نتائج البحث عن (أَقْضَى)
1-العربية المعاصرة (خلا)
خلا/خلا عن/خلا من يَخلُو، اخْلُ، خُلُوًّا وخلاءً، فهو خالٍ وخلِيّ وخِلْو، والمفعول مَخْلُوٌّ عنه.* خلا الوقتُ وغيره: مضى، ذهب وتقدَّم (عاد من السفر منذ أيام خَلَت- أنهى تأليف كتابه لخمس خَلَوْنَ من الشهر- {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [قرآن]: في الدنيا) (*) القرون الخالية: الماضية.
* خلا المكانُ/خلا المكانُ عن أَهْله/خلا المكانُ من أهله: صار فارغًا، فرغ ممّا به (خلا الشارع من المارّة- لا يخلو كلامه من فائدة- {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} [قرآن]) - لا يخلو الأمر من كذا: لابد أن يشتمل عليه- لا يخلو من فائدة: يشتمل على بعض الفائدة- وظائف خالية: شاغرة.
* خلا الرَّجلُ/خلا الرَّجلُ من الهمِّ: عاش سعيدًا (خلا بالُه: كان ناعم البال مُطْمئنًّا- ويلٌ للشَّجيّ من الخَليّ).
* خلا الشَّيءُ أو الشَّخصُ من العيب: بَرِئ منه.
خلا إلى/خلا ب/خلا ل يَخلُو، اخْلُ، خَلْوَةً وخَلاءً وخُلُوًّا، فهو خالٍ، والمفعول مَخْلُوّ إليه.
* خلا الزَّوجُ إلى زوجته/خلا الزَّوجُ بزوجته: انفرد بها في خَلْوة (خلا بنفسه/مع نفسه- {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [قرآن]) (*) اخْلُ بأمرِك: تفرّد به وتفرَّغ له.
* خلا إلى العبادة/خلا للعبادة: تفرّغ لها، انقطع لها (خلا إلى المذاكرة/لدرس القضيّة- خلا المدير له ساعة) - خلا المحلِّفون للمداولة: انفردوا للتشاور- خلا له الجوّ: انفسح له المجال، انفرد بالشيء- خلت هيئة المحكمة للتَّداول: اختلى أعضاؤها للتشاور.
* خلا بفلان: خدَعه وسخِر منه.
أخلى يُخلي، أخْلِ، إخلاءً، فهو مُخلٍ، والمفعول مُخلًى.
* أخلى المكانَ والإناءَ وغيرهما: جعله خاليًا فارغًا (تمَّ إخلاء المبنى من السُّكّان- أخلى العقار: تركه وأعاده إلى مالكه) (*) لا أخلى الله مكانك: دعاء بالبقاء وطول العمر.
* أخلى سبيلَه: أطلق سراحه بعد حبس (أخلت النيابة سبيله بضمان).
* أخلى طَرَفه: أعطاه مخالصة (أقاله المدير وأخلى طرفه).
* أخلى لفلان مجلسَه: تركه له.
اختلى ب يختلي، اختَلِ، اختلاءً، فهو مختلٍ، والمفعول مختلًى به.
* اختلى بضيفه/اختلى بنفسه: انفرد في خَلْوة، انزوى، اعتزل (حُبِّب إليه الاختلاء- اختلى بزوجته).
استخلى/استخلى ب يستخلى، استَخْلِ، استخلاءً، فهو مُسْتَخْلٍ، والمفعول مُسْتَخْلًى.
* استخلى فلانٌ فلانًا: سأله أن يجتمع به في خَلْوة.
* استخلى فلانًا مَجْلِسَه: سأله أن يُخلِيه له.
* استخلى بفلان: استقلّ به وانفرد.
تخلَّى عن/تخلَّى ل/تخلَّى من يتخلّى، تَخَلَّ، تَخَلّيًا، فهو مُتخلٍّ، والمفعول مُتخلًّى عنه.
* تخلَّى عن الشَّيء/تخلَّى من الشَّيء: زهد فيه وتركه، هجره وابتعد عنه (تخلَّى عن الدنيا/منصبه/قراره/موقفه- لا تتخلَّ عن صديقك في وقت الشدة: لا تَخْذُلْه أو تتركْه لمصيره).
* تخلَّى عن الحقّ: [في القانون] تنازل عنه (تَخَلَّى عن حقِّه في ملكيّة الدار لأخيه- تخلَّى عن نصيبه في التركة).
* تخلَّى لكذا: تفرّغ له، وانقطع له (تخلّى لكتابة أبحاثه- تخلّى للعبادة في رمضان).
خلَّى يخلِّي، خَلِّ، تخليةً، فهو مُخلٍّ، والمفعول مُخلًّى (للمتعدِّي).
* خلَّى بينهما: تركهما مجتمعَيْن (خلِّ بيني وبين صديقي).
* خلَّى الشَّيءَ: أرسله وأطلقه {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [قرآن] (*) خَلِّ بالَك: تعبير دارج يعني: كن يقظًا، حذرًا- خلَّى سبيلَه: أطلق سراحَه، وغالبًا ما يكون بعد احتجاز.
* خلَّى الأمرَ أو المكانَ: تركه (خلِّ عنك الهمومَ- خَلَّى مَنْصِبَه) - الله يخلِّيك: تعبير دارج، يعني: أدام الله بقاءَك، حفظك- خلَّى فلانٌ مكانَه: مات.
إخلاء [مفرد]:
1 - مصدر أخلى (*) إخلاء السَّبيل: إعادة الحرية إلى الموقوف احتياطيًّا بقرار قضائيّ- إخلاء المدينة: تهجير سكَّانها.
2 - أن يتخلى واضعُ اليد عن العقار.
* إخلاء سبيل مشروط: إطلاق سراح سجين لمّا تنته مُدَّته بعد، على أن يكون مشروطًا بسلوك قانوني متعارف عليه ويخضع عادة للمراقبة من ضابط الشرطة أو في أحد مراكزها لفترة من الوقت.
اختلاء [مفرد]: مصدر اختلى ب.
استخلاء [مفرد]: مصدر استخلى/استخلى ب.
تخلية [مفرد]: مصدر خلَّى.
خالٍ [مفرد]: جمعه أَخْلاء:
1 - اسم فاعل من خلا إلى/خلا ب/خلا ل وخلا/خلا عن/خلا من (*) خالي البال: لا يَشْغله شاغل، مطمئن القلب- خالي الوِفاض: لا يَمْلك شيئًا- خالي شُغل: لا يعمل.
2 - عزبٌ لا زوجة له، وكذلك الأنثى.
خلا [كلمة وظيفيَّة]: (انظر: خ ل ا - خلا).
خَلاء [مفرد]:
1 - مصدر خلا إلى/خلا ب/خلا ل وخلا/خلا عن/خلا من.
2 - فضاء واسع لاشيء فيه (نام في الخلاء).
3 - موضع قضاء الحاجة والوضوء خارج البيوت (قضى حاجته في الخلاء) (*) بَيْتُ الخلاء: دورة المياه، مرحاض- خلاؤك أقضى لحيائك: منزلك أستر لعيوبك.
خِلْو [مفرد]: جمعه أَخْلاء: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من خلا/خلا عن/خلا من: خالٍ فارغ البال من الهموم (للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع).
خَلْوة [مفرد]: جمعه خَلَوات (لغير المصدر) وخَلْوات (لغير المصدر):
1 - مصدر خلا إلى/خلا ب/خلا ل.
2 - اسم مرَّة من خلا إلى/خلا ب/خلا ل وخلا/خلا عن/خلا من.
3 - مكان الانفراد بالنفس أو بغيرها (يقضي معظم النهار في إحدى خلوات الريف).
4 - حجرة صغيرة (خَلْوَة مُلحقة بالمسجد).
* الخَلْوة الشَّرعيَّة: [في الفقه] انفراد الرَّجل بامرأته على وجه لا يمنع من الوطء من جهة العقل أو الدِّين.
* الخَلْوة: [في الفقه] انفراد الرَّجل بالمرأة في مكان لا يطّلع عليهما فيه أحد.
خُلُوّ [مفرد]: مصدر خلا إلى/خلا ب/خلا ل وخلا/خلا عن/خلا من (*) خُلُوّ صحيفته من السَّوابق: لم يصدر ضده حُكم- فترة خُلُوّ العرش: فترة ممتدَّة بين نهاية حُكْم وتسلُّم الحاكم الجديد سُلطانه.
* خُلُوّ رِجْل: مبلغ يدفع للحصول على سكن (دفع المستأجر خُلُوًّا كبيرًا).
* خُلُوّ طَرَف: شهادة تثبت أداء الشَّخص لالتزاماته.
خَلَويّ [مفرد]:
1 - اسم منسوب إلى خَلاء: (منزل خَلوِيّ- نزهة خلويّة).
2 - اسم منسوب إلى خَلِيَّة: (نسيج خلوِي: مكوَّن من خلايا).
* علم الوراثة الخلويّ: [في الأحياء] فرع من علم الأحياء، يعني بالوراثة والمكونات الخلويَّة المرتبطة بالوراثة.
* التَّصنيف الخلويّ: [في الأحياء] تصنيف الكائنات الحيَّة العضويَّة بناء على البنية والوظيفة الخلويَّة.
* الغشاء الخلويّ: [في الأحياء] غشاء شبه مُنفِذ يغلِّف سيتوبلازم خليّة ما.
* الكيمياء الخَلَوِيَّة: [في الكيمياء والصيدلة] فرع من الكيمياء الحيويّة يدرس التَّركيب الكيميائيّ للخلايا ونشاطها.
خَلِيّ [مفرد]: جمعه خَلِيُّون وأخلياءُ، والمؤنث خليّة، والجمع المؤنث خَليّات وخلايا:
1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من خلا/خلا عن/خلا من: خِلْو، فارغ البال من الهم، عكسه شَجِيّ.
2 - عزَب، من لا زوجة له (عاش خَلِيًّا حتى بلغ الخمسين).
خَلِيَّة [مفرد]: جمعه خَليّات وخلايا:
1 - مؤنَّث خَلِيّ.
2 - بيت النحل الذي تُعَسِّل فيه (أخرج العسل من الخليّة) (*) يعملون كخليَّة نحل: في نشاط.
3 - وحدة صغيرة من وحدات حزب أو حركة (خلايا الضباط الأحرار- خلايا المقاومة) (*) خليّة نشاط: مكان يعج بالحركة والعمل.
4 - [في الأحياء] وحدة بناء الأحياء من نبات أو حيوان، صغيرة الحجم لا ترى بالعين المجردة، وتتألّف المادة الحيّة للخليّة وهي البروتوبلازم، من النواة والسيتوبلازم وغشاء بلازميّ يحيط بها، ويحيط بالخليّة النباتيّة كذلك جدار خلوي يتكوّن معظمه من السليلوز (يتألف جسم الإنسان من مجموعة خلايا).
* الخَلِيَّة الجسديَّة: [في الأحياء] الخليَّة في النبات أو الحيوان عدا الخليَّة التناسُليَّة.
* الخَلِيَّة اللِّيمفاويَّة: (شر، طب) واحدة الأنواع الثَّلاثة من الخلايا البيض التي تتكون بالانقسام الخَلَويّ في العقد الليمفاويَّة.
* الخليَّة القطبيَّة: [في الأحياء] خليَّة تتكون من البويضة قبل النُّضج تحتوي على نواة واحدة متكوِّنة من الانقسام المنصِّف الأوَّل أو الثَّاني.
* الخَلِيَّة البنَّاءة: [في الأحياء] نوع من أنواع بروتوبلازما الخليَّة الصِّبغيَّة، توجد في خلايا النَّبات وبعض الأعضاء الأخرى، ولها وظائف مختلفة كتكوين الطعام وتخزينه.
* الخَلِيَّة النَّجميَّة: [في الأحياء] خليَّة على شكل نجمة، وخاصة الخليَّة العصبيَّة.
* الخَلِيَّة الجرثوميَّة: [في الأحياء] الخلية التي تنتج الجراثيم بعد انقسامات متتالية.
* الخَلِيَّة الدَّمويَّة/الخَلِيَّة الحمراء: [في الأحياء] المادَّة الحمراء في جسيمات الدَّم الحُمْر.
* الخَلِيَّة الذَّكريَّة: [في الأحياء] خلية تناسليَّة تمثل المشيج الذَّكري.
* علم الخليَّة: [في الأحياء] فرع من فروع علم الأحياء، يبحث في شكل الخليّة الحيَّة، وبنيانها، ووظيفتها، وكيميائها ودورة حياتها.
* خلِيَّة كُرَوِيَّة: [في الأحياء] خليَّة بكتيريَّة عديمة الجدار، أو ضعيفته مما يعطيها شكلًا كُرَويًّا.
* خليَّة مَنَويَّة: [في الأحياء] خليَّة ثنائيَّة الصبغيَّات، تمرُّ بالانقسام المنصِّف؛ لتكوّن أربع نُطَيْفات.
* خليَّة وقود: [في الكيمياء والصيدلة] جهاز لإنتاج الكهرباء مباشرة بتفاعل كيميائيّ.
* خلايا عصبيَّة: [في التشريح] الخلايا التي تكوّن النسيج العصبيّ وتتألّف كل منها من جسم مركزيّ بما فيه من نواة وسيتوبلازم، وتخرج منه ليفة دقيقة تسمّى المحور وفُريع أو أكثر.
* خلايا الدّمُ البيضاء: [في الطب] نوع من الخلايا موجود في الجسم يقوم بحماية الجسم.
* خليَّة شمسيَّة: [في الطبيعة والفيزياء] أداة شبه مُوصِّلة تحوِّل الطاقة الشمسيَّة إلى طاقة كهربائيَّة.
* خليَّة كهربيَّة: [في الطبيعة والفيزياء] جهاز يشتمل على قطبين في حمض، يحول الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربيَّة.
* خلايا الطِّباعة: عيون مربَّعة توضع فيها الحروف بعضها في جانب بعض في ألواح من الخشب يسميها العامّة صناديق.
خَوَالٍ [جمع]: مفرده خالية.
* الأمم الخَوالي: البائدة.
* القرون الخَوالي: الماضية.
مِخْلاة [مفرد]: جمعه مَخالٍ:
1 - مِخْلًى، كيس يعلَّق على رقبة الدَّابّة يُوضع فيه عَلَفُها (انظر: خ ل ي - مِخْلاة) (رفع المخلاة من رقبة الفَرَس).
2 - كيسٌ يحوِي لوازم ومُهمَّات الجنديّ.
مِخْلَى [مفرد]: جمعه مَخالٍ:
1 - مِخْلاة، كيس يُعَلَّق على رقبة الدابّة يوضع فيه علفها.
2 - مِخْلاةٌ، كيس يحوي لوازم ومهمّات الجندي.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
2-العربية المعاصرة (قضى)
قضَى/قضَى إلى/قضَى على يقضي، اقْضِ، قضاءً وقَضْيًا، فهو قاضٍ، والمفعول مقضيّ (للمتعدِّي).* قضَى اللهُ: أمَر، أنفذ {وَقَضَاءُ رَبِّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إِيَّاهُ} [قرآن] - {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إِيَّاهُ} [قرآن].
* قضَى بين الخصمين: حكم وفصل (قضَى على المتّهم بالسجن- قضَى للمشتكي بالتعويض- {لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} [قرآن] - {يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ} [قرآن]).
* قضَى فلانٌ نحبَه أو أجلَه: مات، بلغ الأجلَ الذي حُدِّد له.
* قضَى حاجتَه:
1 - بلغها، نالها، أتمّها وفرغ منها، أمضاها (قضَى مدّة العقوبة- قضى وقتَه في المكتبة- {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [قرآن]).
2 - تبوَّل، تبرَّز.
* قضَى الصَّلاةَ:
1 - أدّاها وفرغ منها (قضَى ديْنَه: دفعه- {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ} [قرآن]).
2 - [في الفقه] أدّاها بعد مضيّ وقتها.
* قضَى الشّيءَ: قدَّره، صنعه، أكمله {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [قرآن] - {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا} [قرآن] - {لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [قرآن].
* قضَى إليه الأمرَ: أبلغه إيّاه {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ} [قرآن].
* قضَى إليه: فرغ له {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} [قرآن]: افرغوا لمخاصمتي- {يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [قرآن].
* قضَى على الثورة: تمكّن من السيطرة عليها وتوصّل إلى إزالتها (قضَى على الخطر: أبعده وأزاله).
* قضَى على عدوِّه: قتله (قضَت العاصفةُ على المحصول: أهلكته- {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [قرآن]) (*) قضَى على الأخضر واليابس: لم يبق على شيء، أفنى كلَّ شيء.
أقضى على يُقضِي، أقْضِ، إقضاءً، فهو مُقضٍ، والمفعول مُقضًى عليه.
* أقضى اللهُ عليهم: أماتهم، أنهى حياتَهم {لاَ يُقْضِي عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} [قرآن]).
استقضى يستقضي، اسْتَقْضِ، استقضاءً، فهو مُستقضٍ، والمفعول مُسْتَقضًى.
* استقضى الرَّئيسُ فلانًا: صيّرَهُ قاضيًا، أي حاكمًا في الأمور بين النَّاس.
* استقضى النَّائبُ الوزيرَ: طلبه للقضاء، أي للمحكمة.
* استقضى فلانٌ الدَّيْنَ/استقضى من فلانٍ الدَّيْنَ: طلبَ إليه أن يقضِيَه أو طلب منه أن يقضيه.
اقتضى يقتضي، اقْتَضِ، اقْتِضاءً، فهو مُقْتَضٍ، والمفعول مُقْتضًى.
* اقتضى الدَّيْنَ: طَلَبَهُ.
* اقتضى الحالُ ذلك: استلزمه، استدعاه واستوجبه (ما تقتضيه الظروفُ- بمقتَضى التّعليمات: وفقًا ل أو بموجب) (*) افعل ما يقتضيه كَرَمُك: ما يطالبُكَ به.
انقضى ينقضي، انْقَضِ، انْقِضاءً، فهو مُنْقَضٍ.
* انقضى عُمُرُهُ: انقطع وفَنِيَ وانتهى (انقضى عهدُ الفساد/المشكلةُ/الأزمةُ/الوقتُ- انْقَضتِ المظاهرةُ من دون حادِث- كم كربة أقسمت ألاّ تنقضي.. زالت وفرَّجها الجليلُ الواحدُ).
* انقضت حاجتُه: مُطاوع قضَى/قضَى إلى/قضَى على: تمّت ونُفِّذت.
تقاضى/تقاضى إلى يتقاضى، تقاضَ، تَقاضيًا، فهو مُتقاضٍ، والمفعول مُتقاضًى.
* تقاضى فلانًا دَيْنًا: اقتضاه، طلبه وقَبضَه منه (تقاضَى على عمله أجرًا).
* تقاضى القومُ إلى الحاكم: رفعوا أمرَهم إليه.
تقضَّى يتقضَّى، تَقَضَّ، تقضّيًا، فهو مُتَقَضٍّ.
* تقضَّى عمرُه: انقضى، فني وانقطع.
قاضى يقاضي، قاضِ، مُقاضَاةً، فهو مُقاضٍ، والمفعول مُقاضًى.
* قاضى الجانِيَ: حاكَمَهُ (قاضَى مَدْيونًا).
* قاضاه إلى الحاكِم: حاكمه، رَفَع أمْرَهُ إليه.
* قاضاه على مالٍ ونحوِه: صَالَحَهُ.
قضَّى يقضِّي، قَضِّ، تقْضِيَةً، فهو مُقَضٍّ، والمفعول مُقَضًّى.
* قضَّى الأمْرَ: أمْضَاهُ.
* قضَّى حاجتَه: قضَاها، أتمَّها وفرغ منها (قضَّى أعباءَ أخيه- قضَّى واجباتِه المدرسيّة).
* قضَّى الرئيسُ فُلانًا: جَعَلَهُ قاضيًا.
إقضاء [مفرد]: مصدر أقضى على.
استقضاء [مفرد]:
1 - مصدر استقضى.
2 - [في القانون] إخطار أو تنبيه يوجِّهه مسئول إلى شخصٍ آخر يضمِّنه إنذارًا بتنفيذ أمرٍ ما، وإلاّ طلبه إلى القضاء لمحاكمته.
اقتضاء [مفرد]:
1 - مصدر اقتضى.
2 - [في الفقه] طلب الشارع مطلقًا، سواء أكان طلب فعل أم طلب ترك، وسواء أكان على وجه الجزم أم غير الجزم.
انقضاء [مفرد]: مصدر انقضى.
تقضية [مفرد]: مصدر قضَّى.
قاضٍ [مفرد]: جمعه قاضون وقُضاة، والمؤنث قاضية، والجمع المؤنث قاضيات وقواضٍ:
1 - اسم فاعل من قضَى/قضَى إلى/قضَى على.
2 - نافِذٌ، هالِكٌ، قاتل (سُمٌّ قاضٍ).
3 - قاطع للأمور مُحكِمٌ لها {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [قرآن].
4 - [في القانون] من تعيّنه الدَّولة للنظر في الخصومات والدّعاوى، وإصدار الأحكام التي يراها طبقًا للقانون، ومقرّه الرسميّ إحدى دور القضاء (قاضي الجنايات/التَّحقيق/الصُّلْح/الإحالة/الجُنَح) (*) قاضٍ شرعيّ: من يقضي بين النّاس بحُكم الشّرع الإسلاميّ- قاضي الأمور المستعجلة: قاضٍ يَبُتّ في حكمه حال تسلّمه الدَّعوى- قاضي القُضاة: رئيسهم، أو القاضي الأكبر، أو شيخ القضاة، أو وزير العدل بالمفهوم المعاصر.
* القاضي: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الملزم حكمُه، الماضي أمره.
قاضية [مفرد]: جمعه قاضيات وقواضٍ (لغير العاقل):
1 - مؤنَّث قاضٍ: (عُيِّنت قاضية هذه السنة) (*) فاز بالضَّربة القاضية: انتصر على خصمه في الملاكمة بعد توجيه ضربة قويّة إليه شلّت حركتُه.
2 - منيّة تقضي على الإنسان وتُهلِكُه (أتت عليه القاضية- {يَا (*) لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [قرآن]).
قضاء [مفرد]: جمعه أقضية (لغير المصدر):
1 - مصدر قضَى/قضَى إلى/قضَى على (*) إذا حان القضاءُ ضاق الفضاءُ- قضاء الله: عبارة تدلّ على علمه السابق وإرادته الأزليّة المتعلّقة بالأشياء- قضاءً وقدرًا: دون قصد، أو تدبير من أحد.
2 - [في القانون] سُلْطة يُوكل إليها بحث الخصومات للفصل فيها طبقًا للقانون (*) رجال القضاء/هيئة القضاء: هيئة العدالة التي يعهد إليها في بحث الخلافات للفصل فيها بمقتضى القانون.
3 - [في القانون] قرار ينتهي إليه القُضاة ضدّ المتّهم أو لصالحه.
* القضاء والقَدَر: [في الفلسفة والتصوُّف] عقيدة مَنْ يرى أنّ الأعمال الإنسانيّة وما يترتب عليها من سعادة أو شقاء، وكذلك الأحداث الكونيّة تسير وفق نظام أزليّ ثابت.
قضائيّ [مفرد]: اسم منسوب إلى قضاء.
* أمر قضائيّ/مذكِّرة قضائيّة/إذْن قضائيّ: [في القانون] أمر يُصدره قاضٍ يصرِّح لشرطيّ القيام بالتفتيش أو الحيازة أو إلقاء القبض أو تنفيذ حكم.
* انفصال قضائيّ: [في القانون] حكم قضائيّ يبيّن أنّ المتزوجين يعيشان منفصلين وينظمان حقوقهما ومسئوليّاتهما المتبادلة.
* حارس قضائيّ: [في القانون] شخص تُعَيِّنه المحكمة ليتولَّى الوصاية على أملاك الآخرين أو أموالهم إلى حين البتّ فيها قضائيًّا.
* السُّلطة القضائيَّة: [في القانون] السُّلطة الممنوحة للقضاة بأن يقضوا بين النّاس فيما يتعلّق بالنّفس والمال.
* تسوية قضائيَّة: [في القانون] تسوية النِّزاع القائم بين دولتين بواسطة محكمة العدل الدُّوليّة، وتعتبر مُلزِمة لهما وغير قابلة للنقض.
قَضْي [مفرد]: مصدر قضَى/قضَى إلى/قضَى على.
قضِيّة [مفرد]: جمعه قَضِيَّات وقَضَايا:
1 - موضوع، مسألة (قضِيّة وطنيَّة- القضِيّة الفلسطينيّة- قَضَايا الساعة في العالم- قضيَّة السلام).
2 - [في الفلسفة والتصوُّف] كلام يصحّ أن يُوصَف بالصِّدق أو بالكذب لذاته، ويصحّ أن يكون موضوعًا للبرهنة.
3 - [في القانون] نزاع بين مُتخاصِمَيْن يُعرض على المحكمة للبحث والفصل فيه (قضِيّة السرقة).
مقاضاة [مفرد]:
1 - مصدر قاضى.
2 - [في القانون] منازعات مدنيَّة وغيرها تُعرض على المحاكم للفصل فيها أو التّعامل معها في إطار العمل القانونيّ.
3 - [في القانون] أبحاث وتحقيقات تُجرى للكشف عن الجاني أو المجرم الحقيقيّ.
مُقتضَى [مفرد]: جمعه مُقتضيات: اسم مفعول من اقتضى.
* مطابقة الكلام لمقتضى الحال: [في البلاغة] اعتناء الكاتب أو الخطيب بحال مَنْ يقرأ أو يستمع له إن كان من الخاصَّة أو العامَّة، بالإضافة إلى جودة اللّفظ والموضوع، وبدونه لا يُعدّ الكاتب أو الخطيب بليغًا.
مَقْضِيّ [مفرد]:
1 - اسم مفعول من قضَى/قضَى إلى/قضَى على.
2 - مُنْتَهٍ (أمر مَقْضِيٌّ لا تراجع فيه- {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} [قرآن]).
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
3-المعجم الوسيط (الرَّسْمُ)
[الرَّسْمُ]: الأَثَرُ الباقي من الدَّارِ بعد أَن غَفَت.قال جَمِيل:
رَسْم دارٍ وقفتُ في طَلَلِه *** كِدت أَقضي الحياة من جَلَلِه
و- (في علم المنطق): تعريف الشيءِ بخصائصِه.
و- مالٌ تفرضه الدولة لِقاءَ خدمة من قِبَلها: كرسم البريد، ورسم القضايا، وما إلى ذلك.
(وهي كلمة محدثة).
و- تمثيل شىءٍ أَو شخص بالقلم ونحوه.
و (الرسم البَيانيّ): خطٌ يبيّن الارتباط بين متغيِّرين أَو أَكثر.
و (الرَّسم التقريبي): رسم مجمل يقتصر فيه على إبراز معالم الشيء المرسوم.
(والجمع): أَرْسُمٌ، ورُسوم.
(مما أقره مجمع اللغة العربية بالقاهرة).
المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
4-المعجم الوسيط (قَضَى)
[قَضَى] -ِ قَضْيًا، وقَضَاءً، وقَضِيَّةً: حَكَمَ وفصَلَ.ويقال: قضى بين الخصمين، وقضى عليه، وقضى له، وقضى بكذا، فهو قاضٍ.
(والجمع): قُضاةٌ.
و - اللهُ: أمر.
ومنه قوله في التنزيل العزيز: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: 23].
و - إِليه: أَنهى إِليه أمْرَه.
ومنه قوله في التنزيل العزيز: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ} [الإسراء: 4].
و - الصَّلاة والحَجَّ والدَّيْنَ: أدَّاها.
يقال: قضَى المدينُ الدائن دَينَه: أَدَّاهُ إليه.
و - الصلاة: أدَّاها بعد مُضِيّ وقتِها.
و - عَبْرَتَه: أَنفدَ كلَّ دموعه.
و - الشيء: قدَّرَهُ وصَنَعَهُ.
و - حاجتَهُ: نالها وبَلَغها.
و - أجَلَه: بلَغ الأجل الذي حُدِّدَ له.
و - نَحْبَهُ: مات.
ويقال: قضى فلانٌ: مات.
وضَرَبَهُ فقضَى عليه: قَتَلَه.
ويقال: لا أَقْضِي منه العَجَب [لا يُستعمَلُ إِلاَّ منفيًّا].
المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
5-شمس العلوم (الطَّلَل)
الكلمة: الطَّلَل. الجذر: طلل. الوزن: فَعَل.[الطَّلَل]: ما شخص من آثار الديار، كبقية الحائط والدكان، قال جميل:
ورسم دارٍ وقفتُ في طَلَلِهْ *** وكدت أقضي الحياةَ من جَلَلِهْ
أي: من أجله:
وشَخْصُ الرجلِ: طَلَلُه، يقولون: حَيّا اللهُ طَلَلَك، أي: شخصك.
ويقال: إن طلل السفينة جِلالُها؛ والجميع: أطلال.
شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م
6-معجم متن اللغة (قضى قضاء وقضيا وقضية عليه)
قضى- قضاء وقضيا وقضية عليه: حكم، فهو قاض، وذاك مقضي عليه.و- بين الخصوم: قطع بينهم في الحكم.
و- قضاء حاجته: نالها وبلغها: أتمها وفرغ منها.
و- الدار: عملها (ز) وأحكمها.
و- الشيء: قدره وصنعه (ز) وأحكمه.
و- غريمه الدين: أداه إليه.
و- الأمر: حتم به وأتمه.
و- هـ: بينه.
و- هـ و- عليه: قتله.
و- نحبه و- قضاؤه: مات (ز).
و- عبرته: أخرج كل ما في رأسه (ز).
و- عليه عهدا: أوصاه وأنفذه (ز).
و- إليه الأمر: أنهاه إليه وأبلغه إياه.
و- الصلاة: فرغ منها: أداها خارج وقتها عن فائتة "وهو اصطلاح شرعي لا لغوي".
ولا أقضي منه العجب.
قال الأصمعي: لا يستعمل إلا منفيا.
قضو- قضاء: حسن قضاؤه.
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
7-العباب الزاخر (نوأ)
نوأناء يَنُوْءُ نَوْءً: نهض بجَهْدِ ومشقة، قال جعفر بن عُلبة الحارثي:
«فَقُلْنا لهم تِلكُم إذَنْ بعـد كَـرَّةٍ *** تُغادِرُ صَرْعى نَوْؤُها مُتَخَاذِلُ»
وناء: سقط. وهو من الأضداد، ويقال: ناء بالحِمْلِ: إذا نهض به مُثْقَلًا، وناء به الحِمْل: إذا أثقلَه. والمرأة تَنُوءُ بها عجيزتُها: أي تَنْهَض بها مُثقلة. قوله عز وجل: (ما إنَّ مَفَاتِحَه لَتَنُوْءُ بالعُصْبَة) قال الفرّاء: أي لَتُنِيءُ العُصبة بثِقْلِها، قال:
«إنّي وجَدِّكَ ما أقْضِي الغَريْمَ وإنْ *** حانَ القَضاءُ وما رَقَّتْ له كَبدي»
«إلاّ عَصَا أرْزَنٍ طارَتْ بُرَايَتُهـا *** تَنُوْءُ ضَرْبَتُها بالكَفِّ والعَضُـدِ»
والنَّوْءُ: سقوط نجمٍ من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقبيه من المشرق يقابله من ساعته في كل ليلة إلى ثلاثة عشر يوما؛ وهكذا كل نجم منها إلى انقضاء السّنة ما خلا الجبهة فإن لها أربعة عشر يومًا. قال أبو عبيدٍ: ولم نسمعْ في النَّوء أنه السّقوط إلاّ في هذا الموضع. وكانت العرب تُضيف الأمطار والرياح والحرَّ والبرْد إلى الساقط منها، وقال الأصمعي: إلى الطّالِع منها فتقول: مُطِرْنا بِنَوءِ كذا، وإنما غلّظ النبي -صلى الله عليه وسلم- القول فيمن يقول: مُطِرْنا بَنوْءِ كذا؛ لأن العرب كانت تقول: إنما هو من فعل النجم ولا يجعلونه سُقيا من الله تعالى. فأما من قال: مُطرِنا بَنوْء كذا ولم يُرِد هذا المعنى وأراد: مُطرنا في هذا الوقت؛ فذلك جائز، كما رُوي عن عمر -رضي الله عنه- أنه استسقى بالمصلّى ثم نادى العبّاس -رضي الله عنه-: كم بقي من نَوْء الثُّريّا فقال: إن العلماء بها يزعمون أنها تعتَرض في الأفق سبعًا بعد وقوعها، فوالله ما مضت تلك السَّبع حتى غِيْثَ الناس. أراد عمر -رضي الله عنه-: كم بقي من الوقت الذي قد جَرت العادة أنه إذا تم أتى الله بالمطر.
وجمْع النَّوْء: أنْواءٌ ونُوْآن أيضًا؛ مثال عبدٍ وعُبْدان وبطْن وبُطْنان، قال حسّان بن ثابت -رضي الله عنه-:
«ويَثْرِبُ تَعْلَمُ أنّا بـهـا *** إذا قَحَطَ القَطْرُ نُوْآنُها»
ابن السكِّيت: يقال: له عندي ما ساءَه وناءَه: أي أثقلَه، وما يَسُوؤه وينوؤُه، وقال بعضهم: أراد: ساءه وأناءَه، وغنما قال ناءَه -وهو لا يتعدى- لأجل الأزْدواج؛ كقولهم: إني لآتيه بالغَدَايا والعَشايا، والغَدَاةُ لا تُجمع على غَدَايا.
وناء الرجل -مثال ناعَ-: لُغة في نَأَى: إذا بَعُد، قال سهم بن حنظلة الغَنَوي، وأنشده الأصمعي لِرجل من غَنيّ من باهلة، قال ويُقال: إنّه لِعُبادَة ابن مُحَبَّر، وهو في شِعر سهم:
«إنَّ اتِّبَاعَكَ مَوْلى السَّوْء تَسْأَلُه *** مِثل القُعود ولَمّا تَتَّخِذْ نَشَبَا»
«إذا افْتَقَرْتَ نَأى واشْتَدَّ جانِبُه *** وإنْ رَآكَ غَنِيًّا لانَ واقْتَرَبا»
هكذا الرواية، وروى الكسائي:
«مَنْ إنْ رَآكَ غَنِيًا لانَ جانِبُـه *** وإنْ رآكَ فَقِيْرًا ناءَ واغْتَرَبا»
والشاهد في رواية الكسائي.
وأنَاءَهُ الحِمْل -مثال أناعَه-: أي أثقلَه وأماله.
واسْتَنَأْتُ الرجُل: طلبْتَ نَوءَه أي رفْدَه، كما يقال: شِمْتُ بَرْقه.
والمُسْتَنَاءُ: المُستعْطى، قال عمرو ابن أحمر الباهليّ:
وأتينا الرَّكيَّة فَوَجَّأناها ووجَّيْنَاها: أي وجدناها وَجِئَة ووجيَةً.
العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م
8-معجم النحو (الجمل لها محل من الإعراب)
الجمل لها محلّ من الإعراب:الجمل غير المستقلة لها محل من الإعراب، وهي التي لو ذكر بدلها مفرد لكان معربا، وهي تسع جمل:
(1) الواقعة حالا نحو {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى} ومحلّها نصب.
(2) الواقعة مفعولا ومحلّها النصب، إلّا إن نابت عن فاعلها فمحلّها الرّفع، وتقع في ثلاثة مواضع:
«أ» في باب الحكاية بالقول، أو ما يفيد معناه نحو {قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ} «ب» في باب ظنّ وعلم.
«ج» في باب التّعليق، وهو جائز في كلّ فعل قلبي سواء أكان من باب ظنّ أو غيره، نحو {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى}.
(3) الجملة المضاف إليها، ومحلّها الجر، ولا يضاف إلى الجملة إلّا ثمانية:
(أحدها) أسماء الزمان ظروفا كانت أم لا نحو {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ} ونحو {هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ}.
(ثانيها) «حيث» نحو {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ}.
(ثالثها) «آية» بمعنى علامة، وتضاف جوازا إلى الجملة الفعلية المتصرّف فعلها مثبتا أو منفيا ب «ما» نحو قوله:
«بآية يقدمون الخيل شعثا***كأنّ على سنابكها مداما »
(رابعها) «ذو» في قولهم «اذهب بذي تسلم، أي في وقت صاحب سلامة.
(خامسها) «لدن» نحو:
«لزمنا لدن سالمتمونا وفاقكم ***فلا يك منكم للخلاف جنوح »
(سادسها) «ريث» بمعنى قدر نحو:
«خليليّ رفقا ريث أقضي لبانة***من العرصات المذكرات عهودا»
(سابعها) لفظ «قول» نحو:
«قول: يا للرّجال ينهض منّا***مسرعين الكهول والشّبّانا»
(ثامنها) لفظ «قائل» نحو:
«وأجبت قائل: كيف أنت بصالح ***حتّى مللت وملّني عوّادي »
(4) الجملة الواقعة خبرا وموضعها رفع، في بابي «المبتدأ، وإن» نحو «خالد يكتب» و «إن عليّا يلعب» ونصب في بابي «كان وكاد» نحو «كان أخي يجد» و «كاد الجوع يقتل صاحبه».
(5) الجملة الواقعة بعد «الفاء وإذا» جوابا لشرط جازم نحو {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ} ونحو {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ}.
(6) الجملة التّابعة لمفرد، وهي مثله إعرابا، وتقع في باب النعت نحو {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ}.
وفي باب عطف النّسق نحو «محمّد مجتهد وأخوه معتن بشأنه».
وفي باب البدل نحو {ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ}.
(7) الجملة المستثناة نحو {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ. فَيُعَذِّبُهُ اللهُ} فمن مبتدأ ويعذّبه الله خبر والجملة في موضع نصب على الاستثناء المنقطع.
(8) الجملة المسند إليها، نحو {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} ـ إذا أعرب «سواء» خبرا عن أأنذرتهم
(9) الجملة التّابعة لواحدة من هذه الجمل، وذلك مختصّ بأبواب النسق والبدل والتّأكيد.
معجم النحو-عبدالغني الدقر-صدر: 1395هـ/1975م
9-معجم النحو (رب)
ربّ: حرف جر لا يجرّ إلّا النّكرة وهو في حكم الزّائد، فلا يتعلّق بشيء، وقد يدخل على ضمير الغيبة ملازما للإفراد والتّذكير، والتفسير بتمييز بعده مطابق للمعنى كقول الشّاعر:«ربّه فتية دعوت إلى ما***يورث المجد دائبا فأجابوا»
وهذا قليل.
وإذا لحقتها «ما» الزّائدة كفّتها عن العمل فتدخل حينئذ على المعارف وعلى الأفعال فتقول «ربّما عليّ قادم» و «ربّما حضر أخوك وقد تعمل قليلا كقول عديّ الغساني «ربّما ضربة بسيف صقيل ***بين بصرى وطعنة نجلاء»
والغالب على «ربّ» المكفوفة أن تدخل على فعل ماض كقول جذيمة «ربّما أوفيت في علم»، وقد تدخل على مضارع منزّل منزلة الماضي لتحقق الوقوع نحو {رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} وندر دخولها على الجملة الاسميّة كقول أبي دؤاد الإيادي:
«ربّما الجامل المؤبّل فيهم ***ومعنى «ربّ» التكثير، وتأتي للتّقليل »
فالأوّل كقوله عليهالسلام: «يا ربّ كاسية في الدّنيا عارية يوم القيامة» والثاني كقول رجل من أزد السّراة:
«ألا ربّ مولود وليس له أب ***وذي ولد لم يلده أبوان »
وقد تحذف «ربّ» ويبقى عملها بعد الفاء كثيرا كقول امرئ القيس:
«فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع ***فألهيتها عن ذي تمائم محول »
وبعد الواو أكثر كقول امرئ القيس
«وليل كموج البحر أرخى سدوله ***عليّ بأنواع الهموم ليبتلي »
وبعد «بل» قليلا كقول رؤبة:
«بل بلد ملء الفجاج قتمه ***لا يشترى كتّانه وجهرمه »
وبدونهن أقل كقول جميل بن معمر:
«رسم دار وقفت في طلله ***كدت أقضي الحياة من جلله »
معجم النحو-عبدالغني الدقر-صدر: 1395هـ/1975م
10-المعجم المفصل في النحو العربي (جلل)
جللجلل كلمة تستعمل بوجهين:
الأول: حرف جواب، مبنيّ على السّكون، بمعنى «نعم» وهو قليل الاستعمال، غير عامل، وينوب مناب الجمل الواقعة جوابا.
الثاني: هو اسم بمعنى الشيء العظيم، والصغير الهيّن، وهو من الأضداد في كلام العرب إذ يقال للكبير والصغير: «جلل». فمن معنى اليسير والصّغير قول امرىء القيس:
«بقتل بني أسد ربّهم ***ألا كلّ شيء سواه جلل»
ومثل:
«كلّ شيء ما خلا الله جلل ***والفتى يسعى ويلهيه الأمل»
أي: كل شيء صغير وهين ما عدا الله. «الله» الجليل، سبحانه ذو الجلال والإكرام وجلّ جلال الله، أي: عظمته ولا يقال الجلال إلا لله والجليل من صفات الله. ومن معنى الهيّن الصّغير أيضا، قول الشاعر:
«إن يسر عنك الله رونتها***فعظيم كلّ مصيبة جلل»
أي: أن أذهب عنك الله الشدّة فكلّ مصيبة سواه أمر هين. ومن معنى الأمر العظيم قول الشاعر:
«قومي هم قتلوا أميم أخي ***فإذا رميت يصيبني سهمي “
«فلئن عفوت لأعفون جللا***ولئن سطوت لأوهنن عظمي»
ومثل ذلك قول الشاعر:
وعزّ الجلّ والغالي
أي: إن موته غال علينا، من قولك غلا الأمر، أي: زاد وعظم.
ومنه يقال: استعمل فلان على الجالية والجالّة، وهم أهل الذّمّة، سمّوا بذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أجلى بعض اليهود عن المدينة، وأمر بإجلاء من بقي منهم بجزيرة العرب، فأجلاهم عمر بن الخطّاب فسمّوا الجالية. وتقول: فعلت ذلك من جلّك ومن جرّاك، أي: من أجلك قال ابن سيده: فعله من جلّك وجللك وجلالك وتجلّتك وإجلالك، ومن أجل إجلالك أي: من أجلك، كقول الشاعر:
«رسم دار وقفت في طلله ***كدت أقضي الحياة من جلله»
أي: من أجله أو من عظمه في عينيّ. ومن هذا المعنى قول الشاعر:
«الحمد لله العليّ الأجلل ***أعطى فلم يبخل ولم يبخّل»
والتقدير: الأجل أي: الأعظم وقد ضعّف «اللّام» للضرورة الشعرية.
ومنه أيضا الجلّى أي: الأمر العظيم، كقول الشاعر:
«وإن أدع للجلّى أكن من حماتها***وإن تأتك الأعداء بالجهد أجهد»
المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م
11-المعجم المفصل في النحو العربي (الجمل التي لها محل من الإعراب)
الجمل التي لها محل من الإعرابهي الجمل التي تحل محل المفرد وهي التي تكون غير مستقلّة عما قبلها، وإذا ذكر مكانها المفرد كان معربا. وهي كثيرة منها:
1 ـ الجملة الواقعة «فاعلا» مثل: «سرني أنك ناجح» والتّقدير: سرني نجاحك.
2 ـ الجملة الواقعة «مفعولا به» وتكون إمّا بعد فعل القول، مثل قوله تعالى: {قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ} أو بعد فعل «علم» أو «ظن»، مثل قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ} جملة «أنهم كانوا كاذبين» سدّت مسدّ المفعولين ل «يعلم».
3 ـ الجملة الواقعة نائب فاعل، كقوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآنًا عَجَبًا}.
4 ـ الجملة الواقعة مضافا إليه فتكون في محل جرّ، وتقع بعد الظرف، كقوله تعالى: {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} جملة «ولدت» وقعت بعد الظّرف «يوم». وتقع بعد «حيث» ولا يشترط فيها أن تكون ظرفا، كقوله تعالى: و {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ} فجملة «يجعل رسالته» في محل جرّ بالإضافة إلى حيث. أو إذا وقعت بعد «ريث»، كقول الشاعر:
«خليليّ رفقا ريث أقضي لبانة***من العرصات المذكرات عهودا”
فجملة «أقضي» في محل جرّ بالإضافة إلى «ريث». ارجع إلى الجملة الإضافية.
5 ـ الجملة الواقعة جوابا للشرط الجازم المقترن بالفاء أو بـ «إذا» الفجائية. كقوله تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ} فجملة «فلا هادي له» مقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشّرط الجازم «من». وكقوله تعالى: {إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ} فجملة «هم يقنطون» مقترنة بـ «إذا» الفجائية فهي في محل جزم جواب الشرط الجازم «إن».
6 ـ الجملة الواقعة نعتا لاسم نكرة قبلها، كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} فجملة «ترجعون» في محل نصب نعت «يوما» ارجع إلى الجملة النعتيّة.
7 ـ الجملة الواقعة حالا كقوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى} فالجملة الاسميّة «أنتم سكارى» في محل نصب حال.
ارجع إلى الجملة الحاليّة.
8 ـ الجملة الواقعة خبرا. إمّا أن يكون خبرا للمبتدأ كقوله تعالى: {الم، ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} فكلمة «الم» خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه. وجملة لا ريب فيه خبر المبتدأ «ذلك». وكقوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ} فجملة «تمنّون الموت» في محل نصب خبر «كنتم». وكقوله تعالى: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ} فجملة «يخادعون الله» في محل رفع خبر «إن».
9 ـ الجملة الواقعة بدلا، كقوله تعالى: {ما يُقالُ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ} (8).
10 ـ الجملة الاستثنائيّة كقوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ} بمسيطر {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} جملة «من تولّى» جملة استثنائيّة. ومثلها جملة «كفر».
11 ـ الجملة التابعة لجملة لها محل من الإعراب كقول الشاعر:
«أقول له ارحل لا تقيمنّ عندنا***وإلا فكن في السّرّ والجهر مسلما»
فجملة «لا تقيمن» بدل من الجملة الأولى «ارحل». وكقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} فجملة «هو أعلم» الأولى في محل رفع خبر «إنّ».
وجملة «هو أعلم» الثانية معطوفة عليها بالواو فهي مثلها في محل رفع خبر «إنّ».
المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م
12-المعجم المفصل في النحو العربي (الجملة الإضافية)
الجملة الإضافيّةالواقعة في محل جرّ بالإضافة وتكون واقعة:
1 ـ بعد الظرف، كقول تعالى: {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} جملة «ولدت» في محل جر بالإضافة والمضاف هو الظرف «يوم» ومثلها «أموت وأبعث» كل منهما جملة فعليّة في محل جرّ بالإضافة والمضاف «اليوم».
2 ـ بعد «حيث» كقوله تعالى: و {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ} فالجملة المؤلفة من «يجعل» ومعموليها في محل جر بالإضافة، والمضاف هو الظرف «يوم».
3 ـ بعد «لدن»، كقول الشاعر:
«صريع غوان شاقهنّ وشقنه ***لدن شبّ حتى شاب سود الذوائب»
حيث وقعت جملة «شب» في محل جر بالإضافة والمضاف هو «لدن».
4 ـ بعد «حين» كقول الشاعر:
«على حين عاتبت المشيب على الصّبا***فقلت: ألمّا أصح والشّيب وازع “
حيث وقعت جملة: «عاتبت المشيب على الصّبا» في محل جر بالإضافة، والمضاف «حين».
5 ـ بعد «إذا» الظرفيّة الشرطيّة، كقول الشاعر:
«إذا ما غزا بالجيش حلق فوقه ***عصائب طير تهتدي بعصائب»
حيث وردت جملة «غزا» في محل جر بإضافة «إذا»، كما أن جملة تهتدي نعت «طير».
6 ـ بعد «آية» بمعنى «علامة» وتضاف إلى الجملة الفعليّة المثبتة، أو المنفيّة بـ «ما»، مثل:
«بآية يقدمون الخيل شعثا***كأن على سنابكها مداما»
فجملة «يقدمون الخيل» جملة فعليّة مثبتة في محل جرّ بالإضافة. «آية» المضاف.
7 ـ بعد «ذو» بغير معنى صاحب، مثل: «انتظر بذي تشفى» فجملة «تشفى» في محل جرّ بالإضافة والتقدير: في وقت يكون لك فيه شفاء.
بعد «ريث» ومعناها بقدر، أو بوقت، كقول الشاعر:
«خليليّ رفقا ريث أقضي لبانة***من العرصات المذكرات عهودا»
فجملة «أقضي لبانه» في محل جر بالإضافة، والمضاف «ريث».
المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م
13-المعجم المفصل في النحو العربي (رب)
ربّلغاتها: لكلمة «ربّ» لغات كثيرة أوصلها بعضهم إلى سبعة عشر لفظا، وأوصلها آخرون إلى العشرين، وهي: ربّ، ربّ، رب، رب، ربّت، ربت، ربت، ربّت، ربت، ربت، ربّت، رب، رب، رب، ربّ، ربّتما، ربت، وأضاف آخرون: ربّة، ربما ربما، فاكتمل العدد إلى العشرين، فقرأ بعضهم قوله تعالى: {رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا:} ربما، وربما، وقال الشاعر:
«رب أمر تتّقيه ***جرّ أمرا ترتضيه»
«خفي المحبوب منه ***وبدا المكروه فيه»
حكمها:
1 ـ «ربّ» حرف جر شبيه بالزائد، ولا يدخل إلا على النّكرة، ولا تعلق له، مثل:
«وربّ أسيلة الخدّين بكر***مهفهفة لها فرع وجيد»
حيث جرّ الاسم النكرة «أسيلة» بـ «ربّ» لفظا وهو مرفوع محلّا على أنه مبتدأ. وقد تدخل «ربّ» على ضمير الغائب بلفظ المفرد المذكّر، كقول الشاعر: «ربّه فتية دعوت إلى ما***يورث المجد دائبا فأجابوا»
حيث دخلت «ربّ» على الضمير «الهاء» وهو ضمير الغائب، وله محلّان من الإعراب: الجر، والرّفع، فهو مجرور بـ «ربّ» لفظا ومرفوع محلّا على أنه مبتدأ.
2 ـ تفيد «ربّ» التقليل أو التكثير، لقرينة تبيّن المراد، مثل: «ربّ تجارة نافعة تجلب المال» ومثل: «ربّ جاهل والعلم قد رفعه». وكقول الشاعر:
«يا ربّ مولود وليس له أب ***وذي ولد لم يلده أبوان»
«وربّ» في المثلين تفيد التّكثير وفي البيت تفيد التقليل، ومثل: «ربّ منيّة في أمنية تحقّقت» و «رب» تفيد القلّة، والقرينة الدّالة على الكثرة أو القلّة متروكة لأمر المتكلم أو السّامع.
3 ـ «ربّ» له حق الصّدارة في جملته ويجوز أن يتقدّم عليه «ألا» الاستفتاحيّة ومثله الحرف «لكن» المخفّف من «لكنّ» والذي يفيد الاستفتاح والاستدراك معا، مثل: «ألا ربّ منظر جميل يخفي وراءه قبحا ذميما»، وكقول الشاعر:
«نعمة الله لا تعاب ولكن ***ربّما استقبحت على أقوام»
وقد تتقدم على «ربّ» «يا» النداء، مثل «يا ربّ مخترع رفعه علمه»، وكقول الشاعر:
«فيا ربّ وجه كصافي النمير***تشابه حامله والنّمر»
فقد تقدم حرف النداء «يا» على «ربّ» وإذا تقدّم عليه غير ذلك فيكون من الشاذ، كقول الشاعر:
«وقبلك ربّ خصم قد تمالوا***عليّ فما هلعت ولا ذعرت»
وفيه تقدمت الكلمة «قبلك» على «ربّ» والتقدير: رب خصوم قد تمالؤا عليّ قبلك.
4 ـ إن النكرة المجرورة بـ «ربّ» تحتاج لنعت إما مفردا، أو جملة، أو شبه جملة وأكثر ما تكون الجملة فعلها ماض لفظا ومعنى، مثل: «رب طالب ذكيّ صادفته» ومثل: «رب ولد اجتهد عرفته»، أو معنى فقط كالمضارع المنفي بـ «لم» مثل: «رب طالب لم يتوان عن واجباته عرفته»، ففي المثل الأول النعت مفرد هو «ذكي» وفي الثاني فعل ماض هو «اجتهد» وفي الثالث فعل ماض معنى أي: مضارع مقرون بـ «لم» وهو الفعل «لم يتوان» وأما في مثل: «ربّ صديق عندك أحببته» و «ربّ صديق في العسرة وجدته» ومثل: «رب ملوم لا ذنب له» فالنعت في المثل الأول هو «عندك»، شبه جملة، وفي الثاني هو «في العسرة» شبه جملة، وفي الثالث النعت هو جملة اسمية هي «لا ذنب له»، وكقول الشاعر:
«ذلّ من يغبط الذّليل بعيش ***ربّ عيش أخفّ منه الحمام»
وفيه النعت هو الجملة الاسمية «أخفّ منه الحمام» وكقول الشاعر:
«ربّ ليل كأنّه الدّهر طولا***قد تناهى فليس فيه مزيد»
وفيه جملة النعت ماضوية وهي «قد تناهى».
وتحتاج «ربّ» مع الاسم المجرور إلى اتصال معنويّ ماض يكون متعلّق «ربّ» وهذا الفعل هو غير الجملة الواقعة صفة، ويكون غالبا محذوفا مع فاعله وتدل عليهما قرينة لفظية، مثل: «ما أحلى النجاح وما أبغض الفشل، فربّ نجاح
حسن وربّ فشل ضارّ» أي: ربّ نجاح استحسنته وربّ فشل كرهته. أو قرينة معنويّة، مثل قولك وأنت تمر على الطلاب المجتهدين: «ربّ اجتهاد نافع» والتقدير: ربّ اجتهاد نافع أحببته، وكقول الشاعر:
«ربّ حلم أضاعه عد***م المال وجهل غطى عليه النّعيم»
والتقدير: ربّ حلم أحببته أضاعه عدم المال، ويعتقد بعضهم أنها لا تتعلق بشيء.
9 ـ قد تدخل «ما» الزائدة على «ربّ» فتكفها عن عمل الجر، وتمنعها من الدخول على الأسماء فتدخل على الجملة الفعليّة، مثل: ربما قدم المحاضر. أو الاسمية، كقول الشاعر:
«ربّما الجامل المؤبّل فيهم ***وعناجيج بينهن المهار»
ومثل: «ربما المحاضر قادم»، ولا يتغيّر معناها، ومن العرب من يبقيها على حالها من العمل ومن الدخول على الأسماء المفردة التي تكون مجرورة بها، رغم اقترانها بـ «ما» الزائدة الكافّة. ومن دخولها على الجملة الفعليّة وبطلان عملها قول الشاعر:
«ربّما أوفيت في علم ***ترفعن ثوبي شمالات»
فقد دخلت «ربما» على الجملة الفعلية الماضوية.
ومن دخولها على الجملة المضارعيّة، قوله تعالى: {رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ} فقد دخلت «ربّما» على الجملة المضارعية لأنه بطل عملها. وقد تدخل عليها «ما» دون أن يبطل عملها، وعدم بطلان عملها ظاهر في قول الشاعر:
«ربّما ضربة بسيف ثقيل ***بين بصرى وطعنة نجلاء»
7 ـ قد تحذف «ربّ» لفظا بعد «الواو» أو «الفاء» أو «بل» ويبقى عملها، مثل:
«وجانب من الثّرى يدعى الوطن ***ملء العيون والقلوب والفطن»
فقد حذفت «ربّ» بعد «الواو» التي تسمّى «واو» ربّ «جانب» اسم مجرور لفظا مرفوع محلّا على أنه مبتدأ. وكقول الشاعر:
«فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع ***فألهيتها عن ذي تمائم محول»
إذ حذفت «ربّ» بعد «الفاء»، «مثلك»: مثل: اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنه مفعول به لفعل «طرقت» «حبلى»: تمييز.
وكقول الشاعر:
«بل بلد ملء الفجاج قتمه ***لا يشترى كتّانه وجهرمه»
فقد حذفت «ربّ» بعد «بل». «بلد»: اسم مجرور بـ «ربّ» لفظا مرفوع محلّا على أنه مبتدأ.
وقد تحذف بدون أن يأتي بعدها شيء يدل عليها، كقول الشاعر:
«رسم دار وقفت في طلله ***كدت أقضي الحياة من جلله»
8 ـ تخالف «رب» حروف الجر في أربعة أشياء:
أـ أنّها لا تقع إلا في صدر الكلام، لأن معناها التّقليل، وتقليل الشيء يقارب نفيه، فأشبهت حرف النفي الذي له صدر الكلام.
ب ـ أنّها لا تعمل إلا في النكرة لأنها تفيد التّقليل، والنكرة تفيد التّكثير، فتدخل عليها لتفيد التّقليل.
ج ـ لا تعمل إلّا في نكرة موصوفة لأنّ ذلك يكون عوضا عن الفعل المحذوف الذي تتعلق به، وقد يظهر ذلك الفعل في الضرورة الشعريّة.
د ـ لا يجوز أن يظهر الفعل الذي تتعلّق به للإيجاز والاختصار، فإذا قلنا: «ربّ رجل يعلم» كان التقدير: رب رجل يعلم أدركت أو لقيت، فحذف الفعل لدلالة الحال عليه، وهذا كثير في كلامهم.
ملاحظة: تسمّى «الواو» و «الفاء» و «بل» العوض عن «ربّ» لأنها تدلّ عليها، وكل منها مبني على الفتح و «بل» مبنيّة على السكون، والاسم المجرور بعدها له محلّان من الإعراب: الجرّ، والرّفع، على الابتداء كقول الشاعر:
«ومستعبد إخوانه بثرائه ***ليست له كبرا أبرّ على الكبر»
«الواو» هي بدل من «ربّ» مبنيّة على الفتح، لا محل لها من الإعراب «مستعبد» اسم مجرور بـ «ربّ» لفظا مرفوع محلّا على أنه مبتدأ.
«إخوانه» مفعول به لاسم الفاعل «مستعبد» و «الهاء» في محل جر بالإضافة وخبر المبتدأ هو الجملة المؤلّفة من «ليس» واسمها وخبرها.
المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م
14-المعجم المفصل في النحو العربي (حكم جملة القسم)
حكم جملة القسم1 ـ يكون فعلها غالبا محذوفا مثل: والله، تالله، ويظهر مع «الباء» فقط: «أحلف بالله».
2 ـ تحذف جملة جواب القسم إذا تأخرت جملة القسم وتقدمت عليها جملة تغني عن الجملة المحذوفة، مثل: «يكافأ المخلص والله» أو إذا توسّط القسم جملة تغني عن الجواب مثل: «فرح الآباء، والله، يتوقف على سعادة أبنائهم».
3 ـ إذا اجتمع الشرط والقسم وتأخّر القسم فيحذف جوابه اكتفاء بجواب الشرط كقوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ} جملة «لا يخرجون معهم» وجملة «لا ينصرونهم» لا محل لهما من الإعراب لأنهما جوابان لقسم محذوف دلّت عليه «لام» القسم المقترنة بأداة الشرط «إن». أو هما جوابان للشرط أغنيا عن جوابي القسم.
4 ـ يجوز حذف «لا» النافية، ويراد معناها، مثل: «والله أساعد الظالم أبدا» والتقدير: لا أساعد الظّالم أبدا، وكقول الشاعر:
«فخالف فلا والله تهبط تلعة***من الأرض إلا أنت للذّلّ عارف»
والتقدير: لا تهبط تلعة.
ملاحظة: أجاز الكوفيّون الجرّ في الاسم بعد «واو» القسم المحذوفة بدون عوض، واحتجوا بأن العرب تلقي «الواو» من القسم وتخفض بها، كقول الشاعر:
«رسم دار وقفت في طلله ***كدت أقضي الحياة من جلله»
والتقدير: ربّ رسم دار.
وأجاز الكوفيّون إعمال حرف الجرّ مع الحذف، إذا كان له عوض، كما أجازوا إضمار «ربّ» بعد «الواو» و «الفاء» و «بل» لأن هذه الأحرف بقيت عوضا عنها، كقول الشاعر:
«وليل كموج البحر أرخى سدوله ***عليّ بأنواع الهموم ليبتلي»
«فالواو» هي عوض عن «ربّ». وكقول الشاعر:
«فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع ***فألهيتها عن ذي تمائم محول»
«فالفاء» هي عوض عن «ربّ» المحذوفة.
المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م
15-المعجم المفصّل في الإعراب (رب)
ربّ ـحرف جرّ لا يجرّ إلّا النّكرة، وهو شبيه بالزائد، إذ لا يتعلّق بشيء، وقد يدخل على ضمير الغيبة، فيلازم الإفراد والتذكير، نحو قول الشاعر:
«ربّه فتية دعوت إلى ما***يورث المجد دائبا فأجابوا»
(«ربّه»: حرف جرّ شبيه بالزّائد مبنيّ على الفتح لا محلّ له من الإعراب. والهاء ضمير متّصل مبنيّ على الضمّ في محلّ رفع مبتدأ. «فتية»: تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة.
«دعوت»: فعل ماض مبنيّ على السكون لاتّصاله بضمير رفع متحرّك. والتاء ضمير متّصل مبنيّ على الضمّ في محلّ رفع فاعل. وجملة «دعوت» الفعليّة في محلّ رفع خبر المبتدأ). وتفيد «ربّ» التكثير، ومنه قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا ربّ كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة»، كما قد تفيد التقليل، نحو قول الشاعر:
«ألا ربّ مولود وليس له أب ***وذي ولد لم يلده أبوان..»
ول «ربّ» أحكام منها:
1 ـ حقّ الصدارة فلا يجوز أن يسبقها إلّا «ألا» الاستفتاحيّة و «يا» التنبيهيّة،
نحو: «ألا ربّ ضائقة أصابتني» ونحو: «يا ربّ تلميذ جدّ فوجد».
2 ـ لا تجرّ إلّا النّكرات، ولا يأتي بعدها إلّا الأسماء الظاهرة، كالأمثلة السابقة، أو ضمير الغائب، نحو: «ربّه بطلا صنديدا نازلت» و «ربّه بطلين صنديدين نازلت». («ربّه»: حرف جرّ شبيه بالزّائد مبنيّ على الفتح لا محلّ له من الإعراب. والهاء ضمير متّصل مبنيّ على الضمّ في محلّ رفع مبتدأ. «بطلين»: تمييز منصوب بالياء لأنّه مثنّى. «صنديدين»: نعت «بطلين» منصوب بالياء لأنّه مثنّى. «نازلت»: فعل ماض مبنيّ على السكون لاتّصاله بضمير رفع متحرّك. والتّاء ضمير متصل مبنيّ على الضمّ في محلّ رفع فاعل. وجملة «نازلت» الفعليّة في محلّ رفع خبر المبتدأ).
3 ـ فعلا تامّا، مضارعه «يروم» بمعنى «أراد»، نحو: «لا أروم الشرّ»، أي لا أريده بعده صفة قد تكون جملة ظاهرة، أو محذوفة يتعلّق بها الظرف أو حرف الجرّ، أو مفردا فنجرّها إتباعا للفظ منعوتها، أو نتبعها لمحلّ منعوتها فنرفعها أو ننصبها أو نجرّها، حسب موقع منعوتها من الإعراب، نحو: «يا ربّ كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة». («يا»: جرف تنبيه مبنيّ على السكون لا محلّ له من الإعراب. «ربّ»: حرف جرّ شبيه بالزّائد مبنيّ على الفتح لا محلّ له من الإعراب. «كاسية»: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنّه مبتدأ. «في»: حرف جرّ مبنيّ على السكون لا محلّ له من الإعراب، متعلّق بمحذوف صفة لـ «كاسية». «الدنيا»: اسم مجرور وعلامة جرّه الكسرة المقدّرة على الألف للتعذّر.
«عارية»: خبر «كاسية» مرفوع بالضمّة الظاهرة على آخره.
«يوم»: ظرف زمان منصوب بالفتحة الظاهرة، متعلّق بالخبر «عارية»، وهو مضاف. «القيامة»: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة). ونحو: «ربّ طالب مذنب قاصصت».
(«ربّ»: حرف جرّ شبيه بالزائد مبنيّ على الفتح لا محلّ له من الإعراب. «طالب»: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنّه مفعول به مقدّم لـ «قاصصت».
«مذنب»: نعت «طالب» مجرور على الإتباع وليس على المحلّ، بالكسرة الظاهرة.
«قاصصت»: فعل ماض مبنيّ على السكون لاتّصاله بضمير رفع متحرّك. والتّاء: ضمير متّصل مبنيّ على الضمّ في محلّ رفع فاعل. وجملة «قاصصت» لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة).
ونحو: «ربّ طالب أذنب قاصصت» («طالب»: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنّه مفعول به مقدّم لـ «قاصصت».
«أذنب»: فعل ماض مبنيّ على الفتحة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. وجملة «أذنب» الفعليّة في محل جرّ نعت طالب).
4 ـ قد تحذف ويبقى عملها:
أ ـ بعد الفاء كقول امرىء القيس:
«فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع ***فألهيتها عن ذي تمائم محول» »
(«مثلك»: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنّه مفعول به مقدّم للفعل «طرقت»).
ب ـ بعد الواو كقول امرىء القيس:
«وليل كموج البحر أرخى سدوله ***عليّ بأنواع الهموم ليبتلي» »
(«ليل»: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنّه مبتدأ).
ج ـ بعد «بل»، كقول رؤبة:
«بل بلد ملء الفجاج قتمه ***لا يشترى كتّانه وجهرمه» »
(«بلد»: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنّه مبتدأ). وبدونهنّ كقول جميل بن معمر:
«رسم دار وقفت في طلله ***كدت أقضي الحياة من جلله» »
(«رسم»: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنّه مبتدأ).
5 ـ قد تدخل عليها «ما» الزّائدة فتكفّها عن العمل، فتدخل حينئذ على المعارف، نحو: «ربّما الطقس جميل» وعلى الأفعال، نحو قوله تعالى: {رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ} («ربما»: حرف جرّ شبيه بالزّائد بطل عمله لدخول «ما» الكافّة عليه، مبنيّ على الفتح لا محلّ له من الإعراب. «ما»: حرف زائد مبنيّ على السكون لا محلّ له من الإعراب. «يودّ»: فعل مضارع مرفوع بالضمّة الظاهرة على آخره. «الذين»: اسم موصول مبنيّ على الفتح في محلّ رفع فاعل «يودّ». «كفروا»: فعل ماض مبنيّ على الضمّ لاتّصاله بواو الجماعة، والواو ضمير متّصل مبنيّ على السكون في محلّ رفع فاعل، وجملة «كفروا» الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها صلة الموصول).
المعجم المفصّل في الإعراب-طاهر يوسف الخطيب-صدر: 1412هـ/1991م
16-معجم الأفعال المتعدية بحرف (قضى)
(قضى) يقضي قضاء وقضيا وقضية عليه حكم فهو قاض وذاك مقضي عليه وقضى عليه قتله وقضى عليه عهدا أوصاه وأنفذه وقضى إليه الأمر أنهاه إليه وأبلغه إياه وقاضاه على مال صالحه عليه وقاضاه رافعه إلى القاضي وتقاضاه الدين وتقاضى به قبضه منه طالبه به وقضى له القاضي وعليه وقد استقضى علينا فلان وقضى عليه بضربه قتله وقضى منه العجب أي تعجب منه غاية العجب فوفى العجب حقه ولا أقضي منه العجب أي لا يمكن توفية العجب حقه لعظم الأمر واستقضى السلطان فلانا علينا صيره قاضيا.معجم الأفعال المتعدية بحرف-موسى بن الحاج محمد بن الملياني الأحمدي الدراجي المسيلي الجزائري (الملقب نويوات)-صدر:1398هـ/1977م
17-معجم البلدان (الأثارب)
الأَثارِبُ:كأنه جمع أثرب، من الثّرب، وهو الشّحم الذي قد غشي الكرش. يقال: أثرب الكبش إذا زاد شحمه، فهو أثرب لما سمّي به جمع جمع محض الأسماء، كما قال:
فيا عبد عمرو لو نهيت الأحاوصا
وهي قلعة معروفة بين حلب وأنطاكية، بينها وبين حلب نحو ثلاثة فراسخ، ينسب إليها ابو المعالي محمد ابن هيّاج بن مبادر بن علي الأثاربي الأنصاري.
وهذه القلعة الآن خراب وتحت جبلها قرية تسمّى باسمها فيقال لها الأثارب. وفيها يقول محمد بن نصر ابن صغير القيسراني:
«عرّجا بالأثاربي، *** كي أقضّي مآربي»
«واسرقا نوم مقلتي *** من جفون الكواعب»
«وا عجبا من ضلالتي، *** بين عين وحاجب»
وحمدان بن عبد الرحيم الأثاربي الطّبيب متأدّب وله شعر وأدب وصنّف تاريخا كان في أيام طغندكين صاحب دمشق بعد الخمسمائة وقد ذكرته في معراثا بأتمّ من هذا.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
18-معجم البلدان (عرصة)
عَرْصَةُ:بفتح أوله، وسكون ثانيه، وصاد مهملة:
وهما عرصتان بعقيق المدينة، قال الأصمعي: كل جوبة متسعة ليس فيها بناء فهي عرصة، وقال غيره:
العرصة ساحة الدار سميت لاعتراص الصبيان فيها أي للعبهم فيها، وقال: إن تبّعا مرّ بالعرصة وكانت تسمى السليل فقال: هذه عرصة الأرض، فسميت العرصة كأنه أراد ملعب الأرض أو ساحة الأرض، والعرصتان: بالعقيق من نواحي المدينة من أفضل بقاعها وأكرم أصقاعها، ذكر محمد بن عبد العزيز الزهري عن أبيه أن بني أميّة كانوا يمنعون البناء في العرصة عرصة العقيق ضنّا بها وأن سلطان المدينة لم يكن يقطع بها قطيعة إلا بأمر الخليفة حتى خرج خارجة بن حمزة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن العوّام إلى الوليد بن عبد الملك يسأله أن يقطعه موضع قصر فيها، فكتب إلى عامله بالمدينة بذلك فأقطعه موضع قصر وألحقه بالسراة أي بالحزم، فلم يزل في أيديهم حتى صار ليحيى بن عبد الله بن عليّ بن الحسين ابن عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنهم، وقد كان سعيد بن العاصي ابتنى بها قصرا واحتفر بها بئرا وغرس النخل والبساتين، وكان نخل بستانه أبكر نخل بالمدينة، وكانت تسمّى عرصة الماء، وفيها يقول ذؤيب الأسلمي:
«قد أقرّ الله عيني *** بغزال، يا ابن عون»
«طاف من وادي دجيل *** بفتى طلق اليدين»
«بين أعلى عرصة الما *** ء إلى قصر وبيني»
«فقضاني في منامي *** كلّ موعود ودين»
وفيها يقول أبو الأبيض سهل بن أبي كثير:
«قلت: من أنت؟ فقالت: *** بكرة من بكرات»
«ترتعي نبت الخزامى *** تحت تلك الشجرات»
«حبّذا العرصة دارا *** في الليالي المقمرات»
«طاب ذاك العيش عيشا *** وحديث الفتيات»
«ذاك عيش أشتهيه *** من فنون ألمات»
وفي العرصة الصغرى يقول داود بن سلم:
«أبرزتها كالقمر الزاهر، *** في عصفر كالشّرر الطائر»
«بالعرصة الصغرى إلى موعد *** بين خليج الواد والظّاهر»
قال: وإنما قال العرصة الصغرى لأن العقيق الكبير يتبعها من أحد جانبيها ويتبعها عرصة البقل من الجانب الآخر وتختلط عرصة البقل بالجرف فتتسع، والخليج الذي ذكره خليج سعيد بن العاصي، وروى الحسن ابن خالد العدواني أن النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، قال: نعم المنزل العرصة لولا كثرة الهوام، وكتب سعيد بن العاصي بن سليمان المساحقي إلى عبد الأعلى ابن عبد الله ومحمد بن صفوان الجمحي وهما ببغداد يذكّرهما طيب العقيق والعرصتين في أيام الربيع فقال:
«ألا قل لعبد الله إمّا لقيته، *** وقل لابن صفوان على القرب والبعد: »
«ألم تعلما أن المصلّى مكانه، *** وأن العقيق ذو الأراك وذو المرد»
«وأن رياض العرصتين تزيّنت *** بنوّارها المصفّر والأشكل الفرد»
«وأنّ بها، لو تعلمان، أصائلا *** وليلا رقيقا مثل حاشية البرد»
«فهل منكما مستأنس فمسلّم *** على وطن، أو زائر لذوي الودّ؟»
فأجابه عبد الأعلى:
«أتاني كتاب من سعيد فشاقني، *** وزاد غرام القلب جهدا على جهد»
«وأذرى دموع العين حتى كأنها *** بها رمد عنه المراود لا تجدي»
«فان رياض العرصتين تزيّنت، *** وإن المصلّى والبلاط على العهد»
«وإن غدير اللابتين ونبته *** له أرج كالمسك، أو عنبر الهند»
«فكدت بما أضمرت من لاعج الهوى *** ووجد بما قد قال أقضي من الوجد»
«لعلّ الذي كان التفرّق أمره *** يمنّ علينا بالدّنوّ من البعد»
«فما العيش إلا قربكم وحديثكم، *** إذا كان تقوى الله منّا على عمد»
وقال بعض المدنيين:
«وبالعرصة البيضاء، إذ زرت أهلها، *** مها مهملات ما عليهنّ سائس»
«خرجن لحبّ اللهو من غير ريبة، *** عفائف باغي اللهو منهنّ آيس»
«يردن، إذا ما الشمس لم يخش حرّها، *** خلال بساتين خلاهنّ يابس»
«إذا الحرّ آذاهنّ لذن ببحرة، *** كما لاذ بالظلّ الظباء الكوانس»
والقول في العرصة كثير جدّا وهذا كاف، وبنو إسحاق العرصيّ وهو إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطّلب إليها منسوبون.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
19-معجم القواعد العربية (الجمل التي لها محل من الإعراب)
الجمل التي لها محلّ من الإعراب:الجمل غير المستقلة لها محل من الإعراب: وهي التي لو ذكر بدلها مفرد لكان معربا، وهي تسع جمل:
(1) الواقعة حالا نحو: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى} ومحلّها نصب.
(2) الواقعة مفعولا ومحلّها النصب، إلّا إن نابت عن فاعلها، فمحلّها الرّفع، وتقع في ثلاثة مواضع:
(أ) في باب الحكاية بالقول، أو ما يفيد معناه نحو: {قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ}.
(ب) في باب ظنّ وعلم.
(ج) في باب التّعليق، وهو جائز في كلّ فعل قلبي، سواء أكان من باب ظنّ أو غيره، نحو: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى}. فالجملة من المبتدأ والخبر سدّت مسدّ مفعولي «نعلم».
(3) الجملة المضاف إليها، ومحلّها الجرّ، ولا يضاف إلى الجملة إلّا ثمانية:
(أحدها) أسماء الزّمان ظروفا كانت أم لا نحو: {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ}، ونحو: {هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ}.
(ثانيها) «حيث» نحو: {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ}.
(ثالثها) «آية» بمعنى علامة، وتضاف جوازا إلى الجملة الفعلية المتصرّف فعلها مثبتا أو منفيا ب «ما» نحو قوله:
«بآية يقدمون الخيل شعثا *** كأنّ على سنابكها مداما »
(رابعها) «ذو» في قولهم «اذهب بذي تسلم» أي في وقت صاحب سلامة.
(خامسها) «لدن» نحو:
«لزمنا لدن سألتمونا وفاقكم *** فلايك منكم للخلاف جنوح »
(سادسها) «ريث» بمعنى قدر نحو:
«خليليّ رفقا ربث أقضي لبانة *** من العرصات المذكرات عهودا»
(سابعها) لفظ «قول» نحو:
«قول: يا للرّجال ينهض منّا *** مسرعين الكهول والشّبّانا»
(ثامنها) لفظ «قائل» نحو:
«وأجبت قائل: كيف أنت بصالح *** حتّى مللت وملّني عوّادي »
(4) الجملة الواقعة خبرا وموضعها رفع، في بابي «المبتدأ، وإنّ» نحو: «خالد يكتب» و «إنّ عليّا يلعب» ونصب في بابي «كان وكاد» نحو: «كان أخي يجدّ» و «كاد الجوع يقتل صاحبه».
(5) الجملة الواقعة بعد «الفاء وإذا» جوابا لشرط جازم نحو: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ} ونحو: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ}.
(6) الجملة التّابعة لمفرد، وهي مثله إعرابا، وتقع في باب النعت نحو: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ}.
وفي باب عطف النّسق نحو «محمّد مجتهد وأخوه معتن بشأنه».
وفي باب البدل نحو: {ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ}.
(7) الجملة المستثناة نحو: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ اللهُ} فمن مبتدأ ويعذّبه الله خبر، والجملة في موضع نصب على الاستثناء المنقطع.
(8) الجملة المسند إليها، نحو: {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ}. إذا أعرب «سواء» خبرا عن أأنذرتهم.
والأصل في إعرابها: «سواء»: مبتدأ، و «أأنذرتهم أم لم تنذرهم» جملة في موضع الفاعل وسدّت مسدّ الخبر، والتّقدير: يستوي عندهم الإنذار وعدمه.
معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذُيّل بالإملاء-عبدالغني الدقر-صدر: 1404ه/1984م
20-معجم القواعد العربية (رب)
ربّ:حرف جر لا يجرّ إلّا النّكرة، ولا يكون إلّا في أول الكلام، وهو في حكم الزّائد، فلا يتعلّق بشيء وقد يدخل على ضمير الغيبة ملازما للإفراد والتّذكير، والتّفسير بتمييز بعده مطابق للمعنى كقول الشّاعر:
«ربّه فتية دعوت إلى ما *** يورث المجد دائبا فأجابوا»
وهذا قليل.
وقد تدخل «ما» النكرة الموصوفة على «ربّ» وتوصف بالجملة التي بعدها، نحو قول أمية بن أبي الصّلت:
«ربّما تكره النّفوس من الأم *** ر له فرجة كحلّ العقال »
والتّقدير: ربّ شيء تكرهه النّفوس، وضمير له يعود على ما. وقد تلحق ربّ ما الزّائدة فتكفّها عن العمل فتدخل حينئذ على المعارف وعلى الأفعال فتقول: «ربّما عليّ قادم» و «ربّما حضر أخوك».
وقد تعمل قليلا كقول عديّ الغسّاني:
«ربّما ضربة بسيف صقيل *** بين بصرى وطعنة نجلاء»
والغالب على «ربّ» المكفوفة أن تدخل على فعل ماض كقول جذيمة: «ربما أوفيت في علم» وقد تدخل على مضارع منزّل منزلة الماضي لتحقّق الوقوع نحو قوله تعالى: {رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} وندر دخولها على الجملة الاسميّة كقول أبي دؤاد الإيادي:
«ربّما الجامل المؤبّل فيهم *** ومعنى «ربّ» التّكثير، وتأتي للتّقليل »
فالأوّل كقوله عليه الصلاة والسلام: (يا ربّ كاسية في الدّنيا عارية يوم القيامة).
والثاني كقول رجل من أزد السّراة:
«ألا ربّ مولود وليس له أب *** وذي ولد لم يلده أبوان »
وقد تحذف «ربّ» ويبقى عملها بعد الفاء كثيرا كقول امرىء القيس:
«فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع *** فألهيتها عن ذي تمائم محول »
وبعد الواو أكثر كقول امرىء القيس:
«وليل كموج البحر أرخى سدوله *** عليّ بأنواع الهموم ليبتلي »
وبعد «بل» قليلا كقول رؤبة:
«بل بلد ملء الفجاج قتمه *** لا يشترى كتّانه وجهرمه »
وبدونهن أقلّ كقول جميل بن معمر:
«رسم دار وقفت في طلله *** كدت أقضي الحياة من جلله »
ربّة: هي «ربّ» لا تختلف عنها معنى وإعرابا مع زيادة التاء لتأنيث لفظها فقط.
معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذُيّل بالإملاء-عبدالغني الدقر-صدر: 1404ه/1984م
21-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (استفهام التقرير)
استفهام التّقرير:وهو حمل المخاطب على الاقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده. قال ابن جني: «ولا يستعمل ذلك بـ «هل» كما يستعمل بغيرها من أدوات الاستفهام». وقال الكندي: «ذهب كثير من العلماء في قوله تعالى: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ} الى أنّ «هل» تشارك الهمزة في معنى التقرير والتوبيخ». ونقل أبو حيان عن سيبويه أنّ استفهام التقرير لا يكون بـ «هل» انما يستعمل فيه الهمزة، ثم نقل عن بعضهم أنّ «هل» تأتي تقريرا كما في قوله تعالى: {هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ}. والكلام مع التقرير موجب ولذلك يعطف عليه صريح الموجب ويعطف على صريح الموجب. فالأول كقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ}، وقوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى}، وقوله: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبابِيلَ}. والثاني كقوله تعالى: {أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْمًا}.
وحقيقة استفهام التقرير أنّه استفهام انكار، والانكار نفي وقد دخل على النفي، ونفي النفي اثبات».
وقسّم الآمدي التقرير الى ضربين حينما تحدث عن الخطأ في قول أبي تمام:
«رضيت وهل أرضى اذا كان مسخطي ***من الأمر ما فيه رضى من له الأمر»
قال: «فمعنى هل في هذا البيت التقرير، والتقرير على ضربين: تقرير للمخاطب على فعل قد مضى ووقع، أو على فعل هو في الحال ليوجب المقرر بذلك ويحققه، ويقتضي من المخاطب في الجواب الاعتراف به، نحو وقوله: هل أكرمتك؟ هل أحسنت اليك؟ هل أودك وأوثرك؟ هل أقضي حاجتك؟ وتقرير على فعل يدفعه المقرر وينفي أن يكون قد وقع نحو قوله: «هل كان مني اليك قط شيء كرهته»؟ و «هل عرفت مني غير الجميل»؟ فقوله في البيت: «وهل أرضى» تقرير لفعل ينفيه عن نفسه وهو الرضى كما يقول القائل: «وهل يمكنني المقام على هذه الحال»؟ أي: لا يمكنني، و «هل يصبر الحرّ على الذل»؟ و «هل يروى زيد»؟ و «هل يشبع عمرو»؟ فهذه كلها أفعال معناها النفي. فقوله: «وهل أرضى» انما هو نفي للرضى فصار المعنى: ولست أرضى، إذ كان الذي يسخطني ما فيه رضى من له الأمر، أي رضى الله تعالى، وهذا خطأ منه فاحش».
معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م
22-موسوعة الفقه الكويتية (شرع من قبلنا)
شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَاالتَّعْرِيفُ:
1- الشَّرْعُ، وَالشَّرِيعَةُ، وَالشِّرْعَةُ فِي اللُّغَةِ: الطَّرِيقُ الظَّاهِرُ الَّذِي يُوصَلُ مِنْهُ إِلَى الْمَاءِ، يُقَالُ: شَرَعَتِ الْإِبِلُ شَرْعًا وَشُرُوعًا: إِذَا وَرَدَتِ الْمَاءَ.وَالشَّرْعُ فِي الِاصْطِلَاحِ: مَا سَنَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِنَ الدِّينِ وَأَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ.
«وَمَنْ قَبْلَنَا» هُمُ الْأَنْبِيَاءُ الْمُرْسَلُونَ قَبْلَ نَبِيِّنَا إِلَى الْأُمَمِ السَّابِقَةِ.
فَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا هُوَ: مَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ مِنَ الشَّرَائِعِ إِلَى الْأُمَمِ الَّتِي أُرْسِلُوا إِلَيْهَا قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ.
وَحْدَةُ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ:
2- الشَّرَائِعُ السَّمَاوِيَّةُ كُلُّهَا مِنْ مَصْدَرٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَهِيَ لِهَذَا مُتَّحِدَةُ الْأُصُولِ.فَلَا تَخْتَلِفُ فِي أُصُولِ الدِّينِ، كَوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَوُجُوبِ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ.وَالْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}.
اخْتِلَافُ الشَّرَائِعِ فِي الْفُرُوعِ:
3- الشَّرَائِعُ السَّمَاوِيَّةُ قَدْ تَخْتَلِفُ فِي الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ حَسَبَ اخْتِلَافِ الزَّمَنِ وَالْبِيئَاتِ، وَبِسَبَبِ ظُرُوفٍ وَمُلَابَسَاتٍ خَاصَّةٍ بِأُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ فَتُحَرَّمُ بَعْضُ أُمُورٍ عَلَى أُمَّةٍ لِأَسْبَابٍ خَاصَّةٍ بِهَا.
كَمَا حُرِّمَ عَلَى الْيَهُودِ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ، قَالَ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ}.
وَلَكِنْ هَلْ نَحْنُ مُتَعَبَّدُونَ بِفُرُوعِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الْأُمَمِ؟ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ وَالْفِقْهِ فِي ذَلِكَ.
وَهَلْ كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَتَعَبَّدُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِشَرْعِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ؟ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ يَتَعَبَّدُ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَى ذَلِكَ.
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الْأُصُولِيِّ وَالْكَلَامِيِّ فَإِنَّ مَا هُوَ مِنَ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ وَإِنْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى إِقْرَارِهِ فَهُوَ شَرْعٌ لَنَا وَإِنْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ فَلَيْسَ شَرْعًا لَنَا بِالِاتِّفَاقِ.
وَإِنْ سَكَتَ شَرْعُنَا عَنْ إِقْرَارِهِ وَنَسْخِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ شَرْعٌ لَنَا، ثَابِتُ الْحُكْمِ عَلَيْنَا، إِذَا قَصَّهُ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، وَلَا تَقْرِيرٍ، فَلَا نَأْخُذُ مِنْ أَحْبَارِهِمْ وَلَا مِنْ كُتُبِهِمْ.
