكَاحِ يُفْسِدُهُ، وَمَا دَامَ النِّكَاحُ فَاسِدًا فَلَا يَقَعُ بِهِ التَّحْلِيلُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ عُمَرَ- رضي الله عنه-: وَاللَّهِ لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَمُحَلَّلٍ لَهُ إِلاَّ رَجَمْتُهُمَا.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ، وَتَحِلُّ لِلْأَوَّلِ بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا الثَّانِي وَتَنْتَهِيَ عِدَّتُهَا.وَيُكْرَهُ لِلثَّانِي وَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ عُمُومَاتِ النِّكَاحِ تَقْتَضِي الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إِذَا شُرِطَ فِيهِ الْإِحْلَالُ أَوْ لَا.فَكَانَ النِّكَاحُ بِهَذَا الشَّرْطِ نِكَاحًا صَحِيحًا، فَيَدْخُلُ تَحْتَ قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} فَتَنْتَهِي الْحُرْمَةُ عِنْدَ وُجُودِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ كُرِهَ النِّكَاحُ لِهَذَا الشَّرْطِ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي الْمَقْصُودَ مِنَ النِّكَاحِ وَهُوَ السَّكَنُ وَالتَّوَالُدُ وَالتَّعَفُّفُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقِفُ عَلَى الْبَقَاءِ وَالدَّوَامِ عَلَى النِّكَاحِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: النِّكَاحُ الثَّانِي صَحِيحٌ، وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ مُؤَبَّدٌ، فَكَانَ شَرْطُ الْإِحْلَالِ اسْتِعْجَالَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِغَرَضِ الْحِلِّ، فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَبْقَى النِّكَاحُ صَحِيحًا، لَكِنْ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْغَرَضُ.

الزَّوَاجُ بِقَصْدِ التَّحْلِيلِ:

11- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الزَّوَاجَ بِقَصْدِ التَّحْلِيلِ- مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ- صَحِيحٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَتَحِلُّ الْمَرْأَةُ بِوَطْءِ الزَّوْجِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ بِمُجَرَّدِهَا فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، فَوَقَعَ الزَّوَاجُ صَحِيحًا لِتَوَافُرِ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ فِي الْعَقْدِ، وَتَحِلُّ لِلْأَوَّلِ، كَمَا لَوْ نَوَيَا التَّأْقِيتَ وَسَائِرَ الْمَعَانِي الْفَاسِدَةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الزَّوَاجَ بِقَصْدِ التَّحْلِيلِ- وَلَوْ بِدُونِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ- بَاطِلٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَوَاطَأَ الْعَاقِدَانِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ قَبْلَ الْعَقْدِ، ثُمَّ عُقِدَ الزَّوَاجُ بِذَلِكَ الْقَصْدِ، وَلَا تَحِلُّ الْمَرْأَةُ بِهِ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ، عَمَلًا بِقَاعِدَةِ سَدِّ الذَّرَائِعِ.وَلِحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ». هَدْمُ طَلَقَاتِ الْأَوَّلِ بِالزَّوَاجِ الثَّانِي:

12- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَهْدِمُ طَلَاقَ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ إِذَا كَانَ ثَلَاثًا، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ هَلْ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ؟ وَذَلِكَ كَمَا إِذَا تَزَوَّجَتْ قَبْلَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ طُلِّقَتْ مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ.

فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ) إِلَى أَنَّهُ لَا يَهْدِمُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ يَخُصُّ الثَّالِثَةَ بِالشَّرْعِ، فَلَا يَهْدِمُ مَا دُونَهَا.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ، لِأَنَّهُ لَمَّا هَدَمَ الثَّلَاثَ فَهُوَ أَحْرَى أَنْ يَهْدِمَ مَا دُونَهَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


18-موسوعة الفقه الكويتية (جمع الصلوات)

جَمْعُ الصَّلَوَاتِ

التَّعْرِيفُ:

1- الْجَمْعُ ضِدُّ التَّفْرِيقِ، وَجَمَعَ الشَّيْءَ إِذَا جَاءَ بِهِ مِنْ هُنَا وَهُنَا وَضَمَّ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ.وَالْمُرَادُ بِجَمْعِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: هُوَ أَدَاءُ الظُّهْرِ مَعَ الْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ مَعَ الْعِشَاءِ تَقْدِيمًا أَوْ تَأْخِيرًا.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

2- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي عَرَفَاتٍ جَمْعَ تَقْدِيمٍ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمْعَ تَأْخِيرٍ فِي مُزْدَلِفَةَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ لِلْحَاجِّ لِأَنَّ الرَّسُولَ فَعَلَ هَذَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَعَنْ جَابِرٍ- رضي الله عنه- قَالَ فِي صِفَةِ حَجِّهِ- صلى الله عليه وسلم- «فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا».

وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ عِلَّةِ هَذِهِ الرُّخْصَةِ هَلْ هِيَ السَّفَرُ أَوْ هِيَ النُّسُكُ؟ فَذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَمَكْحُولٌ، وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ مِنْ أَجْلِ النُّسُكِ، وَلِهَذَا فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْحَاضِرِ، وَلَا بَيْنَ الْعَرَفِيِّ وَالْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِمْ بِعَرَفَةَ، وَلَا بَيْنَ الْمُزْدَلِفِيِّ وَغَيْرِهِ بِمُزْدَلِفَةَ.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّ الْجَمْعَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ رُخْصَةٌ مِنْ أَجْلِ السَّفَرِ وَاحْتَجُّوا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْجَمْعِ فِي أَسْفَارِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- الْأُخْرَى كَمَا يَأْتِي.

الْجَمْعُ لِلسَّفَرِ:

3- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ، أَوْ جَمْعَ تَأْخِيرٍ بِسَبَبِ السَّفَرِ الطَّوِيلِ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الرُّبَاعِيَّةُ مَا لَمْ يَكُنْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ لِلْأَدِلَّةِ الْآتِيَةِ:

أ- عَنْ أَنَسٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا» الْحَدِيثَ، وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ رَكِبَ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «كَانَ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ ارْتَحَلَ».

ب- وَعَنْ مُعَاذٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا».

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَا يُشْتَرَطُ لِلْجَمْعِ فِي السَّفَرِ عِنْدَهُمْ طُولُ مَسَافَةِ السَّفَرِ أَوْ قِصَرُهَا، فَإِذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي أَثْنَاءِ إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ عِنْدَ التَّقْدِيمِ بَطَلَ الْجَمْعُ.وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إِقَامَةُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِبُطْلَانِ الْجَمْعِ.

وَأَحْوَالُ جَوَازِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ أَوْ عَدَمِهِ كَالْآتِي: -

1- يُرَخَّصُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ بِشَرْطَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَزُولَ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بِالْمَكَانِ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ لِلرَّاحَةِ

ثَانِيهِمَا: أَنْ يَنْوِيَ الِارْتِحَالَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَالنُّزُولَ فِي مَكَانٍ آخَرَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.

2- وَإِنْ نَوَى النُّزُولَ قَبْلَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ أَوَّلَ وَقْتِهَا، وَأَخَّرَ الْعَصْرَ وُجُوبًا حَتَّى يَنْزِلَ لِيُوقِعَهَا فِي وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ، فَإِنْ قَدَّمَهَا مَعَ الظُّهْرِ أَجْزَأَتْ، وَنُدِبَ إِعَادَتُهَا فِي وَقْتِهَا عِنْدَ نُزُولِهِ.

3- وَإِنْ نَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْعَصْرِ إِنْ شَاءَ قَدَّمَهَا مَعَ الظُّهْرِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهَا حَتَّى يَنْزِلَ هَذَا إِذَا زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَثْنَاءَ نُزُولِهِ.

فَإِنْ زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَثْنَاءَ سَيْرِهِ فَأَحْوَالُهُ هِيَ:

1- إِنْ نَوَى النُّزُولَ وَقْتَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ أَوْ قَبْلَهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ، لِيَجْمَعَهَا مَعَ الْعَصْرِ جَمْعَ تَأْخِيرٍ وَقْتَ نُزُولِهِ وُجُوبًا عَلَى مَا قَالَ الدُّسُوقِيُّ وَجَوَازًا عَلَى مَا قَالَ اللَّخْمِيُّ.

2- وَإِنْ نَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا جَمْعًا صُورِيًّا، وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ آخِرَ وَقْتِهِ الِاخْتِيَارِيِّ، وَالْعَصْرَ أَوَّلَ وَقْتِهِ الِاخْتِيَارِيِّ.

هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ.وَمِثْلُهُمَا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ مَعَ مُرَاعَاةِ مَا يَدْخُلُ بِهِ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَهُوَ الشَّفَقُ وَمَا يَخْرُجُ بِهِ وَهُوَ الْفَجْرُ.

4- وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ إِلَى جَوَازِ جَمْعِ التَّأْخِيرِ فَقَطْ لِلْمُسَافِرِ عَمَلًا بِرِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ- رضي الله عنه- وَهِيَ قَوْلُهُ: «فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ».

وَذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَمَكْحُولٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْمُسَافِرِ لَا تَقْدِيمًا وَلَا تَأْخِيرًا، وَتَأَوَّلُوا مَا وَرَدَ مِنْ جَمْعِهِ- صلى الله عليه وسلم- بِأَنَّهُ جَمْعٌ صُورِيٌّ، وَهُوَ أَنَّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَقَدَّمَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا:

أ- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- قَالَ.«مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- صَلَّى صَلَاةً بِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إِلاَّ صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ».

ب- قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الْأُخْرَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا، فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا».

ج- وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ مَوَاقِيتَ الصَّلَاةِ ثَبَتَتْ بِالتَّوَاتُرِ وَأَحَادِيثُ الْجَمْعِ آحَادٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْمُتَوَاتِرِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ.

5- وَقَدِ اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ الْجَمْعِ بِسَبَبِ السَّفَرِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْمُسَافِرِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ- الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَوِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ- فِي وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا وَفِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ.

غَيْرَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ نَازِلًا فِي وَقْتِ الْأُولَى فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ فِي وَقْتِ الْأُولَى، وَإِنْ كَانَ سَائِرًا فِيهَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إِلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي الْمَنْزِلِ أَيْ مَكَانَ النُّزُولِ فِي السَّفَرِ قَدَّمَ الْعَصْرَ إِلَى وَقْتِ الظُّهْرِ وَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الزَّوَالِ، وَإِذَا سَافَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ» وَلِأَنَّ هَذَا أَرْفَقُ بِالْمُسَافِرِ فَكَانَ أَفْضَلَ.

أَمَّا إِنْ كَانَ سَائِرًا فِي وَقْتَيْهِمَا أَوْ نَازِلًا فِيهِ وَأَرَادَ جَمْعَهُمَا، فَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ الْأُولَى مِنْهُمَا إِلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ لِلْأُولَى حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْعَكْسِ.

وَيَرَى الْأَوْزَاعِيُّ عَدَمَ جَوَازِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ.

شُرُوطُ صِحَّةِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ:

6- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ الْجَمْعِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَمْعِ التَّقْدِيمِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ:

أَوَّلُهَا: الْبُدَاءَةُ بِالْأُولَى مِنَ الصَّلَاتَيْنِ كَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَهَا وَالثَّانِيَةَ تَبَعٌ لَهَا وَالتَّابِعُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى مَتْبُوعِهِ، فَلَوْ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الظُّهْرِ أَوِ الْعِشَاءَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ لَمْ يَصِحَّ الظُّهْرُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَلَا الْعِشَاءُ فِي الثَّانِيَةِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهَا بَعْدَ الْأُولَى إِذَا أَرَادَ الْجَمْعَ.

ثَانِيهَا: نِيَّةُ الْجَمْعِ وَمَحَلُّهَا الْفَاضِلُ أَوَّلَ الصَّلَاةِ الْأُولَى وَيَجُوزُ فِي أَثْنَائِهَا إِلَى سَلَامِهَا.

ثَالِثُهَا: الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَهِيَ أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا زَمَنٌ طَوِيلٌ، أَمَّا الْفَصْلُ الْيَسِيرُ فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ مِنَ الْعَسِيرِ التَّحَرُّزَ مِنْهُ.

فَإِنْ أَطَالَ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا بَطَلَ الْجَمْعُ سَوَاءٌ أَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِنَوْمٍ، أَمْ سَهْوٍ، أَمْ شُغْلٍ، أَمْ غَيْرِ ذَلِكَ.وَالْمَرْجِعُ فِي الْفَصْلِ الْيَسِيرِ وَالطَّوِيلِ الْعُرْفُ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَا ضَابِطَ لَهَا فِي الشَّرْعِ أَوْ فِي اللُّغَةِ كَالْحِرْزِ وَالْقَبْضِ وَغَيْرِهِمَا.

وَقَدَّرَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ الْفَصْلَ الْيَسِيرَ بِقَدْرِ الْإِقَامَةِ، وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ وَقَدْرِ الْوُضُوءِ.

رَابِعُهَا: دَوَامُ سَفَرِهِ حَالَ افْتِتَاحِ الْأُولَى وَالْفَرَاغِ مِنْهَا وَافْتِتَاحِ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا نَوَى الْإِقَامَةَ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ الْأُولَى، أَوْ وَصَلَ إِلَى بَلَدِهِ وَهُوَ فِي الْأُولَى، أَوْ صَارَ مُقِيمًا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ انْقَطَعَ الْجَمْعُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ، وَلَزِمَهُ تَأْخِيرُ الثَّانِيَةِ إِلَى وَقْتِهَا.

شُرُوطُ صِحَّةِ جَمْعِ التَّأْخِيرِ:

7- يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ جَمْعِ التَّأْخِيرِ نِيَّةُ الْجَمْعِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الْأُولَى بِزَمَنٍ لَوِ ابْتُدِئَتْ فِيهِ كَانَتْ أَدَاءً، فَإِنْ أَخَّرَهَا بِغَيْرِ نِيَّةِ الْجَمْعِ أَثِمَ وَتَكُونُ قَضَاءً لِخُلُوِّ وَقْتِهَا عَنِ الْفِعْلِ أَوِ الْعَزْمِ.

وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ شَرْطًا آخَرَ لِجَمْعِ التَّأْخِيرِ وَهُوَ دَوَامُ سَفَرِهِ إِلَى تَمَامِ الصَّلَاتَيْنِ، فَإِنْ أَقَامَ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهُمَا أَصْبَحَتِ الْأُولَى قَضَاءً.

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَشْتَرِطُونَ اسْتِمْرَارَ السَّفَرِ إِلَى حِينِ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّ زَوَالُ السَّفَرِ قَبْلَ فِعْلِ الصَّلَاتَيْنِ وَبَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ.

8- وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ.

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، لِأَنَّ الْجَمْعَ رُخْصَةٌ ثَبَتَتْ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ فَاخْتَصَّتْ بِالطَّوِيلِ كَالْقَصْرِ وَلِأَنَّهُ إِخْرَاجُ عِبَادَةٍ عَنْ وَقْتِهَا فَلَمْ يَجُزْ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ كَالْفِطْرِ فِي الصَّوْمِ، وَلِأَنَّ دَلِيلَ الْجَمْعِ فِعْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَالْفِعْلُ لَا صِيغَةَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ قَضِيَّةُ عَيْنٍ، فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا إِلاَّ فِي مِثْلِهَا، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- جَمَعَ إِلاَّ فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ.وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَرْجُوحِ عِنْدَهُمْ إِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَجْمَعُونَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَهُوَ سَفَرٌ قَصِيرٌ.

وَتَفْصِيلُ مَا يَتَّصِلُ بِالسَّفَرِ قِصَرًا وَطُولًا يُنْظَرُ فِي: (صَلَاةُ الْمُسَافِرِ).

هَذَا وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْجَمْعَ لَا يَجُوزُ إِلاَّ إِذَا كَانَ سَائِرًا فِي وَقْتِ الْأُولَى فَيُؤَخِّرُ إِلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا.وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ جَوَازُ تَقْدِيمِهِ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ لِيُصَلِّيَهَا مَعَ الْأُولَى عَلَى مَا سَبَقَ.

الْجَمْعُ لِلْمَرَضِ:

9- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ لِلْمَرِيضِ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ». وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ لَا يَكُونُ إِلاَّ لِعُذْرٍ فَيَجْمَعُ لِلْمَرَضِ.

وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ وَحَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ- رضي الله عنهما- لَمَّا كَانَتَا مُسْتَحَاضَتَيْنِ بِتَأْخِيرِ الظُّهْرِ وَتَعْجِيلِ الْعَصْرِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِغُسْلٍ وَاحِدٍ».

ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءَ قَاسُوا الْمَرَضَ عَلَى السَّفَرِ بِجَامِعِ الْمَشَقَّةِ فَقَالُوا: إِنَّ الْمَشَقَّةَ عَلَى الْمَرِيضِ بِجَامِعٍ فِي إِفْرَادِ الصَّلَوَاتِ أَشَدُّ مِنْهَا عَلَى الْمُسَافِرِ.

إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَرَوْنَ أَنَّ الْجَمْعَ الْجَائِزَ بِسَبَبِ الْمَرَضِ هُوَ جَمْعُ التَّقْدِيمِ فَقَطْ لِمَنْ خَافَ الْإِغْمَاءَ أَوِ الْحُمَّى أَوْ غَيْرَهُمَا.وَإِنْ سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ وَلَمْ تُصِبْهُ أَعَادَ الثَّانِيَةَ فِي وَقْتِهَا.

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَرَوْنَ أَنَّ الْمَرِيضَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَالْمُسَافِرِ، فَإِنِ اسْتَوَى عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ فَالتَّأْخِيرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ لِلْأُولَى حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَالْمَرَضُ الْمُبِيحُ لِلْجَمْعِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ هُوَ مَا يَلْحَقُهُ بِهِ بِتَأْدِيَةِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ.

وَأَلْحَقُوا الْمُسْتَحَاضَةَ، وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمَا كَالْمُرْضِعِ بِالْمَرِيضِ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ.

وَإِلَى رَأْيِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ لِلْمَرِيضِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَابْنُ الْمُقْرِي، وَالْمُتَوَلِّي، وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ.

وَقَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْوَجْهُ قَوِيٌّ جِدًّا.

قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: يَجُوزُ الْجَمْعُ بِعُذْرِ الْمَرَضِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَالْأَوْلَى أَنْ يَفْعَلَ أَرْفَقَهُمَا بِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَلِأَنَّ أَخْبَارَ الْمَوَاقِيتِ ثَابِتَةٌ فَلَا تُتْرَكُ أَوْ تُخَالَفُ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ وَغَيْرِ صَرِيحٍ، وَلَا سِيَّمَا أَنَّ الرَّسُولَ- صلى الله عليه وسلم- مَرِضَ أَمْرَاضًا كَثِيرَةً وَلَمْ يُنْقَلْ جَمْعُهُ بِالْمَرَضِ صَرِيحًا.

الْجَمْعُ لِلْمَطَرِ، وَالثَّلْجِ، وَالْبَرْدِ، وَنَحْوِهَا:

10- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِسَبَبِ الْمَطَرِ الْمُبَلِّلِ لِلثِّيَابِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرْدِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا» زَادَ مُسْلِمٌ «مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ».

قَالَ كُلٌّ مِنَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (: أَرَى ذَلِكَ بِعُذْرِ الْمَطَرِ.وَلَمْ يَأْخُذِ الْجُمْهُورُ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ: «مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» لِأَنَّهَا تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْجُمْهُورِ.

وَلِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ- رضي الله عنهم- كَانَا يَجْمَعَانِ بِسَبَبِ الْمَطَرِ.

وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَالْأَوْزَاعِيِّ.إِلاَّ أَنَّ الْجُمْهُورَ اخْتَلَفُوا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا:

1- يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِسَبَبِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: «إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ إِذَا كَانَ يَوْمٌ مَطِيرٌ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ».وَلِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ أَشَدُّ لِأَجْلِ الظُّلْمَةِ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَذَلِكَ بِسَبَبِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ وُجُودُ الْمَطَرِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي اللَّيْلِ أَمْ فِي النَّهَارِ.

2- أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ:

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ إِلَى جَوَازِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ فَقَطْ دُونَ جَمْعِ التَّأْخِيرِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمَطَرِ لَيْسَتْ مُؤَكَّدَةً، فَقَدْ يَنْقَطِعُ الْمَطَرُ فَيُؤَدِّي إِلَى إِخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ جَمْعِ التَّأْخِيرِ بِسَبَبِ الْمَطَرِ كَالسَّفَرِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ.

3- يَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِلْجَمْعِ بِسَبَبِ الْمَطَرِ الْبُدَاءَةُ بِالْأُولَى مِنَ الصَّلَاتَيْنِ وَنِيَّةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَالْمُوَالَاةُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي سَبَقَ فِي الْجَمْعِ بِسَبَبِ السَّفَرِ (ف 3).

وَهُنَاكَ شُرُوطٌ أُخْرَى اشْتَرَطَهَا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِلْجَمْعِ بِسَبَبِ الْمَطَرِ مِنْهَا: أ- وُجُودُ الْمَطَرِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاتَيْنِ وَعِنْدَ السَّلَامِ مِنَ الْأُولَى وَعِنْدَ دُخُولِ الثَّانِيَةِ.

ب- الرُّخْصَةُ خَاصَّةٌ بِالْمُصَلِّي جَمَاعَةً فِي مَسْجِدٍ، فَلَا يَجْمَعُ الْمُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

وَالْأَرْجَحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الرُّخْصَةَ عَامَّةٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً فِي مَسْجِدٍ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُصَلِّي فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ أَوْ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- جَمَعَ فِي الْمَطَرِ وَلَيْسَ بَيْنَ حُجْرَتِهِ وَالْمَسْجِدِ شَيْءٌ».وَلِأَنَّ الْعُذْرَ إِذَا وُجِدَ اسْتَوَى فِيهِ وُجُودُ الْمَشَقَّةِ وَغَيْرُهُ.

4- يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الطِّينَ أَوِ الْوَحْلَ عُذْرٌ يُبِيحُ الْجَمْعَ كَالْمَطَرِ؛ لِأَنَّهُ يُلَوِّثُ الثِّيَابَ وَالنِّعَالَ وَيَتَعَرَّضُ الْإِنْسَانُ فِيهِ لِلزَّلْقِ وَتَتَأَذَّى نَفْسُهُ وَثِيَابُهُ، وَهَذَا أَعْظَمُ مِنَ الْبَلَلِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ.

إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: إِنِ اجْتَمَعَ الْمَطَرُ وَالطِّينُ وَالظُّلْمَةُ، أَوِ اثْنَانِ مِنْهَا، أَوِ انْفَرَدَ الْمَطَرُ جَازَ الْجَمْعُ، بِخِلَافِ انْفِرَادِ الظُّلْمَةِ، وَفِي انْفِرَادِ الطِّينِ قَوْلَانِ، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْجَمْعِ.

وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِسَبَبِ الطِّينِ أَوِ الْوَحْلِ قَالُوا لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى زَمَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ جَمَعَ مِنْ أَجْلِهِ.

5- يَرَى الْحَنَابِلَةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ مِنْ أَجْلِ الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يُنَادِي مُنَادِيهِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ، أَوِ اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ ذَاتِ الرِّيحِ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ».

وَالْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الْجَمْعُ مِنْ أَجْلِ الرِّيحِ.لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهَا دُونَ الْمَشَقَّةِ فِي الْمَطَرِ فَلَمْ يَصِحَّ إِلْحَاقُهَا بِالْمَطَرِ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَلَا يُجِيزُونَ الْجَمْعَ مِنْ أَجْلِ الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالظُّلْمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَتَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ جَمَعَ مِنْ أَجْلِهِمَا.

الْجَمْعُ لِلْخَوْفِ:

11- ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بِسَبَبِ الْخَوْفِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا» زَادَ مُسْلِمٌ «مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ لِلْخَوْفِ أَوْلَى.

وَذَهَبَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى لِلْمَالِكِيَّةِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْجَمْعِ لِلْخَوْفِ لِثُبُوتِ أَحَادِيثِ الْمَوَاقِيتِ وَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا إِلاَّ بِنَصٍّ صَرِيحٍ غَيْرِ مُحْتَمَلٍ.

وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يُجِيزُونَ الْجَمْعَ لِسَفَرٍ وَلَا لِمَطَرٍ وَلَا لِغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَعْذَارِ الْأُخْرَى.

الْجَمْعُ بِدُونِ سَبَبٍ:

12- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْجَمْعِ لِغَيْرِ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ أَخْبَارَ الْمَوَاقِيتِ الثَّابِتَةِ لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا إِلاَّ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ، وَلِأَنَّهُ تَوَاتَرَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- الْمُحَافَظَةُ عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ حَتَّى «قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه-: مَا رَأَيْت النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إِلاَّ صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ» أَيْ بِمُزْدَلِفَةَ الْحَدِيثَ.

وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ- أَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ شُبْرُمَةَ- إِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ لِحَاجَةٍ مَا لَمْ يُتَّخَذْ ذَلِكَ عَادَةً.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي الْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ، وَلَا مَرَضٍ.وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ لِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ.وَلِمَا رُوِيَ مِنَ الْآثَارِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ- رضي الله عنهم- مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ لِغَيْرِ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


19-موسوعة الفقه الكويتية (نكاح منهي عنه 3)

نِكَاحٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ -3

الْعَاشِرُ: نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ:

19- نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ يَتَأَتَّى فِي امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا فَلَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إِلاَّ بِشُرُوطٍ هِيَ:

أ- أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ.

ب- أَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ آخَرُ زَوَاجًا صَحِيحًا.

ج- أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ الْجَدِيدُ دُخُولًا حَقِيقِيًّا بِأَنَّ تَغِيبَ حَشَفَتُهُ أَوْ قَدْرُهَا فِي فَرْجِهَا.

د- أَنْ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ الْآخَرُ.

هـ- أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ

وَقَدْ قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ صُوَرَ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ إِلَى أَقْسَامٍ مِنْهَا:

الْأُولَى: أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى شَرْطٍ إِذَا أَحَلَّهَا بِإِصَابَةٍ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا النِّكَاحُ بَاطِلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ، لِحَدِيثِ: «لَعَنَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- الْمُحِلَّ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» وَلِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ: هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» وَلِمَا رَوَاهُ قَبِيصَةُ بْنُ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أُوتَى بِمُحِلٍّ وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ إِلاَّ رَجَمْتُهُمَا وَلِأَنَّهُ إِلَى مُدَّةٍ أَوْ فِيهِ شَرْطٌ يَمْنَعُ بَقَاءَهُ فَأَشْبَهَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ، بَلْ أَغْلَظُ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَحَدُهُمَا: جَهَالَةُ مُدَّتِهِ.وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِصَابَةَ فِيهِ مَشْرُوطَةٌ لِغَيْرِهِ فَكَانَ بِالْفَسَادِ أَخَصَّ.

وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ شُرِطَ فِيهِ انْقِطَاعُهُ قَبْلَ غَايَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ بِكُلِّ صُوَرِهِ إِلاَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَهُمْ تَحْرِيمًا إِذَا كَانَ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ كَأَنْ يَقُولَ: تَزَوَّجْتُكِ عَلَى أَنْ أُحِلَّكِ لِلْأَوَّلِ، فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ.

وَخَالَفَهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَبُو يُوسُفَ فَيَرَى فَسَادَ النِّكَاحِ فِيهَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ وَلَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ

الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَشْتَرِطَ فِي الْعَقْدِ أَنَّهُ إِذَا أَحَلَّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ طَلَّقَهَا فَهَذَا النِّكَاحُ بَاطِلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ دَوَامَ النِّكَاحِ فَأَشْبَهَ التَّأْقِيتَ.وَلِحَدِيثِ: «لَعَنَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- الْمُحِلَّ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ».

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى صِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ وَبُطْلَانِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَكَذَلِكَ إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ النِّكَاحُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَلِأَنَّ عُمُومَاتِ النِّكَاحِ تَقْتَضِي الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إِذَا شُرِطَ فِيهِ الْإِحْلَالُ أَوْ لَا، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ صَحِيحًا، فَيَدْخُلُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَحْتَ قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} إِلاَّ أَنَّهُ كَرِهَ النِّكَاحَ بِهَذَا الشَّرْطِ، لِأَنَّهُ يُنَافِي الْمَقْصُودَ مِنَ النِّكَاحِ وَهُوَ السَّكَنُ وَالتَّوَالُدُ وَالتَّعَفُّفُ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَقِفُ عَلَى الْبَقَاءِ وَالدَّوَامِ عَلَى النِّكَاحِ.قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَهَذَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- مَعْنَى إِلْحَاقِ اللَّعْنِ بِالْمُحَلِّلِ فِي الْحَدِيثِ، وَأَمَّا إِلْحَاقُ اللَّعْنِ بِالْمُحَلَّلِ لَهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سَبَبٌ لِمُبَاشَرَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي هَذَا النِّكَاحَ، لِقَصْدِ الْفِرَاقِ وَالطَّلَاقِ دُونَ الْإِبْقَاءِ وَتَحْقِيقِ وَمَا وُضِعَ لَهُ، وَالْمُسَبِّبُ شَرِيكُ الْمُبَاشِرِ فِي الْإِثْمِ وَالثَّوَابِ فِي التَّسَبُّبِ لِلْمَعْصِيَةِ وَالطَّاعَةِ.

ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ بَاشَرَ مَا يُفْضِي إِلَى الَّذِي تَنْفِرُ مِنْهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ وَتَكْرَهُهُ مِنْ عَوْدِهَا إِلَيْهِ- أَيِ الْمَرْأَةِ- مِنْ مُضَاجَعَةِ غَيْرِهِ إِيَّاهَا وَاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا وَهُوَ الطَّلَقَاتُ الثَّلَاثُ، إِذْ لَوْلَاهَا لَمَا وَقَعَ فِيهِ فَكَانَ إِلْحَاقُهُ اللَّعْنَ بِهِ لِأَجْلِ الطَّلَقَاتِ

وَقَدْ أَوَّلَ الْحَنَفِيَّةُ اللَّعْنَ الْوَارِدَ فِي شَأْنِ الْمُحَلِّلِ بِتَأْوِيلَاتٍ أُخْرَى مِنْهَا: أَنَّ اللَّعْنَ عَلَى مَنْ شَرَطَ الْأَجْرَ عَلَى التَّحْلِيلِ، وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَاللَّعْنُ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ أَظْهَرُ، لِأَنَّهُ كَأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى عَسْبِ التَّيْسِ وَهُوَ حَرَامٌ، وَيُقَرِّبُهُ أَنَّه- عليه الصلاة والسلام- سَمَّى الْمُحَلِّلَ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَزَّازِيِّ: أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَتِ الْمُطَلَّقَةُ نَفْسَهَا مِنَ الثَّانِي بِشَرْطِ أَنْ يُجَامِعَهَا وَيُطْلِقَهَا لِتَحِلَّ لِلْأَوَّلِ قَالَ الْإِمَامُ: النِّكَاحُ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ حَتَّى إِذَا أَبَى الثَّانِي طَلَاقَهَا أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ وَحَلَّتْ لِلْأَوَّلِ.

الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَوَاطَأَ الْعَاقِدَانِ قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَحَلَّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ طَلَّقَهَا ثُمَّ عَقَدَ بِذَلِكَ الْقَصْدِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّرْطِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي إِلَى صِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ، لِخُلُوِّهِ مِنْ شَرْطٍ يُفْسِدُهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى طَلَاقَهَا لِغَيْرِ الْإِحْلَالِ أَوْ مَا لَوْ نَوَتِ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ إِنَّمَا يَبْطُلُ بِمَا شُرِطَ لَا بِمَا قُصِدَ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: إِنَّ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا وَكَانَ مِسْكِينٌ أَعْرَابِيٌّ يَقْعُدُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ لَهُ: هَلْ لَكَ فِي امْرَأَةٍ تَنْكِحُهَا فَتَبِيتَ مَعَهَا اللَّيْلَةَ، فَتُصْبِحَ فَتُفَارِقَهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَكَانَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنَّكَ إِذَا أَصْبَحْتَ فَإِنَّهُمْ سَيَقُولُونَ لَكَ فَارِقْهَا، فَلَا تَفْعَلْ فَإِنِّي مُقِيمَةٌ لَكَ مَا تَرَى، وَاذْهَبْ إِلَى عُمَرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ أَتَوْهُ وَأَتَوْهَا، فَقَالَتْ: كَلِّمُوهُ أَنْتُمْ جِئْتُمْ بِهِ، فَكَلَّمُوهُ، فَأَبَى وَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: الْزَمِ امْرَأَتَكَ فَإِنْ رَابُوكَ بِرَيْبٍ فَائْتِنِي، وَأَرْسَلَ إِلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي مَشَتْ فَنَكَّلَ بِهَا، ثُمَّ كَانَ يَغْدُو إِلَى عُمَرَ وَيَرُوحُ فِي حُلَّةٍ فَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَاكَ يَا ذَا الرُّقْعَتَيْنِ حُلَّةً تَغْدُو فِيهَا وَتَرُوحُ فَقَدْ أَمْضَى عُمَرُ- رضي الله عنه- هَذَا النِّكَاحَ وَلَمْ يَرَ فِيهِ بَأْسًا حَيْثُ تَقَدَّمَ فِيهِ الشَّرْطُ عَلَى الْعَقْدِ.

إِلاَّ أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ يُكْرَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَهُ، وَلِأَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ- رضي الله عنه- نَكَّلَ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي سَفَّرَتْ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْقِصَّةِ السَّابِقَةِ فَدَلَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ مُسْتَحَبٌّ، وَأَنَّ الرَّجُلَ الْمُحَلِّلَ مَأْجُورٌ فِيهِ إِذَا فَعَلَهُ لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ، لَا مُجَرَّدَ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَنَحْوِهَا إِلاَّ أَنَّ السُّرُوجِيَّ أَوْرَدَ: أَنَّهُ يُكْرَهُ، لِأَنَّ الثَّابِتَ عَادَةً كَالثَّابِتِ نَصًّا، أَيْ فَيَصِيرُ شَرْطُ التَّحْلِيلِ كَأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِحَدِيثِ: «لَعَنَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- الْمُحِلَّ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» وَلِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّحْلِيلَ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ شَرَطَهُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ يَرَوْنَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ يُفْسَخُ أَبَدًا بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَمَحَلُّ فَسَادِ النِّكَاحِ إِذَا قَصَدَ الْمُحَلِّلُ تَحْلِيلَهَا مَا لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ مَنْ يَرَى صِحَّتَهُ كَشَافِعِيٍّ وَإِلاَّ كَانَ صَحِيحًا، لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَيُصَيِّرُ الْمَسْأَلَةَ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهَا.

