نتائج البحث عن (بِالْأَفْرَادِ)

1-العربية المعاصرة (قنن)

قَنَّنَ يُقَنِّن، تقْنِينًا، فهو مُقَنِّن، والمفعول مُقَنَّن (للمتعدِّي).

* قَنَّنَ المُشَرِّعُ: وضع القوانين ودوَّنها.

* قَنَّنَ العملَ: وضع قوانينَه ودوَّنها (قنَّن اللُّغَةَ).

* قَنَّنَ الطَّعامَ: أعطاه بتقتير.

قانون [مفرد]: جمعه قوانينُ:

1 - مقياس كلِّ شيء وطريقه (قانون جماليّ/أدبيّ).

2 - نظام (القانون الأساسيّ للشركة- قانون الموظَّفين/السير/السجون) (*) قوانين الطبيعة: ظواهرُها.

3 - قواعد وأحكام تتّبعها النّاسُ في علاقاتهم المختلفة وتنفِّذها الدّولةُ أو الدول بواسطة المحاكم (خالف القانون- يخاطب القانون الجميع بفمٍ واحد- وفقًا لقوانين الحرب وعرفها- إلحاح الحاجة لا يعترف بالقانون [مثل أجنبيّ]: يماثله في المعنى المثل العربيّ: الضرورات تبيح المحظورات- من خرق القانون لمنفعتك خرقه غدًا لخراب بيتك [مثل]) (*) أهل القانون: القضاة والمحامون- خارج على القانون: متمرِّد عاصٍ على نهج القانون- رَجُل قانون: مُشَرِّع- سُلْطَة القانون: قدرته على فرض احترامه- قانونًا: بموجب القانون- قانون الغاب: تحكُّم القويّ في الضعيف، استخدام القوّة دون الرجوع إلى القانون- كلمته قانون: لا يرجع فيها- مِن الوجهة القانونيّة: قرار معلَّل قانونًا- وُضِعَ تحت طائلة القانون: تحت حكمه وعقوبته.

4 - [في الموسيقى] آلة موسيقيّة وتريَّة مكونة من 30 إلى 40 وترًا مشدودة إلى طرفي صندوق خشبيّ مسطح.

* القانون التِّجاريّ: [في القانون] فرع من القانون الخاصّ يتمّ بموجبه تنظيم المعاملات التِّجاريّة وأعمال التّجار والمؤسّسات والشّركات التّجاريّة والمصارف.

* قانون إداريّ: [في القانون] فرع من القانون العام يتناول سير الإدارة العامة وعلاقاتها بالأفراد.

* قانون العقوبات: [في القانون] مجموع التشريعات التي تحدِّد نظامَ العقوبات المفروضة على مرتكبي المخالفات والجنح.

* قانونٌ دستورِيٌّ: [في القانون] فرع من القانون العام يحدِّد ترتيب السلطات العامّة وعلاقات بعضها ببعض وصلات المواطنين بها.

* قانون دوليّ عامّ: [في القانون] مجموع القواعد التي تلتزمها الدول في علاقاتها بعضها ببعض.

* قانون ضريبيّ: [في القانون] فرع من القانون العام خاصّ بالضرائب وبتنظيم جبايتها.

* قانون عُرْفيّ: [في القانون] القواعد القانونيّة التي أقرّتها العادات وتعارف عليها الناسُ.

* قانون عمل: [في القانون] مجموع القواعد التي تنظِّم علاقات أرباب العمل بالعمَّال.

* قانون مدنيّ: [في القانون] فرع من القانون الخاصّ يتناول حالة الأفراد وأهليّتهم والميراث ونقل الممتلكات والعقود والموجبات.

* قانون الأحوال الشَّخصيَّة: [في القانون] قانون ينظم علاقة الفرد بالأسرة من نكاح وطلاق وميراث ونحوها.

* قانون المرافعات المدنيّة: [في القانون] أصول المحاكمات المدنيّة.

* مشروع قانون: نصٌّ يقترحه وزير ويقدّمه إلى الهيئة التشريعيّة للموافقة عليه وإقراره.

* قانون جنائيّ: ما يخصّ الجنايات من أحكام وقواعد.

قانونِيّ [مفرد]:

1 - اسم منسوب إلى قانون: (سلطة/يمين/لائحة قانونيّة- يشعر بعدم صحّة المعاهدة من الوجهة القانونيّة- دورة قانونيّة للبرلمان) (*) المحاسب القانونيّ: محاسب عام مُعْتَرَف بشهادته.

2 - مطابق للقانون معترفٌ به (حُكم/صيدليّ قانونيّ- تعديل نص قانونيّ).

* النِّصاب القانونيّ: أقلّ عدد مطلوب من الأعضاء للحضور في الاجتماع لكي يكون قانونيًّا.

قِنّ [مفرد]: عبد ابن عبد.

قِنِّينة [مفرد]: جمعه قنِّينات وقنانٍ وقَنانِيُّ: [في الكيمياء والصيدلة] إناء زجاجيّ ذو رقبة يُستعان بها لملئه وسدِّه، يُستخدم لحفظ الموادّ الكيميائيّة السَّائلة في المختبرات (وقعت قنِّينة الدَّواء، وانكسرت).

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


2-معجم ما استعجم (الجنابذ)

الجنابذ: بفتح أوّله وبالباء المعجمة بواحدة، وبالذال المعجمة: موضع قد ذكرته وحليته فى رسم العقيق.

والجنبذ بالإفراد: فى رسم القنفذ.

معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع-أبو عبيد عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد البكري الأندلسي-توفي 487هـ/1094م


3-معجم ما استعجم (عانات)

عانات: بالنون على لفظ جمع عانة. وكانت عانة وهيت مضافتين إلى طساسيج الأنبار، وكانت الخمر الطيّبة تنسب إليها، فلمّا حفر أنو شروان الخندق من هيت حتى يأتى كاظمة ممّا بلى البصرة، وينفذ إلى البحر، وجعل المناظر لعيث العرب فى أطراف السّواد وما يليه، خربت عانات وهيت بذلك السّبب.

عانات: موضع من أرياف العراق؛ قال الخليل: مما يلى ناحية الجزيرة تنسب إليه الخمر الجيدة، قال الأعشى:

«تخيّرها أخو عانات دهرا *** ورجّى برّها عاما فعاما»

ويروى أخو عانات دهرا. وقال الأصمعىّ. عانات: لحن، لا يكون إلّا منونا: عانات، أو بنصب التاء لشبهه بالهاء. ويقال عانة بالإفراد: قال الأعشى:

«ما مزبد جادت له *** من خلفه ريح الشّمائل»

«أضحى بعانة زاخرا *** فيه الغثاء من المسائل»

معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع-أبو عبيد عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد البكري الأندلسي-توفي 487هـ/1094م


4-التوقيف على مهمات التعاريف (التكرار)

التكرار: الإتيان بالشيء مرة بعد أخرى، ذكره ابن الكمال. وفي المصباح: تكرير الشيء إعادته مرارا، والاسم التكرار وهو ما يشبه العموم من حيث التعدد ويفارقه بأن العموم يتعدد فيه الحكم بتعدد أفراد الشرط فقط، والتكرار يتعدد فيه الحكم بتعدد الصفة المتعلقة بالأفراد.

التوقيف على مهمات التعاريف-زين الدين محمد المدعو بعبدالرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري-توفي: 1031هـ/1622م


5-معجم النحو (الفاعل)

الفاعل:

1 ـ تعريفه:

هو اسم، أو ما في تأويله، أسند إليه فعل تام أو ما في تأويله، مقدم عليه، أصليّ المحل والصيغة.

فالاسم نحو {تَبارَكَ اللهُ) *} و «تباركت يا الله» ومثله «أقوم» و «قم» إلّا أن الاسم ضمير مستتر، والمؤوّل به نحو {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا} {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} والفعل كما مثل، ولا فرق بين المتصرّف ك «أتى» والجامد ك «نعم»، والمؤوّل به ما يعمل عمله ويشمل الصفة والمصدر واسم الفعل والظرف وشبهه نحو {مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) *} و «أحمد مستنير قلبه» و «هيهات العقيق».

2 ـ أحكامه:

للفاعل سبعة أحكام:

(1) الرفع.

(2) وقوعه بعد فعله أو ما في تأويله.

(3) أنّه عمدة لا بدّ منه.

(4) حذف فعله.

(5) توحيد فعله مع تثنية الفاعل أو جمعه.

(6) تأنيث فعله وجوبا، وجوازا، وامتناع تأنيثه.

(7) اتصاله بفعله وانفصاله.

وهاك فيما يلي تفصيلها:

(1) رفع الفاعل:

الأصل في الفاعل الرفع، وقد يجر لفظا بإضافة المصدر نحو {وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ} أو بإضافة اسم المصدر نحو قول عائشة (رض): «من قبلة الرّجل ـ امرأته الوضوء» أو يجر ب «من» أو «الباء» أو «اللام» الزوائد، نحو {أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ} أي ما جاءنا بشير {وَكَفى بِاللهِ شَهِيدًا} أي كفى الله {هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ} أي هيهات ما توعدون.

(2) وقوعه بعد فعله أو ما في تأويله: يجب أن يقع الفاعل بعد فعله، أو ما في تأويل فعله، فإن وجد ما ظاهره أنه فاعل تقدّم على المسند، وجب تقدير الفاعل ضميرا مستترا، والمقدّم إمّا مبتدأ في نحو «الثّمر نضج»، وإمّا فاعل لفعل محذوف في نحو {وَإِنْ أَحَدٌ} مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) لأنّ أداة الشّرط مختصّة بالجمل الفعليّة، وجاز الابتداء والفاعليّة في {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا} وفي {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} والأرجح الفاعليّة لفعل محذوف.

وعند الكوفيين يجوز تقديم الفاعل تمسكا بنحو قول الزّباء:

«ما للجمال مشيها وئيدا***أجندلا يحملن أم حديدا»

برفع «مشيها» على أنه فاعل ل «وئيدا» وهو ـ عند البصريين ـ ضرورة، أو «مشيها» مبتدأ حذف خبره، لسد الحال مسدّه، أي: يظهر وئيدا.

(3) الفاعل عمدة:

لا يستغني فعل عن فاعل، فإن ظهر في اللفظ نحو «دخل المعلم» وإلّا فهو ضمير مستتر راجع إمّا إلى مذكور نحو «ابراهيم نجح» أو راجع لما دلّ عليه الفعل كالحديث «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» ففي «يشرب» ضمير مستتر مرفوع على الفاعليّة راجع إلى الشّارب الدّالّ عليه يشرب.

أو راجع لما دلّ عليه الكلام نحو {كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ} ففاعل «بلغت» ضمير راجع إلى الروح الدّال عليها سياق الكلام.

(4) حذف فعله:

يجوز حذف فعل الفاعل، إن أجيب به نفي كقولك «بلى عليّ» جوابا لمن قال «ما نجح أحد» ومنه قوله:

«تجلّدت حتى قيل لم يعر قلبه ***من الوجد شيء قلت بل أعظم الوجد »

أو أجيب به استفهام محقّق. نحو «نعم خالد» جوابا لمن قال هل جاءك أحد؟» ومنه {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ} أو مقدّر كقول ضرار بن نهشل يرثي أخاه يزيد:

«ليبك يزيد ضارع لخصومة***ومختبط مما تطيح الطّوائح »

ويجب حذف فعله إذا فسّر بعد الحروف المختصة بالفعل نحو {إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ}.

(5) توحيد فعله مع تثنية الفاعل وجمعه: يوحّد الفعل مع تثنية الفاعل وجمعه كما يوحّد مع إفراده نحو «زحف الجيش» و «تصالح الأخوان» و «فاز السّابقون» و «تعلّم بناتك» ومثله «أزاحف الجيش» «أفائز السّابقون»، «أمتعلّم بناتك»، ولغة توحيد الفعل هي الفصحى وبها جاء التنزيل، قال تعالى {قالَ رَجُلانِ} {وَقالَ الظَّالِمُونَ} {وَقالَ نِسْوَةٌ}.

ولغة طيّئ وأزدشنوءة: موافقة الفعل لمرفوعه بالإفراد والتّثنية والجمع نحو «ضربوني قومك» و «ضربنني نسوتك» و «ضرباني أخواك» وقال أميّة:

«يلومونني في اشتراء النّخي***ل أهلي فكلّهم ألوم »

وقال أبو فراس الحمداني:

«نتج الرّبيع محاسنا***ألقحنها غرّ السّحائب »

والصحيح أنّ الألف والواو والنون في ذلك أحرف دلّوا بها على التّثنية والجمع تذكيرا وتأنيثا، لا أنها ضمائر الفاعلين، وما بعدها مبتدأ على التقديم والتأخير أو ما بعدها تابع على الإبدال من الضمير، بدل كل من كلّ.

والصحيح أن هذه اللغة لا تمنع مع المفردين، أو المفردات المتعاطفة بغير «أو».

(6) تأنيث فعله وجوبا، وجوازا، وامتناع تأنيثه:

إن كان الفاعل مؤنّثا أنّث فعله بتاء ساكنة في آخر الماضي، وبتاء المضارعة في أول المضارع.

ويجب هذا التّأنيث في ثلاث مسائل:

(إحداها) أن يكون الفاعل ضميرا متصلا لغائبة، حقيقيّة التّأنيث أو مجازيّته، فالحقيقية ك «فاطمة تعلّمت أو تتعلّم»، والمجازيّة نحو «الشّجرة أثمرت أو تثمر».

ويجوز ترك تاء التّأنيث في الشّعر مع اتصال الضّمير إن كان التّأنيث مجازيّا كقول عامر الطائي:

«فلا مزنة ودقت ودقها***ولا أرض أبقل إبقالها »

ومثله قول الأعشى:

«فإمّا تريني ولي لمّة***فإنّ الحوادث أودى بها »

(الثانية) أن يكون الفاعل ظاهرا متّصلا، حقيقيّ التّأنيث نحو {إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ}، وإنما جاز في فصيح الكلام نحو نعم المرأة» و «بئس المرأة» لأنّ المراد بالمرأة فيهما الجنس، وسيأتي أن الجنس يجوز فيه الوجهان.

(الثّالثة) أن يكون ضمير جميع تكسير لمذكّر غير عاقل؟؟؟

بك ابتهجت، أو ابتهجن أو ضمير جمع؟؟؟

لمؤنّث نحو؟؟؟

فرحت أو فرحن.

ويجوز التّأنيث في أربعة مواضع:

(أحدها) أن يكون الفاعل اسما ظاهرا مجازيّ التأنيث نحوا والشجرة أو أثمرت الشّجرة» ومثل (وجمع الشّمس والقمر). أو حقيقي التأنيث. وفصل من عدمية بعير إلّا نحو «سافر أو سافرت اليوم فاطمة ومنه قول الشّاعر:

«إنّ امرءا غرّه منكنّ واحدة***بعدي وبعدك في الدنيا المغرور»

ومنه قول العرب «حضر القاضي اليوم امرأة» والتّأنيث أكثر.

(الثاني) أن يكون جمع تكسير لمؤنّث أو لمذكّر نحو «جاءت أو جاء الغلمان أو الجواري».

(الثالث) أن يكون ضمير جمع مكسّر عاقل نحو «الكتيبة حضرت أو حضروا».

(الرّابع) أن يكون الفعل من باب «نعم» نحو «نعم أو نعمت الفتاة هند» والتّأنيث أجود ـ هذا فيما علم مذكّره من مؤنّثه، أما في غيره فيراعى اللفظ لعدم معرفة حال المعنى ك «برغوث ونملة» وكل ذلك في المؤنث الحقيقي.

أما المجازيّ فذو التاء مؤنّث جوازا، والمجرّد مذكّر وجوبا إلّا إن سمع تأنيثه «كشمس وأرض وسماء».

ويمتنع التّأنيث في ثلاث صور:

(إحداها) أن يكون الفاعل مفصولا ب «إلّا» نحو «ما أقبل إلّا فاطمة» والتّأنيث خاصّ بالشعر كقوله:

«ما برئت من ريبة وذمّ ***في حربنا إلّا بنات العمّ »

(ثانيها) أن يكون مذكّرا معنى فقط، أو معنى ولفظا، ظاهرا أو ضميرا، نحو «اجتهد طلحة وعليّ ساعده».

(ثالثها) أن يكون جمع سلامة لمذكّر نحو {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}.

(7) اتصاله بفعله وانفصاله:

الأصل في الفاعل أن يتصل بفعله، لأنّه كالجزء منه، ثم يجيء المفعول، وقد يعكس فيتقدّم المفعول، وكلّ من ذلك جائز وواجب.

فأمّا جواز الأصل فنحو {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ}.

وأمّا وجوب تقديم الفاعل ففي ثلاث مسائل:

«أ» أن يخشى اللّبس بأن يكون إعرابهما تقديريّا، ولا قرينة، نحو «أكرم موسى عيسى» و «كلّم هذا ذاك» فإن وجدت قرينة جاز نحو «أكل الكمّثرى موسى».

«ب» أن يكون الفاعل ضميرا غير محصور، والمفعول ظاهرا أو ضميرا نحو «كلّمت عليّا» و «فهمته المسألة».

«ج» أن يحصر المفعول ب «إنما» نحو «إنما زرع زيد قمحا» أو ب «إلّا» نحو «ما علّم عليّ إلّا أخاه»، وأجاز الأكثرون تقديمه على الفاعل عند الحصر ب «إلّا» مستندين في ذلك إلى قول دعبل الخزاعي:

«ولمّا أبى إلّا جماحا فؤاده ***ولم يسل عن ليلى بمال ولا أهل »

وإلى قول مجنون بني عامر:

«تزوّدت من ليلى بتكليم ساعة***فما زاد إلّا ضعف ما بي كلامها »

وأمّا جواز توسّط المفعول بين الفعل والفاعل فنحو {وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ}.

وأمّا وجوب التّوسط ففي ثلاث مسائل:

(إحداها) أن يتصل بالفاعل ضمير المفعول نحو {وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ} {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} ويجوز في الشّعر فقط تأخير المفعول نحو قول حسّان بن ثابت يمدح مطعم بن عدي:

«ولو أنّ مجدا أخلد الدهر واحدا***من الناس أبقى مجده الدهر مطعما »

(الثانية) أن يكون المفعول ضميرا، والفاعل اسما ظاهرا، نحو «أنقذني صديقي».

(الثّالثة) أن يكون الفاعل محصورا فيه ب «إنما» نحو {إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ} أو ب «إلّا» نحو «لا يزيد المحبّة إلّا المعروف».

أمّا تقديم المفعول على الفعل جوازا فنحو {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}.

وأمّا تقديم المفعول وجوبا ففي مسألتين:

(إحداهما) أن يكون له الصّدارة كأن يكون اسم استفهام نحو {فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ}.

(الثانية) أن يقع عامله بعد الفاء.

وليس له منصوب غيره مقدّم نحو {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ}.

معجم النحو-عبدالغني الدقر-صدر: 1395هـ/1975م


6-معجم القواعد العربية (العلم)

العلم:

1 ـ العلم نوعان: علم جنسي ـ وسيأتي ـ وعلم شخصيّ.

2 ـ العلم الشّخصي:

هو الاسم الخاصّ الذي لا أخصّ منه، ويركّب على المسمّى لتخليصه من الجنس بالاسمية، فيفرّق بينه وبين مسمّيات كثيرة.

3 ـ العلم الشّخصي، نوعان:

أحدهما: أولو العلم من المذكّرين ك «جعفر» والمؤنثات ك «زينب»، الثاني: ما يؤلّف كالقبائل ك «قريش» والبلاد ك «دمشق»، والخيل: ك «لاحق» والإبل ك «شدقم» والبقر ك «عرار» والغنم ك «هيلة»، والكلاب ك «واشق».

4 ـ العلم الشّخصي أربعة أقسام:

مفرد، ومركّب، ومنقول، ومرتجل.

«أ» العلم المفرد هو الأصل:

لأنّ التّركيب بعد الإفراد، وذلك نحو «خالد وعمرو» والمراد بالإفراد أنّه يدل على حقيقة واحدة قبل النّقل وبعده.

«ب» العلم المركّب: وهو الذي يدل على حقيقة واحدة بعد النقل، وهو على ثلاثة أنواع:

(1) جملة، وهو كلّ كلام عمل بعضه في بعض نحو «تأبط شرّا» و «ذرّى حبّا» ومثلها «شاب قرناها» و «برق نحره» و «جاد المولى» ومثل ذلك «يزيد».

يقول الشّاعر:

كأنّه جبهة ذرّى حبّا

ويقول:

«كذبتم وبيت الله لا تنكحونها *** بني شاب قرناها تصرّ وتحلب »

(2) من المركّبات اسمان ركّب أحدهما مع الآخر، حتى صارا كالاسم الواحد نحو «حضرموت» و «بعلبك» و «معد يكرب» ومثل هذا يمنع من الصّرف. ومن هذا «سيبويه» و «نفطويه» و «عمرويه»، إلا أنّ هذا مركّب من اسم وصوت أعجميّ، وهو «ويه» ويبنى مثل هذا على الكسر.

(3) من المركّبات المضاف وهو نوعان:

(الأول): اسم غير كنية نحو «ذي النّون» و «عبد الله» و «امرىء القيس».

(الثاني): الكنية نحو «أبي زيد» و «أمّ عمرو».

«ج» العلم على ضربين: منقول ومرتجل، والغالب النّقل، ومعنى النّقل: أن يكون الاسم بإزاء حقيقة شاملة فتنقله إلى حقيقة أخرى خاصّة، والعلم المنقول على ثلاثة أضرب:

منقول عن اسم، ومنقول عن فعل، ومنقول عن صوت.

فأمّا الأوّل وهو المنقول عن الاسم فنوعان:

منقول عن عين، أو معنى، أمّا العين فيكون اسما وصفة، فالمنقول عن الاسم غير الصّفة كتسمية رجل «بأسد» أو «ثور» أو «حجر». وهي في الأصل أسماء أجناس، لأنّها بإزاء حقيقة شاملة.

والمنقول عن الصّفة نحو «خالد» و «مالك» وفاطمة» فهذه الأسماء أوصاف في الأصل، لأنّها أسماء فاعلين، تقول في الأصل: هذا رجل خالد بذكره، من الخلود، وتقول: مالك، من الملك، وفاطمة من الفطام، ومثله حاتم، وعابد وناصر، ونائلة.

وما نقل عن الصّفة وفيها «أل» المعرّفة فإنها تبقى بعد النقل للاسم نحو «الحارث» و «العبّاس».

وما نقل مجرّدا من «أل» لم يجز دخولهما عليه بعد النّقل نحو «سعيد» و «مكرم».

وقد تدخل «أل» بعد النقل للمح الأصل، كأنّهم لمحوا اتّصافه بمعنى الاسم، ومثله قول الأعشى:

«أتاني وعيد الحوص من آل جعفر *** فيا عبد عمرو لو نهيت الأحاوصا»

فجمع اسم «أحوص» جمع الصّفة كما يجمع قبل النّقل فقال «الحوص» كأحمر وحمر.

أمّا ما نقل من المعنى فنحو «فضل» و «إياس» و «زيد» و «عمرو» فهذه الأسماء نقلت من المصدر، والمصدر معنى، ففضل: مصدر يفضل فضلا، وإياس: مصدر آسه يؤوسه إياسا وأوسا إذا أعطاه، وزيد مصدر زاد زيدا وزيادة، يقول الشاعر:

«وأنتم معشر زيد على مائة *** فأجمعوا أمركم طرّا فكيدوني »

ف «زيد» مصدر موصوف به كما تقول: «رجل عدل» و «ماء غور».

وأمّا الثاني وهو المنقول عن الفعل فقد نقل من ثلاثة أفعال:

الماضي، والمضارع، والأمر أمّا الماضي فنحو «شمّر» اسم رجل، من شمّر عن ساقيه، وشمّر في الأمر: إذا خفّ، وأمّا المضارع فنحو «يشكر ويزيد، وتغلب»، وأمّا الأمر فنحو «اصمت» سميت به فلاة بعينها قال الراعي:

«أشلى سلوقيّة بانت وبان بها *** بوحش اصمت في إصلابها أود »

ومثله لأبي ذؤيب الهذلي:

«على أطرقا باليات الخيا *** م إلا الثمام وإلا العصي »

وأصل الفعل «اصمت» بضم الميم، ولعلّه كسره حين نقله. وإذا نقل الفعل إلى الاسم لزمته أحكام الأسماء، فقطعت الألف لذلك، وربّما أنّثوا فقالوا «إصمتة» إيذانا بغلبة الاسمية بعد التّسمية.

وأمّا الثّالث وهو المنقول عن الصّوت فنحو تسمية عبد الله بن الحارث «ببّة» وهو صوت كانت ترقّصه به أمّه وهو صبي وذلك قولها:

«لأنكحنّ ببّة *** جارية خدبة»

«مكرمة محبّة *** تحبّ أهل الكعبة»

فغلب عليه فسمي به. الخدبّة: الضخمة.

