نتائج البحث عن (أَسْقَطَتْهُ)
1-العربية المعاصرة (طرح)
طرَحَ/طرَحَ ب يطرَح، طَرْحًا، فهو طارح، والمفعول مَطْروح وطريح.* طرَحه أرضًا/طرَح به أرضًا: رمى به، قذفه، ألقاه (طرَح حجرًا في النَّهر- طرَح أحزانَه/العادات القديمة/التعصُّب: تخلّى عنها- جسد طريح- طرح به في السجن- {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا} [قرآن]) (*) طرحت الأنثى الجنين: أسقطته قبل اكتماله أو تمامه- طرح له الوسادة: هيأ له الجوّ- طرحه جانبًا: أهمله وتركه.
* طرَح المسألةَ/طرَح عليه المسألةَ: قدّمها، عرضها للبحث والدّرس والمناقشة (طرَح عليه وجهةَ نظر/سؤالًا- اقتراحٌ مطروح) - طرح الثِّقَة بالحكومة على المجلس التشريعيّ: طلب التصويت عليها- طرح المشروع في المناقصة: عرضه على الرّاغبين في القيام به؛ للمنافسة على تقديم عروضهم- طرح عليه الرِّداء: ألقاه عليه، غطّاه به.
* طرَح عنه الهمَّ: ألقاه وأبعده عنه.
* طرَحَ عددًا من آخر: [في الجبر والإحصاء] أنقصه، أو أسقطه منه.
اطَّرحَ يَطَّرِح، اطِّراحًا، فهو مُطَّرِح، والمفعول مُطَّرَح.
* اطَّرح الكرةَ في الملعب: طرحها؛ ألقاها، قذفها (اطَّرح النُّفاية في البَحر- اطَّرِحْ عنك الخيالات الوهميّة).
انطرحَ/انطرحَ على يَنطرِح، انطراحًا، فهو مُنطرِح، والمفعول مُنطرَح عليه.
* انطرح أرضًا/انطرح على الأرض: مُطاوع طرَحَ/طرَحَ ب: استلقى وارتمى (سمع صوت الانفجار فانطرح أرضًا- انطرح على الأريكة من التعب: اضطجع عليها).
تطارحَ يَتطارَح، تطارُحًا، فهو مُتطارِح، والمفعول مُتطارَح.
* تطارحوا العِلْمَ: تبادلوه (تطارحا الحديث في حلّ القضيَّة- تطارحوا كلماتِ المجاملة).
طارحَ يُطارِح، مُطارحةً، فهو مُطارِح، والمفعول مُطارَح.
* طارح الشخصَ الكلامَ: ناظره، بادله إياه وحاوره (طارحه الحديث/الأسئلة) (*) طارحها الغرام: بادلها الهوى والحبّ.
* طارح زميلَه الشِّعرَ: جاء من محفوظه بشعر يبنيه على ما ذكر زميله من شعر (كانت بينهما مطارحة شعرية رائعة).
أُطرُوحة [مفرد]: جمعه أطروحات:
1 - فكرة أو مسألة تُقدَّم للبحث (جلس المسئولون يناقشون أطروحات المشروع).
2 - رسالة علمية يكتبها الطالب الجامعي للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه (بذل قصارى جهده في أطروحته- وقف يعرض أطروحته أمام اللجنة).
طَرْح [مفرد]: مصدر طرَحَ/طرَحَ ب.
* طرْحُ النَّهر: [في البيئة والجيولوجيا] أرض تتكوّن على شاطئ النهر نتيجة توالي الغِرْيَن أو الطمي عليها.
* طرْح ثلجيّ: [في البيئة والجيولوجيا] صخور وأتربة تتخلَّف عن تحرُّك الثلج عند ذوبانه.
طِرْح [مفرد]:
1 - مطروح.
2 - جنين ألقته أُمُّه قبل التمام (كان طِرْح الشاة صغير الحجم غير مكتمل الخِلْقة).
طَرْحَة [مفرد]: جمعه طَرَحات وطَرْحَات وطِرَاح وطُرَح: غطاءٌ تلبسه المرأة يغطِّي رأسها وكتفيها (لبست العروسة الطرحة في حفل زفافها).
طَريح [مفرد]: جمعه طَرْحى، والمؤنث طريح وطريحة، والجمع المؤنث طريحات وطَرْحى: صفة ثابتة للمفعول من طرَحَ/طرَحَ ب: مطروح، مُلْقًى، مرمِيّ، متروك (*) طريح الفراش: مريض، مُلازِم الفراش لعِلَّة.
طريحة [مفرد]: جمعه طريحات وطَرَايحُ:
1 - مؤنَّث طَريح.
2 - كمية محددة يجب عملُها مطلقًا من نسيج أو بناء أو تأليف أو نحو ذلك (*) شُغْل بالطَّريحة.
مَطرَح [مفرد]: جمعه مَطارِحُ:
1 - اسم مكان من طرَحَ/طرَحَ ب: سكن أو مَجْلِس (يعيش في مطرَح كبير).
2 - مكان بعيد (قذف به السفر إلى ذلك المطرح- هاجر فلم يجد سوى ذاك المطرح) (*) طرح به الدهر كل مطرح: بعُد به عن أهله وعشيرته.
مِطْرَحة [مفرد]: جمعه مَطارِحُ: اسم آلة من طرَحَ/طرَحَ ب: أداة يلقى بها الخبز في الفُرْن (صنع مِطْرحةً من الخشب).
مطروح [مفرد]:
1 - اسم مفعول من طرَحَ/طرَحَ ب.
2 - [في الجبر والإحصاء] أصغر العددين اللذين يُراد إيجاد الفرق بينهما، والمطروح منه: أكبرهما.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
2-المعجم الوسيط (المَلِيصُ)
[المَلِيصُ]: الولدُ الذي أَسقطته أُمُّه.المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
3-شمس العلوم (الإِزْلَاقُ)
الكلمة: الإِزْلَاقُ. الجذر: زلق. الوزن: الْإِفْعَال.[الإِزْلَاقُ]: أزلقه فزلق: أي أدحضه.
أزلقت الحاملُ ولدَها: أي أسقطته، فهي مُزْلِق.
وأزلقه ببصره: أي أحدَّ النظر إِليه، قال الله تعالى: {لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ} أي لَيُدْحضونك من شدة البغضاء من النظر إِليك بأبصارهم.
وأزلق رأسه: أي حلقه.
لغة في زَلَقَ.
شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م
4-القاموس المحيط (سقط)
سَقَطَ سُقوطًا ومَسْقَطًا: وَقَعَ،كاسَّاقَطَ، فهو ساقِطٌ وسَقوطٌ. والموضِعُ: كمَقْعَدٍ ومَنْزِلٍ،
وـ الوَلَدُ من بَطْنِ أمه: خَرَجَ، ولا يقالُ: وَقَعَ،
وـ الحَرُّ: أقَبَلَ، ونَزَلَ،
وـ عَنَّا: أقْلَعَ، ضِدٌّ،
وـ في كَلامِهِ: أخْطأ،
وـ القومُ إليَّ: نَزَلُوا. وهذا مَسْقَطَةٌ له من أعْيُنِ الناسِ.
ومَسْقَطُ الرأسِ: المَوْلِدُ.
وتَساقَطَ: تَتَابَعَ سُقوطُه.
وساقَطَه مُساقَطةً وسِقاطًا: تابَعَ إسْقاطَه.
والسَّقْطُ، مُثَلَّثَةً: الوَلَدُ لغيرِ تَمامٍ، وقد أسْقَطَتْهُ أمُّه، وهي مُسْقِطٌ.
ومُعْتادَتُه: مِسْقاطٌ، وما سَقَطَ بين الزَّنْدَيْنِ قَبْلَ استِحكامِ الوَرْيِ، ويُؤَنَّثُ، وحيثُ انْقَطَعَ مُعْظَمُ الرَّمْلِ ورَقَّ،
كمَسْقَطِهِ، وبالفتح: الثَّلْجُ، وما يَسْقُطُ من النَّدَى، ومن لا يُعَدُّ في خِيارِ الفِتْيانِ،
كالساقِطِ، وبالكسر: ناحيةُ الخِباءِ، وجَناحُ الطائرِ،
كسِقاطِه، بالكسر،
ومَسْقَطِه، كمَقْعَدِه، وطَرَفُ السحابِ، وبالتحريك: ما أُسْقِطَ من الشيءِ، وما لا خيرَ فيه
ج: أسْقاطٌ، والفضِيحةُ، ورَدِيءُ المَتاعِ، وبائعُه:
السَّقَّاطُ والسَّقَطِيُّ، والخَطَأ في الحِسابِ والقولِ، وفي الكِتابِ،
كالسِّقاطِ، بالكسر.
والسُّقاطةُ والسُّقاطُ، بضمهما: ما سَقَطَ من الشيء.
وسُقِطَ في يدِه،
وأُسْقِطَ، مضمومتينِ: زَلَّ، وأخْطأ، ونَدِمَ، وتَحَيَّرَ.
والسَّقيطُ: الناقِصُ العقْلِ،
كالسَّقيطةِ، والبَرَدُ، والجَليدُ،
وما سَقَطَ من النَّدَى على الأرضِ.
وما أسْقَطَ كلمةً،
وـ فيها: ما أخْطأ.
وأسْقَطَه: عالَجَه على أن يَسْقُطَ، فَيُخْطِئَ أو يَكْذبَ أو يَبوحَ بما عندَه،
كتَسَقَّطَه.
والسَّواقِطُ: الذينَ يَرِدونَ اليمامةَ لامْتِيارِ التَّمْرِ. وككتابٍ: ما يَحْمِلونَه من التَّمْرِ.
والساقِطُ: المُتَأخِّرُ عن الرِّجالِ.
وساقطَ الشيءَ مُسَاقَطَةً وسِقاطًا: أسْقَطَه، أو تابَعَ إسْقاطَه،
وـ الفرسُ العَدْوَ سِقاطًا: جاءَ مُسْتَرْخِيًا،
وـ فلانٌ فلانًا الحديث: سَقَطَ من كُلٍّ على الآخَرِ، بأَن يَتَحَدَّثَ الواحدُ ويُنْصِتَ الآخَرُ، فإذا سَكَتَ، تَحَدَّثَ الساكِتُ.
وكشدَّادٍ وسَحابٍ: السيفُ يَسْقُطُ وراءَ الضَّريبةِ، ويَقْطَعُها حتى يَجوزَ إلى الأرضِ، أو يَقْطَعَ الضَّريبةَ ويَصِلَ إلى ما بعدَها. وككِتابٍ: ما سَقَطَ من النَّخْلِ من البُسْرِ، والعَثْرَةُ، والزَّلَّةُ، أو هي جَمْعُ سَقْطةٍ، أو هُما بمَعْنًى.
وكمَقْعَدٍ: د بساحِلِ بَحْرِ عُمانَ، ورُسْتاقٌ بساحلِ بحرِ الخَزَرِ، ووادٍ بين البَصْرَةِ والنِّباجِ.
وتَسَقَّطَ الخَبَرَ: أخَذَه قليلًا قليلًا،
وـ فلانًا: طَلَبَ سَقَطَه.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
5-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (هوا)
(هوا) - في حديث رَبيعةَ بن كَعْب - رضي الله عنه -: "كُنتُ أَسْمَعَهُ الهَوِىَّ من اللَّيْلِ، يَقول: "سُبحان الله وبِحَمْده"قال الخليل: الهَوِىُّ: الحِينُ الطوِيلُ مِن الزّمَان.
وقال غيره: هو الوقْتُ الطَّويل من اللَّيلِ.
وذكَر بعضُ من يَدّعى اللُّغَة في رِواية جَاء فيها يقُول: "سُبحان
الله وَبحمدِه الهَوِىِّ"
إنه بكسْر الياءِ، ويَجعله صِفَةً لله عزّ وجلَّ، يريد به النزول، وهو خَطأٌ، بدليل تقدُّم الهوِىَّ في هذه الرَّوَاية.
وقيل: الهَويُّ - بالفتح - الذَّهابُ في الانحِدارِ، وبالضّمّ في الارتفاع، وقيل: بالضِّدِّ.
- في الحديث: "فأَهْوَى بِيَدِه"
يُقال: أَهوَى يَدَه وبيدِه إلى الشَّىءِ: إذا مالَ إليه، ونَحَا نَحوَه ليَأْخُذَه.
ويُقال: هَوَت به أُمُّه: أي أسقطَتْهُ وأَلقَتْه سِقْطًا.
المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م
6-معجم البلدان (جيرفت)
جِيرَفْت:بالكسر ثم السكون، وفتح الراء، وسكون الفاء، وتاء فوقها نقطتان: مدينة بكرمان في الإقليم الثالث، طولها ثمان وثمانون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة ونصف وربع، وهي مدينة كبيرة جليلة من أعيان مدن كرمان وأنزهها وأوسعها، بها خيرات ونخل كثير وفواكه، ولهم نهر يتخلل البلد إلا أن حرّها شديد قال الإصطخري: ولهم سنّة حسنة لا يرفعون من تمورهم ما أسقطته الريح بل هو للصعاليك، وربما كثرت الرياح فيصير إلى الفقراء من التمور في التقاطهم إياها أكثر مما يصير إلى الأرباب، قال: والتمر بها كثير وربما بلغ بها وبجرومها كلّ مائة من بدرهم وفتحت جيرفت في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وأمير المسلمين سهيل بن عدي، وهو القائل في ذلك:
«ولم تر عيني مثل يوم رأيته، *** بجيرفت من كرمان، أدهى وأمقرا»
«أردّ على الجلّى، وإن دار دهرهم، *** وأكرم منهم في اللقاء وأصبرا»
وقال كعب الأشقري شاعر المهلب في حروب الأزارقة:
«نجا قطريّ، والرماح تنوشه، *** على سابح نهد التّليل مقرّع»
«يلفّ به السّاقين ركضا، وقد بدا *** لأسناعه يوم من الشرّ أشنع»
«وأسلم في جيرفت أشراف جنده، *** إذا ما بدا قرن من الباب يقرع»
وينسب إليها جماعة من العلماء، منهم: أبو الحسن أحمد بن عمر بن عليّ بن إبراهيم بن إسحق الجيرفتي، حدث بشيراز عن أبي عبيد الله محمد بن علي بن الحسين ابن أحمد الأنماطي، سمع منه أبو القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي وقال الرّهني: وبجيرفت ناس من الأزد ثم من المهالبة، منهم محمد بن هارون النّسّابة أعلم خلق الله تعالى بأنساب الناس وأيامهم، قال: ورأيته شيخا همّا طاعنا في السن، وكان أعلم من رأيت بنسب نزار واليمن، وكان مفرطا في التشيّع، وكان له ابنان عبد الله وعبد العزيز، فنظر عبد العزيز في الطب فحسن عمله فيه وألطف النظر من غير تقليد وألّف فيه تآليف.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
7-موسوعة الفقه الكويتية (إجهاض)
إِجْهَاضٌالتَّعْرِيفُ:
1- يُطْلَقُ الْإِجْهَاضُ فِي اللُّغَةِ عَلَى صُورَتَيْنِ: إِلْقَاءِ الْحَمْلِ نَاقِصَ الْخَلْقِ، أَوْ نَاقِصَ الْمُدَّةِ، سَوَاءٌ مِنَ الْمَرْأَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَالْإِطْلَاقُ اللُّغَوِيُّ يَصْدُقُ سَوَاءٌ كَانَ الْإِلْقَاءُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ أَمْ تِلْقَائِيًّا.
2- وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِكَلِمَةِ إِجْهَاضٍ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى.وَكَثِيرًا مَا يُعَبِّرُونَ عَنِ الْإِجْهَاضِ بِمُرَادِفَاتِهِ كَالْإِسْقَاطِ وَالْإِلْقَاءِ وَالطَّرْحِ وَالْإِمْلَاصِ.
صِفَةُ الْإِجْهَاضِ حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:
3- مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ الْإِجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ، وَبَيْنَ حُكْمِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَ التَّكَوُّنِ فِي الرَّحِمِ وَالِاسْتِقْرَارِ، وَلَمَّا كَانَ حُكْمُ الْإِجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ مَوْضِعَ اتِّفَاقٍ كَانَ الْأَنْسَبُ الْبَدْءَ بِهِ ثُمَّ التَّعْقِيبُ بِحُكْمِهِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ، مَعَ بَيَانِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ وَاتِّجَاهَاتِهِمْ فِيهِ.
أ- حُكْمُ الْإِجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ:
4- نَفْخُ الرُّوحِ يَكُونُ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسِلُ الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ».وَلَا يُعْلَمُ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْرِيمِ الْإِجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ.فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا نُفِخَتْ فِي الْجَنِينِ الرُّوحُ حُرِّمَ الْإِجْهَاضُ إِجْمَاعًا.وَقَالُوا إِنَّهُ قَتْلٌ لَهُ، بِلَا خِلَافٍ.
وَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ إِطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ تَحْرِيمَ الْإِجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ أَنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ فِي بَقَائِهِ خَطَرٌ عَلَى حَيَاةِ الْأُمِّ وَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.وَصَرَّحَ ابْنُ عَابِدِينَ بِذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ كَانَ الْجَنِينُ حَيًّا، وَيُخْشَى عَلَى حَيَاةِ الْأُمِّ مِنْ بَقَائِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْطِيعُهُ؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ بِهِ مَوْهُومٌ، فَلَا يَجُوزُ قَتْلُ آدَمِيٍّ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ.
ب- حُكْمُ الْإِجْهَاضِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ:
5- فِي حُكْمِ الْإِجْهَاضِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ اتِّجَاهَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَأَقْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ، حَتَّى فِي الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُبَاحُ الْإِسْقَاطُ بَعْدَ الْحَمْلِ، مَا لَمْ يَتَخَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ.وَالْمُرَادُ بِالتَّخَلُّقِ فِي عِبَارَتِهِمْ تِلْكَ نَفْخُ الرُّوحِ.وَهُوَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ اللَّخْمِيُّ فِيمَا قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَقَالَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ أَيْضًا، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: لَوْ كَانَتِ النُّطْفَةُ مِنْ زِنًا فَقَدْ يُتَخَيَّلُ الْجَوَازُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ.وَالْإِبَاحَةُ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي أَوَّلِ مَرَاحِلِ الْحَمْلِ، إِذْ أَجَازُوا لِلْمَرْأَةِ شُرْبَ الدَّوَاءِ الْمُبَاحِ لِإِلْقَاءِ نُطْفَةٍ لَا عَلَقَةٍ، وَعَنِ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّ مَا لَمْ تَحِلَّهُ الرُّوحُ لَا يُبْعَثُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إِسْقَاطُهُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَلِكَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ وَجْهٌ.
6- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ لِعُذْرٍ فَقَطْ، وَهُوَ حَقِيقَةُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ.فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ كَرَاهَةِ الْخَانِيَّةِ عَدَمَ الْحِلِّ لِغَيْرِ عُذْرٍ، إِذِ الْمُحْرِمُ لَوْ كَسَرَ بَيْضَ الصَّيْدِ ضَمِنَ لِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ.فَلَمَّا كَانَ يُؤَاخَذُ بِالْجَزَاءِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَلْحَقَهَا- مَنْ أَجْهَضَتْ نَفْسَهَا- إِثْمٌ هُنَا إِذَا أَسْقَطَتْ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّ مِنَ الْأَعْذَارِ أَنْ يَنْقَطِعَ لَبَنُهَا بَعْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ وَلَيْسَ لِأَبِي الصَّبِيِّ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ الظِّئْرَ (الْمُرْضِعَ) وَيَخَافُ هَلَاكَهُ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبَانَ: إِنَّ إِبَاحَةَ الْإِسْقَاطِ مَحْمُولَةٌ عَلَى حَالَةِ الضَّرُورَةِ.وَمَنْ قَالَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِالْإِبَاحَةِ دُونَ تَقْيِيدٍ بِالْعُذْرِ فَإِنَّهُ يُبِيحُهُ هُنَا بِالْأَوْلَى، وَقَدْ نَقَلَ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ عَنِ الزَّرْكَشِيِّ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَعَتْهَا ضَرُورَةٌ لِشُرْبِ دَوَاءٍ مُبَاحٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْإِجْهَاضُ فَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَا تَضْمَنُ بِسَبَبِهِ.
7- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا.وَهُوَ مَا قَالَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ.فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنْهُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِلْقَاءُ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ تُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي الرَّحِمِ مَآلُهُ الْحَيَاةُ، فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْحَيَاةِ، كَمَا فِي بَيْضَةِ صَيْدِ الْحَرَمِ.وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَقَوْلٌ مُحْتَمَلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.يَقُولُ الرَّمْلِيُّ: لَا يُقَالُ فِي الْإِجْهَاضِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ إِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، بَلْ مُحْتَمَلٌ لِلتَّنْزِيهِ وَالتَّحْرِيمِ، وَيَقْوَى التَّحْرِيمُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ زَمَنِ النَّفْخِ لِأَنَّهُ جَرِيمَةٌ.
8- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.يَقُولُ الدَّرْدِيرُ: لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْمَنِيِّ الْمُتَكَوِّنِ فِي الرَّحِمِ وَلَوْ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَعَلَّقَ الدُّسُوقِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.وَقِيلَ يُكْرَهُ.مِمَّا يُفِيدُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي عِبَارَةِ الدَّرْدِيرِ التَّحْرِيمُ.كَمَا نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: كُلُّ مَا طَرَحَتْهُ الْمَرْأَةُ جِنَايَةٌ، مِنْ مُضْغَةٍ أَوْ عَلَقَةٍ، مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ، فَفِيهِ الْغُرَّةُ وَقَالَ: وَاسْتَحْسَنَ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ مَعَ الْغُرَّةِ.
وَالْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ هُوَ الْأَوْجَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ النُّطْفَةَ بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ آيِلَةٌ إِلَى التَّخَلُّقِ مُهَيَّأَةٌ لِنَفْخِ الرُّوحِ.وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ ابْنِ قُدَامَةَ وَغَيْرِهِ بَعْدَ مَرْحَلَةِ النُّطْفَةِ، إِذْ رَتَّبُوا الْكَفَّارَةَ وَالْغُرَّةَ عَلَى مَنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا، وَعَلَى الْحَامِلِ إِذَا شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَلْقَتْ جَنِينًا.
بَوَاعِثُ الْإِجْهَاضِ وَوَسَائِلُهُ:
9- بَوَاعِثُ الْإِجْهَاضِ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا قَصْدُ التَّخَلُّصِ مِنَ الْحَمْلِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَمْلُ نَتِيجَةَ نِكَاحٍ أَمْ سِفَاحٍ، أَوْ قَصْدُ سَلَامَةِ الْأُمِّ لِدَفْعِ خَطَرٍ عَنْهَا مِنْ بَقَاءِ الْحَمْلِ أَوْ خَوْفًا عَلَى رَضِيعِهَا، عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ.
كَمَا أَنَّ وَسَائِلَ الْإِجْهَاضِ كَثِيرَةٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَهِيَ إِمَّا إِيجَابِيَّةٌ وَإِمَّا سَلْبِيَّةٌ.فَمِنَ الْإِيجَابِيَّةِ: التَّخْوِيفُ أَوِ الْإِفْزَاعُ كَأَنْ يَطْلُبَ السُّلْطَانُ مَنْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ بِسُوءٍ فَتُجْهَضُ فَزَعًا، وَمِنْهَا شَمُّ رَائِحَةٍ، أَوْ تَجْوِيعٌ، أَوْ غَضَبٌ، أَوْ حُزْنٌ شَدِيدٌ، نَتِيجَةَ خَبَرٍ مُؤْلِمٍ أَوْ إِسَاءَةٍ بَالِغَةٍ، وَلَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ كُلِّ هَذَا.
وَمِنَ السَّلْبِيَّةِ امْتِنَاعُ الْمَرْأَةِ عَنِ الطَّعَامِ، أَوْ عَنْ دَوَاءٍ مَوْصُوفٍ لَهَا لِبَقَاءِ الْحَمْلِ.وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الدُّسُوقِيُّ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا شَمَّتْ رَائِحَةَ طَعَامٍ مِنَ الْجِيرَانِ مَثَلًا، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا أَنَّهَا إِنْ لَمْ تَأْكُلْ مِنْهُ أُجْهِضَتْ فَعَلَيْهَا الطَّلَبُ.فَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا بِحَمْلِهَا، حَتَّى أَلْقَتْهُ، فَعَلَيْهَا الْغُرَّةُ لِتَقْصِيرِهَا وَلِتَسَبُّبِهَا.
عُقُوبَةُ الْإِجْهَاضِ:
10- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى جَنِينِ الْحُرَّةِ هُوَ غُرَّةٌ.لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ: «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ».
11- وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ مِقْدَارَ الْغُرَّةِ فِي ذَلِكَ هُوَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْغُرَّةِ كُلُّ جِنَايَةٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا انْفِصَالُ الْجَنِينِ عَنْ أُمِّهِ مَيِّتًا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِنَايَةُ نَتِيجَةَ فِعْلٍ أَمْ قَوْلٍ أَمْ تَرْكٍ، وَلَوْ مِنَ الْحَامِلِ نَفْسِهَا أَوْ زَوْجِهَا، عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً.
12- وَيَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ- وَهِيَ الْعُقُوبَةُ الْمُقَدَّرَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى- مَعَ الْغُرَّةِ. (وَالْكَفَّارَةُ هُنَا هِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) فَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَقْضِ إِلاَّ بِالْغُرَّةِ.كَمَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ زَاجِرَةً، وَفِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ.وَقَدْ عُرِفَ وُجُوبُهَا فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا يَتَعَدَّاهَا لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْقِيَاسُ، وَالْجَنِينُ يُعْتَبَرُ نَفْسًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لَا مُطْلَقًا.وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ كُلُّ الْبَدَلِ، فَكَذَا لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْأَعْضَاءَ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا.وَإِذَا تُقُرِّبَ بِهَا إِلَى اللَّهِ كَانَ أَفْضَلَ.وَعَلَى هَذَا فَإِنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْغُرَّةِ.لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ نَفْسٌ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ، فَوَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ.
وَتَرْكُ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا.فَقَدْ ذَكَرَ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الدِّيَةَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَفَّارَةَ.
وَهَذَا الْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْجَنِينِ الْمَحْكُومِ بِإِيمَانِهِ لِإِيمَانِ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا، أَوِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِالذِّمَّةِ.
كَمَا نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَكَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ فِي جِنَايَةِ الْإِجْهَاضِ لَزِمَ كُلَّ شَرِيكٍ كَفَّارَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الْغَايَةَ مِنَ الْكَفَّارَةِ الزَّجْرُ.أَمَّا الْغُرَّةُ فَوَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا لِلْبَدَلِيَّةِ.
الْإِجْهَاضُ الْمُعَاقَبُ عَلَيْهِ:
13- يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْغُرَّةِ بِمَوْتِ الْجَنِينِ بِسَبَبِ الِاعْتِدَاءِ، كَمَا يَتَّفِقُونَ عَلَى اشْتِرَاطِ انْفِصَالِهِ مَيِّتًا، أَوِ انْفِصَالِ الْبَعْضِ الدَّالِّ عَلَى مَوْتِهِ.إِذْ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْمَوْلُودِ إِلاَّ بِخُرُوجِهِ؛ وَلِأَنَّ الْحَرَكَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِرِيحٍ فِي الْبَطْنِ سَكَنَتْ، وَبِالْإِلْقَاءِ ظَهَرَ تَلَفُهُ بِسَبَبِ الضَّرْبِ أَوِ الْفَزَعِ وَنَحْوِهِمَا، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: لَوْ عُلِمَ مَوْتُ الْجَنِينِ وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ مِنْهُ شَيْءٌ فَكَالْمُنْفَصِلِ.وَالْحَنَفِيَّةُ يَعْتَبِرُونَ انْفِصَالَ الْأَكْثَرِ كَانْفِصَالِ الْكُلِّ، فَإِنْ نَزَلَ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ فَالْأَكْثَرُ خُرُوجُ صَدْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ فَالْأَكْثَرُ انْفِصَالُ سُرَّتِهِ.وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: وَإِنْ خَرَجَ جَنِينٌ مَيِّتٌ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ فَلَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ ظَاهِرًا، إِذْ حَيَاتُهُ بِحَيَاتِهَا، فَيَتَحَقَّقُ مَوْتُهُ بِمَوْتِهَا، فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، إِذِ الِاحْتِمَالُ فِيهِ أَقَلُّ، فَلَا يُضْمَنُ بِالشَّكِّ؛ وَلِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى أَعْضَائِهَا، وَبِمَوْتِهَا سَقَطَ حُكْمُ أَعْضَائِهَا.
وَقَالَ الْحَطَّابُ وَالْمَوَّاقُ: الْغُرَّةُ وَاجِبَةٌ فِي الْجَنِينِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ.وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَخْرُجَ الْجَنِينُ مَيِّتًا وَلَا تَمُوتُ أُمُّهُ مِنَ الضَّرْبِ.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَيُوجِبُونَ الْغُرَّةَ سَوَاءٌ أَكَانَ انْفِصَالُ الْجَنِينِ مَيِّتًا حَدَثَ فِي حَيَاةِ الْأُمِّ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا لِأَنَّهُ كَمَا يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: جَنِينٌ تَلِفَ بِجِنَايَةٍ، وَعُلِمَ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ سَقَطَ فِي حَيَاتِهَا.وَلِأَنَّهُ لَوْ سَقَطَ حَيًّا ضَمِنَهُ، فَكَذَلِكَ إِذَا سَقَطَ مَيِّتًا كَمَا لَوْ أَسْقَطَتْهُ فِي حَيَاتِهَا.وَيَقُولُ الْقَاضِي زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ: ضَرَبَ الْأُمَّ، فَمَاتَتْ، ثُمَّ أَلْقَتْ مَيِّتًا، وَجَبَتِ الْغُرَّةُ، كَمَا لَوِ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهَا.يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ فِي أَصْلِ تَرَتُّبِ الْعُقُوبَةِ إِذَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِ الْجَنِينِ، كَظُفُرٍ وَشَعْرٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي حُكْمِ تَامِّ الْخَلْقِ اتِّفَاقًا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ إِلاَّ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَتَوَسَّعَ الْمَالِكِيَّةُ فَأَوْجَبُوا الْغُرَّةَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَوْ أَلْقَتْهُ عَلَقَةً أَيْ دَمًا مُجْتَمِعًا، وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ قَوْلَهُ: كُلُّ مَا طَرَحَتْ مِنْ مُضْغَةٍ أَوْ عَلَقَةٍ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ فَفِيهِ غُرَّةٌ وَالْأَجْوَدُ أَنْ يُعْتَبَرَ نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ.
وَالشَّافِعِيَّةُ يُوجِبُونَ الْغُرَّةَ أَيْضًا لَوْ أَلْقَتْهُ لَحْمًا فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً، فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لَا شَيْءَ فِيهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ صُورَةُ آدَمِيٍّ.أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، إِذْ يَنْقُلُ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الشُّمُنِّيِّ: أَنَّ الْمُضْغَةَ غَيْرَ الْمُتَبَيِّنَةِ الَّتِي يَشْهَدُ الثِّقَاتُ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهَا بَدْءُ خَلْقِ آدَمِيٍّ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ.
تَعَدُّدُ الْأَجِنَّةِ فِي الْإِجْهَاضِ:
14- لَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فِي أَنَّ الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ مِنْ غُرَّةٍ أَوْ دِيَةٍ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَجِنَّةِ.فَإِنْ أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ جَنِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ بِتَعَدُّدِهِمْ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ آدَمِيٍّ، فَتَعَدَّدَ بِتَعَدُّدِهِ، كَالدِّيَاتِ.وَالْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْغُرَّةِ- وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ كَمَا تَقَدَّمَ- يَرَوْنَ أَنَّهَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْجَنِينِ أَيْضًا.
مَنْ تَلْزَمُهُ الْغُرَّةُ:
15- الْغُرَّةُ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ فِي سَنَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَنِينِ الْحُرِّ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ»، وَلَا يَرِثُ الْجَانِي وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ قَالُوا: الْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي وَلَوِ الْحَامِلَ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْجَنِينِ لَا عَمْدَ فِيهَا حَتَّى يُقْصَدَ بِالْجِنَايَةِ، بَلْ يَجْرِي فِيهَا الْخَطَأُ وَشِبْهُ الْعَمْدِ.سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى أُمِّهِ خَطَأً أَمْ عَمْدًا أَمْ شِبْهَ عَمْدٍ.وَلِلْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ: فَلَوْ ضَرَبَ الرَّجُلُ بَطْنَ امْرَأَتِهِ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ الْغُرَّةُ، وَلَا يَرِثُ فِيهَا، وَالْمَرْأَةُ إِنْ أَجْهَضَتْ نَفْسَهَا مُتَعَمِّدَةً دُونَ إِذْنِ الزَّوْجِ، فَإِنَّ عَاقِلَتَهَا تَضْمَنُ الْغُرَّةَ وَلَا تَرِثُ فِيهَا، وَأَمَّا إِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ، أَوْ لَمْ تَتَعَمَّدْ، فَقِيلَ.لَا غُرَّةَ؛ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، لِأَنَّهُ هُوَ الْوَارِثُ وَالْغُرَّةُ حَقُّهُ، وَقَدْ أَذِنَ بِإِتْلَافِ حَقِّهِ.وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْغُرَّةَ وَاجِبَةٌ عَلَى عَاقِلَتِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ الْغُرَّةَ حَقُّهُ لَمْ يَجِبْ بِضَرْبِهِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إِهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَاقِلَةٌ فَقِيلَ فِي مَالِهَا، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقَالُوا: إِنَّ الزَّوْجَةَ لَوْ أَمَرَتْ غَيْرَهَا أَنْ تُجْهِضَهَا، فَفَعَلَتْ، لَا تَضْمَنُ الْمَأْمُورَةُ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ.وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وُجُوبَ الْغُرَّةِ فِي مَالِ الْجَانِي فِي الْعَمْدِ مُطْلَقًا، وَكَذَا فِي الْخَطَأِ، إِلاَّ أَنْ يَبْلُغَ ثُلُثَ دِيَتِهِ فَأَكْثَرَ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ مَجُوسِيٌّ حُرَّةً حُبْلَى، فَأَلْقَتْ جَنِينًا، فَإِنَّ الْغُرَّةَ الْوَاجِبَةَ هُنَا أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْجَانِي.وَيُوَافِقُهُمُ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ غَيْرِ صَحِيحٍ عِنْدَهُمْ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا، إِذْ قَالُوا: وَقِيلَ: إِنْ تَعَمَّدَ الْجِنَايَةَ فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ، بِنَاءً عَلَى تَصَوُّرِ الْعَمْدِ فِيهِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ تَصَوُّرِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى عِلْمِ وُجُودِهِ وَحَيَاتِهِ.
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ جَعَلُوا الْغُرَّةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِذَا مَاتَ الْجَنِينُ مَعَ أُمِّهِ وَكَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْهَا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ.أَمَّا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا، أَوْ مَاتَ الْجَنِينُ وَحْدَهُ، فَتَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي، وَمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ يَجِبُ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَقِيلَ: مَنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَفِي مَالِهِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ مَا حَمَلَهُ بَيْتُ الْمَالِ مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ.وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحَاتِ (عَاقِلَةٌ.غُرَّة.جَنِينٌ.دِيَةٌ.كَفَّارَةٌ.)
الْآثَارُ التَّبَعِيَّةُ لِلْإِجْهَاضِ:
16- بِالْإِجْهَاضِ يَنْفَصِلُ الْجَنِينُ عَنْ أُمِّهِ مَيِّتًا، وَيُسَمَّى سِقْطًا.وَالسِّقْطُ هُوَ الْوَلَدُ تَضَعُهُ الْمَرْأَةُ مَيِّتًا أَوْ لِغَيْرِ تَمَامِ أَشْهُرِهِ وَلَمْ يَسْتَهِلَّ.وَقَدْ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَنْ حُكْمِ تَسْمِيَتِهِ وَتَغْسِيلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ.وَمَوْضِعُ بَيَانِ ذَلِكَ وَتَفْصِيلُهُ مُصْطَلَحُ سِقْطٍ.
أَثَرُ الْإِجْهَاضِ فِي الطَّهَارَةِ وَالْعِدَّةِ وَالطَّلَاقِ:
17- لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْإِجْهَاضَ بَعْدَ تَمَامِ الْخَلْقِ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الْوِلَادَةِ.مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ، وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْوِلَادَةِ، لِتَيَقُّنِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِذَلِكَ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْإِجْهَاضَ لَا أَثَرَ لَهُ فِيمَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ اسْتِحْقَاقُ الْجَنِينِ عَلَى تَحَقُّقِ الْحَيَاةِ وَانْفِصَالِهِ عَنْ أُمِّهِ حَيًّا كَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ.
أَمَّا الْإِجْهَاضُ فِي مَرَاحِلِ الْحَمْلِ الْأُولَى قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فَفِيهِ الِاتِّجَاهَاتُ الْفِقْهِيَّةُ الْآتِيَةُ: فَبِالنِّسْبَةِ لِاعْتِبَارِ أُمِّهِ نُفَسَاءَ، وَمَا يَتَطَلَّبُهُ ذَلِكَ مِنْ تَطَهُّرٍ، يَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ، وَالشَّافِعِيَّةُ، اعْتِبَارَهَا نُفَسَاءَ، وَلَوْ بِإِلْقَاءِ مُضْغَةٍ هِيَ أَصْلُ آدَمِيٍّ، أَوْ بِإِلْقَاءِ عَلَقَةٍ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصِيرُ بِهِ نُفَسَاءَ.وَيَرَى أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَبِالنِّسْبَةِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْوِلَادَةِ فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ يَرَوْنَ أَنَّ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أَيُّ صُورَةِ آدَمِيٍّ لَا تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ وَلَدٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَلَا بِالْبَيِّنَةِ.أَمَّا الْمُضْغَةُ الْمُخَلَّقَةُ وَالَّتِي بِهَا صُورَةُ آدَمِيٍّ وَلَوْ خَفِيَّةً، وَشَهِدَتِ الثِّقَاتُ الْقَوَابِلُ بِأَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ لَتُصُوِّرَتْ، فَإِنَّهَا تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ بِهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَا يُوقِعُونَ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ عَلَى الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى وِلَادَةً، أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِانْفِصَالِ الْحَمْلِ كُلِّهِ وَلَوْ عَلَقَةً.
إِجْهَاضُ جَنِينِ الْبَهِيمَةِ:
18- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إِذَا أَلْقَتْهُ بِجِنَايَةٍ مَيِّتًا مَا نَقَصَتِ الْأُمُّ، أَيْ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَهُوَ أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا.وَإِذَا نَزَلَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مِنْ أَثَرِ الْجِنَايَةِ فَقِيمَتُهُ مَعَ الْحُكُومَةِ، وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ أَنَّ عَلَيْهِ عُشْرَ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَهُوَ مَا قَالَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ.وَلَمْ نَقِفْ لِلشَّافِعِيَّةِ عَلَى كَلَامٍ فِي هَذَا أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ صَالَتِ الْبَهِيمَةُ وَهِيَ حَامِلٌ عَلَى إِنْسَانٍ، فَدَفَعَهَا، فَسَقَطَ جَنِينُهَا، فَلَا ضَمَانَ.وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الدَّفْعَ لَوْ كَانَ عُدْوَانًا لَزِمَهُ الضَّمَانُ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
8-موسوعة الفقه الكويتية (تردي)
تَرَدِّيالتَّعْرِيفُ:
1- لِلتَّرَدِّي فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ، مِنْهَا: السُّقُوطُ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى سُفْلٍ يُقَالُ: تَرَدَّى فِي مُهْوَاةٍ: إِذَا سَقَطَ فِيهَا، وَرَدَيْتُهُ تَرْدِيَةً: أَسْقَطْتُهُ وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى فَقَدْ عَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ: السُّقُوطُ مِنْ عَالٍ إِلَى سَافِلٍ.
وَمِنْهُ الْمُتَرَدِّيَةُ: وَهِيَ الَّتِي وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ أَوْ مِنْ جَبَلٍ.
وَفِي النَّظْمِ الْمُسْتَعْذَبِ: هِيَ الَّتِي تَتَرَدَّى مِنَ الْجَبَلِ فَتَسْقُطُ.
وَفِي مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى: هِيَ الْوَاقِعَةُ مِنْ عُلُوٍّ كَجَبَلٍ وَحَائِطٍ، وَسَاقِطَةٌ فِي نَحْوِ بِئْرٍ.
الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:
2- يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِّلَ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} فَقَدْ حَرَّمَ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْوَاعًا مِنْهَا: الْمُتَرَدِّيَةُ إِلاَّ إِذَا ذُكِّيَتْ ذَكَاةً شَرْعِيَّةً، اخْتِيَارِيَّةً كَانَتْ بِالذَّبْحِ أَوِ النَّحْرِ فِي مَحَلِّهِ.أَوِ اضْطِرَارِيَّةً بِالْجُرْحِ بِالطَّعْنِ وَإِنْهَارِ الدَّمِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ تَيَسَّرَ مِنَ الْبَدَنِ.وَلَا يَنْتَقِلُ إِلَى الثَّانِيَةِ إِلاَّ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْأُولَى.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الذَّكَاةَ: إِمَّا اخْتِيَارِيَّةٌ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَتَكُونُ بِالذَّبْحِ فِيمَا يُذْبَحُ، كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، أَوِ النَّحْرِ فِيمَا يُنْحَرُ كَالْإِبِلِ، وَلَا تَحِلُّ بِغَيْرِ الذَّكَاةِ فِي مَحَلِّهَا.وَإِمَّا اضْطِرَارِيَّةٌ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، كَالْحَيَوَانِ الْمُتَوَحِّشِ الشَّارِدِ وَالْمُتَرَدِّي فِي بِئْرٍ مَثَلًا، وَتَعَذَّرَتْ ذَكَاتُهُ فِي مَحَلِّهَا، وَهِيَ- أَيِ الِاضْطِرَارِيَّةُ- تَكُونُ بِالْعُقْرِ، وَهُوَ الْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنَ الْبَدَنِ.
وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ الشَّاةَ إِذَا نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ، فَقَالُوا بِعَدَمِ جَوَازِ عَقْرِهَا، حَيْثُ يُمْكِنُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا وَإِمْسَاكُهَا.
3- فَمَا تَرَدَّى مِنَ النَّعَمِ فِي بِئْرٍ مَثَلًا، وَوَقَعَ الْعَجْزُ عَنْ تَذْكِيَتِهِ الذَّكَاةَ الِاخْتِيَارِيَّةَ، فَذَكَاتُهُ الْعَقْرُ وَالْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ جِسْمِهِ تَيَسَّرَ لِلْعَاقِرِ فِعْلُهُ، كَالنَّادِّ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ.وَبِذَلِكَ يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ رَأْسُهُ فِي الْمَاءِ، فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يُعِينُ عَلَى قَتْلِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَتْلُهُ بِالْمَاءِ- فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَفِي قَوْلٍ لِابْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ) - لِمَا رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَنَدَّ بَعِيرٌ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا»، وَفِي لَفْظٍ «فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا».وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الْعُشَرَاءِ الدَّارِمِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلاَّ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ؟ فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: لَوْ طُعِنَتْ فِي فَخِذِهَا لأَجْزَأَكَ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا لَا يَصِحُّ إِلاَّ فِي الْمُتَرَدِّيَةِ وَالْمُتَوَحِّشِ.وَقَالَ الْمَجْدُ: هَذَا فِيمَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ- سِوَى ابْنِ حَبِيبٍ- أَنَّ الْمُتَرَدِّيَةَ لَا يُحِلُّهَا الْعَقْرُ، وَإِنَّمَا تُحِلُّهَا الذَّكَاةُ بِالذَّبْحِ إِنْ كَانَتْ مِمَّا يُذْبَحُ، أَوِ النَّحْرِ إِنْ كَانَتْ مِمَّا يُنْحَرُ.
4- وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ فَيَحْرُمُ؛ لِاحْتِمَالِ قَتْلِهِ بِالْمَاءِ، أَوْ وَقَعَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ فَتَرَدَّى مِنْهُ إِلَى الْأَرْضِ حَرُمَ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ مِثْلِ هَذَا مُمْكِنٌ.
5- وَفِي الْمُغْنِي وَمَطَالِبِ أُولِي النُّهَى لِلْحَنَابِلَةِ: لَوْ رَمَى حَيَوَانًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ يَقْتُلُهُ مِثْلُهُ، أَوْ تَرَدَّى تَرَدِّيًا يَقْتُلُهُ مِثْلُهُ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَاءَ أَعَانَ عَلَى خُرُوجِ رُوحِهِ.أَمَّا لَوْ وَقَعَ الْحَيَوَانُ فِي الْمَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْتُلُهُ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ خَارِجًا مِنَ الْمَاءِ، أَوْ يَكُونَ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَقْتُلُهُ الْمَاءُ، أَوْ كَانَ التَّرَدِّي لَا يَقْتُلُ مِثْلَ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ فَلَا خِلَافَ فِي إِبَاحَتِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «...فَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْهُ»
وَلِأَنَّ الْوُقُوعَ فِي الْمَاءِ وَالتَّرَدِّي إِنَّمَا حَرُمَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا أَوْ مُعِينًا عَلَى الْقَتْلِ.فَإِنْ رَمَى طَائِرًا فِي الْهَوَاءِ أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ أَوْ جَبَلٍ فَوَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ حَلَّ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ مِنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ.
6- وَلَوْ تَرَدَّى بَعِيرَانِ- مَثَلًا- أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ فِي نَحْوِ بِئْرٍ.فَإِنْ مَاتَ الْأَسْفَلُ بِثِقَلِ الْأَعْلَى مَثَلًا لَمْ يَحُلَّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَعَنَ الْأَعْلَى بِنَحْوِ سَهْمٍ أَوْ رُمْحٍ، فَوَصَلَ إِلَى الْأَسْفَلِ وَأَثَّرَ فِيهِ يَقِينًا، فَهُمَا حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِالْأَسْفَلِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
9-موسوعة الفقه الكويتية (حامل)
حَامِلٌالتَّعْرِيف:
1- الْحَامِلُ فِي اللُّغَةِ الْحُبْلَى وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ حَمَلَ الشَّيْءَ حَمْلًا، وَالْحَمْلُ أَيْضًا مَا يُحْمَلُ فِي الْبَطْنِ مِنَ الْوَلَدِ وَجَمْعُهُ أَحْمَالٌ وَحِمَالٌ، يُقَالُ: حَمِلَتِ الْمَرْأَةُ الْوَلَدَ وَحَمَلَتْ بِهِ عَلِقَتْ فَهِيَ حَامِلٌ بِغَيْرِ هَاءٍ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْإِنَاثِ، وَرُبَّمَا قِيلَ: حَامِلَةٌ.وَتُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ أُنْثَى مِنَ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ.يُقَالُ: حَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، وَكُلُّ بَهِيمَةٍ تَلِدُ حَبَلًا إِذَا حَمِلَتْ بِالْوَلَدِ، فَهِيَ حُبْلَى.وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْحَبَلُ مُخْتَصٌّ بِالْآدَمِيَّاتِ، وَأَمَّا الْحَمْلُ فَيَشْمَلُ الْآدَمِيَّاتِ وَالْبَهَائِمَ وَالشَّجَرَ، وَيُقَالُ فِيهَا: (حَمْلٌ) بِالْمِيمِ.
أَمَّا حَمْلُ الْمَتَاعِ فَيُقَالُ فِيهِ: حَامِلٌ لِلذَّكَرِ، وَحَامِلَةٌ بِالْهَاءِ لِلْأُنْثَى؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ مُشْتَرَكَةٌ، وَالْحِمْلُ: مَا يُحْمَلُ عَلَى الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ.
وَتُنْظَرُ أَحْكَامُ حَمْلِ الْمَتَاعِ فِي مُصْطَلَحِ: (حَمْلٌ) (وَإِجَارَةٌ).
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْحَائِل:
2- الْحَائِلُ هِيَ الْأُنْثَى الَّتِي لَمْ تَحْمِلْ فَهِيَ مُقَابِلُ الْحَامِلِ.
أَحْكَامُ الْحَامِلِ:
أَوَّلًا: بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ:
دَمُ الْحَامِلِ:
3- الْغَالِبُ عَدَمُ نُزُولِ الدَّمِ مِنَ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ فَمَ الرَّحِمِ يَنْسَدُّ بِالْحَبَلِ عَادَةً، وَلَا يَنْفَتِحُ إِلاَّ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ حَيْثُ يَنْدَفِعُ النِّفَاسُ.فَإِذَا رَأَتِ الْحَامِلُ دَمًا حَالَ الْحَمْلِ وَقَبْلَ الْمَخَاضِ يَكُونُ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ اعْتَبَرُوا الدَّمَ النَّازِلَ مِنَ الْحَامِلِ قَبْلَ وِلَادَتِهَا بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ نِفَاسًا.
وَالِاسْتِحَاضَةُ لَا تُسْقِطُ الصَّلَاةَ، وَلَا تُحَرِّمُ الصَّوْمَ اتِّفَاقًا، وَلَا الْجِمَاعَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، بِخِلَافِ النِّفَاسِ الَّذِي يُسْقِطُ الصَّلَاةَ وَيُحَرِّمُ الصَّوْمَ وَالْوَطْءَ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ إِلَى أَنَّ الدَّمَ النَّازِلَ مِنَ الْحَامِلِ يُعْتَبَرُ حَيْضًا يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَالْوَطْءَ، لَكِنَّهُ لَا يُحْسَبُ مِنْ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ.