الرَّابِعَةُ: أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَنْ يُحِلَّهَا لَهُ فَنَوَى الْمُحَلِّلُ فِي الْعَقْدِ غَيْرَ مَا شَرَطُوا عَلَيْهِ كَأَنْ يَقْصِدَ نِكَاحَ رَغْبَةٍ، أَوْ نَوَى إِمْسَاكَهَا وَعَدَمَ فِرَاقِهَا إِنْ أَعْجَبَتْهُ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى صِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ، لِأَنَّهُ خَلَا عَنْ شَرْطِ التَّحْلِيلِ وَنِيَّةِ التَّحْلِيلِ كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ.قَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ ذِي الرُّقْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ قَصَدَ التَّحْلِيلَ وَلَا أَنَّهُ نَوَاهُ.وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْمُحَلِّلَ إِنْ نَوَى التَّحْلِيلَ مَعَ نِيَّةِ إِمْسَاكِهَا عِنْدَ الْإِعْجَابِ بِأَنْ نَوَى مُفَارَقَتَهَا إِنْ لَمْ تُعْجِبْهُ وَإِمْسَاكَهَا إِنْ أَعْجَبَتْهُ فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّهَا وَهُوَ نِكَاحٌ فَاسِدٌ: لِانْتِفَاءِ نِيَّةِ الْإِمْسَاكِ عَلَى الدَّوَامِ الْمَقْصُودَةِ مِنَ النِّكَاحِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ.

الْآثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ:

أَوَّلًا: حِلُّ الْمَرْأَةِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ:

20- يَرَى مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ حَسَبَ الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مِنْ حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَثُبُوتِ الْإِحْصَانِ وَالنَّسَبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ.

وَأَمَّا مَنِ اعْتَبَرَ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ فَاسِدًا فِي الصُّوَرِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا فَيَثْبُتُ فِيهِ عِنْدَهُمْ سَائِرُ أَحْكَامِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ وَلَا الْإِبَاحَةُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَدِيمِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ الْفَاسِدِ إِذَا ذَاقَتْ عُسَيْلَةَ الْمُحَلِّلِ وَذَاقَ عُسَيْلَتَهَا.

ثَانِيًا: هَدْمُ الطَّلَقَاتِ:

21- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ يَهْدِمُ طَلَقَاتِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ الثَّلَاثَ.وَالتَّفْصِيلُ فِي (تَحْلِيلِ ف 12).

حَادِيَ عَشَرَ: نِكَاحُ الْمُحْرِمِ

22- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ.فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً أَوْ وَلِيًّا عَقَدَ النِّكَاحَ لِمَنْ يَلِيهِ أَوْ وَكِيلًا عَقَدَ النِّكَاحَ لِمُوَكِّلِهِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ- رضي الله عنهم- وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ».وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَتَزَوَّجُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُزَوَّجُ» وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه-: مَنْ تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ نَزَعْنَا مِنْهُ امْرَأَتَهُ وَعَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه-: أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مُحْرِمَيْنِ تَزَوَّجَا وَلِمَا رُوِيَ عَنْ شَوْذَبٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَفَرَّقَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ الْإِحْرَامُ كَالْوَطْءِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ: الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْعَقْدِ لَا بِحَالَةِ الْوَكَالَةِ، فَلَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَلَالًا فَعَقَدَ النِّكَاحَ بَعْدَ حِلِّهِ مِنَ الْإِحْرَامِ صَحَّ النِّكَاحُ عَلَى الصَّحِيحِ لِوُقُوعِهِ حَالَ حِلِّ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكَّلِ، وَلَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ حَلَالًا فَعَقَدَ الْوَكِيلُ النِّكَاحَ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ هُوَ أَوْ مُوَكِّلُهُ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ الْعَقْدِ.وَقِيلَ: يَصِحُّ.

وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ ثُمَّ أَحْرَمَ الْمُوَكِّلُ لَمْ يَنْعَزِلْ وَكِيلُهُ بِإِحْرَامِهِ، فَإِذَا حَلَّ الْمُوَكِّلُ كَانَ لِوَكِيلِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ لَهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَقِيلَ يَنْعَزِلُ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: إِنْ زَوَّجَ الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ صَحَّ سَوَاءٌ كَانَ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، لِأَنَّ النِّكَاحَ حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ، لِدَوَاعِي الْوَطْءِ الْمُفْسِدِ لِلْحَجِّ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي هَذَا النِّكَاحِ لِكَوْنِهِ وَلِيًّا لِغَيْرِهِ.

وَنِكَاحُ الْمُحْرِمِ بِصُوَرِهِ الْمُخْتَلِفَةِ بَاطِلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ.

أَمَّا عِنْدُ الْمَالِكِيَّةِ فَهُوَ فَاسِدٌ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَ الْبِنَاءِ بِطَلْقَةٍ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ، لِأَنَّهُ نِكَاحٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.

وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- وَالْحَنَفِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ حَتَّى وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ مُحْرِمَيْنِ، لِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ».وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يُسْتَبَاحُ بِهِ الْبُضْعُ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ الْإِحْرَامُ كَالرَّجْعَةِ إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَقِيلَ تَنْزِيهًا، لِأَنَّ الْمُحْرِمَ فِي شُغُلٍ عَنْ مُبَاشَرَةِ عُقُودِ الْأَنْكِحَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ عَنْ إِحْسَانِ الْعِبَادَةِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ خِطْبَةٍ وَمُرَاوَدَاتٍ وَدَعْوَةٍ وَاجْتِمَاعَاتٍ، وَيَتَضَمَّنُ تَنْبِيهَ النَّفْسِ لِطَلَبِ الْجِمَاعِ.

ثَانِيَ عَشَرَ: نِكَاحُ الْمَرِيضِ وَالْمَرِيضَةِ:

23- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نِكَاحِ الْمَرِيضِ وَالْمَرِيضَةِ: فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَرَبِيعَةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَنْكِحَ جَمِيعَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَرْبَعًا وَمَا دُونَهُنَّ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ.

وَمِنْهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالِي: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} وَلِمَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهم- أَنَّهُ قَالَ: كَانَتِ ابْنَةُ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ، فَحَدَثَ أَنَّهَا عَاقِرٌ لَا تَلِدُ، فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَمَكَثَتْ حَيَاةَ عُمَرَ وَبَعْضَ خِلَافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ- رضي الله عنهما-، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ لِتُشْرِكَ نِسَاءَهُ فِي الْمِيرَاثِ، وَكَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ.

وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ لِلْإِنْسَانِ فَكَذَلِكَ وُجُوبُ الْمَهْرِ الَّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِ النِّكَاحِ شَرْعًا، وَالْمَرِيضُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَنْ صَرْفِ مَالِهِ إِلَى حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَثَمَنِ الْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ.

وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ بِشَرْطِهِ فَيَصِحُّ كَحَالِ الصِّحَّةِ، وَلِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ تَزَوَّجَ فِي مَرَضِهِ ثَلَاثَ نِسْوَةٍ أَصْدَقَ كُلَّ وَاحِدَةٍ أَلْفًا لِيُضَيِّقَ بِهِنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ وَيُشْرِكْنَهَا فِي مِيرَاثِهَا فَأُجِيزَ ذَلِكَ.

قَالَ الْجُمْهُورُ: وَإِذَا ثَبَتَ صِحَّةُ النِّكَاحِ ثَبَتَ كَذَلِكَ صِحَّةُ الصَّدَاقِ وَاسْتِحْقَاقُ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ إِرْثَ الْآخَرِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ.

وَنَصَّ ابْنُ مُفْلِحٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ فِي مَرَضِهِ مُضَارَّةً لِيُنْقِصَ إِرْثَ غَيْرِهَا وَأَقَرَّتْ بِهِ لَمْ تَرِثْهُ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: النِّكَاحُ صَحِيحٌ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا.

وَقَالَ رَبِيعَةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: النِّكَاحُ صَحِيحٌ وَالصَّدَاقُ وَالْمِيرَاثُ مِنَ الثُّلُثِ.

وَلَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّجُلُ هُوَ الْمَرِيضَ أَمِ الْمَرْأَةُ.

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ صَرَّحَ الدُّسُوقِيُّ أَنَّهُ يَتَّفِقُ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى مَنْعِ نِكَاحِ الزَّوْجَيْنِ إِذَا كَانَا مَرِيضَيْنِ مَرَضًا مُخَوِّفًا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الْمَوْتُ عَادَةً.وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَرِيضًا هَذَا الْمَرَضَ وَالْآخَرُ صَحِيحًا.

فَالْمَشْهُورُ الرَّاجِحُ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَإِنْ أَذِنَ الْوَرَثَةُ أَوِ احْتَاجَ الْمَرِيضُ إِلَيْهِ لِلنَّهْيِ عَنْ إِدْخَالِهِ وَارِثًا.

وَفِي قَوْلٍ: يَجُوزُ النِّكَاحُ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ الْمَرِيضُ أَوْ أَذِنَ الْوَارِثُ وَهَذَا الَّذِي شَهَرَهُ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ.

وَعَلَى الْأَوَّلِ- وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ- لَوْ وَقَعَ النِّكَاحُ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ الْمُخَوِّفِ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ بِهِمَا مَعًا فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ مَا لَمْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ، فَإِنْ مَاتَتِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا صَدَاقَ لَهَا وَلَا مِيرَاثَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الصَّدَاقُ الْمُسَمَّى.وَلَا مِيرَاثَ لَهُ مِنْهَا.

إِذَا مَاتَ الْمَرِيضُ الْمُتَزَوِّجُ فِي مَرَضِهِ الْمُخَوِّفِ قَبْلَ فَسْخِ النِّكَاحِ- سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ- عَلَيْهِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ: الْأَقَلُّ مِنَ الْمُسَمَّى مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ...وَأَمَّا إِذَا فُسِخَ النِّكَاحُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ.

وَأَمَّا إِذَا فُسِخَ بَعْدَ الدُّخُولِ، ثُمَّ مَاتَ أَوْ صَحَّ كَانَ لَهَا الْمُسَمَّى تَأْخُذُهُ مِنْ ثُلُثِهِ مَبْدَءًا إِنْ مَاتَ، وَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ إِنْ صَحَّ.

أَمَّا إِذَا صَحَّ الْمَرِيضُ مِنْهُمَا أَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُمَا يُقَرَّانِ عَلَى نِكَاحِهِمَا وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَيَكُونُ لَهَا عَلَيْهِ الصَّدَاقُ الَّذِي سَمَّى.

وَنَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَيُّ الزَّوْجَيْنِ مَرِيضًا مَرَضًا مُخَوِّفًا حَالَ عَقْدِ النِّكَاحِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ لَا يَتَوَارَثَانِ بِهِ إِلاَّ أَنْ يُصِيبَهَا فَلَهَا الْمُسَمَّى فِي ثُلُثِ مَالِهِ مُقَدَّمًا عَلَى الْعَصَبَةِ.

وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنُ: إِنْ قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِوَرَثَتِهِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وَإِلاَّ فَهُوَ صَحِيحٌ.وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (مَرَضِ الْمَوْتِ ف 21).

ثَالِثَ عَشَرَ: نِكَاحُ السِّرِّ:

أ- حَقِيقَةُ نِكَاحِ السِّرِّ:

24- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَقِيقَةِ نِكَاحِ السِّرِّ:

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ نِكَاحَ السِّرِّ هُوَ مَا لَمْ يَحْضُرْهُ الشُّهُودُ، أَمَّا مَا حَضَرَهُ شَاهِدَانِ فَهُوَ نِكَاحُ عَلَانِيَةٍ لَا نِكَاحَ السِّرِّ، إِذِ السِّرُّ إِذَا جَاوَزَ اثْنَيْنِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ سِرًّا، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى صِحَّتِهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا نِكَاحَ إِلاَّ بَوْلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» مَفْهُومُهُ انْعِقَادُ النِّكَاحِ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدِ الْإِظْهَارُ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَمْ يُشْتَرَطْ إِظْهَارُهُ كَالْبَيْعِ.

وَأَخْبَارُ الْإِعْلَانِ عَنْهُ فِي أَحَادِيثَ مِثْلَ: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ» يُرَادُ بِهَا الِاسْتِحْبَابُ، بِدَلِيلِ أَمْرِهِ فِيهَا بِالضَّرْبِ بِالدُّفِّ وَالصَّوْتِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ، وَكَذَلِكَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِعْلَانُ.أَوْ يُحْمَلُ الْأَمْرُ بِالْإِعْلَانِ فِي النِّكَاحِ عَلَى أَنْ يَكُونَ إِعْلَانُهُ بِالشَّهَادَةِ، وَكَيْفَ يَكُونُ مَكْتُومًا مَا شَهِدَ بِهِ شُهُودٌ، أَمْ كَيْفَ يَكُونُ مُعْلَنًا مَا خَلَا مِنْ بَيِّنَةٍ وَشُهُودٍ؟ وَلِأَنَّ إِعْلَانَ النِّكَاحِ وَالضَّرْبَ عَلَيْهِ بِالدُّفِّ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَاعْتُبِرَ حَالَةَ الْعَقْدِ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ.

وَأَمَّا نَهْيُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ فَالْمُرَادُ بِهِ النِّكَاحُ الَّذِي لَمْ يَشْهَدْهُ الشُّهُودُ بِدَلِيلِ أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ- رضي الله عنه- أُتِيَ بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إِلاَّ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَقَالَ: هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ، وَلَا أُجِيزُهُ، وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ فِيهِ لَرَجَمْتُ.وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَهُمْ فِي حَقِيقَةِ نِكَاحِ السِّرِّ طَرِيقَتَانِ:

الْأُولَى: طَرِيقَةُ الْبَاجِيِّ وَهِيَ اسْتِكْتَامُ غَيْرِ الشُّهُودِ كَمَا لَوْ تَوَاصَى الزَّوْجَانِ وَالْوَلِيُّ عَلَى كَتْمِهِ سَوَاءٌ أَوْصَى الشُّهُودَ بِذَلِكَ أَمْ لَا.

الثَّانِيَةُ: طَرِيقَةُ ابْنِ عَرَفَةَ وَهِيَ مَا أَوْصَى الشُّهُودَ عَلَى كَتْمِهِ سَوَاءٌ أَوْصَى غَيْرَهُمْ عَلَى كَتْمِهِ أَمْ لَا.

وَلَا بُدَّ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنْ يَكُونَ الْمُوصِي هُوَ الزَّوْجَ سَوَاءٌ انْضَمَّ لَهُ غَيْرُهُ كَالزَّوْجَةِ أَمْ لَا.

وَهَذَا بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْكِتْمَانُ بِسَبَبِ خَوْفٍ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ خَوْفٍ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ نَحْوِهِ كَأَنْ يَأْخُذَ الظَّالِمُ مَثَلًا مَالًا أَوْ غَيْرَهُ فَالْوَصِيَّةُ عَلَى كَتْمِهِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ، كَمَا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ نِكَاحَ سِرٍّ أَيْضًا إِذَا كَانَ الْإِيصَاءُ بِكَتْمِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ.

ب- حُكْمُ نِكَاحِ السِّرِّ:

25- يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِنَاءً عَلَى حَقِيقَةِ نِكَاحِ السِّرِّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ نِكَاحٌ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ لِخَبَرِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: «لَا نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ».

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (نِكَاحِ ف 16).

وَأَمَّا نِكَاحُ السِّرِّ حَسَبَ حَقِيقَتِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَحُكْمُهُ عَلَى الطَّرِيقَتَيْنِ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا يُفْسَخُ أَيْضًا إِذَا دَخَلَ وَلَمْ يُطِلْ، فَإِنْ دَخَلَ وَطَالَ لَمْ يُفْسَخْ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ قَالَ: يُفْسَخُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَالطُّولِ، وَالطُّولُ فِي وَقْتِ نِكَاحِ السِّرِّ يَعُودُ إِلَى الْعُرْفِ، لَا بِوِلَادَةِ الْأَوْلَادِ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ فِيهِ الظُّهُورُ وَالِاشْتِهَارُ عَادَةً.

وَالْفَسْخُ فِيهِ بِطَلَاقٍ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَنْكِحَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَيُعَاقَبُ الزَّوْجَانِ فِي نِكَاحِ السِّرِّ إِنْ دَخَلَا وَلَمْ يُعْذَرَا بِجَهْلٍ وَلَمْ يَكُونَا مَجْبُورَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلَا أَوْ دَخَلَا وَلَكِنْ عُذِرَا بِالْجَهْلِ فَلَا عِقَابَ عَلَيْهِمَا، وَلَا عِقَابَ عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ إِذَا كَانَا مَجْبُورَيْنِ وَحِينَئِذٍ الْعِقَابُ عَلَى وَلِيِّهِمَا.

وَيُعَاقَبُ كَذَلِكَ الشُّهُودُ إِنْ حَصَلَ دُخُولٌ وَلَمْ يُعْذَرُوا بِجَهْلٍ وَلَمْ يَكُونُوا مَجْبُورِينَ عَلَى الْكِتْمَانِ.

وَجَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ يُونُسَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ نَكَحَ سِرًّا وَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ: إِنْ مَسَّهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَاعْتَدَّتْ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَعُوقِبَ الشَّاهِدَانِ بِمَا كَتَمَا مِنْ ذَلِكَ، وَلِلْمَرْأَةِ مَهْرُهَا، ثُمَّ إِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا حِينَ تَنْقَضِي عَدَّتُهَا نَكَحَهَا عَلَانِيَةً...وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسَّهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا صَدَاقَ لَهَا وَنَرَى أَنْ يُنَكِّلَهُمَا الْإِمَامُ بِعُقُوبَةٍ وَالشَّاهِدَيْنِ بِعُقُوبَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ نِكَاحُ السِّرِّ وَنِكَاحُ السِّرِّ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مَعَ صِحَّتِهِ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: فَإِنْ عُقِدَ النِّكَاحُ بَوْلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ فَأَسَرُّوهُ أَوْ تَوَاصَوْا بِكِتْمَانِهِ كُرِهَ ذَلِكَ وَصَحَّ النِّكَاحُ.وَمِمَّنْ كَرِهَ نِكَاحَ السِّرِّ الْمُوصَى فِيهِ بِالْكِتْمَانِ عُمَرُ- رضي الله عنه- وَعُرْوَةُ- رضي الله عنهما- وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَالشَّعْبِيُّ وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ.وَبِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ.وَإِلَى عَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِ السِّرِّ الَّذِي أَوْصَى فِيهِ الشُّهُودَ بِكِتْمَانِهِ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ.

رَابِعَ عَشَرَ: نِكَاحُ الْمَحَارِمِ:

26- مُحَرَّمَاتُ النِّكَاحِ مِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، بِسَبَبِ قَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ حُرْمَةً مُؤَقَّتَةً، كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا.وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ).

- رحمهم الله-

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


20-الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي (كالدور)

1011 - قوله: (كالدُّور)، جمع: دَارٍ، وفي الحديث: "ألاَ أُخْبِرُكُم بِخَيْر دُور الأنْصَار، دار بني النّجار، ثم دار بني عبد الأشْهل، ثم دار بني الحارث بن الخزرج وفي كلِّ دُور الأنصار خير".

الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي-جمال الدين أبو المحاسن الحنبلي الدمشقي الصالحي المعروف بـ «ابن المبرد»-توفي: 909هـ/1503م


21-الغريبين في القرآن والحديث (جعظ)

(جعظ)

في الحديث (ألا أخبركم بأهل النار، كل جظ جعظ) تفسيره: العظيم في نفسه وقال الليث: الجعظ: السيء الخلق، يتسخط عند الطعام.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


22-الغريبين في القرآن والحديث (دور)

(دور)

[236 أ] قوله): {أن تصيبنا دائرة} قال الزهري: معنى الدائرة الدولة تدور لأعداء المسلمين عليهم قال ابن عرفة: دائرة أي حادثة من حوادث الدهر وقال القتيبي: أي يدور علينا الدهر بمكروه، يعنون بالدائرة الجدب.

قوله: {ويتربص بكم الدوائر} أي الموت أو القتل.

وقوله تعالى: {عليهم دائرة السوء} دعا عليهم بالهلاك والفساد.

وقوله: {لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا} أي أحدًا فيعال من دار يدور أصله ديوار.

قوله: {سأريكم دار الفاسقين} قال مجاهد: مصيرهم في الآخرة.

وفي الحديث: (ألا أخبركم بخير دور الأنصار دور بني فلان وكل دور الأنصار فيه خير) الدور ها هنا قبائل اجتمعت في محلة فسميت المحلة دارًا.

ومنه الحديث الآخر: (ما بقيت دار إلا بني فيها مسجد) أي ما بقيت قبيلة.

وفي الحديث: أن أسامة بن زيد قال له في حجته أين تنزل غدًا قال: (وهل ترك لنا عقيل من دار) إنما قال ذلك، لأن عقيلًا كان باع دار بني عبد المطلب،

وذلك لأنه ورث أبا طالب ولم يرثه علي وجعفر لتقدم إسلامهما موت أبيهما فلما ورثها باعها، ولم يكن لرسول الله فيها مورث لأن أبا عبد الله ملك وأبوه عبد المطلب حي وهلك أكبر أولاده، ولم يعقبوا فحاز رباعه أبو طالب وحاز ما بعده عقيل.

وفي الحديث: (إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السموات والأرض) أي دار، يقال: دار واستدار بمعنى واحد.

وفي الحديث: (مثل الجليس الصالح مثل الداري) قال: الداري العطار [236 ب] سمي داريًا لأنه نسب إلى دارين وهو موضع في البحر بالبحرين يؤتى منه بالطيب، والداري في غير هذا الذي يقيم أكثر دهره في داره لا يركب الأسفار.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


23-المعجم الغني (مُوَطَّأٌ)

مُوَطَّأٌ- [وطأ]، (اسم مفعول مِن: وَطَّأَ)، "مُوَطَّأُ الأَكْنَافِ": مَنْ يُمْكِنُكَ مُصَاحَبَتُهُ دُونَ أَنْ يُؤْذِيَكَ، كَرِيمٌ، مِضْيَافٌ. أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمِ إِلَيَّ وأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجَالِسَ يَوْمَ القِيَامَةِ، أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا الْمُوَطَّؤُونَ أَكْنَافًا الَّذِينَ يَأْلَفُونَ ويُؤْلَفُونَ. (حديث)

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


24-طِلبة الطلبة (ءرك)

(ءرك):

وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَجْلِسُ عَلَى أَرِيكَتِهِ وَيَقُولُ أَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» الْأَرِيكَةُ السَّرِيرُ الْمُزَيَّنُ الَّذِي فَوْقَهُ حَجَلَةٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ كِلَّةٌ وَهِيَ السِّتْرُ الرَّقِيقُ يَعْنِي أَنَّ أَحَدَكُمْ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَتَنَعَّمُ فَلَا يَتَعَلَّمُ وَيَقُولُ أَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ أَيْ مَا نَجِدُهُ فِي الْقُرْآنِ وَلَا مَعْرِفَةَ لَهُمْ بِالْأَخْبَارِ لِيَقُولُوا بِحُرْمَةِ مَا ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ بِالْأَخْبَارِ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْحِمَارَ الْأَهْلِيَّ وَأَنَا أُخْبِرُكُمْ بِذَلِكَ وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْقُرْآنِ.

طلبة الطلبة-أبوحفص النسفي-توفي: 537هـ/1142م


25-تاج العروس (وطأ)

[وطأ]: وَطِئَهُ، بالكسر، يَطَؤُهُ وَطْأً: دَاسَهُ بِرِجْله، وَرَطِئْنا العَدُوَّ بالخَيْلِ؛ أَي دُسْنَاهُم، قال سِيبويِه: وأَما وَطِئَ يَطَأُ فمِثلُ وَرِمَ يَرِمُ، ولكنهم فَتَحوا يَفْعل وأَصلُه الكسر، كما قالوا: قَرَأَ يَقْرَأُ، وقرأَ بعضُهم: طه. {ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى} بتسكين الهاءِ، وقالوا: أَرادَ طَإِ الأَرْضَ بِقَدَمَيْكَ جَميعًا، لأَن النبيَّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم كان يَرْفَع إحدى رِجْلَيْه في صَلاتِه. قال ابنُ جِنّي: فالهاءُ على هذا بَدَلٌ من هَمْزَةِ طَأْ، كَوَطَّأَهُ مُضَعَّفًا، قال شيخُنا: التضعيفُ للمبالغة، وأَغفله الأَكْثَرُ، وتَوَطَّأَهُ حكاه الجوهريُّ وابنُ القَطَّاع، وهذا مما جاءَ فيه فَعِلَ وفَعَّلَ وتَفَعَّلَ. قال الجوهريُّ: ولا يقال تَوَطَّيْتُ؛ أَي بالياءِ بدل الهمزة.

ووَطِئَ المَرْأَةَ يَطَؤُهَا: جَامَعَهَا قال الجوهريُّ: وَطِئْتُ الشَّيْ‌ءَ بِرِجْلِي وَطْأً، وَوطِئَ الرجلُ امرأَتَه يَطَأُ، فيهما، سَقطت الواوُ مِن يَطَأُ، كما سقطَتْ مِن يَسَعُ لِتَعدِّيهما، لأَن فَعِلَ يَفْعَل مما اعتَلَّ فاؤُه لا يكون إِلَّا لازمًا فلما جَاءَا مِن بَيْن أَخَواتِهما مُتَعَدِّيَيْن خُولِفَ بهما نَظائِرُهما.

وَوَطُؤَ، كَكَرُمَ، يَوْطُؤُ على القياس في المضموم، يقال: وطُؤَتِ الدَّابّة وَطْأً. وَوَطُؤ الموضِعُ يَوْطُؤُ طِئَةً ووُطُوءَةً وَطَاءَةً أَي صارَ وَطِيئًا سهلا.

وَوَطَّأْتُه تَوْطِئَةً، وقد وَطَّأَها الله.

والوَطِي‌ءُ من كُلِّ شي‌ءٍ: ما سَهُلَ ولَانَ، وفراشٌ وَطِئُ: لا يُؤْذِي جَنْبَ النَّائِمِ.

وتَوَطَّأْتُه بِقَدَمي.

واسْتَوْطَأَهُ أَي المَرْكَبَ: وَجَدَهُ وَطِيئًا بَيِّنَ الوَطَاءَةِ بالفتح ممدود والوُطُوءَةِ بالضم ممدود، وكلاهما مَقِيسٌ والطَئَة بالكسر والطَّأَةِ بالفتح كالجِعَةِ والجَعَةِ وأَنشدوا للكُمَيْتِ:

أَغْشَى المَكَارِهَ أَحْيَانًا وَيَحْمِلُنِي *** مِنه عَلَى طَأَةٍ والدَّهْر ذُو نُوَبِ

أَي على حَالةٍ لَيِّنَة وهو مَجازٌ. وقال ابنُ الأَعرابيِّ: دَابَّةٌ وَطِئٌ بَيِّنُ الطَّأَةِ، بالفتح، ونَعوذُ باللهِ مِنْ طِئَةِ الذَّلِيلِ. ومعناه: مِنْ أَنْ يَطَأَنِي وَيَحْقِرَنِي، قاله اللِّحْيَانِيُّ.

وَأَوطَأَهُ غَيْرَهُ وأَوْطَأَه فَرَسَهُ أَي حَمَلَهُ عَلَيْه فَوَطِئَهُ وأَوْطَأْتُ فُلانًا دَابَّتِي حَتَّى وَطِئَها. وأَوْطَأَهُ العَشْوَةَ بالأَلف واللام، وأَوْطَأَهُ عَشْوَةً من غير اللام بتثليث العَيْنِ فيهما؛ أَي أَرْكَبَه عَلَى غَيْر هُدًى من الطريق، يقال: مَنْ أَوْطَأَكَ عَشْوَةً.

والوَطَأَةُ مثل الضَّغْطَة أَو الأَخْذَة الشَّدِيدَة.

وفي الأَساس: ومن المجازِ وَطِئَهم العَدُوُّ وَطْأَةً مُنْكَرَةً. وفي الحديث اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ» أَي خُذْهم أَخْذًا شَديدًا. ووَطِئْنَا العَدُوَّ وَطْأَةً شَدِيدَةً، وَوَطِئَهُمْ وَطْأَ ثَقِيلًا.

قلت: وكان حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ يَرْوِي هذا الحديثَ: «اللهُم اشْدُدْ وَطْدَتَكَ على مُضَرَ».

والوَطْدُ: الإِثْبَاتُ والغَمْزُ في الأَرضِ. وفي الحديث: «وإِنَّ آخِرَ وَطْأَةٍ وَطِئَها اللهُ بوَج» والمعنى أَن آخِرَ أَخْذَة وَوَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا اللهُ بالكُفَّارِ كانت بَوَجٍّ. والوَطءُ في الأَصلِ الدَّوسُ بالقَدَمِ، سُمِّيَ به الغَمْزُ والقَتْلُ، لأَنَّ مَن يَطَأُ على الشي‌ءِ بِرِجْلِهِ فقد استقْصَى في هَلاكِه وإِهانَته.

وثَبَّتَ اللهُ وَطْأَتَه. وهو في عَيْشٍ وَطِئٍ، وأَحَبَّ وَطَاءَة العَيْشِ.

والوَطْأَةُ: مَوْضِعُ القَدَم، كالمَوْطَإِ بالفتح شَاذٌّ، والمَوْطِئِ بالكسر على القياس، وهذه عن الليث، يقال: هذا مَوْطِئُ قَدَمِكَ، قال الليث: وكُلُّ شي‌ءٍ يكون الفِعْلُ منه على فَعِل يَفْعَلُ مثل سَمِعَ يَسْمَعُ فإِن المَفْعَلَ منه مَفتوحُ العَيْنِ، إِلا ما كان من بنات الواوِ على بِنَاءِ وَطِئَ يوطأ. قال في المَشُوف: وكأَنَّ الليثَ نَظَر إِلى أَنَّ الأَصْلَ هو الكسر، كما قال سِيبويهِ فيكون كالمَوْعِد، لكن هذا أَصلٌ مَرفوضٌ فلا يُعْتَدُّ به، وإِنما يُعتبرُ اللفظ المستعملُ، فلذلك كان الفَتْحُ هو القياسَ، انتهى. وفي حديث عبد الله «لا يتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطَإِ» أَي ما يُوطَأُ من الأَذَى في الطريق، أَراد أَن لا يُعيدَ، الوُضوءَ منه، لا أَنَّهم كانوا لا يَغْسِلُونه.

وَوَطَأَهُ بالتخفيف: هَيَّأَهُ وَدَمَّثَهُ بالتشديد وسَهَّلَهُ، الثلاثة بمعنًى، كَوَطَّأَهُ في الكُلَّ، كذا في نُسختنا، وفي نسخة شيخنا: كَوَاطَأَهُ، من المُفاعَلَة، ولا تَقُلْ وَطَّيْتُ، فاتَّطَأَ أَي تَهَيَّأَ، وفي الحديث «أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى بِيَ العِشَاءَ حِين غَابَ الشَّفَقُ واتَّطَأَ العِشَاءُ» وهو افْتعَل مِنْ وَطَّأْتُه، أَراد أَنَّ الظلامَ كَمُلَ. وفي الفائق، حِينَ غَابَ الشَّفَقُ وائْتَطَى العِشَاءُ قال: وهو مِن قَوْلِ بني قَيْسٍ: لَمْ يَأْتَطِ الجَدَادُ، ومعناه: لم يَأْتِ حِينُه وقد ائْتَطَى يَأْتَطِي كَأْتَلَى يَأْتَلِي بمعنى المُسَاعَفَةِ والمُوافَقةِ، وفيه وجه آخر مذكور في لسان العرب.

والوِطَاءُ، ككِتَاب هو المشهور والوَطَاءُ مثل سَحَاب حُكِيَ عن الكِسَائِيِّ، نَسَبه إِليه خُروجًا عن العُهْدَةِ إِذْ أَنكرَه كثيرون: خِلَافُ الغِطَاءِ.

والوَطْءُ بالفتح والوطَاءُ كسحاب والمِيطَأُ على مِفْعَل، قال غَيْلَانُ الرَّبْعِيُّ يَصِفُ حَلْبَةً:

أَمْسَوْا فَعَادُوهُنَّ نَحْوَ المِيطَا

مَا انْخَفَضَ مِنَ الأَرْض بَيْنَ النِّشَازِ بالكسر جَمْع نَشَزٍ محركة والأَشْرَاف جمع شَرَفٍ، والمراد بهما الأَماكِنُ المرتفِعَةُ، وفي بعض النسخ ضُبط الإِشراف بالكسر، ويقال: هذه أَرض مُسْتَوِيَةٌ لا رِبَاءَ فيها ولا وِطَاءَ؛ أَي لا صُعودَ فيها ولا انخفاض. وقَدْ وَطَّأَها اللهُ تَعَالى وفي حديث القَدَر «وَآثَارٍ مَوْطُوءَةٍ» أَي مَسْلُوك عليها بما سَبَق به القَدَرُ مِن خَيرٍ أَو شَرّ.

وَوَاطَأَهُ على الأَمْرِ مُواطَأَةً وَوِطَاءً: وَافَقَهُ، كَتَواطَأَهُ، وتَوَطَّأَهُ، وفُلانٌ يُواطِئُ اسمُه اسمى، وتَوَاطؤوا عليه: تَوافَقُوا، وقوله تعالى {لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ} هو من وَاطَأْتُ. وتَوَاطَأْنَا عليه وتَوَاطَأْنَا: تَوَافَقْنَا، والمُتواطِئُ: المُتوافِقُ، وفي حَدِيث لَيْلَة القَدْرِ «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَواطَتْ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ» قال ابنُ الأَثير: هكذا رُوِيَ بترْكِ الهمزِ، وهو من المُوَاطَأَةِ، وحقيقتُه كأَنَّ كُلًّا منهما وَطِئَ ما وَطِئَه الآخرُ، وفي الأَساس: وكُلُّ أَحَدٍ يُخْبِرُ بِرسولِ الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم بِغَيْرِ تَوَاطُؤٍ ونقل شيخُنا عن بعض أَهلِ الاشتقاق أَن أَصْلَ المُواطَأَةِ أَن يَطَأَ الرَّجُلُ بِرِجْله مَكَان رِجْلِ صاحبِه، ثم اسْتُعمِلَ في كلِّ مُوافقةٍ. انتهى.

قلت: فتكون المُواطَأَةُ على هذا مِن المَجاز.

وفي لِسان العرب: ومن ذلك قولُه تَعالى إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وِطَاءً بالمدّ أَي مُواطَأَةً، قال: وهي المُوَاتاةُ؛ أَي مُواتَاةُ السَّمْعِ والبَصرِ إِيَّاهُ، وقُرِئَ {أَشَدُّ وَطْئًا} أَي. قِيَامًا. وفي التهذيب: قَرَأَ أَبو عمرٍو وابنُ عامِر وِطَاءً، بكسر الواو وفتح الطاءِ والمدّ والهمز، من المُواطَأَةِ والموافقة وقرأَ ابنُ كَثِير ونافِعٌ وعاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ: وَطْئًا [بفتح الواو ساكنة الطاءِ] مقصورة مهموزة، والأَول اختيارُ أَبي حاتمٍ، وروى المُنْذِرِيُّ عن أَبي الهَيْثَم أَنه اختارها أَيضًا.