«د» العلم المرتجل على ضربين:

قياسيّ، وشاذّ. والمراد بالمرتجل ما ارتجل للتّسمية به أي اخترع، ولم ينقل إليه من غيره من قولهم: ارتجل الخطبة: إذا أتى بها عن غير فكرة، وسابقة رويّة.

أما القياسيّ فالمراد به أن يكون القياس قابلا له غير دافعه، وذلك نحو «حمدان» و «عمران» و «غطفان» و «فقعس» فهذه الأسماء مرتجلة للعلميّة، لأنّها بنيت صيغها من أوّل مرّة للعلمية، والقياس قابل لها لأنّ لها نظيرا في كلامهم، فـ «حمدان» كسعدان اسم نبت كثير الشّوك، وصفوان: للحجر الأملس، و «فقعس» مثل سلهب وهو الطويل.

وأمّا الشّاذ فالذي يدفعه القياس فمن ذلك «محبّب» الأصل فيه «محبّ» ومثله «حيوه» اسم رجل وليس في الكلام حيوه، وإنما هي حيّة، ومن ذلك: «موهب» اسم رجل و «موظب» في اسم مكان، وكلاهما شاذّ لأنّ الذي فاؤه واو لا يأتي منه مفعل بفتح العين إنما هو مفعل بكسرها نحو موضع وموقع ومورد.

5 ـ المركب الإضافي:

والمركّب الإضافي: هو كلّ اسمين نزّل ثانيهما منزلة التّنوين ممّا قبله ك «عبد الله» و «أبي بكر» وهذا هو الغالب في الأعلام المركّبة.

وحكمه أن يعرب الجزء الأوّل بحسب العوامل رفعا ونصبا وجرّا، ويجرّ الثّاني بالإضافة دائما.

6 ـ العلم اسم وكنية ولقب ـ وترتيبها:

ينقسم العلم أيضا إلى اسم وكنية ولقب، فالكنية: كلّ مركّب إضافيّ صدّر ب «أب» أو «أمّ» ك «أبي بكر» و «أمّ كلثوم».

واللّقب:

كلّ ما أشعر برفعة المسمّى أو ضعته ك «الرّشيد» و «الجاحظ» والاسم: ما عداهما وهو الغالب ك «هشام» و «شام» وإذا اجتمع الاسم واللّقب، يؤخّر اللّقب عن الاسم ك «عليّ زين العابدين».

ولا ترتيب بين الكنية وغيرها، فيجوز تقديم الكنية على الاسم واللّقب وتأخيرهما عنها، قال أعرابي: «أقسم بالله أبو حفص عمر» فهنا قدّم الكنية، وقال حسّان بن ثابت:

«وما اهتزّ عرش الله من أجل هالك *** سمعنا به إلّا لسعد أبي عمرو»

وهنا قدّم الاسم على الكنية.

7 ـ إعراب اللّقب والكنية:

اللّقب إمّا أن يكون هو والاسم قبله مضافين ك «عبد الله زين العابدين» أو يكون الاسم مفردا واللّقب بعده مضافا ك «عليّ زين العابدين». أو يكونا بالعكس ك «عبد العزيز المهدي»، في هذه الأحوال الثلاثة أتبعت الثاني الأوّل في إعرابه بدلا أو عطف بيان، وإن شئت قطعته عن التّبعيّة إمّا برفعه خبرا لمبتدأ محذوف أو بنصبه مفعولا به لفعل محذوف وإن كان اللّقب والاسم الذي قبله مفردين ك: «عمرو الجاحظ» و «سعيد كرز».

فجمهور البصريين يوجبون إضافة الأوّل إلى الثاني، وبعضهم أجاز فيه البدليّة أو عطف البيان. وحكم الكنية وما قبلها من الاسم واللّقب إتباعا وقطعا، إلّا أنّ الكنية لا تكون إلّا مضافة.

8 ـ حذف التنوين من العلم:

وكلّ اسم غالب وصف بابن ثم أضيف إلى اسم غالب أو كنية حذف منه التّنوين، وذلك قولك: هذا زيد بن عمرو، وإنما حذفوا التّنوين من نحو هذا حيث كثر في كلامهم لأنّ التّنوين حرف ساكن وقع بعده حرف ساكن ـ وهو الباء من ابن ـ ومن كلامهم أن يحذفوا الأوّل ـ وهو التنوين ـ.

وتقول: هذا أبو عمرو بن العلاء من غير تنوين عمرو، لأنّ الكنية كالاسم الغالب، وتقول: هذا زيد بن أبي عمرو، وقال الفرزدق في أبي عمرو بن العلاء:

«ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها *** حتّى أتيت أبا عمرو بن عمّار»

وإذا لم يكن كما قدّمناه من شروط حذف التّنوين، فإنّ التّنوين باق لا يحذف، مثل قولك: هذا زيد ابن أخيك، وهذا زيد ابن أخي عمرو، وهذا زيد الطّويل ففي مثل هذه الأمثلة لا يحذف التّنوين بل يحرّك بالكسر للتّخلّص من التقاء الساكنين.

9 ـ العلم الجنسي:

هو اسم يعيّن مسمّاه، بغير قيد، تعيين ذي الأداة الجنسيّة أو الحضوريّة، فإذا قلت «أسامة أجرأ من ثعالة» فهو بمنزلة قولك: «الأسد أجرأ من الثّعلب» وأل في الأسد والثعلب للجنس، وإذا قلت: «هذا أسامة مقبلا» فهو بمنزلة قولك «هذا الأسد مقبلا» وأل في «الأسد» لتعريف الحضور. (الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس (انظر اسم الجنس)).

10 ـ أحكامه:

هذا العلم يشبه علم الشّخص من جهة الأحكام اللّفظيّة، فإنه يمتنع من «أل» فلا يقال: «الأسامة» كما لا يقال «العمر» ويمتنع من «الإضافة» فلا يقال «أسامتكم»، ويمتنع من الصّرف، إن كان ذا سبب آخر، كالتأنيث في «أسامة وثعالة»، وكوزن الفعل في «بنات أوبر» و «ابن آوى». ويبتدأ به، ويأتي الحال منه بلا مسوّغ فيهما، ويمتنع وصفه بالنكرة، فلا يقال: أسامة مفترس، بل المفترس.

أمّا من جهة المعنى فإنه يشبه النكرة، لأنّه شائع في أمّته، لا يختصّ به واحد دون آخر.

11 ـ مسمّى علم الجنس:

مسمّى علم الجنس ثلاثة أنواع:

«أ» أعيان لا تؤلّف، أي سماعية، وهو الغالب ك «أسامة» للأسد، و «أمّ عريط» للعقرب و «أبي جعدة» للذّئب.

«ب» أعيان تؤلف ك «هيّان بن بيّان» للمجهول العين والنّسب ومثله «طامر بن طامر» وك «أبي المضاء» للفرس، و «أبي الدّغفاء» للأحمق.

«ج» أمور معنوية ك «سبحان» علما للتّسبيح و «كيسان» للغدر و «يسار» للميسرة، و «فجار» للفجرة، و «برّة» للمبرّة.

معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذُيّل بالإملاء-عبدالغني الدقر-صدر: 1404ه‍/1984م


7-معجم القواعد العربية (الفاء الفصيحة)

الفاء الفصيحة:

هي التي يحذف فيها المعطوف عليه مع كونه سببا للمعطوف من غير تقدير حرف الشّرط.

وقيل: سمّيت فصيحة لأنّها تفصح عن المحذوف، وتفيد بيان سببيّته، وقال بعضهم: هي داخلة على جملة مسبّبة عن جملة غير مذكورة نحو قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} أي: ضرب فانفجرت، ونحو قوله تعالى: {لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ فَكَفَرُوا بِهِ} التقدير: فجاءهم محمد صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم بالذكر فكفروا به، ومثله قول الشاعر وهو أبو تمام:

«قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا *** ثمّ القفول فقد جئنا خراسانا»

الفاعل:

1 ـ تعريفه:

هو اسم، أو ما في تأويله، أسند إليه فعل تام، أو ما في تأويله، مقدّم عليه، أصليّ المحلّ، والصيغة.

فالاسم نحو {تَبارَكَ اللهُ} و «تباركت يا الله» ومثله «أقوم» و «قم» إلّا أن الاسم ضمير مستتر، والمؤوّل به نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا}. أي أو لم يكفهم إنزالنا، {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} أي ألم يأن خشوع قلوبهم، والفعل كما مثّل، ولا فرق بين المتصرّف والجامد ك «أتى» زيد ونعم الفتى، والمؤوّل بالفعل، وهو ما يعمل عمله ويشمل اسم الفاعل، نحو «مختلف ألوانه»، والصّفة المشبهة نحو «زيد حسن وجهه» وهكذا المصدر واسم الفعل والظرف وشبهه واسم التّفضيل، وأمثلة المبالغة، واسم المصدر كلّ هؤلاء، محتاج إلى فاعل (انظر في أبوابها).

ويقول المبرّد في باب الفاعل: وهو رفع، وإنّما كان الفاعل رفعا، لأنّه هو والفعل بمنزلة الابتداء والخبر، إذ قلت: «قام زيد» فهو بمنزلة قولك «القائم زيد».

2 ـ أحكامه:

للفاعل سبعة أحكام:

(1) الرفع.

(2) وقوعه بعد فعله أو ما في تأويله.

(3) أنّه عمدة لا بدّ منه.

(4) حذف فعله.

(5) توحيد فعله مع تثنية الفاعل أو جمعه.

(6) تأنيث فعله وجوبا، وجوازا، وامتناع تأنيثه.

(7) اتّصاله بفعله وانفصاله.

وهاك فيما يلي تفصيلها:

(1) رفع الفاعل:

الأصل في الفاعل الرفع، وقد يجرّ لفظا بإضافة المصدر نحو: {وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ} أو بإضافة اسم المصدر نحو قول عائشة (رض) «من قبلة الرّجل ـ امرأته الوضوء»، أو يجر ب «من» أو «الباء أو «اللام» الزوائد، نحو: {أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ} أي ما جاءنا بشير، و {كَفى بِاللهِ شَهِيدًا} أي كفى الله، {هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ}. أي هيهات ما توعدون.

(2) وقوعه بعد فعله أو ما في تأويله:

يجب أن يقع الفاعل بعد فعله، أو ما في تأويل فعله، فإن وجد ما ظاهره أنّه فاعل تقدّم على المسند، وجب تقدير الفاعل ضميرا مستترا، والمقدّم إمّا مبتدأ في نحو «الثّمر نضج»، وإمّا فاعل لفعل محذوف في نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ} مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ لأنّ أداة الشّرط مختصّة بالجمل الفعليّة، وجاز الابتداء والفاعليّة في نحو قوله تعالى: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا} وفي: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} والأرجح الفاعليّة لفعل محذوف.

وعند الكوفيين يجوز تقديم الفاعل تمسّكا بنحو قول الزّباء:

«ما للجمال مشيها وئيدا *** أجندلا يحملن أم حديدا»

برفع «مشيها» على أنّه فاعل ل: «وئيدا» وهو ـ عند البصريين ـ ضرورة، أو «مشيها» مبتدأ حذف خبره، لسد الحال مسدّه، أي: يظهر وئيدا.

(3) الفاعل عمدة:

لا يستغني فعل عن فاعل، فإن ظهر في اللفظ نحو «دخل المعلم» وإلّا فهو ضمير مستتر راجع إمّا إلى مذكور نحو «إبراهيم نجح» أو راجع لما دلّ عليه الفعل كالحديث: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» ففي «يشرب ضمير مستتر مرفوع على الفاعليّة راجع إلى الشّارب الدّالّ عليه يشرب.

أو راجع لما دلّ عليه الكلام نحو: {كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ} ففاعل «بلغت» ضمير راجع إلى الروح الدّال عليها سياق الكلام.

(4) حذف فعله:

يجوز حذف فعل الفاعل، إن أجيب به نفي كقولك «بلى عليّ» جوابا لمن قال «ما نجح أحد» ومنه قوله:

«تجلّدت حتّى قيل لم يعر قلبه *** من الوجد شيء قلت بل أعظم الوجد »

أو أجيب به استفهام محقّق، نحو «نعم خالد» جوابا لمن قال: «هل جاءك أحد؟» ومنه {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ}، أو مقدّر كقول ضرار بن نهشل يرثي أخاه يزيد:

«ليبك يزيد ضارع لخصومة *** ومختبط مما تطيح الطّوائح »

ويجب حذف فعله إذا فسّر بعد الحروف المختصّة بالفعل نحو {إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ}.

(5) توحيد فعله مع تثنية الفاعل وجمعه:

يوحّد الفعل مع تثنية الفاعل وجمعه كما يوحّد مع إفراده نحو «زحف الجيش» و «تصالح الأخوان» و «فاز السّابقون» و «تعلّم بناتك» ومثله «أزاحف الجيش» و «أفائز السّابقون» و «أمتعلّم بناتك». ولغة توحيد الفعل هي الفصحى وبها جاء التنزيل، قال تعالى: {قالَ رَجُلانِ} و {قالَ الظَّالِمُونَ} و {قالَ نِسْوَةٌ} ولغة طيىء وأزد شنوءة: موافقة الفعل لمرفوعه بالإفراد والتّثنية والجمع نحو «ضربوني قومك» و «ضربنني نسوتك» و «ضرباني أخواك» وقال أميّة:

«يلومونني في اشتراء النّخي *** ل أهلي فكلّهم ألوم »

وقال أبو فراس الحمداني:

«نتج الرّبيع محاسنا *** ألقحنها غرّ السّحائب »

والصّحيح أنّ الألف والواو والنون في ذلك أحرف دلّوا بها على التّثنية والجمع تذكيرا وتأنيثا، لا أنّها ضمائر الفاعلين، وما بعدها مبتدأ على التّقديم والتأخير أو ما بعدها تابع على الإبدال من الضّمير، بدل كل من كلّ.

والصحيح أنّ هذه اللغة لا تمنع مع المفردين، أو المفردات المتعاطفة بغير «أو» نحو «جاءاني زيد وخالد».

(6) تأنيث فعله وجوبا، وجوازا، وامتناع تأنيثه:

إن كان الفاعل مؤنّثا أنّث فعله بتاء ساكنة في آخر الماضي وبتاء المضارعة في أوّل المضارع. ويجب هذا التّأنيث في ثلاث مسائل:

(إحداها) أن يكون الفاعل ضميرا متّصلا لغائبة، حقيقيّة التّأنيث أو مجازيّته، فالحقيقية ك «فاطمة تعلّمت أو تتعلّم»، والمجازيّة نحو: «الشّجرة أثمرت أو تثمر».

ويجوز ترك تاء التّأنيث في الشّعر مع اتصال الضّمير إن كان التّأنيث مجازيّا كقول عامر الطائي:

«فلا مزنة ودقت ودقها *** ولا أرض أبقل إبقالها »

ومثله قول الأعشى:

«فإمّا تريني ولي لمّة *** فإنّ الحوادث أودى بها »

(الثانية) أن يكون الفاعل ظاهرا متّصلا، حقيقيّ التّأنيث نحو: {إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ}. وإنّما جاز في فصيح الكلام نحو: «نعم المرأة» و «بئس المرأة» لأنّ المراد بالمرأة فيها الجنس، وسيأتي أنّ الجنس يجوز فيه الوجهان.

(الثّالثة) أن يكون ضمير جمع تكسير لمذكّر غير عاقل نحو «الأيّام بك ابتهجت، أو ابتهجن». أو ضمير جمع سلامة أو تكسير لمؤنّث نحو «الهندات أو الهنود فرحت أو فرحن».

ويجوز التّأنيث في أربعة مواضع:

(أحدها) أن يكون الفاعل اسما ظاهرا مجازيّ التّأنيث نحو «أثمر الشّجرة أو أثمرت الشّجرة» أو حقيقيّ التأنيث، وفصل من عامله بغير «إلّا» نحو سافر أو سافرت اليوم فاطمة» ومنه قول الشاعر:

«إنّ امرءا غرّه منكنّ واحدة *** بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور»

ومنه قول العرب «حضر القاضي اليوم امرأة» والتّأنيث أكثر.

(الثاني) أن يكون جمع تكسير لمؤنّث أو لمذكّر نحو «جاءت أو جاء الغلمان أو الجواري».

(الثالث) أن يكون ضمير جمع مكسّر عاقل نحو «الكتائب حضرت أو حضروا».

(الرّابع) أن يكون الفعل من باب «نعم» نحو «نعم أو نعمت الفتاة هند» والتّأنيث أجود ـ هذا فيما علم مذكّره من مؤنّثه، أمّا في غيره فيراعى اللّفظ لعدم معرفة حال المعنى ك «برغوث ونملة» وكل ذلك في المؤنّث الحقيقي.

أما المجازيّ فذو التاء مؤنّث جوازا، والمجرّد مذكّر وجوبا إلّا إن سمع تأنيثه ك «شمس وأرض وسماء».

ويمتنع التّأنيث في ثلاث صور:

(إحداها) أن يكون الفاعل مفصولا ب «إلّا» نحو «ما أقبل إلّا فاطمة» والتّأنيث خاصّ بالشعر كقوله:

«ما برئت من ريبة وذمّ *** في حربنا إلّا بنات العمّ »

(ثانيها) أن يكون مذكّرا معنى فقط، أو معنى ولفظا، ظاهرا أو ضميرا، نحو «اجتهد طلحة وعليّ ساعده».

(ثالثها) أن يكون جمع سلامة لمذكّر نحو {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}.

(7) اتّصاله بفعله وانفصاله:

الأصل في الفاعل أن يتصل بفعله، لأنّه كالجزء منه، ثم يجيء المفعول، وقد يعكس فيتقدّم المفعول، وكلّ من ذلك جائز وواجب.

فأمّا جواز الأصل فنحو {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ}.

وأمّا وجوب تقديم الفاعل ففي ثلاث مسائل:

«أ» أن يخشى اللّبس بأن يكون إعرابهما تقديريّا، ولا قرينة، نحو «أكرم موسى عيسى» و «كلّم هذا ذاك» فإن وجدت قرينة جاز نحو «أكل الكمّثرى موسى».

«ب» أن يكون الفاعل ضميرا غير محصور، والمفعول ظاهرا أو ضميرا، نحو «كلّمت عليّا» و «فهّمته المسألة».

«ج» أن يحصر المفعول ب «إنما» نحو «إنما زرع زيد قمحا» أو ب «إلّا» نحو «ما علّم عليّ إلّا أخاه» وأجاز الأكثرون تقديمه على الفاعل عند الحصر ب «إلّا» مستندين في ذلك إلى قول دعبل الخزاعي:

«ولمّا أبى إلّا جماحا فؤاده *** ولم يسل عن ليلى بمال ولا أهل »

وإلى قول مجنون بني عامر:

«تزودت من ليلى بتكليم ساعة *** فما زاد إلّا ضعف ما بي كلامها »

وكذلك الحصر ب «إنما» يجوز تقديم المفعول على الفاعل نحو «إنما قلّم الشجر زيد».

وأمّا جواز توسّط المفعول بين الفعل والفاعل فنحو {وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ}.

وأمّا وجوب التّوسّط ففي ثلاث مسائل:

«إحداها) أن يتّصل بالفاعل ضمير المفعول نحو {وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ} و {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} ويجوز في الشّعر فقط تأخير المفعول نحو قول حسّان بن ثابت يمدح مطعم بن عدي:

«ولو أنّ مجدا أخلد الدهر واحدا *** من الناس أبقى مجده الدّهر مطعما »

(الثانية: أن يكون المفعول ضميرا، والفاعل اسما ظاهرا نحو: «أنقذني صديقي».

(الثّالثة) أن يكون الفاعل محصورا فيه ب «إنّما» نحو {إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ»}، أو ب «إلّا» نحو: «لا يزيد المحبّة إلّا المعروف».

أمّا تقديم المفعول على الفعل جوازا فنحو {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}.

وأمّا تقديم المفعول وجوبا ففي مسألتين:

(إحداهما) أن يكون له الصّدارة كأن يكون اسم استفهام نحو: {فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ}.

(الثانية) أن يقع عامله بعد الفاء، وليس له منصوب غيره مقدّم نحو: و {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} و {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ}.

معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذُيّل بالإملاء-عبدالغني الدقر-صدر: 1404ه‍/1984م


8-موسوعة الفقه الكويتية (إفراد)

إِفْرَادٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْإِفْرَادُ لُغَةً: مَصْدَرُ أَفْرَدَ، وَالْفَرْدُ مَا كَانَ وَحْدَهُ، وَأَفْرَدْتُهُ: جَعَلْتُهُ وَاحِدًا، وَعَدَّدْتُ الدَّرَاهِمَ أَفْرَادًا أَيْ: وَاحِدًا وَاحِدًا، وَأَفْرَدْتُ الْحَجَّ عَنِ الْعُمْرَةِ، فَعَلْتُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ.

وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِي مَوَاطِنَ مُتَعَدِّدَةٍ سَتَأْتِي: أ- الْإِفْرَادُ فِي الْبَيْعِ:

2- قَالَ الْحَطَّابُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرِدَ الْحِنْطَةَ فِي سُنْبُلِهَا بِالْبَيْعِ دُونَ السُّنْبُلِ.

ب- الْإِفْرَادُ فِي الْوَصِيَّةِ:

3- جَاءَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: يَجُوزُ إِفْرَادُ الْأُمِّ بِالْوَصِيَّةِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ إِفْرَادُ الْحَمْلِ.

ج- الْإِفْرَادُ فِي الْأَكْلِ:

4- جَاءَ فِي الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ لِابْنِ مُفْلِحٍ: يُكْرَهُ الْقِرَانُ فِي التَّمْرِ، وَعَلَى قِيَاسِهِ كُلُّ مَا الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِتَنَاوُلِهِ أَفْرَادًا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْقِرَانِ إِلاَّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ».

د- إِفْرَادُ الْحَجِّ:

5- هُوَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا.وَسَيَكُونُ الْبَحْثُ هُنَا خَاصًّا بِإِفْرَادِ الْحَجِّ.أَمَّا الْمَوَاضِعُ الْأُخْرَى فَتُنْظَرُ فِي مَوَاطِنِهَا.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

6- تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِفْرَادَ: هُوَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا عَنِ الْعُمْرَةِ.

أَمَّا الْقِرَانُ: فَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا فَيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي إِحْرَامِهِ، أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ قَبْلَ الطَّوَافِ لَهَا.

وَأَمَّا التَّمَتُّعُ: فَهُوَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ مِنَ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ.

وَسَيَأْتِي مَا يَفْتَرِقُ بِهِ الْإِفْرَادُ عَنْ كُلٍّ مِنَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ.

الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ كُلٍّ مِنَ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ:

7- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْإِفْرَادِ، وَالْقِرَانِ، وَالتَّمَتُّعِ أَيُّهَا أَفْضَلُ، وَالِاتِّجَاهَاتُ فِي ذَلِكَ كَالْآتِي:

أ- الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، لَكِنَّ أَفْضَلِيَّتَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنِ اعْتَمَرَ فِي نَفْسِ الْعَامِ بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجِّ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ إِنْ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي نَفْسِ الْعَامِ كَانَ الْإِفْرَادُ مَكْرُوهًا.

وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِأَفْضَلِيَّةِ الْإِفْرَادِ بِمَا صَحَّ عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَفْرَدَ الْحَجَّ»، ثُمَّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَأَنَّ الْمُفْرِدَ لَمْ يَرْبَحْ إِحْرَامًا مِنَ الْمِيقَاتِ (بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الرُّجُوعِ ثَانِيَةً لِلْإِحْرَامِ) وَلَا رَبِحَ اسْتِبَاحَةَ الْمَحْظُورَاتِ.

ب- الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ: وَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ فَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ.

وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْقِرَانِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «يَا آلَ مُحَمَّدٍ: أَهِّلُوا بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا» وَلِأَنَّ فِي الْقِرَانِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ.

وَيَلِي الْقِرَانَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ، وَهَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّ فِي التَّمَتُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الْقِرَانَ، ثُمَّ فِيهِ زِيَادَةُ نُسُكٍ وَهِيَ إِرَاقَةُ الدَّمِ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رحمه الله- أَنَّهُ يَلِي الْقِرَانَ الْإِفْرَادُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ، لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِعُمْرَتِهِ وَالْمُفْرِدُ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِحَجَّتِهِ.وَوَافَقَهُ فِي ذَلِكَ أَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.

ج- التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ: وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَيَلِي التَّمَتُّعَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْإِفْرَادُ ثُمَّ الْقِرَانُ.

وَاسْتَدَلَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ التَّمَتُّعِ بِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَأَبُو مُوسَى وَعَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ أَصْحَابَهُ لَمَّا طَافُوا بِالْبَيْتِ أَنْ يُحِلُّوا وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً» فَنَقَلَهُمْ مِنَ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ إِلَى الْمُتْعَةِ، وَلَا يَنْقُلُهُمْ إِلاَّ إِلَى الْأَفْضَلِ، وَلِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَجْتَمِعُ لَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مَعَ كَمَالِهَا وَكَمَالِ أَفْعَالِهَا عَلَى وَجْهِ الْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ مَعَ زِيَادَةِ نُسُكٍ فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى.