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ}، إِلَى قَوْلِهِ: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}.
وقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}.
وَقَالُوا: إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ وَغَيْرَهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ شَرْعٌ لَنَا، وَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً لَنَا بِنَفْسِ وُرُودِهَا فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّهَا قَدْ صَارَتْ شَرِيعَةً لَنَا بِوُرُودِهَا عَلَى شَرِيعَتِنَا وَلَزِمَنَا أَحْكَامُهَا.بِنَاءً عَلَى هَذَا اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى آرَاءٍ فِقْهِيَّةٍ ذَهَبُوا إِلَيْهَا.
فَقَدِ اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَالِحٍ- عليه السلام-، {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}.عَلَى جَوَازِ قَسْمِ الشِّرْبِ بِالْأَيَّامِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ نَبِيِّهِ صَالِحٍ بِذَلِكَ وَلَمْ يُعْقِبْهُ بِالنَّسْخِ فَصَارَتْ شَرِيعَةً لَنَا مُبْتَدَأَةً.
وَاسْتَدَلَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ بِالْأَمَارَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْأَنْفُسُكُمْ أَمْرًا}.حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ يَعْقُوبَ- عليه الصلاة والسلام- رَدًّا عَلَى قَوْلِ إِخْوَةِ يُوسُفَ {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ}.
وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ أَحْكَامًا كَثِيرَةً: مِنْهَا: لَوْ وُجِدَ مَيِّتٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ غَيْرُ مَخْتُونٍ وَعَلَيْهِ زُنَّارٌ فَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، اسْتِنَادًا إِلَى هَذِهِ الْأَمَارَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْلِ الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ: إِنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا، وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ، وَقَالُوا: «إِنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: كَيْفَ تَقْضِي؟ فَأَجَابَهُ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي».
وَلَمْ يَذْكُرْ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا فَزَكَّاهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- وَصَوَّبَهُ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَدَارِكِ الْأَحْكَامِ لَمَا جَازَ الْعُدُولُ إِلَى الِاجْتِهَادِ إِلاَّ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ.
وَتَفْصِيلُ الْمَوْضُوعِ وَأَدِلَّةُ الْمُخْتَلِفِينَ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
23-موسوعة الفقه الكويتية (صلح 3)
صُلْحٌ -3الشُّرُوطُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُصَالَحِ عَنْهُ:
الْمُصَالَحُ عَنْهُ: هُوَ الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: حَقُّ اللَّهِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ.
28- أَمَّا حَقُّ اللَّهِ: فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْهُ.وَعَلَى ذَلِكَ، فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، بِأَنْ صَالَحَ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ شَارِبَ خَمْرٍ عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ لَا يَرْفَعَهُ إِلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ، وَيَقَعُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْمُصَالِحَ بِالصُّلْحِ مُتَصَرِّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، إِمَّا بِاسْتِيفَاءِ كُلِّ حَقِّهِ، أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ وَإِسْقَاطِ الْبَاقِي، أَوْ بِالْمُعَاوَضَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ.
وَكَذَا إِذَا صَالَحَ مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ، بِأَنْ قَذَفَ رَجُلًا، فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَقٌّ، فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَغْلُوبُ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ شَرْعًا، فَكَانَ فِي حُكْمِ الْحُقُوقِ الْمُتَمَحِّضَةِ حَقًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهِيَ لَا تَحْتَمِلُ الصُّلْحَ، فَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي حُكْمِهَا. (انْظُرْ مُصْطَلَحَ: قَذْف).
وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ شَاهِدًا يُرِيدُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ عَلَى مَالٍ لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ فِي إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ مُحْتَسِبٌ حَقًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} وَالصُّلْحُ عَنْ حُقُوقِ اللَّهِ بَاطِلٌ.
وَإِذَا بَطَلَ الصُّلْحُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ إِلاَّ بِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ.
29- وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ: فَهُوَ الَّذِي يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ عِنْدَ تَحَقُّقِ شُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّةِ، وَشُرُوطُهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ثَلَاثَةٌ:.
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ حَقًّا ثَابِتًا لِلْمُصَالِحِ فِي الْمَحَلِّ:
30- وَعَلَى ذَلِكَ: فَمَا لَا يَكُونُ حَقًّا لَهُ، أَوْ لَا يَكُونُ حَقًّا ثَابِتًا لَهُ فِي الْمَحَلِّ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ادَّعَتْ عَلَيْهِ صَبِيًّا فِي يَدِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْهَا، وَجَحَدَ الرَّجُلُ، فَصَالَحَتْ عَنِ النَّسَبِ عَلَى شَيْءٍ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّ الصَّبِيِّ لَا حَقُّهَا، فَلَا تَمْلِكُ الِاعْتِيَاضَ عَنْ حَقِّ غَيْرِهَا؛ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ إِمَّا إِسْقَاطٌ أَوْ مُعَاوَضَةٌ، وَالنَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُهُمَا.
وَكَذَا لَوْ صَالَحَ الشَّفِيعُ مِنَ الشُّفْعَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ عَلَى شَيْءٍ، عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الدَّارَ لِلْمُشْتَرِي فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلشَّفِيعِ فِي الْمَحَلِّ، إِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ، وَهُوَ لَيْسَ لِمَعْنًى فِي الْمَحَلِّ، بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْوِلَايَةِ، وَأَنَّهَا صِفَةُ الْوَالِي فَلَا يَحْتَمِلُ الصُّلْحَ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ- خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ- فَيَجُوزُ عِنْدَهُمُ الصُّلْحُ عَنِ الشُّفْعَةِ. (ر: شُفْعَة- إِسْقَاط.) وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ الْمَكْفُولَ لَهُ عَلَى مَالٍ، عَلَى أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنَ الْكَفَالَةِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلطَّالِبِ قِبَلَ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الْمُطَالَبَةِ، وَأَنَّهَا صِفَةُ الْوَالِي فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا كَالشُّفْعَةِ.
أَمَّا لَوِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي، فَطَلَبَ مِنْهُ الْيَمِينَ فَصَالَحَ عَنِ الْيَمِينِ عَلَى أَنْ لَا يَسْتَحْلِفَهُ جَازَ الصُّلْحُ وَبَرِئَ مِنَ الْيَمِينِ، بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَعُودَ إِلَى اسْتِحْلَافِهِ.وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: صَالَحْتُكَ مِنَ الْيَمِينِ الَّتِي وَجَبَتْ لَكَ عَلَيَّ.أَوْ قَالَ: افْتَدَيْتُ مِنْكَ يَمِينَكَ بِكَذَا وَكَذَا صَحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقٌّ لِلْمُدَّعِي قِبَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ- وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الْمُدَّعِي فِي زَعْمِهِ- فَكَانَ الصُّلْحُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ فِي الْمَحَلِّ، وَهُوَ الْمُدَّعِي، وَفِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَذْلُ الْمَالِ لِإِسْقَاطِ الْخُصُومَةِ وَالِافْتِدَاءِ عَنِ الْيَمِينِ.قَالَهُ الْكَاسَانِيُّ.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: عَلَى أَنَّهُ لَوِ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَرْأَةِ نِكَاحًا فَحَجَّتْهُ، وَصَالَحَتْهُ عَلَى مَالٍ بَذَلَتْهُ حَتَّى يَتْرُكَ الدَّعْوَى جَازَ هَذَا الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي حَسَبَ زَعْمِهِ، فَكَانَ الصُّلْحُ عَلَى حَقٍّ ثَابِتٍ لَهُ، وَالدَّافِعُ يَقْطَعُ بِهِ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَانَ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ:
31- أَيْ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ أَوْ لَا يَجُوزُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ.
وَعَلَى ذَلِكَ: فَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ قَوَدِ نَفْسٍ وَدُونِهَا، وَعَنْ سُكْنَى دَارٍ وَنَحْوِهَا، وَعَنْ عَيْبٍ فِي عِوَضٍ أَوْ مُعَوَّضٍ؛ قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ وَالْمُنَازَعَةِ.
وَمَتَى صَالَحَ عَمَّا يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَكْثَرَ مِنْ دِيَتِهِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ.لقوله تعالى:
{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ} أَيْ: أُعْطَى لَهُ.
كَذَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- وَقَوْلُهُ عَزَّ شَأْنُهُ {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} أَيْ: فَلْيَتْبَعْ «مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ» فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَلِيَّ بِالِاتِّبَاعِ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُعْطِيَ لَهُ شَيْءٌ، وَاسْمُ الشَّيْءِ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، فَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ، وَيَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ مَجَّانًا، فَكَذَا تَعْوِيضًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ مِنْ إِحْسَانِ الْوَلِيِّ، وَإِحْيَاءِ الْقَاتِلِ.وَالْكَثِيرُ وَالْقَلِيلُ سَوَاءٌ فِي الصُّلْحِ عَنِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ، فَيُفَوَّضُ إِلَى اصْطِلَاحِهِمَا، كَالْخُلْعِ عَلَى مَالٍ.
أَمَّا إِذَا صَالَحَ عَنْ قَتْلِ الْخَطَأِ بِأَكْثَرَ مِنْ دِيَتِهِ مِنْ جِنْسِهَا لَمْ يَجُزْ.وَكَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا غَيْرَ مِثْلِيٍّ لِغَيْرِهِ، فَصَالَحَ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ جِنْسِهَا لَمْ يَجُزْ أَيْضًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الدِّيَةَ وَالْقِيمَةَ ثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ مُقَدَّرَةً، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْ جِنْسِهَا الثَّابِتَةِ عَنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْهَا فَقَدْ أَخَذَ حَقَّهُ وَزِيَادَةً لَا مُقَابِلَ لَهَا، فَيَكُونُ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ.
فَأَمَّا إِذَا صَالَحَهُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا، فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، وَيَجُوزُ لِلْمَرْءِ أَنْ يَشْتَرِيَ الشَّيْءَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ؛ وَلِأَنَّهُ لَا رِبَا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ فَصَحَّ.
وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ: لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، مِثْلُ أَنْ يُصَالِحَ امْرَأَةً عَلَى مَالٍ لِتُقِرَّ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ يُحِلُّ حَرَامًا؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ بَذْلَ نَفْسِهَا بِعِوَضٍ لَمْ يَجُزْ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا:
32- وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِهِ أَوْ فِي مَدَاهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدِهَا لِلشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنِ الْمَجْهُولِ.
قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي «الْأُمِّ».
أَصْلُ الصُّلْحِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، فَمَا جَازَ فِي الْبَيْعِ جَازَ فِي الصُّلْحِ، وَمَا لَمْ يَجُزْ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ فِي الصُّلْحِ، ثُمَّ يَتَشَعَّبُ.وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عِنْدِي إِلاَّ عَلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ، كَمَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إِلاَّ عَلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه-: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا».وَمِنَ الْحَرَامِ الَّذِي يَقَعُ فِي الصُّلْحِ أَنْ يَقَعَ عِنْدِي عَلَى الْمَجْهُولِ الَّذِي لَوْ كَانَ بَيْعًا كَانَ حَرَامًا.
هَذَا، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنِ الْمُجْمَلِ عِنْدَهُمْ، فَلَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا مُجْمَلًا فَأَقَرَّ لَهُ بِهِ وَصَالَحَهُ عَنْهُ عَلَى عِوَضٍ، صَحَّ الصُّلْحُ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: هَذَا إِذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا لَهُمَا فَيَصِحُّ الصُّلْحُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَاهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ الشَّيْءَ الَّذِي نَعْرِفُهُ أَنَا وَأَنْتَ بِكَذَا فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ صَحَّ.
وَالثَّانِي لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ مَعْلُومًا إِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى التَّسْلِيمِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَطْلُوبَ التَّسْلِيمِ اشْتَرَطَ كَوْنَهُ مَعْلُومًا لِئَلاَّ يُفْضِيَ إِلَى الْمُنَازَعَةِ.
جَاءَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ: إِذَا ادَّعَى حَقًّا فِي دَارِ رَجُلٍ وَلَمْ يُسَمِّ، فَاصْطَلَحَا عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ يُعْطِيهِ الْمُدَّعِي لِيُسَلِّمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي لَا يَصِحُّ هَذَا الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْتَاجُ إِلَى تَسْلِيمِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَ ذَلِكَ لَا يَدْرِي مَاذَا يُسَلِّمُ إِلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ.
أَمَّا إِذَا كَانَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ التَّسْلِيمَ- كَتَرْكِ الدَّعْوَى مَثَلًا- فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ هَاهُنَا سَاقِطٌ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَاءِ عَنِ الْمَجْهُولِ، وَهُوَ جَائِزٌ.قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تُبْطِلُ الْعُقُودَ لِعَيْنِهَا، وَإِنَّمَا تُبْطِلُ الْعُقُودَ لِمَعْنًى فِيهَا، وَهُوَ وُقُوعُ الْمُنَازَعَةِ.فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْتَغْنَى عَنْ قَبْضِهِ وَلَا تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي ثَانِي الْحَالِ فِيهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى قَبْضِهِ، وَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي ثَانِي الْحَالِ عِنْدَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ لَمْ يَجُزْ.
وَالثَّالِثِ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مِمَّا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ.وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَذَّرُ.
فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ، فَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْهُ.
قَالَ الْحَنَابِلَةُ: سَوَاءٌ أَكَانَ عَيْنًا أَمْ دَيْنًا، وَسَوَاءٌ جَهِلَاهُ أَوْ جَهِلَهُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمُصَالَحُ بِهِ حَالًّا أَوْ نَسِيئَةً، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ.
أ- بِمَا وَرَدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «جَاءَ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ يَخْتَصِمَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي مَوَارِيثَ بَيْنَهُمَا قَدْ دُرِسَتْ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ أَوْ قَدْ قَالَ: لِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَإِنِّي أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوِ مِمَّا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذُهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، يَأْتِي بِهَا إِسْطَامًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.فَبَكَى الرَّجُلَانِ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقِّي لِأَخِي.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَمَّا إِذْ قُلْتُمَا، فَاذْهَبَا، فَاقْتَسِمَا ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ لِيُحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ».
ب- وَلِأَنَّهُ إِسْقَاطُ حَقٍّ، فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ كَالطَّلَاقِ لِلْحَاجَةِ.
ح- وَلِأَنَّهُ إِذَا صَحَّ الصُّلْحُ مَعَ الْعِلْمِ وَإِمْكَانِ أَدَاءِ الْحَقِّ بِعَيْنِهِ فَلأَنْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهْلِ أَوْلَى.وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا فَلَهُمَا طَرِيقٌ إِلَى التَّخَلُّصِ وَبَرَاءَةِ أَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِدُونِهِ، وَمَعَ الْجَهْلِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يَجُزِ الصُّلْحُ لأَفْضَى ذَلِكَ إِلَى ضَيَاعِ الْحَقِّ، أَوْ بَقَاءِ شَغْلِ الذِّمَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَالٌ لَا يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرَ حَقِّهِ مِنْهُ.
أَمَّا إِذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَذَّرُ عِلْمَهُ، كَتَرِكَةٍ بَاقِيَةٍ، صَالَحَ الْوَرَثَةُ الزَّوْجَةَ عَنْ حِصَّتِهَا مِنْهَا مَعَ الْجَهْلِ بِهَا.فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ، وَأَحْمَدُ فِي قَوْلٍ لَهُ: لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إِلاَّ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ.وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ: يَصِحُّ لِقَطْعِ النِّزَاعِ.
الشُّرُوطُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُصَالَحِ بِهِ:
33- الْمُصَالَحُ بِهِ، أَوِ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ: هُوَ بَدَلُ الصُّلْحِ.وَشُرُوطُهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ اثْنَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَالًا مُتَقَوِّمًا:
وَعَلَى ذَلِكَ، فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَصَيْدِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي الصُّلْحِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، فَمَا لَا يَصِحُّ عِوَضًا فِي الْبِيَاعَاتِ لَا يَصِحُّ جَعْلُهُ بَدَلَ صُلْحٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً.
فَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى مِقْدَارٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ، أَوْ عَلَى سُكْنَى دَارٍ أَوْ رُكُوبِ دَابَّةٍ وَقْتًا مَعْلُومًا صَحَّ ذَلِكَ.قَالَ الْكَاسَانِيُّ: الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ، وَمَا لَا فَلَا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا:
وَعَلَى ذَلِكَ قَالَ الْحَنَابِلَةُ: فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ بِمَجْهُولٍ لَمْ يَصِحَّ؛ تَسْلِيمُهُ وَاجِبٌ وَالْجَهْلُ يَمْنَعُهُ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ، فَقَدْ فَصَّلُوا فِي الْمَسْأَلَةِ وَقَالُوا: يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُصَالَحِ بِهِ مَعْلُومًا إِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْبَدَلِ تُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَتُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ، أَمَّا إِذَا كَانَ شَيْئًا لَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ فَلَا يُشْتَرَطُ مَعْلُومِيَّتُهُ، مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ حَقًّا فِي دَارِ رَجُلٍ، وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي أَرْضٍ بِيَدِ الْمُدَّعِي فَاصْطَلَحَا عَلَى تَرْكِ الدَّعْوَى جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كُلٌّ مِنْهُمَا مِقْدَارَ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ.قَالَ الْكَاسَانِيُّ: لِأَنَّ جَهَالَةَ الْبَدَلِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الْعَقْدِ لِعَيْنِهَا، بَلْ لِإِفْضَائِهَا إِلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ مِنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، فَإِذَا كَانَ مَالًا يُسْتَغْنَى عَنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فِيهِ، لَا يُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ
آثَارُ الصُّلْحِ:
34- قَالَ الْفُقَهَاءُ: إِنَّ الْآثَارَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى انْعِقَادِ الصُّلْحِ هُوَ حُصُولُ الْبَرَاءَةِ عَنِ الدَّعْوَى وَوُقُوعُ الْمِلْكِ فِي بَدَلِ الصُّلْحِ لِلْمُدَّعِي، وَفِي الْمُصَالَحِ بِهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ، وَأَنَّ الصُّلْحَ يُعْتَبَرُ بِأَقْرَبِ الْعُقُودِ إِلَيْهِ- إِذِ الْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَقَاصِدِ وَالْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ وَالْمَبَانِي- فَمَا كَانَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ أَوِ الْإِجَارَةِ أَوِ الْإِسْقَاطِ أَخَذَ حُكْمَهُ.
وَعَلَى ذَلِكَ قَالُوا: إِذَا تَمَّ الصُّلْحُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ دَخَلَ بَدَلُ الصُّلْحِ فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي، وَسَقَطَتْ دَعْوَاهُ الْمُصَالَحُ عَنْهَا، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الِادِّعَاءُ بِهَا ثَانِيًا، وَلَا يَمْلِكُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اسْتِرْدَادَ بَدَلِ الصُّلْحِ الَّذِي دَفَعَهُ لِلْمُدَّعِي.
وَجَاءَ فِي م (1556) مِنْ مَجَلَّةِ الْأَحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ: إِذَا تَمَّ الصُّلْحُ فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ- فَقَطْ- الرُّجُوعُ، وَيَمْلِكُ الْمُدَّعِي بِالصُّلْحِ بَدَلَهُ، وَلَا يَبْقَى لَهُ حَقٌّ فِي الدَّعْوَى، وَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ- أَيْضًا- اسْتِرْدَادُ بَدَلِ الصُّلْحِ.
وَأَصْلُ ذَلِكَ: أَنَّ الصُّلْحَ مِنَ الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ، فَلِذَلِكَ لَا يَمْلِكُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ فَسْخَهُ، أَوِ الرُّجُوعَ عَنْهُ بَعْدَ تَمَامِهِ.أَمَّا إِذَا لَمْ يَتِمَّ فَلَا حُكْمَ لَهُ وَلَا أَثَرَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ.
فَلَوِ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ حَقًّا وَتَصَالَحَ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ ظَهَرَ بِأَنَّ ذَلِكَ الْحَقَّ أَوِ الْمَالَ لَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَتِمُّ وَلَا حُكْمَ لَهُ، وَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ اسْتِرْدَادُ بَدَلِ الصُّلْحِ.وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَالَحَ الْبَائِعُ مَعَ الْمُشْتَرِي عَنِ خِيَارِ الْعَيْبِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُ وُجُودِ الْعَيْبِ، أَوْ زَالَ الْعَيْبُ مِنْ نَفْسِهِ وَبِدُونِ مُعَالَجَةٍ أَوْ كُلْفَةٍ بَطَلَ الصُّلْحُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ بَدَلِ الصُّلْحِ الَّذِي أَخَذَهُ لِلْبَائِعِ.وَكَذَا إِذَا كَانَ الْمُدَّعِي مُبْطِلًا وَغَيْرَ مُحِقٍّ فِي دَعْوَاهُ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ دِيَانَةً بَدَلُ الصُّلْحِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصُّلْحِ، وَلَا يَطِيبُ لَهُ، مَا لَمْ يُسَلِّمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي بَدَلَ الصُّلْحِ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُصْبِحُ التَّمْلِيكُ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ.
وَعَلَى أَسَاسِ مَا تَقَدَّمَ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى: أَنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَصَالِحَيْنِ بَعْدَ تَمَامِ الصُّلْحِ، فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ فَسْخُهُ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مَنِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ حَقًّا، فَأَنْكَرَهُ، فَصَالَحَهُ، ثُمَّ ثَبَتَ الْحَقُّ بَعْدَ الصُّلْحِ بِاعْتِرَافٍ أَوْ بَيِّنَةٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الصُّلْحِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ حَاضِرَةٌ وَلَمْ يَقُمْ بِهَا، فَالصُّلْحُ لَهُ لَازِمٌ.أَمَّا إِذَا كَانَ أَحَدُ الْمُتَصَالِحَيْنِ قَدْ أَشْهَدَ قَبْلَ الصُّلْحِ إِشْهَادَ تَقِيَّةٍ: أَنَّ صُلْحَهُ إِنَّمَا هُوَ لِمَا يَتَوَقَّعُهُ مِنْ إِنْكَارِ صَاحِبِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الصُّلْحَ لَا يَلْزَمُهُ إِذَا ثَبَتَ أَصْلُ حَقِّهِ.
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى انْحِلَالِ الصُّلْحِ:
35- إِذَا بَطَلَ الصُّلْحُ بَعْدَ صِحَّتِهِ، أَوْ لَمْ يَصِحَّ أَصْلًا فَيَرْجِعُ الْمُدَّعِي إِلَى أَصْلِ دَعْوَاهُ إِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ.وَإِنْ كَانَ عَنْ إِقْرَارٍ فَيَرْجِعُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمُدَّعَى لَا غَيْرِهِ، إِلاَّ فِي الصُّلْحِ عَنِ الْقِصَاصِ إِذَا لَمْ يَصِحَّ فَإِنَّ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَاتِلِ بِالدِّيَةِ دُونَ الْقِصَاصِ، إِلاَّ أَنْ يَصِيرَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِضَمَانِ الْغُرُورِ أَيْضًا.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
24-موسوعة الفقه الكويتية (فتوى 2)
فَتْوَى -2إِفْتَاءُ الْقَاضِي:
21- لَا خِلَافَ فِي أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ فِي الْعِبَادَاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلْقَضَاءِ كَالذَّبَائِحِ وَالْأَضَاحِيِّ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِفْتَائِهِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الْقَضَاءُ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ إِلَى أَنَّهُ يُفْتِي فِيهَا أَيْضًا بِلَا كَرَاهَةٍ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إِنْ أَفْتَى فِيهَا تَكُونُ فُتْيَاهُ كَالْحُكْمِ عَلَى الْخَصْمِ، وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَقْتَ الْمُحَاكَمَةِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ وَقْتَ الْحُكْمِ، أَوْ تَظْهَرُ لَهُ قَرَائِنُ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ عِنْدَ الْإِفْتَاءِ، فَإِنْ حَكَمَ بِخِلَافِ مَا أَفْتَى بِهِ جَعَلَ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ سَبِيلًا لِلتَّشْنِيعِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ شُرَيْحٌ: أَنَا أَقْضِي لَكُمْ وَلَا أُفْتِي، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: يُكْرَهُ لِلْقَاضِي الْإِفْتَاءُ فِي مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا، مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَفْتِي خُصُومَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ خُصُومَةٌ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَهُ فِيهَا.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا شَأْنُهُ أَنْ يُخَاصَمَ فِيهِ، كَالْبَيْعِ وَالشُّفْعَةِ وَالْجِنَايَاتِ.
قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَهَذَا إِذَا كَانَ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَوْ جَاءَهُ السُّؤَالُ مِنْ خَارِجِ الْبَلَدِ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ فَلَا كَرَاهَةَ.
ثُمَّ إِنْ أَفْتَى الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا، وَيَجُوزُ التَّرَافُعُ إِلَى غَيْرِهِ، فَلَوْ حَكَمَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فِي النَّازِلَةِ بِعَيْنِهَا بِخِلَافِهِ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِحُكْمِهِ وَإِنْ رَدَّ شَهَادَةَ وَاحِدٍ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ بِعَدَالَتِهِ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ حَكَمَ بِكَذِبِهِ أَوْ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَدْخُلُ الْعِبَادَاتِ.
كَمَا تَقَدَّمَ (ف 2، 9).
مَا تَسْتَنِدُ إِلَيْهِ الْفَتْوَى:
22- الْمُجْتَهِدُ يُفْتِي بِمُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ بِالتَّرْتِيبِ الْمُعْتَبَرِ، فَيُفْتِي أَوَّلًا بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ بِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ- صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْأَدِلَّةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا كَالِاسْتِحْسَانِ وَشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا، فَإِنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا أَفْتَى بِهِ، وَإِذَا تَعَارَضَتْ عِنْدَهُ الْأَدِلَّةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ بِالرَّاجِحِ مِنْهَا.
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِي السَّعَةِ بِمَذْهَبِ أَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ، مَا لَمْ يُؤَدِّهِ اجْتِهَادُهُ إِلَى أَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ الْمَرْجُوحُ فِي نَظَرِهِ، نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ قُدَامَةَ وَالْبَاجِيُّ وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ- حَيْثُ قُلْنَا: يَجُوزُ إِفْتَاؤُهُ- فَإِنَّهُ يُفْتِي بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ أَعْلَمِهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ لِيَأْخُذَ بِقَوْلِهِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَرَجِ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ- رضي الله عنهم- كَانَ السَّائِلُ مِنْهُمْ يَسْأَلُ مَنْ تَيَسَّرَ لَهُ سُؤَالُهُ مِنَ الْمُفْتِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ أَنْ يَبْحَثَ عَنِ الْأَفْضَلِ لِيَأْخُذَ بِقَوْلِهِ.
أَمَّا مَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ اجْتِهَادُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْجِيحُ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ، وَلَيْسَ هُوَ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ مَا شَاءَ وَيَتْرُكُ مَا شَاءَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: لَيْسَ لِلْمُفْتِي وَالْعَامِلِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا بِغَيْرِ نَظَرٍ، بَلْ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِأَرْجَحِهِمَا وَإِنْ بَنَى الْمُفْتِي فُتْيَاهُ عَلَى حَدِيثٍ نَبَوِيٍّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِصِحَّتِهِ: إِمَّا بِتَصْحِيحِهِ هُوَ إِنْ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ، أَوْ يَعْرِفَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الشَّأْنِ الْحُكْمَ بِصِحَّتِهِ.
وَإِنْ كَانَ بَنَى فُتْيَاهُ عَلَى قَوْلِ مُجْتَهِدٍ- حَيْثُ يَجُوزُ ذَلِكَ- فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ مُشَافَهَةً وَجَبَ أَنْ يَتَوَثَّقَ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: طَرِيقَةُ نَقْلِهِ لِذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَدٌ إِلَى الْمُجْتَهِدِ، أَوْ يَأْخُذَهُ عَنْ كِتَابٍ مَعْرُوفٍ تَنَاقَلَتْهُ الْأَيْدِي، نَحْوِ كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَنَحْوِهَا مِنَ التَّصَانِيفِ الْمَشْهُورَةِ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَشْهُورِ، وَكَذَا لَوْ وَجَدَ الْعُلَمَاءَ يَنْقُلُونَ عَنِ الْكِتَابِ، وَرَأَى مَا نَقَلُوهُ عَنْهُ مَوْجُودًا فِيهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ، كَمَا لَوْ رَأَى عَلَى الْكِتَابِ خَطَّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ.
وَلْيَحْذَرْ مِنَ الِاعْتِمَادِ عَلَى كُتُبِ الْمُتَأَخِّرِينَ غَيْرِ الْمُحَرَّرَةِ.
الْإِفْتَاءُ بِالرَّأْيِ:
23- الرَّأْيُ هُوَ: مَا يَرَاهُ الْقَلْبُ بَعْدَ فِكْرٍ وَتَأَمُّلٍ وَطَلَبٍ لِمَعْرِفَةِ وَجْهِ الصَّوَابِ، مِمَّا تَتَعَارَضُ فِيهِ الْأَمَارَاتُ، وَلَا يُقَالُ لِمَا لَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَمَارَاتُ: إِنَّهُ رَأْيٌ وَالرَّأْيُ يَشْمَلُ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ وَغَيْرَهُمَا.
وَلَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِالرَّأْيِ الْمُخَالِفِ لِلنَّصِّ أَوِ الْإِجْمَاعِ، وَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إِلَى الرَّأْيِ قَبْلَ الْعَمَلِ عَلَى تَحْصِيلِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ، أَوِ الْقَوْلُ بِالرَّأْيِ غَيْرِ الْمُسْتَنِدِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَلْ بِمُجَرَّدِ الْخَرْصِ وَالتَّخْمِينِ.
وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- لِمُعَاذٍ- رضي الله عنه-: كَيْفَ تَقْضِي؟ قَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ».
وَعَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ لِشُرَيْحٍ: مَا اسْتَبَانَ لَكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ لَكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَمِنَ السُّنَّةِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فِي السُّنَّةِ فَاجْتَهِدْ رَأْيَكَ.
الْإِفْتَاءُ بِمَا سَبَقَ لِلْمُفْتِي أَنْ أَفْتَى بِهِ:
24- إِذَا اسْتُفْتِيَ فِي مِثْلِ مَا سَبَقَ لَهُ أَنْ أَفْتَى فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَحْضِرًا لِفُتْيَاهُ وَلِدَلِيلِهَا فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِعَادَةِ النَّظَرِ، لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ حَاصِلٍ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ النَّظَرِ أَنْ تَكُونَ فُتْيَاهُ عَنْ عِلْمٍ بِمَا يُفْتِي بِهِ، مَا لَمْ يَظُنَّ أَنَّهُ لَوْ أَعَادَ النَّظَرَ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ.
وَإِنْ ذَكَرَ الْفَتْوَى الْأُولَى وَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلَهَا، وَلَا طَرَأَ مَا يَجِبُ رُجُوعُهُ، فَقِيلَ: لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ: وُجُوبُ تَجْدِيدِ النَّظَرِ.
التَّخَيُّرُ فِي الْفَتْوَى عِنْدَ التَّعَارُضِ:
25- إِذَا تَعَارَضَتِ الْأَدِلَّةُ فِي نَظَرِ الْمُفْتِي الْمُجْتَهِدِ، أَوْ تَعَارَضَتِ الْأَقْوَالُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي نَظَرِ الْمُقَلِّدِ، فَقَدْ ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ لَيْسَ مُخَيَّرًا يَأْخُذُ بِمَا شَاءَ وَيَتْرُكُ مَا شَاءَ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُرَجِّحَ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَفِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ يُنْظَرُ الْمُلْحَقُ الْأُصُولِيُّ.
تَتَبُّعُ الْمُفْتِي لِلرُّخَصِ:
26- ذَهَبَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ وَصَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُفْتِي تَتَبُّعُ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ، بِأَنْ يَبْحَثَ عَنِ الْأَسْهَلِ مِنَ الْقَوْلَيْنِ أَوِ الْوَجْهَيْنِ وَيُفْتِيَ بِهِ، وَخَاصَّةً إِنْ كَانَ يُفْتِي بِذَلِكَ مَنْ يُحِبُّهُ مِنْ صَدِيقٍ أَوْ قَرِيبٍ، وَيُفْتِي بِغَيْرِ ذَلِكَ مَنْ عَدَاهُمْ، وَقَدْ خَطَّأَ الْعُلَمَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، نَقَلَهُ الشَّاطِبِيُّ عَنِ الْبَاجِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ، وَنَصَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، وَابْنُ الْقَيِّمِ عَلَى فِسْقِ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الرَّاجِحَ فِي نَظَرِ الْمُفْتِي هُوَ فِي ظَنِّهِ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، فَتَرْكُهُ وَالْأَخْذُ بِغَيْرِهِ لِمُجَرَّدِ الْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ اسْتِهَانَةٌ بِالدِّينِ، شَبِيهٌ بِالِانْسِلَاخِ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِرَفْعِ التَّكْلِيفِ بِالْكُلِّيَّةِ، إِذِ الْأَصْلُ أَنَّ فِي التَّكْلِيفِ نَوْعًا مِنَ الْمَشَقَّةِ، فَإِنْ أَخَذَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ بِالْأَخَفِّ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ أَخَفَّ، فَإِنَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يُسْقِطَ تَكْلِيفًا- مِنْ غَيْرِ مَا فِيهِ إِجْمَاعٌ- إِلاَّ أَسْقَطَهُ، فَيُسْقِطُ فِي الزَّكَاةِ مَثَلًا زَكَاةَ مَالِ الصَّغِيرِ، وَزَكَاةَ مَالِ التِّجَارَةِ، وَزَكَاةَ الْفُلُوسِ وَمَا شَابَهَهَا، وَزَكَاةَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُعَشَّرَاتِ، وَيُسْقِطُ تَحْرِيمَ الْمُتْعَةِ، وَيُجِيزُ النَّبِيذَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَمِلَ بِكُلِّ رُخْصَةٍ: بِقَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي النَّبِيذِ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي السَّمَاعِ، وَأَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمُتْعَةِ، كَانَ فَاسِقًا.ا هـ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: مَنْ أَخَذَ بِنَوَادِرِ الْعُلَمَاءِ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ.
وَإِنْ أَفْتَى كُلُّ أَحَدٍ بِمَا يَشْتَهِي انْخَرَمَ قَانُونُ السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ، الَّذِي يَقُومُ عَلَى الْعَدَالَةِ وَالتَّسْوِيَةِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى الْفَوْضَى وَالْمَظَالِمِ وَتَضْيِيعِ الْحُقُوقِ بَيْنَ النَّاسِ.
قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِيَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْمُعْتَضِدِ، فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا نَظَرْتُ فِيهِ وَقَدْ جَمَعَ فِيهِ الرُّخَصَ مِنْ زَلَلِ الْعُلَمَاءِ، وَمَا احْتَجَّ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمْ، فَقُلْتُ: مُؤَلِّفُ هَذَا الْكِتَابِ زِنْدِيقٌ، فَقَالَ: لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ؟ قُلْتُ: الْأَحَادِيثُ عَلَى مَا رُوِيَتْ، وَلَكِنْ مَنْ أَبَاحَ الْمُسْكِرَ لَمْ يُبِحِ الْمُتْعَةَ، وَمَنْ أَبَاحَ الْمُتْعَةَ لَمْ يُبِحِ الْمُسْكِرَ، وَمَا مِنْ عَالِمٍ إِلاَّ وَلَهُ زَلَّةٌ، وَمَنْ جَمَعَ زَلَلَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ أَخَذَ بِهَا ذَهَبَ دِينُهُ، فَأَمَرَ الْمُعْتَضِدُ بِإِحْرَاقِ هَذَا الْكِتَابِ.
عَلَى أَنَّ الذَّاهِبِينَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ لَمْ يَمْنَعُوا الْإِفْتَاءَ بِمَا فِيهِ تَرْخِيصٌ إِنْ كَانَ لَهُ مُسْتَنَدٌ صَحِيحٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ تَتَبُّعَ الْمُفْتِي الرُّخَصَ لِمَنْ أَرَادَ نَفْعَهُ: فَإِنْ حَسُنَ قَصْدُ الْمُفْتِي فِي حِيلَةٍ جَائِزَةٍ لَا شُبْهَةَ فِيهَا، وَلَا مَفْسَدَةَ لِتَخْلِيصِ الْمُسْتَفْتِي بِهَا مِنْ حَرَجٍ جَازَ ذَلِكَ، بَلِ اسْتُحِبَّ، وَقَدْ أَرْشَدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَيُّوبَ- عليه السلام- إِلَى التَّخَلُّصِ مِنَ الْحِنْثِ: بِأَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ ضِغْثًا فَيَضْرِبَ بِهِ الْمَرْأَةَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، قَالَ: فَأَحْسَنُ الْمَخَارِجِ مَا خَلَّصَ مِنَ الْمَآثِمِ، وَأَقْبَحُهَا مَا أَوْقَعَ فِي الْمَحَارِمِ.
إِحَالَةُ الْمُفْتِي عَلَى غَيْرِهِ:
27- لِلْمُفْتِي أَنْ يُحِيلَ الْمُسْتَفْتِيَ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمُفْتِينَ، إِمَّا بِقَصْدِ أَنْ يَبْرَأَ مِنْ عُهْدَةِ الْفَتْوَى، وَإِمَّا لِكَوْنِ الْآخَرِ أَعْلَمَ، وَإِمَّا لِظَرْفٍ يَسْتَدْعِي ذَلِكَ، وَلَا تَجُوزُ لَهُ الْإِحَالَةُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَهْلًا لِلْفُتْيَا، سَوَاءٌ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ فِي الرَّأْيِ أَوْ يُخَالِفُهُ، فَإِنْ أَحَالَ عَلَى مَنْ لَيْسَ أَهْلًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُعِينًا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: الرَّجُلُ يَسْأَلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَدُلُّهُ عَلَى إِنْسَانٍ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ مُتَّبِعًا وَيُفْتِي بِالسُّنَّةِ، قُلْتُ: إِنَّهُ يُرِيدُ الِاتِّبَاعَ وَلَيْسَ كُلُّ قَوْلِهِ يُصِيبُ، قَالَ: وَمَنْ يُصِيبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ؟.
لَكِنْ لَا يَحِلُّ أَنْ يَدُلَّ عَلَى مَنْ يُخَالِفُهُ فِي الْقَوْلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةً، فَيَجُوزُ ذَلِكَ، لِأَنَّ اجْتِهَادَهُ لَيْسَ أَوْلَى مِنَ اجْتِهَادِ غَيْرِهِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ صَحِيحٌ أَوْ إِجْمَاعٌ، أَوْ كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مِمَّنْ يَتَسَاهَلُ فِي الْفَتْوَى فَلَا تَجُوزُ الْإِحَالَةُ.
تَشْدِيدُ الْمُفْتِي وَتَسَاهُلُهُ:
28- الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ شَرِيعَةٌ تَتَمَيَّزُ بِالْوَسَطِيَّةِ وَالْيُسْرِ، وَلِذَا فَالَّذِي يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي- وَهُوَ الْمُخْبِرُ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى- أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ الشَّاطِبِيُّ: الْمُفْتِي الْبَالِغُ ذُرْوَةَ الدَّرَجَةِ هُوَ الَّذِي يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى الْوَسَطِ الْمَعْهُودِ فِيمَا يَلِيقُ بِالْجُمْهُورِ، فَلَا يَذْهَبُ بِهِمْ مَذْهَبَ الشِّدَّةِ، وَلَا يَمِيلُ بِهِمْ إِلَى طَرَفِ الِانْحِلَالِ، وَهَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ، فَلَا إِفْرَاطَ وَلَا تَفْرِيطَ، وَمَا خَرَجَ عَنِ الْوَسَطِ مَذْمُومٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ، وَقَدْ رَدَّ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ- رضي الله عنه- التَّبَتُّلَ «وَقَالَ لِمُعَاذٍ- رضي الله عنه- لَمَّا أَطَالَ بِالنَّاسِ الصَّلَاةَ يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟»، وَنَهَاهُمْ عَنِ الْوِصَالِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا ذَهَبَ بِالْمُسْتَفْتِي مَذْهَبَ الْعَنَتِ وَالْحَرَجِ بَغَّضَ إِلَيْهِ الدِّينَ، وَإِذَا ذَهَبَ بِهِ مَذْهَبَ الِانْحِلَالِ كَانَ مَظِنَّةً لِلْمَشْيِ مَعَ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ.
وَجَاءَ فِي الْمُنْتَهَى وَشَرْحِهِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ: يَحْرُمُ تَسَاهُلُ مُفْتٍ فِي الْإِفْتَاءِ، لِئَلاَّ يَقُولَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَيَحْرُمُ تَقْلِيدُ مُتَسَاهِلٍ فِي الْإِفْتَاءِ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِهِ، وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ النَّوَوِيُّ.
وَبَيَّنَ السَّمْعَانِيُّ وَالنَّوَوِيُّ أَنَّ التَّسَاهُلَ نَوْعَانِ:
الْأَوَّلُ: تَتَبُّعُ الرُّخَصِ وَالشُّبَهِ وَالْحِيَلِ الْمَكْرُوهَةِ وَالْمُحَرَّمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَتَسَاهَلَ فِي طَلَبِ الْأَدِلَّةِ وَطُرُقِ الْأَحْكَامِ وَيَأْخُذَ بِمَبَادِئِ النَّظَرِ وَأَوَائِلِ الْفِكْرِ، فَهَذَا مُقَصِّرٌ فِي حَقِّ الِاجْتِهَادِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ كَذَلِكَ مَا لَمْ تَتَقَدَّمْ مَعْرِفَتُهُ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ.
لَكِنْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ لِلْمُفْتِي أَنْ يَتَشَدَّدَ فِي الْفَتْوَى عَلَى سَبِيلِ السِّيَاسَةِ لِمَنْ هُوَ مُقْدِمٌ عَلَى الْمَعَاصِي مُتَسَاهِلٌ فِيهَا، وَأَنْ يَبْحَثَ عَنِ التَّيْسِيرِ وَالتَّسْهِيلِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْأَدِلَّةُ لِمَنْ هُوَ مُشَدِّدٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، لِيَكُونَ مَآلُ الْفَتْوَى أَنْ يَعُودَ الْمُسْتَفْتِي إِلَى الطَّرِيقِ الْوَسَطِ.
آدَابُ الْمُفْتِي:
29- أ- يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يُحْسِنَ زِيَّهُ، مَعَ التَّقَيُّدِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَيُرَاعِيَ الطَّهَارَةَ وَالنَّظَافَةَ، وَاجْتِنَابَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَالثِّيَابِ الَّتِي فِيهَا شَيْءٌ مِنْ شِعَارَاتِ الْكُفَّارِ، وَلَوْ لَبِسَ مِنَ الثِّيَابِ الْعَالِيَةِ لَكَانَ أَدْعَى لِقَبُولِ قَوْلِهِ، لقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وَلِأَنَّ تَأْثِيرَ الْمَظْهَرِ فِي عَامَّةِ النَّاسِ لَا يُنْكَرُ، وَهُوَ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَالْقَاضِي.
ب- وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْسِنَ سِيرَتَهُ، بِتَحَرِّي مُوَافَقَةِ الشَّرِيعَةِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، لِأَنَّهُ قُدْوَةٌ لِلنَّاسِ فِيمَا يَقُولُ وَيَفْعَلُ، فَيَحْصُلُ بِفِعْلِهِ قَدْرٌ عَظِيمٌ مِنَ الْبَيَانِ، لِأَنَّ الْأَنْظَارَ إِلَيْهِ مَصْرُوفَةٌ، وَالنُّفُوسَ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ مَوْقُوفَةٌ.
ج- وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُصْلِحَ سَرِيرَتَهُ وَيَسْتَحْضِرَ عِنْدَ الْإِفْتَاءِ النِّيَّةَ الصَّالِحَةَ مِنْ قَصْدِ الْخِلَافَةِ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي بَيَانِ الشَّرْعِ، وَإِحْيَاءِ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِصْلَاحِ أَحْوَالِ النَّاسِ بِذَلِكَ، وَيَسْتَعِينَ بِاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، وَيَسْأَلَهُ التَّوْفِيقَ وَالتَّسْدِيدَ، وَعَلَيْهِ مُدَافَعَةُ النِّيَّاتِ الْخَبِيثَةِ مِنْ قَصْدِ الْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ وَالْإِعْجَابِ بِمَا يَقُولُ، وَخَاصَّةً حَيْثُ يُخْطِئُ غَيْرُهُ وَيُصِيبُ هُوَ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ سَحْنُونٍ: فِتْنَةُ الْجَوَابِ بِالصَّوَابِ أَعْظَمُ مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ.
د- وَعَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا بِمَا يُفْتِي بِهِ مِنَ الْخَيْرِ، مُنْتَهِيًا عَمَّا يَنْهَى عَنْهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، لِيَتَطَابَقَ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ، فَيَكُونُ فِعْلُهُ مُصَدِّقًا لِقَوْلِهِ مُؤَيِّدًا لَهُ، فَإِنْ كَانَ بِضِدِّ ذَلِكَ كَانَ فِعْلُهُ مُكَذِّبًا لِقَوْلِهِ، وَصَادًّا لِلْمُسْتَفْتِي عَنْ قَبُولِهِ وَالِامْتِثَالِ لَهُ، لِمَا فِي الطَّبَائِعِ الْبَشَرِيَّةِ مِنَ التَّأَثُّرِ بِالْأَفْعَالِ، وَلَا يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِفْتَاءُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، إِذْ مَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَلَهُ زَلَّةٌ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ مُؤْتَمِرًا مُنْتَهِيًا، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ مُخَالَفَتُهُ مُسْقِطَةً لِعَدَالَتِهِ، فَلَا تَصِحُّ فُتْيَاهُ حِينَئِذٍ.
هـ- أَنْ لَا يُفْتِيَ حَالَ انْشِغَالِ قَلْبِهِ بِشِدَّةِ غَضَبٍ أَوْ فَرَحٍ أَوْ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ إِرْهَاقٍ أَوْ تَغَيُّرِ خُلُقٍ، أَوْ كَانَ فِي حَالِ نُعَاسٍ، أَوْ مَرَضٍ شَدِيدٍ، أَوْ حَرٍّ مُزْعِجٍ، أَوْ بَرْدٍ مُؤْلِمٍ، أَوْ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْحَاجَاتِ الَّتِي تَمْنَعُ صِحَّةَ الْفِكْرِ وَاسْتِقَامَةَ الْحُكْمِ.لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» فَإِنْ حَصَلَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنِ الْإِفْتَاءِ حَتَّى يَزُولَ مَا بِهِ وَيَرْجِعَ إِلَى حَالِ الِاعْتِدَالِ.فَإِنْ أَفْتَى فِي حَالِ انْشِغَالِ الْقَلْبِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الصَّوَابِ صَحَّتْ فُتْيَاهُ وَإِنْ كَانَ مُخَاطِرًا لَكِنْ قَيَّدَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِكَوْنِ ذَلِكَ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ أَصْلِ الْفِكْرِ.
فَإِنْ أَخْرَجَهُ الدَّهَشُ عَنْ أَصْلِ الْفِكْرِ لَمْ تَصِحَّ فُتْيَاهُ قَطْعًا وَإِنْ وَافَقَتِ الصَّوَابَ.
و- إِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَنْ يَثِقُ بِعِلْمِهِ وَدِينِهِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشَاوِرَهُ، وَلَا يَسْتَقِلَّ بِالْجَوَابِ تَسَامِيًا بِنَفْسِهِ عَنِ الْمُشَاوَرَةِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} وَعَلَى هَذَا كَانَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَخَاصَّةً عُمَرُ- رضي الله عنه-، فَالْمَنْقُولُ مِنْ مُشَاوَرَتِهِ لِسَائِرِ الصَّحَابَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ، وَيُرْجَى بِالْمُشَاوَرَةِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَا قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنِ الْمُشَاوَرَةُ مِنْ قَبِيلِ إِفْشَاءِ السِّرِّ.
ز- الْمُفْتِي كَالطَّبِيبِ يَطَّلِعُ مِنْ أَسْرَارِ النَّاسِ وَعَوْرَاتِهِمْ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَقَدْ يَضُرُّ بِهِمْ إِفْشَاؤُهَا أَوْ يُعَرِّضُهُمْ لِلْأَذَى، فَعَلَيْهِ كِتْمَانُ أَسْرَارِ الْمُسْتَفْتِينَ، وَلِئَلاَّ يَحُولَ إِفْشَاؤُهُ لَهَا بَيْنَ الْمُسْتَفْتِي وَبَيْنَ الْبَوْحِ بِصُوَرِهِ الْوَاقِعَةِ إِذَا عَرَفَ أَنَّ سِرَّهُ لَيْسَ فِي مَأْمَنٍ.
مُرَاعَاةُ حَالِ الْمُسْتَفْتِي:
30- يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي مُرَاعَاةُ أَحْوَالِ الْمُسْتَفْتِي، وَلِذَلِكَ وُجُوهٌ، مِنْهَا:
أ- إِذَا كَانَ الْمُسْتَفْتِي بَطِيءَ الْفَهْمِ، فَعَلَى الْمُفْتِي التَّرَفُّقُ بِهِ وَالصَّبْرُ عَلَى تَفَهُّمِ سُؤَالِهِ وَتَفْهِيمِ جَوَابِهِ.
ب- إِذَا كَانَ بِحَاجَةٍ إِلَى تَفْهِيمِهِ أُمُورًا شَرْعِيَّةً لَمْ يَتَطَرَّقْ إِلَيْهَا فِي سُؤَالِهِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُفْتِي بَيَانُهَا لَهُ زِيَادَةً عَلَى جَوَابِ سُؤَالِهِ، نُصْحًا وَإِرْشَادًا، وَقَدْ أَخَذَ الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَنَّ «بَعْضَ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم- سَأَلُوا النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ، فَقَالَ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَلِلْمُفْتِي أَنْ يَعْدِلَ عَنْ جَوَابِ السُّؤَالِ إِلَى مَا هُوَ أَنْفَعُ، وَمِنْ ذَلِكَ قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} فَقَدْ سَأَلَ النَّاسُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْمُنْفَقِ فَأَجَابَهُمْ بِذِكْرِ الْمَصْرِفِ إِذْ هُوَ أَهَمُّ مِمَّا سَأَلُوا عَنْهُ.
ج- أَنْ يَسْأَلَهُ الْمُسْتَفْتِي عَمَّا هُوَ بِحَاجَةٍ إِلَيْهِ فَيُفْتِيَهِ بِالْمَنْعِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى مَا هُوَ عِوَضٌ مِنْهُ، كَالطَّبِيبِ الْحَاذِقِ إِذَا مَنَعَ الْمَرِيضَ مِنْ أَغْذِيَةٍ تَضُرُّهُ يَدُلُّهُ عَلَى أَغْذِيَةٍ تَنْفَعُهُ.
د- أَنْ يُسْأَلَ عَمَّا لَمْ يَقَعْ، وَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةً، فَيَتْرُكُ الْجَوَابَ إِشْعَارًا لِلْمُسْتَفْتِي بِأَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ السُّؤَالُ عَمَّا يَعْنِيهِ مِمَّا لَهُ فِيهِ نَفْعٌ وَوَرَاءَهُ عَمَلٌ، لِحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إِلاَّ عَمَّا يَنْفَعُهُمْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعِكْرِمَةَ: مَنْ سَأَلَكَ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ فَلَا تُفْتِهِ.
هـ- أَنْ يَكُونَ عَقْلُ السَّائِلِ لَا يَحْتَمِلُ الْجَوَابَ، فَيَتْرُكُ إِجَابَتَهُ وُجُوبًا، لِقَوْلِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه-: حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُرِيدُونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً.
و- تَرْكُ الْجَوَابِ إِذَا خَافَ الْمُفْتِي غَائِلَةَ الْفُتْيَا أَيْ هَلَاكًا أَوْ فَسَادًا أَوْ فِتْنَةً يُدَبِّرُهَا الْمُسْتَفْتِي أَوْ غَيْرُهُ.
وَالْأَصْلُ وُجُوبُ الْبَيَانِ وَتَحْرِيمُ الْكِتْمَانِ إِنْ كَانَ الْحُكْمُ جَلِيًّا فَلَا يَتْرُكُ الْمُفْتِي بَيَانَهُ لِرَغْبَةٍ وَلَا رَهْبَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}.
لَكِنْ إِنْ خَافَ الْغَائِلَةَ فَلَهُ تَرْكُ الْجَوَابِ وَكَذَا لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْفُتْيَا إِنْ خَافَ أَنْ يَسْتَغِلَّهَا الظَّلَمَةُ أَوْ أَهْلُ الْفُجُورِ لِمَآرِبِهِمْ.
صِيغَةُ الْفَتْوَى:
31- يَنْبَغِي لِسَلَامَةِ الْفُتْيَا وَصِدْقِهَا وَصِحَّةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا أَنْ يُرَاعِيَ الْمُفْتِي أُمُورًا مِنْهَا:
أ- تَحْرِيرُ أَلْفَاظِ الْفُتْيَا، لِئَلاَّ تُفْهَمَ عَلَى وَجْهٍ بَاطِلٍ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْرُمُ إِطْلَاقُ الْفُتْيَا فِي اسْمٍ مُشْتَرَكٍ إِجْمَاعًا، فَمَنْ سُئِلَ: أَيُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ الْفَجْرِ؟ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: الْفَجْرُ الْأَوَّلُ أَوِ الثَّانِي؟ وَمِثْلُهُ مَنْ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ رِطْلِ تَمْرٍ بِرِطْلِ تَمْرٍ هَلْ يَصِحُّ؟ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُطْلِقَ الْجَوَابَ بِالْإِجَازَةِ أَوِ الْمَنْعِ، بَلْ يَقُولُ: إِنْ تَسَاوَيَا كَيْلًا جَازَ وَإِلاَّ فَلَا، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ التَّنْبِيهُ عَلَى احْتِمَالٍ بَعِيدٍ، كَمَنْ سُئِلَ عَنْ مِيرَاثِ بِنْتٍ وَعَمٍّ؟ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: لَهَا النِّصْفُ، وَلَهُ الْبَاقِي، وَلَا يَلْزَمُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ قَاتِلَةً لِأَبِيهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَكَذَا سَائِرُ مَوَانِعِ الْإِرْثِ.
عَلَى أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي إِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ: أَنْ يَسْتَفْصِلَ السَّائِلَ لِيَصِلَ إِلَى تَحْدِيدِ الْوَاقِعَةِ تَحْدِيدًا تَامًّا، فَيَكُونُ جَوَابُهُ عَنْ أَمْرٍ مُحَدَّدٍ، وَهَذَا أَوْلَى وَأَسْلَمُ، وَإِنْ عَلِمَ أَيَّ الْأَقْسَامِ هُوَ الْوَاقِعُ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى جَوَابِ ذَلِكَ الْقِسْمِ، ثُمَّ يَقُولَ: هَذَا إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَا، وَلَهُ أَنْ يُفَصِّلَ الْأَقْسَامَ فِي جَوَابِهِ وَيَذْكُرَ حُكْمَ كُلِّ قِسْمٍ، وَلَكِنْ لَا يَحْسُنُ هَذَا إِلاَّ إنْ كَانَ الْمُسْتَفْتِي غَائِبًا وَلَمْ يُمْكِنْ مَعْرِفَةُ صِفَةِ الْوَاقِعِ، فَيَجْتَهِدُ فِي بَيَانِ الْأَقْسَامِ وَحُكْمِ كُلِّ قِسْمٍ؛ لِئَلاَّ يُفْهَمَ جَوَابُهُ عَلَى غَيْرِ مَا يُرِيدُ.
ب- أَنْ لَا تَكُونَ الْفَتْوَى بِأَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ، لِئَلاَّ يَقَعَ السَّائِلُ فِي حَيْرَةٍ، كَمَنْ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الْمَوَارِيثِ فَقَالَ: تُقْسَمُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ سُئِلَ عَنْ شِرَاءِ الْعَرَايَا بِالتَّمْرِ فَقَالَ: يَجُوزُ بِشُرُوطِهِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُسْتَفْتِيَ لَا يَدْرِي مَا شُرُوطُهُ، لَكِنْ إِنْ كَانَ السَّائِلُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ مِثْلُ هَذَا، بَلْ يُرِيدُ أَنْ يَعْرِفَ قَوْلَ الْمُفْتِي جَازَ ذَلِكَ.
ج- يَحْسُنُ ذِكْرُ دَلِيلِ الْحُكْمِ فِي الْفُتْيَا سَوَاءٌ كَانَ آيَةً أَوْ حَدِيثًا حَيْثُ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَيَذْكُرُ عِلَّتَهُ أَوْ حِكْمَتَهُ، وَلَا يُلْقِيهِ إِلَى الْمُسْتَفْتِي مُجَرَّدًا، فَإِنَّ الْأَوَّلَ أَدْعَى لِلْقَبُولِ بِانْشِرَاحِ صَدْرٍ وَفَهْمٍ لِمَبْنَى الْحُكْمِ، وَذَلِكَ أَدْعَى إِلَى الطَّاعَةِ وَالِامْتِثَالِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ فَتَاوَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- ذَكَرَ الْحِكَمَ، كَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ تُزَوَّجَ الْمَرْأَةُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَقَالَ: إِنَّكُنَّ إِذَا فَعَلْتُنَّ ذَلِكَ قَطَعْتُنَّ أَرْحَامَكُنَّ» وَقَوْلِهِ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ: أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ: لَا يَذْكُرُ الْحُجَّةَ إِنْ أَفْتَى عَامِّيًّا، وَيَذْكُرُهَا إِنْ أَفْتَى فَقِيهًا، وَإِنْ تَعَلَّقَتِ الْفَتْوَى بِقَضَاءِ قَاضٍ فَيُومِئُ فِيهَا إِلَى طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَيُلَوِّحُ بِالنُّكْتَةِ، وَكَذَا إِنْ أَفْتَى فِيمَا غَلِطَ فِيهِ غَيْرُهُ فَيُبَيِّنُ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا يَذْكُرُ الْحُجَّةَ لِئَلاَّ يَخْرُجَ مِنَ الْفَتْوَى إِلَى التَّصْنِيفِ.
د- لَا يَقُولُ فِي الْفُتْيَا: هَذَا حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلاَّ بِنَصٍّ قَاطِعٍ، أَمَّا الْأُمُورُ الِاجْتِهَادِيَّةُ فَيَتَجَنَّبُ فِيهَا ذَلِكَ لِحَدِيثِ: «وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا؟».
وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ الصَّوَابَ فِي قَوْلِ أَحَدِ الْمُخْتَلِفِينَ، أَمَّا مَنْ يَقُولُ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا حُكْمُ اللَّهِ، وَهُوَ مَذْهَبٌ مَرْجُوحٌ.
هـ- يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْفُتْيَا بِكَلَامٍ مُوجَزٍ وَاضِحٍ مُسْتَوْفٍ لِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُسْتَفْتِي مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِسُؤَالِهِ، وَيَتَجَنَّبُ الْإِطْنَابَ فِيمَا لَا أَثَرَ لَهُ، لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَحْدِيدٍ، لَا مَقَامُ وَعْظٍ أَوْ تَعْلِيمٍ أَوْ تَصْنِيفٍ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: إِلاَّ فِي نَازِلَةٍ عَظِيمَةٍ تَتَعَلَّقُ بِوُلَاةِ الْأُمُورِ، وَلَهَا صِلَةٌ بِالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، فَيَحْسُنُ الْإِطْنَابُ بِالْحَثِّ وَالْإِيضَاحِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَبَيَانِ الْحِكَمِ وَالْعَوَاقِبِ، لِيَحْصُلَ الِامْتِثَالُ التَّامُّ.
وَإِنْ كَانَ لِكَلَامِهِ قَبُولٌ وَيَحْرِصُ النَّاسُ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، فَلَا بَأْسَ بِالْإِطَالَةِ وَاسْتِيفَاءِ جَوَانِبِ الْمَسْأَلَةِ.
الْإِفْتَاءُ بِالْإِشَارَةِ:
32- تَجُوزُ الْفُتْيَا بِالْإِشَارَةِ إِنْ كَانَتْ مُفْهِمَةً لِلْمُرَادِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ أَفْتَى بِالْإِشَارَةِ فِي مَوَاضِعَ، مِنْهَا: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ يَوْمَ النَّحْرِ عَنِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ؟ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ لَا حَرَجَ» وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا- وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ- أَوْ يَرْحَمُ».
الْإِفْتَاءُ بِالْكِتَابَةِ:
33- تَجُوزُ الْفُتْيَا كِتَابَةً، وَلَكِنْ فِيهَا خُطُورَةٌ مِنْ حَيْثُ إِمْكَانُ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ فِيهَا وَنِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَى الْمُفْتِي، وَلِذَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَحَرَّزَ فِي كِتَابَتِهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ فِيهَا الْإِضَافَةُ وَالتَّزْوِيرُ.
أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَى الْفُتْيَا:
34- الْأَوْلَى لِلْمُفْتِي أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا بِعَمَلِهِ وَلَا يَأْخُذَ عَلَيْهِ شَيْئًا.
وَإِنْ تَفَرَّغَ لِلْإِفْتَاءِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، وَاشْتَرَطَ الْفَرِيقَانِ لِجَوَازِ ذَلِكَ شَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ كِفَايَةٌ.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ عَالِمٌ يَقُومُ مَقَامَهُ، أَوْ كَانَ لَهُ كِفَايَةٌ لَمْ يَجُزْ وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا فَفِيهِ وَجْهَانِ، لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْقِيَاسِ عَلَى عَامِلِ الزَّكَاةِ أَوْ عَلَى الْعَامِلِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ.
وَأَلْحَقَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ بِذَلِكَ: أَنْ يَحْتَاجَ أَهْلُ بَلَدٍ إِلَى مَنْ يَتَفَرَّغُ لِفَتَاوِيهِمْ، وَيَجْعَلُوا لَهُ رِزْقًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَيَحُوزُ، وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إِنْ كَانَ لَهُ رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، قَالَ الْخَطِيبُ: وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْرِضَ لِمَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلْفَتْوَى فِي الْأَحْكَامِ مَا يُغْنِيهِ عَنْ الِاحْتِرَافِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- أَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ مِائَةَ دِينَارٍ فِي السَّنَةِ.
وَأَمَّا الْأُجْرَةُ، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهَا مِنْ أَعْيَانِ الْمُسْتَفْتِينَ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، قَالَ الْحَنَابِلَةُ: لِأَنَّ الْفُتْيَا عَمَلٌ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، وَلِأَنَّهُ مَنْصِبُ تَبْلِيغٍ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: لَا أُعَلِّمُكَ الْإِسْلَامَ أَوِ الْوُضُوءَ أَوِ الصَّلَاةَ إِلاَّ بِأُجْرَةٍ، قَالُوا: فَهَذَا حَرَامٌ قَطْعًا، وَعَلَيْهِ رَدُّ الْعِوَضِ، وَلَا يَمْلِكُهُ، قَالُوا: وَيَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ مَجَّانًا لِلَّهِ بِلَفْظِهِ أَوْ خَطِّهِ إِنْ طَلَبَ الْمُسْتَفْتِي الْجَوَابَ كِتَابَةً، لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ الْوَرَقُ وَالْحِبْرُ.
وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَخْذَ الْمُفْتِي الْأُجْرَةَ عَلَى الْكِتَابَةِ، لِأَنَّهُ كَالنَّسْخِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْفَتْوَى إِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ.
أَخْذُ الْمُفْتِي الْهَدِيَّةَ:
35- الْأَصْلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَخْذُ الْهَدِيَّةِ مِنَ النَّاسِ بِخِلَافِ الْقَاضِي، وَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيُكَافِئَ عَلَيْهَا، اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّهُ «كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا» وَهَذَا إِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ سَبَبِ الْفُتْيَا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُهْدَى إِلَيْهِ لِعِلْمِهِ، بِخِلَافِ الْقَاضِي.
وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبِ الْفُتْيَا فَالْأَوْلَى عَدَمُ الْقَبُولِ، لِيَكُونَ إِفْتَاؤُهُ خَالِصًا لِلَّهِ، وَهَذَا إِنْ كَانَ إِفْتَاؤُهُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَنْ يُهْدِيهِ وَمَنْ لَا يُهْدِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُهْدِيهِ لِتَكُونَ سَبَبًا إِلَى أَنْ يُفْتِيَهُ بِمَا لَا يُفْتِي بِهِ غَيْرَهُ مِنَ الرُّخَصِ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: لَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهَا، وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِنْ كَانَتْ سَبَبًا لِيُرَخِّصَ لَهُ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَأَخْذُهَا مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ بَاطِلٍ فَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ، يُبَدِّلُ أَحْكَامَ اللَّهِ، وَيَشْتَرِي بِهَا ثَمَنًا قَلِيلًا.
وَفِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ لِلْمَالِكِيَّةِ: يَجُوزُ لِلْمُفْتِي قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ لَا يَرْجُو مِنْهُ جَاهًا وَلَا عَوْنًا عَلَى خَصْمٍ.
الْخَطَأُ فِي الْفُتْيَا:
36- إِذَا أَخْطَأَ الْمُفْتِي، فَإِنْ كَانَ خَطَؤُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، أَوْ كَانَ أَهْلًا لَكِنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ جَهْدَهُ بَلْ تَعَجَّلَ، يَكُونُ آثِمًا، لِحَدِيثِ «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ صُدُورِ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُهُ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».
أَمَّا إِنْ كَانَ أَهْلًا وَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، بَلْ لَهُ أَجْرُ اجْتِهَادِهِ، قِيَاسًا عَلَى مَا وَرَدَ فِي خَطَأِ الْقَاضِي، وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ».
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
25-موسوعة الفقه الكويتية (فقه)
فِقْهالتَّعْرِيفُ:
1- الْفِقْهُ فِي اللُّغَةِ: الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ وَالْفَهْمُ لَهُ، وَالْفَطِنَةُ فِيهِ، وَغَلَبَ، عَلَى عِلْمِ الدِّينِ لِشَرَفِهِ، قَالَ تَعَالَى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ}، وَقِيلَ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَعْلُومٍ تَيَقَّنَهُ الْعَالِمُ عَنْ فِكْرٍ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ: الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ، الْمُكْتَسَبُ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الشَّرِيعَةُ:
2- الشَّرِيعَةُ وَالشِّرْعَةُ فِي اللُّغَةِ: مَوْرِدُ الْمَاءِ لِلِاسْتِسْقَاءِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُضُوحِهِ وَظُهُورِهِ، وَالشَّرْعُ مَصْدَرُ شَرَعَ بِمَعْنَى: وَضَحَ وَظَهَرَ، وَتُجْمَعُ عَلَى شَرَائِعَ، ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الدِّينِ وَجَمِيعِ أَحْكَامِهِ، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا}، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هِيَ مَا نَزَلَ بِهِ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْأَحْكَامِ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقَائِدِ وَالْوِجْدَانِيَّاتِ وَأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، قَطْعِيًّا كَانَ أَوْ ظَنِّيًّا.
وَبَيْنَ الشَّرِيعَةِ وَالْفِقْهِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، يَجْتَمِعَانِ فِي الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ الَّتِي وَرَدَتْ بِالْكِتَابِ أَوْ بِالسُّنَّةِ أَوْ ثَبَتَتْ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَتَنْفَرِدُ الشَّرِيعَةُ فِي أَحْكَامِ الْعَقَائِدِ، وَيَنْفَرِدُ الْفِقْهُ فِي الْأَحْكَامِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ فِيهَا نَصٌّ مِنَ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ وَلَمْ يُجْمِعْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ.
ب- أُصُولُ الْفِقْهِ:
3- أُصُولُ الْفِقْهِ: أَدِلَّتُهُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، لَا مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلُ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْفِقْهِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْفِقْهَ يُعْنَى بِالْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ لِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ مِنْهَا، أَمَّا أُصُولُ الْفِقْهِ فَمَوْضُوعُهُ الْأَدِلَّةُ الْإِجْمَالِيَّةُ مِنْ حَيْثُ وُجُوهُ دَلَاتِهَا عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4- تَعَلُّمُ الْفِقْهِ قَدْ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ كَتَعَلُّمِهِ مَا لَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ الَّذِي تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ إِلاَّ بِهِ، كَكَيْفِيَّةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَنَسٍ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» وَلَا يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ تَعَلُّمُ كَيْفِيَّةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا إِلاَّ بَعْدَ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ.فَإِنْ كَانَ لَوْ أَخَّرَ إِلَى دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَمَامِ تَعَلُّمِهَا مَعَ الْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ، فَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَقْدِيمُ التَّعَلُّمِ عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ، كَمَا يَلْزَمُ السَّعْيُ إِلَى الْجُمُعَةِ لِمَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، ثُمَّ إِذَا كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى الْفَوْرِ كَانَ تَعَلُّمُ الْكَيْفِيَّةِ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى التَّرَاخِي كَالْحَجِّ فَتَعَلُّمُ الْكَيْفِيَّةِ عَلَى التَّرَاخِي ثُمَّ مَا يَجِبُ وُجُوبَ عَيْنٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ هُوَ مَا يَتَوَقَّفُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ غَالِبًا، دُونَ مَا يَطْرَأُ نَادِرًا، فَإِنْ حَدَثَ النَّادِرُ وَجَبَ التَّعَلُّمُ حِينَئِذٍ، أَمَّا الْبُيُوعُ وَالنِّكَاحُ وَسَائِرُ الْمُعَامَلَاتِ مِمَّا لَا يَجِبُ أَصْلُهُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ يُرِيدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ تَعَلُّمُ أَحْكَامِهِ لِيَحْتَرِزَ عَنِ الشُّبُهَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَكَذَا كُلُّ أَهْلِ الْحِرَفِ، فَكُلُّ مَنْ يُمَارِسُ عَمَلًا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ لِيَمْتَنِعَ عَنِ الْحَرَامِ.
وَقَدْ يَكُونُ تَعَلُّمُ الْفِقْهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَهُوَ مَا لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهُ فِي إِقَامَةِ دِينِهِمْ، كَحِفْظِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ وَعُلُومِهِمَا وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَدْ يَكُونُ تَعَلُّمُ الْفِقْهِ نَافِلَةً، وَهُوَ التَّبَحُّرُ فِي أُصُولِ الْأَدِلَّةِ وَالْإِمْعَانُ فِيمَا وَرَاءَ الْقَدْرِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ، وَتَعَلُّمُ الْعَامِّيِّ نَوَافِلَ الْعِبَادَاتِ لِغَرَضِ الْعَمَلِ، لَا مَا يَقُومُ بِهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ تَمْيِيزِ الْفَرْضِ مِنَ النَّفْلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِمْ.
فَضْلُ الْفِقْهِ:
5- وَرَدَتْ آيَاتٌ وَأَحَادِيثُ فِي فَضْلِ الْفِقْهِ وَالْحَثِّ عَلَى تَحْصِيلِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}.فَقَدْ جَعَلَ وِلَايَةَ الْإِنْذَارِ وَالدَّعْوَةَ لِلْفُقَهَاءِ، وَهِيَ وَظِيفَةُ الْأَنْبِيَاءِ- عليهم السلام-، وَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».
مَوْضُوعُ الْفِقْهِ:
6- مَوْضُوعُ عِلْمِ الْفِقْهِ هُوَ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْعِبَادِ، فَيُبْحَثُ فِيهِ عَمَّا يَعْرِضُ لِأَفْعَالِهِمْ مِنْ حِلٍّ وَحُرْمَةٍ، وَوُجُوبٍ وَنَدْبٍ وَكَرَاهَةٍ.
نَشْأَةُ الْفِقْهِ وَتَطَوُّرُهُ:
7- نَشَأَ الْفِقْهُ الْإِسْلَامِيُّ بِنَشْأَةِ الدَّعْوَةِ وَبَدْءِ الرِّسَالَةِ، وَمَرَّ بِأَطْوَارٍ كَثِيرَةٍ وَلَكِنَّهَا غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ مِنْ حَيْثُ الزَّمَنُ تَمَيُّزًا دَقِيقًا، إِلاَّ الطُّورَ الْأَوَّلَ وَهُوَ عَصْرُ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ مُتَمَيِّزٌ عَمَّا بَعْدَهُ بِكُلِّ دِقَّةٍ بِانْتِقَالِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى.
وَكَانَ مَصْدَرُ الْفِقْهِ فِي هَذَا الطُّورِ الْوَحْيَ، بِمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ مِنْ أَحْكَامٍ، أَوْ بِمَا اجْتَهَدَ فِيهِ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَحْكَامٍ كَانَ الْوَحْيُ أَسَاسَهَا، أَوْ كَانَ يُتَابِعُهَا بِالتَّسْدِيدِ، وَكَذَلِكَ كَانَ اجْتِهَادُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَيَاتِهِ مَرَدُّهُ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- يُقِرُّهُ أَوْ يُنْكِرُهُ..وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ الْوَحْيُ مَصْدَرَ التَّشْرِيعِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ.
ثُمَّ تَتَابَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَطْوَارٌ مُتَعَدِّدَةٌ يُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي ف 13 وَمَا بَعْدَهَا مِنْ مُقَدِّمَةِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمَوْسُوعَةِ الْفِقْهِيَّةِ.
الِاخْتِلَافُ فِي أَحْكَامِ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ وَأَسْبَابُهُ:
8- كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقْضِي فِيمَا يُرْفَعُ إِلَيْهِ مِنْ وَقَائِعَ وَكَانَ يُقِرُّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ أَوْ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ كُلُّ مَا قَضَى بِهِ أَوْ أَقَرَّهُ أَوْ أَنْكَرَهُ مَكْتُوبًا أَوْ بِمَشْهَدٍ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، فَرَأَى كُلُّ صَحَابِيٍّ مَا يَسَّرَ اللَّهُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَحَفِظَ وَعَرَفَ وَجْهَهُ، ثُمَّ تَفَرَّقَ الصَّحَابَةُ ((فِي الْبِلَادِ، وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قُدْوَةً لَهُ أَتْبَاعٌ، وَكَثُرَتِ الْوَقَائِعُ وَالْمَسَائِلُ فَاسْتُفْتُوا فِيهَا، فَأَجَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَسَبَ مَا حَفِظَهُ أَوِ اسْتَنْبَطَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيمَا حَفِظَهُ أَوِ اسْتَنْبَطَهُ مَا يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ اجْتَهَدَ بِرَأْيِهِ اسْتِنَادًا إِلَى حَدِيثِ «مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ- رضي الله عنه- حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْيَمَنِ، وَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَقْضِي؟ فَقَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي.قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ».
وَهَذَا مَنْشَأُ الِاخْتِلَافِ فِي أَحْكَامِ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ.
وَيَقَعُ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا عَلَى ضُرُوبٍ:
9- الْأَوَّلُ: أَنَّ صَحَابِيًّا سَمِعَ حُكْمًا فِي قَضِيَّةٍ أَوْ فَتْوَى وَلَمْ يَسْمَعْهُ الْآخَرُ، فَاجْتَهَدَ بِرَأْيِهِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَقَعَ اجْتِهَادُهُ مُوَافِقًا لِلْحَدِيثِ، مِثَالُهُ مَا وَرَدَ «أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- قَالَ: إِنَّهُ أَتَاهُ قَوْمٌ فَقَالُوا: إِنَّ رَجُلًا مِنَّا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ يَجْمَعْهَا إِلَيْهِ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا سُئِلْتُ مُنْذُ فَارَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ هَذِهِ، فَأْتُوا غَيْرِي، فَاخْتَلَفُوا إِلَيْهِ فِيهَا شَهْرًا، ثُمَّ قَالُوا لَهُ فِي آخِرِ ذَلِكَ: مَنْ نَسْأَلُ إِنْ لَمْ نَسْأَلْكَ وَأَنْتَ مِنْ جُلَّةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- بِهَذَا الْبَلَدِ، وَلَا نَجِدُ غَيْرَكَ؟ قَالَ: سَأَقُولُ فِيهَا بِجَهْدِ رَأْيِي، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ بُرَآءٌ، أَرَى أَنْ أَجْعَلَ لَهَا صَدَاقَ نِسَائِهَا، لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرًا، قَالَ: وَذَلِكَ بِمَسْمَعِ أُنَاسٍ مِنْ أَشْجَعَ، فَقَامُوا فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَضَيْتَ بِمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي امْرَأَةٍ مِنَّا، يُقَالُ لَهَا: بِرْوَعَ بِنْتُ وَاشِقٍ، قَالَ: فَمَا رُئِيَ عَبْدُ اللَّهِ فَرِحَ فَرْحَةً يَوْمَئِذٍ إِلاَّ بِإِسْلَامِهِ».
ثَانِيهَا: أَنْ يُفْتِيَ الصَّحَابِيُّ وَيَظْهَرَ الْحَدِيثُ عَلَى خِلَافِ مَا أَفْتَى بِهِ، فَيَرْجِعَ عَنِ اجْتِهَادِهِ إِلَى الْحَدِيثِ، وَمِنْ هَذَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- كَانَ يُفْتِي أَنَّهُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ، حَتَّى بَلَغَهُ حَدِيثُ عَائِشَة وَأُمِّ سَلَمَةَ- رضي الله عنهما- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا لَا عَنِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» فَرَجَعَ عَنِ اجْتِهَادِهِ.
ثَالِثُهَا: أَنْ يَبْلُغَهُ الْحَدِيثُ لَكِنْ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ غَالِبُ الظَّنِّ، وَمِنْ هَذَا مَا وَرَدَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ- رضي الله عنها- شَهِدَتْ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- أَنَّهَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- نَفَقَةً، وَلَا سُكْنَى، فَرَدَّ عُمَرُ شَهَادَتَهَا، وَقَالَ: لَا نَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا- صلى الله عليه وسلم- لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ: لَهَا النَّفَقَةُ، وَالسُّكْنَى.
رَابِعُهَا: أَنْ لَا يَصِلَ الْحَدِيثُ إِلَيْهِ أَصْلًا، مِنْ هَذَا مَا وَرَدَ أَنَّ عَائِشَة- رضي الله عنها- بَلَغَهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو- رضي الله عنهما- يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ، فَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لِابْنِ عَمْرٍو هَذَا، يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ، أَفَلَا يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُءُوسَهُنَّ، لَقَدْ كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَلَا أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ إِفْرَاغَاتٍ.
10- الثَّانِي: مِنْ أَسْبَابِ الِاخْتِلَافِ: أَنْ يَرَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَعَلَ فِعْلًا، فَحَمَلَهُ الْبَعْضُ عَلَى الْقُرْبَةِ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْإِبَاحَةِ. مِثَالُهُ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ الْأُصُولِ فِي قِصَّةِ التَّحْصِيبِ- أَيِ النُّزُولِ بِالْأَبْطُحِ عِنْدَ النَّفْرِ- نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِهِ ذَهَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهم- إِلَى أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَجَعَلَاهُ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ، وَذَهَبَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهم- إِلَى أَنَّهُ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاتِّفَاقِ، وَلَيْسَ مِنَ السُّنَنِ.
11- الثَّالِثُ: السَّهْوُ وَالنِّسْيَانُ: كَأَنْ يَنْقُلَ صَحَابِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَمْرًا فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالسَّهْوِ، مِنْ هَذَا مَا وَرَدَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ- رضي الله عنهما- كَانَ يَقُولُ: «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي رَجَبٍ»، فَسَمِعَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ فَقَضَتْ عَلَيْهِ بِالسَّهْوِ.
12- الرَّابِعُ: اخْتِلَافُ الضَّبْطِ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما-: إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ فَقَضَتْ عَلَيْهِ عَائِشَةُ بِالْوَهْمِ.
13- الْخَامِسُ: اخْتِلَافُهُمْ فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ، وَمِنْ هَذَا: الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِتَعْظِيمِ الْمَلَائِكَةِ، فَيَعُمُّ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ، وَقَالَ قَائِل: لِهَوْلِ الْمَوْتِ، فَيَعُمُّهُمَا، وَقَالَ قَائِلٌ: «مَرَّتْ جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَامَ لَهَا»، كَرَاهِيَةَ أَنْ تَعْلُوَ فَوْقَ رَأْسِهِ، فَيَخُصُّ الْكَافِرَ.
14- السَّادِسُ: اخْتِلَافُهُمْ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ، وَمِنْهُ: «نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ»، فَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى عُمُومِ هَذَا الْحُكْمِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ، وَرَآهُ جَابِرٌ- رضي الله عنه- «يَبُولُ قَبْلَ أَنْ يُتَوَفَّى بِعَامٍ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ»، فَذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ نَسْخٌ لِلنَّهْيِ الْمُتَقَدِّمِ، وَرَآهُ ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما- «قَضَى حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ»، فَرَدَّ بِهِ قَوْلَهُمْ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالُوا: إِنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِالصَّحْرَاءِ، فَإِذَا كَانَ فِي الْمَرَاحِيضِ فَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ. وَبِالْجُمْلَةِ اخْتَلَفَتْ مَذَاهِبُ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم-، وَأَخَذَ التَّابِعُونَ الْعِلْمَ مِنْهُمْ، فَأَقْبَلَ أَبْنَاءُ كُلِّ قُطْرٍ عَلَى مَنْ نَزَلَ فِي قُطْرِهِمْ يَسْتَفْتُونَهُمْ، وَيَرْوُونَ عَنْهُمْ، وَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمْ، وَلَمْ تَكُنِ الصَّحَابَةُ سَوَاءً فِيمَا يَعْلَمُونَ، وَلَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْفَظُ كُلَّ مَا يَحْفَظُهُ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَكُونُوا سَوَاءً فِي اسْتِعْمَالِ الرَّأْيِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا فِي الْأَخْذِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَتَوَسَّعُ فِي الرَّأْيِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ الْوَرَعُ وَالِاحْتِيَاطُ عَلَى الْوُقُوفِ عِنْدَ النُّصُوصِ وَالتَّمَسُّكِ بِالْآثَارِ.
أَهَمُّ مَرَاكِزِ الْفِقْهِ:
15- تَرَتَّبَ عَلَى تَفَرُّقِ الصَّحَابَةِ فِي الْأَمْصَارِ وَاخْتِلَافِ مَنَاهِجِهِمْ فِي الْفَتْوَى وَالِاجْتِهَادِ- لِمَا سَبَقَ بَيَانُهُ مِنْ أَسْبَابٍ- وَأَخْذِ التَّابِعِينَ فِي كُلِّ مِصْرٍ عَمَّنْ نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ- تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ وُجُودُ اتِّجَاهَاتٍ فِقْهِيَّةٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْ أَشْهَرِهَا الِاتِّجَاهُ الْأَوَّلُ الَّذِي سَادَ فِي الْحِجَازِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَالِاتِّجَاهُ الثَّانِي الَّذِي ظَهَرَ فِي الْعِرَاقِ بِالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَمِنْ هَذَيْنِ الِاتِّجَاهَيْنِ كَانَ غَالِبُ الْفِقْهِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُقَدِّمَةِ الْمَوْسُوعَةِ الْفِقْهِيَّةِ (الْجُزْءُ الْأَوَّلُ ف 16 وَمَا بَعْدَهَا).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
26-موسوعة الفقه الكويتية (قضاء 1)
قَضَاء -1التَّعْرِيفُ:
1- مِنْ مَعَانِي الْقَضَاءِ فِي اللُّغَةِ: الْحُكْمُ، قَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ: الْقَاضِي مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ:
الْقَاطِعُ لِلْأُمُورِ الْمُحَكَّمِ لَهَا.وَأَصْلُهُ الْقَطْعُ وَالْفَصْلُ، يُقَالُ: قَضَى يَقْضِي قَضَاءً فَهُوَ قَاضٍ إِذَا حَكَمَ وَفَصَلَ.
وَيَأْتِي فِي اللُّغَةِ عَلَى وُجُوهٍ مَرْجِعُهَا إِلَى انْقِضَاءِ الشَّيْءِ وَتَمَامِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ: يُطْلَقُ عَلَى الْخَلْقِ وَالصُّنْعِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} أَيْ خَلَقَهُنَّ وَصَنَعَهُنَّ، وَعَلَى الْعَمَلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} مَعْنَاهُ فَاعْمَلْ مَا أَنْتَ عَامِلٌ.
وَعَلَى الْحَتْمِ وَالْأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أَيْ أَمَرَ رَبُّكَ وَحَتَّمَ.
وَعَلَى الْأَدَاءِ تَقُولُ: قَضَيْتُ دَيْنِي أَيْ أَدَّيْتُهُ وَمِنْهُ قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ} أَيْ أَدَّيْتُمُوهَا.
وَعَلَى الْإِبْلَاغِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ} أَيْ أَبْلَغْنَاهُ ذَلِكَ.
وَعَلَى الْعَهْدِ وَالْوَصِيَّةِ وَمِنْهُ قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} أَيْ عَهِدْنَا وَأَوْصَيْنَا.
وَعَلَى الْإِتْمَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} أَيْ أَتْمَمْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ.
وَعَلَى بُلُوغِ الشَّيْءِ وَنَوَالِهِ تَقُولُ: قَضَيْتُ وَطَرِي أَيْ بَلَغْتُهُ وَنِلْتُهُ، وَقَضَيْتُ حَاجَتِي كَذَلِكَ.