والوَطِيئَةُ، كسَفِينَة قال ابن الأَعرابيّ: هي الحَيْسَةُ، وفي الصحاح أَنها ضَرْبٌ من الطعامِ، أَو هي تَمْرٌ يُخْرَجُ نَوَاهُ ويُعْجَنُ بِلَبَنِ، وقيل: هي الأَقِطُ بِالسُّكَّرِ. وفي التهذيب: الوَطِيئَةُ: طَعَامٌ للعرب يُتَّخَذُ مِن التَّمْرِ، وهو أَن يُجْعَل في بُرْمَةٍ ويَصَبَّ عليه الماءُ والسَّمْنُ إِن كان، ولا يُخْلَطُ به أَقِطٌ، ثم يُشْرَبُ كَمَا تُشْرَبُ الحَيْسَةُ. وقال ابنُ شُمَيْلٍ: الوَطِيئَةُ: مثلُ الحَيْسِ، تَمْرٌ وأَقِطٌ يُعْجَنانِ بالسَّمْنِ. وروي عن المفضَّل: الوَطِي‌ءُ والوَطِيئَةُ: العَصِيدَةُ الناعِمَةُ، فإِذا ثَخُنَتْ فهي النَّفيتَةُ، فإِذا زادَتْ قَلِيلًا فهي النَّفِيثَةُ فإِذا زادَتْ فهي اللَّفِيتَةُ، فإِذا تَعَلَّكَتْ فهي العَصِيدَةُ، وقيل: الوَطِيئَةُ شَيْ‌ءٌ كالغِرَارَةِ أَو هي الغِرَارَةُ يكون فِيها القَدِيدُ والكَعْكُ وغيرُهما، وفي الحديث «فأَخْرَجَ إِلَيْنَا ثَلَاثَ أُكَلٍ مِنْ وَطِيئَةٍ» أَي ثَلَاث قُرَصٍ مِن غِرَارة.

وَوَاطَأَ الشاعِرُ في الشِّعْرِ، وَأَوْطَأَ فيه، وأَوْطَأَهُ إِيطاءً وَوَطَّأَ، وَآطَأَ على إِبدالِ الأَلف من الواو وأَطَّأَ: كَرَّرَ القَافِيَةَ لَفْظًا ومَعْنًى مع الاتحاد في التعريف والتنكير، فإِن اتفق اللفظُ واختلف المعنى فليس بإِيطءٍ، وكذا لو اختلفا تعريفًا وتنكيرًا، وقال الأَخفش: الإِيطاءُ: رَدُّ كلمةٍ قد قَفَّيْتَ بها مَرَّةً، نحو قافيةٍ على رَجُل، وأُخرى على رَجُل، في قصيدةٍ، فهذا عَيْبٌ عند العَرب، لا يختلفون فيه، وقد يقولونه مع ذلك، قال النابغة:

أَو أَضَعُ البَيْتَ فِي سَوْدَاءَ مُظْلِمَةٍ *** تُقَيِّدُ العَيْرَ لا يَسْرِي بها السَّارِي

ثم قال:

لا يَخْفِضُ الرِّزَّ عَنْ أَرْضٍ أَلَمَّ بِهَا *** وَلَا يَضِلُّ عَلَى مِصْبَاحِهِ السَّارِي

قال ابنُ جِنّي: ووجهُ استقباحِ العَربِ الإِيطاءَ أَنَّه دَالٌّ عِنْدَهم على قِلَّةِ مادَّةِ الشاعِر، ونَزَارَةِ ما عِنْدَه حتى اضطُرَّ إِلى إِعادةِ القافِيةِ الواحدةِ في القصيدةِ بلفْظِها ومَعناها، فيَجْرِي هذا عِندَهم لِمَا ذَكَرْناه مَجْرَى العِيِّ والحَصَرِ، وأَصلُه أَن يَطَأَ الإِنسانُ في طَرِيقه على أَثَرِ وَطْءٍ قَبْلَه، فيُعِيدَ الوَطْءَ على ذلك الموضع، وكذلك إِعادةُ القافِيةِ من هذَا. وقال أَبو عمرو بن العلاءِ: الإِيطاءُ ليس بِعَيْبٍ في الشِّعر عند العرب، وهو إِعادَةُ القافِيَة مرَّتَيْن. ورُوِيَ عن ابن سَلّامٍ الجمحي أَنه قال: إِذا كَثُرَ الإِيطاءُ فِي قَصيدةٍ مَرَّاتٍ فهو عَيْبٌ عندهم.

والوَطَأَةُ [مُحَرَّكةً] كَكَتَبةٍ في جمع كَاتِب والوَاطِئَةُ: المَارَّةُ والسَّابِلَةُ سُمُّوا بذلك لِوَطْئِهم الطَّرِيقَ، وفي التهذيب: الوَطَأَةُ: هم أَبناءُ السَّبيلِ مِنَ النَّاس، لأَنهم يَطَؤون الأَرْضَ. وفي الحديث أَنه قال للخُرَّاصِ «احْتَاطُوا لِأَهْلِ الأَمْوَالِ في النَّائبة والوَاطِئَة» يقول: اسْتَظْهِرُوا لهم في الخَرْصِ لِمَا يَنُوبُهم وَينزِلُ بهم الضيفان.

وَاسْتَطَأَ، كذا في النسخ والصواب اتَّطَأَ كافْتَعَلَ إِذا اسْتَقَامَ وبَلَغَ نِهَايَتَهُ وَتَهَيَّأَ، مُطاوِع وَطَّأَه تَوْطِئَةً.

وفي الأَساس: ومن المجاز يقال للمضياف: رَجُلٌ مُوَطَّأُ الأَكْنَافِ، كمُعْظَّم وَوطِيئُها، وتقول: فيه وَطَاءَةُ الخُلُقِ وَوَضَاءَة الخَلْقِ: سَهْلٌ الجوانب دَمِثٌ كَرِيمٌ مِضْيَافٌ ينزل به الأَضياف فيَقْرِيهم، ورجُلٌ وَطِي‌ءُ الخُلُقِ، على المَثَلِ أَو جل يَتَمَكَّنُ في نَاحِيَتِهِ صَاحِبُهُ، بالرفع فاعل يَتمكَّن غَيْرَ مُؤْذًى وَلَا نَاب بِه موْضِعُه كذا في النهاية، وفي الحديث «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجَالِسَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا، المُوَطَّؤونَ أَكْنَافًا، الذين يَأْلَفُونَ ويُؤلَفُونَ» قال ابنُ الأَثير: هذا مَثَلٌ، وحَقيقتُه من التَّوْطِئَةِ، وهي التَّمْهِيدُ والتَّذْلِيل.

وفي حَدِيث عَمَّار أَنَّ رَجُلًا وَشَى به إِلى عُمَرَ فقال: «اللهُمَّ إِنْ كَان كَذَبَ عَلَيَّ فاجْعَلْهُ مُوَطَّأَ العَقِبِ» يقال رجُلٌ مُوَطَّأُ العَقِبِ أَي سُلْطَانٌ يُتَّبَعُ ويُوطَأ عَقِبُهُ أَي كثير الأَتْباعِ، دَعَا عليه بأَن يَكون سُلْطانًا أَو مُقَدَّمًا فيتْبَعَهُ الناسُ ويمشون وراءَه.

وفي الحديث: أَنَّ رِعَاءَ الإِبِلِ ورِعَاءَ الغَنَم تَفاخَرُوا عِنده وَأَوْطَؤوهُمْ رِعَاء الإِبل؛ أَي غَلَبُوهم، وقَهروهم بالحُجَّة، وأَصله أَنَّ مَنْ صَارَعْتَه أَو قاتلْتَه فصرعته فقد وَطِئْتَه وأَوْطَأْتَه غَيْرَك. والمعنى جَعَلُوهم يُوطَؤُونَ قَهْرًا وغَلَبَةً.

وفي حديث عَليٍّ «كُنْتُ أَطَأُ ذِكْرَه» أَي أغَطِّي خَبَرَه، وهو كِنَايَةٌ عن الإِخْفَاءِ والسَّتْرِ.

وقيل الوَاطِئَةُ: سُقَاطَةُ التَّمْرِ، هي فاعِلَةٌ بمعنى مَفْعُولَةٍ، لأَنها تَقَعُ ف تُوطَأُ بالأَقدام، وقيل: هي من الوَطَايَا، جمعُ وَطِيئَةٍ، تَجْرِي مَجْرَى العَرِيَّةِ، سُمِّيَت بذلك لأَن صاحِبها وَطَّأَها لأَهلِها؛ أَي ذَلَّلَها ومَهَّدَها، فلا تَدْخُلُ في الخَرْصِ. وكان المناسبُ ذِكْرَها عند ذِكْرِ الوَطِيئَة.

وهُمْ أي بنو فلان يَطَؤُهُمُ الطَّرِيقُ أَي أَهله، والمعنى يَنْزِلُونَ بِقُرْبِهِ فَيَطَؤُهُمْ أَهْلُه حكاه سِيبويهِ، فهو من المجازِ المُرْسَل، وقال ابن جِنّي: فيه من السَّعَةِ إِخْبارُك عَمَّا لَا يَصِحُّ وَطْؤُه بِمَا يَصِحُّ وَطْؤُه، فنقولُ قياسًا على هذا: أَخذْنَا على الطرِيق الواطِئِ لبني فُلانٍ. ومرَرْنَا بقومٍ مَوْطُوئِينَ بالطَّرِيقِ، ويا طَرِيقُ طَأْ بِنَا بَني فُلانٍ أَي أَدِّنَا إِليهم، قال: ووجهُ التشبيه إِخبارُك بما تُخْبرُ به عن سالِكيه، فشبَّهْتَهُ بهم، إِذْ كان المُؤَدِّيَ له، فكأَنَّه هم، وأَما التوكيد فلأَنك إِذا أَخبرْتَ عنه بِوَطْئه إِيَّاهم كان أَبْلَغَ مِنْ وَطْءِ سَالِكيه لهم، وذلك أَنَّ الطرِيق مُقيمٌ مُلازِمٌ، وأَفعالُه مُقيمةٌ معه، وثابِتَةٌ بِثَباتِه، وليس كذلك أَهلُ الطرِيقِ، لأَنهم قد يَحْضُرون فيه، وقد يَغِيبون عنه، وأَفعالُهم أَيضًا حاضِرَةٌ وَقْتًا، وغائبَةٌ آخَرَ، فأَيْنَ هذا مِمَّا أَفعالُه ثابتةٌ مُسْتَمِرَّة؟ ولمَّا كان هذا كلامًا كان الغَرَضُ فيه المَدْحَ والثناءَ اختارُوا له أَقْوَى اللفظَيْنِ، لأَنه يُفِيد أَقْوَى المَعْنَيَيْنِ، كذا في اللسان.

قال أَبو زَيْدِ: ايتَطَأَ الشَّهْرُ، بوزن ايتَطَعَ، وذلك قبل النِّصْفِ بيوْمٍ وبَعْدَه بيومٍ.

والمُوَطَّأُ: كِتابُ الإِمامِ مَالِكٍ إِمامِ دارِ الهِجْرَة، رضي ‌الله‌ عنه، وأَصله الهمز.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


26-تاج العروس (جعظر)

[جعظر]: الجَعْظَرِيُّ: الفَظُّ الغَليظُ، كما في الصّحاح، أَو هو الطَّويلُ الجِسْم الأَكُولُ الشَّرُوبُ البَطِرُ الكَفُورُ، كالجَظِّ والجَوّاظِ: كما قاله الفَرّاءُ. وقيل: هو الغَلِيظُ المُتَكَبِّرُ. وقيل: هو القَصيرُ الرِّجْلَيْن، العظيمُ الجِسْم مع قُوَّةٍ وشدَّةِ أَكْلٍ.

وقال أَبو عَمْرٍو: هو القَصيرُ السَّمِينُ، الأَشِرُ، الجافي عن المَوْعِظَة.

وقال ثعلبٌ: هو المتكبِّر الجافي عن المَوْعِظَة. وقال مَرَّةً: هو القصيرُ الغَليظ.

وقيل: هو المُنْتَفِخُ بما ليس عندَه. وفي الحديث: «أَلَا أُخْبرُكم بأَهْل النّار؟ كلُّ جَعْظَريٍّ جَوّاظٍ مَنّاعٍ جَمّاع»، وفي رواية: «هم الذين لا تُصَدَّعُ رُؤُوسُهم». كالجِعْظارَةِ بالكسر، والجِعْظار، والجِعِنْظَارِ، الثَّلاثة بمعنى القَصير الرِّجْلَيْن، الغَليظ الجِسْم. قالوا: فإِذا كان مع غِلَظِ جِسمِه أَكُولًا قَويًّا سُمِّيَ جَعْظَرِيًّا. والأَكُولُ السَّيِّي‌ءُ الخُلُق الذي يَتَسخَّطُ عند الطَّعَام.

والجِعِنْظَارُ كجِحِنْبارٍ: الشَّرِهُ الحَريصُ النَّهِمُ على الطّعَام، أَو الأَكُولُ الضَّخْمُ الغليظُ الجِسْمِ، القصيرُ الرِّجْلَيْن: كالجَعَنْظَرِ، كسَفَرْجَل، كلاهما عن كُراع.

والجَعْظَرَةُ: سَعْيُ البَطِي‌ءِ من الرِّجال، القَرِيبِ الخَطْوِ.

يقال: مَشَى مَشْيَ الجَعْظَريِّ إِذا تَثاقَلَ؛ فإِن الاكُولَ النَّهِمَ يُبْطِي‌ءُ في سَيْرِه وحَرَكَتِه.

والجَعْظَرُ كجَعْفَر: الضَّخْمُ الاسْتِ العَبْلُ الأَردافِ، الذي إِذا مشى حَرَّكَها وتَثاقَلَ.

والجِعَظارُ، بالكسر: القَصِير الغَلِيظُ الجِسْمِ.

والجِعْظَارةُ بهاءٍ: القَلِيلُ العَقْلِ، وهو أَيضًا المنتفخُ بما عنده مع قِصَر، والذِي لا يَأْلَمُ رَأْسُه.

وجَعظَرَ الرجلُ: فَرَّ ووَلَّى مُدْبِرًا؛ وهكذا شَأْنُ الأَكُولِ المنتفخِ بما ليس عنده.

* وممّا يُستدرَك عليه:

اجْعَظَرَّ: انْتَصَبَ للشَّرِّ والعَداوةِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


27-تاج العروس (ربع)

[ربع]: الرَّبْعُ: الدّارُ بعَيْنِهَا حَيْثُ كانَتْ، كما في الصّحاح. وأَنشد الصّاغَانِيّ لزُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى:

فلَمّا عَرَفْتُ الدّارَ قُلْتُ لرَبْعِها *** أَلَا انْعَمْ صَباحًا أَيُّهَا الرِّبْعُ واسْلَم

قال الجَوْهَرِيّ: ج: رِباعٌ بالكَسْرِ، ورُبُوعٌ، بالضَّمِّ، وأَرْبَعُ، كأَفْلُسٍ، وأَرْبَاعُ، كزَنْدٍ وأَزْنَادٍ. شاهد الرِّبُوع قَوْلُ الشِّمَاخِ:

تُصِيبُهُمُ وتُخْطِئُنِي المَنَايَا *** وِأَخْلُفُ فِي رُبُوعٍ عَنْ رُبُوعِ

وشاهِدُ الأَرْبُعِ قَوْلُ ذِي الرُّمَّة:

أَلِلأَرْبُعِ الدُّهْمِ اللَّوَاتِي كَأَنَّها *** بَقِيَّةُ وَحْيٍ في بُطُونِ الصَّحَائِفِ

وِالرِّبْعُ: المَحَلَّة. يُقالُ: ما أَوْسَع رُبْعَ فُلانٍ. نقله الجَوْهَرِيّ.

وِالرِّبْعُ: المَنْزِلُ والوَطنُ، مَتى كان، وبِأَىِّ مَكانٍ كان، كُلُّ ذلِك مُشتَقٌّ من رَبَعَ بالمَكَانِ يَرْبَع رَبْعًا، إِذا اطمَأَنَّ، والجَمْعُ كالجَمْعِ، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «وهَلْ تَرَك لَنا عَقِيلٌ مِنْ رَبْع» ويُرْوَى: مِنْ رِبَاعٍ، أَرادَ به المَنْزِلَ ودَارَ الإِقامَةِ. وفي حَدِيثِ عائِشةَ رضي ‌الله‌ عنها: «أَنَّها أَرادَتْ بَيْعَ رِبَاعِها» أَي مَنازِلها.

وِالرِّبْعُ: النَّعْشُ، يُقَالُ: حَمَلْتُ رَبْعَهُ، أَيْ نَعْشهُ. ويُقَالُ أَيْضًا: رَبَعَهُ الله، إِذا نَعَشهُ. ورَجُلٌ مَرْبُوعٌ، أَىْ مَعْنُوشٌ.

مُنَفَّسٌ عَنه. وهو مَجَازٌ.

وِالرِّبْعُ: جَمَاعَةُ النّاسِ. وقال شِمرٌ: الرُّبُوعُ: أَهْلُ المَنَازِلِ. وبه فُسِّرَ قوْلُ الشَّمّاخ المُتقدَّم.

وِأَخْلُفُ في رُبُوعٍ عنْ رُبُوعٍ

أَيْ في قَوْمٍ بَعْدَ قَوْمٍ. وقال الأَصْمَعِيّ: يُرِيدُ في رَبْعٍ من أَهْلِي، أَىْ في مَسْكَنِهم.

وقال أَبو مالِكٍ: الرَّبْعُ، مِثْلُ السَّكَنِ، وهُمَا أَهْلُ البَيْتِ، وأَنْشَد:

فإِنْ يَكُ رَبْعُ مِنْ رِجالِي أَصابَهُمْ *** مِن الله والحَتْمِ المُطِلَّ شعُوبُ

وقال شَمْرٌ: الرِّبْعُ: يَكُونُ المَنْزِلَ، ويَكُونُ أَهْلَ المَنْزِلِ.

قالَ ابنُ بَرِّيّ: والرِّبْعُ أَيْضًا: العَدَدُ الكَثِيرُ.

وِالرِّبْعُ: المَوْضِعُ يَرْتَبِعُونَ فيه في الرَّبِيعِ خاصَّةً، كالمَرْبَع كمَقْعَدٍ، وهو مَنْزِلُ القَوْمِ في الرَّبِيعِ خاصَّةً.

تَقُولُ: هذِه مَرَابِعُنا ومَصَايِفُنَا، أَيْ حَيْثُ نَرْتَبعُ ونَصِيفُ، كما في الصحّاح.

وِالرِّبْعُ: الرَّجُلُ المُتَوَسِّطُ القامَةِ بَيْنَ الطُّولِ والقِصَرِ، كالمَرْبُوعِ والرَّبْعَة، بالفَتْح ويُحَرَّكُ، والمِرْبَاعِ كمِحْرابِ، ما رَأَيْتُه في أُمِّهاتِ اللُّغَةِ إِلّا صاحِب المُحِيط، ذَكَرَ «حَبْلُ مِرْبَاعٌ بمَعْنَى مَرْبُوعٍ» فَأَخَذَه المُصَنِّفُ وعَمَّ به، والمُرْتَبِعِ مَبْنِيَّا للفاعِلِ وللمَفْعُولِ، وبِهِمَا رُوِيَ قَوْلُ العَجّاج:

رَباعِيًا مُرْتَبعًا أَو شَوْقَبَا

وقد ارْتَبَعَ الرَّجُلُ، إِذا صَارَ مَرْبُوعَ الخِلْقَةِ. وفي الحَدِيثِ: كان النَّبِيُّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم أَطْوَلَ من المَرْبُوعِ، وأَقْصَرَ مِنَ المُشَذَّبِ» وفي حَدِيثِ أُمَّ مَعْبَدٍ رضي ‌الله‌ عنها: «كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآل وسلم رَبْعَةً، لا يَأْسَ مِنْ طُولٍ، ولا تَقْتَحِمُه عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ» أَيْ لَمْ يَكُنْ في حَدِّ الرَّبْعَة غَيْرَ مُتَجَاوِزٍ لَهُ، فجَعَلَ ذلِكَ القَدْرَ مِنْ تَجَاوُز حَدَّ الرَّبْعَة عَدَمَ يَأْسٍ مِنْ بَعْضِ الطُّولِ، وفي تَنْكِيرِ الطُّولِ دَلِيْلٌ على مَعْنَى البَعْضِيَّةِ، وهِيَ رَبْعَةٌ أَيضًا بالفَتح والتَّحْرِيكِ، كالمُذَكَّر وجَمْعُهُمَا جَمِيعًا رَبْعاتُ بسُكُونِ الباءِ، حكاهُ ثَعْلَبُ عَنِ ابن الأَعْرَابِيّ، ورَبَعَاتٌ، مُحَرَّكَةً، وهو شاذٌّ، لأَنَّ فَعْلَةً إِذا كانَتْ صِفَةً لا تُحَرَّكُ عَيْنُهَا في الجَمْع وإِنَّمَا تُحَرَّكُ إِذا كانَت اسْمًا، ولم تَكُنِ العَيْنِ، أَىْ مَوْضِعُ العَيْنِ وَاوًا أَو يَاءَ، كما في العُبَاب والصّحاح.

وفي اللِّسَآن: وإِنَّمَا حَرَّكوا رَبعَاتٍ، وإِنْ كانَ صِفَةً، لأَنَّ أَصْلَ رَبْعَة اسْمٌ مُؤَنَّثٌ وَقَعَ عَلَى المُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ، فوُصِفَ به.

وقال الفَرّاءُ: إِنَّمَا حُرِّكَ رَبَعَاتٌ لِأَنه جاءَ نَعْتًا للْمُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ، فكأَنَّهُ اسْمُ نُعِتَ بِهِ.

وقالَ الأَزْهَرِىّ: خُولِفَ به طَرِيقُ ضَمْخمَةٍ وضَخْماتٍ، لِاسْتِواءِ نَعْتِ الرَّجُلِ والمَرْأَةِ في قَوْلِهِ: رَجُلٌ رَبْعَةٌ وامْرَأَةٌ رَبْعَةٌ، فصارَ كالاسْمِ، والأَصلُ في باب فَعْلَة من الأَسْمَاءِ ـ مِثْلِ: تَمْرَةٍ وجَفْنَةٍ ـ أَنْ يُجْمَعَ على فَعَلاتٍ، مِثْل تَمَرَاتٍ وجَفَنَاتٍ، وما كانَ مِنَ النُّعُوتِ عَلَى فَعْلِهِ، مَثْلُ شاةٍ لَجْبَةٍ، وامْرَأَةٍ عَبْلَةٍ، أَنْ يُجْمَعَ على فَعْلاتٍ بسُكُونِ العَيْنِ، وإِنَّمَا جُمِعَ رِبْعَةٌ على رَبَعَاتٍ ـ وهُوَ نَعْتُ ـ لأَنَّهُ أَشْبَه الأَسْمَاءَ لاسْتِواءِ لَفْظِ المُذَكَّرِ والمُؤنَّثِ في وَاحِدِهِ. قالَ وقال الفَرَّاءُ: مِن العَرَبِ مَنْ يَقُولُ: امْرَأَةٌ رَبْعَةٌ، ونِسْوَهٌ رَبْعَاتُ، وكَذلِكَ رَجُلُ رَبْعَةُ ورِجَالُ رَبْعُون، فَيْجْعَلُه كسَائرِ النُّعُوتِ.

وِقال ابن السِّكّيت: رَبَعَ الرَّجُلُ يَرْفَعُ، كمَنَعَ: وَقَفَ وانْتَظَرَ وتَحَبَّس، ولَيْسَ في نَصِّ ابنِ السِّكِّيت: انْتَظَرَ، على ما نَقَلَهُ الجَوْهَرِى والصّاغَانِيّ وصاحِبُ اللِّسَانِ ومِنْهُ قَوْلُهُمْ: ارْبَعْ عَلَيْكَ، أَو ارْبَعْ عَلَى نَفْسِكَ، او ارْبَعْ عَلَى ظُلْعِكَ، أَيْ ارْفُق بِنَفْسِكَ، وكُفَّ، كما في الصّحاح، وقِيلَ: مَعْنَاهُ انْتَظِرْ. قال الأَحْوَصُ:

ما ضَرَّ جِيرانَنَا إِذا انْتَجَعُوا *** لَوْ أَنَّهُمْ قَبْلَ بَيْنِهِمْ رَبَعُوا

وفي المُفَرداتِ: وقَوْلُهُم: ارْبَعَ عَلَى ظَلْعِكَ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الإِقَامَةِ، أَيْ أَقِمْ عَلَى ظَلْعِكَ، و [يجوز] أَنْ يَكُونَ مِنْ رَبَعَ الحَجَرَ. أَي تَنَاوَلْهُ عَلَى ظَلْعِك انتهى.

وفي حَدِيثِ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّة «ارْبَعِي بِنَفْسِك» ويُرْوَى: عَلَى نَفْسِكَ. ولَهُ تَأوِيلانِ.

أَحَدِهما: بمَعْنَى تَوَقَّفِي وانْتَظِري تَمَامَ عِدَّةِ الوَفَاةِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُول: عِدَّتُها أَبْعَدُ الأَجَلَيْنِ. وهُوَ مَذْهَبُ عَلِىُّ وابْنِ عَبَّاسٍ رضي ‌الله‌ عنهم.

والثّانِي، أَنْ يَكُون مِن رَبَعَ الرَّجُلُ، إِذا أَخْصَبَ، والمَعْنَى: نَفَّسِي عَنْ نَفْسِكِ وأَخْرَجِيهَا عَنْ بُؤْسِ العِدَّةِ وسُوءِ الحالِ، وهذا على مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ عِدَّتَهَا أَدْنَى الأَجَلَيْنِ، ولهذا قالَ عُمَرُ: إِذا وَلَدَتْ وزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِه ـ يَعْنِي لَمْ يُدْفَنْ ـ جازَ أَنْ تَتَزَوَّجَ.

وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «فإِنَّهُ لا يَرْبَعُ عَلَى ظَلْعِكَ مَنْ لا يَحْزُنُهُ أَمْرُكَ» أَيْ لا يَحْتَبِسُ عَلَيْكِ ويَصْبِر إِلَّا مَنْ يُهِمُّهُ أَمْرُكَ.

وفي المَثَلِ: «حَدَّثْ حَدِيثَيْنِ امْرَأَةً، فإِنْ أَبَتْ فَارْبَعْ» أَيْ كُفَّ. ويُرْوَى بِقَطْعِ الهَمْزَةِ، ويُرْوَى أَيْضًا: «فأَرْبَعَة» أَي زِدْ، لأَنَّهَا أَضْعَفُ فَهْمًا، فإِنْ لَمْ تَفْهَمْ فاجْعَلْها أَرْبَعَة، وأَرادَ بالحَدِيثَيْنِ حَدِيثًا وَاحِدًا تَكَرَّرُهُ مَرَّتَيْنِ، فكَأَنَّكَ حَدَّثْتَها بِحَدِيثَيْنِ. قال أَبو سَعِيدٍ: فإِنْ لَمْ تَفْهَمْ بَعْدَ الأَرْبَعَةِ فالمِرْبَعَة، يَعْنِي العَصَا. يُضْرَبُ فِي سُوءِ السَّمْع والإِجابَةِ.

وِرَبَعَ يَرْبَعُ رَبْعًا: رَفَعَ الحَجَرَ باليَدِ وشالَهُ: وقِيلَ: حَمَلَهُ امْتِحَانًا للْقُوَّةِ، قالَ الأَزْهَرِيّ: يُقَالُ ذلِكَ في الحَجَرِ خاصَّةً.

ومِنْهُ الحَدِيثُ: «أَنَّهُ مَرَّ بقَوْمٍ يَرْبَعُونَ حَجَرًا فقالَ: ما هذا؟ فقالُوا: هذا [حَجَرُ] الأشِدّاءِ. فقالَ: أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَشَدِّكُمْ؟ مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ». وفي رِوَايَةٍ: «ثُمَّ قالَ: عُمّالُ اللهِ أَقْوَى مِنْ هؤلاءِ».

وِرَبَعَ الحَبْلَ وكَذلِكَ الوَتَرَ: فَتَلَهُ مِنْ أَرْبَع قُوًى؛ أَي طَاقَاتٍ يُقَالُ: حَبْلٌ مَرْبُوعٌ ومِرْبَاعٌ، الأَخِيرَةُ عن ابْنِ عَبّادٍ.

ووَتْرٌ مَرْبُوعٌ، ومِنْهُ قَوْلُ لَبيدٍ:

رَابِطُ الجَأْشِ عَلَى فَرْجِهِمُ *** أَعْطِفُ الجَوْنَ بمَرْبُوعٍ مِتَلّ

قِيلَ: أَيْ بِعِنانٍ شَدِيدٍ مِنْ أَرْبَعِ قُوًى، وقِيلَ: أَرادَ رُمْحًا، وسَيَأْتِي. وأَنْشَدَ اللَّيْثُ عَنْ أَبِي لَيْلَى:

أَتْرَعَهَا تَبَوُّعًا وَمتَّا *** بالمَسَدِ المَرْبُوعِ حَتَّى ارْفَتّا

التَّبَوُّعُ: مَدُّ الباعِ. وارْفَتَّ: انْقَطَعَ.

وِرَبَعَتِ الإِبِلُ تَرْبَعُ رَبْعًا: وَرَدَت الرَّبْعَ، بالكَسْرِ، بِأَنْ حُبِسَتْ عَنِ الماءِ ثَلاثَةَ أَيّامٍ، أَوْ أَرْبَعَةً، أَو ثَلاثُ لَيال، وَوَرَدَتْ في اليَوْمِ الرّابعِ.

وِالرَّبْعُ: ظِمْ‌ءٌ مِنْ أَظْمَاءِ الإِبِلِ، وقد اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ: هو أَنْ تُحْبَسَ عَنِ الماءِ أَرْبَعًا، ثُمَّ تَرِد الخامِسَ، وقِيلَ: هو أَنْ تَرِدَ الماءَ يَوْمًا وتَدَعَهُ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ تَرِد اليَوْمَ الرّابِع، وقِيل: هو لِثَلاثِ لَيَالٍ وأَرْبَعَةِ أَيّامٍ. وقَدْ أَشَارَ إِلَى ذلِكَ المُصَنَّفُ في سِيَاقِ عِبَارَتِهِ مَعَ تَأَمُّلٍ فِيهِ.

وِهِيَ إِبِلٌ رَوابِعُ، وكَذلِكَ إِلَى العِشْرِ. واسْتَعَارَهُ العَجّاج لِوِرْدِ القطَا، فقال:

وِبَلْدَةٍ يُمْسِي قَطاها نُسَّسَا *** رَوابِعًا وقدْرَ رِبْعِ خُمَّسَا

وِرَبَعَ فُلانٌ يَرْبَعُ رَبْعًا: أَخْصَبَ، مِن الرَّبِيعِ. وبه فَسَّرَ بَعْضٌ حَدِيثُ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ، كما تَقَدَّمَ قَرِيبًا.

وِعَلَيْه الحُمَّى: جاءَتْهُ رِبْعًا، بالكَسْرِ، وقَدْ رُبِعَ، * كعُنِيَ، وأُرْبَعَ بالضَّمَّ، فهو مَرْبُوعٌ ومُرْبَعٌ وهى أَى الرَّبْعُ من الحُمَى أَنْ تَأْخُذَ يَوْمًا وتَدَعَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ تَجِي‌ءَ فِي اليَوْمِ الرّابعِ قالَ ابْنُ هَرْمَةَ:

لَثِقًا تُجَفْجِفُهُ الصبا وكَأَنَّهُ *** شاكٍ تَنَكّرَ وِرْدُهُ مَرْبوعُ

وِأَرْبَعَتْ عَلَيْهِ الحُمَّى: لُغَةٌ في رَبَعَت، كَما أَنَّ أَرْبَعَ لُغَةٌ في رُبْعَ. قال أُسَامَةُ الهُذَليّ.

إِذا بَلَغُوا مِصْرَهُمْ عُوجِلُوا *** مِنَ المَوْت بالهِمْيَغِ الذّاعِطِ

مِنَ المُرْبِعِينَ ومِنْ آزِلٍ *** إذا جَنَّهُ اللَّيْلُ كالنّاحِطِ

ويُقَالُ: أَرْبَعَتْ عَلَيْهِ: أَخَذَتْه رِبْعًا. وأَغَبَّتْهُ: أَخَذَتْهُ غِبَّا.

ورَجُلٌ مُرْبعٌ ومُغِبُّ، بِكَسْرِ الباءِ. قالَ الأَزْهَرِيُّ: فقيلَ لَهُ: لِمَ قُلْتَ: أَرْبَعَتِ الحُمَّى زَيْدًا، ثُمَّ قُلْتَ: مِنَ المُرْبِعِين، فجَعَلْتَه مَرَّةً مَفْعُولًا وَمَرَّةً فاعِلًا؟ فقالَ: يُقَالُ: أَرْبَعَ الرَّجلُ أَيْضًا. قالَ الأَزْهَرِيّ: كَلامُ العَرَبِ أَرْبَعَتْ عَلَيْهِ الحُمَّى، والرَّجُلُ مُرْبَعٌ، بِفَتْحِ الباءِ. وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيّ: أَرْبَعَتْهُ الحُمَّى، ولا يُقَالُ: رَبَعَتْهُ.

وِرَبَعَ الحِمْلَ يَرْبَعُهُ رَبْعًا، إذا أَدْخَلَ المِرْبَعَةَ تَحْتَهُ، وأَخَذَ بطَرَفِها، وأَخَذَ آخَرُ بطَرَفِها الآخَرِ، ثُمَّ رَفَعاهُ عَلَى الدَّابَّة. قالَ الجَوْهَرِيّ: فإِنْ لم تَكُنْ مِرْبَعَةٌ أَخَذَ أَحَدُهما بيَدِ صاحِبِهِ، أَيْ تَحْتَ الحِمْلِ حَتَّى يَرْفَعاهُ عَلَى البَعِيرِ، وهي المُرَابَعَةُ. وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيّ:

يا لَيْتَ أُمَّ العَمْرِ كَانَتْ صاحِبِي *** مَكَانَ مَنْ أَنْشَا عَلَى الرَّكَائِبِ

وِرابَعَتْنِي تَحْتَ لَيْلٍ ضارِبِ *** بِسَاعِدٍ فَعْمٍ وكَفَّ خاضِبِ

أَنْشَا: أَصْلُهُ أَنْشَأَ، فلَيَّنَ الهَمْزَةَ للضَّرُورَةِ. وقالَ أَبو عُمَرَ الزَّاهِدُ في «اليَواقِيتِ»: أَنْشَا: أَي أَقْبَلَ.

وِرَبَعَ القَوْمَ يَرْبَعُهُمْ رَبْعًا: أَخَذَ رُبْعَ أَمْوَالِهِم، مِثْل عَشَرَهُمْ عَشْرًا.

وِرَبَعَ الثَلاثَةَ: جَعَلَهُمْ بِنَفْسِهِ أَرْبَعَةً و: صارَ رابِعَهُمْ يَرْبُعُ ويَرْبِعُ ويَرْبَعُ، بالتَّثْلِيثِ فِيهِما، أَيْ في كُلَّ مِنْ رَبَعَ القَوْمَ، والثَّلاثَةَ.