8- وَقَدْ ذَكَرَ الرَّمْلِيُّ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ أَنَّ مَنْشَأَ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي إِحْرَامِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهم- «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- أَفْرَدَ الْحَجَّ»، وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ قَرَنَ»، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ تَمَتَّعَ»، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الصَّوَابَ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ، وَخُصَّ بِجَوَازِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِلْحَاجَةِ.

وَبِهَذَا يَسْهُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، فَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْإِفْرَادِ أَوَّلُ الْإِحْرَامِ، وَرُوَاةُ الْقِرَانِ آخِرُهُ، وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ، وَقَدِ انْتَفَعَ بِالِاكْتِفَاءِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عُمْرَةً مُفْرَدَةً، وَلَوْ جُعِلَتْ حَجَّتُهُ مُفْرَدَةً لَكَانَ غَيْرَ مُعْتَمِرٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَانِ فَانْتَظَمَتِ الرِّوَايَاتُ فِي حَجَّتِهِ.

حَالَةُ وُجُوبِ الْإِفْرَادِ (وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ):

9- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَكِّيِّ وَمَنْ فِي حُكْمِهِ هَلْ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقِرَانٌ، أَمْ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ الْإِفْرَادُ خَاصَّةً؟

فَيَرَى الْجُمْهُورُ أَنَّ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْمُتْعَةَ وَالْقِرَانَ مِثْلَ الْآفَاقِيِّ، وَلِأَنَّ التَّمَتُّعَ الَّذِي وَرَدَ فِي الْآيَةِ أَحَدُ الْأَنْسَاكِ الثَّلَاثَةِ، فَصَحَّ مِنَ الْمَكِّيِّ كَالنُّسُكَيْنِ الْآخَرَيْنِ، وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّمَتُّعِ هُوَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمَكِّيِّ.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَيْسَ لَهُمْ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ، وَإِنَّمَا لَهُمُ الْإِفْرَادُ خَاصَّةً، لِأَنَّ شَرْعَهُمَا لِلتَّرَفُّهِ بِإِسْقَاطِ إِحْدَى السَّفْرَتَيْنِ وَهَذَا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ.

10- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُمْ أَهْلُ الْحَرَمِ وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ.

فَإِنْ كَانُوا عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَيْسُوا مِنَ الْحَاضِرِينَ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُمْ أَهْلُ الْمَوَاقِيتِ فَمَنْ دُونَهَا إِلَى مَكَّةَ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَأَهْلُ ذِي طُوًى.

وَفِي ذَلِكَ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ (ر: حَجٌّ- إِحْرَامٌ- مِيقَاتٌ- تَمَتُّعٌ).

نِيَّةُ الْإِفْرَادِ:

11- وَيَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَنْعَقِدُ بِهِ إِحْرَامُ الْمُفْرِدِ: فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مَعَ اسْتِحْبَابِ التَّلَفُّظِ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدَ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي.

وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْإِطْلَاقَ أَوْلَى، لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَصَلَ عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ صَرْفِهِ إِلَى مَا لَا يَخَافُ فَوْتَهُ، فَإِنْ أَحْرَمَ إِحْرَامًا مُطْلَقًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ صَرَفَهُ بِالنِّيَّةِ- لَا بِاللَّفْظِ- إِلَى مَا شَاءَ مِنَ النُّسُكَيْنِ أَوْ إِلَيْهِمَا مَعًا إِنْ كَانَ الْوَقْتُ صَالِحًا لَهُمَا.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ إِلاَّ بِأَمْرَيْنِ: النِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ، وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْإِحْرَامِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مَا لَمْ يَأْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي الصَّلَاةِ.

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ مَعَ قَوْلٍ كَالتَّلْبِيَةِ وَالْإِهْلَالِ، أَوْ فِعْلٍ كَالتَّوَجُّهِ فِي الطَّرِيقِ وَالتَّجَرُّدِ مِنَ الْمَخِيطِ.

عَلَى أَنَّ الَّذِي ذُكِرَ لَا يَخْتَصُّ بِالْإِفْرَادِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا يَنْطَبِقُ عَلَى الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ، إِذْ لَا بُدَّ فِي أَيِّ نُسُكٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْسَاكِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِأَيٍّ مِنْهَا مِنَ النِّيَّةِ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ، أَوِ النِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ عَلَى رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ. (ر: إِحْرَامٌ- قِرَانٌ- تَمَتُّعٌ).

التَّلْبِيَةُ فِي الْإِفْرَادِ:

12- التَّلْبِيَةُ فِي الْحَجِّ عَلَى اخْتِلَافِ حُكْمِهَا مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ تَسْتَوِي كَيْفِيَّتُهَا وَالْبَدْءُ بِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُحْرِمِ بِأَيِّ نُسُكٍ مِنَ الْأَنْسَاكِ الثَّلَاثَةِ.

أَمَّا قَطْعُ التَّلْبِيَةِ فَيَكُونُ الْمُتَمَتِّعُ وَالْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ بِالنِّسْبَةِ لِقَطْعِهَا سَوَاءً.

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَقْطَعُهَا إِذَا وَصَلَ لِمُصَلَّى عَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَصَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَبَّى إِلَى الزَّوَالِ، وَإِنْ زَالَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ الْوُصُولِ لَبَّى إِلَى الْوُصُولِ.

وَهُنَاكَ تَفْرِيعَاتٌ كَثِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّلْبِيَةِ. (ر: تَلْبِيَةٌ).

مَا يَفْتَرِقُ بِهِ الْمُفْرِدُ عَنِ الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ:

أ- الطَّوَافُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُفْرِدِ:

13- الطَّوَافُ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:

طَوَافُ الْقُدُومِ إِلَى مَكَّةَ، وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَطَوَافُ الْوَدَاعِ.

وَالْفَرْضُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ، وَيُسَمَّى طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَوِ الْفَرْضِ أَوِ الرُّكْنِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ (ر: طَوَافٌ).

وَالْفَرْضُ عَلَى الْمُفْرِدِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَقَطْ، لِأَنَّهُ الرُّكْنُ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ، بَلْ يُطَالَبُ بِهِ عَلَى سَبِيلِ السُّنِّيَّةِ.

ب- عَدَمُ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْمُفْرِدِ:

14- لَا يَجِبُ عَلَى الْمُفْرِدِ هَدْيٌ لِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا بِخِلَافِ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ فَإِنَّ عَلَيْهِمَا الْهَدْيَ، لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} وَالْقَارِنُ كَالْمُتَمَتِّعِ، لِإِحْرَامِهِ بِالنُّسُكَيْنِ.

إِلاَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُفْرِدِ أَنْ يُهْدِيَ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا.

ثُمَّ إِنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ وَفِدْيَةَ الْأَذَى بِالنِّسْبَةِ لِلْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ سَوَاءٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. (ر: دَمٌ- هَدْيٌ- كَفَّارَةٌ- قِرَانٌ- تَمَتُّعٌ).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


9-موسوعة الفقه الكويتية (حج 5)

حَجٌّ -5

ثَالِثًا: شُرُوطُ صِحَّةِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ عَنِ الْغَيْرِ:

117- أ- يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْمُرَ الْأَصِيلُ بِالْحَجِّ عَنْهُ، بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيِّ.

أَمَّا الْمَيِّتُ فَلَا يَجُوزُ حَجُّ الْغَيْرِ عَنْهُ بِدُونِ وَصِيَّتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.

وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ، إِذَا حَجَّ أَوْ أَحَجَّ عَنْ مُوَرِّثِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ، وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ فِي حَقِّ السَّائِلِ هَلْ أَوْصَى أَوْ لَمْ يُوصِ، وَهُوَ وَارِثٌ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجٌّ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ تَرِكَتِهِ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَمْ لَا، كَمَا تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ سَوَاءٌ أَوْصَى بِهَا أَمْ لَا.فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ اسْتُحِبَّ لِوَارِثِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ، فَإِنْ حَجَّ عَنْهُ بِنَفْسِهِ أَوْ أَرْسَلَ مَنْ حَجَّ عَنْهُ سَقَطَ الْحَجُّ عَنِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ حَجَّ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْوَارِثُ، كَمَا يُقْضَى دَيْنُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْوَارِثِ وَمَأْخَذُهُمْ تَشْبِيهُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- الْحَجَّ بِالدَّيْنِ، فَأَجْرَوْا عَلَى قَضَاءِ الْحَجِّ أَحْكَامَ الدُّيُونِ.فَإِذَا مَاتَ وَالْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ يَجِبُ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى وَفَاءِ الدُّيُونِ، عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: مَنْ ضَاقَ مَالُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحَاصُّ نَفَقَةُ الْحَجِّ مِنَ الدَّيْنِ، وَيُؤْخَذُ لِلْحَجِّ حِصَّتُهُ فَيَحُجُّ بِهَا مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ.

ب- أَنْ تَكُونَ نَفَقَةُ الْحَجِّ مِنْ مَالِ الْآمِرِ كُلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، سِوَى دَمِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ، فَهُمَا عَلَى الْحَاجِّ عِنْدَهُمْ.لَكِنْ إِذَا تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالْحَجِّ عَنْ مُورَثِهِ تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْصَى بِالْإِحْجَاجِ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَدْ أَجَازُوا أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْحَجِّ عَنْ غَيْرِ الْمَيِّتِ مُطْلَقًا، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ.

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَالْأَمْرُ عِنْدَهُمْ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَابِعٌ لِلْوَصِيَّةِ، وَلِتَنْفِيذِهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، أَوْ لِتَبَرُّعِ النَّائِبِ، لَا لِإِسْقَاطِ الْفَرِيضَةِ عَنِ الْمَيِّتِ.

وَأَمَّا الْحَيُّ الْمَعْضُوبُ: إِذَا بُذِلَ لَهُ الْمَالُ أَوِ الطَّاعَةُ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ ذَلِكَ لِلْإِحْجَاجِ عَنْ نَفْسِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ بَذَلَ لَهُ وَلَدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِلْأُجْرَةِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ.وَلَوْ وَجَدَ مَالًا أَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَرَضِيَ بِهِ الْأَجِيرُ لَزِمَهُ الِاسْتِئْجَارُ، لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ، وَالْمِنَّةُ فِيهِ لَيْسَتْ كَالْمِنَّةِ فِي الْمَالِ.

وَلَوْ لَمْ يَجِدْ أُجْرَةً وَبَذَلَ لَهُ وَلَدُهُ الطَّاعَةَ بِأَنْ يَذْهَبَ هُوَ بِنَفْسِهِ لِلْحَجِّ عَنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قَبُولُهُ، وَهُوَ الْإِذْنُ لَهُ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمِنَّةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ كَالْمِنَّةِ فِي الْمَالِ.لِحُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ فِي الْأَصَحِّ.

وَيُشْتَرَطُ لِلُزُومِ قَبُولِ طَاعَتِهِمْ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: أَنْ يَثِقَ بِالْبَازِلِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ حَجٌّ وَلَوْ نَذْرًا، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُمْ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَأَنْ لَا يَكُونَا مَعْضُوبَيْنِ.

ج- يُشْتَرَطُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ وَطَنِهِ إِنِ اتَّسَعَ ثُلُثُ التَّرِكَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يُعْتَبَرُ اتِّسَاعُ جَمِيعِ مَالِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَاجِبٌ، فَكَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ.لَكِنْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ قَضَاؤُهُ عَنْهُ مِنَ الْمِيقَاتِ لِأَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الْحَجُّ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ مِنْهُ.

د- النِّيَّةُ: أَيْ نِيَّةُ الْحَاجِّ الْمَأْمُورِ أَدَاءَ الْحَجِّ عَنِ الْأَصِيلِ.

بِأَنْ يَنْوِيَ بِقَلْبِهِ وَيَقُولَ بِلِسَانِهِ (وَالتَّلَفُّظُ أَفْضَلُ): أَحْرَمْتُ بِالْحَجِّ عَنْ فُلَانٍ، وَلَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ عَنْ فُلَانٍ.

وَإِنِ اكْتَفَى بِنِيَّةِ الْقَلْبِ كَفَى ذَلِكَ، اتِّفَاقًا.وَلَوْ نَسِيَ اسْمَهُ وَنَوَى أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ عَنِ الشَّخْصِ الْمَقْصُودِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ يَصِحُّ، وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنِ الْأَصِيلِ.

هـ- أَنْ يَحُجَّ الْمَأْمُورُ بِنَفْسِهِ: نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ.فَلَوْ مَرِضَ الْمَأْمُورُ أَوْ حُبِسَ فَدَفَعَ الْمَالَ إِلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ لَا يَقَعُ الْحَجُّ عَنِ الْمَيِّتِ، وَالْحَاجُّ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي ضَامِنَانِ لِنَفَقَةِ الْحَجِّ، إِلاَّ إِذَا قَالَ الْآمِرُ

بِالْحَجِّ: اصْنَعْ مَا شِئْتَ فَلَهُ، حِينَئِذٍ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إِلَى غَيْرِهِ، وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنِ الْآمِرِ.

و- أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ الشَّخْصِ الَّذِي يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ.وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْإِفْرَادِ فَقَرَنَ عَنِ الْآمِرِ فَيَقَعُ ذَلِكَ عَنِ الْآمِرِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالصَّاحِبَيْنِ اسْتِحْسَانًا، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ مُخَالِفٌ ضَامِنٌ مِنَ النَّفَقَاتِ وَلَا يَقَعُ عَنِ الْآمِرِ.أَمَّا إِذَا أَمَرَهُ بِالْإِفْرَادِ فَتَمَتَّعَ عَنِ الْآمِرِ لَمْ يَقَعْ حَجُّهُ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَيَضْمَنُ اتِّفَاقًا عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ.وَسَوَّى الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ إِذَا فُعِلَا وَكَانَ الْإِفْرَادُ يُجْزِئُ إِنْ كَانَ الشَّرْطُ مِنَ الْوَصِيِّ لَا الْأَصِيلِ.وَصَحَّحَ الْحَنَابِلَةُ الْحَجَّ عَنِ الْأَصِيلِ فِي كُلِّ الْحَالَاتِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْأَجِيرِ بِفَرْقِ أُجْرَةِ الْمَسَافَةِ، أَوْ تَوْفِيرِ الْمِيقَاتِ.

حَجُّ النَّفْلِ عَنِ الْغَيْرِ:

مَشْرُوعِيَّتُهُ:

118- اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ حَجِّ النَّفْلِ عَنِ الْغَيْرِ بِإِطْلَاقٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَأَحْمَدَ.وَأَجَازَهُ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا مَعَ الْكَرَاهَةِ فِيهِ وَفِي النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ الْمَنْذُورِ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَفَصَّلُوا وَقَالُوا: لَا تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ فِي حَجِّ النَّفْلِ عَنْ حَيٍّ لَيْسَ بِمَعْضُوبٍ، وَلَا عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يُوصِ بِهِ.

أَمَّا الْمَيِّتُ الَّذِي أَوْصَى بِهِ وَالْحَيُّ الْمَعْضُوبُ إِذَا اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ:

أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ.

وَالْقَوْلُ الْآخَرُ عَدَمُ الْجَوَازِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ الِاسْتِنَابَةُ فِي الْفَرْضِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ، فَلَمْ تَجُزِ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ، كَالصَّحِيحِ، وَيَقَعُ عَنِ الْأَجِيرِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ.

وَيَدُلُّ لِلْجُمْهُورِ عَلَى صِحَّةِ حَجِّ النَّفْلِ عَنِ الْغَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ بِنَفْسِهِ أَنَّهَا حَجَّةٌ لَا تَلْزَمُهُ بِنَفْسِهِ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا كَالْمَعْضُوبِ.

وَلِأَنَّهُ يُتَوَسَّعُ فِي النَّفْلِ مَا لَا يُتَوَسَّعُ فِي الْفَرْضِ، فَإِذَا جَازَتِ النِّيَابَةُ فِي الْفَرْضِ فَلأَنْ تَجُوزَ فِي النَّفْلِ أَوْلَى.

شُرُوطُهُ:

119- يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ حَجِّ النَّفْلِ عَنِ الْغَيْرِ:

الْإِسْلَامُ، وَالْعَقْلُ، وَالتَّمْيِيزُ، وَقَيَّدَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِالْمُرَاهِقِ، وَأَنْ يَكُونَ النَّائِبُ قَدْ حَجَّ الْفَرْضَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجٌّ آخَرُ وَاجِبٌ، وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

كَمَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْحَاجِّ النَّائِبِ الْحَجَّةَ عَنِ الْأَصِيلِ.

الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ:

مَشْرُوعِيَّتُهُ:

120- ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى الْجَوَازِ، وَبِهِ أَخَذَ الْمَالِكِيَّةُ، مُرَاعَاةً لِخِلَافِ الشَّافِعِيَّةِ فِي جَوَازِ النِّيَابَةِ فِي حَجِّ النَّفْلِ.

فَلَوْ عُقِدَتِ الْإِجَارَةُ لِلْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ فَهِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَاطِلَةٌ، لَكِنَّ الْحَجَّةَ عَنِ الْأَصِيلِ صَحِيحَةٌ، عَلَى التَّحْقِيقِ فِي الْمَذْهَبِ، وَيُسَمُّونَ الْأَجِيرَ: مَأْمُورًا، وَنَائِبًا، وَقَالُوا لَهُ نَفَقَةُ الْمِثْلِ فِي مَالِ الْأَصِيلِ، لِأَنَّهُ حَبَسَ نَفْسَهُ لِمَنْفَعَةِ الْأَصِيلِ فَوَجَبَتْ نَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ.

الْإِخْلَالُ بِأَرْكَانِ الْحَجِّ:

121- لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إِنْ أُخِلَّ بِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ.ثُمَّ إِنْ تُرِكَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَانِعٍ قَاهِرٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ.

تَرْكُ رُكْنٍ مِنَ الْحَجِّ بِمَانِعٍ قَاهِرٍ: (الْإِحْصَارُ):

122- تَرْكُ رُكْنٍ أَوْ أَكْثَر مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ بِمَانِعٍ قَاهِرٍ سَبَقَ بَحْثُهُ تَفْصِيلًا فِي مُصْطَلَحِ: (إِحْصَارٌ).

تَرْكُ رُكْنٍ مِنَ الْحَجِّ لَا بِمَانِعٍ قَاهِرٍ:

أَوَّلًا: تَرْكُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ: (الْفَوَاتُ):

123- أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ بِأَنْ «طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ.وَيُسَمَّى ذَلِكَ (الْفَوَاتَ) ».ثُمَّ إِنْ أَرَادَ التَّحَلُّلَ مِنَ الْإِحْرَامِ فَيَتَحَلَّلُ بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ.

عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي (فَوَاتٌ).

ثَانِيًا: تَرْكُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ:

124- طَوَافُ الزِّيَارَةِ رُكْنٌ لَا يَسْقُطُ بِتَرْكِهِ إِذَا فَاتَ وَقْتُهُ، وَلَا يَنْجَبِرُ بِشَيْءٍ، وَيَظَلُّ الْحَاجُّ مُحْرِمًا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّحَلُّلِ الْأَكْبَرِ (مُصْطَلَحُ إِحْرَامٌ ف 124)، حَتَّى يُؤَدِّيَهُ.

فَإِنْ تَرَكَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ شُرُوطِهِ، أَوْ رُكْنًا، وَلَوْ شَوْطًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ شَوْطٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَكَّةَ وَيُؤَدِّيَهُ.

وَإِذَا رَجَعَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِإِحْرَامِهِ الْأَوَّلِ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِحْرَامٍ جَدِيدٍ، وَهُوَ مُحْرِمٌ عَنِ النِّسَاءِ إِلَى أَنْ يَعُودَ وَيَطُوفَ، وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالْحَنَفِيَّةِ مَعَهُمْ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُجَدِّدُ إِحْرَامَهُ لِيَطُوفَ فِي إِحْرَامٍ صَحِيحٍ أَيْ إِنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ.

أَمَّا تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: فَفِيهِ فُرُوعٌ.اخْتُصُّوا بِهَا بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي شُرُوطِ الطَّوَافِ وَرُكْنِهِ وَوَاجِبَاتِهِ (انْظُرْ مُصْطَلَحَ طَوَافٍ).

ثَالِثًا: تَرْكُ السَّعْيِ:

125- السَّعْيُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ رُكْنٌ لَا يَحِلُّ الْحَاجُّ مِنَ الْإِحْرَامِ بِدُونِهِ، فَمَنْ تَرَكَهُ عَادَ لِأَدَائِهِ لِزَامًا عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي الرُّجُوعِ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجُمْهُورِ.

أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِدُونِ سَعْيٍ، لِأَنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ، يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ (ف 56)، فَإِنْ أَرَادَ أَدَاءَهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ مُعْتَمِرًا، ثُمَّ يَأْتِي بِالسَّعْيِ، وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ فَأَقَلَّ صَحَّ سَعْيُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ صَدَقَةٌ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ.. (انْظُرْ مُصْطَلَحَ: سَعْيٌ).

الْإِخْلَالُ بِوَاجِبَاتِ الْحَجِّ:

126- يَجِبُ عَلَى مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ الْفِدَاءُ، وَهُوَ ذَبْحُ شَاةٍ، بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، جَبْرًا لِلنَّقْصِ الْحَادِثِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ، إِلاَّ إِذَا تَرَكَهُ لِعُذْرٍ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا.

وَمَا صَرَّحُوا بِالْعُذْرِ فِيهِ: تَرْكُ الْمَشْيِ فِي الطَّوَافِ أَوْ فِي السَّعْيِ، لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرِ سِنٍّ، عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْمَشْيِ فِيهِمَا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَعْذُورِ أَنْ يَطُوفَ أَوْ يَسْعَى مَحْمُولًا، وَلَا فِدَاءَ عَلَيْهِ.

وَثَمَّةَ مَسَائِلُ تَحْتَاجُ لِإِيضَاحٍ خَاصٍّ لِحُكْمِ تَرْكِهَا، وَهِيَ:

أَوَّلًا: تَرْكُ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ:

127- اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ لِعُذْرٍ أَنَّهُ لَا فِدَاءَ عَلَيْهِ.

وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِثُبُوتِ الْعُذْرِ فِي تَرْكِ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، كَالْمَرَضِ، وَالضَّعْفِ الْجِسْمِيِّ كَمَا فِي الشَّيْخِ الْفَانِي، وَكَذَا خَوْفُ الزِّحَامِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَضَعَفَةِ الْأَهْلِ.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِالْعُذْرِ لِمَنِ انْتَهَى إِلَى عَرَفَاتٍ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَاشْتَغَلَ بِالْوُقُوفِ عَنِ الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى مَكَّةَ وَطَافَ الْإِفَاضَةَ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ فَفَاتَهُ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِسَبَبِ الطَّوَافِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِرُكْنٍ فَأَشْبَهَ الْمُشْتَغِلَ بِالْوُقُوفِ، أَيْ: إِلاَّ أَنْ يُمْكِنَهُ الْعَوْدُ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَيَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إِلَيْهَا.وَمِثْلُ هَذَا مَنْ بَادَرَتْ إِلَى الطَّوَافِ خَوْفَ طُرُوءِ نَحْوِ حَيْضٍ.

وَجَمِيعُ أَعْذَارِ مِنًى تَأْتِي هُنَا.

ثَانِيًا: تَرْكُ الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ:

128- وَالْجَزَاءُ فِيهِ وَاجِبٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لِوُجُوبِ هَذَا الْمَبِيتِ عِنْدَهُمْ (ف 69) قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِهَا جُلَّ لَيْلَةٍ فَدَمٌ، وَكَذَا لَيْلَةً كَامِلَةً أَوْ أَكْثَرَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ التَّرْكُ لِضَرُورَةٍ...وَلَمْ يُسْقِطُوا الدَّمَ بِتَرْكِ الْمَبِيتِ إِلاَّ لِلرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ (انْظُرْ مَبِيتٌ).

وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَكَذَا الْحَنَابِلَةُ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ كُلِّهِ دَمًا وَاحِدًا، وَفِي تَرْكِ لَيْلَةٍ مُدًّا مِنَ الطَّعَامِ، وَفِي تَرْكِ لَيْلَتَيْنِ مُدَّيْنِ، إِذَا بَاتَ لَيْلَةً وَاحِدَةً، إِلاَّ إِذَا تَرَكَ الْمَبِيتَ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَأَهْلِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ، وَرِعَاءِ الْإِبِلِ فَلَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ غَيْرِ دَمٍ، وَمِثْلُهُمْ مَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، أَوْ ضَيَاعِ مَرِيضٍ بِلَا مُتَعَهِّدٍ، أَوْ مَوْتِ نَحْوِ قَرِيبٍ فِي غَيْبَتِهِ.