وَالْقَضَاءُ الْمُقْتَرِنُ بِالْقَدَرِ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْحُكْمِ الْكُلِّيِّ الْإِلَهِيِّ فِي أَعْيَانِ الْمَوْجُودَاتِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْوَالِ الْجَارِيَةِ فِي الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ.
وَالْقَضَاءُ فِي الْإِصْطِلَاحِ: عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ: فَصْلُ الْخُصُومَاتِ وَقَطْعُ الْمُنَازَعَاتِ، وَزَادَ ابْنُ عَابِدِينَ: عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ، حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ نَحْوُ الصُّلْحِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ.
وَعَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ: الْإِخْبَارُ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ.
وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ: إِلْزَامُ مَنْ لَهُ إِلْزَامٌ بِحُكْمِ الشَّرْعِ.
وَعَرَّفَهُ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ: تَبْيِينُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَالْإِلْزَامُ بِهِ وَفَصْلُ الْخُصُومَاتِ.
2- وَقَدِ اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ (الْقَضَاءِ) فِي غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْعِبَادَاتِ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى فِعْلِهَا خَارِجَ وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ شَرْعًا وَيُنْظَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَاتِ، (صَوْم ف 86- 89، وَحَجّ ف 123، وَقَضَاءُ الْفَوَائِتِ).
كَمَا اسْتَعْمَلُوا عِبَارَةَ (قَضَاءُ الدَّيْنِ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى سَدَادِ الدَّيْنِ وَالْوَفَاءِ بِهِ، انْظُرْ مُصْطَلَحَيْ: (دَيْن ف 70، وَأَدَاء ف 29).
وَاسْتَعْمَلُوا عِبَارَةَ (قَضَاءُ الْحَاجَةِ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى آدَابِ التَّخَلِّي.انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (اسْتِتَار ف 7، وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ).
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْفَتْوَى:
3- الْفَتْوَى وَالْفُتْوَى وَالْفُتْيَا فِي اللُّغَةِ: مَا أَفْتَى بِهِ الْفَقِيهُ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: تَبْيِينُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِلسَّائِلِ عَنْهُ.
فَالْقَضَاءُ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ، وَالْفَتْوَى مِنْ غَيْرِ إِلْزَامٍ، فَهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي إِظْهَارِ حُكْمِ الشَّرْعِ فِي الْوَاقِعَةِ، وَيَمْتَازُ الْقَضَاءُ عَنِ الْفَتْوَى بِالْإِلْزَامِ.
ب- التَّحْكِيمُ:
4- التَّحْكِيمُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ حَكَّمَهُ فِي الْأَمْرِ وَالشَّيْءِ أَيْ: جَعَلَهُ حَكَمًا، وَفَوَّضَ الْحُكْمَ إِلَيْهِ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: تَوْلِيَةُ الْخَصْمَيْنِ حَاكِمًا يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ: أَنَّ الْقَضَاءَ مِنَ الْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ، وَالتَّحْكِيمُ تَوْلِيَةٌ خَاصَّةٌ مِنَ الْخَصْمَيْنِ، فَهُوَ فَرْعٌ مِنْ فُرُوعِ الْقَضَاءِ لَكِنَّهُ أَدْنَى دَرَجَةً مِنْهُ.
ج- الْحِسْبَةُ:
5- الْحِسْبَةُ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ مِنَ الِاحْتِسَابِ وَمِنْ مَعَانِيهَا: الْأَجْرُ، وَحُسْنُ التَّدْبِيرِ وَالنَّظَرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ حَسَنُ الْحِسْبَةِ فِي الْأَمْرِ إِذَا كَانَ حَسَنَ التَّدْبِيرِ لَهُ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: عَرَّفَهَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا ظَهَرَ تَرْكُهُ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ إِذَا ظَهَرَ فِعْلُهُ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْحِسْبَةِ وَالْقَضَاءِ: أَنَّهُمَا يَتَّفِقَانِ فِي أَنَّ لِكُلٍّ مِنَ الْمُحْتَسِبِ وَالْقَاضِي نَظَرُ أَنْوَاعٍ مَخْصُوصَةٍ مِنَ الدَّعَاوَى وَهِيَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِمُنْكَرٍ ظَاهِرٍ مِنْ بَخْسِ أَوْ تَطْفِيفِ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ، وَغِشِّ الْبَيْعِ أَوْ تَدْلِيسٍ فِيهِ أَوْ فِي ثَمَنِهِ، وَالْمَطْلُ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ مَعَ مُكْنَةِ الْوَفَاءِ.
وَتَقْصُرُ الْحِسْبَةُ عَنِ الْقَضَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِسَمَاعِ عُمُومِ الدَّعَاوَى الْخَارِجَةِ عَنْ ظَوَاهِرِ الْمُنْكَرَاتِ، وَكَذَلِكَ مَا يَدْخُلُهُ التَّجَاحُدُ وَالتَّنَاكُرُ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْتَسِبِ النَّظَرُ فِيهَا، إِذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْمَعَ بَيِّنَةً عَلَى إِثْبَاتِ الْحَقِّ أَوْ يَحْلِفَ يَمِينًا عَلَى نَفْيِهِ.
وَتَزِيدُ الْحِسْبَةُ عَنِ الْقَضَاءِ فِي أَنَّ الْمُحْتَسِبَ يَنْظُرُ فِي وُجُوهِ مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ خَصْمٌ يَسْتَعْدِيهِ بِخِلَافِ الْقَاضِي، كَمَا أَنَّ لِلْمُحْتَسِبِ بِمَا لَهُ مِنْ قُوَّةِ السُّلْطَةِ وَالرَّهْبَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُنْكَرَاتِ أَنْ يُظْهِرَ الْغِلْظَةَ وَالْقُوَّةَ، وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْهُ تَجَوُّزًا وَلَا خَرْقًا لِوِلَايَتِهِ، أَمَّا الْقَضَاءُ فَهُوَ مَوْضُوعٌ لِلْمُنَاصَفَةِ، فَهُوَ بِالْوَقَارِ وَالْأَنَاةِ أَخَصُّ.
د- وِلَايَةُ الْمَظَالِمِ:
6- الْمَظَالِمُ فِي اللُّغَةِ: جَمْعُ مَظْلَمَةٍ، يُقَالُ: ظَلَمَهُ يَظْلِمُهُ ظُلْمًا وَظَلْمًا وَمَظْلِمَةً، وَيُقَالُ: تَظَلَّمَ فُلَانٌ إِلَى الْحَاكِمِ مِنْ فُلَانٍ فَظَلَّمَهُ تَظْلِيمًا أَيْ أَنْصَفَهُ مِنْ ظَالِمِهِ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: قَوَدُ الْمُتَظَالِمِينَ إِلَى التَّنَاصُفِ بِالرَّهْبَةِ وَزَجْرِ الْمُتَنَازِعِينَ عَنِ التَّجَاحُدِ بِالْهَيْبَةِ، وَوَالِي الْمَظَالِمِ لَهُ مِنَ النَّظَرِ مَا لِلْقُضَاةِ وَهُوَ أَوْسَعُ مِنْهُمْ مَجَالًا، وَأَعْلَى رُتْبَةً، إِذِ النَّظَرُ فِي الْمَظَالِمِ مَوْضُوعٌ لِمَا عَجَزَ عَنْهُ الْقُضَاةُ، وَهِيَ وِلَايَةٌ مُمْتَزِجَةٌ مِنْ سَطْوَةِ السُّلْطَةِ، وَنَصَفَةِ الْقَضَاءِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
7- الْقَضَاءُ مَشْرُوعٌ وَثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.
أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} وَقَوْلُهُ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ وَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ»، وَقَدْ «تَوَلاَّهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- وَبَعَثَ عَلِيًّا إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا وَبَعَثَ مُعَاذًا قَاضِيًا» كَمَا تَوَلاَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ وَبَعَثُوا الْقُضَاةَ إِلَى الْأَمْصَارِ.
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ نَصْبِ الْقُضَاةِ وَالْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ.
8- وَالْأَصْلُ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، فَإِذَا قَامَ بِهِ الصَّالِحُ لَهُ سَقَطَ الْفَرْضُ فِيهِ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِنِ امْتَنَعَ كُلُّ الصَّالِحِينَ لَهُ أَثِمُوا.
أَمَّا كَوْنُهُ فَرْضًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}، وَلِأَنَّ طِبَاعَ الْبَشَرِ مَجْبُولَةٌ عَلَى التَّظَالُمِ وَمَنْعِ الْحُقُوقِ وَقَلَّ مَنْ يُنْصِفُ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَقْدِرُ الْإِمَامُ عَلَى فَصْلِ الْخُصُومَاتِ بِنَفْسِهِ، فَدَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى تَوْلِيَةِ الْقُضَاةِ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ فَلِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ نَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ وَهُمَا عَلَى الْكِفَايَةِ.
وَالْقَضَاءُ مِنَ الْقُرَبِ الْعَظِيمَةِ، فَفِيهِ نُصْرَةُ الْمَظْلُومِ وَأَدَاءُ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ وَرَدُّ الظَّالِمِ عَنْ ظُلْمِهِ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَخْلِيصُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ وَقَطْعُ الْمُنَازَعَاتِ الَّتِي هِيَ مَادَّةُ الْفَسَادِ.
9- وَالْقَضَاءُ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ:
فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ إِذَا طُلِبَ لَهُ، لَكِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إِلاَّ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ سِوَاهُ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ، وَلَوِ امْتَنَعَ عَنِ الْقَبُولِ يَأْثَمُ كَمَا فِي سَائِرِ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجِبُ قَبُولُ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ يَخَافُ فِتْنَةً عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ إِنْ لَمْ يَتَوَلَّ، أَوْ مَنْ يَخَافُ ضَيَاعَ الْحَقِّ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ إِنِ امْتَنَعَ.
أَمَّا إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ عَدَدٌ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ فَإِنْ عُرِضَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَالْأَفْضَلُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ اقْتِدَاءً بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ( ( (وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ- رضي الله عنهم-، وَالْقَوْلُ الثَّانِي عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ.
وَيُنْدَبُ لَهُ الْقَبُولُ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ مَنْ يَصْلُحُ وَلَكِنَّهُ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْقَبُولُ إِذَا كَانَ عَالِمًا فَقِيرًا لِيَسُدَّ خُلَّتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ كَانَ عَالِمًا خَامِلَ الذِّكْرِ لِيَنْتَشِرَ عِلْمُهُ وَيُنْتَفَعَ بِهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْقِيَامَ بِالْقَضَاءِ يَكُونُ مُبَاحًا إِذَا كَانَ الْقَادِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ، وَالِاجْتِهَادِ، وَيُوجَدُ غَيْرُهُ مِثْلُهُ،
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَسُئِلَ بِلَا طَلَبٍ، فَلَهُ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ بِحُكْمِ حَالِهِ وَصَلَاحِيَّتِهِ وَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الْقَضَاءِ مُخْتَارًا رُخْصَةٌ طَمَعًا فِي إِقَامَةِ الْعَدْلِ، وَالتَّرْكُ عَزِيمَةٌ فَلَعَلَّهُ لَا يُوَفَّقُ لَهُ.
وَيَكُونُ مَكْرُوهًا إِذَا كَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ تَحْصِيلَ الْجَاهِ وَالِاسْتِعْلَاءَ عَلَى النَّاسِ، أَوْ كَانَ غَنِيًّا عَنْ أَخْذِ الرِّزْقِ عَلَى الْقَضَاءِ، وَكَانَ مَشْهُورًا لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُشْهِرَ نَفْسَهُ وَعِلْمَهُ بِالْقَضَاءِ، أَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَصْلَحَ مِنْهُ لِلْقَضَاءِ.
وَيَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ تَوَلِّي الْقَضَاءِ إِذَا كَانَ جَاهِلًا لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ، أَوْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَكِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ إِقَامَةِ وَظَائِفِهِ، أَوْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِمَا يُوجِبُ فِسْقَهُ، أَوْ كَانَ قَصْدُهُ الِانْتِقَامَ مِنْ أَعْدَائِهِ، أَوْ أَخْذَ الرِّشْوَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ لِمَنْ يَخَافُ الْحَيْفَ فِيهِ، بِأَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ يَجُورُ فِي الْحُكْمِ، أَوْ يَرَى فِي نَفْسِهِ الْعَجْزَ عَنْ سَمَاعِ دَعَاوَى كُلِّ الْخُصُومِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَوْ أَمِنَ الْخَوْفَ فَلَا يُكْرَهُ.
10- وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْصِبَ الْقُضَاةَ فِي الْبُلْدَانِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْمُسْتَخْلَفُ عَلَى الْأُمَّةِ وَالْقَائِمُ بِأَمْرِهَا، وَالْمُتَكَلِّمُ بِمَصْلَحَتِهَا، وَالْمَسْئُولُ عَنْهَا، فَتَقْلِيدُ الْقُضَاةِ مِنْ جِهَتِهِ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ وِلَايَتِهِ؛ وَلِأَنَّ التَّقْلِيدَ لَا يَصِحُّ إِلاَّ مِنْ قِبَلِهِ.
حِكْمَةُ الْقَضَاءِ:
11- الْحِكْمَةُ مِنَ الْقَضَاءِ: رَفْعُ التَّهَارُجِ وَرَدُّ النَّوَائِبِ، وَقَمْعُ الظَّالِمِ وَنَصْرُ الْمَظْلُومِ، وَقَطْعُ الْخُصُومَاتِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَفِيهِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي مَحَلِّهِ، لِيَكُفَّ الظَّالِمُ عَنْ ظُلْمِهِ.
طَلَبُ الْقَضَاءِ:
12- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ طَلَبُ الْقَضَاءِ وَالسَّعْيُ فِي تَحْصِيلِهِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنِ ابْتَغَى الْقَضَاءَ وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاءَ وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ»، لَكِنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ يُقَيِّدُ الْكَرَاهَةَ هُنَا بِوُجُودِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ طَالِبِ الْقَضَاءِ مِمَّنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ وَيَرْضَى بِأَنْ يَتَوَلاَّهُ، وَقِيلَ: بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ إِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَصْلَحَ لِلْقَضَاءِ، وَكَانَ الْأَصْلَحُ يَقْبَلُ التَّوْلِيَةَ.
فَإِنْ تَعَيَّنَ شَخْصٌ لِلْقَضَاءِ بِأَنْ لَمْ يَصْلُحْ غَيْرُهُ لَزِمَهُ طَلَبُهُ إِنْ لَمْ يُعْرَضْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ الطَّلَبِ إِذَا ظَنَّ الْإِجَابَةَ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُهَا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيُنْدَبُ الطَّلَبُ إِنْ كَانَ خَامِلًا يَرْجُو بِهِ نَشْرَ الْعِلْمِ أَوْ مُحْتَاجًا لِلرِّزْقِ، أَوْ إِذَا كَانَتِ الْحُقُوقُ مُضَاعَةً لِجَوْرٍ أَوْ عَجْزٍ، أَوْ فَسَدَتِ الْأَحْكَامُ بِتَوْلِيَةِ جَاهِلٍ، فَيَقْصِدُ بِالطَّلَبِ تَدَارُكَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ يُوسُفَ ( ( (أَنَّهُ طَلَبَ، فَقَالَ: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} وَإِنَّمَا طَلَبَ ذَلِكَ شَفَقَةً عَلَى خَلْقِ اللَّهِ لَا مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ.
وَيَحْرُمُ طَلَبُ الْقَضَاءِ إِذَا كَانَ فِيهِ مُبَاشِرٌ قَدْ تَوَافَرَتْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءَ وَالطَّالِبُ يَرُومُ عَزْلَهُ وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ الْقَائِمِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُبَاشِرٌ أَهْلٌ لَمْ يَحْرُمْ طَلَبُهُ، كَمَا يَحْرُمُ الطَّلَبُ لِجَاهِلٍ وَطَالِبِ دُنْيَا.
بَذْلُ الْمَالِ لِتَوَلِّي الْقَضَاءِ:
13- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ لِيُنْصَبَ قَاضِيًا، وَأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ نَهْيِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ الرِّشْوَةِ.
وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ الْحُرْمَةَ بِمَا إِذَا كَانَ طَالِبُ الْقَضَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ التَّوْلِيَةَ لِفَقْدِهِ شُرُوطَ التَّوْلِيَةِ أَوْ بَعْضَهَا، أَوْ لَمْ يَكُنِ الْقَضَاءُ مُتَعَيَّنًا عَلَيْهِ.
وَكَرِهَ الشَّافِعِيَّةُ بَذْلَ الْمَالِ إِذَا كَانَ طَلَبُهُ مَكْرُوهًا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِ بَذْلِ الْمَالِ إِذَا كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا عَلَى الْبَاذِلِ لِتَعَيُّنِ فَرْضِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ بِشُرُوطِ الْقَضَاءِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ وَجْهًا آخَرَ لِلْإِبَاحَةِ، وَهُوَ مَا إِذَا كَانَ مُسْتَحَبًّا لَهُ الطَّلَبُ لِيُزِيلَ جَوْرَ غَيْرِهِ أَوْ تَقْصِيرَهُ.
الْإِجْبَارُ عَلَى الْقَضَاءِ:
14- إِذَا تَعَيَّنَ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ، فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ لَوِ امْتَنَعَ؟ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ إِلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ إِجْبَارَ أَحَدِ الْمُتَأَهِّلِينَ إِذَا لَمْ يُوجَدْ عَنْهُ عِوَضٌ، وَعَلَّلَ الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّاسَ مُضْطَرُّونَ إِلَى عِلْمِهِ وَنَظَرِهِ، فَأَشْبَهَ صَاحِبَ الطَّعَامِ إِذَا مَنَعَهُ الْمُضْطَرَّ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ، فَإِنِ امْتَنَعَ لَا يُجْبَرُ. وَقَدْ أَرَادَ عُثْمَانُ- رضي الله عنه- تَوْلِيَةَ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- الْقَضَاءَ، فَقَالَ لِعُثْمَانِ: أَوَتُعَافِينِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: فَمَا تَكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ أَبُوكَ يَقْضِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَنْ كَانَ قَاضِيًا فَقَضَى بِالْعَدْلِ فَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَنْقَلِبَ مِنْهُ كَفَافًا»، وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَعْفَاهُ وَقَالَ: لَا تَجْبُرَنَّ أَحَدًا.
وَنُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ وَأَبَى الْوِلَايَةَ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ، وَحُمِلَ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِيَامُ بِالْوَاجِبِ لِظُلْمِ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ أَحْمَدَ قَالَ: لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاكِمٍ، أَتَذْهَبُ حُقُوقُ النَّاسِ؟.
التَّرْغِيبُ فِي الْقَضَاءِ:
15- مَكَانَةُ الْقَضَاءِ مِنَ الدِّينِ عَظِيمَةٌ، وَبِالْقِيَامِ بِهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا كُلِّفَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ قَالَ تَعَالَى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى} وَقَالَ تَعَالَى مُخَاطِبًا خَاتَمَ رُسُلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فَوِلَايَةُ الْقَضَاءِ رُتْبَةٌ دِينِيَّةٌ وَنَصَبَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَفِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِمَنْ قَوِيَ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ وَأَدَاءِ الْحَقِّ فِيهِ، وَالْوَاجِبُ اتِّخَاذُ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ دَيْنًا وَقُرْبَةً فَإِنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ إِذَا وُفِّيَتْ حَقَّهَا، وَ «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَجَعَلَهَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مِنَ النِّعَمِ الَّتِي يُبَاحُ الْحَسَدُ عَلَيْهَا فَقَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا»، فَكَذَلِكَ كَانَ الْعَدْلُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَأَعْلَى دَرَجَاتِ الْأَجْرِ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} فَأَيُّ شَيْءٍ أَشْرَفُ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَلِعُلُوِّ رُتْبَتِهِ وَعَظِيمِ فَضْلِهِ جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ أَجْرًا مَعَ الْخَطَأِ، وَأَسْقَطَ عَنْهُ حُكْمَ الْخَطَأِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» وَإِنَّمَا أُجِرَ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَبَذْلِ وُسْعِهِ لَا عَلَى خَطَئِهِ.
التَّرْهِيبُ مِنَ الْقَضَاءِ:
16- كَانَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ يُحْجِمُ عَنْ تَوَلِّي الْقَضَاءِ وَيَمْتَنِعُ عَنْهُ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ حَتَّى لَوْ أُوذِيَ فِي نَفْسِهِ، وَذَلِكَ خَشْيَةً مِنْ عَظِيمِ خَطَرِهِ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ وَالَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْوَعِيدُ وَالتَّخْوِيفُ لِمَنْ تَوَلَّى الْقَضَاءَ وَلَمْ يُؤَدِّ الْحَقَّ فِيهِ، كَحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ، فَإِذَا جَارَ تَخَلَّى عَنْهُ وَلَزِمَهُ الشَّيْطَانُ»، وَحَدِيثُ: «مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ أَوْ جُعِلَ قَاضِيًا فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» وَحَدِيثُ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ فَعَلِمَ ذَاكَ فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ لَا يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ».
وَيَرَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كُلَّ مَا جَاءَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا تَخْوِيفٌ وَوَعِيدٌ إِنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ قُضَاةِ الْجَوْرِ وَالْجُهَّالِ الَّذِينَ يُدْخِلُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي هَذَا الْمَنْصِبِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى شَرَفِ الْقَضَاءِ وَعَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ وَأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَهُ مُجَاهِدٌ لِنَفْسِهِ وَهَوَاهُ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَةِ مَنْ قَضَى بِالْحَقِّ إِذْ جَعَلَهُ ذَبِيحَ الْحَقِّ امْتِحَانًا، لِتَعْظُمَ لَهُ الْمَثُوبَةُ امْتِنَانًا، فَالْقَاضِي لَمَّا اسْتَسْلَمَ لِحُكْمِ اللَّهِ وَصَبَرَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَقَارِبِ وَالْأَبَاعِدِ فِي خُصُومَاتِهِمْ، فَلَمْ تَأْخُذْهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ حَتَّى قَادَهُمْ إِلَى أَمْرِ الْحَقِّ وَكَلِمَةِ الْعَدْلِ، وَكَفَّهُمْ عَنْ دَوَاعِي الْهَوَى وَالْعِنَادِ، جُعِلَ ذَبِيحَ الْحَقِّ لِلَّهِ وَبَلَغَ بِهِ حَالَ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَالتَّحْذِيرُ الْوَارِدُ مِنَ الشَّرْعِ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الظُّلْمِ لَا عَنِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْجَوْرَ فِي الْأَحْكَامِ وَاتِّبَاعَ الْهَوَى فِيهِ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ وَأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} فَالْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ بِجُمْلَتِهَا، بَعْضُهَا مُرَغِّبٌ وَبَعْضُهَا مُرَهِّبٌ، وَالْمُرَغِّبُ مِنْهَا مَحْمُولٌ عَلَى الصَّالِحِ لِلْقَضَاءِ الْمُطِيقِ لِحَمْلِ عِبْئِهِ، وَالْقِيَامِ بِوَاجِبِهِ، وَالْمُرَهِّبُ مِنْهَا مَحْمُولٌ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهُ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ دُخُولُ مَنْ دَخَلَ فِيهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَامْتِنَاعُ مَنِ امْتَنَعَ عَنْهُ، فَقَدْ تَقَلَّدَهُ بَعْدَ الْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، سَادَاتُ الْإِسْلَامِ وَقَضَوْا بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ، وَدُخُولُهُمْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عُلُوِّ قَدْرِهِ، وَوُفُورِ أَجْرِهِ، فَإِنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ، وَوَلِيَهُ بَعْدَهُمْ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ، وَمَنْ كَرِهَ الدُّخُولَ فِيهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَعَ فَضْلِهِمْ وَصَلَاحِيَّتِهِمْ وَوَرَعِهِمْ مَحْمُولٌ كُرْهُهُمْ عَلَى مُبَالَغَةٍ فِي حِفْظِ النَّفْسِ، وَسُلُوكٍ لِطَرِيقِ السَّلَامَةِ، وَلَعَلَّهُمْ رَأَوْا مِنْ أَنْفُسِهِمْ فُتُورًا أَوْ خَافُوا مِنَ الِاشْتِغَالِ بِهِ الْإِقْلَالَ مِنْ تَحْصِيلِ الْعُلُومِ.
وَمِمَّنِ امْتَنَعَ عَنْ تَوَلِّي الْقَضَاءِ بَعْدَ أَنْ طُلِبَ لَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ.
أَرْكَانُ الْقَضَاءِ وَأَحْكَامُهَا:
17- أَرْكَانُ الْقَضَاءِ كَمَا يَلِي:
أَوَّلًا: الْقَاضِي.
ثَانِيًا: الْمَقْضِيُّ بِهِ.
ثَالِثًا: الْمَقْضِيُّ لَهُ.
رَابِعًا: الْمَقْضِيُّ فِيهِ.
خَامِسًا: الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ.
سَادِسًا: الْحُكْمُ.
وَتَفْصِيلُ حُكْمِ كُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا فِيمَا يَلِي:
أَوَّلًا: الْقَاضِي:
لِلْقَاضِي أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِشُرُوطِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقَضَاءِ، وَأَحْكَامِ انْعِقَادِ وِلَايَتِهِ وَعَزْلِهِ وَاعْتِزَالِهِ، وَمِنْهَا مَا يَتَّصِلُ بِآدَابِ مِهْنَتِهِ، وَمَسْئُولِيَّتِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي سَتُبَيَّنُ تَفْصِيلًا فِيمَا يَلِي:
أ- أَهْلِيَّةُ الْقَاضِي:
18- يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ لِصِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْقَاضِي شُرُوطًا مُعَيَّنَةً، وَيَتَّفِقُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْقَاضِي مُسْلِمًا، عَاقِلًا، بَالِغًا، حُرًّا.
وَيَخْتَلِفُونَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي:
يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مَنْ يَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ الْقَضَاءَ هُوَ مَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَشُرُوطُ الشَّهَادَةِ هِيَ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْبَصَرُ، وَالنُّطْقُ، وَالسَّلَامَةُ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ، فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْكَافِرِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْأَعْمَى وَالْأَخْرَسِ وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، بَلْ هُوَ أَعْظَمُ الْوِلَايَاتِ، وَهَؤُلَاءِ لَيْسَتْ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ أَدْنَى الْوِلَايَاتِ وَهِيَ الشَّهَادَةُ؛ فَلأَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ أَعْلَاهَا أَوْلَى.
وَأَمَّا الذُّكُورَةُ فَلَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِ جَوَازِ التَّقْلِيدِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَاتِ فِي الْجُمْلَةِ، إِلاَّ أَنَّهَا لَا تَقْضِي فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهَا فِي ذَلِكَ، وَأَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ تَدُورُ مَعَ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ عِلْمِ الْقَاضِي بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ فَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَيَرَى فَرِيقٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ التَّقْلِيدِ، بَلْ هُوَ شَرْطُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِ غَيْرِهِ بِالرُّجُوعِ إِلَى فَتْوَى غَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، لَكِنْ مَعَ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ الْجَاهِلُ بِالْأَحْكَامِ، لِأَنَّ الْجَاهِلَ قَدْ يَقْضِي بِالْبَاطِلِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ.
وَيَرَى فَرِيقٌ آخَرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ، أَمَّا النَّصُّ: فَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ «لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: كَيْفَ تَقْضِي؟ قَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ».
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَإِنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ بِالْحَقِّ، قَالَ تَعَالَى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِالْحَقِّ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الْحَوَادِثَ مَمْدُودَةٌ، وَالنُّصُوصَ مَعْدُودَةٌ، فَلَا يَجِدُ الْقَاضِي فِي كُلِّ حَادِثَةٍ نَصًّا يَفْصِلُ بِهِ الْخُصُومَةَ، فَيَحْتَاجُ إِلَى اسْتِنْبَاطِ الْمَعْنَى مِنَ النُّصُوصِ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالِاجْتِهَادِ. أَمَّا الْعَدَالَةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ التَّقْلِيدِ لَكِنَّهَا شَرْطُ كَمَالٍ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ وَتَنْفُذُ قَضَايَاهُ إِذَا لَمْ يُجَاوِزْ فِيهَا حَدَّ الشَّرْعِ، لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْقَضَاءِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ شُرُوطَ تَوْلِيَةِ الْقَاضِي أَرْبَعَةٌ:
أَوَّلُهَا: أَنْ يَكُونَ عَدْلًا.وَالْعَدَالَةُ تَسْتَلْزِمُ الْإِسْلَامَ وَالْبُلُوغَ وَالْعَقْلَ وَالْحُرِّيَّةَ وَعَدَمَ الْفِسْقِ.
ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا.
ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ فَطِنًا، وَالْفِطْنَةُ جَوْدَةُ الذِّهْنِ وَقُوَّةُ إِدْرَاكِهِ لِمَعَانِي الْكَلَامِ.
رَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي وُلِّيَ لِلْقَضَاءِ بِهَا وَلَوْ مُقَلِّدًا لِمُجْتَهِدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، خِلَافًا لِخَلِيلٍ حَيْثُ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا إِنْ وُجِدَ وَإِلاَّ فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ.
وَيَجِبُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا، فَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْأَعْمَى وَالْأَبْكَمِ وَالْأَصَمِّ.
وَاتِّصَافُهُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَاجِبٌ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ إِذْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ إِنْ وَقَعَ صَوَابًا مَعَ فَقْدِ إِحْدَى تِلْكَ الصِّفَاتِ، وَفِي فَقْدِ صِفَتَيْنِ خِلَافٌ، أَمَّا فِي فَقْدِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الشَّرَائِطَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْقَاضِي عَشَرَةٌ: الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْعَدَالَةُ وَالْبَصَرُ وَالسَّمْعُ وَالنُّطْقُ وَالِاجْتِهَادُ وَالْكِفَايَةُ اللاَّئِقَةُ بِالْقَضَاءِ، وَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِالْقُوَّةِ عَلَى تَنْفِيذِ الْحَقِّ بِنَفْسِهِ فَلَا يُوَلَّى مُغَفَّلٌ وَمُخْتَلُّ نَظَرٍ بِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْفَاسِقَ لَا تَصِحُّ وِلَايَتُهُ، وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَعَدَمُ قَبُولِ حُكْمِهِ أَوْلَى، وَإِذَا وُلِّيَ الْفَاسِقُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَقَدْ حَكَى الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَنْفِيذِ أَحْكَامِهِ لِلضَّرُورَةِ لِئَلاَّ تَتَعَطَّلَ مَصَالِحُ النَّاسِ.
أَمَّا الْكِتَابَةُ فَالْأَصَحُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِهَا.
وَالِاجْتِهَادُ هُوَ الْعِلْمُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (اجْتِهَاد ف 5). أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَشْتَرِطُونَ كَوْنَ الْقَاضِي بَالِغًا عَاقِلًا ذَكَرًا حُرًّا مُسْلِمًا عَدْلًا سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا مُجْتَهِدًا، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَاتِبًا لِأَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ أُمِّيًّا وَهُوَ سَيِّدُ الْحُكَّامِ.
وَشُرُوطُ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تُعْتَبَرُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ، وَيَجِبُ تَوْلِيَةُ الْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ، وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَيُوَلَّى عِنْدَ عَدَمِ الْأَمْثَلِ أَنْفَعُ الْفَاسِقَيْنِ وَأَقَلُّهُمَا شَرًّا، وَأَعْدَلُ الْمُقَلِّدَيْنِ وَأَعْرَفُهُمَا بِالتَّقْلِيدِ، وَإِلاَّ لَتَعَطَّلَتِ الْأَحْكَامُ وَاخْتَلَّ النِّظَامُ.
حُكْمُ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ:
19- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْلِيدِ أَنْ يَخْتَارَ لِلْقَضَاءِ أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُ عِلْمًا وَدِينًا وَمَنْ هُوَ أَقْدَرُ وَأَوْلَى لِعِفَّتِهِ وَقُوَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَنْظُرُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ اخْتِيَارُ الْأَصْلَحِ لَهُمْ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَثْبَتُ وَأَمْكَنُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَعْيِينِ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، فَفِي قَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ أَنَّ تَوْلِيَةَ الْمُقَلِّدِ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ بَاطِلٌ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي زَمَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، وَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، قَالَ الْإِمَامُ: فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ، وَالْأَكْثَرُونَ قَالُوا: يَجُوزُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنْ عَدَلَ عَنِ الْأَفْضَلِ إِلَى الْمُقَصِّرِ انْعَقَدَتْ وِلَايَتُهُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى كَمَالِ الشُّرُوطِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ.
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: تَصِحُّ تَوْلِيَةُ مَفْضُولٍ مَعَ وُجُودِ أَفْضَلَ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ يُوَلَّى مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ، مَعَ الِاشْتِهَارِ وَالتَّكْرَارِ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ، وَقَيَّدَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ صِحَّةَ التَّوْلِيَةِ بِمَا إِذَا قَصَدَ بِهَا مَصْلَحَةً.
وَلَمْ نَقِفْ عَلَى نَصٍّ صَرِيحٍ لِلْحَنَفِيَّةِ لَكِنَّ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ يُجِيزُ تَوْلِيَةَ الْمَفْضُولِ إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي عَامِّيًّا وَكَذَلِكَ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ.
حُكْمُ تَقْلِيدِ الْمَرْأَةِ الْقَضَاءَ:
20- سَبَقَ بَيَانُ اشْتِرَاطِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي ذَكَرًا، وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَوْلِيَةِ الْمَرْأَةِ بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»؛ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ يَحْضُرُ مَحَافِلَ الْخُصُومِ وَالرِّجَالِ، وَيَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى كَمَالِ الرَّأْيِ وَمُشَاوَرَةِ الْعُلَمَاءِ، وَالنِّسَاءُ لَسْنَ أَهْلًا لِذَلِكَ وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى نِسْيَانِهِنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: يَجُوزُ أَنْ تَلِيَ النِّسَاءُ الْقَضَاءَ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُنَّ فِيهِ وَحْدَهُنَّ أَوْ مَعَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ مَعْنَى الْوِلَايَةِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ لَا تُقْبَلُ فِي ذَلِكَ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ أَجَازَ تَقَلُّدَ الْمَرْأَةِ الْقَضَاءَ مُطْلَقًا، وَعَلَّلَ جَوَازَ وِلَايَتِهَا بِجَوَازِ فُتْيَاهَا.
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَوْ وَلَّى سُلْطَانٌ ذُو شَوْكَةٍ امْرَأَةً الْقَضَاءَ نَفَذَ قَضَاؤُهَا.
حُكْمُ تَقْلِيدِ الْفَاسِقِ:
21- الْعَدَالَةُ مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي يَشْتَرِطُهَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِيمَنْ يَتَقَلَّدُ الْقَضَاءَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهِيَ: أَنْ يَكُونَ صَادِقَ اللَّهْجَةِ، ظَاهِرَ الْأَمَانَةِ عَفِيفًا عَنِ الْمَحَارِمِ، مُتَوَقِّيًا لِلْمَآثِمِ، بَعِيدًا مِنَ الرِّيَبِ، مَأْمُونًا فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَتَفْصِيلُ الْكَلَامِ عَنِ الْعَدَالَةِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (شَهَادَة ف 22، وَعَدْل ف 1، 16).
فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ تَوْلِيَةُ فَاسِقٍ، وَلَا مَنْ فِيهِ نَقْصٌ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} فَأَمَرَ بِالتَّبَيُّنِ عِنْدَ قَوْلِ الْفَاسِقِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَجِبُ التَّبَيُّنُ عِنْدَ حُكْمِهِ؛ وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فَلِئَلاَّ يَكُونَ قَاضِيًا أَوْلَى.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَفِي الْفَاسِقِ خِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا هَلْ يُرَدُّ مَا حَكَمَ بِهِ وَإِنْ وَافَقَ الْحَقَّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، أَوْ يُمْضَى إِذَا وَافَقَ الْحَقَّ؟.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْوَجْهُ تَنْفِيذُ قَضَاءِ كُلِّ مَنْ وَلاَّهُ سُلْطَانٌ ذُو شَوْكَةٍ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ فَاسِقًا؛ لِئَلاَّ تَتَعَطَّلَ مَصَالِحُ النَّاسِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْأَصْلِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ الْفَاسِقَ يَجُوزُ تَقَلُّدُهُ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ، لَكِنَّهُ لَا يَنْبَغِي تَقْلِيدُهُ وَيَأْثَمُ مُقَلِّدُهُ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَالْوَجْهُ تَنْفِيذُ قَضَاءِ كُلِّ مَنْ وَلاَّهُ سُلْطَانٌ ذُو شَوْكَةٍ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَاسِقًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَحِينَئِذٍ فَيُحْكَمُ بِفَتْوَى غَيْرِهِ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إِذَا قُلِّدَ الْفَاسِقُ ابْتِدَاءً يَصِحُّ، وَلَوْ قُلِّدَ وَهُوَ عَدْلٌ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ، لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ، فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِتَقْلِيدِهِ دُونَهَا، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، لَكِنْ لَوْ تَقَلَّدَ الْفَاسِقُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
27-موسوعة الفقه الكويتية (وصاية 1)
وِصَايَةٌ-1التَّعْرِيفُ:
1- الْوِصَايَةُ لُغَةً: مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَوْصَى، يُقَالُ: أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ وَأَوْصَى إِلَيْهِ: جَعَلَهُ وَصِيَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي أَمْرِهِ وَمَالِهِ وَعِيَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ.وَالِاسْمُ: الْوِصَايَةُ، بِالْكَسْرِ، وَالْفَتْحُ لُغَةٌ، وَأَوْصَاهُ وَوَصَّاهُ تَوْصِيَةً بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَتَوَاصَى الْقَوْمُ: أَوْصَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
وَالْوَصِيُّ: مَنْ يُوصَى لَهُ، وَمَنْ يَقُومُ عَلَى شُئُونِ الصَّغِيرِ، وَالْجَمْعُ: أَوْصِيَاءُ.
وَالْوِصَايَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ: هِيَ الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْوَصِيَّةُ:
2- الْوَصِيَّةُ فِي اللُّغَةِ: مِنْ وَصَيْتُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ أَصِيهِ: وَصَلْتُهُ.وَهِيَ مَا يُوصَى بِهِ وَالْجَمْعُ: وَصَايَا.
وَالْوَصِيَّةُ فِي الِاصْطِلَاحِ: تَمْلِيكٌ مُضَافٌ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْوِصَايَةِ كَمَا يَقُولُ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: أَنَّ الْإِيصَاءَ يَعُمُّ الْوَصِيَّةَ.وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا مِنَ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: وَهِيَ تَخْصِيصُ الْوَصِيَّةِ بِالتَّبَرُّعِ الْمُضَافِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَتَخْصِيصُ الْوِصَايَةِ بِالْعَهْدِ إِلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ.
ب- الْوَكَالَةُ:
3- الْوَكَالَةُ لُغَةً: بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا: أَنْ يُعْهَدَ إِلَى غَيْرِهِ بِأَنْ يَعْمَلَ عَمَلاً، وَالْوَكَالَةُ: عَمَلُ الْوَكِيلِ وَمَحَلُّهُ.
وَالْوَكَالَةُ اصْطَلَاحًا عَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهَا: إِقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي التَّصَرُّفِ الْجَائِزِ الْمَعْلُومِ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ.وَعَرَّفَهَا الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهَا: تَفْوِيضُ شَخْصٍ مَا لَهُ فِعْلُهُ مِمَّا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ إِلَى غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ فِي حَيَاتِهِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ إِلاَّ أَنَّ الْوِصَايَةَ تَكُونُ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَالْوَكَالَةَ تَكُونُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ.
ج- الْوِلَايَةُ:
4- الْوِلَايَةُ لُغَةً: مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْوَلْيِ بِسُكُونِ اللاَّمِ- وَهُوَ الدُّنُوُّ وَالْقُرْبُ.وَوَلِيَ الشَّيْءَ وَعَلَيْهِ وِلَايَةً: مَلَكَ أَمْرَهُ وَقَامَ بِهِ.
وَالْوِلَايَةُ اصْطِلَاحًا: تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ، شَاءَ الْغَيْرُ أَوْ أَبَى وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوِلَايَةِ وَالْوِصَايَةِ: أَنَّ الْوِلَايَةَ أَعَمُّ مِنَ الْوِصَايَةِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5- يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلْوَصِيَّةِ بِاخْتِلَافِ كَوْنِهِ مُوصِيًا أَوْ مُوصَى إِلَيْهِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُوصِي فَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْوِصَايَةَ تَكُونُ وَاجِبَةً إِذَا كَانَ بِرَدِّ الْمَظَالِمِ وَالدُّيُونِ الْمَجْهُولَةِ أَوِ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْهَا فِي الْحَالِ، وَكَذَلِكَ الْوِصَايَةُ عَلَى الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ إِذَا خِيفَ عَلَيْهِمُ الضَّيَاعُ.
وَأَمَّا الْوِصَايَةُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ الْمَعْلُومِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ الْمَعْلُومَةِ، وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمُ الَّذِينَ لَا يُخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيَاعُ فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
أَمَّا الْمُوصَى إِلَيْهِ فَيَجُوزُ لَهُ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ إِذَا كَانَتْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا أَوْصَى إِلَيْهِ فِيهِ وَوَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ أَدَاءَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِيصَاء ف 7، وَوَصِيّ ف 4).
أَنْوَاعُ الْأَوْصِيَاءِ:
أ- وَصِيُّ الْمَيِّتِ وَوَصِيُّ الْقَاضِي:
6- تَعْيِينُ الْأَوْصِيَاءِ وَاخْتِيَارُهُمْ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِ الْمَيِّتِ، وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ تَقْسِيمُ الْأَوْصِيَاءِ إِلَى نَوْعَيْنِ:
فَالْأَوَّلُ: وَصِيُّ الْقَاضِي وَهُوَ الَّذِي يُعَيِّنُهُ الْقَاضِي لِلْإِشْرَافِ عَلَى شُئُونِ الْقُصَّرِ الْمَالِيَّةِ.
وَالثَّانِي: وَصِيُّ الْمَيِّتِ وَهُوَ مَنْ يَخْتَارُهُ الْأَبُ أَوِ الْجَدُّ أَوْ مَنْ لَهُ حَقُّ الْوِلَايَةِ مِنْ قِبَلِهِمَا لِيَكُونَ خَلِيفَةً عَنْهُ فِي الْوِلَايَةِ عَلَى أَوْلَادِهِ الْقُصَّرِ وَعَلَى أَمْوَالِهِمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي كَوَصِيِّ الْمَيِّتِ إِلاَّ فِي مَسَائِلَ:
الْأُولَى: لِوَصِيِّ الْمَيِّتِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ وَيَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ إِذَا كَانَ فِيهِ نَفْعٌ ظَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رحمه الله- (خِلَافًا لِلصَّاحِبَيْنِ، وَأَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ وَهُوَ لَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا خَصَّ الْقَاضِي وَصِيَّهُ بِشَيْءٍ تَخَصَّصَ، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ.
الثَّالِثَةُ: إِذَا بَاعَ وَصِيُّ الْقَاضِي مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ.
الرَّابِعَةُ: لِوَصِيِّ الْمَيِّتِ أَنْ يُؤَاجِرَ الصَّغِيرَ بِخِيَاطَةِ الذَّهَبِ وَسَائِرِ الْأَعْمَالِ، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْقَاضِي.
الْخَامِسَةُ: لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ الْعَدْلَ الْكَافِيَ، وَلَهُ عَزْلُ وَصِيِّ الْقَاضِي.
السَّادِسَةُ: لَا يَمْلِكُ وَصِيُّ الْقَاضِي الْقَبْضَ إِلاَّ بِإِذْنٍ مُبْتَدَأٍ مِنَ الْقَاضِي بَعْدَ الْإِيصَاءِ بِخِلَافِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ.
السَّابِعَةُ: يُعْمَلُ نَهْيُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ وَلَا يُعْمَلُ نَهْيُ الْمَيِّتِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى قَبُولِ التَّخْصِيصِ وَعَدَمِهِ.
الثَّامِنَةُ: وَصِيُّ الْقَاضِي إِذَا جُعِلَ وَصِيًّا عِنْدَ مَوْتِهِ لَا يَصِيرُ الثَّانِي وَصِيًّا بِخِلَافِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ: كَذَا فِي الْيَتِيمَةِ، وَفِي الْخِزَانَةِ وَصِيُّ وَصِيِّ الْقَاضِي كَوَصِيِّهِ إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ عَامَّةً.
كَمَا نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ الْقَاضِي يَنْصِبُ وَصِيًّا فِي مَوَاضِعَ: إِذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ، أَوْ لِتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ، وَفِيمَا إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ صَغِيرٌ، وَفِيمَا إِذَا اشْتَرَى مِنْ مُوَرِّثِهِ شَيْئًا وَأَرَادَ رَدَّهُ بِعَيْبٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَفِيمَا إِذَا كَانَ أَبُ الصَّغِيرِ مُسْرِفًا مُبَذِّرًا فَيَنْصِبُهُ لِلْحِفْظِ، وَفِيمَا إِذَا كَانَتْ ضَيْعَةٌ بَيْنَ خَمْسَةِ وَرَثَةٍ وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ صَغِيرٌ وَاثْنَانِ غَائِبَانِ وَاثْنَانِ حَاضِرَانِ فَاشْتَرَى رَجُلٌ نَصِيبَ أَحَدِ الْحَاضِرِينَ، فَطَلَبَ شَرِيكُ الْحَاضِرِ الْقِسْمَةَ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَخْبَرَاهُ بِالْقَضِيَّةِ فَيَأْمُرُ الْقَاضِي شَرِيكَهُ بِالْقِسْمَةِ وَيَجْعَلُ وَكِيلاً عَنِ الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَامَ مَقَامَ الْبَائِعِ وَكَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ شَرِيكَهُ لِأَنَّ أَصْلَ الشَّرِكَةِ كَانَ مِيرَاثًا وَالْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ، وَفِيمَا إِذَا اشْتَرَى الْأَبُ شَيْئًا مِنِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا يَنْصِبُ الْقَاضِي وَصِيًّا حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَفِيمَا إِذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ أَبٌ غَائِبٌ وَاحْتِيجَ إِلَى إِثْبَاتِ حَقٍّ لِلصَّغِيرِ إِنْ كَانَتِ الْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةً وَإِلاَّ فَلَا، وَفِيمَا إِذَا ادَّعَى شَخْصٌ دَيْنًا فِي تَرِكَةٍ وَكُلُّ الْوَرَثَةِ كِبَارٌ غُيَّبٌ إِنْ كَانَ الْبَلَدُ الَّذِي فِيهِ الْوَرَثَةُ مُنْقَطِعًا عَنْ بَلَدِ الْمُتَوَفَّى لَا يَأْتِي وَلَا تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ إِلَيْهِ نَصَبَ الْقَاضِي وَصِيًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْقَطِعًا لَا يَنْصِبُ.وَفِيمَا لَوْ قَالَ الْوَارِثُ: أَنَا لَا أَقْضِي الدَّيْنَ وَلَا أَبِيعُ التَّرِكَةَ بَلْ أُسَلِّمُ التَّرِكَةَ إِلَى الدَّائِنِ نَصَبَ الْقَاضِي مَنْ يَبِيعُ التَّرِكَةَ وَفِيمَا لَوْ مَاتَ عَنْ عُرُوضٍ وَعَقَارٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَامْتَنَعَ الْوَرَثَةُ الْكِبَارُ عَنِ الْبَيْعِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَقَالُوا لِرَبِّ الدَّيْنِ: سَلَّمْنَا التَّرِكَةَ إِلَيْكَ قِيلَ: يَنْصِبُ الْحَاكِمُ وَصِيًّا، وَقِيلَ: لَا، بَلْ يَأْمُرُ الْوَرَثَةَ بِالْبَيْعِ فَإِنِ امْتَنَعُوا حَبَسَهُمْ كَالْعَدْلِ الْمُسَلَّطِ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ، وَإِذَا حَبَسَهُ وَلَمْ يَبِعِ الْآنَ يَنْصِبُ وَصِيًّا أَوْ يَبِيعُ الْحَاكِمُ بِنَفْسِهِ، وَفِيمَا لَوِ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ فَأَرَادَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يَرْجِعَ بِثَمَنِهِ وَقَدْ مَاتَ بَائِعُهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَالْقَاضِي يَنْصِبُ عَنْهُ وَصِيًّا لِيَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ، وَظَهَرَ الْمَبِيعُ حُرًّا وَقَدْ مَاتَ بَايَعَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا وَلَا وَارِثًا وَلَا وَصِيًّا غَيْرَ أَنَّ بَائِعَ الْمَيِّتِ حَاضِرٌ يَجْعَلُ الْقَاضِي لِلْمَيِّتِ وَصِيًّا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ وَصِيُّ الْمَيِّتِ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ، وَفِيمَا إِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ أَخْرَسَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ أَعْمَى فَالْقَاضِي يَنْصِبُ عَنْهُ وَصِيًّا وَيَأْمُرُ الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ مَعَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ أَوْ جَدٌّ أَوْ وَصِيُّهُمَا.وَفِيمَا لَوْ شَرَى وَكِيلُهُ شَيْئًا فَمَاتَ فَلِمُوَكِّلِهِ رَدُّهُ بِعَيْبٍ، وَقِيلَ: حَقُّ الرَّدِّ لِوَارِثِهِ أَوْ لِوَصِيِّهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فَلِمُوَكِّلِهِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي اللَّيْثِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: الْقَاضِي يَنْصِبُ وَصِيًّا فَيَرُدُّهُ، وَفِيمَا لَوْ مَاتَ الْوَصِيُّ فَوِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ فِيمَا بَاعَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِوَرَثَةِ الْوَصِيِّ أَوْ لِوَصِيِّهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَصَبَ الْقَاضِي وَصِيًّا.
وَيُزَادُ أَيْضًا أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْصِبُ وَصِيًّا عَنِ الْمَفْقُودِ لِحِفْظِ حُقُوقِهِ.
اسْتِبْدَالُ الْقَاضِي الْوَصِيَّ أَوْ ضَمَّ غَيْرَهُ إِلَيْهِ:
7- الْوَصِيُّ قَدْ يَكُونُ عَاجِزًا عَنِ الْقِيَامِ بِمَهَامِّ وِلَايَتِهِ وَقَدْ يَظْهَرُ مِنْهُ خِيَانَةٌ أَوْ فِسْقٌ: فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ بِمَهَامِّ وِلَايَتِهِ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ ضَمَّ الْقَاضِي إِلَيْهِ غَيْرَهُ لِيُعِينَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إِذَا كَانَ وَصِيَّ الْأَبِ أَوِ الْجَدِّ؛ لِأَنَّ فِي الضَّمِّ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ: حَقِّ الْمُوصِي وَحَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِهِ، لِأَنَّ النَّظَرَ يَتِمُّ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ شَكَا الْمُوصِي إِلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا يُجِبْهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ ظَهَرَ لِلْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلاً اسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرَهُ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ. وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا ضَعُفَ عَنِ الْقِيَامِ بِمَهَامِّهِ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَانَ مَنْصُوبَ الْقَاضِي عَزَلَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَلاَّهُ.
أَمَّا إِذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ خِيَانَةٌ أَوْ فِسْقٌ فَإِنَّهُ يُعْزَلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَيُقِيمُ مَكَانَهُ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ إِذَا ظَهَرَتِ الْخِيَانَةُ فَاتَتِ الْأَمَانَةُ، وَالْمَيِّتُ إِنَّمَا اخْتَارَهُ لِأَجْلِهَا، وَلَيْسَ مِنَ النَّظَرِ إِبْقَاؤُهُ بَعْدَ فَوَاتِهَا، كَأَنْ مَاتَ وَلَا وَصِيَّ لَهُ.
ب- الْوَصِيُّ الْمُتَطَوِّعُ وَالْوَصِيُّ الْمُسْتَجْعَلُ:
8- الْوَصِيُّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَطَوِّعًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْجُوَرًا.
يَقُولُ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا يَخْلُو حَالُ الْوَصِيِّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَطَوِّعًا أَوْ مُسْتَجْعَلاً، فَإنْ تَطَوَّعَ فَهِيَ أَمَانَةٌ مَحْضَةٌ، وَإِنِ اسْتُجْعِلَ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِعَقْدٍ.وَالثَّانِي: بِغَيْرِ عَقْدٍ.
فَإِنْ كَانَ عَنْ عَقْدٍ فَهِيَ إِجَارَةٌ لَازِمَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِمَا تَضَمَّنَهَا وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهَا، وَإِنْ ضَعُفَ عَنْهَا اسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيمَا ضَعُفَ عَنْهُ، وَلَهُ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ.
وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَقْدٍ: فَهِيَ جَعَالَةٌ، ثُمَّ هِيَ ضَرْبَانِ: مُعَيَّنَةٌ وَغَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً كَأَنْ قَالَ: إِنْ قَامَ زَيْدٌ بِوَصِيَّتِي فَلَهُ مِائَةٌ، فَإِنْ قَامَ بِهَا غَيْرُ زَيْدٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ قَامَ بِهَا زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَلَا شَيْءَ لِعَمْرٍو، ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ عَاوَنَ زَيْدًا فِيهَا فَلِزَيْدٍ جَمِيعُ الْمِائَةِ، وَإِنْ عَمِلَ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لِزَيْدٍ إِلاَّ نِصْفُ الْمِائَةِ، لِأَنَّ لَهُ نِصْفَ الْعَمَلِ.
وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ كَقَوْلِهِ: مَنْ قَامَ بِوَصِيَّتِي هَذِهِ فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَيُّ النَّاسِ قَامَ بِهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا فَلَهُ الْمِائَةُ، فَإِنْ قَامَ بِهَا جَمَاعَةٌ كَانَتِ الْمِائَةُ بَيْنَهُمْ.وَإِذَا قَامَ بِهَا وَاحِدٌ وَكَانَ كَافِيًا مُنِعَ غَيْرُهُ بَعْدَ الْعَمَلِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهَا، فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي إِنْفَاذِ الْوَصَايَا وَالْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ عَنْ إِتْمَامِهَا لَمْ يُجْبَرْ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْجَعَالَةِ لَا يَلْزَمُ، وَجَازَ لِغَيْرِهِ بَعْدَ رَفْعِ يَدِهِ أَنْ يُتِمَّ مَا بَقِيَ، وَلِلْأَوَّلِ مِنَ الْجَعَالَةِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ، وَلِلثَّانِي بِقَدْرِ عَمَلِهِ مُقْسِطًا عَلَى أُجُورِ أَمْثَالِهِمَا.(ر: إِيصَاء ف 17). أَرْكَانُ الْوَصِيَّةِ:
لِلْوِصَايَةِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ وَهِيَ: الْوَصِيُّ، وَالْمُوصِي، وَالْمُوصَى بِهِ، وَالصِّيغَةُ.
وَلِكُلِّ رُكْنٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ شُرُوطٌ نُفَصِّلُهَا فِيمَا يَلِي:
الرُّكْنُ الْأَوَّلُ: الْوَصِيُّ:
9- الْوَصِيُّ مَنْ عَهِدَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ أُمُورَهُ لِيَقُومَ بِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى مَصَالِحِهِ كَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَاشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَصِيِّ شُرُوطًا، مِنْهَا مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا.
فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْهَا هُوَ: الْعَقْلُ، وَالْإِسْلَامُ إِذَا كَانَ الْمُوصَى عَلَيْهِ مُسْلِمًا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْقِيَامِ بِالتَّصَرُّفِ الْمُوصَى بِهِ، أَوِ الْكِفَايَةُ فِي التَّصَرُّفَاتِ.
وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ: فَهُوَ الْوِصَايَةُ إِلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالْأَعْمَى وَالْفَاسِقِ وَالْعَبْدِ وَالْكَافِرِ.
أ- الْوِصَايَةُ إِلَى الصَّبِيِّ:
10- الصَّبِيُّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْوِصَايَةِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوِصَايَةِ إِلَيْهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: عَدَمُ صِحَّةِ الْوِصَايَةِ إِلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلاً لِلْوِلَايَةِ وَالْأَمَانَةِ، وَلِأَنَّهُ مَوْلًى عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ وَالِيًا كَالطِّفْلِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ وَأَضَافَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا أَوْصَى إِلَى صَبِيٍّ فَالْقَاضِي يُخْرِجُهُ عَنِ الْوِصَايَةِ وَيَجْعَلُ مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُ الْحَنَفِيَّةِ فِي نَفَاذِ تَصَرُّفِهِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ الْقَاضِي مِنَ الْوِصَايَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَنْفُذُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَنْفُذُ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: صِحَّةُ الْوِصَايَةِ إِلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِذَا كَانَ قَدْ جَاوَزَ سِنُّهُ عَشْرَ سِنِينَ قِيَاسًا عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ مِنْ صِحَّةِ وَكَالَتِهِ.
ب- الْوِصَايَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ:
11- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ الْوِصَايَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: صِحَّةُ الْوِصَايَةِ إِلَيْهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ)، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ شُرَيْحٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَأَبِي ثَوْرٍ.لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- أَوْصَى إِلَى حَفْصَةَ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ إِلَيْهَا كَالرَّجُلِ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ أُمَّ الْأَطْفَالِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ عِنْدَ تَوَافُرِ الشُّرُوطِ، لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا، وَخُرُوجِهَا مِنْ خِلَافِ الِاصْطَخْرِيِّ، فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّهَا تَلِي بَعْدَ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَكَذَا أَوْلَى مِنَ الرِّجَالِ أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ إِذَا كَانَ فِيهَا مَا فِيهِمْ مِنَ الْكِفَايَةِ وَالِاسْتِرْبَاحِ وَنَحْوِهِمَا، وَإِلاَّ فَلَا.
الْقَوْلُ الثَّانِي: عَدَمُ صِحَّةِ الْوِصَايَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ قَاضِيَةً فَلَا تَكُونُ وَصِيَّةً كَالْمَجْنُونِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ.
ج- الْوِصَايَةُ إِلَى الْأَعْمَى:
12- ذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى صِحَّةِ الْوِصَايَةِ إِلَى الْأَعْمَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ وَفِي الْوِلَايَةِ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، فَصَحَّتِ الْوِصَايَةُ إِلَيْهِ كَالْبَصِيرِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ إِلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْوِصَايَةُ إِلَيْهِ تَأْسِيسًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ، فَلَا يُوجَدُ فِيهِ مَعْنَى الْوِلَايَةِ. د- الْوِصَايَةُ إِلَى الْفَاسِقِ:
13- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْوَصِيِّ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فَتَصِحُّ الْوِصَايَةُ إِلَى فَاسِقٍ، مَتَى كَانَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ وَلَا يُخْشَى مَعَهُ الْخِيَانَةُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْوَصِيِّ فَلَا تَصِحُّ الْوِصَايَةُ إِلَى فَاسِقٍ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِيصَاء ف 11).
هـ- الْوِصَايَةُ إِلَى الْعَبْدِ:
14- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوِصَايَةِ لِلْعَبْدِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: عَدَمُ صِحَّةِ الْوِصَايَةِ إِلَى الْعَبْدِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُنْعَدِمَةٌ لِأَنَّ الرِّقَّ يُنَافِيهَا، وَلِأَنَّ فِيهِ إِثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذَا قَلْبُ الْمَشْرُوعِ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ الصَّادِرَةَ مِنَ الْأَبِ لَا تَتَجَزَّأُ، وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ تَجْزِئَتُهَا، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَوْضُوعِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: صِحَّةُ الْوِصَايَةِ لِلْعَبْدِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، لِأَنَّهُ تَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُ فِي الْحَيَاةِ فَصَحَّ أَنْ يُوصَى إِلَيْهِ كَالْحُرِّ، وَلَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا إِذَا وَقَعَتِ الْوِصَايَةُ إِلَى الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذَنْ سَيِّدِهِ فَلَا بُدَّ فِي تَصَرُّفِهِ مِنْ إِذَنْ سَيِّدِهِ.
وَذَهَبَ النَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ إِلَى أَنَّهُ تَصِحُّ الْوِصَايَةُ إِلَى عَبْدِ نَفْسِهِ وَلَا تَصِحُّ إِلَى عَبْدِ غَيْرِهِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ تَصِحُّ الْوِصَايَةُ إِلَى عَبْدِ نَفْسِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي وَرَثَتِهِ رَشِيدٌ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فَيَكُونُ أَهْلاً لِلْوِصَايَةِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلاَّكًا لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ النَّظَرِ فِيهِ، فَلَا مُنَافَاةَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ أَوِ الْإِيصَاءُ إِلَى عَبْدِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِدُّ بِالتَّصَرُّفِ إِذْ كَانَ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي وَلَا لِلصِّغَارِ مَنْعُهُ بَعْدَمَا ثَبَتَ الْإِيصَاءُ إِلَيْهِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ، وَإِيصَاءُ الْمَوْلَى إِلَيْهِ يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ نَاظِرًا لَهُمْ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ.
و- الْوِصَايَةُ إِلَى الْكَافِرِ:
15- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْوِصَايَةِ إِلَى الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ الْوِصَايَةِ إِلَى الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ.عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: جَوَازُ الْوِصَايَةِ إِلَى الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَاشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الْوَصِيُّ عَدْلاً فِي دِينِهِ لِأَنَّ عَدَمَ الْعَدَالَةِ فِي الْمُسْلِمِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوِصَايَةِ إِلَيْهِ فَمَعَ الْكُفْرِ أَوْلَى.
الْقَوْلُ الثَّانِي: لِلْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ فَرَّقُوا بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ فَأَمَّا وِصَايَةُ الذِّمِّيِّ إِلَى الذِّمِّيِّ فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَأَمَّا وِصَايَةُ الذِّمِّيِّ إِلَى الْحَرْبِيِّ مُسْتَأْمَنًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَأْمَنٍ فَلَا تَجُوزُ، لِأَنَّ الذِّمِّيَّ مِنَ الْحَرْبِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ مِنَ الذِّمِّيِّ، وَالْمُسْلِمُ لَوْ أَوْصَى إِلَى الذِّمِّيِّ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: عَدَمُ جَوَازِ الْوِصَايَةِ إِلَى الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ، وَبِهِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ، وَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ قِيَاسًا عَلَى شَهَادَتِهِ.
وَقْتُ اعْتِبَارِ هَذِهِ الشُّرُوطِ:
16- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ تَوَافُرُ شُرُوطِ الْوَصِيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: يَجِبُ تَوَافُرُ هَذِهِ الشُّرُوطِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَهَذَا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: يَجِبُ تَوَافُرُ هَذِهِ الشُّرُوطِ عِنْدَ الْإِيصَاءِ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: يَجِبُ تَوَافُرُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي الْوَصِيِّ عِنْدَ الْإِيصَاءِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ مَعًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّهَا شُرُوطٌ لِلْعَقْدِ فَاعْتُبِرَتْ حَالَ وُجُودِهِ وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَاعْتُبِرَ وُجُودُهَا عِنْدَهُ.
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: يُشْتَرَطُ وُجُودُ هَذِهِ الصِّفَاتِ عِنْدَ الْوِصَايَةِ وَالْمَوْتِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَهَذَا وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ مِنْ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ فِيهِ التَّصَرُّفَ فَاعْتُبِرَتِ الشُّرُوطُ فِي الْجَمِيعِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: إِيصَاء ف 12).
الْوِصَايَةُ إِلَى اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ:
17- الْإِيصَاءُ إِلَى اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مِثْلَ: جَعَلْتُكُمَا وَصِيَّيْنِ، أَوْ بِلَفْظَيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ أَوْ زَمَانَيْنِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- كَتَبَ فِي وَصِيَّتِهِ: إِنَّ وَصِيَّتِي إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَإِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ؛ وَلِأَنَّهَا اسْتِنَابَةٌ فِي التَّصَرُّفِ فَجَازَتْ إِلَى اثْنَيْنِ كَالْوَكَالَةِ.
وَإِذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ إِلَى رَجُلَيْنِ وَخَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ لَمْ يَخُصَّ بِهِ الْآخَرَ، كَأَنْ يَجْعَلَ إِلَى أَحَدِهِمَا قَضَاءَ الدُّيُونِ، وَإِلَى الثَّانِي إِخْرَاجَ الثُّلُثِ، أَوْ يَجْعَلَ إِلَى أَحَدِهِمَا إِنْفَاذَ الْوَصِيَّةِ، وَإِلَى الثَّانِي الْوِلَايَةَ عَلَى الْأَطْفَالِ، فَوَصِيَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا تَكُونُ مَقْصُورَةً عَلَى مَا جَعَلَ إِلَيْهِ، وَيَتَفَرَّدُ فِيهَا بِالتَّصَرُّفِ، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا جَعَلَ إِلَى الْآخَرِ.
أَمَّا إِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي التَّصَرُّفِ وَلَمْ يَخُصَّ أَحَدَهُمَا بِشَيْءٍ: فَالْوِصَايَةُ هُنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: أَنَّ يُوصِيَ إِلَيْهِمَا مُجْتَمِعَيْنِ وَمُنْفَرِدَيْنِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُعَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا، وَأَيُّهُمَا تَفَرَّدَ بِإِنْفَاذِ الْوَصَايَا جَازَ، وَإِنِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ كَانَ أَوْلَى، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ كَانَ لِلْآخَرِ الِانْفِرَادُ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُوصِيَ إِلَيْهِمَا مُجْتَمِعَيْنِ لَا مُنْفَرِدَيْنِ، فَعَلَيْهِمَا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى إِنْفَاذِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَفَرَّدَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى الثَّانِي، وَإِنَّمَا يُعَيِّنُ الْحَاكِمُ أَمِينًا مَكَانَهُ يَضُمُّهُ إِلَى الْحَيِّ، وَلَا يَتَفَرَّدُ أَيْضًا فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، وَلَوْ مَاتَا جَمِيعًا رَدَّ الْحَاكِمُ الْوِصَايَةَ إِلَى اثْنَيْنِ اسْتِتْبَاعًا لِوَصِيَّةِ الْمُوصِي، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ بَعْدَ ذِكْرِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ: وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ لَا أَعْلَمُ فِيهِمَا خِلَافًا.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُطْلِقَ الْوَصِيَّةَ دُونَ أَنْ يُبَيِّنَ اجْتِمَاعَهُمَا أَوِ انْفِرَادَهُمَا كَأَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْتُ إِلَيْكُمَا.
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِالتَّصَرُّفِ دُونَ الْآخَرِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، كَمَا لَوْ أَمَرَ بِالِاجْتِمَاعِ فِي الْوَصِيَّةِ.لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ، وَلِأَنَّهُ أَشْرَكَ بَيْنَهُمَا فِي النَّظَرِ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ كَالْوَكِيلَيْنِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
وَإِنْ فَسَقَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ أَمِينًا، لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِنَظَرِ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُفَوِّضَ الْجَمِيعَ إِلَى الْبَاقِي لِذَلِكَ.
وَاسْتَثْنَى الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ جَوَازَ انْفِرَادِ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ عِنْدَ إِطْلَاقِ الْوَصِيَّةِ لَهُمَا دُونَ تَحْدِيدٍ فِي الْأُمُورِ التَّالِيَةِ:
أ) شِرَاءُ كَفَنِ الْمَيِّتِ وَتَجْهِيزُهُ، لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْجِيرَانُ عِنْدَ ذَلِكَ.
ب) فِي طَعَامِ الصِّغَارِ وَكِسْوَتِهِمْ، لِأَنَّهُ يَخَافُ مَوْتَهُمْ جُوعًا وَعُرْيًا إِذَا انْتَظَرَ تَصَرُّفَ الْآخَرِ.
ج) فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ بِعَيْنِهَا وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا، لِأَنَّ رَدَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ مِنَ الْوِلَايَةِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ الْمَالِكُ.
د) فِي حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى وِلَايَةٍ يَسْتَمِدُّهَا الْوَصِيُّ مِنَ الْمُوصِي، فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ إِذَا ظَفَرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ أَخَذَهُ، وَحِفْظُ الْمَالِ يَمْلِكُهُ مَنْ يَقَعُ فِي يَدِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إِلَى الِاثْنَيْنِ لِلْحَاجَةِ إِلَى رَأْيِهِمَا وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الرَّأْيِ.
هـ) فِي تَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ بِعَيْنِهَا وَعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي هَذَا إِلَى الرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ.
و) فِي الْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ، لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا مُتَعَذِّرٌ، وَلَوِ اجْتَمَعَا لَمْ يَتَكَلَّمْ إِلاَّ أَحَدُهُمَا غَالِبًا، وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهَا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ.
ز) فِي قَبُولِ الْهِبَاتِ، لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خِيفَةَ الْفَوَاتِ.
ح) فِي بَيْعِ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَالْهَلَاكُ، لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لَا تَخْفَى.
ط) فِي جَمْعِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ، لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ كُلُّ مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ.
وَقَدِ احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ انْفِرَادِ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ بِالتَّصَرُّفِ إِلاَّ فِي الْأُمُورِ الْمُسْتَثْنَاةِ، بِأَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ بِالتَّفْوِيضِ، فَيُرَاعَى وَصْفُ التَّفْوِيضِ، وَهُوَ وَصْفُ الِاجْتِمَاعِ، إِذْ هُوَ شَرْطٌ مُقَيِّدٌ، وَمَا رِضَى الْمُوصِي إِلاَّ بِالْمُثَنَّى، وَلَيْسَ الْوَاحِدُ كَالْمُثَنَّى.
كَمَا اسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ رَدَّ الْأَعْيَانِ الْمُسْتَحَقَّةِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْوَدَائِعِ وَالْأَعْيَانِ الْمُوصَى بِهَا، وَقَضَاءُ دَيْنٍ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُهُ فَلِأَحَدِهِمَا الِاسْتِقْلَالُ بِهِ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّهُ اسْتِقْلَالُ أَحَدِهِمَا بِهِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ الْوِصَايَةَ سَبِيلُهَا الْوِلَايَةُ، وَهِيَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا تَتَجَزَّأُ، فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا كَامِلاً كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ لِلْأَخَوَيْنِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُزَوِّجَ.
وَلِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ الْخِلَافَةُ إِذَا انْتَقَلَتِ الْوِلَايَةُ إِلَى الْوَصِيِّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُوصِي، وَقَدْ كَانَ بِوَصْفِ الْكَمَالِ، وَلِأَنَّ اخْتِيَارَ الْأَبِ إِيَّاهُمَا يُؤْذِنُ بِاخْتِصَاصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّفَقَةِ، فَيَنْزِلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ قَرَابَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
حُكْمُ مَوْتِ أَحَدِ الْأَوْصِيَاءِ أَوْ طُرُوءِ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ:
أ- مَوْتُ أَحَدِ الْأَوْصِيَاءِ:
18- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَا إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْأَوْصِيَاءِ:
فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا جَعَلَ الْقَاضِي مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ، لأَنَّ الْبَاقِيَ عَاجِزٌ عَنِ التَّفَرُّدِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إِلَيْهِ وَصِيًّا آخَرَ، وَلِأَنَّ الْحَيَّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ لَكِنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَهُ اثْنَانِ فِي حُقُوقِهِ وَذَلِكَ مُمْكِنُ التَّحَقُّقِ بِنَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ مَكَانَ الْمَيِّتِ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا لَوْ أَوْصَى إِلَى الْحَيِّ فَلِلْحَيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَحْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا إِذَا أَوْصَى إِلَى شَخْصٍ آخَرَ، لِأَنَّ رَأْيَ الْمَيِّتِ بَاقٍ حُكْمًا بِرَأْيِ مَنْ يَخْلُفُهُ، وَمِنْ ثَمَّ لَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إِلَى نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ أَوْصَى الْمَيِّتُ مِنْهُمَا إِلَى الْحَيِّ لَا يَنْفَرِدُ الْحَيُّ بِالتَّصَرُّفِ لأَنَّ الْمُوصِيَ مَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِ وَحْدَهُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَوْصَى إِلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِرَأْيِ الْمُثَنَّى كَمَا رَضِيَهُ الْمُتَوَفَّى.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوِ اخْتَلَفَا فِي أَمْرٍ كَبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ تَزْوِيجٍ، نَظَرَ الْقَاضِي فِي الْأَمْرِ وَيَقْضِي بِالْأَصْلَحِ مِنِ اسْتِقْلَالِ الْحَيِّ فِي الْوِصَايَةِ أَوْ جَعْلِ غَيْرِهِ مَعَهُ، أَوْ رَدِّ فِعْلِ أَحَدِهِمَا حَالَ الِاخْتِلَافِ أَوْ إِمْضَائِهِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُوصِيَ لِغَيْرِهِ فِي حَيَاةِ الْآخَرِ بِلَا إِذْنٍ مِنَ الْوَصِيِّ الْآخَرِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ جَازَ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْوَصِيَّانِ جَمِيعًا لَزِمَ الْحَاكِمَ نَصْبُ اثْنَيْنِ مَكَانَهُمَا، وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ: إِنَّ لِلْحَاكِمِ نَصْبَ اثْنَيْنِ مَكَانَهُمَا كَمَا أَنَّ لَهُ الِاقْتِصَارَ عَلَى نَصْبِ وَاحِدٍ.
ب- طُرُوءُ مَا يُوجِبُ عَزْلَ أَحَدِ الْأَوْصِيَاءِ:
19- صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ إِذَا جُنَّ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ أَوْ فَسَقَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ عَزْلَهُ أَقَامَ الْحَاكِمُ وَصِيًّا آخَرَ مَقَامَهُ وَلَيْسَ لَهُ جَعْلُ الْآخَرِ مُسْتَقِلًّا فِي التَّصَرُّفِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ وَصِيٍّ وَاحِدٍ. اخْتِلَافُ الْوَصِيَّيْنِ فِي حِفْظِ الْمَالِ وَقِسْمَتِهِ:
20- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ اقْتِسَامِ الْوَصِيَّيْنِ الْمَالَ الَّذِي هُوَ تَحْتَ وِصَايَتِهِمَا عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا فِي حِفْظِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيَّيْنِ قِسْمَةُ الْمَالِ الَّذِي تَحْتَ وِصَايَتِهِمَا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ أَرَادَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مَالِهِ، فَإِنِ اقْتَسَمَاهُ ضَمِنَا مَا تَلِفَ مِنْهُ لِتَعَدِّي وَاضِعِ الْيَدِ عَلَيْهِ بِاسْتِقْلَالِهِ بِهِ، وَالْآخَرِ لِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهُ.وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
يَقُولُ الزُّرْقَانِيُّ: وَلَا يَجُوزُ لَهُمَا قِسْمَةُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ قَدْ يَزِيدُ بِاجْتِمَاعِهِمَا لِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا وَكِفَايَةِ الْآخَرِ، وَإِلاَّ بِأَنِ اقْتَسَمَاهُ ضَمِنَا مَا تَلِفَ مِنْهُ- وَلَوْ بِسَمَاوِيٍّ ظَاهِرٍ- ضَمَانَ الْجَمِيعِ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ لِاسْتِبْدَادِهِ فِيهِ، وَمَا تَلِفَ عِنْدَ صَاحِبِهِ، لِأَنَّهُ رَفَعَ يَدَهُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ.
وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يَضْمَنَ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ خَاصَّةً دُونَ مَا هَلَكَ بِيَدِهِ.ثُمَّ قَالَ: وَعُلِمَ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَضْمَنُ مَا سَلِمَ لِصَاحِبِهِ، وَالْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي ضَمَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مَا تَلِفَ بِيَدِهِ.
وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ غَرِيمٌ إِمَّا بِمَا فِي قَبْضَةِ صَاحِبِهِ، وَإِمَّا بِجَمِيعِ الْمَالِ.
وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ عِنْدَ مَنْ يُجْعَلُ الْمَالُ مِنْهُمَا، لَمْ يُجْعَلْ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يُقْسَمْ بَيْنَهُمَا فِي مَكَانٍ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا، لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَأْمَنْ أَحَدَهُمَا عَلَى حِفْظِهِ وَلَا التَّصَرُّفِ فِيهِ.ثُمَّ قَالَ: وَلَنَا أَنَّ حِفْظَ الْمَالِ مِنَ الْمُوصَى بِهِ، فَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِهِ، كَالتَّصَرُّفِ.
وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِحِفْظِ بَعْضِهِ لَجَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ فِي بَعْضِهِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَقْتَسِمَا الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إِنْ كَانَ قَابِلاً لِلْقِسْمَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَابِلاً لِلْقِسْمَةِ فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُمَا يَتَهَايَآنِ زَمَانًا أَوْ يُودِعَانِهِ عِنْدَ آخَرَ، لِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةَ الْإِيدَاعِ، وَقِيلَ: يُودَعُ عِنْدَ أَعْدَلِهِمَا. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَلَوِ اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ فِي حِفْظِ الْمَالِ، فَإِنِ احْتَمَلَ الْقِسْمَةَ يَكُونُ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ، وَإِلاَّ فَيَتَهَايَآنِ زَمَانًا أَوْ يَسْتَوْدِعَانِهِ، لِأَنَّ لَهُمَا الْإِيدَاعَ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنِ اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ فِي حِفْظِ الْمَالِ وَالْمَقْسُومِ، قَسَمَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي النِّصْفِ الْمَقْسُومِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَيَتَصَرَّفَانِ مَعًا فِي الْكُلِّ، بِأَنْ يَتَصَرَّفَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَعَ صَاحِبِهِ فِيمَا بِيَدِهِ وَيَدِ صَاحِبِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِمَا كَانَ النِّصْفُ بِيَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَجَازَ أَنْ يُعَيَّنَ ذَلِكَ النِّصْفُ.
هَذَا إِذَا انْقَسَمَ الْمُوصَى فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ جَعَلَهُ الْحَاكِمُ تَحْتَ يَدِهِمَا، فَإِنْ تَرَاضَيَا بِنَائِبٍ لَهُمَا فِي الْحِفْظِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا بِنَائِبٍ لَهُمَا حَفِظَهُ الْقَاضِي.
وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي وَصِيَّيِ التَّصَرُّفِ إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْحِفْظِ إِلَى وَقْتِ التَّصَرُّفِ.
أَمَّا وَصِيَّا الْحِفْظِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِحَالٍ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
28-موسوعة الفقه الكويتية (وعد)
وَعْدالتَّعْرِيفُ:
1- الْوَعْدُ فِي اللُّغَةِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَيُقَالُ: وَعَدْتُهُ خَيْرًا وَوَعَدْتُهُ شَرًّا.
وَالْعِدَةُ: الْوَعْدُ، وَقَالُوا فِي الْخَيْرِ: وَعَدَهُ وَعْدًا وَعِدَةً، وَفِي الشَّرِّ: وَعَدَهُ وَعِيدًا، فَالْمَصْدَرُ فَارِقٌ بَيْنَهُمَا.
وَيُقَالُ: أَنْجَزَ الْوَعْدَ إِنْجَازًا؛ أَيْ أَوْفَى بِهِ، وَنَجَزَ الْوَعْدُ، وَهُوَ نَاجِزٌ: إِذَا حَصَلَ وَتَمَّ، وَوَعَدْتُهُ فَاتَّعَدَ: أَيْ قَبِلَ الْوَعْدَ.
وَالْوَعْدُ فِي الِاصْطِلَاحِ: الْإِخْبَارُ بِإِيصَالِ الْخَيْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْعَهْدُ:
2- الْعَهْدُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ عَهِدَ، يُقَالُ: عَهِدْتُ إِلَيْهِ عَهْدًا، مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَهُوَ الْوَصِيَّةُ وَالْأَمَانُ وَالْمَوْثِقُ وَالذِّمَّةُ، قَالَ أَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ: الْعَهْدُ مَا كَانَ مِنَ الْوَعْدِ مَقْرُونًا بِشَرْطٍ، نَحْوَ قَوْلِكَ: إِنْ فَعَلْتَ كَذَا فَعَلْتُ كَذَا، مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ فَأَنَا عَلَيْهِ، وَالْعَهْدُ يَقْتَضِي الْوَفَاءَ، وَالْوَعْدُ يَقْتَضِي الْإِنْجَازَ.وَيُقَالُ: نَقَضَ الْعَهْدَ، وَأَخْلَفَ الْوَعْدَ.
وَالْعَهْدُ فِي الِاصْطِلَاحِ: حِفْظُ الشَّيْءِ وَمُرَاعَاتُهُ حَالًا بَعْدَ حَالٍ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْمَوْثِقِ الَّذِي تَلْزَمُ مُرَاعَاتُهُ.وَقَالَ الْكَفَوِيُّ: وَالْعَهْدُ الْمَوْثِقُ، وَوَضْعُهُ لِمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُرَاعَى وَيُتَعَهَّدَ، كَالْقَوْلِ وَالْقَرَارِ وَالْيَمِينِ وَالْوَصِيَّةِ وَالضَّمَانِ وَالْحِفْظِ وَالزَّمَانِ وَالْأَمْرِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَعْدِ وَالْعَهْدِ: أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ الْوَفَاءُ بِهِ شَرْعًا.
ب- الْوَأْيُ:
3- الْوَأْيُ فِي اللُّغَةِ: الْوَعْدُ، يُقَالُ: وَأَيْتُهُ وَأْيًا؛ أَيْ وَعَدْتُهُ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ- رضي الله عنه-: «كَانَ لِي عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَأْيٌ» أَيْ عِدَةٌ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْوَأْيُ: الْوَعْدُ الَّذِي يُوَثِّقُهُ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَعْزِمُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ.
أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَأْيِ وَالْوَعْدِ، فَقَدْ قَالَ فِيهِ أَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ: إِنَّ الْوَعْدَ يَكُونُ مُؤَقَّتًا وَغَيْرَ مُؤَقَّتٍ، فَالْمُؤَقَّتُ كَقَوْلِهِمْ: جَاءَ وَعْدُ رَبِّكَ، وَغَيْرُ الْمُؤَقَّتِ كَقَوْلِهِمْ: إِذَا وَعَدَ زَيْدٌ أَخْلَفَ وَإِذَا وَعَدَ عَمْرٌو وَفَّى.وَالْوَأْيُ: مَا يَكُونُ مِنَ الْوَعْدِ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: إِذَا وَأَى زَيْدٌ أَخْلَفَ أَوْ وَفَّى.وَلَا تَقُولُ: جَاءَ وَأْيُ زَيْدٍ، كَمَا تَقُولُ: جَاءَ وَعْدُهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الْوَأْيُ: الْعِدَةُ الْمَضْمُونَةُ، وَقِيلَ: الْوَأَيُ الْعِدَةُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ، وَالْعِدَةُ: التَّصْرِيحُ بِالْعَطِيَّةِ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَعْدِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْوَعْدِ أَحْكَامٌ، مِنْهَا:
أ- الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ:
4- الْوَعْدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِشَيْءٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ بِشَيْءٍ وَاجِبٍ أَوْ بِشَيْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَنْدُوبٍ.
أَمَّا الْوَعْدُ بِشَيْءٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إِنْجَازُ وَعْدِهِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إِخْلَافُهُ شَرْعًا.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَنْ وَعَدَ بِمَا لَا يَحِلُّ أَوْ عَاهَدَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْوَفَاءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَنْ وَعَدَ بِزِنًا أَوْ بِخَمْرٍ أَوْ بِمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ.فَصَحَّ أَنَّ لَيْسَ كُلُّ مَنْ وَعَدَ فَأَخْلَفَ أَوْ عَاهَدَ فَغَدَرَ مَذْمُومًا وَلَا مَلُومًا وَلَا عَاصِيًا، بَلْ قَدْ يَكُونُ مُطِيعًا مُؤَدِّيَ فَرْضٍ.
وَأَمَّا مَنْ وَعَدَ بِشَيْءٍ وَاجِبٍ شَرْعًا، كَأَدَاءِ حَقٍّ ثَابِتٍ أَوْ فِعْلِ أَمْرٍ لَازِمٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إِنْجَازُ ذَلِكَ الْوَعْدِ.
وَأَمَّا مَنْ وَعَدَ بِفِعْلِ شَيْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَنْدُوبٍ إِلَيْهِ، فَيَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يُنْجِزَ وَعْدَهُ، حَيْثُ إِنَّ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَخِصَالِ الْإِيمَانِ، وَقَدْ أَثْنَى الْمَوْلَى جَلَّ وَعَلَا عَلَى مَنْ صَدَقَ وَعْدَهُ فَامْتَدَحَ إِسْمَاعِيلَ- عليه السلام- بِقَوْلِهِ: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} وَكَفَى بِهِ مَدْحًا، وَبِمَا خَالَفَهُ ذَمًّا.
5- وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْوَفَاءِ بِذَلِكَ عَلَى سَبْعَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ إِنْجَازَ الْوَعْدِ وَاجِبٌ.
وَإِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ ذَهَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاضِي ابْنُ الْأَشْوَعِ الْكُوفِيُّ الْهَمْدَانِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ اخْتَارَهُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ.
وَحُجَّتُهُمْ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ.كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.
وَكَذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ».
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ إِنْجَازَ الْوَعْدِ وَاجِبٌ إِلاَّ لِعُذْرٍ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ الْوَعْدَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِلاَّ لِعُذْرٍ.