وِرَبَعَ الجَيْشَ، إذا أَخَذَ مِنْهُم رُبْعَ الغَنِيمَةِ، ومُضَارِعُه يَرْبعُ ـ من حَدَّ ضَرَبَ ـ فَقَطْ، كما هو مُقْتَضَى سِيَاقِهِ، وفيه مُخَالَفَةٌ لِنَقْلِ الصّاغَانِيّ، فإنَّهُ قال: رَبَعْتُ القَوْمَ أَرْبُعُهُمْ وأَربِعُهُمْ وأَرْبَعُهُمْ، إذا صِرْتَ رابِعَهمْ، أَوْ أَخَذْتَ رُبْعَ الغَنِيمَةِ، قالَ ذلِكَ يُونُسُ في كتاب «اللُّغَاتِ» واقْتَصَرَ الجَوْهَريّ عَلَى الفَتْحِ، ثُمَّ إنَّ مَصْدَرَ رَبَعَ الجَيْشَ رَبْعٌ ورَبَاعَةٌ. صَرَّحَ به في اللَّسَانِ. وفي الحَدِيثِ: «أَلَمْ أَجْعَلْكَ تَرْبَعُ وتَدْسَعُ» أَي تَأَخُذُ المِرْباعَ، وقَدْ مَرَّ الحَدِيثُ في «د س ع» وقِيل في التَّفْسِير: أَيْ تَأْخُذ رُبْعَ الغَنِيمَةِ؟والمَعْنَى: أَلَمْ أَجْعَلْك رَئِيسًا مُطاعًا؟ كانَ يُفْعَل ذلِكَ، أَيْ أَخْذُ رُبْع ما غَنِمَ الجَيْشُ في الجاهِلِيَّة، فرَدَّهُ الإِسْلامُ خُمُسًا، فقالَ تَعالَى جَلَّ شَأْنُه: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}.

وِرَبَعَ عَلَيْهِ رَبْعًا: عَطَفَ، وقيلَ: رَفَقَ.

وِرَبَعَ عَنْه رَبْعًا: كَفَّ وأَقْصَرَ.

وِرَبَعَت الإِبِلُ تَرْبَعُ رَبْعًا: سَرَحَتْ في المَرْعَى، وأَكَلَتْ كَيْفَ شَاءَتْ وشَرِبَتْ، وكذلِكَ رَبَعَ الرَّجُلُ بالمَكَانِ، إذا نَزَلَ حَيْثُ شاءَ في خِصْبٍ ومَرْعًى.

وِرَبَعَ الرَّجُلُ في الماءِ: تَحَكَّمَ كَيْفَ شاءَ.

وِرَبَعَ القَوْمَ: تَمَّمَهُمْ بنَفْسِهِ أَرْبَعَةً، أَو أَرْبَعِينَ، أَوْ أَرْبَعَةً وأَرْبَعِينَ، فعَلَى الأَوّل: كانُوا ثَلاثَةً فكَمَّلَهُمْ أَرْبَعَةً، وعَلَى الثَّانِي: كانُوا تِسْعَةً وثلاثِينَ فكَمَّلَهُمْ أَرْبَعِينَ، وعَلَى الثَّالِثِ: كانُوا ثَلاثَةً وأَرْبَعِينَ فكَمَّلَهُمْ أَرْبَعَةً وأَرْبَعِينَ.

وِرَبَعَ بالمَكَانِ: اطْمَأَنَّ وأَقامَ قالَ الأَصْبَهَانِيّ في «المُفْرَدات» وأصْلُ رَبَعَ: أَقامَ في الرَّبِيع، ثم تُجُوَّزَ به في كُلِّ إِقَامَةٍ، وكُلَّ وَقْتٍ، حَتَّى سُمِّيَ كُلُّ مَنْزِلٍ رَبْعًا، وإنْ كان ذلِكَ في الأَصْل مُخْتَصًا بالرَّبِيع.

وِرُبِعُوا، بالضَّمِّ: مُطِرُوا بالرَّبِيع، أَيْ أَصابَهُم مَطَرُ الرَّبِيعِ. ومِنْهُ قَوْلُ أَبِي وَجْزَةَ:

حَتَّى إذا ما إيالاتٌ جَرَتْ بُرُحًا *** وِقَدْ رَبَعْنَ الشَّوَى مِنْ ماطِرٍ مَاجِ

أَي أَمْطَرْن، ومن ماطِرٍ: أَي عَرَقٍ مَأْج؛ أَي مِلْح.

يقول: أَمْطَرْنَ قَوَائِمَهنَّ مِنْ عَرَقِهِنّ.

وِالمِرْبَعُ والمِرْبَعَةُ، بكَسْرِهِمَا، الأُولَى عَن ابْنِ عَبّادٍ وصاحِبِ المُفْرَداتِ: العَصَا الَّتِي تُحْمَلُ بها الأَحْمَالُ. وفي الصّحاح: عُصَيَّةٌ يأْخُذُ رَجُلانِ بطَرَفَيْها ليَحْمِلَا الحِمْلَ ويَضَعاه على ظَهْرِ الدَّابَّةِ.

وفي المُفْرداتِ: المِرْبَعُ: خَشَبٌ يُرْبَعُ به، أَيْ يُؤْخَذ الشَّي‌ءُ به. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ومِنْهُ قَوْلُ الراجِزِ:

أَيْنَ الشِّظاظانِ وأَيْنَ المِرْبَعَهْ *** وِأَيْنَ وَسْقُ النّاقَةِ الجَلَنْفَعَهْ

وِمَرْبَعٌ، كمَقْعَدٍ: موضع، قِيلَ هو جَبَلٌ قُرْبَ مَكَّةَ. قال الأَبَحُّ ابنُ مُرَّة أَخو أَبِي خِراش:

عَلَيْكَ بَنِى مُعَاوِيَةَ بنِ صَخْرٍ *** فأَنْتَ بمَرْبَعٍ وهُمُ بِضِيمِ

والرِّوايَة الصَّحِيحَة: «فأَنْتَ بعَرْعَرٍ».

وِمِرْبَعٌ، كمِنْبَرٍ ابنُ قَيْظِيّ بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيّ الحارِثيّ، وإِلَيْه نُسِبَ المالُ الَّذِي بالمَدِينَةِ في بَنِي حَارِثَةَ، له ذِكْرٌ في الحَدِيثِ، وهو وَالِدُ عَبْدِ الله، شَهِدَ أُحُدًا، وقُتِلَ يَوْمَ الجِسْرِ، وعَبْدِ الرَّحْمن شَهِدَ أُحُدًا وما بَعْدَها، وقُتِلَ مع أَخِيهِ يَوْمَ الجِسْرِ، وزَيْدٍ نَقَلَه الحافِظُ في التَّبْصِير. وقال يَزِيدُ بنُ شَيْبَانَ: «أَتانا ابنُ مِرْبَعٍ ونَحْنُ بعَرَفَةَ» يَعْنِي هذا، ومُرَارَةَ، ذَكَرَهُ ابنُ فَهْدٍ والذَّهَبِيّ الصَّحابِيِّينَ، وكَانَ أَبُوهُمْ مِرْبَعٌ أَعْمَى مُنافقًا، رَضِيَ الله عَنْ بَنِيهِ.

وِمِرْبَعٌ: لَقَبُ وَعْوَعَةَ بنِ سَعِيد بنِ قُرْطِ بنِ كَعْبِ بنِ عَبْدِ بنِ أَبِي بَكْرِ بنِ كِلابٍ رَاوِيَةِ جَرِيرٍ الشاعِرِ، وفِيهِ يَقُولُ جَرِيرٌ:

زَعَمَ الفَرَزْدَقُ أَنْ سَيَقْتُلُ مِرْبَعًا *** أَبْشِر بِطُولِ سَلامَةٍ يا مِرْبَعُ

وِأرْضٌ مَرْبَعَةٌ، كمَجْمَعَةٍ: ذاتُ يَرَابِيعَ نَقَلَهُ الجَوْهَرِي.

وِذُو المَرْبَعِيّ قَيْلٌ: مَنْ الأَقْيَالِ.

وِالمِرْبَاع، بالكَسْرِ: المَكَانُ يَنْبُتُ نَبْتُه في أَوَّل الرَّبِيعٍ.

قال ذُو الرُّمَّةِ:

بِأَوَّلِ ما هَاجَتْ لَكَ الشَّوْقَ دِمْنَةٌ *** بأَجْرَع مِرْباعٍ مَرَبٍّ مُحَلَّلِ

ويُقَالُ: رُبِعَتِ الأَرْضُ فهي مَرْبُوعَةٌ، إذا أَصابَها مَطَرُ الرَّبِيعِ. ومُرْبِعَةٌ ومِرْباعٌ: كَثِيرَةُ الرَّبِيعِ.

وِالمِرْباعُ: رُبُعُ الغَنِيمَة الَّذِي كانَ يَأْخُذُهُ الرَّئيسُ في الجَاهِلِيَّة، مَأْخُوذٌ من قَوْلهم: رَبَعْتُ القَوم؛ أَي كانَ القَوْمُ يَغْزُونَ بَعْضَهم في الجاهِليَّةِ، فيَغْنَمُون، فيَأْخُذُ الرَّئِيسُ رُبُعَ الغَنِيمَةِ دُونَ أَصْحابِهِ خَالِصًا، وذلِكَ الرُّبُعُ، يُسَمَّى المِرْبَاعَ.

ونَقَلَ الجَوْهَرِيّ عن قُطْرُب: المِرْباعُ: الرُّبُعُ، والمِعْشَارُ: العُشْرُ، قالَ: ولَمْ يُسْمَعْ في غَيْرِهما. قالَ عَبْدُ الله بنُ عَنَمَةَ الضَّبِّيّ:

لَكَ المِرْباعُ مِنْهَا والصَّفايَا *** وِحُكْمُكَ والنَّشِيطَةُ والفُضُولُ

وِفي الحَدِيثِ قالَ لِعَدِيّ بن حاتِمٍ ـ قَبْلَ إِسْلامِه ـ: «إِنَّكَ لَتَأْكُلُ المِرْبَاعَ وهو لا يَحِلُّ لَك في دِينِكَ».

وِالمِرْبَاعُ: النَّاقَةُ المُعْتَادَةُ بأَنْ تُنْتَجَ في الرَّبِيع. ونَصُّ الجَوْهَرِيّ: ناقَةٌ مُرْبعٌ: تُنْتَجُ في الرَّبِيعِ، فإِنْ كانَ ذلِكَ عادَتَها فهي مِرْبَاعٌ، أَو هي الَّتِي تَلِدُ في أَوَّلِ النِّتَاجِ، وهو قَوْلُ الأَصْمَعِيّ. وبه فُسِّرَ حَدِيثُ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ في وَصْفِ ناقَةِ: «إِنَّهَا لَهِلْوَاعٌ مِرْبَاعٌ، مِقْراعٌ مِسْياعٌ، حَلْبانَةٌ رَكْبَانَةٌ»، وقِيلَ: المِرْباعُ: هي الَّتِي وَلَدُهَا مَعَهَا، وهوَ رِبْعٌ، وقِيل: هي الَّتِي تُبَكِّرُ في الحَمْلِ.

وِالأَرْبَعَةُ فِي عَدَدِ المُذَكَّرِ، والأَرْبَعُ فِي عَدَدِ المُؤَنَّثِ، والأَرْبَعُونَ في العَدَدِ بَعْدَ الثّلاثِينَ. قال الله تَعالَى: {أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} وقالَ: {أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}.

وِالأَرْبِعَاءُ من الأَيّام: رابِعُ الأَيّام مِن الأَحَدِ، كَذَا في المُفْرَدَات، وفي اللِّسَان: منَ الأُسْبُوع، لِأَنَّ أَوَّلَ الأَيَّامِ عِنْدَهم يَوْمُ الأَحَدِ، بدَلِيلٍ هذِهِ التَّسْمِيَة، ثم الاثْنَانِ، ثم الثلاثاءُ، ثُمَّ الأَرْبَعَاءُ، ولكِنَّهُمْ اخْتَصُّوهُ بهذا البِناءِ، كما اخْتَصُّوا الدَّبَرانَ والسِّماكَ؛ لِمَا ذَهَبُوا إلَيْه من الفَرْق مُثَلَّثَةَ الباءِ مَمْدُودَةً. أَمّا فَتْحُ الباءِ فقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ بَنِي أَسَدٍ، كما نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ، وهكذا ضَبَطَهُ أَبو الحَسَن مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الزُّبَيْدِيّ فيما اسْتَدْرَكَه علَى سِيبَوَيْهِ في الأَبْنِيَة، وقَالَ: هو أَفْعَلاءُ، بفَتْحِ العَيْن.

وقَالَ الأَصْمَعِيّ: يَوْمُ الأَرْبُعَاء، بِالضَّمِّ، لُغَةٌ في الفَتْح والكَسْرِ.

وقال الأَزْهَرِيّ: ومَنْ قالَ: أَرْبِعاء حَمَلَهُ عَلى أَسْعِداء، وهُمَا أَرْبِعاءانِ، ج: أَرْبِعاءَاتٌ. حُمِلَ على قِياسِ قَصْباءِ وما أَشْبَهَهَا.

وقال الفَرّاءُ عن أَبِي جَخَادِبَ: تَثْنِيَةُ الأَرْبَعَاءِ أَرْبَعاءان، والجَمْعُ أَرْبَعاءات، ذَهَبَ إِلى تَذْكِير الاسْمِ.

وقَال اللِّحْيَانِيّ: كان أَبُو زِيَاد يقول: مَضَى الأَرْبَعَاءُ بما فيه، فيُفْرِدُهُ ويُذَكِّره. وكانَ أَبو الجَرَّاح يقولُ: مَضَتِ الأَربعاءُ بما فِيهِنَّ، فيُؤَنِّثُ ويَجْمَع، يُخْرِجُه مَخْرَج العَدَدِ.

وقال القُتَيْبِيّ: لَمْ يَأْتِ أَفْعِلاءُ إِلّا في الجَمْعِ، نحو أَصْدِقَاءَ وأَنْصِبَاءَ، إِلَّا حَرْفٌ وَاحِدٌ لا يُعْرَفُ غَيْرُه، وهو الأَرْبِعاءُ. وقال أَبو زَيْدٍ: وقد جاءَ أَرْمِدَاء، كما في العُبَاب.

قال شَيْخُنا: وأَفْصَحُ هذِه اللُّغَاتِ الكَسْرُ، قالَ: وحَكَى ابْنُ هِشَامٍ كَسْرَ الهَمْزَةِ مع الباءِ أَيْضًا، وكَسْرَ الهَمْزَةِ وفَتْحَ الباءِ. ففي كَلام المُصَنِّفِ قُصُورٌ ظاهرٌ. انتهى.

وِقالَ اللِّحْيَانيّ: قَعَدَ فُلانٌ الأُرْبُعاءَ والأُرْبُعاوَى، بِضَمِّ الهَمْزَةِ والباءِ مِنْهُمَا، أَيّ مُتَرَبِّعًا. وقالَ غَيْرُه: «جَلَس الأُرْبَعَاء، بضَمِّ الهَمْزَةِ وفَتْحِ الباءِ والقَصْر، وهي ضَرْبٌ من الجِلَسِ، يَعْنِي جَمْعَ جِلْسَة.

وحَكَى كُرَاعِ: جَلَسَ الأُرْبَعَاوَى؛ أَي مُتَرَبِّعًا، قالَ: ولا نَظِيرَ لهُ.

وِقالَ القُتَيْبيّ: لَمْ يَأْتِ على أُفْعُلاءَ إِلَّا حَرْفٌ وَاحِدٌ، قالُوا: الأُرْبُعاءُ. وهو أَيْضًا: عَمُودٌ مِنْ: عُمُدِ البِنَاءِ.

قال أَبُو زَيْدٍ: ويُقَالُ: بَيْتٌ أُرْبُعاواءُ، عَلَى أُفْعُلاواءَ، بالضَّمِّ والمَدِّ، أَيْ عَلَى عَمُودَيْنِ وثَلَاثةٍ وأَرْبَعَةٍ ووَاحِدَةٍ، قالَ: والبُيُوتُ على طَرِيقَتَيْنِ وثَلَاثٍ وأَرْبَعٍ، وطَرِيقَةٍ وَاحِدَة، فَما كان عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فهو خِبَاءٌ، وما زادَ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فهو بَيْتٌ، والطَّرِيقَةُ: العَمُودُ الوَاحِدُ، وكُلُّ عَمُودٍ طَرِيقَةٌ، وما كانَ بَيْنَ عَمُودَيْنِ فهو مَتْنٌ، وحَكَى ثَعْلَبٌ: بَنَى بَيْتَه عَلَى الأَرْبُعَاءِ وعَلَى الأَرْبُعَاوَى ـ ولَمْ يَأْتِ عَلَى هذا المِثَال غَيْرُه ـ: إِذا بَنَاهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَعْمِدَةٍ.

وِالرَّبِيعُ: جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ السَّنَةِ، وهو عِنْدَ العَرَبِ رَبِيعَانِ: رَبِيعُ الشُّهُورِ، ورَبِيعُ الأَزْمِنَةِ: فرَبِيعُ الشُّهُورِ: شَهْرَانِ بَعْدَ صَفَر سُمِّيَا بذلك لأَنَّهُمَا حُدَّا فِي هذا الزَّمَن، فلَزِمَهُمَا في غَيْرِه، ولا يُقَالُ فيهما إِلَّا شَهْرُ رَبِيعٍ الأَوّل، وشَهْرُ رَبِيعٍ الآخِر.

وقالَ الأَزْهَرِيُّ: العَرَبُ تَذْكُر الشُّهُورَ كُلَّهَا مُجَرَّدَةً، إِلّا شَهْرَيْ رَبِيعٍ، وشَهْرَ رَمَضَان.

وِأَمّا رَبِيعُ الأَزْمِنَةِ فرَبِيعانِ: الرَّبِيعُ الأَوَّلُ وهو الفَصْلُ الَّذِي يَأْتِي فِيهِ النَّوْر والكَمْأَةُ، وهو رَبِيعُ الكَلإِ.

وِالرَّبِيعُ الثَّانِي، وهو الفَصْلُ الَّذِي تُدْرَكُ فيه الثِّمَار، أَوْ هو أَي، ومِنَ العَرَب مَنْ يُسَمِّي الفَصْلَ الَّذِي تُدُرِكُ فيه الثِّمَارُ، وهو الخَرِيف الرَّبِيع الأَوّل، ويُسَمِّي الفَصْلَ الَّذِي يَتْلُو الشِّتَاءَ ويَأْتِي فِيه الكَمْأَةُ والنَّوْرُ الرَّبِيعَ الثّانِي، وكُلُّهُم مُجْمِعُون علَى أَنَّ الخَرِيفَ هو الرَّبِيعُ.

وقال أَبو حَنِيفَةَ: يُسَمَّى قِسْمَا الشِّتَاءِ رَبِيعَيْنِ: الأَوّلُ مِنْهُمَا: رَبِيعُ الماءِ والأَمْطَارِ، والثَّانِي: رَبِيعُ النَّبَاتِ لِأَنَّ فِيهِ يَنْتَهِي النَّبَاتُ مُنْتَهَاهُ. قالَ: والشِّتاءُ كُلُّهُ رَبِيعٌ عِنْدَ العَرَبِ لِأَجْل النَّدَى. وقالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الهُذَلِيّ يَصِفُ ظَبْيَةً:

بِهِ أَبَلَتْ شَهْرَيْ رَبِيعٍ كِلَيْهِما *** فقَدْ مَارَ فِيها نَسْؤُهَا واقْتِرارُهَا

«به» أَيْ بِهذَا المَكَانِ، أَبَلَتْ: جَزَأَتْ.

أَو السَّنَةُ عِنْدَ العَرَبِ سِتَّةُ أَزْمِنَةٍ: شَهْرَانِ منها الرَّبِيعُ الأَوَّلُ، وشَهْرَانِ صَيْفٌ، وشَهْرَانِ قَيْظٌ، وشَهْرَانِ الرَّبِيعُ الثّانِي، وشَهْرَانِ خَرِيفٌ، وشَهْرَان شِتَاءٌ، هكذا نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن أَبي الغَوْثِ. وأَنْشَدَ لِسَعْدِ بنِ مالك بنِ ضُبَيْعَةَ:

إِنَّ بَنِيَّ صِبْيَةٌ صَيْفِيُّونْ *** أَفْلَحَ مَنْ كانَ لَهُ رِبْعِيُّونْ

قالَ: فجَعَلَ الصَّيْفَ بَعْدَ الرَّبِيع الأَوّل.

وحَكَى الأَزْهَرِيّ عن أَبِي يَحْيَى بنِ كُنَاسَةَ في صِفَةِ أَزْمِنَةِ السَّنَةِ وفُصُولها ـ وكانَ عَلَّامَةً بِهَا ـ: أَنَّ السَّنَةَ أَرْبَعَةُ أَزْمِنَةٍ: الرَّبِيعُ الأَوَّلُ، وهو عِنْدَ العامَّةِ الخَرِيف، ثُمَّ الشِّتِاءُ، ثم الصَّيْفُ، وهو الرَّبِيعُ الآخِرُ، ثُمَّ القَيْظُ. وهذا كُلُه قَوْلُ العَرَبِ في البادِيَة، قالَ: والرَّبِيعُ [الأَول] الذي هو الخَرِيف عِنْدَ الفُرْس يَدْخُل لِثَلاثَةِ أَيّامٍ مِنْ أَيْلُولَ. قالَ: ويَدْخُلُ الشِّتاءُ لِثَلَاثَةِ أَيّامٍ مِنْ كَانُونَ الأَوّلِ، ويَدْخُل الصَّيْفُ الَّذِي هُوَ ـ الرَّبِيعُ عِنْدَ الفُرْسِ ـ لِخَمْسَةِ أَيّامٍ تَخْلُو مِن آذار. ويَدْخُلُ القَيْظُ ـ الَّذِي هو الصَّيْفُ عِنْدَ الفُرُسِ ـ لِأَرْبَعَةِ أَيّامٍ تَخْلُو مِن حَزِيرَانَ.

قال أَبو يَحْيَى: ورَبِيعُ أَهْلِ العِرَاق مُوافِقٌ لِرَبِيعِ الفُرْسِ، وهُوَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ الشِّتَاءِ، وهو زَمانُ الوَرْدِ، وهو أَعدَلُ الأَزْمِنَةِ. قال: وأَهْلُ العِرَاقِ يُمْطَرُونَ في الشِّتَاءِ كُلِّهِ، ويخْصِبُونَ في الرَّبِيعِ الَّذِي يَتْلُو الشِّتَاءِ. وأَمّا أَهْلُ اليَمَنِ فإِنَّهُمْ يُمْطَرُونَ في القَيْظِ ويُخْصِبُون فِي الخَرِيفِ الَّذِي تُسَمِّيهِ العَرَبُ الرَّبِيعَ الأَوَّل.

قالَ الأَزْهَرِيّ: وإِنَّمَا سُمِّيَ فَصْلُ الخَرِيفِ خَرِيفًا، لأَنَّ الثِّمَارَ تُخْتَرَفُ فِيهِ، وسَمَّتْهُ العَرَبُ رَبِيعًا، لوقُوعِ أَوَّل المَطَرِ فيه.

وِقالَ ابنُ السِّكِّيت: رَبِيعٌ رَابِعٌ، أَيْ مُخْصِبٌ، النِّسْبَةُ رَبْعِيٌّ، بالكَسْرِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، ومِنْهُ قَوْلُ سَعْدِ بنِ مالِكٍ الَّذِي تَقَدَّمَ:

أَفْلَحَ مَنْ كَانَ لَهُ رِبْعِيُّون

وِرِبْعِيُّ بنُ أَبِي رِبْعِيٍّ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: اسْمُ أَبِي رِبْعِيّ رَافِعُ بنُ الحَارِثِ بنِ زَيْدٍ بنِ حارِثَةَ البَلَوِيّ، حَلِيفُ الأَنْصَارِ، شَهِدَ بَدْرًا. ورِبْعِيُّ بنُ رَافِعٍ هو الَّذِي تَقَدَّم ذِكْرُهُ ورِبْعِيُّ بنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيّ بَدْرِيٌّ، ورِبْعِيٌّ الأَنْصَارِيّ الزُّرَقِيُّ، الصَّوابُ فِيه رَبِيعٌ: صَحَابِيُّون، رضي ‌الله‌ عنهم ورِبْعِيُّ بنُ حِرَاش: تابِعِيٌّ يُقَالُ: أَدْرَكَ الجَاهِلِيَّةَ، وأَكْثَرَ الصَّحَابَة، تَقَدَّمَ ذِكْرُه فِي «ح ر ش» وكَذا ذِكْرُ أَخَوَيْهِ مَسْعُود والرَّبِيع. رَوَى مَسْعُودٌ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ، وأَخُوه رَبِيعٌ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ بَعْدَ المَوْتِ، فكانَ الأَوْلَى ذِكْرَهُ عندَ أَخِيهِ، والتَّنْوِيهَ بشَأْنِهِ لأَجْلِ هذِه النُّكْتَةِ، وهو أَوْلَى مِن ذِكْرِ مِرْبَع بأَنَّه كانَ أَعْمَى مْنَافِقًا. فتَأَمَّلْ.

وِرِبْعِيَّةُ القَوْم: مِيرَتُهم أَوَّلَ الشِّتَاءِ، وقِيلَ: الرِّبْعِيَّة: مِيرَةُ الرَّبِيع، وهي أَوَّلُ المِيرِ، ثمّ الصَّيْفِيّةُ، ثمّ الدّفَئِيَّة، ثم الرَّمَضِيَّةُ.

وِجَمْعُ الرَّبَيعِ: أَرْبِعاءُ، وأَرْبِعَةٌ مِثْلُ: نَصِيبٍ، وأَنْصِبَاءَ، وأَنْصِبَةٍ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ ويُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى رِبَاعٍ، عَن أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ جَمْعُ رَبِيعِ الكَلإِ أَرْبِعَةٌ، وجَمْعُ رَبِيعِ الجَدَاوِلِ جَمْع جَدْولٍ، وهو النَّهْرُ الصَّغِيرُ، كما سَيَاتِي للمُصَنِّفِ أَرْبِعاءُ وهذا قَوْلُ ابن السِّكِّيت، كَما نَقَلَه الجَوْهَرِيّ، ومنه‌الحَدِيث: «أَنَّهُمْ كانُوا يُكْرُون الأَرْضَ بِما يَنْبُتُ عَلَى الأَرْبِعاءِ، فنُهِيَ عن ذلِكَ»؛ أَي كانوا يَشْتَرِطُونَ على مُكْتَرِيها ما يَنْبُتُ عَلَى الأَنْهَارِ والسَّوَاقِي. أَمّا إكْرَاؤُهَا بدَرَاهِم أَو طَعَامٍ مُسَمًّى، فَلا بَأْسَ بِذلِكَ. وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «أَنَّ أَحَدَهُمْ كَان يَشْتَرِطُ ثَلاثَةَ جَدَاوِلَ، والقُصارَةَ، وما سَقَى الرَّبِيع، فنُهُوا عَنْ ذلِكَ». وفي حَدِيثِ سَهْل بنِ سَعْدٍ: «كانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تأْخُذ من أُصُولِ سِلْقٍ كُنَّا نَغْرِسُه عَلَى أَرْبِعائِنا».

وِيَوْمُ الرَّبِيعِ: من أَيّام الأَوْسِ والخَزْرَج، نُسِبَ إِلَى مَوْضِع بالمَدِينَة من نَوَاحيها. قال قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ:

وِنَحْنُ الفَوارِسُ يومَ الرَّبِي *** عِ قد عَلِمْوا كيف فُرْسانُها

وِأَبو الرَّبِيعِ: كُنْيَةُ الهُدْهُدِ، لأَنَّهُ يَظْهَرُ بظُهُورِهِ، وكُنْيَةُ جَمَاعَةٍ من التّابِعِين والمُحَدِّثين، بَلْ وفي الصَّحَابَةِ رَجُلٌ اسْمُه أَبُو الرَّبِيعِ، وهو الَّذِي اشْتَكَى فعادَهُ النَّبِيُّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم وأَعْطَاهُ خَمِيصَةً. أَخْرَجَ حَدِيثَهُ النَّسَائِي.

ومن التّابِعِينَ: أَبُو الرَّبِيعِ المَدَنِيّ، حَدِيثُهُ في الكُوفيِّينَ، رَوَى عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، وعَنْه عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ.

ومِن المُحَدِّثِينَ: أَبُو الرَّبِيعِ المَهْرِيُّ الرِّشْدِينيّ، هو سُلَيْمَانُ بنُ دَاوودَ بنِ حَمّادِ بنِ عَبْدِ الله بن وَهْبٍ، رَوَى عَنْهُ أَبو دَاوودَ.

وأَبو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيّ، اسْمُه سُلَيْمَانُ بنُ داوودَ، عَنْ حَمّادِ بنِ زَيْدٍ، وعَنْهُ البُخَارِيّ ومُسْلِمٌ.

وأَبو الرَّبِيعِ السَّمَّان، اسْمُه أَشْعَثُ بنُ سَعِيد، رَوَى عَنْ عاصِمِ بنِ عُبَيْدٍ، وعَنْهُ وَكِيعٌ. ضَعَّفُوه.

وِالرَّبِيعُ، كَأَمِيرٍ: سَبْعَةٌ صَحابِيُّون، وهم: الرَّبِيعُ بنُ عَدِيِّ بنِ مالِكٍ الأَنْصَارِيّ، شَهِدَ أُحُدًا، قالَهُ ابنُ سَعْدٍ، والرَّبِيعُ ابنُ قارِبٍ العَبْسِيّ، لَهُ وِفَادَةٌ، ذَكَرَهُ الغَسّانِيّ، والرَّبِيعُ بنُ مُطَرِّفٍ التَّمِيمِيّ الشاعر، شَهِدَ فَتْحَ دِمَشقَ، والرَّبِيع بنُ النُّعْمَان بنِ يساف، قالَهُ العديّ، والرَّبِيع بن النُعْمانِ، أَنْصَارِيّ أُحُدِيٌّ، ذكره الأَشيريّ، والرَّبِيع بن سَهْل بن الحارِث الأَوْسِيّ الظَّفَرِىَّ، شَهد أُحُدًا، والرَّبِيع بن ضَبُعٍ الفَزَارِيّ، قالَهُ ابن الجَوْزِيّ، عاشَ ثلاثمِائةٍ وسِتَّينَ سَنَةً، منها سِتُّونَ في الإِسْلام، فهؤلاءِ السَّبْعَة الذين أَشار إِليهم.

وأَما الرَّبِيع بن مَحْمُود المَاردِينِيّ فإِنّه كَذّابٌ، ظَهَرَ في حُدُودِ سنة تِسْعٍ وتِسْعِين وخَمْسِمائة، وادَّعَى الصُّحْبَةَ، فَلْيُحْذَرْ منه.

وِالرَّبِيعُ: جَمَاعَةٌ مُحَدِّثون، منهم: الرَّبِيع بن حَبِيبٍ، عن الحَسَنِ، والرَّبِيع بنُ خَلَفٍ، عن شُعْبَةَ، والرَّبِيع بن مالِكٍ، شَيْخٌ لحَجّاجِ بنِ أَرْطاةَ، والرَّبِيعُ بنُ بَرَّةَ، عن الحَسَنِ، والرَّبِيعُ بنُ صُبَيْحٍ البَصْرِيّ والرَّبِيعُ بنُ خَطّافٍ الأَحْدَبُ، عن الحَسَنِ، والرّبِيعُ بنُ مُطَرِّف، والرَّبِيعُ بنُ إِسماعِيلَ، عن الجَعْدِيّ، والرَّبِيعُ بنِ خيظان عن الحَسَنِ، وغَيْر هؤلاءِ. والرَّبِيعُ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيّ: مُؤذِّنُ المَسْجِدِ الجَامِعِ بِالْفُسْطَاطِ، رَوَى عَنْ عَبْدِ الله بن يُوسُفَ التِّنِّيسِيّ، وأَبِي يَعْقُوبَ البُوَيْطِيّ، وعِنْهُ مُحْمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيّ، ومُحَمَّد بن هارُونَ الرويانيّ، والإِمامُ أَبو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ، وُلِدَ هو وإِسْمَاعِيلُ بنُ يَحْيَى في سَنَةِ مَائَةٍ وأَرْبعةٍ وسَبْعِينَ، وكانَ المُزَنِيُّ أَسَنَّ مِن الرَّبِيع بسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وماتَ سَنَةَ مَائَتَيْنِ وسَبْعِينَ، وصَلَّى عَلَيْه الأَمِيرُ خُمَارَوَيْه بنُ أَحْمَدَ [بنِ طُولُونَ]، كَذَا في حاشِيَةِ الإِكْمَال.

وِالرَّبِيعُ بنُ سُلَيْمَانَ أَبو مُحَمَّدٍ الجِيزِيُّ، رَوَى عَنْ أَصْبَغَ بنِ الفَرَجِ، وعَبْدِ الله بنِ الزُّبَيْرِ الحُميديّ، وعَنْهُ عَليُّ بن سِرَاجٍ المصْرِيّ، وأَبو الفَوَارِس أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ الشُّرُوطِيُّ: وأَبُو بَكْر الباغَنْديّ. قالَ ابنُ يُونُس: كانَ ثِقَةً، تُوَفِّيَ سنة مِائتَيْن وسِتَّةٍ وخَمْسِينَ: صَاحِبَا سَيِّدنا الإِمام الشَّافِعِيِّ رضي ‌الله‌ عنه.

قال أَبو عُمَرَ الكِنْدِيّ: الرَّبِيعُ بنُ سُلَيْمَانَ كانَ فَقِيهًا دَيِّنًا، رَأَى ابنَ وَهْبٍ، ولَمْ يُتْقِنِ السَّمَاعَ مِنْه، كَذا في ذَيْلِ الدِّيوان للذَّهَبِيّ.

قُلْتُ: وقَدْ حَدَّث وَلَدُهُ مُحَمَّد، وحَفِيدُهُ الرَّبِيعُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الرَّبِيعِ، وماتَ سَنَةَ ثِلاثِمَائَة واثْنَتَيْنِ وأَرْبَعِينَ، وقَدْ مَر ذِكْرُهم في «ج ي ز». والرَّبِيعُ: عَلَمٌ.

وِالرَّبِيعُ: المَطَرُ في الرَّبِيعِ، تَقُولُ مِنْهُ: رُبِعَتِ الأَرْضُ فهي مَرْبُوعَةٌ، كَما في الصّحاح. وقِيلَ: الرَّبِيعُ: المَطَرُ يَكُونُ بَعْدَ الوَسْمِيِّ، وبَعْدَه الصَّيِّف، ثُمَّ الحَمِيمُ.

وقال أَبو حَنِيفَة: والمَطَر عِنْدَهُمْ رَبِيعٌ مَتَى جاءَ، والجَمْعُ أَرْبِعَةٌ، ورِبَاعٌ.

وقالَ الأَزْهَرِيُّ: وسَمِعْتُ العَرَب يَقُولون ـ لأَوَّلِ مَطَرٍ يَقَعُ بالأَرْض أَيَّام الخَرِيفِ ـ: رَبِيعٌ، ويَقُولُون: إِذا وَقَعَ رَبِيعٌ بالأَرْضِ بَعَثْنَا الرُّوَّادَ، وانْتَجَعْنَا مَساقِطَ الغَيْثِ.

وِقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: الرَّبِيعُ: الحَظُّ من الماءِ للأَرضِ ما كانَ، وقِيلَ: هو الحَظُّ منه رُبْعَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ، ولَيْسَ بالقَوِيِّ.

يُقَالُ: لِفُلانٍ مِنْ وفي بَعْضِ النُّسَخ: فِي هذا الماءِ رَبِيعٌ أَيْ حَظٌّ.