ثَالِثًا: تَرْكُ الرَّمْيِ:

129- مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَجِبُ الدَّمُ عَلَى مَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ كُلَّهُ أَوْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ حَصَيَاتٍ مِنْ رَمْيِ أَيِّ جَمْرَةٍ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْحَصَاةِ يَجِبُ مُدٌّ وَاحِدٌ، وَفِي الْحَصَاتَيْنِ ضِعْفُ ذَلِكَ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْحَصَاةِ أَوِ الْحَصَاتَيْنِ رِوَايَاتٌ.قَالَ فِي الْمُغْنِي: الظَّاهِرُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي حَصَاةٍ وَلَا حَصَاتَيْنِ

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الدَّمُ إِنْ تَرَكَ الْحَاجُّ رَمْيَ الْجِمَارِ كُلِّهَا فِي الْأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ، أَوْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ كَامِلٍ، وَيُلْحَقُ بِهِ تَرْكُ رَمْيِ أَكْثَرِ حَصَيَاتِ يَوْمٍ أَيْضًا، لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، فَيَلْزَمُ فِيهِ الدَّمُ، أَمَّاِنْ تَرَكَ الْأَقَلَّ مِنْ حَصَيَاتِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، لِكُلِّ حَصَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: يَلْزَمُهُ دَمٌ فِي تَرْكِ حَصَاةٍ أَوْ فِي تَرْكِ الْجَمِيعِ.

تَرْكُ سُنَنِ الْحَجِّ:

130- تَرْكُ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ لَا يُوجِبُ إِثْمًا وَلَا جَزَاءً.لَكِنْ يَكُونُ تَارِكُهَا مُسِيئًا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ، وَيَحْرِمُ نَفْسَهُ مِنَ الثَّوَابِ الَّذِي أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ عَمِلَ بِالسُّنَنِ أَوِ الْمُسْتَحَبَّاتِ وَالنَّوَافِلِ. (انْظُرْ مُصْطَلَحَ: سُنَّةٌ).

آدَابُ الْحَاجِّ:

آدَابُ الِاسْتِعْدَادِ لِلْحَجِّ:

131- أ- يُسْتَحَبُّ أَنْ يُشَاوِرَ مَنْ يَثِقُ بِدِينِهِ وَخِبْرَتِهِ فِي تَدْبِيرِ أُمُورِهِ، وَيَتَعَلَّمَ أَحْكَامَ الْحَجِّ وَكَيْفِيَّتَهُ.قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا فَرْضُ عَيْنٍ، إِذْ لَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُهَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَعَهُ كِتَابًا وَاضِحًا فِي الْمَنَاسِكِ جَامِعًا لِمَقَاصِدِهَا، وَأَنْ يُدِيمَ مُطَالَعَتَهُ وَيُكَرِّرَهَا فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ لِتَصِيرَ مُحَقَّقَةً عِنْدَهُ.وَمَنْ أَخَلَّ بِهَذَا خِفْنَا عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ بِغَيْرِ حَجٍّ، لِإِخْلَالِهِ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ أَوْ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا قَلَّدَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بَعْضَ عَوَامِّ مَكَّةَ وَتَوَهَّمَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ الْمَنَاسِكَ فَاغْتَرَّ بِهِمْ، وَذَلِكَ خَطَأٌ فَاحِشٌ.

ب- إِذَا عَزَمَ عَلَى الْحَجِّ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَخِيرَ اللَّهَ تَعَالَى، لَكِنْ لَيْسَ لِلْحَجِّ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَا اسْتِخَارَةَ فِي فِعْلِ الطَّاعَاتِ، لَكِنْ لِلْأَدَاءِ هَذَا الْعَامَ إِنْ كَانَتِ الْحَجَّةُ نَافِلَةً، أَوْ مَعَ هَذِهِ الْقَافِلَةِ، وَتَرِدُ الِاسْتِخَارَةُ عَلَى الْحَجِّ الْفَرْضِ هَذَا الْعَامَ لَكِنْ عَلَى الْقَوْلِ بِتَرَاخِي وُجُوبِهِ.

ج- إِذَا اسْتَقَرَّ عَزْمُهُ عَلَى الْحَجِّ بَدَأَ بِالتَّوْبَةِ مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَيَخْرُجُ مِنْ مَظَالِمِ الْخَلْقِ، وَيَقْضِي مَا أَمْكَنَهُ مِنْ دُيُونِهِ، وَيَرُدُّ الْوَدَائِعَ، وَيَسْتَحِلُّ كُلَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُعَامَلَةٌ فِي شَيْءٍ أَوْ مُصَاحَبَةٌ، وَيَكْتُبُ وَصِيَّتَهُ، وَيُشْهِدُ عَلَيْهَا، وَيُوَكِّلُ مَنْ يَقْضِي عَنْهُ مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قَضَائِهِ، وَيَتْرُكُ لِأَهْلِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ نَفَقَتَهُمْ إِلَى حِينِ رُجُوعِهِ.

وَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ الْإِفْلَاتَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ بِعِبَادَاتِهِ، مَا لَمْ يُؤَدِّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ الدَّيْنُ».

د- أَنْ يَجْتَهِدَ فِي إِرْضَاءِ وَالِدِيهِ، وَمَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ بِرُّهُ وَطَاعَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً اسْتَرْضَتْ زَوْجَهَا وَأَقَارِبَهَا، وَيُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَحُجَّ بِهَا، فَإِنْ مَنَعَهُ أَحَدُ وَالِدَيْهِ مِنْ حَجِّ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى مَنْعِهِ، وَإِنْ مَنَعَهُ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِحْرَامُ، فَإِنْ أَحْرَمَ فَلِلْوَالِدِ تَحْلِيلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ.

هـ- لِيَحْرِصَ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ كَثِيرَةً وَحَلَالًا خَالِصَةً مِنَ الشُّبْهَةِ، فَإِنْ خَالَفَ وَحَجَّ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ صَحَّ حَجُّهُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، لَكِنَّهُ عَاصٍ وَلَيْسَ حَجًّا مَبْرُورًا، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ- رحمهم الله- وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُجْزِيهِ الْحَجُّ بِمَالٍ حَرَامٍ.وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَصِحُّ مَعَ الْحُرْمَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم-: «ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمُشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ».

و- الْحِرْصُ عَلَى صُحْبَةِ رَفِيقٍ مُوَافِقٍ صَالِحٍ يَعْرِفُ الْحَجَّ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَصْحَبَ أَحَدَ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ فَلْيَتَمَسَّكْ بِهِ، فَإِنَّهُ يُعِينُهُ عَلَى مَبَارِّ الْحَجِّ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.

آدَابُ السَّفَرِ لِلْحَجِّ:

132- نُشِيرُ إِلَى نُبَذٍ هَامَةٍ مِنْهَا فِيمَا يَلِي:

أ- يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَدِّعَ أَهْلَهُ وَجِيرَانَهُ وَأَصْدِقَاءَهُ، وَيَقُولَ لِمَنْ يُوَدِّعُهُ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ الَّذِي لَا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ»

وَيُسَنُّ لِلْمُقِيمِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُسَافِرِ: «أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ»

ب- أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى سُورَةَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَصَحَّ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- مَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَطُّ إِلاَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ».

ج- يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنَ الدُّعَاءِ فِي جَمِيعِ سَفَرِهِ، وَعَلَى آدَابِ السَّفَرِ وَأَحْكَامِهِ وَالتَّقَيُّدُ بِرُخَصِهِ مِنْ غَيْرِ تَجَاوُزٍ لَهَا (انْظُرْ مُصْطَلَحَ: سَفَرٌ)

آدَابُ أَدَاءِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ:

133- أ- التَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَالتَّذَرُّعُ بِالصَّبْرِ الْجَمِيلِ، لِمَا يُعَانِيهِ الْإِنْسَانُ مِنْ مَشَقَّاتِ السَّفَرِ، وَالزِّحَامِ، وَالِاحْتِكَاكِ بِالنَّاسِ.

ب- اسْتِدَامَةُ حُضُورِ الْقَلْبِ وَالْخُشُوعِ، وَالْإِكْثَارِ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى أَذْكَارِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ.

ج- الْحِرْصُ عَلَى أَدَاءِ أَحْكَامِ الْحَجِّ كَامِلَةً وَعَدَمِ تَضْيِيعِ شَيْءٍ مِنَ السُّنَنِ، فَضْلًا عَنِ التَّفْرِيطِ بِوَاجِبٍ، إِلاَّ فِي مَوَاضِعِ الْعُذْرِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي بُيِّنَتْ فِي مُنَاسِبَاتِهَا.

آدَابُ الْعَوْدِ مِنَ الْحَجِّ:

134- مِنْ آدَابِ الْعَوْدِ مِنَ الْحَجِّ مَا يَلِي:

أ- أَنْ يُرَاعِيَ آدَابَ السَّفَرِ وَأَحْكَامَهُ الْعَامَّةَ لِلذَّهَابِ وَالْإِيَابِ، وَالْخَاصَّةَ بِالْإِيَابِ، مِثْلَ إِخْبَارِ أَهْلِهِ إِذَا دَنَا مِنْ بَلَدِهِ، وَأَلاَّ يَطْرُقَهُمْ لَيْلًا، وَأَنْ يَبْدَأَ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا وَصَلَ مَنْزِلَهُ، وَأَنْ يَقُولَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ: تَوْبًا تَوْبًا، لِرَبِّنَا أَوْبًا، لَا يُغَادِرُ حَوْبًا (انْظُرْ مُصْطَلَحَ: سَفَرٌ).

ب- يُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَى الْحَاجِّ أَنْ يَطْلُبَ مِنَ الْحَاجِّ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ، كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ لِلْحَاجِّ أَيْضًا وَيَقُولَ: «قَبِلَ اللَّهُ حَجَّكَ وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، وَأَخْلَفَ نَفَقَتَكَ».

وَيَدْعُو الْحَاجُّ لِزُوَّارِهِ بِالْمَغْفِرَةِ، فَإِنَّهُ مَرْجُوُّ الْإِجَابَةِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ.اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ».

ج- قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ رُجُوعِهِ خَيْرًا مِمَّا كَانَ، فَهَذَا مِنْ عَلَامَاتِ قَبُولِ الْحَجِّ، وَأَنْ يَكُونَ خَيْرُهُ آخِذًا فِي ازْدِيَادٍ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


10-موسوعة الفقه الكويتية (سلام 2)

سَلَام -2

السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ:

21- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ السَّلَامَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِمْ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الذِّمِّيِّ إِنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ حَاجَةٌ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ حِينَئِذٍ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ لَا لِتَعْظِيمِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى.وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا إِلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَسَائِرِ فِرَقِ الضَّلَالِ بِالسَّلَامِ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ تَحِيَّةٌ وَالْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.

وَيَحْرُمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بُدَاءَةُ الذِّمِّيِّ بِالسَّلَامِ، وَلَهُ أَنْ يُحَيِّيَهُ بِغَيْرِ السَّلَامِ بِأَنْ يَقُولَ: هَدَاكَ اللَّهُ، أَوْ: أَنْعَمَ اللَّهُ صَبَاحَكَ، إِنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ حَاجَةٌ، وَإِلاَّ فَلَا يَبْتَدِئُهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْإِكْرَامِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَسْطٌ لَهُ وَإِينَاسٌ وَإِظْهَارُ وُدٍّ.وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِيُوَادُّونَ مَنْحَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَطَعَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ هُوَ بِحَرَامٍ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ.

حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا؛ أَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ بِالسَّلَامِ، وَلَكِنْ يَقْتَصِرُ الْمُسَلِّمُ عَلَى قَوْلِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، وَلَا يَذْكُرُهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، إِلاَّ أَنَّ النَّوَوِيَّ وَصَفَ هَذَا الْوَجْهَ بِأَنَّهُ شَاذٌّ.

وَبُدَاءَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالسَّلَامِ لَا تَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ نُحَيِّيَهُمْ بِتَحِيَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ السَّلَامِ.قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلذِّمِّيِّ كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ أَوْ: كَيْفَ حَالُكَ؟ أَوْ: كَيْفَ أَنْتَ؟ أَوْ نَحْوَ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، هَذَا عِنْدِي أَكْثَرُ مِنَ السَّلَامِ.

وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلذِّمِّيِّ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ، جَازَ، إِنْ نَوَى أَنَّهُ يُطِيلُهُ لِيُسْلِمَ أَوْ لِيُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِالْإِسْلَامِ، وَإِلاَّ فَلَا يَجُوزُ.

وَدَلِيلُ كَرَاهَةِ الْبُدَاءَةِ بِالسَّلَامِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ».

وَالِاسْتِقَالَةُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: رُدَّ سَلَامِي الَّذِي سَلَّمْتُهُ عَلَيْكَ؛ لِأَنِّي لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ كَافِرٌ مَا سَلَّمْتُ عَلَيْكَ.وَيُسْتَحَبُّ لَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنْ سَلَّمَ عَلَى مَنْ يَظُنُّهُ مُسْلِمًا فَبَانَ ذِمِّيًّا أَنْ يَسْتَقِيلَهُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: رُدَّ سَلَامِي الَّذِي سَلَّمْتُهُ عَلَيْكَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقِيلَ: إِنَّهُ كَافِرٌ، فَقَالَ: رُدَّ عَلَيَّ مَا سَلَّمْتُ عَلَيْكَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَكْثَرَ اللَّهُ مَالَكَ وَوَلَدَكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَكْثَرُ لِلْجِزْيَةِ).وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَسْتَقِيلُهُ.

وَإِذَا كَتَبَ إِلَى الذِّمِّيِّ كِتَابًا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِ: السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى ذَلِكَ حِينَ كَتَبَ إِلَى هِرَقْلَ مَلِكِ الرُّومِ.

وَإِذَا مَرَّ وَاحِدٌ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ مُسْلِمُونَ- وَلَوْ وَاحِدًا- وَكُفَّارٌ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ وَيَقْصِدَ الْمُسْلِمِينَ أَوِ الْمُسْلِمَ.لِمَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ- رضي الله عنهما-.«أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- مَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- ».

رَدُّ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ:

22- وَأَمَّا رَدُّ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَا يَجِبُ إِلاَّ إِذَا تَحَقَّقَ الْمُسْلِمُ مِنْ لَفْظِ السَّلَامِ مِنَ الذِّمِّيِّ، وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ.

وَيَقْتَصِرُ فِي الرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِ: وَعَلَيْكُمْ، بِالْوَاوِ وَالْجَمْعِ، أَوْ: وَعَلَيْكَ، بِالْوَاوِ دُونَ الْجَمْعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ.

فَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ» وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقُلْ: وَعَلَيْكَ».

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَقُولُ فِي الرَّدِّ: عَلَيْكَ، بِغَيْرِ وَاوٍ بِالْإِفْرَادِ أَوِ الْجَمْعِ.لِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقُلْ: عَلَيْكَ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ قَالَ: «عَلَيْكُمْ».بِالْجَمْعِ وَبِغَيْرِ وَاوٍ.

وَنَقَلَ النَّفْرَاوِيُّ عَنِ الْأُجْهُورِيُّ قَوْلَهُ: إِنْ تَحَقَّقَ الْمُسْلِمُ أَنَّ الذِّمِّيَّ نَطَقَ بِالسَّلَامِ بِفَتْحِ السِّينِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الدُّعَاءَ.

مَنْ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ:

23- يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ، وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ.

لِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ زِيَادَةُ: «الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ» وَهَذَا الْمَذْكُورُ هُوَ السُّنَّةُ، فَلَوْ خَالَفُوا فَسَلَّمَ الْمَاشِي عَلَى الرَّاكِبِ، أَوِ الْجَالِسُ عَلَيْهِمَا لَمْ يُكْرَهْ، وَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا لَا يُكْرَهُ ابْتِدَاءُ الْكَثِيرِينَ بِالسَّلَامِ عَلَى الْقَلِيلِ، وَالْكَبِيرِ عَلَى الصَّغِيرِ، وَيَكُونُ هَذَا تَرْكًا لِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ سَلَامِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا فِيمَا إِذَا تَلَاقَى الِاثْنَانِ فِي طَرِيقٍ، أَمَّا إِذَا وَرَدَ عَلَى قُعُودٍ أَوْ قَاعِدٍ، فَإِنَّ الْوَارِدَ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَانَ كَبِيرًا، قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا.

وَإِذَا لَقِيَ رَجُلٌ جَمَاعَةً فَأَرَادَ أَنْ يَخُصَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ بِالسَّلَامِ كُرِهَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ السَّلَامِ الْمُؤَانَسَةُ وَالْأُلْفَةُ، وَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ إِيحَاشٌ لِلْبَاقِينَ، وَرُبَّمَا صَارَ سَبَبًا لِلْعَدَاوَةِ، وَإِذَا مَشَى فِي السُّوقِ أَوِ الشَّوَارِعِ الْمَطْرُوقَةِ كَثِيرًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ فِيهِ الْمُتَلَاقُونَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ السَّلَامَ هُنَا إِنَّمَا يَكُونُ لِبَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ.قَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَى كُلِّ مَنْ لَقِيَ لَتَشَاغَلَ بِهِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَلَخَرَجَ بِهِ عَنِ الْعُرْفِ.

اسْتِحْبَابُ السَّلَامِ عِنْدَ دُخُولِ بَيْتٍ أَوْ مَسْجِدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ:

24- يُسْتَحَبُّ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ أَنْ يُسَلِّمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ وَلْيَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.وَكَذَا إِذَا دَخَلَ مَسْجِدًا، أَوْ بَيْتًا لِغَيْرِهِ فِيهِ أَحَدٌ، يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ وَأَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.

السَّلَامُ عِنْدَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ:

25- إِذَا كَانَ جَالِسًا مَعَ قَوْمٍ ثُمَّ قَامَ لِيُفَارِقَهُمْ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى مَجْلِسٍ فَلْيُسَلِّمْ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ، ثُمَّ إِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتْ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الْآخِرَةِ»

إِلْقَاءُ السَّلَامِ عَلَى مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ السَّلَامَ:

26- قَالَ النَّوَوِيُّ: إِذَا مَرَّ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ، إِمَّا لِتَكَبُّرٍ الْمَمْرُورِ عَلَيْهِ وَإِمَّا لِإِهْمَالِهِ الْمَارَّ أَوِ السَّلَامَ، وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُسَلِّمَ وَلَا يَتْرُكَهُ لِهَذَا الظَّنِّ، فَإِنَّ السَّلَامَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَاَلَّذِي أُمِرَ بِهِ الْمَارُّ أَنْ يُسَلِّمَ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِأَنْ يُحَصِّلَ الرَّدَّ، مَعَ أَنَّ الْمَمْرُورَ عَلَيْهِ قَدْ يُخْطِئُ الظَّنُّ فِيهِ وَيَرُدُّ.

ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَى إِنْسَانٍ وَأَسْمَعَهُ سَلَامَهُ وَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الرَّدُّ بِشُرُوطِهِ فَلَمْ يَرُدَّ، أَنْ يُحَلِّلَهُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولَ: أَبْرَأْتُهُ مِنْ حَقِّي فِي رَدِّ السَّلَامِ، أَوْ: جَعَلْتُهُ فِي حِلٍّ مِنْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَيَلْفِظُ بِهَذَا، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ هَذَا الْآدَمِيِّ.

وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَى إِنْسَانٍ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعِبَارَةٍ لَطِيفَةٍ: رَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ، فَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ لِيَسْقُطَ عَنْكَ فَرْضُ الرَّدِّ.

السَّلَامُ عِنْدَ زِيَارَةِ الْمَوْتَى:

أ- السَّلَامُ عِنْدَ زِيَارَةِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَصَاحِبَيْهِ:

27- يُنْدَبُ لِكُلِّ حَاجٍّ زِيَارَةُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- بِالْمَدِينَةِ، فَإِنَّ زِيَارَتَهُ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَأَهَمِّهَا وَأَرْبَحِ الْمَسَاعِي وَأَفْضَلِ الطِّلْبَاتِ، وَانْظُرْ بَحْثَ (زِيَارَة).

وَإِذَا أَتَى الزَّائِرُ الْمَسْجِدَ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ الْكَرِيمَ، فَاسْتَقْبَلَهُ وَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ عَلَى نَحْوِ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ مِنْ جِدَارِ الْقَبْرِ وَسَلَّمَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: (السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خِيرَةَ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حَبِيبَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَأَصْحَابِكَ وَأَهْلِ بَيْتِكَ وَعَلَى النَّبِيِّينَ وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنَّكَ بَلَّغْتَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّيْتَ الْأَمَانَةَ وَنَصَحْتَ الْأُمَّةَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا أَفْضَلَ مَا جَزَى رَسُولًا عَنْ أُمَّتِهِ) وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِذَلِكَ.وَإِنْ كَانَ قَدْ أَوْصَاهُ أَحَدٌ بِالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ.ثُمَّ يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذِرَاعٍ إِلَى جِهَةِ يَمِينِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ- رضي الله عنه- وَيَقُولُ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا صِدِّيقَ رَسُولِ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّكَ جَاهَدْتَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، جَزَاكَ اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ خَيْرًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَأَرْضَاكَ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مُتَقَلَّبَكَ وَمَثْوَاكَ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ كُلِّ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ».

ثُمَّ يَتَأَخَّرُ ذِرَاعًا لِلسَّلَامِ عَلَى عُمَرَ- رضي الله عنه- وَيَقُولُ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ الْفَارُوقَ، أَشْهَدُ أَنَّكَ جَاهَدْتَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، جَزَاكَ اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ خَيْرًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَأَرْضَاكَ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مُتَقَلَّبُكَ وَمَثْوَاكَ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ كُلِّ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ» ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.

السَّلَامُ عِنْدَ زِيَارَةِ الْقُبُورِ:

28- قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: زِيَارَةُ الْقُبُورِ مِنْ أَعْظَمِ الدَّوَاءِ لِلْقَلْبِ الْقَاسِي؛ لِأَنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ وَالْآخِرَةَ.وَذَلِكَ يَحْمِلُ عَلَى قِصَرِ الْأَمَلِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَتَرْكِ الرَّغْبَةِ فِيهَا.وَتَذْكُرُ كُتُبُ السُّنَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَزُورُ الْقُبُورَ وَيُسَلِّمُ عَلَى سَاكِنِيهَا، وَيُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ ذَلِكَ.

فَعَنْ بُرَيْدَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ، فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ».

وَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ».

قَوْلُ: «- عليه السلام- » عِنْدَ ذِكْرِ نَبِيٍّ أَوْ رَجُلٍ مِنَ الصَّالِحِينَ:

29- السَّلَامُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ فِي الْغَيْبَةِ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ عِنْدَ ذِكْرِهِمْ، مِثْلُ قَوْلِكَ: نُوحٌ- عليه السلام- أَوْ إِبْرَاهِيمُ- عليه السلام- أَوْ جِبْرِيلُ- عليه السلام-، وَذَلِكَ تَأَسِّيًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} وَقَوْلِهِ: {سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} وَقَوْلِهِ: {سَلَامٌ عَلَىمُوسَى وَهَارُونَ} وَقَوْلِهِ: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} نَعَمْ يَجُوزُ السَّلَامُ عَلَى آلِهِمْ وَأَصْحَابِهِمْ تَبَعًا لَهُمْ دُونَ اسْتِقْلَالٍ. 30- وَأَمَّا السَّلَامُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ اسْتِقْلَالًا فَمَنَعَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ بِأَنَّ السَّلَامَ هُوَ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْغَائِبِ، فَلَا يُفْرَدُ بِهِ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ، فَلَا يُقَالُ: أَبُو بَكْرٍ- عليه السلام- وَلَا عَلِيٌّ- عليه السلام-، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَيُخَاطَبُ بِهِ فَيُقَالُ: سَلَامٌ عَلَيْكَ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَوْ عَلَيْكُمْ.

وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بِأَنَّ السَّلَامَ يُشْرَعُ فِي حَقِّ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ حَيٍّ وَمَيِّتٍ وَغَائِبٍ وَحَاضِرٍ، وَهُوَ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- وَآلِهِ- وَلِهَذَا يَقُولُ الْمُصَلِّي: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَلَا يَقُولُ: الصَّلَاةُ عَلَيْنَا.

السَّلَامُ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ:

31- الْخُرُوجُ مِنَ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ إِلاَّ بِالسَّلَامِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُمْ- لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ».أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَالسَّلَامُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ رُكْنًا بَلْ هُوَ وَاجِبٌ، لِأَنَّ الرَّسُولَ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يُعَلِّمْهُ الْمُسِيءَ صَلَاتَهُ، وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لأَمَرَ بِهِ؛ إِذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.فَالْخُرُوجُ مِنَ الصَّلَاةِ عِنْدَهُمْ يَكُونُ بِالسَّلَامِ، وَيَكُونُ بِغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ أَوْ قَوْلٍ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ.وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى سَلَامٍ.وَتَفْصِيلُهُ فِي (تَسْلِيم).