أَمَّا الدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ بَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَفِيهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ رَأْيَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ دَمُ نِفَاسٍ يَمْنَعُ الصَّوْمَ، وَالصَّلَاةَ، وَالْوَطْءَ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ خَارِجٌ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ.وَهَذَا رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.الثَّانِي: أَنَّهُ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ لَا يَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ يَتَعَلَّقُ بِوَضْعِ مَا فِي الْبَطْنِ وَهِيَ لَا تَزَالُ حُبْلَى، وَهَذَا رَأْيُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ يَكُونُ بِوِلَادَةِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ وَلَمْ يَحْصُلْ بِوِلَادَةِ الْأَوَّلِ.وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِحَاضَةٌ ف 22- 25) وَتَوْأَمٌ (ج 14 103) وَانْظُرْ أَيْضًا مُصْطَلَحَ: (حَيْضٌ، نِفَاسٌ).
إِفْطَارُ الْحَامِلِ فِي رَمَضَانَ:
4- يَجُوزُ لِلْحَامِلِ أَنْ تُفْطِرَ إِنْ خَافَتْ ضَرَرًا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ عَلَى نَفْسِهَا وَوَلَدِهَا، وَيَجِبُ ذَلِكَ إِذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى، وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.وَاتَّفَقُوا كَذَلِكَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ إِذَا أَفْطَرَتِ الْحَامِلُ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ.
وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْفِدْيَةُ كَذَلِكَ إِذَا أَفْطَرَتْ خَوْفًا عَلَى وَلَدِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ مُتَّصِلٌ بِالْحَامِلِ، فَالْخَوْفُ عَلَيْهِ كَالْخَوْفِ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهَا، وَلِأَنَّ الْفِدْيَةَ ثَبَتَتْ عَلَى الشَّيْخِ الْفَانِي بِخِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِدْيَةِ، وَالْفِطْرُ بِسَبَبِ الْخَوْفِ عَلَى الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ عِنْدَهُمْ: إِذَا أَفْطَرَتِ الْحَامِلُ خَوْفًا عَلَى وَلَدِهَا فَعَلَيْهَا مَعَ الْقَضَاءِ الْفِدْيَةُ (طَعَامُ مِسْكِينٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ)؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنه- فِي قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} أَنَّهُ نُسِخَ حُكْمُهُ إِلاَّ فِي حَقِّ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا.
نِكَاحُ الْحَامِلِ:
5- الْحَامِلُ مِنْ غَيْرِ الزِّنَى، أَيْ مَنْ كَانَ حَمْلُهَا ثَابِتَ النَّسَبِ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا لِغَيْرِ مَنْ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ إِذَا كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنَ الْغَيْرِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَمْ فَاسِدٍ أَمْ وَطْءِ شُبْهَةٍ لَزِمَ حِفْظُ حُرْمَةِ مَائِهِ بِالْمَنْعِ مِنَ النِّكَاحِ، وَلِأَنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ لَا تَنْتَهِي إِلاَّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ لقوله تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} أَيْ مَا كُتِبَ عَلَيْهَا مِنَ التَّرَبُّصِ.
وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحَامِلِ الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ بَيْنُونَةً صُغْرَى لِمَنْ لَهُ الْحَمْلُ أَيِ الزَّوْجِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الزَّوْجِ فَلَا يُمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّهِ.
أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا (الْبَائِنُ بَيْنُونَةً كُبْرَى) فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا إِلاَّ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ اتِّفَاقًا.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ نِكَاحِ الْحَامِلِ مِنْ زِنًى: فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ، لَا مِنَ الزَّانِي نَفْسِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ؛ وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ».
وَلِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ «رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمَّا أَصَابَهَا وَجَدَهَا حُبْلَى فَرَفَعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا».
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُ الْحَامِلِ مِنَ الزِّنَى؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ نِكَاحِ الْحَامِلِ حَمْلًا ثَابِتَ النَّسَبِ لِحُرْمَةِ مَاءِ الْوَطْءِ، وَلَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ».وَلَا تُشْتَرَطُ التَّوْبَةُ لِصِحَّةِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ رَجُلًا وَامْرَأَةً فِي الزِّنَى وَحَرَصَ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا.
وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ التَّوْبَةَ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْحَامِلِ مِنَ الزِّنَى لقوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ}...إِلَى قَوْلِهِ: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} وَهِيَ قَبْلَ التَّوْبَةِ فِي حُكْمِ الزِّنَى، فَإِذَا تَابَتْ زَالَ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ».
وَمَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ نِكَاحِ الْحَامِلِ مِنَ الزِّنَى فَلَا فَرْقَ فِي حِلِّ نِكَاحِهَا لِلزَّانِي وَغَيْرِهِ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ مَنْ زَنَى بِهَا لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَضَعَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (عِدَّةٌ، نِكَاحٌ، زِنًى).
وَإِذَا تَزَوَّجَهَا مَنْ لَهُ الْحَمْلُ جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُونَ نِكَاحَهَا.
طَلَاقُ الْحَامِلِ:
6- يَصِحُّ طَلَاقُ الْحَامِلِ رَجْعِيًّا وَبَائِنًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.وَيُعْتَبَرُ طَلَاقُهَا طَلَاقَ السُّنَّةِ إِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً عَنْ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، أَوْ ثَلَاثًا يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَانْظُرْ (طَلَاقٌ).
فَإِذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا صَحَّ رُجُوعُ الزَّوْجِ إِلَيْهَا أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ.وَيَصِحُّ لَهُ نِكَاحُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ إِذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا بِطَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا حَيْثُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا مُطْلَقًا إِلاَّ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ، وَلَا تَحِلُّ لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.
وَإِذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِحَمْلٍ كَأَنْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِلاَّ فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَعَ مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ؛ لِثُبُوتِ الْحَمْلِ؛ إِذْ أَقَلُّ مُدَّتِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ.
أَمَّا إِذَا وَلَدَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي بَحْثِ: (طَلَاقٌ).
عِدَّةُ الْحَامِلِ:
7- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ وَضْعُ الْحَمْلِ؛ لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الْعِدَّةِ تَعَرُّفُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِوَضْعِ الْحَمْلِ.وَفِي بَعْضِ صُوَرِ الْعِدَّةِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (عِدَّةٌ).
نَفَقَةُ الْحَامِلِ:
8- تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْحَامِلِ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.
9- وَفِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلْحَامِلِ النَّاشِزِ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ:
قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْحَامِلِ النَّاشِزِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حَيْثُ لَمْ تَحْمِلْ خَاصَّةٌ لَهَا فَتَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ، وَمَعَ حَمْلِهَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لَهَا وَلِلْحَمْلِ.وَعَدَمُ سُقُوطِ النَّفَقَةِ بِنُشُوزِ الْحَامِلِ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ نَفْسِهِ، وَالْحَامِلُ طَرِيقُ وُصُولِ النَّفَقَةِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِغِذَاءِ أُمِّهِ.
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ نَفَقَةَ الْحَامِلِ تَسْقُطُ بِنُشُوزِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا لَا لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لَهُ لَتَقَدَّرَتْ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ لَمَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَإِذَا كَانَ أَصْلُ النَّفَقَةِ لَهَا لَا لِلْحَمْلِ فَتَسْقُطُ بِنُشُوزِهَا.
وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَنَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ حُكْمَ الْحَامِلِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ فَعَلَى الزَّوْجِ أَوِ الْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُهُ فَلَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ، كَمَا بَعْدَ الْوَضْعِ، وَإِنْ قِيلَ لِلْحَامِلِ: لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ وَلَا عَلَى الزَّوْجِ مُدَّةَ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ.
10- أَمَّا الْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِمَوْتِ الزَّوْجِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ) لِحَدِيثِ: «لَيْسَ لِلْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَفَقَةٌ»، وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ إِنْ كَانَ لَهُ مِيرَاثٌ انْتَقَلَ إِلَى الْوَرَثَةِ، فَنَفَقَةُ الْحَمْلِ نَصِيبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِيرَاثٌ لَمْ يَلْزَمْ وَارِثَ الْمَيِّتِ الْإِنْفَاقُ عَلَى حَمْلِ امْرَأَتِهِ كَمَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ.
وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ: لَهَا النَّفَقَةُ فِي جَمِيعِ الْمَالِ.
11- أَمَّا الْحَامِلُ مِنَ الزِّنَى فَعِنْدَ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ نِكَاحِهَا إِنْ تَزَوَّجَهَا الزَّانِي يَحِلُّ وَطْؤُهَا وَلَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا اتِّفَاقًا، وَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَإِنْ وَجَبَتْ مَعَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ لَكِنْ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنَ الدُّخُولِ مِنْ جِهَتِهَا، وَهُنَا يُوجَدُ مَانِعٌ.
خُرُوجُ جَمِيعِ الْحَمْلِ:
12- الْوَضْعُ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ انْفِصَالُ جَمِيعِ الْحَمْلِ، حَتَّى إِذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ، فَتَصِحُّ مُرَاجَعَتُهَا وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ).وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهَا تَحِلُّ بِوَضْعِ ثُلُثَيِ الْحَمْلِ بِنَاءً عَلَى تَبَعِيَّةِ الْأَقَلِّ لِلْأَكْثَرِ.
وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ يَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ...وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْكُلِّ فِي حَقِّ انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ احْتِيَاطًا، وَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي حَقِّ حِلِّهَا لِلْأَزْوَاجِ احْتِيَاطًا.
13- وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ إِذَا كَانَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا إِلاَّ بِوَضْعِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ، وَالْعِدَّةُ شُرِعَتْ لِمَعْرِفَةِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْحَمْلِ، فَإِذَا عُلِمَ وُجُودُ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ فَقَدْ تَيَقَّنَ وُجُودُ الْمُوجِبِ لِلْعِدَّةِ، وَانْتَفَتِ الْبَرَاءَةُ الْمُوجِبَةُ لِانْقِضَائِهَا.وَهَذَا إِذَا كَانَ بَيْنَ وَضْعِ الْحَمْلِ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَمَّا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (عِدَّةٌ).
14- وَالْمُرَادُ بِالْحَمْلِ الَّذِي تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِهِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ وَلَوْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ مُضْغَةً تُصُوِّرَتْ، وَلَوْ صُورَةً خَفِيَّةً تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الثِّقَاتِ مِنَ الْقَوَابِلِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ).وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مُضْغَةً لَمْ تُتَصَوَّرْ لَكِنْ شَهِدَ الثِّقَاتُ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهَا مَبْدَأُ خِلْقَةِ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَتْ لَتُصُوِّرَتْ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِحُصُولِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِهِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِنُطْفَةٍ مُتَغَيِّرَةٍ، فَإِذَا كَانَ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً لَمْ تَتَغَيَّرْ وَلَمْ تُتَصَوَّرْ فَلَا يُعْرَفُ كَوْنُهَا مُتَغَيِّرَةً إِلاَّ بِاسْتِبَانَةِ بَعْضِ الْخَلْقِ.
أَمَّا إِذَا أَلْقَتْ نُطْفَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ دَمًا أَوْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَا صُورَةَ فِيهَا فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِهِ عِنْدَهُمْ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَانَ دَمًا اجْتَمَعَ بِحَيْثُ إِذَا صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْحَارُّ لَمْ يَذُبْ يُعْتَبَرُ حَمْلًا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِهِ.
وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحِ: (عِدَّةٌ).
تَصَرُّفَاتُ الْحَامِلِ:
15- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّ الْحَامِلَ لَهَا أَهْلِيَّةٌ تَامَّةٌ وَلَا تُحَدُّ تَصَرُّفَاتُهَا بِسَبَبِ الْحَمْلِ، وَلَا تُعْتَبَرُ مَرِيضَةً مَرَضَ الْمَوْتِ إِلاَّ إِذَا جَاءَهَا الطَّلْقُ؛ لِأَنَّهُ أَلَمٌ شَدِيدٌ يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ، فَأَشْبَهَتْ صَاحِبَ سَائِرِ الْأَمْرَاضِ الْمَخُوفَةِ.وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا أَلَمَ بِهَا، وَاحْتِمَالُ وُجُودِهِ خِلَافُ الْعَادَةِ، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِاحْتِمَالِهِ الْبَعِيدِ، كَمَا لَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ الْإِسْقَاطِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِلَى أَنَّ الْحَامِلَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تُعْتَبَرُ مَرِيضَةً مَرَضَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا تَتَوَقَّعُ الْوِلَادَةَ كُلَّ سَاعَةٍ.
وَيَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ لِلْحَجْرِ عَلَى الْحَامِلِ أَنْ تَكُونَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ بِيَوْمٍ كَامِلٍ عَلَى الْأَقَلِّ، فَلَوْ تَبَرَّعَتْ بَعْدَ السِّتَّةِ وَقَبْلَ تَمَامِ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ فِي السَّابِعِ بِأَنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ كَانَ تَبَرُّعُهَا مَاضِيًا.وَحَيْثُ اعْتُبِرَتِ الْحَامِلُ مَرِيضَةً مَرَضَ الْمَوْتِ، يَنْفُذُ تَبَرُّعُهَا بِمَا لَا يَزِيدُ عَنِ الثُّلُثِ، كَالْوَصِيَّةِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ مَرَضِ الْمَوْتِ.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي بَحْثِ: (مَرَضُ الْمَوْتِ).
اسْتِيفَاءُ الْحُدُودِ مِنَ الْحَامِلِ:
16- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى حَامِلٍ حَتَّى تَضَعَ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًى أَمْ غَيْرِهِ، فَلَا تُقْتَلُ إِذَا ارْتَدَّتْ، وَلَا تُرْجَمُ إِذَا زَنَتْ، وَلَا تُقْطَعُ إِذَا سَرَقَتْ، وَلَا تُجْلَدُ إِذَا قَذَفَتْ أَوْ شَرِبَتْ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي غَامِدٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي، قَالَ وَمَا ذَاكِ؟ قَالَتْ: إِنَّهَا حُبْلَى مِنْ زِنًى.قَالَ: أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا: ارْجِعِي حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِذًا لَا نَرْجُمُهَا، وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ تُرْضِعُهُ.فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: إِلَيَّ إِرْضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: فَرَجَمَهَا».
وَلِأَنَّ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا إِتْلَافًا لِمَعْصُومٍ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْحَدُّ رَجْمًا أَمْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَلَفُ الْوَلَدِ مِنْ سِرَايَةِ الضَّرْبِ وَالْقَطْعِ، وَرُبَّمَا سَرَى إِلَى نَفْسِ الْمَضْرُوبِ وَالْمَقْطُوعِ، فَيَفُوتُ الْوَلَدُ بِفَوَاتِهِ.
فَإِذَا وَضَعَتِ الْوَلَدَ، فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا لَا يُؤَخَّرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ يَتَكَفَّلُ بِرَضَاعِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَا تُحَدُّ حَتَّى تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ، وَهُوَ اللَّبَنُ أَوَّلَ النِّتَاجِ لِاحْتِيَاجِ الْوَلَدِ إِلَيْهِ غَالِبًا.أَمَّا إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ يَتَكَفَّلُ بِرَضَاعِهِ تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا، فَإِذَا وَضَعَتِ الْوَلَدَ وَانْقَطَعَ النِّفَاسُ وَكَانَتْ قَوِيَّةً يُؤْمَنُ تَلَفُهَا أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَتْ فِي نِفَاسِهَا أَوْ ضَعِيفَةً يُخَافُ عَلَيْهَا التَّلَفُ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهَا الْحَدُّ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَقْوَى، فَيُسْتَوْفَى الْحَدُّ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ فَوَاتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ)؛ لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ: «أَنَّ الْمَرْأَةَ انْطَلَقَتْ فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَجَاءَتْ بِهِ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لَهَا: انْطَلِقِي فَتَطَهَّرِي مِنَ الدَّمِ».
وَالتَّعْزِيرُ بِالْجَلْدِ وَنَحْوِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَدِّ جَلْدًا مِنْ حَيْثُ التَّأْخِيرُ وَعَدَمُهُ.
وَيُعْتَبَرُ قَوْلُهَا إِنِ ادَّعَتِ الْحَمْلَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِقَبُولِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَوْلَ الْغَامِدِيَّةِ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا، بَلْ بِظُهُورِ أَمَارَاتِ الْحَمْلِ.وَمِثْلُ الْحُدُودِ حُكْمُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ. (ر: حَدٌّ، قِصَاصٌ).
الِاعْتِدَاءُ عَلَى الْحَامِلِ:
17- الِاعْتِدَاءُ عَلَى الْحَامِلِ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ جَرِيمَةٌ كَالِاعْتِدَاءِ عَلَى أَيِّ إِنْسَانٍ يُنْظَرُ حُكْمُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (جِنَايَةٌ) فَإِذَا تَسَبَّبَ الِاعْتِدَاءُ فِي سُقُوطِ الْجَنِينِ مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ اتِّفَاقًا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةِ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ.ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ.فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا».
وَتَجِبُ الْغُرَّةُ أَيْضًا إِذَا أَسْقَطَتْهُ الْحَامِلُ بِدَوَاءٍ أَوْ فِعْلٍ كَضَرْبِ بَطْنِهَا مَثَلًا.وَالْغُرَّةُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ قِيمَتُهَا نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ أُمِّ الْجَنِينِ، تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ وَمَنْ مَعَهُمْ إِذَا كَانَ الِاعْتِدَاءُ عَمْدًا حَيْثُ يَقُولُونَ بِوُجُوبِهَا فِي مَالِ الْجَانِي. (ر غُرَّةٌ).
18- وَإِذَا أَلْقَتْ بِهِ حَيًّا حَيَاةً مُحَقَّقَةً بِأَنِ اسْتَهَلَّ صَارِخًا مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ بِسَبَبِ الِاعْتِدَاءِ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ وَكَفَّارَةٌ اتِّفَاقًا، إِذَا كَانَ الِاعْتِدَاءُ خَطَأً، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ عَمْدًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ).
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ إِذَا كَانَ عَمْدًا.وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (إِجْهَاضٌ، جَنِينٌ، غُرَّةٌ).
مَوْتُ الْحَامِلِ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَيٌّ:
19- صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ- وَهُوَ قَوْلُ سُحْنُونٍ وَابْنِ يُونُسَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ- بِأَنَّ الْحَامِلَ إِذَا مَاتَتْ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَيٌّ شُقَّ بَطْنُهَا وَيُخْرَجُ وَلَدُهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتِبْقَاءُ حَيٍّ بِإِتْلَافِ جُزْءٍ مِنَ الْمَيِّتِ، فَأَشْبَهَ مَا إِذَا اضْطُرَّ إِلَى أَكْلِ جُزْءٍ مِنَ الْمَيِّتِ، وَإِحْيَاءُ نَفْسٍ أَوْلَى مِنْ صِيَانَةِ مَيِّتٍ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ شَقُّ بَطْنِ الْمَيِّتِ لِإِخْرَاجِ مَالِ الْغَيْرِ مِنْهُ، فَلِإِبْقَاءِ الْحَيِّ أَوْلَى.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُبْقَرُ بَطْنُ حَامِلٍ عَنْ جَنِينٍ، وَلَوْ رُجِيَ خُرُوجُهُ حَيًّا؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ لَا يَعِيشُ عَادَةً وَلَا يَتَحَقَّقُ أَنْ يَحْيَا، فَلَا يَجُوزُ هَتْكُ حُرْمَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ».
وَفَصَّلَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ: إِنْ رُجِيَ حَيَاةُ الْجَنِينِ وَجَبَ شَقُّ بَطْنِهَا وَإِخْرَاجُهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ، فَإِنْ لَمْ تُرْجَ حَيَاتُهُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا لَا تُشَقُّ لَكِنَّهَا لَا تُدْفَنُ حَتَّى يَمُوتَ الْجَنِينُ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ قُدِرَ عَلَى إِخْرَاجِهِ بِحِيلَةٍ غَيْرِ شَقِّ الْبَطْنِ، كَأَنْ يَسْطُوَ عَلَيْهِ الْقَوَابِلُ فَيُخْرِجْنَهُ فُعِلَ.أَمَّا إِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا وَهِيَ حَيَّةٌ جَازَ قَطْعُ الْجَنِينِ لِإِنْقَاذِ حَيَاةِ الْأُمِّ بِلَا خِلَافٍ. (ر.إِجْهَاضٌ).
غُسْلُ وَتَكْفِينُ الْحَامِلِ:
20- إِنْ مَاتَتِ امْرَأَةٌ كَافِرَةٌ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ مُسْلِمٍ فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِجَوَازِ أَنْ يُغَسِّلَهَا وَيُكَفِّنَهَا الْمُسْلِمُ، وَالْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي جَوَازِ الْغُسْلِ شَامِلٌ لِسَائِرِ الْكُفَّارِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ تَغْسِيلُ وَتَكْفِينُ الْكَافِرِ وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ تَعْظِيمٌ لِلْمَيِّتِ وَتَطْهِيرٌ لَهُ، وَالْكَافِرُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَلَمْ يُعْثَرْ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْحَامِلِ إِذَا مَاتَتْ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ مِنْ مُسْلِمٍ.
وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمُ الْجَوَازِ مُطْلَقًا؛ حَيْثُ قَالُوا: بِعَدَمِ حُرْمَةِ جَنِينِ الْحَامِلِ حَتَّى يُولَدَ صَارِخًا.هَذَا، وَلَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَلَا الدُّعَاءُ لَهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
دَفْنُ الْحَامِلِ:
21- إِذَا مَاتَتِ الْحَامِلُ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَيٌّ يُؤَجَّلُ دَفْنُهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ وَلَدُهَا بِشَقِّ الْبَطْنِ أَوْ بِحِيلَةٍ إِنْ رُجِيَ خُرُوجُهُ حَيًّا أَوْ يُتَيَقَّنُ مَوْتُهُ، عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ.
وَصَرَّحَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِتَأْخِيرِ دَفْنِهَا وَلَوْ تَغَيَّرَتْ لِئَلاَّ يُدْفَنَ الْحَمْلُ حَيًّا.
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَيِّتَ يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا، وَفِي مَقَابِرِ الْكُفَّارِ إِذَا كَانَ كَافِرًا، وَلِهَذَا صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ- وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- بِأَنَّ الْحَامِلَ الْكَافِرَةَ تُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ وَلَوْ كَانَ فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ مِنْ مُسْلِمٍ بِشُبْهَةٍ، أَوْ نِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ، أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَسْلَمَ زَوْجُهَا؛ وَذَلِكَ لِعَدَمِ حُرْمَةِ جَنِينِهَا حَتَّى يُولَدَ صَارِخًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلُ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ: تُدْفَنُ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ لَا تُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَتَأَذَّوْا بِعَذَابِهَا، وَلَا فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا مُسْلِمٌ فَيَتَأَذَّى بِعَذَابِهِمْ.
وَنُقِلَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلٌ بِدَفْنِهَا فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْوَلَدِ.
وَيُجْعَلُ ظَهْرُهَا إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَانِبِهَا الْأَيْسَرِ لِيَكُونَ وَجْهُ الْجَنِينِ إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، قَالُوا: لِأَنَّ وَجْهَ الْجَنِينِ إِلَى ظَهْرِهَا.
ثَانِيًا: حَمْلُ الْحَيَوَانِ:
الْحَامِلُ مِنَ الْحَيَوَانِ لَهَا بَعْضُ الْأَحْكَامِ ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ فِي مَبَاحِثِ التَّذْكِيَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْأُضْحِيَّةِ وَالْبَيْعِ.وَفِيمَا يَلِي مُجْمَلُهَا.
أ- فِي التَّذْكِيَةِ:
22- إِذَا ذُبِحَ الْحَيَوَانُ وَوُجِدَ فِي بَطْنِهِ جَنِينٌ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ كَامِلِ الْخِلْقَةِ فَلَا يَحِلُّ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ مَيِّتًا وَيُعْلَمُ أَنَّ مَوْتَهُ كَانَ قَبْلَ تَذْكِيَةِ أُمِّهِ بِلَا خِلَافٍ.
وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً لَا يَحِلُّ إِلاَّ بِالتَّذْكِيَةِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذَكَاتِهَا.
أَمَّا إِنْ خَرَجَ بَعْدَ تَذْكِيَةِ الْحَامِلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلَمَ مَوْتُهُ قَبْلَ التَّذْكِيَةِ، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ تَذْكِيَةِ أُمِّهِ فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ) عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ».وَلِأَنَّ الْجَنِينَ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ خِلْقَةٍ يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا، وَيُبَاعُ بِبَيْعِهَا، فَتَكُونُ ذَكَاتُهُ بِذَكَاتِهَا كَأَعْضَائِهَا.وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحِلُّ حَتَّى يَخْرُجَ حَيًّا فَيُذَكَّى؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَنْفَرِدُ بِحَيَاتِهِ، فَلَا يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ غَيْرِهِ كَمَا بَعْدَ الْوَضْعِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (أَطْعِمَةٌ، وَتَذْكِيَةٌ).
ب- فِي الزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ:
23- لَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ الْحَامِلَ فِي زَكَاةِ الْحَيَوَانِ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ- رضي الله عنه-: لَا تُؤْخَذُ الرُّبَّى وَلَا الْمَاخِضُ وَلَا الْأَكُولَةُ وَالْمَاخِضُ هِيَ الْحَامِلُ.وَإِنْ تَطَوَّعَ رَبُّ الْمَالِ بِإِخْرَاجِهَا جَازَ أَخْذُهَا، وَلَهُ ثَوَابُ الْفَضْلِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
وَلَمْ يَذْكُرْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَمْلَ عَيْبًا فِي الْأُضْحِيَّةِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، حَيْثُ صَرَّحُوا بِعَدَمِ إِجْزَائِهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يُفْسِدُ الْجَوْفَ وَيُصَيِّرُ اللَّحْمَ رَدِيئًا. (ر: زَكَاةٌ، أُضْحِيَّةٌ).
ج- فِي الْبَيْعِ:
24- يَجُوزُ بَيْعُ الْحَامِلِ مَعَ جَنِينِهَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ فِي الْبَيْعِ أَوْ ذِكْرُ ثَمَنٍ مُسْتَقِلٍّ لِلْجَنِينِ فِي الْعَقْدِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا حِينَ الْعَقْدِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ، أَيْ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ وَمَا فِي أَرْحَامِ الْأَنْعَامِ وَالْخَيْلِ مِنَ الْأَجِنَّةِ.وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ أَيْ نِتَاجِ النِّتَاجِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ».
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
10-موسوعة الفقه الكويتية (حمل)
حَمْلٌالتَّعْرِيفُ:
1- مِنْ مَعَانِي الْحَمْلِ فِي اللُّغَةِ الرَّفْعُ وَالْعُلُوقُ، يُقَالُ: حَمَلَ الشَّيْءَ عَلَى ظَهْرِهِ اسْتَقَلَّهُ وَرَفَعَهُ، فَهُوَ حَامِلٌ وَهِيَ حَامِلَةٌ.وَالْحِمْلُ بِالْكَسْرِ مَا يُحْمَلُ.وَحَمَلَتِ الْمَرْأَةُ حَمْلًا عَلِقَتْ بِالْحَمْلِ فَهِيَ حَامِلٌ وَحَامِلَةٌ.وَجَمْعُهُ أَحْمَالٌ وَحِمَالٌ.قَالَ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وَحَمَلَتِ الشَّجَرَةُ: أَخْرَجَتْ ثَمَرَتَهَا.
وَيُطْلَقُ الْحَمْلُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ أَيْضًا أَيْ حَمْلِ الْمَتَاعِ وَمَا فِي بَطْنِ الْأُنْثَى مِنَ الْأَوْلَادِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْحَبَلُ:
2- الْحَبَلُ بِفَتْحَتَيْنِ الِامْتِلَاءُ، وَمِنْهُ حَبَلُ الْمَرْأَةِ وَهُوَ امْتِلَاءُ رَحِمِهَا، فَهِيَ حُبْلَى.وَالْحَبَلُ الْحَمْلُ.وَيَكُونُ الْحَبَلُ مَصْدَرًا وَاسْمًا مِنْ حَبِلَتِ الْمَرْأَةُ حَبَلًا.وَمِنْهُ حَدِيثُ: «نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ».وَهُوَ أَنْ يُبَاعَ مَا فِي بَطْنِ النَّاقَةِ.وَقِيلَ وَلَدُ الْوَلَدِ الَّذِي فِي الْبَطْنِ.وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْحَبَلُ مَخْصُوصٌ بِالْآدَمِيَّاتِ، أَمَّا الْحَمْلُ فَيَشْمَلُ الْآدَمِيَّاتِ وَالْبَهَائِمَ وَالشَّجَرَ، فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَخَصُّ مِنَ الْحَمْلِ.
.ب- الْجَنِينُ:
3- الْجَنِينُ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ جَنَّ الشَّيْءَ بِمَعْنَى سَتَرَ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَلَدِ مَا دَامَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، لِاسْتِتَارِهِ فِيهِ، وَجَمْعُهُ أَجِنَّةٌ.أَمَّا الْحَمْلُ فَيُطْلَقُ عَلَى حَمْلِ الْمَتَاعِ، وَعَلَى ثَمَرَةِ الشَّجَرِ، وَعَلَى مَا فِي بَطْنِ الْأُنْثَى.وَكُلُّ وَلَدٍ فِي بَطْنِ الْأُمِّ فَهُوَ جَنِينٌ، أَمَّا الْحَمْلُ فَيَشْمَلُ كُلَّ مَا فِي بَطْنِهَا وَلَوْ كَانَ أَكْثَر مِنْ جَنِينٍ.
أَحْكَامُ الْحَمْلِ:
4- تَقَدَّمَ أَنَّ لَفْظَ الْحَمْلِ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُرْفَعُ بِالْيَدِ، أَوْ عَلَى الظَّهْرِ مِنَ الْمَتَاعِ، وَمَا تَحْمِلُهُ الْأُنْثَى فِي رَحِمِهَا مِنَ الْجَنِينِ.وَفِيمَا يَلِي الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِكِلَا الْقِسْمَيْنِ:
أَوَّلًا: الْحَمْلُ بِمَعْنَى مَا تَحْمِلُهُ الْأُنْثَى مِنْ وَلَدٍ:
5- يَمُرُّ الْحَمْلُ فِي تَكْوِينِهِ وَنُمُوِّهِ بِمَرَاحِلَ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ النُّطْفَةِ إِلَى الْعَلَقَةِ، وَمِنْهَا إِلَى الْمُضْغَةِ فَإِلَى الْعِظَامِ، فَتُكْسَى الْعِظَامُ لَحْمًا، ثُمَّ تُنَشَّأُ خَلْقًا آخَرَ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.
وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ بَعْضِ هَذِهِ الْأَدْوَارِ فِي مُصْطَلَحِ: (جَنِينٌ) وَفِيمَا يَلِي الْأَحْكَامُ الْفِقْهِيَّةُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِمُدَّةِ الْحَمْلِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ الْآثَارِ، وَمَا يَثْبُتُ لِلْحَمْلِ مِنْ حُقُوقٍ كَالنَّسَبِ وَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، وَمَا يَنْشَأُ عَنْهُ وَعَنْ وَضْعِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأُمِّهِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا، مَعَ إِحَالَةِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ إِلَى مُصْطَلَحَاتِهَا الْأَصْلِيَّةِ.
مُدَّةُ الْحَمْلِ وَأَثَرُهَا فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ:
أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ:
6- أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهَمَّ عُثْمَانُ- رضي الله عنه- بِرَجْمِهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ خَاصَمَتْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ لَخَصَمَتْكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}، وَقَالَ: {وَالْوَالِدَاتُ يَرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} فَالْآيَةُ الْأُولَى حَدَّدَتْ مُدَّةَ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ أَيِ الْفِطَامِ بِثَلَاثِينَ شَهْرًا، وَالثَّانِيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُدَّةَ الْفِطَامِ عَامَانِ فَبَقِيَ لِمُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ.
وَهَذِهِ الْمُدَّةُ تُحْسَبُ مِنْ وَقْتِ الزَّوَاجِ وَإِمْكَانِ الْوَطْءِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمِنْ وَقْتِ عَقْدِ الزَّوَاجِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَمِنْ وَقْتِ الْخَلْوَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَلِتَعْيِينِ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ آثَارٌ فِقْهِيَّةٌ، مِنْهَا:
أ- إِذَا وَلَدَتِ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ وَكَانَ بَيْنَ وَضْعِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يُعْتَبَرُ الْوَلَدَانِ تَوْأَمَيْنِ، فَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الثَّانِي لَا بِالْأَوَّلِ.وَهَلْ يُعْتَبَرُ الدَّمُ بَيْنَهُمَا حَيْضًا أَوْ نِفَاسًا؟ فِيهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَيْهِمَا.
وَأَمَّا لَوْ كَانَ بَيْنَ وَضْعِهِمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ كَانَا بَطْنَيْنِ تَنْقَضِي عِدَّتُهُمَا بِوَضْعِ الْأَوَّلِ.
ب- إِذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ اتِّفَاقًا.لِأَنَّهُ ظَهَرَ عَكْسُهُ بِتَعْيِينٍ، فَصَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَقْرَبْهُ.وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَكْسُهُ فَيَكُونُ مِنْ حَمْلٍ حَادِثٍ بَعْدَهُ كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ، وَلِأَنَّهَا أَتَتْ بِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِقَضَاءِ عِدَّتِهَا وَحِلِّ النِّكَاحِ لَهَا بِمُدَّةِ الْحَمْلِ فَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ، كَمَا لَوْ أَتَتْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِوَضْعِ حَمْلِهَا لِمُدَّةِ الْحَمْلِ، كَمَا يُعَلِّلُهُ الْحَنَابِلَةُ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: يَثْبُتُ نَسَبُهُ مَا لَمْ.تَتَزَوَّجْ أَوْ يَبْلُغْ أَرْبَعَ سِنِينَ، لِأَنَّهُ وَلَدٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَهِيَ أَقْصَى مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَلَيْسَ مَعَهُ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ.
هَذَا، وَلِتَحْدِيدِ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ آثَارٌ أُخْرَى فِي اللِّعَانِ، وَالِاسْتِلْحَاقِ وَالنَّسَبِ، وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْعِدَّةِ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا
أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ:
7- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ، فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَرْبَعُ سِنِينَ، لِقَوْلِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: «هَذِهِ جَارَتُنَا امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ امْرَأَةُ صِدْقٍ، وَزَوْجُهَا رَجُلُ صِدْقٍ حَمَلَتْ ثَلَاثَةَ أَبْطُنٍ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً كُلُّ بَطْنٍ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ» وَمَا لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْوُجُودِ، وَقَدْ حَكَى أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَهَكَذَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَجِيحٍ الْعُقَيْلِيُّ، وَإِذَا تَقَرَّرَ وُجُودُهُ وَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ بِهِ.وَلِأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ لِامْرَأَةِ الْمَفْقُودِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلاَّ لِأَنَّهُ غَايَةُ الْحَمْلِ.وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: إِنَّ أَقْصَى مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: مَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى سَنَتَيْنِ وَلَا قَدْرَ مَا يَتَحَوَّلُ ظِلُّ عُودِ الْمِغْزَلِ وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إِلاَّ تَوْقِيفًا، إِذْ لَيْسَ لِلْعَقْلِ فِيهِ مَجَالٌ، فَكَأَنَّهَا رَوَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-.
وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَقْصَى مُدَّةِ الْحَمْلِ خَمْسُ سِنِينَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إِنَّ أَقْصَى الْحَمْلِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ.
8- وَثَمَرَةُ هَذَا الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا يَأْتِي: الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِذَا جَاءَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِوَلَدٍ لِسَنَتَيْنِ فَأَقَلَّ ثَبَتَ نَسَبُهُ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ الْوَضْعَ تَمَّ ضِمْنَ أَقْصَى مُدَّةِ الْحَمْلِ عِنْدَ الْجَمِيعِ.
أَمَّا إِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَرْبَعِ سِنِينَ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَضْعَ ضِمْنَ أَقْصَى مُدَّةِ الْحَمْلِ عِنْدَهُمْ، وَلَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّهَا وَضَعَتْ بَعْدَ أَقْصَى مُدَّةِ الْحَمْلِ.
وَفِي الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِاحْتِمَالِ الْوَطْءِ وَالْعُلُوقِ فِي الْعِدَّةِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ.
وَفِي الْمَوْضُوعِ فُرُوعٌ أُخْرَى تُنْظَرُ أَحْكَامُهَا فِي مُصْطَلَحِ: (نَسَبٌ).
أَثَرُ الْحَمْلِ فِي تَصَرُّفَاتِ الْحَامِلِ:
9- الْحَمْلُ لَا يُؤَثِّرُ فِي تَصَرُّفَاتِ الْحَامِلِ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مَا لَمْ يَأْتِ لَهَا الطَّلْقُ (وَجَعُ الْوِلَادَةِ) عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ)، فَتَصِحُّ تَبَرُّعَاتُهَا كَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ.وَفِي حَالَةِ الطَّلْقِ تُعْتَبَرُ الْحَامِلُ كَالْمَرِيضَةِ مَرَضَ الْمَوْتِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْحَمْلَ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْمُخَوِّفَةِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، لِأَنَّ الْحَامِلَ تَتَوَقَّعُ الْوِلَادَةَ بَعْدَهَا كُلَّ سَاعَةٍ، تَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَحْكَامُ مَرَضِ الْمَوْتِ. (ر: حَامِلٌ، وَمَرَضُ الْمَوْتِ).
أَهْلِيَّةُ الْحَمْلِ:
10- الْحَمْلُ لَهُ أَهْلِيَّةُ وُجُوبٍ نَاقِصَةٌ فَتَثْبُتُ لَهُ الْحُقُوقُ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى الْقَبُولِ كَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَالنَّسَبِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَالنَّفَقَةِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْ جِهَةٍ جُزْءٌ مِنْ أُمِّهِ حِسًّا، لِقَرَارِهِ بِقَرَارِهَا وَانْتِقَالِهِ بِانْتِقَالِهَا، وَحُكْمًا، لِعِتْقِهِ وَرِقِّهِ وَدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ بِعِتْقِهَا وَرِقِّهَا وَبَيْعِهَا.وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى هُوَ نَفْسٌ تَنْفَرِدُ بِالْحَيَاةِ وَهُوَ مُعَدٌّ لِلِانْفِصَالِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذِمَّةٌ كَامِلَةٌ بَلْ نَاقِصَةٌ، فَهِيَ ثَابِتَةٌ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْوُجُوبِ لَهُ لَا عَلَيْهِ، كَمَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ وَفِيمَا يَلِي الْحُقُوقُ الَّتِي تَثْبُتُ لِلْحَمْلِ.
أ- النَّسَبُ:
11- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْحَمْلِ لِلْفِرَاشِ إِذَا كَانَ فِي مُدَّةٍ يَحْتَمِلُهَا، إِلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ، أَوْ وَقْتِ إِمْكَانِ الدُّخُولِ إِلَى سَنَتَيْنِ، أَوْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَفَاةِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِ الْحَامِلِ بَائِنًا حَسَبَ مَا ذُكِرَ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَعَلَى تَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (نَسَبٌ).
ب- الْإِرْثُ:
12- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الْحَمْلَ يَرِثُ، وَلَهُ نَصِيبٌ فِي مَالِ مُورَثِهِ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِهِ.
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: تُقْسَمُ التَّرِكَةُ بَيْنَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ إِذَا طَالَبُوا بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارٍ لِلْوِلَادَةِ، وَيُدْفَعُ إِلَى مَنْ لَا يَنْقُصُهُ الْحَمْلُ كَمَالُ مِيرَاثِهِ، وَإِلَى مَنْ يَنْقُصُهُ أَقَلُّ مَا يُصِيبُهُ، وَلَا يُدْفَعُ شَيْءٌ مِنَ الْمِيرَاثِ إِلَى مَنْ يُسْقِطُهُ الْحَمْلُ وَيُوقَفُ لِلْحَمْلِ نَصِيبٌ.
وَيُقَدَّرُ عَدَدُ الْحَمْلِ وَاحِدًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْغَالِبُ الْمُعْتَادُ، فَيُوقَفُ لَهُ نَصِيبُ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَيِّهِمَا كَانَ أَكْثَرَ.وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُوقَفُ لَهُ نَصِيبُ اثْنَيْنِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِلَى أَنَّ الْحَمْلَ سَبَبٌ لِتَأْخِيرِ تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ، فَيُوقَفُ التَّقْسِيمُ كُلُّهُ حَتَّى تَضَعَ الْحَامِلُ، أَوْ يَظْهَرَ عَدَمُ حَمْلِهَا بِانْتِفَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَلَيْسَ بِهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ.
وَإِنْ قَالَتْ: لَا أَدْرِي أُخِّرَ الْإِرْثُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنْ لَا حَمْلَ فِيهَا بِأَنْ تَحِيضَ حَيْضَةً، أَوْ يَمْضِيَ أَمَدُ الْعِدَّةِ وَلَا رِيبَةَ حَمْلٍ بِهَا.
هَذَا، وَاشْتَرَطَ الْجَمِيعُ لِإِرْثِ الْحَمْلِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ وَفَاةِ مُورَثِهِ وَأَنْ تَضَعَهُ حَيًّا بِأَنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا فَيَرِثَ وَيُورَثَ، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وَرِثَ».
وَفِيمَا سِوَى الِاسْتِهْلَالِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِرْثٌ).
ج- الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ
13- تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، لِأَنَّهَا اسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ، لِأَنَّ الْمُوصِي يَجْعَلُهُ Cخَلِيفَةً فِي بَعْضِ مَالِهِ، وَالْجَنِينُ يَصْلُحُ خَلِيفَةً فِي الْإِرْثِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ لِلْحَمْلِ بِالْعِلْمِ بِوُجُودِهِ حِينَ الْوَصِيَّةِ، بِأَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، إِذْ لَوْ وُلِدَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ احْتُمِلَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ، وَهِيَ تَمْلِيكٌ لَا يَصِحُّ لِلْمَعْدُومِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِحَمْلٍ ثَابِتٍ أَوْ مَا سَيُوجَدُ، فَيُوقَفُ إِلَى وَضْعِهِ، فَيَسْتَحِقُّ إِنِ اسْتَهَلَّ عَقِبَ وِلَادَتِهِ، فَإِنْ نَزَلَ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا حَيَاةً غَيْرَ قَارَّةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا، وَتُرَدُّ الْوَصِيَّةُ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي.وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَصِيَّةٌ).
د- الْوَقْفُ عَلَى الْحَمْلِ:
14- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ، أَيِ الْحَمْلِ، لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَبُولِ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ لِلْحَمْلِ اسْتِقْلَالًا كَمَا يَصِحُّ تَبَعًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ إِمْكَانُ تَمْلِيكِهِ بِأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَقْفِ فِي الْخَارِجِ أَهْلًا لِلْمِلْكِ، فَلَا يَصِحُّ عَلَى جَنِينٍ اسْتِقْلَالًا، كَمَا لَا يَصِحُّ تَبَعًا كَأَنْ يَقُولَ: وَقَفْتُ عَلَى وَلَدِي وَحَمْلِ زَوْجَتِي.لَكِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالنَّسْلِ وَالْعَقِبِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيمَا لَوْ قَالَ وَقَفْتُ عَلَى الْأَوْلَادِ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى وَلَدًا قَبْلَ انْفِصَالِهِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى حَمْلٍ أَصَالَةً، كَوَقَفْتُ دَارِي عَلَى مَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ إِذَنْ، وَالْحَمْلُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ بِغَيْرِ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ.
وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْحَمْلِ تَبَعًا، كَأَنْ يَقُولَ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ فُلَانٍ وَفِيهِمْ حَمْلٌ، فَيَشْمَلُ الْحَمْلَ. (ر: وَقْفٌ).
هـ- الْإِقْرَارُ لِلْحَمْلِ وَالْهِبَةُ لَهُ:
15- يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِلْحَمْلِ إِنْ بَيَّنَ الْمُقِرُّ سَبَبًا صَالِحًا يُتَصَوَّرُ لِلْحَمْلِ، كَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، كَأَنْ يَقُولَ: عَلَيَّ كَذَا أَوْ عِنْدِي كَذَا لِهَذَا الْحَمْلِ بِإِرْثٍ وَوَصِيَّةٍ.
وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ إِذَا كَانَ الْحَمْلُ مُحْتَمَلَ الْوُجُودِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ، بِأَنْ لَا يُولَدَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ أَرْبَعَ سِنِينَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ.
وَفِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِلْحَمْلِ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ بَيَانِ السَّبَبِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِقْرَارٌ).
هَذَا.وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ لِلْحَمْلِ، لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ يَحْتَاجُ إِلَى الْقَبْضِ، وَالْحَمْلُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَبْضِ وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (هِبَةٌ).
أَثَرُ نُقْصَانِ أَهْلِيَّةِ الْحَمْلِ:
16- تَقَدَّمَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْحَمْلَ لَهُ أَهْلِيَّةُ وُجُوبٍ نَاقِصَةٌ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي مَالِ الْحَمْلِ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ، وَلَا يَجِبُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ الَّذِي اشْتَرَى لَهُ وَلِيُّهُ، وَنَحْوُهُمَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ. (ر: جَنِينٌ).
نَفْيُ الْحَمْلِ:
17- لَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ لَيْسَ هَذَا الْحَمْلُ- الْجَنِينُ- مِنِّي لَمْ يَجِبِ اللِّعَانُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مُتَيَقَّنِ الْوُجُودِ فَقَدْ يَكُونُ انْتِفَاخًا.
وَقَالَ الصَّاحِبَانِ: إِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ- الَّتِي هِيَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ- مِنْ وَقْتِ الْقَذْفِ وَجَبَ اللِّعَانُ لِلتَّأَكُّدِ مِنْ وُجُودِ الْحَمْلِ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلنَّفْيِ إِذِ الْحَمْلُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ.
وَيَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: (وَلَا يُقْطَعُ نَسَبُ حَمْلٍ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ لَا يُجِيزُ نَفْيَهُ قَبْلَ الْوَضْعِ.وَأَمَّا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ، فَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ إِنَّمَا تَثْبُتُ لِلْوَلَدِ لَا لِلْحَمْلِ وَالْجَنِينِ، إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْوَلَدِ بِالْوِلَادَةِ.وَيَقُولُ: إِنَّ الْقَذْفَ إِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لِلِّعَانِ لَا يَنْقَطِعُ نَسَبُ الْوَلَدِ وَيَكُونُ ابْنَهُمَا وَلَا يُصَدَّقَانِ عَلَى نَفْيِهِ، لِأَنَّ النَّسَبَ قَدْ ثَبَتَ، وَالنَّسَبُ الثَّابِتُ بِالنِّكَاحِ لَا يَنْقَطِعُ إِلاَّ بِاللِّعَانِ وَاللِّعَانُ لَمْ يُوجَدْ).
وَيُصَرِّحُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَشَارِحُهُ: إِنْ قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ زَنَيْتِ وَهَذَا الْحَمْلُ- الْجَنِينُ- مِنَ الزِّنَى تَلَاعَنَا، لِوُجُودِ الْقَذْفِ الصَّرِيحِ وَلَكِنْ لَا يَنْتَفِي الْحَمْلُ لِعَدَمِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ.وَيُصَرِّحُ ابْنُ مَوْدُودٍ بِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِي نَسَبُ الْحَمْلِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ.
وَيُجِيزُ مَالِكٌ فِي قَوْلٍ نَسَبَ إِلَيْهِ اللِّعَانَ أَثْنَاءَ الْحَمْلِ لِنَفْيِهِ وَالْحُكْمُ بِنَفْيِهِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ «لَاعَنَ بَيْنَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ.وَنَفَى النَّسَبَ Cعَنِ الزَّوْجِ»: يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ فِي نَفْيِ الْحَمْلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ اللِّعَانُ.وَيَقُولُ الْخَطِيبُ الشَّافِعِيُّ: إِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ يَنْفِيهِ مَا دَامَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، لِأَنَّ تَرْكَ النَّفْيِ يَتَضَمَّنُ الِاسْتِلْحَاقَ، وَاسْتِلْحَاقُ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ حَرَامٌ.وَإِنَّمَا يُعْلَمُ إِذَا لَمْ يَطَأْ أَوْ وَطِئَهَا وَلَكِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ، أَوْ لِزِيَادَةٍ عَلَى أَرْبَعِ سِنِينَ- الَّتِي هِيَ أَقْصَى مُدَّةِ الْحَمْلِ عِنْدَهُمْ- فَلَوْ عَلِمَ زِنَاهَا وَاحْتَمَلَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَمِنَ الزِّنَى.حَرُمَ النَّفْيُ لِرِعَايَةِ الْفِرَاشِ.
وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ يَنْقُلُ ابْنُ قُدَامَةَ خِلَافًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَنَقَلَ عَنِ الْخِرَقِيِّ وَجَمَاعَةٍ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ قَبْلَ الْوَضْعِ وَلَا يَنْتَفِي حَتَّى يُلَاعِنَهَا بَعْدَ الْوَضْعِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ بِاللِّعَانِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى نَفْيِ الْحَمْلِ فِي اللِّعَانِ وَقِيلَ: يَصِحُّ لَعْنُهُ قَبْلَ وَضْعِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ قُدَامَةَ وَغَيْرُهُ.وَنَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ الْقَوْلَ بِجَوَازِ نَفْيِ الْحَمْلِ، وَأَنَّهُ يُنْفَى بِذَلِكَ، وَأَنَّ الْآثَارَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ كَثِيرَةٌ.وَلِأَنَّ الْحَمْلَ مَظْنُونٌ بِأَمَارَاتٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ.وَصَحَّحَ ابْنُ قُدَامَةَ هَذَا الْقَوْلَ.
وَتَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَوْضِعُهُ مُصْطَلَحُ (لِعَانٌ).
الِاسْتِلْحَاقُ
18- قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ: لَوْ أَقَرَّ السَّيِّدُ أَنَّ أَمَتَهُ حَامِلٌ مِنْهُ فَجَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِهِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ.
وَيُعَلِّلُ الْكَاسَانِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحَمْلَ- الْجَنِينَ- عِبَارَةٌ عَنِ الْوَلَدِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ النَّسَبُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ وَقْتَ الدَّعْوَى.لَكِنَّهُ إِنْ قَالَ فِي إِقْرَارِهِ: مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ حَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ مِنِّي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَإِنَّمَا كَانَ رِيحًا وَلَوْ صَدَّقَتْهُ.وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ جَارِيَةٌ حَامِلٌ فَأَقَرَّ أَنَّ حَمْلَهَا مِنْ زَوْجٍ قَدْ مَاتَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ مِنْهُ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَوْ مَكَثَ الْمَوْلَى بَعْدَ إِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ سَنَةً ثُمَّ قَالَ: هِيَ حَامِلٌ مِنِّي فَوَلَدَتْ وَلَدًا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَهُوَ ابْنٌ لِلْمَوْلَى ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ الْحَمْلِ- الْجَنِينِ- وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى الْوِلَادَةِ فِي Cالظَّاهِرِ.وَفِي مَتْنِ خَلِيلٍ وَحَاشِيَةِ الدُّسُوقِيِّ إِنَّ الزَّوْجَ إِنْ لَاعَنَ لِرُؤْيَةِ الزِّنَى وَقَالَ: وَطَأْتُهَا قَبْلَ هَذِهِ الرُّؤْيَةِ فِي يَوْمِهَا، أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ أَسْتَبْرِئْهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ زِنَى الرُّؤْيَةِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْهُ، بِأَنْ كَانَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، فَلِلْإِمَامِ مَالِكٍ فِي إِلْزَامِ الزَّوْجِ بِالْوَلَدِ وَالْحَمْلِ وَعَدَمِهِ أَقْوَالٌ: قِيلَ: بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ أَصْلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ إِنَّمَا شُرِعَ لِنَفْيِ الْحَدِّ فَقَطْ، وَإِنَّ عُدُولَهُ عَنْ دَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ رِضًا مِنْهُ بِالِاسْتِلْحَاقِ.وَقِيلَ: بِعَدَمِ الْإِلْزَامِ فَهُوَ لَاحِقٌ بِهِ وَيَتَوَارَثَانِ مَا لَمْ يَنْفِهِ بِلِعَانٍ آخَرَ.وَقِيلَ: يُنْفَى بِاللِّعَانِ الْأَوَّلِ.فَإِنِ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَحِقَ بِهِ وَحُدَّ، قَالَ: وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ هُوَ الرَّاجِحُ.
كَمَا يُصَرِّحُ الشَّافِعِيَّةُ كَمَا فِي أَسْنَى الْمَطَالِبِ أَنَّ مَنِ اسْتَلْحَقَ حَمْلًا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ نَفْيُهُ.
وَيَقُولُ الرَّمْلِيُّ: إِنَّ مَنْ سَكَتَ عَلَى حَمْلٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ يَكُونُ بِسُكُوتِهِ مُسْتَلْحِقًا لِمَنْ لَيْسَ مِنْهُ.
وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنَّ الزَّوْجَ إِنِ اسْتَلْحَقَ الْحَمْلَ فَمَنْ قَالَ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ قَالَ: لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَمَنْ أَجَازَ نَفْيَهُ قَالَ: يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ، وَإِذَا اسْتَلْحَقَهُ لَمْ يَمْلِكْ نَفْيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ قَالَ: لَوْ صَحَّ اسْتِلْحَاقُهُ لَزِمَهُ بِتَرْكِ نَفْيِهِ.وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ..
انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ:
19- اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَنْ طَلَاقٍ، أَمْ وَفَاةٍ، أَمْ مُتَارَكَةٍ، أَمْ وَطْءِ شُبْهَةٍ لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الْعِدَّةِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَهِيَ تَحْصُلُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ.
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ إِذَا كَانَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَكَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْعِدَّةُ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْأَخِيرِ لِحُصُولِ الْبَرَاءَةِ بِهِ.وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَيْ (عِدَّةٌ- حَامِلٌ).
إِخْرَاجُ الْحَمْلِ مِنَ الْحَامِلِ الْمَيِّتِ
20- إِذَا مَاتَتِ الْحَامِلُ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَيٌّ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ تَسْطُوَ عَلَيْهِ الْقَوَابِلُ وَجَبَ ذَلِكَ Cاتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ شُقَّ بَطْنُهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ اسْتِبْقَاءً لِحَيَاةِ الْحَمْلِ، خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ وَالْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، حَيْثُ قَالُوا بِعَدَمِ جَوَازِ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ الْمُتَيَقَّنَةِ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ، لِأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ لَا يَعِيشُ وَلَا يَتَحَقَّقُ أَنْ يَحْيَا، كَمَا عَلَّلُوهَا، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (حَامِلٌ).
الِاعْتِدَاءُ عَلَى الْحَمْلِ
21- الِاعْتِدَاءُ عَلَى الْحَمْلِ إِذَا تَسَبَّبَ فِي إِسْقَاطِهِ مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَسْقَطَتْهُ الْحَامِلُ بِدَوَاءٍ أَوْ فِعْلٍ كَضَرْبٍ: (ر: غُرَّةٌ).
أَمَّا إِذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً ثُمَّ مَاتَ بِسَبَبِ الِاعْتِدَاءِ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ خَطَأً كَانَ الِاعْتِدَاءُ أَوْ عَمْدًا.وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِيهِ الْقِصَاصُ إِذَا كَانَ عَمْدًا. (ر: إِجْهَاضٌ، حَامِلٌ).
ذَكَاةُ حَمْلِ الْحَيَوَانِ.
22- إِنَّ خَرَجَ الْحَمْلُ بَعْدَ تَذْكِيَةِ الْحَيَوَانِ الْحَامِلِ وَكَانَ كَامِلَ الْخِلْقَةِ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ تَذْكِيَةِ أُمِّهِ فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ».وَلِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيُبَاعُ بِبَيْعِهَا فَتَكُونُ ذَكَاتُهُ بِذَكَاتِهَا كَأَعْضَائِهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحِلُّ حَتَّى يَخْرُجَ حَيًّا فَيُذَكَّى، لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَنْفَرِدُ بِحَيَاةٍ. (ر: أَطْعِمَةٌ، تَذْكِيَةٌ).
بَيْعُ الْحَمْلِ وَاسْتِثْنَاؤُهُ فِي بَيْعِ الْحَامِلِ
23- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْحَمْلِ وَحْدَهُ أَوِ اسْتِثْنَائِهِ مِنْ بَيْعِ أُمِّهِ، لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَضَامِينِ، وَالْمَلَاقِيحِ أَيْ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ، وَبَاقِي أَرْحَامِ الْأَنْعَامِ وَالْخَيْلِ مِنْ أَجِنَّةٍ، كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ أَيْ نِتَاجِ النِّتَاجِ، لِمَا وَرَدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ Cعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ».
وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ اسْتِثْنَائِهِ فِي الْبَيْعِ فَلِأَنَّ الْحَمْلَ مَجْهُولٌ، وَبِاسْتِثْنَاءِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْمَعْلُومِ يَصِيرُ الْكُلُّ مَجْهُولًا. (ر: بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ).
ثَانِيًا: الْحَمْلُ بِمَعْنَى الرَّفْعِ:
24- الْحَمْلُ بِمَعْنَى الرَّفْعِ لَهُ أَحْكَامٌ فِقْهِيَّةٌ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ حَمْلِ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي وَحَمْلِ الْمَأْجُورِ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ مِنْهُ إِلَى الْمُؤَجِّرِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ، وَأُجْرَةِ الْحَمْلِ وَضَمَانِ الْحَمْلِ (الْمَحْمُولِ)، وَكَذَلِكَ حَمْلُ الْمُصْحَفِ وَكُتُبُ التَّفْسِيرِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَتَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحَاتِهَا، وَفِيمَا يَلِي الْكَلَامُ عَنْهَا إِجْمَالًا:
أ- حَمْلُ الْمَبِيعِ وَالْمَأْجُورِ:
25- ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ، إِلاَّ إِذَا اشْتُرِطَ أَنْ يُسَلَّمَ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُلْزَمُ الْبَائِعُ بِحَمْلِ الْمَبِيعِ وَتَسْلِيمِهِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ.
وَذَكَرَ فِي مَجَلَّةِ الْأَحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ أَنَّ مَا يُبَاعُ مَحْمُولًا عَلَى الْحَيَوَانِ كَالْحَطَبِ وَالْفَحْمِ تَكُونُ أُجْرَةُ حَمْلِهِ وَنَقْلِهِ إِلَى بَيْتِ الْمُشْتَرِي جَارِيَةً حَسَبَ عُرْفِ الْبَلْدَةِ وَعَادَتِهَا.
وَبِالنِّسْبَةِ لِحَمْلِ الْمَأْجُورِ ذَكَرُوا أَنَّهُ إِنِ احْتَاجَ رَدُّ الْمَأْجُورِ إِعَادَتَهُ إِلَى الْحَمْلِ وَالْمُؤْنَةِ فَأُجْرَةُ نَقْلِهِ عَلَى الْآجِرِ.وَجَاءَ فِي الْمَجَلَّةِ: يَلْزَمُ الْحَمَّالَ إِدْخَالُ الْحِمْلِ إِلَى الدَّارِ لَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَضْعُهُ فِي مَحَلِّهِ.مَثَلًا لَيْسَ عَلَى الْحَمَّالِ إِخْرَاجُ الْحِمْلِ إِلَى فَوْقِ الدَّارِ وَلَا وَضْعُهُ فِي الْأَنْبَارِ.أَيِ الْمَخَازِنِ.
ب- ضَمَانُ الْحَمَّالِ:
26- مَا يَحْمِلُهُ الْحَمَّالُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ يَكُونُ أَمَانَةً فَلَا يَضْمَنُ بِعَيْبِهِ أَوْ تَلَفِهِ إِلاَّ إِذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ.فَمَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يَحْمِلُ لَهُ شَيْئًا فَحَمَلَ لَهُ إِنَاءً أَوْ وِعَاءً فَخَرَّ مِنْهُ الْإِنَاءُ أَوِ انْفَلَتَ مِنْهُ الْوِعَاءُ فَذَهَبَ مَا فِيهِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا.
وَهَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ فِي ضَمَانِ الْأَمَانَاتِ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (ضَمَانٌ).
ج- حَمْلُ الْمُصْحَفِ:
27- لَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ بِغَيْرِ غِلَافٍ Cمُتَجَافٍ أَيْ غَيْرِ مُشَرَّزٍ لِلْمُحْدِثِ حَدَثًا أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ.وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا حَمَلَهُ بِغِلَافٍ:
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يَجُوزُ، وَمَنَعَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ.
وَنُهِينَا عَنْ حَمْلِ الْمُصْحَفِ وَمَا يَجِبُ تَعْظِيمُهُ فِي الْقِتَالِ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى وُقُوعِهِ فِي يَدِ الْعَدُوِّ، وَفِي ذَلِكَ تَعْرِيضُهُ لِاسْتِخْفَافِهِمْ بِهِ، إِلاَّ فِي جَيْشٍ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ فَلَا كَرَاهَةَ.
وَيَجُوزُ حَمْلُ الْمُصْحَفِ إِلَى بَلَدِ الْكُفَّارِ إِذَا دَخَلَ إِلَيْهِمْ مُسْلِمٌ بِأَمَانٍ إِذَا كَانُوا يُوفُونَ بِالْعَهْدِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ تَعَرُّضِهِمْ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
11-موسوعة الفقه الكويتية (رق 8)
رِقّ -8الدِّيَةُ وَالْأَرْشُ:
116- أ- إِذَا قَتَلَ الْحُرُّ عَبْدًا، أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ قَطَعَهُ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ عَبْدٌ بِعَبْدٍ، خَطَأً، أَوْ عَمْدًا وَلَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ، ثَبَتَ الْمَالُ، وَهُوَ فِي الْحُرِّ دِيَةُ النَّفْسِ أَوِ الْعُضْوِ أَوِ الْحُكُومَةِ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي بَابِ الدِّيَاتِ.
وَفِي الْعَبْدِ قِيمَتُهُ إِذَا قَتَلَ، مَهْمَا كَانَتْ، قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً، حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَبْلُغُ دِيَةَ الْحُرِّ أَوْ تَزِيدُ عَلَيْهَا أَضْعَافًا، وَهَذَا قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ سَعِيدٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ قَالُوا: لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ أَتْلَفَهُ- سَوَاءٌ عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ- فَيَضْمَنُهُ بِكَمَالِ قِيمَتِهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا مَدْخَلَ لِلتَّغْلِيظِ فِي بَدَلِ الرَّقِيقِ.ا هـ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: إِنْ ضَمِنَ بِالْجِنَايَةِ يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ، لَكِنْ لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةِ حُرٍّ أَوْ مِثْلَهَا يَنْتَقِصُ عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ دِينَارًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْعَبْدِ، إِلاَّ نِصْفَ دِينَارٍ.
وَإِنْ ضَمِنَ بِالْيَدِ، بِأَنْ غَصَبَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ قِيمَتُهُ وَإِنْ زَادَ عَنْ دِيَةٍ أَوْ دِيَاتٍ.
وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا بِأَنَّ فِي الْعَبْدِ الْآدَمِيَّةَ وَالْمَالِيَّةَ، وَالْآدَمِيَّةُ أَعْلَاهُمَا، فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِإِهْدَارِ الْأَدْنَى عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ فِي حَالِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ، وَالْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ، وَالْقِيمَةُ بَدَلٌ عَنِ الدِّيَةِ فِي قَلِيلِ الْقِيمَةِ بِالرَّأْيِ، وَتَنْقُصُ فِيمَا زَادَ عَنِ الدِّيَةِ لِنَقْصِ رُتْبَةِ الْعَبْدِ عَنِ الْحُرِّ، وَضَمَانُ الْغَصْبِ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ، فَيَضْمَنُ بِكَامِلِ قِيمَتِهِ فِي حَالَةِ تَلَفِهِ مَغْصُوبًا إِذِ الْغَصْبُ لَا يَرِدُ إِلاَّ عَلَى الْمَالِ.
وَإِنَّمَا حَدَّدُوا النَّقْصَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى بِدِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِأَثَرٍ وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه-.وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالُوا: فِي نَفْسِ الْعَبْدِ الدِّيَةُ كَالْحُرِّ، لَكِنْ يُنْقَصُ مِنْهَا شَيْءٌ.
الْعَاقِلَةُ وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ:
117- لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ.
وَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَاللَّيْثِ إِلَى أَنَّ الَّذِي يَتَحَمَّلُ قِيمَةَ الْعَبْدِ هُوَ الْقَاتِلُ نَفْسُهُ إِنْ كَانَ حُرًّا وَلَيْسَ عَاقِلَتُهُ وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً، لِحَدِيثِ: «لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ لَا عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا جَنَى الْمَمْلُوكُ» وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ لَا الدِّيَةُ إِذِ الْعَبْدُ مَالٌ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ: تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ نَفْسَ الْعَبْدِ كَمَا تَحْمِلُ الْحُرَّ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَا تَحْمِلُ مَا دُونَ النَّفْسِ مِنَ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ تُعَامَلُ كَالْمَالِ.
118- ب- وَأَمَّا أُرُوشُ جِرَاحِ الْعَبْدِ وَأَعْضَائِهِ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى أَقْوَالٍ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ (هُوَ قَدِيمُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ) وَالْحَنَابِلَةُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، قَوَّاهَا ابْنُ قُدَامَةَ إِلَى أَنَّ السَّيِّدَ يَسْتَحِقُّ عَلَى الْجَانِي مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا، فَلَمَّا قَطَعَ يَدَهُ أَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً أَوْ غَيْرَهَا صَارَتْ قِيمَتُهُ ثَمَانَمِائَةٍ فَإِنَّ الْأَرْشَ يَكُونُ مِائَتَيْنِ، وَلَوْ جَبَّهُ وَخَصَاهُ فَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ أَوْ زَادَتْ، فَلَا شَيْءَ لِلسَّيِّدِ.وَاحْتَجُّوا لِهَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ، فَيُجْرَى فِي ضَمَانِ الْإِتْلَافِ فِيهِ عَلَى قَاعِدَةِ إِتْلَافِ الْأَمْوَالِ الْأُخْرَى.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ عَلَيْهَا الْمَذْهَبُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ جِنَايَةٍ لَيْسَ لَهَا فِي الْحُرِّ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، فَيَكُونُ أَرْشُهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَبَيْنَ جِنَايَةٍ لَهَا فِي الْحُرِّ دِيَةٌ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا، فَيَكُونُ أَرْشُهَا بِنِسْبَةِ ذَلِكَ مِنْ قِيمَتِهِ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا فَقَطَعَ يَدَهُ فَفِيهَا خَمْسُمِائَةٍ، أَوْ قَطَعَ أَنْفَهُ فَفِيهِ قِيمَتُهُ كَامِلَةٌ، مَعَ بَقَاءِ الْعَبْدِ عَلَى مِلْكِ السَّيِّدِ، وَلَوْ جَبَّهُ ثُمَّ خَصَاهُ فَفِيهِ قِيمَتُهُ مَرَّتَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، مَعَ بَقَاءِ مِلْكِيَّتِهِ لِلسَّيِّدِ.وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي مِثْلِ الْحَالَةِ الْأَخِيرَةِ: لَهُ قِيمَتُهُ كَامِلَةً لِلْجَبِّ، وَقِيمَتُهُ بَعْدَ الْجَبِّ لِلْخِصَاءِ.
وَاحْتُجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه-، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ سَعِيدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى التَّقْدِيرِ فِي الْحُرِّ، لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِمَالٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ فِي قَتْلِهِ الْقِصَاصَ وَالْكَفَّارَةَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى اعْتِبَارِ التَّقْدِيرِ بِالنِّسْبَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي، لَكِنْ قَالُوا: إِنَّهُ لَا يُزَادُ عَنْ دِيَةِ مِثْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ مِنَ الْحُرِّ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَفِيهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، كَدِيَةِ الْحُرِّ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مَهْمَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ، فَإِنَّ أَرْشَ يَدِهِ خَمْسَةُ آلَافٍ إِلاَّ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا.
قَالُوا: لِأَنَّ الْيَدَ مِنَ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَتُعْتَبَرُ بِكُلِّهِ، وَيَنْقُصُ هَذَا الْمِقْدَارُ إِظْهَارًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ عَنْ رُتْبَةِ الْحُرِّ.وَكُلُّ مَا يُقَدَّرُ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَهُوَ مُقَدَّرٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعَبْدِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ إِذْ هُوَ بَدَلُ الدَّمِ.
قَالُوا: وَمَنْ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ فَقَدْ فَوَّتَ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ شَاءَ الْوَلِيُّ دَفَعَ عَبْدَهُ إِلَى الْجَانِي وَأَخَذَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنَ النُّقْصَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ الصَّاحِبَانِ: بَلْ يَكُونُ لَهُ إِنْ أَمْسَكَهُ أَخْذُ مَا نَقَصَهُ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ فِي الضَّمَانِ بَيْنَ جِرَاحَاتِ الْعَبْدِ وَبَيْنَ قَطْعِ طَرَفٍ أَوْ عُضْوٍ، فَفِي الْجِرَاحَاتِ الَّتِي لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِي الْحُرِّ يَضْمَنُ بِنِسْبَتِهَا مِنْ كَامِلِ قِيمَتِهِ، فَفِي الْجَائِفَةِ أَوِ الْآمَّةِ ثُلُثُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشُرِ قِيمَتِهِ، وَفِي مُنَقِّلَتِهِ عُشُرُ قِيمَتِهِ وَنِصْفُ عُشُرِهَا.وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْجِرَاحِ وَهُوَ مَا لَيْسَ فِيهِ مُقَدَّرٌ، يُقَدَّرُ نَقْصُ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَيُدْفَعُ كَامِلًا مَهْمَا بَلَغَ.فَإِنْ بَرِئَ بِلَا شَيْنٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ سِوَى الْأَدَبِ فِي الْعَمْدِ.
وَكَذَا قَطْعُ الْأَعْضَاءِ فِيهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ بِسَبَبِ ذَلِكَ.وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ مَتْنِ خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْأَعْضَاءِ بِنِسْبَتِهَا مِنَ الْقِيمَةِ.
الْجِنَايَةُ عَلَى جَنِينِ الْأَمَةِ:
119- لَوْ جَنَى عَلَى أَمَةٍ فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَ مَحْكُومًا بِرِقِّهِ، فَفِيهِ قِيمَتُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.أَمَّا إِنْ أَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا بَعْدَ تَخَلُّقِهِ أَوْ نَفْخِ الرُّوحِ، فَفِيهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عُشُرُ قِيمَةِ أُمِّهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْجِنَايَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ أُنْثَى فَفِيهِ عُشُرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَفِيهِ نِصْفُ عُشُرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِيهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ أُمِّهِ.
جِنَايَاتُ الرَّقِيقِ:
120- إِنْ كَانَ الْقَاتِلُ رَقِيقًا فَمَا وَجَبَ بِجِنَايَتِهِ مِنَ الْمَالِ سَوَاءٌ أَكَانَ دِيَةَ نَفْسِ حُرٍّ أَوْ طَرَفَهُ، أَوْ قِيمَةَ عَبْدٍ أَوْ قِيمَةَ طَرَفِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَلَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ، أَوْ كَانَتْ خَطَأً فَعُفِيَ عَنْهَا عَلَى مَالٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَجِبُ فِي رَقَبَتِهِ، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ وَلَا بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ وَهَكَذَا جَمِيعُ الدُّيُونِ الَّتِي تَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْإِتْلَافَاتِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَأْذُونًا لَهُ بِالتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ.وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
قَالُوا: وَلَمْ تَتَعَلَّقْ هَذِهِ الدُّيُونُ بِذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى إِلْغَائِهَا أَوْ تَأْخِيرِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ، وَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ، فَتَعَيَّنَ تَعَلُّقُهَا بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ كَالْقِصَاصِ.
وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: تَتَعَلَّقُ أَيْضًا بِذِمَّةِ الْعَبْدِ.
ثُمَّ إنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي أَوْ أَقَلَّ، فَالسَّيِّدُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ أَوْ يُسَلِّمَ الْعَبْدَ إِلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ دَفَعَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ فَقَدْ تَأَدَّى الْحَقُّ، وَإِنْ سَلَّمَ الْعَبْدَ فَقَدْ أَدَّى الْمَحَلَّ الَّذِي تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِهِ، وَحَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِأَكْثَرَ مِنَ الرَّقَبَةِ، وَقَدْ أَدَّاهَا، فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ.وَالْخِيَارُ إِلَى السَّيِّدِ، فَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ إِنْ أَدَّى الْأَرْشَ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ إِنْ سَلَّمَ الْعَبْدَ.
وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: يُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِقِيمَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهُ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ مَا لَمْ يَفْدِهِ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرْغَبَ فِيهِ رَاغِبٌ فَيَشْتَرِيَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ، فَإِذَا مَنَعَ تَسْلِيمَهُ لِلْبَيْعِ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْأَرْشِ لِتَفْوِيتِهِ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةَ خَطَأٍ بِقَتْلِ نَفْسٍ قِيلَ لِمَوْلَاهُ: إِمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ بَدَلَهَا أَوْ تَفْدِيَهُ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: إِذَا جَنَى الْعَبْدُ فَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ.وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ فِي حَالَةِ الْخَطَأِ أَنْ تَتَبَاعَدَ عَنِ الْجَانِي تَحَرُّزًا عَنِ اسْتِئْصَالِهِ وَالْإِجْحَافِ بِهِ، إِذْ هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَمَّدِ الْجِنَايَةَ، وَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي إِذَا كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ، وَالسَّيِّدُ عَاقِلَةُ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَنْصِرُ بِهِ- وَالْأَصْلُ فِي الْعَاقِلَةِ النُّصْرَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنِ الْإِهْدَارِ.
وَهَذَا عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَالِ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَحْمِلُ الْمَالَ.وَالْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَهُمْ دَفْعُ الْعَبْدِ الْجَانِي إِلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْلِ إِلَى الْأَمْرِ الثَّانِي وَهُوَ الْفِدَاءُ بِالْأَرْشِ.
قَالُوا: فَإِنْ دَفَعَهُ مَالِكُهُ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا، وَكُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ يَلْزَمُ حَالًا، أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ، وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ جُعِلَ بَدَلًا، فَيَقُومُ مَقَامَهُ وَيَأْخُذُ حُكْمَهُ فَيَجِبُ حَالًا.وَأَيُّهُمَا اخْتَارَهُ وَفَعَلَهُ فَلَا شَيْءَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ غَيْرُهُ.
فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْحَقِّ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَمَا اخْتَارَ الْوَلِيُّ الْفِدَاءَ لَمْ يَبْرَأْ لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إِلَى ذِمَّةِ الْمَوْلَى. وَالِاخْتِيَارُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ فَلَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَكَذَا كُلُّ مَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، كَأَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ أَوْ يَهَبَهُ أَوْ يُدَبِّرَهُ، أَوْ يَسْتَوْلِدَ الْأَمَةَ الثَّيِّبَ، أَوْ يَطَأَ الْبِكْرَ.
وَأَمَّا إِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَالْوَاجِبُ عِنْدَهُمُ الْقِصَاصُ كَمَا تَقَدَّمَ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
12-موسوعة الفقه الكويتية (سقط)
سِقْطالتَّعْرِيفُ:
1- السِّقْطُ لُغَةً: الْوَلَدُ- ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى- يَسْقُطُ قَبْلَ تَمَامِهِ وَهُوَ مُسْتَبِينُ الْخَلْقِ، يُقَالُ: سَقَطَ الْوَلَدُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ سُقُوطًا فَهُوَ سِقْطٌ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
مَا يَتَعَلَّقُ بِالسِّقْطِ مِنْ أَحْكَامٍ:
حُكْمُ تَغْسِيلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ:
2- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ إِجْمَاعًا، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ خِلَافٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (جَنِين، تَغْسِيل).
مَا يَتَعَلَّقُ بِالسِّقْطِ مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ وَالْعِدَّةُ
3- إِذَا نَزَلَ السِّقْطُ تَامَّ الْخِلْقَةِ تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الْوِلَادَةِ مِنْ حَيْثُ أَحْكَامُ النِّفَاسِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْوِلَادَةِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَلْقَتْ مُضْغَةً تَبَيَّنَ فِيهِ خَلْقُ إِنْسَانٍ، وَأَمَّا إِذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهَا التَّخَلُّقُ أَوْ أَلْقَتْ عَلَقَةً فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ يُنْظَرُ فِي (إِجْهَاض ف 170).
نُزُولُ السِّقْطِ نَتِيجَةَ الْجِنَايَةِ عَلَى أُمِّهِ:
4- إِذَا اعْتُدِيَ عَلَى الْحَامِلِ فَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ دِيَةُ النَّفْسِ، فَإِنْ أَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا وَقَدْ تَبَيَّنَ فِيهِ خَلْقُ الْإِنْسَانِ فَفِيهِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، فَإِنْ فُقِدَا فَنِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِجْهَاض 130) (وَدِيَة ف 33) وَحُكْمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْإِجْهَاضِ فِي مُصْطَلَحِ (كَفَّارَة).
مِيرَاثُ السِّقْطِ:
5- لَا يَرِثُ السِّقْطُ إِلاَّ إِذَا اسْتَهَلَّ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ وَرِثَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ» هَذَا مَعَ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يَكُونُ بِهِ الِاسْتِهْلَالُ.فَإِذَا نَزَلَ السِّقْطُ مَيِّتًا فَلَا يَرِثُ.
وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِرْث ف 112)، وَمُصْطَلَحِ (اسْتِهْلَال).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
13-موسوعة الفقه الكويتية (عضل)
عَضْلٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْعَضْلُ فِي اللُّغَةِ مِنْ: عَضَلَ الرَّجُلُ حُرْمَتَهُ عَضْلًا- مِنْ بَابَيْ قَتَلَ وَضَرَبَ- مَنَعَهَا التَّزْوِيجَ، وَعَضْلُ الْمَرْأَةِ عَنِ الزَّوْجِ: حَبْسُهَا، وَعَضَلَ بِهِمُ الْمَكَانُ: ضَاقَ، وَأَعْضَلَ الْأَمْرُ: اشْتَدَّ، وَمِنْهُ: دَاءٌ عُضَالٌ أَيْ شَدِيدٌ.
وَقَدِ اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ الْعَضْلَ فِي النِّكَاحِ بِمَعْنَى مَنْعِ التَّزْوِيجِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: مَعْنَى الْعَضْلِ: مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنَ التَّزْوِيجِ بِكُفْئِهَا إِذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ وَرَغِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ.
وَكَذَلِكَ اسْتَعْمَلُوا الْعَضْلَ فِي الْخُلْعِ بِمَعْنَى: الْإِضْرَارِ بِالزَّوْجَةِ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ عَضَلَ زَوْجَتَهُ، وَضَارَّهَا بِالضَّرْبِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهَا، أَوْ مَنَعَهَا حُقُوقَهَا مِنَ النَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ وَالْعِوَضُ مَرْدُودٌ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2- الْأَصْلُ أَنَّ عَضْلَ الْوَلِيِّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا مِنْ كُفْئِهَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ، وَإِضْرَارٌ بِالْمَرْأَةِ فِي مَنْعِهَا حَقَّهَا فِي التَّزْوِيجِ بِمَنْ تَرْضَاهُ، وَذَلِكَ لِنَهْيِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْلِهِ مُخَاطِبًا الْأَوْلِيَاءَ: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}
كَمَا أَنَّ عَضْلَ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ، بِمُضَارَّتِهَا وَسُوءِ عِشْرَتِهَا وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا أَعْطَاهَا مِنْ مَهْرٍ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ لَهَا بِمَنْعِهَا حَقَّهَا مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَمِنَ النَّفَقَةِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأَزْوَاجَ عَنْ ذَلِكَ فِي قوله تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}.
3- وَيُبَاحُ عَضْلُ الْوَلِيِّ إِذَا كَانَ لِمَصْلَحَةِ الْمَرْأَةِ، كَأَنْ تَطْلُبَ النِّكَاحَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، فَيَمْتَنِعَ عَنْ تَزْوِيجِهَا لِمَصْلَحَتِهَا.
كَمَا يُبَاحُ مِنَ الزَّوْجِ، بِالتَّضْيِيقِ عَلَى زَوْجَتِهِ حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا أَعْطَاهَا مِنْ مَهْرٍ، وَذَلِكَ فِي حَالَةِ إِتْيَانِهَا الْفَاحِشَةَ لِلنَّصِّ عَلَى ذَلِكَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ فِي قوله تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}
مَتَى يُعْتَبَرُ الْعَضْلُ؟
4- ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ الْعَضْلَ فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: عَضْلُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِمُضَارَّتِهَا وَسُوءِ عِشْرَتِهَا قَاصِدًا أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا أَعْطَاهَا مِنْ مَهْرٍ، وَمَا يَأْخُذُهُ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ أُكْرِهَتْ عَلَى بَذْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (خُلْع ف 10).
الثَّانِي: عَضْلُ الْوَلِيِّ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا دَعَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى الزَّوَاجِ مِنْ كُفْءٍ، أَوْ خَطَبَهَا كُفْءٌ، وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ تَزْوِيجِهِ دُونَ سَبَبٍ مَقْبُولٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَاضِلًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَزْوِيجُهَا مِنْ كُفْءٍ، وَسَوَاءٌ طَلَبَتِ التَّزْوِيجَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ دُونَهُ، كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مَحْضُ حَقِّهَا وَعِوَضٌ يَخْتَصُّ بِهَا، فَلَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ،؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ أَسْقَطَتْهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ سَقَطَ كُلُّهُ، فَبَعْضُهُ أَوْلَى، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الِامْتِنَاعُ عَنِ التَّزْوِيجِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا يُعْتَبَرُ عَضْلًا.
وَلَا يُعْتَبَرُ الْوَلِيُّ عَاضِلًا إِذَا امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ.
لَكِنْ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْأَبَ الْمُجْبِرَ لَا يُعْتَبَرُ عَاضِلًا بِرَدِّ الْخَاطِبِ، وَلَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ، لِمَا جُبِلَ الْأَبُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَنَانِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى ابْنَتِهِ، وَلِجَهْلِهَا بِمَصَالِحِ نَفْسِهَا، إِلاَّ إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِهَا.
وَلَوْ دَعَتِ الْمَرْأَةُ لِكُفْءٍ وَأَرَادَ الْوَلِيُّ تَزْوِيجَهَا مِنْ كُفْءٍ غَيْرِهِ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ: كُفْءُ الْوَلِيِّ أَوْلَى إِذَا كَانَ الْوَلِيُّ مُجْبِرًا؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ نَظَرًا مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوَلِيُّ مُجْبِرًا فَالْمُعْتَبَرُ مَنْ عَيَّنَتْهُ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَلْزَمُ الْوَلِيَّ إِجَابَتُهَا إِلَى كُفْئِهَا إِعْفَافًا لَهَا، فَإِنِ امْتَنَعَ الْوَلِيُّ عَنْ تَزْوِيجِهَا مِنَ الَّذِي أَرَادَتْهُ كَانَ عَاضِلًا، وَهُوَ رَأْيٌ لِلْحَنَفِيَّةِ اسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ
أَثَرُ الْعَضْلِ.
5- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَحَقَّقَ الْعَضْلُ مِنَ الْوَلِيِّ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِتَزْوِيجِهَا إِنْ لَمْ يَكُنِ الْعَضْلُ بِسَبَبٍ مَقْبُولٍ، فَإِنِ امْتَنَعَ انْتَقَلَتِ الْوِلَايَةُ إِلَى غَيْرِهِ.
لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَنْتَقِلُ إِلَيْهِ الْوِلَايَةُ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ- عَدَا ابْنَ الْقَاسِمِ- وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْوِلَايَةَ تَنْتَقِلُ إِلَى السُّلْطَانِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»؛ وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ قَدِ امْتَنَعَ ظُلْمًا مِنْ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ فَيَقُومُ السُّلْطَانُ مَقَامَهُ لِإِزَالَةِ الظُّلْمِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَامْتَنَعَ عَنْ قَضَائِهِ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ- رضي الله عنه- وَشُرَيْحٍ، لَكِنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِمَا إِذَا كَانَ الْعَضْلُ دُونَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إِذَا عَضَلَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ انْتَقَلَتِ الْوِلَايَةُ إِلَى الْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّزْوِيجُ مِنْ جِهَةِ الْأَقْرَبِ فَمَلَكَهُ الْأَبْعَدُ كَمَا لَوْ جُنَّ،؛ وَلِأَنَّهُ يَفْسُقُ بِالْعَضْلِ فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ عَنْهُ، فَإِنْ عَضَلَ الْأَوْلِيَاءُ كُلُّهُمْ زَوَّجَ الْحَاكِمُ، وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إِذَا عَضَلَ الْكُلُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: «فَإِنِ اشْتَجَرُوا...» ضَمِيرُ جَمْعٍ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا تَكَرَّرَ الْعَضْلُ مِنَ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ، فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ انْتَقَلَتِ الْوِلَايَةُ لِلْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ، بِنَاءً عَلَى مَنْعِ وِلَايَةِ الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ يَفْسُقُ بِتَكَرُّرِ الْعَضْلِ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّمَا يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ غَيْرِ الْعَاضِلِ، وَأَمَّا عِنْدَ وُجُودِهِ فَيَنْتَقِلُ الْحَقُّ لِلْأَبْعَدِ؛ لِأَنَّ عَضْلَ الْأَقْرَبِ وَاسْتِمْرَارَهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ صَيَّرَهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، فَيَنْتَقِلُ الْحَقُّ لِلْأَبْعَدِ، وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ وَكِيلًا لَهُ إِلاَّ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ امْتِنَاعٌ، كَمَا لَوْ كَانَ غَائِبًا
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
14-موسوعة الفقه الكويتية (غصب 2)
غَصْبٌ -2ثَالِثًا- مَا يَتَعَلَّقُ بِالضَّمَانِ مِنْ أَحْكَامٍ:
يَتَعَلَّقُ بِضَمَانِ الْمَغْصُوبِ الْمَسَائِلُ التَّالِيَةُ: أ- كَيْفِيَّةُ الضَّمَانِ:
23- إِذَا هَلَكَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَكَانَ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، أَوْ مِنَ الْعَقَارَاتِ أَوِ الْمَنْقُولَاتِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، أَيْ غَرَامَتُهُ أَوْ تَعْوِيضُهُ، لَكِنْ إِذَا كَانَ الْهَلَاكُ بِتَعَدٍّ مِنْ غَيْرِهِ.لَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، رَجَعَ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَعِبَارَةُ الْفُقَهَاءِ، فِي ذَلِكَ: الْغَاصِبُ ضَامِنٌ لِمَا غَصَبَهُ، سَوَاءٌ تَلِفَ بِأَمْرِ اللَّهِ أَوْ مِنْ مَخْلُوقٍ.
وَكَيْفِيَّةُ الضَّمَانِ: أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ بِالْمِثْلِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ إِذَا كَانَ الْمَالُ مِثْلِيًّا، وَبِقِيمَتِهِ إِذَا كَانَ قِيَمِيًّا، فَإِنْ تَعَذَّرَ وُجُودُ الْمِثْلِ وَجَبَتِ الْقِيمَةُ لِلضَّرُورَةِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ (ف: 19، 20).
ب- وَقْتُ الضَّمَانِ:
24- لِلْفُقَهَاءِ فِي وَقْتِ الضَّمَانِ مَذَاهِبُ: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي تَقْدِيرِ قِيمَةِ التَّعْوِيضِ وَوَقْتِ وُجُوبِ ضَمَانِ الْمِثْلِيِّ إِذَا انْقَطَعَ مِنَ السُّوقِ وَتَعَذَّرَ الْحُصُولُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: وُجُوبُ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَهُوَ يَوْمُ انْعِقَادِ السَّبَبِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
الثَّانِي: يَوْمَ الِانْقِطَاعِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ.
الثَّالِثُ: يَوْمَ الْخُصُومَةِ وَهُوَ يَوْمُ حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمُتُونِ وَالْمُخْتَارِ، وَاخْتَارَتْ الْمَجَلَّةُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ.(الْمَادَّةُ: 891)
وَأَمَّا الْقِيَمِيُّ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ تُقَدَّرُ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ يَوْمَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِالْغَصْبِ، فَتُقَدَّرُ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ يَوْمَ الْغَصْبِ، فَلَا يَتَغَيَّرُ التَّقْدِيرُ بِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ لَمْ يَتَغَيَّرْ، كَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ مَحَلُّ الضَّمَانِ.
لَكِنْ فَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ ضَمَانِ الذَّاتِ وَضَمَانِ الْغَلَّةِ، فَتُضْمَنُ الْأُولَى يَوْمَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا، وَتُضْمَنُ الْغَلَّةُ مِنْ يَوْمِ اسْتِغْلَالِهَا، وَأَمَّا الْمُتَعَدِّي وَهُوَ غَاصِبُ الْمَنْفَعَةِ، فَيَضْمَنُ الْمَنْفَعَةَ بِمُجَرَّدِ فَوَاتِهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ: إِلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الضَّمَانِ هُوَ أَقْصَى قِيمَةٍ لِلْمَغْصُوبِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ إِلَى وَقْتِ تَعَذُّرِ وُجُودِ الْمِثْلِ، وَإِذَا كَانَ الْمِثْلُ مَفْقُودًا عِنْدَ التَّلَفِ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْأَكْثَرِ قِيمَةً مِنَ الْغَصْبِ إِلَى التَّلَفِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ، أَمْ بِتَغَيُّرِ الْمَغْصُوبِ فِي نَفْسِهِ.
وَأَمَّا الْمَالُ الْقِيَمِيُّ: فَيُضْمَنُ بِأَقْصَى قِيمَةٍ لَهُ مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ إِلَى يَوْمِ التَّلَفِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ، وَفُقِدَ الْمِثْلُ، وَجَبَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ انْقِطَاعِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ حِينَ انْقِطَاعِ الْمِثْلِ، فَقُدِّرَتِ الْقِيمَةُ حِينَئِذٍ كَتَلَفِ الْمُتَقَوِّمِ، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ وَتَلِفَ، فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْغَصْبِ إِلَى حِينِ الرَّدِّ، إِذَا كَانَ التَّغَيُّرُ فِي الْمَغْصُوبِ نَفْسِهِ مِنْ كِبَرٍ وَصِغَرٍ، وَسِمَنٍ وَهُزَالٍ وَنَحْوِهَا مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي تَزِيدُ بِهَا الْقِيمَةُ وَتَنْقُصُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ مَغْصُوبَةٌ فِي الْحَالِ الَّتِي زَادَتْ فِيهَا، وَالزِّيَادَةُ لِمَالِكِهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ.وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ بِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ لَمْ تُضْمَنِ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ لِهَذَا السَّبَبِ لَا يُضْمَنُ إِذَا رُدَّتِ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ بِذَاتِهَا، فَلَا يُضْمَنُ عِنْدَ تَلَفِهَا.
ج- انْتِهَاءُ عُهْدَةِ الْغَاصِبِ:
25- تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْغَاصِبِ وَتَنْتَهِي عُهْدَتُهُ بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ:
الْأَوَّلُ- رَدُّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إِلَى صَاحِبِهَا مَا دَامَتْ بَاقِيَةً بِذَاتِهَا، لَمْ تُشْغَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ.
الثَّانِي- أَدَاءُ الضَّمَانِ إِلَى الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ إِذَا تَلِفَ الْمَغْصُوبُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مَطْلُوبٌ أَصَالَةً.
الثَّالِثُ- الْإِبْرَاءُ مِنَ الضَّمَانِ إِمَّا صَرَاحَةً مِثْلُ: أَبْرَأْتُكَ مِنَ الضَّمَانِ، أَوْ أَسْقَطْتُهُ عَنْكَ، أَوْ وَهَبْتُهُ مِنْكَ وَنَحْوُهُ، أَوْ بِمَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ: وَهُوَ أَنْ يَخْتَارَ الْمَالِكُ تَضْمِينَ أَحَدِ الْغَاصِبِينَ، فَيَبْرَأُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ تَضْمِينِ أَحَدِهِمَا إِبْرَاءٌ لِلْآخَرِ ضِمْنًا.
الرَّابِعُ- إِطْعَامُ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبَ لِمَالِكِهِ أَوْ لِدَابَّتِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ طَعَامُهُ، أَوْ تَسَلَّمَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ كَالْإِيدَاعِ أَوِ الْهِبَةِ أَوِ الْإِجَارَةِ أَوِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى قِصَارَتِهِ أَوْ خِيَاطَتِهِ، وَعَلِمَ الْمَالِكُ أَنَّهُ مَالُهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، أَوْ عَلَى وَجْهِ ثُبُوتِ بَدَلِهِ فِي ذِمَّتِهِ، كَالْقَرْضِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ مَالُهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ لَمْ يَبْرَأِ الْغَاصِبُ، حَتَّى تَتَغَيَّرَ صِفَةُ الْغَصْبِ.
د- تَعَذُّرُ رَدِّ الْمَغْصُوبِ:
26- قَدْ يَتَعَذَّرُ رَدُّ الْمَغْصُوبِ لِتَغَيُّرِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: تَغَيُّرُ الْمَغْصُوبِ عِنْدَ الْغَاصِبِ: إِمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ.
وَالتَّغَيُّرُ بِفِعْلِهِ قَدْ يَكُونُ تَغَيُّرًا فِي الْوَصْفِ أَوْ تَغَيُّرًا فِي الِاسْمِ وَالذَّاتِ، وَكُلُّ حَالَاتِ التَّغَيُّرِ يَكُونُ الْمَغْصُوبُ فِيهَا مَوْجُودًا.
فَإِذَا تَغَيَّرَ الْمَغْصُوبُ بِنَفْسِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ عِنَبًا فَأَصْبَحَ زَبِيبًا، أَوْ رُطَبًا فَأَصْبَحَ تَمْرًا، فَيَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ اسْتِرْدَادِ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ، وَبَيْنَ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ قِيمَتَهُ.
وَإِذَا تَغَيَّرَ وَصْفُ الْمَغْصُوبِ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ مِنْ طَرِيقِ الْإِضَافَةِ أَوِ الزِّيَادَةِ، كَمَا لَوْ صُبِغَ الثَّوْبُ، أَوْ خُلِطَ الدَّقِيقُ بِسَمْنٍ، أَوْ اخْتَلَطَ الْمَغْصُوبُ بِمِلْكِ الْغَاصِبِ بِحَيْثُ يُمْتَنَعُ تَمْيِيزُهُ، كَخَلْطِ الْبُرِّ بِالْبُرِّ، أَوْ يُمْكِنُ بِحَرَجٍ، كَخَلْطِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ، فَيَجِبُ إِعْطَاءُ الْخِيَارِ لِلْمَالِكِ: إِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ قَبْلَ تَغْيِيرِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَى الْغَاصِبَ قِيمَةَ الزِّيَادَةِ، مِثْلَمَا زَادَ الصَّبْغُ فِي الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ فِي التَّخْيِيرِ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: زِيَادَةُ الْمَغْصُوبِ إِنْ كَانَ أَثَرًا مَحْضًا، كَقِصَارَةٍ لِثَوْبٍ وَخِيَاطَةٍ بِخَيْطٍ مِنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ بِسَبَبِهَا لِتَعَدِّيهِ بِعَمَلِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ رَدَّ الْمَغْصُوبِ كَمَا كَانَ إِنْ أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَيَأْخُذُهُ بِحَالِهِ وَأَرْشِ النَّقْصِ إِنْ نَقَصَ، وَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ عَيْنًا كَبِنَاءٍ كُلِّفَ الْقَلْعَ وَأَرْشَ النَّقْصِ إِنْ كَانَ، وَإِعَادَةَ الْمَغْصُوبِ كَمَا كَانَ، وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ إِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، وَإِنْ صَبَغَ الْغَاصِبُ الثَّوْبَ الْمَغْصُوبَ بِصَبْغِهِ وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ بِالصَّبْغِ وَلَمْ تَنْقُصْ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ لَزِمَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ اشْتَرَكَ فِيهِ أَثْلَاثًا: ثُلُثَاهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَثُلُثُهُ لِلْغَاصِبِ.
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ كَالشَّافِعِيَّةِ إِجْمَالاً، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يُجْبَرُ الْغَاصِبُ عَلَى قَلْعِ الصَّبْغِ مِنَ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِتْلَافًا لِمِلْكِهِ وَهُوَ الصَّبْغُ، وَإِنْ حَدَثَ نَقْصٌ ضَمِنَ الْغَاصِبُ النَّقْصَ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ.فَضَمِنَهُ كَمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ، وَإِنْ حَصَلَتْ زِيَادَةٌ، فَالْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَلِكَيْهِمَا، فَيُبَاعُ الشَّيْءُ، وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَتَيْنِ.
وَاتَّفَقَ الْمَذْهَبَانِ عَلَى أَنَّ الْغَاصِبَ إِذَا غَصَبَ شَيْئًا، فَخَلَطَهُ بِمَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ مِنْهُ، كَحِنْطَةٍ بِشَعِيرٍ أَوْ سِمْسِمٍ، أَوْ صِغَارِ الْحَبِّ بِكِبَارِهِ، أَوْ زَبِيبٍ أَسْوَدَ بِأَحْمَرَ، لَزِمَهُ تَمْيِيزُهُ وَرَدُّهُ وَأَجْرُ الْمُمَيَّزِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزُ جَمِيعِهِ وَجَبَ تَمْيِيزُهُ مَا أَمْكَنَ، وَإِنْ شَقَّ وَلَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزُهُ فَهُوَ كَالتَّالِفِ، وَلِلْمَالِكِ تَغْرِيمُ الْغَاصِبِ: الْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيِّ، وَالْقِيمَةَ فِي الْقِيَمِيِّ.
وَالْخُلَاصَةُ: أَنَّ الْفُقَهَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى ضَمَانِ النَّقْصِ، وَعَلَى حَقِّ الْغَاصِبِ فِي الزِّيَادَةِ.
وَقَدْ تَتَغَيَّرُ ذَاتُ الْمَغْصُوبِ وَاسْمُهُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ، بِحَيْثُ زَالَ أَكْثَرُ مَنَافِعِهِ الْمَقْصُودَةِ، كَمَا لَوْ غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا، أَوْ طَبَخَهَا، أَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا دَقِيقًا، أَوْ حَدِيدًا فَاتَّخَذَهُ سَيْفًا، أَوْ نُحَاسًا فَاتَّخَذَهُ آنِيَةً، فَإِنَّهُ يَزُولُ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنِ الْمَغْصُوبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَيَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ وَيَضْمَنُ بَدَلَهُ: الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَالْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ فِي إِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بَعْدَ ارْتِضَاءِ الْمَالِكِ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ أَوْ إِبْرَائِهِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ نُقْصَانًا تَنْقُصُ بِهِ الْقِيمَةُ، كَأَنْ كَانَ ثَوْبًا فَتَمَزَّقَ، أَوْ إِنَاءً فَانْكَسَرَ، أَوْ شَاةً فَذُبِحَتْ، أَوْ طَعَامًا فَطُحِنَ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ، رَدَّهُ وَرَدَّ مَعَهُ أَرْشَ مَا نَقَصَ؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانُ عَيْنٍ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، نَقَصَتْ بِهِ الْقِيمَةُ فَوَجَبَ ضَمَانُهُ.