وِالرَّبِيعُ: الجَدْوَلُ، وهو النَّهْرُ الصَّغِيرُ، وهو السَّعِيدُ أَيْضًا، وفي الحَدِيثِ: «فَعَدَلَ إِلَى الرَّبِيعِ، فَتَطَهَّرَ». وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «بِما يَنْبُتُ عَلَى رَبِيعِ السَّاقِي» هذا من إِضافَةِ المَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ، أَيْ النَّهْر الَّذِي يَسْقِي الزَّرْعَ، وأَنْشَدَ الأَصْمَعِيُّ قَوْلَ الشّاعِر:

فُوهُ رَبِيعٍ وكَفُّهُ قَدَحٌ *** وِبَطْنُهُ حِينَ يَتَّكِي شَرَبَهْ

يَسَّاقَطُ النّاسُ حَوْلَهُ مَرَضًا *** وِهْوَ صَحِيحٌ ما إِنْ بِهِ قَلَبَهْ

أَرادَ بِقَوْلهِ: فوهُ رَبِيعٌ، أَيْ نَهْرٌ، لكَثْرَة شُرْبِه، والجَمْع أَرْبِعاءُ.

وِالرَّبِيعَة، بهاءٍ: حَجَرٌ تُمْتَحَنُ بإِشالَتِهِ ويُجَرِّبُون به القُوَى، وقيلَ: الرَّبَيعَة: الحَجَرُ المَرْفوع، وقِيلَ: الَّذِي يُشالُ. قالَ الأَزْهَرِيّ: يُقَال ذلِكَ في الحَجَرِ خاصَّةً.

وِالرَّبِيعَةُ: بَيْضَةُ الحَدِيدِ، وأَنْشَدَ اللَّيْثُ:

رَبِيعَتُه تَلُوحُ لَدَى الهِياجِ

وِقالَ ابن الأَعْرَابِيّ: الرَّبِيعَة: الرَّوْضَة.

وِالرَّبِيعَةُ: المَزَادَة.

وِالرَّبِيعَة: العَتِيدَة.

وِالرَّبِيعَة: قرية، كَبِيرَةٌ بالصَّعِيدِ في أَقْصاه، لِبَنِي رَبِيعَةَ، سُمِّيَتْ بهم.

وِرَبِيعَة الفَرَسِ: هو ابن نِزارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ، أَبُو قبيلَةٍ، وإِنّما قِيلَ لَهُ: رَبِيعَة الفَرَسِ، لأَنَّه أُعْطِيَ مِن مِيراثِ أَبيهِ الخَيْلَ، وأُعْطَيَ أَخْوهُ مُضَرُ الذَّهَبَ، فسُمِّيَ مُضَرَ الحَمْراءِ، وأُعْطِيَ أَنْمَارٌ أَخوهُما الغَنَمَ، فسُمِّيَ أَنْمَارَ الشَّاةِ، وقد ذُكِر في «ح معروف ر» والنِّسْبَة إِلَى رَبِيعَةَ رَبَعِيُّ، مُحَرَّكَةً.

والمَنْسُوبِ هكَذَا عِدَّةٌ، قالَ الحافظُ: ومنهم: أَبُو بَكْرٍ الرَّبَعِيُّ، له جُزْءٌ سمِعْنَاه عاليًا.

وِفي عُقَيْلٍ رَبِيعَتان: رَبِيعَةُ بنُ عُقَيْلٍ، وهو أَبْو الخُلَعَاءِ الَّذِينَ تَقَدَّم دِكْرُهم قَرِيبًا في «خ ل ع» ورَبِيعَةُ بن عامِرِ بنِ عُقَيْلٍ، وهو أَبُو الأَبْرَصِ، وقُحافَةَ، وعَرْعَرَةَ، وقُرَّة، وهُمَا يُنْسَبان إِلى الرَّبِيعَتَيْن، كما في الصّحاح والعُبَاب.

قال الجَوْهَرِيّ: وفي تمِيمٍ رَبِيعَتانِ: الكبْرَى، وهِي، كَذا نَصُّ العُبَابِ، ونَصُّ الصّحاح: وهو رَبِيعَةُ بن مالِكِ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ بن تَمِيمٍ، وتُدْعَى، ونَصّ الصّحاح والعُبَاب: ويُلَقَّبُ رَبِيعَةَ الجُوعِ، والصُّغْرَى وهِيَ، كَذا نَصُّ العُبَاب، ونَصُّ الصّحاح: ورَبِيعَةُ الوُسْطى، وهي رَبِيعَةُ بنُ حَنْظَلَةَ بنِ مالِكِ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ بنِ تَمِيمٍ.

وَرَبِيعَة: أَبُو حَيٍّ مِن هَوازِنَ، وهو رَبِيعَةُ بنُ عامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ، قال الجَوْهَرِيّ: وهُمْ بَنو مَجْدَ، ومَجْدُ اسْم أُمّهم فنُسِبُوا إِلَيْهَا.

قُلْت: هي مَجْدُ بِنْتُ تَيْم بنِ غالِبِ بنِ فِهْرٍ، كما في مَعَارِفِ ابنِ قُتَيْبَةَ، نَقَلَهُ شَيْخَنَا.

وِرَبِيعَةُ: ثَلاثونَ صَحَابِيَّا رضي ‌الله‌ عنهم، وهُمْ: رَبِيعَة بن أَكْثم، ورَبِيعَة بن الحارِث الأَوسِيّ، ورَبِيعَة بن الحارِثِ الأَسْلَمِيّ، ورَبِيعَة بن الحارِثِ بن عَبْدِ المُطَّلِب، ورَبِيعَة ابن حُبَيْشٍ، ورَبِيعَة خادِم رَسُولِ الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم، ورَبِيعَة بن خِراش، ورَبِيعَةُ بن أَبِي خَرَشَةَ، ورَبِيعَةُ بن خُوَيْلد، وَرَبِيعَةُ بن رُفَيْعِ بن أَهْبَانِ، ورَبِيعَةُ بن رواء العَنْسِيّ، ورَبِيعَةُ بن رُفَيْعٍ يأْتِي ذكره في «ر ف ع» ورَبِيعَة بن رَوْحٍ، ورَبِيعَةُ بن زُرْعَةَ، ورَبِيعَةُ بن زِيادٍ، ورَبِيعَةُ بن سَعْدٍ، ورَبِيعَةُ بن السكّينِ ورَبِيعَة بن يَسارٍ، ورَبِيعَةُ بن شُرَحْبِيلَ، ورَبِيعَةُ بن عامِرٍ، ورَبِيعَةُ بن عِبَادٍ ورَبِيعَةُ بن عَبْدِ الله، ورَبِيعَةُ بن عُثْمَانَ، ورَبِيعَةُ ابن عَمْرٍو الثَّقَفِيُّ، ورَبِيعَةُ بن عَمْرٍو الجُهَنِيُّ، ورَبِيعَةُ ابن عَيْدانَ، ورَبِيعَةُ بن الفِرَاسِ، ورَبِيعَةُ بن الفَضْلِ، ورَبِيعَةُ بن قَيْسٍ، ورَبِيعَةُ بن كَعْبٍ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


28-لسان العرب (وطأ)

وطأ: وَطِئَ الشيءَ يَطَؤُهُ وَطْأً: داسَه.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَمّا وَطِئَ يَطَأُ فَمِثْلُ وَرِمَ يَرِمُ وَلَكِنَّهُمْ فَتَحُوا يَفْعَلُ، وأَصله الْكَسْرُ، كَمَا قَالُوا قرَأَ يَقْرَأُ.

وقرأَ بعضُهم: طَهْ مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى، بِتَسْكِينِ الْهَاءِ.

وَقَالُوا أَراد: طَإِ الأَرضَ بِقَدَمَيْكَ جَمِيعًا لأَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ إِحْدَى رِجْلَيْه فِي صَلاتِه.

قَالَ ابْنُ جِنِّي: فَالْهَاءُ عَلَى هَذَا بَدَلٌ مِنْ هَمْزَةِ طَأْ.

وتَوَطَّأَهُ ووَطَّأَهُ كَوَطِئَه.

قَالَ: وَلَا تَقُلْ تَوَطَّيْتُه.

أَنشد أَبو حَنِيفَةَ:

يَأْكُلُ مِنْ خَضْبٍ سَيالٍ وسَلَمْ، ***وجِلَّةٍ لَمَّا تُوَطِّئْها قَدَمْ

أَي تَطَأْها.

وأَوْطَأَه غيرَه، وأَوْطَأَه فَرَسَه: حَمَلَه عَلَيْهِ حَتَّى وَطِئَه.

وأَوْطَأْتُ فُلَانًا دابَّتي حَتَّى وَطِئَتْه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنّ رِعاءَ الإِبل ورِعاءَ الْغَنَمِ تَفاخَرُوا عِنْدَهُ فأَوْطَأَهم رِعاءَ الإِبل غَلَبَةً» أَي غَلَبُوهُم وقَهَرُوهم بالحُجّة.

وأَصله: أَنَّ مَنْ صارَعْتَه، أَو قاتَلْتَه، فَصَرَعْتَه، أَو أَثْبَتَّه، فَقَدْ وَطِئْتَه، وأَوْطَأْتَه غَيْرَك.

وَالْمَعْنَى أَنه جعلهم يُوطَؤُونَ قَهْرًا وغَلَبَةً.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رَضِيَ الله عنه، لَمَّا خَرَجَ مُهاجِرًا بَعْدَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «فَجَعَلْتُ أَتَّبِعُ مآخِذَ رسولِ الله»، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَطَأُ ذِكْرَه حَتَّى انتَهْيتُ إِلَى العَرْجِ.

أَراد: إِنِّي كنتُ أُغَطِّي خَبَره مِنْ أَوَّل خُروجِي إِلَى أَن بَلَغْتُ العَرْجَ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَكَنَى عَنِ التَّغْطِيةِ وَالْإِيهَامِ بالوَطْءِ، الَّذِي هُوَ أَبلغ فِي الإِخْفاءِ والسَّتْر.

وَقَدِ اسْتَوْطَأَ المَرْكَبَ أَي وجَده وَطِيئًا.

والوَطْءُ بالقَدَمِ والقَوائمِ.

يُقَالُ: وَطَّأْتُه بقَدَمِي إِذَا أَرَدْتَ بِهِ الكَثْرَة.

وبَنُو فُلَانٍ يَطَؤُهم الطريقُ أَي أَهلُ الطَريقِ، حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ.

قَالَ ابْنُ جِنِّي: فِيهِ مِن السَّعةِ إخْبارُكَ عَمَّا لَا يَصِحُّ وطْؤُه بِمَا يَصِحُّ وَطْؤُه، فَنَقُولُ قِياسًا عَلَى هَذَا: أَخَذْنا عَلَى الطريقِ الواطِئِ لِبَنِي فُلَانٍ، ومَررْنا بِقَوْمٍ مَوْطُوئِين بالطَّريقِ، وَيَا طَريقُ طَأْ بِنَا بَنِي فُلَانٍ أَي أَدِّنا إِلَيْهِمْ.

قَالَ: وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ إخْبارُكَ عَنِ الطَّريق بِمَا تُخْبِرُ بِهِ عَنْ سَالِكِيهِ، فَشَبَّهْتَه بِهِمْ إذْ كَانَ المُؤَدِّيَ لَهُ، فَكأَنَّه هُمْ، وأَمَّا التوكيدُ فِلأَنَّك إِذَا أَخْبَرْتَ عَنْهُ بوَطْئِه إِيَّاهم كَانَ أَبلَغَ مِن وَطْءِ سالِكِيه لَهُمْ.

وَذَلِكَ أَنّ الطَّريقَ مُقِيمٌ مُلازِمٌ، وأَفعالُه مُقِيمةٌ مَعَهُ وثابِتةٌ بِثَباتِه، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَهلُ الطَّرِيقِ لأَنهم قَدْ يَحْضُرُون فِيهِ وَقَدْ يَغِيبُون عَنْهُ، فأَفعالُهم أَيضًا حاضِرةٌ وقْتًا وغائبةٌ آخَرَ، فأَيْنَ هَذَا مِمَّا أَفْعالُه ثابِتةٌ مُسْتَمِرَّةٌ.

ولمَّا كَانَ هَذَا كَلَامًا الغرضُ فِيهِ المدحُ والثَّنَاءُ اخْتارُوا لَهُ أَقْوى اللَّفْظَيْنِ لأَنه يُفِيد أَقْوَى المَعْنَيَيْن.

اللَّيْثُ: المَوْطِئُ: الْمَوْضِعُ، وكلُّ شيءٍ يَكُونُ الفِعْلُ مِنْهُ عَلَى فَعِلَ يَفْعَلُ فالمَفْعَلُ مِنْهُ مَفْتُوحُ الْعَيْنِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ بَنَاتِ الْوَاوِ عَلَى بناءِ وَطِئَ يَطَأُ وَطْأً؛ وَإِنَّمَا ذَهَبَتِ الْوَاوُ مِن يَطَأُ، فَلَمْ تَثْبُتْ، كَمَا تَثْبُتُ فِي وَجِل يَوْجَلُ، لأَن وَطِئَ يَطَأُ بُني عَلَى تَوَهُّم فَعِلَ يَفْعِلُ مِثْلُ وَرِمَ يَرِمُ؛ غَيْرَ أَنَّ الحرفَ الَّذِي يَكُونُ فِي مَوْضِعِ اللَّامِ مِنْ يَفْعَلُ فِي هَذَا الحدِّ، إِذَا كَانَ مِنْ حُرُوفِ الحَلْقِ السِّتَّةِ، فَإِنَّ أَكثر ذَلِكَ عِنْدَ الْعَرَبِ مَفْتُوحٌ، وَمِنْهُ مَا يُقَرُّ عَلَى أَصل تأْسيسه مِثْلَ وَرِمَ يَرِمُ.

وأَمَّا وَسِعَ يَسَعُ ففُتحت لِتِلْكَ الْعِلَّةِ.

والواطِئةُ الَّذِينَ فِي الْحَدِيثِ هُمُ السابِلَةُ، سُمُّوا بِذَلِكَ لوَطْئِهم الطريقَ.

التَّهْذِيبُ: والوَطَأَةُ: هُمْ أَبْنَاءُ السَّبِيلِ مِنَ النَّاسِ، سُمُّوا وطَأَةً لأَنهم يَطَؤُون الأَرض.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه قَالَ للخُرَّاصِ احْتَاطوا لأَهْل الأَمْوالِ فِي النائِبة والواطِئةِ».

الواطِئةُ: المارَّةُ والسَّابِلةُ.

يَقُولُ: اسْتَظْهِرُوا لَهُمْ فِي الخَرْصِ لِما يَنُوبُهمْ ويَنْزِلُ

بِهِمْ مِنَ الضِّيفان.

وَقِيلَ: الواطِئَةُ سُقاطةُ التَّمْرِ تَقَعُ فتُوطَأُ بالأَقْدام، فَهِيَ فاعِلةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولةٍ.

وَقِيلَ: هِيَ مِنَ الوَطايا جَمْعُ وَطِيئةٍ؛ وَهِيَ تَجْري مَجْرَى العَرِيَّة؛ سُمِّيت بِذَلِكَ لأَنَّ صاحِبَها وطَّأَها لأَهله أَي ذَلَّلَها ومَهَّدها، فَهِيَ لَا تَدْخُلُ فِي الخَرْص.

وَمِنْهُ حَدِيثُ القَدَرِ:

وآثارٍ مَوْطُوءَةٍ أَي مَسْلُوكٍ عَلَيْها بِمَا سَبَقَ بِهِ القَدَرُ مِنْ خَيْر أَو شرٍّ.

وأَوطَأَه العَشْوةَ وعَشْوةً: أَرْكَبَه عَلَى غَيْرِ هُدًى.

يُقَالُ: مَنْ أَوطأَكَ عَشْوةً.

وأَوطَأْتُه الشيءَ فَوَطِئَه.

ووَطِئْنا العَدُوَّ بالخَيل: دُسْناهم.

وَوَطِئْنا العَدُوَّ وطْأَةً شَديدةً.

والوَطْأَةُ: مَوْضِعُ القَدَم، وَهِيَ أَيضًا كالضَّغْطةِ.

والوَطْأَةُ: الأَخْذَة الشَّديدةُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ» أَي خُذْهم أَخْذًا شَديدًا، وَذَلِكَ حِينَ كَذَّبوا النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعا علَيهم، فأَخَذَهم اللهُ بالسِّنِين.

وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

ووَطِئْتَنا وَطْأً، عَلَى حَنَقٍ، ***وَطْءَ المُقَيَّدِ نابِتَ الهَرْمِ

وَكَانَ حمّادُ بنُ سَلَمة يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ: اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْدَتَكَ عَلَى مُضَر.

والوَطْدُ: الإِثْباتُ والغَمْزُ فِي الأَرض.

ووَطِئْتُهم وَطْأً ثَقِيلًا.

وَيُقَالُ: ثَبَّتَ اللهُ وَطْأَتَه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «زَعَمَتِ المرأَةُ الصالِحةُ، خَوْلةُ بنْتُ حَكِيمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ، وَهُوَ مُحْتَضِنٌ أَحَدَ ابْنَي ابْنَتِه، وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّكُمْ لتُبَخِّلُون وتُجَبِّنُونَ، وإِنكم لَمِنْ رَيْحانِ اللَّهِ، وإنَّ آخِرَ وَطْأَةٍ وَطِئَها اللهُ بِوَجٍ، » أَي تَحْمِلُون عَلَى البُخْلِ والجُبْنِ والجَهْلِ، يَعْنِي الأَوْلاد، فإِنَّ الأَب يَبْخَل بإنْفاق مَالِهِ ليُخَلِّفَه لَهُمْ، ويَجْبُنُ عَنِ القِتال ليَعِيشَ لَهُمْ فيُرَبِّيَهُمْ، ويَجْهَلُ لأَجْلِهم فيُلاعِبُهمْ.

ورَيْحانُ اللهِ: رِزْقُه وعَطاؤُه.

ووَجٌّ: مِنَ الطائِف.

والوَطْءُ، فِي الأَصْلِ: الدَّوْسُ بالقَدَمِ، فسَمَّى بِهِ الغَزْوَ والقَتْلَ، لأَن مَن يَطَأُ عَلَى الشيءِ بِرجله، فقَدِ اسْتَقْصى فِي هَلاكه وإِهانَتِه.

وَالْمَعْنَى أَنَّ آخِرَ أَخْذةٍ ووقْعة أَوْقَعَها اللهُ بالكُفَّار كَانَتْ بِوَجٍّ، وَكَانَتْ غَزْوةُ الطائِف آخِرَ غَزَواتِ سَيِّدِنَا رَسولِ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغْزُ بعدَها إِلَّا غَزْوةَ تَبُوكَ، وَلَمْ يَكن فِيهَا قِتالٌ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: ووجهُ تَعَلُّقِ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا قَبْلَه مِن ذِكر الأَولاد أَنه إِشارةٌ إِلَى تَقْلِيل مَا بَقِيَ مِنْ عُمُره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَنَّى عَنْهُ بِذَلِكَ.

ووَطِئَ المرأَةَ يَطَؤُها: نَكَحَها.

ووَطَّأَ الشيءَ: هَيَّأَه.

الجوهريُّ: وطِئْتُ الشيءَ بِرجْلي وَطْأً، ووَطِئَ الرجُلُ امْرَأَتَه يَطَأُ: فِيهِمَا سقَطَتِ الواوُ مِنْ يَطَأُ كَمَا سَقَطَتْ مَنْ يَسَعُ لتَعَدِّيهما، لأَن فَعِلَ يَفْعَلُ، مِمَّا اعتلَّ فاؤُه، لَا يَكُونُ إِلَّا لَازِمًا، فَلَمَّا جَاءَا مِنْ بَيْنِ أَخَواتِهما مُتَعَدِّيَيْنِ خُولِفَ بِهِمَا نَظائرُهما.

وَقَدْ تَوَطَّأْتُه بِرجلي، وَلَا تَقُلْ تَوَطَّيْتُه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ جِبْرِيلَ صلَّى بِيَ العِشاءَ حينَ غَابَ الشَّفَقُ واتَّطَأَ العِشاءُ، وَهُوَ افْتَعَلَ مِنْ وَطَّأْتُه».

يُقَالُ: وطَّأْتُ الشيءَ فاتَّطَأَ أَي هَيَّأْتُه فَتَهَيَّأَ.

أَراد أَن الظَّلام كَمَلَ.

وواطَأَ بعضُه بَعْضًا أَي وافَقَ.

قَالَ وَفِي الْفَائِقِ: حِينَ غابَ الشَّفَقُ وأْتَطَى العِشاءُ.

قَالَ: وَهُوَ مِنْ قَوْلِ بَني قَيْسٍ لَمْ يَأْتَطِ الجِدَادُ، وَمَعْنَاهُ لَمْ يأْتِ حِينُه.

وَقَدِ ائْتَطَى يأْتَطي كَأْتَلى يَأْتَلي، بِمَعْنَى المُوافَقةِ والمُساعَفةِ.

قَالَ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَر أَنه افْتَعَلَ مِنَ الأَطِيطِ، لأَنّ العَتَمَةَ وقْتُ حَلْبِ الإِبل، وَهِيَ حِينَئِذٍ تَئِطُّ أَيْ تَحِنُّ إِلَى أَوْلادِها، فجعَل الفِعْلَ للعِشاءِ، وَهُوَ لَهَا اتِّساعًا.

ووَطَأَ الفَرَسَ وَطْأً ووَطَّأَهُ: دَمَّثه.

ووَطَّأَ الشيءَ: سَهَّلَه.

وَلَا تَقُلْ وَطَّيْتُ.

وَتَقُولُ: وطَّأْتُ لَكَ الأَمْرَ إِذَا هَيَّأْتَه.

ووَطَّأْتُ لَكَ الفِراشَ ووَطَّأْتُ لَكَ المَجْلِس تَوْطِئةً.

والوطيءُ مِنْ كلِّ شيءٍ: مَا سَهُلَ وَلَانَ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَقولون رَجُلٌ وَطِيءٌ ودابَّةٌ وَطِيئةٌ بَيِّنة الوَطاءَة.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَلا أُخْبِرُكم بأَحَبِّكم إلَيَّ وأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجالِسَ يومَ القيامةِ أُحاسِنُكم أَخْلاقًا المُوَطَّؤُونَ أَكْنافًا الذينَ يَأْلَفُون ويُؤْلَفون».

قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا مَثَلٌ وحَقيقَتُه مِنَ التَّوْطِئةِ، وَهِيَ التَّمهيِدُ والتَّذليلُ.

وفِراشٌ وطِيءٌ: لَا يُؤْذي جَنْبَ النائِم.

والأَكْنافُ: الجَوانِبُ.

أَراد الَّذِينَ جوانِبُهم وَطِيئةٌ يَتَمَكَّن فِيهَا مَن يُصاحِبُهم وَلَا يَتَأَذَّى.

وَفِي حَدِيثِ النِّساءِ: «ولَكُم عَلَيهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أَحَدًا تَكْرَهونه»؛ أي لَا يَأْذَنَّ لأَحِدٍ مِنَ الرِّجال الأَجانِب أَن يَدْخُلَ عليهنَّ، فَيَتَحَدَّث إليهنَّ.

وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عادةِ الْعَرَبِ لَا يَعُدُّونه رِيبَةً، وَلَا يَرَوْن بِهِ بأْسًا، فلمَّا نَزَلَتْ آيةُ الحِجاب نُهُوا عَنْ ذَلِكَ.

وشيءٌ وَطِيءٌ بَيِّنُ الوَطاءَةِ والطِّئَةِ والطَّأَةِ مِثْلُ الطِّعَةِ والطَّعَةِ، فالهاءُ عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ فِيهِمَا.

وَكَذَلِكَ دابَّةٌ وَطِيئةٌ بَيِّنةُ الوَطاءَةِ والطَّأَةِ، بِوَزْنِ الطَّعَةِ أَيضًا.

قَالَ الْكُمَيْتُ:

أَغْشَى المَكارِهَ، أَحْيانًا، ويَحْمِلُنِي ***مِنْهُ عَلَى طَأَةٍ، والدَّهْرُ ذُو نُوَبِ

أَي عَلَى حالٍ لَيِّنةٍ.

وَيُرْوَى عَلَى طِئَةٍ، وَهُمَا بِمَعْنًى.

والوَطِيءُ: السَّهْلُ مِنَ الناسِ والدَّوابِّ والأَماكِنِ.

وَقَدْ وَطُؤَ الموضعُ، بِالضَّمِّ، يَوْطُؤُ وطَاءَةً وَوُطُوءَةً وطِئةً: صَارَ وَطِيئًا.

ووَطَّأْتُه أَنا تَوطِئةً، وَلَا تَقُلْ وَطَّيْته، وَالِاسْمُ الطَّأَة، مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ.

قَالَ: وأَمَّا أَهل اللُّغَةِ، فَقَالُوا وَطِيءٌ بَيِّنُ الطَأَة والطِّئَةِ.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: دابَّةٌ وَطِيءٌ بَيِّنُ الطَّأَةِ، بِالْفَتْحِ، ونَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ طِئةِ الذَّلِيلِ، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَعْنَاهُ مِنْ أَن يَطَأَني ويَحْقِرَني، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَطُؤَتِ الدابَّةُ وَطْأً، عَلَى مِثَالِ فَعْلٍ، ووَطَاءَةً وطِئةً حسَنةً.

وَرَجُلٌ وَطِيءُ الخُلُقِ، عَلَى الْمَثَلِ، وَرَجُلٌ مُوَطَّأُ الأَكْنافِ إِذَا كَانَ سَهْلًا دَمِثًا كَريمًا يَنْزِلُ بِهِ الأَضيافُ فيَقْرِيهم.

ابْنُ الأَعرابي: الوَطِيئةُ: الحَيْسةُ، والوَطَاءُ والوِطَاءُ: مَا انْخَفَضَ مِنَ الأَرض بَيْنَ النّشازِ والإِشْرافِ، والمِيطَاءُ كَذَلِكَ.

قَالَ غَيْلانُ الرَّبَعي يَصِفُ حَلْبَةً:

أَمْسَوْا، فَقادُوهُنَّ نحوَ المِيطَاءْ، ***بِمائَتَيْنِ بِغلاءِ الغَلَّاءْ

وَقَدْ وَطَّأَها اللهُ.

وَيُقَالُ: هَذِهِ أَرضٌ مُسْتَوِيةٌ لَا رِباءَ فِيهَا وَلَا وِطَاءَ أَي لَا صُعُودَ فِيهَا وَلَا انْخفاضَ.

وواطَأَه عَلَى الأَمر مُواطأَةً: وافَقَه.

وتَواطَأْنا عَلَيْهِ وتَوطَّأْنا: تَوافَقْنا.

وَفُلَانٌ يُواطِئُ اسمُه اسْمِي.

وتَواطَؤُوا عَلَيْهِ: تَوافَقُوا.

وَقَوْلُهُ تعالى: {لِيُواطِؤُا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ}؛ هُوَ مِنْ وَاطَأْتُ.

وَمِثْلُهَا قَوْلُهُ تعالى: {إِنَّ ناشِئةَ الليلِ هِيَ أَشَدُّ وطَاءً}، بِالْمَدِّ: مُواطأَةً.

قَالَ: وَهِيَ المُواتاةُ أَي مُواتاةُ السمعِ والبصرِ إيَّاه.

وقُرئَ أَشَدُّ وَطْئًا"""" أَي قِيامًا.

التَّهْذِيبُ: قرأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عامرٍ وِطَاءً، بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمَدِّ وَالْهَمْزِ، مِنَ المُواطأَةِ والمُوافقةِ.

وقرأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ والكسائي: وَطْئًا، بِفَتْحِ الْوَاوِ سَاكِنَةَ الطَّاءِ مَقْصُورَةً مَهْمُوزَةً، وَقَالَ الفرَّاءُ: معنى هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا، يَقُولُ: هِيَ أَثْبَتُ قِيامًا.

قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَشَدُّ وَطْئًا

أَي أَشَدُّ عَلَى المُصَلِّي مِنْ صلاةِ النَّهَارِ، لأَنَّ الليلَ لِلنَّوْمِ، فَقَالَ هِيَ، وإِن كَانَتْ أَشَدَّ وَطْأً، فَهِيَ أَقْوَمُ قِيلًا.

وقرأَ بعضُهم: هِيَ أَشَدُّ وِطَاءً، عَلَى فِعالٍ، يُرِيدُ أَشَدُّ عِلاجًا ومُواطَأَةً.

وَاخْتَارَ أَبو حَاتِمٍ: أَشَدُّ وِطاءً، بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ.

وَحَكَى الْمُنْذِرِيُّ: أَنَّ أَبا الْهَيْثَمِ اخْتَارَ هَذِهِ القراءَة وَقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّ سَمْعَه يُواطِئُ قَلْبَه وبَصَرَه، ولِسانُه يُواطِئُ قَلْبَه وِطاءً.

يُقَالُ واطَأَني فُلَانٌ عَلَيَّ الأَمرِ إِذَا وافَقَكَ عَلَيْهِ لَا يَشْتَغِلُ القلبُ بِغَيْرِ مَا اشْتَغَلَ بِهِ السَّمْعُ، هَذَا واطأَ ذاكَ وذاكَ واطَأَ هَذَا؛ يُرِيدُ: قِيامَ الليلِ والقراءةَ فِيهِ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هِيَ أَشدُّ وِطَاءً لِقِلَّةِ السَّمْعِ.

ومنْ قَرأَ وَطْئًا"""" فَمَعْنَاهُ هِيَ أَبْلغُ فِي القِيام وأَبْيَنُ فِي الْقَوْلِ.

وَفِي حديثِ ليلةِ القَدْرِ: أَرَى رُؤْياكم قَدْ تَواطَتْ فِي العَشْرِ الأَواخِر.

قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رُوِيَ بِتَرْكِ الْهَمْزِ، وَهُوَ مِنَ المُواطأَةِ، وحقيقتُه كأَنّ كُلًا مِنْهُمَا وَطئَ مَا وَطِئَه الآخَرُ.

وتَوَطَّأْتُهُ بقَدَمِي مِثْلُ وَطِئْتُه.

وَهَذَا مَوْطِئُ قَدَمِك.

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَا نَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطَإٍ» أَي مَا يُوطَأُ مِنَ الأَذَى فِي الطَّرِيقِ، أَراد لَا نُعِيدُ الوُضوءَ مِنْهُ، لَا أَنهم كَانُوا لَا يَغْسِلُونه.

والوِطاءُ: خلافُ الغِطاء.

والوَطِيئَةُ: تَمْرٌ يُخْرَجُ نَواه ويُعْجَنُ بلَبَنٍ.

والوَطِيئَةُ: الأَقِطُ بالسُّكَّرِ.

وَفِي الصِّحَاحِ: الوَطِيئَةُ: ضَرْب مِنَ الطَّعام.

التَّهْذِيبُ: والوَطِيئةُ: طَعَامٌ لِلْعَرَبِ يُتَّخَذُ مِنَ التَّمْرِ.

وَقَالَ شِمْرٌ قَالَ أَبو أَسْلَمَ: الوَطِيئةُ: التَّمْرُ، وَهُوَ أَن يُجْعَلَ فِي بُرْمةٍ ويُصَبَّ عَلَيْهِ الماءُ والسَّمْنُ، إِنْ كَانَ، وَلَا يُخْلَطُ بِهِ أَقِطٌ، ثُمَّ يُشْرَبُ كَمَا تُشْرَبُ الحَسَيَّةُ.

وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الوَطِيئةُ مِثْلُ الحَيْسِ: تَمرٌ وأَقِطٌ يُعْجنانِ بِالسَّمْنِ.

الْمُفَضَّلُ: الوَطِيءُ والوَطيئةُ: العَصِيدةُ الناعِمةُ، فَإِذَا ثَخُنَتْ، فَهِيَ النَّفِيتةُ، فَإِذَا زَادَتْ قَلِيلًا، فَهِيَ النَّفِيثةُ بالثاءِ، فَإِذَا زَادَتْ، فَهِيَ اللَّفِيتةُ، فَإِذَا تَعَلَّكَتْ، فَهِيَ العَصِيدةُ.

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَتَيْناهُ بوَطِيئةٍ»، هِيَ طَعامٌ يُتَّخَذُ مِن التَّمْرِ كالحَيْسِ.

يروى بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَقِيلَ هُوَ تَصْحِيفٌ.

والوَطِيئة، عَلَى فَعِيلةٍ: شيءٌ كالغِرارة.

غَيْرُهُ: الوَطِيئةُ: الغِرارةُ يَكُونُ فِيهَا القَدِيدُ والكَعْكُ وغيرُه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «فأَخْرَجَ إِلَيْنَا ثلاثَ أُكَلٍ مِنْ وَطِيئةٍ»؛ أَي ثلاثَ قُرَصٍ مِنْ غِرارةٍ.

وَفِي حَدِيثِ عَمَّار أَنّ رَجُلًا وَشَى بِهِ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِن كَانَ كَذَبَ»، فاجعلْهُ مُوَطَّأَ العَقِب أَي كَثِيرَ الأَتْباعِ، دَعا عَلَيْهِ بأَن يَكُونَ سُلطانًا، ومُقَدَّمًا، أَو ذَا مالٍ، فيَتْبَعُه الناسُ وَيَمْشُونَ وَراءَه.

ووَاطأَ الشاعرُ فِي الشِّعر وأَوْطَأَ فِيهِ وأَوطَأَه إِذَا اتَّفقت لَهُ قافِيتانِ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، فَإِنِ اتَّفَق اللفظُ واخْتَلف المَعنى، فَلَيْسَ بإيطاءٍ.

وَقِيلَ: واطَأَ فِي الشِّعْر وأَوْطَأَ فِيهِ وأَوْطَأَه إِذَا لَمْ يُخالِفْ بَيْنَ القافِيتين لَفْظًا وَلَا مَعْنًى، فَإِنْ كَانَ الاتفاقُ بِاللَّفْظِ والاختلافُ بِالْمَعْنَى، فَلَيْسَ بِإيطاءٍ.

وَقَالَ الأَخفش: الإِيطَاءُ رَدُّ كَلِمَةٍ قَدْ قَفَّيْتَ بِهَا مَرَّةً نَحْوُ قافيةٍ عَلَى رجُل وأُخرى عَلَى رجُل فِي قَصِيدَةٍ، فَهَذَا عَيْبٌ عِنْدَ الْعَرَبِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَقَدْ يَقُولُونَهُ مَعَ ذَلِكَ.

قَالَ النَّابِغَةُ:

أوْ أَضَعَ البيتَ فِي سَوْداءَ مُظْلِمةٍ، ***تُقَيِّدُ العَيْرَ، لَا يَسْري بِهَا السَّارِي

ثُمَّ قَالَ:

لَا يَخْفِضُ الرِّزَّ عَنْ أَرْضٍ أَلمَّ بِهَا، ***وَلَا يَضِلُّ عَلَى مِصْباحِه السَّارِي

قَالَ ابْنُ جِنِّي: ووجْهُ اسْتِقْباحِ الْعَرَبِ الإِيطَاءَ أَنه دالٌّ عِنْدَهُمْ عَلَى قِلّة مَادَّةِ الشَّاعِرِ ونزَارة مَا عِنْدَهُ، حَتَّى يُضْطَرّ إِلَى إِعادةِ القافيةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْقَصِيدَةِ بِلَفْظِهَا وَمَعْنَاهَا، فيَجْري هَذَا عِنْدَهُمْ، لِما ذَكَرْنَاهُ، مَجْرَى العِيِّ والحَصَرِ.

وأَصله: أَن يَطَأَ الإِنسانُ فِي طَرِيقِهِ عَلَى أَثَرِ وَطْءٍ قَبْلَهُ، فيُعِيد الوَطْءَ عَلَى ذلِك الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ إعادةُ القافيةِ هِيَ مِن هَذَا.