هَذَا وَالسَّلَامُ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَكُونُ بَعْدَ آخِرِ تَكْبِيرَةٍ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي (صَلَاة الْجِنَازَةِ)

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


11-موسوعة الفقه الكويتية (شك 2)

شَكٌّ -2

الشَّكُّ فِي الْحَجِّ:

أ- الشَّكُّ فِي نَوْعِ الْإِحْرَامِ:

26- إِذَا شَكَّ الْحَاجُّ هَلْ أَحْرَمَ بِالْإِفْرَادِ أَوْ بِالتَّمَتُّعِ أَوْ بِالْقِرَانِ وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الطَّوَافِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ يَصْرِفُهُ إِلَى الْقِرَانِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَهُ صَرْفُهُ إِلَى أَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِحْرَامِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ جَعْلُهُ عُمْرَةً عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: يَتَحَرَّى فَيَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ لِأَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الْعِبَادَةِ فَيَدْخُلُهُ التَّحَرِّي كَالْقِبْلَةِ.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ مَوَاقِفُ الْأَئِمَّةِ مِنْ فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ، فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ غَيْرِهِمْ.

وَأَمَّا إِنْ شَكَّ بَعْدَ الطَّوَافِ فَإِنَّ صَرْفَهُ لَا يَجُوزُ إِلاَّ إِلَى الْعُمْرَةِ لِأَنَّ إِدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَ الطَّوَافِ مَعَ رَكْعَتَيْهِ غَيْرُ جَائِزٍ.

ب- الشَّكُّ فِي دُخُولِ ذِي الْحِجَّةِ:

27- لَوْ شَكَّ النَّاسُ فِي هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ فَوَقَفُوا بِعَرَفَةَ إِنْ أَكْمَلُوا عِدَّةَ ذِي الْقِعْدَةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ لَيْلَةَ كَذَا، وَتَبَيَّنَ أَنْ يَوْمَ وُقُوفِهِمْ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ فَوُقُوفُهُمْ صَحِيحٌ وَحَجَّتُهُمْ تَامَّةٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ.

وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ- عليه الصلاة والسلام- قَالَ: «الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ».

وَأَضَافَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ الْمُتَمَثِّلَ فِي صِحَّةِ الْوُقُوفِ كَانَ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا.أَمَّا إِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ وَقَفُوا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ فَلَا يُجْزِيهِمْ وُقُوفُهُمْ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ: أَنَّ الَّذِينَ وَقَفُوا يَوْمَ النَّحْرِ فَعَلُوا مَا تَعَبَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ إِكْمَالِ الْعِدَّةِ دُونَ اجْتِهَادٍ بِخِلَافِ الَّذِينَ وَقَفُوا فِي الثَّامِنِ فَإِنَّ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِمْ وَقَبُولِهِمْ شَهَادَةَ مَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ.

ج- الشَّكُّ فِي الطَّوَافِ:

28- إِذَا شَكَّ الْحَاجُّ فِي عَدَدِ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَعَلَى هَذَا أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَتَى شَكَّ فِيهَا وَهُوَ فِيهَا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ كَالصَّلَاةِ.وَلِأَنَّ الشَّكَّ فِي النُّقْصَانِ كَتَحَقُّقِهِ.وَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بَعْدَ طَوَافِهِ رَجَعَ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ عَدْلًا، وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الطَّوَافِ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاةِ.

وَفِي الْمُوَطَّأِ: مَنْ شَكَّ فِي طَوَافِهِ بَعْدَ مَا رَكَعَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ فَلْيُعِدْ لِيَتِمَّ طَوَافُهُ عَلَى الْيَقِينِ ثُمَّ لِيُعِدَ الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ لِطَوَافٍ إِلاَّ بَعْدَ إِكْمَالِ السَّبْعِ.وَإِذَا شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ وَهُوَ فِي الطَّوَافِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي شَرْطِ الْعِبَادَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ.

الشَّكُّ فِي الذَّبَائِحِ:

29- مَنِ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْمُذَكَّاةُ بِالْمَيْتَةِ حَرُمَتَا مَعًا لِحُصُولِ سَبَبِ التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ الشَّكُّ.وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَى الْمُسْلِمُ طَرِيدَةً بِآلَةِ صَيْدٍ فَسَقَطَتْ فِي مَاءٍ وَمَاتَتْ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ أَمْرُهَا، فَلَا تُؤْكَلُ لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ.وَلَوْ وُجِدَتْ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ بِبَلَدٍ فِيهِ مَنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَمَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي ذَابِحِهَا لَا تَحِلُّ إِلاَّ إِذَا غَلَبَ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ مَنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ.

الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ:

30- شَكُّ الزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثِ حَالَاتٍ:

الْحَالَةُ الْأُولَى: أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ فِي وُقُوعِ أَصْلِ التَّطْلِيقِ، أَيْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَهَا أَمْ لَا؟ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِأَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ لقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقَعَ الشَّكُّ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ- مَعَ تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ- هَلْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؟ لَمْ تَحِلَّ لَهُ- عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْخِرَقِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ- إِلاَّ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ثَلَاثًا.عَمَلًا بِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» وَيُحْكَمُ بِالْأَقَلِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، فَإِذَا رَاجَعَهَا حَلَّتْ لَهُ عَلَى رَأْيِ هَؤُلَاءِ.

الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَقَعَ الشَّكُّ فِي صِفَةِ الطَّلَاقِ كَأَنْ يَتَرَدَّدَ مَثَلًا فِي كَوْنِهَا بَائِنَةً أَوْ رَجْعِيَّةً، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُحْكَمُ بِالرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ الطَّلَاقَيْنِ فَكَانَ مُتَيَقِّنًا بِهَا.

وَذَكَرَ الْكَاسَانِيُّ- فِي هَذَا الْمَعْنَى- أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ طَلَاقٍ فَهُوَ رَجْعِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَقْبَحَ طَلَاقٍ يَحْتَمِلُ الْقُبْحَ الشَّرْعِيَّ وَهُوَ الْكَرَاهِيَةُ الشَّرْعِيَّةُ، وَيَحْتَمِلُ الْقُبْحَ الطَّبِيعِيَّ وَهُوَ الْكَرَاهِيَةُ الطَّبِيعِيَّةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي وَقْتٍ يُكْرَهُ الطَّلَاقُ فِيهِ طَبْعًا، فَلَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ فِيهِ بِالشَّكِّ، وَهُوَ بَائِنٌ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ قَدْ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالْقُبْحِ، وَالطَّلَاقُ الْقَبِيحُ هُوَ الطَّلَاقُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَهُوَ الْبَائِنُ، وَلِذَلِكَ يَقَعُ بَائِنًا.

الشَّكُّ فِي الرَّضَاعِ:

31- الِاحْتِيَاطُ لِنَفْيِ الرِّيبَةِ فِي الْأَبْضَاعِ مُتَأَكِّدٌ وَيَزْدَادُ الْأَمْرُ تَأْكِيدًا إِذَا كَانَ مُخْتَصًّا بِالْمَحَارِمِ.

فَلَوْ شَكَّ فِي وُجُودِ الرَّضَاعِ أَوْ فِي عَدَدِهِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّضَاعِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَعَدَمُ حُصُولِ الْمِقْدَارِ الْمُحَرِّمِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ إِلاَّ أَنَّهَا تَكُونُ مِنَ الشُّبُهَاتِ وَتَرْكُهَا أَوْلَى لِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «مَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ».

وَيَرَى الْقَرَافِيُّ أَنَّ الشَّكَّ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْمَوْضُوعِ وَمَا نَاظَرَهُ قَدْ يُعَدُّ- فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ- مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى الْحُكْمِ بِالتَّحْرِيمِ، مِنْ ذَلِكَ مَثَلًا مَا لَوْ شَكَّ الرَّجُلُ فِي أَجْنَبِيَّةٍ وَأُخْتِهِ مِنَ الرَّضَاعِ حَرُمَتَا عَلَيْهِ مَعًا.

الشَّكُّ فِي الْيَمِينِ

32- إِمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ فِي أَصْلِ الْيَمِينِ هَلْ وَقَعَتْ أَوْ لَا: كَشَكِّهِ فِي وُقُوعِ الْحَلِفِ أَوِ الْحَلِفِ وَالْحِنْثِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الشَّاكِّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ.

وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ كَمَا إِذَا حَلَفَ وَحَنِثَ، وَشَكَّ هَلْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَشْيٍ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ صَدَقَةٍ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَا مَاثَلَهَا- عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ- طَلَاقُ نِسَائِهِ وَعِتْقُ رَقِيقِهِ وَالْمَشْيُ إِلَى مَكَّةَ وَالتَّصَدُّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى وَجْهِ الْإِفْتَاءِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ إِذِ الْحَالِفُ- فِي رَأْيِهِمْ- يُؤْمَرُ بِإِنْفَاذِ الْأَيْمَانِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الشَّاكَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ لَا يَقَعَانِ بِالشَّكِّ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى الْحَلِفِ بِاللَّهِ لَا تَجِبُ مَعَ الشَّكِّ أَيْضًا إِذِ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ.

وَيُضِيفُونَ إِلَى هَذَا الْحَلِفَ إِذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ مَعْلُومٍ مَعَ الشَّكِّ فِي الْقَسَمِ هَلْ كَانَ بِاللَّهِ إِذَا تَحَقَّقَ الشَّرْطُ وَكَانَ الْحَالِفُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَجِبُ حَمْلُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالْمَشْرُوعِ دُونَ الْمَحْظُورِ.

الشَّكُّ فِي النَّذْرِ:

33- لَوْ شَكَّ النَّاذِرُ فِي نَوْعِ الْمَنْذُورِ هَلْ هُوَ صَلَاةٌ أَوْ صِيَامٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ عِتْقٌ؟ تَلْزَمُهُ- عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ- كَفَّارَةُ يَمِينٍ، لِأَنَّ الشَّكَّ فِي الْمَنْذُورِ كَعَدَمِ تَسْمِيَتِهِ.

الشَّكُّ فِي الْوَصِيَّةِ:

34- قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ- فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ مُسَمًّى وَأَخْبَرَ أَنَّ ثُلُثَ مَالِهِ أَلْفٌ مَثَلًا فَإِذَا ثُلُثُ مَالِهِ أَكْثَرُ مِمَّا ذُكِرَ-: إِنَّ لَهُ الثُّلُثَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالتَّسْمِيَةُ الَّتِي سَمَّى بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا خَطَأٌ.وَالْخَطَأُ لَا يَنْقُضُ الْوَصِيَّةَ وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا فِيهَا، وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي هَذَا الرَّأْيِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَقَدْ أَتَى بِوَصِيَّةٍ صَحِيحَةٍ حَيْثُ إِنَّ صِحَّتَهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى بَيَانِ الْمِقْدَارِ الْمُوصَى بِهِ فَتَقَعُ الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةً بِدُونِهِ.

الشَّكُّ فِي الدَّعْوَى، أَوْ مَحَلِّهَا، أَوْ مَحَلِّ الشَّهَادَةِ:

35- أ- لَوِ ادَّعَى شَخْصٌ دَيْنًا عَلَى آخَرَ وَشَكَّ الْمَدِينُ فِي قَدْرِهِ يَنْبَغِي لُزُومُ إِخْرَاجِ الْقَدْرِ الْمُتَيَقَّنِ.قَالَ الْحَمَوِيُّ: قِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَرُّعِ وَالْأَخْذِ بِالْأَحْوَطِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ.

وَالْمُرَادُ بِالْقَدْرِ الْمُتَيَقَّنِ- فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَا مَاثَلَهَا- هُوَ أَكْثَرُ الْمَبْلَغَيْنِ: فَإِذَا كَانَ الشَّكُّ دَائِرًا بَيْنَ عَشَرَةٍ وَخَمْسَةٍ فَالْمُتَيَقَّنُ الْعَشَرَةُ لِدُخُولِ الْخَمْسَةِ فِيهَا، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ الْأَكْثَرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَقَلِّ مُتَيَقَّنًا دَائِمًا رَغْمَ وُقُوعِ الشَّكِّ فِيهِمَا.

وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: أَنَّ الْمَدِينَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَيْهِ أَنْ يُرْضِيَ خَصْمَهُ وَلَا يَحْلِفَ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَرَامِ، وَإِنْ أَصَرَّ خَصْمُهُ عَلَى إِحْلَافِهِ حَلَفَ إِنْ كَانَ أَكْبَرُ ظَنِّهِ أَنَّهُ مُبْطِلٌ، أَمَّا إِذَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَنَّ صَاحِبَ الدَّعْوَى مُحِقٌّ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ.

ب- لَوِ اشْتَرَى أَحَدٌ حَيَوَانًا أَوْ مَتَاعًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ بِهِ عَيْبًا وَأَرَادَ رَدَّهُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَيْبٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِعَيْبٍ، فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ لِأَنَّ السَّلَامَةَ هِيَ الْأَصْلُ الْمُتَيَقَّنُ فَلَا يَثْبُتُ الْعَيْبُ بِالشَّكِّ.

ج- لَوِ ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ عَدَمَ وُصُولِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ الْمُقَرَّرَتَيْنِ لَهَا فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ فَالْقَوْلُ لَهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُتَيَقَّنُ بَقَاؤُهَا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَأَمَّا دَعْوَاهُ فَمَشْكُوكٌ فِيهَا وَلَا يَزُولُ يَقِينٌ بِشَكٍّ.

د- إِذَا كَانَ إِنْسَانٌ يَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا مَدِينٌ لِعُمَرَ بِأَلْفِ دِينَارٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى عَلِيٍّ، وَإِنْ خَامَرَهُ الشَّكُّ فِي وَفَائِهَا أَوْ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْهَا إِذْ لَا عِبْرَةَ بِالشَّكِّ فِي جَانِبِ الْيَقِينِ السَّابِقِ.

الشَّكُّ فِي الشَّهَادَةِ:

36- لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ: أَشْهَدُ بِأَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مِائَةَ دِينَارٍ- مَثَلًا- فِيمَا أَعْلَمُ أَوْ فِيمَا أَظُنُّ، أَوْ حَسَبَ ظَنِّي لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِلشَّكِّ الَّذِي دَاخَلَهَا مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى لَفْظِهَا؛ لِأَنَّ رُكْنَ الشَّهَادَةِ لَفْظُ أَشْهَدُ لَا غَيْرُ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الشَّهَادَةِ وَالْقَسَمُ وَالْإِخْبَارُ لِلْحَالِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدِ اطَّلَعْتُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَا أُخْبِرُ بِهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ تَعَيَّنَ لَفْظُ أَشْهَدُ.

وَقَدْ بَيَّنَ سَحْنُونٌ- مِنَ الْمَالِكِيَّةِ- أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِنِكَاحٍ أَوْ إِقْرَارٍ أَوْ إِبْرَاءٍ وَسَأَلَ الْخَصْمُ إِدْخَالَهَا فِي نِسَاءٍ لِلتَّعَرُّفِ عَلَيْهَا مِنْ بَيْنِهِنَّ فَقَالُوا: شَهِدْنَا عَلَيْهَا عَنْ مَعْرِفَتِهَا بِعَيْنِهَا وَنَسَبِهَا وَلَا نَدْرِي هَلْ نَعْرِفُهَا الْيَوْمَ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ حَالُهَا فَلَا نَتَكَلَّفُ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ- مِنَ التَّعَرُّفِ عَلَيْهَا وَإِلاَّ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِلشَّكِّ، أَمَّا لَوْ قَالُوا: نَخَافُ أَنْ تَكُونَ تَغَيَّرَتْ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: إِنْ شَكَكْتُمْ وَقَدْ أَيْقَنْتُمْ أَنَّهَا ابْنَةُ فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ هَذَا إِلاَّ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ مِنْ حِينِ شَهِدُوا عَلَيْهَا إِلَى الْيَوْمِ جَازَتِ الشَّهَادَةُ- فِي هَذِهِ الْحَالَةِ- وَقُبِلَتْ.

وَمِمَّا تَجْدُرُ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَرَوْنَ أَنَّ الشَّهَادَةَ مَعَ الشَّكِّ تَسْلُبُ صِفَةَ الْعَدَالَةِ لِلشَّاهِدِ.وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ أَكَّدَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ لَا تَثْبُتُ بِالشَّكِّ.وَوَضَعُوا قُيُودًا لِقَبُولِ شَهَادَةِ السَّمَاعِ لِلشَّكِّ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُدَاخِلَهَا.

الشَّكُّ فِي النَّسَبِ:

37- أ- كُلُّ مُطَلَّقَةٍ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَنَسَبُ وَلَدِهَا يَثْبُتُ مِنَ الزَّوْجِ إِلاَّ إِذَا عُلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ تَجِيءَ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ النِّكَاحِ بِجَمِيعِ عَلَائِقِهِ فَكَانَ النِّكَاحُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ زَائِلًا بِيَقِينٍ وَمَا زَالَ بِيَقِينٍ لَا يَثْبُتُ إِلاَّ بِيَقِينٍ مِثْلِهِ فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ فَقَدْ تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ وُجِدَ فِي حَالِ الْفِرَاشِ وَإِنَّهُ وَطِئَهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ إِذْ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِوَطْءٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِدُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَانَ مِنْ وَطْءٍ وُجِدَ عَلَى فِرَاشِ الزَّوْجِ وَكَوْنُ الْعُلُوقِ فِي فِرَاشِهِ يُوجِبُ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُ.فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَسْتَيْقِنْ بِكَوْنِهِ مَوْلُودًا عَلَى الْفِرَاشِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بِوَطْءٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْفِرَاشُ كَانَ زَائِلًا بِيَقِينٍ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ.

ب- إِذَا ادَّعَى إِنْسَانٌ نَسَبَ لَقِيطٍ أُلْحِقَ بِهِ؛ لِانْفِرَادِهِ بِالدَّعْوَى، فَإِذَا جَاءَ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَادَّعَاهُ فَلَمْ يَزُلْ نَسَبُهُ عَنِ الْأَوَّلِ- رَغْمَ الشَّكِّ الَّذِي أَحْدَثَتْهُ دَعْوَى الثَّانِي- لِأَنَّهُ حُكِمَ لَهُ بِهِ فَلَا يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، إِلاَّ إِذَا شَهِدَ الْقَائِفُونَ بِأَنَّهُ لِلثَّانِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ لِأَنَّ الْقِيَافَةَ تُعْتَبَرُ بَيِّنَةً فِي إِلْحَاقِ النَّسَبِ.وَإِذَا ادَّعَى اللَّقِيطَ اثْنَانِ فَأَلْحَقَهُ الْقَائِفُونَ بِهِمَا صَحَّ ذَلِكَ شَرْعًا وَكَانَ ابْنَهُمَا يَرِثُهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ وَيَرِثَانِهِ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا الرَّأْيُ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ يُلْحَقُ بِهِمَا بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِلْآثَارِ الْكَثِيرَةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ.

الشَّكُّ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُتَّهَمُ:

38- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ: تُدْرَأُ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ.وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ- رضي الله عنها- قَالَتْ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ لَهَا مَدْفَعًا» وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «تَعَافُوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُوجِبُ أَوَّلًا: اعْتِمَادَ الْيَقِينِ- مَا أَمْكَنَ- فِي نِسْبَةِ الْجَرِيمَةِ إِلَى الْمُتَّهَمِ، وَثَانِيًا: أَنَّ الشَّكَّ- مَهْمَا كَانَتْ نِسْبَتُهُ وَمَهْمَا كَانَ مَحَلُّهُ وَمَهْمَا كَانَ طَرِيقُهُ- يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُتَّهَمُ فَيَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ، يَقُولُ الشَّاطِبِيُّ: فَإِنَّ الدَّلِيلَ يَقُومُ- هُنَاكَ- مُفِيدًا لِلظَّنِّ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِذَا عَارَضَتْهُ شُبْهَةٌ وَإِنْ ضَعُفَتْ- غَلَبَ- حُكْمُهَا وَدَخَلَ صَاحِبُهَا فِي مَرْتَبَةِ الْعَفْوِ.

وَثَالِثًا: الْخَطَأُ فِي الْعَفْوِ أَفْضَلُ شَرْعًا مِنَ الْخَطَأِ فِي الْعُقُوبَةِ حَيْثُ إِنَّ تَبْرِئَةَ الْمُجْرِمِ فِعْلًا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ مُعَاقَبَةِ الْبَرِيءِ.وَهَذَا الْمَبْدَأُ نَجِدُ تَطْبِيقَاتِهِ مَبْثُوثَةً فِي أَقْضِيَةِ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم- وَأَقْضِيَةِ التَّابِعِينَ وَفَتَاوَى الْمُجْتَهِدِينَ، مِنْ ذَلِكَ مَا حَكَمَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- فِي قَضِيَّةِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَالِي الْبَصْرَةِ الَّذِي اتُّهِمَ بِالزِّنَا مَعَ امْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ كَانَ يُحْسِنُ إِلَيْهَا، فَاسْتَدْعَى الْخَلِيفَةُ الْوَالِيَ وَشُهُودَ التُّهْمَةِ فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِرُؤْيَةِ تَنْفِيذِ الْجَرِيمَةِ، وَلَكِنَّ الشَّاهِدَ الرَّابِعَ الَّذِي يَكْتَمِلُ بِهِ النِّصَابُ قَالَ: لَمْ أَرَ مَا قَالَ هَؤُلَاءِ بَلْ رَأَيْتُ رِيبَةً وَسَمِعْتُ نَفَسًا عَالِيًا، وَلَا أَعْرِفُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَأَسْقَطَ عُمَرُ التُّهْمَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ وَحَفِظَ لَهُ بَرَاءَتَهُ وَطَهَارَتَهُ، وَعَاقَبَ الشُّهُودَ الثَّلَاثَةَ عُقُوبَةَ الْقَذْفِ.

وَعُمَرُ نَفْسُهُ لَمْ يُقِمْ حَدَّ السَّرِقَةِ عَامَ الرَّمَادَةِ لِأَنَّهُ جَعَلَ مِنَ الْمَجَاعَةِ الْعَامَّةِ قَرِينَةً عَلَى الِاضْطِرَارِ، وَالِاضْطِرَارُ شُبْهَةٌ فِي السَّرِقَةِ تَمْنَعُ الْحَدَّ عَنِ السَّارِقِ بَلْ تُبِيحُ لَهُ السَّرِقَةَ فِي حُدُودِ الضَّرُورَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ أَنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ مَالِ أَبِيهِ خُفْيَةً ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَأَنَّ مَنْ جَامَعَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا فِي الْعِدَّةِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ يُبَاحُ لَهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا.

وَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ بِأَنَّ مَا يُعْرَفُ بِشُبْهَةِ الْعَقْدِ يُدْرَأُ الْحَدُّ بِهَا، فَلَا حَدَّ- فِي رَأْيِهِ- عَلَى مَنْ وَطِئَ مُحَرَّمَةً بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ: كَوَطْءِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا بِلَا شُهُودٍ مَثَلًا، وَفِي رَأْيِ الصَّاحِبِينَ عَلَيْهِ الْحَدُّ- إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ- وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

الشَّكُّ لَا تُنَاطُ بِهِ الرُّخَصُ: أَوِ الرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالشَّكِّ:

39- هُوَ لَفْظُ قَاعِدَةٍ فِقْهِيَّةٍ ذَكَرَهَا السُّيُوطِيُّ نَقْلًا عَنْ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ فَرَّعُوا عَلَيْهَا الْفُرُوعَ التَّالِيَةَ:

أ- وُجُوبُ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ لِمَنْ شَكَّ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَوْ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ.

ب- مَنْ شَكَّ فِي غَسْلِ إِحْدَى رِجْلَيْهِ وَأَدْخَلَهُمَا فِي الْخُفَّيْنِ- مَعَ ذَلِكَ- لَا يُبَاحُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا.

ج- وُجُوبُ الْإِتْمَامِ لِمَنْ شَكَّ فِي جَوَازِ الْقَصْرِ.وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي صُوَرٍ عَدِيدَةٍ

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


12-موسوعة الفقه الكويتية (صوم 1)

صَوْمٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الصَّوْمُ فِي اللُّغَةِ: الْإِمْسَاكُ مُطْلَقًا عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكَلَامِ وَالنِّكَاحِ وَالسَّيْرِ.قَالَ تَعَالَى- حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ ((-: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}.