وَقَالَ أَيْضًا: وَإِذَا وَعَدَ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَفِيَ، فَلَا يَضُرُّهُ إِنْ قَطَعَ بِهِ عَنِ الْوَفَاءِ قَاطِعٌ كَانَ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ مِنْهُ، أَوْ مِنْ جِهَةِ فِعْلٍ اقْتَضَى أَلاَّ يَفِيَ لِلْمُوعَدِ بِوَعْدِهِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ- رضي الله عنه- مَرْفُوعًا: «إِذَا وَعَدَ الرَّجُلُ وَيَنْوِي أَنْ يَفِيَ بِهِ فَلَمْ يَفِ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ».
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَهُوَ رَأْيُ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: وَلَا أَقُولُ يَبْقَى دَيْنًا حَتَّى يُقْضَى مِنْ تَرِكَتِهِ، وَإِنَّمَا أَقُولُ: يَجِبُ الْوَفَاءُ تَحْقِيقًا لِلصِّدْقِ وَعَدَمِ الْإِخْلَافِ.
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ مُسْتَحَبٌّ، فَلَوْ تَرَكَهُ فَاتَهُ الْفَضْلُ وَارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ شَدِيدَةً، وَلَكِنْ لَا يَأْثَمُ.وَهُوَ رَأْيُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ مُسْتَحَبٌّ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا، وَيُكْرَهُ إِخْلَافُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَدَلَائِلُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَعْلُومَةٌ وَلِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمَوْعُودَ لَا يُضَارِبُ بِمَا وُعِدَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ.
وَقَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ ابْنُ مُفْلِحٍ: لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَنَصَّ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ عَلَى أَنَّ الْوَعْدَ بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ مُبَاحٌ، فَإِنَّ الْأَوْلَى الْوَفَاءُ بِهِ مَعَ الْإِمْكَانِ.
الْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّ إِنْجَازَ الْوَعْدِ الْمُجَرَّدِ غَيْرُ وَاجِبٍ، أَمَّا الْوَعْدُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لَازِمًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، حَيْثُ نَقَلَ ابْنُ نُجَيْمٍ عَنِ الْقُنْيَةِ: لَا يَلْزَمُ الْوَعْدُ إِلاَّ إِذَا كَانَ مُعَلَّقًا وَفِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ: أَنَّ الْمَوَاعِيدَ بِاكْتِسَاءِ صُوَرِ التَّعْلِيقِ تَكُونُ لَازِمَةً.وَنَصَّتِ الْمَادَّةُ (84) مِنْ مَجَلَّةِ الْأَحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ: الْمَوَاعِيدُ بِصُوَرِ التَّعَالِيقِ تَكُونُ لَازِمَةً.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لآِخَرَ: ادْفَعْ دَيْنِي مِنْ مَالِكَ، فَوَعَدَهُ الرَّجُلُ بِذَلِكَ، ثُمَّ امْتَنَعَ عَنِ الْأَدَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يُلْزَمُ الْوَاعِدُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ، أَمَّا قَوْلُ رَجُلٍ لآِخَرَ: بِعْ هَذَا الشَّيْءَ لِفُلَانٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِكَ ثَمَنَهُ فَأَنَا أُعْطِيهِ لَكَ، فَلَمْ يُعْطِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ،
لَزِمَ الْمُوَاعِدَ أَدَاءُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ بِنَاءً عَلَى وَعْدِهِ.
وَأَسَاسُ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَنْبَأَ غَيْرَهُ بِأَنَّهُ سَيَفْعَلُ أَمْرًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَرْغُوبًا لَهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ غَيْرَ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْوَعْدِ؛ لِأَنَّ الْوَعْدَ لَا يُغَيِّرُ الْأُمُورَ الِاخْتِيَارِيَّةَ إِلَى الْوُجُوبِ وَاللُّزُومِ.أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمَوَاعِيدُ مُفْرَغَةً فِي قَالَبِ التَّعْلِيقِ، فَإِنَّهَا تَلْزَمُ لِقُوَّةِ الِارْتِبَاطِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ حُصُولَ مَضْمُونِ الْجَزَاءِ مَوْقُوفٌ عَلَى حُصُولِ شَرْطِهِ، وَذَلِكَ يُكْسِبُ الْوَعْدَ قُوَّةً، كَقُوَّةِ الِارْتِبَاطِ بَيْنَ الْعِلِّيَّةِ وَالْمَعْلُولِيَّةِ، فَيَكُونُ لَازِمًا.
عَلَى أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ إِنَّمَا اعْتَبَرُوا الْوُعُودَ بِصُوَرِ التَّعَالِيقِ لَازِمَةً إِذَا كَانَ الْوَعْدُ مِمَّا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ شَرْعًا حَسَبَ قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِمْ، حَيْثُ إِنَّهُمْ أَجَازُوا تَعْلِيقَ الْإِطْلَاقَاتِ وَالْوَلَايَاتِ بِالشَّرْطِ الْمُلَائِمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَجَازُوا تَعْلِيقَ الْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ بِالْمُلَائِمِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشُّرُوطِ، أَمَّا التَّمْلِيكَاتُ وَكَذَا التَّقْيِيدَاتُ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ عِنْدَهُمْ.
وَالنَّافُونَ لِوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ حَمَلُوا الْمَحْظُورَ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَمَقَتَ فَاعِلَهُ فِي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ.كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} عَلَى مَنْ وَعَدَ وَفِي ضَمِيرِهِ أَلاَّ يَفِيَ بِمَا وَعَدَ بِهِ، أَوْ عَلَى الْإِنْسَانِ الَّذِي يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا لَا يَفْعَلُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» فَقَالُوا بِأَنَّ ذَمَّ الْإِخْلَافِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ تَضَمُّنُهُ الْكَذِبَ الْمَذْمُومَ إِنْ عَزَمَ عَلَى الْإِخْلَافِ حَالَ الْوَعْدِ، لَا إِنْ طَرَأَ لَهُ.
قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ: وَهَذَا يَنْزِلُ عَلَى مَنْ وَعَدَ وَهُوَ عَلَى عَزْمِ الْخُلْفِ أَوْ تَرْكِ الْوَفَاءِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَأَمَّا مَنْ عَزَمَ عَلَى الْوَفَاءِ فَعَنَّ لَهُ عُذْرٌ مَنَعَهُ مِنَ الْوَفَاءِ، لَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا، وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ مَا هُوَ صُورَةُ النِّفَاقِ. قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ حَرَامٌ إِذَا وَعَدَ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ لَا يَفِيَ بِمَا وَعَدَ، أَمَّا إِذَا وَعَدَ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ بِمَا وَعَدَ فَلَمْ يَفِ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ.
الْقَوْلُ السَّادِسُ: إِنَّ الْوَعْدَ إِذَا كَانَ مُرْتَبِطًا بِسَبَبٍ وَدَخَلَ الْمَوْعُودُ فِي السَّبَبِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْعَقْدِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُبَاشِرِ الْمَوْعُودُ السَّبَبَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَاعِدِ، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا وَعَدَهُ أَنْ يُسْلِفَهُ ثَمَنَ دَارٍ يُرِيدُ شِرَاءَهَا فَاشْتَرَاهَا الْمَوْعُودُ حَقِيقَةً، أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ مَبْلَغَ الْمَهْرِ فِي الزَّوَاجِ، فَتَزَوَّجَ اعْتِمَادًا عَلَى هَذَا الْوَعْدِ...فَفِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَأَمْثَالِهِمَا يُلْزَمُ الْوَاعِدُ قَضَاءً بِإِنْجَازِ وَعْدِهِ.أَمَّا إِذَا لَمْ يُبَاشِرِ الْمَوْعُودُ السَّبَبَ، فَلَا يُلْزَمُ الْوَاعِدُ بِشَيْءٍ.
وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ وَالرَّاجِحُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَعَزَاهُ الْقَرَافِيُّ إِلَى مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَسُحْنُونٍ.
الْقَوْلُ السَّابِعُ: أَمَّا إِذَا كَانَ الْوَعْدُ مُرْتَبِطًا بِسَبَبٍ فَإِنَّهُ يَجِبَ الْوَفَاءُ بِهِ قَضَاءً، سَوَاءٌ دَخَلَ الْمَوْعُودُ فِي السَّبَبِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَبِطًا بِسَبَبٍ فَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ: فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لآِخَرَ: أَعِدُكَ بِأَنْ أُعِيرَكَ بَقَرِي وَمِحْرَاثِي لِحِرَاثَةِ أَرْضِكَ، أَوْ أُرِيدُ أَنْ أُقْرِضَكَ كَذَا لِتَتَزَوَّجَ.أَوْ قَالَ الطَّالِبُ لِغَيْرِهِ: أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ أَوْ أَنْ أَقْضِيَ دَيْنِي أَوْ أَنْ أَتَزَوَّجَ، فَأَقْرِضْنِي مَبْلَغَ كَذَا.فَوَعَدَهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَجَعَ عَنْ وَعْدِهِ قَبْلَ أَنْ يُبَاشِرَ الْمَوْعُودُ السَّبَبَ الَّذِي ذَكَرَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ زَوَاجٍ أَوْ وَفَاءِ دَيْنٍ أَوْ حِرَاثَةِ أَرْضٍ...فَإِنَّ الْوَاعِدَ يَكُونُ مُلْزَمًا بِالْوَفَاءِ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالتَّنْفِيذِ جَبْرًا إِنِ امْتَنَعَ..أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْعِدَةُ غَيْرَ مُرْتَبِطَةٍ بِسَبَبٍ، كَمَا إِذَا قُلْتَ لآِخَرَ: أَسْلِفْنِي كَذَا، وَلَمْ تَذْكُرْ سَبَبًا، أَوْ أَعِرْنِي دَابَّتَكَ أَوْ بَقَرَتَكَ، وَلَمْ تَذْكُرْ سَفَرًا وَلَا حَاجَةً، فَقَالَ: نَعَمْ.أَوْ قَالَ الْوَاعِدُ مِنْ نَفْسِهِ: أَنَا أُسْلِفُكَ كَذَا أَوْ أَهَبُ لَكَ كَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، فَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَهُوَ قُوْلٌ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ الَّذِي حَكَاهُ الْبَاجِيُّ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ عِدَةً لَا تُدْخِلُ مَنْ وَعَدَ بِهَا فِي شَيْءٍ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُفَسَّرَةً أَوْ مُبْهَمَةً.
- فَإِنْ كَانَتْ مُفَسَّرَةً: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَعِرْنِي دَابَّتَكَ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا.فَيَقُولُ: أَنَا أُعِيرُكَ غَدًا، أَوْ يَقُولُ: عَلَيَّ دَيْنٌ فَأَسْلِفْنِي مِائَةَ دِينَارٍ أَقْضِهِ، فَيَقُولُ: أَنَا أُسْلِفُكَ.
فَهَذَا قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يُحْكَمُ بِإِنْجَازِ مَا وَعَدَ بِهِ، كَالَّذِي يُدْخِلُ الْإِنْسَانَ فِي عَقْدٍ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى خِلَافِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ بِوَعْدِهِ فِي شَيْءٍ يَضْطَرُّهُ إِلَى مَا وَعَدَ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ مُبْهَمَةً: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَسْلِفْنِي مِائَةَ دِينَارٍ، وَلَا يَذْكُرُ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا، أَوْ يَقُولَ: أَعِرْنِي دَابَّتَكَ أَرْكَبْهَا، وَلَا يَذْكُرُ لَهُ مَوْضِعًا وَلَا حَاجَةً.فَهَذَا قَالَ أَصْبَغُ: لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهَا.
فَإِذَا قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: إِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْعِدَةِ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ أَدْخَلَهُ فِيهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: انْكِحْ وَأَنَا أُسْلِفُكَ مَا تُصْدِقُهَا.فَإِنْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ الْوَعْدِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ وُعِدَ، فَهَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ، أَلْزَمَهُ ذَلِكَ بِالْوَعْدِ.
الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْوَعْدِ:
6- نَصَّ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْوَاعِدِ أَنْ يَسْتَنْثِيَ فِي وَعْدِهِ بِقَوْلِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وَلِأَنَّ الْوَاعِدَ لَا يَدْرِي هَلْ يَقَعُ مِنْهُ الْوَفَاءُ أَمْ لَا، فَإِذَا اسْتَثْنَى وَعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ الْإِلَهِيَّةِ خَرَجَ عَنْ صُورَةِ الْكَذِبِ فِي حَالِ التَّعَذُّرِ.
غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْوَعْدِ:
- فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: هُوَ الْأَوْلَى.
- وَقَالَ الْجَصَّاصُ: إِنْ لَمْ يَقْرِنْهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ.
- وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ الْوَعْدُ بِغَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ.
الْمُوَاعَدَةُ:
7- الْمُوَاعَدَةُ: مُفَاعَلَةٌ مِنْ وَاعَدَ.وَقَدْ عَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنْ يَعِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ؛ لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ لَا تَكُونُ إِلاَّ مِنَ اثْنَيْنِ، فَإِنْ وَعَدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَهَذِهِ الْعِدَةُ.
وَقَدْ تَنَاوَلَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُوَاعَدَةَ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا، وَذَكَرُوا بَعْضًا مِنْ أَحْكَامِهَا، وَذَلِكَ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي: أ- الْمُوَاعَدَةُ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ حَالًا:
8- قَالَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ مِنْ أُصُولِ مَالِكٍ مَنْعَ الْمُوَاعَدَةِ فِيمَا لَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ فِي الْحَالِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ.وَمِنْ ثَمَّ مَنَعَ مَالِكٌ الْمُوَاعَدَةَ عَلَى النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ، وَالْمُوَاعَدَةَ عَلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَعَلَى الْبَيْعِ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ، وَعَلَى بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ وَجَاءَ فِي قَوَاعِدِ الْوَنْشَرِيسِيِّ: الْأَصْلُ مَنْعُ الْمُوَاعَدَةِ بِمَا لَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ فِي الْحَالِ حِمَايَةً.بِمَعْنَى أَنَّ الْمُوَاعَدَةَ عَلَى عَقْدٍ مَحْظُورٍ- بِالنَّظَرِ لِمَا تَؤُولُ إِلَيْهِ- كَالْوَسِيلَةِ لِلْغَايَةِ الْمَمْنُوعَةِ، فَتُحْمَى الْمَقَاصِدُ الَّتِي حَظَرَهَا الشَّرْعُ مِنْ أَنْ تُنْتَهَكَ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ الَّتِي تُفْضِي إِلَيْهَا.
ب- الْمُوَاعَدَةُ عَلَى عَقْدِ الصَّرْفِ
9- أَمَّا الْمُوَاعَدَةُ عَلَى الصَّرْفِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَهُمْ:
أَحَدُهَا الْجَوَازُ.
وَثَانِيهَا الْمَنْعُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَثَالِثُهَا الْكَرَاهَةُ، وَشُهِرَتْ أَيْضًا نَظَرًا لِجَوَازِ الصَّرْفِ فِي الْحَالِ، وَشُبِّهَتْ بِعَقْدٍ فِيهِ تَأْخِيرٌ.
وَجَاءَ فِي شَرْحِ الْمَوَّاقِ عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ: وَأَمَّا الْمُوَاعَدَةُ عَلَى الصَّرْفِ فَتُكْرَهُ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَتَمَّ الصَّرْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُوَاعَدَةِ، لَمْ يُفْسَخْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: يُفْسَخُ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَجْهَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُوَاعَدَةِ عَلَى الصَّرْفِ فِي حُكْمٍ- حَيْثُ قِيلَ بِجَوَازِهَا وَبِكَرَاهَتِهَا إِلَى جَانِبِ الْقَوْلِ بِمَنْعِهَا- وَبَيْنَ الْمُوَاعَدَةِ عَلَى النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ وَعَلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَنَحْوِهِمَا، فَقَالَ: وَإِنَّمَا مُنِعَتْ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ إِبْرَامَ الْعَقْدِ مُحَرَّمٌ فِيهِمَا، فَجُعِلَتِ الْمُوَاعَدَةُ حَرِيمًا لَهُ، وَلَيْسَ إِبْرَامُ الْعَقْدِ فِي الصَّرْفِ بِمُحَرَّمٍ، فَتُجْعَلُ الْمُوَاعَدَةُ حَرِيمًا لَهُ.
ب وَتَعَرَّضَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لِلْمُوَاعَدَةِ فِي الصَّرْفِ فَقَالَ: إِذَا تَوَاعَدَ الرَّجُلَانِ الصَّرْفَ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلَانِ الْفِضَّةَ ثُمَّ يُقِرَّانِهَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَتَبَايَعَاهَا وَيَصْنَعَا بِهَا مَا شَاءَا.
G
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
29-الأضداد لابن الأنباري (جلل)
52 - وجَلَل من الأَضداد. يقال: جَلَل لليسير، وجلل للعظيم، قال لَبيد:«وَأَرَى أَرْبَدَ قد فارَقني *** وَمِنَ الأَرْزاءِ رزْءٌ وَجَلَلْ»
أَي عظيم. وقالَ نابغَة بَنِي شيبان:
«كُلُّ المُصيباتِ إنْ جَلَّتْ وإنْ عَظُمَتْ *** إِلاَّ المصيبةُ في دينِ الفَتى جَلَلُ»
«والشِّعْر شيءٌ يَهيمُ النَّاطقون بهِ *** منه غِناءٌ ومنه صادِقًا مَثَلُ»
أَراد كلّ المصيبات يَسيرة. وقالَ الآخر:
«كُلُّ رُزْءٍ كان عِنْدي جَلَلًا *** غَيْرَ ما جاَء به الرَّكْبُ ثنِيَ»
وقالَ عِمران بن حِطّان:
«يا خَوْلَ يا خَوْلَ لا يَطْمحْ بكَ الأَملُ *** فقَدْ يكذِّبُ ظنَّ الآملِ الأَجَلُ»
«يا خَوْلَ كيْفَ يَذوقُ الخفْضَ مُعْتَرِفٌ *** بالموْتِ والموتَ فيما بَعْدَهُ جَلَلُ»
وقالَ المثقَّب:
«كُلُّ رُزْءٍ كان عندي جَلَلًا *** غير كُرْسُفَّةَ مِنْ قِنْعَى قُطُرْ»
وقال الآخر:
«لقَتْلِ بَنِي أَسدٍ ربَّهُمْ *** أَلا كُلُّ شيءٍ سواهُ جَلَلُ»
وقال الآخر:
«فَلَئِنْ عَفَوْتُ لأَعْفُوَنْ جَلَلا *** ولئِنْ سَطَوْتُ لأُوهِنَنْ عَظْمِي»
أَرادَ: فلئن عفوت لأَعفونّ عفوًا عظيمًا. ويُرْوَى: لأَعْفُوَنْ جُلُلًا، فجُلُل جمع جَليل، يقال: أَمر جليل وجَلَل، وأُمورٌ جُلُل؛ قال الشَّاعر:
«رَسْمِ دارٍ وَقَفْتُ في طَلَلِهْ *** كِدْتُ أَقْضِي الحياةَ مِنْ جَلَلِهْ»
أَراد من عِظَمه عندي، ويقال: قد جلَّت المصيبة، إِذا عظمت؛ وإِلى هذا كان يذهب الأَصْمَعِيّ في البيت. وقالَ الكِسَائِيّ والفرَّاءُ: معنى قوله: من جَلَله من أَجله؛ يقال: فعلت هذا من أَجلك، ومن إِجلك، ومن إِجلاك، ومن جَلَلك، ومن جَلاَلِك، ومن جرَّاك، ومن جَرَّائك؛ بمعنًى، قال الشَّاعر:
«أَمِنْ جَرَّى بَنِي أَسَدٍ غَضِبْتُمْ *** ولو شئتمْ لكان لكمْ جِوارُ»
«ومِنْ جَرَّائِنَا صِرْتُم عَبيدًا *** لقومٍ بَعْدَما وُطِئ الخَبَارُ»
وقال الآخر:
«أُحبُّ السَّبْتْ مِنْ جَرَّاكِ حتَّى *** كأَنِّي يا سَلامَ من اليَهُودِ»
أَرادَ: من أَجلك.
الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م
30-الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي (3 أبو هريرة)
3 - أبو هريرة (*):اخْتُلِف في اسمه على نحوٍ من العشرين قولًا، أصحُّها أنه: عبد الرحمن ابن صخر، وقيل: عبد الرحمن بن غَنْم، وقيل: عبد شمس، وقيل: عبد نَهْم.
مُكْثِرٌ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لم يَرْوِ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد أكثر منه، روى عنه
الخَلْق الكثير، والجَمُّ الغفير، وأحاديثه ملأت الدنيا شرقًا وغربًا. وقد قال: "حَفِظْتُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وِعاءيْن. فأمَّا أحدهما: فبَثَثْتُه، وأما الآخر: فلو بَثَثْتُه، لَقُطع هذا البَلْعُوم".
وقال: "كُنْتُ امْرَأً مسكينًا، أَلْزَم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شِبَع بَطْني، وكان المهاجِرون يَشغلهم الصَّفْقُ بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَن يَبْسُط رِداءَهُ حتى أقْضِي مقالَتي، ثم يَقْبِضه إليه فلنْ يَنْسَى شيئًا سمِعَهُ مِني، فبَسَطْت بُرْدَةً عليَّ حَتى قضى حديثه، ثم قَبضتُها إليَّ، فوالذي نَفْسي بيده ما نَسِيْت بعدُ حديثًا سمِعْته منه ".
مات سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة تسعٍ وخَمسين.
ومناقبه كثيرةٌ وفضائِله غزيرةٌ، وعباداته مشهورةٌ، وعُلومُه وأحاديثه مسطورةٌ، يضيق هذا الموضع عنها. وترجمته مطولة في "طبقات ابن سعد" و"تاريخ ابن عساكر"، و"تاريخ الذهبي" وغير ذلك من الكتب المطولة.
فصل: في النِّساء
الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي-جمال الدين أبو المحاسن الحنبلي الدمشقي الصالحي المعروف بـ «ابن المبرد»-توفي: 909هـ/1503م
31-الغريبين في القرآن والحديث (فتح)
(فتح)قوله تعالى: {وعنده مفاتح الغيب} أي: خزائنه.
ومثله قوله تعالى: {ما إن مفاتحه} أي: خزائنه الواحد مفتح وواحد المفاتيح التي يفتح بها مفتاح ومفتح.
قوله تعالى: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} أي: اقضي، والفتاح: القاضي، يقال: بيني وبينك الفتاح، قيل ذلك؛ لأنه ينصر المظلوم على الظالم والفتح: النصر.
قوله تعالى: {واستفتحوا} أي: اسألوا النصر.
قوله تعالى: {متى هذا الفتح} أي: القضاء يعني: يوم القيامة ويوم يحكم الله بين خلقه.
قوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} أي: قضينا لك قضاءا مفعولا فيما اختار الله لك بين مهادنة أهل مكة، وموادعتهم عام الحديبية، والمفاتحة: المحاكمة.
وقال الفراء: الفتح يكون صلحا ويكون عنوة.
وقوله تعالى: {ففتحنا أبواب السماء} أي: فأجبنا الدعاء لك.
وفي الحديث: (ما سقى بالفتح فيه العشر) الفتح: الماء الذي يجري في الأنهار على وجه الأرض، يعني ما سقي بماء الأنهار.
وفي الحديث: (كان يستفتح بصعاليك المهاجرين) أي يستنصر بهم.
ومنه قوله: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} أي: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر.
وفي حديث أبي الدرداء: (من يأت بابا مغلقا يجد إلى جنبه بابا فتحا).
قال الأصمعي: هو الواسع ولم يذهب به إلى المفتوح ولكن إلى السعة وقال أبو عبيد: يعني بالباب الفتح الطلب إلى الله- عز وجل والمسألة.
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
32-المعجم الغني (قَضَّى)
قَضَّى- [قضي]، (فعل: رباعي. متعدٍّ)، قَضَّيْتُ، أُقَضِّي، قَضِّ، المصدر: تَقْضِيَةٌ.1- "قَضَّى حَاجَتَهُ": نَالَهَا، أَتَمَّهَا، قَضَاهَا.
2- "قَضَّى أَمْرًا": أَنْفَذَهُ، قَضَاهُ، أَمْضَاهُ.
3- "قَضَّاهُ الْمَلِكُ": جَعَلَهُ قَاضِيًا.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
33-المعجم الغني (قَضَى)
قَضَى- [قضي]، (فعل: ثلاثي. لازم ومتعدٍّ. مزيد بحرف). قَضَيْتُ، أَقْضِي، اِقْضِ، المصدر. قَضَاءٌ.1. "قَضَى غَرَضَهُ": نَالَهُ، أَتَمَّهُ، فَرَغَ مِنْهُ. "يَقْضِي حَاجَتَهُ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ".
2. "قَضَى اللَّهُ": أَمَرَ.
الإسراء آية 23وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ) قرآن).
3. "قَضَى الْوَقْتَ فِي اللَّعِبِ": اِسْتَغْرَقَ. "قَضَى اللَّيْلَ سَاهِرًا".
4. "قَضَى وَطَرَهُ": بَلَغَ مُرَادَهُ.
5. "قَضَى دِينَهُ وَاسْتَرَاحَ": وَفَّاهُ.
6. الأحزاب آية 23فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) قرآن): مَنْ مَاتَ، بَلَغَ أَجَلُهُ.
7. "قَضَى الرَّجُلُ الصَّلاَةَ": أَدَّاهَا. النساء [آية: 103] {إِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} (قرآن).
8. "قَضَى الْعَهْدَ": أَنْفَذَهُ.
9. "قَضَى الْهَدَفَ": أَرَادَهُ. مريم آية 35إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) قرآن): إِذَا أَرَادَ.
10. "قَضَى عَلَيْهِ قَضَاءً مُبْرَمًا": أَهْلَكَهُ، أَفْنَاهُ، قَتَلَهُ. "قَضَى عَلَى الْعَدُوِّ".
11. "ذَهَبَا إلَى الْقَاضِي لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمَا": لِيَفْصِلَ، لِيَحْكُمَ.
12. "قَضَى الأَمْرَ إِلَيْهِ": أَبْلَغَهُ.
13. "قَضَى عَلَيْهِ عَهْدًا": أَوْصَاهُ.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
34-المعجم الغني (وَدَّ)
وَدَّ- [ودد]، (فعل: ثلاثي. متعدٍّ)، وَدِدْتُ، أَوَدُّ، المصدر: وَدٌّ، وُدٌّ، وِدٌّ، وِدَادٌ، مَوَدَّةٌ.1- "وَدَّ صَاحِبَهُ": أَحَبَّهُ.
2- "وَدِدْتُ لَوْ أَقْضِي الصَّيْفَ فِي الْجَبَلِ": تَمَنَّيْتُ. "أَوَدُّ أَنْ يَسُودَ العَدْلُ بَيْنَ النَّاسِ".
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
35-طِلبة الطلبة (ربط)
(ربط):وَعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ لَأَنْ أَقْضِيَ يَوْمًا بِالْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ أُرَابِطَ سَنَةً الْمُرَابَطَةُ الْإِقَامَةُ بِالثَّغْرِ وَهِيَ رَبْطُ الْغَازِي فَرَسَهُ بِأَقْصَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْتَعِدًّا لِلْجِهَادِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ.
طلبة الطلبة-أبوحفص النسفي-توفي: 537هـ/1142م
36-تاج العروس (نوأ)
[نوأ]: نَاءَ بِحِمْله يَنُوءُ نَوْأً وتَنْوَاءً بفتح المُثنّاة الفوقية ممدودٌ على القياس: نَهَضَ مُطلقًا وقيل: نَهَضَ بِجَهْدٍ ومَشَقَّةِ قال الحارِثيُّ:فقلنا لهمْ تِلْكمْ إِذًا بعد كَرَّةٍ *** تُغادِرُ صَرعَى نَوؤُها مُتخاذِلُ
ويقال: ناءَ بالحِمْلِ إِذا نَهَضَ به مُثْقَلًا، وناءَ به الحِمْلُ إِذا أَثَقَلَهُ وأَمَالَه إِلى السقوط كَأنَاءَهُ مثل أَنَاعه، كما يقال: ذَهَبَ به وأَذْهَبه بمعنًى، والمرأَة تَنُوءُ بها عَجِيزَتُها؛ أَي تُثْقِلُهَا، وهي تَنُوءُ بِعَجِيزَتِهَا؛ أَي تَنْهض بها مُثْقَلَةً وقال تعالى {ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} أَي تُثْقِلهم، والمعنى أَنَّ مفاتِحَه تَنُوءُ بالعُصْبَةِ، أي تُمِيلُهم مِن ثِقْلِهَا، فإِذا أَدْخَلْت البَاءِ قُلْتَ تَنُوءُ بهم، وقال الفراءُ: لَتُنِيءُ بالعُصْبَةِ: تُثْقِلُها، وقال:
إِنِّي وَجَدِّك لَا أَقْضِي الغَرِيم وَإِنْ *** حَانَ القَضَاءُ وَمَا رَقَّتْ لَهُ كَبِدِي
إِلَّا عَصَا أَرْزَنٍ طَارَتْ بُرَايَتُهَا *** تَنُوءُ ضَرْبَتُهَا بِالكَفِّ والعَضُدِ
أَي تُثْقِلُ ضَرْبَتُها الكَفَّ والعَضُدَ.
وقيل: ناءَ فُلانٌ إِذا أُثْقِلَ فَسَقَط، فهو ضِدٌّ، صَرَّح به ابنُ المُكرَّم وغيرُه، وقد تَقدَّم في س وأَ قولهم ما ساءَك وَنَاءَك بإِلقاءِ الأَلف لأَنه متبع لساءَك، كما قالت العرب: أَكلْتُ طَعَامًا فَهَنَأَني وَمَرَأَني، ومعناه إِذا أُفْرِد: أَمْرَأَني. فحُذِف منه الأَلف لَمَّا أُتْبع ما ليس فيه الأَلف، ومعناه ما سَاءَك وأَنَاءَك. وقالوا: له عندي ما سَاءَهُ ونَاءَه. أَي أَثقله، وما يَسُوءُه وما يَنوُءُه، وإِنما قال ناءَهَ وهو لا يَتَعَدَّى لأَجل ساءَه، وَلِيَزْدَوِجَ الكلامُ، كذا في لسان العرب.
والنَّوْءُ: النَّجْم إِذا مَالَ للغرُوبِ وفي بعض النُّسخ: للمَغِيب الجمع: أَنْوَاءٌ ونُوآنٌ مِثل عَبْد وعُبْدان وبَطْنٍ وبُطْنَان، قال حسَّانُ بن ثابتٍ رضي الله عنه:
وَيَثْرِبُ تَعْلَم أَنَّا بِهَا *** إِذَا أَقْحَطَ الغَيْثُ نُوآنُهَا
أَو هو سُقوطُ النَّجْم من المَنَازِل في المَغْرِب مع الفَجْرِ وطُلُوعُ رَقِيبه وهو نجم آخَرَ يُقَابِلُه مِنْ سَاعَتِه في المَشْرِق في كل ليلةٍ إِلى ثلاثةَ عَشَرَ يومًا، وهكذا كلَّ نَجْمٍ مِنها إِلى انْقِضَاءِ السَّنة ما خلا الجَبْهَةَ فإِنَّ لها أَربعةَ عَشرَ يومًا، فَتَنْقضِي جميعُها مع انْقِضَاءِ السَّنةِ، وفي لسان العرب: وإِنما سُمِّي نَوْءًا لأَنه إِذا سَقط الغارِبُ ناءَ الطالِعُ، وذلكَ الطُّلوعُ هو النَّوْءُ، وبعضُهم يَجعلُ النَّوْءَ هو السُّقوط، كأَنه من الأَضدادِ، قال أَبو عُبيدٍ: ولم يُسْمع في النَّوْءِ أَنه السُّقوط إِلا في هذا الموضع، وكانت العربُ تُضِيفُ الأَمطارَ والرِّياحَ والحَرَّ والبَرْدَ إِلى الساقط منها. وقال الأَصمعيُّ: إِلى الطالعِ منها في سُلْطانِه، فتقول: مُطِرْنَا بِنَوْء كذا، وقال أَبو حَنيفةَ: نَوْءُ النجْمِ: هو أَوَّل سُقوطٍ يُدْرِكُه بالغَداةِ، إِذا هَمَّت الكواكبُ بالمُصُوحِ، وذلك في بَياض الفَجْر المُسْتَطِير.
وفي التهذيب: ناءَ النجْمُ يَنُوءُ نَوْءًا، إِذا سَقَط.
وقال أَبو عُبَيْدٍ: الأَنواءُ ثَمانِيَةٌ وعشرونَ نجمًا، واحدُها نَوْءٌ، وقد ناءَ الطالع بالمَشْرِق يَنُوءُ نَوْءًا؛ أَي نَهضَ وطَلَع، وذلك النُّهوضُ هو النَّوْءُ، فسُمِّيَ النجمُ به، وكذلك كلُّ ناهضٍ بِثِقَلٍ وإِبْطَاءٍ فإِنَّه يَنوءُ عند نُهُوضه، وقد يكون النَّوْءُ السُّقُوطَ، قال ذو الرُّمَّةِ:
تَنُوءُ بِأُخْرَاها فَلأْيًا قِيَامُها *** وَتَمْشِي الهُوَيْنَى عَنْ قَرِيبٍ فَتَبْهَرُ
أُخْراها: عَجِيزَتُها تَنِيئُها إِلى الأَرض لِضِخَمِهَا وكَثْرَة لَحْمِها في أردافها.
وقد نَاءَ النجمُ نَوْءًا واسْتَنَاءَ واستَنْأَى الأَخيرةُ على القَلْبِ قال:
يَجُرُّ وَيَسْتَنْئِي نَشَاصًا كَأَنَّهُ *** بِغَيْقَةَ لَمَّا جَلْجَلَ الصَّوْتَ حَالِبُ
قال أَبو حَنيفَةَ: اسْتَنَاءُوا الوَسْمِيَّ: نَظرُوا إِليه، وأَصلُه من النَّوْءِ، فقَدَّم الهمزةَ.
وفي لسان العرب: قال شَمِرٌ: ولا تَسْتَنِئُ العَربُ بالنُّجوم كلِّها، إِنما يُذْكَرُ بالأَنواءِ بعضُها، وهي معروفةٌ في أَشعارِهم وكلامِهم، وكان ابنُ الأَعرابيّ يقول: لا يكون نَوْءٌ حتى يَكون معه مَطَرٌ، وإِلا فلا نَوْءَ. قال أَبو منصورٍ: أَوَّل المَطَرِ الوَسْمِيُّ، وأَنْوَاؤُه العَرْقُوَتانِ المُؤَخَّرَتانِ، هما الفَرْغُ المُؤَخَّرُ، ثم الشَّرَطُ، ثم الثُّرَيَّا، ثم الشَّتَوِيّ، وأَنواؤُه الجَوْزَاءُ، ثم الذِّرَاعَانِ ونَثْرَتُهما، ثم الجَبْهَةُ، وهي آخر الشَّتَوِيّ وأَوَّلُ الدَّفَئِيِّ والصَّيْفِيِّ ثم الصَّيْفِيُّ، وأَنواؤُه السِّماكانِ الأَعزلُ والرَّقيبُ، وما بين السِّماكَيْن صَيْفٌ، وهو نَحْوُ أَربعينَ يومًا ثم الحَمِيمُ، وليس له نَوْءٌ، ثم الخَريفيُّ وأَنواؤُه النَّسْرَانِ، ثم الأَخضر، ثم عَرْقُوَتَا الدَّلْوِ الأُولَيَانِ، وهما الفَرْغُ المُقَدَّم، قال: وكُلُّ مَطَرٍ من الوَسْمِيِّ إِلى الدَّفَئِيِّ رَبِيعٌ.
وفي الحديث: «مَنْ قَالَ سُقِينَا بِالنَّجْمِ فقد آمَنَ بالنَّجْمِ وكَفَرَ بالله» قال الزجَّاجُ: فمن قال: مُطِرْنا بِنَوْءِ كذا وأَرادَ الوَقْتَ ولم يَقْصِدْ إِلى فِعْلِ النَّجْمِ فذلك ـ والله أَعلمُ ـ جائزٌ كما جاءَ عن عُمَر رضي الله عنه أَنّه اسْتَسْقَى بالمُصَلَّى ثم نادَى العَبَّاسَ: كم بَقِي مِنْ نَوْء الثُّرَيَّا؟ فقال: إِن العلماءَ بها يَزْعمونَ أَنها تَعْتَرِضُ في الأُفُقِ سَبْعًا بعد وُقُوعِها. فو اللهِ ما مَضَتْ تلك السَّبْعُ حتى غيثَ النَاسُ.
فإِنما أَراد عُمَرُ: كَمْ بَقِيَ من الوقْتِ الذي جَرَتْ به العادَةُ أَنه إِذا تَمَّ أَتى الله بالمَطَرِ؟ قال ابنُ الأَثير: أَمَّا مَن جَعلَ المطَرَ مِنْ فِعْلِ الله تعالى وأَراد: مُطِرْنا بِنَوْءِ كذا؛ أَي في وقت كذا وهو هذا النَّوْءُ الفلانيّ، فإِن ذلك جائزٌ؛ أَي أَن الله تعالى قد أَجْرَى العادَةَ أَنْ يَأْتِيَ المَطرُ في هذه الأَوْقَاتِ. ومثلُ ذلك رُوِي عن أَبي منصور.
وفي بعض نُسخ الإِصلاح لابن السّكِّيت: ما بِالْبَادِيَةِ أَنْوَأُ منه؛ أَي أَعْلَمُ بِالأَنْوَاءِ منه ولا فِعْلَ له. وهذا أَحدُ ما جاءَ من هذا الضَّرْبِ من غير أَن يكون له فُعْلٌ وإِنما هو كَأَحْنَكِ الشَّاتَيْنِ وأَحْنَك البَعِيرَيْنِ، على الشُّذوذ؛ أَي مِن بَابِهما؛ أَي أَعْظَمُهما حَنَكًا. ووجْهُ الشُّذوذِ أَنَّ شَرْطَ أَفْعَل التفضيلِ أَن لا يُبْنى إِلَّا مِنْ فِعْلٍ وقد ذكر ابن هشامٍ له نَظائِرَ، قاله شيخُنا. ونَاءَ بصَدْرِه: نهض. وناءَ إِذا بَعُدَ، كَنَأَى، مَقْلوبٌ منه، صرَّح به كثيرون، أَو لُغة فيه، أَنشد يَعقوبُ:
أَقول وقَدْ نَاءَتْ بهم غُرْبَةُ النَّوَى *** نَوًى خَيْتَعُورٌ لا تَشُطُّ دِيَارُكِ
وقال ابن بَرِّيّ: وقَرَأَ ابنُ عَامِرٍ أَعْرَضَ وَنَاءَ بِجَانِبِهِ على القلب. وأَنشد هذا البيت، واستشْهَد الجوهريُّ في هذا الموضع بقَوْلِ سَهْمِ بن حَنْظَلَةَ:
مَنْ إِنْ رَآكَ غَنِيًّا لانَ جَانِبُهُ *** وَإِنْ رَآكَ فَقِيرًا ناءَ وَاغْتَربَا
قال ابنُ المُكَرَّم: ورأَيت بخَطِّ الشيخ الصَّلاح المُحَدِّث رحمه الله أَن الذي أَنشده الأَصمعيُّ ليس على هذه الصُّورةِ، وإنما هو:
إذَا افْتَقَرْتَ نَأَى وَاشْتَدَّ جَانِبُهُ *** وَإنْ رَآكَ غَنِيًّا لَانَ وَاقْتَرَبَا
وناءَ الشيْءُ واللَّحْمُ يَنَاءُ أَي كيَخاف، والذي في النهاية والصّحاح والمِصباح ولسان العرب يَنِيءُ مثل يَبِيع، نَيْئًا مثل بَيْعٍ فهو نِيءٌ بالكسر مثل نِيعٍ بَيِّنُ النُّيُوءِ بوزن النُّيوعِ والنُّيُوأَةِ وكذلك نَهِئَ اللحمُ وهو بَيِّن النُّهُوءِ أَي لم يَنْضَجْ أَو لم تَمَسَّه نارٌ، كذا قاله ابن المُكَرَّم، هذا هو الأَصل، وقيل إِنها يَائِيَّةٌ أَي يُتْرَكُ الهمزُ ويُقْلَب يَاءً، فيقال نِيٌّ، مُشَدَّدًا، قال أَبو ذُؤَيْب:
عُقَارٌ كَمَاءِ النِّيِّ لَيْسَتْ بِخَمْطَةٍ *** وَلَا خَلَّةٍ يَكْوِي الشُّرُوبَ شِهَابُهَا
شِهابُها: نارُها وحِدَّتُها وذِكْرُها هُنَا وَهَمٌ للجوهريّ قال شيخُنا: لا وَهَم للجوهري، لأَنه صَرَّح عياضٌ وابنُ الأَثير والفَيُّومي وابنُ القَطَّاع وغيرُهم بأَن اللام همزةٌ، وجَزَموا به ولم يذكروا غيره، ومثلُه في عامّة المُصَنَّفات، وإِن أُريد أَنه يَائِيَّة العَيْنِ فلا وَهَم أَيضًا لأَنه إِنما ذكره بعد الفراغ من مادَّة الواو. قلت: وهو صَنيع ابنِ المُكَرَّم في لسان العرب.
واسْتَنَاءَهُ: طَلَبَ نَوْأَهُ كما يقال سام بَرْقَه أَي عَطَاءَه وقال أَبو منصور: الذي يُطْلَب رِفْدُه، ومنه المُسْتَنَاءُ بمعنى المُسْتَعْطَى الذي يُطلَب عَطاؤُه، قال ابنُ أَحمر:
الفَاضِلُ العَادِلُ الهَادِي نَقِيبَتُهُ *** والمُسْتَنَاءُ إِذا مَا يَقْحَط المَطَرُ
ونَاوَأَه مُنَاوَأَةً وَنِوَاءً ككِتاب: فَاخَرَه وعَادَاه يقال: إِذا نَاوَأْتَ الرِّجالَ فَاصْبِرْ، ورُبَّما لم يُهْمَز وأَصلُه الهمز، لأَنه من نَاءَ إِليك ونُؤْتَ إِليه؛ أَي نَهَض إِليك ونَهَضْتَ إِليه، قال الشاعر:
إِذَا أَنْتَ نَاوَأْتَ الرِّجالَ فَلَمْ تَنُؤْ *** بِقَرْنَيْنِ غَرَّتْكَ القُرُونُ الكَوامِلُ
وَلَا يَسْتَوِي قَرْنُ النِّطَاحِ الَّذِي بِهِ *** تَنوءُ وَقَرْنٌ كُلَّمَا نُؤْتَ مَائِل
والنِّوَاءُ والمُناوأَةُ: المُعَاداة، وفي الحديث في الخيل «ورَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لأَهْلِ الإِسلام»: أَي مُعادَاةً لهم، وفي حديث آخر: «لا تزالُ طَائِفةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ» أَي نَاهَضَهم وعادَاهم. ونقل شيخنا عن النهاية أَنه من النَّوَى، بالقصر، وهو البُعْد وحكى عياض فيه الفتح والقصر، والمعروف أَنه مهموز، وعليه اقتصر أَبو العَباس في الفصيح وغيرُه ونقل أَيضًا عن ابن درستويه أَنه خَطَّأَ مَنْ فَسَّر نَاوَيْت بِعَادَيْت، وقال: إِنما معناه مَانَعْت وغَالَبْت، وطَالَبْت، ومنه قيل للجارِيةِ المُمْتَلِئةِ اللَّحِيمَةِ إِذا نَهَضَت قد نَأَت وأَجاب عنه شيخُنا بما هو مذكورٌ في الشرح.
والنَّوْءُ: النَّبات، يقال: جَفَّ النَّوْءُ؛ أَي البَقْلُ، نقله ابنُ قتَيْبة في مُشْكِل القرآن وقال: هو مستعارٌ، لأَنَّه من النَّوْءِ يكون.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
37-تاج العروس (ثرب)
[ثرب]: الثَّرْبُ: شَحْمٌ رَقيقٌ يُغَشِّي الكَرِشَ والأَمْعَاءَ وقيلَ: هُوَ الشَّحْمُ المَبْسُوطَةُ عَلَى الأَمْعَاءِ والمَصَارِينِ، وفي الحَدِيث: «إِنَّ المُنَافِقَ يُؤَخِّرُ العَصْرَ حَتَّى إِذا صَارَتِ الشَّمْسُ كَثَرْبِ البَقَرَةِ صَلَّاهَا» الجمع: ثُرُوبٌ، بالضَّمِّ في الكَثْرَة، وأَثْرُبٌ كأَيْنُقٍ، في القِلَّةِ، وأَثَارِبُ جمع الجمع: أَيْ جَمْعُ الجَمْعِ، وفي الحَديث: «نَهَى عَن الصَّلَاة إِذَا صَارَت الشَّمْسُ كَالأَثَارِب»، أَيْ إِذَا تَفَرَّقَتْ وخَصَّتْ مَوْضعًا دُونَ مَوْضعٍ عندَ المَغيب، شَبَّهَهَا بالثُّرُوب، وهي الشَّحْمُ الرَّقيقُ الذي يُغشِّي الكَرِشَ والأَمْعَاءَ.والثَّرَبَاتُ، مُحَرَّكَةً: الأَصَابِعُ وتَقَدَّم له في ت ر ب: والتَّرِبَاتُ بكَسْرِ الرَّاءِ الأَنَاملُ، فتأَملْ.
والتَّثْرِيبُ، كالتَّأْنِيب والتَّعْيِيرِ والاسْتِقْصَاءِ في اللَّوْم وثَرَبَهُ يَثْرِبُهُ منْ بَاب ضَرَبَ وَثَرَّبَهُ، مُشَدَّدًا، وكَذَا ثَرَّبَ عَلَيْه وأَثْرَبَهُ، إِذَا وبَّخَهُ ولَامَه وعَيَّرَه بذَنْبِه وذَكَّره بِهِ. والثَّارِبُ: المُوَبِّخُ قَالَ نُصَيبٌ:
إِنِّي لأَكْرَهُ مَا كَرِهْتَ مِنَ الَّذِي *** يُؤْذِيكَ سُوءَ ثَنَائِهِ لَمْ يَثْرِبِ
والمُثْرِبُ، كَمُحْسِنٍ: القَلِيلُ العَطَاءِ وهُوَ الَّذِي يَمُنُّ بِمَا أَعْطَى، قَالَ نُصَيْبٌ:
أَلَا لَا يَغُرَّنَّ امْرأً مِنْ تِلَادِهِ *** سَوَامُ أَخٍ دَانِي الوَسِيطَةِ مُثْرِبِ
وَثَرَّبْتُ عَلَيْهِم وَعَرَّبْتُ عَلَيْهِم بِمَعْنًى: إِذَا قَبَّحْتَ عَلَيْهم فِعْلَهُم. والمُثَرِّبُ، بالتَّشْدِيدِ: المُعَيِّرُ، وقِيلَ: المُخَلِّطُ المُفْسِدُ، والتَّثْرِيبُ: الإِفْسَادُ والتَّخْلِيطُ، وفي التَّنْزِيل العَزِيزِ: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ لَا إِفْسَادَ عليكم، وقال ثَعْلبٌ: معناهُ: لَا تُذْكَرُ ذُنُوبُكُم، وفي الحَدِيثِ: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَضْرِبْهَا الحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ» قالَ الأَزْهَرِيُّ مَعْنَاهُ: وَلَا يُبَكِّتْهَا وَلَا يُقَرِّعْهَا بَعْدَ الضَّرْبِ، والتَّقْرِيعُ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ فِي وَجْهِ الرَّجُلِ عَيْبَهُ، فَيَقُولَ فَعَلْتَ كَذَا وكَذَا، والتَّبْكِيتُ قَرِيبٌ مِنْهُ، وقَالَ ابنُ الأَثِيرِ: لَا يُوَبِّخْهَا وَلَا يُقَرِّعْهَا بالزِّنَا بَعْدَ الضَّرْبِ، وقِيلَ: أَرَادَ: لَا يَقْنَعْ فِي عُقُوبَتِهَا بالتَّثْرِيبِ بَلْ يَضْرِبْها الحَدَّ، فَأَمَرَهُمْ بِحَدِّ الإِمَاءِ كَمَا أَمَرَهُمْ بِحَدِّ الحَرَائِرِ.
وثَرَبَ المَرِيضَ مِنْ حَدِّ ضَرَبَ يَثْرِبُهُ: نَزَعَ عَنْهُ ثَوْبَهُ.
وثَرِبٌ كَكَتِفٍ وضَبَطَه الصاغانيّ بفَتْحٍ فَسُكُونٍ: رَكِيَّةٌ أَيْ بِئْرٌ لمُحَاربٍ، قَبِيلَةٍ، ورُبَّما وَرَدَهَا الحَاجُّ، وهي مِنْ أَرْدَإِ المِيَاهِ، وفي اللسان: الثَّرْبُ بفَتْحٍ فَسُكُونٍ: أَرْضٌ حِجَارَتُهَا حِجَارَةُ الحَرَّةِ إِلَّا أَنَّهَا بِيضٌ.
وثَرَبَانُ مُحَرَّكَةً: حِصْنٌ مِنْ أَعْمَالِ صَنْعَاءَ باليَمَنِ، كَذَا في المَرَاصِدِ.
وثَرِبَان بكَسْرِ الرَّاءِ: جَبَلَانِ فِي ديَار بَني سُلَيْم ذَكَره شَيْخُنَا.
وأَثْرَبَ الكَبْشُ: صَارَ ذَا ثَرْب، وذلِك إِذَا زَادَ شَحْمُهُ فَهُوَ أَثْرَبُ. وشَاةٌ ثَرْبَاءُ: عَظِيمَةُ الثَّرْبِ، أَيْ سَمينَة.
وأَثَاربُ: قرية بِحَلَبَ قالَ في المعجم: كَأَنَّهُ جَمْعُ أَثْرُب: مِنَ الثَّرْب وهو الشَّحْمُ، لمَّا سُمِّي به جُمِعَ جَمْعَ مَحْضِ الأَسْمَاءِ، كما قال:
فَيَا عَبْدَ عَمْرٍو لَوْ نَهَيْتَ الأَخَاوِصَا
وهي قَرْيَةٌ معروفة بين حَلَبَ وأَنْطَاكِيَّةَ، بينها وبين حَلَبَ نحوُ ثلاثةِ فراسخَ، يُنْسَبُ إِليها أَبُو المَعَالي مُحَمَّدُ بنُ هَيَّاج بن مُبَادِرِ بنِ عليٍّ الأَثَارِبيُّ الأَنْصَارِيّ، وهذه القَلْعَةُ الآنَ خَرَابٌ، وتَحْتَ جَبَلِهَا قَرْيَة تُسَمَّى بِاسْمَهَا فيُقَالُ لها: الأَثَارِبُ، وفيها يَقُولُ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرِ بنِ صَغيرٍ القَيْسَرَانِيُّ.
عَرِّجَا بِالأَثَارِبِ *** كَيْ أُقَضِّي مَآرِبِي
وَاسْرِقَا نَوْمَ مُقْلَتِي *** مِنْ جُفُونِ الكَوَاعِبِ
وَاعْجَبَا مِنْ ضَلَالَتِي *** بَيْنَ عَيْنٍ وحَاجِبِ
وقَرَأْتُ في تَارِيخ حَلَبَ للأَدِيبِ العَالِمِ المُحَدِّثِ ابنِ العَدِيمِ: الأَثَاربُ منْهَا أَبُو الفَوَارِس حَمْدَانُ بنُ أَبِي المُوفَّقِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بنِ حَمْدَانَ التَّمِيمِيُّ الأَثَارِبيُّ، وذكَر له تَرْجَمَةً وَاسِعَةً، وكانَ طَبِيبًا مَاهِرًا، وسيأْتي ذكْره في مَعْرَاثا.
ويَثْرِبُ كيَضْرِب وأَثْرِبُ، بإِبْدَالِ اليَاءِ هَمْزَةً لُغَةٌ في يَثْرِبَ، كذَا في معجم البلدان: اسْمٌ للنَّاحِيَة التي منها المَدِينَةُ وقِيلَ للنَّاحِيَة مِنها، وقيل: هي مَدِينَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سُمِّيَتْ بأَوَّلِ مَنْ سَكَنَهَا مِنْ وَلَدِ سَامِ بنِ نُوحٍ، وقِيلَ باسْمِ رَجُلٍ من العَمَالِقَةِ وقيلَ: هو اسْمُ أَرْضِهَا، ورُوِيَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقَالَ لِلْمَدِينَةِ يَثْربُ وسَمَّاهَا طَيْبَة وطَابَةَ، كأَنَّهُ كَرِهَ الثَّرْب، لِأَنَّهُ فَسَادٌ في كَلَام العَرَبِ، قال ابنُ الأَثير: يَثْرِبُ: اسْمُ مَدِينَةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قديمة، فغَيَّرَهَا وسَمَّاهَا طَيْبَةَ وطَابَةَ، كَرَاهِيَةَ التَّثْرِيب وهُوَ اللَّوْمُ والتَّعْيِيرُ، قال شيخُنَا: ونَقَل شُرَّاحُ المَوَاهِبِ أَنه كانَ سُكَّانُها العَمَالِيق، ثُمَّ طَائِفَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثم نَزَلَهَا الأَوْسُ والخَزْرَجُ لَمَّا تَفَرَّقَ أَهْل سَبَإِ بسَيْلِ العَرِم وهُوَ يَثْرِبيٌّ وأَثْرِبِيٌّ بفَتْحِ الرَّاءِ وكَسْرهَا فِيهِمَا، في لِسَانِ العَرَبِ: فَفَتَحُوا الرَّاءَ اسْتِثْقَالًا لِتَوَالِي الكَسَرَاتِ، أَيْ فالقِيَاسُ الفَتْحُ مُطْلَقًا، ولذلك اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ عليه نقْلًا عن الفَرَّاءِ، قَاله شَيْخُنَا، قُلْتُ، وَوَجْهُ الكَسْرِ مُجَارَاةٌ عَلَى اللَّفْظِ.
واسْمُ أَبِي رِمْثَةَ بكَسْرِ الرَّاءِ البَلَوِيِّ ويُقَالُ: التَّميمِيّ: ويُقَالُ: التَّيْمِيَّ مِن تَيْم الرِّبَابِ يَثْرِبِيُّ بنُ عَوْفٍ، وقيلَ: عُمَارَةُ بنُ يَثْرِبِيّ، وقيل غير ذلك، له صُحْبَةٌ، رَوَى عنه إِيَادُ بنُ لَقِيطٍ، أَوْ هو رِفَاعَةُ بنُ يَثْرِبيٍّ وقَالَ التَّرْمِذِيُّ: اسْمُه: حَبِيبُ بنُ وَهْبِ.
وعَمْرُو بنُ يَثْرَبِيٍّ صَحَابِيٌّ الضَّمْرِيُّ الحِجَازِيُّ أَسْلَمَ عَامَ الفَتْحِ وله حدِيثٌ في مسند أَحْمَدَ، ولِيَ قَضَاءَ البَصْرَةِ لِعُثْمَانَ، كذا في «المعجم» وعَمِيرَة بنُ يَثْرِبيٍّ تَابِعِيٌّ.
وَيَثْرِبِيُّ بنُ سِنَانِ بنِ عُمَيْرِ بنِ مُقَاعسٍ التَّمِيمِيُّ جَدُّ سُلَيْكِ بنِ سُلَكَةَ.
والتَّثْرِيبُ: الطَّيُّ، وهو البِنَاءُ بالحِجَارَةِ، وأَنَا أَخْشَى أَنَّهُ مُصَحَّفٌ منَ التَّثْوِيبِ، بِالواو، كما يأْتي.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
38-تاج العروس (جوب)
[جوب]: الجَوْبُ: الخَرْقُ والنَّقْبُ كالاجْتِيَابِ جَابَ الشيءَ جَوْبًا واجْتَابَه: خَرَقَه، وكُلُّ مُجَوَّفٍ قَطَعْتَ وَسَطَه فَقَدْ جُبْتَهُ، وجَابَ الصَّخْرَةَ جَوْبًا: نَقَبَها، وفي التنزيل العزيز: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ} قال الفراءُ: جَابُوا: خَرَقُوا الصَّخْرَ فاتَّخَدُوهُ بُيُوتًا ونحوَ ذلك، قال الزجّاج: واعتبره بقوله {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتًا} فَرِهِينَ والجَوْبُ: القَطْعُ جَابَ يَجُوبُ جَوْبًا قَطَعَ وخَرَقَ، وجَابَ النَّعْلَ جَوْبًا: قَدَّهَا، والمِجْوَبُ: الذي يُجَابُ به، وهي حَدِيدَةٌ يُجَابُ بها أَي يُقْطَعُ، وجَابَ المَفَازَةَ والظُّلْمَةَ جَوْبًا واجْتَابَهَا: قَطَعَهَا، وجَابَ البِلَادَ يَجُوبُهَا جَوْبًا: قَطَعهَا سَيْرًا، وجُبْتُ البِلَادَ واجْتَبْتُهَا: قَطَعْتُهَا، وجُبْتُ البِلَادَ أَجُوبُهَا وَأَجِيبُهَا [إِذا قطعتها] وفي حديث خَيْفَانَ «وأَمَّا هَذَا الحَيُّ مِن أَنْمَارٍ فَجَوْبُ أَبٍ وَأَوْلَادُ عَلَّةٍ» أَي أَنَّهُم [جيبوا] من أَبٍ واحدٍ وقُطِعُوا منه، وفي لسان العرب: الجَوْبُ: قَطْعُكَ الشيءَ كما يُجابُ الجَيْبُ، يقال: جَيْبٌ مَجُوبٌ ومُجَوَّبٌ، وكُلُّ مُجوَّف وَسَطُه فَهُو مُجوَّبٌ، وفي حديث أَبِي بكرٍ رضي الله عنه «قَالَ لِلأَنْصارِ يوْم السَّقِيفَةِ: وإِنَّما جِيبَتِ العربُ عنَّا كَمَا جِيبَتِ الرَّحا عنْ قُطْبِها» أَي خُرِقَتِ العربُ عنَّا فكُنَّا وَسَطًا وكانتِ العربُ حَوَالَيْنَا كالرَّحا وقُطْبِهَا الذي تَدْورُ عليه.والجَوْبُ: الدَّلْوُ العظِيمةُ وفي بعض النسخِ: الضَّخْمةُ، حُكِي ذلك عن كراع.
والجَوْبُ كالبَقِيرةِ وقيل: هو دِرْعٌ لِلْمرْأَةِ تَلْبَسُهَا.
والجَوْبُ والجَوْبةُ: التُّرْسُ وجمْعُه أَجْوَابٌ كالمِجْوَبِ كمِنْبَرٍ قال لَبيد:
فَأَجَازَنِي مِنْهُ بترسٍ نَاطِقٍ *** وبِكُلِّ أَطْلَسَ جَوْبُهُ فِي المَنْكِبِ
يَعْنِي بِكُلِّ حَبَشِيٍّ جَوْبُهُ في مَنْكِبَيْهِ، وفي حديث غَزْوةِ أُحُدٍ «وأَبُو طَلْحَةَ مُجَوِّبٌ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِحَجَفَةٍ» أَيْ مُتَرِّس علَيْه يقِيهِ بِهَا.
والجَوْبُ: الكَانُونُ قال أَبُو نَخْلَةَ: كالجَوْبِ أَذْكَى جَمْرَهُ الصَّنَوْبَرُ.
ويقال: فُلَانٌ فيه جَوْبانِ مِنْ خُلُقٍ أَي ضَرْبانِ، لا يَثْبُتُ على خُلُقٍ واحدٍ، قال ذو الرمة:
جَوْبَيْنِ مِنْ هَمَاهِمِ الأَغْوَالِ
أَي تَسْمُعُ ضَرْبَيْنِ من أَصْواتِ الغِيلانِ، والجُوَبُ: الفُرُوجُ، لِأَنَّهَا تُقْطَعُ مُتَّصِلًا، والجَوْبُ: فَجْوَةُ ما بيْنَ البُيُوتِ.
والجَوْبُ اسْمُ رجُلٍ وهو جَوْبُ بنُ شِهابِ بنِ مالكِ بنِ مُعاوِيَةَ بنِ صَعْبِ بنِ دَوْمان بْنِ بَكِيل.
والجَوْبُ: موضع، وقَبِيلَةٌ من الأَكْرادِ، ويقال لهم: التَّوْبيّة أَيضًا، منها: أَبُو عِمْرانَ مُوسى بنُ مُحمَّدِ بنِ سعِيدٍ الجَوْبِيُّ، كَتَب عنه السِّلَفِيّ في معجم السَّفر بدِمشْقَ، قال أَبُو حامِدٍ، وله اسْمانِ وكُنْيتانِ: أَبُو عِمْرانَ مُوسى، وأَبُو مُحمَّدٍ عبْدُ الرَّحْمنِ.
وشِهابُ الدِّينِ مُحمَّدُ بنُ أَحمد بنِ خَليلٍ الجَوْبِيُّ، وُلِد في رجب سنة 636 ورحلَ إِلى بغدادَ وخُراسانَ، وأَخَذ عن القُطْبِ الرَّازِيِّ وغيرِه، وروَى عن ابنِ الحاجِبِ وابنِ الصَّابُونِيِّ، وتَولَّى القَضَاءَ بالقاهرةِ ثم القُدْسِ ثم دِمشقَ وتُوُفِّي سنة 693 كذا قاله عليُّ بنُ عبد القادر الطُّوخِيُّ في تاريخ قُضَاةِ مِصْرَ.
وفي أَسماء الله تعالى المُجِيبُ، وهو الذي يُقَابِلُ الدعاءَ والسُّؤَالَ بالعطَاءِ والقَبُولِ، سبحانه وتعالى، وهو اسمُ فاعلٍ من أَجاب يُجِيب، قال الله تعالى {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} أَي فَلْيُجِيبُونِي، وقال الفراءُ يقال: إِنَّها التَّلْبِيَةُ، والمصْدرُ: الإِجابةُ، والاسْمُ الجَابَةُ بمَنْزِلَةِ الطَّاعةِ والطَّاقَةِ.
والإِجابُ والإِجابَةُ مصْدرانِ والاسمُ من ذلك الجَابَةُ كالطَّاعةِ والطَّاقَةِ والمَجُوبةُ بضم الجيم، وهذه عن ابن جِنّي ويقالُ: إِنَّهُ لَحَسَنُ الجِيبَةُ، بالكَسْرِ كلُّ ذلكَ بمعنى الجَوَاب.
والإِجَابَةُ: رَجْعُ الكَلَامِ، تقولُ: أَجَابَ عن سُؤَالِهِ. وفي أَمْثَالِ العَرَبِ أَساءَ سَمْعًا فَأَسَاءَ إِجَابةً هكذا في النسخِ التي بأَيدِينا لا يُقَالُ فيه غَيْرُ ذلكَ وفي نسخة الصحاح جَابَة بغير همْزٍ، ثم قال: وهكذا يُتَكَلَّم به، لأَنَّ الأَمْثَالَ تُحْكَى علَى مَوْضُوعَاتِهَا، وفي الأَمثال للميدانيّ روايةٌ أُخْرَى وهي «ساءَ سَمْعًا فأَساءَ إِجَابةً»، وأَصلُ هذا المثَلِ علَى ما ذَكَر الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ أَنَّه كان لسَهْلِ بنِ عمْرٍو ابنٌ مَضْفوف فقالَ له إِنْسَانٌ: أَيْنَ أَمُّكَ؟ أَي أَيْنَ قَصْدُكَ، فَظَنَّ أَنَّه يقولُ لَهُ: أَيْنَ أَمُّكَ، فقال: ذَهَبَتْ تَشْتَرِي دَقِيقًا، فقالَ أَبُوه: «أَسَاءَ سَمْعًا فَأَسَاءَ جَابةً» وقال كُراع: الجَابةُ: مصْدرٌ كالإِجابةِ، قال أَبو الهَيْثَم: جابةٌ اسْمٌ يقُومُ مَقَام المصْدرِ، وقد تَقَدَّم بيَانُ ذلك في س اء فَرَاجعْ.
والجَوْبَةُ: شِبْهُ رَهْوَةٍ تكونُ بينَ ظَهْرانَيْ دُور القَوْم يسِيلُ فيها ماءُ المَطَرِ، وكُلُّ مُنْفَتِقٍ مُتَّسعٍ فهي جَوْبةٌ، وفي حديث الاسْتِسْقَاءِ «حَتَّى صارتِ المدِينَةُ مِثْلَ الجَوْبَةِ» قال في التهذيب: هِي الحُفْرَةُ المُسْتَدِيرةُ الواسِعةُ، وكلُّ مُنْفَتِقٍ بلا بِنَاءٍ جَوْبَةٌ؛ أَي حتى صار الغَيْمُ والسَّحَابُ مُحِيطًا بآفاقِ المدينة، والجَوْبةُ: الفُرْجَةُ في السَّحَابِ وفي الجِبالِ، وانْجَابَتِ السَّحَابَةُ: انْكَشَفَتْ، وقال العجاج:
حتَّى إِذا ضَوْءُ القُمَيْرِ جَوَّبَا *** لَيْلًا كأَثْنَاءِ السُّدُوسِ غَيْهَبَا
أَي نَوَّر وكَشَفَ وجَلَّى، وفي الحديث «وانْجابَ السَّحَابُ عن المَدِينَةِ حتى صار كالإِكْلِيلِ» أَيِ انْجَمَعَ وتَقَبَّضَ بعضُه إِلى بَعْضٍ وانْكَشَفَ عنها. وقال أَبُو حنِيفَةَ: الجَوْبةُ مِنَ الأَرْضِ: الدَّارَةُ وهي المكَانُ المُنْجابُ الوطِيءُ منَ الأَرْضِ القَلِيلُ الشَّجرِ، مِثْلُ الغَائِطِ المُسْتَدِيرِ، لا يكونُ في رَمْلٍ ولا حَبْلٍ إِنما يكونُ في جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ ورَحْبِهَا، سُمِّي جَوْبةً لانْجِيَابِ الشَّجرِ عنها والجَوْبَةُ كالجَوْبِ: فَجْوَةُ ما بَيْنَ البُيُوتِ وموْضِعٌ يَنْجابُ في الحَرَّةِ و الجَوْبَةُ: فَضَاءٌ أَمْلَسُ سَهْلٌ بيْنَ أَرْضَيْنِ، الجمع: جَوْبَاتٌ، جُوَبٌ كَصُرَدٍ، وهذَا الأَخِيرُ نَادِرٌ.
قال سيبويهِ: أَجَابَ من الأَفْعَالِ التي اسْتُغْنِيَ فيها بِمَا أَفْعَلَ فِعْلَه، وهُوَ أَفْعَلُ فِعْلًا عمَّا أَفْعَلَهُ، وعنْ: هُو أَفْعَلُ مِنْكَ، فَيقُولُونَ: ما أَجْوَدَ جوابَهُ، وهُو أَجْوَدُ جَوابًا، ولَا يُقَالُ: ما أَجْوَبَه، ولا هُو أَجْوَبُ مِنْكَ، وكذلكَ يقُولُونَ: أَجْوِدْ بِجوابِهِ، ولَا يُقَالُ: أَجْوِبْ [به] وأَمَّا ما جاءَ في حديث ابْنِ عُمر «أَنَّ رجُلًا قَالَ يا رسُولَ اللهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَجْوَبُ دَعْوةً فَقَال جَوْفُ اللَّيْلِ الغَابِرِ» فإِنَّه إِمَّا [أَن يكون] مِن جُبْتُ الأَرْضَ إِذا قَطَعْتَهَا بالسَّيْر عَلَى معْنَى: أَمْضَى دَعْوَةً وأَنْفَذَ إِلى مظَانِّ الإِجابةِ أَو من جابَتِ الدَّعْوَةُ بوزن فَعُلَتْ بالضَّمِّ كطَالَتْ؛ أَي صارت مُسْتَجَابةً، كقولهم في فَقِيرٍ وشَدِيد كأَنهما من فَقُر وشَدُد، وحُكي ذلك عن الزمخشريِّ، وليس ذلك بمُسْتَعْمَلٍ أَوْ أَنَّ أَجْوَب بمعنى أَسْرَع إِجابةً، كما يقال: أَطْوَعُ من الطَّاعةِ، عزَاهُ في المحكم إِلى شَمِرٍ، قال: وهُو عِنْدِي مِنْ بابِ أَعْطَى لِفَارِهةٍ {وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ} وما جاءَ مثلُه، وهذا على المجازِ، لأَن الإِجابةَ ليست لِلَّيْلِ، إِنَّمَا هي للهِ تَعَالَى فيهِ، فمعْنَاهُ: أَيُّ اللَّيْلِ اللهُ أَسْرَعُ إِجابةً فيهِ مِنْهُ في غَيْرِه، وما زَاد على الفِعْلِ الثُّلَاثِيّ لَا يُبْنَى منه أَفْعَلُ مِنْ كَذَا إِلَّا في أَحْرُفٍ جاءَتْ شَاذَّةً، كذا في لسان العرب، ونُقِلَ عن الفراءِ: قِيلَ لِأَعْرابيٍّ: يا مُصابُ، فَقَالَ: أَنْتَ أَصْوَبُ مِنِّي، والأَصْلُ: الإِصابةُ مِنْ صَاب يَصُوبُ إِذا قَصَد.
والجوائِبُ: الأَخْبارُ الطَّارِئَةُ لِأَنَّهَا تَجُوبُ البِلَاد وقَوْلُهُمْ: هلْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبرٍ هَلْ مِنْ جائِبةِ خبرٍ أَي طَريفَةٍ خَارِقَةٍ أَو خَبرٍ يجُوبُ الأَرْضَ من بلَدٍ إِلى بلَدٍ، حكاه ثعلبٌ بالإِضافة قال الشاعر:
يَتَنَازَعُونَ جوائِب الأَمْثَالِ
يعْنِي سوائِرَ تَجُوبُ البِلَادَ
وجَابَةُ المِدْرَى من الظِّباءِ بلا همْزٍ، وفي بعض النسخ الجَابةُ المِدْرَى لُغَةٌ في جَأْبتِه أَي المِدْرَى بالهمْزِ أَي حِينَ جابَ قَرْنُهَا؛ أَي قَطَع اللَّحْمَ وطَلَع، وقِيلَ: هي الملْساءُ اللَّيِّنَةُ القُرُونِ، فإِن كان كذلك ليس لها اشتقاقٌ، وفي التهذيب عن أَبي عبيدةَ: جَابةُ المِدْرَى مِن الظِّباء، غيرُ مهموزٍ: حين طَلَعَ قَرْنُه، وعن شَمِرٍ: جَابةُ المِدْرَي [أَي جائبتُه] حينَ جابَ قَرْنُهَا الجِلْدَ وطَلَعَ، وهو غِيْرُ مهموز، وقد تَقَدَّم طَرَفٌ من ذلك في درأَ فراجعْ.
وانْجابَتُ النَّاقَةُ: مَدَّتْ عُنُقَهَا لِلْحَلْب كأَنها أَجابتْ حالِبَها على إِناء، قال الفراءُ: لمْ نَجِدِ انْفَعَل مِنْ أَجاب، قال أَبو سعيد: قال [لي] أَبو عمرِو بنُ العلاءِ: اكْتُبْ لِي الهَمْزَ، فكَتَبْتُهُ لَهُ، فقالَ لِي: سَلْ عنِ انْجابتِ النَّاقَةُ، أَمهْمُوزٌ أَمْ لَا؟ فَسأَلْتُ فلَمْ أَجِدْهُ مهْمُوزًا.
وقَدْ أَجَابَ عن سُؤَالِهِ وأَجَابَه واسْتَجْوَبَه واسْتَجَابَه واسْتَجَابَ لَهُ قال كَعْبُ بنُ سَعْدٍ الغَنَوِيُّ يَرْثِي أَخَاهُ أَبَا المِغْوَارِ:
وَدَاعٍ دَعَايَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النَّدَا *** فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
فَقُلْتُ ادْعُ أُخْرَى وارْفَعِ الصَّوْتَ رَفْعَةً *** لَعَلَّ أَبَا المِغْوَارِ مِنْكَ قَرِيبُ
والإِجَابَةُ والاسْتِجَابَةُ بِمَعْنًى، يقالُ: اسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَه، والاسْمُ: الجَوَابُ، وقد تقدَّم بقيّةُ الكلامِ آنِفًا.
والمُجَاوَبةُ والتَّجَاوُبُ: التَّجَاوُزُ: وتَجَاوَبُوا: جَاوَبَ بعضُهُمْ بَعْضًا واستعملَه بعضُ الشُّعَرَاءِ في الطَّيْرِ فقالَ جَحْدَرٌ:
وَمِمَّا زَادَنِي فَاهْتَجْتُ شَوْقًا *** غِنَاءُ حَمَامَتَيْنِ تَجَاوَبَانِ
تَجَاوَبَتَا بِلَحْنٍ أَعْجَمِيٍّ *** عَلَى غُصْنَيْنِ مِنْ غَرَبٍ وبَانِ
واستعملَه بعضُهم في الإِبِلِ والخَيْلِ فقالَ:
تَنَادَوْا بِأَعْلَى سُحْرَةٍ وتَجَاوَبَتْ *** هَوَادِرُ في حَافَاتِهِمْ وصَهِيلُ
وفي حديث بِنَاءِ الكَعْبَةِ «فَسَمِعْنَا جوَابًا مِنَ السَّمَاءِ فإِذَا بِطَائِرٍ أَعْظَمَ مِنَ النَّسْرِ» الجَوَابُ: صَوْتُ الجَوْبِ وهو انْقِضَاضُ الطَّيْرِ، وقولُ ذِي الرُّمَّةِ:
كَأَنَّ رِجْلَيْهِ رِجْلَا مُقْطِفٍ عَجِلٍ *** إِذَا تَجَاوَبَ مِنْ بُرْدَيْهِ تَرْنِيمُ
أَرَادَ «تَرْنِيمَانِ» تَرْنِيمٌ مِن هذَا الجَنَاح وترنيم من هذا الآخَرِ، وفي الأَساس: ومِنَ المَجَازِ: وكَلَامُ فلانٍ مُتَنَاسِبٌ مُتَجاوِبٌ، ويَتَجَاوَبُ أَوّلُ كَلَامِهِ وآخِرُهُ.
والجَابَتَانِ: مَوْضِعَانِ قال أَبو صَخر الهذليّ:
لِمَنِ الدِّيَارُ تَلُوحُ كالوَشْمِ *** بِالجَابَتَيْنِ فَرَوْضَةِ الحَزْمِ
وجَابَانُ اسمُ رَجُل كُنْيَتُهُ: أَبُو مَيْمُونٍ، تَابِعِيٌّ يَرْوِي عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ، أَلِفُه مُنْقَلِبَةٌ عن واوٍ، كَأَنَّهُ جَوَبَانُ فقُلبَتِ الوَاوُ قَلْبًا لِغَيْرِ عِلَّة وإِنّمَا قِيلَ [فيه] إِنَّهُ فَعَلَانُ ولم يُقْلَ فيه إِنَّه فَاعَالٌ من الجمع: ب ن لقول الشاعر:
عَشَّيْتُ جَابَانَ حتّى اشْتَدَّ مَغْرِضُهُ *** وكَادَ يَهْلِكُ لَوْلَ أَنَّه اطَّافُ
قُولَا لِجَابَانَ: فَلْيَلْحَقْ بِطِيَّتِهِ *** نَوْمُ الضُّحَى بَعْدَ نَوْمِ اللَّيْلِ إِسْرَافُ
فَتَرَكَ صَرْفَ جَابَانَ، فَدَلَّ ذلكَ على أَنَّه فَعَلَانُ.
وجَابَانُ: قرية بوَاسِطِ العِرَاق منها ابنُ المُعَلِّمِ الشَّاعِرُ.
وجَابانُ: مِخْلَافٌ باليَمَنِ.
وتَجُوبُ: قَبِيلَةٌ مِن قَبَائِلِ حِمْيَرَ حُلَفَاء لمُرَادٍ، منهم ابنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللهُ تعالَى، قال الكُمَيْت:
أَلَا إِنَّ خَيْرَ النَّاس بَعْدَ ثَلَاثَةٍ *** قَتيلُ التَّجُوبِيِّ الَّذِي جَاءَ مِنْ مِصْرِ
هذا قولُ الجوهريّ، قال ابن بَرِّيّ: البيتُ للوَلِيدِ بنِ عُقْبَةَ، وليس للكميت كما ذَكَر، وصوابُ إِنْشَادِه:
قَتِيلُ التُّجِيبِيِّ الذي جَاءَ مِنْ مِصْرِ
وإِنَّمَا غَلَّطَهُ في ذلك أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الثلاثَةَ أَبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ وعُثْمَانُ، رضي الله عنهم، فظن أَنه عَلِيٌّ رضي الله عنه، فقال التَّجُوِبي بالواو، وإِنما الثلاثةُ سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأَبو بكرٍ، وعمرُ رضي اللهُ عنهما، لأَنَّ الوليدَ رَثَى بهذَا الشِّعْر عُثْمَانَ بنَ عَفَّان رضي الله عنه، وقَاتِلُه كِنَانَةُ بنُ بِشْرٍ التُّجِيبِيُّ، وأَمَّا قَاتِلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَهُوَ التَّجُوبِيُّ، ورأَيْتُ في حاشِيةٍ ما مِثَالُه، أَنشد أَبُو عُبَيْدٍ البَكْرِيُّ رحمه الله تعالى في كتابه «فَصْل المَقَالِ في شرح كتاب الأَمثال» هذا البيت الذي هو:
أَلا إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ
لِنَائِلَةَ بنتِ الفَرَافِصَةِ بنِ الأَحْوَصِ الكَلْبِيَّةِ زَوْجِ عثمَانَ رضي الله عنه تَرْثِيهِ، وبَعْدَه:
ومَا لِيَ لا أَبْكِي وتَبْكِي قَرابَتِي *** وقَدْ حُجِبَتْ عَنَّا فُضُولُ أَبِي عَمْرِو
كذا في لسان العرب.
وتُجِيبُ بالضَّم ابنُ كِنْدَةَ بن ثَوْرٍ بَطْنٌ معروف، وكان يَنْبَغِي تأْخِيرُ ذِكْرِه إِلى الجمع: ي ب كما صَنَعَه ابنُ منظورٍ الإِفريقِيُّ وغيرُه. وتُجِيبُ بِنْتُ ثَوْبَانَ بِنِ سُلَيْم بنِ رَهَاءِ بنِ مُنبِّهِ بنِ حَرْبِ بنِ عِلَّةَ بنِ جَلْدِ بنِ مَذْحِجٍ، وهي أُمُّ عَدِيٍّ وسَعْدٍ ابْنَيْ أَشْرَسَ، وقد سبق في ت الجمع: ب.
واجْتَابَ القَمِيصَ: لَبِسَهُ قال لَبيد:
فَبِتِلْكَ إِذْ رَقَصَ اللَّوَامِعُ بالضُّحَى *** واجْتَابَ أَرْدِيَةَ السَّرَابِ إِكَامُهَا
قوله: فَبِتِلْكَ، يَعْنِي بِنَاقَتِهِ التي وصَفَ سَيْرهَا، والبَاءُ في بِتلك متعلِّقةٌ بقوله أَقْضِي، في البيت الذي بعدَه وهو:
أَقْضِي اللُّبَانَةَ لَا أُفَرِّطُ رِيبَةً *** أَوْ أَنْ تَلُومَ بِحَاجَةٍ لُوَّامُهَا
وفي التهذيب: واجْتَابَ فلانٌ ثَوْبًا، إِذَا لَبِسَه، وأَنشد:
تَحَسَّرَتْ عِقَّةٌ عَنْهُ فَأَنْسَلَهَا *** واجْتَابَ أُخْرَى جَدِيدًا بَعْدَ مَا ابْتَقَلَا
وفي الحديث «أَتَاهُ قَوْمٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ» أَي لَابِسيهَا، يقالُ: اجْتَبْت القَمِيصَ والظَّلَامَ أَي دَخَلْتُ فيهما، وفي الأَساس: ومن المجاز: جَابَ الفَلَاةَ واجْتَابَهَا، وجَابَ الظَّلَامَ، انتهى.
واجْتَابَ: احْتَفَرَ، كاجْتَافَ بالفَاءِ قال لبيد:
تَجْتَابُ أَصْلًا قَالِصًا مُتَنَبِّذًا *** بعُجُوبِ أَنْقَاءٍ يَمِيلُ هَيَامُهَا
يَصِفُ بَقَرَةً احْتَفَرَتْ كِنَاسًا تَكْتَنّ فيه من المَطَرِ في أَصْل أَرْطَاةٍ ومنه اجْتَابَ البِئرَ: احْتَفَرَهَا وسيأْتي في جَوَّاب.
وجُبْتُ القَمِيصَ بالضَّم: قَوَّرْتُ جَيْبَه أَجُوبُه وأَجِيبُه قال شَمِرٌ: جُبْتُهُ وجِبْتُهُ، قال الراجز:
بَاتَتْ تَجِيبُ أَدْعَجَ الظَّلامِ *** جَيْبَ البِيَطْرِ مِدْرَعَ الهُمَامِ
قال: وليس من لفظ الجَيْبِ، لأَنه من الواو، والجَيْبُ من اليَاءِ. وفي بعض النسخ من الصحاح: جِبْتُ القَمِيصَ، بالكسر؛ أَي قَوَّرْتُ جَيْبَهُ، وجَبَّيْتُهُ وجَوَّبْتُه: عَمِلْتُ لَهُ جَيْبًا وفي التهذيب كُل شيءٍ قُطِعَ وَسَطَه فَهُوَ مَجُوبٌ ومُجَوَّبٌ، ومنه سَمِّيَ جَيْبُ القَمِيصِ، وفي حديثِ عليّ رضي الله عنه «أَخَذْتُ إِهابًا مَعْطُونًا فَجَوَّبْتُ وَسَطَهُ وأَدْخَلْتُه في عُنُقِي» وعن ابنِ بُزُرْجَ: جَيَّبْتُ القَمِيصَ وجَوَّبْتُه.
وأَرْضٌ مُجَوَّبَةٌ، كمُعَظَّمَةٍ أَي أَصَابَ المَطَرُ بَعْضَهَا ولم يُصِبْ بَعْضًا.
والجَائِبُ العَيْنِ: مِنْ أَسْمَاءِ الأَسَد.
وجَوَّابٌ، كَكَتَّانٍ: لَقَبُ مَالِكِ بنِ كَعْبٍ الكِلَابِيِّ، قال ابن السكّيت: سُمِّيَ جَوَّابًا، لأَنَّه كان لا يَحْفِرُ بِئرًا وَلَا صَخْرَةً إِلَّا أَمَاهَهَا.
ورَجُلٌ جَوَّابٌ إِذا كان قَطَّاعًا للبِلَاد سَيَّارًا [فيها]، ومنه قولُ لُقْمَانَ بنِ عادٍ [في أخيه].
جَوَّابُ لَيْلٍ سَرْمَدْ
أَرَادَ أَنَّهُ يَسْرِي لَيْلَهُ كُلَّهُ لَا يَنَامُ، يَصِفُه بالشَّجَاعَةِ، وفلانٌ جَوَّابٌ جآبٌ أَيْ يَجُوبُ البِلَادَ وَيَكْسِبُ المَالَ، وجَوَّابُ الفَلَاةِ: دَلِيلُهَا، لِقَطْعِهِ إِيَّاهَا.
وجُوبَانُ: بالضَّمِّ: قرية بِمَرْوِ الشَّاهِجَانِ مُعَرَّبُ كُوبَان مَعْنَاهُ حَافِظُ الصَّوْلَجَانِ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
جُوبَانُ بالضم: جَدُّ الشيخِ حسن بنِ تمرتَاشَ صَاحِب المَدْرَسَةِ بِتِبْرِيزَ.
ومُجْتَابُ الظَّلَامِ: الأَسَدُ.
وجُوبة صَيْبَا بالضم من قُرَى عَثَّرَ.
وأَبُو الجَوَابِ الصَّبِّيُّ اسْمهُ الأَخْوَصُ بنُ جَوابٍ رَوَى عن عَمَّارِ بنِ زُرَيْق وعنه الحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِر.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
39-تاج العروس (سور)
[سور]: سَوْرَةُ الخَمْرِ وغَيْرِهَا: حِدَّتُهَا، كسُوَارِهَا، بالضّمّ قال أَبو ذُؤَيْبٍ:تَرَى شَرْبَها حُمْرَ الحِدَاقِ كأَنَّهُم *** أَسَارَى إِذا ما مَارَ فِيهِمْ سُوَارُها
وفي حديثِ صِفَةِ الجَنَّة: «أَخَذَهُ سُوَارُ فَرَحٍ»، وهو دَبِيبُ الشّرابِ في الرَّأْسِ؛ أَي دَبَّ فيه الفَرَحُ دَبِيبَ الشَّرَابِ في الرَّأْسِ.
وقيل: سَوْرَةُ الخَمْرِ: حُمَيَّا دَبِيبِهَا في شارِبِها.
وسَوْرَةُ الشَّرَابِ: وُثُوبُه في الرَّأْسِ، وكذلك سَوْرَةُ الحُمَةِ: وُثُوبُها.
وفي حَدِيثِ عائِشَةَ رضي الله عنها: «أَنَّهَا ذَكَرَتْ زَيْنَبَ، فقالت: كلّ خِلَالِهَا مَحْمُودٌ ما خَلا سَوْرَةً من غَرْبٍ» أَي سَوْرَةً من حِدَّةٍ.