وَقَدْ أَوطَأَ ووَطَّأَ وأَطَّأَ فأَطَّأَ، عَلَى بَدَلَ الْهَمْزَةِ مِنَ الْوَاوِ كَوناةٍ وأَناةٍ وآطَأَ، عَلَى إِبْدَالِ الأَلف مِنَ الْوَاوِ كَياجَلُ فِي يَوْجَلُ، وغيرُ ذَلِكَ لَا نَظَرَ فِيهِ.

قَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: الإِيطاءُ لَيْسَ بعَيْبٍ فِي الشِّعر عِنْدَ الْعَرَبِ، وَهُوَ إِعادة القافيةِ مَرَّتين.

قَالَ اللَّيْثُ: أُخِذ مِنَ المُواطَأَةِ وَهِيَ المُوافَقةُ عَلَى شيءٍ وَاحِدٍ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ سَلام الجُمَحِيِّ أَنه قَالَ: إِذَا كثُر الإِيطاءُ فِي قَصِيدَةٍ مَرَّاتِ، فَهُوَ عَيْبٌ عِنْدَهُمْ.

أَبو زَيْدٍ: ايتَطَأَ الشَّهْرُ، وَذَلِكَ قَبْلَ النِّصف بِيَوْمٍ وَبَعْدَهُ بيوم، بوزن ايتَطَعَ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


29-لسان العرب (جعظر)

جَعْظَرَ: الجِعْظارُ والجِعْظارَةُ، بِكَسْرِ الْجِيمِ، والجِعِنْظار، كُلُّهُ: الْقَصِيرُ الرِّجْلَيْنِ الْغَلِيظُ الْجِسْمِ، فإِذا كَانَ مَعَ غِلَظِ جِسْمِهِ أَكولًا قَوِيًّا سُمِّيَ جَعْظَرِيًّا؛ وَقِيلَ: الجعْظارُ الْقَلِيلُ الْعَقْلِ، وَهُوَ أَيضًا الَّذِي يَنْتَفِخُ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ مَعَ قِصَرٍ، وأَيضًا الَّذِي لَا يَأْلَمُ رَأْسُه، وقيل: هو الأَكول السَّيِءُ الخُلُقِ الَّذِي يَتَسَخَّطُ عِنْدَ الطَّعَامِ.

والجَعْظَرِيّ: الْقَصِيرُ الرِّجْلَيْنِ الْعَظِيمُ الْجِسْمِ مَعَ قُوَّةٍ وَشِدَّةِ أَكل.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الجَعْظَرِيُّ الْمُتَكَبِّرُ الْجَافِي عَنِ الْمَوْعِظَةِ؛ وَقَالَ مُرَّةُ: هُوَ الْقَصِيرُ الْغَلِيظُ.

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الجَعْظَرِيُّ الفَظُّ الْغَلِيظُ.

الْفَرَّاءُ: الجَظُّ والجَوَّاظ الطَّوِيلُ الْجِسْمِ الأَكول الشَّرُوبُ البَطِرُ الكَفُورُ؛ قَالَ: وَهُوَ الجِعْظارُ أَيضًا، والجَعْظَرِيُّ مِثْلُهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَلا أُخبركم بأَهل النَّارِ؟ كُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مَنَّاعٍ جَمَّاعٍ»؛ الجَعْظَرِيُّ: الفَظُّ الْغَلِيظُ الْمُتَكَبِّرُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَنْتَفِخُ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخرى: هُمُ الذين لا تُصَدَّعُ رؤوسهم.

الأَزهري: الجَعْظَريُّ الطَّوِيلُ الْجِسْمِ الأَكول الشروب البَطِرُ الكافر، وَهُوَ الجِعْظارَةُ والجِعْظارُ.

قَالَ: وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الجَعْظَريُّ الْقَصِيرُ السَّمِينُ الأَشِرُ الْجَافِي عن الموعظة.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


30-لسان العرب (حقق)

حقق: الحَقُّ: نَقِيضُ الْبَاطِلِ، وَجَمْعُهُ حُقوقٌ وحِقاقٌ، وَلَيْسَ لَهُ بِناء أَدْنَى عدَد.

وَفِي حَدِيثِ التَّلْبِيَةِ: «لبَّيْك حَقًّا حَقًّا أَيْ غَيْرَ بَاطِلٍ»، وَهُوَ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِغَيْرِهِ أَيْ أَنَّهُ أكَد بِهِ مَعْنَى ألزَم طاعتَك الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَبَّيْكَ، كَمَا تَقُولُ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ حَقًّا فتؤَكِّد بِهِ وتُكرِّرُه لِزِيَادَةِ التأْكيد، وتَعَبُّدًا مَفْعُولٌ لَهُ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: لَحَقُّ أَنَّهُ ذَاهِبٌ بِإِضَافَةِ حَقٍّ إِلَى أَنَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ: لَيقِينُ ذَاكَ أمرُك، وَلَيْسَتْ فِي كَلَامِ كُلِّ الْعَرَبِ، فَأَمْرُكَ هُوَ خَبَرُ يقينُ لأَنه قَدْ أَضَافَهُ إِلَى ذَاكَ وَإِذَا أَضَافَهُ إِلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْهُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: سَمِعْنَا فُصَحَاءَ الْعَرَبِ يَقُولُونَهُ، وَقَالَ الأَخفش: لَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنَ الْعَرَبِ إِنَّمَا وَجَدْنَاهُ فِي الْكِتَابِ وَوَجْهُ جوازِه، عَلَى قِلَّته، طُولُ الْكَلَامِ بِمَا أُضِيفَ هَذَا الْمُبْتَدَأُ إِلَيْهِ، وَإِذَا طَالَ الْكَلَامُ جَازَ فِيهِ من الحذف ما لا يَجُوزُ فِيهِ إِذَا قصُر، أَلَا تَرَى إِلَى مَا حَكَاهُ الْخَلِيلُ عَنْهُمْ: مَا أَنَا بِالَّذِي قَائِلٌ لَكَ شَيْئًا؟ وَلَوْ قُلْتَ: مَا أَنَّا بِالَّذِي قَائِمٌ لقَبُح.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ}؛ قَالَ أَبُو إسحق: الْحَقُّ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَتَى بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ}.

وحَقَّ الأَمرُ يَحِقُّ ويَحُقُّ حَقًّا وحُقوقًا: صَارَ حَقًّا وثَبت؛ قَالَ الأَزهري: مَعْنَاهُ وجَب يَجِب وجُوبًا، وحَقَّ عَلَيْهِ القولُ وأحْقَقْتُه أَنَا.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ}؛ أَيْ ثَبَتَ، قَالَ الزَّجَّاجُ: هُمُ الجنُّ وَالشَّيَاطِينُ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ}؛ أَيْ وَجَبَتْ وَثَبَتَتْ، وَكَذَلِكَ: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ؛ وحَقَّه يَحُقُّه حَقًّا وأحَقَّه، كِلَاهُمَا: أَثْبَتَهُ وَصَارَ عنده حقًّا لا يشكُّ فِيهِ.

وأحقَّه: صَيَّرَهُ حَقًّا.

وحقَّه وحَقَّقه: صدَّقه؛ وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: صدَّق قائلَه.

وحقَّق الرجلُ إِذَا قَالَ هَذَا الشَّيْءُ هُوَ الحقُّ كَقَوْلِكَ صدَّق.

وَيُقَالُ: أحقَقْت الأَمر إِحْقَاقًا إِذَا أَحْكَمْتَهُ وصَحَّحته؛ وَأَنْشَدَ:

قَدْ كنتُ أوْعَزْتُ إِلَى العَلاء ***بأنْ يُحِقَّ وذَمَ الدِّلاء

وحَقَّ الأَمرَ يحُقُّه حَقًّا وأحقَّه: كَانَ مِنْهُ عَلَى يَقِينٍ؛ تَقُولُ: حَقَقْت الأَمر وأحْقَقْته إِذَا كُنْتَ عَلَى يَقِينٍ مِنْهُ.

وَيُقَالُ: مَا لِي فِيكَ حقٌّ وَلَا حِقاقٌ أَيْ خُصومة.

وحَقَّ حَذَرَ الرَّجُلِ يَحُقُّه حَقًّا وحَقَقْتُ حذَره وأحقَقْته أَيْ فَعَلْتُ مَا كَانَ يَحذَره.

وحقَقْت الرَّجُلَ وأحقَقْته إِذَا أتيتَه؛ حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ.

قَالَ الأَزهري: وَلَا تَقُلْ حَقَّ حذَرَك، وَقَالَ: حقَقْت الرَّجُلَ وأحقَقْته إِذَا غلَبته عَلَى الْحَقِّ وأثبَتَّه عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وحقَّه عَلَى الْحَقِّ وأحقَّه غلبَه عَلَيْهِ، واستَحقَّه طلَب مِنْهُ حقَّه.

واحْتَقّ القومُ: قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: الحقُّ فِي يَدِي.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قُرَّاء الْقُرْآنِ: «مَتَى مَا تَغْلوا فِي الْقُرْآنِ تَحْتَقُّوا، يَعْنِي المِراء فِي الْقُرْآنِ، وَمَعْنَى تحتقُّوا تَخْتَصِمُوا فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: الحقُّ بِيَدِي»وَمَعِي؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ الحَضانةِ: " فجاءَ رَجُلَانِ يَحْتَقّانِ فِي ولَد "أَيْ يختصِمان ويطلُب كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّهُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «مَنْ يحاقُّني فِي وَلَدِي؟ وَحَدِيثُ وهْب: كَانَ فِيمَا كلَّم اللَّهُ أيُّوبَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أتحاقُّني بِخِطْئِك»؛ وَمِنْهُ كِتَابُهُ لحُصَين: إنَّ لَهُ كَذَا وَكَذَا لَا يُحاقُّه فِيهَا أَحَدٌ.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّهُ خَرَجَ فِي الْهَاجِرَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ: مَا أَخْرَجَكَ؟ قَالَ: مَا أَخْرَجَنِي إِلَّا مَا أجِدُ مِنْ حاقِّ الجُوع أَيْ صادِقه وشدَّته»، وَيُرْوَى بِالتَّخْفِيفِ مِنْ حاقَ بِهِ يَحِيقُ حَيْقًا وَحَاقًا إِذَا أَحْدَقَ بِهِ، يُرِيدُ مِنَ اشْتِمَالِ الْجُوعِ عَلَيْهِ، فَهُوَ مَصْدَرٌ أَقَامَهُ مُقَامَ الِاسْمِ، وَهُوَ مَعَ التَّشْدِيدِ اسْمُ فَاعِلٍ مَنْ حقَّ يَحِقُّ.

وَفِي حَدِيثِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ: «وتَحْتَقُّونها إِلَى شَرَقِ الموتَى»أَيْ تضيِّقُون وقتَها إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ.

يُقَالُ: هُوَ فِي حاقٍّ مِنْ كَذَا أَيْ فِي ضِيقٍ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رَوَاهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وشرَحه، قَالَ: وَالرِّوَايَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ.

وَالْحَقُّ: مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقِيلَ مِنْ صِفَاتِهِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الْمَوْجُودُ حَقِيقَةً المُتحققُ وُجُودُهُ وإلَهِيَّتُه.

والحَق: ضِدُّ الْبَاطِلِ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ}.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ}؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: الْحَقُّ هُنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ هُنَا التَّنْزِيلَ أَيْ لو كن الْقُرْآنُ بِمَا يحِبُّونه لفَسَدت السمواتُ والأَرضُ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ}؛ مَعْنَاهُ جاءَت السكرةُ الَّتِي تَدُلُّ الإِنسان أَنَّهُ مَيِّتٌ بالحقِّ بِالْمَوْتِ الَّذِي خُلق لَهُ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الحقِ أي بِالْمَوْتِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَقِيلَ: الْحَقُّ هُنَا اللَّهُ تَعَالَى.

وقولٌ حقٌّ: وُصِف بِهِ، كَمَا تَقُولُ قولٌ بَاطِلٌ.

وقال الليحاني: وَقَوْلُهُ تعالى: {ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِ}، إِنَّمَا هُوَ عَلَى إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ؛ قَالَ الأَزهري: رَفَعَ الْكِسَائِيُّ الْقَوْلَ وَجَعَلَ الْحَقَّ هُوَ اللَّهَ، وَقَدْ نصَب قولَ قومٌ مِنَ الْقُرَّاءِ يُرِيدُونَ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلًا حَقًّا، وَقَرَأَ مَنْ قَرَأَ: فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ" بِرَفْعِ الْحَقِّ الأَول فَمَعْنَاهُ أَنَا الحقُّ.

وَقَالَ الفراءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ}، قَرَأَ الْقُرَّاءُ الأَول بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، رُوِيَ الرَّفْعُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، الْمَعْنَى فالحقُّ مِنِّي وَأَقُولُ الحقَّ، وَقَدْ نَصَبَهُمَا مَعًا كَثِيرٌ مِنَ القُرَّاء، مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الأَول عَلَى مَعْنَى الحقَّ لأَمْلأَنَّ، ونَصب الثَّانِي بِوُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَمِنْ قَرَأَ" فالحقَّ وَالْحَقَّ أَقُولُ "بِنَصْبِ الْحَقِّ الأَول، فَتَقْدِيرُهُ فأحُقُّ الْحَقَّ حَقًّا؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: تَقْدِيرُهُ فَأَقُولُ الحقَّ حَقًّا؛ وَمَنْ قَرَأَ" فالحقِ، أَرَادَ فَبِالْحَقِّ وَهِيَ قَلِيلَةٌ لأَن حُرُوفَ الْجَرِّ لا تُضْمَرُ.

وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ}، فَالنَّصْبُ فِي الْحَقِّ جَائِزٌ يُرِيدُ حَقًّا أَيْ أُحِقُّ الحقَّ وأحُقُّه حَقًّا، قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ خَفَضْتَ الْحَقَّ فَجَعَلْتَهُ صِفَةً لِلَّهِ، وَإِنْ شِئْتَ رَفَعْتَهُ فَجَعَلْتَهُ مِنْ صِفَةِ الْوَلَايَةِ هُنَالِكَ الولايةُ الحقُّ لِلَّهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الحقَ أَيْ رُؤْيَا صَادِقَةً لَيْسَتْ مِنْ أضْغاث الأَحْلام، وَقِيلَ: فَقَدْ رَآنِي حَقِيقَةً غَيْرَ مُشَبَّهٍ».

وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: أمِينًا حقَّ أمِينٍ "أَيْ صِدْقًا، وَقِيلَ: وَاجِبًا ثَابِتًا لَهُ الأَمانةُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «أتدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ»أَيْ ثوابُهم الَّذِي وعدَهم بِهِ فَهُوَ واجبُ الإِنْجازِ ثَابِتٌ بوعدِه الحقِّ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «الحقُّ بَعْدِي مَعَ عُمَرَ.

ويَحُقُّ عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا: يَجِبُ، وَالْكَسْرُ لُغَةٌ، ويَحُقُّ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ ويَحُقُّ لَكَ تَفْعل؛ قَالَ:

يَحُقُّ لِمَنْ أَبُو موسَى أَبُوه ***يُوَفِّقُه الَّذِي نصَب الجِبالا

وَأَنْتَ حَقيِقٌ عَلَيْكَ ذَلِكَ وحَقيِقٌ عليَّ أَن أَفعله؛ قَالَ شَمِرٌ: تَقُولُ الْعَرَبُ حَقَّ عليَّ أَن أَفعلَ ذَلِكَ وحُقَّ، وإِني لمَحْقُوق أَن أَفعل خَيْرًا، وَهُوَ حَقِيق بِهِ ومَحقُوق بِهِ أَي خَلِيق لَهُ، وَالْجَمْعُ أَحِقاء ومَحقوقون.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: حُقَّ لَكَ أَن تَفْعَلَ ذَلِكَ وحَقَّ، وإِني لَمَحْقُوقٌ أَن أَفعل كَذَا، فإِذا قُلْتَ حُقَّ قُلْتَ لَكَ، وَإِذَا قُلْتَ حَقَّ قُلْتَ عَلَيْكَ، قَالَ: وَتَقُولُ يَحِقُّ عَلَيْكَ أَن تَفْعَلَ كَذَا وحُقَّ لَكَ، وَلَمْ يَقُولُوا حَقَقْتَ أَن تَفْعَلَ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ}؛ أَي وحُقَّ لَهَا أنَ تَفْعَلَ.

وَمَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ حَقَّ عَلَيْكَ أَن تَفْعَلَ وجَب عَلَيْكَ.

وَقَالُوا: حَقٌّ أَن تَفْعَلَ وحَقِيقٌ أَن تَفْعَلَ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {حَقِيقٌ عَلى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَ}.

وحَقِيقٌ فِي حَقَّ وحُقَّ، فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعول، كَقَوْلِكَ أَنت حَقِيق أَن تَفْعَلَهُ أَي مَحْقُوقٌ أَن تَفْعَلَهُ، وَتَقُولَ: أَنت مَحْقوق أَن تَفْعَلَ ذَلِكَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " قَصِّرْ فإِنَّكَ بالتَّقْصِير مَحْقوق وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا}.

وَيُقَالُ للمرأَة: أَنت حقِيقة لِذَلِكَ، يَجْعَلُونَهُ كَالِاسْمِ، وَأَنت مَحْقوقة لِذَلِكَ، وأَنت مَحْقوقة أَن تَفْعَلِي ذَلِكَ؛ وأَما قَوْلُ الأَعشى:

وإِنَّ امْرَأً أَسْرى إِليكِ، ودونَه ***مِنَ الأَرضِ مَوْماةٌ ويَهْماء سَمْلَقُ

لَمَحْقُوقةٌ أَن تَسْتَجِيبي لِصَوْتِه، ***وأَن تَعْلَمي أَنَّ المُعانَ مُوَفَّقُ

فإِنه أَراد لَخُلّة محْقوقة، يَعْنِي بالخُلّة الخَلِيلَ، وَلَا تَكُونُ الْهَاءُ فِي مَحْقُوقَةٍ لِلْمُبَالَغَةِ لأَن الْمُبَالَغَةَ إِنَّمَا هِيَ فِي أَسْمَاءِ الفاعلين دون المَفْعُولين، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ لَمَحْقُوقَةٌ أَنْتِ، لأَن الصِّفَةَ إِذَا جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَوْصُوفِهَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الأَخفش بُدٌّ مِنْ إِبْرَازِ الضَّمِيرِ، وَهَذَا كُلُّهُ تَعْلِيلُ الْفَارِسِيِّ؛ وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:

إِذَا قَالَ عاوٍ مَنْ مَعَدٍّ قَصِيدةً، ***بِهَا جَرَبٌ، عُدَّتْ عليَّ بِزَوْبَرا

فيَنْطِقُها غَيْري وأُرْمى بذَنبها، ***فَهَذَا قَضاءٌ حَقُّه أَن يُغَيَّرا

أَيْ حُقَّ لَهُ.

والحَقُّ وَاحِدُ الحُقوق، والحَقَّةُ والحِقَّةُ أخصُّ مِنْهُ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الحَق؛ قَالَ الأَزهري: كَأَنَّهَا أوجَبُ وَأَخَصُّ، تَقُولُ هَذِهِ حَقَّتي أَيْ حَقِّي.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ أَعْطَى كلَّ ذِي حَقّ حَقَّهُ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ أَيْ حظَّه ونَصِيبَه الَّذِي فُرِضَ لَهُ».

وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا طُعِنَ أُوقِظَ لِلصَّلَاةِ فَقَالَ: الصلاةُ وَاللَّهِ إِذَنْ وَلَا حقَ أَيْ وَلَا حَظَّ فِي الإِسلام لِمَن تركَها، وَقِيلَ: أَرَادَ الصلاةُ مقْضِيّة إِذَنْ وَلَا حَقَّ مَقْضِيٌّ غَيْرَهَا، يَعْنِي أَنَّ فِي عُنقه حُقوقًا جَمَّةً يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدتها وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ، فهَبْ أَنَّهُ قَضَى حَقَّ الصَّلَاةِ فَمَا بالُ الحُقوق الأُخر؟ وَفِي الْحَدِيثِ: «ليلةُ الضَّيْفِ حَقٌّ فَمَنْ أَصْبَحَ بفِنائه ضَيْف فَهُوَ عَلَيْهِ دَيْن»؛ جَعَلَهَا حَقًّا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْرُوفِ والمُروءة وَلَمْ يَزَلْ قِرى الضَّيفِ مِنْ شِيَم الكِرام ومَنْع القِرى مَذْمُومٌ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «أَيُّما رجُل ضافَ قَوْمًا فَأَصْبَحَ مَحْرُومًا فإِن نَصْرَه حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَتَّى يأْخذ قِرى لَيْلَتِهِ مِنْ زَرعه وَمَالِهِ»؛ وَقَالَ الْخَطَابِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الَّذِي يَخَافُ التَّلَفَ عَلَى نَفْسِهِ ولا يجد مَا يأْكل فَلَهُ أَنْيَتناول مِنْ مَالِ أَخِيهِ مَا يُقيم نَفْسَهُ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَا يأْكله هَلْ يَلْزَمُهُ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ أَمْ لَا.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ سِيبَوَيْهِ وَقَالُوا هَذَا الْعَالِمُ حَقُّ الْعَالِمِ؛ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ التَّناهي وَأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ فِيمَا يَصِفُهُ مِنَ الخِصال، قَالَ: وَقَالُوا هَذَا عَبْدُ اللَّهِ الحَقَّ لَا الْبَاطِلَ، دَخَلَتْ فِيهِ اللَّامُ كَدُخُولِهَا فِي قَوْلِهِمْ أَرْسَلَها العِراكَ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ تُسْقَطُ مِنْهُ فَتَقُولُ حَقًّا لَا بَاطَلًا.

وحُقَّ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ وحُقِقْتَ أَنْ تَفْعَلَ وَمَا كَانَ يَحُقُّك أَنْ تَفْعَلَهُ فِي مَعْنَى مَا حُقَّ لَكَ.

وأُحِقَّ عَلَيْكَ القَضاء فحَقَّ أَيْ أُثْبِتَ فَثَبَتَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: حَقَقْت عَلَيْهِ الْقَضَاءَ أحُقُّه حَقًّا وأحقَقْتُه أُحِقُّه إحْقاقًا أَيْ أَوْجَبْتُهُ.

قَالَ الأَزهري: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَلَا أَعْرِفُ مَا قَالَ الْكِسَائِيُّ فِي حَقَقْت الرجلَ وأحْقَقْته أَيْ غَلَبْتُهُ عَلَى الْحَقِّ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}، مَنْصُوبٌ عَلَى مَعْنَى حَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَقًّا؛ هَذَا قَوْلُ أَبِي إسحق النَّحْوِيِّ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي نَصْبِ قَوْلِهِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ" وَمَا أَشْبَهَهُ فِي الْكِتَابِ: إِنَّهُ نَصْب مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ لَا أَنَّهُ مِنْ نَعْتِ قَوْلِهِ مَتاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا "، قَالَ: وَهُوَ كَقَوْلِكَ عبدُ اللهِ فِي الدَّارِ حَقًّا، إِنَّمَا نَصْبُ حَقًّا مِنْ نِيَّةِ كَلَامِ المُخبِر كَأَنَّهُ قَالَ: أُخْبِركم بِذَلِكَ حَقًّا؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا الْقَوْلُ يَقْرُبُ مِمَّا قاله أبو إسحق لأَنه جَعَلَهُ مَصْدَرًا مؤكِّدًا كَأَنَّهُ قَالَ أُخبركم بِذَلِكَ أحُقُّه حَقًّا؛ قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا الْفَرَّاءُ: وكلُّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَكِرات الْحَقِّ أَوْ مَعْرِفَتِهِ أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مَصْدَرًا، فَوَجْهُ الْكَلَامِ فِيهِ النَّصْبُ كَقَوْلِ اللَّهِ تعالى: {وَعْدَ الْحَقِّ} و {وَعْدَ الصِّدْقِ}؛ والحَقِيقَةُ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ حَقُّ الأَمر ووجُوبُه.

وَبَلَغَ حقيقةَ الأَمر أَيْ يَقِينَ شأْنه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يبلُغ الْمُؤْمِنُ حقيقةَ الإِيمان حَتَّى لَا يَعِيب مُسْلِمًا بِعَيْب هُوَ فِيهِ»؛ يَعْنِي خالِصَ الإِيمان ومَحْضَه وكُنْهَه.

وحقيقةُ الرَّجُلِ: مَا يَلْزَمُهُ حِفظه ومَنْعُه ويَحِقُّ عَلَيْهِ الدِّفاعُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؛ وَالْعَرَبُ تَقُولُ: فُلَانٌ يَسُوق الوَسِيقة ويَنْسِلُ [يَنْسُلُ] الوَدِيقةَ ويَحْمي الْحَقِيقَةَ، فالوَسيقةُ الطريدةُ مِنَ الإِبل، سُمِّيَتْ وَسِيقَةً لأَن طَارِدَهَا يَسِقُها إِذَا ساقَها أَيْ يَقْبِضها، والوَديقةُ شِدَّةُ الْحَرِّ، والحقيقةُ مَا يَحِقّ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِيه، وَجَمْعُهَا الحَقائقُ.

والحقيقةُ فِي اللُّغَةِ: مَا أُقِرّ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى أَصْلِ وضْعِه، والمَجازُ مَا كَانَ بِضِدِّ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْمَجَازُ ويُعدَل إِلَيْهِ عَنِ الْحَقِيقَةِ لمعانٍ ثَلَاثَةٍ: وَهِيَ الاتِّساع وَالتَّوْكِيدُ وَالتَّشْبِيهُ، فَإِنْ عُدِم هَذِهِ الأَوصافُ كَانَتِ الْحَقِيقَةُ البتَّةَ، وَقِيلَ: الْحَقِيقَةُ الرَّايَةُ؛ قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ:

لَقَدْ عَلِمَتْ عَلْيا هَوازِنَ أَنَّني ***أَنا الفارِسُ الْحَامِي حَقِيقةَ جَعْفَرِ

وَقِيلَ: الْحَقِيقَةُ الحُرْمة، والحَقيقة الفِناء.

وحَقَّ الشئُ يَحِقُّ، بِالْكَسْرِ، حَقًّا أَيْ وَجَبَ.

وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: «مَا حَقَّ القولُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى استغْنى الرِّجالُ بالرجالِ والنساءُ بالنساءِ أَيْ وجَب ولَزِم».

وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي}.

وأحقَقْت الشئ أَيْ أَوْجَبْتُهُ.

وَتَحَقَّقَ عِنْدَهُ الخَبَرُ أَيْ صحَّ.

وحقَّقَ قَوْلَهُ وظنَّه تَحْقِيقًا أَيْ صدَّقَ.

وكلامٌ مُحَقَّقٌ أَيْ رَصِين؛ قَالَ الرَّاجِزُ: " دَعْ ذَا وحَبِّرْ مَنْطِقًا مُحَقَّقا والحَقُّ: صِدْق الحديثِ.

والحَقُّ: اليَقين بعد الشكِّ.

وأحقَّ الرجلُ: قَالَ شَيْئًا أَوِ ادَّعَى شَيْئًا فَوَجَبَ لَهُ.

واستحقَّ الشيءَ: اسْتَوْجَبَهُ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا}، أَيِ اسْتَوْجَبَاهُ بالخِيانةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَإِنِ اطُّلِعَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَوْجَبَا إِثْمًا أَيْ خِيَانَةً بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ الَّتِي أقْدما عَلَيْهَا، فآخرانِ يَقُومانِ مَقامها مِنْ وَرَثَةِ المُتوفَّى الَّذِينَ استُحِقَّ عَلَيْهِمْ أَيْ مُلِك عَلَيْهِمْ حقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ بِتِلْكَ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَى عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ، وَإِذَا اشتَرَى رَجُلٌ دَارًا مِنْ رَجُلٍ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ آخَرُ وأقامَ بيِّنةً عَادِلَةً عَلَى دَعْوَاهُ وَحَكَمَ لَهُ الحاكمُ بِبَيِّنَتِهِ فَقَدِ اسْتَحَقَّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي الَّذِي اشْتَرَاهَا أَيْ مَلَكَها عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَهَا الْحَاكِمُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي إِلَى يَدِ مَن استحقَّها، وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أدَّاه إِلَيْهِ، والاستِحْقاقُ والاسْتِيجابُ قَرِيبَانِ مِنَ السَّوَاءِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: {لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما}، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أشدُّ اسْتِحْقاقًا للقَبول، وَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ عَلَى طَرْحِ الزَّائِدِ مِنَ اسْتَحقَّ أَعْنِي السِّينَ وَالتَّاءَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أثْبَتُ مِنْ شَهَادَتِهِمَا مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ حَقَّ الشيءُ إِذَا ثَبَتَ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا حقُّ امرئٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا ووَصِيَّتُه عِنْدَهُ»؛ قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَاهُ مَا الحَزْمُ لامرئٍ وَمَا الْمَعْرُوفُ فِي الأَخلاق الحسَنة لامرئٍ وَلَا الأَحْوطُ إِلَّا هَذَا، لَا أَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْفَرْضِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ حَكَمَ عَلَى عِبَادِهِ بِوُجُوبِ الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا ثُمَّ نَسخ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ فَبَقِيَ حَقُّ الرَّجُلِ فِي مَالِهِ أَنْ يُوصي لِغَيْرِ الْوَارِثِ، وَهُوَ مَا قدَّره الشَّارِعُ بِثُلُثِ مَالِهِ.

وحاقَّهُ فِي الأَمر مُحَاقَّةً وحِقاقًا: ادَّعَى أَنَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْهُ، وَأَكْثَرُ مَا اسْتَعْمَلُوا هَذَا فِي قَوْلِهِمْ حاقَّني أَيْ أَكْثَرُ مَا يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي فِعْلِ الْغَائِبِ.

وحاقَّهُ فحَقَّه يَحُقُّه: غَلبه، وَذَلِكَ فِي الْخُصُومَةِ وَاسْتِيجَابِ الْحَقِّ.

وحاقَّهُ أَيْ خاصَمه وادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَقَّ، فَإِذَا غَلَبَهُ قِيلَ حَقَّه.

والتَّحَاقُّ: التخاصمُ.

والاحْتِقاقُ: الِاخْتِصَامُ.

وَيُقَالُ: احْتَقَّ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَلَا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ كَمَا لَا يُقَالُ اخْتَصَمَ لِلْوَاحِدِ دُونَ الْآخَرِ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وَجْهَهُ: «إِذَا بَلَغَ النساءُ نَصَّ الحِقاقِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: نَصَّ الحَقائِقِ»، فالعَصَبة أوْلى؛ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: نَصُّ كُلِّ شَيْءٍ مُنتهاه ومَبْلَغ أَقْصَاهُ.

والحِقاقُ: المُحاقَّةُ وَهُوَ أَنْ تُحاقَّ الأُمُّ العَصبَة فِي الْجَارِيَةِ فَتَقُولَ أَنَا أحَقُّ بِهَا، وَيَقُولُونَ بَلْ نَحْنُ أحَقُّ، وَأَرَادَ بِنَصِّ الحِقاق الإِدْراكَ لأَن وَقْتَ الصِّغَرِ يَنْتَهِي فَتَخْرُجُ الْجَارِيَةُ مِنْ حَدِّ الصِّغَرِ إِلَى الْكِبَرِ؛ يَقُولُ: مَا دَامَتِ الجاريةُ صَغِيرَةً فأُمُّها أوْلى بِهَا، فَإِذَا بَلَغَت فَالْعَصَبَةُ أوْلى بِأَمْرِهَا مِنْ أُمها وبتزويجها وحَضانتها إذا كانو مَحْرَمًا لَهَا مِثْلَ الْآبَاءِ والإِخْوة والأَعمام؛ وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: نَصُّ الحِقاق بُلُوغُ الْعَقْلِ، وَهُوَ مِثْلُ الإِدراك لأَنه إِنَّمَا أَرَادَ مُنْتَهَى الأَمر الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْحُقُوقُ والأَحكام فَهُوَ الْعَقْلُ والإِدراك.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بُلُوغُ الْمَرْأَةِ إِلَى الْحَدِّ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ تَزْوِيجُهَا وتصَرُّفها فِي أَمْرِهَا، تَشْبِيهًا بالحِقاقِ مِنَ الإِبل جَمْعُ حِقٍّ وحِقَّةٍ، وَهُوَ الَّذِي دَخَلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يُتمكَّن مِنْ رُكُوبِهِ وَتَحْمِيلِهِ، وَمَنْ رَوَاهُ" نَصَّ الحَقائِقِ "فَإِنَّهُ أَرَادَ جَمْعَ الحَقيقة، وَهُوَ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ حَقُّ الأَمر ووجوبُه، أَوْ جَمْعُ الحِقَّة مِنَ الإِبل؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ حَامي الحَقِيقة إِذَا حَمَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ حمايتُه.

وَرَجُلٌ نَزِقُ الحِقاقِ إِذَا خَاصَمَ فِي صِغَارِ الأَشياء.

والحاقَّةُ: النَّازِلَةُ وَهِيَ الدَّاهِيَةُ أَيْضًا.

وَفِي التَّهْذِيبِ: " الحَقَّةُ الدَّاهِيَةُ والحاقَّةُ الْقِيَامَةُ، وقد حَقَّتْ تَحُقُّ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ}؛ الْحَاقَّةُ: السَّاعَةُ وَالْقِيَامَةُ، سُمِّيَتْ حاقَّةً لأَنها تَحُقُّ كلَّ إِنْسَانٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ؛ قَالَ ذَلِكَ الزَّجَّاجُ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: سُمِّيَتْ حاقَّةً لأَن فِيهَا حَواقَّ الأُمور والثوابَ.

والحَقَّةُ: حَقِيقَةُ الأَمر، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ لَمَّا عرفتَ الحَقَّةَ مِني هربْتَ، والحَقَّةُ والحاقَّةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وَقِيلَ: سَمِّيَتِ الْقِيَامَةُ حاقَّةً لأَنها تَحُقُّ كلَّ مُحاقٍّ فِي دِين اللَّهِ بِالْبَاطِلِ أَيْ كُلَّ مُجادِلٍ ومُخاصم فتحُقُّه أَيْ تَغْلِبه وتَخْصِمه، مِنْ قَوْلِكَ حاقَقْتُه أُحاقُّه حِقاقًا ومُحاقَّةً فحَقَقْتُه أحُقُّه أَيْ غَلَبْتُهُ وفَلَجْتُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَقَ فِي قَوْلِهِ الْحَاقَّةُ: رُفِعَتْ بِالِابْتِدَاءِ، ومَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ أَيْضًا، والْحَاقَّةُ الثَّانِيَةُ خَبَرُ مَا، وَالْمَعْنَى تَفْخِيمُ شَأْنِهَا كَأَنَّهُ قَالَ الحاقَّةُ أَيُّ شيءٍ الحاقَّةُ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ}، مَعْنَاهُ أيُّ شيءٍ أعْلَمَكَ مَا الحاقَّةُ، وَمَا موضعُها رَفْعٌ وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ أَدْراكَ؛ الْمَعْنَى مَا أعْلَمَكَ أيُّ شيءٍ الحاقَّةُ.