وَالصَّوْمُ: مَصْدَرُ صَامَ يَصُومُ صَوْمًا وَصِيَامًا.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفْطِرِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْإِمْسَاكُ:

2- الْإِمْسَاكُ لُغَةً: هُوَ حَبْسُ الشَّيْءِ وَالِاعْتِصَامُ بِهِ، وَأَخْذُهُ وَقَبْضُهُ، وَالْإِمْسَاكُ عَنِ الْكَلَامِ هُوَ: السُّكُوتُ، وَالْإِمْسَاكُ: الْبُخْلُ.وقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} أَمْرٌ بِحَبْسِهِنَّ وَهُوَ بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنَ الصَّوْمِ.

ب- الْكَفُّ:

3- الْكَفُّ عَنِ الشَّيْءِ لُغَةً: تَرْكُهُ، وَإِذَا ذُكِرَ الْمُتَعَلِّقُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ كَانَ مُسَاوِيًا لِلصَّوْمِ.

ج- الصَّمْتُ:

4- الصَّمْتُ وَكَذَا السُّكُوتُ لُغَةً: الْإِمْسَاكُ عَنِ النُّطْقِ، وَهُمَا أَخَصُّ مِنَ الصَّوْمِ لُغَةً، لَا شَرْعًا، لِأَنَّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ تَبَايُنًا.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

5- أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَرْضٌ.وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ.

أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وَقَوْلُهُ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ}: أَيْ فُرِضَ.

وقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».

كَمَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى فَرْضِيَّةِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، لَا يَجْحَدُهَا إِلاَّ كَافِرٌ.

فَضْلُ الصَّوْمِ:

6- وَرَدَتْ فِي فَضْلِ الصَّوْمِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَلِي:

أ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-

عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

ب- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-

قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ بِقُدُومِ رَمَضَانَ، يَقُولُ: قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ».

ج- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا، يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ».

د- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ».

حِكْمَةُ الصَّوْمِ:

7- تَتَجَلَّى حِكْمَةُ الصَّوْمِ فِيمَا يَلِي:

أ- أَنَّ الصَّوْمَ وَسِيلَةٌ إِلَى شُكْرِ النِّعْمَةِ، إِذْ هُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ، وَإِنَّهَا مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَعْلَاهَا، وَالِامْتِنَاعُ عَنْهَا زَمَانًا مُعْتَبَرًا يُعَرِّفُ قَدْرَهَا، إِذِ النِّعَمُ مَجْهُولَةٌ، فَإِذَا فُقِدَتْ عُرِفَتْ، فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى قَضَاءِ حَقِّهَا بِالشُّكْرِ، وَشُكْرُ النِّعَمِ فَرْضٌ عَقْلًا وَشَرْعًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ فِي آيَةِ الصِّيَامِ: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}

ب- أَنَّ الصَّوْمَ وَسِيلَةٌ إِلَى التَّقْوَى، لِأَنَّهُ إِذَا انْقَادَتْ نَفْسٌ لِلِامْتِنَاعِ عَنِ الْحَلَالِ طَمَعًا فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَوْفًا مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ، فَأَوْلَى أَنْ تَنْقَادَ لِلِامْتِنَاعِ عَنِ الْحَرَامِ، فَكَانَ الصَّوْمُ سَبَبًا لِاتِّقَاءِ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّهُ فَرْضٌ، وَإِلَيْهِ وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ آيَةِ الصَّوْمِ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

ج- أَنَّ فِي الصَّوْمِ قَهْرَ الطَّبْعِ وَكَسْرَ الشَّهْوَةِ، لِأَنَّ النَّفْسَ إِذَا شَبِعَتْ تَمَنَّتِ الشَّهَوَاتِ، وَإِذَا جَاعَتِ امْتَنَعَتْ عَمَّا تَهْوَى، وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» فَكَانَ الصَّوْمُ ذَرِيعَةً إِلَى الِامْتِنَاعِ عَنِ الْمَعَاصِي

د- أَنَّ الصَّوْمَ مُوجِبٌ لِلرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَإِنَّ الصَّائِمَ إِذَا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، ذَكَرَ مَنْ هَذَا حَالُهُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، فَتُسَارِعُ إِلَيْهِ الرِّقَّةُ عَلَيْهِ، وَالرَّحْمَةُ بِهِ، بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، فَيَنَالُ بِذَلِكَ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ

هـ- فِي الصَّوْمِ مُوَافَقَةُ الْفُقَرَاءِ، بِتَحَمُّلِ مَا يَتَحَمَّلُونَ أَحْيَانًا، وَفِي ذَلِكَ رَفْعُ حَالِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

و- فِي الصَّوْمِ قَهْرٌ لِلشَّيْطَانِ، فَإِنَّ وَسِيلَتَهُ إِلَى الْإِضْلَالِ وَالْإِغْوَاءِ- الشَّهَوَاتُ، وَإِنَّمَا تَقْوَى الشَّهَوَاتُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ- رضي الله عنها- قَوْلُهُ- عليه الصلاة والسلام-: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَجْرِيَ مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، فَضَيِّقُوا مَجَارِيَهُ بِالْجُوعِ».

أَنْوَاعُ الصَّوْمِ:

8- يَنْقَسِمُ الصَّوْمُ إِلَى صَوْمِ عَيْنٍ، وَصَوْمِ دَيْنٍ.

وَصَوْمُ الْعَيْنِ: مَا لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ:

أ- إِمَّا بِتَعْيِينِ اللَّهِ تَعَالَى، كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَصَوْمِ التَّطَوُّعِ خَارِجَ رَمَضَانَ، لِأَنَّ خَارِجَ رَمَضَانَ مُتَعَيَّنٌ لِلنَّفْلِ شَرْعًا.

ب- وَإِمَّا بِتَعْيِينِ الْعَبْدِ، كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ.

وَأَمَّا صَوْمُ الدَّيْنِ، فَمَا لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، كَصَوْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَصَوْمِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ، وَصَوْمِ مُتْعَةِ الْحَجِّ، وَصَوْمِ فِدْيَةِ الْحَلْقِ، وَصَوْمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَصَوْمِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ عَنِ الْوَقْتِ، وَصَوْمِ الْيَمِينِ، بِأَنْ قَالَ: وَاللَّهِ لأَصُومَنَّ شَهْرًا.

الصَّوْمُ الْمَفْرُوضُ:

يَنْقَسِمُ الصَّوْمُ الْمَفْرُوضُ مِنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، إِلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهُ مَا هُوَ مُتَتَابِعٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ غَيْرُ مُتَتَابِعٍ، بَلْ صَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ تَابَعَ، وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ.

أَوَّلًا: مَا يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ، وَيَشْمَلُ مَا يَلِي:

9- أ- صَوْمَ رَمَضَانَ، فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِصَوْمِ الشَّهْرِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وَالشَّهْرُ مُتَتَابِعٌ، لِتَتَابُعِ أَيَّامِهِ، فَيَكُونُ صَوْمُهُ مُتَتَابِعًا ضَرُورَةً.

ب- صَوْمَ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الْخَطَأِ، وَصَوْمَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالصَّوْمَ الْمَنْذُورَ بِهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، وَصَوْمَ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ.

وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَتَابُع).

ثَانِيًا: مَا لَا يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ، وَيَشْمَلُ مَا يَلِي:

10- أ- قَضَاءَ رَمَضَانَ، فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّتَابُعِ فِيهِ، لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فَإِنَّهُ ذَكَرَ الصَّوْمَ مُطْلَقًا عَنِ التَّتَابُعِ.

وَيُرْوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ: عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَعَائِشَةُ، - رضي الله عنهما- أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ شَاءَ تَابَعَ، وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ وَلَوْ كَانَ التَّتَابُعُ شَرْطًا، لَمَا احْتَمَلَ الْخَفَاءَ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ، وَلَمَا احْتَمَلَ مُخَالَفَتَهُمْ إِيَّاهُ.

وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ هُوَ: نَدْبُ التَّتَابُعِ أَوِ اسْتِحْبَابُهُ لِلْمُسَارَعَةِ إِلَى إِسْقَاطِ الْفَرْضِ

وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ تَتَابُعَهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ، وَالْأَدَاءُ وَجَبَ مُتَتَابِعًا، فَكَذَا الْقَضَاءُ.

ب- الصَّوْمَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَفِي تَتَابُعِهِ خِلَافٌ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَتَابُع).

ج- صَوْمَ الْمُتْعَةِ فِي الْحَجِّ، وَصَوْمَ كَفَّارَةِ الْحَلْقِ، وَصَوْمَ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَصَوْمَ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ، وَصَوْمَ الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ.قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي صَوْمِ الْمُتْعَةِ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}.

وَقَالَ فِي كَفَّارَةِ الْحَلْقِ: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}.

وَقَالَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} فَذَكَرَ الصَّوْمَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ التَّتَابُعِ.

وَكَذَا: النَّاذِرُ، وَالْحَالِفُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ، وَالْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ، ذَكَرَ الصَّوْمَ فِيهَا مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ التَّتَابُعِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (نَذْر، وَأَيْمَان).

الصَّوْمُ الْمُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِهِ، وَيَشْمَلُ مَا يَلِي:

الْأَوَّلُ وَهُوَ: قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ صَوْمِ النَّفْلِ 11- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ قَضَاءَ نَفْلِ الصَّوْمِ إِذَا أَفْسَدَهُ وَاجِبٌ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْحَنَفِيَّةُ: بِحَدِيثِ «عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ، فَعُرِضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ.فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَبَدَرَتْنِي إِلَيْهِ حَفْصَةُ- وَكَانَتِ ابْنَةَ أَبِيهَا- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا صَائِمَتَيْنِ فَعُرِضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ، قَالَ: اقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ مَكَانَهُ».

وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- خَرَجَ يَوْمًا عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: إِنِّي أَصْبَحْتُ صَائِمًا، فَمَرَّتْ بِي جَارِيَةٌ لِي، فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا، فَمَا تَرَوْنَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَصَبْتَ حَلَالًا، وَتَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.قَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَحْسَنُهُمْ فُتْيَا.

وَلِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ قُرْبَةً، فَيَجِبُ صِيَانَتُهُ وَحِفْظُهُ عَنِ الْبُطْلَانِ، وَقَضَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْسَادِ، لقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إِلاَّ بِإِتْيَانِ الْبَاقِي، فَيَجِبُ إِتْمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْسَادِ ضَرُورَةً، فَصَارَ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْمُتَطَوَّعَيْنِ.

وَالْحَنَفِيَّةُ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ إِذَا فَسَدَ صَوْمُ النَّافِلَةِ عَنْ قَصْدٍ، أَوْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ عَرَضَ الْحَيْضُ لِلصَّائِمَةِ الْمُتَطَوِّعَةِ.

وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْإِفْسَادِ نَفْسِهِ، هَلْ يُبَاحُ أَوْ لَا؟ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إِلاَّ بِعُذْرٍ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ.

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، هِيَ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى: يُبَاحُ بِلَا عُذْرٍ، وَاسْتَوْجَهَهَا الْكَمَالُ إِذْ قَالَ: وَاعْتِقَادِي أَنَّ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى أَوْجَهُ لَكِنْ قُيِّدَتْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِنْ نِيَّتِهِ الْقَضَاءُ.

وَاخْتَلَفُوا- عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ- هَلِ الضِّيَافَةُ عُذْرٌ أَوْ لَا؟.

قَالَ فِي الدُّرِّ: وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ، إِنْ كَانَ صَاحِبُهَا مِمَّنْ لَا يَرْضَى بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ، وَيَتَأَذَّى بِتَرْكِ الْإِفْطَارِ، فَيُفْطِرُ، وَإِلاَّ لَا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، أَفْطَرَ وَلَوْ كَانَ صَوْمُهُ قَضَاءً، وَلَا يُحَنِّثُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

وَقِيلَ: إِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ يَرْضَى بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ، لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ.وَإِنْ كَانَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ يُفْطِرُ.

وَهَذَا إِذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا، إِلاَّ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ إِلَى الْعَصْرِ، لَا بَعْدَهُ.

- وَالْمَالِكِيَّةُ أَوْجَبُوا الْقَضَاءَ بِالْفِطْرِ الْعَمْدِ الْحَرَامِ، احْتِرَازًا عَنِ الْفِطْرِ نِسْيَانًا أَوْ إِكْرَاهًا، أَوْ بِسَبَبِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، أَوْ خَوْفِ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتِهِ، أَوْ شِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ، حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ لِحَلِفِ شَخْصٍ عَلَيْهِ بِطَلَاقٍ بَاتٍّ، فَلَا يَجُوزُ الْفِطْرُ، وَإِنْ أَفْطَرَ قَضَى.

وَاسْتَثْنَوْا مَا إِذَا كَانَ لِفِطْرِهِ وَجْهٌ: - كَأَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا، وَيَخْشَى أَنْ لَا يَتْرُكَهَا إِنْ حَنِثَ، فَيَجُوزُ الْفِطْرُ وَلَا قَضَاءَ.

- أَوْ أَنْ يَأْمُرَهُ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ بِالْفِطْرِ، حَنَانًا وَإِشْفَاقًا عَلَيْهِ مِنْ إِدَامَةِ الصَّوْمِ، فَيَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.

- أَوْ يَأْمُرُهُ أُسْتَاذُهُ أَوْ مُرَبِّيهِ بِالْإِفْطَارِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفِ الْوَالِدَانِ أَوِ الشَّيْخُ.

12- وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، لَا يُوجِبُونَ إِتْمَامَ نَافِلَةِ الصَّوْمِ، وَلَا يُوجِبُونَ قَضَاءَهَا إِنْ فَسَدَتْ، وَذَلِكَ: - «لِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُهْدِيَ إِلَيْنَا حَيْسٌ فَقَالَ: أَرِنِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا.فَأَكَلَ» وَزَادَ النَّسَائِيُّ: «إِنَّمَا مِثْلُ صَوْمِ الْمُتَطَوِّعِ مِثْلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا».

وَلِحَدِيثِ «أُمِّ هَانِئٍ- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَيْهَا، فَدَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا إِنِّي كُنْتُ صَائِمَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِينُ نَفْسِهِ، إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» وَفِي رِوَايَةٍ: «أَمِيرُ نَفْسِهِ».

وَلِحَدِيثِ «أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضي الله عنه- قَالَ: صَنَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- طَعَامًا، فَأَتَانِي هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمَّا وُضِعَ الطَّعَامُ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: دَعَاكُمْ أَخُوكُمْ، وَتَكَلَّفَ لَكُمْ.ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَفْطِرْ، وَصُمْ مَكَانَهُ يَوْمًا إِنْ شِئْتَ».

وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتْبَعُ الْمَقْضِيَّ عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، لَمْ يَكُنِ الْقَضَاءُ وَاجِبًا، بَلْ يُسْتَحَبُّ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي نَافِلَةِ صَوْمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ، وَلَا كَرَاهَةَ وَلَا قَضَاءَ فِي قَطْعِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مَعَ الْعُذْرِ.

أَمَّا مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ فَيُكْرَهُ، لقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} وَمِنَ الْعُذْرِ أَنْ يَعِزَّ عَلَى مَنْ ضَيَّفَهُ امْتِنَاعُهُ مِنَ الْأَكْلِ.

وَإِذَا أَفْطَرَ فَإِنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى مَا مَضَى إِنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَإِلاَّ أُثِيبَ.

الثَّانِي: صَوْمُ الِاعْتِكَافِ، وَفِيهِ خِلَافٌ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (اعْتِكَاف ج 5 ف 17).

صَوْمُ التَّطَوُّعِ:

13- وَهُوَ:

1- صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ.

2- صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ.

3- صَوْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ مِنْ كُلِّ أُسْبُوعٍ.

4- صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَهِيَ الْأَيَّامُ الْبِيضُ.

5- صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ.

6- صَوْمُ شَهْرِ شَعْبَانَ.

7- صَوْمُ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ.

8- صَوْمُ شَهْرِ رَجَبٍ.

9- صِيَامُ مَا ثَبَتَ طَلَبُهُ وَالْوَعْدُ عَلَيْهِ فِي السُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ.

وَتَفْصِيلُ أَحْكَامِ هَذَا الصَّوْمِ فِي مُصْطَلَحِ: (صَوْمُ التَّطَوُّعِ)

الصَّوْمُ الْمَكْرُوهُ، وَيَشْمَلُ مَا يَلِي:

أ- إِفْرَادَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ:

14- نَصَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلاَّ وَقَبْلَهُ يَوْمٌ، أَوْ بَعْدَهُ يَوْمٌ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ، فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ، إِلاَّ أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ».

وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ».

وَذُكِرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِصَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ وَلَا يُفْطِرُ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِـ (لَا بَأْسَ) الِاسْتِحْبَابُ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَصْكَفِيُّ بِنَدْبِ صَوْمِهِ، وَلَوْ مُنْفَرِدًا.وَكَذَا الدَّرْدِيرُ صَرَّحَ بِنَدْبِ صَوْمِهِ وَحْدَهُ فَقَطْ، لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَالَ: فَإِنْ ضَمَّ إِلَيْهِ آخَرَ فَلَا خِلَافَ فِي نَدْبِهِ.

وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ: ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ طَلَبُ صَوْمِهِ، وَالنَّهْيُ عَنْهُ، وَالْأَخِيرُ مِنْهُمَا: النَّهْيُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: جَاءَ حَدِيثٌ فِي كَرَاهَةِ صَوْمِهِ، إِلاَّ أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي أَنْ يَضُمَّ إِلَيْهِ يَوْمًا آخَرَ.

قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: فَمُطْلَقُ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِهِ مُقَيَّدٌ بِالْإِفْرَادِ.

وَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ بِضَمِّ يَوْمٍ آخَرَ إِلَيْهِ، لِحَدِيثِ «جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ- رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: أَصُمْتِ أَمْسِ؟ قَالَتْ: لَا.قَالَ: تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟ قَالَتْ: لَا.قَالَ: فَأَفْطِرِي».

ب- صَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ وَحْدَهُ خُصُوصًا:

15- وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى كَرَاهَتِهِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أُخْتِهِ، وَاسْمُهَا الصَّمَّاءُ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلاَّ فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلاَّ لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ».

وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ، فَفِي إِفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ تَشَبُّهٌ بِهِمْ، إِلاَّ أَنْ يُوَافِقَ صَوْمُهُ بِخُصُوصِهِ يَوْمًا اعْتَادَ صَوْمَهُ، كَيَوْمِ عَرَفَةَ أَوْ عَاشُورَاءَ.

ج- صَوْمُ يَوْمِ الْأَحَدِ بِخُصُوصِهِ:

16- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَعَمُّدَ صَوْمِ يَوْمِ الْأَحَدِ بِخُصُوصِهِ مَكْرُوهٌ، إِلاَّ إِذَا وَافَقَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ صَوْمَ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ مَعًا لَيْسَ فِيهِ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لِأَنَّهُ لَمْ تَتَّفِقْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَلَى تَعْظِيمِهِمَا، كَمَا لَوْ صَامَ الْأَحَدَ مَعَ الِاثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ وَيُسْتَظْهَرُ مِنْ نَصِّ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ صِيَامُ كُلِّ عِيدٍ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَوْ يَوْمٍ يُفْرِدُونَهُ بِالتَّعْظِيمِ إِلاَّ أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً لِلصَّائِمِ.

د- إِفْرَادُ يَوْمِ النَّيْرُوزِ بِالصَّوْمِ:

17- يُكْرَهُ إِفْرَادُ يَوْمِ النَّيْرُوزِ، وَيَوْمِ الْمِهْرَجَانِ بِالصَّوْمِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يَوْمَانِ يُعَظِّمُهُمَا الْكُفَّارُ، وَهُمَا عِيدَانِ لِلْفُرْسِ، فَيَكُونُ تَخْصِيصُهُمَا بِالصَّوْمِ- دُونَ غَيْرِهِمَا- مُوَافَقَةً لَهُمْ فِي تَعْظِيمِهِمَا، فَكُرِهَ، كَيَوْمِ السَّبْتِ.

وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا كُلُّ عِيدٍ لِلْكُفَّارِ، أَوْ يَوْمٍ يُفْرِدُونَهُ بِالتَّعْظِيمِ وَنَصَّ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى أَنَّ الصَّائِمَ إِذَا قَصَدَ بِصَوْمِهِ التَّشَبُّهَ، كَانَتِ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةً.

هـ- صَوْمُ الْوِصَالِ:

18- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ) إِلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ الْوِصَالِ، وَهُوَ: أَنْ لَا يُفْطِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَصْلًا، حَتَّى يَتَّصِلَ صَوْمُ الْغَدِ بِالْأَمْسِ، فَلَا يُفْطِرُ بَيْنَ يَوْمَيْنِ، وَفَسَّرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنْ يَصُومَ السَّنَةَ وَلَا يُفْطِرَ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ.

وَإِنَّمَا كُرِهَ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: «وَاصَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي رَمَضَانَ، فَوَاصَلَ النَّاسُ..فَنَهَاهُمْ، قِيلَ لَهُ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى».

وَالنَّهْيُ وَقَعَ رِفْقًا وَرَحْمَةً، وَلِهَذَا وَاصَلَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-.

وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِأَكْلِ تَمْرَةٍ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا بِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ لِانْتِفَاءِ الْوِصَالِ.

وَلَا يُكْرَهُ الْوِصَالُ إِلَى السَّحَرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ- رضي الله عنه- - مَرْفُوعًا: «فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ، فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ» وَلَكِنَّهُ تَرَكَ سُنَّةً، وَهِيَ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ، فَتَرْكُ ذَلِكَ أَوْلَى مُحَافَظَةً عَلَى السُّنَّةِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ: بِأَنَّ الْوِصَالَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ- رحمه الله-، وَالثَّانِي: يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ.

و- صَوْمُ الدَّهْرِ (صَوْمُ الْعُمُرِ):

19- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ) عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ إِلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ، وَعُلِّلَتِ الْكَرَاهَةُ بِأَنَّهُ يُضْعِفُ الصَّائِمَ عَنِ الْفَرَائِصِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالْكَسْبِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ، أَوْ بِأَنَّهُ يَصِيرُ الصَّوْمُ طَبْعًا لَهُ، وَمَبْنَى الْعِبَادَةِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْعَادَةِ.

وَاسْتَدَلَّ لِلْكَرَاهَةِ، بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ».

وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟ قَالَ: لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ، أَوْ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ» أَيْ: لَمْ يُحَصِّلْ أَجْرَ الصَّوْمِ لِمُخَالَفَتِهِ، وَلَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: هُوَ مَسْنُونٌ.

وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ خَافَ مِنْهُ ضَرَرًا، أَوْ فَوَّتَ بِهِ حَقًّا كُرِهَ، وَإِلاَّ فَلَا.

وَالْمُرَادُ بِصَوْمِ الدَّهْرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: سَرْدُ الصَّوْمِ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ إِلاَّ الْأَيَّامَ الَّتِي لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا، وَهِيَ الْعِيدَانِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ.

الصَّوْمُ الْمُحَرَّمُ:

20- ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ الْأَيَّامِ التَّالِيَةِ:

أ- صَوْمِ يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ عِيدِ الْأَضْحَى، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ.

وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ مُنِعَ صَوْمُهَا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ- رضي الله عنه- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ» وَحَدِيثِ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الصَّوْمِ فِيهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، لِمَا فِي صَوْمِهَا مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَالْكَرَاهَةُ لَيْسَتْ لِذَاتِ الْيَوْمِ، بَلْ لِمَعْنًى خَارِجٍ مُجَاوِرٍ، كَالْبَيْعِ عِنْدَ الْأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، حَتَّى لَوْ نَذَرَ صَوْمَهَا صَحَّ، وَيُفْطِرُ وُجُوبًا تَحَامِيًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَيَقْضِيهَا إِسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ، وَلَوْ صَامَهَا خَرَجَ عَنِ الْعُهْدَةِ، مَعَ الْحُرْمَةِ.

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ صَوْمَهَا لَا يَصِحُّ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَصُومُهَا عَنِ الْفَرْضِ.

وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ: صَوْمَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، وَنَقَلَ الْمِرْدَاوِيُّ أَنَّهَا الْمَذْهَبُ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ- رضي الله عنهما- لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلاَّ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ.

وَهَذَا هُوَ الْقَدِيمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْأَصَحُّ الَّذِي اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ مَا فِي الْجَدِيدِ، وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الصَّوْمِ فِيهَا مُطْلَقًا.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَأَمَّا صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ، فَقَطَعَ الشَّافِعِيُّ- رحمه الله- (- بِبُطْلَانِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرِ انْصِرَافُ النَّهْيِ عَنْ عَيْنِهِ وَوَصْفِهِ، وَلَمْ يَرْتَضِ قَوْلَهُمْ: إِنَّهُ نَهَى عَنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ بِالْأَكْلِ.

ب- وَيَحْرُمُ صِيَامُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَصِيَامُ مَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ بِصَوْمِهِ.