فَإِنْ تَرَكَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْمَغْصُوبَ عَلَى الْغَاصِبِ وَطَالَبَهُ بِبَدَلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ- فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ- لَمْ يَزُلْ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ، وَيَأْخُذُهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ إِنْ نَقَصَ، وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِي زِيَادَتِهِ.
هـ- نُقْصَانُ الْمَغْصُوبِ:
27- قَالَ الْجُمْهُورُ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ: لَا يَضْمَنُ نَقْصَ الْمَغْصُوبِ بِسَبَبِ هُبُوطِ الْأَسْعَارِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ كَانَ بِسَبَبِ فُتُورِ رَغَبَاتِ النَّاسِ، وَهِيَ لَا تُقَابَلُ بِشَيْءٍ، وَالْمَغْصُوبُ لَمْ تَنْقُصْ عَيْنُهُ وَلَا صِفَتُهُ.
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ فِي السُّوقِ فِي غَصْبِ الذَّوَاتِ، أَمَّا التَّعَدِّي فَيَتَأَثَّرُ بِذَلِكَ، فَلِلْمَالِكِ إِلْزَامُ الْغَاصِبِ قِيمَةَ الشَّيْءِ إِنْ تَغَيَّرَ سُوقُهَا عَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّعَدِّي، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَ شَيْئِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُتَعَدِّي.
وَأَمَّا النَّقْصُ الْحَاصِلُ فِي ذَاتِ الْمَغْصُوبِ أَوْ فِي صِفَتِهِ.فَيَكُونُ مَضْمُونًا سَوَاءٌ حَصَلَ النَّقْصُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ.
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ قَالُوا: إِذَا كَانَ النَّقْصُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَلَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إِلاَّ أَنْ يَأْخُذَ الْمَغْصُوبَ نَاقِصًا كَمَا هُوَ، أَوْ يَضْمَنَ الْغَاصِبُ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ كُلِّهِ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَلَا يَأْخُذُ قِيمَةَ النَّقْصِ وَحْدَهَا.وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ بِجِنَايَةِ الْغَاصِبِ، فَالْمَالِكُ مُخَيَّرٌ فِي الْمَذْهَبِ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْغَصْبِ، أَوْ يَأْخُذَهُ مَعَ مَا نَقَصَتْهُ الْجِنَايَةُ، أَيْ يَأْخُذُ قِيمَةَ النَّقْصِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَيَوْمَ الْغَصْبِ عِنْدَ سَحْنُونٍ، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَشْهَبُ بَيْنَ نَقْصٍ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَجِنَايَةِ الْغَاصِبِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ ذَكَرُوا أَحْوَالاً أَرْبَعَةً لِنَقْصِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَجَعَلُوا لِكُلِّ حَالَةٍ فِي الضَّمَانِ حُكْمًا، وَهِيَ مَا يَأْتِي: الْأُولَى- أَنْ يَحْدُثَ النَّقْصُ بِسَبَبِ هُبُوطِ الْأَسْعَارِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ مَضْمُونًا إِذَا رَدَّ الْعَيْنَ إِلَى مَكَانِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ لَيْسَ نَقْصًا مَادِّيًّا فِي الْمَغْصُوبِ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنَ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا يَحْدُثُ بِسَبَبِ فُتُورِ الرَّغَبَاتِ الَّتِي تَتَأَثَّرُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا صُنْعَ لِلْعَبْدِ فِيهَا.
الثَّانِيَةُ- أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ بِسَبَبِ فَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ، كَضَعْفِ الْحَيَوَانِ، وَزَوَالِ سَمْعِهِ أَوْ بَصَرِهِ، أَوْ طُرُوءِ الشَّلَلِ أَوِ الْعَرَجِ أَوِ الْعَوَرِ، أَوْ سُقُوطِ عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ، فَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ النَّقْصِ فِي غَيْرِ مَالِ الرِّبَا، وَيَأْخُذُ الْمَالِكُ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ؛ لِبَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى حَالِهَا.
فَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا، كَتَعَفُّنِ الْحِنْطَةِ، وَكَسْرِ إِنَاءِ الْفِضَّةِ، فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ إِلاَّ أَخْذُ الْمَغْصُوبِ بِذَاتِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ بِسَبَبِ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الرِّبَوِيَّاتِ لَا يُجِيزُونَ فِيهَا ضَمَانَ النُّقْصَانِ، مَعَ اسْتِرْدَادِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الرِّبَا.
الثَّالِثَةُ- أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ بِسَبَبِ فَوَاتِ مَعْنًى مَرْغُوبٍ فِيهِ فِي الْعَيْنِ، مِثْلُ الشَّيْخُوخَةِ بَعْدَ الشَّبَابِ، وَالْهَرَبِ، وَنِسْيَانِ الْحِرْفَةِ، فَيَجِبُ ضَمَانُ النَّقْصِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ.
لَكِنْ إِنْ كَانَ النَّقْصُ يَسِيرًا، كَالْخَرْقِ الْيَسِيرِ فِي الثَّوْبِ، فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ سِوَى تَضْمِينِ الْغَاصِبِ مِقْدَارَ النُّقْصَانِ لِبَقَاءِ الْعَيْنِ بِذَاتِهَا.
وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ فَاحِشًا كَالْخَرْقِ الْكَبِيرِ فِي الثَّوْبِ بِحَيْثُ يُبْطِلُ عَامَّةَ مَنَافِعِهِ، فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِهِ وَتَضْمِينِهِ النُّقْصَانَ لِتَعَيُّبِهِ، وَبَيْنَ تَرْكِهِ لِلْغَاصِبِ وَأَخْذِ جَمِيعِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَصْبَحَ مُسْتَهْلِكًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ.
وَالصَّحِيحُ فِي ضَابِطِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ، هُوَ أَنَّ الْيَسِيرَ: مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ نُقْصَانٌ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَالْفَاحِشُ: مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ، وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ.
وَقَدَّرَتِ الْمَجَلَّةُ (م 900) الْيَسِيرَ: بِمَا لَمْ يَكُنْ بَالِغًا رُبُعَ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ، وَالْفَاحِشَ: بِمَا سَاوَى رُبُعَ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ أَوْ أَزْيَدَ.
وَإِذَا وَجَبَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ، قُوِّمَتْ الْعَيْنُ صَحِيحَةً يَوْمَ غَصْبِهَا، ثُمَّ تُقَوَّمُ نَاقِصَةً، فَيَغْرَمُ الْغَاصِبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.
وَإِذَا كَانَ الْعَقَارُ مَغْصُوبًا، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ تُضْمَنْ عَيْنُهُ بِهَلَاكِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّ النَّقْصَ الطَّارِئَ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ أَوْ بِسُكْنَاهُ أَوْ بِسَبَبِ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ مَضْمُونٌ؛ لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ وَتَعَدٍّ مِنْهُ عَلَيْهِ.
اخْتِلَافُ الْغَاصِبِ وَالْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ وَالْمَغْصُوبِ:
28- إِنِ اخْتَلَفَ الْغَاصِبُ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي أَصْلِ الْغَصْبِ وَأَحْوَالِ الْمَغْصُوبِ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: إِنِ اخْتَلَفَ الْغَاصِبُ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ، بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ: قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ، وَقَالَ الْمَالِكُ: اثْنَا عَشَرَ، صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ، وَعَلَى الْمَالِكِ الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ أَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ أَكْثَرُ مِمَّا قَالَهُ الْغَاصِبُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ سُمِعَتْ، وَكُلِّفَ الْغَاصِبُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا قَالَهُ إِلَى حَدٍّ لَا تَقْطَعُ الْبَيِّنَةُ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي تَلَفِ الْمَغْصُوبِ، فَقَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ: هُوَ بَاقٍ، وَقَالَ الْغَاصِبُ: تَلِفَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى التَّلَفِ.
وَكَذَلِكَ لَوِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَغْصُوبِ أَوْ فِي صِنَاعَةٍ فِيهِ، وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ عَلَيْهِ مِنَ الزِّيَادَةِ.
وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي رَدِّ الْمَغْصُوبِ، فَقَالَ الْغَاصِبُ: رَدَدْتُهُ، وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، وَهُوَ عَدَمُ الرَّدِّ، وَكَذَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ فِي الْمَغْصُوبِ بَعْدَ تَلَفِهِ، بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ: كَانَ مَرِيضًا أَوْ أَعْمَى مَثَلاً، وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ مِنَ الْعُيُوبِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَالَ الْغَاصِبُ: هَلَكَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدَيَّ، أَيْ قَضَاءً وَقَدَرًا وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، وَلَا بَيِّنَةَ لِلْغَاصِبِ، فَالْقَاضِي يَحْبِسُ الْغَاصِبَ مُدَّةً يَظْهَرُ فِيهَا الْمَغْصُوبُ عَادَةً لَوْ كَانَ قَائِمًا، ثُمَّ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ لِلْغَصْبِ هُوَ وُجُوبُ رَدِّ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ، وَأَمَّا الْقِيمَةُ فَهِيَ بَدَلٌ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْعَجْزُ عَنِ الْأَصْلِ، لَا يَقْضِي بِالْقِيمَةِ الَّتِي هِيَ خَلَفٌ.
وَلَوِ اخْتَلَفَ الْغَاصِبُ وَالْمَالِكُ فِي أَصْلِ الْغَصْبِ، أَوْ فِي جِنْسِ الْمَغْصُوبِ وَنَوْعِهِ، أَوْ قَدْرِهِ، أَوْ صِفَتِهِ، أَوْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الضَّمَانَ، وَهُوَ يُنْكِرُ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ.
وَلَوِ ادَّعَى الْغَاصِبُ رَدَّ الْمَغْصُوبِ إِلَى الْمَالِكِ، أَوِ ادَّعَى أَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي أَحْدَثَ الْعَيْبَ فِي الْمَغْصُوبِ، فَلَا يُصَدَّقُ الْغَاصِبُ إِلاَّ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْمُدَّعِي.
وَلَوْ تَعَارَضَتِ الْبَيِّنَتَانِ، فَأَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الدَّابَّةَ أَوِ السَّيَّارَةَ مَثَلاً تَلِفَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ مِنْ رُكُوبِهِ، وَأَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهَا إِلَى الْمَالِكِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ، وَعَلَى الْغَاصِبِ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْغَاصِبِ لَا تَدْفَعُ بَيِّنَةَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى رَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَمِنَ الْجَائِزِ أَنَّهُ رَدَّهَا، ثُمَّ غَصَبَهَا ثَانِيًا وَرَكِبَهَا، فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ.
وَلَوْ أَقَامَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ غَصَبَ الدَّابَّةَ وَنَفَقَتْ عِنْدَهُ.وَأَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَدَّهَا إِلَيْهِ وَأَنَّهَا نَفَقَتْ عِنْدَهُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِنَ الْجَائِزِ أَنَّ شُهُودَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ اعْتَمَدُوا فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ، لِمَا أَنَّهُمْ عَلِمُوا بِالْغَصْبِ وَمَا عَلِمُوا بِالرَّدِّ، فَبَنَوُا الْأَمْرَ عَلَى ظَاهِرِ بَقَاءِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ إِلَى وَقْتِ الْهَلَاكِ، وَشُهُودُ الْغَاصِبِ اعْتَمَدُوا فِي شَهَادَتِهِمْ بِالرَّدِّ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ وَهُوَ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ، فَكَانَتِ الشَّهَادَةُ الْقَائِمَةُ عَلَى الرَّدِّ أَوْلَى.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْغَاصِبَ ضَامِنٌ.
وَرَأَى الْمَالِكِيَّةُ مَا رَآهُ الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: إِنِ اخْتَلَفَ الْغَاصِبُ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي دَعْوَى تَلَفِ الْمَغْصُوبِ، أَوْ فِي جِنْسِهِ، أَوْ صِفَتِهِ، أَوْ قَدْرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ إِنْ أَشْبَهَ فِي دَعْوَاهُ، سَوَاءٌ أَشْبَهَ رَبَّهُ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْغَاصِبِ لَمْ يُشْبِهْ فَالْقَوْلُ لِرَبِّهِ بِيَمِينِهِ. ضَمَانُ الْمَغْصُوبِ إِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ الْغَاصِبُ أَوْ غُصِبَ مِنْهُ:
29- قَدْ يَتَصَرَّفُ الْغَاصِبُ فِي الْمَغْصُوبِ بِالْبَيْعِ أَوِ الرَّهْنِ أَوِ الْإِجَارَةِ أَوِ الْإِعَارَةِ أَوِ الْهِبَةِ أَوِ الْإِيدَاعِ، عِلْمًا بِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ حَرَامٌ، فَيَهْلَكُ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْمُتَصَرِّفِ إِلَيْهِ، وَقَدْ يَحْدُثُ تَكْرَارُ الْغَصْبِ، فَيَغْصِبُ الشَّيْءَ غَاصِبٌ آخَرُ فَمَنِ الضَّامِنُ لِلْمَغْصُوبِ حِينَئِذٍ؟
يَرَى الْحَنَفِيَّةُ: أَنَّهُ إِذَا تَصَرَّفَ الْغَاصِبُ فِي الْمَغْصُوبِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ، أَوِ الْمُرْتَهِنِ، أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ، أَوِ الْمُسْتَعِيرِ، أَوِ الْمُشْتَرِي مِنَ الْغَاصِبِ.أَوِ الْوَدِيعِ الَّذِي أَوْدَعَهُ الْغَاصِبُ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ، فَهَلَكَ فِي يَدِهِ، فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ، اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ أَوِ الْمُسْتَأْجِرُ أَوِ الْوَدِيعُ أَوِ الْمُشْتَرِي، رَجَعُوا عَلَى الْغَاصِبِ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُمْ عَمِلُوا لَهُ، وَالْمُشْتَرِي إِذَا ضَمِنَ الْقِيمَةَ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْغَاصِبِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ ضَامِنٌ اسْتِحْقَاقَ الْمَبِيعِ، وَرَدُّ الْقِيمَةِ كَرَدِّ الْعَيْنِ.
وَأَمَّا الْمُسْتَعِيرُ مِنَ الْغَاصِبِ أَوِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً الْغَصْبَ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ فِي الْقَبْضِ لِنَفْسِهِ.
وَإِذَا غَصَبَ شَخْصٌ شَيْئًا مِنْ آخَرَ، فَجَاءَ غَيْرُهُ وَغَصَبَهُ مِنْهُ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ، فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ؛ لِوُجُودِ فِعْلِ الْغَصْبِ مِنْهُ، وَهُوَ إِزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ الثَّانِيَ أَوِ الْمُتْلِفَ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْغَصْبِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ الثَّانِي أَزَالَ يَدَ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ بِحُكْمِ الْمَالِكِ فِي أَنَّهُ يَحْفَظُ مَالَهُ، وَيَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ عَلَيْهِ (أَيْ عَلَى الْمَالِكِ) وَلِأَنَّهُ أَثْبَتَ يَدَهُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَالْجَهْلُ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِلضَّمَانِ؛ وَلِأَنَّ الْمُتْلِفَ أَتْلَفَ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ فَضَمِنَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ.
فَإِنِ اخْتَارَ الْمَالِكُ تَضْمِينَ الْأَوَّلِ، وَكَانَ هَلَاكُ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ الثَّانِي، رَجَعَ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ بِالضَّمَانِ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ بِدَفْعِهِ قِيمَةَ الضَّمَانِ مَلَكَ الشَّيْءَ الْمَضْمُونَ (أَيِ الْمَغْصُوبَ) مِنْ وَقْتِ غَصْبِهِ، فَكَانَ الثَّانِي غَاصِبًا لِمِلْكِ الْأَوَّلِ.
وَإِنِ اخْتَارَ الْمَالِكُ تَضْمِينَ الثَّانِي أَوِ الْمُتْلِفِ، لَا يَرْجِعُ هَذَا بِالضَّمَانِ عَلَى أَحَدٍ، وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ فِعْلَ نَفْسِهِ، وَهُوَ إِزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ أَوِ اسْتِهْلَاكِهِ وَإِتْلَافِهِ.
وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ الضَّمَانِ مِنْ شَخْصٍ، وَبَعْضَهُ الْآخَرَ مِنَ الشَّخْصِ الْآخَرِ، وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ مَبْدَأِ تَخْيِيرِ الْمَالِكِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمَوْقُوفَ الْمَغْصُوبَ إِذَا غُصِبَ، وَكَانَ الْغَاصِبُ الثَّانِي أَمْلأَ مِنَ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ يُضَمِّنُ الثَّانِيَ وَحْدَهُ.
وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمَالِكَ مَتَى اخْتَارَ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ أَوِ الثَّانِي يَبْرَأُ الْآخَرُ عَنِ الضَّمَانِ بِمُجَرَّدِ الِاخْتِيَارِ، فَلَوْ أَرَادَ تَضْمِينَهُ بَعْدَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا رَدَّ الْغَاصِبُ الثَّانِي الْمَغْصُوبَ عَلَى الْأَوَّلِ بَرِئَ مِنَ الضَّمَانِ، وَإِذَا رَدَّهُ إِلَى الْمَالِكِ بَرِئَ الِاثْنَانِ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ إِذَا رُفِعَتْ لَهُ حَادِثَةُ الْغَصْبِ أَنْ يَمْنَعَ الْغَاصِبُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ الْمِثْلِيِّ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى يَتَوَثَّقَ بِرَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ (أَيْ كَفِيلٍ)، وَإِذَا غَصَبَ الْمَغْصُوبَ شَخْصٌ آخَرُ ضَمِنَ، وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ آكِلُ الْمَغْصُوبِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْغَصْبِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، لِأَنَّهُ بِعِلْمِهِ بِالْغَصْبِ صَارَ غَاصِبًا حُكْمًا مِنْ حَيْثُ الضَّمَانُ، وَبِأَكْلِهِ الْمَغْصُوبَ يُصْبِحُ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ، وَالْمُشْتَرِي مِنَ الْغَاصِبِ وَوَارِثُهُ وَمَوْهُوبُ الْغَاصِبِ كَالْغَاصِبِ إِنْ عَلِمُوا بِالْغَصْبِ، فَعَلَيْهِمْ ضَمَانُ الْمِثْلِيِّ بِمِثْلِهِ وَالْقِيَمِيِّ بِقِيمَتِهِ، وَيَضْمَنُونَ الْغَلَّةَ وَالْحَادِثَ السَّمَاوِيَّ؛ لِأَنَّهُمْ غُصَّابٌ بِعِلْمِهِمْ بِالْغَصْبِ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُتْبِعَ بِالضَّمَانِ أَيَّهُمَا شَاءَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْأَيْدِيَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَيْدِي ضَمَانٍ وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا الْغَصْبَ؛ لِأَنَّ وَاضِعَ الْيَدِ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَالْجَهْلُ لَيْسَ مُسْقِطًا لِلضَّمَانِ، بَلْ يُسْقِطُ الْإِثْمَ فَقَطْ، فَيُطَالِبُ الْمَالِكُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، لَكِنْ لَا يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْآخِذِ مِنَ الْغَاصِبِ إِلاَّ بِعِلْمِهِ بِالْغَصْبِ، حَتَّى يَصْدُقَ عَلَيْهِ مَعْنَى الْغَصْبِ، أَوْ إِنْ جَهِلَ بِهِ وَكَانَتْ يَدُ الْوَاضِعِ فِي أَصْلِهَا يَدَ ضَمَانٍ، كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمُقْتَرِضِ وَالسَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ تَعَامَلَ مَعَ الْغَاصِبِ عَلَى الضَّمَانِ، فَلَمْ يَغُرَّهُ. أَمَّا إِنْ جَهِلَ الْوَاضِعُ يَدَهُ عَلَى الْمَغْصُوبِ بِالْغَصْبِ، وَكَانَتْ يَدُهُ يَدَ أَمَانَةٍ بِلَا اتِّهَابٍ، كَوَدِيعٍ وَشَرِيكٍ مُضَارِبٍ، فَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ دُونَ الْآخِذِ؛ لِأَنَّهُ تَعَامَلَ مَعَ الْغَاصِبِ عَلَى أَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عَنْ يَدِ الْغَاصِبِ، وَأَمَّا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ بَلْ يَدَ أَمَانَةٍ، إِلاَّ أَنَّ أَخْذَهُ الشَّيْءَ لِلتَّمَلُّكِ.
وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ فِي الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ حَرَامٌ وَغَيْرُ صَحِيحَةٍ، لِحَدِيثِ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» أَيْ مَرْدُودٌ، وَتَكُونُ الْأَرْبَاحُ لِلْمَالِكِ وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّ الشَّخْصَيْنِ شَاءَ: الْغَاصِبِ أَوِ الْمُتَصَرِّفِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ حَالَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَبَيْنَ مِلْكِهِ وَأَثْبَتَ الْيَدَ الْعَادِيَةَ (الضَّامِنَةَ) عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمُتَصَرِّفُ لَهُ فَلِأَنَّهُ أَثْبَتَ يَدَهُ عَلَى مِلْكٍ مَعْصُومٍ بِغَيْرِ حَقٍّ.
وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ إِذَا كَانَ الْمُتَصَرِّفُ لَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْغَصْبِ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُتَصَرِّفُ لَهُ بِالْغَصْبِ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ، وَكَذَلِكَ يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ عِنْدَهُمْ، وَإِذَا رَدَّ الْمُتَصَرِّفُ لَهُ الشَّيْءَ إِلَى الْغَاصِبِ بَرِئَ مِنَ الضَّمَانِ.
وَأَمَّا غَاصِبُ الْغَاصِبِ فَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ كَالْغَاصِبِ الْأَوَّلِ، وَمَنْ غَصَبَ طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ غَيْرَهُ، فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، وَالْآكِلُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَقَبَضَهُ عَنْ يَدِ ضَامِنِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ، فَإِنْ كَانَ الْآكِلُ عَالِمًا بِالْغَصْبِ، اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ عَالِمًا مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ، وَإِذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْآكِلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْآكِلُ بِالْغَصْبِ، اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَى الْآكِلِ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا أَتْلَفَ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّ الْآكِلَ وَأَطْعَمَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ.
تَمَلُّكُ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبَ بِالضَّمَانِ:
30- لِلْفُقَهَاءِ اتِّجَاهَانِ فِي تَمَلُّكِ الْغَاصِبِ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ بِالضَّمَانِ.
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ بَعْدَ ضَمَانِهِ مِنْ وَقْتِ حُدُوثِ الْغَصْبِ، حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمَالِكُ، وَيَنْتِجُ عَنِ التَّمَلُّكِ أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ بِالْبَيْعِ أَوِ الْهِبَةِ أَوِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، كَمَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُ الْمُشْتَرِي فِي الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا، وَكَمَا لَوْ غَصَبَ شَخْصٌ عَيْنًا فَعَيَّبَهَا، فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا، مَلَكَهَا الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ مَلَكَ الْبَدَلَ كُلَّهُ، وَالْمُبْدَلُ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ، فَيَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ؛ لِئَلاَّ يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ، لَكِنْ لَا يَحِلُّ فِي رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِلْغَاصِبِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَغْصُوبِ، بِأَنْ يَأْكُلَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُطْعِمَهُ غَيْرَهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَإِذَا حَصَلَ فِيهِ فَضْلٌ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ اسْتِحْسَانًا، وَغَلَّةُ الْمَغْصُوبِ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ إِرْكَابِ سَيَّارَةٍ مَثَلاً لَا تَطِيبُ لَهُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- لَمْ يُبِحِ الِانْتِفَاعَ بِالْمَغْصُوبِ قَبْلَ إِرْضَاءِ الْمَالِكِ، لِمَا فِي حَدِيثِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: «أَنَّ امْرَأَةً دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- وَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ، ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ فَأَكَلُوا، فَنَظَرَ آبَاؤُنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- يَلُوكُ لُقْمَةً فِي فَمِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا فَأَرْسَلَتِ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَى الْبَقِيعِ يَشْتَرِي لِي شَاةً، فَلَمْ أَجِدْ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى جَارٍ لِي قَدِ اشْتَرَى شَاةً أَنْ أَرْسِلْ إِلَيَّ بِهَا بِثَمَنِهَا فَلَمْ يُوجَدْ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: أَطْعِمِيهِ الْأُسَارَى».
فَقَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الِانْتِفَاعَ بِهَا، مَعَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا؛ وَلَوْ كَانَتْ حَلَالاً لأَطْلَقَ لَهُمْ إِبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ بِهَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ: يَحِلُّ لِلْغَاصِبِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَغْصُوبِ بِالضَّمَانِ، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالْفَضْلِ إِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مَمْلُوكٌ لِلْغَاصِبِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ، عَمَلاً بِالْقَاعِدَةِ: «الْمَضْمُونَاتُ تُمْلَكُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إِلَى وَقْتِ الْغَصْبِ» فَتَطِيبُ بِنَاءً عَلَيْهِ غَلَّةُ الْمَغْصُوبِ لِلْغَاصِبِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ إِنِ اشْتَرَاهُ مِنْ مَالِكِهِ أَوْ وَرِثَهُ عَنْهُ، أَوْ غَرِمَ لَهُ قِيمَتَهُ بِسَبَبِ التَّلَفِ أَوِ الضَّيَاعِ أَوِ النَّقْصِ أَوْ نَقَصَ فِي ذَاتِهِ، لَكِنْ يُمْنَعُ الْغَاصِبُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَغْصُوبِ بِرَهْنٍ أَوْ كَفَالَةٍ خَشْيَةَ ضَيَاعِ حَقِّ الْمَالِكِ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ قَبُولُهُ وَلَا الْأَكْلُ مِنْهُ وَلَا السُّكْنَى فِيهِ، مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ حَرَامٍ.أَمَّا إِنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَوِ اسْتَهْلَكَهُ (فَاتَ عِنْدَهُ) فَالْأَرْجَحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْغَاصِبِ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فِي ذِمَّتِهِ.فَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِجَوَازِ الشِّرَاءِ مِنْ لَحْمِ الْأَغْنَامِ الْمَغْصُوبَةِ إِذَا بَاعَهَا الْغَاصِبُ لِلْجَزَّارَيْنِ، فَذَبَحُوهَا؛ لِأَنَّهُ بِذَبْحِهَا تَرَتَّبَتِ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: وَمَنِ اتَّقَاهُ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْغَاصِبَ يَتَمَلَّكُ بِالضَّمَانِ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ مِنْ يَوْمِ التَّلَفِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ ذَهَبَ الْمَغْصُوبُ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، فَوَجَبَ لَهُ الْبَدَلُ كَمَا لَوْ تَلِفَ الْمَالُ، وَإِذَا قَبَضَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْبَدَلَ مَلَكَهُ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَالِهِ فَمِلْكُهُ كَبَدَلِ التَّالِفِ، وَلَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ بِالْبَيْعِ، فَلَا يُمْلَكُ بِالتَّضْمِينِ كَالتَّالِفِ.فَإِنْ رَجَعَ الْمَغْصُوبُ وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ، فَإِذَا رَدَّهُ وَجَبَ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ رَدُّ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ الْمَغْصُوبِ، وَقَدْ زَالَتِ الْحَيْلُولَةُ فَوَجَبَ الرَّدُّ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِالْبَيْعِ لِغَيْرِهِ؛ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِالتَّضْمِينِ، كَالشَّيْءِ التَّالِفِ لَا يَمْلِكُهُ بِالْإِتْلَافِ؛ وَلِأَنَّهُ غَرِمَ مَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِخُرُوجِهِ عَنْ يَدِهِ، فَلَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ مَلَكَ الْقِيمَةَ لِأَجْلِ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ، وَلِهَذَا إِذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ إِلَيْهِ، رَدَّ الْقِيمَةَ عَلَيْهِ.
نَفَقَةُ الْمَغْصُوبِ:
31- قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مَا أَنْفَقَ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَغْصُوبِ، كَعَلَفِ الدَّابَّةِ، وَسَقْيِ الْأَرْضِ وَعِلَاجِهَا وَخِدْمَةِ شَجَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا بُدَّ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، يَكُونُ فِي نَظِيرِ الْغَلَّةِ الَّتِي اسْتَغَلَّهَا الْغَاصِبُ مِنْ يَدِ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ ظُلِمَ لَا يَظْلِمُ.فَإِنْ تَسَاوَتِ النَّفَقَةُ مَعَ الْغَلَّةِ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ زَادَتِ النَّفَقَةُ عَلَى الْغَلَّةِ، فَلَا رُجُوعَ لِلْغَاصِبِ بِالزَّائِدِ، كَمَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا غَلَّةَ لِلْمَغْصُوبِ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِالنَّفَقَةِ لِظُلْمِهِ، وَإِنْ زَادَتِ الْغَلَّةُ عَلَى النَّفَقَةِ فَلِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِزَائِدِهَا.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ زَرَعَ الْغَاصِبُ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ وَأَدْرَكَهَا رَبُّهَا وَالزَّرْعُ قَائِمٌ فَلَيْسَ لَهُ إِجْبَارُ الْغَاصِبِ عَلَى قَلْعِهِ، وَيُخَيَّرُ مَالِكُ الْأَرْضِ بَيْنَ تَرْكِ الزَّرْعِ إِلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَبَيْنَ أَخْذِ الزَّرْعِ بِنَفَقَتِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ، وَلَهُ نَفَقَتُهُ».
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
15-موسوعة الفقه الكويتية (لعان 1)
لِعَانٌ -1التَّعْرِيفُ:
1- اللِّعَانُ مَصْدَرُ لَاعَنَ، وَفِعْلُهُ الثُّلَاثِيُّ لَعَنَ مَأْخُوذٌ مِنَ اللَّعْنِ، وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ مِنَ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنَ الْخَلْقِ السَّبُّ.
وَالْمُلَاعَنَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ: إِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ رَمَاهَا بِرَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِهَا.
وَعَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ: شَهَادَاتٌ تَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مُؤَكَّدَةٌ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَبِالْغَضَبِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ.
وَعَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ: حَلِفُ زَوْجٍ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ عَلَى زِنَا زَوْجَتِهِ أَوْ عَلَى نَفْيِ حَمْلِهَا مِنْهُ، وَحَلِفُهَا عَلَى تَكْذِيبِهِ أَرْبَعًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِصِيغَةِ أُشْهِدُ اللَّهَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ.
وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ: كَلِمَاتٌ مَعْلُومَةٌ جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ إِلَى قَذْفِ مَنْ لَطَّخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِهِ أَوْ إِلَى نَفْيِ وَلَدٍ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- السَّبُّ:
2- السَّبُّ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا هُوَ الشَّتْمُ: وَهُوَ كُلُّ كَلَامٍ قَبِيحٍ
وَالسَّبُّ قَدْ يُوجِبُ اللِّعَانَ أَوْ لَا يُوجِبُهُ بِحَسَبِ مَا إِذَا كَانَ فِيهِ رَمْيٌ لِلزَّوْجَةِ بِزِنًا أَوْ لَا.
ب- الْقَذْفُ
3- الْقَذْفُ فِي اللُّغَةِ: الرَّمْيُ مُطْلَقًا.وَاصْطِلَاحًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هُوَ: الرَّمْيُ بِالزِّنَا.
وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ: الرَّمْيُ بِالزِّنَا فِي مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ.
وَالصِّلَةُ أَنَّ قَذْفَ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ اللِّعَانِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ قَذْفَ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} أَيْ فَلْيَشْهَدْ أَحَدُهُمْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ.جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُوجَبَ قَذْفِ الزَّوْجَاتِ اللِّعَانَ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ عُلَيْشٌ: اللِّعَانُ يَجِبُ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: وَجْهَانِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا: وَذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ رَآهَا تَزْنِي كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ ثُمَّ لَمْ يَطَأْ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ يَنْفِيَ حَمْلًا يَدَّعِي اسْتِبْرَاءً قَبْلَهُ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقْذِفَهَا بِالزِّنَا وَلَا يَدَّعِي رُؤْيَةً وَلَا نَفْيَ حَمْلٍ، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ قَالُوا: يُحَدُّ وَلَا يُلَاعَنُ.
وَاللِّعَانُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِدَفْعِ حَدِّ قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ أَوْ نَفْيِ وَلَدِهِ مِنْهَا، وَلَهُ اللِّعَانُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِلاَّ لِنَفْيِ نَسَبِ وَلَدٍ أَوْ حَمْلٍ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ لَكَانَ بِسُكُوتِهِ مُسْتَلْحِقًا لِمَنْ لَيْسَ مِنْهُ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا فَلَهُ إِسْقَاطُ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ وَحَدُّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ فَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهُ أَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ قَذْفِهَا أَوْ أَسْقَطَتْهُ أَوْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ بِزِنَاهَا ثُمَّ أَرَادَ الزَّوْجُ لِعَانَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَسَبٌ يُرِيدُ نَفِيَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ فَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُشْرَعَ اللِّعَانُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا لَوْ قَذَفَهَا فَصَدَّقَتْهُ.
رُكْنُ اللِّعَانِ:
5- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ رُكْنَ اللِّعَانِ هُوَ الشَّهَادَاتُ الَّتِي تَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي تَعْرِيفِهِمْ، فَتَكُونُ رُكْنًا لَهُ لِأَنَّ تَحَقُّقَ اللِّعَانِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِهَا وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي تَكْوِينِهِ.
وَنَصَّ ابْنُ جُزَيٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّ أَرْكَانَ اللِّعَانِ أَرْبَعَةٌ هِيَ: الْمُلَاعِنُ، وَالْمُلَاعَنَةُ، وَالسَّبَبُ، وَاللَّفْظُ.
شُرُوطُ اللِّعَانِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ
6- عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُشْتَرَطُ فِي اللِّعَانِ شُرُوطٌ مُخْتَلِفَةٌ، بَعْضُهَا يَرْجِعُ إِلَى الرَّجُلِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إِلَى الْمَرْأَةِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إِلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إِلَى الْمَقْذُوفِ بِهِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أ- مَا يَرْجِعُ مِنَ الشُّرُوطِ إِلَى الزَّوْجِ:
7- يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجِ لِإِجْرَاءِ اللِّعَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ أَلاَّ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى صِحَّةِ قَذْفِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي اللِّعَانِ عَدَمَ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ مِنَ الزَّوْجِ الْقَاذِفِ لِزَوْجَتِهِ فِي قَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ} وَعَلَى هَذَا لَوِ اتَّهَمَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا، وَأَتَى بِأَرْبَعَةِ رِجَالٍ عُدُولٍ وَشَهِدُوا بِزِنَا الزَّوْجَةِ لَا يَثْبُتُ اللِّعَانُ، وَيُقَامُ عَلَى الْمَرْأَةِ حَدُّ الزِّنَا، لِأَنَّ زِنَا الزَّوْجَةِ قَدْ ظَهَرَ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اللِّعَانِ.
ب- مَا يَرْجِعُ مِنَ الشُّرُوطِ إِلَى الزَّوْجَةِ:
8- يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَةِ لِإِجْرَاءِ اللِّعَانِ شَرْطَانِ الْأَوَّلُ: إِنْكَارُ الزَّوْجَةِ وُجُودَ الزِّنَا مِنْهَا حَتَّى لَوْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ، وَيَلْزَمُهَا حَدُّ الزِّنَا لِظُهُورِ زِنَاهَا بِإِقْرَارِهَا.
الثَّانِي: عِفَّةُ الزَّوْجَةِ مِنَ الزِّنَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَفِيفَةً لَا يَجِبُ اللِّعَانُ بِقَذْفِهَا، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ تَكُنْ عَفِيفَةً فَقَدْ صَدَّقَتْهُ بِفِعْلِهَا، فَصَارَ كَمَا لَوْ صَدَّقَتْهُ بِقَوْلِهَا.
وَمِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى الْمَرْأَةِ أَيْضًا: أَنْ تَطْلُبَ مِنَ الْقَاضِي إِجْرَاءَ اللِّعَانِ إِذَا قَذَفَهَا زَوْجُهَا بِالزِّنَا أَوْ نَفَى نَسَبَ الْوَلَدِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ مِنَ الْقَاضِي إِجْرَاءَ اللِّعَانِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا لَا يُقَامُ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللِّعَانَ شُرِعَ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنِ الزَّوْجَةِ فَكَانَ حَقًّا لَهَا فَلَا يُقَامُ إِلاَّ بِطَلَبٍ مِنْهَا كَسَائِرِ حُقُوقِهَا.
ج- مَا يَرْجِعُ مِنَ الشُّرُوطِ إِلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ:
9- يُشْتَرَطُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا لِإِجْرَاءِ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَقْتَ الْقَذْفِ فَإِذَا كَانَ الزَّوَاجُ قَائِمًا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَقْتَ الْقَذْفِ وَكَانَ الزَّوَاجُ صَحِيحًا- دَخَلَ الزَّوْجُ بِالْمَرْأَةِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ- أُقِيمَ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ خَصَّ اللِّعَانَ بِالْأَزْوَاجِ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قِيَامَ الزَّوَاجِ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ اللِّعَانِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ.
وَإِنْ كَانَ الزَّوَاجُ فَاسِدًا وَقَذَفَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِالزِّنَا أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا مِنْهُ لَا يَثْبُتُ اللِّعَانُ بِهَذَا الْقَذْفِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ اللِّعَانَ بِالْأَزْوَاجِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلاَّ إِذَا كَانَ الزَّوَاجُ صَحِيحًا وَإِذَا انْتَفَى اللِّعَانُ تَرَتَّبَ عَلَى الْقَذْفِ مُوجِبُهُ وَهُوَ الْحَدُّ.
وَيُشْتَرَطُ كَذَلِكَ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا قَادِرًا عَلَى النُّطْقِ غَيْرَ مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا وَالزَّوْجَةُ كِتَابِيَّةً لَا يُقَامُ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَخْرَسَ لَا يُقَامُ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ إِشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ.
قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: إِذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَقَذَفَ امْرَأَتَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اللِّعَانُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَيُصَارُ إِلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} وَاللِّعَانُ خَلَفٌ عَنْهُ.
وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ أَوْ مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ، أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا بِأَنْ كَانَتْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ زَانِيَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ، لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَعَدَمِ الْإِحْصَانِ فِي جَانِبِهَا وَامْتِنَاعِ اللِّعَانِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا، فَيَسْقُطُ الْحَدُّ كَمَا إِذَا صَدَّقَتْهُ.
وَيُشْتَرَطُ كَذَلِكَ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَحَضْرَةُ الْحَاكِمِ.
د- مَا يَرْجِعُ مِنَ الشُّرُوطِ إِلَى الْمَقْذُوفِ بِهِ
10- يُشْتَرَطُ فِي الْمَقْذُوفِ بِهِ لِوُجُوبِ اللِّعَانِ أَوْ جَوَازِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا بِالزِّنَا أَوْ نَفْيِ النَّسَبِ.
شُرُوطُ اللِّعَانِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ:
11- قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ لِإِجْرَاءِ اللِّعَانِ مَا يَلِي:
أَوَّلًا: قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجَانِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَا حُرَّيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ، عَدْلَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ، وَيُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ فِي الزَّوْجِ.
ثَانِيًا: الْقَذْفُ بِرُؤْيَةِ الزِّنَا أَوْ بِنَفْيِ الْحَمْلِ.
ثَالِثًا: تَعْجِيلُ اللِّعَانِ بَعْدَ الْعِلْمِ لِنَفْيِ الْحَمْلِ أَوِ الْوَلَدِ.
رَابِعًا: عَدَمُ الْوَطْءِ بَعْدَ الْقَذْفِ.
خَامِسًا: لَفْظُ: أَشْهَدُ فِي الْأَرْبَعِ، وَاللَّعْنُ مِنَ الزَّوْجِ فِي الْخَامِسَةِ، وَالْغَضَبُ مِنَ الزَّوْجَةِ فِي الْخَامِسَةِ.
سَادِسًا: بَدْءُ الزَّوْجِ بِالْحَلِفِ، فَإِنْ بَدَأَتِ الزَّوْجَةُ أَعَادَتْ بَعْدَهُ.
سَابِعًا: حُضُورُ جَمَاعَةٍ لِلِّعَانِ أَقَلُّهَا أَرْبَعَةٌ مِنَ الْعُدُولِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ اللِّعَانِ: أَوَّلًا: أَنْ يَكُونَ الْمُلَاعِنُ زَوْجًا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَأَهْلِيَّتُهُ لِلْيَمِينِ، لِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ مُؤَكَّدَةٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُخْتَارًا، وَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ زَوْجًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ أَوْ فِي الصُّورَةِ، وَيَنْطَبِقُ ذَلِكَ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَالرَّشِيدِ وَالسَّفِيهِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَحْدُودِ وَالْمُطْلَقِ رَجْعِيًّا وَغَيْرِهِمْ.
ثَانِيًا: أَنْ يَسْبِقَ اللِّعَانَ قَذْفٌ لِلزَّوْجَةِ.
ثَالِثًا: أَنْ يَأْمُرَ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ بِاللِّعَانِ.
رَابِعًا: أَنْ يُلَقِّنَ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ.
خَامِسًا: أَنْ يَكُونَ اللِّعَانُ بِأَلْفَاظِ الشَّهَادَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الشَّرْعُ.
سَادِسًا: أَنْ يُتِمَّ الْمُتَلَاعِنَانِ شَهَادَاتِ اللِّعَانِ.
سَابِعًا: الْمُوَالَاةُ بَيْنَ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ.
ثَامِنًا: أَنْ يَتَأَخَّرَ لِعَانُ الزَّوْجَةِ عَنْ لِعَانِ الزَّوْجِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ لِلِّعَانِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: كَوْنُ اللِّعَانِ بَيْنَ زَوْجَيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ حُرَّيْنِ أَوْ رَقِيقَيْنِ عَدْلَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ.
الثَّانِي: أَنْ يَقْذِفَهَا بِالزِّنَا فِي الْقُبُلِ أَوِ الدُّبُرِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ.
الثَّالِثُ: أَنْ تُكَذِّبَهُ الزَّوْجَةُ فِي قَذْفِهِ إِيَّاهَا وَيَسْتَمِرُّ تَكْذِيبُهَا إِلَى انْقِضَاءِ اللِّعَانِ.
مَا يَثْبُتُ بِهِ اللِّعَانُ عِنْدَ الْقَاضِي
12- يَثْبُتُ اللِّعَانُ عِنْدَ الْقَاضِي بِوَاحِدٍ مِنْ أَمْرَيْنِ:
الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: الْإِقْرَارُ بِالْقَذْفِ مِنَ الزَّوْجِ أَمَامَ الْقَاضِي، فَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا فَرَفَعَتِ الزَّوْجَةُ الْأَمْرَ إِلَى الْقَاضِي، وَطَالَبَتْ بِاللِّعَانِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَأَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ رَمَاهَا بِالزِّنَا حَكَمَ الْقَاضِي بِإِجْرَاءِ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا، مَتَى تَوَافَرَتْ شَرَائِطُ وُجُوبِهِ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: الْبَيِّنَةُ، وَذَلِكَ إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا اتَّهَمَهَا بِالزِّنَا، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ذَلِكَ فَأَقَامَتِ الزَّوْجَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَتْهُ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِإِجْرَاءِ اللِّعَانِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بِنَاءً عَلَى مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ.
وَالْبَيِّنَةُ الَّتِي يَتَثَبَّتُ الْقَذْفُ بِهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي إِثْبَاتِ الْقَذْفِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ، لِأَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَقَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَأَسْبَابُ الْحُدُودِ لَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ فِي شَهَادَتِهِنَّ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.
وَعَلَى هَذَا فَلَوِ ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا رَمَاهَا بِالزِّنَا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ مَا ادَّعَتْهُ زَوْجَتُهُ، وَلَمْ تَسْتَطِعِ الزَّوْجَةُ إِثْبَاتَ مَا ادَّعَتْهُ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا تُوَجَّهُ الْيَمِينُ إِلَى الزَّوْجِ، وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِامْتِنَاعِهِ عَنِ الْحَلِفِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ فَائِدَةَ تَوْجِيهِ الْيَمِينِ هِيَ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ يُوَجَّهُ إِلَيْهِ إِذَا نَكَلَ عَنِ الْحَلِفِ، وَالنُّكُولُ لَيْسَ إِقْرَارًا صَرِيحًا، وَإِنَّمَا هُوَ إِقْرَارٌ فِي الْمَعْنَى، وَالْإِقْرَارُ فِي الْمَعْنَى تَكُونُ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَالشُّبْهَةُ يَنْدَرِئُ الْحَدُّ بِهَا.
كَيْفِيَّةُ اللِّعَانِ
13- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ بِهِ فِي اللِّعَانِ هُوَ الزِّنَا فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُقِيمَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَاثِلَيْنِ، فَيَأْمُرُ الزَّوْجَ أَوَّلًا أَنْ يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا، ثُمَّ يَأْمُرُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ بِأَنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا، وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى لَفْظِ الْمُوَاجَهَةِ، فَيَقُولُ الزَّوْجُ: فِيمَا رَمَيْتُكِ بِهِ مِنَ الزِّنَا، وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ: فِيمَا رَمَيْتَنِي بِهِ مِنَ الزِّنَا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.
وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ بِهِ نَفْيَ نَسَبِ الْوَلَدِ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الزَّوْجَ يَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: فِيمَا رَمَيْتُكِ بِهِ مِنْ نَفْيِ وَلَدِكِ، وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ: فِيمَا رَمَيْتَنِي بِهِ مِنْ نَفْيِ وَلَدِي.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الزَّوْجَ يَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا فِي نَفْيِ وَلَدِهَا، وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ: فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا فِي نَفْيِ وَلَدِهِ.
14- وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ بِهِ هُوَ الزِّنَا يَقُولُ الزَّوْجُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَرَأَيْتُهَا تَزْنِي إِذَا كَانَ بَصِيرًا، فَإِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُولُ: لَعَلِمْتُهَا تَزْنِي أَوْ لَتَيَقَّنْتُهَا تَزْنِي، ثُمَّ يَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ عَلَيْهَا، وَتَقُولُ الزَّوْجَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ مَا زَنَيْتُ أَوْ مَا رَآنِي أَزْنِي، وَتُخَمِّسُ: غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ بِهِ هُوَ نَفْيَ الْحَمْلِ فَيَقُولُ الزَّوْجُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: مَا زَنَيْتُ، وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ.
15- وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: اللِّعَانُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِدَرْءِ حَدِّ قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ فَقَطْ، أَوْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ لِنَفْيِ الْوَلَدِ، أَوْ يَكُونَ لِنَفْيِ الْوَلَدِ فَقَطْ.
فَإِنْ كَانَ اللِّعَانُ لِدَرْءِ حَدِّ الْقَذْفِ فَقَطْ فَإِنَّ صِفَتَهُ مِنَ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ زَوْجَتِي هَذِهِ- إِنْ حَضَرَتْ- أَوْ زَوْجَتِي فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ- وَيُسَمِّيهَا وَيَرْفَعُ نَسَبَهَا أَوْ يَذْكُرُ وَصْفَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا إِنْ غَابَتْ- مِنَ الزِّنَا، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا.
وَإِنْ كَانَ اللِّعَانُ لِدَرْءِ الْحَدِّ وَنَفْيِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ يَقُولُ فِي كُلٍّ مِنْهَا: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ زَوْجَتِي هَذِهِ إِنْ حَضَرَتْ- أَوْ زَوْجَتِي فُلَانَةً- وَيُسَمِّيهَا وَيَرْفَعُ نَسَبَهَا أَوْ يَذْكُرُ وَصْفَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا إِنْ غَابَتْ- مِنَ الزِّنَا، وَأَنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ- إِنْ غَابَ- أَوْ هَذَا الْوَلَدُ- إِنْ حَضَرَ- مِنْ زِنًا وَلَيْسَ مِنِّي، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا وَمِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ.
وَإِنْ كَانَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ وَلَيْسَ لِدَرْءِ حَدٍّ فَيَقُولُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ زَوْجَتِي هَذِهِ- إِنْ حَضَرَتْ- أَوْ زَوْجَتِي فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ- وَيُسَمِّيهَا وَيَرْفَعُ نَسَبَهَا أَوْ يَذْكُرُ صِفَتَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا إِنْ غَابَتْ- مِنْ إِصَابَةِ غَيْرِي لَهَا عَلَى فِرَاشِي وَأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ لَا مِنِّي، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ زَوْجَتِي مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا لَا تُلَاعِنُ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ، إِذْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا بِلِعَانِ الرَّجُلِ.
أَمَّا فِي الْحَالَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَصِيغَةُ لِعَانِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُولَ (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) بَعْدَ لِعَانِهِ أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ- وَتُشِيرُ إِلَيْهِ إِنْ حَضَرَ وَإِلاَّ مَيَّزَتْهُ كَمَا مَرَّ فِي لِعَانِ الرَّجُلِ- مِنَ الزِّنَا، وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي لِعَانِهَا حُكْمٌ، وَتَقُولُ فِي الشَّهَادَةِ الْخَامِسَةِ: وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا.