ومن المَجَازِ: السَّوْرَةُ مِنَ المَجْدِ: أَثَرُه، وعلامَتُه وارتِفاعُه وقال النّابَغَةُ:
لِآلِ حَرّابٍ وقَدٍّ سَوْرَةٌ *** في المَجْدِ ليسَ غُرَابُها بَمُطارِ
والسَّوْرَةُ من البَرْدِ: شِدَّتُه، وقد أَخذَتْه السَّوْرَةُ؛ أَي شِدَّةُ البَرْدِ.
وسَوْرَة السُّلْطَانِ*: سَطْوَتُه واعتِدَاؤُه وبَطْشُه.
والسَّوْرَةُ: موضع.
وسَوْرَةُ: جَدُّ الإِمَام أَبِي عِيسَى مُحَمَّدِ بنِ عِيسَى بنِ سَوْرَة بنِ مُوسَى بن الضَّحّاكِ السُّلَمِيُ التِّرْمِذِيِّ البُوغِيِّ الضَّرِيرِ صاحب السُّنَنِ، أَحَد أَركانِ الإِسلام توفِّي سنة 279. بقرية بُوغَ من قُرَى تِرْمِذَ، روى عنه أَبو العَبَّاس المَحْبُوبِيّ، والهَيْثَمُ بن كُلَيْب الشّاشيّ، وغيرهما.
وسَوْرَةُ بنُ الحَكَمِ القَاضِي: مُحَدّث أَخَذَ عنه عَبّاسٌ الدُّوريّ.
وسَوْرَةُ بنُ سَمُرَة بنِ جُنْدَب، من وَلَدِه أَبو مَنْصُورٍ محمّدُ بنُ حَيّان بنِ سَوْرَةَ الواعِظ، من أَهل نَيْسَابُور، قدمَ بغدادَ، وحدَّثَ، وتُوَفِّي سنة 384.
وسارَ الشَّرَابُ في رَأْسِه سَوْرًا، بالفَتْح، وسُؤورًا، كقُعُودٍ، عن الفرَّاءِ، وسُؤْرًا، على الأَصْلِ: دَارَ وارْتَفَعَ، وهو مَجاز.
وسَارَ الرَّجُلُ إِليكَ يَسُورُ سَوْرًا وسُؤُرًا: وَثَبَ وثارَ.
والسَّوّارُ، ككَتّانِ: الذِي تَسُورُ الخَمْرُ في رَأْسِهِ سَرِيعًا، كأَنَّه هو الذي يَسُور، قال الأَخْطَلُ:
وشَارِب مُرْبِح بالكَأْسِ نَادَمَنِي *** لا بِالحَصُورِ ولا فِيها بسَوّارِ
أَي بمُعَرْبِدٍ، من سَار، إِذا وَثَبَ وُثُوبَ المُعَرْبِدِ، يقال: هو سَوّارٌ؛ أَي وَثّابٌ مُعَرْبِدٌ.
والسَّوْرَةُ: الوَثْبَةُ، وقد سُرْتُ إِليه: وَثَبْتُ.
والسَّوّارُ أَيضًا من الكَلام هكذا في سائر النُّسَخ الموجودة، والذي في اللِّسانِ: والسَّوّارُ من الكِلابِ: الّذِي يَأْخُذُ بالرَّأْسِ. وساوَرَهُ: أَخَذَ بِرَأْسِهِ وتَنَاوَلَه.
وساوَرَ فُلانًا: وَاثَبَهُ، سِوَارًا، بالكسر، ومُسَاوَرَةً، وفي حديثِ عُمَرَ رضي الله عنه: «فكِدْتُ أَساوِرُه في الصّلاةِ»؛ أَي أُواثِبُه وأُقَاتِلُه. وفي قصيدةِ كَعْبِ بنِ زُهَيْرٍ:
إِذا يُسَاوِرُ قِرْنًا لا يَحِلُّ لَهُ *** أَن يَتْرُكَ القِرْنَ إِلّا وَهْوَ مَجْدُولُ
والسُّورُ، بالضَّم: حائِطُ المَدِينَةِ المُشْتَمِلُ عليها، قال الله تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ} وهو مُذَكَّرٌ، وقول جَرِير يهجُو ابنَ جُرْمُوز:
لمّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ *** سُورُ المَدِينَةِ والجِبَالُ الخُشَّعُ
فإِنَّه أَنّثَ السُّورَ؛ لأَنَّه بَعْضُ المَدِينةِ، فكأَنَّه قال: تَوَاضَعَت المَدِينَةُ.
الجمع: أَسْوَارٌ وسِيرَانٌ، كنُورٍ وأَنْوارٍ، وكُوزٍ وكِيزان.
ومن المَجَاز: السُّورُ: كِرَامُ الإِبِلِ، حكاه ابنُ دُرَيْدٍ، قال ابنُ سِيدَه: وأَنْشَدُوا فيه رَجَزًا: لم أَسْمَعْه، قال أَصحابُنا: الواحدة سُورةٌ.
وقيل: هي الصُّلْبَةُ الشَّدِيدةُ منها.
وفي الأَساس: عنده سُورٌ من الإِبِلِ؛ أَي [كرامٌ] فاضِلَةٌ.
ومن المَجاز السُّورَةُ بالضَّمّ: المَنْزِلَةُ، وخَصّها ابن السيد في كتاب الفَرْق بالرَّفِيعَة، وقال النّابِغَةُ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَعطاكَ سُورَةً *** تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونَها يَتَذَبْذَبُ
وقال الجَوْهَرِيّ: أَي شَرَفًا ورِفْعَة.
والسُّورَةُ مِنَ القُرْآنِ: معروف أَي مَعْرُوفَةٌ، لأَنَّها مَنْزِلَةٌ بعدَ مَنْزِلَةٍ، مَقْطُوعَةٌ عن الأُخْرَى.
وقال أَبو الهَيْثَم: والسُورَةُ من القُرْآنِ عِنْدَنَا: قِطْعَةٌ من القرآن سَبَقَ وُحْدانُها جَمْعَها، كما أَنّ الغُرْفَةَ سابِقَةٌ للغُرَفِ، وأَنزَلَ الله عزّ وجَلّ القُرْآنَ على نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم شَيْئًا بعد شَيْءٍ، وجَعَلَه مُفَصَّلًا، وبَيَّن كلَّ سورة [منها] بخاتِمَتِها، وبادِئَتِها، ومَيَّزَهَا من التي تَلِيهَا.
قال الأَزْهَرِيّ: وكأَنّ أَبا الهَيْثَمِ جعل السّورَةَ من سُوَرِ القرآن من أَسْأَرْتُ سُؤْرًا؛ أَي أَفضَلْت فَضْلًا، إِلّا أَنّها لما كَثُرَت في الكلام وفي القُرآن تُرِكَ فيها الهَمْز، كما تُركَ في المَلَكِ.
وفي المُحْكَمِ: سُمِّيَت السُّورَة من القُرآنِ سُورَة؛ لأَنّهَا دَرَجَةٌ إِلى غيرها، ومَن هَمزَها جعَلَها بمعنَى بَقِيَّةٍ من القرآن، وقِطْعَة، وأَكثرُ القرّاءِ على تَرْك الهمزة فيها.
وقيل: السُّورَةُ من القُرآنِ: يَجُوزُ أَن تكونَ من سُؤْرَةِ المالِ، تُرِك هَمْزُه لمّا كَثُرَ في الكلام.
وقال المصنّف ـ في البصائر ـ: وقيل: سُمِّيَت سُورَةُ القرآنِ تَشْبِيهًا بسُورِ المَدِينَة؛ لكونها مُحِيطَةً بآيات وأَحكامٍ إِحاطَةَ السُّورِ بالمدينة.
والسُّور الشَّرَفُ والفَضْلُ والرِّفْعَةُ، قيل: وبه سُمِّيت سُورة القرآن؛ لإِجْلالِهِ ورِفْعَتِه، وهو قول ابن الأَعرابيّ.
والسُّور: ما طالَ من البِنَاءِ وحَسُنَ، قيل: ومنه سُمِّيَت سُورَة القرآن.
والسُّور العَلَامَةُ، عن ابن الأَعرابيّ.
وأَما أَبو عُبَيْدَة، فإِنه زَعَم أَنه مُشْتَقّ من سُورة البِنَاءِ، وأَن السُّورَةَ عرْقٌ مِنْ عُرُوقِ الحائِطِ، وقد ردّ عليه أَبُو الهَيْثَمِ قولَه، ونقله الأَزهرِيُّ برُمَّتِه في التَّهْذِيب.
وفي الصّحاح: والسُّورُ جمعُ سُورَة، مثل: بُسْرَة وبُسْر.
الجمع: سُورٌ، بضمّ فسكون، عن كُرَاع وسُوَرٌ، بفتح الواو، قال الرّاعي:
هُنَّ الحَرائِرُ لا رَبّاتُ أَخْمِرَةٍ *** سُودُ المَحَاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ
والسّوَارُ، ككِتَابٍ، وغُرَابٍ. القُلْبُ، بضمّ فسكون، كالأُسْوارِ، بالضَّمِّ، ونُقِل عن بعضهم الكسر، أَيضًا، كما حقَّقَه شيخُنَا، والكلُّ مُعَرَّب: دستوار بالفَارسِيّة، وقد استعمَلَتْه العربُ، كما حقَّقه المصنّف في البصائر، وهو ما تَسْتعمله المرأَةُ في يَدَيْهَا.
الجمع: أَسْوِرَةٌ وأَساوِرُ، الأَخِيرَةُ جَمْعُ الجَمْعِ وأَسَاوِرَةٌ جمع أُسْوار، والكَثِيرُ سُورٌ، بضمّ فسكون، حكاه الجماهير، ونقله ابنُ السّيد في الفرق، وقال: إِنّه جمعُ سِوار خاصّة؛ أَي ككِتَابٍ وكُتُب، وسَكَّنُوه لِثقَلِ حركة الواو، وأَنشدَ قولَ ذِي الرُّمَّة:
هِجَانًا جَعَلْنَ السُّورَ والعَاجَ والبُرَى *** على مِثْلِ بَرْدِيِّ البِطَاحِ النّواعِمِ
وسُؤُورٌ، كقُعُودٍ هكذا في النُّسَخ، وعَزَوْه لابن جِنّي، ووَجَّهَهَا سيبويه على الضّرورة.
قال ابنُ بَرِّيّ: لم يذكر الجَوْهَرِيّ شاهدًا على الأُسِوْار لغة في السِّوار، ونَسب هذا القول إِلى [أَبي] عَمْرِو بنِ العَلاءِ، قال: ولم يَنْفَرِدْ [أَبُو] عَمْرو بهذا القول، وشاهِدُه قولُ الأَحْوص:
غادَةٌ تَغْرِثُ الوِشَاحَ ولا يَغ *** رَثُ مِنْهَا الخَلْخَالُ والإِسْوارُ
وقال حُمَيْدُ بنُ ثَوْرٍ الهِلَالِيّ:
يَطُفْنَ بهِ رَأْدَ الضُّحَى ويَنُشْنَه *** بأَيْدٍ تَرَى الإِسْوَارَ فِيهِنّ أَعْجَمَا
وقال العَرَنْدَسُ الكِلابِيّ:
بَلْ أَيُّهَا الرّاكِبُ المُفْنِي شَبِيبَتَه *** يَبْكِي على ذَاتِ خَلْخَالٍ وإِسْوارِ
وقال المَرّارُ بن سَعِيد الفَقْعَسِيّ:
كمَا لاحَ تِبْرٌ في يَدٍ لَمَعَتْ بِهِ *** كَعَابٌ بَدَا إِسْوارُهَا وخَضِيبُهَا
وفي التهذيب: قال الزَّجّاجُ: الأَسَاوِرُ من فِضَّةٍ، وقال أَيضًا: والقُلْبُ من الفِضّةِ يُسَمَّى سِوَارًا، وإِن كانَ من الذَّهَبِ فهو أَيضًا يُسَمَّى سِوَارًا، وكلاهُما: لِباسُ أَهلِ الجَنَّةِ.
والمُسَوَّرُ، كمُعَظَّم: مَوْضِعُه كالمُخَدَّم لموضع الخَدَمَة.
وأَبُو طاهِرٍ أَحمَدُ بنُ عليّ بنِ عُبَيْدِ الله بن سُوَارٍ ككِتَابٍ: مُقْرِئٌ، صاحب المُسْتَنِيرِ، وأَولاده: هِبَةُ الله أَبُو الفَوَارِسِ، ومُحَمَّدٌ أَبو الفُتُوحِ، وحفيده أَبو طَاهِر الحَسَنُ بنُ هِبَةِ الله، وأَبو بَكْرٍ مُحَمّدُ بنُ الحَسَن المذكور، حَدَّثُوا كلُّهُم، وهذا الأَخير منهم رُمِيَ بالكذب، كذا قاله الحافظ.
وعُبَيْدُ الله بنُ هِشَامِ بنِ سُوَار ككِتَاب: مُحَدّث، وأَخُوه عبدُ الواحِدِ، شامِيّ أَخذ عن الأَوّل ابن ماكُولا سَمْعًا من أَبي مُحَمَّد بنِ أَبي نَصْر.
ومن المَجاز: الأُسْوارُ بالضَّمِّ والكَسْرِ: قائِدُ الفُرْسِ، بمنْزلة الأَمِيرِ في العَرَبِ، وقيل: هو المَلِكُ الأَكبر، مُعَرَّب، منهم سَيْجٌ جدُّ وَهْبِ بنِ مُنَبِّه بنِ كامِلِ بن سَيْج، فهو أَبْنَاوِيّ أُسْوارِيّ يمانِيّ صَنْعَانِيّ ذَمَارِيّ.
وقيل: هو الجَيِّدُ الرَّمْي بالسِّهَامِ، يقال: هو أُسْوارٌ من الأَساوِرَةِ، للرّامي الحاذِقِ، كما في الأَساس، قال:
وَوَتَّرَ الأَساوِرُ القِيَاسَا *** صُغْدِيَّةً تَنْتَزِعُ الأَنْفاسَا
وقيل: هو الثَّابِتُ الجَيِّدُ الثَّبَاتِ على ظَهْرِ الفَرَسِ.
الجمع: أَساوِرَةٌ وأَسَاوِرُ، وقال أَبو عُبَيْدٍ: أَساوِرَةُ الفُرْسِ: فُرْسانُهم المُقاتِلُونَ، والهاءُ عِوَضٌ من الياءِ، وكان أَصلُه أَساوِيرَ، وكذلك الزَّنادِقَةُ، أَصلُه زَنَادِيقُ عن الأَخفش.
وأَبُو عِيسَى الأُسْوَارِيّ: بالضَّمِّ: محَدِّثٌ، تابِعِيّ، نِسْبَةٌ إِلى الأَسَاوِرَةِ من تَمِيم، عن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ، لا يُعْرَف اسمُه.
وفي التَّبْصِيرِ للحافظ: وتُوجد هذه النِّسْبَةُ في القُدَمَاءِ، فأَمّا المتأَخِّرونَ فإِلى أَسْوَار بالفَتْحِ: قرية، بإِصْبهانَ ويقال: فيها أَسْوَارِيّ، منها: مُحَيْسِنٌ، هكذا في النّسخ مُصَغّر مُحْسِن، والذي في التبصير صاحب مِجْلِس الأَسْوَارِيّ، وهو أَبو الحَسَن عليُّ بنُ محمدِ بنِ عليٍّ، وزاد ابن الأَثير: هو ابنُ المَرْزُبَانِ أَصْبَهَانِيّ زاهد. وأَبو الحَسَنِ مُحَمّدُ بنُ أَحْمَدَ، الأَسْوارِيّانِ الأَخِيرُ من شُيوخِ ابنِ مِرْدَوَيْه.
ويقال: قَعَدَ على المِسْوَرِ، كمِنْبَر: هو مُتَّكَأٌ مِنْ أَدَمٍ كالمِسْوَرَةِ، جمعه مَسَاوِرُ، وهي المَسَانِدُ قال أَبُو العَبّاس: وإِنَّمَا سُمِّيَت [الْمِسْورَة مِسْوَرَةً] لعُلُوّها وارتِفَاعِها، من قولِ العربِ: سارَ، إِذا ارتَفَعَ، وأَنشد:
سُرْتُ إِليهِ في أَعَالِي السُّورِ
أَراد: ارْتَفَعْتُ إِليه.
والمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ بن نَوْفَل الزُّهْرِيّ، وأُمه عاتِكة أُخت عبد الرحمن بن عَوْف. والمِسْوَرُ أَبو عبْدِ الله، غيرَ مَنْسُوبٍ، صحابِيّان، روى ابنُ مُحَيْرِيزٍ عن عبدِ الله بنِ مِسْوَرٍ عن أَبِيهِ، والحديثُ مُنْكَر.
والمُسَوَّرُ، كمُعَظَّمٍ: ابنُ عَبْدِ المَلِكِ اليَرْبُوعِيّ، مُحَدّثٌ، حَدّثَ عنه مَعْنٌ القَزَّاز، قال الحافظُ ابنُ حَجَر: واختلَفَت نُسَخُ البُخَارِيّ في هذا وفي المُسَوَّر بن مَرْزُوقٍ، هل هُما بالتّخْفِيف أَو التَّشْدِيد.
والمُسَوَّرُ بنُ يَزِيدَ الأَسَدِيّ المالِكِيّ الكاهِلِيّ: صَحابِيّ، وحديثُه في كتابِ مُسْنَد ابنِ أَبي عاصِمٍ، وفي المُسْنَد.
ومَسْوَر، كمَسْكَنٍ: حِصْنانِ مَنِيعَانِ باليَمَنِ، أَحدُهما لبَنِي المُنْتَابِ، بالضمّ وبهم يُعْرَفُ، وثانيهما لبَنِي أَبي الفُتُوحِ، وبهم يُعْرَف أَيضًا، وهما من حُصُونِ صَنْعَاءَ.
والسُّورُ، بالضمّ: الضِّيافَةُ، وهي كلمة فارِسِيّة، وقد شَرّفَها النَّبّي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهو إِشَارَةٌ إِلى الحَدِيثِ المَرْوِيّ عن جابِرِ بنِ عبدِ الله الأَنصارِيّ، رضي الله عنه «أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لأَصحابِه: قُومُوا فقَدْ صَنَعَ جابِرٌ سُورًا» قال أَبو العَبَّاس: وإِنّمَا يُرادُ من هذا أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تَكَلَّم بالفَارِسِيَّة، «صَنَعَ سُورًا»؛ أَي طَعَامًا دَعَا النّاس إِليه.
والسُّوُر: لقَبُ مُحَمَّدِ بنِ خَالِدٍ الضَّبِّيّ التّابِعِيّ صاحِبِ أَنَسِ بنِ مالِكٍ، رضي الله عنه.
قلت: والصَّوابُ أَن لقبَه سُؤْرُ الأَسَدِ، كما حَقَّقَهُ الحافِظُ.
قلت: وفي وَفَيَاتِ الصَّفَدِيّ: كان صَرَعَه الأَسَد ثم نَجَا وعاش بعد ذلك قيل: إِنَّه كانَ مُنْكَرَ الحَدِيثِ، تُوُفِّي سنة 150.
وكَعْبُ بنُ سُورٍ: قاضِي البَصْرَةِ لعُمَرَ رضِيَ الله عنه، في زَمَنِ الصَّحابَة.
وفَاتَه: وَهْبُ بنُ كَعْبِ بنِ عَبْدِ اللهِ بن سُورٍ الأَزْدِيّ، عن سَلْمَانَ الفَارِسِيّ.
وأَبو سُوَيْرَةَ، كهُرَيْرَة: جَبَلَةُ بنُ سُحَيْمٍ أَحدُ التّابِعِينَ، وشَيْخُ سُفْيَانَ بنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيّ، وأَعَاده في «ش ر ر» أَيضًا، وهو وَهَمٌ.
والسَّوّارُ، ككَتَّانٍ: الأَسَدُ، لوُثُوبهِ، كالمُسَاوِرِ، ذكرهما الصَّاغانيّ في التَّكْمِلَة.
واسْمُ جَمَاعَةٍ، منهم: سَوَّارُ بنُ الحُسَيْنِ الكَاتِبُ المِصْرِيّ، كتَبَ عنه ابنُ السَّمْعَانِيّ.
وأَحْمَدُ بنُ محمّدِ بنِ السَّوّارِ الفَزَارِيّ، أَبو جَعْفَر القُرْطُبِيّ، ضَبَطَه ابنُ عبدِ المَلِك. وسَوّارُ بنُ يُوسُفَ المراري، ذكره ابنُ الدَّبّاغ، محَدِّثون.
وسُرْتُ الحائِطَ سَوْرًا، بالفَتْح وتَسَوَّرْتُهُ: عَلَوْتُه.
وتَسَوَّرْتُه أَيضًا: تَسَلَّقْتُه، وهو هُجُومُ مِثْلِ اللِّصِّ، عن ابن الأَعرابِيّ.
وتَسَوَّرَ عليه، كسَوَّرَه، إِذا عَلاهُ وارتفع إِليه وأَخَذَه، ومنه حديث شَيْبَةَ: «فَلَمْ يَبْق إِلّا أَنْ أُسَوِّرَه».
وفي حديثِ بنِ مَالِك: «مَشَيْتُ حَتّى تَسَوَّرْتُ حائِط أَبِي قتَادَةَ» وفي التنزيل العزيز: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ}.
وعن ابنِ الأَعْرابِيّ: يقالُ للرَّجُلِ: سُرْسُرْ، وهو أَمْرٌ بِمَعَالِي الأُمورِ، كأَنّه يأْمُرُه بالعُلُوّ والارتفاع، من سُرْتُ الحائِطَ، إِذا عَلَوْتَه.
وسُورِيَةُ، مَضْمُومَةً مُخَفَّفَةً: اسمٌ للشَّامِ في القَدِيمِ، وفي التَّكْمِلَةِ في حديثِ كَعْبٍ: «إِنّ الله بَارَكَ للمُجَاهِدِينَ في صِلِّيانِ أَرْضِ الرُّومِ، كما بارَكَ لهم في شَعِيرِ سُورِيَةَ» أَي يقوم نَجِيلُهم مَقَامَ الشَّعِيرِ في التَّقْوِيَةِ، والكَلِمَة رُومِيَّة.
أَو هو: موضع، قُرْبَ خُنَاصِرَةَ من أَرض حِمْصَ.
وسُورِينُ، كبُورِين: نَهْرٌ بالرَّيّ، وأَهلُهَا يَتَطَيَّرُونَ منه؛ لأَنَّ السَّيْفَ الذي قُتِلَ بهِ الإِمَامُ يَحْيَى بنُ الإِمَام أَبي الحُسَيْنِ زَيْدٍ الشَهِيدِ ابنِ الإِمامِ عَلِيّ زَيْنِ العابِدِين ابنِ الإِمامِ الشَهِيدِ أَبِي عبدِ الله الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبي طالِب، رضي الله عنهم، غُسِلَ فيهِ، وكان الذي احتَزَّ رأْسَه سَلْم بنُ أَحْوَزَ بأَمرِ نَصْرِ بنِ سَيّارٍ اللَّيْثِيّ عامِلِ الوَليدِ بنِ يَزِيدَ، وكان ذلك سنة 125 وعُمره إِذْ ذاكَ ثمانِي عشْرَةَ سنة، وأُمّه رَبْطَةُ بنْتُ أَبي هاشِمٍ عبدِ الله بنِ محمّد بن الحَنَفِيَّةِ وأُمّها رَبْطَةُ بنتُ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلِ بنِ الحارِثِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ بنِ هاشَمٍ، ولا عَقِبَ له.
وسُورَى، كطُوبَى موضع بالعِرَاقِ من أَرْضِ بابِل، بالقربِ من الحِلَّةِ وهو مِنْ بَلَدِ السُّرْيَانِيِّينَ ومنه إِبراهِيمُ بنُ نَصْرٍ السُّورَانِيّ، ويقال: السُّوريانِيّ بياءٍ تحتيّة قبل الأَلف، وهكذا نَسبَه السَّمْعَانِيّ، حكى عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ.
والحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ السُّورَانِيّ، حَدَّثَ عن سَعِيد بنِ البَنّاءِ، قاله الحافظ.
وسُورَى أَيضًا: موضع، من أَعمالِ بَغْدَادَ بالجزيرةِ، وقد يُمَدّ؛ أَي هذا الأَخير.
والأَساوِرَةُ: قومٌ من العَجَمِ من بَنِي تَمِيم نَزَلُوا بالبَصْرَة قَديمًا كالأَحامِرَةِ بالكُوفَةِ، منهم أَبو عِيسَى الإِسْوَارِيّ المتقَدّم ذِكْره.
وذو الإِسْوارِ، بالكسرِ: مَلِكٌ باليَمَنِ كانَ مُسَوَّرًا؛ أَي مُسَوَّدًا مُمَلَّكًا، فأَغَارَ عليهمِ، ثمَّ انْتَهَى بجَمْعِه إِلى كَهْفٍ، فتَبِعَهُ بَنُو مَعَدّ بنِ عَدْنَانَ، فجَعَلَ مُنَبِّهٌ يُدَخِّنُ عليهِم، حَتَّى هَلَكُوا، فسُمِّيَ مُنَّبِّهٌ دُخَانًا.
* وممّا يستدرك عليه:
سُوَّارَى، كحُوّارَى: الارْتِفاعُ، أَنشد ثعلب:
أُحِبُّه حُبًّا له سُوَّارَى *** كما تُحِبُّ فَرْخَها الحُبَارَى
وفَسَّرَه بالارْتِفَاعِ، وقال: المَعْنَى: أَنّها فيها رُعُونَةٌ، فمتَى أَحَبَّتْ وَلدَهَا أَفْرَطَتْ في الرُّعُونَةِ.
ويقال: فُلانٌ ذو سَوْرَةٍ في الحَرْبِ؛ أَي ذُو نَظَرٍ شَدِيد.
والسَّوَّارُ: الذي يُوَاثِبُ نَديمَه إِذا شَرِبَ.
وتَسَاوَرْتُ لها؛ أَي رَفَعْتُ لها شَخْصِي.
وسُورَةُ كُلِّ شيْءٍ: حَدُّه، عن ابن الأَعْرَابِيّ.
وفي الحديث: لا يَضُرُّ المَرْأَةَ أَنْ لا تَنْقُضَ شَعْرَها إِذا أَصابَ المَاءُ سُورَ رَأْسِها «أَي أَعْلاه، وفي رواية: «سُورَةَ الرَّأْسِ» وقال الخطّابيّ: ويروى «شَوْرَ رأْسها»، وأَنكره الهَرَوِيّ، وقال بعضُ المُتَأَخِّرِينَ: والمعروفُ في الرِّوايةِ «شُؤُن رَأْسِهَا» وهي أُصولُ الشَّعر [وطرائق الرأس].
ومُسَاوِرٌ ومِسْوَارٌ وسور وسَارَة أَسماءٌ.
ومَلِكٌ مُسَوَّرٌ، ومُسَوَّدٌ: مُمَلَّكٌ، وهو مَجَازٌ، قاله الزَّمخشريّ.
وأنشد المُصَنّفُ في البَصَائِرِ لبعضِهِم:
وإِنِّيَ من قَيْسٍ وقَيْسٌ هُمُ الذُّرَا *** إِذا رَكِبَتْ فُرْسَانُها في السَّنَوَّرِ
جُيُوشُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ التي بِها *** يُقَوِّمُ رَأْسَ المَرْزُبانِ المُسَوَّرِ
وأَسْوَرُ بنُ عبدِ الرّحمنِ، من ثِقَاتِ أَتْبَاعِ التّابِعِين، ذَكَرَه ابن حِبّان.
وسُوَارٌ، كغُرَاب، ابنُ أَحمدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ الله بن مُطَرّف بن سُوَار، من ذُرِّيةِ سُوَارِ بنِ سَعِيدٍ الدّاخِل، كان عالِمًا مات سنة 444.
وعبدُ الرّحمنِ بنُ سُوَار أَبو المُطَرِّف قاضي الجماعة بقُرْطُبَة، رَوَىَ عن حاتِمِ بنِ محمّد وغيرِه، مات في ذي القَعْدَة سنة 464 ذَكَرَهما ابنُ بَشْكَوال في الصِّلَة وضبطَهُما.
وأَبُو سَعِيدِ عبدُ الله بنِ محمّدِ بنِ أَسْعَد بن سُوَار، النَّيْسَابُورِيّ الزَّرّاد الفَقِيهُ المُصَنِّف.
وأَبو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ سُورِين الدَّيْرعاقُولِيّ، رَوَى عنه ابن جميع.
وأَبُو بَكْرٍ أَحمدُ بنُ عِيسَى بنِ خالِدٍ السُّورِيّ، روى عنه الدّارقُطْنِيّ.
وفخرُ الدِّينِ أَبو عبدِ الله مُحَمَّدُ بن مَسْعُودِ بنِ سَلْمَان بنِ سُوَيْرِ، كزُبَيْرٍ الزَّواوِيّ المالِكّيِ، أَقْضَى القُضاةِ بدِمَشْقَ، توفِّي سنة 757 بها، ذَكَره الوَلِيّ العِرَاقِيّ.
وسُورَيْن، بفتح الراءِ: مَحَلَّةٌ في طَرفِ الكَرْخِ.
وسُورِين بكسرِ الرّاءِ: قريةٌ على نِصْفِ فَرْسَخ من نَيْسَابُور، ويقال سُوريان.
وسَوْرَة، بالفَتْح: موضع.
وسَعيد بن عبد الحميد السَّوَّارِيّ، بالتشديد، سمع من أصحاب الأَصَمِّ.
وعَمْرُو بنُ أَحمدَ السَّوّاريّ، عن أَحْمَدَ بنِ زَنْجَوَيهِ القَطّان.
والأَسْوارِيّةُ: طائفةٌ من المُعْتَزِلَة.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
40-تاج العروس (نور)
[نور]: النُّورُ، بالضَّمّ: الضَّوْءُ أَيًّا كان، أَو شُعَاعُهُ وسُطُوعُه، كذا في المُحْكَم، وقال الزَّمَخْشَريّ: الضياءُ أَشدّ من النُّور، قال تعالى: {جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُورًا} وقيل: الضِّيَاءُ ذاتِيٌّ، والنُّور عَرَضيٌّ، كما حقّقَه الفَنَاريّ في حواشي التَّلْويح. وفي البصائر للمصنّف: النُّورُ: الضِّيَاءُ والسَّنَاءُ الذي يُعِين على الإِبْصَار، وذلك ضَرْبانِ: دُنْيَويّ وأُخْرَويّ، فالدُّنْيَويُّ ضَرْبانِ: معقُولٌ بعَيْن البَصيرة، وهو ما انْتَشَر من الأَنْوار الإِلهيَّة، كنُورِ العَقْل ونُورِ القُرْآن؛ ومَحْسُوسٌ بعَيْن البَصَر، وهو ما انتشَرَ من الأَجْسَام النَّيِّرَة، كالقَمَرَيْن والنُّجُومِ النَّيِّرَات، فمن النُّور الإِلهيّ قولُه تعالى: {قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ} وقولُه: {نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ} ومن النُّور المَحْسُوس نحو قَوْله تَعَالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُورًا} وتخصيصُ الشمس بالضّوْءِ، والقَمَرِ بالنُّور، من حيث إِنّ الضَّوْءَ أَخصُّ من النُّور. وممَّا هو عامٌّ فيهما قولهُ: (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) ومن النُّور الأُخْرَويّ قولُه: (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ). الجمع: أَنْوَارٌ ونِيرَانٌ، عن ثَعْلَب.وقد نَارَ نَوْرًا، بالفَتْح، ونِيَارًا، بالكَسْر، وهذه عن ابن القَطّاع. وأَنار واسْتَنَارَ ونَوَّرَ، وهذه عن اللِّحْيَانيّ، وتَنَوَّرَ، بمعنًى واحدٍ؛ أَي أَضاءَ، كما يُقَال: بانَ الشَّيْءُ، وأَبَانَ، وبَيَّنَ، وتَبَيَّنَ، واسْتَبانَ بمعنًى واحد.
وقولُه عزّ وجلّ: {قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ} قيل: النُّورُ هُنَا سيّدنا مُحَمَّدٌ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ أَي جاءَكُم نَبيٌّ وكِتَاب، وقيل: إِنّ موسى عليهالسلام قال وقدُ سئل عنْ شيءٍ: سَيَأْتيكُم النُّورُ. وقولُه عَزّ وجلَّ: {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} أَي اتَّبعوا الحقَّ الذي بَيانُه في القُلُوب كبَيَان النُّور في العُيُون. والنُّورُّ: الَّذي يُبَيِّنُ الأَشْيَاءَ ويُرِي الأَبصارَ حَقيقَتها، قال: فمَثلُ ما أَتَى به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في القُلوبِ في بَيَانه وكَشْفِه الظُّلماتِ كمَثَلِ النُّور.
ونُور: قرية ببُخَارَى، بها زيَارَاتٌ ومَشَاهِدُ للصالحين، منها الحافظَانِ أَبو مُوسَى عِمْرَان بن عبد الله البُخَاريّ، حدّث عن أَحمدَ بن حَفْص ومحمّد بن سَلام البِيكَنْديّ، وعنه أَحمدُ بن رُفَيْد. والقاضي أَبو عليّ الحَسَنُ بنُ عليّ بن أَحمد بن الحَسَن بن إِسماعيل بن دَاوُودَ الداوُوديّ النُّورِيَّان. حدّث عن عبد الصّمد بن عليّ الحَنْظَليّ، وعنه الحافظُ عُمرُ بن محمّد النَّسَفيّ، مات سنة 518.
وأَما أَبو الحُسَيْن أَحمدُ بن محمّد النُّوريُّ الواعظُ، فلِنُورٍ كان يَظْهَرُ في وَعْظِه مشهورٌ، مات سنة 295 ويَشتَبِه به أَبو الحُسَيْن النُّوريّ أَحمد بن محمّد بن إدريس، روَى عن أَبان بن جَعْفر، وعنه أَبو الحَسَن النّعيميّ، ذكره الأَمير قال: الحافظ، وهو غير الواعظ.
وجَبَلُ النُّور: جَبَلُ حِرَاءٍ، هكذا يسمّيه أَهلُ مَكّة، كما نقله الصاغانيّ.
وذُو النُّورِ: لقب طُفَيْل بن عَمْرو بن طَرِيف الأَزْديّ الدَّوْسِيُّ الصَّحابيّ، دَعَا له النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهُمَّ نوِّرْ لهُ» فسَطع نُورٌ بين عَيْنيْه فقال: أَخافُ أَنْ يَكُون مُثْلةً؛ أَي شُهْرَة، فتحَوَّلَ إِلى طَرَف سَوْطِهِ، فكان يُضئُ في اللَّيْلة المُظْلمَة، قُتل يومَ اليَمَامَة.
وذُو النُّورَيْن لقبُ أَمير المؤْمنين عُثْمَان بن عَفّان، رضي الله عنه، لأَنّه لم يُعْلَم أَحدٌ أَرْسلَ سِتْرًا على بِنْتيْ نَبيٍّ غيره.
والمَنَارَةُ، والأَصلُ مَنْوَرَةٌ، قُلِبَت الواو أَلفًا لتَحَرُّكها وانفتاح ما قبلَها: مَوْضِعُ النُّورِ، كالمَنَارِ، والمَنَارَة: الشَّمْعَةُ ذات السِّراج، وفي المحكم: المِسْرَجَة، وهي التي يُوضَع عليها السِّراجُ، قال أَبو ذُؤَيْب:
وكِلاهُمَا في كَفِّه يَزَنِيَّةٌ *** فيها سِنَانٌ كالمَنَارَةِ أَصْلَعُ
أَراد أَن يُشبِّه السِّنانَ فلم يستقم له فأَوْقعَ اللَّفْظَ على المَنارة، وقولُه: أَصْلَع، يُريد أَنّه لا صَدَأَ عليه فهو يَبْرُق. والمَنارَةُ: التي يُؤَذَّنُ عليها، وهي المِئْذَنةُ، والعامَّةُ تقول: المَأْذنة، الجمع: مَنَاوِرُ، على القِيَاس ومَنَائِرُ، مهموز على غير قِياس. قال ثَعْلب: إِنَّمَا ذلك لأَنّ العرب تُشَبِّه الحَرْفَ بالحَرْف، فشبَّهوا مَنَارَة وهي مَفْعَلَة، من النُّور بفتح الميم، بفَعَالَة، فكَسَّرُوهَا تَكْسيرَها، كما قالوا: أَمْكِنَة، فيمن جعل مَكَانًا من الكَوْنِ، فعامَلَ الحرْفَ الزائدَ مُعَاملة الأَصْلّي، فصارَت الميم عندهم كالقاف من قَذالٍ، ومْثله في كلام العرب كثيرٌ. قال: وأَمّا سيبويه فحَمَل ما هو من هذا على الغلط.
وقال الجوهريّ: الجمع مَنَاوِر، بالوَاو، لأَنّه من النُّور، وَمنْ قال: مَنائر، وهَمَزَ فقد شَبَّه الأَصْليَّ بالزائد، كما قالُوا مَصَائِب وأَصله مَصَاوِب.
ونَوَّرَ الصُّبْحُ تَنْويرًا: ظَهَرَ نُورُه، قال:
وحَتَّى يَبِيتَ القَوْمُ في الصَّيْف لَيْلةً *** يَقُولُون نَوِّرْ صُبْحُ واللَّيْلُ عاتِمُ
ومنهحديث مَواقيت الصَّلاة: «أَنَّهُ نَوَّرَ بالفَجْر»؛ أَي صَلَّاها وقد استنارَ الأُفُقُ كثيرًا. والتَّنْوير: وَقْتُ إِسْفارِ الصُّبْح.
ونَوَّرَ على فُلانِ: لَبَّسَ عليه أَمْرَه وشَبَّهَه وَخيَّل عليه. أَو فَعلَ فِعْلَ نُورَةَ السَّاحرةِ، الآتي ذِكُرها فهو مُنوِّرٌ، وليس بعربيّ صحيح. وقال الأَزهريُّ: يقال: فُلانٌ يُنَوِّرُ على فُلان، إِذا شَبَّهَ عليه أَمْرًا. وليسَتْ هذه الكلمةُ عربيَّةً. ونَوَّرَ التَّمْرُ: خُلِقَ فيه النَّوَى، وهو مَجاز.
واستَنارَ به: استَمَدَّ نُورَه؛ أَي شُعَاعَه.
والمَنَار، بالفتح: العَلَم وما يُوضَع بينَ الشَّيْئَيْن من الحُدُود، ورَوَى شَمِرٌ عن الأَصْمَعيّ: المَنَار: العَلمُ يُجْعَل للطَّريق، أَو الحدّ للأَرَضينَ من طِينٍ أَو تُرَابٍ، ومنهالحديث: «لعَنَ الله مَنْ غيَّرَ مَنَارَ الأَرْض»؛ أَي أَعْلامَها، قيل: أَراد مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الأَرَضِين، وهو أَنْ يَقْتطِع طائفةً من أَرْضِ جارِه ويُحَوِّل الحَدَّ من مَكانه. وفي الحديث عن أَبي هُريرة: «إِنّ للإِسلام صُوًى ومَنَارًا»؛ أَي علاماتٍ وشَرَائعَ يُعْرَفُ بها. وهو مَجاز. والمَنَارُ: مَحَجَّةُ الطَّريقِ، قال الشاعر:
لِعَكٍّ في مَنَاسِمِها مَنَارٌ *** إِلى عَدْنانَ وَاضحَةُ السَّبيلِ
والنارُ، م؛ أَي معروفة، أُنْثَى، تُقال للهيب الّذي يَبْدُو للحاسَّة، نحو قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النّارَ الَّتِي تُورُونَ} وقد تُطْلَق على الحَرَارَة المُجرّدة، ومنهالحديث، أَنّه قال لِعَشرَةِ أَنْفُسٍ فيهم سَمُرَةُ،: «آخِرُكم يَموتُ في النَّار»، قال ابن الأَثير: [قيل: إِن سَمُرة أَصابه كَزَازٌ شديدٌ] فكان لا يَكادُ يَدْفأُ، فأَمَرَ بقِدْر عظيمةٍ فمُلئت ماءً وأَوْقدَ تحْتهَا واتخذَ فَوقها مَجْلِسًا وكان يَصعَد بُخارُهَا فيُدْفِئُه، فبينما هو كذلك خُسِفتْ به فحصلَ في النَّار، قال فذلك الذي قال له، والله أَعلم. وتُطْلَق على نارِ جَهَنَّم المذكورةِ في قوله تعالى: {النّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقد تُذَكَّرُ، عن أَبي حَنيفةَ، وأَنشد في ذلك:
فمَنْ يَأْتِنا يُلْمِمْ بنَا في دِيارِنَا *** يَجِدْ أَثَرًا دعْسًا ونارًا تأَجَّجَا
ورواية سيبويه:
يَجِدْ حَطَبًا جَزْلًا ونارًا تأَجَّجَا
الجمع: أَنْوارٌ، هكذا في سائر النُّسَخ التي بأَيْدِينا، وفي اللسان: أَنْوُرٌ ونيرَانٌ، انقلبت الواوُ ياءً لكسرة ما قبلها، ونيَرَةٌ، كقِرَدَة، هكذا في سائر النُّسَخ وهو غلط، والصّواب نِيرَة، بكسر فسُكُون ولا نظير له إِلّا قاع وقِيعَة، وجار وجِيرَة، حقّقه ابنُ جِنِّي في كتاب الشّواذّ، ونُورٌ، بالضمّ، ونِيَارٌ، بالكسْر، الأَخيرة عن أَبي حنيفة، وفي حديث سِجْن جَهنّم: «فتعْلُوهم نارُ الأَنْيَار» قال ابنُ الأَثير: لم أَجِدْهُ مَشُرُوحًا ولكن هكذا رُوِيَ، فإِن صحّت الرِّوَايَة فيحْتَمل أَن يكون معناه نار النّيران، بجمع النار على أَنْيَار، وأَصلها أَنْوَار، لأَنها من الواو، كما جاءَ في رِيح وعيدٍ أَرْياحٌ وأَعْيادٌ، وهما من الواو.
ومن المَجاز: النارُ: السِّمَةُ، والجَمْعُ كالجَمْع، كالنُّورَة، بالضّمّ. قال الأَصمعيّ: كلُّ وَسْمٍ بمكْوىً فهو نارٌ، وما كان بغير مِكْوًى فهو حَرْقٌ، وقَرْعٌ، وقَرْمٌ، وحَزٌّ، وزَنْمٌ، قال أَبو منصور: والعربُ تقولُ: ما نارُ هذه الناقة؟
أَي ما سِمَتُهَا، سُمّيت نارًا لأَنّهَا بالنار تُوسَم، وقال الراجز:
حتَّى سَقَوْا آبالَهُم بالنّارِ *** والنَّارُ قد تَشْفي من الأُوارِ
أَي سَقَوْا إِبلَهم بالسِّمَة؛ أَي إِذا نَظَروا في سِمَة صاحِبه عُرِفَ صاحبُه فسُقِيَ وقُدِّم على غيره لشرَفِ أَربابِ تلك السِّمَةِ وخَلّوْا لها الماءَ. ومن أَمْثالهم: «نِجَارُها نارُهَا»؛ أَي سِمَتُها تَدلّ على نِجَارِها، يعني الإِبل، قال الراجز يَصفُ إِبلًا سِمَاتُها مُخْتلفة:
نِجَارُ كُلِّ إِبِلٍ نِجَارُهَا *** ونارُ إِبْلِ العَالَمِين نارُهَا
يقول: اختلَفتْ سِماتُها لأَنّ أَربَابها من قَبائلَ شَتَّى، فأُغِيرَ على سَرْحِ كلّ قبيلة. واجتمعتْ عند مَنْ أَغار عليها سِمَاتُ تلك القبائلِ. وفي حديثِ صَعْصَعَةَ بن ناجِيَةَ، جدِّ الفرزدق: «وما ناراهُما» أَي ما سِمَتُهما التي وُسِمَتَا بها، يعنِي ناقتيْه الضّالَّتيْن، والسِّمَة: العَلامة.
ومن المَجاز: النارُ: الرَّأْيُّ، ومنه الحديث: «لا تَسْتضِيئُوا بنارِ أَهْل الشِّرْك» وفي رواية: بنار المُشْركين.
قال ثعلب: سأَلْتُ ابن الأَعْرَابيّ عنه فقال: معناه لا تُشَاوروهم، فجعل الرأْيَ مثلًا للضَّوْءِ عند الحَيْرَة.
ونُرْتُه؛ أَي البعيرَ: جَعَلْتُ عَليْه نارًا؛ أَي سِمَةً.
والنَّوْرُ والنَّوْرَةُ، بفتحهما، والنُّوّار، كرُمّان، جميعًا: الزَّهْرُ، أَو النَّوْرُ: الأَبْيَضُ منه؛ أَي من الزَّهر، والزَّهْرُ الأَصْفرُ، وذلك أَنَّه يَبْيَضُّ ثم يَصْفَرُّ، الجمع: النَّوْر أَنْوَارٌ، والنَّوّارُ واحدتُه نُوَّارَةٌ.
ونَوَّرَ الشَّجرُ تَنْويرًا: أَخرجَ نَوْرَه. وقال اللّيث: النَّوْرُ: نَوْرُ الشَّجَرِ، والفِعْل التَّنْويرُ، وتَنْويرُ الشجرةِ: إِزْهَارُهَا.
كأَنارَ، أَصلُه أَنْوَرَ، قُلبت واوُه أَلفًا. ونوَّرَ الزَّرْعُ: أَدْرَك، والتَّنْويرُ: الإِدْرَاكَ، هكذا سَمّاه خِنْدِفُ بنُ زِيَاد الدُّبيريّ فقال:
سامَى طعَامَ الحَيِّ حتَّى نَوَّرَا
وجمعه عَدِيُّ بن زَيْد فقال:
وذي تَنَاوِيرَ مَمْعُونٍ له صَبَحٌ *** يَغْذُو أَوَابِدَ قدْ أَفْلَيْن أَمْهَارَا
ونَوَّرَ ذِرَاعَهُ تنْويرًا، إِذا غَرَزَها بإِبْرَة ثم ذَرَّ عَليْهَا النَّؤُورَ، الآتي ذِكرُه.
وأَنارَ النَّبْتُ: حَسُنَ وظَهَرَ، من الإِنارَة، كأَنْوَرَ، على الأَصْل، ومنهحديث خُزَيْمَة: «لمّا نَزلَ تحتَ الشَّجرةِ أَنْوَرَت»؛ أَي حَسُنتْ خُضْرَتُها، وقيل: أَطْلعَت نَوْرَها.
وأَنارَ المَكانَ، يتعَدَّى ولا يَتعدَّى، أَضاءَهُ، وذلك إِذا وَضعَ فيه النُّور.
والأَنْوَرُ: الظّاهر الحَسَنُ، وبه لُقِّبَ الإِمَامُ أَبو محمّد الحَسَن بن الحَسن بن عليّ بن أَبي طالب، رضي الله عنهم، لوَضاءَته، ومنهفي صِفته صلى الله عليه وسلم: «كان أَنْوَرَ المُتَجَرَّدِ»؛ أَي نَيِّر [لون] الجِسْمِ، يُقال للحَسَن المُشْرِقِ اللّونِ: أَنْوَرُ، وهو أَفْعَلُ من النُّور.
والنُّورَةُ، بالضّمّ: الهِنَاءُ، وهو من الحَجَر يُحْرَق ويُسوَّى منه الكِلْسُ ويُحْلَق به شَعرُ العانَةِ: وانْتَارَ الرجلُ وتَنَوَّرَ وانْتَوَرَ، حكَى الأَوَّلَ ثعلبٌ وأَنكر الثّانيَ؛ وذكرَ الثّلاثة ابنُ سِيدَه، إِذا تَطَلَّى بها، وأَنشد ابنُ سيده:
أَجِدَّكُمَا لم تَعْلمَا أَنّ جَارَنَا *** أَبَا الحِسْلِ بالصَّحَرَاءِ لا يَتَنَوَّرُ
وفي التهذيب: وتأْمُرُ من النَّوْرَة فتقول: انْتَوِرْ يا زيْدُ، وانْتَرْ، كما تقول: اقْتَوِلْ واقْتَلْ.
والنَّؤُورُ، كصَبُورِ: النِّيلَجُ، وهو دُخَانُ الشَّحْم الذي يَلْتزقُ بالطَّسْت يُعَالَجُ به الوَشْمُ ويُحْشَى به حتّى يَخْضَرَّ.
ولك أَنْ تَقلبَ الواوَ المضمومَة هَمْزةً. كذا في اللّسَان.
قلت: ولذا تَعرَّضَ له المصنّف في ن أ ر وأَحالَه على هُنا. والنَّؤور: حَصَاةٌ كالإِثْمِد تُدَقُّ فتُسَفُّهَا اللِّثَةُ؛ أَي تُقْمَحُهَا، من قَولك: سَفِفْتُ الدّوَاءَ. وكنّ نِساءُ الجاهليّةِ يَتَّشِمْن بالنَّؤُورِ، ومنه قولُ بشْر:
كما وُشِمَ الرَّوَاهشُ بالنَّؤُورِ
وقال الليْث: النَّؤُور: دُخَانُ الفَتيلةِ يُتَّخَذ كُحْلًا أَو وَشْمًا.
قال أَبو مَنْصُور: أَمَّا الكُحْلُ فما سَمِعتُ أَنَّ نساءَ العَرَبِ اكْتحَلْن بالنَّؤور، وأَمَّا الوَشْم به فقد جاءَ في أَشعارهم، قال لبيد:
أَو رَجْعُ وَاشمَةٍ أُسِفَّ نَؤُورُها *** كِفَفًا تَعَرَّضَ فَوْقَهُنَّ وِشَامُهَا
والنَّؤُور: المَرْأَةُ النَّفُورُ من الرِّيبَة، كالنَّوَار، كسَحَاب، ج، نُورٌ بالضّمّ يقال: نِسْوَةٌ نُورٌ؛ أَي نُفَّرٌ من الرِّيبة، والأَصْل نُوُرٌ، بضمَّتيْن، مثل قَذَال وقُذُل، فكرِهوا الضَّمَّةَ على الواو لثِقلها. لأنّ الواحدة نَوَارٌ. وهي الفَرُور، وبه سُمِّيَت المرأَةُ.
ونارَت المَرأَةُ تَنُورُ نَوْرًا، بالفتْح، ونِوَارًا، بالكسْر والفتح: نَفَرَتْ، وكذلك الظّبَاءُ والوَحْش، وهُنَّ النُّورُ: أَي النَّفَّر منها. قال مُضرِّسٌ الأَسَديّ وذكر الظّباءَ وأَنّهَا كَنَسَتْ في شِدَّةِ الحَرّ:
تَدَلَّتْ عليها الشَّمسُ حتَّى كأَنَّهَا *** من الحَرِّ تُرْمَى بالسَّكينةِ نُورُهَا
وقال مالِك بن زُغْبَةَ الباهليّ:
أَنَوْرًا سَرْعَ ماذا يا فَرُوقُ *** وحَبْلُ الوَصْلِ مُنْتكِثٌ حَذيقُ
أَلَا زَعَمتْ علاقَةُ أَنّ سَيْفي *** يُفَلِّلُ غَرْبَهُ الرَّأْسُ الحَلِيقُ
قال ابن بَرّيّ: معناه: أَنِفَارًا سَرُعَ ذا يا فَرُوق؛ أَي ما أَسْرَعَه، وذا فاعلُ سَرُعَ، وأَسكنه للضرورة، وما زائدة.
ومُنتَكِث: مُنْتقِض، وحَذِيق: مقطوع، وعلَاقَةُ: اسم محبوبته.
قال: وامرأَةٌ نَوَارٌ: نافِرةٌ عن الشّرّ والقَبيح، والنِّوارُ، بالكسر: المَصْدر، وبالفتْح: الاسم، وقيل: النِّوَار: النِّفَار من أَيّ شيْءٍ كان.
ومن سجعات الأَساس: الشّيْبُ نُورٌ، عنه النساءُ نُورٌ؛ أَي نُفَّر، وقد نارَهَا ونَوَّرَها واسْتَنارَهَا: نَفَّرَهَا، قال ساعدَةُ بن جُؤَيَّة يَصف ظَبْيَةً:
بوَادٍ حَرَامٍ لم تَرُعْها حِبَالُه *** ولا قانصٌ ذو أَسْهُمٍ يَسْتنِيرُها
وبَقرَةٌ نَوَارٌ، بالفتْح: تَنْفِرُ من الفَحْل، الجمع: نُورٌ، بالضّمّ.
وفي صفةِ ناقةِ صالحٍ عليهالسلام: هي أَنْوَرُ من أَن تُحْلَب.
أَي أَنْفَرُ. وفَرَسَ وَدِيقٌ نَوَارٌ، إِذا اسْتَوْدَقتْ وهي تُريدُ الفَحْلَ، وفي ذلك منها ضَعْفٌ تَرْهَبُ عن صَوْلة النّاكح.
ونارُوا نَوْرًا وتَنَوَّرُوا: انْهَزمُوا.
ونارُوا النّارَ من بَعيدٍ وتَنَوَّرُوهَا: تَبَصَّرُوهَا؛ أَو تَنَّورُوها: أَتَوْها، قال الشاعر:
فَتَنَوَّرْتُ نارَهَا مِن بَعيدٍ *** بِخَزَازَى هَيْهَاتَ مِنْك الصِّلاءُ
وقال ابنُ مُقْبل:
كَرَبَتْ حَيَاةُ النَّارِ للمُتنوِّرِ
واسْتَنارَ عَليْه: ظَفِرَ به وغَلَبَه، ومنه قولُ الأَعْشى:
فأَدْرَكُوا بعْضَ ما أَضاعُوا *** وقاتَلُوا القَوْمَ فاسْتَنارُوا
ونُورَةُ، بالضّمّ: اسمُ امرأَة سَحَّارَة، قال الأَزهريّ: ومنه قولُهُم لمَنْ فعَل فِعْلها: قد نوَّرَ. فهو مُنَوِّرٌ، وليست بعربيّة صحيحة. قُلتُ: ويجوز أَن يكون منه مأْخَذ النُّورِيّ، بالضّمّ وياءِ النّسبة، للمُخْتلس، وهو شائعٌ في العَوَامّ، كأَنّه يُخَيِّل بفِعله ويُشَبِّه عليهم، حتى يَختلس شيئًا، والجمع نَوَرَةٌ، محرّكة.
ومَنْوَرٌ، كمَقْعَد: موضع، صحّت فيه الواو صِحَّتها في مَكْوَرَة، للعَلَميّة، قال بِشْر بن أَبي خازم:
أَليْلَى على شَطِّ المَزَارِ تَذَكَّرُ *** ومِن دُونِ لَيْلى ذُو بِحَارٍ، ومَنْوَرُ
أَو جَبَلٌ بظَهْرِ حَرَّةِ بنِي سُليْم وكذلك ذو بِحَارٍ، وهما جَبَلانِ، كما فسَّر به الجوهريّ قولَ بشْرٍ السابقَ، وقال يزيدُ بنُ أَبي حارثة:
إِنّي لعَمْرُك لا أُصالحُ طَيِّئًا *** حتَّى يَغُورَ مَكَانَ دَمْخٍ مَنْوَرُ
وذُو النُّوَيْرَة، كجُهَيْنة: لقبُ عامر بن عَبد الحَارث، شاعرٌ. وذو النُّوَيْرَة: مُكْمِل بن دَوْس كمُحْسن، قوّاسٌ، إِليه نُسبَت القِسِيُّ المشهورة.
ومُتَمِّمُ بن نُوَيْرَةَ بن جَمْهَرة التَّميميّ اليَرْبُوعيّ، أَسلمَ مع أَخيه، صحَابيُّ، ولم يذكرْ أَنّه وَفدَ، وهو وأخوه مالِكَ بن نُوَيْرَة شاعرَانِ، وهو أَيضًا صحابيّ، وله وِفادة، واستعملَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على صَدَقاتِ قَوْمه. وقِصّتُه مشهورَةٌ، قتلَه خالدُ بن الوليد زَمَنَ أَبي بكرٍ فوَدَاهُ.
قاله ابن فَهْد. قلْت: وهما من بني ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع، ولو قال المصنِّف: ومتمّم ومالكُ ابنا نُوَيْرَةَ صحَابيّان شاعرانِ كان أَحْسَن.
ونُوَيْرَةُ: ناحيَةٌ بمصرَ، عن نَصْر، ومنها الإِمام الفقيه الشّهيد النّاطقُ أَقضَى القُضاة أَبو القاسم عبد الرحْمن بن القاسِم بن الحُسَيْن بن عبد الله بن محمّد بن القاسم بن عَقِيل العَقِيليّ الهاشميّ النُّوَيْريّ، استُشْهِد في وَقْعة الفِرِنْج بدمْيَاط سنة 648، وأَبوه القاسم يُعرَفُ بالجَزُوليّ، وجَدّه الحُسين مشهورٌ بابن الحارثيّة، ووَالدهُ عبد الله مشهورٌ بابن القُرَشيَّة. وهو من بَيْتِ عِلْم ورِياسه، وفي وَلدِه الخطابةُ والقضاءُ والتَّدْريس بالحَرَمَيْن الشَّرِيفين. وَلدُه الفقيهُ الإِمام جمال الدّين القاسم أَخذ عنه ابنُ النّعمان الميرتليّ، وحَفيدُه الفقيه شهابُ الدّين أَحمد بن عبد العزيز بن القاسم النُّوَيْريّ، ذكره ابنُ بَطُّوطة في رحلته. وابنتُه أُمُّ الفضْل خَديجَةُ، وكَمالية ابنة عليّ بن أَحمد، ومحمد بن عبد الرحمن بن عليّ بن أَحمد، وأُختُه خديجة، ومحمّد ابن عليّ بن أَحمد. وولده أَبو اليُمْن محمّد؛ الستّة حَدّثوا وأَجازوا شيخ الإسلام زكريّا، ومحبّ الدين أَبو البركات، وأَحمد بن محمّد بن أَحمد بن عبد العزيز بن القاسم، خَطيب الحَرَمَيْن وقاضيهما، توفِّي سنة 799 وحفيدُه الخطيبُ شرف الدِّين أَبو القاسم أَحمد بن محمّد بن أَحمد، من مشايخ السيّوطي؛ وبنْتُه أُمّ الهُدَى زيْنب، أَجازها تقيّ الدين بن فهْدٍ؛ وابنُ أَخيه نَسيمُ الدِّين أَبو الّطِّيب أَحمَد بن محمّد بن أَحمد، أَجازه الحافظ السَّخاويّ.
وذو المَنَار مَلِكٌ من ملوك اليَمَن، واسمه أَبْرَهَةُ، وهو تُبَّعُ بن الحَارث الرّايش بن قَيْس بن صَيْفيّ، وإِنّما قيل له ذُو المَنار لأَنّه أَوّلُ مَنْ ضرَبَ المَنارَ على طَريقِه في مَغازِيه ليَهْتدِيَ بها إِذا رَجَع. وولده ذو الأَذعار، تقدّمَ ذِكره.
وبَنُو النار: القَعْقاعُ، والضَّنَّانُ، وثَوْبٌ، شُعراءُ، بَنُو عَمْرو بن ثعْلبَة قيل لهم ذلك لأَنه مَرّ بهم امرؤ القيْس بنُ حُجْر الكنْديّ أَميرُ لوَاءِ الشُّعراءِ فأَنْشدُوه شيئًا من أَشعارهم فقال: إِنّي لأَعْجَبُ كيف لا يمْتلئُ عليكم بَيْتُكُمْ نارًا من جَوْدة شعْركم، فقيل لهم: بَنُو النّارِ.
والمُناوَرَة: المُشاتَمَة، وقد ناوَرَهُ، إِذا شاتَمَه.
ويقال: بَغَاه الله نَيِّرَةً، ككَيِّسَة، وذاتَ مَنْوَرِ كمَقْعَد؛ أَي ضَرْبَةً أَو رَمْيَةً تُنِيرُ وتَظْهَر فلا تَخْفَى على أَحَد.
* وممّا يُسْتدرك عليه:
النُّورُ: النّار، ومنه قولُ عُمَرَ إِذا مَرّ على جماعة يَصْطلون بالنّارِ: «السَّلامُ عليكم أَهل النُّور» كَرهَ أَن يُخاطِبهم بالنار.
وقد تُطْلق النار ويُرَاد بها النُّور كما في قوله تعالى: {إِنِّي آنَسْتُ نارًا}.
وفي البصائر: وقال بعضُهُم: النّارُ والنُّورُ من أَصلٍ واحدٍ، وهما كثيرًا ما يَتلازمانِ، لكن النّار مَتَاعٌ للمُقْوِين في الدُّنْيَا، والنُّور متَاعٌ للمُتَّقين في الدُّنيا والآخرة، ولأَجْل ذلك استُعْمِل في النّور الاقْتبَاسُ فقال تعالى: {انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} انتهى.
ومن أَسمائه تعالى: النُّورُ، قال ابنُ الأَثير: هو الذي يُبْصِرُ بنُورِه ذُو العَمَايَة، ويَرْشُد بهُداه ذو الغَوَاية. وقيل، هو الظّاهر الّذي به كلُّ ظُهورٍ. والظّاهرُ في نفْسه المُظْهِرُ لغيْرِه، يُسَمَّى نُورًا. و {اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}. أَي مُنوِّرُهُمَا، كما يُقال: فلانٌ غِيَاثُنا أَي مُغِيثُنا.
والإِنارَةُ: التَّبْيِينُ والإِيضاحُ، ومنهالحديث: «ثم أَنارَهَا زيدُ بنُ ثابت» أَي نَوَّرَهَا وأَوْضَحها وبَيَّنها. يعني به فَريضة الجَدّ، وهو مَجاز، ومنه أَيضًا. قولُهُم: وأَنارَ الله بُرْهَانه؛ أَي لَقَّنَه حُجَّتَه.
والنّائراتُ والمُنِيراتُ: الوَاضِحَاتُ البَيِّنَاتُ، الأُولَى من نارَ، والثّانية من أَنارَ. وذا أَنْوَرُ من ذاك؛ أَي أَبْيَنُ.
وأَوْقدَ نارَ الحَرْب. وهو مَجاز.
والنُّورَانيّة هو النُّور.
ومَنَارُ الحَرَمِ: أَعْلامُه التي ضَرَبَها إِبراهيمُ الخليلُ، عليه وعلى نبيِّنا الصّلاة والسّلام، على أَقْطارِ الحَرَم ونَوَاحِيه، وبها تُعرَف حُدُودُ الحَرَمِ من حُدُود الحِلِّ. ومَنَارُ الإِسلامِ: شرَائعُه، وهو مَجاز.
والنَّيِّرُ كسَيِّد، والمُنِيرُ: الحَسَنُ اللَّوْنِ المُشْرِقُ.
وتَنَوَّرَ الرجُلَ: نظرَ إِليه عند النّار من حيثُ لا يَرَاهُ.
وما به نُورٌ، بالضّم؛ أَي وَسْمٌ، وهو مَجاز.
وذُو النُّور: لقبُ عبد الرحمن بن رَبيعَة الباهليّ، قَتلتْه التُّرْكُ ببَابِ الأَبْوَاب في زَمنِ عُمَرَ رضي الله عنه، فهو لا يزال يُرَى على قبْره نُورٌ. نقله السهيليّ في الرّوض. قلتُ: ووَجدْت في المُعْجم أَنَّه لقبُ سُرَاقَة بن عَمْرو، وكان أَنْفذه أَبو موسى الأَشْعَريّ على باب الأَبْوَاب. فانْظُره.
ونارُ المُهَوِّل: نارٌ كانت للعَرَب في الجاهليّة يُوقِدُونها عند التّحَالُف، ويَطْرحون فيها، مِلْحًا يَفْقعُ، يُهَوِّلون بذلك تأْكيدًا للحِلْف.
ونارُ الحُباحب، مَرَّ في موضعهَا.
والنّائرَةُ: العَدَاوَةُ والشّحْناءُ والفِتْنة الحادثةُ. ونارُ الحرْب ونائرَتُهَا: شَرُّها وهَيْجُهَا.
وحَرَّةُ النّارِ لبَني عَبْس، تقدّمَ ذِكْرها في الحِرَار. وزُقَاقُ النّارِ بمَكَّة. وذُو النّارِ: قرْيَةٌ بالبَحْرين لبني مُحَارِب بن عبد القيْس. قاله ياقوت.
وقال زيدُ بن كُثْوَةَ: عَلِقَ رجلٌ امرأَةً فكان يَتَنوَّرُهَا باللَّيْل، والتَّنَوُّر مثل التَّضَوُّءِ، فقيل لها: إِنّ فلانًا يَتَنَوَّرُك، لتحْذرَه فلا يَرَى منها إِلّا حَسَنًا، فلمّا سَمعتْ ذلك رَفعتْ مُقدَّمَ ثَوْبها ثمَّ قابَلتْه وقالت: يا مُتنوِّرًا هاه. فلمّا سمعَ مَقالتهَا وأَبْصَر ما فَعلتْ، قال: فبئسما أَرَى هاه. وانصرفَتْ نَفْسُه عنها. فضُربَتْ مَثلًا لكلّ من لا يَتّقِي قَبيحًا ولا يَرْعَوِي لحَسَن.
وذو النُّوَيْرَة: لقبُ كَعْب بن خَفاجَةَ بن عَمْرو بن عُقَيْل ابن كعْب، بطْنٌ.
ومَنَارَةُ بن عَوْف بن الحَارث بن جَفْنة: بَطْن. ومَنَارَةُ أَيضًا بَطْنٌ من غافِق، منهم إِياسُ بنُ عامر المَنَارِيُّ، شَهِدَ مع عليٍّ مَشاهدَه.
ومحمّد بن المُسْتنِير النَّحْويّ هو قُطْرُب، حَدّثَ عنه محمّد بن الجَهْم. ومُسْتنِيرُ بن عِمْران الكُوفيّ. ومُسْتنِيرُ بن أَخْضرَ بن مُعَاوية بن قُرّة، عن أَبيه.
وعبد اللطيف بن نُوريّ، قاضي تَبْريز، سمعَ كتابَ شرْح السُّنَّة للبَغويّ من حشدة. ذكرَه ابنُ نُقْطة.
ومحمّد بن النُّور البَلْخيّ، بالضّم، رَوَى عن السِّلَفيّ بالإِجازة.
ومحمّد بن محمود النُّورانيّ، ذكرَه أَبو سَعدٍ المالِينيّ.
والنُّورِيّة: قريةٌ بالسَّواد، منها الحُسَيْن بن عبد الله، وإِبراهيم بن مَنْصُور، وأَحمد بن محمّد بن مَخْلَد، وحفيده أَبو القاسم عُبَيْدُ الله بن محمّد بن أَحمد، النُّوريُّون، محدِّثون. وإسماعيل بن سودكين النُّوريّ، تلميذُ ابن عَرَبيّ، نُسِب إِلى نُور الدّين الشَّهيد.
ورَوْضة النُّوّار، كرُمَّان، حِجَازيَّة.
والنَّوَارُ، كسَحَاب: مَوضعٌ نَجْديّ.
والمُنَوَّر، كمُعَظّم: لقبُ شيخنا العَلّامة الشَّهيد أَبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن أَيُّوبَ التِّلِمْسَانيِّ، أَخذ عن أَبي عبد البَرّ محمّد بن محمّدٍ المُرَابط الدّلائيّ؛ ومحمّد بن عبد الرحمن بن زكرى، وأَبي العباس أحمد بن مُبَارك بن سعيد الغيْلانيّ، والمحدّث المُعَمّر عليّ بن أحمد بن عبد الله الخيّاط الفاسيّ الحرشيّ؛ وأَجازه من فاس محمّد ابن عبد السلام بناني الكبير، ومحمّد بن عبد الرّحمن بن عبد القادر صاحب المنح، تُوُفِّي بمصر بعد رُجوعه من الحجّ في نهار الأَحد 13 شوال من شهور سنة 1172 رحمه الله تعالى.
ومَنارَة الإِسْكندر بالإِسكندريّة من عجائب الدّهر، ذكرها أَهل التاريخ.
ومَنَارةُ الجَوَافرِ في رُسْتاق هَمَدان في ناحيةٍ يقال لها وَنْجَر، بنَاها سابُور بنُ أَرْدشير، ارتفاعُها خمْسُون ذراعًا، في استدارة ثلاثين ذراعًا. ولشعراءِ هَمَذان فيها أَشعارٌ متداوَلة.
ومَنَارَةُ القُرُون: بطريق مكة، قربَ وَاقِصَةَ، بناها السّلطان جَلالُ الدّين مَلِكْ شاة ابن أَلْب أَرْسَلان المتوفَّى سنة 485 اقتدَاءً بسَابُور. قال ياقُوت: وهي باقِيَة مَشْهُورة إِلى الآن.
وإِقْليم المَنَارَة، بالأَنْدَلس، قُربَ شَذُونَة. ومَنارَة أَيضًا من ثُغور سَرَقُسْطةَ.
ومُنِيرَةُ، بضمّ فكسْر: مَوضعٌ في عَقِيق المَدينة، ذكرَه الزُّبَيْر. والمُنِيرَة: قريةٌ باليَمَن، سَمعتُ بها الحديثَ على الفقيه المُعَمَّر مُسَاوى بن إِبراهيم الحُشَيْبريّ، رضي الله عنه.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
41-تاج العروس (سمهط)
[سمهط]: سُمْهُوطُ، بالضَّمِّ أَهْمَلَهُ الجَمَاعَةُ، ونَقَلَ الصّاغَانِيُّ أَنَّهَا: قرية، كَبِيرَةٌ غَرْبَيَّ نِيلِ مَصْرَ عَلَى الشَّطِّ، كما في العُبَابِ، وقالَ في التَّكْمِلَة: فإِن كانَتِ الهاءُ زائِدَةً لعَوَزِ تركيب «سهط» فهذا مَوضِعُه، يعني في تركيب «سمط».قلتُ: وقد يُغَتَفَرُ في أَسْمَاءِ البُلْدَانِ ما لا يُغْتَفَرُ في غيرِهَا.
وقوْلُه في العُبَاب: «على الشَّطِّ» محلُّ نَظَرٍ، بل إِنّهَا بَعِيدَةٌ من الشَّطِّ، ثُمّ إِنّ المَشْهُورَ في هذِه القَرْيَةِ أَنَّهَا بفَتْح السِّينِ وبالدّالِ في آخِرِها، وهكذا نَقَلَهُ صاحبُ المَرَاصِدِ، كما في ذَيْلِ اللُبِّ للشِّهَاب العَجَمِيِّ، وذَكَر فيه أَنَّهُ يُقَال بالطّاءِ بدَل الدّالِ، وقد نُسِبَ إِليها الإِمَام شِهَابُ الدِّينِ أَقْضَى القُضاةِ أَحمدُ بنُ عليِّ بنِ عيسى بنِ مُحَمَّدٍ جَلالُ الدِّينِ أَبُو العَلْيَاءِ الحَسَنِيُّ السَّمْهُوطِيُّ، وولدُه جَمَالُ الدين أَبو المَحَاسِن أَقضَى القُضاةِ عَبْدُ الله بنُ أَحْمَدَ، وُلِدَ بها سنة 804 وقدم إِلى مصر، ولازَمَ دُرُوسَ القَايَاتِيِّ، وأَذِنَ له، تُوفّي ببَلَدِه سنة 866 وولدُه الإِمامُ نورُ الدِّينِ أَبُو الحَسَن عليُّ بنُ عبدِ اللهِ نَزِيلُ المَدِينَةِ المُشَرَّفة ومُؤرِّخُها، وِلَادَتُه سنةَ 844.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
42-تاج العروس (شع شعع شعشع)
[شعع]: الشَّعْشَعُ، والشَّعْشَاعُ، والشَّعْشَعانُ، وهذِه عن ابْنِ دُرَيْدٍ والشَّعْشَعَانِيُّ: الطَّوِيلُ الحَسَنُ، الخَفِيفُ اللَّحْمِ من الرِّجَالِ، شُبِّهَ بالخَمْرِ المُشَعْشَعَةِ لِرقَّتِهَا، وياءُ النَّسَبِ في الشَّعْشَعَانِيِّ لِغَيْرِ عِلَّةٍ، إِنَّمَا هو من باب أَحْمَرَ وأَحْمَرِيٍّ ودَوَّار ودَوّارِيٍّ، وقِيلَ: الشَّعْشَاعُ والشَّعْشَعَانِيُّ والشَّعْشَعَانُ: الطَّوِيلُ العُنُق من كُلِّ شَيْءٍ، وعُنُقٌ شَعْشَاعٌ؛ أَي طَوِيلٌ. وقَيَّدَ السُّهَيْلِيُّ في الرَّوْضِ الشَّعْشَعَانِيَّ بالطَّويلِ من الرِّجَالِ فقط، وذَكَر له نَظَائِرَ، ولم يَذْكُر الجَوْهَرِيُّ الشَّعْشَعَانِيَّ، وذَكَرَ ما عَدَاهَا.وِقيل: الشَّعْشَاعُ: الخَفِيفُ في السَّفَرِ، أَو خَفِيفُ الرُّوح، وقِيل: الحَسَنُ الوَجْهِ، وقِيلَ: الطَّوِيلُ، ومنهُ حَدِيثُ البَيْعَة: «فجَاءَ رَجُلٌ شَعْشَاعٌ» أَي طَوِيلٌ، وشَاهِدُ الشَّعْشَعِ، كجَعْفَرٍ: حَدِيثُ سُفْيَانَ بنِ خالِدِ بن نُبَيْحٍ الهُذَلِيِّ: «تَرَاهُ عَظِيمًا شَعْشَعًا».
وِالشَّعْشَاعُ: المُتَفَرِّقُ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ للرّاجِزِ:
صَدْقُ اللِّقَاءِ غَيْرُ شَعْشَاعِ الغَدَرْ
يَقُولُ: هو جَمِيعُ الهِمَّةِ غيرُ مُتَفَرِّقِها.
وِالشَّعْشَاعُ: الظِلُّ غَيْرُ الكَثِيفِ، ويُقَالُ: هو الَّذِي لم يُظِلَّكَ كلُّه، ففيهِ فُرَجٌ.
وِالشَّعَاعُ، كسَحَاب: التَّفْرِيقُ، يُقال: شَعَّ البَعِيرُ بَوْلَه يَشُعُّهُ شَعًّا، وشَعَاعًا؛ أَي فَرَّقَه.
وِالشَّعَاعُ: تَفَرُّقُ الدَّمِ وغَيْرِه نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ لشاعِرٍ ـ وهو قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ ـ:
طَعَنْتُ ابنَ عَبْدِ القَيْسِ طعْنَةَ ثائِر *** لها نَفَذٌ لَوْلا الشَّعَاعُ أَضَاءَهَا
هكذا يُرْوَى بفَتْحِ الشِّينِ، وقال أَبو يُوسُفَ: أَنْشَدَنِي ابنُ مَعْنٍ عن الأَصْمَعِيِّ: «لو لا الشُّعَاع» بضَمِّ الشِّينِ، وقال: هو ضَوْءُ الدَّم وحُمْرَتُه وتَفَرُّقُه، قال ابنُ سِيدَه: فلا أَدْرِي أَقاله وَضْعًا، أَمْ عَلَى التَّشْبِيه؟ وفَسَّرَ الأَزْهَرِيُّ هذا البَيْتَ، فقالَ: لو لا انْتِشَارُ سُنَنِ الدَّمِ لأَضَاءَهَا النَّفَذُ حَتَّى تَسْتَبِينَ، وقالَ أَيْضًا: شُعَاعُ الدَّم: ما انْتَشَرَ إِذا اسْتَنَّ من خَرْقِ الطَّعْنَةِ، وقال غيرُهُ: ذَهَبَ دَمُه شَعَاعًا؛ أَي مُتَفَرِّقًا. وقال أَبو زَيْد: شَاعَ الشَّيْءُ يَشِيع، وشَعَّ يَشِعُّ شَعًّا وشَعَاعًا، كلاهُمَا، إِذا تَفَرَّقَ.
وِالشَّعَاع: الرَّأْيُ المُتَفَرِّقُ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
وِالشَّعَاعُ من السُّنْبُلِ: سَفَاهُ إِذا يَبِسَ ما دامَ على السُّنْبُلِ، ويُثَلَّثُ، كما في اللِّسَانِ، واقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ على الفَتْح.
وِالشَّعَاعُ مِنَ اللَّبَنِ: الضَّياح يُقَال: سَقَيْتُه لَبَنًا شَعَاعًا، كأَنَّه أُخِذَ من التَّفَرُّقِ، إِذا أُكْثِرَ ماؤُه، عن ابْنِ شُمَيْل.
وِالشَّعَاعُ من النُّفُوسِ: التي تَفَرَّقَتْ هُمُومُها، هكذا في النُّسَخِ، وصَوابُه «هِمَمُها»، كما هو نَصُّ الجوهريَّ، زاد الزَّمَخْشَرِيُّ: وآرَاؤُهَا، فلا تَتَّجهُ لأَمْرٍ جَزْمٍ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للشَّاعِرِ ـ وهو قَيْسُ بنُ ذَرِيحٍ ـ:
فَقَدْتُكِ من نَفْسٍ شَعَاعٍ! أَلَمْ أَكُنْ *** نَهَيْتُكِ عن هذَا وأَنْتِ جَمِيعُ؟
وأَنْشَدَ غيرُه لَهُ:
فَلَمْ أَلْفِظْك من شِبَعٍ ولكِنْ *** أُقَضِّي حَاجَةَ النَّفْسِ الشَّعَاعِ
قال ابنُ بَرِّيّ: ومِثْلُ هذا لِقَيْسِ بنِ مُعَاذِ مَجْنُونِ بَنِي عامِر:
فلا تَتْرُكِي نَفْسِي شَعَاعًا فإِنَّها *** من الوَجْدِ قد كَادَتْ عَلَيْكِ تَذُوبُ
وِذَهَبُوا شَعَاعًا؛ أَي مُتَفَرِّقِينَ.
وكذا تَطَايَرُوا، وفي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ رضِيَ الله تعالَى عنه: «سَتَرَوْنَ بَعْدِي مُلْكًا عَضُوضًا، وأُمَّةً شَعَاعًا» أَي مُتَفرِّقِين.
وِطَارَ فُؤَادُه شعاعًا؛ أَي تَفَرَّقَتْ هُمُومُه، ويُقَال: ذَهَبَت نَفْسِي شَعَاعًا، إِذا انْتَشَرَ رَأْيُهَا فلم يَتَّجِهْ لأَمْرٍ جَزْمٍ.
وِشُعَاعُ الشَّمْسِ، وشُعُّهَا، بضَمِّهما، الأَخِيرَةُ عن أَبِي عَمْرو: الَّذِي تَرَاهُ عند ذُرُورهَا كَأَنَّهُ الحِبَالُ أَو القُضْبَانُ مُقْبِلَةً عليك إِذا نظرت إِليْها، أَو الَّذِي يَنْتشِرُ من ضَوْئِها، وبه فُسِّرَ قول قَيْسِ بنِ الخَطِيمِ عَلى رِوَايَةِ من رَوَى: «الشُّعاع» بالضم، كما تقدم، أَو الذِي تَرَاهُ مُمْتَدًّا كالرِّمَاحِ بُعَيْدَ الطُّلُوع وما أَشْبَهَهُ، وقد جَمَعَ الجَوْهَرِيُّ بينَ القَوْلَيْنِ الأَوَّلَيْنِ فقال: شُعَاعُ الشَّمْسِ: ما يُرَى من ضَوْئها عند ذُرُورِهَا كالقُضْبَانِ. الوَاحِدَة شُعَاعَة، بهاءٍ، نَقَلَه الجَوْهَرِي، قال: ومنه حَدِيثُ ليلةِ القَدْرِ: «إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ من غَدِ يَوْمِها لا شُعَاعَ لها». ج: أَشِعَّةٌ وشُعُعٌ، بضَمَّتَين، وشِعَاعٌ، بالكَسْر، الأَخير نادِر.
وِشَعَّ البَعِيرُ بَوْلَه يَشُعُّه: فَرَّقَه وقَطَّعَهُ، كأَشَعَّه، نقلهما الجوهري.
وِشَعّ البَوْلُ يَشِعُّ، بالكَسْرِ، أَو شَعَّ القوْمُ يَشِعُّ، بالكَسْرِ أَيْضًا، الأَخِيرُ عن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ: تَفَرَّقَ وانْتَشر، فيه لفٌّ ونَشَرٌ غيرُ مُرَتَّب، فالانْتِشَارُ للْبَوْلِ، وأَوْزَغَ به مثلُه، وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ للأَخْطَلِ:
فطَارَتْ شِلَالًا وابْذَعَرَّتْ كأَنَّهَا *** عِصَابَةُ سَبْيٍ شَعَّ أَنْ يَتَقَسَّمَا
أَي: تَفَرَّقُوا حِذَارَ أَنْ يَتَقَسَّمُوا.
وِشَعَّ الغَارَةَ عَلَيْهِم شَعًّا، وشَعْشَعَها: صَبَّهَا، وكذلك شَعَّ الخَيْلَ، وشَعْشَعَها.
وِالشَّعُّ: المُتَفَرِّقُ من كُلِّ شَيْءٍ، كالدَّمِ، والرَّأْيِ، والهمَمِ.
وِقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: الشَّعُّ، العَجَلَةُ، كالشَّعِيعِ، وهو بمَعْنَى المُتَفَرِّقِ، لا بِمَعْنَى العَجَلَة، فلو قال: الشَّع: المُتَفَرِّقُ ـ كالشَّعِيعِ ـ والعَجَلَةُ، كان أَحْسَنَ.
وِقالَ أَبو عَمْرٍو: الشُّعُّ، بالضَّمِّ وحُقُّ الكَهْوَلِ: بَيْتُ العَنْكَبُوتِ. والشُّعْشُعُ، كهُدْهُد: رَجُلٌ من عَبْسٍ له حَدِيثٌ في نَوَادِرِ أَبي زِيَادٍ الكِلابِيِّ.
وِأَشَعَّ الزَّرْعُ، أَخْرَج شَعَاعَهُ؛ أَي سَفَاه، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
وِأَشَعَّ السُّنْبُلُ: اكْتَنَزَ حَبُّه ويَبِسَ.
وِأَشَعَّتِ الشَّمْسُ: نَشَرَت شُعَاعَها؛ أَي ضَوْءَهَا، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ. قالَ:
إِذا سَفِرَتْ تَلأْلأُ وَجْنَتَاهَا *** كإِشْعَاعِ الغَزَالَةِ في الضَّحاءِ
وِانْشَعَّ الذِّئْبُ فِي الغَنَمِ وانْشَلَّ فِيها، وأَغارَ فِيها، واسْتَغارَ، بمَعْنًى وَاحِد.
وِشَعْشَعَ الشَّرابَ شَعْشَعَةً: مَزَجَهُ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، زادَ غَيْرُه بالماءِ، وقِيلَ: المُشَعْشَعَةُ: الخَمْرُ الَّتِي أُرِقَّ مَزْجُها.
وِشَعْشَعَ الثَّرِيدَةَ الزُّرَيْقَاءَ: سَغْبَلَهَا بالزَّيْت، وفي حَدِيثِ وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا بقُرْصٍ، فكَسَرَه في صَحْفَةٍ، ثم صَنَع فيها ماءً سُخْنًا، وصَنَع فيها وَدَكًا، وصَنَع منه ثَرِيدَةً، ثمّ شَعْشَعَها، ثمَّ لبَّقَهَا، ثمّ صَعْنَبَهَا» قال بَعْضُهُمْ: شَعْشَعَ الثَّرِيدَةَ؛ أَي رَفَعَ رَأْسَها، كذلِكَ صَعْلَكَهَا وصَعْنَبَهَا، ويُقَالُ: صَعْنَبَها: رَفَع صَوْمَعَتَها، وحَدَّدَ رَأْسَها، وقيل: شَعْشَعَهَا: طَوَّلَهُ أَي طَوَّلَ رَأْسَها، مَأْخُوذٌ من الشَّعْشَاع، وهو الطَّوِيلُ من النّاسِ، فالضَمِير راجِعٌ إِلى الرَّأْسِ، أَو شَعْشَعَها: أَكْثَرَ وَدَكَها، قالهُ ابنُ دُرَيْدٍ، وقالَ غَيْرُه: أَكْثَرَ سَمْنَهَا، وهو قولُ ابْنِ شُمَيْلٍ، والشَّعْشَعَة في الخَمْرِ أَكْثَرُ منه في الثَّرِيدِ.
وِشَعْشَعَ الشَّيْءَ: خَلَطَ بَعْضَه بِبعضٍ، وبه فَسَّرَ ابنُ المُبَارَكِ حَدِيثَ وَاثِلَةَ الّذِي ذُكِرَ، قال: كما يُشَعْشَعُ الشَّرَابُ بالماءِ: إِذا مُزِجَ به، ورُوِيَت هذِه اللَّفْظَةُ: سَغْسَغَها، بسِينَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ، وغَيْنَيْن مُعْجَمَتَيْن؛ أَي رَوّاها دَسَمًا، كما سَيَأْتِي.
وِتَشَعْشَعَ الشَّهْرُ: تَقَضَّى، وبَقِيَ منه قَلِيلٌ، ومنه حَدِيثُ عُمَرَ ـ رضي الله عنه ـ: إِنَّ الشَّهْرَ قد تَشَعْشَعَ، فلو صُمْنَا بَقِيَّتَه» كَأَنَّه ذَهَبَ به إِلى رِقَّةِ الشَّهْرِ، وقِلَّةِ مَا بَقِيَ منه، كما يُشَعْشَعُ اللَّبَنُ بالماءِ. وقد رُوِيَ أَيضًا: «تَشَعْشَع» من الشُّسُوع الذِي هو البُعْدُ، بذلِكَ فَسَّرَه أَبو عُبَيْدٍ، وهذا لا يُوجِبُه التَّصْرِيفُ، ويُرْوَى أَيْضًا بسِينَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ، وقد ذُكِرَ في مَوْضِعه.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:
ظِلٌّ شَعْشَعٌ، ومُشَعْشَعٌ: ليس بكَثِيف، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
وِشَعَّ السُّنْبُلُ شَعَاعَةً.