ثُبُوتُ هِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ:

21- يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا اتِّفَاقًا، أَوْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَفِي ثُبُوتِ الرُّؤْيَةِ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (رُؤْيَة) ف 2 (وَرَمَضَان) ف 2

صَوْمُ مَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ:

22- مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، لَزِمَهُ الصَّوْمُ وُجُوبًا، عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ) وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَذَلِكَ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَهِيَ قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.وَلِحَدِيثِ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ».وَحَدِيثِ: «الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ».

وَلِأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، فَلَزِمَهُ صَوْمُهُ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ.

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَصُومُ إِلاَّ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ.

وَقِيلَ: يَصُومُ نَدْبًا احْتِيَاطًا، كَمَا ذَكَرَهُ الْكَاسَانِيُّ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِذَا اعْتَقَدَ عَدَمَ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ لِجَهْلِهِ فَقَوْلَانِ عِنْدَهُمْ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الْعِيَانِ بَيَانٌ، أَوْ عَدَمَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، بِسَبَبِ عَدَمِ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى غَيْرِهِ.

23- وَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ، لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، خَوْفَ التُّهْمَةِ وَسَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَقِيلَ: يُفْطِرُ إِنْ خَفِيَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يَنْوِي الْفِطْرَ بِقَلْبِهِ.وَعَلَى الْمَذْهَبِ، وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ مِنْهُمُ الْمَالِكِيَّةُ- إِنْ أَفْطَرَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ عُثِرَ عَلَيْهِ عُوقِبَ إِنِ اتُّهِمَ، وَلَا كَفَّارَةَ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، لِشُبْهَةِ الرَّدِّ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ مِنْ شَوَّالٍ، فَجَازَ لَهُ الْأَكْلُ كَمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ، لَكِنْ يُفْطِرُ سِرًّا، بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ، لِأَنَّهُ إِذَا أَظْهَرَ الْفِطْرَ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ، وَعُقُوبَةِ السُّلْطَانِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ أَفْطَرَ مَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ فِي الْوَقْتَيْنِ: رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ قَضَى وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ فِي رَمَضَانَ، صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا، وَلَوْ كَانَ فِطْرُهُ قَبْلَمَا رَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ الرَّاجِحِ، لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ، لِأَنَّ مَا رَآهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَيَالًا، لَا هِلَالًا- كَمَا يَقُولُ الْحَصْكَفِيُّ-

وَقِيلَ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِمَا- أَيْ فِي الْفِطْرِ وَفِي رَمَضَانَ- وَذَلِكَ لِلظَّاهِرِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْفِطْرِ، وَلِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ فِي رَمَضَانَ.

رُكْنُ الصَّوْمِ:

24- رُكْنُ الصَّوْمِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ هُوَ: الْإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ وَذَلِكَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ، حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ.

وَدَلِيلُهُ قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}.

وَالْمُرَادُ مِنَ النَّصِّ: بَيَاضُ النَّهَارِ وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ، لَا حَقِيقَةُ الْخَيْطَيْنِ، فَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْجُمْلَةَ مِنَ الْمُفْطِرَاتِ لَيَالِيَ الصِّيَامِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْإِمْسَاكِ عَنْهُنَّ فِي النَّهَارِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الصَّوْمِ وَقِوَامَهُ هُوَ ذَلِكَ الْإِمْسَاكُ.

شُرُوطُ وُجُوبِ الصَّوْمِ:

25- شُرُوطُ وُجُوبِ الصَّوْمِ، أَيِ: اشْتِغَالُ الذِّمَّةِ بِالْوَاجِبِ- كَمَا يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ- هِيَ شُرُوطُ افْتِرَاضِهِ وَالْخِطَابِ بِهِ.وَهِيَ:

أ- الْإِسْلَامُ، وَهُوَ شَرْطٌ عَامٌّ لِلْخِطَابِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ.

ب- الْعَقْلُ، إِذْ لَا فَائِدَةَ مِنْ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ بِدُونِهِ، فَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى مَجْنُونٍ إِلاَّ إِذَا أَثِمَ بِزَوَالِ عَقْلِهِ، فِي شَرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ.

وَعَبَّرَ الْحَنَفِيَّةُ بِالْإِفَاقَةِ بَدَلًا مِنَ الْعَقْلِ، أَيِ الْإِفَاقَةِ مِنَ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ أَوِ النَّوْمِ، وَهِيَ الْيَقَظَةُ.

ج- الْبُلُوغُ، وَلَا تَكْلِيفَ إِلاَّ بِهِ، لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ التَّكْلِيفِ هُوَ الِامْتِثَالُ، وَذَلِكَ بِالْإِدْرَاكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ- كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي الْأُصُولِ- وَالصِّبَا وَالطُّفُولَةُ عَجْزٌ.

وَنَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ الصَّبِيُّ لِسَبْعٍ- كَالصَّلَاةِ- إِنْ أَطَاقَهُ، وَيُضْرَبُ عَلَى تَرْكِهِ لِعَشْرٍ.

وَالْحَنَابِلَةُ قَالُوا: يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ أَمْرُهُ بِالصَّوْمِ إِذَا أَطَاقَهُ، وَضَرْبُهُ حِينَئِذٍ إِذَا تَرَكَهُ لِيَعْتَادَهُ، كَالصَّلَاةِ، إِلاَّ أَنَّ الصَّوْمَ أَشَقُّ، فَاعْتُبِرَتْ لَهُ الطَّاقَةُ، لِأَنَّهُ قَدْ يُطِيقُ الصَّلَاةَ مَنْ لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ.

د- الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ، فَمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ، بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ مَسْتُورٍ وَامْرَأَتَيْنِ مَسْتُورَتَيْنِ، أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ، وَمَنْ كَانَ مُقِيمًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِنَشْأَتِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَا عُذْرَ لَهُ بِالْجَهْلِ.

شُرُوطُ وُجُوبِ أَدَائِهِ:

26- شُرُوطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ الَّذِي هُوَ تَفْرِيغُ ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِ عَنِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ لَهُ هِيَ:

أ- الصِّحَّةُ وَالسَّلَامَةُ مِنَ الْمَرَضِ، لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.

ب- الْإِقَامَةُ، لِلْآيَةِ نَفْسِهَا.قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: وَأَمَّا الصِّحَّةُ وَالْإِقَامَةُ، فَشَرْطَانِ فِي وُجُوبِ الصِّيَامِ، لَا فِي صِحَّتِهِ، وَلَا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ يَسْقُطُ عَنِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَيَجِب عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ، إِنْ أَفْطَرَا إِجْمَاعًا، وَيَصِحُّ صَوْمُهُمَا إِنْ صَامَا.

ج- خُلُوُّ الْمَرْأَةِ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، لِأَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لَيْسَتَا أَهْلًا لِلصَّوْمِ، وَلِحَدِيثِ «عَائِشَةَ- رضي الله عنها- لَمَّا سَأَلَتْهَا مُعَاذَةُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ، تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ، قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ».

فَالْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ فَرْعُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ.

وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى مَنْعِهِمَا مِنَ الصَّوْمِ، وَعَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا.

شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّوْمِ:

27- شَرْطُ صِحَّةِ الصَّوْمِ هِيَ:

أ- الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَقَدْ عَدَّهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ، كَالْكَمَالِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَابْنِ جُزَيٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.وَعَدَّهَا بَعْضُهُمْ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَشُرُوطِ الصِّحَّةِ مَعًا.

ب- خُلُوُّهُ عَمَّا يُفْسِدُ الصَّوْمَ بِطُرُوِّهِ عَلَيْهِ كَالْجِمَاعِ.

ج- النِّيَّةُ.وَذَلِكَ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ عِبَادَةٌ، فَلَا يَجُوزُ إِلاَّ بِالنِّيَّةِ، كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ.وَلِحَدِيثِ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».

وَالْإِمْسَاكُ قَدْ يَكُونُ لِلْعَادَةِ، أَوْ لِعَدَمِ الِاشْتِهَاءِ، أَوْ لِلْمَرَضِ، أَوْ لِلرِّيَاضَةِ، فَلَا يَتَعَيَّنُ إِلاَّ بِالنِّيَّةِ، كَالْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ إِلاَّ بِنِيَّةٍ، وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ، وَلَا يُشْتَرَطُ النُّطْقُ بِهَا، بِلَا خِلَافٍ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: التَّلَفُّظُ بِهَا سُنَّةٌ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


13-موسوعة الفقه الكويتية (غلبة)

غَلَبَة

التَّعْرِيفُ:

1- الْغَلَبَةُ فِي اللُّغَةِ: الْقَهْرُ وَالِاسْتِيلَاءُ، يُقَالُ: غَلَبَهُ غَلْبًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ: قَهَرَهُ، وَغَلَبَ فُلَانًا عَلَى الشَّيْءِ: أَخَذَهُ مِنْهُ كُرْهًا، فَهُوَ غَالِبٌ وَغَلاَّبٌ، وَغَالَبْتُهُ مُغَالَبَةً وَغِلَابًا أَيْ: حَاوَلَ كُلٌّ مِنَّا مُغَالَبَةَ الْآخَرِ، وَتَغَالَبُوا عَلَى الْبَلَدِ أَيْ: غَالَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَيْهِ، وَالْأَغْلَبِيَّةُ: الْكَثْرَةُ، يُقَالُ: غَلَبَ عَلَى فُلَانٍ الْكَرَمُ أَيْ كَانَ أَكْثَرَ خِصَالِهِ.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

السُّلْطَةُ:

2- السُّلْطَةُ فِي اللُّغَةِ: السَّيْطَرَةُ وَالتَّحَكُّمُ وَالتَّمَكُّنُ، يُقَالُ: سَلَّطَهُ عَلَيْهِ مَكَّنَهُ مِنْهُ وَحَكَّمَهُ فِيهِ، وَسَلَّطَهُ: أَطْلَقَ لَهُ السُّلْطَانَ وَالْقُدْرَةَ.

وَالسُّلْطَةُ أَعَمُّ مِنَ الْغَلَبَةِ.

الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:

الْغَلَبَةُ عَلَى الْحُكْمِ:

3- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَى مَنِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِمَامَتِهِ وَبَايَعُوهُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ إِمَامَةِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ خَرَجَ عَلَى الْإِمَامِ الَّذِي ثَبَتَتْ إِمَامَتُهُ بِالْبَيْعَةِ، فَقَهَرَهُ وَغَلَبَ بِسَيْفِهِ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا غَلَبَ عَلَى النَّاسِ رَجُلٌ وَقَهَرَهُمْ بِسَيْفِهِ، حَتَّى أَقَرُّوا لَهُ، وَأَذْعَنُوا بِطَاعَتِهِ وَتَابَعُوهُ، صَارَ إِمَامًا يَحْرُمُ قِتَالُهُ وَالْخُرُوجُ عَلَيْهِ، إِذِ الْمَدَارُ عَلَى دَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَصَوْنًا لِإِرَاقَةِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَذَهَابِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ غَلَبَتُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْإِمَامِ الَّذِي ثَبَتَتْ إِمَامَتُهُ بِبَيْعَةِ أَهْلِ الِاخْتِيَارِ، أَوْ أَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَى مُتَغَلِّبٍ مِثْلِهِ، أَمَّا إِذَا تَغَلَّبَ عَلَى إِمَامٍ حَيٍّ ثَبَتَتْ بَيْعَتُهُ عَنْ طَرِيقِ أَهْلِ الِاخْتِيَارِ فَلَا تَنْعَقِدُ إِمَامَتُهُ.زَادَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ أَيْضًا: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ التَّغَلُّبُ جَامِعًا لِلشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْإِمَامَةِ، وَإِلاَّ فَلَا تَصِحُّ إِمَامَتُهُ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ إِمَامَةَ ذَلِكَ الْمُتَغَلِّبِ لَا تَصِحُّ وَلَا تَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْإِمَامَةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا تَنْعَقِدُ بِدُونِ رِضَاهُمْ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (الْإِمَامَة الْكُبْرَى)

غَلَبَةُ الظَّنِّ:

4- بَحَثَ الْفُقَهَاءُ أَحْكَامَ غَلَبَةِ الظَّنِّ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ فِي تَمْيِيزِ الطَّاهِرِ مِنَ الْأَوَانِي وَالْمَلَابِسِ وَالْمِيَاهِ وَالْأَمَاكِنِ إِذَا اخْتَلَطَ بِنَجَسٍ مُشَابِهٍ لَهُ، وَتَمْيِيزِ أَيَّامِ الْحَيْضِ مِنْ أَيَّامِ الطُّهْرِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ نَسِيَتْ عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَاشْتَبَهَ عَلَيْهَا الْأَمْرُ بِسَبَبِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَفِي مَعْرِفَةِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ لِمَنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ إِذَا اجْتَهَدَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي جِهَةٍ، وَفِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِمَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَحْبُوسًا أَوْ لِوُجُودِ غَيْمٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي مَنْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ كَمْ رَكْعَةٍ صَلاَّهَا، وَفِي تَمْيِيزِ الْفَقِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ عَنْ غَيْرِهِ، وَفِي مَعْرِفَةِ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَغُرُوبِ الشَّمْسِ لِلصَّائِمِ إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِحَبْسٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي الْحَجِّ إِذَا شَكَّ الْحَاجُّ هَلْ أَحْرَمَ بِالْإِفْرَادِ أَوْ بِالتَّمَتُّعِ أَوْ بِالْقِرَانِ، وَفِي مَنِ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْمُذَكَّاةُ بِالْمَيْتَةِ أَوْ وَجَدَ شَاةً مَذْبُوحَةً بِبَلَدٍ فِيهِ مِنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي ذَابِحِهَا، وَفِي الدِّمَاءِ دِمَاءِ اللَّوْثِ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ.وَتَفْصِيلُ كُلِّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (تَحَرِّي ف 7- 17، وَاسْتِقْبَال ف 27- 37، وَاشْتِبَاه ف 13، 19، 20، 21، وَلَوْثٌ)

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


14-موسوعة الفقه الكويتية (ملك 1)

مِلْكٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْمِلْكُ لُغَةً- بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا-: هُوَ احْتِوَاءُ الشَّيْءِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الِاسْتِبْدَادِ بِهِ وَالتَّصَرُّفُ بِانْفِرَادِ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: يُعَبِّرُ الْفُقَهَاءُ الْمُحْدَثُونَ بِلَفْظِ الْمِلْكِيَّةِ عَنِ الْمِلْكِ، لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ قَبْلَهُمْ يُعَبِّرُونَ بِلَفْظِ الْمِلْكِ.

وَقَدْ عَرَّفَ الْقَرَافِيُّ الْمِلْكَ- بِاعْتِبَارِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا- فَقَالَ: الْمِلْكُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوِ الْمَنْفَعَةِ، يَقْتَضِي تَمَكُّنَ مَنْ يُضَافُ إِلَيْهِ مِنَ انْتِفَاعِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَالْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِ: الْمِلْكُ هُوَ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَةِ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ، أَوْ تَمَكُّنِهِ مِنَ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْحَقُّ:

2- يُطْلَقُ الْحَقُّ لُغَةً عَلَى نَقْضِ الْبَاطِلِ وَعَلَى الْحَظِّ، وَالنَّصِيبِ، وَالثَّابِتِ وَالْمَوْجُودِ، وَالشَّيْءُ الَّذِي لَا يَنْبَغِي إِنْكَارُهُ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاجِبِ الثَّابِتِ الَّذِي يَشْمَلُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُقُوقِ الْعِبَادِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْمِلْكِ: أَنَّ الْحَقَّ أَعَمُّ مِنَ الْمِلْكِ.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمِلْكِ:

يَتَعَلَّقُ بِالْمِلْكِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

حُرْمَةُ الْمِلْكِ فِي الْإِسْلَامِ

3- صَانَ الْإِسْلَامُ الْمِلْكَ، فَحَرَّمَ الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهِ، وَالْأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} وَقَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ».وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ».

قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْقَاعِدَةُ الْمُعْتَبَرَةُ أَنَّ الْمُلاَّكَ مُخْتَصُّونَ بِأَمْلَاكِهِمْ، لَا يُزَاحِمُ أَحَدٌ مَالِكًا فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ، ثُمَّ الضَّرُورَةُ تُحْوِجُ مُلاَّكَ الْأَمْوَالِ إِلَى التَّبَادُلِ فِيهَا...فَالْأَمْرُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ تَحْرِيمُ التَّسَالُبِ وَالتَّغَالُبِ وَمَدِّ الْأَيْدِي إِلَى أَمْوَالِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَالرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

وَقَدْ جَعَلَ الْإِسْلَامُ مِلْكَ الْأَمْوَالِ اسْتِخْلَافًا وَمِنْحَةً رَبَّانِيَّةً، لِأَنَّ الْمَالِكَ الْحَقِيقِيَّ لِلْأَمْوَالِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَكِنَّهُ أَعْطَى لِلْإِنْسَانِ حَقَّ التَّمَلُّكِ وَاسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْأَمْوَالِ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}.

وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهَا: إِنَّ الْأَمْوَالَ الَّتِي فِي أَيْدِيكُمْ إِنَّمَا هِيَ أَمْوَالُ اللَّهِ بِخَلْقِهِ وَإِنْشَائِهِ لَهَا، وَإِنَّمَا خَوَّلَكُمُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، وَجَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا، فَلَيْسَتْ هِيَ بِأَمْوَالِكُمْ فِي الْحَقِيقَةِ، وَمَا أَنْتُمْ فِيهَا إِلاَّ بِمَنْزِلَةِ الْوُكَلَاءِ.

وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ فِي الْأَمْوَالِ حُقُوقًا لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَلِلْأَقَارِبِ وَنَحْوِهِمْ.

أَقْسَامُ الْمِلْكِ:

لِلْمِلْكِ أَقْسَامٌ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ:

- فَهُوَ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَتِهِ: إمَّا مِلْكٌ تَامٌّ أَوْ نَاقِصٌ.

- وَبِاعْتِبَارِ الْمُسْتَفِيدِ مِنْهُ: إِمَّا مِلْكٌ عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ.

- وَبِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ: إِمَّا مِلْكٌ اخْتِيَارِيٌّ أَوْ جَبْرِيٌّ.

- وَبِاعْتِبَارِ احْتِمَالِ سُقُوطِهِ: إِمَّا مِلْكٌ مُسْتَقِرٌّ أَوْ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ.

أ- أَقْسَامُ الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَتِهِ

4- يَنْقَسِمُ الْمِلْكُ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَتِهِ إِلَى مِلْكٍ تَامٍّ وَمِلْكٍ نَاقِصٍ.

وَالْمِلْكُ التَّامُّ: هُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَالْمِلْكُ النَّاقِصُ: هُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَقَطْ، أَوِ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ، أَوِ الِانْتِفَاعِ فَقَطْ.

يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الْمِلْكُ التَّامُّ يُمْلَكُ فِيهِ التَّصَرُّفُ فِي الرَّقَبَةِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَيُورَثُ عَنْهُ، وَيُمْلَكُ التَّصَرُّفُ فِي مَنَافِعِهِ بِالْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالِانْتِفَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَقَدْ عَبَّرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِالْمِلْكِ الضَّعِيفِ بَدَلَ النَّاقِصِ، يَقُولُ الزَّرْكَشِيُّ: الْمِلْكُ قِسْمَانِ: تَامٌّ وَضَعِيفٌ، فَالتَّامُّ يَسْتَتْبِعُ جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ، وَالضَّعِيفُ بِخِلَافِهِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مُصْطَلَحُ النَّاقِصِ أَيْضًا.

ثُمَّ إِنَّ الْأَصْلَ فِي الْمِلْكِ هُوَ الْمِلْكُ التَّامُّ، وَأَنَّ الْمِلْكَ النَّاقِصَ خِلَافُ الْأَصْلِ، كَمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الْمِلْكِ هُوَ الِانْتِفَاعُ بِالْأَشْيَاءِ.

وَلِذَلِكَ جَاءَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ نَاقِصًا، كَأَنْ يُوصِيَ بِمَنْفَعَةِ عَيْنٍ لِشَخْصِ، أَوْ أَنْ يُوصِيَ بِالرَّقَبَةِ لِشَخْصِ وَبِمَنْفَعَتِهَا لآِخَرَ.

أَمَّا مِلْكُ الْمَنَافِعِ: فَهُوَ مشَاعٌ، وَيَتَحَقَّقُ فِي الْإِجَارَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَالْإِعَارَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَعِيرِ، وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ فَقَطْ، وَالْوَقْفِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ، وَالْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ الْمُقَرَّةِ فِي يَدِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ بِالْخَرَاجِ.

وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ جَائِزَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مَا عَدَا ابْنَ شُبْرُمَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى.

أَمَّا مِلْكُ الِانْتِفَاعِ: فَقَدْ ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِ أَحْكَامِهِ.

فَقَدْ قَسَّمَ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ الْمِلْكَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: مِلْكِ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ، وَمِلْكِ عَيْنٍ بِلَا مَنْفَعَةٍ، وَمِلْكِ مَنْفَعَةٍ بِلَا عَيْنٍ، وَمِلْكِ انْتِفَاعٍ مِنْ غَيْرِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ، ثُمَّ قَالَ:

أَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ: فَهُوَ عَامَّةُ الْأَمْلَاكِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لَهَا، مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِرْثٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

النَّوْعُ الثَّانِي: مِلْكُ الْعَيْنِ بِدُونِ مَنْفَعَةٍ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ بِدُونِ عَيْنٍ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ ضَرْبَانِ:

الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: مِلْكٌ مُؤَبَّدٌ، وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ صُوَرٌ: مِنْهَا الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ، وَمِنْهَا الْوَقْفُ، فَإِنَّ مَنَافِعَهُ وَثَمَرَاتِهِ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ...وَمِنْهَا الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مِلْكٌ غَيْرُ مُؤَبَّدٍ، فَمِنْهُ الْإِجَارَةُ، وَمِنْهُ مَنَافِعُ الْبَيْعِ الْمُسْتَثْنَاةُ فِي الْعَقْدِ مُدَّةً مَعْلُومَةً.

النَّوْعُ الرَّابِعُ: مِلْكُ الِانْتِفَاعِ الْمُجَرَّدِ، وَلَهُ صُوَرٌ مُتَعَدِّدَةٌ: مِنْهَا مِلْكُ الْمُسْتَعِيرِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ لَا الْمَنْفَعَةَ، إِلاَّ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ.

وَمِنْهَا: الْمُنْتَفِعُ بِمِلْكِ جَارِهِ مِنْ وَضْعِ خَشَبٍ، وَمَمَرٍّ فِي دَارٍ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ بِعَقْدِ صُلْحٍ فَهُوَ إِجَارَةٌ.

وَمِنْهَا: إِقْطَاعُ الْإِرْفَاقِ كَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا، وَمِنْهَا: الطَّعَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ حِيَازَتِهِ يَمْلِكُ الْقَائِمُونَ الِانْتِفَاعَ بِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَقِيَاسُهُ الْأَكْلُ مِنَ الْأُضْحِيَةِ وَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ وَنَحْوِهِ، وَمِنْهَا أَكْلُ الضَّيْفِ لِطَعَامِ الْمُضِيفِ فَإِنَّهُ إِبَاحَةٌ مَحْضَةٌ.

وَقَدْ فَصَّلَ الْقَرَافِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مِلْكِ الِانْتِفَاعِ، وَمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فَقَالَ: فَتَمْلِيكُ الِانْتِفَاعِ نُرِيدُ بِهِ أَنْ يُبَاشِرَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ، وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ هُوَ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ، فَيُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ وَيُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِعِوَضٍ كَالْإِجَارَةِ، وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْعَارِيَةِ.

وَمِثَالُ الْأَوَّلِ- أَيِ الِانْتِفَاعِ- سُكْنَى الْمَدَارِسِ وَالرِّبَاطِ وَالْمَجَالِسِ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَمَوَاضِعِ النُّسُكِ كَالْمَطَافِ وَالْمَسْعَى وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ...أَمَّا مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ فَكَمَنِ اسْتَأْجَرَ دَارًا، أَوِ اسْتَعَارَهَا، فَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ يُسْكِنَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَيَتَصَرَّفَ فِي هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ.

ثُمَّ ذَكَرَ أَرْبَعَ مَسَائِلَ تَدْخُلُ فِي مِلْكِ الِانْتِفَاعِ وَهِيَ:

الْأُولَى: النِّكَاحُ حَيْثُ هُوَ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ، وَلَيْسَ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ.

الثَّانِيَةُ: الْوَكَالَةُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَهِيَ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ، وَأَمَّا الْوَكَالَةُ بِعِوَضٍ فَهِيَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ.