وَمِنْ أَيْمَانِهِمْ: لَحَقُّ لأَفْعَلَنّ، مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ لَحَقُّ لَا آتِيكَ هُوَ يَمِينٌ لِلْعَرَبِ يَرْفَعُونَهَا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ إِذَا جَاءَتْ بَعْدَ اللَّامِ، وَإِذَا أَزَالُوا عَنْهَا اللَّامَ قَالُوا حَقًّا لَا آتِيك؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُرِيدُ لَحَقُّ اللَّهِ فنَزَّلَه مَنْزِلَةَ لَعَمْرُ اللهِ، وَلَقَدْ أُوجِبَ رفعُه لِدُخُولِ اللَّامِ كَمَا وَجب فِي قَوْلِكَ لَعَمْرُ اللَّهِ إِذَا كَانَ بِاللَّامِ.

والحَقُّ: المِلْك.

والحُقُقُ: الْقَرِيبُو الْعَهْدِ بالأُمور خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، قَالَ: والحُقُقُ المُحِقُّون لِمَا ادّعَوْا أَيْضًا.

والحِقُّ مِنْ أَوْلَادِ الإِبل: الَّذِي بَلَغَ أَنْ يُرْكب ويُحمَل عَلَيْهِ ويَضْرِب، يَعْنِي أَنْ يَضْرِبَ الناقةَ، بيِّنُ الإِحقاقِ والاسْتحقاق، وَقِيلَ: إِذَا بَلَغَتْ أمُّه أوَانَ الحَمْل مِنَ الْعَامِ المُقْبِل فَهُوَ حِقٌّ بيِّنُ الحِقَّةِ.

قَالَ الأَزهري: وَيُقَالُ بَعِيرٌ حِقٌّ بيِّنُ الحِقِّ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَقِيلَ: إِذَا بَلَغَ هُوَ وأُخته أَنْ يُحْمَل عَلَيْهِمَا ويُركبا فَهُوَ حِقٌّ؛ الْجَوْهَرِيُّ: سُمِّي حِقًّا لِاسْتِحْقَاقِهِ أَنْ يُحْمل عَلَيْهِ وَأَنْ يُنتفع بِهِ؛ تَقُولُ: هُوَ حِقٌّ بيِّنُ الحِقَّةِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، وَقِيلَ: الحِقُّ الَّذِي اسْتَكْمَلَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ؛ قَالَ:

إِذَا سُهَيْلٌ مَغْرِبَ الشَّمْسِ طَلَعْ، ***فابْنُ اللَّبونِ الحِقُّ والحِقُّ جَذَعْ

وَالْجَمْعُ أحُقٌّ وحِقاقٌ، والأُنثى حِقَّة وحِقٌّ أَيْضًا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والأُنثى مِنْ كُلِّ ذَلِكَ حِقَّةٌ بَيِّنَةُ الحِقَّةِ، وَإِنَّمَا حُكْمُهُ بَيِّنة الحَقاقةِ والحُقُوقةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَبنية الْمُخَالِفَةِ لِلصِّفَةِ لأَن الْمَصْدَرَ فِي مِثْلِ هَذَا يُخَالِفُ الصِّفَةَ، وَنَظِيرُهُ فِي مُوَافَقَةِ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ الْمَصَادِرِ لِلِاسْمِ فِي الْبِنَاءِ قَوْلُهُمْ أسَدٌ بَيِّنُ الأَسد.

قَالَ أَبُو مَالِكٍ: أحَقَّت البَكْرَة إِذَا اسْتَوْفَتْ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَإِذَا لَقِحَت حِينَ تُحِقّ قِيلَ لَقِحت عليَّ كَرْهًا.

والحِقَّةُ أَيْضًا: النَّاقَةُ الَّتِي تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ إِذَا جَازَتْ عِدَّتُها خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ.

وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ ذِكْرُ الحِقِّ والحِقَّة، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ حُقُقٌ وحَقائق؛ وَمِنْهُ قَوْلِ المُسَيَّب بْنِ عَلَس:

قَدْ نالَني مِنْهُ عَلَى عَدَمٍ ***مثلُ الفَسِيل، صِغارُها الحُقُقُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الضَّمِيرُ فِي مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الْمَمْدُوحِ وَهُوَ حَسَّانُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَخُو النُّعْمَانِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَرُبَّمَا تُجْمَعُ عَلَى حَقائقَ مِثْلَ إفَالٍ وَأَفَائِلَ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ نَادِرٌ؛ وَأَنْشَدَ لعُمارةَ بْنِ طَارِقٍ:

ومَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيانِقِ، ***لَسْنَ بأَنْيابٍ وَلَا حَقائِقِ

وَهَذَا مِثْلُ جَمْعهم امرأَة غِرَّة عَلَى غَرائر، وَكَجَمْعِهِمْ ضَرَّة عَلَى ضَرائر، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقياس مُطَّرِد.

والحِقُّ والحِقَّة فِي حَدِيثِ صَدَقَاتِ الإِبل وَالدِّيَاتِ، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: «الْبَعِيرُ إِذا اسْتَكْمَلَ السَّنَةَ الثَّالِثَةَ وَدَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ فَهُوَ حِينَئِذٍ حِقٌّ»، والأُنثى حِقَّة.

والحِقَّة: نَبْزُ أُم جَرِير بْنِ الخَطَفَى، وَذَلِكَ لأَن سُوَيْدَ بْنَ كُرَاعٍ خَطَبَهَا إِلَى أَبيها فَقَالَ لَهُ: إِنها لَصَغِيرَةٌ صُرْعةٌ، قَالَ سُوَيْدٌ: لَقَدْ رأَيتُها وَهِيَ حِقَّةٌ أَي كالحِقَّة مِنَ الإِبل فِي عِظَمها؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَمِنْ وَراء حِقاقِ العُرْفُطِ "أَي صِغَارِهَا وشَوابِّها، تَشْبِيهًا بِحقاق الإِبل.

وحَقَّتِ الحِقَّةُ تَحِقُّ وأَحَقَّت، كِلَاهُمَا: صَارَتْ حِقَّةً؛ قَالَ الأَعشى:

بِحِقَّتِها حُبِسَتْ في اللَّجينِ، ***حَتَّى السَّديِسُ لَهَا قَدْ أَسَنّ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ أَسَنَّ سدِيسُ النَّاقَةِ إِذا نبَت وَذَلِكَ فِي الثَّامِنَةِ، يَقُولُ: قِيمَ عَلَيْهَا مِنْ لَدُنْ كَانَتْ حِقَّة إِلى أَن أَسْدَسَت، وَالْجَمْعُ حِقاقٌ وحُقُقٌ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَمْ يُرد بحقَّتها صِفَةً لَهَا لأَنه لَا يُقَالُ ذَلِكَ كَمَا لَا يُقَالُ بجَذَعَتها فُعِلَ بِهَا كَذَا وَلَا بثنيَّتها وَلَا بِبَازِلِهَا، وَلَا أَراد بِقَوْلِهِ أَسَنَّ كَبِرَ لأَنه لَا يُقَالُ أَسَنَّ السِّنُّ، وإِنما يُقَالُ أَسنَّ الرَّجُلُ وأَسنَّت المرأَة، وإِنما أَراد أَنها رُبِطَت فِي اللَّجين وَقْتًا كَانَتْ حِقَّةً إِلى أَن نَجَمَ سَدِيسُها أَي نبَت، وَجَمْعُ الحِقاق حُقُق مِثْلُ كِتاب وكتُب؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الحِقَّة هُنَا الْوَقْتَ، وأَتت الناقةُ عَلَى حِقَّتها أَي عَلَى وَقْتِهَا الَّذِي ضَربها الْفَحْلُ فِيهِ مِنْ قَابِلٍ، وَهُوَ إِذا تَمَّ حَملها وَزَادَتْ عَلَى السَّنَةِ أَيامًا مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي ضُربت فِيهِ عَامًا أَوّل حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الجَنين السنةَ، وَقِيلَ: حِقُّ النَّاقَةِ واسْتِحقاقُها تَمام حَمِلها؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

أَفانين مَكْتوب لَهَا دُون حِقِّها، ***إِذا حَمْلُها راشَ الحِجَاجَينِ بالثُّكْلِ

أَي إِذا نبَت الشَّعْرُ عَلَى وَلَدِهَا أَلْقَتْهُ ميِّتًا، وَقِيلَ: مَعْنَى الْبَيْتِ أَنه كُتِبَ لِهَذِهِ النَّجَائِبِ إِسقاطُ أَولادها قَبْلَ أَناء نِتاجها، وَذَلِكَ أَنها رُكبت فِي سفَر أَتعبها فِيهِ شِدَّةُ السَّيْرِ حَتَّى أَجْهَضَتْ أَولادها؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُمِّيَتِ الحِقَّة لأَنها استحقَّت أَن يَطْرُقها الفحلُ، وَقَوْلُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ حَقِّ لَقاحها وحِقِّ لَقاحها أَيضًا، بِالْكَسْرِ، أَي حِينَ ثَبَتَ ذَلِكَ فِيهَا.

الأَصمعي: إِذا جَازَتِ النَّاقَةُ السَّنَةَ وَلَمْ تَلِدْ قِيلَ قَدْ جَازَتِ الحِقَّ؛ وقولُ عَدِيّ:

أَي قَوْمِي إِذا عَزَّتِ الْخَمْرُ ***وَقَامَتْ رِفَاقُهُمْ بِالْحِقَاقِ

وَيُرْوَى: وَقَامَتْ حِقَاقُهُمْ بِالرِّفَاقِ، قَالَ: وحِقاقُ الشَّجَرِ صِغَارُهَا شُبِّهَتْ بِحِقَاقِ الإِبل.

وَيُقَالُ: عَذر الرَّجلُ وأَعْذَر واسْتَحقَّ واستوْجَب إِذا أَذنب ذَنْبًا استوْجب بِهِ عُقوبة؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَهْلِكُ الناسُ حَتَّى يُعْذِرُوا مِنْ أَنفسهم.

وصبَغْتُ الثوبَ صَبْغًا تَحْقِيقًا أَي مُشْبَعًا.

وَثَوْبٌ مُحقَّق: عَلَيْهِ وَشْيٌ عَلَى صُورَةِ الحُقَق، كَمَا يُقَالُ بُرْدٌ مُرَجَّلٌ.

وَثَوْبٌ مُحَقَّقٌ إِذا كَانَ مُحْكَمَ النَّسْجِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

تَسَرْبَلْ جِلْدَ وجْهِ أَبِيك، إِنّا ***كَفَيْناكَ المُحَقَّقَةَ الرِّقاقا

وأَنا حَقِيقٌ عَلَى كَذَا أَي حَريصٌ عَلَيْهِ؛ عَنْ أَبي عَلِيٍّ، وَبِهِ فُسِّرَ قَوْلُهُ تعالى: {حَقِيقٌ عَلى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَ}، فِي قِرَاءَةِ مَنْ قرأَ بِهِ، وَقُرِئَ حَقِيقٌ عَلَيَّ أَن لَا أَقول "، وَمَعْنَاهُ وَاجِبٌ عَلَيَّ تَرْكُ الْقَوْلِ عَلَى اللَّهِ إِلَّا بِالْحَقِّ.

والحُقُّ والحُقَّةُ، بِالضَّمِّ: مَعْرُوفَةٌ، هَذَا المَنْحوت مِنَ الْخَشَبِ وَالْعَاجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَصْلُحُ أَن يُنحت مِنْهُ، عربيٌّ مَعْرُوفٌ قَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ الْفَصِيحِ؛ قَالَ الأَزهري: وَقَدْ تُسوّى الحُقة مِنَ الْعَاجِ وَغَيْرِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَمرو بْنِ كُلْثُوم:

وثَدْيًا مثلَ حُقِّ العاجِ رَخْصًا، ***حَصانًا مِنْ أَكُفِّ اللَّامِسِينا

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْجَمْعُ حُقٌّ وحُقَقٌ وحِقاقٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَجَمْعُ الحُقّ أَحْقاقٌ وحِقاقٌ، وَجَمْعُ الحُقَّة حُقَقٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " سَوَّى مَساحِيهنَّ تَقْطِيطَ الحُقَقْ وصَفَ حَوافِرَ حُمُر الوَحْشِ أَي أَنَّ الحِجارة سوَّت حَوافِرها كأَنما قُطِّطَتْ تَقْطِيطَ الحُقَقِ، وَقَدْ قَالُوا فِي جَمْعِ حُقَّةٍ حُقّ، فَجَعَلُوهُ مِنْ بَابِ سِدْرة وسِدْر، وَهَذَا أَكثره إِنما هُوَ فِي الْمَخْلُوقِ دُونَ الْمَصْنُوعِ، وَنَظِيرُهُ مِنَ الْمَصْنُوعِ دَواةٌ ودَوًى وسَفِينة وسَفِين.

والحُقُّ مِنَ الْوَرِكِ: مَغْرِزُ رأْس الْفَخِذِ فِيهَا عصَبة إِلى رأْس الْفَخِذِ إِذا انْقَطَعَتْ حَرِقَ الرِّجْلُ، وَقِيلَ: الحُق أَصل الْوَرِكِ الَّذِي فِيهِ عَظْمُ رأْس الْفَخِذِ.

والحُق أَيضًا: النُّقْرة الَّتِي فِي رأْس الْكَتِفِ.

والحُقُّ: رأْس العَضُد الَّذِي فِيهِ الوابِلةُ وَمَا أَشْبهها.

وَيُقَالُ: أَصبت حَاقَّ عَيْنِهِ وَسَقَطَ فُلَانٌ عَلَى حاقِّ رأْسه أَي وسَط رأْسه، وَجِئْتُهُ فِي حاقِّ الشِّتَاءِ أَي فِي وَسَطِهِ.

قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ أَعرابيًّا يَقُولُ لنُقْبة مِنَ الجرَب ظهَرت بِبَعِيرٍ فشكُّوا فِيهَا فَقَالَ: هَذَا حاقُّ صُمادِحِ الجَرَبِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ أَن يَحقُقْنَ الطَّريقَ»؛ هُوَ أَن يَركبن حُقَّها وَهُوَ وسَطها مِنْ قَوْلِكَ سقَط عَلَى حاقِّ القَفا وحُقِّه.

وَفِي حَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ عمر: «إِنَّ عامِلًا مِنْ عُمالي يذكُر أَنه زَرَعَ كلَّ حُقٍّ ولُقٍ»؛ الحُق: الأَرض الْمُطَمْئِنَةُ، واللُّق: الْمُرْتَفِعَةُ.

وحُقُّ الكَهْوَل: بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عَمرو بْنِ الْعَاصِ أَنه قَالَ لِمُعَاوِيَةَ فِي مُحاوَراتٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا: لَقَدْ رأَيْتك بِالْعِرَاقِ وإِنَّ أَمْرَك كحُقِّ الكَهول وكالحَجاةِ فِي الضَّعْف فَمَا زِلت أَرُمُّه حَتَّى اسْتَحكم "، فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ، قَالَ: أَي واهٍ.

وحُقُّ الكَهول: بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ.

قَالَ الأَزهري: وَقَدْ رَوَى ابْنُ قُتَيْبَةَ هَذَا الْحَرْفَ بِعَيْنِهِ فصحَّفه وَقَالَ: مِثْلُ حُق الكَهْدَلِ، بِالدَّالِّ بَدَلَ الْوَاوِ، قَالَ: وخبَطَ فِي تَفْسِيرِهِ خَبْط العَشْواء، وَالصَّوَابُ مِثْلُ حُق الكَهول، والكَهول الْعَنْكَبُوتُ، وحُقُّه بَيْتُهُ.

وحاقُّ وسَطِ الرأْس: حَلاوةُ الْقَفَا.

وَيُقَالُ: استحقَّت إِبلُنا رَبِيعًا وأَحَقَّت رَبِيعًا إِذا كَانَ الرَّبِيعُ تَامًّا فرعَتْه.

وأَحقَّ القومُ إِحْقاقًا إِذا سَمِنَ مالُهم.

واحتقَّ الْقَوْمُ احْتقاقًا إِذا سَمِنَ وَانْتَهَى سِمَنُه.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَحقَّ القومُ مِنَ الرَّبِيعِ إِحْقاقًا إِذا أَسْمَنُوا؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، يُرِيدُ سَمِنت مَواشِيهم.

وحقَّت النَّاقَةُ وأَحقَّت واستحقَّت: سَمِنَتْ.

وَحَكَى ابْنُ السِّكِّيتِ عَنِ ابْنِ عَطَاءٍ أَنه قَالَ: أَتيت أَبا صَفْوانَ أَيام قَسمَ المَهْدِيُّ الأَعراب فَقَالَ أَبو صَفْوَانَ؛: مِمَّنْ أَنت؟ وَكَانَ أَعرابيًّا فأَراد أَن يَمْتَحِنَهُ، قُلْتُ: مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، قَالَ: مِنْ أَيّ تميم؟ قلت: رباني، قَالَ: وَمَا صنعتُك؟ قُلْتُ: الإِبل، قَالَ: فأَخبرني عَنْ حِقَّة حَقَّت عَلَى ثَلَاثِ حِقاق، فَقُلْتُ: سأَلت خَبِيرًا: هَذِهِ بَكْرة كَانَ مَعَهَا بَكْرتان فِي رَبِيعٍ وَاحِدٍ فارْتَبَعْنَ فسَمِنَت قَبْلَ أَن تَسْمَنَا فَقَدْ حقَّت وَاحِدَةً، ثُمَّ ضَبَعَت وَلَمْ تَضْبَعا فَقَدْ حقَّت عَلَيْهِمَا حِقَّة أُخرى، ثُمَّ لَقِحَت وَلَمْ تَلْقَحا فَهَذِهِ ثَلَاثُ حِقَّات، فَقَالَ لِي: لعَمْري أَنت مِنْهُمْ واسْتَحَقَّت النَّاقَةُ لَقاحًا إِذا لَقِحت وَاسْتَحَقَّ لَقاحُها، يُجْعَل الْفِعْلُ مَرَّةً لِلنَّاقَةِ وَمَرَّةً للَّقاح.

قَالَ أَبو حَاتِمٍ: مَحاقُّ المالِ يَكُونُ الحَلْبة الأُولى، وَالثَّانِيَةُ مِنْهَا لِبَأٌ.

والمَحاقُّ: اللَّاتِي لَمْ يُنْتَجْن فِي الْعَامِ الْمَاضِي وَلَمْ يُحلَبن فِيهِ.

واحْتقَّ الفرسُ أَي ضَمُر.

وَيُقَالُ: لَا يحقُّ مَا فِي هَذَا الوِعاء رِطْلًا، مَعْنَاهُ أَنه لا يَزِنُ رِطْلًا.

وطعْنة مُحْتَقَّة أَي لَا زَيْغَ فِيهَا وَقَدْ نَفَذَت.

وَيُقَالُ: رمَى فُلَانٌ الصيدَ فاحتقَّ بَعْضًا وشَرَم بَعْضًا أَي قتَل بَعْضًا وأُفْلِتَ بَعْضٌ جَريحًا؛ والمُحْتقُّ مِنَ الطعْن: النافِذُ إِلى الْجَوْفِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي كَبِيرٍ الهذلي:

هَلَّا وَقَدْ شَرَعَ الأَسنَّة نَحْوها، ***مَا بينَ مُحْتَقٍّ بِهَا ومُشَرِّمِ

أَراد مِنْ بَيْنِ طَعْن نافذٍ فِي جَوْفِهَا وآخَرَ قَدْ شرَّمَ جلدَها وَلَمْ ينفُذ إِلى الْجَوْفِ.

والأَحقُّ مِنَ الْخَيْلِ: الَّذِي لَا يَعْرَق، وَهُوَ أَيضًا الَّذِي يَضَعُ حَافِرَ رِجْلِهِ مَوْضِعَ حَافِرِ يَدِهِ، وَهُمَا عَيْبٌ؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ خَرَشةَ الخَطْمِيّ:

بأَجْرَدَ مِنْ عِتاقِ الخَيلِ نَهْدٍ ***جَوادٍ، لَا أَحقُّ وَلَا شئيتُ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ دُرَيْدٍ، وَرِوَايَةُ أَبي عبيد:

وأَقْدَرُ مُشْرِفُ الصَّهواتِ ساطٍ، ***كُمَيْتٌ، لَا أَحقُّ وَلَا شَئِيتُ

الأَقدرُ: الَّذِي يَجُوزُ حَافِرَا رِجْلَيْهِ حافِريْ يَدَيْهِ، والأَحقُّ: الَّذِي يُطَبِّقُ حَافِرَا رِجْلَيْهِ حافريْ يَدَيْهِ، والشَّئيتُ: الَّذِي يقْصُر موقِعُ حَافِرِ رِجْلِهِ عَنْ مَوْقِعِ حَافِرِ يَدِهِ، وَذَلِكَ أَيضًا عَيْبٌ، وَالِاسْمُ الحَقَق.

وَبَنَاتُ الحُقَيْقِ: ضرْب مِنْ رَدِيء التَّمْرِ، وَقِيلَ: هُوَ الشِّيص، قَالَ الأَزهري: قَالَ اللَّيْثَ بَنَاتُ الْحُقَيْقِ ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ، وَالصَّوَابُ لَوْن الحُبَيق ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ رَدِيءٌ.

وَبَنَاتُ الْحُقَيْقِ فِي صِفَةِ التَّمْرِ تَغْيِيرٌ، ولَوْنُ الحُبيق مَعْرُوفٌ.

قَالَ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه نَهى عَنْ لوْنين مِنَ التَّمْرِ فِي الصَّدَقَةِ: أَحدهما الجُعْرُور، وَالْآخَرُ لَوْنُ الْحُبَيْقِ "، وَيُقَالُ لِنَخْلَتِهِ عَذْقُ ابْنِ حُبَيْقٍ وَلَيْسَ بشِيص وَلَكِنَّهُ رَدِيءٌ مِنَ الدَّقَلِ؛ وَرَوَى" الأَزهري حَدِيثًا آخَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبيه قَالَ: لَا يُخرَج فِي الصَّدَقَةِ الجُعرور وَلَا لَوْنُ حُبيْق "؛ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا تَمْرٌ رديء والسس تَمْرٍ وَتُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنْ وَسَطِ التَّمْرِ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


31-لسان العرب (قفا)

قفا: الأَزهري: القَفا، مَقْصُورٌ، مُؤَخَّرُ العُنق، أَلفها وَاوٌ وَالْعَرَبُ تُؤَنِّثُهَا، وَالتَّذْكِيرُ أَعم.

ابْنُ سِيدَهْ: القَفا وَرَاءَ الْعُنُقِ أُنثى؛ قَالَ:

فَما المَوْلَى، وَإِنْ عَرُضَت قَفاه، ***بأَحْمَل للمَلاوِمِ مِن حِمار

وَيُرْوَى: للمَحامِد، يَقُولُ: لَيْسَ الْمَوْلَى وَإِنْ أَتَى بِمَا يُحمَد عَلَيْهِ بأَكثر مِنَ الحِمار مَحامِد.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: القَفا يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وحَكَى عَنْ عُكْلٍ هَذِهِ قَفًا، بالتأْنيث، وَحَكَى ابْنُ جِنِّي المدّ في "القَفا وَلَيْسَتْ بِالْفَاشِيَةِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ جِنِّي الْمَدُّ فِي القَفَا لُغَةٌ وَلِهَذَا جُمِعَ عَلَى أَقفِيَة؛ وأَنشد:

حَتَّى إِذَا قُلْنا تَيَفَّع مالكٌ، ***سَلَقَت رُقَيَّةُ مالِكًا لقَفائِه

فأَما قَوْلُهُ:

يَا ابنَ الزُّبَير طالَ مَا عَصَيْكا، ***وطالَ مَا عَنَّيْتَنا إلَيْكا،

لَنَضْرِبَنْ بسَيْفِنا قَفَيْكا "أَراد قَفاك، فأَبدل الأَلف يَاءً لِلْقَافِيَةِ، وَكَذَلِكَ أَراد عَصَيْتَ، فأَبدل مِنَ التَّاءِ كَافًا لأَنها أُختها فِي الْهَمْسِ، وَالْجَمْعُ أَقْفٍ وأَقْفِيةٌ؛ الأَخيرة عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ لأَنه جمعُ الْمَمْدُودِ مِثْلَ سَماء وأَسْمِيَةٍ، وأَقْفَاءٌ مِثْلَ رَحًا وأَرْحاء؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ جَمْعُ الْقِلَّةِ، وَالْكَثِيرُ قُفِيٌّ عَلَى فُعُول مثل عَصًا وعُصِيٍّ، وقِفِيٌّ وقَفِينٌ؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ لَا يُوجِبُهَا الْقِيَاسُ.

والقَافِيَةُ: كالقَفا، وَهِيَ أَقلهما.

وَيُقَالُ: ثَلَاثَةُ أَقْفَاء، وَمَنْ قَالَ أَقْفِيَة فإنه جماعة والقِفِيّ والقُفِيّ؛ وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: جَمْعُ القَفَا أَقْفَاء، وَمَنْ قَالَ أَقْفِيَة فَقَدْ أَخطأَ.

وَيُقَالُ لِلشَّيْخِ إِذَا هَرِمَ: رُدَّ عَلَى قَفاه ورُدَّ قَفًا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِنْ تَلْقَ رَيْبَ المَنايا أَو تُرَدُّ قَفًا، ***لَا أَبْكِ مِنْكَ عَلَى دِينٍ وَلَا حَسَبِ

وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ: يَعْقِدُ الشيطانُ عَلَى قافِيةِ رأْس أَحدكم ثَلَاثَ عُقَد، فَإِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدة "؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي بالقَافِيَة القَفا.

وَيَقُولُونَ: القَفَنُّ فِي مَوْضِعِ القَفا، وَقَالَ: هِيَ قَافِيَةُ الرأْس.

وقافِيةُ كُلِّ شَيْءٍ: آخِرُهُ، وَمِنْهُ قَافِيَة بَيْتِ الشِّعْر، وَقِيلَ قَافِيَة الرأْس مُؤَخَّرُهُ، وَقِيلَ: وَسَطُهُ؛ أَراد تَثْقِيلَه فِي النَّوْمِ وَإِطَالَتَهُ فَكَأَنَّهُ قَدْ شَدَّ عَلَيْهِ شِدادًا وعَقَده ثَلَاثَ عُقَد.

وقَفَوْتُه: ضَرَبْتُ قَفاه.

وقَفَيْتُه أَقْفِيه: ضَرَبْتُ قَفاه.

وقَفَيْتُه ولَصَيْتُه: رَمَيْتُهُ بِالزِّنَا.

وقَفَوْتُه: ضَرَبْتُ قَفاه، وَهُوَ بِالْوَاوِ.

وَيُقَالُ: قَفًا وقَفوان، قَالَ: وَلَمْ أَسمع قَفَيانِ.

وتَقَفَّيْته بِالْعَصَا واسْتَقْفَيْته: ضَرَبْتُ قَفَاهُ بِهَا.

وتَقَفَّيت فُلَانًا بِعَصًا فَضَرَبْتُهُ: جِئته مِنْ خَلْف.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: « أَخَذَ المِسْحاةَ فاسْتَقْفاه فَضَرَبَهُ بِهَا حَتَّى قَتَلَهُ»؛ أي أَتاه مِنْ قِبَل قَفَاهُ.

وَفِي حَدِيثِ طَلْحَةَ: « فَوَضَعُوا اللُّجَّ عَلَى قَفَيَ» أَي وضَعوا السَّيْفَ عَلَى قَفاي، قَالَ: وَهِيَ لُغَةٌ طائِية يُشَدِّدُونَ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُتِبَ إِلَيْهِ صَحِيفَةً فِيهَا:

«فَمَا قُلُصٌ وُجِدْنَ مُعَقَّلاتٍ ***قَفا سَلْعٍ بمُخْتَلَفِ التِّجارِ»

سَلْعٌ: جَبَلٌ، وقَفاه: وَرَاءَهُ وخَلْفه.

وَشَاةٌ قَفِيَّة: مَذْبُوحَةٌ مِنْ قَفَاهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَفِينَةٌ، والأَصل قَفِيَّة، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: النُّونُ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءُ الَّتِي هِيَ لَامُ الْكَلِمَةِ.

وَفِي حَدِيثِ النَّخَعِيِّ: « سُئِلَ عَمَّنْ ذَبَحَ فأَبان الرأْس، قَالَ: تِلْكَ القَفِينة لَا بأْس بِهَا »؛ هِيَ الْمَذْبُوحَةُ مِنْ قِبَل القَفا، قَالَ: وَيُقَالُ للقَفا القَفَنُ، فَهِيَ فَعِيلة بِمَعْنَى مَفْعولة.

يُقَالُ: قَفَنَ الشاةَ واقْتَفَنَها؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: هِيَ الَّتِي يُبَانُ رأْسها بِالذَّبْحِ، قَالَ: وَمِنْهُ حَدِيثُ" عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ثُمَّ أَكون عَلَى قَفّانِه، عِنْدَ مَنْ جَعَلَ النُّونَ أَصلية.

وَيُقَالُ: لَا أَفعله قَفا الدَّهْرِ أَي أَبدًا أَي طُولَ الدَّهْرِ وَهُوَ قَفا الأَكَمَة وبقَفا الأَكَمة أَي بظهرها.

والقَفَيُّ: القَفا.

وقَفاه قَفْوًا وقُفُوًّا واقْتَفَاه وتَقَفَّاه: تَبِعَه.

اللَّيْثُ: القَفْوُ مَصْدَرُ قَوْلِكَ قَفَا يَقْفُو قَفْوًا وقُفُوًّا، وَهُوَ أَن يَتْبَعَ الشَّيْءَ.

قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَكثر الْقُرَّاءِ يَجْعَلُونَهَا مِنْ قَفَوْت كَمَا تَقُولُ لَا تَدْعُ مِنْ دَعَوْتُ، قَالَ: وقرأَ بَعْضُهُمْ وَلَا تَقُفْ مِثْلَ وَلَا تَقُلْ، وَقَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}؛ أَي لَا تَتَّبِع مَا لَا تَعْلَمُ، وَقِيلَ: وَلَا تَقُلْ سَمِعْتُ وَلَمْ تَسْمَعْ، وَلَا رأَيت وَلَمْ تَرَ، وَلَا عَلِمْتُ وَلَمْ تَعْلَمْ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا.

أَبو عُبَيْدٍ: هُوَ يَقْفُو ويَقُوفُ ويَقْتافُ أَي يَتْبَعُ الأَثر.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌلَا تَرُمْ؛ وَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: مَعْنَاهُ لَا تَشْهَدْ بِالزُّورِ.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الأَصل فِي القَفْوِ والتَّقافي البُهْتان يَرمي بِهِ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ قُفْتُ أَثره وقَفَوْته مِثْلَ قاعَ الْجَمَلُ النَّاقَةَ وقَعاها إِذا رَكِبَهَا، وَمِثْلُ عاثَ وعَثا.

ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ قَفَوْت فُلَانًا اتَّبَعْتُ أَثره، وقَفَوْته أَقْفُوه رَمَيْتُهُ بأَمر قَبِيحٍ.

وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: قَفَا أَثره أَي تَبِعَه، وضدُّه فِي الدُّعَاءِ: قَفَا اللَّهُ أَثَره مِثْلُ عَفا اللَّهُ أَثَره.

قَالَ أَبو بَكْرٍ: قَوْلُهُمْ قَدْ قَفا فُلَانٌ فُلَانًا، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ أَتْبَعه كَلَامًا قَبِيحًا.

واقْتَفَى أَثَره وتَقَفَّاه: اتَّبَعَهُ.

وقَفَّيْت عَلَى أَثره بِفُلَانٍ أَي أَتْبَعْته إِياه.

ابْنُ سِيدَهْ: وقَفَّيْته غَيْرِي وَبِغَيْرِي أَتْبَعْته إِياه.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا}؛ أَي أَتبعنا نُوحًا وإِبراهيم رُسُلًا بَعْدَهُمْ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: " وقَفَّى عَلَى آثارِهِنَّ بحاصِبِ "أَي أَتْبَع آثارَهن حَاصِبًا.

وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: اسْتَقْفَاه إِذا قَفا أَثره ليَسْلُبَه؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ فِي قَفَّى بِمَعْنَى أَتى:

كَمْ دُونَها مِنْ فَلاةٍ ذاتِ مُطَّرَدٍ، ***قَفَّى عَلَيْهَا سَرابٌ راسِبٌ جَارِي

أَي أَتى عَلَيْهَا وغَشِيَها.

ابْنُ الأَعرابي: قَفَّى عَلَيْهِ أَي ذَهَبَ بِهِ؛ وأَنشد: " ومَأْرِبُ قَفَّى عَلَيْهِ العَرِمْ وَالِاسْمُ القِفْوةُ، وَمِنْهُ الْكَلَامُ المُقَفَّى.

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لِي خَمْسَةُ أَسماء مِنْهَا كَذَا وأَنا المُقَفِّي، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: وأَنا الْعَاقِبُ »؛ قَالَ شَمِرٌ: المُقَفِّي نَحْوَ الْعَاقِبِ وَهُوَ المُوَلِّي الذَّاهِبُ.

يُقَالُ: قَفَّى عَلَيْهِ أَي ذهبَ بِهِ، وَقَدْ قَفَّى يُقَفِّي فَهُوَ مُقَفٍّ، فكأَنَّ الْمَعْنَى أَنه آخِر الأَنبياءَ المُتَّبِع لَهُمْ، فإِذا قَفَّى فَلَا نبيَّ بَعْدَهُ، قَالَ: والمُقَفِّي المتَّبع لِلنَّبِيِّينَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « فَلَمَّا قَفَّى قَالَ كَذَا» أَي ذَهَبَ مُوَلِّيًا "، وكأَنه مِنَ القَفا أَي أَعطاه قَفَاهُ وَظَهْرَهُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: « أَلا أُخبركم بأَشدَّ حَرًّا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ المُقَفِّيَيْن أَي المُوَلِّيَين، وَالْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: أَنا مُحَمَّدٌ وأَحمد والمُقَفِّي والحاشِر وَنَبِيُّ الرحْمة وَنَبِيُّ المَلْحَمة »؛ وَقَالَ ابْنُ أَحمر:

لَا تَقْتَفِي بهمُ الشمالُ إِذا ***هَبَّتْ، وَلَا آفاقُها الغُبْرُ

أَي لَا تُقِيم الشَّمَالُ عَلَيْهِمْ، يُرِيدُ تُجاوِزهم إِلى غَيْرِهِمْ وَلَا تَستَبِين عَلَيْهِمْ لخِصْبهم وَكَثْرَةِ خَيرهم؛ ومثله قوله:

إِذا نَزَلَ الشِّتاءُ بدارِ قَومٍ، ***تَجَنَّبَ دارَ بيتِهمُ الشِّتاءُ

أَي لَا يَظْهَرُ أَثر الشِّتَاءِ بِجَارِهِمْ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي الاسْتسقاءِ: « اللَّهُمَّ إِنا نَتَقَرَّبُ إِليك بعمِّ نَبِيِّكَ وقَفِيَّةِ آبَائِهِ وكُبْر رِجَالِهِ »؛ يَعْنِي الْعَبَّاسَ.

يُقَالُ: هَذَا قَفِيُّ الأَشياخ وقَفِيَّتُهم إِذا كَانَ الخَلَف مِنْهُمْ، مأْخوذ مِنْ قَفَوْت الرَّجُلَ إِذا تَبِعْتَه، يَعْنِي أَنه خَلَفُ آبَائِهِ وتِلْوهم وَتَابِعُهْمْ كأَنه ذَهَبَ إِلى اسْتِسْقَاءِ أَبيه عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لأَهل الحرمَين حِينَ أَجْدَبوا فَسَقَاهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَقِيلَ: القَفِيَّةُ الْمُخْتَارُ.