وِشَعْشَع عليهم الخَيْلَ: أَغارَ بها.
وتَطَايَرَت العَصَا والقَصَبَةُ شَعَاعًا، إِذا ضَرَبْتَ بها علَى حائطٍ فتَكَسَّرَتْ، وتَطَايَرَت قِصَدًا وقِطَعًا.
ومِشْفَرٌ شَعْشَعَانِيٌّ: طَوِيلٌ رَقِيقٌ، قَالَ العَجّاجُ:
تُبَادِرُ الحَوْضَ إِذا الحَوْضُ شُغِلْ *** بَشْعَشعانِيٍّ صُهَابِيٍّ هَدِلْ
وَمَنْكِباها خَلْفَ أَوْرَاكِ الإِبِلْ
وعُنُقٌ شَعْشَاعٌ: طَوِيل.
وِالشّعْشَعَانَةُ من الإِبِل: الجَسِيمَةُ. وناقَةٌ شَعْشَعانةٌ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ لذِي الرُّمَّةِ:
هَيْهَاتَ خَرْقَاءُ إِلَّا أَنْ يُقَرِّبَهَا *** ذُو العَرْشِ والشَّعْشَعاناتُ العَيَاهِيمُ
هكَذَا أَنْشَدَه الجَوْهَرِيُّ، وتَبِعَه صاحِبُ اللِّسَانِ، وقرأْتُ بخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخ شُيُوخِنا عَبْدِ القادِرِ بنِ عُمَرَ البَغْدَادِيِّ عَلَى هامِشِ الصّحاحِ ما نَصُّه: صَوابُه: «والشَّعْشَعَانَاتُ الهَرَاجِيبُ.
لأَنَّ ما بَعْدَه:
مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِّفْرى يَمانِيَةٍ *** كأَنَّها أَسْفَعُ الخَدَّيْنِ مَذْؤُوبُ
ورَجُلٌ شُعْشُعٌ، كهُدْهُدٍ: خَفِيفٌ في السَّفَرِ. وقال ثَعْلَبٌ: غُلامٌ شُعْشُعٌ: خَفِيفٌ في السَّفَرِ، فَقَصَرَهُ على الغُلامِ. ويُقَال: الشُّعْشُع: الغُلامُ الحَسَنُ الوَجْهِ، الخَفِيفُ الرُّوحِ، بضَمِّ الشِّينِ، عن أَبِي عَمرٍو.
وِالشَّعْشاعُ، بالفَتْحِ: شَجَر. وقرْيَةٌ بمِصْرَ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
43-تاج العروس (طسم)
[طسم]: طَسَمَ الشَّيءُ يَطْسِمُ، مِن حدِّ ضَرَبَ، ويُرْوَى مِن حدِّ نَصَرَ أَيْضًا، طُسومًا دَرَسَ وِانْطَمَسَ، وكَذلِكَ الطَّريقُ كطَمَسَ على القَلْبِ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للعجَّاجِ:وِرَبِّ هذا الأَثَرِ المُقَسَّمِ *** من عَهْدِ إِبراهيمَ لمَّا يُطْسَمِ
قالَ ابنُ بَرِّي: أَرادَ بالأَثَرِ المُقَسَّمِ مَقامَ إِبراهيمَ، عليهالسلام، وأَنْشَدَ لعُمَرَ بنِ أَبي ربيعَةَ:
رَثَّ حَبْلُ الوَصْلِ فانْصَرَمَا *** من حبِيبٍ هاجَ لي سَقَمَا
كِدْتُ أَقْضِي إذ رَأَيْتُ له *** مَنْزِلًا بالخَيْفِ قد طَسَمَا
وِطَسَمْتُه طسمًا، لازِمُ مُتَعَدٍّ، وشاهِدُ المُتَعَدِّي قوْلُ العجَّاجِ السَّابِق.
وِطَسِمَ، كفَرِحَ: اتَّخَمَ في لُغَةِ بنِي قَيْسٍ.
وِالطَّسَمُ، محرَّكةً: الغُبْرَةُ.
وِأَيْضًا: الظَّلامُ عندَ الإِمْساءِ كالغَسَمِ.
وِأُطْسُمَّةُ الشَّيءِ، بالضمِّ: أُسْطُمَّتُه، على القَلْبِ، وهو وَسَطُه ومُجْتَمَعُه، قالَ محمدُ بنُ ذُؤَيْبٍ الفُقَيْميُّ المُلقَّبُ بالعُمَانِيّ الرَّاجزُ، ترْجَمَتُه في الأَغاني مَبْسوطَة يخاطب الرَّشيدَ:
يا لَيْتَها قد خَرَجَتْ من فُمِّه *** حتَّى يَعُودَ المُلْكُ في أُطْسُمِّهِ
أَي في أَهْلِه وحَقِّه.
وقالَ ابنُ خَالَوَيْه: الرَّجزُ لجريرٍ قالَهُ في سُلَيْمن بنِ عبدِ المَلِكِ وعبْدِ العَزيزِ، ونَصّه.
حتى يَعُودُ المُلْكُ في أُسْطُمِّه
قالَ الجَوْهَرِيُّ: والصَّوابُ أَنْ تُجْمَعَ الطَّواسيمُ والطَّواسينُ والحَواميمُ، التي هي سورٌ في القرْآن بذَواتِ وِتُضافُ إلى واحِدٍ فيُقالُ: ذَواتُ طسم. وذَواتُ حم، وإِنّما جُمِعَتْ على غيرِ قِياسٍ، وأَنْشَدَ أَبو عُبَيْدَةَ:
وِبالطَّواسِيم التي قد ثُلِّثَتْ *** وِبالحَوامِيمِ التي قد سُبِّعَتْ
وِبالمُفَصَّلِ اللَّواتي فُصِّلَتْ
وِتَقَدَّمَ ذلِكَ في «ح معروف م».
وِيقالُ: رأَيتُه في طُسامِ الغُبارِ، كغُرابٍ وسَحابٍ وشدَّادٍ، وِطَيْسامِه كَذلِكَ؛ أَي في كَثيرِهِ، كذا في نوادِرِ الأَعْرابِ.
وِطَسْمٌ: قَبيلَةٌ من عادٍ انْقَرَضُوا وكَذلِكَ جَدِيسٌ، وكانوا سُكَّان مكَّة، وشَرَّفَها اللهُ تعالَى.
وِيقالُ: أَوْرَدَهُ مِياهَ طُسَيْمٍ، كزُبَيْرٍ، إذا كان في الباطِلِ والضَّلالِ ولم يُصِبْ شَيئًا.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه: الطُّسُومُ، بالضمِّ: الطامِسُ، وبه فسَّرَ أَبو حنيفَةَ قوْلَ الشاعِرِ:
ما أَنا بالغادِي وأَكْبَرُ هَمِّه *** جَمامِيسُ أَرْضٍ فَوْقَهُنَّ طُسُومُ
وفي السَّماءِ طَسَمٌ مِن سَحابٍ، محرَّكةً، وِأَطْسامٌ، أي لطخٌ، وكَذلِكَ غَسَمٌ وأَغْسامٌ.
وأَحادِيثُ طَسم وأَحلامُها، يُضْرَبُ مَثَلًا لمَنْ يخبرُكَ بمَا لا أَصْلَ، قالَهُ الميدانيّ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
44-تاج العروس (وهم)
[وهم]: الوَهْمُ: من خَطَراتِ القَلْبِ، والجَمْعُ أَوْهامٌ؛ كما في المُحْكَمِ.أَو هو مَرْجوحُ طَرَفَيِ المُتَردِّدِ فيه.
وقالَ الحُكَماءُ: هو قُوَّةٌ جسْمانِيَّة للإِنْسانِ، مَحَلُّها آخِر التَّجْويفِ الأَوْسَطِ مِن الدِّماغِ مِن شأْنِها إدْرَاك المَعاني الجزئية المُتَعلِّقَة بالمَحْسُوساتِ كشَجاعَةِ زَيْدٍ، وهذه القُوَّةُ هي التي تحكم في الشَّاةِ بأَنَّ الذِّئْبَ مَهْروبٌ منه، وأَنَّ الوَلَدَ مَعْطوفٌ عليه، وهذه القُوَّةُ حاكِمَةٌ على القُوى الجسْمانِيَّة كُلّها مُسْتخدمَة إيَّاها اسْتِخْدام العَقْل القُوَى العَقْلِيَّة بأَسْرِها؛ الجمع: أَوْهامٌ.
وِأَيْضًا: الطَّريقُ الواسِعُ؛ كما في الصِّحاحِ.
وقالَ اللَّيْثُ: الطَّريقُ الواضِحُ الذي يَرِدُ المَوارِدَ ويَصْدُرُ المَصادِرَ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ للَبيدٍ يَصِفُ بعيرَهُ وبَعيرَ صاحِبِه:
ثم أَصْدَرْناهُما في واردٍ *** صادرٍ وَهْمٍ صُواهُ قد مَثَلْ
وِأَيْضًا: الرَّجلُ العظيمُ.
وِأَيْضًا: الجَمَلُ العَظيمُ.
وقيلَ: هو مِن الإِبِلِ الذَّلولُ المُنقادُ في ضِخَمٍ وقُوَّةٍ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ لذي الرُّمَّة يَصِفُ ناقَتَه:
كأَنَّها جَمَلٌ وَهْمٌ وما بَقِيتْ *** إِلَّا النَّحيزةُ والأَلْوَاحُ والعَصَبُ
الجمع: أَوْهامٌ وِوُهومٌ وِوُهُمٌ، بضمَّتَيْنِ.
وِوَهِمَ في الحِسابِ، كوَجِلَ، يوهمُ وَهْمًا: غَلِطَ وسَها.
وِوَهَمَ في الشَّيءِ، كوَعَدَ، يَهمُ وَهْمًا: ذَهَبَ وَهْمُه إليه وهو يُريدُ غيرَهُ، كما في الصِّحاحِ؛ ومنه الحَدِيْث: أنَّه وَهَم في تَزْويجِ مَيْمونَةَ؛ أَي ذَهَبَ وَهْمُه.
وِأَوْهَمَ كذا منَ الحِسابِ: أَي أَسْقَطَ، وكذا أَوْهَمَ مِن صَلاتِه ركْعَةً.
وقالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَوْهَمْتُ أَسْقطتُ مِنَ الحِسابِ شَيئًا فلم يُعَدِّ أَوْهَمْتُ؛ ومنه حَدِيْثُ سَجْدتيْ السَّهْو: أَنَّه صلى الله عليه وسلم وَهَمَ في صلاتِه فقيلَ: كأَنَّك أَوْهَمْتَ في صَلاتِك؟
فقالَ: «كيفَ لا أُوهِمُ ورُفْغُ أَحَدِكم بين ظُفُره وأُنْمُلَتِه»؛ أَي أَسْقَطَ مِن صَلاتِه شيئًا.
وقالَ الأصْمَعيُّ: أَوْهَمَ إذا أَسْقَطَ، وِوَهِمَ إذا غَلِطَ.
وفي بعضِ رِوايَةِ هذا الحَدِيْث: «وكيفَ لا أَيهَمُ»؟
قالَ ابنُ الأَثيرِ: هذا على لُغَةِ بعضِهم، الأصْلُ أَوْهَمُ بالفتْحِ والواوِ، فكُسِرتِ الهَمْزَةُ لأَنَّ قومًا مِنَ العَرَبِ يكسِرُونَ مُسْتقبَل فَعِل فيَقولُونَ إعْلَمُ ونِعْلَم، فلمَّا كُسِرَتْ هَمْزَة أَوْهَمُ انْقَلَبَتِ الواوُ ياءً.
أَو وَهَمَ، كوَعَدَ، ووَرِثَ، وِأَوْهَمَ بمعْنًى واحِدٍ؛ وهو قَوْل ابنِ الأَعْرَابيِّ.
وقالَ شَمِرٌ: ولا أَرَى الصَّحِيح إلَّا هذا؛ وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابيِّ:
فإن أَخْطَأْتُ أو أَوْهَمْتُ شَيئًا *** فقد يَهِمُ المُصافي بالحَبيبِ
وقالَ الزِّبْرِقانُ بنُ بَدْر:
فبِتِلك أَقْضي الهَمَّ إذ وَهِمَتْ به *** نَفْسي ولستُ بِنَأْنا عَوَّارِ
وِتَوَهَّمَ: ظَنَّ؛ كما في الصِّحاحِ.
وقالَ أَبو البَقاءِ: هو سَبَق الذِّهْن إلى الشيءِ.
وِأَوْهَمَه إِيهامًا وِوَهَّمَه غيرُهُ تَوْهِيمًا، أَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لحُمَيْد الأَرْقَطِ:
بَعِيد توْهِيم الوِقاع والنَّظَرْ
وِأَتْهَمَه بكذا إِتْهامًا، على أَفْعَلَه؛ نَقَلَه الجَوْهرِيُّ عن أَبي زيْدٍ.
وِاتَّهَمَّه، كافْتَعَلَهُ، وِكذا أَوْهَمَه: أَدْخَلَ عليه التُّهَمَةَ، كهُمَزَةٍ: أَي ما يُتَّهَمُ عليه؛ أَي ظنَّ فيه ما نُسِبَ إليه.
قالَ الجَوْهرِيُّ: التُّهَمَةُ، بالتَّحْريكِ، أَصْلُ التاءِ فيه واوٌ على ما ذَكَرْناه في وَكَلَة.
وقالَ ابنُ سِيْدَه: التُّهَمةُ الظَّنُّ، تاؤُهُ مُبْدلةٌ مِن واوٍ كما أَبْدَلُوها في تُخَمةٍ. قالَ شيْخُنا: وقد مَرَّ أَنَّهم تَوهَّمُوا أصالَةَ التاءِ ولذلِكَ بَنوا منه الفِعْل وغيرَه.
فاتَّهَمَ هو فهو مُتَّهَمٌ وِتَهِيمٌ؛ وأَنْشَدَ ابنُ السِّكِّيت:
هُما سَقياني السُّمَّ من غيرِ بِغضةٍ *** على غيرِ جُرْمٍ في إِناءٍ تَهِيمِ
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
تَوَهَّمَ الشَّيءَ: تخيَّلَهُ وتمثَّلَهُ، كانَ في الوُجودِ أَوْ لم يكن.
وِتَوَهَّمَ فيه الخَيْرَ: مِثْل تَفَرَّسَهُ وتَوَسَّمَهُ؛ قالَ زهيرٌ:
فَلأْيًا عَرَفْتُ الدارَ بعدَ تَوهُّمِ
وِأَوْهَمَ الشيءَ: تَرَكَهُ كُلّه؛ عن ثَعْلَب.
وِالتُّهْمَةُ، بضمِّ فسكونٍ: لُغَةٌ في التُّهَمَةِ، كهُمَزَةٍ، وهكذا
رُوِي في الحَدِيْث: أَنَّه حُبِس في تُهْمةٍ؛ وهي لُغَةٌ صَحِيحَةٌ، نَقَلَها صاحِبُ المِصْباحِ عن الفارَابي وتَبِعَه ابنُ خَطيبِ الدهشة في التَّقْريبِ، وحَكَاهُ الصَّفديُّ في شَرْحِ اللامِيَّةِ.
وفي شرْحِ المِفْتاحِ لابنِ كَمالٍ: هي بالسّكونِ في المَصْدرِ وبالتَّحْريكِ اسْمٌ.
ونَظَرَ فيه الشّهابُ ونقلَ الوَجْهَيْن في التَّوْشيح وهو الصَّحِيح.
* قُلْت: ويدلُّ على صحَّةِ هذه اللُّغَةِ قَوْلُ سِيْبَوَيْه في جَمْعِها على التُّهَمِ، واسْتَدَلَّ على أنَّه جَمْعٌ مكَسَّرٌ بقوْلِ العَرَبِ: هي التُّهَمُ، ولم يقُولُوا: هو التُّهَمُ، كما قالوا هو الرُّطَبُ، حيثُ لم يَجْعلوا الرُّطَبَ تَكْسِيرًا، إنَّما هو مِن بابِ شَعيرَةٍ وشَعيرٍ.
ويُطْلَقُ الوَهمُ على العَقْلِ أَيْضًا: نَقَلَه شيْخُنا.
وِالوَهْمَةُ: الناقَةُ الضَّخْمَةُ، وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ للكُمَيْت:
يَجْتابُ أَرْدِيَةَ السَّرابِ وتارةً *** قُمُصَ الظَّلامِ بوَهْمةٍ شِمْلالِ
ولا وَهِمَ لي مِن كذا: أي لا بُدَّ؛ نَقَلَه ابنُ القطَّاعِ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
45-تاج العروس (رزن)
[رزن]: الرَّزْنُ: المكانُ المُرْتَفِعُ الصُّلْبُ وفيه طُمَأْنِينةٌ تُمْسِكُ الماءَ، الجمع: رُزونٌ ورِزانٌ، كفَرْخٍ وفُرُوخٍ وفِرَاخٍ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ لَحَميْدٍ الأَرْقَط:أَحْقَبَ مِيفاءٍ على الرُّزُونِ
وقالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
حتى إذا حُزَّتْ مِياهُ رُزُونِه *** وبأَيِّ حَزِّمَلَاوَةٍ يَتَقَطَّعُ
والرِّزْنُ، بالكسْرِ: النَّاحِيَةُ.
والرّزْنَةُ،، بهاءٍ: مَنْقَعُ الماءِ، الجمع: رِزانٌ، كجِبَالٍ؛ نَقَلَه الجَوْهرِيُّ عن أَبي عُبَيْدَةَ.
ومِن المجازِ: رَزُنَ الرَّجُلُ في مجْلِسِه، كَكَرُمَ، رَزَانَةً: وَقُرَ، فهو رَزِينٌ وَقُورٌ حَلِيمٌ، فيه رَزانَةٌ، وهي رَزانٌ، كسَحابٍ، ولا يقالُ رَزِينَةٌ إذا كانتْ ذاتَ ثباتٍ ووَقارٍ وعَفافٍ وكانتْ رَزِينَة في مجْلِسِها قالَ حَسَّانُ يمدَحُ عائِشَةَ، رضي الله عنه:
حَصانٌ رَزانٌ لا تُزَنُّ برِيبةٍ *** وتُصْبِحُ غَرْثَى من لحومِ الغَوافِلِ
والرَّزانَةُ في الأَصْلِ: الثِّقَلُ.
ورَزَنَهُ يَرْزُنُه رَزْنًا: رَفَعَهُ ليَنْظُرَ ما ثِقَلُه من خفَّتِه؛ كما في الصِّحاحِ. ومنه رَزَنَ الحَجَرَ إذا أَقَلَّه مِنَ الأَرْضِ.
ورَزَنَ بالمكانِ: أَقامَ.
والرَّزينُ: الثَّقيلُ مِن كلِّ شيءٍ.
ورَزِينٌ: اسْمٌ، ومنه رَزِينُ بنُ مُعاوِيَةَ العبْدَرِيُّ؛ ورَزِينُ بنُ حبيبٍ الكُوفيُّ؛ ورَزِينُ بنُ سُلَيْمن الأَحْمريُّ، محدِّثُونَ.
والأَرْزَنُ: شجرٌ صُلْبٌ يُتَّخَذُ منه العِصيُّ، عن اللَّيْثِ، وأَنْشَدَ ابنُ الأعْرابيّ:
إنِّي وجَدِّك ما أَقضِي الغَرِيمَ وإنْ *** حانَ القَضاءُ ولا رَقَّتْ له كَبِدِي
إلّا عَصَى أَرْزَنٍ طارت بُرَايَتُها *** تَنُوءُ ضرْبَتُها بالكَفِّ والعَضُدِ
والرَّوْزَنَةُ: الكُوَّةُ، مُعَرَّبَةٌ، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ عن ابنِ السِّكِّيت.
وفي المُحْكَمَ: الرَّوْزَنَةُ: الخرْقُ في أَعْلى السَّقْفِ.
وفي التَّهْذيبِ: يقالُ للكُوَّةِ النافِذَةِ الرَّوْزَنُ؛ قالَ: وأَحْسَبُه مُعْرَبًا، وهي الرَّوَازِنُ تكَلَّمَتْ بها العَرَبُ.
وتَرَزَّنَ في الشَّيءِ: تَوَقَّرَ.
وفي المُحْكَم: تَرَزَّنَ الرَّجلُ في مجْلِسِه إذا تَوَقَّرَ فيه.
وأَرْزَنُ، كأَحْمَرَ: بلد بِأرْمينِيّةَ؛ قالَ أَبو عليٍّ: وأَمَّا أَرْزَنُ وأَدْرَمُ فلا تكونُ الهَمْزَةُ فيهما إلَّا زائِدَة في قِياسِ العَربيَّةِ، ويجوزُ في إعْرابِها ضَرْبان: أَحَدُهما أنْ يُجردَ الفعْلُ مِن الفاعِلِ فيُعْرَبُ ولا يُصْرَف؛ والآخَرُ: أَنْ يَبْقَى فيهما ضَمِيرُ الفاعِلِ فَيُحْكَى، نَقَلَه ياقوتُ.
تُعْرَفُ بأَرْزَن الرُّوم، أهْلُها أَرْمَن، ولها سُلْطانٌ مُسْتقلّ، ولها نَواحٍ واسِعَةٌ كثيرَةُ الخيْرَاتِ، منه عبدُ الله بنُ حَديدٍ الأَرْزَنِيُّ المحدِّثُ.
وأَرْزَنُ: بلد آخَرُ بإرْمِينِيَّةَ أَيْضًا قَرْبَ خلاطٍ، وله قلْعَةٌ حَصِينَةٌ، وكانتْ مِن أَعْمَر نَواحِي إرْمينِيَةَ، ثم فَشَا فيها الخَرابُ؛ ومنه أَبو غَسَّان عياشُ بنُ إبراهيمَ الأَرْزَنِيُّ عن الهَيْثمِ بنِ عديِّ؛ ويَحْيَى بنُ محمدٍ الأرْزنِيُّ الأَدِيبُ صاحِبُ الخَطِّ المليحِ والضَّبْط الصَّحِيح والشِّعْر الفَصِيح، وله مقدِّمَةٌ في النحْوِ، وهو الذي ذَكَرَه ابنُ الحجَّاجِ في شعْرِه فقالَ:
مثبَتَةٌ في دَفْتَرِي *** بخطّ يَحْيَى الأرْزَنِي
* قلْتُ: وبخطِّه كِتابُ الجَمْهَرَةِ لابنِ دُرَيْدٍ يَعْتَمدُ عليها الصَّاغانيُّ كَثيرًا. وعدَّه قوْمٌ مِن أَطْرافِ دِيارِ بكْرٍ ممَّا يلِي الرُّوم، وقوْمٌ يعدُّونه مِن أَطْرافِ الأَرْزَنِ.
ودَسْتُ الأَرْزَنِ: بين شِيرازَ وكازَرُونَ نَزِهٌ أَشِبٌ بالشَّجَرِ ينْبتُ به هذه العِصِيّ التي تُعْمَلُ نصبًا للدَّبابيسِ والمَقارعِ وخرَجَ إليه عضدُ الدّوْلةِ للتَّنزّه والصَّيْدِ وبصُحْبتِه المُتنبِّي فقالَ فيه:
سَقْيًا لدَسْتِ الأرزن الطِّوال *** بين المروج الفيح والأغيال
قالَ ياقوت: فأَدْخَل عليه الألِف واللام، ولا يجوزُ دُخولُهما على اللَّواتي قَبْل.
وأَرْزَنْجانُ: بلد بالرُّومِ قُرْبَ أَرْزَن الرُّوم بَيْنها وبَيْن خلاطٍ، وأَهْلها يقُولُون أَرْزَنْكان، وغالِبُ أَهْلِها أَرْمَن، وفيها مُسْلمون هم أَعْيانُ أَهْلِها.
وذِكْرُ المصنِّفِ هذه في هذه التَّرْجمةِ يَقْتَضِي زِيادَة الجيم وهي أَصْليَّة، وكان يَنْبَغي أنْ يفْردَ لها تَرْجمةً مُسْتَقِلَّة.
وأرْزَنانُ، ظاهِرُه أنَّه بفتْحِ الزَّاي كما هو مَضْبوطٌ في النُّسخِ، والصَّحِيحُ بضمِّها كما ضَبَطَه ياقوتٌ، وهي: قرية بأصْفَهان، منها: أبو سعيدٍ أَحمدُ بنُ محمدٍ الحافِظُ الأَرْزَنانيُّ العَلَمُ، الأَعْمى، ماتَ سنة 453: وأَبو جَعْفرِ محمدُ بنُ عبْدِ الرَّحْمن بنِ زِيادٍ الأَصْفهانيُّ الارْزَنانيُّ الحافِظُ الثَّبْتُ، تُوفي سَنَة 317.
والجَبَلَانِ يَتَرَازنانِ: أَي يَتَنَاوحَانِ، وهو مُرازِنُه: أَي مُخالُّه.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
رجُلٌ رَزِينٌ: ساكِنٌ.
وقيلَ: أَصيلُ الرَّأْي؛ وقد رَزُنَ رَزانَةً ورُوزونًا.
والأَرْزانُ: نُقَرٌ في حَجَرٍ أَو في غَلْظٍ مِن الأرْضِ تمسكُ الماءَ؛ واحِدُها رَزْنٌ ورِزْنٌ، بالفَتْحِ والكسْرِ؛ ومنه قوْلُ ساعِدَة بنِ جُؤَيَّة الهُذَليّ يَصِفُ بَقَرَ الوَحْش:
ظَلَّتْ صَوافِنَ بالأَرْزانِ صادِيَةً *** في ماحِقٍ من نهارِ الصيفِ مُحْتَرِقِ
كما هو في شرْحِ الدِّيوانِ.
وقالَ ابنُ حَمْزَةَ: الرِّزْنُ، بالكسْرِ، لا غَيْر.
قالَ ابنُ بَرِّي: وبيتُ ساعِدَة ممَّا يدلُّ على أَنَّه رِزْنٌ، لأَنَّ فَعْلًا لا يجمْعُ على أَفْعالٍ إلَّا قَليلًا.
والرُّزُونُ: بقَايَا السَّيْلِ في الأَجْرافِ.
وأَرْزَونا، بالفتْحِ: قَرْيةٌ مِن دِمَشْقَ، منها: أَحمدُ بنُ يَحْيَى بنِ أَحْمدَ بنِ يَزِيد بنِ الحَكَم الأَرزونيُّ عنه ابْنُه أَبو بكْرٍ محمدٌ، قالَهُ ابنُ عَسَاكِر.
وأرْزكَان: قَريَةٌ مِن قُرَى فارِسَ على ساحِلِ البَحْرِ، منها: عبْدُ الله بنُ جَعْفرٍ الأَرْزكانيُّ مِنَ الثِّقاةِ الزُّهَّادِ سَمِعَ يَعْقوب بن سُفْيَان، تُوفي سَنَة 314، رَحِمَه اللهُ تعالَى.
وأَبو الفَضَائِل رَازانُ بنُ عبْدِ العَزيزِ الرَّازَانيُّ القزْوِينيُّ نُسِبَ إلى جَدِّه؛ والحافِظُ أَبو بكْرٍ محمدُ بنُ إبْراهيمَ بنِ عليِّ بنِ عاصِمِ بنِ رَازَانَ الحافِظُ مُسْنِدُ أَصْبَهان المَعْرُوفُ بابنِ المقرِّي، رَحِمَه اللهُ تعالى.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
46-تاج العروس (قضى)
[قضى]: ي القَضاءُ، بالمدِّ ويُقْصَرُ: الحُكْمُ.قالَ الجَوْهرِي: أَصْلُه قَضايٌ لأنَّه من قَضَيْتُ، إلَّا أنَّ الياءَ لمَّا جاءَتْ بَعْد الألِفِ هُمِزَتْ.
قالَ ابن برِّي: صَوابُه بَعْد الألِفِ الزائِدَةِ طَرَفًا هُمِزَتْ.
قَضَى عليه، وكذا بينَ الخَصْمَيْن، يَقْضِي قَضْيًا، بالفَتْح، وقَضاءً، بالمدِّ، وقَضِيَّةً، كغَنِيَّةٍ مَصْدَر، وهي الاسْمُ أَيْضًا: أَي حَكَمَ عليه، وبَيْنهما، فهو قاضٍ، وذاكَ مَقْضيٌّ عليه.
ويقالُ: القَضاءُ الفَصْلُ في الحُكْمِ، ومنه قولُه تعالى: ولَوْ لا أَجَلٌ مُسَمَّى {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}؛ أَي لفُصِلَ الحُكْم بَيْنهم.
ومنه: قَضَى القاضِي بينَ الخُصومِ؛ أَي قَطَعَ بَيْنَهم في الحُكم.
ومن ذلك: قد قَضَى فلانٌ دَيْنَه، تَأْوِيلُه أنَّه قد قَطَعَ ما لغَرِيمِه عليه وأدَّاه إليه وقَطَعَ ما بَيْنه وبَيْنه.
وشاهِدُ القَضاء، بالمدِّ، قولُ نابغَةِ بني شَيْبان:
طوال الدَّهْرِ إلَّا فِي كتابٍ *** لمقْدَار يُوافِقُه القَضاء
ويكونُ القَضاءُ بمعْنَى الصُّنْع والتَّقْدِير: يقالُ: قَضَى الشيءَ قَضاءً: إذا صَنَعَه وقَدَّره، ومنه قولُه تعالى: {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ}؛ أَي خَلَقَهُنَّ وَعَمِلَهنَّ وصَنَعهنَّ وقدَّرَهُنَّ وَأَحْكَم خَلْقَهُنَّ.
ومنه القَضاءُ المَقْرُون بالقَدَرِ، وهُما أَمْرانِ مُتلازِمانِ لا يَنْفكّ أَحَدُهما عن الآخَرِ لأنَّ أَحَدَهما بمنْزِلةِ الأساسِ، وهو القَدَر، والآخَر بمنْزلَةِ البِناءِ، وهو القَضاءُ، فمَنْ رامَ الفَصْل بَيْنهما فقد رَامَ هَدْمَ البِناءِ ونَقْضه، ومنه قولُ أَبي ذُؤيب:
وعَلَيْهما مَسْرُوردَتانِ قَضاهُما *** داوُد أَو صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ
وبمعْنَى الحَتْمِ والأَمْر: ومنه قولُه تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعْبُدُوا إِلّا إِيّاهُ}؛ أَي حَتّم وأَمر، وكذا قولُه تعالى: {ثُمَّ قَضى أَجَلًا}؛ أَي حَتَم بذلكَ وأَتَمَّه.
وبمعْنَى البَيَان: ومنه قولُه تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}؛ أَي يُبَيِّن لكَ بَيانَه.
وقالَ أبو إسْحاق: القَضاءُ في اللّغَةِ على ضُرُوبٍ كُلِّها ترجِعُ إلى مَعْنى انْقِطَاعِ الشيءِ وتَمامِه.
والقاضِيَةُ: الموتُ، وقيلَ: المَنِيَّةُ التي تَقْضِي وَحْيًا، كالقَضِيِّ، كغَنِيٍّ، وهو الموتُ القاضِي، وأَنْشَدَ ابنُ الأعْرابي:
سُمَّ ذرارِيحَ جَهيزًا بالقَضِي
أَرادَ القَضِيَّ فحذَفَ إحْدَى الياءَيْن.
والقاضِيَةُ مِن الإِبِلِ: ما يكونُ جائِزًا في الدِّيَّةِ وفَرِيضَةِ الصَّدَقَةِ، قالَ ابنُ أَحْمر:
لَعَمْرُكَ ما أَعانَ أَبو حَكِيمٍ *** بقاضِيةٍ ولا بَكْرٍ نَجِيبِ
نقلَهُ اللَّيْثُ.
وقَضَى نَحْبَه قَضاءً: ماتَ، وهو مجازٌ.
وضَرَبَه فقَضَى عليه: أَي قَتَلَهُ، كأَنَّه فرغَ منه.
وقَضَى وَطَرَهُ: أَتَمَّهُ، ومنه قوله تعالى: {فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَرًا}، وقيلَ: نالَهُ وبَلَغَهُ، كقَضَّاهُ تَقْضِيَةً وقِضَّاءً، ككِذَّابٍ، أَنْشَدَ أَبو زَيْدٍ:
لَقدْ طالَ مَا لبَثْتَني عن صَحابَتي *** وعَن حِوَجِ قِضَّاؤُها من شِفائِيا
قالَ ابنُ سِيدَه: هو عنْدِي من قَضَّى ككِذَّابٍ من كَذَّبَ، قالَ: ويحْتملُ أَن يريدَ اقْتِضَاؤها فيكونَ مِن بابِ قِتَّالٍ كما حكَاهُ سِيْبَوَيْه في اقْتال.
وقَضَى عليه عَهْدًا: أَوْصاهُ وأَنْفَذَهُ، ومَعْناه الوَصِيَّة، وبه يُفَسَّرُ قولُه تعالى: {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ} أَي عَهِدْنا.
وقَضَى إليه: أَنْهاهُ، ومنه قولُه تعالى: {وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ}؛ أَي أَنْهَيْناهُ إليه وأَبْلَغْناهُ ذلكَ.
وقَضَى غَرِيمَهُ دَيْنَهُ: أَدَّاهُ إليه.
قالَ صاحِبُ المِصْباح: القَضاءُ بمعْنَى الأدَاءِ لُغَةٌ، ومنه قولُه تعالى: {فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ}، {فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ}، واسْتَعْمَل العُلماءُ القَضاءَ في العِبادَةِ التي تُفْعَل خارِجَ وَقْتها المَحْدُود شَرْعًا، والأداءَ إذا فُعِلَتْ في الوَقْت المَحْدودِ، وهو مُخالِفٌ للوَضْعِ اللُّغَوي، ولكنَّه اصْطِلاحي للتَّمييزِ بينَ الوَقْتَينِ.
واسْتَقْضَى فلانًا: طَلَبَ إليه أن يَقْضِيَهُ.
وفي المِصْباحِ: طَلَبَ قَضاءَهُ.
وتَقاضاهُ الدَّينَ: قَبَضَهُ منه، هكذا في المُحكم، وأَنْشَدَ:
إذا ما تَقاضَى المَرْءَ يومٌ ولَيلةٌ *** تَقاضاهُ شيءٌ لا يَمَلُّ التَّقاضِيا
أَرادَ: إذا ما تَقاضَى المرءَ نَفْسه يومٌ وليلةٌ.
قالَ الشَّهاب في شرْحِ الشفاء: أَصْلُ التَّقاضِي الطَّلَبُ، ومنه قولُ الحماسي:
لحى اللهُ دَهْرًا شَرّه قَبْل خَيْره *** تَقاضَى فلم يُحْسِن إلينا التَّقاضِيا
قالَ شُرَّاح الحماسَةِ: أَي طَالبنا ومِثْله كثير. فقولُ شيْخنا المقدسي في الرمز: التّقاضِي مَعْناهِ لُغَةُ القَبْض لأنَّه تَفاعلٌ من قَضَى، يقالُ: تَقاضَيْت دَيْني، واقْتَضَيْته بمعْنَى أَخَذْته، وفي العُرْف الطَّلَب لا وَجْه له، والذي غرَّهُ قُصُور كَلامِ القاموس فظنَّه غَيْر لُغَوي بل مَعْنًى عُرْفيًّا وهو غَرِيبٌ منه، انتَهَى.
قالَ شيْخُنا: هو كلامٌ ظاهِرٌ لا غُبارَ عليه، والنور المَقْدسِي كثيرًا ما يَغْتَر بكَلامِ المصنِّفِ في مَوادّ كثِيرةٍ، واللهُ أَعْلَم.
* قُلْت: هذا الذي ذَكَرَه المصنِّف هو بعَيْنِه نَصّ المُحْكم كما أَسْلَفْناه، فلا يتوجه على المَقْدسي مَلام، فتأَمَّل.
ورجُلٌ قَضِيٌّ، كغَنِيٍّ: سَرِيعُ القَضاءِ يكونُ في قَضاءِ الدَّينِ الذي هو أَدَاؤُه، وفي قَضاءِ الحُكُومَةِ الذي هو أحْكَامُها وإمْضاؤُها.
والقُضاةُ، بالضَّمِّ: جِلْدَةٌ رَقيقَةٌ تكونُ على وجْهِ الصَّبيِّ حينَ يولَدُ، نقلَهُ ابنُ سِيدَه.
والقِضَةُ، كعِدَةٍ: نَبْتَةٌ سُهْلِيَّةٌ وهي مِن الحَمْض، مَنْقوصَة، والهاءُ عِوَضٌ، الجمع: قِضًى، بالكَسْرِ مَقْصورًا.
وقالَ الأَصْمعي: من نَباتِ السّهْل الرِّمْثُ والقِضَةُ، ويقالُ في جَمْعِهِ قِضاتٌ.
وقالَ ابنُ السِّكِّيت جَمْعُهُ قِضُون.
وتقَضَّى الشَّيءُ: فَنِيَ وذَهَبَ وانْصَرَمَ، كانْقَضَى، قالَ الرَّاجزُ:
وقَرَّبُوا للبَيْن والتَّقَضِّي *** من كلِّ عَجَّاجٍ تَرى للغَرْضِ
خَلْفَ رَحَى حَيْزُومِه كالغَمْضِ
وتَقَضَّى البازِيُّ: انْقَضَّ، وأَصْلُه تَقَضَّضَ، فلمَّا كَثُرَتِ الضَّادات أُبْدِلَت من إحْداهُن ياءٌ، قالَ العَجَّاجُ:
إذا الكرامُ ابْتَدَرُوا الباعَ بَدَرْ *** تَقَضِّيَ البازِي إذا البازِي كَسَرْ
هكذا ذكَرَه الجَوْهرِي هنا، وتَبِعَهُ المصنِّفُ.
ووَجدْتُ في هامِشِ الصِّحاح ما نَصّه: صَوابُه أَنْ يُذْكَر في بابِ الضَّاد، وذِكْرُه هنا وَهْمٌ ولا اعْتِبارَ باللَّفْظِ.
وسُمٌّ قاضٍ: أَي قاتِلٌ.
واسْتُقْضِيَ فلانٌ: صُيِّر قاضِيًا، نقلَهُ الجَوْهرِي، زادَ غيرُهُ: يَحْكُم بينَ الناسِ.
وقَضَّاهُ السُّلْطانُ تَقْضِيَةً، كما تقولُ أَمَّر أَميرًا.
والقَضَّاءُ، كشَدَّادٍ: الدِّرْعُ المُحْكَمَةُ أَو الصُّلْبَةُ، سُمِّيَت لأنَّه قد فُرِغَ مِن عَمَلها وأُحْكِمَت، هكذا نقلَهُ أَبو عبيدٍ وأَنْشَدَ للنابِغَةِ:
وكلُّ صَمُوتٍ نَثْلةٍ تُبَّعِيَّةٍ *** ونسْجُ سُلَيْمٍ كلَّ قَضَّاءَ ذَائِلِ
قالَ الأزْهرِي: جَعَلَ القَضَّاء فَعَّالًا من قَضَى أَي أَتَمَّ وغيرُه يَجْعَلُه فَعْلاء من قَضَّ يَقَضُّ، وهي الخَشِنَةُ مِن إقْضاضِ المَضْجَع.
* قُلْت: وهكذا ذَكَره ابنُ الأنْبارِي، ونقلَ القَوْلَيْن أبو عليٍّ القالِي في كِتابِه، وقد ذُكِرَ في حَرْفِ الضّاد شيءٌ مِن ذلك.
والقَضَى، بالفتْح مَقْصورٌ: العُنْجُدُ، وهُم عَجَم الزَّبيبِ، قالَ ثَعْلب: وهو بالقافِ، قالَهُ ابنُ الأعْرابِي، ومَرَّ أَنَّ الفاءَ لغةٌ فيه.
وسَمَّوْا: قَضَاءٌ، بالمدِّ والقَصْرِ، من ذلكَ أَبو جَعْفرٍ محمدُ بنُ أحمدَ بنِ يَحْيَى بنِ قَضاءٍ الجَوْهرِي مِن شيوخِ الطَّبْراني وعَمّه عبيد من شيوخِ الخُراسَاني، وجَعْفَرُ ابنُ محمدِ بنِ قَضاءٍ عن أَبي مُسْلم الكجي.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
القاضِي: هو القاطِعُ للأُمُورِ المُحْكِم لها، والجَمْعُ قُضَاةٌ.
وجَمْعُ القَضاءِ: أَقْضِيَةٌ.
وجَمْعُ القضِيَّةِ: القَضايَا على فَعالَى، وأَصْلُه فَعائِل.
واسْتَقْضاهُ السُّلْطانُ: طَلَبَه للقَضاءِ.
والمُقاضاةُ: مُفاعَلَةٌ مِن القَضاءِ بمعْنَى الفَصْلِ والحُكْم.
وقَضاهُ: رافَعَهُ إلى القاضِي، وعلى مالٍ: صَالَحَهُ عليه. وكلُّ ما أُحْكِم عَمَلَهُ وأُتِمَّ أَو أُوجِبَ أَو أُعْلِمَ أَو أُنْفِذَ أَو أُمْضِيَ: فقد قُضِيَ. وقَد جاءَتْ هذه الوُجُوهُ كُلُّها في الأحاديثِ.
والقضاءُ: العَمَلُ، ومنه: {فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ}.
وقَضاهُ: فَرَغَ مِن عَمَلِه، ومنه قَضَيْتُ حاجَتِي: وقَضَى عليه المَوْتَ أي أَتمَّهُ. وقَضَى فلانٌ صَلاتَه: فَرَغَ منها، وقَضَى عَبْرَتَه: أَخْرَجَ كلَّ ما فِي رأْسِه، قالَ أَوْسٌ:
أَمْ هَل كَثِيرٌ بُكًى لم يَقْضِ عَبْرَتَه *** إِثْرَ الأَحِبَّةِ يومَ البَيْنِ مَعْذُور؟
وقَضَى الرجلُ تَقْضِيَةً: ماتَ، وأَنْشَدَ ابنُ برِّي لذي الرُّمَّة:
إذا الشَّخْصُ فيها هَزَّه الآلُ أَغْمَضَتْ *** عليهِ كإغْماضِ المُقَضِّي هُجُولُها
ويقالُ: قَضَى عليَّ وقَضَانِي، بإِسْقاطِ حَرْف الجَرِّ، قالَ الكِلابي:
تَحِنُّ فتُبْدِي ما بها من صَبابَة *** وأُخْفِي الذي لو لا الأَسى لقَضانِي
وقُضِيَ الأَمْرُ: أَي أُتِمَّ هَلاكُهم.
وكلُّ ما أُحْكِمَ فقد قُضِيَ. تقولُ: قَضَيْتُ هذا الثوْبَ صفِيقًا، وقَضَيْتُ دارًا واسِعَةً: أَي أَحْكَمْتُ عَمَلَها، وهو مجازٌ.
وقَضُوَ الرَّجلُ، ككَرُمَ: حَسُنَ قَضاؤُه.
والقَواضِي: المَنايَا.
وقال الجَوْهرِي: قَضَّوا بَيْنهم مَنايَا، بالتّشْديدِ؛ أَي أنْفَذُوها.
وقَضَّى اللُّبانَةَ أَيْضًا بالتَّشْديدِ، وقَضَاها، بالتَّخْفِيفِ، بمعْنًى.
وتَقاضَيْته حَقِّي فَقَضَانِي: أَي طالَبْتُه فأَعْطانِي، أَو تَجازَيْتُه فجَزَانِيه.
واقْتَضَيْتُ مالِي عليه: أَي أَخَذْته وقَبَضْته.
والقِضَةُ، كعِدةٍ: مَوْضِعٌ كانتْ به وَقْعةُ تحْلاق اللِّمَمِ.
والمصنِّفُ ذَكَرَهُ مُشدّدًا في حَرْفِ الضَّاد تبْعًا لابنِ دُرَيْدٍ.
وذُو قِضِين: موضِعٌ، قالَ أُمَيَّةُ بنُ أَبي الصَّلْت:
عَرَفْتُ الدَّارَ قد أَقْوَتْ سِنينا *** لزَيْنَبَ إذ تَحُلُّ بذي قِضِينا
وقضى الرَّجلُ: سادَ القَضاةَ وفاقَهُم، حَكَاهُ ابنُ خَالَوَيْه.
وقَضَّى، بالتّشديدِ: أَكَلَ القَضَى، وهو عَجَمُ الزّبيبِ، عن أَبِي عَمْرٍو.
ودارُ القَضاءِ: دارُ الإمارَةِ.
وافْعَلْ ما يَقْتَضِيَه كرمُكَ وسَهّل الاقْتِضاءَ أَي الطَّلَبَ.
وقالَ أَبُو عليِّ القالِي: قضياءُ على مِثالِ فعلال اسْمٌ من قضييت.
قالَ الكِسائي: إذا فَتَحْت القافَ، فهو اسْمٌ، وإذا كَسَرْتها فهو مَصْدَرٌ وهو مِثالٌ آخَرُ.
قالَ ابنُ الأنْبارِي: ولم يُفَسِّره.
قالَ أَبو عليٍّ: وأَصْلُ قضييت قَضَضْت أَبْدَلُوا من الضادَيْنِ ياءَيْن وأَبْقوا الضَّادَ الأُولى الساكِنَة فلمَّا بَنَوا منه فعلالًا صارَ قضيايًا فأَبْدَلُوا مِن الياءِ الأخيرَةِ هَمْزةً لما وَقَعَتْ طَرَفًا بَعْدَ أَلِفٍ ساكِنَةٍ فصارَتْ قضياء.
والقُضْيانُ، كعُثْمان: بمعْنَى القَضاءِ لُغَةٌ عاميَّةٌ.
وسنقرُ القَضائِيُّ: محدِّثٌ.
واقْتَضَى الأَمْرُ الوُجُوبَ: دلَّ عليه.
وقولُهم: لا أَقْضى منه العَجَبَ، قالَ الأصْمعي: لا يُسْتَعْمل إلَّا مَنْفِيًّا.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
47-المصباح المنير (قضي)
قَضَيْتُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَعَلَيْهِمَا حَكَمْتُ وَقَضَيْتُ وَطَرِي بَلَغْتُهُ وَنِلْتُهُ وَقَضَيْتُ الْحَاجَةَ كَذَلِكَ وَقَضَيْتُ الْحَجَّ وَالدَّيْنَ أَدَّيْتُهُ قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] أَيْ أَدَّيْتُمُوهَا فَالْقَضَاءُ هُنَا بِمَعْنَى الْأَدَاءِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 103] أَيْ أَدَّيْتُمُوهَا وَاسْتَعْمَلَ الْعُلَمَاءُ الْقَضَاءَ فِي الْعِبَادَةِ الَّتِي تُفْعَلُ خَارِجَ وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ شَرْعًا وَالْأَدَاءَ إذَا فُعِلَتْ فِي الْوَقْت الْمَحْدُودِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لَكِنَّهُ اصْطِلَاحٌ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ وَالْقَضَاءُ مَصْدَرٌ فِي الْكُلِّ وَاسْتَقْضَيْتُهُ طَلَبْتُ قَضَاءَهُ وَاقْتَضَيْتُ مِنْهُ حَقِّي أَخَذْتُ وَقَاضَيْتُهُ حَاكَمْتُهُ وَقَاضَيْتُهُ عَلَى مَالٍ صَالَحْتُهُ عَلَيْهِ وَاقْتَضَى الْأَمْرُ الْوُجُوبَ دَلَّ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُمْ لَا أَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبَ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا مَنْفِيًّا.المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م
48-لسان العرب (نوأ)
نوأ: ناءَ بِجِمْلِه يَنُوءُ نَوْءًا وتَنْوَاءً: نَهَضَ بجَهْد ومَشَقَّةٍ.وَقِيلَ: أُثْقِلَ فسقَطَ، فَهُوَ مِنَ الأَضداد.
وَكَذَلِكَ نُؤْتُ بِهِ.
وَيُقَالُ: ناءَ بالحِمْل إِذَا نَهَضَ بِهِ مُثْقَلًا.
وناءَ بِهِ الحِملُ إِذَا أَثْقَلَه.
والمرأَة تنُوءُ بِهَا عَجِيزَتُها أَي تُثْقِلُها، وَهِيَ تَنُوءُ بِعَجِيزَتِها أَي تَنْهَضُ بِهَا مُثْقلةً.
وناءَ بِهِ الحِمْلُ وأَناءَه مِثْلُ أَناعَه: أَثْقَلَه وأَمالَه، كَمَا يُقَالُ ذهَبَ بِهِ وأَذْهَبَه، بِمَعْنًى.
وَقَوْلُهُ تعالى: {مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ}.
قَالَ: نُوْءُها بالعُصْبةِ أَنْ تُثْقِلَهم.
وَالْمَعْنَى إنَّ مفاتِحَه لَتَنُوءُ بالعُصْبةِ أَي تُمِيلُهم مِن ثِقَلِها، فَإِذَا أَدخلت الباءَ قُلْتَ تَنُوءُ بِهِمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}.
وَالْمَعْنَى ائْتُوني بقِطْرٍ أُفْرِغْ عَلَيْهِ، فَإِذَا حَذَفْتَ الباءَ زدْتَ عَلَى الْفِعْلِ فِي أَوله.
قَالَ الفرّاءُ: وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهل الْعَرَبِيَّةِ: مَا إنَّ العُصْبةَ لَتَنُوءُ بِمفاتِحِه، فَحُوِّلَ الفِعْلُ إِلَى المَفاتِحِ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
إِنَّ سِراجًا لَكَرِيمٌ مَفْخَرُهْ، ***تَحْلى بهِ العَيْنُ، إِذَا مَا تَجْهَرُهْ
وَهُوَ الَّذِي يَحْلى بالعين، فإذا كَانَ سُمِعَ آتَوْا بِهَذَا، فَهُوَ وَجْه، وإلَّا فَإِنَّ الرجُلَ جَهِلَ الْمَعْنَى.
قَالَ الأَزهري: وأَنشدني بَعْضُ الْعَرَبِ:
حَتَّى إِذَا مَا التَأَمَتْ مَواصِلُهْ، ***وناءَ، فِي شِقِّ الشِّمالِ، كاهِلُهْ
يَعْنِي الرَّامي لَمَّا أَخَذَ القَوْسَ ونَزَعَ مالَ عَلَيْها.
قَالَ: وَنَرَى أَنَّ قَوْلَ الْعَرَبِ مَا ساءَكَ وناءَكَ: مِنْ ذَلِكَ، إِلَّا أَنه أَلقَى الأَلفَ لأَنه مُتْبَعٌ لِساءَكَ، كَمَا قَالَتِ الْعَرَبُ: أَكَلْتُ طَعامًا فهَنَأَني ومَرَأَني، مَعْنَاهُ إِذَا أُفْرِدَ أَمْرَأَني فَحُذِفَ مِنْهُ الأَلِف لَمَّا أُتْبِعَ مَا لَيْسَ فِيهِ الأَلِف، وَمَعْنَاهُ: مَا ساءَكَ وأَناءَكَ.
وَكَذَلِكَ: إنِّي لآتِيهِ بالغَدايا والعَشايا، والغَداةُ لَا تُجمع عَلَى غَدايا.
وَقَالَ الفرَّاءُ: لَتُنِيءُ بالعُصْبةِ: تُثْقِلُها، وَقَالَ:
إنِّي، وَجَدِّك، لَا أَقْضِي الغَرِيمَ، وإِنْ ***حانَ القَضاءُ، وَمَا رَقَّتْ لَهُ كَبِدِي
إلَّا عَصا أَرْزَنٍ، طارَتْ بُرايَتُها، ***تَنُوءُ ضَرْبَتُها بالكَفِّ والعَضُدِ
أَي تُثْقِلُ ضَرْبَتُها الكَفَّ والعَضُدَ.
وَقَالُوا: لَهُ عِنْدِي مَا سَاءَه وَناءَه أَي أَثْقَلَه وَمَا يَسُوءُه ويَنُوءُه.
قَالَ بَعْضُهُمْ: أَراد ساءَه وناءَه وإِنما قَالَ ناءَه، وَهُوَ لَا يَتَعدَّى، لأَجل ساءَه، فَهُمْ إِذَا أَفردوا قَالُوا أَناءَه، لأَنهم إِنَّمَا قَالُوا ناءَه، وَهُوَ لَا يتعدَّى لِمَكَانِ سَاءَه ليَزْدَوِجَ الْكَلَامُ.
والنَّوْءُ: النَّجْمُ إِذَا مَالَ للمَغِيب، وَالْجَمْعُ أَنْواءٌ ونُوآنٌ، حَكَاهُ ابْنُ جِنِّي، مِثْلُ عَبْد وعُبْدانٍ وبَطْنٍ وبُطْنانٍ.
قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
ويَثْرِبُ تَعْلَمُ أَنَّا بِها***.
إِذَا قَحَطَ الغَيْثُ، نُوآنُها
وَقَدْ ناءَ نَوْءًا واسْتَناءَ واسْتَنْأَى، الأَخيرة عَلَى القَلْب.
قَالَ:
يَجُرُّ ويَسْتَنْئِي نَشاصًا، كأَنَّه ***بِغَيْقةَ، لَمَّا جَلْجَلَ الصَّوْتَ، جالِبُ
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: اسْتَنْأَوُا الوَسْمِيَّ: نَظَرُوا إِلَيْهِ، وأَصله مِنَ النَّوْءِ، فقدَّم الهمزةَ.
وَقَوْلُ ابْنِ أَحمر:
الفاضِلُ، العادِلُ، الهادِي نَقِيبَتُه، ***والمُسْتَناءُ، إِذَا مَا يَقْحَطُ المَطَرُ
المُسْتَنَاءُ: الَّذِي يُطْلَبُ نَوْءُه.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَعْنَاهُ الَّذِي يُطْلَبُ رِفْدُه.
وَقِيلَ: مَعْنَى النَّوْءِ سُقوطُ نَجْمٍ مِنَ المَنازِل فِي الْمَغْرِبِ مَعَ الْفَجْرِ وطُلوعُ رَقِيبه، وَهُوَ نَجْمٌ آخَرُ يُقابِلُه، مِنْ سَاعَتِهِ فِي الْمَشْرِقِ، فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
وَهَكَذَا كلُّ نَجْمٍ مِنْهَا إِلَى انْقِضَاءِ السَّنَةِ، مَا خَلَا الجَبْهةَ، فَإِنَّ لَهَا أَربعة عَشَرَ يَوْمًا، فتنقضِي جميعُها مَعَ انقضاءِ السَّنَةِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ نَوْءًا لأَنَّه إِذَا سَقَطَ الغارِبُ ناءَ الطالِعُ، وَذَلِكَ الطُّلوع هُوَ النَّوْءُ.
وبعضُهم يَجْعَلُ النَّوْءَ السُّقُوطَ، كأَنه مِنَ الأَضداد.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَمْ يُسْمع فِي النَّوْءِ أَنه السُّقوط إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُضِيفُ الأَمْطار والرِّياح والحرَّ وَالْبَرْدَ إِلَى السَّاقِطِ مِنْهَا.
وَقَالَ الأَصمعي: إِلَى الطَّالِعِ مِنْهَا فِي سُلْطَانِهِ، فَتَقُولُ مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذَا، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: نَوْءُ النَّجْمِ: هُوَ أَوَّل سُقُوطٍ يُدْرِكُه بالغَداة، إِذَا هَمَّت الكواكِبُ بالمُصُوحِ، وَذَلِكَ فِي بَيَاضِ الْفَجْرِ المُسْتَطِير.
التَّهْذِيبِ: ناءَ النجمُ يَنْوءُ نَوْءًا إِذَا سقَطَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «ثلاثٌ مِنَ أَمْرِ الجاهِليَّةِ: الطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ والنِّياحةُ والأَنْواءُ».
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الأَنواءُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ نَجْمًا مَعْرُوفَةَ المَطالِع فِي أزْمِنةِ السَّنَةِ كُلِّهَا مِنَ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ، يَسْقُطُ مِنْهَا فِي كُلِّ ثلاثَ عَشْرة لَيْلَةً نجمٌ فِي الْمَغْرِبِ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، ويَطْلُع آخَرُ يُقَابِلُهُ فِي الْمَشْرِقِ مِنْ سَاعَتِهِ، وَكِلَاهُمَا مَعْلُومٌ مُسَمًّى، وانقضاءُ هَذِهِ الثَّمَانِيَةِ وَعِشْرِينَ كُلِّهَا مَعَ انقضاءِ السَّنَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الأَمر إِلَى النَّجْمِ الأَوّل مَعَ اسْتِئْنَافِ السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ.
وَكَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا سَقَطَ مِنْهَا نَجْمٌ وَطَلَعَ آخَرُ قَالُوا: لَا بُدَّ مِنْ أَن يَكُونَ عِنْدَ ذَلِكَ مَطَرٌ أَو رِيَاحٌ، فيَنْسِبُون كلَّ غَيْثٍ يَكُونُ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى ذَلِكَ النَّجْمِ، فَيَقُولُونَ: مُطِرْنا بِنَوْءِ الثُرَيَّا والدَّبَرانِ والسِّماكِ.
والأَنْوَاءُ وَاحِدُهَا نَوْءٌ.
قَالَ: وإِنما سُمِّيَ نَوْءًا لأَنه إِذَا سَقَط الساقِط مِنْهَا بِالْمَغْرِبِ ناءَ الطَّالِعُ بِالْمَشْرِقِ يَنُوءُ نَوْءًا أَي نَهَضَ وطَلَعَ، وَذَلِكَ النُّهُوض هُوَ النَّوْءُ، فَسُمِّيَ النَّجْمُ بِهِ، وَذَلِكَ كُلُّ نَاهِضٍ بِثِقَلٍ وإبْطَاءٍ، فَإِنَّهُ يَنُوءُ عِنْدَ نُهوضِه، وَقَدْ يَكُونُ النَّوْءُ السُّقُوطُ.
قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ النَّوْءَ السُّقُوطُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تَنُوءُ بِأُخْراها، فَلأْيًا قِيامُها؛ ***وتَمْشِي الهُوَيْنَى عَنْ قَرِيبٍ فَتَبْهَرُ
مَعْنَاهُ: أَنَّ أُخْراها، وَهِيَ عَجِيزَتُها، تُنِيئُها إِلَى الأَرضِ لِضخَمِها وكَثْرة لَحْمِهَا فِي أَرْدافِها.
قَالَ: وَهَذَا تَحْوِيلٌ لِلْفِعْلِ أَيضًا.
وَقِيلَ: أَراد بالنَّوْءِ الغروبَ، وَهُوَ مِنَ الأَضْداد.
قَالَ شَمِرٌ: هَذِهِ الثَّمَانِيَةُ وَعِشْرُونَ، الَّتِي أَراد أَبو عُبَيْدٍ، هِيَ مَنَازِلُ الْقَمَرِ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الفُرْس وَالرُّومِ وَالْهِنْدِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنها ثَمَانِيَةُ وَعِشْرُونَ، يَنْزِلُ الْقَمَرُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي مَنْزِلَةٍ مِنْهَا.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ}.
قَالَ شَمِرٌ: وَقَدْ رأَيتها بِالْهِنْدِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ مُتَرْجَمَةً.
قَالَ: وَهِيَ بِالْعَرَبِيَّةِ فِيمَا أَخبرني بِهِ ابْنُ الأَعرابي: الشَّرَطانِ، والبَطِينُ، والنَّجْمُ، والدَّبَرانُ، والهَقْعَةُ، والهَنْعَةُ، والذِّراع، والنَّثْرَةُ، والطَّرْفُ، والجَبْهةُ، والخَراتانِ، والصَّرْفَةُ، والعَوَّاءُ، والسِّماكُ، والغَفْرُ، والزُّبانَى، والإِكْليلُ، والقَلْبُ، والشَّوْلةُ، والنَّعائمُ، والبَلْدَةُ، وسَعْدُ الذَّابِحِ، وسَعْدُ بُلَعَ، وسَعْدُ السُّعُود، وسَعْدُ الأَخْبِيَةِ، وفَرْغُ الدَّلْو المُقَدَّمُ، وفَرْغُ الدَّلْوِ المُؤَخَّرُ، والحُوتُ.
قَالَ: وَلَا تَسْتَنِيءُ العَرَبُ بِهَا كُلِّها إِنَّمَا تَذْكُرُ بالأَنْواءِ بَعْضَها، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ فِي أَشعارهم وَكَلَامِهِمْ.
وَكَانَ ابْنُ الأَعرابي يَقُولُ: لَا يَكُونُ نَوْءٌ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ مَطَر، وَإِلَّا فَلَا نَوْءَ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَول الْمَطَرِ: الوَسْمِيُّ، وأَنْواؤُه العَرْقُوتانِ المُؤَخَّرتانِ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هُمَا الفَرْغُ المُؤَخَّر ثُمَّ الشَّرَطُ ثُمَّ الثُّرَيَّا ثُمَّ الشَّتَوِيُّ، وأَنْواؤُه الجَوْزاءُ، ثمَّ الذِّراعانِ، ونَثْرَتُهما، ثمَّ الجَبْهةُ، وَهِيَ آخِر الشَّتَوِيِّ، وأَوَّلُ الدَّفَئِيّ والصَّيْفِي، ثُمَّ الصَّيْفِيُّ، وأَنْواؤُه السِّماكانِ الأَوَّل الأَعْزَلُ، والآخرُ الرَّقيبُ، وَمَا بَيْنَ السِّماكَيْنِ صَيف، وَهُوَ نَحْوُ مِنْ أَربعين يَوْمًا، ثمَّ الحَمِيمُ، وَهُوَ نَحْوُ مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً عِنْدَ طُلُوعِ الدَّبَرانِ، وَهُوَ بَيْنَ الصيفِ والخَرِيفِ، وَلَيْسَ لَهُ نَوْءٌ، ثمَّ الخَرِيفِيُّ وأَنْواؤُه النَّسْرانِ، ثمَّ الأَخْضَرُ، ثُمَّ عَرْقُوتا الدَّلْوِ الأُولَيانِ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهُمَا الفَرْغُ المُقَدَّمُ.
قَالَ: وكلُّ مطَر مِنَ الوَسْمِيِّ إِلَى الدَّفَئِيِّ ربيعٌ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي بَعْضٍ أَمالِيهِ وذَكر قَوْلَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَالَ سُقِينا بالنَّجْمِ فَقَدْ آمَنَ بالنَّجْم وكَفَر باللهِ، وَمَنْ قَالَ سَقانا اللهُ فَقَدْ آمَنَ باللهِ وكَفَر بالنَّجْمِ.
قَالَ: وَمَعْنَى مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذَا، أَي مُطِرْنا بطُلوع نَجْمٍ وسُقُوط آخَر.
قَالَ: والنَّوْءُ عَلَى الْحَقِيقَةِ سُقُوط نَجْمٍ فِي المَغْرِب وطُلوعُ آخَرَ فِي الْمَشْرِقِ، فالساقِطةُ فِي الْمَغْرِبِ هِيَ الأَنْواءُ، والطالِعةُ فِي الْمَشْرِقِ هِيَ البَوارِحُ.
قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النَّوْءُ ارْتِفاعُ نَجْمٍ مِنَ الْمَشْرِقِ وَسُقُوطُ نَظِيرِهِ فِي الْمَغْرِبِ، وَهُوَ نَظِيرُ الْقَوْلِ الأَوَّل، فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ مُطِرْنا بِنَوْءِ الثرَيَّا، فإِنما تأْويله أَنَّه ارْتَفَعَ النَّجْمُ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَسَقَطَ نَظِيرُهُ فِي الْمَغْرِبِ، أَي مُطِرْنا بِمَا ناءَ بِهِ هَذَا النَّجمُ.
قَالَ: وإِنما غَلَّظَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا لأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَزْعُمُ أَن ذَلِكَ الْمَطَرَ الَّذِي جاءَ بسقوطِ نَجْمٍ هُوَ فِعْلُ النَّجْمِ، وَكَانَتْ تَنْسُبُ الْمَطَرَ إِلَيْهِ، وَلَا يَجْعَلُونَهُ سُقْيا مِنَ اللَّهِ، وَإِنْ وافَقَ سقُوطَ ذَلِكَ النَّجْمِ المطرُ يَجْعَلُونَ النجمَ هُوَ الْفَاعِلَ، لأَن فِي الْحَدِيثِ دَلِيلَ هَذَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: مَن قَالَ سُقِينا بالنَّجْمِ فَقَدْ آمَنَ بالنَّجْم وكَفَرَ باللهِ.
قَالَ أَبو إِسحاق: وأَما مَنْ قَالَ مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ الْمَعْنَى ومرادُه أَنَّا مُطِرْنا فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَلِمَ يَقْصِدْ إِلَى فِعْل النَّجْمِ، فَذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعلم، جَائِزٌ، كَمَا جاءَ عَنْ عُمَر، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّه اسْتَسْقَى بالمُصَلَّى ثُمَّ نادَى العباسَ: كَمْ بَقِيَ مِن نَوْءِ الثُرَيَّا؟ فَقَالَ: إنَّ العُلماءَ بِهَا يَزْعُمُونَ أَنها تَعْتَرِضُ فِي الأُفُقِ سَبْعًا بَعْدَ وقُوعِها، فواللهِ مَا مَضَتْ تِلْكَ السَّبْعُ حَتَّى غِيثَ الناسُ، فَإِنَّمَا أَراد عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، كَمْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أنَّه إِذَا تَمَّ أَتَى اللهُ بِالْمَطَرِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: أَمَّا مَنْ جَعلَ المَطَر مِنْ فِعْلِ اللهِ تَعَالَى، وأَراد بِقَوْلِهِ مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذَا أَي فِي وَقْت كَذَا وَهُوَ هَذَا النَّوْءُ الْفُلَانِيُّ، فإِن ذَلِكَ جَائِزٌ أَي إِن اللهَ تَعَالَى قَدْ أَجْرَى الْعَادَةَ أَن يأْتِيَ المَطَرُ فِي هَذِهِ الأَوقات.
قَالَ: ورَوى عَليٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}؛ قَالَ: يَقُولُونَ مُطِرْنا بنوءِ كَذَا وَكَذَا.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَعْنَاهُ: وتَجْعَلُون شُكْرَ رِزْقِكم، الَّذِي رَزَقَكُمُوه اللَّهُ، التَّكْذِيبَ أَنَّه مِنْ عندَ الرَّزَّاقِ، وَتَجْعَلُونَ الرِّزْقَ مِنْ عندِ غيرِ اللهِ، وَذَلِكَ كُفْرٌ؛ فأَمَّا مَنْ جَعَلَ الرِّزْقَ مِن عندِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وجَعَل النجمَ وقْتًا وقَّتَه للغَيْثِ، وَلَمْ يَجعلْه المُغِيثَ الرَّزَّاقَ، رَجَوْتُ أَن لَا يَكُونُ مُكَذِّبًا، وَاللَّهُ أَعلم.
قَالَ: وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَهُ أَبو إِسحاق وَغَيْرُهُ مِنْ ذَوِي التَّمْيِيزِ.
قَالَ أَبو زَيْدٍ: هَذِهِ الأَنْواءُ فِي غَيْبوبة هَذِهِ النُّجُومِ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَصل النَّوْءِ: المَيْلُ فِي شِقٍّ.
وَقِيلَ لِمَنْ نَهَضَ بِحِمْلِهِ: ناءَ بِهِ، لأَنَّه إِذَا نَهَضَ بِهِ، وَهُوَ ثَقِيلٌ، أَناءَ الناهِضَ أَي أَماله.
وَكَذَلِكَ النَّجْمُ، إِذَا سَقَطَ، مائلٌ نحوَ مَغِيبه الَّذِي يَغِيبُ فِيهِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الإِصلاح: مَا بِالبادِيَةِ أَنْوَأُ مِنْ فُلَانٍ، أَي أَعْلَمُ بأَنْواءِ النُّجوم مِنْهُ، وَلَا فِعْلَ لَهُ.
وَهَذَا أَحد مَا جاءَ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ مِنْ غَيْرِ أَن يَكُونَ لَهُ فِعْلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ أَحْنَكِ الشَّاتَيْنِ وأَحْنَكِ البَعِيرَيْنِ.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سُئِلَ ابْنِ عبَّاس، رَضِيَ اللَّهُ عنهما، عَنْ رَجُلٍ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِه بِيَدِها، فَقَالَتْ لَهُ: أَنت طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: خَطَّأَ اللهُ نَوْءَها أَلّا طَلَّقَتْ نَفْسها ثَلَاثًا.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: النَّوْءُ هُوَ النَّجْم الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْمَطَرُ، فَمن هَمَز الْحَرْفَ أَرادَ الدُّعاءَ عَلَيْهَا أَي أَخْطَأَها المَطَرُ، وَمَنْ قَالَ خطَّ اللهُ نَوْءَها جَعَلَه مِنَ الخَطِيطَةِ.
قَالَ أَبو سَعِيدٍ: مَعْنَى النَّوْءِ النُّهوضُ لَا نَوْءُ الْمَطَرِ، والنَّوْءُ نُهُوضُ الرَّجل إِلَى كلِّ شيءٍ يَطْلُبه، أَرَادَ: خَطَّأَ اللهُ مَنْهَضَها ونَوْءَها إِلَى كلِّ مَا تَنْوِيه، كَمَا تَقُولُ: لَا سَدّدَ اللهُ فُلَانًا لِمَا يَطْلُب، وَهِيَ امرأَة قَالَ لَهَا زَوْجُها: طَلِّقي نَفْسَكِ، فَقَالَتْ لَهُ: طَلَّقْتُكَ، فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَوْ عَقَلَتْ لَقالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي.
وَرَوَى ابْنُ الأَثير هَذَا الحديثَ عَنْ عُثمانَ، وَقَالَ فِيهِ: إنَّ اللهَ خَطَّأَ نَوْءَها أَلَّا طَلَّقَتْ نَفْسَها.
وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: قِيلَ هُوَ دُعاءٌ عَلَيْهَا، كَمَا يُقَالُ: لَا سَقاه اللَّهُ الغَيْثَ، وأَراد بالنَوْءِ الَّذِي يَجِيءُ فِيهِ المَطَر.
وَقَالَ الْحَرْبِيُّ: هَذَا لَا يُشْبِهُ الدُّعاءَ إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ، وَالَّذِي يُشْبِهُ أَن يَكُونَ دُعاءً حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: خَطَّأَ اللهُ نَوْءَها، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَها لَوَقَعَ الطَّلاق، فَحَيْثُ طَلَّقَتْ زوجَها لَمْ يَقَعِ الطَّلاقُ، وَكَانَتْ كَمَنْ يُخْطِئُه النَّوْءُ، فَلَا يُمْطَر.
وناوَأْتُ الرَّجُلَ مُناوَأَةً ونِوَاءً: فاخَرْتُه وعادَيْتُه.
يُقَالُ: إِذَا ناوَأْتَ الرجلَ فاصْبِرْ، وَرُبَّمَا لَمْ يُهمز وأَصله الْهَمْزُ، لأَنَّه مِنْ ناءَ إلَيْكَ ونُؤْتَ إِلَيْهِ أَي نَهَضَ إليكَ وَنهَضْتَ إِلَيْهِ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا أَنْتَ ناوَأْتَ الرِّجالَ، فَلَمْ تَنُؤْ ***بِقَرْنَيْنِ، غَرَّتْكَ القُرونُ الكَوامِلُ
وَلَا يَسْتَوِي قَرْنُ النِّطاحِ، الَّذِي بِهِ ***تَنُوءُ، وقَرْنٌ كُلَّما نُؤتَ مائلُ
والنَّوْءُ والمُناوَأَةُ: المُعاداةُ.
وَفِي الْحَدِيثِ فِي الْخَيْلِ: ورجُلٌ رَبَطَها فَخْرًا ورِياءً ونِوَاءً لأَهل الإِسلام، أَي مُعاداةً لَهُمْ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَزالُ طائفةٌ مِنْ أُمّتي ظاهرينَ عَلَى مَن ناوَأَهم»؛ أَي ناهَضَهم وعاداهم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
49-لسان العرب (جوب)
جوب: فِي أَسماءِ اللَّهِ المُجِيبُ، وَهُوَ الَّذِي يُقابِلُ الدُّعاءَ والسُّؤَال بالعَطاءِ والقَبُول، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِن أَجاب يُجِيبُ.والجَوابُ، معروفٌ: رَدِيدُ الْكَلَامِ، والفِعْل: أَجابَ يُجِيبُ.
قَالَ اللَّهُ تعالى: {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}؛ أَي فَلْيُجِيبوني.
وَقَالَ الفرَّاءُ: يُقَالُ: إِنَّهَا التَّلْبِيةُ، وَالْمَصْدَرُ الإِجابةُ، وَالِاسْمُ الجَابةُ، بِمَنْزِلَةِ الطاعةِ وَالطَّاقَةِ.
والإِجابةُ: رَجْعُ الْكَلَامِ، تَقُولُ: أَجابَه عَنْ سُؤَاله، وَقَدْ أَجابَه إِجَابَةً وَإِجَابًا وجَوابًا وَجَابَةً واسْتَجْوَبَه واسْتَجابَه واسْتَجابَ لَهُ.
قَالَ كعبُ ابن سَعْد الغَنَويّ يَرْثِي أَخاه أَبا المِغْوار:
وَداعٍ دَعا يَا مَنْ يُجيبُ إِلَى النَّدَى، ***فَلَمْ يَسْتَجِبْه، عِنْدَ ذاكَ، مُجِيبُ
فقُلتُ: ادْعُ أُخرى، وارْفَعِ الصَّوتَ رَفعةً، ***لَعَلَّ أَبا المِغْوارِ مِنْكَ قَرِيبُ
والإِجابةُ والاستِجابةُ، بِمَعْنًى، يُقَالُ: اسْتَجابَ اللَّهُ دعاءَه، وَالِاسْمُ الجَوابُ والجابةُ والمَجُوبةُ، الأَخيرةُ عَنِ ابْنِ جِنِّي، وَلَا تَكُونُ مَصْدَرًا لأَنَّ المَفْعُلةَ، عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، لَيْسَتْ مِنْ أَبنية الْمَصَادِرِ، وَلَا تَكُونُ مِنْ بَابِ المَفْعُول لأَنَّ فِعْلها مَزِيدٌ.
وَفِي أَمثالِ العَرب: أَساءَ سَمْعًا فأَساءَ جَابَةً.
قَالَ: هَكَذَا يُتَكلَّم بِهِ لأَنَّ الأَمثال تُحْكَى عَلَى مَوْضُوعَاتِهَا.
وأَصل هَذَا الْمَثَلِ، عَلَى مَا ذكر الزُّبَيْر ابن بَكَّارٍ، أَنه كَانَ لسَهلِ بْنِ عَمْرٍو ابنٌ مَضْعُوفٌ، فَقَالَ لَهُ إِنْسَانٌ: أَين أَمُّكَ أَي أَين قَصْدُكَ؟ فظَنَّ أَنه يَقُولُ لَهُ: أَين أُمُّكَ، فَقَالَ: ذهَبَتْ تَشْتَري دَقِيقًا، فَقَالَ أَبُوه: أَساءَ سَمْعًا فأَساءَ جَابَةً.
وَقَالَ كُرَاعٌ: الجابةُ مَصْدَرٌ كالإِجابةِ.
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: جابةٌ اسْمٌ يُقُومُ مَقامَ الْمَصْدَرِ، وَإِنَّهُ لَحَسَنُ الجيبةِ، بِالْكَسْرِ، أَي الجَوابِ.
قَالَ سيبويه: أَجاب مِنَ الأَفْعال الَّتِي اسْتُغْني فِيهَا بِمَا أَفْعَلَ فِعْلَه، وَهُوَ أَفْعَلُ فِعْلًا، عَمَّا أَفْعَلَه، وَعَنْ هُوَ أَفْعَلُ مِنكَ، فَيَقُولُونَ: مَا أَجْوَدَ جَوابَه، وَهُوَ أَجْوَدُ جَوابًا، وَلَا يُقَالُ: مَا أَجْوَبَه، وَلَا هُوَ أَجْوَبُ مِنْكَ؛ وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ: أَجْوِدْ بِجَوابهِ، وَلَا يُقَالُ: أَجوِب بِهِ.
وأَما مَا جاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: «يَا رسولَ اللَّهِ أَيُّ الليلِ أَجْوَبُ دَعْوةً؟ قَالَ: جَوْفُ الليلِ الغابِرِ»، فسَّره شَمِرٌ، فَقَالَ: أَجْوَبُ مِنَ الإِجابةِ أَي أَسْرَعُه إِجَابَةً، كَمَا يُقَالُ أَطْوَعُ مِنَ الطاعةِ.
وقياسُ هَذَا أَن يَكُونَ مِنْ جابَ لَا مِن أَجابَ.
وَفِي الْمُحْكَمِ عَنْ شَمِرٍ، أَنه فَسَّرَهُ، فَقَالَ: أَجْوَبُ أَسْرَعُ إِجَابَةً.
قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي مِنْ بَابِ أَعْطَى لفارِهةٍ، وأَرسلنا الرِّياحَ لوَاقِحَ.
وَمَا جاءَ مِثلُه، وَهَذَا عَلَى الْمَجَازِ، لأَنَّ الإِجابةَ لَيْسَتْ لِلَّيل إِنَّمَا هِيَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ، فَمعناه: أَيُّ الليلِ اللهُ أَسرع إِجَابَةً فِيه مِنه فِي غَيْرِه، وَمَا زَادَ عَلَى الفِعْل الثُّلاثي لَا يُبْنَى مِنْه أَفْعَلُ مِنْ كَذَا، إِلَّا فِي أَحرف جاءَت شَاذَّةً.
وَحَكَى الزمخشريُّ قَالَ: كأَنَّه فِي التَّقْدير مِن جابَتِ الدَّعْوةُ بِوَزْنِ فَعُلْتُ، بِالضَّمِّ، كطالَتْ، أَي صارَتْ مُسْتَجابةَ، كَقَوْلِهِمْ فِي فَقِيرٍ وشَديدٍ كأَنهما مِنْ فَقُرَ وشَدُدَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَعْمَلٍ.
وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ جُبْتُ الأَرضَ إذ قَطَعْتَها بِالسَّيْرِ، عَلَى مَعْنَى أَمْضَى دَعْوَةً وأَنْفَذُ إِلَى مَظانِّ الإِجابةِ والقَبُول.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الأَصل جَابَ يَجُوبُ مِثْلَ طَاعَ يَطُوعُ.
قَالَ الفرَّاءُ قِيلَ لأَعرابي: يَا مُصابُ.
فَقَالَ: أَنتَ أَصوَبُ مِنِّي.
قَالَ: والأَصل الإِصابةُ مِن صابَ يَصُوبُ إِذَا قَصَدَ، وانجابَتِ الناقةُ: مَدَّت عُنُقَها للحَلَبِ، قَالَ: وأُراه مِن هَذَا كَأَنَّها أَجابَتْ حالِبَها، عَلَى أَنَّا لَمْ نَجِدِ انْفَعَل مِنْ أَجابَ.
قَالَ أَبو سَعِيدٍ قَالَ لِي أَبو عَمْرو بْنُ العلاءِ: اكْتُبْ لِيَ الْهَمْزَ، فَكَتَبْتُهُ لَهُ فَقَالَ لِي: سَلْ عنِ انْجابَتِ الناقةُ أَمَهْموز أَمْ لَا؟ فسأَلت، فَلَمْ أَجده مَهْمُوزًا.
والمُجاوَبةُ وْ التَّجاوُبُ: التَّحاوُرُ.
وتجاوَبَ القومُ: جاوَبَ بَعضُهم بَعْضًا، واسْتعمله بعضُ الشُعراءِ فِي الطَّيْرِ، فَقَالَ جَحْدَرٌ:
ومِمَّا زادَني، فاهْتَجْتُ شَوْقًا، ***غِنَاءُ حَمامَتَيْنِ تَجاوَبانِ
تَجاوَبَتا بِلَحْنٍ أَعْجَمِيٍّ، ***عَلَى غُصْنَينِ مِن غَرَبٍ وبَانِ
واسْتَعمَلَه بعضُهم فِي الإِبل وَالْخَيْلِ، فَقَالَ:
تَنادَوْا بأَعْلى سُحْرةٍ، وتَجاوَبَتْ ***هَوادِرُ، فِي حافاتِهِم، وصَهِيلُ
وَفِي حَدِيثِ بناءِ الكَعْبَةِ: «فسَمِعنا جَوابًا مِن السَّماءِ، فَإِذَا بِطائِرٍ أَعظَم مِن النَّسْرِ»؛ الجَوابُ: صَوْتُ الجَوْبِ، وَهُوَ انْقِضاضُ الطَّيْرِ.
وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
كأَنَّ رِجْلَيْهِ رِجْلا مُقْطِفٍ عَجِلٍ، ***إِذَا تَجاوَبَ، مِنْ بُرْدَيْهِ، تَرْنِيمُ
أَراد تَرْنِيمانِ تَرْنِيمٌ مِنْ هَذَا الجَناح وتَرْنِيمٌ مِن هَذَا الْآخَرِ.
وأَرضٌ مُجَوَّبةٌ: أَصابَ المطَرُ بعضَها وَلَمْ يُصِبْ بَعْضًا.
وجابَ الشيءَ جَوْبًا واجْتابَه: خَرَقَه.
وكُلُّ مُجَوَّفٍ قَطَعْتَ وسَطَه فَقَدْ جُبْتَه.
وجابَ الصخرةَ جَوْبًا: نَقَبها.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ}.
قَالَ الفرَّاءُ: جابُوا خَرَقُوا الصَّخْرَ فاتَّخَذُوه بُيُوتًا.
وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الزجاجُ وَاعْتَبَرَهُ بِقَوْلِهِ: وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتًا فارِهِينَ.
وجابَ يَجُوبُ جَوْبًا: قَطَعَ وخَرَقَ.
ورجُلٌ جَوَّابٌ: مُعْتادٌ لِذَلِكَ، إِذَا كَانَ قَطَّاعًا للبِلادِ سَيَّارًا فِيهَا.
وَمِنْهُ قَوْلُ لُقْمَانَ بْنِ عَادٍ فِي أَخيه: جَوَّابُ لَيْلٍ سَرْمد.
أَراد: أَنه يَسْري لَيْلَه كُلَّه لَا يَنامُ، يَصِفُه بالشَّجاعة.
وفلان جوَّابٌ جَأَّابٌ أَي يَجُوبُ البِلاد ويَكسِبُ المالَ.
وجَوَّابٌ: اسْمُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي كلابٍ؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: سُمي جَوَّابًا لأَنه كَانَ لَا يَحْفِرُ بئْرًا وَلَا صخْرةً إِلَّا أَماهَها.
وجابَ النعلَ جَوْبًا: قَدَّها.
والمِجْوَب: الَّذِي يُجابُ بِهِ، وَهِيَ حَديدةٌ يُجابُ بِهَا أَي يُقْطَعُ.
وجابَ المفَازةَ والظُّلْمةَ جَوْبًا واجْتابَها: قَطَعَها.
وجابَ البِلادَ يَجُوبُها جَوْبًا: قَطَعَها سَيْرًا.
وجُبْتُ البَلدَ واجْتَبْتُه: قَطَعْتُه.
وجُبْتُ البِلاد أَجُوبُها وأَجِيبُها إِذَا قَطَعتها.
وجَوَّابُ الفَلاةِ: دَلِيلُها لقَطْعِه إيَّاها.
والجَوْبُ: قطْعُك الشيءَ كَمَا يُجابُ الجَيْبُ، يُقَالُ: جَيْبٌ مَجُوبٌ ومُجَوَّبٌ، وكلُّ مُجَوَّفٍ وسَطُه فَهُوَ مُجَوَّبٌ.
قَالَ الرَّاجِزُ:
واجْتابَ قَيْظًا، يَلْتَظِي التِظاؤُهُ وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ للأَنْصارِ يَوْم السَّقِيفةِ: «إِنَّمَا جِيبَتِ العَرَبُ عَنَّا كَمَا جِيبَت الرَّحَى عَنْ قُطْبها» أَي خُرِقَتِ العَربُ عَنَّا، فكُنَّا وسَطًا، وَكَانَتِ العرَبُ حَوالَينا كالرَّحَى.
وقُطْبِها الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ.
وانْجابَ عَنْهُ الظلامُ: انْشَقَّ.
وانْجابَتِ الأَرضُ: انْخَرَقَتْ.
والجَوائِبُ: الأَخْبارُ الطَّارِئةُ لأَنها تَجُوبُ البِلادَ.
تَقُولُ: هَلْ جاءَكم مِنْ جائِبَة خَبَرٍ أَيْ مِن طَريقةٍ خارِقةٍ، أَو خَبَرٍ يَجُوبُ الأَرْضَ منْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، حَكَاهُ ثَعْلَبٌ بالإِضافة.
وَقَالَ الشَّاعِرُ: يَتَنازَعُون جَوائِبَ الأَمْثالِ
يَعْنِي سَوائِرَ تَجُوبُ الْبِلَادَ.
والجابةُ: المِدْرى مِنَ الظِّباءِ، حِينَ جابَ قَرْنُها أَي قَطَعَ اللَّحْمَ وطَلَع.
وَقِيلَ: هِيَ المَلْساءُ اللَّيِّنةُ القَرْن؛ فَإِنْ كَانَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهَا اشْتِقَاقٌ.
التَّهْذِيبُ عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ: جابةُ المِدْرَى مِنَ الظِّباءِ، غَيْرُ مَهْمُوزٍ، حِينَ طَلَعَ قَرْنهُ.
شَمِرٌ: جابةُ المِدْرَى أَي جائِبَتُه حِينَ جابَ قَرْنُها الجِلدَ، فَطَلَعَ، وَهُوَ غَيْرُ مَهْمُوزٍ.