وَقَالُوا: خُصَّ الْغَضَبُ بِهَا لِأَنَّ جَرِيمَةَ زِنَاهَا الَّتِي لَاعَنَتْ لِإِسْقَاطِ حَدِّهِ أَقْبَحُ مِنْ جَرِيمَةِ قَذْفِهِ، وَالْغَضَبُ وَهُوَ الِانْتِقَامُ بِالْعَذَابِ أَغْلَظُ مِنَ اللَّعْنِ الَّذِي هُوَ الْبُعْدُ عَنِ الرَّحْمَةِ.
وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ اللِّعَانِ إِلاَّ إِذَا تَمَّتِ الْكَلِمَاتُ الْخَمْسُ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِالْفُرْقَةِ بِأَكْثَرِ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، لِأَنَّ حُكْمَهُ غَيْرُ جَائِزٍ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يَنْفُذُ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الْبَاطِلَةِ.
وَلَوْ قَالَ بَدَلَ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ، أَوْ أُقْسِمُ، أَوْ أُولِي بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ، أَوْ قَالَ: بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، أَوْ أَبْدَلَ لَفْظَ اللَّعْنِ بِالْإِبْعَادِ، أَوْ لَفْظَ الْغَضَبِ بِالسَّخَطِ، أَوِ الْغَضَبَ بِاللَّعْنِ أَوْ عَكَسَهُ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ قَطْعًا فِي إِبْدَالِ الْغَضَبِ بِاللَّعْنِ، وَلَا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى: بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَيُشْتَرَطُ تَأْخِيرُ لَفْظَتَيِ اللَّعْنِ وَالْغَضَبِ عَنِ الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَيُؤَثِّرُ الْفَصْلُ الطَّوِيلُ.
وَيُشْتَرَطُ فِي لِعَانِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يَأْمُرَ الْحَاكِمُ بِهِ، فَيَقُولُ لِلْمُلَاعِنِ: قُلْ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ...إِلَى آخِرِهَا.
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ لِعَانِهَا بَعْدَ لِعَانِ الرَّجُلِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَخْرَسِ إِشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ، وَلَا كِتَابَةٌ، لَمْ يَصِحَّ قَذْفُهُ وَلَا لِعَانُهُ، وَلَا سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ إِشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ، أَوْ كِتَابَةٌ، صَحَّ قَذْفُهُ وَلِعَانُهُ، كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهَا، وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي: أَنَّهُ إِذَا لَاعَنَ بِالْإِشَارَةِ، أَشَارَ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ بِكَلِمَةِ اللَّعْنِ، وَإِنْ لَاعَنَ بِالْكِتَابَةِ كَتَبَ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ اللَّعْنِ، وَيُشِيرُ إِلَى كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَكْتُبَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَوْ لَاعَنَ الْأَخْرَسُ بِالْإِشَارَةِ، ثُمَّ عَادَ نُطْقُهُ وَقَالَ: لَمْ أُرِدِ اللِّعَانَ بِإِشَارَتِي، قُبِلَ قَوْلُهُ فِيمَا عَلَيْهِ، فَيَلْحَقُهُ النَّسَبُ وَالْحَدُّ، وَلَا يُقْبَلُ فِيمَا لَهُ، فَلَا تَرْتَفِعُ الْفُرْقَةُ وَالتَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ، وَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ فِي الْحَالِ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ، وَلَهُ اللِّعَانُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ إِنْ لَمْ يَفُتْ زَمَنُ النَّفْيِ، وَلَوْ قَالَ: لَمْ أُرِدِ الْقَذْفَ أَصْلًا، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ.
وَلَوْ قَذَفَ نَاطِقٌ، ثُمَّ عَجَزَ عَنِ الْكَلَامِ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ زَوَالُ مَا بِهِ، فَهُوَ كَالْأَخْرَسِ، وَإِنْ رُجِيَ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: لَا يَنْظُرُ، بَلْ يُلَاعِنُ بِالْإِشَارَةِ لِحُصُولِ الْعَجْزِ، وَرُبَّمَا مَاتَ فَلَحِقَهُ نَسَبٌ بَاطِلٌ.
وَالثَّانِي: يُنْتَظَرُ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ.
وَأَصَحُّهَا: يُنْتَظَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ صَحَّحُوهُ.
وَعَلَى هَذَا، فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ يُرْجَى زَوَالُهُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يُنْتَظَرُ، وَإِلاَّ فَلَا يُنْتَظَرُ أَصْلًا.
وَمَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، يُلَاعِنُ بِلِسَانِهِ، وَيُرَاعَى تَرْجَمَةُ الشَّهَادَةِ وَاللَّعْنِ وَالْغَضَبِ، فَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ، فَهَلْ يَتَعَيَّنُ اللِّعَانُ بِهَا، أَمْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ بِأَيِّ لِسَانٍ شَاءَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي.
وَإِذَا لَاعَنَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يُحْسِنُ تِلْكَ اللُّغَةَ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى مُتَرْجِمٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْضُرَهُ أَرْبَعَةٌ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ مُتَرْجِمَيْنِ، وَيَكْفِيَانِ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّهَا تُلَاعِنُ لِنَفْيِ الزِّنَا لَا لِإِثْبَاتِهِ، وَفِي جَانِبِ الرَّجُلِ طَرِيقَانِ.
أَصَحُّهُمَا: الْقَطْعُ بِالِاكْتِفَاءِ بِاثْنَيْنِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ سَلَمَةَ.
وَالثَّانِي: عَلَى قَوْلَيْنِ: بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ، أَمْ يُشْتَرَطُ أَرْبَعَةٌ؟ وَالْأَظْهُرُ ثُبُوتُهُ بِشَاهِدَيْنِ.
16- وَصِفَةُ اللِّعَانِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ بِحَضْرَةِ حَاكِمٍ أَوْ نَائِبِهِ، وَكَذَا لَوْ حَكَّمَ رَجُلًا أَهْلًا لِلْحُكْمِ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ امْرَأَتِي هَذِهِ مِنَ الزِّنَا مُشِيرًا إِلَيْهَا إِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً، وَمَا دَامَتْ حَاضِرَةً فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَسْمِيَتِهَا وَبَيَانِ نَسَبِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً بِالْمَجْلِسِ سَمَّاهَا وَنَسَبَهَا بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ حَتَّى تَنْتِفِي الْمُشَارَكَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، وَيُعِيدُ قَوْلَهُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ...إِلَخْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى يُكْمِلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمَا (الْمُتَلَاعِنَيْنِ) مَعًا، بَلْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا عَنْ صَاحِبِهِ جَازَ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، ثُمَّ يَقُولُ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ: وَإِنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا.
ثُمَّ تَقُولُ هِيَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّ زَوْجِي هَذَا لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا وَتُشِيرُ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا بِالْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنِ الْمَجْلِسِ سَمَّتْهُ وَنَسَبَتْهُ، وَتُكَرِّرُ ذَلِكَ، فَإِذَا كَمَّلَتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ تَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: وَأَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، وَتَزِيدُ اسْتِحْبَابًا فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، فَإِنْ نَقَصَ أَحَدُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مِنَ الْجُمَلِ الْخَمْسَةِ شَيْئًا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَيْهَا، كَمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ إِذَا بَدَأَتِ الْمَرْأَةُ بِاللِّعَانِ قَبْلَهُ، أَوْ تَلَاعَنَا بِغَيْرِ حَضْرَةِ حَاكِمٍ، أَوْ أَبْدَلَ أَحَدُهُمَا لَفْظَةَ: أَشْهَدُ بِأُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أُولِي لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، أَوْ أَبْدَلَ لَفْظَةَ اللَّعْنَةِ بِالْإِبْعَادِ أَوْ بِالْغَضَبِ، أَوْ أَبْدَلَتِ الْمَرْأَةُ لَفْظَةَ الْغَضَبِ بِالسَّخَطِ أَوْ بِاللَّعْنَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، أَوْ قَدَّمَ الرَّجُلُ اللَّعْنَةَ قَبْلَ الْخَامِسَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. وَلَوْ عَلَّقَ أَحَدُهُمَا اللِّعَانَ بِشَرْطِ، أَوْ لَمْ يُوَالِ أَحَدُهُمَا بَيْنَ الْكَلِمَاتِ عُرْفًا، أَوْ أَتَى بِاللِّعَانِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَنْ يُحْسِنُهَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ.
وَإِنْ أَتَى الزَّوْجُ بِاللِّعَانِ قَبْلَ مُطَالَبَتِهَا لَهُ بِالْحَدِّ مَعَ عَدَمِ وَلَدٍ يُرِيدُ نَفْيَهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ.
وَإِذَا فُهِمَتْ إِشَارَةُ الْأَخْرَسِ مِنْهُمَا أَوْ كِتَابَتُهُ صَحَّ لِعَانُهُ بِهَا وَإِلاَّ فَلَا.
17- وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ: لَوْ بَدَأَ الْقَاضِي بِلِعَانِ الْمَرْأَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ لِعَانَهَا بَعْدَ لِعَانِ الرَّجُلِ، لِأَنَّهُ أَتَى بِاللِّعَانِ عَلَى غَيْرِ مَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا، كَمَا لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ لِعَانَ الرَّجُلِ لِإِثْبَاتِ زِنَا الْمَرْأَةِ وَنَفْيِ وَلَدِهَا، وَلِعَانَ الْمَرْأَةِ لِلْإِنْكَارِ، فَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِثْبَاتِ كَتَقْدِيمِ الشُّهُودِ عَلَى الْأَيْمَانِ، وَلِأَنَّ لِعَانَ الْمَرْأَةِ لِدَرْءِ الْعَذَابِ عَنْهَا، وَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا الْعَذَابُ إِلاَّ بِلِعَانِ الرَّجُلِ، فَإِذَا قُدِّمَ لِعَانُهَا عَلَى لِعَانِهِ كَانَ تَقْدِيمًا لَهُ عَلَى وَقْتِهِ فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا كَمَا لَوْ قُدِّمَ عَلَى الْقَذْفِ.
18- وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ وُجُوبَ الْبَدَاءَةِ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ فِي اللِّعَانِ لِأَنَّهُ الْمُدَّعِي، وَفِي الدَّعَاوَى يُبْدَأُ بِشَهَادَةِ الْمُدَّعِي، فَلَوْ حَصَلَ الْعَكْسُ وَقَدَّمَ الْقَاضِي الْمَرْأَةَ فِي اللِّعَانِ عَلَى الرَّجُلِ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعِيدَ لِعَانَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ الرَّجُلِ حَتَّى يَقَعَ اللِّعَانُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْوَارِدِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
فَإِنْ لَمْ يُعِدِ الْقَاضِي لِعَانَ الْمَرْأَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالْفُرْقَةِ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، وَالْقَضَاءُ إِذَا صَدَرَ فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ يَكُونُ نَافِذًا.
مَا يَجِبُ عِنْدَ امْتِنَاعِ الزَّوْجِ عَنِ اللِّعَانِ
19- قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ عَنِ اللِّعَانِ لَا يُحْبَسُ وَلَكِنْ يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ هَذَا فِي الْجُمْلَةِ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنِ امْتَنَعَ الزَّوْجُ عَنِ اللِّعَانِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ إِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ حُرَّةً مُسْلِمَةً، فَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ أَمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا طَلَبَ الْقَاضِي مِنَ الزَّوْجِ الْمُلَاعَنَةَ فَامْتَنَعَ حَبَسَهُ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ الْمَرْأَةُ فِيمَا ادَّعَاهُ، أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ.
وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ لِقَذْفِ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ أَهُوَ اللِّعَانُ أَوِ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ مُسْقِطٌ لَهُ؟ فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لِلْقَذْفِ هُوَ الْحَدُّ، وَاللِّعَانُ مُسْقِطٌ لَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى كُلِّ قَاذِفٍ سَوَاءٌ أَكَانَ زَوْجًا أَمْ غَيْرَهُ، ثُمَّ جَاءَ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}...الْآيَاتُ مُبَيِّنًا أَنَّ الْقَاذِفَ إِنْ كَانَ زَوْجًا فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْحَدَّ عَنْهُ بِاللِّعَانِ، فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْهُ ثَبَتَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ الْحَدُّ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لِلْقَذْفِ هُوَ اللِّعَانُ، فَإِذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ عَنْهُ حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} إِلَى قَوْلِهِ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فَإِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ مُوجَبَ قَذْفِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ إِذَا لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى صِحَّةِ قَذْفِهِ اللِّعَانَ فَقَطْ، بَعْدَ أَنْ كَانَ مُوجَبُهُ الْحَدَّ بِمُقْتَضَى عُمُومِ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَهِيَ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} وَبِذَلِكَ صَارَتْ آيَةُ الْقَذْفِ مَنْسُوخَةً فِي حَقِّ الْأَزْوَاجِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْمُقَرَّرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْخَاصَّ إِذَا تَأَخَّرَ وُرُودُهُ عَنِ الْعَامِّ كَانَ نَاسِخًا لِلْعَامِّ فِيمَا تَعَارَضَا فِيهِ، وَهُوَ هُنَا الْأَزْوَاجُ، فَإِنَّ آيَةَ اللِّعَانِ، تَأَخَّرَ نُزُولُهَا عَنْ آيَةِ الْقَذْفِ وَإِنْ كَانَتْ مَذْكُورَةً عَقِبَهَا فِي الْمُصْحَفِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: إِنَّا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا وَتَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ، وَاللَّهِ لأَسْأَلَنَّ عَنْهُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم-.
فَلَمَّا كَانَ فِي الْغَدِ أَتَى رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، أَوْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ افْتَحْ» وَجَعَلَ يَدْعُو فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: «وَإِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُوجَبَ قَذْفِ الزَّوْجَةِ كَانَ الْجَلْدَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ اللِّعَانِ ثُمَّ صَارَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ الْخَاصَّةِ بِالْأَزْوَاجِ اللِّعَانَ، وَبِهَذَا كَانَ الْوَاجِبُ بِقَذْفِ الزَّوْجِ الزَّوْجَةَ هُوَ اللِّعَانُ، فَإِذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ عَنْهُ حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ، لِامْتِنَاعِهِ عَنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، كَمَا يُحْبَسُ الْمَدِينُ إِذَا امْتَنَعَ عَنْ إِيفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ.
مَا يَجِبُ إِذَا امْتَنَعَتِ الْمَرْأَةُ عَنِ اللِّعَانِ
20- إِذَا لَاعَنَ الزَّوْجُ وَامْتَنَعَتِ الْمَرْأَةُ عَنِ اللِّعَانِ لَا تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا، وَلَكِنْ تُحْبَسُ حَتَّى تُلَاعِنَ، أَوْ تُصَدِّقَ الزَّوْجَ فِيمَا ادَّعَاهُ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُ خُلِّيَ سَبِيلُهَا مِنْ غَيْرِ حَدٍّ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَوِجْهَتُهُمْ فِي الْحَبْسِ: أَنَّ اللِّعَانَ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لِلْقَذْفِ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ- كَمَا تَقَدَّمَ- فَيَكُونُ وَاجِبًا عَلَى الْمَرْأَةِ بَعْدَ لِعَانِ زَوْجِهَا، فَإِذَا امْتَنَعَتْ عَنْهُ أُجْبِرَتْ عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ، كَالْمَدِينِ إِذَا امْتَنَعَ عَنْ إِيفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُوَفِّيَ مَا عَلَيْهِ.
وَوِجْهَتُهُمْ فِي إِخْلَاءِ سَبِيلِهَا بِدُونِ حَدٍّ إِذَا صَدَّقَتِ الزَّوْجَ: أَنَّ تَصْدِيقَهَا لَيْسَ بِإِقْرَارٍ قَصْدًا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدُّ وَلَوْ أَعَادَتْ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ.
وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ عَنْ إِقْرَارِهَا لَمْ تُحَدَّ، وَامْتِنَاعُهَا عَنِ اللِّعَانِ أَقَلُّ دَلَالَةً عَلَى الزِّنَا مِنَ الْإِقْرَارِ الَّذِي رَجَعَتْ عَنْهُ فَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى
وَالْحَنَابِلَةُ يُوَافِقُونَ الْحَنَفِيَّةَ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا إِذَا امْتَنَعَتْ عَنِ اللِّعَانِ، وَيُخَالِفُونَهُمْ فِيمَا يُصْنَعُ بِهَا إِذَا امْتَنَعَتْ، فَفِي رِوَايَةٍ- وَهِيَ الْأَصَحُّ كَمَا قَالَ الْقَاضِي- تُحْبَسُ حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ بِالزِّنَا، فَإِنْ لَاعَنَتْ سَقَطَ عَنْهَا الْحَدُّ، وَإِنْ أَقَرَّتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ حُدَّتْ حَدَّ الزِّنَا، وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ: يُخَلَّى سَبِيلُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ عَلَيْهَا فَيَجِبُ تَخْلِيَةُ سَبِيلِهَا، كَمَا لَوْ لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ إِذَا لَمْ يَتِمَّ الْتِعَانُهُمَا جَمِيعًا فَلَا تَزُولُ الزَّوْجِيَّةُ وَلَا يَنْتَفِي نَسَبُ الْوَلَدِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِذَا امْتَنَعَتِ الْمَرْأَةُ عَنِ اللِّعَانِ بَعْدَ لِعَانِ الزَّوْجِ حُدَّتْ حَدَّ الزِّنَا وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}.
وَأَضَافَ الْمَالِكِيَّةُ: أَنَّ الْحَدَّ عَلَيْهَا إِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً، وَإِنْ كَانَتْ ذِمِّيَّةً فَفِيهَا الْأَدَبُ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
16-موسوعة الفقه الكويتية (وضع اليد)
وَضْعُ الْيَدِالتَّعْرِيفُ:
1- مِنْ مَعَانِي الْوَضْعِ فِي اللُّغَةِ: التَّرْكُ، يُقَالُ: وَضَعْتُ الشَّيْءَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَضْعًا تَرَكْتُهُ هُنَاكَ.
وَيَأْتِي بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ، يُقَالُ: وَضَعْتُ عَنْهُ دَيْنَهُ أَسْقَطْتُهُ.
وَالْيَدُ فِي اللُّغَةِ مِنَ الْمَنْكِبِ إِلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ، وَالْجَمْعُ الْأَيْدِ، وَالْأَيَادِي جَمْعُ الْجَمْعِ.
وَالْيَدُ: النِّعْمَةُ وَالْإِحْسَانُ، وَتُطْلَقُ الْيَدُ عَلَى الْقُدْرَةِ، وَيَدُهُ عَلَيْهِ: أَيْ سُلْطَانُهُ، وَالْأَمْرُ بِيَدِ فُلَانٍ: أَيْ فِي تَصَرُّفِهِ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ الْأَصْفَهَانِيُّ: اسْتُعِيرَ الْيَدُ لِلْحَوْزِ وَالْمِلْكِ مَرَّةً، يُقَالُ: هَذَا فِي يَدِ فُلَانٍ أَيْ فِي حَوْزِهِ وَمِلْكِهِ، وَلِلْقُوَّةِ مَرَّةً، يُقَالُ: لِفُلَانٍ يَدٌ عَلَى كَذَا، وَمَالِي بِكَذَا يَدٌ.
وَوَضْعُ الْيَدِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ: تَصَرُّفُ ذِي الْيَدِ فِي عَيْنٍ بِالْفِعْلِ، أَوْ ثُبُوتُ تَصَرُّفِهِ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ.
قَالَ عَلِي حَيْدَر: ذُو الْيَدِ هُوَ وَاضِعُ الْيَدِ عَلَى عَيْنٍ بِالْفِعْلِ، أَوِ الَّذِي يَثْبُتُ تَصَرُّفُهُ فِي عَيْنٍ وَانْتِفَاعُهُ مِنْهَا تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ.
وَيُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ وَضْعَ الْيَدِ كَذَلِكَ وَيُرِيدُونَ بِهِ وَضْعَ الْيَدِ الْحِسِّيَّةِ- وَهِيَ الْجَارِحَةُ- عَلَى شَيْءٍ مَا.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْحِيَازَةُ:
2- الْحِيَازَةُ فِي اللُّغَةِ: ضَمُّ الشَّيْءِ وَجَمْعُهُ يُقَالُ: حُزْتُ الشَّيْءَ وَأَحُوزُهُ حَوْزًا وَحِيَازَةً: ضَمَمْتُهُ وَجَمَعْتُهُ، وَكُلُّ مَنْ ضَمَّ إِلَى نَفْسِهِ شَيْئًا فَقَدَ حَازَهُ.
وَالْحِيَازَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ: هِيَ وَضْعُ الْيَ- دِ عَلَى الشَّيْءِ وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ.
وَوَضْعُ الْيَدِ أَعَمُّ مِنَ الْحِيَازَةِ.
ب- الْغَصْبُ:
3- الْغَصْبُ فِي اللُّغَةِ: الْأَخْذُ قَهْرًا وَظُلْمًا.يُقَالُ: غَصَبَ الشَّيْءَ غَصْبًا أَخَذَهُ قَهْرًا وَظُلْمًا، وَالِاغْتِصَابُ مِثْلُهُ.
وَالْغَصْبُ فِي الِاصْطِلَاحِ: إِزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْ مَالِهِ الْمُتَقَوِّمِ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ وَالْمُغَالَبَةِ بِفِعْلٍ فِي الْمَالِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ وَضْعِ الْيَدِ وَالْغَصْبِ أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ أَعَمُّ مِنَ الْغَصْبِ.
أَوَّلًا: الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوَضْعِ الْيَدِ بِمَعْنَى التَّصَرُّفِ فِي عَيْنٍ
أ- دَلَالَةُ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ:
4- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَضْعُ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفُ مِنْ أَقْوَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ، وَلِذَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا ادَّعَى وَاضِعُ الْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ الَّذِي تَلَقَّاهَا شِرَاءً أَوْ إِرْثًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَنَّهُ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا، فَالْقَوْلُ لَهُ، وَعَلَى مَنْ يُخَاصِمُهُ فِي الْمِلْكِ الْبُرْهَانُ إِنْ صَحَّتْ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَاسْتُوفِيَتْ شُرُوطُ الدَّعْوَى.
ثُمَّ يَقُولُ: وَقَدْ قَالُوا إِنَّ وَضْعَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ مِنْ أَقْوَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ، وَلِذَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ.
وَفِي رِسَالَةِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ: وَأَيُّمَا قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ أَوِ الْحَرْبِ بَادُوا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَبَقِيَتْ أَرْضُهُمْ مُعَطَّلَةً وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهَا فِي يَدِ أَحَدٍ، وَلَا أَنَّ أَحَدًا يَدَّعِي فِيهَا دَعْوَى، وَأَخَذَهَا رَجُلٌ فَحَرَثَهَا وَغَرَسَ فِيهَا وَأَدَّى عَنْهَا الْخَرَاجَ أَوِ الْعُشْرَ فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ يَدِ أَحَدٍ إِلاَّ بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ- أَيِ الْحِيَازَةَ- إِذَا طَالَ وَلَمْ يُوجَدْ مُنَازِعٌ، وَهُوَ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ دَلَّ عَلَى الْمِلْكِ، وَإِنْ لَمْ تَطُلِ الْحِيَازَةُ لَمْ يَثْبُتِ الْمِلْكُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ أَنْ تَطُولَ الْحِيَازَةُ وَهُوَ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ الْمُلاَّكُ لَا مُنَازِعَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَطُلِ الْحِيَازَةُ لَمْ يَثْبُتِ الْمِلْكُ.
وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ فِي سُؤَالِ الْحَائِزِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ أَيْنَ صَارَ إِلَيْهِ الْمِلْكُ؟ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْوُجُوهِ:
فَوَجْهٌ: لَا يُسْأَلُ الْحَائِزُ عَمَّا فِي يَدَيْهِ مِنْ أَيْنَ صَارَ إِلَيْهِ، وَتَبْطُلُ دَعْوَى الْمُدَّعَى فِيهِ بِكُلِّ حَالٍ، فَلَا يُوجِبُ يَمِينًا عَلَى الْحَائِزِ الْمُدَّعَى فِيهِ، إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَعَارَهُ إِيَّاهُ فَتَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى ذَلِكَ.وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ إِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْأَصْلُ لِلْمُدَّعِي وَلَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ الْحَائِزُ الَّذِي حَازَهُ فِي وَجْهِهِ الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامِ وَنَحْوَهَا، وَلَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا فِي يَدَيْهِ أَنَّهُ مَالُهُ وَمِلْكُهُ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ عَلَيْهِ فِي وَجْهِهِ لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ.
وَوَجْهٌ: يُسْأَلُ الْحَائِزُ عَمَّا فِي يَدَيْهِ مِنْ أَيْنَ صَارَ إِلَيْهِ؟ وَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ وَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ إِذَا ثَبَتَ الْأَصْلُ لِلْمُدَّعِي، أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ الْحَائِزُ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُسْأَلَ مِنْ أَيْنَ صَارَ إِلَيْهِ؟ وَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ.
وَوَجْهٌ: يُخْتَلَفُ فِيهِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُوقَفَ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوِ الْإِنْكَارِ، وَقِيلَ إِنَّهُ يُوقَفُ وَيُسْأَلُ مِنْ أَيْنَ صَارَ إِلَيْهِ؟ وَهُوَ إِذَا ثَبَتَتِ الْمَوَارِيثُ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهَا لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ. (ر: حِيَازَة ف 6)
ب- كَيْفِيَّةُ وَضْعِ الْيَدِ:
5- وَضْعُ الْيَدِ يَكُونُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبهِ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ مَا تُوضَعُ الْيَدُ عَلَيْهِ.
6- فَفِي الْعَقَارِ يَحْصُلُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ بِأَحَدِ أُمُورٍ:
- أَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ، وَأَنْ يُحْدِثَ أَبْنِيَةً فِيهَا.
- وَفِي الْعَرْصَةِ حَفْرُ بِئْرٍ أَوْ نَهَرٍ أَوْ قَنَاةٍ، أَوْ غَرْسُ أَشْجَارٍ، أَوْ زَرْعُ مَزْرُوعَاتٍ، أَوْ إِنْشَاءُ أَبْنِيَةٍ أَوْ صُنْعُ لَبِنٍ.
- وَفِي الْحَرَجِ وَالْغَابِ قَطْعُ الْأَشْجَارِ مِنْهَا وَبَيْعُهَا، وَبِالِانْتِفَاعِ مِنْهَا بِوَجْهٍ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ.
- وَفِي الْمَرْعَى قَطْعُ الْحَشَائِشِ وَحِفْظُهَا وَبَيْعُهَا، أَوْ رَعْيُ الْحَيَوَانَاتِ فِيهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ.
أَمَّا وُجُودُ مِفْتَاحِ بَابِ الدَّارِ فِي يَدِ أَحَدٍ فَلَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ فِي يَدِهِ ذَا يَدٍ، فَلِذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدٌ سَاكِنًا فِي دَارٍ وَأَشْيَاؤُهُ مَوْضُوعَةٌ فِيهَا، وَكَانَ مِفْتَاحُ تِلْكَ الدَّارِ فِي يَدِ آخَرَ، فَالْوَاضِعُ الْيَدِ عَلَى الدَّارِ هُوَ السَّاكِنُ فِيهَا وَلَيْسَ حَامِلَ مِفْتَاحِ بَابِهَا.
قَالَ أَصْبَغُ: مَا حَازَهُ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِحَضْرَتِهِ وَعِلْمِهِ أَيَّ الْحِيَازَاتِ كَانَتْ مِنْ سُكْنَى فَقَطْ أَوِ ازْدِرَاعٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ بُنْيَانٍ صَغُرَ شَأْنُهُ أَوْ عَظُمَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْحِيَازَاتِ كُلِّهَا فَذَلِكَ يُوجِبُهُ لِحَائِزِهِ.
7- أَمَّا وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْمَنْقُولِ فَيَكُونُ بِكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى حِيَازَةِ الشَّخْصِ لَهُ، قَالَ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ: مَا حَازَهُ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ مِنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَالدَّوَابِّ وَالْحَيَوَانِ كُلِّهِ وَالْعُرُوضِ كُلِّهَا فَأَقَامَ ذَلِكَ فِي يَدَيْهِ يَخْتَدِمُ الرَّقِيقَ وَيَرْكَبُ الدَّوَابَّ وَيَحْلِبُ الْمَاشِيَةَ وَيَمْتَهِنُ الْعُرُوضَ فَذَلِكَ كُلُّهُ كَالْحَائِزِ.
ج- وَسَائِلُ إِثْبَاتِ وَضْعِ الْيَدِ:
8- يُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ فِي إِثْبَاتِ وَضْعِ الْيَدِ بَيْنَ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ، فَيَلْزَمُ إِثْبَاتُ الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ فِي الْعَقَارِ الْمُنَازَعِ فِيهِ، وَلَا يُحْكَمُ بِهَا بِتَصَادُقِ الْخَصْمَيْنِ.
وَمَعْنَى هَذَا كَمَا فِي دُرَرِ الْحُكَّامِ: أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذُو يَدٍ بِإِقْرَارِهِ عِنْدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي، فَإِذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِي الْعَقَارِ الْمُنَازَعِ فِيهِ، فَلِأَجْلِ صِحَّةِ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَلْزَمُ إِثْبَاتُ وَضْعِ الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ هِيَ دَعْوَى إِزَالَةِ الْيَدِ وَتَرْكِ التَّعَرُّضِ؛ وَطَلَبُ إِزَالَةِ الْيَدِ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى ذِي الْيَدِ.
وَلَا يَثْبُتُ وَضْعُ الْيَدِ بِعِلْمِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْقَاضِي لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْحُكْمِ.
كَمَا لَا يَثْبُتُ وَضْعُ الْيَدِ فِي الْعَقَارِ بِتَصَادُقِ الْخَصْمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ، فَلَعَلَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا تَوَاضُعًا فِيهِ لِيَكُونَ لَهُمَا ذَرِيعَةً إِلَى أَخْذِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ.
فَإِذَا ثَبَتَ وَضْعُ الْيَدِ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ وَثَبَتَتِ Cالْمِلْكِيَّةُ بِالشُّهُودِ وَحُكِمَ بِهَا لَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ.
9- وَيُسْتَثْنَى مِنْ لُزُومِ إِثْبَاتِ وَضَاعَةِ الْيَدِ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ مَسَائِلُ الشِّرَاءِ وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ.وَهِيَ أَنَّهُ:
إِذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي قَائِلًا: إِنَّنِي كُنْتُ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ ذَلِكَ الْعَقَارَ، أَوْ كُنْتَ غَصَبْتَهُ مِنِّي فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِثْبَاتِ كَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْفِعْلِ كَمَا تَصِحُّ عَلَى ذِي الْيَدِ تَصِحُّ عَلَى غَيْرِهِ، فَعَدَمُ ثُبُوتِ الْيَدِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى.
وَإِنَّ الَّذِي يُحْدِثُ يَدَهُ تَغَلُّبًا عَلَى مَالٍ لَا يُعَدُّ وَاضِعًا الْيَدَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَعَلَيْهِ إِذَا ثَبَتَ لِلْقَاضِي إِحْدَاثُ يَدِهِ تَغَلُّبًا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ يُؤْمَرُ بِرَدِّ الْمَالِ الْمَذْكُورِ إِلَى الشَّخْصِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ، وَيُعَدُّ ذَلِكَ الشَّخْصُ ذَا الْيَدِ.
10- أَمَّا الْمَنْقُولُ فَذُو الْيَدِ عَلَيْهِ هُوَ مَنْ وُجِدَ فِي يَدِهِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إِلَى إِثْبَاتِ الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ.
وَعَلَى هَذَا فَإِذَا وُجِدَ الْمَنْقُولُ فِي يَدِ أَيِّ شَخْصٍ كَانَ فَهُوَ ذُو الْيَدِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ فِي الْمَنْقُولِ كَمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ يَثْبُتُ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْعِيَانِ وَبِالْإِقْرَارِ.
وَإِذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وُجُودَ الْمَالِ الْمَنْقُولِ فِي يَدِهِ وَادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّ الْمَالَ الْمَنْقُولَ كَانَ تَحْتَ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْذُ سَنَةٍ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فِي ذَلِكَ فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وَيُعْتَبَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا الْيَدِ.
د- وَضْعُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ:
11- وَمَنْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ عُدْوَانًا فَهُوَ غَاصِبٌ وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (غَصْب ف 1 وَمَا بَعْدَهَا).
وَإِنْ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ خَطَأً كَأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مَلَكَهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِهِ وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَرْفُوعُ الْمُؤَاخَذَةِ شَرْعًا بِبَرَكَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- بِقَوْلِهِ: «رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا» وَقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».
هـ- التَّنَازُعُ فِي وَضْعِ الْيَدِ:
12- إِذَا تَنَازَعَ شَخْصَانِ فِي عَقَارٍ وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا كَوْنَهُ ذَا الْيَدِ فِي ذَلِكَ الْعَقَارِ تُطْلَبُ أَوَّلًا الْبَيِّنَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى كَوْنِهِ ذَا الْيَدِ، فَإِذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ تَثْبُتُ يَدُهُمَا مَعًا عَلَى الْعَقَارِ، وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي الْقِسْمِ الْوَاضِعِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَمُدَّعِيًا فِي الْقِسْمِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ خَارِجًا؛ لِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي أَسْبَابِ الثُّبُوتِ إِلاَّ أَنَّهُمَا مَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ مِلْكَهُمَا الْمُشْتَرَكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يُقَسَّمُ الْمِلْكُ بَيْنَهُمَا.وَإِذَا أَظْهَرَ أَحَدُهُمَا الْعَجْزَ عَنْ إِثْبَاتِ وَضْعِ يَدِهِ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى كَوْنِهِ وَاضِعَ الْيَدِ يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ ذَا الْيَدِ مُسْتَقِلًّا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، وَيُعَدُّ الْآخَرُ خَارِجًا وَمُدَّعِيًا.
و- مَرَاتِبُ وَضْعِ الْيَدِ:
13- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي وَضْعِ الْيَدِ، وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْأَقْوَى مِنْهُمَا، أَوْ يَشْتَرِكَانِ إِذَا تَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ.
وَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
فَقَدْ نَصُّ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَا يَلِي:
اللاَّبِسُ لِلثَّوْبِ أَحَقُّ مِنْ آخِذِ الْكُمِّ، قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ: فَيُقْضَى لَهُ قَضَاءُ تَرْكٍ لَا اسْتِحْقَاقٍ، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْضَى لَهُ.
وَالرَّاكِبُ أَحَقُّ مِنْ آخِذِ اللِّجَامِ.
وَمَنْ فِي السَّرْجِ أَحَقُّ مِنْ رَدِيفِهِ (وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَقُولُ لَكِنَّ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى مِثْلَ الرَّأْيِ الْأَوَّلِ) بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَا رَاكِبَيْنِ فِي السَّرْجِ فَإِنَّهُمَا بَيْنَهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا، كَمَا فِي الْغَايَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اشْتِرَاكُهُمَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مُسْرَجَةً.
وَذُو حِمْلِ الدَّابَّةِ أَوْلَى مِمَّنْ عَلَّقَ كُوزَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَصَرُّفًا، أَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ بَعْضُ حِمْلِهَا؛ كَمَا إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا مَنٌّ وَالْآخَرِ مِائَةُ مَنٍّ، كَانَتْ بَيْنَهُمَا.
وَالْجَالِسُ عَلَى الْبِسَاطِ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِهِ سَوَاءٌ كَجَالِسِيهِ، وَكَرَاكِبِي سَرْجٍ- وَكَذَا مَنْ مَعَهُ ثَوْبٌ وَطَرَفُهُ مَعَ الْآخَرِ- لَا هُدْبَتُهُ، أَيْ طُرَّتُهُ غَيْرُ الْمَنْسُوجَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَوْبٍ.
أَمَّا جَالِسَا دَارٍ تَنَازَعَا فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُمَا Cلِاحْتِمَالِ أَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا.
وَنَصُّوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْحَائِطَ يَكُونُ لِمَنْ جُذُوعُهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا جِذْعٌ أَوْ جِذْعَانِ دُونَ الثَّلَاثَةِ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَجْذَاعٍ أَوْ أَكْثَرُ.
ذُكِرَ فِي النَّوَازِلِ أَنَّ الْحَائِطَ يَكُونُ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ، وَلِصَاحِبِ مَا دُونَ الثَّلَاثَةِ مَوْضِعُ جِذْعِهِ، قَالَ: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَبِهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رضي الله عنه- يَقُولُ أَوَّلًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الِاسْتِحْسَانِ.
وَكَذَا يَكُونُ الْحَائِطُ لِمَنْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ- بِأَنْ تَتَدَاخَلَ أَنْصَافُ لَبِنَاتِهِ فِي لَبِنَاتِ الْآخَرِ- وَلَوْ مِنْ خَشَبٍ فَبِأَنْ تَكُونَ الْخَشَبَةُ مُرَكَّبَةً فِي الْأُخْرَى لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّهُمَا بُنِيَا مَعًا، وَلِذَا سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُبْنَى مُرَبَّعًا؛ وَلَا يَكُونُ لِمَنْ لَهُ اتِّصَالُ مُلَازَقَةٍ أَوْ نَقْبٌ وَإِدْخَالٌ (بِأَنْ نَقَبَ وَأَدْخَلَ الْخَشَبَةَ)، أَوْ هَرَادِي (كَقَصَبٍ وَطَبَقٍ يُوضَعُ عَلَى الْجُذُوعِ) وَلَا يُخَصُّ بِهِ صَاحِبُ الْهَرَادِي، بَلْ صَاحِبُ الْجِذْعِ الْوَاحِدِ أَحَقُّ مِنْهُ.
وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا جُذُوعٌ وَلِلْآخَرِ اتِّصَالٌ، فَلِذِي الِاتِّصَالِ وَلِلْآخَرِ حَقُّ الْوَضْعِ، وَقِيلَ لِذِي الْجُذُوعِ.
وَذُو بَيْتٍ مِنْ دَارٍ فِيهَا بُيُوتٌ كَثِيرَةٌ كَذِي بُيُوتٍ مِنْهَا فِي حَقِّ سَاحَتِهَا، فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَالطَّرِيقِ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ لِلْيَدِ مَرَاتِبَ مُرَتَّبَةً، فَأَعْظَمُهَا ثِيَابُ الْإِنْسَانِ الَّتِي عَلَيْهِ وَمِنْطَقَتُهُ، وَيَلِيهِ الْبِسَاطُ الَّذِي هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ، وَالدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ رَاكِبُهَا، وَيَلِيهِ الدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا، وَيَلِيهِ الدَّارُ الَّتِي هُوَ سَاكِنُهَا فَهِيَ دُونَ الدَّابَّةِ، لِعَدَمِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى جَمِيعِهَا.قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْفُرُوقِ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: تُقَدَّمُ أَقْوَى الْيَدَيْنِ عَلَى أَضْعَفِهِمَا، فَرَاكِبُ الدَّابَّةِ يُقَدَّمُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى السَّائِقِ عِنْدَ تَنَازُعِهِمَا، وَإِذَا تَنَازَعَ السَّاكِنَانِ الدَّارَ سَوَّى بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا تَدَاعَيَا دَابَّةً وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْحِمْلِ مَعَ Cيَمِينِهِ لِانْفِرَادِهِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالدَّابَّةِ، وَلَوْ تَدَاعى ثَلَاثَةٌ دَابَّةً: وَاحِدٌ سَائِقُهَا، وَالْآخَرُ آخِذٌ بِزِمَامِهَا، وَالثَّالِثُ رَاكِبُهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ لِوُجُودِ الِانْتِفَاعِ فِي حَقِّهِ.
وَلَوْ تَنَازَعَا عَلَى حَيَوَانٍ، وَيَدُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْحَيَوَانِ، وَيَدُ الْآخَرِ عَلَى حِمْلِهِ فَإِنَّهُ لِمَنْ يَدُهُ عَلَى الْحَيَوَانِ، لَا لِمَنْ يَدُهُ عَلَى حِمْلِهِ.
وَلَوْ تَنَازَعَا فِي ثَوْبٍ، أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ يُجَاذِبُهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللاَّبِسِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالِانْتِفَاعِ.
وَلَوْ تَنَازَعَا فِي سَفِينَةٍ، أَحَدُهُمَا رَاكِبٌ وَالْآخَرُ مُمْسِكُهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِيهَا.وَكَذَا فِي مُمْسِكِ جَنْبِهَا وَمُمْسِكِ رِبَاطِهَا، يُصَدَّقُ مُمْسِكُ الْجَنْبِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً، أَحَدُهُمَا رَكِبَهَا أَوْ لَهُ عَلَيْهَا حِمْلٌ، وَالْآخَرُ آخِذٌ بِزِمَامِهَا أَوْ سَائِقُهَا، فَهِيَ لِلْأَوَّلِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ أَقْوَى، وَيَدُهُ آكَدُ.
وَإِنْ تَنَازَعَا ثِيَابَ عَبْدٍ عَلَيْهِ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ.
وَإِنْ تَنَازَعَا قَمِيصًا أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ آخِذٌ بِكُمِّهِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ.
وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ فِيهَا أَرْبَعَةُ بُيُوتٍ، فِي أَحَدِهَا سَاكِنٌ وَفِي الثَّلَاثَةِ الْأُخْرَى سَاكِنٌ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هُوَ سَاكِنٌ فِيهِ.
وَإِنْ تَنَازَعَا سَاحَةَ الدَّارِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهَا.وَلَوْ كَانَتْ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ مَسْلُوخَةٌ بِيَدِ أَحَدِهِمَا جِلْدُهَا وَرَأْسُهَا وَسَوَاقِطُهَا، وَبِيَدِ الْآخَرِ بَقِيَّتُهَا، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّهَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِدَعْوَاهُمَا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ مِنَ الشَّاةِ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَارِجَةٌ.
وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الدَّارِ وَخَيَّاطٌ فِيهَا فِي إِبْرَةٍ وَمِقَصٍّ فَهُمَا لِلْخَيَّاطِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ.
(ر: تَعَارُض ف 4- 11، تَنَازُع بِالْأَيْدِي)
ز- اعْتِبَارُ النِّيَّةِ فِي وَضْعِ الْيَدِ عَلَى اللُّقَطَةِ أَوِ اللَّقِيطِ:
14- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُتَلَقِّطِ أَنْ يَأْخُذَ اللُّقَطَةَ لِنَفْسِهِ لَا لِصَاحِبِهَا؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ آوَى Cضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا» وَالْمُرَادُ أَنْ يَضُمَّهَا إِلَى نَفْسِهِ لِأَجْلِ نَفْسِهِ لَا لِأَجْلِ صَاحِبِهَا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَّ إِلَى نَفْسِهِ لِأَجْلِ صَاحِبِهَا لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْغَصْبِ.
نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَمَاشَى اثْنَانِ فَأَرَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لُقَطَةً وَأَمَرَهُ بِالْتِقَاطِهَا بِصِيغَةِ هَاتِهَا، أَوْ نَحْوِهَا، فَإِنْ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ فَهِيَ لَهُ أَيْ لِلْآخِذِ، وَكَذَا إِذَا أَخَذَهَا وَلَمْ يَقْصِدْ نَفْسَهُ وَلَا غَيْرَهُ، وَإِنْ أَخَذَهَا وَقَصَدَ بِهَا الْأَمْرَ وَحْدَهُ فَهِيَ لِلْآمِرِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي الِاصْطِيَادِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا حِينَئِذٍ اسْتِعَانَةٌ مُجَرَّدَةٌ عَلَى تَنَاوُلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ.
وَإِنْ أَخَذَهَا وَقَصَدَ بِهَا الْأَمْرَ مَعَ نَفْسِهِ فَتَكُونُ لَهُمَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالِاصْطِيَادِ أَيْضًا.
(انْظُرْ ف 4) وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ رَأَيَا اللَّقِيطَ جَمِيعًا، فَسَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَخَذَهُ، أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ؛ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَإِنْ رَآهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ، فَسَبَقَ إِلَى أَخْذِهِ الْآخَرُ، فَالسَّابِقُ إِلَى أَخْذِهِ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ هُوَ الْأَخْذُ لَا الرُّؤْيَةُ.وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: نَاوِلْنِيهِ فَأَخَذَهُ الْآخَرُ، نَظَرْنَا إِلَى نِيَّتِهِ، فَإِنْ نَوَى أَخْذَهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ أَحَقُّ، كَمَا لَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْآخَرُ بِمُنَاوَلَتِهِ إِيَّاهُ، وَإِنْ نَوَى مُنَاوَلَتَهُ فَهُوَ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِنِيَّةِ النِّيَابَةِ عَنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَوَكَّلَ لَهُ فِي تَحْصِيلٍ مُبَاحٍ.
(انْظُرْ مُصْطَلَح: لُقَطَة، لَقِيط ف 6).
ح- وَضْعُ الْمُحْرِمِ يَدَهُ عَلَى الصَّيْدِ:
15- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى الصَّيْدِ بِشِرَاءٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَرَمِ أَوْ خَارِجَ الْحَرَمِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْتَأْنَسِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ وَغَيْرِ الْمَمْلُوكِ لَهُ.
كَمَا يَحْرُمُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ».
وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: إِحْرَام ف 83- 92، حَرَم ف 13- 15، صَيْد 6- 10، ضَمَان ف 133).
ط- مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ:
16- ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ قَاعِدَةً: «الْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ»، وَفَرَّعُوا عَلَيْهَا مَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةً يُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (حُر ف 6، يَد).
ي- وَضْعُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ:
17- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ مَفْسَدَةٌ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ سَوَاءٌ كَانَ حَاكِمًا أَوْ مَحْكُومًا.
(ر: ضَمَان ف 79، وَقَضَاء ف 61)
ثَانِيًا- الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوَضْعِ الْيَدِ الْحِسِّيَّةِ:
أ- وَضْعُ الْيَدِ فِي الصَّلَاةِ:
18- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَقْوَالٍ
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِرْسَال ف 4، صَلَاة ف 62- 64، يَد)
ب- وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ فِي الصَّلَاةِ:
19- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي- ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى- أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا»؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ تُنَافِي Cهَيْئَةَ الصَّلَاةِ.
ج- وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ:
20- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الطَّائِفَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِفِيهِ إِنْ قَدَرَ، وَإِلاَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى فِيهِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (ر: اسْتِلَام، الْحَجَر الْأَسْوَد ف 2، طَوَاف ف 30- 33).
د- وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْقَبْرِ:
21- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْقَبْرِ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ- وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ كَذَلِكَ- إِلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْقَبْرِ بِدْعَةٌ.
جَاءَ فِي الْمَدْخَلِ لِابْنِ الْحَاجِّ الْمَالِكِيِّ: تَرَى مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ يَطُوفُ بِالْقَبْرِ الشَّرِيفِ كَمَا يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ الْحَرَامِ وَيَتَمَسَّحُ بِهِ وَيُقَبِّلُهُ وَيُلْقُونَ عَلَيْهِ مَنَادِيلَهُمْ وَثِيَابَهُمْ يَقْصِدُونَ بِهِ التَّبَرُّكَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الْبِدَعِ لِأَنَّ التَّبَرُّكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالِاتِّبَاعِ لَه - عليه الصلاة والسلام-، وَمَا كَانَ سَبَبُ عِبَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ لِلْأَصْنَامِ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْبَابِ.
وَفِي الشِّفَا بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ الْمُصْطَفَى لِلْقَاضِي عِيَاضٍ: قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ: إِذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- وَدَعَا يَقِفُ وَوَجْهُهُ إِلَى الْقَبْرِ الشَّرِيفِ لَا إِلَى الْقِبْلَةِ وَيَدْنُو وَيُسَلِّمُ وَلَا يَمَسُّ الْقَبْرَ بِيَدِهِ.
وَجَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْمَكِّيُّ: وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْمَقَابِرِ بِدْعَةٌ.
وَجَاءَ فِي الْمَجْمُوعِ لِلنَّوَوِيِّ نَقْلًا عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ الزَّعْفَرَانِيِّ: لَا يَسْتَلِمُ الْقَبْرَ بِيَدِهِ وَلَا يُقَبِّلُهُ، وَعَلَى هَذَا مَضَتِ السُّنَّةُ، وَاسْتِلَامُ الْقُبُورِ وَتَقْبِيلُهَا الَّذِي يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ الْآنَ مِنَ الْمُبْتَدَعَاتِ الْمُنْكَرَةِ شَرْعًا يَنْبَغِي تَجَنُّبُ فِعْلِهِ وَيُنْهَى فَاعِلُهُ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْأَصْفَهَانِيُّ: قَالَ الْفُقَهَاءُ الْمُتَبَحِّرُونَ الْخُرَاسَانِيُّونَ: وَلَا يَمْسَحُ الْقَبْرَ بِيَدِهِ، وَلَا يُقَبِّلُهُ، وَلَا يَمَسُّهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ عَادَةُ النَّصَارَى، قَالَ: وَمَا ذَكَرُوهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ تَعْظِيمِ الْقُبُورِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَحَبَّ اسْتِلَامُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ مِنْ أَرْكَانِ الْكَعْبَةِ، لِكَوْنِهِ لَمْ يُسَنَّ مَعَ اسْتِحْبَابِ اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ، فَلأَنْ لَا يُسْتَحَبَّ مَسُّ الْقُبُورِ أَوْلَى.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَمَسَّ الْجِدَارَ، وَلَا أَنْ يُقَبِّلَهُ فَإِنَّ الْمَسَّ وَالتَّقْبِيلَ لِلْمَشَاهِدِ عَادَةُ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَسَّحُ بِالْقَبْرِ وَلَا يُقَبِّلُهُ، بَلِ اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ إِلاَّ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِلَامُ الْقَبْرِ بِالْيَدِ، وَاسْتَثْنَى الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْجَمَلُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَا إِذَا قُصِدَ بِهِ التَّبَرُّكُ حَيْثُ قَالَ: إِنَّهُ لَا يُكْرَهُ حِينَئِذٍ.
قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: يُكْرَهُ تَقْبِيلُ التَّابُوتِ الَّذِي يُجْعَلُ عَلَى الْقَبْرِ كَمَا يُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْقَبْرِ وَاسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُ الْأَعْتَابِ عِنْدَ الدُّخُولِ لِزِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنَ الْبِدَعِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا النَّاسُ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ الْجَمَلُ: يُكْرَهُ تَقْبِيلُ التَّابُوتِ الَّذِي يُحْمَلُ فَوْقَ الْقَبْرِ كَمَا يُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْقَبْرِ وَاسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُ الْأَعْتَابِ عِنْدَ الدُّخُولِ لِزِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ، نَعَمْ إِنْ قُصِدَ بِتَقْبِيلِ أَضْرِحَتِهِمُ التَّبَرُّكُ لَمْ يُكْرَهْ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رحمه الله- (.
قَالَ الْمَرْدَاوَيُّ: وَعَنْ أَحْمَدَ يُكْرَهُ لَمْسُ الْقَبْرِ بِالْيَدِ.قَالَ أَحْمَدُ: أَهْلُ الْعِلْمِ كَانُوا لَا يَمَسُّونَهُ.وَقَالَ الْأَثْرَمُ: رَأَيْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَمَسُّونَ قَبْرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم-، يَقُومُونَ مِنْ نَاحِيَةٍ فَيُسَلِّمُونَ.قَالَ أَحْمَدُ: وَهَكَذَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْقَبْرِ لَا بَأْسَ بِهِ.
جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ نَقْلًا عَنْ بُرْهَانٍ التُّرْجُمَانِيِّ: لَا نَعْرِفُ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْمَقَابِرِ سُنَّةً وَلَا مُسْتَحْسَنًا وَلَا نَرَى بِهِ بَأْسًا.
وَقَالَ عَيْنُ الْأَئِمَّةِ الْكَرَابِيسِيُّ: هَكَذَا وَجَدْنَاهُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنَ السَّلَفِ.
وَفِي غَايَةِ الْمُنْتَهَى: لَا بَأْسَ بِلَمْسِ قَبْرٍ بِيَدٍ لَا سِيَّمَا مَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ، وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: لَا بَأْسَ بِلَمْسِهِ، أَيِ الْقَبْرِ بِالْيَدِ، وَفِي الْإِنْصَافِ: يَجُوزُ لَمْسُ الْقَبْرِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ.
وَيَرَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَمْسُ الْقَبْرِ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي تَمَامِهِ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: هِيَ أَصَحُّ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (زِيَارَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- ف 6)
هـ- وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ:
22- يُنْدَبُ كَظْمُ التَّثَاؤُبِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: تَثَاؤُب ف 2- 3)
و- وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ عِنْدَ الْعُطَاسِ:
23- السُّنَّةُ عِنْدَ الْعُطَاسِ وَضْعُ الْيَدِ أَوِ الثَّوْبِ عَلَى الْفَمِ وَخَفْضُ الصَّوْتِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه- قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- إِذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ- أَوْ ثَوْبَهُ- عَلَى فِيهِ، وَخَفَضَ- أَوْ غَضَّ- بِهَا صَوْتَهُ».
(ر: تَشْمِيت ف4).
ز- وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْمَرِيضِ عِنْدَ الدُّعَاءِ لَهُ:
24- نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَا يَكْرَهُ وَضْعَ الْيَدِ عَلَيْهِ، نُدِبَ وَضْعُهَا عِنْدَ الدُّعَاءِ لَهُ، وَمِنْ أَحْسَنِ الدُّعَاءِ «أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ وَيُعَافِيَكَ، سَبْعًا» لِلْوَارِدِ بِذَلِكَ.
(ر: عِيَادَة ف 7).
ح- كَيْفِيَّةُ وَضْعِ يَدَيِ الْمَيِّتِ:
25- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ تُوضَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْيُسْرَى فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، وَلَا يَجُوزُ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى صَدْرِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «اجْعَلُوا أَمْوَاتَكُمْ بِخِلَافِ الْكَافِرِينَ، فَإِنَّهُمْ يَضَعُونَ يَدَ الْمَيِّتِ عَلَى صَدْرِهِ» وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ جَعْلَ يَدَيِ الْمَيِّتِ عَلَى صَدْرِهِ؛ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، أَوْ إِرْسَالَهُمَا فِي جَنْبَيِ الْمَيِّتِ.قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: فَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ حَسَنٌ مُحَصِّلٌ لِلْفَرْضِ.
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
17-موسوعة الفقه الكويتية (وضيعة)
وَضِيعَةٌالتَّعْرِيفُ:
1- مِنْ مَعَانِي الْوَضِيعَةِ فِي اللُّغَةِ: الْخَسَارَةُ وَمَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنَ الْخَرَاجِ وَالْعُشُورِ، وَالْحَطِيطَةُ، وَمِنْهُ: وَضَعْتُ عَنْهُ وَفِيهِ: أَسْقَطْتُهُ، وَوَضَعَ الشَّيْءَ بَيْنَ يَدَيْهِ: تَرَكَهُ هُنَاكَ، وَوَضَعَ فِي تِجَارَتِهِ ضِعَةً وَوَضِيعَةً: خَسِرَ.
وَالْوَضِيعَةُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: هِيَ بَيْعٌ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ نُقْصَانِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ.وَتُسَمَّى مُوَاضَعَةً، وَمُخَاسَرَةً، وَمُحَاطَّةً، وَحَطِيطَةً، وَهِيَ أَشْهَرُ مَعَانِيهَا الِاصْطِلَاحِيَّةِ.
وَيُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ الْوَضِيعَةَ أَيْضًا عَلَى الْخَسَارَةِ وَالْحَطِّ مِنَ الدَّيْنِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْمُرَابَحَةُ:
2- الْمُرَابَحَةُ فِي اللُّغَةِ: إِعْطَاءُ الرِّبْحِ، يُقَالُ: بِعْتُهُ الْمَتَاعَ وَاشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ مُرَابَحَةً إِذَا سَمَّيْتَ بِكُلِّ قَدْرٍ مِنَ الثَّمَنِ رِبْحًا.
وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: هِيَ الْبَيْعُ الَّذِي يُحَدَّدُ فِيهِ الثَّمَنُ بِزِيَادَةٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُرَابَحَةِ وَالْوَضِيعَةِ التَّضَادُّ.
ب- التَّوْلِيَةُ:
3- التَّوْلِيَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ مَصْدَرُ وَلَّى، يُقَالُ: وَلَّيْتُهُ الْأَمْرَ تَوْلِيَةً جَعَلْتُهُ وَالِيًا، وَمِنْهُ بَيْعُ التَّوْلِيَةِ.
وَالتَّوْلِيَةُ فِي الْبَيْعِ اصْطِلَاحًا: هِيَ نَقْلُ جَمِيعِ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُوَلَّى بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَا غَيْرَ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ التَّوْلِيَةِ وَالْوَضِيعَةِ بِمَعْنَاهَا الْأَشْهَرِ أَنَّهُمَا مَعًا مِنْ بُيُوعِ الْأَمَانَةِ.
ج- الْإِشْرَاكُ:
4- الْإِشْرَاكُ لُغَةً مَصْدَرُ أَشْرَكَ، وَهِيَ اتِّخَاذُ الشَّرِيكِ.
وَالْإِشْرَاكُ فِي الْبَيْعِ اصْطِلَاحًا: هُوَ تَوْلِيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِبَعْضِ الثَّمَنِ، أَوْ هُوَ نَقْلُ بَعْضِ الْمَبِيعِ إِلَى الْغَيْرِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، أَيْ بِمِثْلِ ثَمَنِ الْبَعْضِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ كُلِّهِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْإِشْرَاكِ وَالْوَضِيعَةِ بِمَعْنَاهَا الْأَشْهَرِ أَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ بُيُوعِ الْأَمَانَةِ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَضِيعَةِ:
تَخْتَلِفُ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَضِيعَةِ بِاخْتِلَافِ تَعْرِيفَاتِهَا الِاصْطِلَاحِيَّةِ.
أ- بَيْعُ الْوَضِيعَةِ:
5- الْمَعْنَى الْأَشْهَرُ لِلْوَضِيعَةِ أَنَّهَا بَيْعُ أَمَانَةٍ بِنُقْصَانٍ مَعْلُومٍ مِنَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ شَرْعًا لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنَ الْبَيْعِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}.هَذَا إِذَا اسْتَوْفَتْ جَمِيعَ شُرُوطِهَا، وَإِلاَّ لَمْ تَجُزْ لِنُقْصَانِ الشُّرُوطِ، مِثْلَ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْبُيُوعِ الْأُخْرَى.
وَشُرُوطُ صِحَّةِ الْوَضِيعَةِ هِيَ شُرُوطُ صِحَّةِ الْمُرَابَحَةِ، وَكَذَلِكَ آثَارُهَا بِعَامَّةٍ.وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (مُرَابَحَة ف7 وَمَا بَعْدَهَا).
ب- الْوَضِيعَةُ بِمَعْنَى الْخَسَارَةِ:
6- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْخَسَارَةَ فِي الشَّرِكَاتِ عَامَّةً تَكُونُ عَلَى الشُّرَكَاءِ جَمِيعًا، بِحَسَبِ رَأْسِ مَالِ كُلٍّ فِيهَا، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ غَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَضِيعَةِ بِخِلَافِ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ بَاطِلٌ.
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ فِي الْمُضَارَبَةِ لَا يَتَحَمَّلُ شَيْئًا مِنَ الْخَسَارَةِ، وَتَكُونُ الْخَسَارَةُ كُلُّهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الرِّبْحِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِحَسَبِ الشَّرْطِ.
إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ رَبِحَ ثُمَّ خَسِرَ، أُخِذَتِ الْخَسَارَةُ مِنَ الرِّبْحِ مَا دَامَتِ الْمُضَارَبَةُ مُسْتَمِرَّةً، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْمُضَارِبِ يَرْبَحُ وَيَضَعُ مِرَارًا: يَرُدُّ الْوَضِيعَةَ عَلَى الرِّبْحِ إِلاَّ أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ صَاحِبُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إِلَيْهِ فَيَقُولُ اعْمَلْ بِهِ ثَانِيَةً، فَمَا رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُجْبَرُ بِهِ وَضِيعَةُ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ مَضَارَبَةٌ ثَانِيَةٌ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (مُضَارَبَة ف29).
ج- الْوَضِيعَةُ بِمَعْنَى الْحَطِّ مِنَ الدَّيْنِ:
7- قَالَ فِي كِفَايَةِ الطَّالِبِ: وَلَا تَجُوزُ الْوَضِيعَةُ مِنَ الدَّيْنِ عَلَى تَعْجِيلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ «ضَعْ وَتَعَجَّلْ»، وَعَلَى ذَلِكَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الرِّبَا.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِبْرَاء ف51).
I
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
18-الأفعال المتداولة (أَجْهَضَ)
أَجْهَضَتْهُ: أَجْهَضَتِ الحاملُ جنينها. (أسقطته)الأفعال المتداولة-محمد الحيدري-صدر: 1423هـ/2002م
19-الأفعال المتداولة (حَذَفَ يَحْذِفُ حَذْفًا [منه])
حَذَفَهُ يَحْذِفُ حَذْفًا [منه]: حَذَفْتُ اسمَكَ من قائمة المسافرين. (أسقطته، محوته، أبعدته)الأفعال المتداولة-محمد الحيدري-صدر: 1423هـ/2002م
20-الأفعال المتداولة (أَعْفَى [منه])
أَعْفَاهُ [منه]: أَعْفَتْ إِدارةُ المدرسةِ الأذكياءَ من الامتحان. (أَسْقَطَتْهُ عَنْهُمْ)الأفعال المتداولة-محمد الحيدري-صدر: 1423هـ/2002م
21-تاج العروس (سقط)
[سقط]: سَقَطَ الشَّيْءُ من يَدِي سُقُوطًا، بالضَّمِّ، ومَسْقَطًا، بالفَتْح: وَقَعَ، وكُلُّ مَنْ وَقَع في مَهْوَاةٍ يُقَال: وَقَعَ وسَقَطَ. وفي البَصَائِر: السُّقُوط: إِخْرَاجُ الشَّيْءِ إِمّا من مَكَانٍ عالٍ إِلى مُنْخَفِضٍ، كالسُّقوطِ من السَّطْح. وسُقُوطِ مُنْتَصِبِ القَامَةِ، كاسّاقَطَ، ومِنْهُ قولُه تَعَالى: تُساقِطْ {عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}، وَقَرَأَ حَمّاد ونُصَيْرٌ وَيَعْقُوبُ وسَهْلٌ «يَسَّاقَط» باليَاءِ التَّحْتِيَّةِ المَفْتُوحَةِ، كما في العُبَابِ. قلتُ: فمَنْ قرأَ بالياءِ فهو الجِذْعُ، ومن قَرَأَ بالتّاءِ فهي النَّخْلَة، وانْتِصَابُ قوله: {رُطَبًا جَنِيًّا} على التَّمْيِيز المُحَوَّلِ، أَراد يَسّاقَط رُطَبُ الجِذْع، فلمّا حُوِّل الفِعْلُ إِلى الجِذْع خَرَجَ الرُّطَبُ مُفَسِّرًا، قال الأَزْهَرِيُّ: هذا قَوْلُ الفَرّاءِ. فهو سَاقِطٌ وسَقُوطٌ، كصَبُورٍ، المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ فيه سوَاءٌ، قال:مِنْ كُلِّ بَلْهَاءَ سَقُوطِ البُرْقُعِ *** بَيْضَاءَ لم تُحْفَظْ ولم تُضَيَّعِ
يعني أَنَّهَا لم تُحْفَظْ من الرِّيبَة ولم يُضَيِّعْهَا وَالِدَاهَا.
والمَوْضِعُ: مَسْقِطٌ كمَقْعَدٍ ومَنْزِلٍ الأُولَى نادِرَةٌ نَقَلَهَا الأَصْمَعِيُّ، يُقَال: هذا مَسْقَط الشَّيْءِ ومَسْقِطُهُ؛ أَي مَوضِعُ سُقُوطِه.
وقال الخَلِيلُ: يُقَال: سَقَطَ الوَلَدُ من بَطْنِ أُمِّهِ؛ أَي خَرَجَ، ولا يُقَال: وَقَعَ، حِينَ تَلِدُه، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيُّ. وفي الأَساسِ: ويُقَال: سَقَطَ المَيِّتُ من بَطْنِ أُمِّه، ووَقَعَ الحَيُّ.
ومن المَجَازِ: سَقَطَ الحَرُّ يَسْقُطُ سُقُوطًا؛ أَي وَقَعَ، وأَقْبَلَ ونَزَلَ.
ويُقَال: سَقَطَ عَنَّا الحَرُّ، إِذا أَقْلَعَ، عن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ، كأَنَّه ضِدٌّ.
ومن المَجَازِ: سَقَطَ في كَلامِه وبِكَلامِه سُقُوطًا، إِذا أَخْطَأَ، وكذلِكَ أَسْقَطَ في كَلامِه.
ومن المَجَازِ: سَقَطَ القومُ إِليَّ سُقُوطًا: نَزَلُوا عَلَيَّ، وأَقْبَلُوا، ومنه الحَدِيثُ: «فَأَمَّا أَبو سَمّالٍ فسَقَطَ إِلى جِيرَانٍ له» أَي أَتَاهُمْ «فأَعَاذُوهُ وسَتَرُوهُ».
ومِنَ المَجَازِ: هذا الفِعْلُ مَسْقَطَةٌ له من أَعْيُنِ النّاسِ، وهو أَنْ يَأْتِيَ بما لا يَنْبَغِي. نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، والزَّمَخْشَرِيُّ، وصاحِبُ اللِّسَانِ.
ومَسْقِطُ الرَّأْسِ: المَوْلِدُ، رَوَاه الأَصْمَعِيُّ بفتح القافِ، وغيرُه بالكَسْر، ويُقَال: البَصْرَةُ مَسْقَطُ رَأْسِي، وهو يَحِنُّ إِلى مَسْقَطِهِ، يعني حَيْثُ وُلِدَ، وهو مَجَازٌ، كما في الأَسَاسِ.
وتَسَاقَطَ الشَّيْءُ: تَتَابع سُقُوطُهُ.
وسَاقَطَهُ مُسَاقَطَةً، وسِقَاطًا: أَسْقَطَه، وتَابَعَ إِسْقَاطَهُ، قال ضابِئُ بنُ الحارِثِ البُرْجُمِيُّ يَصِفُ ثَوْرًا والكلابَ:
يُسَاقِطُ عنه رَوْقُهُ ضَارِيَاتِهَا *** سِقَاطَ حَدِيدِ القَيْنِ أَخْوَلَ أَخْوَلَا
قوله: أَخْوَلَ أَخْوَلَا؛ أَي مُتَفَرِّقًا، يعني شَرَرَ النَّارِ.
والسُّقْطُ، مُثَلَّثَةً: الوَلَدُ يَسْقُطُ من بَطْنِ أُمِّه لِغَيْرِ تَمَامٍ، والكَسْرُ أَكثرُ، والذَّكَرُ والأُنْثَى سَواءٌ ومِنهُ الحَدِيثُ: «لأَنْ أُقَدِّمَ سِقْطًا أَحَبُّ إِليَّ من مِائَةِ مَسْتَلْئِمٍ» المُسْتَلْئِم: لابِسُ عُدَّةِ الحَرْبِ، يَعني أَنَّ ثَوَابَ السِّقْطِ أَكْثَرُ من ثَوابِ كِبَار الأَوْلادِ.
وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «يُحْشَرُ ما بَيْنَ السِّقْطِ إِلى الشَّيْخِ الفانِي مُرْدًا جُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَولِي أَفَانِينَ». وهي الخُصَل من الشَّعرِ؛ وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «يَظَلُّ السِّقْطُ مُحْبَنْطِئًا على باب الجَنَّة» ويُجْمَع السِّقْطُ على الأَسْقاطِ، قال ابْنُ الرُّومِيّ يَهْجُو وَهْبًا عند ما ضَرَط:
يا وَهْبُ إِنْ تَكُ قد وَلَدْت صَبِيَّةً *** فبحَمْلِهم سَفرًا عليكَ سِبَاطَا
مَنْ كانَ لا يَنْفَكُّ يُنْكَح دَهْرَهُ *** وَلَدَ البَنَاتِ وأَسْقَطَ الأَسْقاطَا
وقد أَسْقَطَتْهُ أُمُّه إِسْقَاطًا، وهي مُسْقِطٌ، ومُعْتَادَتُه: مِسْقَاطٌ، وهذا قد نَقَلَه الزَّمَخْشَرِيُّ في الأَسَاس. وعِبَارَةُ الصّحاحِ والعُبَابِ: وأَسْقَطَت النّاقَةُ وغَيْرُها، إِذا أَلْقَتْ وَلَدَهَا، والَّذِي في أَمَالِي القَالِي، أَنَّه خاصٌّ بِبَنِي آدَمَ، كالإِجْهَاضِ للنّاقَةِ، وإِليه مال المُصَنِّف. وفي البَصَائر: في أَسْقَطَت المَرْأَةُ، اعْتُبِرَ الأَمْرَانِ: السُّقُوطُ من عالٍ، والرَّدَاءَةُ جميعًا، فإِنَّهُ لا يُقَال أَسْقَطت المرأَةُ إِلاّ في الّذِي تُلْقِيه قَبْلَ التَّمَامِ، ومنه قِيلَ لذلِكَ الوَلَدِ: سِقْطٌ.
قال شَيْخُنَا: ثُمَّ ظَاهِرُ المُصَنِّف أَنَّهُ يُقَال: أَسْقَطَت الوَلَدَ، لأَنَّهُ جاءَ مُسْنَدًا للضَّمِيرِ في قَوْلِهِ: أَسْقَطَتْهُ، وفي المِصْباحِ، عن بَعْضِهِم: أَماتَت العرَبُ ذِكَرْ المفعولِ فلا يَكَادُونَ يقولون: أَسْقَطَت سِقْطًا، ولا يُقَال: أُسْقِطَ الوَلَدُ، بالبِنَاءِ للمَفْعُولِ، قلتُ: ولكن جاءَ ذلِكَ في قَوْلِ بَعْضِ العَرَب:
وأُسْقِطَت الأَجِنَّةُ في الوَلَايَا *** وأُجْهِضَتِ الحَوَامِلُ والسِّقَابُ
والسَّقْطُ: ما سَقَطَ بينَ الزَّنْدَيْنَ قَبْلَ اسْتِحْكَام الوَرْيِ، وهو مَثَلٌ بذلِك، كما في المُحْكَمِ ويُثَلَّثُ، كما في الصّحاحِ، وهو مُشَبَّه بالسّقْطِ للوَلَدِ الَّذِي يَسْقُطُ قبلَ التَّمَامِ، كما يَظْهَرُ من كَلامِ المُصَنِّفِ، وصَرّحَ به في البَصَائِرِ. وفي الصّحاحِ: سَقْطُ النّارِ: مَا يَسْقُطُ مِنْهَا عندَ القَدْح، ومِثْلُه في العُبَابِ، قالَ الفَرّاءُ: يُذَكَّرُ ويُؤَنَّث قال، ذُو الرُّمَّة:
وسِقْطٍ كعَيْنِ الدِّيك عَاوَدْتُ صاحِبِي *** أَباهَا، وهَيَّأْنَا لِمَوْقِعها وَكْرَا
والسَّقْطُ: حيثُ انْقَطَعَ مُعظَمُ الرِّمْلِ ورَقَّ، ويُثَلَّثُ أَيْضًا، كما صَرَّح به الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيُّ وقد أُغْفِل عن ذلِكَ فيه وفي الّذِي تَقَدَّم، ثم إِنَّ عِبَارَةَ الصّحاحِ أَخْصَرُ من عِبارَتهِ، حيثُ قال: وسِقْط الرَّمْلِ: مُنْقَطَعُه، وأَمَّا قولُه «رَقَّ» فهُوَ مَفْهُومٌ من قوله: «مُنْقَطَعُه» لأَنَّه لا يَنْقَطِعُ حَتَّى يَرِقَّ، كمَسْقَطِهِ، كمَقْعَدٍ، على القِيَاسِ، ويُرْوَى: كمَنْزِلٍ، على الشٌّذوذِ، كما في اللِّسَانِ، وأَغْفَلَه المُصَنِّفُ قُصُورًا.
وقِيل: مَسْقَطُ الرَّمْلِ حيثُ يَنْتَهِي إِليه طَرَفُه، وهو قَرِيبٌ من القَوْلِ الأَوَّلِ، وقال امْرُؤُ القَيْسِ:
قِفَا نَبْكِ من ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ *** بسِقْطِ اللِّوَى بين الدَّخُولِ فحَوْمَلِ
والسَّقْط، بالفَتْحِ: الثَّلْجُ، وأَيضًا: مَا يَسْقُطُ من النَّدَى، كالسَّقِيطِ، فيهما، كما سَيَأْتِي للمُصَنِّفِ قَرِيبًا، ومن الأَوَّلِ قولُ هُدْبَةَ بنِ خَشْرَمٍ:
ووَادٍ كجَوْفِ العَيْرِ قَفْرٍ قَطَعْتُه *** تَرَى السَّقْطَ في أَعْلامِه كالكَرَاسِفِ
والسَّقْطُ: من لا يُعَدُّ في خِيَارِ الفِتْيَانِ، وهو الدّنِيءُ الرَّذْلُ كالسّاقِطِ وقِيل: السّاقِطُ اللَّئيمُ في حَسَبِهِ ونَفْسِه.
ويُقَالُ للرجُلِ الدَّنِيءِ: ساقِطٌ مَاقِطٌ، كما في اللِّسَانِ، والَّذِي في العُبَابِ: وتَقُول العَرَبُ: فُلانٌ ساقِطُ ابنُ ماقِطِ ابنِ لاقِطٍ، تَتَسابُّ بها. فالسّاقِطُ: عَبْدُ المَاقِطِ، والمَاقِطُ: عَبْدُ اللاَّقِط، والَّلاقِطُ: عَبْدٌ مُعْتَقٌ.
ومِنَ المَجَازِ: قَعَدَ في سِقْطِ الخِبَاءِ، وهو بالكَسْرِ:
ناحِيَةُ الخِبَاءِ كما في الصّحاح، ورَفْرَفُهُ، كما في الأَساسِ، قال: اسْتُعِيرَ من سِقْطِ الرَّمْلِ، وللخِبَاءِ سِقْطَانِ.
ومِنَ المَجَازِ: السِّقْطُ: جَنَاحُ الطّائرِ، كسِقَاطِه، بالكَسْرِ، ومَسْقَطِهِ، كمَقْعَدِه، ومنه قَوْلُهم: خَفَقَ الظَّليمُ بسِقْطَيْه. وقيل: سِقْطَا جَنَاحَيْه: ما يَجُرُّ منهُمَا على الأَرْضِ، يُقَال: رَفَعَ الظَّلِيمُ سِقْطَيْهِ ومَضَى.
ومنَ المَجَازِ: السِّقْطُ: طَرَفُ السَّحَابِ حَيْثُ يُرَى كأَنَّه سَاقِطٌ على الأَرْضِ في نَاحِيَةِ الأُفُقِ، كما في الصّحَاح، ومنه أُخِذَ سِقْطُ الخِبَاءِ.
والسَّقَطُ، بالتَّحْرِيكِ: ما أُسْقِطَ من الشَّيْءِ وتُهُووِنَ به، وسَقَطُ الطَّعَامِ: ما لا خَيْرَ فِيهِ منه، ج: أَسْقَاطٌ. وهو مَجَازٌ.
والسَّقَطُ: الفَضِيحَةُ، وهو مَجَازٌ أَيْضًا.
وفي الصّحاحِ: السَّقَطُ: رَدِيءُ المَتَاعِ، وقال ابنُ سِيدَه: سَقَطُ البَيْتِ خُرْثِيُّه؛ لأَنَّه سَاقِطٌ عن رَفِيعِ المَتَاعِ، والجَمْع: أَسْقَاطٌ، وهو مَجَازٌ. وقال اللَّيْثُ: جمعُ سَقَطِ البَيْتِ: أَسْقَاطٌ؛ نحو الإِبْرَةِ والفَأْسِ والقِدْرِ ونَحْوِهَا. وقيل: السَّقَطُ: ما تُنُووِلَ بَيْعُه من تَابِلٍ ونَحْوِه، وفي الأَسَاسِ: نَحْو سُكَّرٍ وزَبِيبٍ. وما أَحْسَنَ قولَ الشّاعِر:
وما لِلْمَرْءِ خَيْرٌ في حَيَاةٍ *** إِذا ما عُدَّ من سَقَطِ المَتَاعِ
وبائعُه: السَّقَّاطُ، ككَتَّانٍ، والسَّقَطِيُّ، مُحَرَّكةً، وأَنْكَرَ بَعْضُهم تَسْمِيَتَه سَقّاطًا، وقال: ولا يُقَالُ سَقّاط، ولكن يُقَال: صَاحِبُ سَقَطٍ. قلتُ: والصَّحِيحُ ثُبُوتُه، فقد جاءَ في حَدِيثِ ابْنِ عُمَر أَنَّه «كان لا يَمُرُّ بسَقَّاطٍ ولا صَاحِبِ بِيعَةٍ إِلاّ سَلَّمَ عَلَيْه» والبِيعَةُ من البَيْع، كالجِلْسَةِ من الجُلوس، كما فِي الصّحاحِ والعُبَابِ.
ومِن الأَخِير: سَرِيُّ بنُ المُغَلّس السَّقَطِيُّ يُكْنَى أَبا الحَسَنِ، أَخَذَ عن أَبِي مَحْفُوظٍ مَعْرُوفِ بنِ فَيْرُوز الكَرْخِيِّ، وعنه الجُنَيْدُ وغيرُه، تُوُفّيَ سنة 251 ومن الأَوّلِ شيخُنَا المُعَمَّر المُسِنُّ، عليُّ بنُ العَرَبِيّ بن مُحَمّدٍ السَّقّاطُ الفَاسِيُّ، نزيلُ مصرَ، أَخَذَ عن أَبيهِ وغَيْره، تُوُفِّي بمصر سنة 1183.
ومن المَجَاز: السَّقَطُ: الخَطَأُ في الحِسَابِ والقَوْلِ، وكذلِكَ السَّقطُ في الكِتَابِ. وفي الصّحاح: السَّقَطُ: الخَطَأُ في الكِتَابَةِ والحِسَابِ، يقال: أَسْقَطَ في كَلَامِه، وتَكَلَّم بكلامٍ فما سَقَطَ بحَرْفٍ، وما أَسْقَطَ حَرْفًا، عن يَعْقُوبَ، قال: وهو كما تَقُول: دَخَلْتُ به وأَدْخَلْتُه، وخَرَجْتُ به، وأَخْرَجْتُه، وعَلَوْتُ به وأَعْلَيْتُه. انْتَهَى، وزاد في اللِّسَان: وسُؤْتُ به ظَنًّا وأَسَأْتُ به الظَّنَّ، يُثْبِتُونَ الأَلِفَ إِذا جاءَ بالأَلِف والّلام. كالسِّقَاطِ، بالكسْر، نَقَلَه صاحِبُ اللِّسَانِ.
والسُّقَاطَةُ، والسُّقَاطُ، بضَمِّهما: ما سَقَطَ من الشَّيْءِ وتُهُووِنَ به من رذالَةِ الطَّعَامِ والثِّيابِ ونحوها، يقَال أَعْطَانِي سُقَاطَةَ المَتَاعِ، وهو مَجَازٌ. وقال ابنُ دُرَيْدٍ: سُقَاطَةُ كُلِّ شيْءٍ: رُذَالَتُه. وقِيل: السُّقَاطُ جَمْعُ سُقَاطَةٍ.
ومن المجاز: سُقِطَ في يَدِهِ وأَسْقِطَ في يَدِه، مَضْمُومَتَيْن؛ أَي زَلَّ وأَخْطَأَ. وقِيلَ: نَدِمَ، كما في الصّحاح، زاد في العُبَاب: وتَحَيَّرَ، قال الزَّجّاجُ: يُقَال للنّادِم على ما فَعَل الحَسِرِ على ما فَرَط منه: قد سُقِطَ في يَدِه، وأُسْقِط. وقال أَبُو عَمْرٍو: لا يُقَال: أُسْقِط، بالأَلف، على ما لم يُسَمَّ فاعِلُه. وأَحْمَدُ بن يَحْيَى مثلُه، وجَوَّزَه الأَخْفَشُ، كما في الصّحاحِ، وفي التَّنْزِيلِ العَزِيز: {وَلَمّا} سُقِطَ {فِي أَيْدِيهِمْ}. قال الفَارِسِيُّ: ضَرَبُوا أَكُفَّهُم على أَكُفِّهم من النَّدَمِ، فإِن صَحَّ ذلِك فهو إِذَنْ من السُّقُوط، وقال الفَرَّاءُ: يُقَال: سُقِطَ في يَدِه، وأُسْقِطَ، من النَّدَامَة، وسُقِطَ أَكثَرُ وأَجْوَدُ. وفي العُبَاب: هذا نَظْمٌ لم يُسْمَعْ قبلَ القُرْآنِ ولا عَرَفَتْهُ العَرَبُ، والأَصْلُ فيه نُزُولُ الشَّيْءِ من أَعْلَى إِلى أَسْفلَ ووُقُوعُه على الأَرْضِ، ثمّ اتُّسِعَ فيه، فقِيلَ للخَطَإِ من الكَلامِ: سَقَطٌ؛ لأَنَّهُم شَبَّهُوه بما لا يُحْتَاجُ إِليه فيُسْقَطُ، وذَكَرَ اليَدَ لأَنَّ النَّدَمَ يَحْدُثُ في القَلْبِ وأَثَرُه يَظْهَرُ في اليَدِ، كقَوْلِه تَعَالَى: {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها} ولأَنَّ اليَدَ هيَ الجَارِحَةُ العُظْمَى فرُبَّمَا يُسْنَدُ إِليها ما لَمْ تُبَاشِرْه، كقَوْلهِ تعَالَى: {ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ}.
والسَّقِيطُ: الناقِصُ العَقْلِ، عن الزَّجَاجِيِّ، كالسَّقِيطَةِ، هكذا في سائِرِ أُصُولِ القَامُوسِ، وهُوَ غَلَطٌ، والصَّوابُ كالسّاقِطَةِ، كما في اللِّسَانِ وأَمَّا السَّقِيطَةُ فأُنْثَى السَّقِيطِ، كما هو نَصُّ الزَّجّاجِيِّ في أَمالِيه.
وسَقِيطُ السَّحَابِ: البَرَدُ.
والسَّقِيطُ: الجَلِيدُ، طائِيَةٌ، وكلاهُمَا من السُّقوط.
والسَّقِيطُ: ما سَقَطَ من النَّدَى على الأَرْضِ، قال الرّاجِزُ:
ولَيْلَةٍ يا مَيَّ ذاتِ طَلِّ *** ذاتِ سَقِيطٍ ونَدًى مُخْضَلِّ
طَعْمُ السُّرَى فيها كطَعْمِ الخَلِّ
كما في الصّحاحِ. ولكنَّه اسْتَشْهَدَ به على الجَلِيدِ والثَّلْجِ، وقال أَبو بَكْرِ بنُ اللَّبَانَة:
بَكَتْ عند تَوْدِيعِي فما عَلِمَ الرَّكْبُ *** أَذاكَ سَقِيطُ الظِّلِّ أَمْ لُؤْلُؤٌ رَطْبُ
وقال آخر:
واسْقُطْ عَلَيْنَا كسُقُوطِ النَّدَى *** لَيْلَةَ لا نَاهٍ ولا زاجِرُ
ويُقَال: ما أَسْقط كلمةً وما أَسْقَطَ حَرْفًا، وما أَسْقَطَ فِيها؛ أَي في الكَلِمَةِ؛ أَي ما أَخْطَأَ فِيهَا، وكذلِكَ مَا سَقَط به، وهو مَجَازٌ، وقد تَقَدَّم هذا قريبًا.
وأَسْقَطَه، هكذا في أُصولِ القامُوسِ، وهو غَلَطٌ، والصّوابُ: اسْتَسْقَطَهُ، وذلِك إِذا طَلَب سَقَطَه وعالَجَه على أَن يَسْقُطَ فيُخْطِئَ أَو يَكْذِبَ أَو يَبُوحَ بما عِنْدَه، وهو مَجازٌ، كتَسَقَّطَهُ، وسَيَأْتِي ذلِكَ للمُصَنِّفِ في آخِرِ المادّة.
والسَّوَاقِطُ: الَّذِين يَردُون اليَمَامَةَ لامْتِيَارِ التَّمْرِ، وهو مَجَازٌ، من سَقَطَ إِليه، إِذا أَقْبَلَ عليه.
والسِّقَاطُ ككِتَابٍ: ما يَحْمِلُونَه من التَّمْرِ، وهو مَجَازٌ أَيْضًا، كأَنَّه سُمِّيَ به لكَوْنِه يَسْقُطُ إِليه من الأَقْطارِ.
والسَّاقِطُ: المُتَأَخِّر عن الرِّجَالِ، وهو مَجازٌ.
وسَاقَطَ الشَيْءَ مُساقَطَةً وسِقَاطًا: أَسْقَطَهُ، كما في الصّحاحِ، أَو تَابَعَ إِسْقَاطَه، كما في اللِّسَانِ، وهذا بعَيْنِهِ قد تَقَدَّم في كَلامِ المُصَنِّف، وتَفْسِيرُ الجَوْهَرِيِّ وصاحبِ اللِّسَان وَاحِدٌ، وإِنَّمَا التَّعْبيرُ مختلِفٌ، بل صاحِبُ اللسان جَمَعَ بينَ المَعْنَيَيْنِ فقال: أَسْقَطَه، وتابَعَ إِسْقَاطَه، فهو تَكْرَارٌ محضٌ في كَلامِ المُصَنِّفِ، فتَأَمَّلْ.
ومن المَجَاز: ساقَطَ الفَرَسُ العَدْوَ سِقَاطًا: جاءَ مُسْتَرْخِيًا فيهِ، وفي المَشْيِ، وقِيلَ: السِّقَاطُ في الفَرَس أَن لا يَزَالَ مَنْكُوبًا. ويُقَالُ للفَرَسِ: إِنّه لسَاقِطُ الشَّدِّ، إِذا جاء منه شَيْءٌ بعدَ شيْءٍ، كما فِي الأَسَاسِ. وقال الشاعر:
بِذي مَيْعَةٍ كَأَنَّ أَدْنَى سِقَاطِه *** وتَقْرِيبِه الأَعْلَى ذَآلِيلُ ثَعْلَبِ
ومن المَجَاز: سَاقَطَ فُلانٌ فُلانًا الحديثَ، إِذا سَقَطَ من كُلٍّ على الآخَرِ. وسِقَاطُ الحَدِيثِ بأَنْ يَتَحَدَّثَ الوَاحِدُ ويُنْصِتَ له الآخَرُ، فإِذا سَكَتَ تَحَدَّثَ الساكِتُ، قال الفَرزدقُ:
إِذا هُنَّ ساقَطْنَ الحَدِيثَ كَأَنَّه *** جَنَى النَّحْلِ أَو أَبْكارُ كَرْمٍ تُقَطَّفُ
قلتُ: وأَصْلُ ذلِكَ قولُ ذِي الرُّمَّة:
ونِلْنَا سِقَاطًا من حَدِيثٍ كَأَنَّهُ *** جَنَى النَّحْلِ مَمْزُوجًا بمَاءِ الوَقَائعِ
ومنه أَخَذ الفرزدقُ وكَذلِكَ البُحْتِريُّ حَيْثُ يَقولُ:
ولَمَّا الْتَقَيْنَا والنَّقَا مَوْعِدٌ لَنَا *** تَعَجَّبَ رائِي الدُّرِّ مِنَّا ولَاقِطُهْ
فمِن لُؤْلُؤٍ تَجْلُوه عِنْدَ ابْتِسَامِها *** ومن لُؤْلُؤٍ عند الحَدِيثِ تُسَاقِطُهْ
وقيل: سِقَاطُ الحَدِيثِ هو: أَنْ يُحَدِّثَهم شَيْئًا بعد شَيْءٍ، كما في الأَساسِ. ومن أَحْسَنِ ما رَأَيْتُ في المُسَاقَطَةِ قولُ شَيْخِنا عبدِ الله بن سلام المُؤَذِّنِ يُخَاطِبُ به المَوْلَى عليَّ بنَ تاجِ الدِّينِ القلعيّ، رَحِمَهُما الله تَعَالَى وهو:
أُساقِطُ دُرًّا إِذْ تَمَسُّ أَنامِلِي *** يَرَاعِي وِعقْيَانًا يَرُوقُ وَمرْجانَا
أُحَلِّي بها تاجَ ابنَ تَاجٍ عَلِيَّنَا *** فلا زَالَ، مَوْلَانَا الأجَلَّ ومَرْجانَا
ورَوْضَا النَّدَى والجُودِ قالا لنا اطْلُبُوا *** جَمِيعَ الَّذِي يُرْجَى فكَفّاهُ مَرْجانَا
والسَّقاطُ، كشَدَّادِ وسَحَابٍ، وعَلَى الأَوّلِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيُّ وصاحِبُ اللِّسَانِ: السَّيْفُ يَسْقُطُ من وَرَاءِ الضَّرِيبَةِ ويَقْطَعُهَا حتّى يَجُوزَ إِلى الأَرضِ، وفي الصّحاح: يَقْطَعها، وأَنْشَدَ للمُتَنَخِّلِ:
يُتِرُّ العَظْمَ سَقّاطٌ سُرَاطِي
أَو يَقْطَعَ الضَّرِيبَةَ، ويَصِلَ إِلى ما بَعْدَها، وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: سَيفٌ سَقّاطٌ هو الَّذِي يَقُدُّ حتَّى يَصِلَ إِلى الأَرْضِ بعدَ أَنْ يَقْطَع، وفي شَرْح الدِّيوَانِ: أَيْ يَجُوزُ الضَّرِيبَةَ فيَسْقُطُ، وهو مجاز.
والسِّقَاطُ، ككِتَابٍ: ما سَقَطَ من النَّخْلِ ومن البُسْرِ، يَجُوزُ أَنْ يكونَ مُفْردًا، كما هو ظاهِرُ صَنِيعِه، أَو جَمْعًا لسَاقِطٍ.
ومن المَجَاز: السِّقَاطُ: العَثْرَةُ والزَّلَّةُ، كالسَّقْطَةِ، بالفَتْح، قال سُوَيْدُ بنُ أَبِي كاهِلٍ اليَشْكُرِيُّ:
كَيْفَ يَرْجُونَ سِقَاطِي بَعْدَمَا *** جَلَّلَ الرَّأْسَ مَشِيبٌ وصَلَعْ
وفي العُبَابِ: «لاحَ فِي الرَّأْسِ».
أَو هي جَمْعُ سَقْطَةٍ، يقال: فُلانٌ قليلُ السِّقَاط، كما يُقَال: قليل العِثَارِ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ ليَزِيدَ بنِ الجَهْمِ الهِلالِيِّ:
رَجَوْتِ سِقَاطِي واعْتِلالِي ونَبْوَتِي *** وَرَاءَكِ عَنِّي طالِقًا وارْحَلِي غَدَا
أَو هُمَا بمَعْنًى وَاحِد، فإِنْ كَانَ مُفْرَدًا فهو مَصْدَرُ سَاقَطَ الرَّجُلُ سِقَاطًا، إِذا لم يَلْحَقْ مَلْحَقَ الكِرَامِ.
ومَسْقَط، كمَقْعَدٍ: د، على ساحِلِ بَحْرِ عُمَانَ، ممّا يَلِي بَرَّ اليَمَنِ. يُقَال: هو مُعَرَّبُ مَشْكَت.
ومَسْقَط: رُسْتاقُ بسَاحِلِ بَحْر الخَزَرِ، كما في العُبَابِ. قلتُ: هي مَدِينَةٌ بالقُرْبِ من بابِ الأَبْواب، بَنَاهَا أَنُوشَرْوانَ بنُ قُبَاذَ بنِ فَيْرُوزَ المَلِكُ.
ومسْقَطُ الرَّمْلِ: وَادٍ بينَ البَصْرَةِ والنِّبَاجِ، وهو في طَرِيق البَصْرَة.
ومن المجَاز: تَسَقَّطَ الخَبَرَ وتَبَقَّطَه: أَخَذَهُ قَلِيلًا قَلِيلًا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، رَوَاه أَبُو تُرَابٍ عن أَبِي المِقْدَام السُلَمِيِّ.
ومن المَجَازِ: تَسَقَّطَ فُلَانًا: طَلَبَ سَقَطَه، كما في الصّحاحِ، زاد في اللِّسانِ وعَالَجَهُ على أَنْ يَسْقُطَ، وأَنَشَدَ الجوْهَريُّ لجَرِيرٍ:
ولقد تَسَقَّطَنِي الوُشاةُ فصَادَفُوا *** حَصِرًا بِسِرِّك يا أُمَيْمَ ضَنِينَا
وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:
السَّقْطَةُ بالفَتْحِ: الوَقْعَةُ الشَّدِيدَةُ.
وسَقَطَ على ضَالَّتِه: عَثَرَ على مَوْضِعها، ووَقَع عليها، كما يَقَعُ الطّائرُ على وَكْره، وهو مَجازٌ.
ومِنْ أَقْوَالِه صلى الله عليهوسلم للحارِثِ بنِ حَسّان حينَ سَأَلَه عن شَيْءٍ: «علَى الخَبِيرِ سَقَطْتَ» أَي على العارِفِ وَقَعْتَ، وهو مَثَلٌ سائرٌ للعَرَب.
وتَسَاقَطَ على الشَّيْءِ: أَلْقَى نَفْسَه عليه، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
وأَسْقَطَه هو، ويُقَال: تَسَاقَطَ على الرَّجُل يَقِيه نَفْسَه.
وهذا مَسْقِطُ السَّوْطِ: حيثُ يَقَع، ومَسَاقِطُ الغَيْثِ: مَوَاقِعُه. ويُقال: أَنا في مَسْقِطِ النَّجْمِ؛ أَي حَيْثُ سَقَط.
نقلَه الجَوْهريُّ.
ومَسْقِطُ كُلِّ شيْءٍ؛ مُنْقَطَعُه، وأَنْشَد الأَصْمَعِيُّ:
وَمَنْهَلٍ من الفَلَا في أَوْسَطِهْ *** مِنْ ذا وهذاكَ وذَا في مَسْقِطِه.
وسَقَطَ الرَّجُلُ: إِذا وَقَعَ اسْمُه من الدِّيوانِ. وقد أَسْقَطَ الفارِضُ اسْمَه، وهُو مَجاز.
والسَّقِيطُ: الثَّلْجُ، نَقَلَه الجَوْهَريّ، ويُقَال: أَصْبحَت الأَرْضُ مُبْيَضَّةً من السَّقِيطِ، وقيل: هو الجَلِيدُ الَّذِي ذَكَرَه المُصَنّفُ.
ومن أَمْثَالِهِمْ.
سَقَطَ العَشاءُ به عَلَى سِرْحَانِ
يُضْرَب للرَّجُلِ يَبْغِي البُغْيَةَ فيَقَع في أَمْرٍ يُهْلِكُه، وهو مَجَاز.
وأَسْقَاطُ الناسِ أَوْبَاشُهم، عن اللِّحْيَانيّ، وهو مَجاز.
ويُقَال: في الدَّارِ أَسْقَاطٌ [مِن النَّاسِ] وأَلْقَاطٌ. وقال النابِغَةُ الجَعْديّ.
إِذا الوَحْشُ ضَمَّ الوَحْشَ في ظُلُلَاتِهَا *** سَوَاقِطُ من حَرٍّ، وقد كان أَظْهَرَا
من سَقَطَ، إِذا نَزَل ولَزِمَ مَوْضِعَه، ويُقَال: سَقَطَ فلانٌ مَغْشِيًّا عليه.
وأَسْقَطُوا له بالكَلام، إِذا سَبُّوه بسَقَطِ الكَلَامِ ورديئِهِ، وهُوَ مَجَاز.
والسَّقْطَةُ: العَثْرَةُ والزَّلَّة، يُقَال: لا يَخْلُو أَحَدٌ من سَقْطَةٍ، وفلانٌ يَتَتَبَّع السَّقَطَاتِ ويَعُدُّ الفَرَطَات، والكامِلُ من عُدَّت سَقَطاتُه، وهو مَجَازٌ، وكذلِك السَّقَط بغَيْرِ هاءٍ، ومنه قولُ بعضِ الغُزاةِ في أَبْيَاتٍ كَتَبَهَا لسيِّدِنا عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْه:
يُعَقِّلُهُنَّ جَعْدَةُ من سُلَيْمٍ *** مُعِيدًا يَبْتَغِي سَقَطَ العَذَارَى
أَي: عَثرَاتِهَا وزَلاّتِهَا. والعَذَارَى: جمع عَذْراءَ. وقد تَقَدَّم ذِكرٌ لبَقِيَّةِ هذه الأَبْيَاتِ.
وساقَطَ الرَّجُلُ سِقَاطًا، إِذا لم يَلْحَقْ مَلْحَقَ الكِرَامِ، وهو مَجازٌ.
وسَقَطَ في يَدِه، مَبْنِيًّا للفاعلِ، مثل سُقِطَ بالضَّمِّ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن الأَخْفَشِ، قال: وبه قَرَأَ بعضُهُم ولَمَّا سَقَطَ في أَيدِيهم كما تَقُولُ لمَنْ يَحْصُلُ على شَيْءٍ، وإِن كان مِمّا لا يَكُونُ في اليَدِ: قد حَصَلَ في يَدِه مِنْ هذا مَكْرُوهٌ، فشُبِّه ما يَحْصُلُ في القَلْب وفي النَّفْس بما يَحْصُلُ في اليَدِ، ويُرَى في العَيْن، وهو مَجازٌ أَيْضًا. وقولُ الشّاعرِ أَنْشَدَه ابنُ الأَعْرَابِيِّ:
ويَوْمٌ تَسَاقَطُ لَذَّاتُه *** كنَجْمِ الثُرَيَّا وأَمْطَارِهَا
أَي تَأْتِي لَذّاتُه شَيْئًا بعدَ شَيْءٍ، أَرادَ أَنَّه كَثِيرُ اللَّذَاتِ.
والسّاقِطَةُ: اللَّئِيمُ في حَسَبِه ونَفْسِه، وقَوْمٌ سَقْطَى، بالفَتْحِ، وسُقّاطٌ، كرُمّانٍ، نقله الجَوْهَرِيُّ. ومنه قَوْلُ صَرِيعِ الدِّلاءِ:
قد دُفِعْنَا إِلى زَمانٍ خَسِيسٍ *** بينَ قَوْمٍ أَراذِلٍ سُقَّاطِ
وفي التَّهْذِيبِ: وجمعُه السَّوَاقِطُ، وأَنْشَدَ:
نَحْنُ الصَّمِيمُ وهُمُ السَّوَاقِطُ
ويُقَال للمَرْأَةِ الدَّنِيَّةِ الحمقاءِ: سَقِيطَةٌ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
وسَقَطُ النّاسِ: أَراذِلُهُم وأَدْوَانُهم، ومنه حَدِيثُ النّارِ: «ما لِي لا يَدْخُلُني إِلاّ ضُعفَاءُ النّاسِ وسَقَطُهم».