واقْتَفَاه إِذا اخْتَارَهُ.

وَهُوَ القِفْوةُ: كالصِّفْوة مِنِ اصْطَفى، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ القَفْو والاقْتفاء فِي الْحَدِيثِ اسْمًا وَفِعْلًا وَمَصْدَرًا.

ابْنُ سِيدَهْ: وَفُلَانٌ قَفِيُّ أَهله وقَفِيَّتُهم أَي الْخَلَفُ مِنْهُمْ لأَنه يَقْفُو آثَارَهُمْ فِي الْخَيْرِ.

والقَافِيَة مِنَ الشِّعْرِ: الَّذِي يَقْفُو الْبَيْتَ، وَسُمِّيَتْ قَافِيَة لأَنها تَقْفُو الْبَيْتَ، وَفِي الصِّحَاحِ: لأَن بَعْضَهَا يَتْبَعُ أَثر بَعْضٍ.

وَقَالَ الأَخفش: القَافِيَة آخِرُ كَلِمَةٍ فِي الْبَيْتِ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا قَافِيَة لأَنها تَقْفُو الْكَلَامَ، قَالَ: وَفِي قَوْلِهِمْ قَافِيَةٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنها لَيْسَتْ بِحَرْفٍ لأَن الْقَافِيَةَ مُؤَنَّثَةٌ وَالْحَرْفَ مُذَكَّرٌ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ يُؤَنِّثُونَ الْمُذَكَّرَ، قَالَ: وَهَذَا قَدْ سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ، وَلَيْسَتْ تُؤْخَذُ الأَسماء بِالْقِيَاسِ، أَلا تَرَى أَن رَجُلًا وَحَائِطًا وأَشباه ذَلِكَ لَا تُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ إِنما يُنْظَرُ مَا سَمَّتْهُ الْعَرَبُ، وَالْعَرَبُ لَا تَعْرِفُ الْحُرُوفَ؟ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَخبرني مَنْ أَثق بِهِ أَنهم قَالُوا لِعَرَبِيٍّ فَصِيحٍ أَنشدنا قَصِيدَةً عَلَى الذَّالِ فَقَالَ: وَمَا الذَّالُ؟ قَالَ: وَسُئِلَ بَعْضُ الْعَرَبِ عَنِ الذَّالِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْحُرُوفِ فإِذا هُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْحُرُوفَ؛ وَسُئِلَ أَحدهم عَنْ قَافِيَةِ: " لَا يَشْتَكينَ عَمَلًا مَا أَنْقَيْنْ "فَقَالَ: أَنقين؛ وَقَالُوا لأَبي حَيَّةَ: أَنشدنا قَصِيدَةً عَلَى الْقَافِ فَقَالَ: " كَفى بالنَّأْيِ مِنْ أَسماء كَافْ فَلَمْ يَعْرِفِ الْقَافَ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: أَبو حَيَّةَ، عَلَى جَهْلِهِ بِالْقَافِ فِي هَذَا كَمَا ذَكَرَ، أَفصح مِنْهُ عَلَى مَعْرِفَتِهَا، وَذَلِكَ لأَنه رَاعَى لَفْظَةَ قَافْ فَحَمَلَهَا عَلَى الظَّاهِرِ وأَتاه بِمَا هُوَ عَلَى وَزْنِ قَافْ مِنْ كَافْ وَمِثْلِهَا، وَهَذَا نِهَايَةُ الْعِلْمِ بالأَلفاظ وإِن دَقَّ عَلَيْهِ مَا قُصِدَ مِنْهُ مِنْ قَافِيَةِ الْقَافِ، وَلَوْ أَنشده شِعْرًا عَلَى غَيْرِ هَذَا الرَّوِيِّ مِثْلَ قَوْلِهِ: آذَنَتْنا بِبَيْنِها أَسماءُ وَمِثْلَ قَوْلِهِ: لِخَوْلةَ أَطْلالٌ ببُرْقةِ ثَهْمَدِ كَانَ يُعَدُّ جَاهِلًا وإِنما هُوَ أَنشده عَلَى وَزْنِ الْقَافِ، وَهَذِهِ مَعْذِرَةٌ لَطِيفَةٌ عَنْ أَبي حَيَّةَ، وَاللَّهُ أَعلم.

وَقَالَ الْخَلِيلُ: القَافِيَة مِنْ آخِرِ حَرْفٍ فِي الْبَيْتِ إِلى أَوّل سَاكِنٍ يَلِيهِ مَعَ الْحَرَكَةِ الَّتِي قَبْلَ السَّاكِنِ، وَيُقَالُ مَعَ الْمُتَحَرِّكِ الَّذِي قَبْلَ السَّاكِنِ كأَن الْقَافِيَةَ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ قَوْلُ لَبِيدٍ: عَفَتِ الدِّيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها "مِنْ فَتْحَةِ الْقَافِ إِلى آخِرِ الْبَيْتِ، وَعَلَى الْحِكَايَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْقَافِ نَفْسِهَا إِلى آخِرِ الْبَيْتِ؛ وَقَالَ قُطْرُبٌ: القَافِيَة الْحَرْفُ الَّذِي تُبْنَى الْقَصِيدَةُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى رَوِيًّا؛ وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: القَافِيَة كُلُّ شَيْءٍ لَزِمَتْ إِعادته فِي آخِرِ الْبَيْتِ، وَقَدْ لَاذَ هَذَا بِنَحْوٍ مِنْ قَوْلِ الْخَلِيلِ لَوْلَا خَلَلٌ فِيهِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَالَّذِي يَثْبُتُ عِنْدِي صِحَّتُهُ مِنْ هَذِهِ الأَقوال هُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذِهِ الأَقوال إِنما يَخُصُّ بِتَحْقِيقِهَا صِنَاعَةَ الْقَافِيَةِ، وأَما نَحْنُ فَلَيْسَ مِنْ غَرَضِنَا هُنَا إِلا أَن نعرّفمَا الْقَافِيَةُ عَلَى مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ مِنْ غَيْرِ إِسْهَابٍ وَلَا إِطْنَابٍ؛ وأَما مَا حَكَاهُ الأَخفش مِنْ أَنه سأَل مَنْ أَنشد: " لَا يَشْتَكِينَ عَمَلًا مَا أَنقين فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَن القَافِيَة عِنْدَهُمُ الْكَلِمَةُ، وَذَلِكَ أَنه نَحَا نَحْوَ مَا يُرِيدُهُ الْخَلِيلُ، فلَطُف عَلَيْهِ أَن يَقُولَ هِيَ مِنْ فَتْحَةِ الْقَافِ إِلى آخِرِ الْبَيْتِ فَجَاءَ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ أَسهل وَبِهِ آنَس وَعَلَيْهِ أَقْدَر، فَذَكَرَ الْكَلِمَةَ الْمُنْطَوِيَةَ عَلَى الْقَافِيَةِ فِي الْحَقِيقَةِ مَجَازًا، وإِذا جَازَ لَهُمْ أَن يُسَمُّوا الْبَيْتَ كُلَّهُ قَافِيَة لأَن فِي آخِرِهِ قَافِيَةً، فَتَسْمِيَتُهُمُ الكلمة التي فيها القافية نَفْسُهَا قَافية أَجدر بِالْجَوَازِ، وَذَلِكَ قَوْلُ حَسَّانَ:

فَنُحْكِمُ بالقَوافي مَن هَجانا، ***ونَضْرِبُ حينَ تخْتَلِطُ الدِّماءُ

وَذَهَبَ الأَخفش إِلى أَنه أَراد هُنَا بالقَوَافِي الأَبيات؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَا يَمْتَنِعُ عِنْدِي أَن يُقَالَ فِي هَذَا إِنه أَراد الْقَصَائِدَ كَقَوْلِ الْخَنْسَاءِ:

وقافِيَةٍ مِثْلِ حَدِّ السِّنانِ ***تَبْقى، ويَهْلِك مَن قالَها

تَعْنِي قَصِيدَةً والقافِيَة الْقَصِيدَةُ؛ وَقَالَ:

نُبِّئْتُ قافِيَةً قيلَتْ، تَناشَدَها ***قَوْمٌ سأَتْرُك فِي أَعْراضِهِمْ نَدَبا

وإِذا جَازَ أَن تُسَمَّى الْقَصِيدَةُ كُلُّهَا قَافِيَةً كَانَتْ تَسْمِيَةُ الْكَلِمَةِ الَّتِي فِيهَا الْقَافِيَةُ قَافِيَةً أَجْدَرَ، قَالَ: وَعِنْدِي أَن تَسْمِيَةَ الْكَلِمَةِ وَالْبَيْتِ وَالْقَصِيدَةِ قَافِيَة إِنما هِيَ عَلَى إِرادة ذُو الْقَافِيَةِ، وَبِذَلِكَ خَتَم ابْنُ جِنِّي رأْيه فِي تَسْمِيَتِهِمُ الْكَلِمَةَ أَو الْبَيْتَ أَو الْقَصِيدَةَ قَافِيَة.

قَالَ الأَزهري: الْعَرَبُ تُسَمِّي البيت من الشِّعر قَافِيَة وَرُبَّمَا سَمَّوُا الْقَصِيدَةَ قَافِيَةً.

وَيَقُولُونَ: رَوَيْتُ لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا قَافِيَةً.

وقَفَّيْتُ الشِّعر تَقْفِيَة أَي جَعَلْتُ لَهُ قَافِيَةً.

وقَفَاه قَفْوًا: قَذَفه أَو قَرَفَه، وهي القِفْوةُ، بِالْكَسْرِ.

وأَنا لَهُ قَفِيٌّ: قَاذِفٌ.

والقَفْوُ القَذْف، والقَوْفُ مِثْلُ القفْو.

وَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: نَحْنُ بَنُو النَّضْرُ بْنِ كِنانة لَا نَقْذِفُ أَبانا وَلَا نقْفُو أُمنا "؛ مَعْنَى نَقْفُو: نَقْذِفُ، وَفِي رِوَايَةٍ: " لَا نَنْتَفي عَنْ أَبينا وَلَا نَقْفُو أُمنا أَي لَا نَتَّهِمُهَا وَلَا نَقْذِفُهَا.

يُقَالُ: قَفَا فُلَانٌ فُلَانًا إِذا قَذَفَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا نَتْرُكُ النَّسَب إِلى الآباءِ ونَنْتَسب إِلى الأُمهات.

وقَفَوْت الرَّجُلَ إِذا قَذَفْتَهُ بفُجور صَرِيحًا.

وَفِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: « لَا حَدَّ إِلا فِي القَفْوِ الْبَيِّنِ»؛ أي الْقَذْفِ الظَّاهِرِ.

وَحَدِيثُ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ: مَنْ قَفا مُؤْمِنًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ وقَفَه اللَّهُ فِي رَدْغةِ الخَبال.

وقَفَوْت الرَّجُلَ أَقْفُوه قَفْوًا إِذا رَمَيْتَهُ بأَمر قَبِيحٍ.

والقِفْوةُ: الذَّنْبُ.

وَفِي الْمَثَلِ: رُبَّ سَامِعٍ عِذْرَتي لَمْ يَسمَع قِفْوَتي؛ العِذْرةُ: المَعْذِرةُ، أَي رُبَّ سَامِعٍ عُذْري لَمْ يَسمع ذَنبي أَي رُبَّمَا اعْتَذَرْتُ إِلى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَنْبِي وَلَا سَمِعَ بِهِ وَكُنْتُ أَظنه قَدْ عَلِمَ بِهِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: يَقُولُ رُبَّمَا اعْتَذَرْتُ إِلى رَجُلٍ مِنْ شَيْءٍ قَدْ كَانَ مِنِّي إِلى مَنْ لَمْ يبْلُغه ذَنْبِي.

وَفِي الْمُحْكَمِ: رُبَّمَا اعْتَذَرْتُ إِلى رَجُلٍ مِنْ شَيْءٍ قَدْ كَانَ مِنِّي وأَنا أَظن أَنه قَدْ بَلَغَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَلَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِمَنْ لَا يَحْفَظُ سِرَّهُ وَلَا يَعْرِفُ عَيْبَهُ، وَقِيلَ: القِفْوَة أَن تَقُولَ فِي الرَّجُلِ مَا فِيهِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ.

وأَقْفَى الرجلَ عَلَى صَاحِبِهِ: فضَّله؛ قَالَ غَيْلَانُ الرَّبَعِيُّ يَصِفُ فَرَسًا: " مُقْفًى عَلَى الحَيِّ قَصِيرَ الأَظْماء "والقَفِيَّةُ: المَزِيَّة تَكُونُ للإِنسان عَلَى غَيْرِهِ، تَقُولُ: لَهُ عِنْدِي قَفِيَّةٌ وَمَزِيَّةٌ إِذا كَانَتْ لَهُ مُنْزِلَةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ.

وَيُقَالُ: أَقْفَيته وَلَا يُقَالُ أَمْزَيته، وَقَدْ أَقْفاه.

وأَنا قَفِيٌّ بِهِ أَي حَفِيٌّ، وَقَدْ تَقَفَّى بِهِ.

والقَفِيُّ: الضَّيْف المُكْرَم.

والقَفِيُّ والقَفِيَّةُ: الشَّيْءُ الَّذِي يُكْرَم بِهِ الضيْفُ مِنَ الطَّعَامِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: الَّذِي يُكْرَمُ بِهِ الرَّجُلُ مِنَ الطَّعَامِ، تَقُولُ: قَفَوْته، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُؤثر بِهِ الضَّيْفُ وَالصَّبِيُّ؛ قَالَ سَلَامَةُ بْنُ جَنْدَلٍ يَصِفُ فَرَسًا:

لَيْسَ بأَسْفى وَلَا أَقْنى وَلَا سَغِلٍ، ***يُسْقى دَواء قَفِيّ السَّكْنِ مَرْبُوب

وإِنما جُعِل اللبنُ دَوَاءً لأَنهم يُضَمِّرون الخيل بسَقْي اللَّبَنَ والحَنْذ، وَكَذَلِكَ القَفاوة، يُقَالُ مِنْهُ: قَفَوْته بِهِ قَفْوًا وأَقْفَيته بِهِ أَيضًا إِذا آثَرْته بِهِ.

يُقَالُ: هو مُقْتَفًى بِهِ إِذا كَانَ مُكْرَمًا، وَالِاسْمُ القِفْوَة، بِالْكَسْرِ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْبَيْتَ دِواء، بِكَسْرِ الدَّالِ، مَصْدَرُ دَاوَيْتُهُ، وَالِاسْمُ القَفَاوَة.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: اللَّبَنُ لَيْسَ بِاسْمِ القَفِيِّ، وَلَكِنَّهُ كَانَ رُفِعَ لإِنسان خَصَّ بِهِ يَقُولُ فَآثَرْتُ بِهِ الْفَرَسَ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: قَفِيُّ السَّكْنِ ضَيْفُ أَهل الْبَيْتِ.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ قَفِيٌّ بِفُلَانٍ إِذا كَانَ لَهُ مُكْرِمًا.

وَهُوَ مُقْتَفٍ بِهِ أَي ذُو لُطْف وبِرّ، وَقِيلَ: القَفِيُّ الضَّيف لأَنه يُقْفَى بالبِر وَاللُّطْفِ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا قَفِيّ بِمَعْنَى مَقْفُوّ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ قَفَوته أَقْفُوه.

وَقَالَ الْجَعْدِيُّ: لَا يُشِعْن التَّقافِيا؛ وَيُرْوَى بَيْتُ الْكُمَيْتِ:

وباتَ وَلِيدُ الحَيِّ طَيَّانَ ساغِبًا، ***وكاعِبُهمْ ذاتُ القَفاوَةِ أَسْغَبُ

أَي ذَاتُ الأُثْرَة والقَفِيَّةِ؛ وَشَاهِدُ أَقْفَيْتُه قَوْلُ الشَّاعِرِ:

ونُقْفِي وَلِيدَ الْحَيِّ إِن كَانَ جَائِعًا، ***ونُحْسِبُه إِن كَانَ لَيْسَ بجائعِ

أَيْ نُعْطِيه حَتَّى يَقُولَ حَسْبي.

وَيُقَالُ: أَعطيته القَفَاوة، وَهِيَ حَسَنُ الغِذاء.

واقْتَفَى بِالشَّيْءِ: خَص نَفْسَهُ بِهِ؛ قَالَ:

وَلَا أَتَحَرَّى وِدَّ مَن لَا يَودُّني، ***وَلَا أَقْتَفِي بالزادِ دُون زَمِيلِي

والقَفِيَّة: الطَّعَامُ يُخص بِهِ الرَّجُلُ.

وأَقْفَاه بِهِ: اخْتصَّه.

واقْتَفَى الشيءَ وتَقَفَّاه: اخْتَارَهُ، وَهِيَ القِفْوةُ، والقِفْوةُ: مَا اخْتَرْتَ مِنْ شَيْءٍ.

وَقَدِ اقْتَفَيْت أَي اخْتَرْتُ.

وَفُلَانٌ قِفْوَتي أَي خِيرَتِي مِمَّنْ أُوثره.

وَفُلَانٌ قِفْوَتي أَي تُهَمَتي، كأَنه مِنَ الأَضداد، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِرْفتي.

والقَفْوة: رَهْجة تَثُورُ عِنْدَ أَوّل الْمَطَرِ.

أَبو عَمْرٍو: القَفْو أَن يُصيب النبتَ المطرُ ثُمَّ يَرْكَبُهُ التُّرَابُ فيَفْسُد.

أَبو زَيْدٍ: قَفِئَتِ الأَرضُ قَفْأً إِذا مُطِرت وَفِيهَا نَبْتٌ فَجُعِلَ المطرُ عَلَى النَّبْتِ الغُبارَ فَلَا تأْكله الْمَاشِيَةُ حَتَّى يَجْلُوه النَّدَى.

قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ قُفِيَ العُشب فَهُوَ مَقْفُوٌّ، وَقَدْ قَفَاه السَّيل، وَذَلِكَ إِذا حَمل الماءُ الترابَ عَلَيْهِ فَصَارَ مُوبِئًا.

وعُوَيْفُ القَوَافِي: اسْمُ شَاعِرٍ، وَهُوَ عُوَيْفُ بنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُقْبة بْنَ حِصْن بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ.

والقِفْيَةُ: الْعَيْبُ؛ عَنْ كُرَاعٍ.

والقُفْيَة: الزُّبْيةُ، وَقِيلَ: هِيَ مِثْلُ الزُّبْيَةِ إِلا أَن فَوْقَهَا شَجَرًا، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ القُفْيةُ والغُفْيةُ.

والقَفِيَّةُ: النَّاحِيَةُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

فأَقْبَلْتُ حَتَّى كنتُ عِنْدَ قَفِيَّةٍ ***مِنَ الجالِ، والأَنُفاسُ مِنِّي أَصُونُها

أَي فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْجَالِ وأَصون أَنفاسِي لِئَلَّا يُشعَر بي.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


32-تهذيب اللغة (حق)

حق: قال الليث: الحقّ: نقيض الباطل، تقول: حَقّ الشيءُ يَحِقّ حَقّا معناه: وجب يجب وجوبًا.

وتقول: يحِقّ عليك أن تفعل كذا وكذا، وأنت حقيق عليك ذلك، وحقيق عليّ أن أفعله.

قال: وحقيق فعيل في موضع مفعول تقول: أنت محقوق أن تفعل ذلك، وتقول للمرأة: أنت حقيقة لذلك، يجعلونه كالاسم، وأنت محقوقة أن تفعلي ذلك.

وقال الأعشى:

لمحقوقة أن تستجيبي لصوته *** وأن تعلمي أن المعان موفّق

وقال شمر: تقول العرب حَقّ عليّ أن أفعل ذلك، وحُقّ، وإني لمحقوق أن أفعل خيرًا.

قال: وقال الفراء حُقّ لك أن تفعل كذا، وحَقّ عليك أن تفعل كذا، فإذا قلت: حُقّ قلت: لك وإذا قلت حَق قلت: عليك.

قال: وتقول: يَحِقّ عليك أن تفعل كذا وحقّ لك، ولم يقولوا: حَقَقْت أن تفعل.

قال: ومعنى قول من قال حَقّ عليك أن تفعل: وجب عليك.

قال وتقول: إنك لحقيق أن تفعل كذا، وحقيق في حَقّ وحُقّ في معنى مفعول.

وقال الله تعالى: {حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ} [الأعراف: 105].

وقال: {فَحَقَ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا} [الصَّافات: 31].

وقال جرير:

* قَصِّر فإنك بالتقصير محقوق *

وقال الفرزدق:

إذا قال غاوٍ من مَعَدّ قصيدة *** بها جرب عُدّت عليّ بَزوْبَرا

فينطقُها غيري وأُرمى بذنْبها *** فهذا قضاء حَقُّه أن يغيَّرا

قال: حَقّه أي حُقّ له.

وتقول ما كان بحقك أن تفعل ذاك في معنى ما حُقّ لك.

وقد حُقّ حَذرك.

ولا تقل حَقّ حَذَرك، وحقَقت حَذَرك وأحقتته أي فعلت ما كان يحذر.

والعرب تقول: حققت عليه القضاء أحُقّه حَقًّا وأحققته أُحِقّه إحقاقًا أي أوجبته.

ومنه قول الله جلّ وعزّ: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البَقَرَة: 236] منصوب على معنى: حَقّ ذلك عليهم حقًّا.

وهذا قول أبي إسحاق النحوي.

وقال الفراء في نصب قوله {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} وما أشبهه في الكتاب: إنه نصب من جهة الخبر، لا أنه من نعت قوله {مَتاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا} [البقرة: 236].

قال وهو

كقولك عبد الله في الدار حقًا إنما نصب حقًا من نيّة كلام المخبِر، كأنه قال: أخبركم بذلك حَقًّا.

قلت: وهذا القول يقرب مما قاله أبو إسحاق؛ لأنه جعله مصدرًا مؤكِّدًا، كأنه قال أخبركم بذلك أحَقُ حَقًّا.

وقال أبو زكريا الفراء: وكل ما كان في القرآن من نكرات الحقّ أو معرفته أو ما كان في معناه مصدرًا فوجه الكلام فيه النصب كقول الله جلّ وعزّ: {وَعْدَ الْحَقِ} [إبراهيم: 22] و {وَعْدَ الصِّدْقِ} [الأحقاف: 16].

قلت: كأنه قال: أعِد وعد الحقّ ووعد الصدق.

وأما قول الله جلّ وعزّ: {هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ} [الكهف: 44] فالنصب في الحقّ جائز.

تريد: حقًّا أي أَحُقّ الحقّ وأُحِقّه حقًا، قال: وإن شئت خفضت الحق تجعله صفة لله، وإن شئت رفعته فجعلته من صفة الولاية هنالك الولاية الحقُ لله.

وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ: {قالَ فَالْحَقُ وَالْحَقَ أَقُولُ} [ص: 84] قرأ القراء الأول بالرفع والنصب، رُوِي الرفع عن عبد الله بن عباس.

المعنى فالحق مني وأقول الحق.

وقد نصبهما معًا كثير من القراء، منهم من يجعل الأوّل على معنى: الحقَ لأملأن، وينصب الثاني بوقوع الفعل عليه ليس فيه اختلاف.

وأما قوله جلّ وعزّ: {ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِ} [مريَم: 34] رفع الكسائي القول، وجعل الحق هو الله.

وقد نصب {قول} قوم من القراء يريدون: ذلك عيسيا بن مريم: قولًا حقًّا.

وقال الليث: الحَقَّة من الحقّ كأنها أوجب وأخصّ.

تقول: هذه حَقَّتي أي حَقّي.

قال: والحقيقة: ما يصير إليه حَقّ الأمر ووجوبه.

تقول: أبلغت حقيقة هذا الأمر، تعني يقين شأنِه.

وجاء في الحديث: «لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى لا يعيب مسلمًا بعيب هو فيه».

وقال أبو عبيد وغيره: الحقيقة الرَّاية.

وقيل: حقيقة الرجل: ما يلزمه حفظه ومنعه.

والعرب تقول: فلان يسوق الوَسِيقة، ويَنْسِل الوَدِيقة، ويحمي الحقيقة.

فالوسيقة: الطريدة من الإبل، سميت وسيقة لأن طاردها يسِقها إذا ساقها أي يَقْبِضُها والودَيقة: شدة الحر والحقيقة ما يحقّ عليه أن يحميه.

وقال الليث حقيقة الرجل: ما يلزمه الدفاع عنه.

وجمعها الحقائق.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي: قال الحقيقة: الراية.

والحقيقة: الحُرْمة.

والحقيقة: الفِنَاء.

وقال ابن المظفر: أحَقَ الرجلُ إذا قال حَقًّا، أو ادَّعى حقًّا فوجب له.

وقال: حقَّق الرجل إذا قال: هذا الشيء هو الحقّ كقولك: صدّق.

أبو عبيد عن الكسائي: حَقَقْت الرجل وأحققته إذا غلبته على الحق وأثبتَّه عليه.

قال أبو عبيد: وقال أبو زيد حقَقْت حَذَر الرجل وأحققته: فعلت ما كان يحذر.

وقال شمر: حققت الأمر وأحققته إذا كنت على يقين منه.

وأحققت عليه القضاء إذا أوجبته.

قال ولا أعرف ما قال الكسائي في حققت الرجل وأحققته إذا غلبته على الحق.

قلت هو عندي من قولك حاققته فحققته أي غلبته على الحقّ.

وقول الله جلّ وعزّ: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة: 1 ـ 3] الحاقّة: الساعة والقيامة.

سمّيت حاقّة لأنها تَحُقّ كل إنسان بعمله من خير وشرّ.

قال ذلك الزجاج.

وقال الفراء: سميت حاقة لأن فيها حواقّ الأمور والثواب.

قال والعرب تقول لما عَرَفت الحَقّة مني هَرَبَتْ.

والحقَّة والحاقّة بمعنى واحد.

وقال غيرهما: سميت القيامة حاقة لأنها تَحُقّ كل مُحاقّ في دين الله بالباطل، أي كل مجادل ومخاصم فتحُقه أي تغلبه وتخصُمه، من قولك حاققته أحاقه حِقَاقًا ومحاقة فحققته أحُقّه أي غلبته وفَلَجْت عليه.

وقال أبو إسحاق في قوله الْحَاقَّةُ رفعت بالابتداء و (مَا) رَفْعٌ بالابتداء أيضًا.

والْحَاقَّةُ الثانية خبر (مَا) والمعنى تفخيم شأنها.

كأنه قال: الحاقة أي شيء الحاقة! وقوله: (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) معناه: أيّ شيء أعلمك ما الحاقة و (ما) موضعها رفع، وإن كانت بعد «أَدْراكَ» المعنى ما أعلمك أيٌّ شيء الحاقّة.

وفي حديث ابن عمر أن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم قال: «ما حَقّ امرىء يبيت ليلتين إلا وصيَّته عنده».

قال الشافعي معناه ما الحزم لامرىء وما المعروف في الأخلاق لامرىء إلّا هذا، لا أنه واجب.

قلت: وهو كما قال الشافعي رَحمه اللهُ.

وفي حديث عليّ رضي‌الله‌عنه: إذا بلغ النساءُ نَصّ الحقائق، ورواه بعضهم: نصّ الحقاق فالعَصَبة أولى.

قال أبو عبيد: نَصّ كل شيء منتهاه، ومبلغ أقصاه، قال: وأراد بنصّ الحِقَاق.

الإدراك؛ لأن وقت الصغر ينتهي، فتخرج الجارية من حدّ الصغر إلى الكبر.

يقول: فإذا بلغت الجارية ذلك فالعَصَبة أولى بها من أمّها، وبتزويجها وحضانتها إذا كانوا مَحْرَمًا لها؛ مثل الآباء والإخوة والأعمام.

قال: والحقاق المحاقة، وهو أن تحاقّ الأمُّ العَصَبة في الجارية، فتقول: أنا أحق بها، ويقولون: بل نحن أحقّ.

قال: وبلغني عن ابن المبارك أنه قال: نَصّ الحقاق: بلوغ العقل، وهو مثل الإدراك لأنه إنما أراد ينتهي الأمر الذي تجب به الحقوق والأحكام، فهو العقل والإدراك.

قال أبو عبيد: ومن رواه نصّ الحقائق.

فإنه أراد جمع حقيقة وحقائق.

وقال الليث: يقال للرجل إذا خاصم في صغار الأشياء: إنه لَنَزِق الحِقَاق.

وقال ابن عباس في قراء القرآن: متى ما يَغْلوا يحتقّوا.

يعني المِرَاء في القرآن.

ومعنى يحتَقّوا: يختصموا، فيقول كل واحد منهم: الحقّ معي فيما قرأت.

يقال تحاقّ القومُ واحتقّوا إذا تخاصموا، وقال كل واحد منهم: الحقّ بيدي ومعي.

والمحتق من الطعن النافذ إلى الجوف.

ومنه قول أبي كبير الهذلي:

فمضت وقد شرع الأسنةُ نحوها *** من بين محتَقِ بها ومشرَّم

أراد: من بين طعن نافذ في جوفها، وآخر قد شرَّم جِلدها، ولم ينفذ إلى الجوف.

وقال الله جلّ وعزّ: {فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} [المائدة: 107] معناه: فإذا طُّلع على أنهما استوجبا إثمًا أي جناية باليمين الكاذبة التي أقدما عليها {فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما} من ورثة المتوفّى {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَ عَلَيْهِمُ} أي مُلِك عليهم حقّ من حقوقهم بتلك اليمين الكاذبة.

وقد قيل معنى {عَلَيْهِمُ} عليهم: منهم.

وإذا اشترى رجل دارا من رجل فادّعاها رجل آخر، وأقام بيّنة عادلة على دعواه وحَكَم له الحاكم ببيّنته فقد استحقّها على المشتري الذي اشتراها أي مَلَكَها عليه، وأخرجها الحاكم من يد المشتري إلى يد من استحقّها، ورجع المشترِي على البائع بالثمن الذي أدّاه إليه.

والاستحقاق والاستيجاب قريبان من السواء.

وقال شمر: يقال: عَذَر الرجل وأعذر، واستحقّ واستوجب إذا أذنب ذنبًا استوجب به عقوبة.

ومنه حديث النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «لا يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم».

عمرو عن أبيه: يقال: استلاط القوم، واستحقّوا، واستوجبوا، وأوجبوا، وأسْفَوا، وأوفوْا، وأطَلُّوا، ودَنَوا، وعَذَروا وأعذروا وعذّروا إذا أذنبوا ذنوبًا يكون لمن يعاقبهم عذر في ذلك لاستحقاقهم.

ويقال: استحقّت إبلنا ربيعًا، وأحقَّت ربيعًا: إذا كان الربيع تامًّا فرعته.

وقد أحقَ القومُ إحقاقًا إذا أسمنوا أي سمن مالهم.

واستحقَّت الناقةُ سمنًا وأحقَّت وحقَّت إذا سمنت.

واستحقَّت الناقة لقاحًا إذا لقِحت، واستحق لقاحها.

يجعل الفعل مرّة للناقة، ومرَّة للقاح.

والحِقّ والحِقّة في حديث صَدَقات الإبل والديات.

قال أبو عبيد: البعير إذا استكمل السنة الثالثة ودخل في الرابعة فهو حينئذٍ حِقّ، والأنثى حِقّة.

وهي التي تؤخذ في صدقة الإبل إذا جاوزت خمسًا وأربعين.

قال: ويقال: إنه سمي حِقًّا لأنه قد استحق أن يُحمل عليه ويُركب.

قال ويقال هو حِقّ بيِّن الحِقّة.

وقال الأعشى:

بحقَّتِها ربُطت في اللَجِي *** ن حتى السَدِيس لها قد أسنّ

قلت: ويقال: بعير حِقّ بيّن الحِقّ بغير هاء.

وقال ذو الرمة:

أفانِينَ مكتوب لها دون حِقّها *** إذا حملها راش الحِجَاجين بالثُكْل

وقال الأصمعي: يقال: أتت الناقة على حِقّها أي على وقتها الذي ضربها الفحل فيه من قابل هو تَمَامُ حمل الناقة حتى يستوفي الجنينُ السنة.

ومعنى البيت أنه كُتب لهذه النجائب إسقاط أولادها قبل إنَى نتاجها.

وذلك أنها رُكبت في سفر أتعبها فيه شدَّة السير، حتى أجهضت أولادها.

وقال بعضهم: سمّيت الحِقّة حِقّة لأنها استحقّت أن يَطْرُقها الفحل.

وتجمع الحِقّة حِقاقًا وحقائق.

وقال الراجز في الحقائق:

ومَسَدٍ أُمِرَّ من أيانِقِ *** لسن بأنياب ولا حقائقِ

وهذا مِثْل جمعهم امرأة غِرَّة على غرائر، وكجمعهم ضرَّة على ضرائر، وليس ذلك بقياس مطَّرِد.

وقال عَدِيّ:

أيُّ قوم قومي إذا عزَّت الخَمْ *** ر وقامت زِقاقهم بالحِقاق

ويروى: وقامت حقاقهم بالزقاق.

وحِقَاق الشجو: صغارها، شُبّهت بحِقاق الإبل.

وقال أبو مالك: أحقَّت البَكْرةُ إذا استوفت ثلاث سنين، فإذا لقحت حين تُحِقّ قيل: لقحت على بَسْرها.

قال: ويقال استحقّت الناقةُ سِمَنًا، وحَقَّت وأحقت إذا سَمِنتْ وأحق القومُ إحقاقًا إذا سمن مالهم.

قال: واحتَقَ المالُ احتقاقًا إذا سمن وانتهى سِمَنه.

وحكى ابن السكيت عن أبي عطاء أنه قال: أتيت أبا صفوان فقال لي: ممن أنت؟ وكان أعرابيًا، فأراد يمتحنه.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


33-تهذيب اللغة (جوظ)

جوظ: روى أبو العباس، عن سلَمة، عن الفَرّاء: يقال للرّجُل الطّويل الْجِسم، الأكُول، الشّرُوب، البَطِر، الْكافِرِ: جَوّاظ، جَظٌّ، جِعْظار.

وقال الليث: الْجَوّاظَةُ الأكُول.

وقال النّضر: الْجَوّاظ الصَّيّاحُ.

وفي «نوادر الأعراب»: رَجُلٌ جَيّاظٌ سَمينٌ سَمِجُ المِشْيَة.

وقال أبو سَعيد: الْجُوَاظُ الضجَرُ، وقِلّة الصّبر على الأمور، يقال: ارْفُقْ بجُواظِكَ، ولا يُغْنِي جُواظُكَ عنك شيئًا.

وروى القُتَيبيُّ عن أبي حاتم عن أبي زيد، أنه قال: الجَوَّاظ الكثير اللحم، المختال في مِشْيته، ونحو ذلك.

قال الأصمعيْ، وأنشد لرُؤبة:

* يَعْلو به ذا الْقَصَلِ الجوّاظا*

قال أبو زيد: والجَعْظَرِيُّ: الذي ينتفخ بما ليس عنده.

وهو إلى القِصَرِ ما هو.

وحدثنا السّعديّ قال: حدثنا الصَّغَانيّ قال: حدثنا أبو نُعَيم قال: حدثنا سُفْين عن معبد بن خالد قال: سمعت حارثة بن وهب الخزاعيّ قال: سمعت رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم يقول: «ألا أُخبركم بأهلِ النار؟ كلُّ عُتُلٍ جَوّاظٍ مُستكبر».

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com