وجُبْتُ القَمِيصَ: قَوَّرْتُ جَيْبَه أَجُوبُه وأَجِيبُه.
وَقَالَ شَمر: جُبْتُه، وجِبْتُه.
قَالَ الرَّاجِزُ:
باتَتْ تَجِيبُ أَدْعَجَ الظَّلامِ، ***جَيْبَ البِيَطْرِ مِدْرَعَ الهُمامِ
قَالَ: وَلَيْسَ مِنْ لَفْظِ الجَيْبِ لأَنه مِنَ الْوَاوِ والجَيْبُ مِنَ الْيَاءِ.
قَالَ: وَلَيْسَ بفَيْعلٍ لأَنه لَمْ يُلْفظ بِهِ عَلَى فَيْعَلٍ.
وَفِي بَعْضِ نُسَخِ المُصَنَّف: جِبْتُ القَمِيصَ، بِالْكَسْرِ، أَي قَوَّرْتُ جَيْبَه.
وجَيَّبْتُه: عَمِلت لَهُ جَيْبًا، واجْتَبْتُ القَمِيصَ إِذَا لَبِسْتَه.
قَالَ لَبِيدٌ:
فَبِتِلْكَ، إذْ رَقَصَ اللَّوامِعُ بالضُّحَى، ***واجْتابَ أَرْدِيةَ السَّرابِ إكامُها
قَوْلُهُ: فَبِتِلْكَ، يَعْنِي بناقَتِه الَّتِي وصَفَ سَيْرَها، والباءُ فِي بِتِلْكَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ أَقْضي فِي الْبَيْتِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَهُوَ:
أَقْضِي اللُّبانةَ، لَا أُفَرِّطُ رِيبةً، ***أَو أَنْ يَلُومَ، بِحاجةٍ، لُوَّامُها
واجْتابَ: احْتَفَر.
قَالَ لَبِيدٌ:
تَجْتابُ أَصْلًا قَائِمًا، مُتَنَبِّذًا، ***بِعُجُوبِ أَنْقاءٍ، يَمِيلُ هَيامُها
يَصِف بَقَرَةً احْتَفَرَت كِناسًا تَكْتَنُّ فِيهِ مِنَ الْمَطَرِ فِي أَصْل أَرطاةٍ.
ابْنُ بُزُرْجَ: جَيَّبْتُ القَمِيصَ وجَوَّبْتُه.
التَّهْذِيبُ: واجتابَ فلانٌ ثَوْبًا إِذَا لَبِسَه.
وأَنشد:
تَحَسَّرَتْ عِقَّةٌ عَنْهَا، فأَنْسَلَها، ***واجْتاب أُخْرَى جَديدًا، بَعْدَ ما ابْتَقَلا
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَتاه قَومٌ مُجْتابي النِّمارِ» أَي لابِسِيها.
يُقَالُ: اجْتَبْتُ القمِيصَ، والظَّلامَ أَي دَخَلْتُ فِيهِمَا.
قَالَ: وكلُّ شيءٍ قُطِع وَسَطُه، فَهُوَ مجْيُوبٌ ومَجُوبٌ ومُجَوَّبٌ، وَمِنْهُ سُمي جَيْبُ القَمِيصِ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّم اللَّهُ وَجْهَهُ: «أَخَذْتُ إِهابًا مَعْطُونًا فَجَوَّبْتُ وَسَطه»، وأَدْخَلْتُه فِي عُنُقي.
وَفِي حَدِيثِ خَيْفانَ: «وأَما هَذَا الحَيُّ مِن أَنْمارٍ فَجَوْبُ أَبٍ وأَوْلادُ عَلَّةٍ» أَي إِنَّهُمْ جِيبُوا مِنْ أَبٍ، وَاحِدٍ وقُطِعُوا مِنْهُ.
والجُوَبُ: الفُرُوجُ لأَنها تُقْطَع مُتَّصلًا.
والجَوْبة: فَجْوةُ مَا بَيْنَ البُيُوتِ.
والجَوْبةُ: الحُفْرةُ.
والجَوْبةُ: فَضاءٌ أَمْلَسُ سَهْلٌ بَيْنَ أَرْضَيْنِ.
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الجَوْبةُ مِنَ الأَرضِ: الدارةُ، وَهِيَ المكانُ المُنْجابُ الوطِيءُ مِنَ الأَرض، القليلُ الشجرِ مِثْلُ الْغَائِطِ المُسْتَدير، وَلَا يَكُونُ فِي رَمْلٍ وَلَا جَبَلٍ، إِنَّمَا يَكُونُ فِي أَجلاد الأَرض ورِحابِها، سُمِّيَ جَوْبةً لانْجِيابِ الشَّجَرِ عَنْهَا، وَالْجَمْعُ جَوْباتٌ، وجُوَبٌ، نَادِرٌ.
والجَوْبةُ: مَوْضِعٌ يَنْجابُ فِي الحَرَّة، وَالْجُمَعُ جُوَبٌ.
التَّهْذِيبُ: الجَوْبةُ شِبْهُ رَهْوة تَكُونُ بَيْنَ ظَهْرانَيْ دُورِ القَوْمِ يَسِيلُ مِنْهَا ماءُ المطَر.
وَكُلُّ مُنْفَتِقٍ يَتَّسِعُ فَهُوَ جَوْبةٌ.
وَفِي حَدِيثِ الاسْتِسْقاء: «حَتَّى صَارَتِ المَدينةُ مِثلَ الجَوْبةِ»؛ قَالَ: هِيَ الحُفْرةُ المُسْتَديرةُ الواسِعةُ، وكلُّ مُنْفَتِقٍ بلا"""" بِناءٍ جَوْبةٌ؛ أي حَتَّى صَارَ الغَيْمُ والسَّحابُ مُحِيطًا بِآفَاقِ المدينةِ.
والجَوْبةُ: الفُرْجةُ فِي السَّحابِ وَفِي الْجِبَالِ.
وانْجابَتِ السَّحابةُ: انْكَشَفَتْ.
وَقَوْلُ العَجَّاج:
حَتَّى إِذَا ضَوْءُ القُمَيْرِ جَوَّبا، ***لَيْلًا، كأَثْناءِ السُّدُوسِ، غَيْهَبا
قَالَ: جَوَّبَ أَي نَوَّرَ وكَشَفَ وجَلَّى.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فانْجابَ السَّحابُ عَنِ المدينةِ حَتَّى صَارَ كالإِكْلِيل» أَي انْجَمَعَ وتَقَبَّضَ بعضُه إِلَى بَعْضٍ وانْكَشَفَ عَنْهَا.
والجَوْبُ: كالبَقِيرة.
وَقِيلَ: الجَوْبُ: الدِّرْعُ تَلْبَسُه المرأَةُ.
والجَوْبُ: الدَّلْو الضَّخْمةُ، عَنْ كُرَاعٍ.
والجَوْبُ: التُّرْسُ، وَالْجَمْعُ أَجْوابٌ، وَهُوَ المِجْوَبُ.
قَالَ لَبِيدٌ:
فأَجازَني مِنْهُ بِطِرْسٍ ناطِقٍ، ***وبكلِّ أَطْلَسَ، جَوْبُه فِي المَنْكِبِ
يَعْنِي بِكُلِّ حَبَشِيٍّ جَوْبهُ فِي مَنْكِبَيْه.
وَفِي حَدِيثِ غَزْوة أُحُدٍ: «وأَبو طلحةَ مُجَوِّبٌ عَلَى النَّبِيِّ»، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، بحَجَفَةٍ أَي مُتَرِّسٌ عَلَيْهِ يَقِيه بِهَا.
وَيُقَالُ للتُّرْسِ أَيضًا: جَوبةٌ.
والجَوْبُ: الكانُونُ.
قَالَ أَبو نخلةَ: كالجَوْبِ أَذْكَى جَمرَه الصَّنَوْبَرُ وجابانُ: اسمُ رَجُلٍ، أَلفُه مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ، كأَنه جَوَبانُ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ قَلْبًا لِغَيْرِ عِلَّةٍ، وَإِنَّمَا قِيلَ فِيهِ إِنَّهُ فَعَلانُ وَلَمْ يُقَلْ إِنَّهُ فَاعَالُ مِنْ جَ بَ نَ لِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
عَشَّيْتُ جابانَ، حَتَّى اسْتَدَّ مَغْرِضُه، ***وكادَ يَهْلِكُ، لَوْلَا أَنه اطَّافا
قُولا لجَابانَ: فلْيَلْحَقْ بِطِيَّتِه، ***نَوْمُ الضُّحَى، بَعْدَ نَوْمِ الليلِ، إِسْرافُ
فَتَركَ صَرْفَ جابانَ فدلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنه فَعَلانُ وَيُقَالُ: فُلَانٌ فِيهِ جَوْبانِ مِنْ خُلُقٍ أَي ضَرْبان لَا يَثْبُتُ عَلَى خُلُقٍ واحدٍ.
قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: جَوْبَيْنِ مِن هَماهِمِ الأَغْوالِ أَي تَسْمَعُ ضَرْبَيْنِ مِنْ أَصوات الغِيلانِ.
وَفِي صفةِ نَهَرِ الْجَنَّةِ: حافَتاه الياقوتُ المُجَيَّبُ.
وجاءَ فِي مَعالِم السُّنَن: المُجَيَّبُ أَو المُجَوَّبُ، بالباءِ فِيهِمَا عَلَى الشَّكِّ، وأَصله: مِنْ جُبْتُ الشيءَ إِذَا قَطَعْتَه، وَسَنَذْكُرُهُ أَيضًا فِي جَيَبَ.
والجابَتانِ: موضِعانِ.
قَالَ أَبو صَخْرٍ الهُذلي:
لمَن الدِّيارُ تَلُوحُ كالوَشْمِ، ***بالجَابَتَيْنِ، فَرَوْضةِ الحَزْمِ
وتَجُوبُ: قَبيلةٌ مِنْ حِمْيَر حُلَفاءُ لمُرادٍ، مِنْهُمُ ابْنُ مُلْجَمٍ، لَعَنَهُ اللَّهُ.
قَالَ الْكُمَيْتُ:
أَلا إنَّ خَيْرَ الناسِ، بَعْدَ ثلاثةٍ، ***قَتِيلُ التَّجُوبِيِّ، الَّذِي جاءَ مِنْ مِصْرِ
هَذَا قَوْلُ الْجَوْهَرِيُّ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ للوَليد بْنِ عُقْبة، وَلَيْسَ لِلْكُمَيْتِ كَمَا ذَكَرَ، وَصَوَابُ إِنْشَادِهِ: قَتِيلُ التُّجِيبِيِّ الَّذِي جاءَ من مصرِ
وَإِنَّمَا غَلَّطه فِي ذَلِكَ أَنه ظَنَّ أَن الثَّلَاثَةَ أَبو بَكْرٍ وعمرُ وعثمانُ، رضوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فظَنَّ أَنه فِي عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ التَّجُوبِيّ، بِالْوَاوِ، وَإِنَّمَا الثَّلَاثَةُ سيِّدُنا رسولُ الله، صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَبو بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لأَن الْوَلِيدَ رَثَى بِهَذَا الشِّعْر عثمانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقاتِلُه كَنانةُ بْنُ بِشر التُجِيبيّ، وَأَمَّا قَاتِلُ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَهُوَ التَّجُوبِيُّ؛ ورأَيت فِي حاشيةٍ مَا مِثالُه: أَنشد أَبو عُبَيْدٍ البَكْرِيّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي كِتَابِهِ فَصْلِ الْمَقَالِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الأَمثال هَذَا الْبَيْتَ الَّذِي هُوَ:
أَلا إنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ لِنائلةَ بنتِ الفُرافِصةِ بْنِ الأَحْوَصِ الكَلْبِيَّةِ زَوْجِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تَرثِيه، وَبَعْدَهُ:
وَمَا لِيَ لَا أَبْكِي، وتَبْكِي قَرابَتي، ***وَقَدْ حُجِبَتْ عَنَّا فُضُولُ أَبي عَمْرِو
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
50-لسان العرب (توت)
توت: التُّوتُ: الفِرْصادُ، وَاحِدَتُهُ تُوتَةٌ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ، وَلَا تَقُلِ التُّوثُ، بِالثَّاءِ.قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ أَبو حَنِيفَةَ الدِّيْنَوَرِيُّ أَنه بِالثَّاءِ؛ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ أَيضًا، أَنه بِالثَّاءِ.
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَلَمْ يُسمع فِي الشِّعْرِ إِلّا بِالثَّاءِ، وأَنشد لِمَحْبُوبِ بْنِ أَبي العَشنَّطِ النَهْشَلِيِّ.
لَرَوْضَةٌ مِنْ رياضِ الحَزْنِ، أَوْ طَرَفٌ ***مِنَ القُرَيَّةِ، جَرْدٌ غيرُ مَحْروثِ
لِلنَّوْرِ فِيهِ، إِذا مَجَّ النَّدَى، أَرَجٌ ***يَشْفي الصُّداعَ، ويُنْقي كلَّ مَمْغُوثِ
أَحْلى وأَشْهَى لِعيني، إِن مَررتُ بِهِ، ***مِنْ كَرْخِ بَغْدَادَ، ذِي الرُّمَّانِ والتُّوثِ
واللَّيْلُ نِصْفانِ: نِصْفٌ للهُمُومِ، فَمَا ***أَقْضِي الرُّقادَ، ونِصْفٌ للبراغِيثِ
أَبِيتُ حَيْثُ تُسامِيني أَوائِلُها، ***أَنْزُو، وأَخْلِطُ تَسبيحًا بتَغْوِيثِ
سُودٌ مَدالِيجُ فِي الظَّلْمَاء، مُؤْدَنَةٌ، ***وليسَ مُلْتَمَسٌ مِنْهَا بمَنْبُوثِ
المُؤْدَنُ، بِالْهَمْزِ: الْقَصِيرُ العُنق.
والمُودَنُ، بِغَيْرِ الْهَمْزِ: الَّذِي يُولدُ ضاوِيًّا؛ نَقَلْتُهُ مِنْ حَوَاشِي ابْنِ بَرِّيٍّ وَمِنْ حواشٍ عَلَيْهَا.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَحُكِيَ عَنِ الأَصمعي أَنه بِالثَّاءِ فِي اللُّغَةِ الْفَارِسِيَّةِ، وَبِالتَّاءِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ.
التَّهْذِيبُ: التُّوثُ كأَنه فَارِسِيٌّ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: التُّوتُ، بِتَاءَيْنِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَن ابْنَ الزُّبَيْرِ آثَرَ عَليَّ التُّوَيتَاتِ، والحُمَيْدَاتِ، والأُساماتِ»؛ قَالَ شَمِرٌ: هُمْ أَحْياءٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ: حُمَيْدُ بْنُ أُسامةَ بنِ زُهَيرِ بْنِ الحارث بنِ أَسَدِ ابن عَبْدِ العُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وتُوَيتُ بنُ حَبيب بنِ أَسدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وأُسامةُ بنُ زُهير بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَد بْنِ عَبْدِ العُزَّى بْنِ قُصَيٍّ.
والتُّوتِياءُ: مَعْرُوفٌ، حَجَر يُكْتَحَلُ بِهِ، وَهُوَ مُعَرَّب.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
51-لسان العرب (شعع)
شعع: الشُّعاعُ: ضَوْءُ الشَّمْسِ الَّذِي تَرَاهُ عِنْدَ ذُرُورِها كأَنه الْحِبَالُ أَو القُضْبانُ مُقْبِلةً عَلَيْكَ إِذا نَظَرْتَ إِليها، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي تَرَاهُ مُمْتَدًّا كالرِّماحِ بُعَيْدَ الطُّلُوعِ، وَقِيلَ: الشُّعاعُ انتشارُ ضوئِها؛ قال قيس ابن الْخُطَيْمِ:طَعَنْتُ ابنَ عبدِ القَيْسِ طَعْنَةَ ثائِرٍ، ***لَهَا نَفَذٌ، لَوْلَا الشَّعاعُ أَضاءَها
وَقَالَ أَبو يُوسُفَ: أَنشدني ابْنُ مَعْنٍ عَنِ الأَصمعي: لَوْلَا الشُّعاع، بِضَمِّ الشِّينِ، وَقَالَ: هُوَ ضوءُ الدَّمِ وحُمْرَتُه وتَفَرُّقُه فَلَا أَدري أَقاله وَضْعًا أَم عَلَى التَّشْبِيهِ، وَيُرْوَى الشَّعاعُ، بِفَتْحِ الشِّينِ، وَهُوَ تَفَرُّق الدَّمِ وَغَيْرِهِ، وَجَمْعُ الشُّعاعِ أَشِعَّةٌ وشُعُعٌ.
وَفَسَّرَ الأَزهريّ هَذَا الْبَيْتَ فَقَالَ: لَوْلَا انْتِشارُ سَنَنِ الدَّمِ لأَضاءَها النَّفَذُ حَتَّى تَسْتَبِينَ، وَقَالَ أَيضًا: شُعَاعُ الدَّمِ مَا انْتَشر إِذا اسْتَنَّ مِنْ خَرْق الطَّعْنةِ.
وَيُقَالُ: سَقَيْتُه لَبَنًا شَعاعًا أَي ضَياحًا أُكْثِرَ ماؤُه، قَالَ: والشَّعْشَعةُ بِمَعْنَى المَزْجِ مِنْهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ الشَّهْرَ قَدْ تَشَعْشَعَ فَلَوْ صُمْنا بَقِيَّتَه، كأَنه ذَهب بِهِ إِلى رِقَّة الشَّهْرِ وقِلَّةِ مَا بَقِيَ مِنْهُ كَمَا يُشَعْشَعُ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ.
وتَشَعْشَعَ الشهرُ: تَقَضَّى إِلَّا أَقَلَّه.
وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تَشَعْسَعَ "مِنَ الشُّسُوعِ الَّذِي هُوَ الْبُعْدُ، بِذَلِكَ فسَّره أَبو عُبَيْدٍ، وَهَذَا لَا يُوجِبُه التصرِيفُ.
وأشَعَّت الشمسُ: نَشَرَتْ شُعاعَها؛ قَالَ:
إِذا سَفَرَتْ تَلأْلأُ وَجْنَتاها، ***كإِشْعاعِ الغَزالةِ فِي الضَّحاءِ
وَمِنْهُ حَدِيثُ لَيْلَةِ القَدْرِ: وإِنَّ الشَّمْسَ تَطلُعُ مِنْ غَدِ يَوْمِهَا لَا شُعاعَ لَهَا، الْوَاحِدَةُ شُعاعةٌ.
وظِلٌ شَعْشَعٌ أَي لَيْسَ بِكَثِيفٍ، ومُشَعْشَعٌ أَيضًا كَذَلِكَ، وَيُقَالُ: الشَّعْشَعُ الظِّلُّ الَّذِي لَمْ يُظِلّك كلُّه فَفِيهِ فُرَجٌ.
وشَعُّ السُّنبل وشَعاعُه وشِعاعُه وشُعاعُه: سَفاه إِذا يَبِسَ مَا دَامَ عَلَى السُّنْبُلِ.
وَقَدْ أَشَعَّ الزرْعُ: أَخرج شَعاعَه.
أَبو زَيْدٍ: شاعَ الشيءُ يَشِيعُ وشَعَّ يَشِعُّ شَعًّا وشَعاعًا كِلَاهُمَا إِذا تَفَرَّقَ، وشَعْشَعْنا عَلَيْهِمُ الخيلَ نُشَعْشِعُها.
والشَّعاعُ: المتفرِّق.
وتَطايَرَ الْقَوْمُ شَعاعًا أَي متفرِّقين.
وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «سَتَرَوْن بَعْدِي مُلْكًا عَضُوضًا وأُمَّةً شَعاعًا»أَي متفرِّقين مُخْتَلِفِينَ.
وذهبَ دمُه شَعاعًا أَي متفرِّقًا.
وطارَ فؤَادُه شَعاعًا تَفَرَقتْ هُمُومُه.
يُقَالُ ذَهَبَتْ نَفْسِي شَعاعًا إِذا انْتَشَرَ رأْيها فَلَمْ تَتَّجِهْ لأَمْر جَزْم، وَرَجُلٌ شَعاعُ الفُؤَاد مِنْهُ.
ورأْي شَعاعٌ أَي مُتَفَرِّقٌ.
ونفْس شَعاع: متفرِّقة قَدْ تفرَّقَتْ هِمَمُها؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ ذَريح:
فَلَمْ أَلْفِظْكِ مِنْ شِبَعٍ، ولَكِنْ ***أُقَضِّي حاجةَ النَّفْسِ الشَّعاعِ
وَقَالَ أَيضًا:
فقَدْتُكِ مِن نَفْسٍ شَعاعٍ، أَلَمْ أَكُنْ ***نَهَيْتُكِ عَنْ هَذَا وأَنْتِ جَميعُ؟
قَالَ ابْنُ برِّيّ: وَمِثْلُ هَذَا لِقَيْسِ بْنُ مُعَاذٍ مَجْنُونُ بَنِي عَامِرٍ:
فَلا تَتْرُكي نَفْسِي شَعاعًا، فإِنَّها ***مِنَ الوَجْدِ قَدْ كادَتْ عَلَيْكِ تَذُوبُ
والشَّعْشاعُ أَيضًا: المُتَفَرِّقُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ: " صَدْقُ اللِّقاءِ غَيْرُ شَعْشاعِ الغَدَرْ "يَقُولُ: هُوَ جَمِيعُ الهِمة غَيْرُ مُتَفَرِّقِهَا.
وتَطايَرَتِ العَصا والقَصَبةُ شَعاعًا إِذا ضَرَبْتَ بِهَا عَلَى حَائِطٍ فَتَكَسَّرتْ وَتَطَايَرَتْ قِصَدًا وقِطَعًا.
وأَشَعَّ البعيرُ بَوْله أَي فَرَّقَه وقَطَّعه، وَكَذَلِكَ شَعَّ بولَه يَشُعُّه أَي فرَّقه أَيضًا فَشَعَّ يَشِعُّ إِذا انتَشر وأَوْزَعَ بِهِ مِثْلَهُ.
ابْنُ الأَعرابي: شَعَّ القومُ إِذا تَفَرَّقُوا؛ قَالَ الأَخطل: " عِصابةُ سَبْيٍ شَعَّ أَنْ يُتَقَسَّما أَي تَفَرَّقُوا حِذارَ أَن يُتَقَسَّموا.
قَالَ: والشَّعُّ العَجَلةُ.
قَالَ: وانْشَعَّ الذِّئْبُ فِي الْغَنَمِ وانْشلَّ فِيهَا وانْشَنَّ وأَغار فِيهَا وَاسْتَغَارَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وَيُقَالُ لِبَيْتِ العَنْكَبُوت: الشُّعُّ وحُقُّ الكُهول.
وشَعْشَعَ الشَّرابَ شَعْشَعَةً: مزَجَه بِالْمَاءِ، وَقِيلَ: المُشَعْشَعة الخَمْرُ الَّتِي أُرِقَّ مَزْجُها.
وشَعْشَعَ الثَّريدةَ الزُّرَيْقاءَ: سَغْبَلَها بالزَّيْت، يُقَالُ: شَعْشِعْها بالزَّيْت.
وفي حديث وائِلةَ بْنِ الأَسْقَع: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَرَدَ ثَرِيدةً ثُمَّ شَعْشَعَها ثُمَّ لبَّقها ثُمَّ صَعْنَبَها "؛ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: شَعْشَعَها خلَط بعضَها بِبَعْضٍ كَمَا يُشَعْشَعُ الشرابُ بِالْمَاءِ إِذا مُزِجَ بِهِ، ورُوِيتْ هَذِهِ اللفظةُ سَغْسَغَها، بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، أَي روَّاها دَسَمًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: شَعْشَعَ الثَّرِيدَةَ إِذا رَفَعَ رأْسها، وَكَذَلِكَ صَعْلَكَها وصعْنَبَها.
وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: شَعْشَعَ الثَّريدة إِذا أَكْثَرَ سَمْنَها، وَقِيلَ: شَعْشَعَها طَوَّلَ رأْسها مِنَ الشَّعْشاعِ، وَهُوَ الطَّوِيلُ مِنَ النَّاسِ، وَهُوَ فِي الْخَمْرِ أَكثر مِنْهُ فِي الثَّرِيدِ.
والشَّعْشَعُ والشَّعْشاعُ والشَّعْشَعانُ والشَّعْشَعانيُّ: الطَّوِيلُ الحَسنُ الخفيفُ اللحْمِ، شُبِّه بِالْخَمْرِ المُشَعْشَعةِ لِرِقَّتِها، ياءُ النَّسَبِ فِيهِ لِغَيْرِ عِلَّةٍ، إِنما هُوَ مِنْ بَابِ أَحمرَ وأَحْمَرِيٍّ ودوَّارٍ ودَوَّارِيٍّ؛ وَوَصَفَ بِهِ الْعَجَّاجُ المِشْفَرَ لِطُولِهِ ورِقَّتِه فَقَالَ:
تُبادِرُ الحَوْضَ، إِذا الحَوْضُ شُغِلْ، ***بِشَعْشَعانيٍّ صُهابيٍّ هَدِلْ،
ومَنْكِباها خَلْفَ أَوْراكِ الإِبِلْ "وَقِيلَ: الشَّعْشاعُ الطَّوِيلُ، وَقِيلَ: الحسَن؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِلى كُلِّ مَشْبُوحِ الذِّراعينِ، تُتَّقَى ***بهِ الحَرْبُ، شَعْشاعٍ وآخَرَ فَدْغَمِ
وَفِي حَدِيثِ البَيْعةِ: «فَجَاءَ رَجُلٌ أَبْيَضُ شَعْشاعٌ»؛ أي طَوِيلٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْح: تراهُ عَظِيمًا شَعْشَعًا "، وَقِيلَ: الشَّعْشاعُ والشَّعْشَعانيُّ والشَّعْشَعانُ الطويلُ العُنقِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
وعُنُقٌ شَعْشاعٌ: طَوِيلٌ.
والشَّعْشَعانةُ مِن الإِبل: الجَسِيمةُ، وَنَاقَةٌ شَعْشَعانة؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
هَيْهاتَ خَرقاءُ إِلَّا أَنْ يُقَرِّبَها ***ذُو العَرْشِ، والشَّعْشَعاناتُ العَياهِيم
وَرَجُلٌ شُعْشُعٌ: خَفِيفٌ فِي السَّفَرِ.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: غُلَامٌ شُعْشُع خَفِيفٌ فِي السَّفَرِ، فقَصَره عَلَى الْغُلَامِ.
وَيُقَالُ: الشُّعْشُعُ الْغُلَامُ الحسَنُ الْوَجْهِ الْخَفِيفُ الرُّوحِ، بِضَمِّ الشِّينِ.
وَقَالَ الأَزهري فِي آخِرِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ: كلُّ مَا مَضَى فِي الشَّعاعِ فَهُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ، وأَما ضَوءُ الشَّمْسِ فَهُوَ الشُّعاعُ، بِضَمِّ الشِّينِ، والشَّعَلَّع: الطَّوِيلُ، بزيادة اللام.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
52-لسان العرب (جلل)
جَلَلَ: اللهُ الجَليلُ سُبْحَانَهُ ذُو الجَلال والإِكرام، جَلَّ جَلال اللَّهِ، وجَلالُ اللَّهِ: عظمتُه، وَلَا يُقَالُ الجَلال إِلا لِلَّهِ.والجَلِيل: مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَقَدَّسَ وَتَعَالَى، وَقَدْ يُوصَفُ بِهِ الأَمر الْعَظِيمُ، وَالرَّجُلُ ذُو الْقَدْرِ الخَطِير.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَلِظُّوا بِيَا ذَا الجَلال والإِكرام»؛ قِيلَ: أَراد عَظِّمُوه، وَجَاءَ تَفْسِيرُهُ فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ: أَسْلِمُو؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَيُرْوَى بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ أَبي الدَّرْدَاءِ فِي الأَكثر؛ وَهُوَ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى الجَلِيلُ الْمَوْصُوفُ بِنُعُوتِ الجَلال، وَالْحَاوِي جميعَها، هُوَ الجَلِيلُ المُطْلَق وَهُوَ رَاجِعٌ إِلى كَمَالِ الصِّفَاتِ، كَمَا أَن الْكَبِيرَ رَاجِعٌ إِلى كَمَالِ الذَّاتِ، وَالْعَظِيمُ رَاجِعٌ إِلى كَمَالِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ.
وجَلَّ الشيءُ يَجِلُّ جَلالًا وجَلالةً وَهُوَ جَلٌّ وجَلِيلٌ وجُلال: عَظُم، والأُنثى جَلِيلة وجُلالة.
وأَجَلَّه: عَظَّمه، يُقَالُ جَلَّ فُلَانٌ فِي عَيني أَي عَظُم، وأَجْلَلته رأَيته جَلِيلًا نَبيلًا، وأَجْلَلْتُه فِي الْمَرْتَبَةِ، وأَجْلَلْتُه أَي عَظَّمته.
وجَلَّ فُلَانٌ يَجِلُّ، بالكسرِ، جَلالَةً أَي عَظُم قَدْرُه فَهُوَ جَلِيل؛ وَقَوْلُ لَبِيدٍ:
غَيْرَ أَن لَا تَكْذِبَنْها فِي التقَى، ***واجْزِها بالبِرِّ لِلَّهِ الأَجَلّ
يَعْنِي الأَعظم؛ وَقَوْلُ أَبي النجم:
الحمدُ الله العَلِيِّ الأَجْلَل، ***أَعْطى فَلَمْ يَبْخَل وَلَمْ يُبَخَّل
يُرِيدُ الأَجَلَّ فأَظهر التَّضْعِيفَ ضَرُورَةً.
والتَّجِلَّة: الجَلالة، اسْمٌ كالتَّدْوِرَة والتَّنْهيَة؛ قَالَ بَعْضُ الأَغْفال:
ومَعْشَرٍ غِيدٍ ذَوي تَجِلَّه، ***تَرى عَلَيْهِمْ لِلنَّدَى أَدِلَّه
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلَيْلَى الأَخْيَلية:
يُشَبَّهون مُلوكًا فِي تَجِلَّتِهم، ***وطُولِ أَنْضِيَةِ الأَعْناقِ واللِّمَم
وجُلُّ الشيءِ وجُلاله: مُعْظَمُهُ.
وتَجَلَّلَ الشيءَ: أَخَذ جُلَّه وجُلاله.
وَيُقَالُ: تَجَلَّلِ الدراهمَ أَي خُذْ جُلالها.
وتَجَالَلْت الشَّيْءَ تَجَالًّا وتَجَلَّلت إِذا أَخذت جُلاله وَتَدَاقَقْتُهُ إِذا أَخذت دُقاقه؛ وَقَوْلُ ابْنُ أَحمر:
يَا جَلَّ مَا بَعُدَتْ عَلَيْكَ بِلادُنا ***وطِلابُنا، فابْرُقْ بأَرضك وارْعُدِ
يَعْنِي مَا أَجَلَّ مَا بَعُدت.
والتَّجالُّ: التَّعَاظُمُ.
يُقَالُ: فُلَانٌ يَتَجالُّ عَنْ ذَلِكَ أَي يَتَرَفَّعُ عَنْهُ.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «تَزَوَّجَتِ امرأَة قد تَجَالَّتْ»؛ تَجَالَّت؛ أي أَسَنَّت وكَبِرَتْ.
وَفِي حَدِيثِ أُم صِبْيَة: «كُنَّا نَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ نِسْوةً قَدْ تَجَالَلْنَ»أَي كَبِرْنَ.
يُقَالُ: جَلَّتْ فَهِيَ جَلِيلَة، وتَجَالَّتْ فَهِيَ مُتَجَالَّة، وتَجَالَّ عَنْ ذَلِكَ تَعاظم.
والجُلَّى: الأَمر الْعَظِيمُ؛ قَالَ طَرَفة:
وإِنْ أُدْعَ للجُلَّى أَكُنْ مِنْ حُماتِها، ***وإِن تَأْتِك الأَعداء بالجَهْد أَجْهَد
وَمِنْهُ قَوْلُ بَشامة بْنِ حَزْن النَّهْشَلي:
وإِنْ دَعَوْتُ إِلى جُلَّى ومَكْرُمَة، ***يَوْمًا، كِرامًا مِنَ الأَقْوامِ، فادْعِينا
قَالَ ابْنُ الأَنباري: مَنْ ضَمَّ الجُلَّى قَصَرَه، وَمَنْ فَتَحَ الْجِيمَ مَدَّهُ، فَقَالَ الجَلَّاء الْخَصْلَةُ الْعَظِيمَةُ؛ وأَنشد:
كَمِيش الإِزارِ خَارِجٌ نِصْفُ ساقِه، ***صَبُور عَلَى الجَلّاءِ طَلَّاع أَنْجُد
وَقَوْمٌ جِلَّة: ذَوُو أَخطار؛ عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ.
ومِشْيَخة جِلَّة أَي مَسانٌّ، وَالْوَاحِدُ مِنْهُمْ جَلِيل.
وجَلَّ الرَّجُلُ جَلالًا، فَهُوَ جَلِيل: أَسَنَّ واحْتُنِك؛ وَأَنْشَدَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
يَا مَنْ لِقَلْبٍ عِنْدَ جُمْلٍ مُخْتَبَلْ ***عُلِّق جُمْلًا، بعد ما جَلَّت وجَلّ
وَفِي الْحَدِيثِ: «فَجَاءَ إِبليس فِي صُورَةِ شَيْخٍ جَلِيل»أَي مُسنٍّ، وَالْجَمْعُ جِلَّة، والأُنثى جَلِيلة.
وجِلَّة الإِبل: مَسَانُّها، وَهُوَ جَمْعُ جَلِيل مِثْلُ صَبيٍّ وصِبْية؛ قَالَ النَّمِرُ:
أَزْمانَ لَمْ تأْخذ إِليَّ سِلاحَها ***إِبِلي بجِلَّتِها، وَلَا أَبْكارِها
وجَلَّت الناقةُ إِذا أَسَنَّت.
وجَلَّتِ الهاجِنُ عَنِ الْوَلَدِ أَي صَغُرَتْ.
وَفِي حَدِيثِ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ: «أَخذت جِلَّة أَموالهم»أَي العِظام الكِبار مِنَ الإِبل، وَقِيلَ المَسانُّ مِنْهَا، وَقِيلَ هُوَ مَا بَيْنَ الثَّنِيِّ إِلى الْبَازِلِ؛ وجُلُّ كُلِّ شَيْءٍ، بِالضَّمِّ: مُعْظَمه، فَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد أَخذت مُعْظَمَ أَموالهم.
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الجِلَّة المَسانُّ مِنَ الإِبل، يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ والأُنثى؛ بعيرٌ جِلَّةٌ وَنَاقَةٌ جِلَّة، وَقِيلَ الجِلَّة النَّاقَةُ الثَّنِيَّة إِلى أَن تَبْزُل، وَقِيلَ الجِلَّة الجَمل إِذا أَثْنى.
وَهَذِهِ نَاقَةٌ قَدْ جَلَّت أَي أَسَنَّت.
وَنَاقَةُ جُلالة: ضَخْمة.
وبَعِير جُلال: مُخْرَجٌ مِنْ جَلِيلٍ.
وَمَا لَهُ دَقِيقَةٌ وَلَا جَلِيلة أَي مَا لَهُ شَاةٌ وَلَا نَاقَةٌ.
وجُلُّ كُلِّ شَيْءٍ: عُظْمه.
وَيُقَالُ: مَا لَهُ دِقٌّ وَلَا جِلٌّ أَي لَا دَقِيقٌ وَلَا جَلِيل.
وأَتيته فَمَا أَجَلَّنِي وَلَا أَحْشاني أَي لَمْ يُعْطِنِي جَلِيلة وَلَا حَاشِيَةً وَهِيَ الصَّغِيرَةُ مِنَ الإِبل.
وَفِي الْمَثَلِ: غَلَبَتْ جِلَّتَها حَوَاشِيهَا؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الجَلِيلة الَّتِي نُتِجَتْ بَطْنًا وَاحِدًا، والحَواشي صِغَارُ الإِبل.
وَيُقَالُ: مَا أَجَلَّنِي وَلَا أَدَقَّني أَي مَا أَعطاني كَثِيرًا وَلَا قَلِيلًا؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: " بَكَتْ فأَدَقَّتْ فِي البُكا وأَجَلَّتِ أَيْ أَتت بِقَلِيلِ الْبُكَاءِ وَكَثِيرِهِ.
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّه دِقَّه وجِلَّه»أَي صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ.
والجَلَل: الشَّيْءُ الْعَظِيمُ وَالصَّغِيرُ الهَيِّن، وَهُوَ مِنَ الأَضداد فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَيُقَالُ لِلْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ جَلَل؛ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ لَمَّا قُتل أَبوه:
بِقَتْلِ بَنِي أَسَدٍ رَبَّهُم، ***أَلا كُلُّ شَيْءٍ سِوَاهُ جَلَل
أَي يسيرٌ هَيِّنٌ؛ وَمِثْلُهُ لِلَبِيدٍ:
كُلُّ شيءٍ، مَا خَلَا اللَّهَ، جَلَل ***وَالْفَتَى يَسْعى ويُلْهِيه الأَمَل
وَقَالَ الْمُثَقَّبُ الْعَبْدِيُّ:
كُلُّ يومٍ كَانَ عَنَّا جَلَلًا، ***غيرَ يومِ الحِنْو مَنْ يَقْطَعْ قَطَر
وأَنشد ابْنُ دُرَيْدٍ:
إِن يُسْرِ عَنْكَ اللَّهُ رُونَتَها، ***فعَظِيمُ كلِّ مُصِيبةٍ جَلَلُ
والرُّونة: الشِّدَّةُ؛ قَالَ: وَقَالَ زويهر بن الحرث الضَّبِّيُّ:
وَكَانَ عَمِيَدنا وبَيْضَةَ بَيتِنا، ***فكلُّ الَّذِي لاقَيْت مِنْ بعدِه جَلَل
وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ: «قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ القَتْلى جَلَلٌ مَا عَدَا مُحَمَّدًا»أَي هَيِّنٌ يَسِيرٌ.
والجَلَل: مِنَ الأَضداد يَكُونُ لِلْحَقِيرِ وَلِلْعَظِيمِ؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ لأَبي الأَخوص الرِّيَاحِيِّ:
لَوْ أَدْرَكَتْه الخَيْلُ، والخَيْلُ تَدَّعي ***بِذِي نَجَبٍ، ما أَقْرَبَتْ وأَجَلَّتِ
أَي دَخَلت فِي الجَلَل وَهُوَ الأَمر الصَّغِيرُ.
قَالَ الأَصمعي: يُقَالُ هَذَا الأَمر جَلَل فِي جَنْب هَذَا الأَمر أَي صَغِيرٌ يَسِيرٌ.
والجَلَل: الأَمر العظيم؛ قال الحرث بْنُ وَعْلَةَ بْنِ الْمُجَالِدِ بْنِ يَثْرِبِيِّ بْنِ الرَّبَابِ بْنُ الْحَرْثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانِ بْنِ ذُهَلِ بْنِ ثَعْلَبَةَ:
قَوْمي هُمُ قَتَلوا أُمَيْمَ أَخِي، ***فإِذا رَمَيْتُ يُصِيبُني سَهْمي
فَلَئِنْ عَفَوْتُ لأَعْفُوَنْ جَلَلًا، ***وَلَئِنْ سَطَوْتُ لأُوهِنَنْ عَظْمي
وأَما الجَليل فَلَا يَكُونُ إِلا لِلْعَظِيمِ.
والجُلَّى: الأَمر الْعَظِيمُ، وَجَمْعُهَا جُلَل مِثْلُ كُبْرى وكُبَر.
وَفِي الْحَدِيثِ: «يَسْتُر المصلّيَ مِثْلُ مُؤَخِرة الرَّحْل فِي مِثْلِ جُلَّة السَّوْط» أَي فِي مِثْلِ غِلَظِه.
وَفِي حَدِيثِ أُبيّ بْنِ خَلَف: «إِن عِنْدِي فَرَسًا أُجِلُّها كُلَّ يَوْمٍ فَرَقًا مِنْ ذَرَّةٍ أَقْتُلك عَلَيْهَا، فَقَالَ: عَلَيْهِ السَّلَامُ: بَلْ أَنا أَقْتُلك عَلَيْهَا، إِن شَاءَ اللَّهُ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير:؛ أي أَعلفها إِياه فَوَضَعَ الإِجْلال مَوْضِعَ الإِعطاء وأَصله مِنَ الشَّيْءِ الجَلِيل؛ وَقَوْلُ أَوس يَرْثي فَضَالَةَ: " وعَزَّ الجَلُّ وَالْغَالِي "فَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي بأَن الجَلَّ الأَمر الجَلِيل، وَقَوْلُهُ وَالْغَالِي؛ أي أَن مَوْتَهُ غالٍ عَلَيْنَا مِنْ قَوْلِكَ غَلا الأَمر زَادَ وعَظُم؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ نَسْمَعِ الجَلَّ فِي مَعْنَى الجَلِيل إِلَّا فِي هَذَا الْبَيْتِ.
والجُلْجُل: الأَمر الْعَظِيمِ كالجَلَل.
والجِلُّ: نَقِيضُ الدِّقِّ.
والجُلال: نَقِيضُ الدُّقاق.
والجُلال، بِالضَّمِّ: الْعَظِيمُ.
والجُلالة: النَّاقَةُ الْعَظِيمَةُ.
وَكُلُّ شَيْءٍ يَدِقُّ فجُلاله خِلَافُ دُقاقه.
وَيُقَالُ: جِلَّة جَريمة للعِظام الأَجْرام.
وجَلَّل الشيءُ تَجْلِيلًا أَي عَمَّ.
والمُجَلِّل: السَّحَابُ الَّذِي يُجَلِّل الأَرض بِالْمَطَرِ أَي يَعُمُّ.
وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ: «وابِلًا مُجَلِّلًا»أَي يُجَلِّل الأَرض بِمَائِهِ أَو بِنَبَاتِهِ، وَيُرْوَى بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الْمَفْعُولِ.
والجِلُّ مِنَ الْمَتَاعِ: القُطُف والأَكسية والبُسُط وَنَحْوُهُ؛ عَنْ أَبي عَلِيٍّ.
والجَلُّ والجِلُّ، بِالْكَسْرِ: قَصَب الزَّرْعِ وسُوقه إِذا حُصِد عَنْهُ السُّنبل.
والجُلَّة: وِعَاءٌ يُتَّخَذُ مِنَ الْخُوصِ يُوضَعُ فِيهِ التَّمْرُ يُكْنَزُ فِيهَا، عَرَبِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
إِذا ضَرَبْتَ مُوقَرًا فابطُنْ لُهْ، ***فَوْقَ قُصَيراه وتَحْتَ الجُلَّه
يَعْنِي جَمَلًا عَلَيْهِ جُلَّة فَهُوَ بِهَا مُوقَر، وَالْجَمْعُ جِلال وجُلَل؛ قَالَ:
بَاتُوا يُعَشُّون القُطَيْعاء جَارَهُمْ، ***وعندهُمُ البَرْنيُّ فِي جُلَل دُسْم
وَقَالَ:
يَنْضَح بِالْبَوْلِ، والغُبار عَلَى ***فَخْذَيه، نَضْحَ العِيديَّة الجُلَلا
وجُلُّ الدَّابَّةِ وجَلُّها: الَّذِي تُلْبَسه لتُصان بِهِ؛ الْفَتْحُ عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ، قَالَ: وَهِيَ لُغَةٌ تَمِيمِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَالْجَمْعُ جِلال وأَجْلال؛ قَالَ كثيِّر:
وَتَرَى الْبَرْقَ عَارِضًا مُسْتَطِيرًا، ***مَرَحَ البُلْق جُلْنَ فِي الأَجْلال
وَجَمْعُ الجِلال أَجِلَّة.
وجِلال كُلِّ شَيْءٍ: غِطاؤه نَحْوَ الحَجَلة وَمَا أَشبهها.
وَتَجْلِيلُ الْفَرَسِ: أَن تُلْبِسه الجُلَّ، وتَجَلَّلَه أَي عَلاه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه جَلَّلَ فَرَسًا لَهُ سَبَق بُرْدًا عَدَنِيًّا» أَي جَعَلَ البُرْد لَهُ جُلًّا.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنه كَانَ يُجَلِّل بُدْنه القَباطِيَّ».
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «اللَّهُمَّ جَلِّل قَتلة عُثْمَانَ خِزْيًا»؛ أي غَطِّهم بِهِ وأَلْبِسْهم إِياه كَمَا يَتَجَلَّلُ الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ.
وتجَلَّلَ الْفَحْلُ النَّاقَةَ وَالْفَرَسُ الحِجْر: عَلَاهَا.
وتجَلَّلَ فُلَانٌ بِعِيرِهِ إِذا عَلَا ظَهْرَهُ.
والجَلَّة والجِلَّة: البَعَر، وَقِيلَ: هُوَ الْبَعَرُ الَّذِي لَمْ يَنْكَسِرْ، وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الجِلَّة البَعَرة فأَوقع الجِلَّة عَلَى الْوَاحِدَةِ.
وإِبِل جَلَّالة: تأْكل العَذِرة، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ لُحُومِهَا وأَلبانها.
والجَلَّالة: الْبَقَرَةُ الَّتِي تَتْبَعُ النَّجَاسَاتِ، وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكل الجلَّالة وَرُكُوبِهَا "؛ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: " نُهِيَ عَنْ لَبَنِ الجلَّالة "؛ والجلَّالة مِنَ الْحَيَوَانِ: الَّتِي تأْكل الجِلَّة والعَذِرة.
والجِلَّة: الْبَعَرُ فَاسْتُعِيرَ وَوُضِعَ مَوْضِعَ العَذِرة، يُقَالُ: إِن بَنِي فُلَانٍ وَقودهم الجِلَّة وَوَقُودُهُمُ الوَأْلة وَهُمْ يَجْتَلُّون الجِلَّة أَي يَلْقُطُونَ الْبَعَرَ.
وَيُقَالُ: جَلَّت الدَّابَّةُ الجِلَّة واجْتَلَّتها فَهِيَ جَالَّة وجَلَّالة إِذا الْتَقَطَتْهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فإِنما قَذِرَتْ عَلَيْكُمْ جَالَّة القُرى».
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: فإِنما حَرَّمتها مِنْ أَجل جَوَالِّ القَرْية "؛ الجَوَالُّ، بِتَشْدِيدِ اللَّامِ: جَمْعُ جَالَّة كسامَّة وسَوامّ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «قَالَ لَهُ رَجُلٌ إِني أُريد أَن أَصحبك، قَالَ: لَا تَصْحَبْنِي عَلَى جَلَّال»، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ، فأَما أَكل الجلَّالة فَحَلَالٌ إِن لَمْ يَظْهَرِ النَّتْنُ فِي لَحْمِهَا، وأَما رُكُوبُهَا فَلَعَلَّهُ لِمَا يَكْثُرُ مِنْ أَكلها العَذِرة وَالْبَعَرَ، وَتَكْثُرُ النَّجَاسَةُ عَلَى أَجسامها وأَفواهها وَتَلْمِسُ رَاكِبَهَا بِفَمِهَا وَثَوْبَهُ بِعَرَقها وَفِيهِ أَثر العَذِرة أَو الْبَعَرِ فَيَتَنَجَّسُ.
وجَلَّ البَعَر يَجُلُّه جَلًّا: جَمعه والتقطعه بِيَدِهِ.
واجْتَلَّ اجْتِلالًا: الْتَقَطَ الجِلَّة لِلْوَقُودِ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الدَّابَّةُ الَّتِي تأْكل الْعَذِرَةَ الجَلَّالة، واجْتَلَلت الْبَعَرَ.
الأَصمعي: جَلَّ يَجُلُّ جَلًّا إِذا الْتَقَطَ الْبَعَرَ واجْتَلَّه مِثْلُهُ؛ قَالَ ابْنُ لجَإٍ يَصِفُ إِبلًا يَكْفي بعرُها مِنْ وَقود يُسْتَوقد بِهِ مِنْ أَغصان الضَّمْران:
يَحْسَبُ مُجْتَلّ الإِماءِ الْحُرُمِ، ***مِنْ هَدَب الضَّمْران، لَمْ يُحَطَّم
وَيُقَالُ: خَرَجَتِ الإِماء يَجْتَلِلْن أَيْ يَلْتَقِطْنَ الْبَعَرَ.
وَيُقَالُ: جَلَّ الرجلُ عَنْ وَطَنِهِ يَجُلُّ ويجِلُّ جُلُولًا وَجَلَا يَجْلو جَلاء وأَجْلى يُجْلي إِجلاء إِذا أَخْلى موطنِه.
وجَلَّ القومُ مِنَ الْبَلَدِ يَجُلُّون، بِالضَّمِّ، جُلولًا أَي جَلَوا وَخَرَجُوا إِلى بَلَدٍ آخَرَ، فَهُمْ جالَّة.
ابْنُ سِيدَهْ: وجَلَّ القومُ عَنْ مَنَازِلِهِمْ يَجُلُّون جُلولًا جَلَوا؛ وأَنشد ابن الأَعرابي للعجاج:
كأَنَّما نجومها، إِذ وَلَّتِ، ***عُفْرٌ، وصِيرانُ الصَّريم جَلَّتِ
وَمِنْهُ يُقَالُ: اسْتُعْمِل فُلَانٌ عَلَى الجالِيَة والجَالَّة، وَهُمْ أَهل الذِّمَّةِ، وإِنما لَزِمَهُمْ هَذَا الِاسْمُ لأَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، أَجْلى بَعْضَ الْيَهُودِ مِنَ الْمَدِينَةِ وأَمر بإِجلاء مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فأَجْلاهم عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فسُمُّوا جالِية لِلُزُومِ الِاسْمِ لَهُمْ، وإِن كَانُوا مُقِيمِينَ بِالْبِلَادِ الَّتِي أَوْطَنوها.
وَهَذِهِ نَاقَةٌ تَجِلُّ عَنِ الْكَلَالِ: مَعْنَاهُ هِيَ أَجَلُّ مِنْ أَن تَكِلّ لِصَلَابَتِهَا.
وَفَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ جَرَّاك وَمِنْ جُلِّك؛ ابْنُ سِيدَهْ: فِعْلُهُ مِنْ جُلِّك وجَلَلِك وجَلالِك وتَجِلَّتِك وإِجلالِك وَمِنْ أَجْل إِجْلالك أَي مِنْ أَجلك؛ قَالَ جَمِيلٌ:
رَسمِ دارٍ وَقَفْتُ فِي طَلَله، ***كِدْتُ أَقْضي الغَداة مِنْ جَلَله
أَي مِنْ أَجله؛ وَيُقَالُ: مِنْ عِظَمه فِي عَيْنِي؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وأَنشده ابْنُ السِّكِّيتِ: " كِدْتُ أَقضي الْحَيَاةَ مِنْ جَلَله "قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَراد ربَّ رَسْمِ دَارٍ فأَضمر رُبَّ وأَعملها فِيمَا بَعْدَهَا مُضْمَرَةً، وَقِيلَ: مِنْ جَلَلك أَي مِنْ عَظَمتك.
التَّهْذِيبُ: يُقَالُ فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ جَلَل كَذَا وَكَذَا أَي مِنْ عِظَمه فِي صَدْرِي؛ وأَنشد الْكِسَائِيُّ عَلَى قَوْلِهِمْ فَعَلْتُهُ مِنْ جَلالِك أَي مِنْ أَجلك قَوْلَ الشَّاعِرِ:
حَيائيَ مِنْ أَسْماءَ، والخَرْقُ بَيْنَنَا، ***وإِكْرامِيَ القومَ العِدى مِنْ جَلالِها
وأَنت جَلَلْت هَذَا عَلَى نَفْسِكَ تجُلُّه أَي جَرَرْته يَعْنِي جَنَيته؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.
والمَجَلَّة: صَحِيفَةٌ يُكْتَبُ فِيهَا.
ابْنُ سِيدَهْ: والمَجَلَّة.
الصَّحِيفَةُ فِيهَا الْحِكْمَةُ؛ كَذَلِكَ رُوِيَ بَيْتُ النَّابِغَةِ بِالْجِيمِ:
مَجَلَّتُهم ذاتُ الإِله، ودِينُهم ***قَوِيم فَمَا يَرْجُون غَيْرَ الْعَوَاقِبِ
يُرِيدُ الصَّحِيفَةَ لأَنهم كَانُوا نَصَارَى فَعَنى الإِنْجيل، وَمَنْ رَوَى مَحَلَّتهم أَراد الأَرض الْمُقَدَّسَةَ وَنَاحِيَةَ الشَّامِ وَالْبَيْتَ المقدَّس، وَهُنَاكَ كَانَ بَنُو جَفْنة؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ أَنهم يحُجُّون فَيَحِلُّون مَوَاضِعَ مُقَدَّسَةً؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: كُلُّ كِتَابٍ عِنْدَ الْعَرَبِ مَجَلَّة.
وَفِي حَدِيثِ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ: «قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّ الَّذِي مَعَكَ مِثْلَ الَّذِي مَعِي، فَقَالَ: وَمَا الَّذِي مَعَكَ؟ قَالَ: مَجَلَّة لُقْمَانَ»؛ كُلُّ كِتَابٍ عِنْدَ الْعَرَبِ مَجَلَّة، يُرِيدُ كِتَابًا فِيهِ حِكْمَةُ لُقْمَانَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنس: «أُلقي إِلينا مَجالُ»؛ هِيَ جَمْعُ مَجَلَّة يَعْنِي صُحُفًا قِيلَ إِنها معرَّبة مِنَ الْعِبْرَانِيَّةِ، وَقِيلَ: هِيَ عَرَبِيَّةٌ، وَقِيلَ: مَفْعَلة مِنَ الْجَلَالِ كَالْمَذَلَّةِ مِنَ الذُّلِّ.
والجَلِيل: الثُّمام، حِجازيَّة، وَهُوَ نَبْتٌ ضَعِيفٌ يُحْشَى بِهِ خَصاص الْبُيُوتِ، وَاحِدَتُهُ جَلِيلة؛ أَنشد أَبو حَنِيفَةَ لِبِلَالٍ:
أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبيتَنَّ لَيْلَةً ***بفَجٍّ، وحَوْلي إِذْخِر وجَلِيل؟
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِياه مَجَنَّةٍ؟ ***وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شامَةٌ وطَفِيل؟
وَقِيلَ: هُوَ الثُّمام إِذا عَظُمَ وجَلَّ، وَالْجَمْعُ جَلائل؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " يَلُوذُ بجَنْبَيْ مَرْخَة وجَلائل وَذُو الجَلِيل: وَادٍ لِبَنِي تَمِيمٍ يُنبت الجَلِيل وَهُوَ الثُّمَامُ.
والجَلُّ، بِالْفَتْحِ: شِرَاعُ السَّفِينَةِ، وَجَمْعُهُ جُلُول، قَالَ الْقَطَامِيُّ:
فِي ذِي جُلُول يُقَضِّي الموتَ صاحبُه، ***إِذا الصَّرارِيُّ مِنْ أَهواله ارتَسما
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ جُمِعَ عَلَى أَجْلال؛ قَالَ جَرِيرٌ:
رَفَعَ المَطِيّ بِهَا وشِمْت مُجَاشِعًا ***والزَّنْبَرِيّ يَعُوم ذُو الأَجْلال
وَقَالَ شِمْرٌ فِي قَوْلِ الْعَجَّاجِ:
ومَدَّه، إِذ عَدَل الجَليُّ، ***جَلٌّ وأَشْطانٌ وصَرَّاريُ
يَعْنِي مَدَّ هَذَا القُرْقورَ أَي زَادَ فِي جَرْيه جَلٌّ، وَهُوَ الشِّراع، يَقُولُ: مَدَّ فِي جَرْيِهِ، والصُّرَّاء: جَمْعُ صارٍ وَهُوَ مَلَّاح مِثْلُ غازٍ وغُزَّاء.
وَقَالَ شِمْرٌ: رَوَاهُ أَبو عَدْنَانَ الْمَلَّاحُ جُلٌّ وَهُوَ الْكِسَاءُ يُلْبَس السَّفِينَةَ، قَالَ: وَرَوَاهُ الأَصمعي جَلٌّ، وَهُوَ لُغَةُ بَنِي سَعْدٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ.
والجُلُّ: الْيَاسَمِينُ، وَقِيلَ: هُوَ الْوَرْدُ أَبيضه وأَحمره وأَصفره، فَمِنْهُ جَبَليّ وَمِنْهُ قَرَويّ، وَاحِدَتُهُ جُلَّة؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ قَالَ: وَهُوَ كَلَامٌ فَارِسِيٌّ، وَقَدْ دَخَلَ فِي الْعَرَبِيَّةِ؛ والجُلُّ الَّذِي فِي شِعْرِ الأَعشى فِي قوله:
وشاهِدُنا الجُلُّ والياسمين ***والمُسْمِعاتُ بقُصَّابها
هُوَ الْوَرْدُ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ؛ وقُصَّابها: جَمْعُ قَاصِبٍ وَهُوَ الزَّامِرُ، وَيُرْوَى بأَقصابها جَمْعُ قُصْب.
وجَلُولاء، بِالْمَدِّ: قَرْيَةٌ بِنَاحِيَةِ فَارِسَ وَالنِّسْبَةُ إِليها جَلُوليٌّ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ مِثْلُ حَرُورِي فِي النِّسْبَةِ إِلى حَرُوراء.
وجَلٌّ وجَلَّان: حَيَّان مِنَ الْعَرَبِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
إِنا وَجَدْنَا بَنِي جَلَّان كُلَّهمُ، ***كَسَاعِدِ الضَّبِّ لَا طُول وَلَا قِصَر
أَي لَا كَذِي طُولٍ وَلَا قِصَر، عَلَى الْبَدَلِ مِنْ سَاعِدٍ؛ قَالَ: كَذَلِكَ أَنشده أَبو عَلِيٍّ بِالْخَفْضِ.
وجَلٌّ: اسْمٌ؛ قَالَ:
لَقَدْ أَهْدَت حُبابَة بنتُ جَلٍّ، ***لأَهل حُباحبٍ، حَبْلًا طَوِيلًا
وجَلُّ بْنُ عَدِيّ: رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ رَهْط ذِي الرُّمَّةِ العَدَوي.
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «قَالَ لَهُ رَجُلٌ الْتَقَطْتُ شَبَكَةً عَلَى ظَهْر جَلَّال»؛ قَالَ: هُوَ اسْمٌ لِطَرِيقِ نَجْدٍ إِلى مَكَّةُ، شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى.
والتَّجَلْجُل: السُّؤُوخ فِي الأَرض أَو الْحَرَكَةُ والجوَلان.
وتَجَلْجَل فِي الأَرض أَي سَاخَ فِيهَا وَدَخَلَ.
يُقَالُ: تَجَلْجَلَت قواعدُ الْبَيْتِ أَي تَضَعْضَعَتْ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن قَارُونَ خَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ يَتَبَخْتَرُ فِي حُلَّة لَهُ فأَمر اللَّهُ الأَرض فأَخذته فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: بَيْنَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الخُيَلاء خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يتَجَلْجل إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "؛ قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: يَتَجَلْجَلُ يَتَحَرَّكُ فِيهَا أَي يَغُوصُ فِي الأَرض حِينَ يُخسف بِهِ.
والجَلْجَلَة: الْحَرَكَةُ مَعَ الصَّوْتِ أَي يَسُوخ فِيهَا حِينَ يُخْسف بِهِ.
وَقَدْ تَجَلْجَل الريحُ تَجَلْجُلًا، والجَلْجَلَة: شِدَّةُ الصَّوْتِ وحِدَّته، وَقَدْ جَلْجَلَهُ؛ قال:
يَجُرُّ ويَسْتأْبي نَشَاصًا كأَنه، ***بغَيْفَة لَمّا جَلْجَلَ الصوتَ، جَالِبُ
والجَلْجَلَة: صَوْتُ الرَّعْدِ وَمَا أَشبهه.
والمُجَلْجِل مِنَ السَّحَابِ: الَّذِي فِيهِ صَوْتُ الرَّعْدِ.
وسحابٌ مُجَلْجِل: لِرَعْدِهِ صَوْتٌ.
وَغَيْثٌ جَلْجَال: شَدِيدُ الصَّوْتِ، وَقَدْ جَلْجَلَ وجَلْجَلَهُ: حَرَّكَهُ.
ابْنُ شُمَيْلٍ: جَلْجَلْت الشَّيْءَ جَلْجَلَة إِذا حَرَّكْتَهُ بِيَدِكَ حَتَّى يَكُونَ لِحَرَكَتِهِ صَوْتٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ تحرَّك فَقَدْ تَجَلْجَلَ.
وَسَمِعْنَا جَلْجَلَة السَّبُع: وَهِيَ حَرَكَتُهُ.
وتَجَلْجَل القومُ لِلسَّفَرِ إِذا تحرَّكوا لَهُ.
وخَمِيسٌ جَلْجَال: شَدِيدٌ.
شِمْرٌ: المُجَلْجَل الْمَنْخُولُ الْمُغَرْبَلُ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ: " حَتَّى أَجالته حَصًى مُجَلْجَلا
أَي لَمْ تَتْرُكْ فِيهِ إِلا الْحَصَى المُجَلْجَل.
وجَلْجَلَ الفرسُ: صَفَا صَهِيله وَلَمْ يَرِقَّ وَهُوَ أَحسن مَا يَكُونُ، وَقِيلَ: صَفَا صَوْتُهُ ورَقَّ، وَهُوَ أَحسن لَهُ.
وَحِمَارٌ جُلاجِل، بِالضَّمِّ: صَافِي النَّهيق.
وَرَجُلٌ مُجَلْجَل: لَا يَعْدِله أَحد فِي الظَّرْف.
التَّهْذِيبُ: المُجَلْجِل السَّيِّدُ الْقَوِيُّ وإِن لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَبٌ وَلَا شَرَفٌ وَهُوَ الْجَرِيءُ الشَّدِيدُ الدَّافِعُ... وَاللِّسَانُ، وَقَالَ شِمْرٌ: هُوَ السَّيِّدُ الْبَعِيدُ الصَّوْتِ؛ وأَنشد ابْنُ شُمَيْلٍ:
جَلْجَلَ سِنَّك خَيْرَ الأَسنان، ***لَا ضَرَع السِّنِّ وَلَا قَحْمٌ فَانِ
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَمِنْ أَمثالهم فِي الرَّجُلِ الْجَرِيءِ إِنه ليُعَلِّق الجُلْجُل؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ: "" إِلا امْرأً يَعْقِد خَيْط الجُلْجُل ""يُرِيدُ الْجَرِيءَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ؛ التَّهْذِيبُ: وَقَوْلُهُ:
يُرْعد إِن يُرْعد فؤادُ الأَعزل، ***إِلَّا امْرَأً يَعْقِدُ خَيْطَ الجُلْجُل
يَعْنِي رَاعِيَهُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ وَرَبَّاهُ وَهُوَ صَغِيرٌ يَعْرِفُهُ فَلَا يُؤْذِيهِ؛ قَالَ الأَصمعي: هَذَا مَثَلٌ، يَقُولُ: فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ إِلَّا شُجَاعٌ لَا يُبَالِيهِ، وَهُوَ صَعْبٌ مَشْهُورٌ، كَمَا يُقَالُ مَنْ يُعَلِّق الجُلْجُل فِي عُنُقِهِ.
ابْنُ الأَعرابي: جَلْجَل الرجلُ إِذا ذَهَبَ وَجَاءَ.
وَغُلَامٌ جُلْجُل وجُلاجِل: خَفِيفُ الرُّوحِ نَشِيط فِي عَمَلِهِ.
والمُجَلْجَل: الْخَالِصُ النَّسَبِ.
والجُلْجُل: مَعْرُوفٌ، وَاحِدُ الجَلاجِل.
والجُلْجُل: الجَرَس الصَّغِيرُ، وَصَوْتُهُ الجَلْجَلة.
وَفِي حَدِيثِ السَّفَرِ: «لَا تَصْحَبُ الملائكةُ رُفْقَةً فِيهَا جُلْجُل»؛ هُوَ الْجَرَسُ الصَّغِيرُ الَّذِي يُعَلَّقُ فِي أَعناق الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا.
والجَلْجَلة: تَحْرِيكُ الجُلْجُل.
وإِبل مُجَلْجَلة: تُعَلَّقُ عَلَيْهَا الأَجراس؛ قَالَ خَالِدُ بْنُ قَيْسٍ التَّمِيمِيُّ: " أَيا ضَيَاع الْمِائَةِ المُجَلْجَله "والجُلْجُل: الأَمر الصَّغِيرُ وَالْعَظِيمُ مِثْلُ الجَلَل؛ قَالَ:
وَكُنْتُ، إِذا مَا جُلْجُل الْقَوْمُ لَمْ يَقُم ***بِهِ أَحد، أَسْمو لَهُ وأَسُور
والجُلْجُلان: ثَمَرَةُ الكُزْبُرة، وَقِيلَ حَبُّ السِّمسم.
وَقَالَ أَبو الْغَوْثِ: الجُلْجُلان هُوَ السِّمْسِمُ فِي قِشْرِهِ قَبْلَ أَن يُحْصَدَ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ فِي الجُلْجُلان هُوَ السِّمْسِمُ»، وَقِيلَ: حَبٌّ كالكُزْبُرة، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنه كَانَ يَدَّهِن عِنْدَ إِحرامه بدُهْن جُلْجُلان.
ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لِمَا فِي جَوْفِ التِّينِ مِنَ الْحَبِّ الجُلْجُلان؛ وأَنشد غَيْرُهُ لوَضّاح:
ضحِك النَّاسُ وَقَالُوا: ***شِعْر وَضَّاحِ الْكَبَانِي،
إِنما شِعْرِيَ مِلْح ***قَدْ خُلِطْ بجُلْجُلانِ
وجُلْجُلان الْقَلْبِ: حَبَّته ومُنَّته.
وعَلِمَ ذَلِكَ جُلْجُلان قَلْبِهِ أَي علِمَ ذَلِكَ قَلْبُهُ.
وَيُقَالُ: أَصبت حبَّة قَلْبِهِ وجُلْجُلان قَلْبِهِ وحَمَاطة قَلْبِهِ.
وجَلْجَل الشيءَ: خَلَطَهُ.
وجَلاجِل وجُلاجِل وَدَارَةُ جُلْجُل، كُلُّهَا: مَوَاضِعُ، وجَلاجِل، بِالْفَتْحِ: مَوْضِعٌ، وَقِيلَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ الدَّهناء؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
أَيا ظَبْيَةَ الوَعْساء، بَيْنَ جَلاجِل ***وَبَيْنَ النَّقَا، آأَنتِ أَمْ أُمُّ سَالِمِ؟
وَيُرْوَى بِالْحَاءِ الْمَضْمُومَةِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: رَوَتِ الرُّوَاةُ هَذَا الْبَيْتَ فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ جُلاجِل، بِضَمِّ الْجِيمِ لَا غَيْرُ، وَاللَّهُ أَعلم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
53-لسان العرب (طسم)
طسم: طَسَمَ الشيءُ والطريقُ وطَمَسَ يَطْسِمُ طُسُومًا: دَرَسَ.وطَسَمَ الطريقُ: مِثْلُ طَمَسَ، عَلَى الْقَلْبِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِعُمَرَ بْنِ أَبي رَبِيعَةَ:
رَثَّ حَبْلُ الوَصْلِ فانْصَرَمَا ***مِنْ حَبِيبٍ هاجَ لِي سَقَما
كِدْتُ أَقْضِي، إذْ رأَيْتُ لَه ***مَنْزِلًا بالخَيْفِ قَدْ طَسَمَا
وَجَاءَ بِهِ الْعَجَّاجُ متعدِّيًا؛ فَقَالَ:
ورَبِّ هَذَا الأَثَرِ المُقَسَّمِ، ***مِنْ عَهْدِ إبراهيمَ لَمَّا يُطْسَمِ
يَعْنِي بالأَثَر المُقَسَّم مَقامَ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ وَقَوْلُهُ:
مَا أَنا بالغادِي وأَكْبَرُ هَمِّه ***جَمامِيسُ أَرْضٍ، فَوْقَهُنَّ طُسُومُ
فَسَّرَهُ أَبو حَنِيفَةَ فَقَالَ: الطُّسُومُ هُنَا الطَّامِسَةُ أَي فَوْقَهُنَّ أَرضٌ طامِسَةٌ تُحْوِجُ إِلَى التَّفْتِيش والتَّوَسُّم.
وطَسِمَ الرجلُ: اتَّخَمَ، قَيْسِيَّةٌ.
والطَّسَمُ: الظَّلامُ، والغَسَمُ والطَّسَمُ عِنْدَ الإِمْساء، وَفِي السَّمَاءِ غَسَمٌ مِنْ سَحَابٍ وأَغْسامٌ وأَطْسامٌ مِنْ سَحابٍ.
وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: رأَيته فِي طُسَامِ الْغُبَارِ وطَسَامِه وطَسَّامه وطَيْسانِه، يُرِيدُ فِي كَثِيرِهِ.
وأُطْسُمَّةُ الشَّيْءِ: مُعْظَمُه ومُجْتَمَعُه؛ حَكَاهُ السِّيرَافِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ سِيبَوَيْهِ إِلا أُسْطُمَّة.
وأُسْطُمَّةُ الحَسَب: وَسَطُه ومُجْتَمَعُه، قَالَ: والأُطْسُمَّةُ مثلُه عَلَى الْقَلْبِ.
قَالَ العُمَانِيُّ الرَّاجِزُ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ ذُؤَيْبٍ الفُقَيْمِيُّ لَقَّبَهُ بالعُمَانيّ دُكَيْنٌ الراجزُ لَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ مُصْفَرَّ الوجهِ مَطْحُولًا، فَقَالَ: مَن هَذَا العُمانِيُّ؟ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ، لأَن عُمَانَ وبِئَةٌ وأَهْلُها صُفْرٌ مَطْحُولُونَ، يُخاطب بِهِ العُمانِيُّ الرَّشيدَ:
مَا قاسِمٌ دونَ مَدَى ابْنِ أُمِّهِ، ***وقَدْ رَضِيناهُ فقُمْ فَسَمِّهِ
يَا لَيْتَها قَدْ خَرَجَتْ منْ فُمِّهِ، ***حتَّى يَعُودَ المُلْكُ فِي أُطْسُمِّهِ
أَي فِي أَهله وحَقِّه، وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: الرَّجَزُ لِجَرِيرٍ قَالَهُ فِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ:
إِن الإِمامَ بعدَه ابنُ أُمِّهِ، ***ثُمَّ ابْنُهُ وَلِيُّ عَهْدِ عَمِّه
قَدْ رَضِيَ الناسُ بِهِ فَسَمِّهِ، ***يَا لَيْتَها قَدْ خَرَجَتْ منْ فُمِّهِ
حَتَّى يَعُودَ المُلْكُ فِي أُسْطُمِّه، ***أَبْرِزْ لَنَا يَمينَه مِنْ كُمِّهِ
والطَّواسيمُ والطَّواسينُ: سُوَرٌ فِي القرآنِ جُمِعَتْ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدَةَ:
حَلَفْتُ بالسَّبْعِ اللَّواتَي طُوِّلَتْ، ***وبِمِئينٍ بَعْدَها قَدْ أُمْئيتْ،
وبمَثَانٍ ثُنِّيَتْ وكُرّرَتْ، ***وبالطَّواسيم الَّتِي قَدْ ثُلِّثَتْ
وبالْحَوامِيمِ الَّتِي قَدْ سُبّعَتْ، ***وبالمُفَصَّلِ اللَّواتي فُصِّلَتْ
قَالَ: وَالصَّوَابُ أَن تُجْمَعَ بِذَوَاتٍ وتضافَ إِلَى وَاحِدٍ فَيُقَالُ: ذواتُ طسم، وذواتُ حم.
وطَسْمٌ: حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ انْقَرَضُوا.
الْجَوْهَرِيُّ: طَسْمٌ قَبِيلَةٌ مِنْ عَادٍ كَانُوا فَانْقَرَضُوا، وَفِي حَدِيثِ مَكَّةَ: « وسُكَّانها طَسْمٌ وجَدِيسٌ »، وَهُمَا قَوْمٌ مِنْ أَهل الزَّمَانِ الأَوّل، وَقِيلَ: طَسْمٌ حَيٌّ مِنْ عادٍ، والله أَعلم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
54-لسان العرب (وهم)
وَهَمَ: الوَهْمُ: مِنْ خَطَراتِ الْقَلْبِ، وَالْجَمْعُ أَوْهامٌ، وَلِلْقَلْبِ وَهْمٌ.وتَوَهَّمَ الشيءَ: تخيَّله وتمثَّلَه، كَانَ فِي الْوُجُودِ أَو لَمْ يَكُنْ.
وَقَالَ: تَوهَّمْتُ الشيءَ وتفَرَّسْتُه وتَوسَّمْتُه وتَبَيَّنْتُه بِمَعْنَى وَاحِدٍ؛ قَالَ زُهَيْرٌ فِي مَعْنَى التَوَهُّم: " فَلأْيًا عَرَفْتُ الدَّارَ بعدَ تَوهُّمِ.
وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا تُدْرِكُه أَوْهامُ العِبادِ.
وَيُقَالُ: تَوَهَّمْت فيَّ كَذَا وَكَذَا.
وأَوْهَمْت الشَّيْءَ إِذَا أَغفَلْته.
وَيُقَالُ: وَهِمْتُ فِي كَذَا وَكَذَا أَيْ غلِطْتُ.
ثَعْلَبٌ: وأَوْهَمْتُ الشيءَ تركتُه كلَّه أُوهِمُ.
وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « أَنه صلَّى فأَوْهَمَ فِي صلاتِه»، فَقِيلَ: كأَنك أَوْهَمْت فِي صلاتِك، فَقَالَ: كيف لَا أُوهِمُ ورُفغُ أَحدِكم بَيْنَ ظُفُره وأَنْمُلَتِه؟ أَيْ أَسقَط مِنْ صِلَاتِهِ شَيْئًا.
الأَصمعي: أَوْهَمَ إِذَا أَسقَط، وَوَهِمَ إِذَا غَلِط.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنَّهُ سجَد للوَهَمِ وَهُوَ جَالِسٌ أَيْ لِلْغَلَطِ».
وأَورد ابنُ الأَثير بعضَ هَذَا الْحَدِيثِ أَيضًا فَقَالَ: قِيلَ لَهُ كأَنك وَهِمْتَ، قَالَ: وَكَيْفَ لَا أَيهَمُ؟ قَالَ: هَذَا عَلَى لُغَةِ بَعْضِهِمْ، الأَصلُ أَوْهَمُ بِالْفَتْحِ والواوِ، فكُسِرت الهمزةُ لأَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ يكسِرون مُسْتقبَل فَعِل فَيَقُولُونَ إعْلَمُ وتِعْلَم، فَلَمَّا كَسَرَ هَمْزَةَ أوْهَمُ انْقَلَبَتِ الواوُ يَاءً.
ووَهَمَ إِلَيْهِ يَهِمُ وَهْمًا: ذَهب وهْمُه إِلَيْهِ.
ووَهَمَ في الصَّلَاةِ وَهْمًا ووَهِمَ، كِلَاهُمَا: سَهَا.
ووَهِمْتُ فِي الصَّلَاةِ: سَهَوْتُ فأَنا أَوْهَمُ.
الْفَرَّاءُ: أَوْهَمْتُ شَيْئًا ووَهَمْتُه، فَإِذَا ذَهَبَ وَهْمُك إِلَى الشَّيْءِ قُلْتَ وَهَمْت إِلَى كَذَا وَكَذَا أَهِمُ وَهْمًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه وَهَمَ فِي تَزْوِيجِ ميمونةَ »أَيْ ذهَب وَهْمُه.
ووَهَمْت إِلَى الشيءِ إِذَا ذَهَبَ قلبُك إِلَيْهِ وأَنت تُرِيدُ غيرَهُ أَهِمُ وَهْمًا.
الْجَوْهَرِيُّ: وَهَمْتُ فِي الشَّيْءِ، بِالْفَتْحِ، أَهِمُ وَهْمًا إِذَا ذهَبَ وَهْمُك إِلَيْهِ وأَنت تُرِيدُ غَيْرَهُ، وتوَهَّمْتُ أَيْ ظَنَنْتُ، وأَوْهَمْتُ غَيْرِي إيهَامًا، والتَّوْهِيمُ مثلُه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لحُميد الأَرْقط يَصِفُ صَقْرًا: " بَعِيد تَوْهِيم الوِقاع والنَّظَرْ "وَوَهِمَ، بِكَسْرِ الْهَاءِ: غَلِط وسَهَا.
وأَوْهَمَ مِنَ الْحِسَابِ كَذَا: أَسقط، وَكَذَلِكَ فِي الْكَلَامِ وَالْكِتَابِ.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَوْهَمَ ووَهِمَ ووَهَمَ سَوَاءٌ؛ وأَنشد:
فَإِنْ أَخْطَأْتُ أَو أَوْهَمْتُ شَيْئًا، ***فَقَدْ يَهِمُ المُصافي بالحَبيبِ
قَوْلُهُ شَيْئًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ وَقَالَ الزِّبْرِقان بْنُ بَدْر:
فبِتِلك أَقْضي الهَمَّ إِذْ وَهِمَتْ بِهِ ***نَفْسي، ولستُ بِنَأْنإٍ عَوّارِ
شَمِرٌ: أَوْهَمَ ووَهِمَ وَوَهَمَ بِمَعْنَى، قَالَ: وَلَا أَرى الصَّحِيحَ إلَّا هَذَا.
الْجَوْهَرِيُّ: أَوْهَمْتُ الشيءَ إِذَا تَرَكْتُهُ كلَّه.
يُقَالُ: أَوْهَمَ مِنَ الْحِسَابِ مِائَةً أَيْ أَسقَط، وأَوْهَمَ مِنْ صِلَاتِهِ رَكْعَةً، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَوْهَمْتُ أَسقطتُ مِنَ الْحِسَابِ شَيْئًا، فَلَمْ يُعَدِّ أَوْهَمْتُ.
وأَوْهَمَ الرجلُ فِي كِتَابِهِ وَكَلَامِهِ إِذَا أَسقَط.
ووَهِمْتُ فِي الْحِسَابِ وَغَيْرِهِ أَوْهَمُ وَهَمًا إِذَا غَلِطت فِيهِ وسَهَوْت.
وَيُقَالُ: لَا وَهْمَ مِنْ كَذَا أَيْ لَا بُدَّ مِنْهُ.
والتُّهَمَةُ: أَصْلُهَا الوُهَمةُ مِنَ الوَهْم، وَيُقَالُ اتَّهَمْتُه افتِعال مِنْهُ.
يُقَالُ: اتَّهَمْتُ فُلَانًا، عَلَى بِنَاءِ افتعَلْت، أَيْ أَدخلتُ عَلَيْهِ التُّهَمة.
الجوهري: اتَّهَمْتُ فلانًا بكذا، وَالِاسْمُ التُّهَمَةُ، بِالتَّحْرِيكِ، وأَصل التَّاءِ فِيهِ واوٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي وَكلَ.
ابْنُ سِيدَهْ: التُّهَمَةُ الظنُّ، تَاؤُهُ مبدلةٌ مِنْ واوٍ كَمَا أَبْدَلُوهَا فِي تُخَمةٍ؛ سِيبَوَيْهِ: الْجَمْعُ تُهَمٌ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنه جَمْعٌ مُكَسَّرٌ بِقَوْلِ الْعَرَبِ: هِيَ التُّهَمُ، وَلَمْ يَقُولُوا هُوَ التُّهمُ، كَمَا قَالُوا هُوَ الرُّطَبُ، حَيْثُ لَمْ يَجْعَلُوا الرُّطَبَ تَكْسِيرًا، أَنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ شَعيرة وشَعير.
واتَّهَمَ الرجلَ وأَتْهَمَه وأَوْهَمَه: أَدخلَ عَلَيْهِ التُّهمةَ أَيْ مَا يُتَّهَم عَلَيْهِ، واتَّهَمَ هُوَ، فَهُوَ مُتَّهِمٌ وتَهِيمٌ؛ وأَنشد أَبو يَعْقُوبَ:
هُما سَقياني السُّمَّ مِنْ غيرِ بِغضةٍ، ***عَلَى غيرِ جُرْمٍ فِي إناءِ تَهِيمِ
وأَتْهَمَ الرجُل، عَلَى أَفْعَل، إِذَا صَارَتْ بِهِ الرِّيبةُ.
أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا اتَّهَمْتَه: أَتْهَمْتُ إتْهَامًا، مِثْلَ أَدْوَأْتُ إدْواءً.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه حُبس فِي تُهْمةٍ »؛ التُّهْمةُ: فُعْلةٌ مِنَ الوَهْم، وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ وَقَدْ تُفْتَحُ الْهَاءُ.
واتَّهَمْتُه: ظننتُ فِيهِ مَا نُسب إِلَيْهِ.
والوَهْمُ: الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ، وَقَالَ اللَّيْثُ: الوَهْمُ الطريقُ الْوَاضِحُ الَّذِي يَرِدُ المَوارِدَ ويَصْدُرُ المَصادِرَ؛ قَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ بعيرَه وبعيرَ صَاحِبِهِ:
ثُمَّ أَصْدَرْناهُما فِي واردٍ ***صادرٍ، وَهْمٍ صُواهُ، كالمُثُلْ
أَراد بالوَهْمِ طَرِيقًا وَاسِعًا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ نَاقَتَهُ:
كأَنها جَمَلٌ وَهْمٌ، وَمَا بَقِيتْ ***إِلَّا النَّحيزةُ والأَلْواحُ والعَصَبُ
أَراد بالوَهْم جَمَلًا ضَخْمًا، والأُنثى وَهْمَةٌ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
يَجْتابُ أَرْدِيَةَ السَّرابِ، وَتَارَةً ***قُمُصَ الظّلامِ، بوَهْمةٍ شِمْلالِ
والوَهْم: العظيمُ مِنَ الرِّجَالِ والجمالِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الإِبل الذَّلولُ المُنْقادُ مَعَ ضِخَمٍ وقوّةٍ، وَالْجَمْعُ أَوْهَامٌ ووُهُومٌ ووُهُمٌ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الوَهْمُ الجملُ الضخم الذَّلُولُ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
55-لسان العرب (رزن)
رزن: الرَّزينُ: الثَّقِيلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.وَرَجُلٌ رَزِينٌ: سَاكِنٌ، وَقِيلَ: أَصيل الرأْي، وَقَدْ رَزُنَ رَزَانة ورُزونًا.
ورَزَن الشيءَ يَرْزُنه رَزْنًا: رازَ ثِقَله وَرَفَعَهُ لِيَنْظُرَ مَا ثِقَلُه مِنْ خِفَّتِهِ.
وَشَيْءٌ رَزِين أَي ثَقِيلٌ، وَقِيلَ: رَزَنَ الْحَجَرَ رَزنًا أَقَلَّه مِنَ الأَرض.
وَيُقَالُ: شَيْءٌ رَزِين، وَقَدْ رَزَنْتُه بِيَدِي إِذَا ثقَلْته.
وامرأَة رَزانٌ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ ثباتٍ ووَقارٍ وعفافٍ وَكَانَتْ رَزِينة فِي مَجْلِسِهَا؛ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَمْدَحُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا:
حَصانٌ رَزانٌ لَا تُزَنُّ بريبةٍ، ***وتُصْبِحُ غَرْثى مِنْ لُحُومِ الغوافِل
والرَّزانةُ فِي الأَصل: الثِّقَلُ.
والرَّزْن والرِّزْنُ: أَكمة تُمْسِكُ الْمَاءَ، وَقِيلَ: نُقَرٌ فِي حَجَر أَو غَلْظٍ فِي الأَرض، وَقِيلَ: هُوَ مَكَانٌ مُرْتَفِعٌ يَكُونُ فِيهِ الْمَاءُ، وَالْجَمْعُ أَرْزانٌ ورُزونٌ ورِزانٌ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّة يَصِفُ بَقَرَ الْوَحْشِ:
ظلَّتْ صَوافِنَ بالأَرْزانِ صادِيَةً، ***فِي ماحِقٍ مِنْ نهارِ الصيفِ مُحْتَرِقِ
وَقَالَ حُمَيْدٌ الأَرْقَطُ:
أَحْقَبَ مِيفاءٍ عَلَى الرُّزُونِ، ***حَدَّ الربيعِ أَرِنٍ أَرُونِ
لَا خَطِل الرَّجْعِ، وَلَا قَرُونِ ***لاحِقِ بَطْنٍ بقَرًى سَمينِ
وَقَالَ ابْنُ حَمْزَةَ: هُوَ الرِّزْنُ، بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَبَيْتُ سَاعِدَةَ مِمَّا يَدُلُّ أَنه رِزْنٌ، لأَن فَعْلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفعال إِلَّا قَلِيلًا.
وَقَدْ تَرَزَّن الرَّجُلُ فِي مَجْلِسِهِ إِذَا تَوَقَّر فِيهِ.
والرَّزانة: الْوَقَارُ، وَقَدْ رَزُنَ الرَّجُلُ، بِالضَّمِّ، فَهُوَ رَزِين أَي وَقُور.
والرِّزانُ: مَنَاقِعُ الْمَاءِ، وَاحِدَتُهَا رِزْنة، بِالْكَسْرِ.
والرُّزُونُ: بَقَايَا السَّيْلِ فِي الأَجْرافِ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ: حَتَّى إذا حُزَّتْ مِيَاهُ رُزُونِه.
الأَصمعي: الرُّزُون أَماكن مُرْتَفِعَةٌ يَكُونُ فِيهَا الْمَاءُ، وَاحِدُهَا رَزْنٌ.