ويُقَال للفَرَس إِذا سَابَقَ الخَيْلَ: قد سَاقَطَهَا. وهو مَجازٌ، ومنه قَوْلُ الرّاجِزِ:
ساقَطَهَا بنَفَسٍ مُرِيحِ *** عَطْفَ المُعَلَّى صُكَّ بالمَنِيحِ
وهَذَّ تَقْرِيبًا مَعَ التَّجْلِيحِ
وقال العَجّاجُ يَصِفُ الثَّوْرَ:
كَأَنَّه سِبْطٌ من الأَسْبَاطِ *** بَيْنَ حَوَامِي هَيْدَبٍ سُقّاطِ
أَي نَوَاحِي شَجَرٍ مُلْتَفِّ الهَدَبِ، والسُّقّاطُ: جمع السّاقِطِ، وهو المُتَدَلِّي.
وسِقَاطَا اللَّيْلِ، بالكَسْرِ: نَاحِيَتَا ظَلامِه، وهو مَجَازٌ.
وكذلِك سِقْطَاه، وبه فُسِّرَ قولُ الرّاعِي، أَنْشَدَه الجَوْهَرِيُّ:
حَتَّى إِذا ما أَضَاءَ الصُّبْحُ وانْبَعَثَتْ *** عَنْهُ نَعَامَةُ ذِي سِقْطَيْنِ مُعْتَكِرِ
قال: فإِنَّه عَنَى بالنَّعامَةِ سَوَادَ اللَّيْلِ، وسِقْطَاه: أَوَّلُه وآخِرُه، وهو عَلَى الاسْتِعَارَةِ، يَقُولُ: إِنَّ اللَّيْلَ ذا السِّقْطَيْن مَضَى، وصَدَقَ الصُّبْحُ، وقال الأَزْهَرِيُّ: أَرادَ نَعَامَةَ لَيْلٍ ذِي سِقْطَيْنِ.
وفَرَسٌ رَيِّثُ السِّقَاطِ، إِذا كان بَطِيءَ العَدْوِ، قال العَجّاجُ يَصِفُ فرسًا:
جافِي الأَيادِيمِ بلَا اخْتِلاطِ *** وبالدِّهَاسِ رَيِّث السِّقاطِ
والسَّواقِط: صِغَارُ الجِبَالِ المُنْخَفِضَةِ الّلاطِئَةِ بِالأَرْضِ.
وفي حَدِيثِ [سَعْدٍ]: «كَانَ يُسَاقِطُ في ذلِك عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليهوسلم»؛ أَي يَرْوِيه عَنْهُ في خِلالِ كَلامِهِ، كأَنَّهُ يَمْزُجُ حَدِيثَه بالحَدِيث عنْ رَسُولِ الله صلى الله عليهوسلم.
والسَّقِيطُ: الفَخَّارُ، كذَا ذَكَرَه بعضُهم، أَو الصَّوابُ بالشِّينِ المُعْجَمة، كما سيأْتِي.
ويُقَال: رَدَّ الخَيّاطُ السُّقَاطَاتِ.
وفي المَثَل: «لكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ»؛ أَي لكُلِّ كَلِمَةٍ سَقَطَت من فَمِ النّاطِقِ نَفْسٌ تَسْمَعُها فتَلْقُطُها فتُذِيعُها، يُضْرَب في حِفْظِ اللِّسَانِ.
ويُقَال: سَقَطَ فلانٌ من مَنْزِلَتِه، وأَسْقَطَه السُلْطَانُ.
وهو مَسْقُوطٌ في يَدِه، وسَاقِطٌ في يَدِه: نادِمٌ ذَلِيل.
وسَقَط النَّجْمُ والقَمَرُ: غابَا.
والسَّواقِطُ والسُّقَّاط: اللُّؤَماءُ. وسَقَط فلانٌ من عَيْنِي.
وأَتى وهو مِنْ سُقَّاط الجُنْدِ: مِمّن لا يُعْتَدّ به.
وتَسَاقَطَ إِليَّ خَبَرُ فُلانٍ وكُلّ ذلِكَ مَجَازٌ.
وقَوْمٌ سِقَاطٌ، بالكَسْرِ: جَمْعُ سَاقِطٍ كنائمٍ ونِيَامٍ، وسَقِيط وسِقَاط كطَوِيلٍ وطِوَالٍ، وبه يُرْوَى قولُ المتنخّل:
إِذا ما الحَرْجَفُ النَّكْبَاءُ تَرْمِي *** بُيُوتَ الحَيِّ بالوَرَقِ السِّقَاطِ
ويروى: «السُّقَاط، بالضَّمِّ: جمع سُقَاطَةٍ، وقد تَقَدَّم.
وسَاقِطَةُ: مَوضِعٌ.
ويُقَال: هو سَاقِطَةُ النَّعْلِ.
وفي الحَدِيثِ: «مَرٌّ بتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ» قيل: أَراد ساقِطَة، وقِيلَ: على النَّسَبِ؛ أَي ذاتِ سُقوطٍ، ويُمْكن أَنْ يَكُونَ من الإِسْقَاطِ مثل: أَحَمَّه الله فهو مَحْمُومٌ.
والسَّقَطُ، محرّكةً: ما تُهُووِنَ به من الدّابَّةِ بعد ذَبْحِها، كالقَوَائمِ، والكَرِشِ، والكَبِد، وما أَشْبَهَها، والجَمْعُ أَسْقَاطٌ.
وبائعُه: أَسْقَاطِيٌّ، كأَنْصَارِيٍّ وأَنْماطيٌّ. وقد نُسِبَ هكذا شيخُ مشايِخِنا العَلامّةُ المُحَدِّثُ المُقْرِئُ الشِّهَاب أَحْمَد الأَسْقَاطِيّ الحَنَفِيّ.
وسُقَيْط، كزُبَيْرٍ: لَقَبُ الإِمام شِهَاب الدّين أَحمد بن المَشْتُولِيّ، وفيه أُلّفَ غُرَرُ الأَسْفاط في عُرَرِ الأَسْقاط، وهي رسالة صغيرة متضمنّة على نَوَادِرَ وفرائد، وهي عندي.
وسُقَيْطٌ أَيضًا: لَقَبُ الحُطَيْئَةِ الشّاعرِ، وفيه يَقُول مُنْتَصِرًا له بعضُ الشُّعَرَاءِ، ومُجَاوِبًا مَنْ سَمّاه سُقَيْطا فإِنَّه كان قَصِيرًا جِدًّا:
ومِا سُقَيْطٌ وإِنْ يَمْسَسْكَ وَاصِبُه *** إِلاّ سُقَيْطٌ على الأَزْبَابِ والفُرُجِ
وهو أَيْضًا: لَقَبُ أَحْمَدَ بنِ عَمْرو، مَمْدُوحِ أَبِي عَبْدِ الله بن حَجَّاجٍ الشّاعِر، وكان لا بُدَّ في كُلِّ قَصِيدَةٍ أَنْ يَذْكُرَ لَقَبَه فمن ذلِكَ أَبْيَاتٌ:
فاسْتَمِعْ يا سُقَيْطُ أَشْهَى وأَحْلَى *** مِنْ سَماعِ الأَرْمالِ والأَهْزاجِ
وقوله:
مَدَحْتُ سُقَيْطًا بمِثْلِ العَرُوسِ *** مُوَشَّحَةً بالمَعَانِي المِلَاحِ
والسَّقِيط، كأَمِيرٍ: الجَرْوُ.
ومن أَقْوَالهم: مَن ضَارَعَ أَطْوَلَ رَوْقٍ منه سَقَطَ الشَّغْزَبِيَّة.
وسَقَطَ الرَّجُلُ: ماتَ، وهو مَجَازٌ.
ومن أَقْوَالهم: إِذا صَحَّت المَوَدَّةُ سَقَطَ شَرْطُ الأَدَبِ والتَّكْلِيف.
والسَّقِيطُ: الدُّرُّ المُتَنَاثِرُ، ومنه قولُ الشّاعِر:
كَلَّمَتْنِي فقُلْتُ دُرًّا سَقِيطًا *** فتأَمَّلْتُ عِقْدَها هل تَنَاثَرْ
فازْدَهَاهَا تَبَسُّمٌ فأَرَتْنِي *** عِقْدَ دُرٍّ من التَّبَسُّمِ آخَرْ
والسُّقّاطَةُ، كرُمّانَةٍ: ما يُوضَع على أَعْلَى البابِ تَسْقُط عليه فيَنْقَفِل.
وأَبو عَمْرٍو عُثْمَانُ بن محمَّد بن بِشْر بن سَنَقَةَ السَّقَطِيّ، عن إِبراهِيم الحَرْبِيّ وغيرِهِ، مات سنة 356.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
22-تاج العروس (نسل)
[نسل]: النَّسْلُ: الخَلْقُ، وأَيْضًا الوَلَدُ والذرِّيَةُ كالنَّسيلَةِ، كسَفينَةٍ، الجمع: أَنْسالٌ.يقالُ: نَسَلَ الوَالِدُ وَلَدَه يَنْسُلُه نَسْلًا كأَنْسَلَ.
قالَ ابنُ بَرِّي: وهي لُغَةٌ قَليلَةٌ.
وفي الصِّحاحِ: نَسَلَت الناقَةُ بولدٍ كثيرٍ تنْسُلُ بالضمِ.
وفي الأفعالِ لابنِ القَطَّاع: نَسَلَت الناقَةُ بولدٍ كثير الوَبرِ أَسْقَطَتْه.
ونَسَلَ الصُّوفُ نُسولًا: سَقَطَ، وكذلِكَ الشعرُ والريشُ، وقيلَ: سَقَطَ وتَقَطَّعَ، وقيلَ: سَقَطَ ثم نَبَتَ كأَنْسَلَ، عن أَبي زَيْدٍ، قالَ: ونَسَلْتَهُ أَنا نَسْلًا، زادَ الأَزْهَرِيُّ: وأَنْسَلْتُهُ، يتعدَّى ولا يتعدَّى، قالَ: وكذا أَنْسَلَ البَعيرُ وبَرَه.
وما سَقَطَ منه نَسيلٌ، كأَميرٍ ونُسالٌ، بالضَّمِ، واحِدَتُهُما بهاءٍ نَسِيلةٌ ونُسالَةٌ.
ونَسَلَ الماشي يَنْسِلُ ويَنْسُلُ، من حَدَّيْ ضَرَبَ ونَصَرَ نَسْلًا، بالفتحِ، ونَسَلًا ونَسَلانًا بالتحريكِ فيهما؛ أَسْرَعَ، واقْتَصَرَ الجوْهَرِيُّ على يَنْسِلُ، بالكسْرِ، ومنه قوْلُه تعالَى: {إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}.
قالَ أَبو إسحاق: أَي يَخْرجُون بسُرْعَةٍ.
وفي الحَدِيث: أَنَّهم شكَوْا إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، الضَّعْفَ فقالَ: «عليكم بالنَّسْلِ».
قالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: وهو الإسْراعُ في المَشْي.
وفي حَدِيث آخَر: أَنَّهم شكَوْا الإِعْياء فقالَ: «عليكم بالنَّسَلان»، وقيلَ: فأَمَرَهُم أَن يَنْسِلوا أَي يسْرِعُوا في المَشْي.
وفي حَدِيث لُقْمان: «إذا سَعَى القومُ نَسَل» أَي إذا عَدَوْا لغارَةٍ أَو مَخافَة أَسْرَعَ؛ وقالَ الشاعِرُ:
عَسَلانَ الذئب أَمْسى قارِبًا *** بَرَدَ الليلُ عليه فَنَسَلْ
وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابيِّ:
عَسٌّ أَمامَ القوم دائم النّسَلْ
وقيلَ: أَصْل النَّسَلانِ للذِّئبِ ثم اسْتُعْمِل في غيرِ ذلِكَ.
وفي الأَسَاسِ: نَسَلَ الذِّئبُ: أَسْرَعَ بإِعْناقٍ، كما يقالُ أَسْرَعَ في عَدْوِهِ وهو الخُرُوجُ بسُرْعةٍ كنُسُولِ الرِّيشِ، وهو مجازٌ..
وتَناسَلوا: أَنْسَلَ بعضُهم بعضًا، وهو مجازٌ.
وفي الصِّحاحِ: أَي وُلِد بعضُهم مِن بعضٍ.
وأَنْسَلَ الصِّلّيانُ أَطْرافَهُ: أَبْرَزَها ثم أَلْقاها.
وأَنْسَلَتِ الإِبِلُ: حانَ لها أَنْ تَنْسُل وَبَرَها، وفي نسخةٍ: أَنْ يَنْسُلَ وَبَرُها.
وأَنْسَلَ القومَ: تَقَدَّمَهُم، أَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لعَدِيِّ بنِ زَيْدٍ:
أَنْسَل الدرعان عَرْبٌ خَذِمٌ *** وعَلا الرَّبْرَبَ أَزْمٌ لم يُدَنْ
والنُّسَالُ، كغُرابٍ: سُنْبُلُ الحَلِيِّ إذا يَبِسَ وتَطايَرَ، عن أَبي حَنيفَةَ.
والنَّسِيلَةُ: الذُّبالةُ، وهي الفَتِيلَةُ في بعضِ اللُّغاتِ.
والنَّسِيلَةُ: العَسَلُ كالنَّسِيلِ كِلَاهُما عن أَبي حَنيفَةَ كما في المُحْكَمِ.
وفي الصِّحاحِ: النَّسِيلُ العَسَلُ إذا ذابَ وفارَقَ الشَّمْع. والنَّسَلُ، مُحَرَّكةً: اللَّبَنُ يَخْرُجُ مِن التِّينِ الأَخْضَرِ، أَوْرَدَه الأَزْهَرِيُّ في تركيبِ مَلَسَ واعْتَذَرَ عنه أَنّه أَغْفَلَه في بابِهِ فأَثْبَتَه في هذا المكانِ.
وفَخِذّ ناسِلَةٌ: قَليلَةُ اللَّحْمِ، لُغَةً في ناشِلَة بالشِّيْن، ذَكَرَه الصَّاغانيُّ.
* وممَّا يُسْتَدْرَكُ عليه:
تَنَاسَلَ بَنُو فلانٍ: كَثُر أَوْلادُهم.
ونَسَلَ الناقَةَ نَسْلًا: اسْتَثْمَرَها وأَخَذَ منها نَسْلًا، وهو على حَذْف الجارِّ أَي نَسَل بها أَو منها، وإن شُدِّد كانَ مِثْل ولَّدَها.
ونَسَلَ الثوبُ عن الرجُلِ: سَقَطَ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.
والنَّسُولَةُ كحَلُوبَةٍ وركُوبَةٍ: ما يُتَّخَذُ للنَّسْلِ مِن إِبِلٍ وغَنَمٍ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ، وهو مجازٌ.
وقالَ أَبو زَيْدٍ: النَّسُولَةُ مِن الغَنَمِ ما يُتَّخَذُ نَسْلُها. ويقالُ: ما لبَنِي فلانٍ نَسُولَة أَي ما يُطلَب نَسلُه مِن ذواتِ الأَرْبَع، وعَجيبٌ مِن المصنِّفِ كيفَ أَغْفَلَ هذا.
وقالَ اللّحْيانيُّ: هو أَنْسَلُهم أَي أَبْعَدُهم مِن الجَدِّ الأَكْبرِ.
وأُنْسِلَ الرجُلُ: حَانَ أَن يَنْسلَ إبِله وغَنَمه، وبه فسِّرَ قَوْلُ أَبي ذُؤَيْب:
أَعاشَنِي بعدَكَ وادٍ مُبْقِلُ *** آكُلُ من حَوْذانِه وأُنْسِلُ
ويُرْوَى: وأَنْسِلُ والمعْنَى سَمِنْت حتى سَقَطَ عنِّي الشَّعَرُ.
وذئبٌ نَسُولٌ: سَريعُ العَدْوِ؛ قالَ الرَّاعِي:
وَقَعَ الرَّبيعُ وَقَدْ تَقارَبَ خَطْوُهُ *** ورَأَى بعَقْوتِه أَزلّ نَسُولا
والنَّسَلُ، محرَّكةً: اللبَنُ يَخْرُجُ مِن الإحْليلِ بنفْسِه، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.
وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: يقالُ: فلانٌ يَنْسِلَ الوَدِيقَةَ ويَحْمِي الحَقِيقَةَ.
ووَقَعَ في صَدْرِ كتابِ الأرْبَعِين البلدانية للسَّلفيّ في وَصْفِه، صلى الله عليه وسلم: «أَكْرم مُرْسَل وأَطْهَر منسل».
ورجُلٌ عَسَّالٌ نَسَّالٌ أَي سَريعُ العَدْوِ.
والنَّسْلُ: مِن أَوْدِيةِ الظائِفِ، كما في العُبَابِ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
23-تاج العروس (نصل)
[نصل]: النّصْلُ والنَّصْلانُ، هكذا هو برفعِ النونِ والصَّوابُ بكسْرِها، ففي المُحْكَمِ: النَّصلانِ: النَّصْلُ والزُّجُّ؛ قالَ أَعْشَى باهِلَة:عِشْنا بذلك دَهْرًا: ثم فارَقَنا *** كذلك الرُّمْحُ ذُو النَّصْلَيْن ينكَسِر
قالَ: وقد سُمِّي الزُّجُّ وحدَه نَصْلًا. قالَ: والنَّصْلُ حَديدَةُ السَّهْمِ والرّمْحِ.
وفي التَّهْذِيبِ: النَّصْلُ: نَصْلُ السَّهْمِ، ونَصْلُ السَّيْفِ والسِّكِّين. ومِثْلُه في الصِّحاحِ.
وفي المُحْكَمِ: وهو حَديدَةُ السَّيْفِ ما لم يكنْ له مَقْبِضٌ، ونَصُّ المُحْكَمِ: لها. قالَ: حَكَاها ابنُ جنِّي قالَ: فإذا كانَ لها مَقْبِض فهو سَيْفٌ، ولذلِكَ أَضافَ الشاعِرُ النَّصْلَ إلى السَّيْفِ فقالَ:
قد عَلِمَتْ جارية عُطْبول *** أَنِّي بنَصْل السيفِ خَنْشَلِيل
وقالَ أَبو حَنيفَةَ: قالَ أَبو زِيادٍ النصْلُ كلُّ حَديدَةٍ مِن حَدائِد السِّهامِ الجمع: أَنْصُلٌ، كأَفْلُسٍ، ونِصالٌ، بالكسْرِ، ونُصولٌ، بالضمِ.
وقالَ ابنُ شُمَيْل: النَّصْلُ السَّهْمُ العَريضُ الطويلُ يكونُ قَريبًا مِن فِتْر والمِشْقَصُ على النصفِ مِن النَّصْلِ، فلو الْتقطْتَ نَصْلًا لقلْتُ: ما هذا السَّهْم معك؟ ولو التقطْتَ قِدْحًا لم أَقُل ما هذا السَّهْم معك.
وقالَ: ابنُ الأعْرَابيِّ: النَّصْلُ القَهَوْبات بِلا زِجاجٍ، والقَهَوْباتُ السِّهامُ الصِّغارُ.
النَّصْلُ: ما أَبْرَزَتِ البُهْمَى وبَدَرَتْ به، هكذا في النسخِ، وفي بعضِ الأُصولِ: نَدَرَتْ به، بالنُّون؛ من أَكِمَّتِها، والجَمْعُ أَنْصُلٌ ونِصالٌ.
والنَّصْلُ: الرَّأْسُ بجميعِ ما فيه، كما في المُحْكَمِ.
والنَّصْلُ: القَمَحْدُوَةُ، كما في العُبَابِ.
وقيلَ: نَصْلُ الرأْسِ أَعْلاهُ.
والنَّصْلُ: طولُ الرَّأْسِ في الإِبِلِ والخَيْلِ ولا يكونُ ذلِكَ للإنْسانِ.
والنَّصْلُ: الغَزْلُ وقد خَرَجَ من المِغْزَلِ، كما في العُبَابِ.
وأَنْصَلَ السَّهْمَ ونَصَّلَهُ تَنْصِيلًا: جَعَلَ فيه نَصْلًا وقيلَ: أَنْصَله أَزالَهُ عنه، ونَصَّلَه: رَكَّبَ فيه النَّصْلَ، كِلاهُما أَي أَنْصَلَه ونَصَّلَه ضِدٌّ.
وفي الصِّحاحِ: نَصَّلْت السهمَ تَنْصيلًا: نَزَعْت نَصْلَه، وهو كقَوْلِهم: قَرَّدْت البعيرَ وقَذَّيْت العينَ إذا نَزَعْت منهما القُرادَ والقَذَى، وكَذلِكَ إذا ركَّبْت عليه النَّصْل، وهو مِن الأَضْدادِ، انتَهَى.
فالمُرادُ بقَوْلِه: كِلاهُما؛ أَي كلٌّ مِن أَنْصَلَ ونَصَّل.
ونَصَلَ السَّهْمُ فيه إذا ثَبَتَ ولم يخْرُجُ. ونَصَلْتُهُ أَنا نَصْلًا ونَصَلَ خَرَجَ فهو ضِدٌّ وأَنْصَلْتُه: أَخْرَجْتُه وكلُّ ما أَخْرَجْتُه فقد أَنْصَلْتُه.
وقولُ شيْخِنا لا معْنَى فيه للضّدِّيَّة وإنَّما هو ممَّا اسْتُعْمِل لازِمًا ومتعدِّيًا ولا يكونُ مِن الأَضْدادِ إلَّا إذا قيلَ: نَصَلَ دَخَلَ، ونَصَلَ خَرَجَ، وكأَنَّه أُلْحِق ثبت بدَخَلَ، انتَهَى، محل نَظَر.
ففي الصِّحاحِ: يقالُ: نَصَلَ السهمُ إذا خَرَجَ منه النَّصْل، ومنه قوْلُهم: رَماهُ بأَفْوَقَ ناصِلٍ؛ ويقالُ أَيْضًا: نَصَلَ السهمُ إذا ثَبَتَ نَصْلُه في الشيءِ فلم يخْرُجْ، وهو مِن الأضْدادِ، انتَهَى.
وقالَ ابنُ الأعْرَابيِّ: أَنْصَلْت الرمحَ ونَصَلْتَه جَعَلْت له نَصْلًا، وأَنْصَلْته نَزَعْت نَصْلَه.
وقالَ الكِسائيُّ: أَنْصَلْت السهمَ، بالأَلفِ، جَعَلْت فيه نَصْلًا، ولم يَذْكر الوَجْه الآخَر أَنَّ الإنْصالَ بمعْنَى النَّزْع والإخْرَاج، وهو صَحيحٌ.
وقالَ شَمِرٌ: لا أَعْرف نَصَل بمعْنَى ثَبَتَ، قالَ: ونَصَلَ عنْدِي خَرَجَ.
ونَصَلَتِ اللِّحْيَةُ، كنَصَرَ ومَنَعَ، نُصولًا فهي ناصِلٌ: خَرَجَتْ مِن الخِضابِ.
وفي الصِّحاحِ: نَصَلَ الشَّعَرُ يَنْصُل نُصولًا: زَالَ عنه الخِضابُ. يقالُ لحيَةٌ ناصِلٌ كتَنَصَّلَتْ. ونَصَلَتِ اللَّسْعةُ والحُمَّةُ إذا خَرَجَ سَمُّهُما وزَالَ أَثَرُهُما.
ونَصَلَ الحافِرُ نُصولًا: خَرَجَ من مَوْضِعِه فسَقَطَ كما يَنْصُلُ الخِضابُ.
والأُنْصُولَةُ، بالضَّمِ: نَوْرُ نَصْلِ البُهْمَى، أَو هو ما يُوبِسُه الحَرُّ من البُهْمَى فيشْتَدُّ على الأكَلَةِ، والجَمْعُ الأَناصِيلُ، قالَ الشاعِرُ:
كأَنَّه واضِحُ الأَقْراب في لُقُحٍ *** أَسْمَى بهنَّ وعَزَّتْه الأَناصِيلُ
أَي عزَّتْ عليه.
واسْتَنْصَلَ الحَرُّ السِّقاءَ، كذا في النسخِ، والصَّوابُ السَّفَا، بالفاءِ مَقْصورًا: جَعَلَه أَناصِيلَ، أَنْشَدَ ابنُ الأعْرَابيِّ:
إذا اسْتَنْصَلَ الهَيْفُ السَّفَا بَرَّحَتْ به *** عِراقيَّةُ الأَقْياظِ نَجْدُ المَراتِع
وفي الأساسِ: اسْتَنْصَلَتِ الريحُ السَّفَا اسْتَأْصَلَتْه؛ ومنه نَصَلَ السيفُ والرِمحُ والمُغْزلِ؛ وفي العُبَابِ: إذا أَسْقَطَتْه؛ وقالَ غيرُه: اقْتَلَعَتْه مِن أَصْلِه.
وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ: النَّصِيلُ، كأَميرٍ: حَجَرٌ طَويلٌ رَقيقٌ كهَيْئةِ الصَّفِيحَةِ المحدَّدَةِ؛ وقيلَ: هو حَجَرٌ ناتئٌ قَدْرُ ذِراعٍ ونَحْوِها يَنْصُلُ مِن الحِجارَةِ يُدَقُّ به؛ وفي الفرقِ لابنِ السِّيدِ: تُدَقُ به الحجارَةُ.
وقالَ ابنُ الأثيرِ: هو حَجَرٌ طويلٌ مُدَمْلَك قَدْر شِبْرٍ وذِراعٍ، وجَمْعُه النُّصُلُ.
وقالَ غيرُه: هو البِرْطِيلُ ويشبَّهُ به رأْسُ البَعيرِ وخُرْطومُه إذا رَجَفَ في سَيْرِه، وقالَ أَبو خرَاشٍ في النَّصِيل فجَعَلَه الحَجَر يَصِفُ صَقْرًا:
ولا أَمْغَرُ السَّاقَيْن بات كأَنَّه *** على مُحْزَئِلَّات الإِكامِ نَصِيلُ
كالمِنْصيلِ كمِنْديلٍ ومِنْهالٍ.
والنَّصِيلُ: الحُنَكُ على التَّشبيهِ بذلِكَ.
والنَّصِيلُ من البُرِّ: النَّقِيُّ مِن الغَلَث.
والنَّصِيلُ: مَفْصِلُ ما بينَ العُنُقِ والرَّأْسِ تحتَ اللّحْيَيْنِ؛ وفي العَيْن: مِن باطِن مِن تحت اللّحْيَيْن.
والنَّصِيلُ: الخَطْمُ؛ وقيلَ: ما تحتَ العَيْن إلى الخَطْمِ.
وقالَ ابنُ عَبَّادٍ: النُّصِيلُ البَظْرُ.
قالَ: وأَيْضًا الفأْسُ.
وقالَ غيرُه: النَّصِيلُ من الرَّأْسِ أَعْلاهُ كنَصْلِهِ.
والنَّصِيلُ: موضع؛ قالَ الأَفْوهُ الأوْديُّ:
تُبَكِّيها الأَرامِلُ بالمآلي *** بِداراتِ الصَّفائِح والنَّصِيلِ
والمُنْصُلُ، بضمَّتَيْن وكمُكْرَمٍ: السَّيفُ، اسمٌ له؛ قالَ عَنْترةُ:
إنِّي امْرؤٌ ومِن خيرِ عَبْسٍ مَنْصِبًا *** شَطْرِي وأَحْمي سائِرِي بالمُنْصُلِ
قالَ ابنُ سِيْدَه: لا نَعْرف في الكَلامِ اسْمًا على مُفْعُل ومُفْعَل إلَّا هذا، وقوْلُهم: مُنْخُل ومُنْخَل.
ومِعْوَلٌ نَصْلٌ: نَصَلَ؛ أَي خَرَجَ عنه نِصابُه، وهو ممَّا وُصِف بالمَصْدَرِ كزيد عَدْلٌ، قالَ ذُو الرُّمَّةِ:
شَرِيح كحُمَّاض الثَّماني عَلَتْ به *** على راجِفِ اللَّحْيَين كالمِعْوَل النَّصْل
ومِن المجازِ: تَنَصَّلَ إليه من الجِنَايَةِ والذنْبِ: خَرَجَ وتَبَرَّأَ؛ ومنه الحَدِيْث: «مَن لم يَقْبَل العُذْرَ ممَّنْ تَنَصَّل إليه صادِقًا أَو كاذِبًا لم يَرِدْ عليَّ الحَوْض إلَّا مُتَضَيّحًا» أَي انْتَفَى مِن ذنْبِه واعْتَذَرَ إليه.
وتنصَّلَ الشَّيءَ: أُخْرَجَهُ.
وتَنَصَّلَهُ: تَخَيَّرَهُ.
وتنصَّلَ فلانًا: أَخَذَ كلَّ شيءٍ معه كلُّ ذلِكَ في المُحْكَمِ.
أَو مُنْصِلُ الأسِنَّةِ ومُنْصِلُ الْأَلّ والْأَلَّةِ والألالِ: اسمُ رَجَبَ في الجاهِلِيَّةِ؛ أَي مُخْرِجُ الأسِنَّةِ مِن أَماكِنِها، كانَوا إذا دَخَلَ رَجَبٌ نَزَعُوا أَسِنَّةَ الرِّماحِ ونِصالَ السِّهامِ إِبْطالًا للقِتالِ فيه وقَطْعًا لأسْبابِ الفِتَنِ بحُرْمتِه، فلمَّا كان سَبَبًا لذلِكَ سُمِّي به. وفي المُحْكَمِ: إعْظامًا له ولا يَعْزُون ولا يُغِيرُ بعضُهم على بعضٍ، وأَنْشَدَ الجوْهَرِيُّ للأعْشَى:
تَدارَكَه في مُنْصِل الأَلِّ بعدما *** مَضَى غير دَأْدَاءٍ وقد كادَ يَذْهَبُ
أَي تَدَارَكَه في آخرِ ساعَةٍ مِن سَاعَاتِه.
واسْتَنْصَلَهُ: اسْتَخْرَجَهُ كتَنَصَّلَهُ.
واسْتَنْصَلَ الهَيْف السَّفَا: أَسْقَطَهُ وهذا بعَيْنه الذي مَرَّ ذِكْرُه ونَبَّهْنا عليه، ومَرَّ أَيْضًا شاهِدُه مِن قَوْلِ الشاعِرِ.
وانْتَصَلَ السَّهمُ: خَرَجَ، وفي العُبَابِ سَقَطَ، نَصْلُه وهو مُطاوِعُ أَنْصَلْته، ومنه حَدِيْث أَبي سُفْيان في غزوَةِ السَّويقِ: «فامَّرَطَ قُذَذُ السَّهمِ وانْتَصَلَ فعَرَفْت أَنَّ القومَ ليْسَتْ فيهم الحِيْلَة».
والمُنْصُلِيَّةُ، بالضَّمِ؛ أَي بضمِ الميمِ والصَّادِ: موضع فيه ملحٌ كثيرٌ.
والمِنْصالُ في الجَيْشِ، كمِحْرابٍ: أَقَلَّ من المِقْنَبِ، كما في العُبَابِ.
* وممَّا يُسْتَدْرَكُ عليه:
سهمٌ ناصِلٌ: ذُو نَصْلٍ.
وسهمٌ ناصِلٌ: خَرَجَ منه نَصْلُه، ضِدٌّ؛ ومنه قوْلُهم: ما بَلِلْتُ منه بأَفْوَقَ ناصِلٍ أَي ما ظفِرْت منه بسهمٍ انْكَسَرَ فُوقُه، قالَ رَزِينُ بنُ لُعْط:
أَلاهل أَتَى قُصْوَى الأَحابيشِ أَنَّنا *** رَدَدْنا بني كَعْب بأَفْوَقَ ناصِلِ؟
والجَمْعُ النَّواصِلُ؛ قالَ أَبو ذَؤَيْب:
فَحُطَّ عليها والضُّلوعُ كأَنَّها *** من الخَوْفِ أَمثالُ السِّهام النَّواصِلِ
ونَصَلَ من بين الجِبالِ نُصولًا: ظَهَرَ.
ونَصَلَ الطريقُ مِن موْضِعِ كذا: خَرَجَ.
وتَنَصَّلَتِ السَّحابَةُ: خَرَجَتْ مِن طريقٍ أَو ظَهَرَتْ مِن حجابٍ، وقوْلُه:
ضَوْرِيةٌ أُوْلِعْتُ باشْتِهارِها *** ناصِلة الحِقْوَيْنِ مِن إِزارِها
إِنَّما عَنَى أَنَّ حِقْوَيْها يَنْصُلان مِن إِزارِها لتسلُّطِها وتَبَرُّجِها وقِلَّة تَثقُّفِها في مَلابِسِها لأَشَرِها وشَرَهِها.
ونَصِيلُ الحَجَرِ: وَجْهُه.
والنَّصِيلُ: شعبةٌ مِن شِعبِ الوَادِي.
ونَصَلَ بحقِّي صاغِرًا: أَخْرَجَه، وهو مجازٌ.
وأَنْصَلَت البُهْمَى: أَخْرَجَتْ نِصالَها.
ونَصَلَتِ الناقَةُ ونَضَتْ: تقدَّمَتِ الإِبِلَ، وهو مجازٌ.
وأَحْمدُ بنُ زيْدِ بنِ محمدِ بنِ الحُسَيْن الانصاليُّ أَحدُ الفُقهاءِ باليمنِ، ذَكَرَه الخَزْرجِيُّ.
وعليُّ بنُ عبدِ اللهِ بنِ سُلَيْمان النُصَيْلانيُّ، بالضمِ، كان على رأْسِ الستمائة.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
24-المصباح المنير (جهض)
أَجْهَضَتْ النَّاقَةُ وَالْمَرْأَةُ وَلَدَهَا إجْهَاضًا أَسْقَطَتْهُ نَاقِصَ الْخَلْقِ فَهِيَ جَهِيضٌ وَمُجْهِضَةٌ بِالْهَاءِ وَقَدْ تُحْذَفُ وَالْجِهَاضُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْهُ وَصَادَ الْجَارِحَةُ الصَّيْدَ فَأَجْهَضْنَاهُ عَنْهُ أَيْ نَحَّيْنَاهُ وَغَلَبْنَاهُ عَلَى مَا صَادَ.المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م
25-المصباح المنير (خبط)
خَبَطْتُ الْوَرَقَ مِنْ الشَّجَرِ خَبْطًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَسْقَطْتُهُ فَإِذَا سَقَطَ فَهُوَ خَبَطٌ بِفَتْحَتَيْنِ فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مَسْمُوعٌ كَثِيرًا وَتَخَبَّطَهُ الشَّيْطَانُ أَفْسَدَهُ وَحَقِيقَةُ الْخَبْطِ الضَّرْبُ وَخَبَطَ الْبَعِيرُ الْأَرْضَ ضَرَبَهَا بِيَدِهِ.المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م
26-المصباح المنير (سقط)
سَقَطَ سُقُوطًا وَقَعَ مِنْ أَعْلَى إلَى أَسْفَلَ وَيَتَعَدَّى بِالْأَلِفِ فَيُقَالُ أَسْقَطْتُهُ.وَالسَّقَطُ بِفَتْحَتَيْنِ رَدِيءُ الْمَتَاعِ وَالْخَطَأُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالسِّقَاطُ بِالْكَسْرِ جَمْعُ سَقْطَةٍ مِثْلُ: كَلْبَةٍ وَكِلَابٍ وَالسِّقْطُ الْوَلَدُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى يَسْقُطُ قَبْلَ تَمَامِهِ وَهُوَ مُسْتَبِينُ الْخَلْقِ يُقَالَ سَقَطَ الْوَلَدُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ سُقُوطًا فَهُوَ سِقْطٌ بِالْكَسْرِ وَالتَّثْلِيثُ لُغَةٌ وَلَا يُقَالُ وَقَعَ وَأَسْقَطَتْ الْحَامِلُ بِالْأَلِفِ أَلْقَتْ سِقْطًا قَالَ بَعَضُهُمْ وَأَمَاتَتْ الْعَرَبُ ذِكْرَ الْمَفْعُولِ فَلَا يَكَادُونَ يَقُولُونَ أَسْقَطَتْ سِقْطًا وَلَا يُقَالُ أُسْقِطَ الْوَلَدُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَسُقْطُ النَّارِ مَا يَسْقُطُ مِنْ الزَّنْدِ وَسُقْطُ الرِّمْلِ حَيْثُ يَنْتَهِي إلَيْهِ الطَّرْفُ بِالْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فِيهِمَا وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ سَقَطَ الْفَرْضُ مَعْنَاهُ سَقَطَ طَلَبُهُ وَالْأَمْرُ بِهِ وَلِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ أَيْ لِكُلِّ نَادَّةٍ مِنْ الْكَلَامِ مَنْ يَحْمِلُهَا وَيُذِيعُهَا وَالْهَاءُ فِي لَاقِطَةٍ إمَّا مُبَالَغَةٌ وَإِمَّا لِلِازْدِوَاجِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ السَّاقِطَةُ فِي كُلِّ مَا يَسْقُطُ مِنْ صَاحِبِهِ ضَيَاعًا.
المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م
27-المصباح المنير (عفو)
عَفَا الْمَنْزِلُ يَعْفُو عَفْوًا وَعُفُوًّا وَعَفَاءً بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ دَرَسَ وَعَفَتْهُ الرِّيحُ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا.وَمِنْهُ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ أَيْ مَحَا ذُنُوبَكَ.
وَعَفَوْتَ عَنْ الْحَقِّ أَسْقَطْتَهُ كَأَنَّكَ مَحَوْتَهُ عَنْ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ وَعَافَاهُ اللَّهُ مَحَا عَنْهُ الْأَسْقَامَ وَالْعَافِيَةُ اسْمٌ مِنْهُ وَهِيَ مَصْدَرٌ جَاءَتْ عَلَى فَاعِلَةٍ وَمِثْلُهُ نَاشِئَةُ اللَّيْلِ بِمَعْنَى نُشُوءِ اللَّيْلِ وَالْخَاتِمَةُ بِمَعْنَى الْخَتْمِ وَالْعَاقِبَةُ بِمَعْنَى الْعُقْبِ وَلَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ وَعَفَا الشَّيْءُ كَثُرَ.
وَفِي التَّنْزِيلِ {حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف: 95] أَيْ كَثُرُوا وَعَفَوْتُهُ كَثَّرْتُهُ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى وَيُعَدَّى أَيْضًا بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَعْفَيْتُهُ وَقَالَ السَّرَقُسْطِيّ عَفَوْتُ الشَّعْرَ أَعْفُوهُ عَفْوًا وَعَفَيْتُهُ أَعْفِيهِ عَفْيًا تَرَكْتُهُ حَتَّى يَكْثُرَ وَيَطُولَ وَمِنْهُ «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوا اللِّحَى» يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا.
وَعَفَوْتُ الرَّجُلَ سَأَلْتُهُ.
وَعَفَا الشَّيْءُ عَفْوًا فَضَلَ وَاسْتَعْفَى مِنْ الْخُرُوجِ فَأَعْفَاهُ بِالْأَلِفِ أَيْ طَلَبَ التَّرْكَ فَأَجَابَهُ.
المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م
28-المصباح المنير (لغو)
لَغَا الشَّيْءُ يَلْغُو لَغْوًا مِنْ بَابِ قَالَ بَطَلَ وَلَغَا الرَّجُلُ تَكَلَّمَ بِاللَّغْوِ وَهُوَ أَخْلَاطُ الْكَلَامِ وَلَغَا بِهِ تَكَلَّمَ بِهِ وَأَلْغَيْتُهُ أَبْطَلْتُهُ وَأَلْغَيْتُهُ مِنْ الْعَدَدِ أَسْقَطْتُهُ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُلْغِي طَلَاقَ الْمُكْرَهِ أَيْ يُسْقِطُ وَيُبْطِلُ وَاللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ مَا لَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ كَقَوْلِ الْقَائِلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ وَاللَّغَى مَقْصُورٌ مِثْلُ اللَّغْوِ وَاللَّاغِيَةُ الْكَلِمَةُ ذَاتُ لَغْوٍ وَمِنْ الْفَرْقِ اللَّطِيفِ قَوْلُ الْخَلِيلِ اللَّغَطُ كَلَامٌ لِشَيْءٍ لَيْسَ مِنْ شَأْنِكَ وَالْكَذِبُ كَلَامٌ لِشَيْءٍ تَغُرُّ بِهِ وَالْمُحَالُ كَلَامٌ لِغَيْرِ شَيْءٍ وَالْمُسْتَقِيمُ كَلَامٌ لِشَيْءٍ مُنْتَظِمٍ وَاللَّغْوُ كَلَامٌ لِشَيْءٍ لَمْ تُرِدْهُوَاللَّغْوُ أَيْضًا مَا لَا يُعَدُّ مِنْ أَوْلَادِ الْإِبِلِ فِي دِيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِصِغَرِهِ.
وَلَغَى بِالْأَمْرِ يَلْغَى مِنْ بَابِ تَعِبَ لَهَجَ بِهِ وَيُقَالُ اشْتِقَاقُ اللُّغَةِ مِنْ ذَلِكَ وَحُذِفَتْ اللَّامُ وَعُوِّضَ عَنْهَا الْهَاءُ وَأَصْلُهَا لُغْوَةٌ مِثَالُ غُرْفَةٍ وَسَمِعْتُ لُغَاتِهِمْ أَيْ اخْتِلَافَ كَلَامِهِمْ.
المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م
29-المصباح المنير (نفض)
نَفَضَهُ نَفْضًا مِنْ بَابِ قَتَلَ لِيَزُولَ عَنْهُ الْغُبَارُ وَنَحْوُهُ فَانْتَفَضَ أَيْ تَحَرَّكَ لِذَلِكَ.وَنَفَضْتُ الْوَرَقَ مِنْ الشَّجَرَةِ نَفْضًا أَسْقَطْتُهُ وَالنَّفَضُ بِفَتْحَتَيْنِ مَا تَسَاقَطَ فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م
30-المصباح المنير (هدم)
هَدَمْتُ الْبِنَاءَ هَدْمًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَسْقَطْتُهُ فَانْهَدَمَ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَقِيلَ هَدَمْتُ مَا أَبْرَمَهُ مِنْ الْأَمْرِ وَنَحْوِهِ وَالْهَدَمُ بِفَتْحَتَيْنِ مَا تَهَدَّمَ فَسَقَطَ.المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م
31-المصباح المنير (وضع)
وَضَعْتُهُ أَضَعُهُ وَضْعًا وَالْمَوْضِعُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحُ لُغَةٌ مَكَانُ الْوَضْعِ وَوَضَعْتُ عَنْهُ دَيْنَهُ أَسْقَطْتُهُ وَوَضَعَتْ الْحَامِلُ وَلَدَهَاتَضَعُهُ وَضْعًا وَلَدَتْ وَوَضَعْتُ الشَّيْءَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَضْعًا تَرَكْتُهُ هُنَاكَ.
قَالَ الشَّافعِىُّ لَوِ اشْتَرَى جَاريةً مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لأَحَدِهما (المواضَعَةُ) والْمُرَادُ وضْعُها عنْدَ عَدْلٍ بلْ تُسَلَّمُ الجَارِيةُ لِمُشْتَرِيهَا وعَلَيْهِ أن لا يطَأَها حتَّى يَسْتَبْرِئَهَا
وَوُضِعَ فِي حَسَبِهِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَهُوَ وَضَعَ أَيْ سَاقِطٌ لَا قَدْرَ لَهُ وَالِاسْمُ الضَّعَةُ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا وَمِنْهُ قِيلَ وُضِعَ فِي تِجَارَتِهِ وَضِيعَةً إذَا خَسِرَ.
وَتَوَاضَعَ لِلَّهِ خَشَعَ وَذَلَّ وَوَضَعَهُ اللَّه فَاتَّضَعَ.
وَاتَّضَعْتَ الْبَعِيرَ خَفَضْتَ رَأْسَهُ لِتَضَعَ قَدَمَكَ عَلَى عُنُقِهِ فَتَرْكَبَ.
وَوَضَعَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ افْتَرَاهُ وَكَذَّبَهُ فَالْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ.
المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م
32-لسان العرب (دمص)
دمص: الدَّمْصُ: الإِسْراعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وأَصله فِي الدَّجَاجَةِ، يُقَالُ: دَمَصَت بالكَيْكةِ.وَيُقَالُ للمرأَة إِذا رَمَت وَلَدَهَا بِزَحْرة وَاحِدَةٍ: قَدْ دَمَصَت بِهِ وزَكَبَت بِهِ.
ودَمَصَت الناقةُ بِوَلَدِهَا تَدْمص دَمْصًا: أَزْلَقَتْه.
ودَمَصَت الْكَلْبَةُ بِجرْوِها: أَلْقَتْه لِغَيْرِ تَمَامٍ.
التَّهْذِيبُ: يُقَالُ دَمَصَت الكلْبةُ وَلَدَهَا إِذا أَسْقَطته، وَلَا يُقَالُ فِي الْكِلَابِ أَسْقَطَت.
ودَمَصَت السِّبَاعُ إِذا وَلَدَتْ ووَضَعَتْ مَا فِي بُطُونِهَا.
والدَّمَصُ: رِقَّةُ الحاجِبِ مِنْ أُخُرٍ وكَثافَتُه مِنْ قُدُمٍ، رَجُلٌ أَدْمَصُ؛ ودَمِصَ رأْسُه: رَقّ شعرُه.
والدَّمَصُ: مَصْدَرُ الأَدْمَصِ، وَهُوَ الَّذِي رَقّ حاجبُه مِنْ أُخُرٍ وكَثُفَ مِنْ قُدُمٍ، أَو رَقّ مِنْ رأْسِه موضعٌ وقلَّ شعرُه، وَرُبَّمَا قَالُوا: أَدْمَصَ الرأْسُ إِذا رَقَّ مِنْهُ مَوْضِعٌ وَقَلَّ شعرُه.
والدِّمْص، بِكَسْرِ الدَّالِ: كلُّ عِرْق مِنْ أَعراق الْحَائِطِ مَا عَدَا العِرْق الأَسفل فإِنه رِهْصٌ.
والدُّمَيْصُ: شَجَرٌ؛ عَنِ السِّيرَافِيِّ.
والدَّوْمَصُ: البَيْضُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ؛ وأَنشد لِغَادِيَةَ الدُّبَيْريّة فِي ابْنِهَا مُرْهِب:
يَا لَيْتَهُ قَدْ كَانَ شيْخًا أَدْمَصا، ***تُشَبَّه الهامةُ مِنْهُ الدَّوْمَصا
وَيُرْوَى: الدَّوْفَصا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الدَّوْفَص.
أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ للبَيْضةِ الدَّوْمصةُ.
الْجَوْهَرِيُّ: والدَّوْمَصُ بَيْضةُ الْحَدِيدِ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
33-لسان العرب (نسل)
نسل: النَّسْل: الخلْق.والنَّسْل: الْوَلَدُ والذرِّية، وَالْجَمْعُ أَنْسَال، وَكَذَلِكَ النَّسِيلة.
وَقَدْ نَسَلَ يَنْسُلُ نَسْلًا وأَنْسَلَ وتَنَاسَلُوا: أَنْسَلَ بعضُهم بَعْضًا.
وتَنَاسَلَ بَنُو فُلَانٍ إِذا كَثُرَ أَولادهم.
وتَنَاسَلُوا أَي وُلد بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، ونَسَلَتِ الناقةُ بِوَلَدٍ كَثِيرِ تَنْسُلُ، بِالضَّمِّ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ نَسَلَ الوالدُ ولدَه نَسْلًا، وأَنْسَلَ لُغَةٌ فِيهِ، قَالَ: وَفِي الأَفعال لِابْنِ الْقَطَّاعِ: ونَسَلَتِ النَّاقَةُ بِوَلَدٍ كَثِيرِ الوَبر أَسقطته.
وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ: «إِنما كَانَتْ عِنْدَنَا حَصْبة تُعْلَفُها الإِبل فنَسَلْنَاها»أَي استثْمَرْناها وأَخذنا نَسْلها، قَالَ: وَهُوَ عَلَى حَذْفِ الْجَارِّ؛ أي نَسَلْنا بِهَا أَو مِنْهَا نَحْوَ أَمرتُك الخيرَ؛ أي بِالْخَيْرِ، قَالَ: وإِن شدِّد كَانَ مِثْلَ ولَّدناها.
يُقَالُ: نَسَلَ الْوَلَدُ يَنْسُلُ ويَنْسِلُ ونَسَلَتِ النَّاقَةُ وأَنْسَلَتْ نَسْلًا كَثِيرًا.
والنَّسُولة: الَّتِي تُقْتَنى للنَّسْل.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ أَنْسَلُهم أَي أَبعدُهم مِنَ الجَدِّ الأَكبر.
ونَسَلَ الصوفُ والشعرُ والريشُ يَنْسُلُ نُسُولًا وأَنْسَلَ: سقَط وتقطَّع، وَقِيلَ: سقَط ثُمَّ نبَت، ونَسَلَه هُوَ نَسْلًا.
وَفِي التَّهْذِيبِ: وأَنْسَلَه الطائرُ وأَنْسَلَ البعيرُ وبَره.
أَبو زَيْدٍ: أَنْسَلَ ريشُ الطَّائِرِ إِذا سَقَطَ، قَالَ: ونَسَلْته أَنا نَسْلًا، واسمُ مَا سقَط مِنْهُ النَّسِيل والنُّسَال، بِالضَّمِّ، وَاحِدَتُهُ نَسِيلَة ونُسَالة.
وَيُقَالُ: أَنْسَلَتِ الناقةُ وبرَها إِذا أَلقته تَنْسِله، وَقَدْ نَسَلَتْ بِوَلَدٍ كثيرٍ تَنْسُلُ.
ونُسَالُ الطَّيْرِ: مَا سقَط مِنْ رِيشِهَا، وَهُوَ النُّسَالَة.
وَيُقَالُ: نَسَلَ الطائرُ ريشَه يَنْسُلُ ويَنْسِلُ نَسْلًا.
ونَسَلَ الوبرُ وَرِيشُ الطَّائِرِ بِنَفْسِهِ، يتعدَّى وَلَا يَتَعَدَّى، وَكَذَلِكَ أَنْسَلَ الطَّائِرُ ريشَه وأَنْسَلَ ريشُ الطَّائِرِ، يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى.
وأَنْسَلَتِ الإِبلُ إِذا حَانَ لَهَا أَن تَنْسُل وبرَها.
ونَسَلَ الثوبُ عَنِ الرَّجُلِ: سقَط.
أَبو زَيْدٍ: النَّسُولَة مِنَ الْغَنَمِ مَا يُتَّخَذ نسلُها.
وَيُقَالُ: مَا لِبَنِي فُلَانٍ نَسُولَةٌ أَي مَا يُطلَب نسلُه مِنْ ذَوَاتِ الأَربع.
وأَنْسَلَ الصِّلِّيانُ أَطرافَه: أَبرَزَها ثُمَّ أَلقاها.
والنُّسالُ: سُنْبُل الحَليِّ إِذا يَبس وطارَ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
أَعاشَني بعدَكَ وادٍ مُبْقِلُ، ***آكُلُ مِنْ حَوْذانِه وأَنْسِلُ
وَيُرْوَى: وأُنسِل، فمَن رَوَاهُ وأَنْسِل فَمَعْنَاهُ سمِنت حَتَّى سَقَطَ عَنِّي الشَّعْرُ، وَمَنْ رَوَاهُ أُنْسِل فَمَعْنَاهُ تُنْسِل إِبلي وغنَمي.
والنَّسِيلة: الذُّبالةُ، وَهِيَ الفَتِيلة فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ.
ونَسَلَ الْمَاشِي يَنْسِلُ ويَنْسُلُ نَسْلًا ونَسَلًا ونَسَلانًا: أَسرع؛ قال:
عَسَلانَ الذئبِ أَمْسى قارِبًا، ***بَرَدَ الليلُ عَلَيْهِ فَنَسَلْ
وأَنشد ابْنُ الأَعرابي: عَسٌّ أَمامَ الْقَوْمِ دَائِمُ النِّسَلْ "وَقِيلَ: أَصل النَّسلانِ لِلذِّئْبِ ثُمَّ استعمِل فِي غَيْرِ ذَلِكَ.
وأَنْسَلْتُ القومَ إِذا تقدَّمتهم؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لعَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
أَنْسَل الدِّرْعَانِ غَرْبٌ خَذِمٌ، ***وعَلا الرَّبْرَبَ أَزْمٌ لَمْ يُدَنْ
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}؛ قَالَ أَبو إِسحاق: يَخْرُجُونَ بِسُرْعَةٍ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: النَّسَلان مِشْية الذِّئْبِ إِذا أَسرع.
وَقَدْ نَسَلَ فِي العدْوِ يَنْسِلُ ويَنْسُلُ نَسْلًا ونَسَلانًا أَي أَسرع.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنهم شكَوْا إِلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضَّعْفَ فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بالنَّسْل»؛ قَالَ ابن الأَعرابي: ببسط وَهُوَ الإِسراع فِي الْمَشْيِ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: " أَنهم شَكَوْا إِليه الإِعْياء فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بالنَّسَلان، وَقِيلَ: فأَمرهم أَن يَنْسِلوا أَي يُسْرِعُوا فِي الْمَشْيِ.
وَفِي حَدِيثِ لُقْمَانَ: «وإِذا سَعى الْقَوْمُ نَسَل»أَي إِذا عَدَوْا لِغَارَةٍ أَو مَخافة أَسرع هُوَ، قَالَ: والنَّسَلان دُونَ السَّعْيِ.
والنَّسَل، بِالتَّحْرِيكِ: اللَّبَنُ يَخْرُجُ بنفْسه مِنَ الإِحليل.
والنَّسِيل: الْعَسَلُ إِذا ذابَ وفارَق الشَّمَع.
الْمُحْكَمُ: والنَّسِيل والنَّسِيلَةُ جَمِيعًا الْعَسَلُ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.
وَيُقَالُ لِلَّبن الَّذِي يَسِيل مِنْ أَخضر التِّين النَّسَل، بِالنُّونِ، ذَكَرَهُ أَبو مَنْصُورٍ فِي أَثناء كَلَامِهِ عَلَى نَلِسَ.
وَاعْتَذَرَ عَنْهُ أَنه أَغفله فِي بَابِهِ فأَثبته فِي هَذَا الْمَكَانِ.
ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ فُلَانٌ يَنْسِلُ الوَدِيقة وَيَحْمِي الحقيقة.
نشل: نَشَل الشَّيْءَ يَنْشُلُه نَشْلًا: أَسرع نَزْعَه.
ونَشَلَ اللحمَ يَنْشُلُه ويَنْشِلُه نَشْلًا وأَنْشَلَه: أَخرجه مِنَ القِدْر بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ مِغْرفة.
وَلَحْمٌ نَشِيل: مُنْتَشَل.
وَيُقَالُ: انْتَشَلْت مِنَ الْقِدْرِ نَشِيلًا فأَكلتُه.
ونَشَلْت اللحمَ مِنَ الْقِدْرِ أَنْشُلُه، بِالضَّمِّ، وانْتَشَلْته إِذا انتزَعته منها.
والمِنْشَل والمِنْشال: حَدِيدَةٌ فِي رأْسها عُقَّافَة يُنْشَل بِهَا اللَّحْمُ مِنَ القِدْر وَرُبَّمَا....
مِنْشَال مِنَ المَنَاشِل؛ وأَنشد:
وَلَوْ أَنِّي أَشاءُ نَعِمْتُ بَالًا، ***وباكَرَني صَبُوحٌ أَو نَشِيلُ
ونَشَلَ اللحمَ يَنْشُلُه ويَنْشِلُه نَشْلًا وانْتَشَلَه: أَخذ بِيَدِهِ عُضْوًا فتَناول مَا عَلَيْهِ مِنَ اللَّحْمِ بفِيه، وَهُوَ النَّشِيل.
وَفِي الْحَدِيثِ: «ذُكِر لَهُ رَجُلٌ فَقِيلَ هُوَ مِنْ أَطول أَهل الْمَدِينَةِ صَلاةً، فأَتاه فأَخذ بعَضُده فنَشَلَه نَشَلاتٍ» أَي جَذَبه جَذَبات كَمَا يَفْعَلُ مَنْ يَنْشِل اللَّحْمَ مِنَ الْقِدْرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه مَرَّ عَلَى قِدْرٍ فانْتَشَل مِنْهَا عَظْمًا» أَي أَخذه قَبْلَ النُّضْجِ، وَهُوَ النَّشِيل.
والنَّشِيل: مَا طُبِخَ مِنَ اللَّحْمِ بغير تابِل [تابَل]، والفِعْل كالفِعْل؛ قَالَ لَقِيطُ بْنُ زُرَارَةَ:
إِنَّ الشِّواءَ والنَّشِيلَ والرُّغُفْ، ***والقَيْنَةَ الحَسْناء والكَأْسَ الأُنُفْ
لِلضَّارِبِينَ الهامَ، والخيلُ قُطُفْ اللَّيْثُ: النَّشْل لَحْمٌ يطبَخ بِلَا توابِل يَخْرُجُ مِنَ المَرَق ويُنْشَل.
أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ نَشِّلوا ضيفَكم وسَوِّدُوه "ولَوُّوه وسَلِّفُوه بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
أَبو حَاتِمٍ: النَّشِيل مَا انْتَشَلْت بيدِك مِنْ قِدْر اللَّحْمِ بِغَيْرِ مِغْرَفة، وَلَا يَكُونُ مِنَ الشِّواء نَشِيل إِنما هُوَ مِنَ القَدِير، وَهُوَ مِنَ اللبَن سَاعَةَ يحلَب.
والنَّشِيل: اللَّبَنُ سَاعَةَ يحلَب وَهُوَ صَرِيفٌ ورَغْوَته عَلَيْهِ؛ قَالَ:
عَلِقْت نَشِيلَ الضَّأْنِ، أَهْلًا ومَرْحَبًا ***بِخالي، وَلَا يُهْدَى لِخالك مِحْلَبُ
وَقَدْ نُشِلَ.
وعضُد مَنْشُولَة ونَاشِلَة: دَقِيقَةٌ.
وَفَخِذٌ نَاشِلَة: قَلِيلَةُ اللَّحْمِ، نَشَلَتْ تَنْشُلُ نُشُولًا، وَكَذَلِكَ السّاقُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنها لَمَنْشُولَةُ اللَّحْمِ؛ وَقَالَ أَبو تُرَابٍ: سَمِعْتُ بَعْضَ الأَعراب يَقُولُ فَخِذٌ ماشِلةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَقِيلَ: النُّشُولُ ذهابُ لَحْمِ السَّاقِ.
والنَّشِيلُ: السيفُ الْخَفِيفُ الرقيقُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَراه مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
نَشِيل من البِيضِ الصَّوارمِ بعد ما ***تَقَضَّضَ، عَنْ سِيلانِه، كلُّ قائِم
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَسَمِعْتُ الأَعراب يَقُولُونَ لِلْمَاءِ الَّذِي يُسْتَخرَج مِنَ الركِيَّة قَبْلَ حَقْنِه فِي الأَسَاقي نَشِيل.
وَيُقَالُ: نَشِيلُ هَذِهِ الركيَّة طيِّبٌ، فإِذا حُقِنَ فِي السِّقَاءِ نَقَصَت عُذُوبَتُه.
ونَشَلَ المرأَة يَنْشُلها نَشْلًا: نكحَها.
أَبو تُرَابٍ عَنْ خَلِيفَةَ: نَشَلَتْه الحَيَّة ونَشَطَتْه بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
والمَنْشَلَة، بِالْفَتْحِ: مَا تَحْتَ حَلْقة الْخَاتَمِ مِنَ الإِصبع؛ عَنِ الزَّجَّاجِيِّ، وَفِي الصِّحَاحِ: مَوْضِعُ الْخَاتَمِ مِنَ الخِنْصِر.
وَيُقَالُ: تَفَقَّدِ المَنْشَلةَ إِذا توضَّأْتَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «قَالَ لِرَجُلٍ فِي وُضوئه: عَلَيْكَ بالمَنْشَلَة»، يَعْنِي موضعَ الْخَاتَمِ مِنَ الخنصِر، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنه إِذا أَراد غَسْلَه نَشَلَ الخاتمَ أَي اقْتلعه ثُمَّ غَسَله.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
34-صحاح العربية (نصل)
[نصل] النَصْلُ: نَصْلَ السهم والسيفِ والسكِّين والرَمحِ.والجمع نُصولٌ، ونِصالٌ.
والمنصل والمنصل: السيف.
ونصل الحافر: خرج من موضعه.
ونصل الشعر يَنْصُلُ نُصولًا: زال عنه الخضابُ.
يقال: لِحْيةٌ ناصل.
ونَصَلَ السهمُ، إذا خرجَ منه النَصْل، ومنه قولهم: " رماه بأَفْوَقَ ناصِل ".
ويقال أيضًا: نَصَلَ السهمُ، إذا ثبتَ نصله في الشئ فلم يخرج، وهو من الأضدادِ.
ونَصَّلْتُ السهم تنصيلا: نزعت نصله.
وهو كقولهم: قردت البعير، وقذيت العين، إذا نزعت منه القراد والقذى، وكذلك إذا ركبت عليه النصل: وهو من الاضداد.
وأنصلت الرمح، إذا نزعتَ نَصْلَهُ وكان يقال لرجَبٍ في الجاهليَّة: مُنْصِلُ الأَسِنَّةِ ومُنْصِلُ الأَلِّ، لأنَّهم كانوا ينزعون الأسِنَّةَ فيه ولا يغزون ولا يُغيرُ بعضُهم على بعض.
قال الأعشى: تدارَكَهُ في مُنْصِلِ الأَلِّ بعدَما مَضى غير دَأْداءٍ وقد كادَ يَعْطَبُ والنِصيلُ: مَفْصِلُ ما بين العنق والرأس من تحت اللحيَيْنِ.
وتَنَصَّلَ فلانٌ من ذنبه، أي تبرأ.
وتنصلت الشئ واستنصلته، إذا استخرجته.
يقال: اسْتَنْصَلَ الهيفُ السفا، إذا أسقطته.
صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
35-منتخب الصحاح (نصل)
النَصْلُ: نَصْلَ السهم والسيفِ والسكِّين والرَمحِ.والجمع نُصولٌ ونِصالٌ.
والمُنْصُل والمُنْصَل: السيفُ.
ونَصَلَ الشَعر يَنْصُلُ نُصولًا: زال عنه الخضابُ.
يقال: لِحْيةٌ ناصل.
ونَصَلَ السهمُ، إذا خرجَ منه النَصْل، ومنه قولهم: رماه بأَفْوَقَ ناصِل.
ويقال أيضًا: نَصَلَ السهمُ، إذا ثبتَ نَصْلُهُ في الشيء فلم يخرج، وهو من الأضدادِ، ونَصَّلْتُ السهم تَنْصيلًا: نَزَعْتُ نَصْلَهُ.
وأنْصَلْتُ الرُمْحَ، إذا نزعتَ نَصْلَهُ.
وكان يقال لرجَبٍ في الجاهليَّة: مُنْصِلُ الأَسِنَّةِ ومُنْصِلُ الأَلِّ، لأنَّهم كانوا ينزعون الأسِنَّةَ فيه ولا يغزون ولا يُغيرُ بعضُهم على بعض.
قال الأعشى:
تدارَكَهُ في مُنْصِلِ الأَلِّ بعدَما *** مَضى غير دَأْداءٍ وقد كادَ يَعْطَبُ
والنِصيلُ: مَفْصِلُ ما بين العنق والرأس من تحت اللحيَيْنِ.
وتَنَصَّلَ فلانٌ من ذنبه، أي تَبَرَّأَ.
وتَنَصَّلْتُ الشيءَ واسْتَنْصَلْتُهُ، إذا استخرجته.
يقال: اسْتَنْصَلَ الهيفُ السَفا، إذا أسقَطَتْهُ.
منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
36-المحيط في اللغة (جرم)
جرم: الجَرْمُ: نَقِيْضُ الصَّرْدِ، أرْضٌ جَرْمٌ.والجِرْمُ: ألْوَاح؛ ُ الجَسَدِ وجُثْمانُه.
ورَجُلٌ جَرِيْمٌ ومَجْرُوْمٌ.
وامْرَأَةٌ جَرَيْمَةٌ.
ذاتُ جِرْمٍ وجِسْمٍ عَظِيمٍ.
ويُقال: جُرْمَانٌ مِثْلُ جُسْمَانٍ.
وهي الرائحَةُ أيضًا.
ورَمى بأجْرَامِه: أي بِجِسْمِه.
وجِرْمُ الصَّوْتِ: جَهَارَتُه.
والجُرْمُ: الذَّنْبُ، وجَمْعُه أجْرَامٌ.
والمُجْرِمُ: المذْنِبُ، والجارِمُ: مُِْلُه.
والجُرْمُ: الباطِلُ، حَلَفْتَ يَمِينًا ما فيها جُرُماتٌ: أي أباطِيْلُ.
وأصابَهُ ذاكَ من جَرَمِك: أي من جَرِيمَتِكَ وجِنَايَتِكَ.
ومالي عِنْدَه جَرِمَةٌ.
وقَرَأ يَحْيَى بن وثّابٍ: (لاَ يُجْرِمَنَّكُم) برَفْعِ الياء؛ من أجْرَمَ أجْرَامًا.
وقَوْلُه: {لاَ جَرَمَ} أيْ لا بُدَّ، وقيل: حَقًّا.
وجَرَمَ له كذا: أي حَقَّ له.
وفي (جَرَم) لُغَاتٌ: لا جَرَم ولا جرمَ ولا جَرَ بحَذْفِ الميم ولا ذا جَرَمَ ولا أنْ ذا جَرَمَ ولا جَرُمَ بوَزْنِ كَرُمَ.
ومَعْنى لا ذا جَرَمَ: أي أسْتَغْفِرُ اللهَ.
وأقَمْتُ عِنْدَهم حَوْلًا مُجَرَّمًا: أي تامًّا.
وجَرَّمْنا هذه السَّنَةَ: أي خَرَجْنَا منها.
وتَجَرَّمَتِ الٍسنَةُ والشِّتاءُ.
وفلانٌ جَرِيْمَةُ أهْلِه: أي كاشِبُهم، وكذلك الجارِمُ.
والجَرِيْمُ من الإِبِلِ: الجِلَّةُ التي لَبْسَ فيها حَشْوٌ.
واعْطُوا الرامِيَ جَرِيْمَتَه: أي زَوِّدُوْه.
والأجْرَامُ: مَتَاعُ الراعي.
والجَرِيْمَةُ: آخِرُ وَلَدُ الرَّجُلُ.
والجَرِيْمُ والجَرَامُ: النَّوى، الواحِدُ جَرِيْمَةٌ.
وقيل: التَّمْرُ اليابِسُ.
والجَرَامُ: صِرَامُ النَّخْلِ.
والجُرَامَةُ: ما الْتُقِطَ من التَّمْرِ بَعْدَمَا يَصْرَمُ.
والجُرّامُ: الصُّرّامُ.
والجَرْمُ: القَطْعُ، جَرَمَ صُوْفَ الشاةِ: إذا جَزَّه عنها.
والأَجْرَامُ من السَّمَكِ: لَوْنَانِ مُسْتَدِيْرٌ بِلَوْنٍ؛ وأسْوَدُ له أجْنِحَةٌ.
وجَرْمٌ: قَبِيلَةٌ من اليَمَنِ.
وجَرْجَمَه فلانٌ: أي صَرَعَه.
والجُرْجُوْمُ: نَعْتٌ؛ منه.
وجَرْجَمْتُ الشَّيْءَ بَعْضَه على بَعْضٍ: أي أسْقَطتَه.
وتَجَرْجَمَ: أي تَجَدَّلَ.
والتَّجَرْجُمُ: الانْحِدَارُ في البِئْرِ.
وتَجَرْجَمَ الوَحْشِيُّ في وِجَارِهِ: أي تَقَبَّضَ فيه.
والتَّجَرْجُمُ: التَّقَوُّضُ والانْهِدَامُ.
وتَجَرْجَمَ في الأكْلِ والشُّرْبِ: أكْثَرَ.
ورَجُلُ جُرْجُمَانٌ.
والجُرْجُوْمُ: العُصْفُرُ.
والجَرِيْمُ والجَرِيْنُ: للتَّمْرِ والزَّبِيْبِ.
وجَرْجَمْتُ القَدَحَ: أتَيْتَ على ما فيه.
وتَجَرْ(َمَ: تَدَحْرَجَ.
والجَرَاجِمُ: صَوْتُ اللَّبِنِ في الوَطْبِ.
والجَرْمُ: مَصْدَرُ الجارِمِ الذي يجْرِمُ على نَفْسِه وقَوْمِه شّرًَّا.
واجْتَرَمَ سَيئَّةً: اقْتَرَفَها.
ومعنى: {لا جَرَمَ أنَّ لهم النارَ} بمعنى لا باطلَ.
وجَرَّمْتُ الكَلامَ عن نَفْسي تَجْرِيمًا: نَفَّذْته عَنّي.
وجَرَمَ النَّخْلَ يَجْرِمُه جَرْمًا وجَرَامًا.
وهذا زَمَنُ الجَرَامِ والجِرَامِ: أي الصَّرَام.
والجَرَامُ: ما دقَّ من النَّوى.
المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م
37-المحيط في اللغة (درء)
الدَّرْءُ: العِوَجُ في كُلِّ شَيْءٍ تَصْلُبُ إقَامَتُه، دَرَأ العُوْدُ دُرُوْءًا ودَرْءًا.وبِئْر ذاتُ دَرْءٍ: أي ذاتُ طائقٍ.
وطَرِيْقٌ ذُو دُرُوْءٍ: أي فيه كُسوْر.
ودَرْءُ كُلِّ شَيْءٍ: حَيْدُه.
وفلان ذو تُدْرَإٍ في الحَرْبِ: أي ذو مَنَعَةٍ وقُوَّةٍ على أعْدَائه.
ودَرَأت فلانًا عنّي: دَفَعْته.
واللَّهُم إنِّي أدْرَأ بكَ في نَحْرِه.
ودَرَأتُ الحذَ: أسقطْته، وفي الحَدِيثِ: (ادْرَأوا الحُدُوْدَ بالشُّبُهَاتِ).
وكانَ بَيْنَ القَوْمِ دَرْءٌ وتَدَارُؤٌ: أي اخْتِلاَفٌ واعْوِجَاجٌ، من قَوْلِه عَزَوجَل: (فادّارَأتُم فيها).
ودَارَأتُه: كاتَمْتُه ما في نَفْسي.
وهو يُدَارِئه: أي يُنَازِعُه.
ودَرَأ علينا دَرْءًا ودُرْءَةً: أي طَلَعَ وخَرَجَ مُفَاجَأةً.
ودَرَأى علينا الماشِيَةُ: هَجَمَتْ.
والدرِيْءُ: الجَرِيْءُ.
والدَرْءآنُ: الذي يَدْرَأ عليكَ أي يَطْرأ.
والدّارِئُ: الغَرِيْبُ، وقَوْمٌ دُرَءاءُ.
وأدْرَأتِ النّاقَةُ بضَرْعِها؛ وهي مُدْرِئٌ: إذا أرْخَتْ ضَرْعَها عِنْدَ النَتَاجِ.
ودَرَأ البَعِيْرُ فهو دَارِئٌ: إذا وَرِمَ ظَهْرُه وظَهَرَتْ غُدَّتُه.
ودَرَأتِ الغُدَّةُ.
وإبِلٌ بها دُرْأة ودُرُوْءٌ.
ورَجُلٌ مَدْروْءٌ: مَطْعُوْنٌ، ودَارِئ: نَحْوُه.
وتُقْرأ: كَوْكَبٌ دِريْءٌ - على فِعِّيْلٍ -: أي كأنَّه يُخْرِجُ نَفْسَه من السمَاءِ، من دَرَأ دُرُؤًْا.
ودَرَأتِ النّارُ: أضَاءَتْ.
والدَّرَارِي: الكَوَاكِبُ اللآتي تَدْرَأ فتَقْتَحِمُ اقْتِحَامَ القَمَرِ.
وهو دُرٌيْءُ القَوْمَ: أي كَبِيْرُهم.
وتُدْرَأ: اسْمُ مَوْضِعٍِ.
وسالَ الوادي دُرْءاَ ودَرْءًا: أي من غَيْرِ مَطَرِ أرْضِه، ودرُوءًْا: كذلك.
ودَرَأ الوادي: دَفَعَ بالسَّيْلِ من مَكانٍ آخَرَ.
والدّارِئُ: الوادي.
ودَرَأْتُ الوِسَادَةَ: بَسَطْتها.
ودَرَأت وَضِيْنَ النّاقَةِ: شَدَدْته وبَسَطْته على الأرْضِ.
وادّارَأتُ للصَّيْدِ: اتَّخَذْت دَرِيْئَةً؛ فَهَمَزَه.
والدَّريْئَةُ: السُّتْرَةُ أيضًا.
وادَّرَأ بَنُو فلانٍ بفلانٍ: أي نَصَبُوه للغَرَضِ والخُصُوْمَةِ.
المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م
38-تهذيب اللغة (هل)
وتقول: هل كان كذا وكذا؟ وهل لك في كذا وكذا؟ قال: وقول زهير:أَهَلْ أَنْتَ وَاصِلُه
اضطرار، لأن هل حرف استفهام، وكذلك الألف، ولا يستفهَم بحرفي استفهام.
وقال الخليل لأبي الدُّقَيْش: هلْ لكَ في الرُّطَبِ؟ قال: أَشَدُّ هَلْ وأوْحَاه، فخفَّف، وبعض يقول: أشدُّ الهلّ وأوحاه بتثقيل.
ويقول: كل حرف أداةٍ إذا جعلت فيه ألفًا ولامًا صار اسمًا فقوّي وثُقِّل، كقول الشاعر:
إن لَيْتًا وإنَّ لَوَّا عَنَاءُ
قال الخليل: إذا جاءت الحروف الليّنة في كلمة نحو لَوْ وأشبها وأشباهها ثُقِّلت، لأن الحرف اللين خَوَّارٌ أجوف، لا بد له من حَشْوٍ يُقَوَّى به إذا جُعِل اسمًا.
قال: والحروف الصحاح القوية مستغنيةٌ بِجُرُوسها لا تحتاج إلى حشوٍ فتترك على حالها.
سلمة عن الفرّاء {هل} قد تكون جَحْدًا وتكون خَبرًا.
قال: وقول الله: {هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسَان: 1] من الخَبَر، معناه: قَدْ أَتَى على الإنسان حِينٌ من الدَّهْر.
قال: والجَحْدُ أن تقول: هل زلت تقوله، بمعنى ما زلت تقوله.
قال: فيستعملون هل، تأتي استفهامًا، وهو بابها، وتأتي جحدًا مثل قوله.
وهَلْ يقدر أحدٌ على مثل هذا.
قال: ومن الخبر قولك للرجل: هَلْ وَعَظْتُك؟ هل أعطيْتُك؟ تُقَرِّره بأنّك قد وعَظْتَه وأعطيْتَه.
حُكِيَ عن الكسائيّ أنه قال: تقول: هَلْ زِلْتَ تقوله، بمعنى ما زِلْتَ تقوله، قال: فيستعملون هَلْ بمعنى ما.
قال: ويقال: متى زِلْتَ تقول ذلك وكيف زلت؛ وأنشد:
وهَلْ زِلْتُم تَأوِي العَشِيرَةُ فيكُم *** وتُنْبِتُ في أكنافِ أبْلَح خِضْرِمِ
وقال الفرّاء: وقال الكسائي: هلْ تأتي استفهامًا، وهو بَابُها، وتأتي جَحْدًا، مثل قوله:
أَلَا هَلْ أَخُو عَيْشٍ لذيذٍ بدائم
معناه: ألا مَا أخو عَيْشٍ.
قال: وتأتي شَرْطًا، وتأتي بمعنى قد، وتأتي توبيخًا، وتأتي أمْرًا، وتأتي تنبيهًا، وقال: فإذا زِدْتَ فيها ألفًا كانت بمعنى التسكين.
وهو معنى قوله «إذا ذُكِرَ الصالِحُون فحي هَلَا بِعُمَرَ» قال: معنى حيّ أسرِعْ بذكره، ومعنى هلا؛ أي: اسْكُنْ عند ذكره حتى تنقضي فضائله؛ وأنشد:
وأَيّ حَصَانٍ لا يُقَالُ لها هَلا
أي: اسكني للزَّوْج؛ قال: فإِن شدَّدْتَ لامها، فقلت: هلَّا، صارت بمعنى اللَّوْم والحضّ، فاللَّوْمُ: على ما مضى من الزمان، والحضُّ: على ما يأتي من الزمان، ومن الأمر قوله جلَّ وعزَّ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] وأخبرني المنذريُّ عن ثعلب أنه قال: حَيَ هَلْ؛ أي: أَقْبِلْ إليّ، وربما حذف حيّ فقيل: هَلَا إليّ.
وقال الزّجّاج: إذا جعلنا معنى {هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ} [الإنسان: 1] قد أتى على الإنسان، فهو بمعنى ألَمْ يأتِ على الإنسان {حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}.
أخبرني المنذريّ عن فهمٍ عن ابن سلام قال: سألت سيبويهِ
عن قوله: {فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} [يُونس: 98] على أي شيءٍ نُصِبَ؟ قال: إذا كان معنى إلا لكن نُصِبَ.
وقال الفرّاء في قراءة أُبيّ {فهلّا} وفي مصحفنا {فَلَوْ لا}.
قال: ومعناها أنهم لم يؤمنوا ثم استثنى قومَ يونس بالنصب على الانقطاع بما قبله.
كأن قومَ يونس كانوا منقطعين من قومِ غيرهِ.
وقال الفرَّاء أيْضًا: لو لا إذا كانت مع الأسماء، فهي شرطٌ، وإذا كانت مع الأفعال، فهي بمعنى هلَّا، لَوْمٌ على ما مضى وتحضيض لِمَا يأتِي.
وقال الزّجّاج في قوله: {لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [المنَافِقون: 10] معناه هلّا.
قال الليث: تقول: هَلّ السحابُ بالمطر وانهلّ بالمطر انْهِلالًا؛ وهو شدة انصبابه، ويتهلَّلُ السحابُ ببَرْقه؛ أي: يتَلأْلأُ، ويتهلّل الرجل فَرَحًا؛ وقال زهير:
تَرَاهُ إذا ما جِئْتَهُ مُتَهَلِّلًا *** كأَنَّكَ تُعطِيهِ الذي أَنْتَ سَائِلُهْ
قال: والهَلِيلَةُ: الأرض التي استُهِلّ بها المطر، وما حواليها غيرُ ممطور، قال: والهِلال: غُرَّةُ القمر حين يُهِلُّه الناس في أول الشهر.
تقول: أُهِلَ القَمَرُ.
ولا يقال: أُهِلَ الهلالُ.
قلت: هذا غلط.
وكلام العرب: أُهِلَ الهِلالُ.
وروى أبو عبيد عن أبي عمرو: أُهِلَ الهلال واستُهِلّ، لا غيرُ.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي: أَهَلَ الهلالُ واسْتَهَلَ وأهلّ الصبيُّ واستَهَلَ.
وقال: الشهرُ الهلالُ بعينه.
وقال شمر: أُهِلّ الهلالُ واستُهلّ، قال واستَهَلَ أيضًا، وشهر مستهِلٌ؛ وأنشد:
وشهر مستهِلٌ بعدَ شَهْرٍ *** ويوم بعده يومٌ قريبُ
قال أبو بكر: قال أبو العباس: سُمِّي الهلالُ هلالًا، لأن الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه.
وأَهَلَ الرجلُ واستَهلَ: إذا رفع صوته؛ وقول الشاعر:
غيرَ يَعْفُورٍ أَهَلَ به *** جَابَ دَفَّيْه عن القَلْبِ
قيل في الإهلال: إنه شيء يعتريه في ذلك الوقت يخرج من جوفه شبيهٌ بالعُواء الخفيف، وهو بين العواء والأنين، وذلك من حاقِّ الحِرْص وشدّة الطلب وخوف الفَوْتِ.
وانهلّت السماء منه يعني كلبَ الصيد إذا أُرسل على الظّبْي فأخذه.
أبو زيد: استهلَّت السماء في أول المطر، والاسم الهلَلُ.
وقال غيره: هَلَ السحابُ: إذا قطَرَ قَطْرًا له صوتٌ، وأهَلَّه اللهُ، ومنه انْهِلَالُ الدمع وانْهِلالُ المطر.
وأخبرني المنذريُّ عن أبي الهيثم قال: يسمّى القمر لِلَيْلَتَيْن من أَوَّل الشَّهر هِلَالًا، ولليلتين من آخر الشهر ليلة ستّ وسبع وعشرين هلالًا.
ويسمّى ما بين ذلك قَمَرًا، ويقال: أَهْلَلْنَا الهِلَال واستهلَلْنَاه.
وقال الليث: المُحْرِم يُهِلُ بالإحرام: إذا أوجب الحُرُم على نفسه، تقول: أَهَلَ فلانٌ بعمرة أو بِحَجَّة؛ أي: أَحْرَمَ بها، وإنما قيل للإِحرام إِهْلالٌ، لأن إحرامهم كان عند إهلال الهلال.
قلت: هذا غلط إنما قيل للإحرام: هلالٌ لرفع
المُحرم صوتَه بالتلبية.
قال أبو عبيد: قال الأصمعيّ وغيره: الإهلالُ: التلبية، وأصل الإهلال رفْعُ الصوت، وكل شيء رافعٍ صوتَه فهو مُهِلٌ.
قال أبو عبيد: وكذلك قول اللهِ جلّ وعزّ في الذبيحة {وَما أُهِلَ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [المَائدة: 3] هو ما ذبح للآلهة، وذلك لأن الذَّابِحَ كان يُسَمِّيها عند الذبح، فذلك هو الإهْلَالُ؛ وقال النابغة: يذكر دُرّةً أخرجها غَوَّاصُها من البحر:
أو دُرَّةٍ صَدَفيةٍ غَوَّاصُها *** بَهِجٌ مَتَى يَرَهَا يُهِلَ ويَسْجُدِ
يعني بإهلاله رفعَه صوتَه بالدعاءِ والحمد لِلَّهِ إذَا رآها.
وقال أبو عبيد: وكذلك الحديثُ في استهلال الصبيّ إذا وُلد لم يَرِثْ ولم يُورَثْ حتى يستهلَ صارخًا، وذلك أنه يُسْتَدَلُّ على أنه وُلِدَ حيًّا بصوته؛ وقال ابن أحمر:
يُهِلُ بالفَرْقَدِ رُكْبَانُها *** كما يُهِلُ الرّاكِبُ المُعْتَمِرْ
وقال الليث: قال أبو الخطاب: كل متكلّمٍ رافع الصوتَ أو خافضِه فهو مُهلً ومُسْتَهِلّ؛ وأنشد:
وأَلْفَيْتُ الخُصُومَ وَهُمْ لَدَيْهِ *** مُبَرْشِمَةً أَهلُّوا يَنْظُرونا
قلت: والدليل على صحة ما قاله أبو عبيد، وحكاه عن أصحابه، قول السَّاجِع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قضى في الجنين الذي أسقطته أمّه ميتًا بغُرَّة، فقال: أرأيت من لا شَرِبَ ولا أَكَل، ولا صَاحَ فاستَهَلّ، مثل دمه يُطَل، فجعله مُسْتَهِلًّا بصياحه عند الولادة.
وقال الليث: يقال للبعير إدا استَقْوَس وحَنَى ظهره والتزق بطنُه هُزَالًا، وإحناقًا: قد هُلِّلَ البعير تهليلًا؛ وقال ذو الرُّمَّة:
إذا ارفَضَّ أطرافُ السِّيَاطِ وهُلِّلَتْ *** جُرُومُ المَطَايا عذَّبَتْهُنّ صَيْدَحُ
ومعنى هُلِّلت؛ أي: انحنت حتى كأنّها الأَهِلّة دِقة وضُمْرًا.
وقال الليث: الهَلَلُ: الفَزَعُ.
يقال: حَمَل في هَلَل، إِنْ ضرب قِرْنه.
ويقال: أحجم عنّا هَلَلًا؛ قاله أبو زيد.
وقال: مات فلان هَلَلًا ووَهَلًا؛ أي: فَرَقًا.
وقال أبو عبيد: التهليل: النُّكُوص؛ وقال كعب بن زهير:
وما بِهِمْ عَنْ حِياضِ الموتِ تَهْلِيلُ
وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال: ليس شيء أجرأَ من النمرِ.
ويقال: إن الأسد يُهلِّل ويكلّل، وإن النَمر يُكَلِّلُ ولا يُهَلِّلُ.
قال: والمهلّل: الذي يحمل على قِرْنه ثم يجبن فينثني ويرجع، يقال: حَمَلَ ثم هلّل، والمكلِّل: الذي يحمل فلا يرجع حتى يقع بِقرنه؛ وقال الراعي:
قَوْمٌ على الإسلامِ لمّا يَمْنعَوا *** ما عُونَهُمْ ويُهلّلوا تَهْلِيلًا
أي: لما يُهَلَلّوا؛ أي: لمّا يرجعوا عمَّا هم عليه من الإسلام، من قولهم: هَلّلَ عن قِرْنه وكَلَّس.
قلت: أراد لما يُضَيِّعوا شهادة أن لا إله إلا اللهُ، وهو رفع الصوت بالشهادة.
هذا على قول من رواه
«.
.
.
ويضيعوا التهليلا»
.
وقال اللَّيْثُ: التهليل: قول لا إله إلّا اللهُ، قلت: ولا
أَرَاهُ مأخوذًا إلا مِنْ رفع قائِله به صوتَه.
وقيل: هو مأخوذ من حُرُوف لا إله إلا اللهُ.
قلت: وهذا أَوْلَى بقول الرّاعي من التهليل بمعنى النكوص إذا روي.
.
.
«ويضيّعوا التهليلا».
وقال الليث: الهِلَال: الحيَّةُ الذَّكَر.
قلت: الهلال، عند العرب: الحيّة ذكرًا كان أو غيرَ ذكرٍ، كذلك قال ابن الأعرابي؛ وأنشد:
في نَثْلَةٍ تَهْزَأُ بالنِّصال *** كأَنَّها من خِلَع الهِلالِ
يصِفُ دِرْعًا، شبَّهها في صفائِها بِسَلْخِ الحيَّةِ.
وهزؤها بالنصال: ردُّها إيّاها.
وقال ابن الأعرابي: الهلالُ، أيضًا: ما يبقى في الحوضِ من الماء الصافي.
قلت: وقيل له هلالٌ، لأنّ الغدير إذا امتلأ من الماء استدار، وإذا قَلَّ ماؤه صار الماءُ في ناحِيَةٍ منه فاستقْوَس.
قال: والهلال: الغُلام الحسنُ الوجهِ.
ويقال لِلرَّحَى: هلال، إذا انكسرت.
وقال الليث: الهَلْهَل: السّمُّ القاتل، قلت: ليس كل سُمٍّ يكون قاتلًا يسمى هَلْهَلًا، ولكن الهَلْهَل ضربٌ من السموم بعينه يَقْتُل من ذاق منه، وإخاله هنديًا.
وقال الليث: الهَلْهلة: سخافة النسج.
ثوبٌ مُهَلْهَلٌ.
قال: والمهلهَلة من الدروع: أرْدؤها.
أبو عبيد عن الأحمر قال: اللهَلَهُ والنّهْنَهُ: الثوب الرقيق النسجِ.
وقال شمر: يقال ثوب مُلَهْلَهٌ ومهلهَلٌ ومنَهْنَهٌ؛ وأنشد:
ومَدَّ قُصَيٌّ وأبْنَاؤُه *** عليكَ الضِّلَالَ فما هَلْهَلُوا
وقال شمر في كتاب «السلاح»: المُهلْهَلَةُ، من الدروع، قال بعضهم: هي الحسنَةُ النَّسْج الرقيقة ليست بصفيقة.
قال: ويقال: هي الواسعة الحَلَق.
قال: وقال ابنُ الأعرابي: ثوب لَهْلَهُ النسج؛ أي: رقيقٌ ليس بكثيف.
ويقال: هلْهَلْتُ الطَّحِينَ: إذا نخلته بشيء سخيف، وقال أمية:
كما تُذْرِي المُهَلْهِلَةُ الطَّحِينا
وقال النابغة:
أَتَاكَ بِقْولٍ لَهْلَهِ النَّسْجِ كَاذِبٍ *** ولم يأْتِكَ الحقُّ الذي هو نَاصِعُ
وقال الليث: الهُلَاهِلُ، من وصف الماء: الكثيرُ الصَّافي.
قال: ويقال أنهج الثوب هلهالًا، وأنشد شمر قول رؤبة:
ومُخْفِقٍ من لَهْلَهٍ ولَهْلَهِ *** من مهمه يَجْتَبْنَهُ ومَهْمَهِ
قال ابن الأعرابي: اللُّهلُه الوادي الواسع.
وقال غيره: اللهَالِهُ ما استوى من الأرض.
وقال الليث: اللُّهلهُ المكان الذي يضطرب فيه السراب.
وقال الأصمعي: اللهْلَهُ ما استوى من الأرض.
وقال أبو نصر: أهالِيلُ الأمطار، لا واحدَ لها في قول ابن مقبل:
وغَيْثٍ مَرِيعٍ لم يُجَدَّعْ نَبَاتُهُ *** وَلَتْهُ أهالِيلُ السِّماكَيْنِ مُعْشِب
وقال ابن الأنباريّ: قال أبو عكرمة الضبي: يقال: هَيْلَلَ الرجلُ: إذا قال لا إله إلا اللهُ، وقد أخذنا في الهَيْلَلَةِ: إذا أخذنا في التَّهْلِيل.
قال أبو بكر: وهو مثل قولِهمْ حَوْلَقَ الرجلِ وحَوْقَلَ: إذا قال لا حول ولا قوة إلا باللهِ؛ وأنشد:
فِدَاكَ من الأقوامِ كلُّ مُبَخَّل *** يُحَوْلِقُ إمّا سالَهُ العُرْفَ سائلُ
قال: وقال الخليل: حَيْعَلَ الرجل إذا قال: حيّ على الصلاة، قال: والعرب تفعل هكذا إذا كثُر استعمالهم الكلمتين ضمّوا بعضَ حروف إحداهما إلى بَعْضِ حروف الأخرى، قولهم: لا تُبَرْقِلْ علينا؛ والبَرْقلة: كلام لا يتبعه فعل، مأخوذ من البَرْقِ الذي لا مَطَر معه.
أخبرني المنذريّ عن أبي العباس، أنه قال: الحوقلة والبسملة والسبحلة والهيللة، قال هذه الأربعةُ جاءت هكذا، قيل له: فالحمدَلةُ، فقال: لا، وَأَنْكَرَه.
ابن بزرج: هَلال المطر وهِلالُه، وما أصابنا هِلَال ولا بِلال ولا طِلَالٌ.
قال وقالوا: الهِلَلُ للأمطار، واحدها هِلَّةٌ؛ وأنشد:
مِنْ مَنْعِجٍ جَادَتْ رَوَابِيهِ الهِلَلُ
أبو عبيد عن الأصمعيّ: انهلّت السماء: إذا صبّت، واستهلّت: إذا ارتفَع صوتُ وقعها، وكأن استهلال الصبيّ منه.
وقال أعرابي: ما جاد فلان لنا بهِلَّةٍ ولا بِلّة.
ويقال أهَلَ السيفُ بفلان: إذا قطع فيه؛ وقال ابن أحمر:
وَيْلُ أُمِّ خِرْقٍ أَهَلَ المَشْرَفِيُّ به *** عَلَى الهَبَاءَةِ لا نِكْسٌ ولا وَرعُ
وهلال البعير: ما استقْوَس منه عند ضُمْرِه؛ وقال ابن هرمة:
وَطَارِقِ همٍّ قد قَرَيْتُ هِلَالَهُ *** يَخُبُّ إذا اعْتَلَّ المَطِيُّ ويَرْسُمُ
أراد أنه قد فرَى الهمُّ الطارقُ سير هذا البعير؛ وأما قوله:
وليستْ لها رِيحٌ ولكن وَدِيقَةٌ *** يَظَلُّ بها السَّامي يُهِلُ وَيَنْقَعُ
فالسَّامي الذي يطلب الصيد في الرمضاء، يلبس مِسْحَاتَيْهِ ويُثِيرُ الظِّباء من مَكانِسها، رَمِضَتْ تشقّقت أظلافها ويُدْرِكها السامي فيأخذها بيده، وجمعه السُّمَاةُ.
وقال الباهليّ في قوله: يُهِل: هو أن يرفَع العطشانُ لسانه إلى لهاتِه فيجمع الريق؛ يقال جاء فلان يُهِلُ من العطش.
والنقْعُ جمع الريق تحت اللسان.
أبو عبيد عن أبي زيد: يقال للحدَائِد التي تقم ما بين أحْنَاءِ الرحال: أهِلَّة، واحدها هلال.
وقال غيره هِلَال النَّوْءِ: ما استقْوَسَ منه.
وقال اللحيانيّ: هالَلْتُ الأَجِيرَ مهالَّةً وهِلَالًا: إذا استأجَرْته من الهلال إلى الهلال بشيء معلوم.
أبو عبيد عن أبي عمرو: هَلْهَلْتُ أُدْرِكُه؛ أي: كنتُ أدركه.
وقال ابن الأعرابيّ: الهلْهَلَةُ: الانتظار والتأنّي.
وقال الأصمعيّ في قول حَرْمَلة بن حكيم:
هَلْهِلْ بِكَعْبٍ بَعْدَ ما وقَعَتْ *** فوقَ الجَبِين بِسَاعدٍ فَعْمِ
قال: هَلْهِلْ بكعبٍ؛ أي: أمهله بعدما وقعت به شَجَّةٌ على جبينه.
ويقال: هَلْهَلَ
فلان شِعْره: إذا لم يُنَقِّحْه، وأرسله كما حضره، وكذلك سمِّي الشاعرُ مهلهِلًا.
وقال شمر: هلْهَلْتُ: تَلَبَّثتُ وتنظَّرْتُ قال: وسمي مهلهل مهلهلًا بقوله لزهير بن جَناب:
لمّا توغَّلَ في الكُرَاعِ هَجِينُهُم *** هَلْهَلْتُ أثأَرُ جَابِرًا أو صِنْبِلا
أخبرني به أبو بكر عنه.
ويقال: أهَلَّت أرض بِعَالمها: إذا ذكرت به؛ وقال جرير:
هنيئًا للمدينةِ إذْ أَهلَّتْ *** بأهلِ العِلْمِ أبدأ ثم عادا
وقال أبو عمرو: يقال لنسج العنكبوت: الهَلَلُ والهَلْهَلُ.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: هلَ: إذا فرح، وهلّ: إذا صاح.
وقال في موضع آخر: هَلَ يَهُل: إذا فرح، وهلَ يَهِلُ: إذا صاح.
وبنو هلال: قبيلة من العرب.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
39-تهذيب اللغة (دمص)
دمص: أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: الدَّمصُ: الإسراعُ في كلّ شيء، وأصله في الدَّجاجة، يقال: دَمَصت بالكَيْكَة، ويقال للمرأة إذا رمتْ ولدَها بزَحْرة واحدة: قد دَمَصَتْ به، وزَكَبَتْ به.وقال الليث: كلَّ عِرْق من أعراق الحائط يسمَّى دِمْصًا، ما خلا العِرْق الأَسفل، فإنه دِهْص.
قال: والدّمَص: مصدَرُ الأدمص، وهو الذي رقَّ حاجِبهُ من أُخُرٍ، وكَثُفَ من قُدُم.
وربَّما قالوا: أدمص الرّأس: إذا رَقَّ منه مواضع وقلَّ شعرُه.
ويقال: دمَصَت الكلبةُ ولدَها: إذا أسقَطَتْه، ولا يقال في الكلاب أسقَطَتْ.
عمرو عن أبيه: يقال للبَيْضة: الدَّوْمَصة ودَمَصت السباعُ إذا وَلَدَتْ، ووضعتْ ما في بطونها.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
40-معجم العين (درأ)
درأ: والدَّريئة من أَدَمٍ وغيره يُتَعَلَّم عليها الطِّعانُ، قال:ظَلِلْتُ كأنيّ للرِّماحِ دَريئةً
وأَدْرَأْتُ دَريئةً أي اتّخَذْتُها.
والدَّريئة: ما تَتَسَتَّرُ به فترمي الصَّيْدَ، وتقول منه: دَرَيتُ الصيد أدري دَريًا، قال:
فإن كنتُ لا أدري الظباء فإنني *** أدس لها، تحت الترابِ، الدَّواهِيا
والدَّريئةُ، بالهمز،: الحَلْقة.
وتقول: حي بني فلان ادرؤوا فُلانًا كأنَّهم اعتَمَدوه بالغارة والغزو، وقال:
أَتَتْنا عامِرٌ من أرض حَزْمٍ *** مُعَلِّقةَ الكَنائِنِ تَدَّرينا
والدَّرْءُ: العِوَجُ في العَصَا والقَناةِ وكلِّ شيءٍ تَصعُب إِقامتُه، قال:
إنّ قناتي من صَليبات القَنَا *** على العُداةِ أن يُقيموا دَرْأَنا
وطريقٌ ذو دُرُوء ممدود، أي ذو كُسُورٍ ونحو ذلك من الأَخاقيق وإنه لذو تُدْرَأ في الحرب أي ذو مَنْعةٍ وقوّةٍ على أعدائه، قال:
لقد كنت في الحَربِ ذا تُدْرَأ
والتَّدارُؤُ: التَّدافُع.
ودَرأ فلان علينا ودرىء مثله دروء إذا خَرَجَ مُفاجأة.
ودَرَأتُه عنّي، أي دَفَعتُه.
وتُدْرَأُ: اسمٌ وُضِعَ للدَّرْءِ كما يسمى تنفل وتُرْتُب، تريدُ به جاءَ الناسُ تُرْتُبًا أي طُرًّا.
وتقول: اللهم إني أدرأ بك في نَحْر فلانٍ لتَكفيَني شَرَّه.
ودَرَأتُ عنه الحَدَّ أي اسْقَطتُه من وجهٍ عَدْلٍ، قال الله- عزَّ وجل-:
وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ.
والتَّعطيلُ: أن تُترَكَ إِقامة الحد، ويقال في هذا المعنى بعينه: درأت عنه الحد درء، ومن هذا الكلام اشتُقَّت المُدارَأة بين الناس، وفي معنى آخر كان بينهم دَرْو أي تَدارُؤ في أمر فيه اختلافٌ واعوِجاج ومُنازعةٌ، قال الله عزَّ وجلَّ: فَادَّارَأْتُمْ فِيها
أي تَدارأتُم.
ودَرَأَ فلانٌ علينا دروء: خَرَجَ علينا مُفاجأةَ.
والتّدارُؤُ: التدافُع.
وتقول هُذَيل: ادَّرَيْتُ الصَّيْدَ أي ختَلتُه.
وادّرَأتِ الناقة بضرعها فهي مدرىء إذا أرْخَتْ ضَرْعَها عند النِّتاج.
وكوكب دِرِّيُّ على فِعّيل: من تَوَقُّده كأنّه يدرأ دروء، كأنّه يُخرجُ نفسَه من السَّماء.
والمِدْرَى: سَرخاره: أعجميّة، وشُبِّه بها قَرْنُ الثَّور، فمن أَنَّثه قال: مِدْراة على تَوَهُّم الصغيرة من المَدارَى، وهي حديدة يُحَكُّ بها الرأسُ.
ومنه قول النابغة:
شَكَّ الفَريصة َبالمِدْرَى فأنفذها *** شك المبيطر إذ يشفي من العضد.
والداريّ: الملاّح الذي يلي الشِّراع أو منسُوبٌ إلى موضعٍ يقال له دارين.
والمدرية: المدراة نفسُها في لغة، وهي التي حُدِّدَت حتى صارت مدراة.
العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م