وَيُقَالُ: الرَّزْنُ الْمَكَانُ الصُّلْبُ، وَقِيلَ: الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ، وَقِيلَ الْمَكَانُ الصُّلْبُ وَفِيهِ طُمأْنينة تَمْسِكُ الْمَاءَ؛ وَقَالَ أَبو ذؤَيب فِي الرُّزُونِ أَيضًا:
حَتَّى إذا حُزَّت مياهُ رُزُونِه، ***وبأَيِّ حَزِّ مَلاوَةٍ يَتَقَطَّعُ
والرَّزْنُ: مَكَانٌ مُشْرِفٌ غَلِيظٌ إِلَى جَنْبِهِ، وَيَكُونُ مُنْفَرِدًا وَحْدُهُ، ويَقُود عَلَى وَجْهِ الأَرض للدَّعْوَةِ حِجَارَةً لَيْسَ فِيهَا مِنَ الطِّينِ شَيْءٌ لَا يُنْبِتُ، وَظَهْرُهُ مُسْتَوٍ.
والرَّوْزَنة: الكُوَّة، وَفِي الْمُحْكَمِ: الْخَرْقُ فِي أَعلى السقْف.
التَّهْذِيبِ: يُقَالُ للكُوَّة النَّافِذَةِ الرَّوْزَن، قَالَ: وأَحسبه معرَّبًا، وَهِيَ الرَّوَازِن تَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ.
اللَّيْثُ: الأَرْزَن شَجَرٌ صُلْب تُتَّخَذُ مِنْهُ عِصِيٌّ صُلْبة؛ وأَنشد: " ونَبْعَة تَكْسِر صُلْبَ الأَرْزَن وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
إنِّي وجَدِّك مَا أَقْضِي الغَرِيمَ، وإِنْ ***حانَ القَضاءُ، وَلَا رَقَّتْ لَهُ كَبدِي
إلَّا عَصَا أَرْزَنٍ طَارَتْ بُرَايَتُها، ***تَنُوءُ ضرْبَتُها بالكَفّ والعَضُدِ
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
أَعْدَدْتُ للضِّيفانِ كلْبًا ضارِيًا ***عِنْدِي، وفَضْلَ هِراوَةٍ مِنْ أَرْزَنِ
ومَعاذِرًا كَذِبًا، ووجْهًا باسِرًا، ***وتَشَكّيًا عَضَّ الزمانِ الأَلْزَنِ
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
56-لسان العرب (يا)
يَا: حَرْفُ نِداء، وَهِيَ عامِلةٌ فِي الِاسْمِ الصَّحِيح وإِن كَانَتْ حَرْفًا، والقولُ فِي ذَلِكَ أَنَّ لِيا فِي قيامِها مَقامَ الْفِعْلِ خَاصَّةً لَيْسَتْ لِلْحُرُوفِ، وَذَلِكَ أَنَّ الحروفَ قَدْ تَنُوبُ عَنِ الأَفعال كهَلْ فإِنها تَنُوبُ عَنْ أَسْتَفْهِمُ، وَكَمَا وَلَا فإِنهما يَنْوبانِ عَنْ أَنْفِي، وإِلَّا تَنُوبُ عَنْ أَسْتَثْني، وَتِلْكَ الأَفعال النائبةُ عَنْهَا هَذِهِ الحروفُ هِيَ الناصِبة فِي الأَصل، فَلَمَّا انصَرَفَتْ عَنْهَا إِلى الحَرْف طَلَبًا للإِيجاز ورَغْبةً عَنِ الإِكثار أَسْقَطْتَ عَمَلَ تِلْكَ الأَفعال ليَتِمَّ لَكَ مَا انْتَحَيْتَه مِنَ الِاخْتِصَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا، وَذَلِكَ أَنَّ يَا نفسَها هِيَ العامِلُ الواقِعُ عَلَى زَيْدٍ، وحالُها فِي ذَلِكَ حَالُ أَدْعُو وأُنادي، فَيَكُونُ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ العامِل فِي الْمَفْعُولِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ضَرَبْتُ وقَتَلْتُ وَنَحْوَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ قَولَكَ ضَرَبْتُ زَيْدًا وقتَلْتُ بِشْرًا العامِلُ الواصِلُ إِليهما المُعَبَّرُ بِقَوْلِكَ ضَرَبْتُ عَنْهُ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ ضَ رَ بْ تُ، إِنما ثَمَّ أَحْداثٌ هَذِهِ الْحُرُوفِ دِلالةٌ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ القَتْلُ والشَّتْمُ والإِكْرامُ ونحوُ ذَلِكَ، وقولُك أُنادي عبدَ اللهِ وأُكْرِمُ عَبْدَ اللَّهِ لَيْسَ هُنَا فعلٌ واقعٌ عَلَى عبدِ اللَّهِ غَيْرَ هَذَا اللفظِ، وَيَا نفسُها فِي الْمَعْنَى كأَدْعُو، أَلا تَرَى أَنك إِنما تَذْكُرُ بَعْدَ يَا اسْمًا وَاحِدًا، كَمَا تذكُره بَعْدَ الفِعْلِ المُسْتَقِلِّ بفاعِلِه، إِذا كَانَ مُتَعَدِّيًا إِلى وَاحِدٍ كَضَرَبْتُ زَيْدًا؟ وَلَيْسَ كَذَلِكَ حرفُ الِاسْتِفْهَامِ "وحرفُ النَّفْي، وإِنما تُدْخِلُها عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ، فَتَقُولُ: مَا قامَ زَيْدٌ وَهَلْ زيدٌ أَخوك، فَلَمَّا قَوِيَت يَا فِي نَفْسِهَا وأَوْغَلَتْ فِي شَبَهِ الْفِعْلِ تَوَلَّتْ بِنَفْسِهَا الْعَمَلَ؛ وقولُه أَنشده أَبو زَيْدٍ:فخَيْرٌ نَحْنُ عِنْدَ الناسِ مِنْكُم، ***إِذا الدَّاعِي المُثَوِّبُ قالَ: يا لا
قَالَ ابْنُ جِنِّي: سأَلني أَبو عَلِيٍّ عَنْ أَلف يَا مِنْ قَوْلِهِ فِي قافِيةِ هذا البيت يا لا فَقَالَ: أَمُنْقَلِبةٌ هِيَ؟ قلتُ: لَا لأَنها فِي حَرْفٍ أَعني يَا، فَقَالَ: بَلْ هِيَ مُنْقَلِبَةٌ، فَاسْتَدْلَلْتُ عَلَى ذَلِكَ، فَاعْتَصَمَ بأَنها قَدْ خُلِطَتْ بِاللَّامِ بعدَها ووُقِفَ عَلَيْهَا فَصَارَتِ اللَّامُ كأَنها جُزْءٌ مِنْهَا فَصَارَتْ يَالَ بِمَنْزِلَةِ قَالَ، والأَلف فِي مَوْضِعِ الْعَيْنِ، وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَيَنْبَغِي أَن يُحكم عَلَيْهَا بِالِانْقِلَابِ عَنْ واوٍ، وأَرادَ يالَ بَني فُلانٍ وَنَحْوَهُ.
التَّهْذِيبُ: تَقُولُ إِذا نادَيْتَ الرجلَ آفُلانُ وأَ فلان وَآيَا فُلانُ، بالمدِّ، وَفِي يَاءِ النِّداء لُغَاتٌ، تَقُولُ: يَا فلانُ أَيا فلانُ آيَا فلانُ أَفلانُ هَيا فلانُ، الْهَاءُ مُبَدَلَةٌ مِنَ الْهَمْزِ فِي أَيا فُلَانُ، وَرُبَّمَا قَالُوا فلانُ بِلَا حَرْفِ النِّدَاءِ أَي يَا فلانُ.
قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: فِي حُرُوفِ النِّدَاءِ ثَمَانِيَةُ أَوجه: يا زَيْدُ ووا زَيْدُ وأَ زَيْدُ وأَيا زَيْدُ وهَيا زَيْدُ وأَيْ زَيْدُ وَآيَا زَيْدُ وزَيْدُ؛ وأَنشد:
أَلم تَسْمَعي، أَيْ عَبْدُ، فِي رَوْنَقِ الضُّحى ***غِناءَ حَماماتٍ لَهُنَّ هَدِيلُ؟
وَقَالَ:
هَيا أُمَّ عَمْرٍو، هَلْ ليَ اليومَ عِنْدَكُمْ، ***بَغَيْبَةِ أَبْصارِ الوُشاةِ، رَسُولُ؟
وَقَالَ: أَخالِدُ، مَأْواكُمْ لِمَنْ حَلَّ واسِع وَقَالَ: أَيا ظَبْيةَ الوَعْساءِ بَيْنَ حُلاحِلٍ "التَّهْذِيبُ: ولِلْياءَاتِ أَلْقابٌ تُعْرَفُ بِهَا كأَلقابِ الأَلِفات: فَمِنْهَا يَاءُ التأْنيث فِي مِثْلِ اضْرِبي وتَضْرِبِين وَلَمْ تَضْرِبي، وَفِي الأَسْماء يَاءُ حُبْلى وعَطْشى، يُقَالُ هُمَا حُبْلَيانِ وعَطْشَيانِ وجُمادَيانِ وَمَا أَشبهها، وَيَاءُ ذِكْرى وسِيما؛ وَمِنْهَا يَاءُ التَّثنية وَالْجَمْعُ كَقَوْلِكَ رأَيتُ الزَّيْدَيْنِ وَفِي الْجَمْعِ رأَيتُ الزَّيْدِينَ، وَكَذَلِكَ رأَيت الصَّالِحَيْن والصَّالِحِينَ والمُسْلِمَيْن والمُسْلِمِينَ؛ وَمِنْهَا يَاءُ الصِّلة فِي الْقَوَافِي كَقَوْلِهِ: " يَا دارَ مَيَّة بالعَلْياء فالسَّنَدِي "فَوَصَلَ كَسْرَةَ الدَّالِ بِالْيَاءِ، وَالْخَلِيلُ يُسميها يَاءَ التَّرنُّم، يَمُدُّ بِهَا القَوافي، وَالْعَرَبُ تَصِلُ الكَسرة بِالْيَاءِ؛ أَنشد الْفَرَّاءُ:
لَا عَهْدَ لِي بِنِيضالِ، ***أَصْبَحْتُ كالشَّنِّ الْبَالِي
أَراد: بنِضال؛ وَقَالَ: " عَلَى عَجَلٍ مِنِّي أُطَأْطِئُ شِيمالي "أَراد: شِمالي فَوَصَلَ الْكَسْرَةَ بِالْيَاءِ؛ وَمِنْهَا يَاءُ الإِشْباع فِي المَصادِر وَالنُّعُوتِ كَقَوْلِكَ: كاذَبْتُه كِيذَابًا وضارَبْته ضِيرابًا أَراد كِذابًا وضِرابًا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَرادوا أَن يُظْهِروا الأَلف الَّتِي فِي ضارَبْتُه فِي الْمَصْدَرِ فَجَعَلُوهَا يَاءً لكَسْرةِ مَا قَبْلها؛ وَمِنْهَا ياءُ مِسْكِينٍ وعَجِيب، أَرادوا بِنَاءَ مِفْعِلٍ وَبِنَاءَ فَعِلٍ فأَشْبَعُوا بِالْيَاءِ، وَمِنْهَا الياءُ المُحَوَّلةُ مِثْلَ يَاءِ الْمِيزَانِ والمِيعاد وقِيلَ ودُعِيَ ومُحِيَ، وَهِيَ فِي الأَصل وَاوٌ فَقُلِبَتْ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا؛ وَمِنْهَا ياءُ النِّدَاءِ كَقَوْلِكَ يَا زَيْدُ، وَيَقُولُونَ أَزَيْدُ؛ وَمِنْهَا يَاءُ الاسْتِنْكار كَقَوْلِكَ: مَرَرْتُ بالحَسَن، فَيَقُولُ المُجِيبُ مُسْتَنْكِرًا لِقَوْلِهِ: أَلحَسَنِيهْ، مدَّ النُّونَ بِيَاءٍ وأَلْحَقَ بِهَا هَاءَ الْوَقْفَةِ؛ وَمِنْهَا يَاءُالتَّعايي كَقَوْلِكَ: مَرَرْتُ بالحَسَني ثُمَّ تَقُولُ أَخي بَني فُلانٍ، وَقَدْ فُسِّرت فِي الأَلِفات فِي تَرْجَمَةِ آ، وَمِنْ بَابِ الإِشباع ياءُ مِسْكِينٍ وعَجِيبٍ وَمَا أَشبهها أَرادوا بِنَاءَ مِفْعِلٍ، بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ، وَبِنَاءِ فَعِلٍ فأَشبعوا كَسْرَةَ الْعَيْنِ بِالْيَاءِ فَقَالُوا مِفْعِيل وعَجِيب؛ وَمِنْهَا يَاءُ مدِّ المُنادي كنِدائهم: يَا بِّشْر، يَمُدُّون أَلف يَا ويُشَدِّدون بَاءَ بِشْر ويَمُدُّونها بِيَاءٍ يَا بِيشْرُ، يَمُدُّون كَسْرَةَ الْبَاءِ بِالْيَاءِ فيَجْمعُون بَيْنَ سَاكِنِينَ وَيَقُولُونَ: يَا مُنْذِير، يُرِيدُونَ يَا مُنْذِرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَا بِشير فيَكْسِرون الشِّينَ ويُتبعُونها الْيَاءَ يَمُدُّونَهَا بِهَا يُريدون يَا بِشْرُ؛ وَمِنْهَا الياءُ الفاصِلةُ فِي الأَبْنية مِثْلَ يَاءِ صَيْقَلٍ وَيَاءِ بَيْطارٍ وعَيْهرةٍ وَمَا أَشبهها؛ وَمِنْهَا يَاءُ الْهَمْزَةِ فِي الخَطِّ مَرَّةً وَفِي اللَّفْظ أُخرى: فأَما الخَطُّ فمِثْلُ يَاءِ قائمٍ وَسَائِلٍ وَشَائِلٍ صُوِّرَتِ الهَمزةُ يَاءً وَكَذَلِكَ مِنْ شُرَكائهم وأُولئك وَمَا أَشْبَهها، وأَما اللَّفْظُ فَقَوْلُهُمْ فِي جَمْعِ الخَطِيئة خَطايا وَفِي جَمْعِ المِرآة مَرايا، اجْتَمَعَتْ لَهُمْ هَمْزَتَانِ فَكَتَبُوهما وجَعَلُوا إِحداهما أَلفًا؛ وَمِنْهَا ياءُ التَّصْغِير كَقَوْلِكَ فِي تَصغير عَمْرو عُمَيْر، وَفِي تَصْغِيرِ رَجُلِ رُجَيْل، وَفِي تَصْغِيرِ ذَا ذَيَّا، وَفِي تَصْغِيرِ شَيْخ شُوَيْخ؛ وَمِنْهَا الْيَاءُ المُبدلةُ مِنْ لَامِ الْفِعْلِ كَقَوْلِهِمُ الْخَامِّي والسَّادي لِلْخَامِسِ والسَّادِس، يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي القَوافي وغيرِ القَوافي؛ وَمِنْهَا يَاءٌ الثَّعالي، يُرِيدُونَ الثَّعالِبَ؛ وأَنشد: " ولِضَفادِي جَمِّه نَقانِقُ "يُرِيدُ: ولِضَفادِعِ؛ وَقَالَ الْآخَرُ:
إِذا مَا عُدَّ أَربعةٌ فِسالٌ، ***فزَوْجُكِ خامِسٌ وأَبُوك سادِي
وَمِنْهَا الْيَاءُ السَّاكِنَةُ تُترك عَلَى حَالِهَا فِي مَوْضِعِ الْجَزْمِ فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
أَلم يأْتِيكَ، والأَنْباء تَنْمي، ***بِمَا لاقَتْ لَبُونُ بَني زِيادِ؟
فأَثْبَتَ الْيَاءَ فِي يأْتِيكَ وَهِيَ فِي مَوْضِعِ جَزْم؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ: " هُزِّي إِليكِ الجِذْعَ يَجْنِيكِ الجَنى "كَانَ الوجْه أَن يَقُولَ يَجْنِكِ بِلَا يَاءٍ، وَقَدْ فَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْوَاوِ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
هَجَوْتَ زَبَّانَ، ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِرًا ***مِن هَجْو زَبَّانَ، لَمْ تَهْجُو وَلَمْ تَدَعِ
وَمِنْهَا يَاءُ النِّدَاءِ وحذفُ المُنادى وإضمارهُ كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى قِرَاءَةُ مَنْ قرأَ: أَلا يَسْجُدوا لِلَّهِ "؛ بِالتَّخْفِيفِ، الْمَعْنَى أَلا يَا هَؤُلَاءِ اسْجُدوا لِلَّهِ؛ وأَنشد:
يَا قاتَلَ اللهُ صِبْيانًا تجِيءُ بِهِمْ ***أُمُّ الهُنَيْنَيْنِ مِن زَنْدٍ لَهَا وَارِي
كأَنه أَراد: يَا قومِ قاتَلَ اللهُ صِبْيانًا؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
يَا مَن رَأَى بارِقًا أُكَفْكِفُه ***بَيْنَ ذِراعَيْ وجَبْهَةِ الأَسَد
كأَنه دَعا: يَا قَوْمِ يَا إخْوتي، فَلَمَّا أَقْبَلُوا عَلَيْهِ قَالَ مَنْ رأَى؛ وَمِنْهَا يَاءُ نِدَاءِ مَا لَا يُجيب تَنْبيهًا لِمَنْ يَعْقِلُ، مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ اللَّهُ تعالى: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ}، ويا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ "؛ وَالْمَعْنَى أَنَّ اسْتِهْزَاءَ الْعِبَادِ بالرُّسُل صارَ حَسْرةً عَلَيْهِمْ فنُودِيَتْ تِلْكَ الحَسْرةُ تَنْبيهًا للمُتَحَسِّرين، الْمَعْنَى يَا حَسْرَةً عَلَى العبادِ أَين أَنْتِ فَهَذَا أَوانُك، وَكَذَلِكَ مَا أَشبهه؛ وَمِنْهَا ياءَاتٌ تَدُّلُ عَلَى أَفْعال بَعْدَهَا فِي أَوائلها ياءَاتٌ؛ " وأَنشد بَعْضُهُمْ:
مَا للظَّلِيم عاكَ كَيْفَ لَا يَا ***يَنْقَدُّ عَنْهُ جِلْدُه إِذا يَا
يُذْرى الترابُ خَلْفَه إِذْ رَايَا "أَراد: كَيْفَ لَا يَنْقَدُّ جِلْدُه إِذا يُذْرى الترابُ خَلْفَهُ؛ وَمِنْهَا يَاءُ الجزْمِ المُنْبَسِط، فأَمّا يَاءُ الجزْم المُرْسَل فَكَقَوْلِكَ أَقْضي الأَمْرَ، وتُحْذَفُ لأَن قبْلَ الْيَاءِ كَسْرَةً تخلُف مِنْهَا، وأَما يَاءُ الجَزْم المُنْبَسِط فَكَقَوْلِكَ رأَيتُ عبدَيِ اللَّهِ وَمَرَرْتُ بعبدَيِ اللهِ، لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْيَاءِ كَسْرَةً فَتَكُونُ عِوَضًا مِنْهَا فَلَمْ تَسْقُط، وكُسِرت لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَلَمْ تَسْقُط لأَنه لَيْسَ مِنْهَا خَلف.
ابْنُ السِّكِّيتِ: إِذَا كَانَتِ الْيَاءُ زَائِدَةً فِي حَرف رُباعيّ أَو خُماسِيٍّ أَو ثُلاثِيٍّ فالرُّباعِيُّ كالقَهْقَرى والخَوْزَلى وبعيرٌ جَلْعَبى، فإِذا ثَنَّتْه العربُ أَسْقَطَتِ الْيَاءَ فَقَالُوا الخَوْزلانِ والقَهْقَرانِ، وَلَمْ يُثْبِتوا الْيَاءَ فَيَقُولُوا الخَوْزَليانِ وَلَا القَهْقَريانِ لأَن الحرفَ كُرّرَ حُروفه، فَاسْتَثْقَلُوا مَعَ ذَلِكَ جَمْعَ الْيَاءِ مَعَ الأَلف، وَذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ فِي نَصْبِه لَوْ ثُنِّي عَلَى هَذَا الخَوْزَلَيَيْن فَثَقُلَ وَسَقَطَتِ الْيَاءُ الأُولى، وَفِي الثُّلَاثِيِّ إِذا حُرِّكَتْ حُرُوفُهُ كُلُّهَا مِثْلَ الجَمَزَى والوَثَبى، ثُمَّ ثَنَّوْه فَقَالُوا الجَمَزانِ والوَثَبانِ ورأَيت الجَمَزَيْن والوَثَبَيْنِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: مَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ ياءَانِ كتَبْتَه بِالْيَاءِ للتأْنِيث، فَإِذَا اجْتَمَع الياءَانِ كتَبْت إِحْدَاهُمَا أَلفًا لِثقلِهما.
الْجَوْهَرِيُّ: يَا حَرْفٌ مِن حُروف الْمُعْجَمِ، وَهِيَ مِنْ حُرُوفِ الزِّيادات ومِن حُرُوفِ المدِّ واللِّين، وَقَدْ يُكْنَى بِهَا عَنِ المُتَكَلِّم المَجْرورِ، ذَكَرًا كَانَ أَو أُنثى، نَحْوَ قَوْلِكَ ثَوْبي وغُلامي، وَإِنْ شئتَ فَتَحْتَها، وَإِنْ شِئْتَ سَكَّنْت، وَلَكَ أَن تَحْذِفَها فِي النِّداء خَاصَّةً، تَقُولُ: يَا قوْمِ وَيَا عِبادِ، بِالْكَسْرِ، فإِن جاءتْ بعدَ الأَلف فَتَحْتَ لَا غيرُ نَحْوِ عَصايَ ورَحايَ، وَكَذَلِكَ إنْ جاءتْ بَعْدَ يَاءِ الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ تعالى: {وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}؛ وأَصله بمُصْرخِيني، سَقَطَتِ النونُ للإِضافةِ، فَاجْتَمَعَ الساكِنانِ فحُرِّكَت الثانيةُ بِالْفَتْحِ لأَنها يَاءُ المُتكلم رُدَّت إِلى أَصْلِها، وكَسَرَها بعضُ القراءِ تَوَهُّمًا أَنّ السَّاكِنَ إِذا حُرِّكَ حُرِّكَ إِلى الْكَسْرِ، وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ، وَقَدْ يُكْنَى بِهَا عَنِ المُتكلم الْمَنْصُوبِ إِلا أَنه لَا بُدَّ لَهُ مِنَ أَن تُزاد قَبْلَهَا نُونُ وِقَايَةٍ لِلْفِعْلِ ليَسْلَم مِنَ الجَرِّ، كَقَوْلِكَ: ضَرَبَني، وَقَدْ زِيدَتْ فِي الْمَجْرُورِ فِي أَسماء مَخْصُوصةٍ لَا يُقاسُ عَلَيْهَا نَحْوَ مِنِّي وعَنِّي ولَدُنِّي وقَطنْي، وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ ليَسلم السُّكون الَّذِي بُنيَ الاسمُ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَكُونُ الْيَاءُ عَلَامَةً للتأْنيث كَقَوْلِكَ: إِفْعَلي وأَنتِ تَفْعَلِينَ، قَالَ: ويا حَرْفٌ يُنادى بِهِ القَريبُ والبَعِيدُ، تَقُولُ: يَا زَيْدُ أَقْبِلْ؛ وقولُ كُلَيْبِ بْنِ ربِيعةَ التَّغْلَبي:
يَا لَكِ منْ قُبَّرةٍ بمَعْمَرِ، ***خَلا لَكِ الجوُّ فَبِيضِي واصْفِري
فَهِيَ كَلِمَةُ تَعْجُّبٍ.
وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْيَاءُ حرفُ هِجَاءٍ وَهُوَ حَرْفٌ مَجْهُور يَكُونُ أَصْلًا وبَدلًا وَزَائِدًا، وتَصْغيرها يُوَيَّةٌ.
وَقَصِيدَةٌ واوِيَّةٌ إِذا كَانَتْ عَلَى الْوَاوِ، وياوِيَّةٌ عَلَى الْيَاءِ.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: ياوِيَّةٌ ويائِيةٌ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ أَخَواتُها، فأَما قَوْلُهُمْ يَيَّيْتُ يَاءً فَكَانَ حُكْمُهُ يَوَّيْت وَلَكِنَّهُ شَذَّ.
وَكَلِمَةٌ مُيَوّاةٌ مِنْ بَنَاتِ الْيَاءِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: مَوَيَّاةٌ أَي مَبْنية مِنْ بَنَاتِ الْيَاءِ؛ قَالَ: فإِذا صَغَّرْتَ الْيَاءَ قُلْتَ أُيَيَّةٌ.
وَيُقَالُ: أَشْبَهَتْ ياؤكَ يَائِي وأَشْبهت يَاءَكَ بِوَزْنِ ياعَكَ، فإِذا ثَنَيْتَ قُلْتَ ياءَىَّ بِوَزْنِ ياعَيَّ.
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: جَائِزٌ أَن تَقُولَ يَيَّيْتُ يَاءً حَسَنةً.
قَالَ الْخَلِيلُ: وجدْتُ كلَّ وَاوٍ أَو يَاءٍ فِي الْهِجَاءِ لَا تَعْتَمِدُ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَها تَرْجِعُ فِي التَّصْرِيفِ إِلَى الْيَاءِ نَحْوَ يَا وَفَا وَطَا وَنَحْوَهُ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَما قولُه تَعَالَى أَلا يَا اسْجدُوا، بِالتَّخْفِيفِ، فالمَعْنى يَا هَؤُلاء اسْجُدوا، فحُذِفَ المُنادى اكْتِفاء بحَرف النِّداء كَمَا حُذِفَ حَرْفُ النِّداء اكْتِفاء بالمُنادى فِي قَوْلِهِ تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}؛ إذْ كَانَ المُراد مَعْلومًا؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ يَا فِي هَذَا المَوْضِع إِنَّمَا هُوَ للتَّنْبِيه كأَنه قَالَ: أَلا اسْجُدُوا، فَلَمَّا أُدْخل عَلَيْهِ يَا التَّنْبِيه سَقَطَتِ الأَلِفُ الَّتِي فِي اسْجُدوا لأَنها أَلفُ وَصْلٍ، وذهَبَت الأَلف الَّتِي فِي يَا لاجْتماع السَّاكِنَيْنِ لأَنها وَالسِّينَ سَاكِنَتَانِ؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لِذِي الرُّمَّةِ هَذَا الْبَيْتَ وَخُتِمَ بِهِ كِتَابَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنه قَصد بِذَلِكَ تفاؤُلًا بِهِ، وَقَدْ خَتَمْنا نَحْنُ أَيضًا بِهِ كِتَابَنَا، وَهُوَ:
أَلا يَا اسْلَمِي، يَا دارَ مَيَّ، عَلى البِلى، ***وَلَا زالَ مُنْهلًّا بِجَرْعائكِ القَطْرُ
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
57-مقاييس اللغة (عفق)
(عَفَقَ) الْعَيْنُ وَالْفَاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى مَجِيءٍ وَذَهَابٍ، وَرُبَّمَا يَدُلُّ عَلَى صَوْتٍ مِنَ الْأَصْوَاتِ.قَالَ الْخَلِيلُ: عَفَقَ الرَّجُلُ يَعْفِقُ عَفْقًا، إِذَا رَكِبَ رَأْسَهُ فَمَضَى.
تَقُولُ: لَا يَزَالُ يَعْفِقُ الْعَفْقَةَ ثُمَّ يَرْجِعُ، أَيْ يَغِيبُ الْغَيْبَةَ.
وَالْإِبِلُ تَعْفِقُ عَفْقًا وَعُفُوقًا، إِذَا أُرْسِلَتْ فِي مَرَاعِيهَا فَمَرَّتْ عَلَى وُجُوهِهَا.
وَرُبَّمَا عَفَقَتْ عَنِ الْمَرْعَى إِلَى الْمَاءِ، تَرْجِعُ إِلَيْهِ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ.
"وَكُلُّ وَارِدٍ وَصَادِرٍ عَافِقٌ; وَكُلُّ رَاجِعٍ مُخْتَلِفٍ عَافِقٌ."
وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي قَوْلِهِ:
حَتَّى تَرَدَّى أَرْبَعٌ فِي الْمُنْعَفَقْ.
قَالَ: أَرَادَ فِي الْمُنْصَرَفِ عَنِ الْمَاءِ.
قَالَ: وَيُقَالُ: عَفَقَ بَنُو فُلَانٍ [بَنِي فُلَانٍ]، أَيْ رَجَعُوا إِلَيْهِمْ.
وَأَنْشَدَ:
عَفْقًا وَمَنْ يَرْعَى الْحُمُوضَ يَعْفِقِ.
وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ يَرْعَى الْحُمُوضَ تَعْطَشُ مَاشِيَتُهُ سَرِيعًا فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يَعْفِقَ، أَيْ يَرْجِعَ بِسُرْعَةٍ.
وَمِنَ الْبَابِ: عَفَقَهُ عَنْ حَاجَتِهِ، أَيْ رَدَّهُ وَصَرَفَهُ عَنْهَا.
وَمِنْهُ التَّعَفُّقُ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ وَالْأَخْذُ فِي كُلِّ وَجْهٍ مَشْيًا لَا يَسْتَقِيمُ، كَالْحَيَّةِ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: الْعَفْقُ: سُرْعَةُ رَجْعِ أَيْدِي الْإِبِلِ وَأَرْجُلِهَا.
قَالَ:
يَعْفِقْنَ بِالْأَرْجُلِ عَفْقًا صُلْبًا.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَهُوَ يُعَفِّقُ الْغَنَمَ، أَيْ يَرُدُّهَا عَنْ وُجُوهِهَا.
وَرَجُلٌ مِعْفَاقُ الزِّيَارَةِ لَا يَزَالُ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ.
وَيُذْكَرُ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُ قَالَ: أَنْتَلِي فِيهَا تَأْوِيلَاتٍ ثُمَّ أَعْفِقُ، أَيْ أَقْضِي بَقَايَا مِنْ حَوَائِجِي ثُمَّ أَنْصَرِفُ.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: تَعَفَّقَ بِالشَّيْءِ، إِذَا رَجَعَ إِلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.
وَأَنْشَدَ:
تَعَفَّقَ بِالْأَرْظَى لَهَا وَأَرَادَهَا *** رِجَالٌ فَبَذَّتْ نِبْلَهَا وَكَلِيبُ
وَمِنَ الْبَابِ: قَوْلُهُمْ لِلْحَلَبِ عِفَاقٌ.
وَتَلْخِيصُ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَحْلِبَهَا كُلَّ سَاعَةٍ.
يُقَالُ عَفَقْتَ نَاقَتَكَ يَوْمَكَ أَجْمَعَ فِي الْحَلَبِ.
وَقَالَ ذُو الْخِرَقِ:
عَلَيْكَ الشَّاءَ شَاءَ بَنِي تَمِيمٍ *** فَعَافِقْهُ فَإِنَّكَ ذُو عِفَاقِ
وَمِنَ الْبَابِ: عَفَقَتِ الرِّيحُ التُّرَابَ، إِذَا ضَرَبَتْهُ وَفَرَّقَتْهُ.
قَالَ سُوَيْدٌ:
وَإِنْ تَكْ نَارٌ فَهِيَ نَارٌ بِمُلْتَقًى *** مِنَ الرِّيحِ تَمْرِيهَا وَتَعْفِقُهَا عَفْقًا
وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الصَّوْتِ فَيَقُولُونَ: عَفَقَ بِهَا، إِذَا أَنْبَقَ بِهَا وَحَصَمَ.
وَمِمَّا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْعَفْقُ ضَرْبٌ بِالْعَصَا، وَالضِّرَابُ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ تَصْوِيتٌ.
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
58-صحاح العربية (نوأ)
[نوأ] ناءَ يَنوءُ نَوْءًا: نَهَضَ بِجَهْدٍ ومَشَقَّةٍ.وناءَ: سَقط وهو من الأضداد.
ويقال ناءَ بالحِمْلِ، إذا نهض به مُثْقَلًا: وناءَ به الحِمْلُ، إذا أثْقَله.
والمرأةُ تَنوءُ بها عَجيزَتُها أي تُثْقِلُها، وهي تَنوءُ بعجيزَتِها أي تنهض بها مُثْقَلَةً.
وأناءهُ الحِمْلُ، مثل أناعَهُ، أي أثْقَلَهُ وأمالَهُ، كما يقال ذَهبَ به وأذْهَبَهُ بمعنًى.
وقوله تعالى: (ما إنَّ مفاتِحَهُ لَتَنوءُ بالعُصْبَةِ).
قال الفراء: أي لتنئ بالعصبة: تثقلها.
قال الشاعر: إنى وجدك ما أَقْضي الغريمَ وإن *** حانَ القضاءُ وما رقت له كبدي
إلا عَصا أَرْزَنٍ طارتْ بُرايَتُها *** تنوء ضربتها بالكف والعضد أي تثقل ضربتها الكف والعضد.
والنوء: سقوط نَجمٍ من المنازلِ في المغربِ مع الفجرِ وطُلوعُ رِقيبهِ من المشرقِ يُقابلُه من ساعته في كل ليلة إلى ثلاثةَ عشَرَ يومًا، وهكذا كلُّ نجم منها إلى انقضاء السَنَةِ، ما خَلا الجَبهةَ فإنَّ لها أربعة عشر يومًا.
قال أبو عبيد: ولم نسمع في النَوْءِ أنه السقوطُ إلا في هذا الموضع.
وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحرَّ والبرد إلى الساقط منها.
وقال الأصمعي: إلى الطالع منها في سلطانه، فتقول: مُطِرْنا بِنَوْءٍ كذا.
والجمع أنواء ونوآن أيضا، مثل عبد وعبدان وبطن وبطنان.
قال حسان بن ثابت: ويَثْرِبُ تَعْلَمُ أنَّا بها *** إذا قَحَطَ القَطْرُ نوآنُها وناوَأتُ الرَّجُلَ مُناوَءةً ونِواءً: عادَيْتُه.
يقال: إذا ناوَأتَ الرِجالَ فاصْبرْ.
وربَّما لم يهمز وأصله الهمز، لأنه من ناءَ إليك ونؤت إليه، أي نهض ونهضت إليه.
ابن السكيت: يقال له عِندي ما ساءهُ وناءهُ، أي أثقله، وما يسوءه وينوءه.
وقال بعضهم: أراد ساءه وأناءه.
وإنما قال ناءه وهو لا يتعدى لاجل ساءه ليزدوج الكلام، كما يقال: إنى لآتيه الغدايا والعشايا، والغداة لا تجمع على غدايا.
وأناء اللحمَ يُنيئُهُ إناءةً، إذا لم ينضجه، وقد ناء اللحم ينئ نيأ، فهو لحم نئ بالكسر مثال نيعٌ، بيِّن النُيوءِ والنُيوءةِ.
وناء الرجل مثال ناع: لغة في نأى إذا بَعُدَ.
قال الشاعر: مَنْ إنْ رآكَ غَنيًّا لانَ جانِبُه *** وإنْ رآكَ فَقيرًا ناَء واغْتَرَبا
صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
59-صحاح العربية (جل)
[جلل] الجَلُّ، بالفتح: الشِراعُ، والجمع جلول.قال القطامى
في ذى جُلولٍ يُقَضِّي الموتَ صاحِبُهُ إذا الصَرارِيُّ من أَهْوالِهِ ارْتَسَما والجِلَّةُ: البَعَرُ.
يقال: إنّ بني فلان وقودهم الجِلَّةُ، ووقودهم الوَألَةُ.
وهم يَجْتَلُّونَ الجِلَّةَ، أي يلقطون البعر.
والجُلُّ بالضم: واحد جِلالِ الدوابّ.
وجمع الجلال أجلة.
والجل الذى في قول الاعشى:
وشاهدنا الجل واليا سمين....
هو الورد، فارسي معرب.
وجل الشئ: معظمه.
والجُلَّى: الأمر العظيم، وجمعها جُلَلٌ، مثل كُبْرى وكُبَرٍ.
ومنه قول طرفة:
متى أُدْعَ في الجُلَّى أَكُنْ من حُماتِها *** وقال آخر: وإنْ دَعَوْتِ إلى جُلَّى ومَكْرُمَةٍ يومًا كِرامًا من الأقوام فادعينا
والجلة: وعاء التمر.
والجل بالكسر: قصب الزرع إذا حصد.
ويقال أيضا: ما له دق ولاجل، أي دقيق ولا جليل.
والجلة من الإبل: المِسانُّ، وهو جمع جليل، مثل صبى وصبية وقال النمر: أزمان لم تأخذْ إليَّ سِلاحَها إبلي بِجِلّتها ولا أَبْكارِها ومِشْيَخَةٌ جِلَّةٌ، أي مَسانُّ.
والمَجَلّةُ: الصحيفةُ فيها الحكمةُ.
قال أبو عبيد: كلُّ كتابٍ عند العرب مَجَلَّةٌ.
وقول النابغة: مَجَلَّتُهُمْ ذاتُ الإلَهِ ودينُهُمْ قَوِيمٌ فما يرجون غير العواقب فمن رواه بالجيم فهو من هذا، ومن رواه بالحاء فمعناه أنهم يحجون فيحلون مواضع مقدسة.
وجلال اللهِ: عظمته.
وقولهم: فَعَلْتُهُ من جَلالِكَ، أي من أجلك.
وأنشد الكسائي:
وإكْرامِيَ القومَ العِدا من جلالها *** والجَلاَّلَةُ: البقرةُ التي تتبع النجاسات.
وفى الحديث: " نهى عن لبن الجلالة ".
والجلال بالضم: العظيم.
والجلالة: الناقةُ العظيمةُ.
والجَلَلُ: الأمرُ العظيمُ.
قال وعلة ابن الحارث: قومي هُمُ قتلوا أُمَيْمَ أخي فإذا رميت يصيبى سهمي فلئن عفوت لاعفون جللا ولئن سطوت لاوهنن عَظْمي والجَلَلُ أيضًا: الهيِّنُ، وهو من الأضداد.
قال امرؤُ القيس لما قُتِلَ أبوه:
ألاَ كلُّ شئ سواه جلل *** أي هين يسير.
وفعلت ذاك من جلك أي من أجلك.
قال جميل: رسم دار وقفت في طلله كدت أقضى الغداة من جلله أي من أجله، ويقال من عظمه في عينى.
والجليل: العظيم.
والجليل: الثمام، وهو
نبت ضعيف يحشى به خصاص البيوت.
وقال: ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة بمكة حولي إذخر وجليل الواحد ة جليلة، والجمع جلائل.
قال الشاعر:
يلوذ بجنبى مرخة وجلائل *** والجلجل: واحد الجلاجل، وصوته الجَلْجَلَةُ، وصوت الرعد أيضًا.
والمُجَلْجِلُ: السَحابُ الذي فيه صوتُ الرعد.
وجلجلت الشئ، إذا حركته بيدك.
وتَجَلْجَلَ في الأرض، أي ساخ فيها ودخل.
يقال: تَجَلْجَلَتْ قواعدُ البيت، أي تضعضعت.
وفى الحديث " إن قارون خرج على قومه يتبختر في حلة له، فأمر الله الارض فأخذته، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ".
وحمار جلاجل بالضم، أي صافى النهيق.
وجلاجل بالفتح: موضع.
قال ذو الرمة: أيا ظبية الو عساء بين جلاجل وبين النقاآ أنت أم أم سالم
ويروى بالحاء مضمومة.
والجلجلان: ثمرة الكزبرة.
قال أبو الغَوث: هو السمسم في قشره قبل أن يُحْصَد.
والجُلْجُلانُ.
حَبَّةُ القلب.
يقال أصبت جلجلان قلبه.
وجل القوم من البلد يَجُلُّونَ بالضم جُلولًا، أي جَلَوْا وخرجوا إلى آخر، فهم جالة.
يقال: استعمل فلان على الجالة، كما يقال على الجالية، وهما بمعنى.
وأنشد ابن الاعرابي:
عفر وصيران الصريم جلت *** ويقال أيضا: جل البعر يجله جلا، أي التقله، ومنه سميت الدابة التى تأكل الغدرة الجلالة.
وكذلك اجتللت البعر.
وجل فلان يَجِلُّ بالكسر جَلالَةً، أي عَظُمَ قَدْرُهُ، فهو جَليلٌ.
وقول لبيد:
واخْزُها بالبِرِّ لله الأَجَلّْ *** يعني الاعظم.
وقول الراجز.
*** الحمد لله العليِّ الأجْلَلِ *** يريد الأَجَلَّ، فأظهر التضعيف ضرورةً.
وقول ابن أحمر: ياجل ما بَعُدَتْ عليك بِلادُنا وطِلابُنا فابرق بأرضك وارعد يعني ما أَجلَّ ما بَعْدَتْ.
وجَلَّ الرجل أيضًا، أي أَسَنَّ.
يقال جلت الناقة، إذا أسنت.
عن أبى نصر.
وجَلَّتِ الهاجِنُ عن الولد أي صغُرتْ.
وأجْلَلْتُهُ في المرتبة.
وأتيت فلانًا فما أَجَلَّني وما أَحْشاني، أي ما أعطاني جَليلَةً ولا حاشِيَةً.
فالجلِيلةُ: التي نُتِجَتْ بطنًا واحدًا.
والحواشي: صغار الإبل.
ويقال: ما أَجَلَّني وما أَدَقَّني، أي ما أعطاني كثيرًا ولا قليلًا.
ويقال: ما له جليلة ولا دقيقة، أي ما له ناقة ولا شاة.
وقول الشاعر:
بَكَتْ فأَدَقَّتْ في البُكا وأَجَلَّتِ *** أي أتت بقليل البكاء وكثيره.
وجلل الشئ تجليلا، أي عم.
والمجلل: السحاب الذى يُجَلِّلُ الأرضَ بالمطر، أي يَعُمُّ.
وتَجليلُ الفرسِ، أن تُلبسهُ الجُلَّ.
وتَجَلَّلَهُ، أي علاه.
وتَجَلَّلَهُ، أي أخذ جُلالَهُ.
والتَجالُّ: التعاظُم.
يقال: فلان يَتَجالُّ عن ذلك، أي يترفع عنه.
وجلو لاء بالمد: قرية بناحية فارس، والنسبة إليها جلولى على غير قياس، مثل حرورى في النسبة إلى حروراء.
صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
60-صحاح العربية (رزن)
[رزن] الرَزْنُ: المكان المرتفع وفيه طمأنينة، يُمْسِكُ الماء.والجمع رُزونٌ ورزان، مثل فرخ
وفروخ وفراخ.
وقال حميد الارقط:
أحقب ميفاء على الرزون *** أبو عبيدة: الرزان: مناقع الماء، واحدتها رِزْنَةٌ بالكسر.
والرَزانَةُ: الوقار، وقد رَزُنَ الرجل بالضم فهو رَزينٌ، أي وقور.
وامرأةٌ رَزانٌ، إذا كانت رزِينَةً في مجلسها.
قال حسّان: حَصانٌ رَزانٌ لا تُزَنُّ بريبةٍ وتُصبح غَرْثى من لحوم الغوافل ورزنت الشئ أَرْزُنُهُ رَزْنًا، إذا رفعتَه لتَنْظُرَ ما ثقله من خفته.
وشئ رَزينٌ، أي ثقيلٌ.
والأرْزَنُ: شجرٌ صُلبٌ تتّخذ منه العصيّ.
أنشد ابن الأعرابي: إنّي وَجدِّكَ ما أَقْضي الغريمَ وإن حانَ القضاءُ ولا رقت له كبدي
إلا عَصا أَرْزَنٍ طارتْ بُرايَتُها تنوء ضربتها بالكف والعضد ابن السكيت: الروزنة: الكوة، وهى معربة.
صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
61-منتخب الصحاح (رزن)
الرَزْنُ: المكان المرتفع وفيه طمأنينة، يُمْسِكُ الماء.والجمع رُزونٌ ورِزانٌ.
أبو عبيدة: الرِزانُ: مناقع الماء، واحدتها رِزْنَةٌ بالكسر.
والرَزانَةُ: الوقار، وقد رَزُنَ الرجل بالضم فهو رَزينٌ، أي وقور.
وامرأةٌ رَزانٌ، إذا كانت رزِينَةً في مجلسها.
قال حسّان:
حَصانٌ رَزانٌ لا تُزَنُّ بريبةٍ *** وتُصبح غَرْثى من لحوم الغَوافِلِ
ورَزَنْتُ الشيء أَرْزُنُهُ رَزْنًا، إذا رفعتَه لتَنْظُرَ ما ثِقَلُه من خِفّته.
وشيءٌ رَزينٌ، أي ثقيلٌ.
والأرْزَنُ: شجرٌ صُلبٌ تتّخذ منه العصيّ.
أنشد ابن الأعرابي:
إنّي وَجدِّكَ ما أَقْضي الغريمَ وإن *** حانَ القضاءُ ولا رَقَّتْ له كبِدي
إلاّ عَصا أَرْزَنٍ طارتْ بُرايَتُها *** تنوء ضرْبَتُها بالكفّ والعَضُدِ
منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
62-تهذيب اللغة (وهم)
وهم: قال الليث: الوَهْم: الْجَمَل الضخم، وأنشد بيت لبيد:ثم أصدَرْناهما في وَارِدٍ *** صادِرٍ وَهْمٍ صُواه قد مَثَلْ
قلتُ: أراد بالوَهْم طريقًا واسعًا واضحًا.
وقال ذو الرمّة:
كأنها جَمَلٌ وَهْمٌ وما بَقِيَتْ *** إلّا النَّحِيزَةُ والألواحُ والعَصَبُ
أراد بالوَهْم جَملًا ضَخْمًا.
ويقال: توهّمتُ الشيءَ وتفرَّستُه وتوسّمتُه وتبيَّنْتُه، بمعنًى واحد.
وقال زهير في التوهّم:
فلأيًا عرفتُ الدَار بعد تَوَهُّمِ *
وقال الليث: الوَهْم من الإبل: الذَّلُول المُنقادُ لِصاحبه مع قُوّة.
والوَهْم: الطريقُ الواضح الذي يَرِد المَوارِد.
وللقَلْب وَهْم، وجمعُه أَوْهام، والله لا تُدرِكه أوهام العباد.
ويقال: توهّمتُ في كذا وكذا، وأَوهَمْتُ الشيء إذا أغفَلْتَه، والتُهْمة أصلُها وُهْمة من الوَهْم، يقال: اتَّهَمتُه، افتعالٌ منه، ويقال: أَتْهمتُ فلانًا على بناءِ أفعَلْتُ، أي أدخَلْتُ عليه التُّهمة ويقال: وهِمتُ في كذا وكذا، أي غَلِطت.
ووَهَم إلى الشيء يَهِم، إذا ذَهب وَهْمُه إليه، وأوهَم الرجلُ في كتابه وكلامه، إذا أَسقَط.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: أوهمتُ: أَسْقطْتُ من الحساب شيئًا.
قال: وَوَهِمْتُ في الصلاة: سَهَوْتُ، فأنا أَوْهَم.
قال: ووهِمْتُ إلى الشيءِ أَهِمُ ذهب وَهْمِي إليه.
وقال شمر: قال الفرّاء: أوْهَمْتُ شيئًا ووَهَمْتُه فإذا ذهب وهمُكَ إلى الشيء قلتَ: وهِمْتُ إلى كذا وكذا أَهِمُ وَهْمًا.
قال عَدِيُّ بن زَيد:
فإن أخْطَأْتُ أو أوهمتُ أَمرًا *** فَقَدْ يَهِمُ المصافِي بالْحَبيبِ
وقال الزِّبرقان بن بدر:
فبِتِلْك أَقضِي الهَمَّ إذ وَهِمَتْ به *** نفسي ولَسْتُ بِنَأْنإٍ عُوَّارِ
قال شمِر: وقيل: أَوهمَ ووَهِم ووَهَم بمعنٍى.
قال: ولا أرى الصحيحَ إلا هذا.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب: أوهَمْتُ الشيءَ، إذا تركتَه كلَّه أُوهِمُ، ووَهِمْتُ في الحساب أَوْهَم، إذا غَلِطْتَ، ووَهَمتُ إلى الشيء إذا ذَهب قلبُك إليه وأنت تريد غيرَه أَهِم وَهْمًا.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلّى فأَوْهَم في صَلاته، فقيل له: كأنّك أَوهَمتَ في صَلاتِك.
فقال: «وكيف لا أُوهِمُ ورَفْغُ أحدِكم بين ظُفْره وأَنملَتِه».
قال أبو عبيد: قال الأصمعيّ: أوهَم، إذا أَسقَط، ووَهِم، إذا غلِط.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
63-تهذيب اللغة (جل)
جل: قال الليث: جلَ جلالُ الله، وهو الجَليلُ، (ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ).يقال: جَلَ فلانٌ في عيني أي عظُمَ، وأجْلَلْتُه أي رأيتُه جَليلًا نبيلًا، وأجلَلْتُه أي عَظَّمْتُه.
وكل شيء يَدِقُّ، فجُلالُه خلافُ دُقاقِهِ.
وجُلُ كل شيءٍ: عُظْمُهُ.
ويقال: مَا لَهُ دِقٌّ وَلا جلٌ.
ويقال: جِلَّةٌ جريمٌ للعظَامِ الأجْرَامِ.
قال: والجِلُ: سُوقُ الزَّرْعِ إذا حُصِدَ عنه السُّنْبُلُ.
(ابن السكيت): يقال: مَا لَه دقيقةٌ ولا جَلِيلَةٌ أي ما له شاةٌ ولا ناقةٌ.
وأتيتُ فُلانًا فما أجلَّنِي ولا أحْشاني أي ما أَعْطانِي جليلةً ولا حاشيةً.
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنّه نَهى عن أكْلِ الجلَّالَةِ».
والجلَّالَةُ: التي تأْكُلُ الجِلَّةَ، والجِلَّةُ: البَعْرُ فاستعير وَوُضع موضعَ العَذِرَة.
وقال الأصمعي: جَلَ يجُلُ جلَّا إذا التقط البَعْرَ، واجتَلَّة: مثلُه.
قال ابنُ لَجَأ:
تُحْسِبُ مُجْتَلَ الإماء الخُدَّمِ *** من هَدَبِ الضَّمْرَانِ لم يُخَطَّمِ
يصفُ إبلًا يكفي بَعْرُها من وقُودٍ يُسْتَوْقَدُ به من أغصانِ الضَّمْرَانِ.
ويقال: خرج الإماءُ يَجْتَللن أي يَلْتَقِطْنَ البَعْرَ.
(أبو عبيد عن الأموي): الجَلَلُ في كلام العرب من الأضداد.
يقال للكبير جَلَلٌ، والصغيرُ: جَلَلٌ، وقال الشاعر: ألا كلُّ شيءٍ سِوَاهُ جلَلْ أي يسيرٌ هينٌ.
وأنشد أبو زيد لأبي الأخْوَصِ الرِّياحيّ:
ولو أدْرَكَتْهُ الخَيْلُ، والخيلُ تُدَّعَى *** بِذِي نَجَبٍ ما أَقْرَنَتْ وأجلَّتِ
قال: أجَلّتْ: دخلت في الجَلَلِ، وهو الأمرُ الصغيرُ.
وقال الأصمعي: يقال: ذاكَ الأمر جَلَلٌ في جَنْب هذا الأمْرِ أي صغيرٌ يسيرٌ.
قال والجَلَلُ: العظيمُ أيضًا، فأما الجَلِيلُ فلا يكون إلَّا العظيم.
ويقال: فعلتُ ذلك من جَلَلِ كذا وكذا أي من عظمه في صدْرِه.
وأنشد:
رَسْمِ دارٍ وَقَفْتُ في طَلَلِهْ *** كِدْتُ أَقْضِي الغَدَاةَ من جَلَلِهْ
قال: ومشْيَخَةٌ جِلَّةٌ أي مَسَانُّ، والواحد منهم: جليلٌ.
والجُلَّى: الأمْرُ العظيمُ.
قال طرفةُ: وإن أُدْعَ للجُلّى أكُنْ من حُماتها
قال ابنُ الأنباريّ: من ضمّ الجيم من الجُلّى قصر، ومن فتح الجيم مدَّ، فقال: الجلّاءُ: الخصلةُ العظيمةُ.
وأنشد:
كميشُ الإزار خارجٌ نصفُ ساقه *** صبُورٌ على الجلّاءِ طلّاعُ أَنْجُدِ
قال: ولا يقال: الجلالُ إلَّا لله تبارك وتعالى.
والجليلُ من صفات الله، وقد يُوصَفُ به الأمْرُ العظيمُ، والرَّجُلُ ذُو القَدْرِ الخطيرِ.
ويقال: جَلَ الرَّجُلُ عَنْ وَطَنِهِ يَجُلُ
جُلُولًا، وجَلَا يَجْلُو جلاءً وأجْلَى يُجْلِي إِجْلاءً إذا أَخَلَّ بوطَنِهِ.
ومنه يقال: اسْتُعْمِلَ فُلانٌ على الجاليَةِ والجالَّةِ وهُمْ أَهْلُ الذَّمِّةِ، وإنَّما لزِمَهُمْ هذا الاسمُ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أَجْلَى بعْضَ اليَهُود من المَدِينَةِ، وأَمَرَ بإِجْلَاءِ مِنْ بقي منهم بجزِيرَةِ العَرَبِ فأجْلاهُمُ عمر بن الخطاب فسُمُّوا جاليةً للُزُومِ الاسم لهُمْ وإنْ كانوا مُقِيمين بالبلاد التي أوْطَنُوها.
ويقال: تَجَلَّلِ الدَّراهِم أي خُذْ جْلالها، وتَجَلَّلَ فُلانٌ بَعيرَه إذا علا ظَهْره.
والجَليلُ: والثَّمامُ، الوَاحِدَةُ: جليلةٌ، وهذه ناقةٌ قد جَلَّتْ أي أسَنّتْ.
والمَجَلَّةُ: صحيفَةٌ يُكْتَبُ فيها وقال النابغةُ:
مَجَلَّتُهُمْ ذَاتُ الإله ودِينُهم *** قَوِيمٌ فَمَا يَرْجُونَ غَيْرَ العَواقِبِ
وقال الليث: الجُلَّةُ تُتَّخَذُ من الخُوص، وعاءٌ للتَّمْرِ يُكْنَزُ فيها، وجَمْعُها: جلالٌ، وجِلَالُ كُلِّ شيءٍ: غِطَاؤُه، نحو الحَجَلةِ وما أَشْبَهها.
(أبو عبيد): الجُلُولُ: شِرَاعُ السَّفِينَةَ، الواحدُ: جُلٌ.
قال القُطاميُّ:
في ذِي جُلُولٍ يُقَضِّي المَوْتَ ساكِنُهُ *** إذا الصَّرَارِيُّ مِنْ أَهْوَالِه ارْتَسَّما
الصَّرَارِيُ: الملّاحُ، والارْتِسامُ: التَّكْبيرُ.
وتجَالَلْتُ الشيء تجَالًّا، وتجَلَّلْتُ إذا أَخَذْتَ جُلاله، وتَدَاقَقْتُه إذا أَخَذْتَ دُقاقَه.
(ابنُ السكيت): الجُلُ: جُلُ الدَّابَّةِ، وجُلُ كلِّ شيءٍ: مُعْظَمُه، والجِلُ: قَصَبُ الزَّرْع إذا حُصِدَ.
وجَلُ بنُ عديٍّ: رجُلٌ من العَرَبِ.
وذو الجَليلِ: وادٍ لبني تَميمٍ، يُنْبتُ الثُّمامَ، وهو الجَلِيلُ.
وجِلٌ، وجلَّانُ: حيّانِ من العرب.
وهذه ناقةٌ تَجِلُ عن الكَلَالِ أي هي أجَلُ من أَنْ تكلَّ لصَلابتِها.
وناقةٌ جُلَالةٌ: ضَخْمةٌ.
وبعيرٌ جلالٌ: مُخْرَجٌ من جليلٍ.
ويقال: أَنْتَ جَلَلْتَ هذا على نَفْسِكَ، وأَنْتَ جَرَرْتَه أي جَنَيْتَه.
وفَعَلْتُ ذاكَ مِنْ جَرَّاكَ ومن جَلَلِكَ، وجَلَالِكَ أي من أجْلِكَ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
64-تهذيب اللغة (ألف)
ألف: رَوى أبو عمرو، عن أحمد بن يحيى، ومحمد بن يزيد، أَنهما قالا: أُصول الألفات ثلاثة وتَتَبعها الباقيات:ألف أصْلية، وهي في الثلاثي من الأسماء؛
وألف قطعية، وهي في الرُّباعيّ.
وألف وَصْليّة، وهي فيما جاوز الرّباعيّ.
قالا: فالأصلية مثل: ألِفٍ ألِفٍ، وإلْفٍ إلْفٍ؛ وما أشبهه.
والقطعية، مثل: ألف «أحمد» و «أحمر» وما أشبهه.
والوصلية، مثل ألف «استنباط» و «استخراج».
وهن في الأفعال إذا كانت أصلية مثل ألف «أكل»، وفي الرباعي إذا كانت قطعية مثل ألف «أحسن»، وفيما زاد عليه مثل ألف «استكبر» و «استدرج»، إذا كانت وصلية.
قالا: ومعنى ألف الاستفهام ثلاثة: تكون بين الآدميّين، يقولها بعضُهم لبعض استفهامًا.
وتكون من الجبّار لوليّه تقريرًا.
ولِعدوّه توبيخًا.
فالتّقرير، كقوله تعالى للمسيح عليهالسلام: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} [المائدة: 116].
قال أحمد بن يحيى: إنما وقع التَّقرير لعيسى، لأنّ خُصومه كانوا حُضُورًا، فأراد الله من عيسى أن يكذِّبهم بما ادّعوا عليه.
وأمّا التّوبيخ لعدوّه، فكقوله تعالى: {أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ} [الصافات: 153]، وقوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ} [البقرة: 140]، و {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها} [الواقعة: 72].
قلت: فهذه أُصول الألفات.
وللنحويّين ألقابٌ لألفات غيرها، وأنا ذاكرها لك فتقف عليها:
فمنها: الألف الفاصلة، وهي في موضعَيْن:
إحداهما: الألف التي يُثبتها الكتبة بعد «واو» الجمع ليُفصل بها بين «واو» الجمع وبين ما بعدها، في مثل: كفروا، وشكروا.
وكذلك الألف التي في مثل: يَغْزوا،
ويَدْعوا.
وإذا استغنى عنها، لاتصال المكنى بالفِعل، لم تَثبت هذه الألف الفاصِلة.
والأُخرى: الألف التي فَصلت بين النون، التي هي علامة الإناث، وبين النون الثقيلة، كراهة اجتماع ثلاث نونات في مثل قولك للنّساء، وأنت تأمر: افْعلنانّ، بكسر النون وزيادة ألف بين النونين.
ومنها: ألف العبارة، لأنها تعبِّر عن المتكلم، مثل قولك: أنا أفعل كذا، وأنا أستغفر الله، وتسمّى: العاملة، وقد مَر ذكر اللغات التي فيها، فيما تقدّم من الكتاب.
ومنها: الألف المَجهولة، مثل ألف «فاعل» و «فاعول» وما أشبهها، وهي كل ألف تدخل في الأفعال والأسماء، مما لا أصل لها، إنما تأتي لإشباع الفتحة في الفِعل والاسم.
وهي إذا لَزمتها الحركة تصِير واوًا، كقولك: خاتم وخواتم، صارت «واوًا» لما لزمتها الحركة لسكون الألف بعدها، والألف التي بعدها هي أَلف الجمع، وهي مجهولة أيضًا.
ومنها: ألف العِوض، وهي المبدلة من التَّنوين المَنصوب، إذا وقفت عليها، كقولك: رأيت زيدًا، وفعلت خيرًا، وما أشبهها.
ومنها: ألف الصّلة، وهي ألف توصل بها فتحة القافية وفتحة هاء المؤنث:
فأما فتحة القافية، فمثل قوله:
* بانت سُعاد وأَمسى حبلها انْقَطعا*
فوصل فتحة العين بألف بعدها.
ومنه قوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10]: الألف التي بعد النون الأخيرة هي صِلة لفتحة النون:
ولها أخوات في تواصل الآيات، كقوله تعالى: {قَوارِيرَا} [الإنسان: 15] و {سَلْسَبِيلًا} [الإنسان: 18].
وأَما فتحة هاء المؤنث، فقولك: ضربتها، ومررت بها.
والفرق بين أَلف الوصل وأَلف الصلة، أَن أَلف الوصل إنما اجْتلبت في أَوائل الأسماء والأفعال، وأَلف الصلة في أَواخر الأسماء كما تَرى.
ومنها أَلف النون الخفيفة، أصلها الثقيلة إلا أنها خففت؛ ومن ذلك قولُ الأعشى:
* ولا تَحْمد المُثْرين والله فاحْمَدَا*
بالنون الخفيفة، فوقف على الألف.
وقال آخر:
وقُمَيْرٍ بَدَا ابْن خَمْس وعِشْري *** ن فقالت له الفَتاتان قُومَا
أراد: قومن، فوقف على الألف.
وقال:
يَحْسَبه الجاهِلُ ما لم يَعْلَما *** شَيْخًا على كرسيّه معمّما
فنصب «يعلم» لأنه أراد: ما لم يعلمن.
بالنون الخفيفة، فوقف بالألف.
وقال أبو عكرمة الضّبيّ في قول امرىء القيس.
* قِفا نَبْك مِن ذِكْرى حَبيب ومَنْزل*
أراد: قِفن، فأبدل الألف من النون الخفيفة، كقولك: قُومًا، أراد: قُومن.
قال أبو بكر: وكذلك قوله تعالى: {أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24].
أكثر الرواية أنّ الخِطاب لمالك خازن جَهنم وحده، فبناه على ما وصفناه.
وقيل: هو خطاب لمالك وملَك معه، والله أَعلم.
ومنها: ألف الجمع، مثل: مساجد، وجبال، وفُرسان، وفواعِل.
ومنها: ألف التَّفْضيل والتصغير: كقولك: فلان أَكرم منك، وألأم منك، وفلان أجهل الناس.
ومنها: ألف النداء، كقولك: أزيد، تُريد: يا زيد.
ومنها: ألف النّدبة، كقولك: وا زيداه.
أعني «الألف» التي بعد «الدال».
وتُشاكلها ألف الاستنكار، إذا قال الرجل: جاء أبو عمرو، فيُجيب المُجيب: أبو عَمْراه، زيدت الهاء على المدّة في الاسْتنكار، كما زيدت في: وا فلاناه، في النُّدبة.
ومنها: ألف التأنيث، نحو مدة: حمراء ونُفساء.
ومنها: ألف: سَكرى، وحُبْلَى.
ومنها: ألف التَّعايي، وهو أن يقول الرجل: إن عُمر، ثم يُرْتَج عليه كلامُه، فيقف على «عمر» ويقول: إن عُمرا، فيمدها مُستمدًّا لما يفتح له من الكلام، فيقول: مُنطلق.
المعنى: إن عمر مُنطلق، إذا لم يَتعَايَ.
ويفعلون ذلك في التَّرخيم، كقولك: يا عُما، وهو يريد «عُمر»، فيمد فتحة الميم بالألف ليمتدّ الصوت.
ومنها: ألفات المدّات، كقول العَرب ل «الكلكل»: الكَلْكال، ويقولون ل «الخاتم»: خاتام، ول «الدانَق»: دانَاق.
قال أبو بكر: العرب تصل الفتحة بالألف، والضمة بالواو، والكسرة بالياء.
فمن وَصْلهم الفتحة بالألف قولُ الراجز:
قُلْت وقد خَرّت على الكَلْكال *** يا ناقتي ما جُلْت عن مَجالِي
أراد: على الكَلكل، فوصل فتحة الكاف بالألف.
وقال آخر:
* لها مَتْنتان خظاتاكما*
أراد: خَظَتا.
ومِن وَصْلهم الضمّة بالواو: ما أَنْشده الفراء:
لو أنْ عَمْرًا هَمَّ أن يَرْقُودَا *** فانْهض فشُدّ المِئْزَرَ المَعْقُودَا
أراد: أن يَرْقُد، فوصل ضمّة القاف بالواو.
وأنشد أيضًا:
الله يعلم أنّا في تَلفُّتنا *** يومَ الفراق إلى إخْواننا صُورُ
وأنّني حَيْثما يَثْنِي الهوى بَصَري *** مِن حيثما سَلكُوا أدْنُو فأنْظُور
أراد: فأنظر.
وأنشد في وَصل الكسرة بالياء:
لا عَهْد لي بِنيضالِ *** أَصْبحتُ كالشَّنّ البالي
أراد: بنضال.
وقال:
* على عَجل منِّي أطأطىءُ شِيمالِي*
أراد: شمالي، فوصل الكسرة بالياء.
ومنها: الألف المحوَّلة، وهي كل ألف أصلها الياءُ والواو المُتحرَّكتان كقولك: قال، وباع، وقضا، وغزا، وما أشْبهها.
ومنها: ألف التَّثنية، كقولك: يجلسان، ويذهبان.
ومنها: ألف التَّثْنية في الأسماء، كقولك: الزَّيدان، والقَمران.
قال أبو زيد: وسمعتُهم يقولون: أَيَا أياه أَقْبل، وزنه: عَيَا عَيَاه.
وقال أبو بكر الأنباري: ألف القطع في أوائل الأسماء على وجهين: أحدهما: أن تكون في أوائل الأسماء المُفردة.
والوجه الآخر: أن تكون في أوائل الجمع.
فالتي في أوائل الأسماء تَعرفها بثباتها في التَّصْغير، بأن تَمتحن الألف فلا تجدها فاء، ولا عينًا، ولا لامًا؛ من ذلك قوله جلّ وعزّ: {فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ} [المؤمنون: 14] الألف في قطع، وتصغيره: أُحَيْسن.
وتقول في مثاله من الفِعل: افعل، فتجد الألف ليست فاءً، ولا عينًا، ولا لامًا.
وكذلك قوله تعالى: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها} [النساء: 86].
والفرق بين ألف القطع وألف الوصل أن ألف الوصل «فاء» من الفعل، وألف القطع ليست: فاءً، ولا عينًا، ولا لامًا، وتدخل عليها الألف واللام التي هي للتعريف، تقول: الأبوان والأزواج، وكذلك ألف الجمع في السّتَة.
وأما ألفات الوصل في أوائل الأسماء فهي تسعة، ألف: ابن، وابنة، وابنين، وابنتين، وامرىء، وامرأة، واسم، واست.
فهذه ثمانية تكسر الألف في الابتداء وتحذف في الوصل.
والتاسعَة: الألف التي تدخل مع اللام للتَّعريف، وهي مفتوحة في الابتداء ساقطة في الوصل، كقولك: (الرَّحْمنُ)، و (الْقارِعَةُ)، و (الْحَاقَّةُ)، تسقط هذه الألفات في الوصل وتنفتح في الابتداء.
الياء: فمنها: ياء التأنيث في مثل: اضْربي، وتَضربين، ولم تَضربي.
وفي الأسماء: «ياء» حُبْلى، وعَطْشى؛ يقال: هما حُبْليان، وعَطْشيان، وجُماديان، و «ياء» ذِكْرى، وسيما.
ومنها: ياء التَّثنية والجمع، كقولك: رأيت الزيدَيْن.
ومنها: ياء الصِّلة في القوافي؛ كقول النابغة:
* يا دار مَيَّة بالعَلْياء فالسَّندِي*
فوصل كسرة الدال بالياء.
ومنها: ياء الإشباع في المَصادر والنُّعوت؛ كقولك: كاذبته كيذابًا، أراد: كِذَابا.
أراد أن يُظهر الألف التي في ضاربته في المصدر، فجعلوها ياءً، لكسرة ما قبلها.
ومنها: ياء «مسكين» و «عجيب» أرادوا بناء «مِفْعِل»، وبناء «فَعِل» فأَشْبَعوا بالياء.
ومنها: الياء المحوَّلة، مثل «ياء» الميزان، والميعاد، وقيل: ودُعي، وهي في الأصل «واو» فقُلبت ياءً لكسر ما قبلها.
ومنها: ياء النّداء؛ كقولك: يا زيد، ويقولون: أزَيد.
ومنها: ياء الاستنكار، كقولك: مررت بالحَسن، فيقول المُجيب مُستنكرًا لقوله: ألْحَسنيهْ، مدّ النون بياء، وألحق بها هاء الوقْف.
ومنها: ياء التّعايي، كقولك: مررت بالَحَسني، ثم تقول: أخي بَني فلان.
ومنها: ياء مدّ المُنادى، كندائهم: يا بِّشْر، يمدّون ألف «يا» ويُشدِّدون «باء» «بِشْر» ويمدونها.
بياء «يا بيشر»، يمدّون كسرة الباء بالياء، فيجمعون بين ساكنين؛ ويقولون: يا مُنْذير، يريدون: يا مُنْذر.
ومنهم من يقول: يا بشير، فيكسرون الشين ويُتبعونها الياء يمدّونها بها، يريدون: يا بِشْر.
ومنها: الياء الفاصلة في الأبنية، مثل: «ياء» صَيْقل، و «ياء» بَيْطار، وما أشبهها.
ومنها: ياء الهمزة، في الخطّ مرة، وفي اللفظ أخرى.
فأمّا الخط: فمثل «ياء»: قائم، ومائل، صُورت الهمزة ياء، وكذلك من: شركائهم، وأولئك، وما أشبهها.
وأمّا اللفظ فقولهم في جَمع «الخطيئة»: خطايَا؛ وفي جمع «المرآة»: مَرايا، اجتمعت همزتان فَليَّنوهما وجعلوا إحداهما ألفًا.
ومنها: ياء التَّصْغير، كقولك في تَصغير «عمرو»: عُمَير، وفي تصغير «ذا»: ذَيّا، وفي تَصغير «شيخ»: شُيَيْخ.
ومنها: الياء المُبدلة من لام الفِعْل، كقولك: الخامي، والسادي، للخامس والسادس، يفعلون ذلك في القوافي وغير القوافي.
ومنها: ياء الثَّعالي، يريدون: الثعالب؛ وأَنْشد:
* ولِضَفادِي جَمَّه نَقانِقُ*
يريد: لِضَفادع.
وقال الآخر:
إذا ما عُدّ أربعةٌ فِسالٌ *** فَزوْجكِ خامسٌ وأبوك سادِي
ومنها: الياء الساكنة تُترك على حالها في مَوضع الجَزم في بعض اللغات؛ وأَنْشد الفراء:
ألم يأتيك والأنباء تَنْمى *** بما لاقت لَبُون بني زيَادِ
فأثبت الياء في «يأتيك» وهي في موضع جزم.
ومثله قوله:
* هُزِّي إليك الجِذْعَ يُجْنِيْكِ الجَنَى*
ووجه الكلام: يُجْنبك.
وقد نَقلوا مثل ذلك في «الواو»؛ وأَنشد:
هجوتَ زيّان ثم جِئْتَ مُعْتذرًا *** من هَجْو زيّان لم تَهْجو ولم تَدَعِ
ومنها: ياء النِّداء، وحذفُ المنادى وإضماره، كقول الله تعالى، على قراءة مَن قرأ: ألّا يا اسجدوا لله [النمل: 25]، المعنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا؛ وأَنْشد:
يا قاتلَ الله صِبْيانًا تجيء بهم *** أمُّ الهُنَيْنَين مِن زَنْدٍ لها وارِي
كأنه أراد: يا قوم، قاتل الله صبيانًا.
ومثله قوله:
يا من رأى بارقًا أُكَفْكفه *** بين ذِرَاعَي وجَبْهة الأَسَدِ
كأنه دعا: يا قوم، يا إخوتي، فلما أقبلوا عليه قال: من رأَى؟
ومنها: ياء نداء ما لا يُجيب تنبيهًا لمن يَعْقل؛ من ذلك قول الله تعالى: {يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ} [يس: 30] و {يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} [هود: 72] والمعنى: أن استهزاء العباد بالرُّسل صار حَسْرةً عليهم، فنُوديت تلك الحسرةُ تنبيهًا للمُتحسِّرين.
المعنى: {يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ}، أين أنت فهذا أوانك، وكذلك ما أشبهه.
ومنها: ياآت تدل على أفعال بعدها في أوائلها ياآت؛ وأَنشد بعضهم:
ما للظّلِيم عاكَ كيف لايا *** يَنْقَدّ عنه جلدُه إذا يا
* يُذّرَى التُّرابُ خلفه إذْ رَايَا*
أراد: كيف لا ينقدّ جلده إذَا يُذْرَى الترابُ خَلْفه.
ومنها: ياء الجزم المُرسل والجَزم المُنْبسط.
فأما ياء الجزم المُرسل فكقولك: أَقضي الأمر، وتحذف لأن قبل الياء كسرة تَخلُف منها.
وأما ياء الجزم المُنبسط فكقولك: رأيت عبدي الله؛ ومررت بعبدي الله، لم تكن قبل الياء كسرة تكون عوضًا منها، فلم تَسْقط وكُسرت لالتقاء الساكنين، ولم تَسقط لأنه ليس منها خَلف.
أخبرني المُنذريّ، عن الحرّاني، عن ابن السّكيت، قال: إذا كانت الياء زائدة في حرف رباعيّ أو خماسيّ أو ثلاثيّ، فالرباعيّ: كالقَهْقرى، والخَوْزَلى، وبَعير جَلْعبى، فإذا ثَنّته العربُ أَسقطت الياء، فقالوا: الْخوزلان، والقهقران، ولم يثبتوا الياء فيقولا: الخوزَليان، ولا القَهْقريان، لأن الحرف كرّر حُروفه، فاسْتثقلوا مع ذلك جمع الياء مع الألف، وذلك أنهم يقولون في نَصبه لو ثُنّي على هذا: الخوزَليين، فثقُل وسقطت الياء الأولى.
وفي الثلاثي إذا حُرّكت حروفُه كُلها: الجَمزَى والوَثَبى، ثم ثَنَّوه فقالوا: الجَمزان، والوَثبان، ورأيت الجَمزَيْن والوَثَبْين.
قال الفراء: ما لم يَجتمع فيه ياآن كتبته بالياء للتأنيث، فإذا اجتمع الياآن كتبت إحداهما ألفًا لثقلها.
الواو: الواوات، لها معان مختلفة، لكُل معنى منها اسم تُعرف به.
فمنها: واو الجمع، كقولك، اضربوا، ويَضربون.
وفي الأسماء: المُسلمون.
ومنها: واو العطف، والفرق بينها وبين «الفاء» في المعطوف، أن الواو يُعطف بها جملة جُمل، ولا تَدلّ على الترتيب في تَقديم المُقدّم ذكره، وتأخير المؤخّر ذكرُه.
و «أما» الفاء فإنها يُوصل بها ما بعدها بالذي قبلها، والمقدّم هو الأوّل.
قال الفراء: إذا قلت: زُرت عبد الله وزيدًا، فأيهما شِئت كان المبتدأ بالزيارة.
وإذا قلت: زرت عبد الله فَزَيْدًا، كان الأول هو الأول والآخر هو الآخر.
ومنها: واو القسم تخَفْض ما بعدها؛ قال الله تعالى: {وَالطُّورِ * وَكِتابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 1، 2] ف «الواو» التي في
«الطور» هي واو القسم، والواو التي هي في {وَكِتابٍ} هي واو العطف، ألا ترى أنه لو عطف بالفاء كان جائزًا، و «الفاء» لا يقسم بها، كقوله تعالى: {وَالذَّارِياتِ ذَرْوًا {1} فَالْحامِلاتِ وِقْرًا {2} } [الذاريات: 1، 2] غير أنه إذا كان بالفاء فهو مُتّصل باليمين الأولى، وإذا كان بالواو فهو شيء آخر أُقسِم به.
ومنها: واو الاستنكار، إذا قلت: جاءني الحسن، قال المُستنكر: الْحسَنُوه.
وإذا قلت: جاءني عَمْرو، قال: أعمْروه، يمدّ بواو، والهاء للوقفة.
ومنها: واو الصِّلة في القوافي؛ كقوله:
* قِف بالدِّيار التي لم يَعفها القِدَمُو*
فوُصلت ضمة الميم بواو تَمّ بها وزن البَيْت.
ومنها: واو الإشباع؛ مثل قولهم: البُرْقُوع، والمُعْلُوق.
وحكى الفراء: أَنظور، في موضع «أنظر»؛ وأنشد غيرُه:
* لو أنّ عَمْرًا همّ أَن يَرْقُودَا*
أراد: أن يرقد، فأشبع الضمة بالواو، ونَصَب «يرقودا» على ما يُنصب به الفعل.
ومنها: واو التَّعايي، كقولك: هذا عمرو، فيستمدّ، ثم يقول: مُنطلق.
وقد مضى بعض أخواتها في باب الألفات والياآت.
ومنها: واو مَدّ الاسم بالنداء؛ كقولهم: أيَا قُورط، يريد قُرْطًا، فمدّوا ضمّة القاف ليمتدّ الصوتُ بالنداء.
ومنها: الواو المُحوّلة، نحو، طُوبى، أصلها: طيِبى، فقلبت الياء واوًا، لانضمام الطاء قبلها، وهي من: طاب يَطيب.
ومنها: واو المُوقنين، والموسرين، أصلها: المُيْقنين، من: أيقنت، والمُيْسرين، من: أَيْسرت.
ومنها: واو الجزم المُرسل؛ مثل قوله تعالى: {وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 4] فأسقط الواو لالتقاء الساكنين، لأن قبلها ضَمّة تخلفها.
ومنها جَزم الواو المُنْبسط؛ كقوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ} [آل عمران: 186] فلم يُسقط الواو وَحَرّكها لأن قبلها فتحة، ولا تكون عِوضًا منها.
هكذا أخبرني المُنذريّ به، عن أَبي طالب، وقال: إنما يَسقط أحد الساكنين إذا كان الأول من الجزم المُرسل انكسر ولم يسقط.
والجزم المُرسل كل وَاو قبلها فتحة، وياء قبلها كسرة، أو ألف قبلها فتحة.
فالألف كقولك للاثنين: اضربا الرجل، سَقطت الألف عند التقاء الساكنين، لأن قبلها فتحة فهي خلف منها.
ومنها: واوات الأبنية، مثل الجَورب، والتّورب، للتّراب والجورب، وما أشبهها.
ومنها: واو الهمزة في الخطّ واللّفظ.
فأما الخط، فقولك: هذه شاؤك، صورت الهمزة وَاوًا لضمّتها.
وأما اللفظ فقولك: حَمروان، وسوداوان.
ومثل قولك: أعيذك بأَسْماوات الله، وأبناوات سعد، ومثل «السَّماوات» وما أَشبهها.
ومنها: واو النداء، وواو النُّدبة.
فأما النّداء، فقولك: وا زيد.
وأما النّدبة، فقولك، وا زَيداه، وا لهفاه، وا غُربتاه.
ومنها: وَاو الحال، كقولك: أتيتُه والشمس طالعة، أي: في حال طلوعها؛ قال الله تعالى: {إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ} [القلم: 48].
ومنها: واو الوقت، كقولك: اعمل وَأنت صحيح، أي: في وقت صِحَّتك، والآن وأنت فارغ.
فهذا واو الوقت، وهي قريبة من واو الحال.
ومنها: واو الصَّرف.
قال الفراء: الصَّرف أن تأتي «الواو» مَعطوفة على كلام في أوله حادثة لا تَسْتقيم إعادتُها على ما عُطف عليها؛ كقوله:
لا تَنْه عن خُلُقٍ وتأتِيَ مِثْلَه *** عارٌ عليك إذا فَعَلْت عظيِمُ
ألا ترى أنه لا يَجوز إعادة «لا» على: «وتأتي مثله»، فلذلك سُمّي صَرْفًا، إذ كان معطوفًا ولم يَسْتقم أن يُعاد فيه الحادث الذي فيما قبله.
ومنها: التي تدخل في الأجوبة فتكون جوابًا مع الجواب، ولو حُذفت كان الجواب مُكتفيًا بنفسه؛ وأنشد الفراء:
حتى إذا قَمِلت بُطُونكمُ *** ورأيتُمُ أبناءكم شَبُّوا
وقَلبتُم ظَهْر المِجَنّ لنا *** إنّ اللئيم العاجزُ الْخَبُ
أراد: قلبتم.
ومثله في الكلام: لما أتاني وأثب عليه.
كأنك قلت: وثبت عليه.
قال: وهذا لا يجوز إلا مع «لما» و «حتى» و «إذا».
الأصمعي قال: قلت لأبي عَمرو بن العلاء: رَبّنا ولك الحمد، ما هذه الواو؟
فقال: يقول الرجل للرجل: بِعْني هذا الثوب، فيقول: وهو لك.
أصله يريد: هو لك؛ وقال أبو كبير الهُذلي:
فإذا وذلك لَيس إلا حِينَه
وإذا مَضى شيءٌ كأن لمْ يُفْعَلِ
أراد: فإذا ذلك، يعني شَبابه وما مضى من أيام تمتُّعه.
ومنها: واو النِّسْبة.
حكى أبو عبيد، عن اليَزيدي، عن أبي عمرو بن العلاء، أنه كان يقول: يُنْسب إلى «أخ»: أخوي، وإلى «الرِّبَا»: رِبَويّ، وإلى «أخت»: أُخَويّ، وإلى «ابن»: بَنَوِيّ، وإلى «عالية» الحجاز: عُلْوِيّ، وإلى «عَشِيّة» عشويّ، وإلى «أب»: أبَوِيّ.
ومنها: الواو الدائمة، وهي كل وَاو تُلابس الجزاء، ومعناها: الدوام؛ كقولك: زُرْني وأَزورَك، وأزورُك، بالنصب والرفع.
فالنصب على المُجازاة، ومَن رَفع فمعناه: زيارتك عليّ واجبة أُديمها لك على كُلّ حال.
ومنها: الواو الفارقة، وهي كُل واو دَخلت في أحد الحرفين المُشْتبهين لُيفرق بينه وبين المُشْبه له في الخطّ، مثل واوِ «أولئك» وواو «أولى»؛ قال الله تعالى: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} [النور: 31]: زيدت فيها الواو في الخط ليَفرق بينها وبين ما شاكلها في الصورة، مثل: إلي، وإليك.
ومنها: واو «عمرو» فإنها زيدت لتفرق بين «عمرو» و «عمر».
وزيدت في «عمرو» دون «عُمر»، لأن «عُمر» أثْقل من «عمرو».
الِّلحياني عن الكسائي: ما كان من ثلاثة أحرف وسطه «ألف» ففي فِعله لغتان: الواو والياء، كقولك: دَوّلت دالًا، وقَوّفت قافًا، أي كتبتهما: إلا «الواو» فإنها بالياء لا غير، لكثرة «الواوات»، فتقول فيها: وَيَّيْت واوًا حسنة، وغيره يقول: أَوَّيت، وبعضهم يقول: وَوَّيت.
الكسائي: تقول العرب: كلمة مُؤَوَّاة، مثل «مُعَوَّاة»، أي: مبنيّة من بنات «الواو».
غيره كلمة: مُؤَيّاة، من بنات «الواو» وكلمة مُيَوَّاة، من بنات «الياء».
وإذا صَغَّرت «الواو» قلت: أُوَيَّة؛ وإذا صغرت «الياء» قلت: أُيَيَّة.
غيره: هذه قصيدة واويّة، إذا كانت على «الواو»، ويائيّة، على الياء.
ويقال: أشبهت ياؤك يائِي، وأشبهت ياءَك، بوزن «ياعك».
فإذا ثَنّيت قلت: ياءَيّ، بوزن: «ياعَيّ».
وقال الكسائي: جائز أن تقول: يَيَّيت ياءً حسنةً، إذا كتبتها.
وكذلك: ووَّيت واوًا حَسنة.
وأما الألف فتأليفها من: همزة، ولام، وألف.
وقيل: إنها سُميت «ألفًا» لأنها تألف
الحروف، وهي أكثر الحُروف دُخولًا في المَنْطق.
ويقولون: هذه ألِفٌ مُؤَلَّفة.
وقد جاء عن بعضهم في قوله تعالى: {الم} [البقرة: 1] أن «الألف» من أسماء الله تعالى، والله أعلم بما أَراد.
وقال الخليل: وجدتُ كُلَّ «ياء» و «واو» في الهجاء لا تعتمد على شيء بعدها تَرجع في التَّصريف إلى «الياء»، نحو: يا، وفا، وطا، ونحوه.
روي عن ابن عباس في الحروف المُقطعة، مثل: الم، المص، المر، وغيرها: ثلاثة أقوال:
أحدهما: أن الله تعالى أقسم بهذه الحروف، وأن هذا الكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو الكتاب الذي عند الله لا شك فيه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
65-معجم العين (طل)
طل: الطَّلُّ: المَطَرُ الضَّعيفُ القَطْرِ الدّائمُ، وهو أَرْسَخُ المَطَرِ ندىً.تقول: طَلَّتِ الأرضُ.
وتقول: رَحُبَتِ الأَرْضُ وطلّتْ.
ومن قال: طَلَّتِ ذهب إلى معنى: طلّت عليك السّماء، ورَحُبَتْ عليك الأرض، أي: أتّسعَتْ.
والطَّلُّ: المَطْلُ للدِّياتِ وإبطالُها.
والإطلالُ: الإِشرافُ على الشّيء.
وطَلَلُ السَّفينة: جِلالُها، والجميع: الأَطْلال.
وطَلَلُ الدّار: يُقال: إنّه مَوْضِعٌ في صَحْنِها يُهَيَّأُ لمجلس أهلها، قال أبو الدُّقَيْش: كأنْ يكون بفِناءِ كُلِّ حيٍّ دُكّانٌ
عليه المأْكَلُ والمَشْرَب، فذلك الطَّلَل، قال جميل:
رسمُ دارٍ وقفت في طَلَلِهْ *** كِدْتُ أَقْضي الغَداةَ من جلله
العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م