الثَّالِثَةُ: الْقِرَاضُ (الْمُضَارَبَةُ) وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُغَارَسَةُ، فَرَبُّ الْمَالِ فِيهَا يَمْلِكُ مِنَ الْعَامِلِ الِانْتِفَاعَ لَا الْمَنْفَعَةَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَاوِضَ عَلَى مَا مَلَكَهُ مِنَ الْعَامِلِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يُؤَاجِرُهُ مِمَّنْ أَرَادَ، بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ عَقْدُ الْقِرَاضِ.

الرَّابِعَةُ: إِذَا وَقَفَ شَخْصٌ وَقْفًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَوْ عَلَى السُّكْنَى، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاقِفَ إِنَّمَا مَلَكَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعَ بِالسُّكْنَى دُونَ الْمَنْفَعَةِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ غَيْرَهُ، وَلَا يُسْكِنَهُ.

وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ كَالْمُسْتَأْجِرِ، وَمِلْكِ الِانْتِفَاعِ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَقَالُوا: مَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَلَهُ الْإِجَارَةُ وَالْإِعَارَةُ، وَمَنْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ فَلَيْسَ لَهُ الْإِجَارَةُ قَطْعًا، وَلَا الْإِعَارَةَ فِي الْأَصَحِّ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ حَوْلَ بَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَدْخُلُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فِي مِلْكِ الِانْتِفَاعِ وَلَا تَدْخُلُ فِيهِ عِنْدَ الْآخَرِينَ، بَلْ تَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ، مِثْلُ الْعَارِيَةِ...حَيْثُ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ مَا عَدَا الْكَرْخِيَّ وَالْمَالِكِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ فِي رَأْيٍ إِلَى أَنَّ الْعَارِيَةَ تَمْلِيكٌ لِلْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلِذَلِكَ أَجَازُوا لِلْمُسْتَعِيرِ إِعَارَةَ الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ بِالْقُيُودِ الَّتِي وَضَعَهَا الْفُقَهَاءُ.

الْفُرُوقُ الْجَوْهَرِيَّةُ بَيْنَ الْمِلْكِ التَّامِّ وَالْمِلْكِ النَّاقِصِ

5- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَالْكَرْخِيُّ إِلَى أَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكٌ لِلِانْتِفَاعِ.

وَتُوجَدُ فُرُوقٌ جَوْهَرِيَّةٌ بَيْنَ الْمِلْكِ التَّامِّ وَالْمِلْكِ النَّاقِصِ، تَلْخِيصُهَا فِيمَا يَأْتِي:

أَوَّلًا: إِنَّ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ التَّامِّ الْحَقَّ فِي إِنْشَاءِ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَشْرُوعَةِ مِنْ عُقُودٍ نَاقِلَةٍ لِلْمِلْكِ التَّامِّ، أَوِ النَّاقِصِ، فَهُوَ حُرُّ التَّصَرُّفِ فِي حُدُودِ عَدَمِ مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ، أَمَّا صَاحِبُ الْمِلْكِ النَّاقِصِ فَلَيْسَ لَهُ الْحَقُّ فِي كُلِّ التَّصَرُّفَاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ فِي حُدُودِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَنْفَعَةِ فَقَطْ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَالْمَنْفَعَةَ مَعًا.

ثَانِيًا: تَأْبِيدُ الْمِلْكِ التَّامِّ: وَالْمَقْصُودُ بِهِ أَنَّ الْمِلْكَ التَّامَّ دَائِمٌ وَمُسْتَمِرٌّ لَا يَنْتَهِي إِلاَّ بِسَبَبٍ مَشْرُوعٍ قَاطِعٍ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَأْقِيتُهُ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَأْقِيتُ الْعُقُودِ النَّاقِلَةِ لِلْمِلْكِ التَّامِّ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: بِعْتُ لَكَ هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لِمُدَّةِ سَنَةٍ، إِلاَّ إِذَا قَصَدَ بِهَا الْإِجَارَةَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ: إِنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِالْمَقَاصِدِ وَالْمَعَانِي لَا بِالْأَلْفَاظِ وَالْمَبَانِي

وَأَمَّا الْمِلْكُ النَّاقِصُ فَالْعُقُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْمَنَافِعِ فِيهَا لَا بُدَّ مِنْ تَأْقِيتِهَا مِثْلَ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَنَحْوِهَا، فَهِيَ تَقْبَلُ التَّقْيِيدَ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَنَوْعِ الِانْتِفَاعِ. ب- أَقْسَامُ الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَفِيدِ مِنْهُ

6- يَنْقَسِمُ الْمِلْكُ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَفِيدِ مِنْهُ إِلَى مِلْكٍ خَاصٍّ، وَإِلَى مِلْكٍ عَامٍّ، فَالْمِلْكُ الْخَاصُّ هُوَ الَّذِي لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ فَرْدًا أَمْ جَمَاعَةً.

وَأَمَّا الْمِلْكُ الْعَامُّ فَهُوَ الْمِلْكُ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِهِ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِكُ فِيهِ النَّاسُ لَا عَلَى التَّعْيِينِ، كَمِلْكِ الْمَاءِ وَالْكَلأَِ وَالنَّارِ، لِقَوْلِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءٌ فِي ثَلَاثٍ فِي الْكَلأَِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ».

ج- أَقْسَامُ الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ

7- يَنْقَسِمُ الْمِلْكُ بِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ إِلَى مِلْكٍ اخْتِيَارِيٍّ أَوْ قَهْرِيٍّ.

يَقُولُ الزَّرْكَشِيُّ: الْمِلْكُ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا يَحْصُلُ قَهْرًا كَمَا فِي الْمِيرَاثِ وَمَنَافِعِ الْوَقْفِ.

وَالثَّانِي: يَحْصُلُ بِالِاخْتِيَارِ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: بِالْأَقْوَالِ، وَيَكُونُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبُيُوعِ، وَفِي غَيْرِهَا كَالْهِبَاتِ وَالْوَصَايَا، وَالْوُقُوفِ إِذَا اشْتَرَطْنَا الْقَبُولَ.

وَالثَّانِي: يَحْصُلُ بِالْأَفْعَالِ كَتَنَاوُلِ الْمُبَاحَاتِ كَالِاصْطِيَادِ وَالْإِحْيَاءِ.

ثُمَّ فَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: وَمِمَّا يَتَخَالَفَانِ فِيهِ- أَعْنِي الِاخْتِيَارِيَّ وَالْقَهْرِيَّ- أَنَّ الِاخْتِيَارِيَّ يُمْلَكُ بِالْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ بِمَا فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا الْقَهْرِيُّ كَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلَا يُمْلَكُ حَتَّى يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ، أَوْ يَرْضَى بِتَأْخِيرِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْلِكُ بِذَلِكَ وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي لَهُ.

وَمِنْهَا: أَنَّ التَّمَلُّكَ الْقَهْرِيَّ يَحْصُلُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ كَمَا فِي أَمْوَالِ الْكُفَّارِ، بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِيِّ.

وَمِنْهَا: أَنَّ التَّمَلُّكَ الْقَهْرِيَّ هَلْ يُشْرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ شُرُوطِهِ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَنَحْوِهَا؟ خِلَافٌ- كَمَا فِي الشُّفْعَةِ، يُؤْخَذُ الشِّقْصُ الَّذِي لَمْ يَرَهُ- عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالِاخْتِيَارِيُّ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَطْعًا.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِاخْتِيَارِيِّ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَكَذَا الصَّيْدُ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ، وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالِاخْتِيَارِ.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ، هَلِ الْأَسْبَابُ الْفِعْلِيَّةُ أَقْوَى أَمِ الْقَوْلِيَّةُ أَقْوَى؟ فَقِيلَ: الْفِعْلِيَّةُ أَقْوَى، وَقِيلَ: الْقَوْلِيَّةُ أَقْوَى.

وَقَدْ بَيَّنَ الْقَرَافِيُّ الْفَرْقَ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ فَقَالَ: الْأَسْبَابُ الْفِعْلِيَّةُ تَصِحُّ مِنَ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ دُونَ الْقَوْلِيَّةِ.فَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِالِاصْطِيَادِ، وَالْأَرْضَ بِالْإِحْيَاءِ، فِي حِينٍ لَا يَمْلِكُ إِنْشَاءَ عُقُودِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ الْفِعْلِيَّةَ تَعُودُ بِالنَّفْعِ عَلَيْهِ، أَمَّا الْأَسْبَابُ الْقَوْلِيَّةُ فَإِنَّهَا مَوْضِعُ الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُغَابَنَةِ، فَقَدْ تَعُودُ عَلَيْهِ بِالضَّرَرِ، كَمَا أَنَّ فِيهَا طَرَفًا آخَرَ يُنَازِعُهُ وَيُجَاذِبُهُ إِلَى الْغَبْنِ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْعَقْلِ، فَلَا يَسْتَطِيعُ تَحْقِيقَ مَصْلَحَتِهِ.

د- أَقْسَامُ الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ السُّقُوطِ وَعَدَمِهِ

8- يَنْقَسِمُ الْمِلْكُ- بِاعْتِبَارِ احْتِمَالِ سُقُوطِهِ وَعَدَمِهِ- إِلَى نَوْعَيْنِ هُمَا:

الْمِلْكُ الْمُسْتَقِرُّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِتَلَفِ الْمَحِلِّ، أَوْ تَلَفِ مُقَابِلِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَالصَّدَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ.

وَالْمِلْكُ غَيْرُ الْمُسْتَقِرِّ الَّذِي يَحْتَمِلُ ذَلِكَ كَالْأُجْرَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَالثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ.

أَسْبَابُ الْمِلْكِ:

9- لِلْمِلْكِ أَسْبَابُهُ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى تَحْقِيقِهِ

ذَكَرَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّ أَسْبَابَ الْمِلْكِ هِيَ:

الْمُعَاوَضَاتُ الْمَالِيَّةُ، وَالْأَمْهَارُ، وَالْخُلْعُ، وَالْمِيرَاثُ، وَالْهِبَاتُ، وَالصَّدَقَاتُ، وَالْوَصَايَا، وَالْوَقْفُ، وَالْغَنِيمَةُ، وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْمُبَاحِ، وَالْإِحْيَاءُ، وَتَمَلُّكُ اللُّقَطَةِ بِشَرْطِهِ، وَدِيَةُ الْقَتِيلِ يَمْلِكُهَا أَوَّلًا ثُمَّ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ، وَمِنْهَا الْغُرَّةُ يَمْلِكُهَا الْجَنِينُ فَتُورَثُ عَنْهُ، وَالْغَاصِبُ إِذَا فَعَلَ بِالْمَغْصُوبِ شَيْئًا أَزَالَ بِهِ اسْمَهُ وَعِظَمَ مَنَافِعِهِ مَلَكَهُ، وَإِذَا خُلِطَ الْمِثْلِيُّ بِمِثْلِيٍّ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ مِلْكُهُ.

وَذَكَرَ الْحَصْكَفِيُّ أَنَّ أَسْبَابَ الْمِلْكِ ثَلَاثَةٌ:

نَاقِلٌ كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ، وَخِلَافَةٌ كَإِرْثٍ، وَأَصَالَةٌ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ حَقِيقَةً بِوَضْعِ الْيَدِ، أَوْ حُكْمًا بِالتَّهْيِئَةِ كَنَصْبِ شَبَكَةٍ لِصَيْدِ.

وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ نَقْلًا عَنِ الْكِفَايَةِ أَنَّ أَسْبَابَ الْمِلْكِ ثَمَانِيَةٌ: الْمِيرَاثُ، وَالْمُعَاوَضَاتُ، وَالْهِبَاتُ، وَالْوَصَايَا، وَالْوَقْفُ، وَالْغَنِيمَةُ، وَالْإِحْيَاءُ، وَالصَّدَقَاتُ.

قَالَ ابْنُ السُّبْكِيِّ: وَبَقِيَتْ أَسْبَابٌ أُخَرُ، مِنْهَا: تَمَلُّكُ اللُّقَطَةِ بِشَرْطِهِ، وَمِنْهَا: دِيَةُ الْقَتِيلِ يَمْلِكُهَا أَوَّلًا ثُمَّ تُنْقَلُ لِوَرَثَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلِذَلِكَ يُوَفَّى مِنْهَا دَيْنُهُ، وَمِنْهَا: الْجَنِينُ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْغُرَّةَ، وَمِنْهَا: خَلْطُ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ، أَوْ بِمَالِ آخَرَ لَا يَتَمَيَّزُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ مِلْكَهُ إِيَّاهُ، وَمِنْهَا: الصَّحِيحُ أَنَّ الضَّيْفَ يَمْلِكُ مَا يَأْكُلُهُ، وَهَلْ يُمْلَكُ بِالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَوْ فِي الْفَمِ، أَوْ بِالْأَخْذِ، أَوْ بِالِازْدِرَادِ يَتَبَيَّنُ حُصُولُ الْمِلْكِ قَبِيلَهُ؟ أَوْجُهٌ.

الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْمِلْكِ:

تَرِدُ عَلَى الْمِلْكِ قُيُودٌ تَتَعَلَّقُ إِمَّا بِالْأَسْبَابِ أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ أَوْ بِالِانْتِقَالِ، وَكَذَلِكَ الْقُيُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ وَلِلْمُتَعَاقِدِ.

أَوَّلًا- الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى أَسْبَابِ الْمِلْكِ

10- تَظْهَرُ هَذِهِ الْقُيُودُ مِنْ خِلَالِ كَوْنِ أَسْبَابِ كَسْبِ الْمِلْكِ فِي الشَّرِيعَةِ مُقَيَّدَةٌ بِأَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً، وَلَيْسَتْ مُطْلَقَةً، وَلِذَلِكَ فَالْوَسَائِلُ الْمُحَرَّمَةُ مِنْ سَرِقَةٍ، وَغَصْبٍ، أَوِ اسْتِغْلَالٍ، أَوْ قِمَارٍ، أَوْ رِبًا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَيْسَتْ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكِ، حَيْثُ قَطَعَتِ الشَّرِيعَةُ الطَّرِيقَ بَيْنَ الْأَسْبَابِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمِلْكِ، وَمَنَعَتْهَا مَنْعًا بَاتًّا، وَطَالَبَتِ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا أَنْ تَكُونَ أَمْوَالُهُمْ حَلَالًا طَيِّبًا، وَبِذَلِكَ وَرَدَتِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ، مِنْهَا قوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}.حَيْثُ مَنَعَ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ إِلاَّ عَنْ طَرِيقِ الرِّضَا وَالْإِرَادَةِ.

وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِأَكْلِ الطَّيِّبَاتِ فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.

وَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ».

ثَانِيًا- الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمِلْكِ

11- وَضَعَتِ الشَّرِيعَةُ قُيُودًا عَلَى الْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْمَالِ فَأَوْجَبَتْ عَلَى الْمَالِكِ:

أ- أَنْ لَا يَكُونَ مُبَذِّرًا مُسْرِفًا، وَلَا مُقَتِّرًا بَخِيلًا، قَالَ تَعَالَى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} وَقَالَ سُبْحَانَهُ {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}.

وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَجَالِ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ وَتَضْيِيعِ الْمَالِ بِدُونِ فَائِدَةٍ حَتَّى فِي مَجَالِ الْأَكْلِ، يَقُولُ مُحَمَّدٌ بْنِ حَسَنٍ الشَّيْبَانِيُّ: ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْءِ فِيمَا اكْتَسَبَهُ مِنَ الْحَلَالِ الْإِفْسَادُ، وَالسَّرَفُ، وَالتَّقْتِيرُ...ثُمَّ السَّرَفُ فِي الطَّعَامِ أَنْوَاعٌ: وَمِنْهُ الِاسْتِكْثَارُ فِي الْمُبَاحَاتِ وَالْأَلْوَانِ.

ب- أَلاَّ يَسْتَعْمِلَ الْمَالِكُ مَا حَرَّمَهُ الشَّرْعُ، وَمِنْ ذَلِكَ حُرْمَةُ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ وَاسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ لَهُمْ وَاسْتِعْمَالِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ

ج- وُجُوبُ الاْسْتِنْمَاءِ فِي الْجُمْلَةِ وَعَدَمِ تَعْطِيلِ الْأَمْوَالِ حَتَّى تُؤَدِّيَ دَوْرَهَا فِي التَّدَاوُلِ وَالتَّعْمِيرِ، تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي تُطَالِبُ بِالْعَمَلِ وَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَالزِّرَاعَةِ بِصِيَغِ الْأَوَامِرِ، وَمِنْهَا قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} وَمِنَ الْأَحَادِيثِ قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلَا يَتْرُكُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ».كَمَا صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّ مَا لَا تَتِمُّ مَصَالِحُ الْأُمَّةِ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ الْحِرَفَ وَالصَّنَائِعَ وَالتِّجَارَةَ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ لِأَنَّ قِيَامَ الدُّنْيَا بِهَا، وَقِيَامَ الدِّينِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا، حَتَّى لَوِ امْتَنَعَ الْخَلْقُ مِنْهُ أَثِمُوا، وَكَانُوا سَاعِينَ فِي إِهْلَاكِ أَنْفُسِهِمْ، لَكِنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ، فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى حَثٍّ عَلَيْهَا وَتَرْغِيبٍ فِيهَا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ: ثُمَّ الْمَذْهَبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْكَسْبَ بِقَدْرِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَرِيضَةٌ.

وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (إِنْمَاءٌ ف 10- 17).

د- عَدَمُ الْإِضْرَارِ بِالْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّخْصِ فِي اسْتِعْمَالِهِ مِلْكَهُ أَنْ يَقْصِدَ الْإِضْرَارَ بِالْغَيْرِ، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْإِضْرَارِ بِأَحَدٍ لَا فِي مَالِهِ، وَلَا فِي نَفْسِهِ وَلَا فِي عِرْضِهِ.

وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ مُقَابَلَةُ الضَّرَرِ بِالضَّرَرِ وَالْإِتْلَافِ بِالْإِتْلَافِ، فَكُلُّ تَصَرُّفٍ- وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الْمَالِكِ- يُمْنَعُ إِذَا أَدَّى إِلَى الْإِضْرَارِ بِالْآخَرِينَ، وَلِذَلِكَ مَنَعَ الْفُقَهَاءُ الْمَالِكَ مِنْ إِشْعَالِ النَّارِ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، مَا دَامَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِحْرَاقُ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِ الْجِيرَانِ، حَيْثُ يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّيًا، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.

12- وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي مَنْعِ الْجَارِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْإِضْرَارُ بِالْجَارِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، وَهُمْ مُتَقَدِّمُو الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُ مَا دَامَ فِيهِ قَصْدُ الْإِضْرَارِ، أَوْ كَانَ الضَّرَرُ فَاحِشًا، وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ، وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الضَّرَرِ الْفَاحِشِ فَيُمْنَعُ، وَغَيْرُ الْفَاحِشِ الَّذِي لَا يُمْنَعُ، وَهُوَ رَأْيُ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ، وَمُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.

وَكَمَا مَنَعَتِ الشَّرِيعَةُ الْإِضْرَارَ بِالْأَفْرَادِ مَنَعَتِ الْإِضْرَارَ بِالْمُجْتَمَعِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَتِ الِاحْتِكَارَ وَالرِّبَا، وَالْمُتَاجَرَةَ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى الْفَسَادِ.

ثَالِثًا- الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عِنْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ

13- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ شُرُوطًا وَضَوَابِطَ، وَجَعَلَتِ الشَّرِيعَةُ وَسَائِلَ الِانْتِقَالِ- كَقَاعِدَةٍ عَامَّةٍ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ- فِي الرِّضَا وَالْإِرَادَةِ، بَلِ اشْتَرَطَتْ أَنْ يَكُونَ الرِّضَا غَيْرَ مَشُوبٍ بِعُيُوبِ الرِّضَا وَعُيُوبِ الْإِرَادَة، مِنَ الْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ وَالِاسْتِغْلَالِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْغَلَطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وَلِقَوْلِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» وَقَوْلِهِ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ».

وَلِلتَّفْصِيلِ ر: مُصْطَلَحَ (رِضًا ف 13 وَمَا بَعْدَهَا).

كَذَلِكَ حَدَّدَ الْفُقَهَاءُ إِرَادَةَ الْمَالِكِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ بِالثُّلُثِ إِذَا كَانَتْ تَصَرُّفَاتُهُ عَطَاءً وَهِبَةً، أَوْ مُحَابَاةً، أَوْ وَصِيَّةً.

ر: مُصْطَلَحَ (مَرَضُ الْمَوْتِ).

وَقَدْ قَيَّدَتِ الشَّرِيعَةُ إِرَادَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي فِيهَا ضَرَرٌ، أَوْ مِنْ شَأْنُهَا الضَّرَرُ عَلَى تَفْصِيلٍ يُرَاجَعُ فِيهِ مُصْطَلَحُ: (حَجْرٌ، سَفَهٌ ف 26 وَمَا بَعْدَهَا). وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْمَوْتِ فَإِنَّ جَمِيعَ أَمْوَالِ الْمَيِّتِ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ حَسَبَ قَوَاعِدِ الْفَرَائِضِ، كَمَا أَنَّ وَصِيَّتَهُ تُنَفَّذُ فِي حُدُودِ الثُّلُثِ، وَتَنْتَقِلُ إِلَى الْمُوصَى إِلَيْهِمْ.

وَلِلتَّفْصِيلِ يُرَاجَعُ مُصْطَلَحُ (إِرْثٌ ف 14، وَصِيَّةٌ).

رَابِعًا- الْقُيُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ:

أَعْطَتِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ وَلِيَّ الْأَمْرِ حَقَّ وَضْعِ قُيُودٍ عَلَى الْمِلْكِ وَمِنْ ذَلِكَ:

الْأَوَّلُ- تَقْيِيدُ الْمِلْكِ الْخَاصِّ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ

14- تُقِرُّ الشَّرِيعَةُ الْمِلْكَ لِلْأَفْرَادِ وَتَحْمِيهِ وَتَصُونَهُ، وَمِعْيَارُ تَقْيِيدِهِ فِيهَا يَقُومُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَإِنَّمَا تَعُمُّ الْمُجْتَمَعَ، يَقُولُ الشَّاطِبِيُّ: لِأَنَّ الْمَصَالِحَ الْعَامَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ.

فَحَقُّ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِصَاحِبِهِ، وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ كَمَا يَشَاءُ، إِلاَّ أَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ مَصُونٌ وَمُحَافَظٌ عَلَيْهِ شَرْعًا، فَمُرَاعَاةُ مَصَالِحِ الْآخَرِينَ قَيْدٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْحُقُوقِ وَمِنْهَا الْمِلْكُ، يَقُولُ الشَّاطِبِيُّ: لِأَنَّ طَلَبَ الْإِنْسَانِ لِحَظِّهِ حَيْثُ أُذِنَ لَهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْمَخْلُوقِينَ.

وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّفْعِ الْعَامِّ.

الثَّانِي- الْقُيُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ عَلَى حَقِّ التَّمَلُّكِ:

وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهَا مَا يَلِي:

أ- إِحْيَاءُ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ:

15- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَمَلُّكِ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ بِالْإِحْيَاءِ دُونَ إِذْنِ الْإِمَامِ، أَوْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ إِذْنُ الْإِمَامِ لِتَمَلُّكِهَا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِحْيَاءِ إِذْنُ الْإِمَامِ.

وَخَالَفَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ ف 14).

ب- تَمَلُّكُ الْمَعَادِنِ

16- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَعَادِنَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ جَامِدَةً أَمْ سَائِلَةً، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ ظَاهِرَةً أَمْ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ مِلْكًا خَاصًّا أَمْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ فَهِيَ مِلْكٌ لِلدَّوْلَةِ (جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ) تَتَصَرَّفُ فِيهَا بِمَا يُحَقِّقُ الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ بِتَأْجِيرِهَا لِمُدَّةِ مَعْلُومَةٍ، أَوْ إِقْطَاعِهَا لَا عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ.

وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ فِي أَرْضِ الْمَوَاتِ، حَيْثُ لَا تُمْلَكُ عِنْدَهُمْ بِالْإِحْيَاءِ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِضْرَارًا بِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ، فَلَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَعَلَى أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ ف 29)

ج- الْحِمَى:

17- الْحِمَى حَيْثُ هُوَ قَيْدٌ عَلَى الْإِحْيَاءِ، فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْمُوا لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا، وَلَكِنْ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوا مَوَاضِعَ لِتَرْعَى فِيهَا خَيْلُ الْمُجَاهِدِينَ، وَنَعَمُ الْجِزْيَةِ وَإِبِلُ الصَّدَقَةِ وَضَوَالُّ النَّاسِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ مَنْ سِوَاهُمْ.

ثُمَّ إِنَّ الْحِمَى نَفْسَهُ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ فَلَا يَجُوزُ التَّوَسُّعُ فِيهِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ ف 21، وَحِمًى ف 6).

الثَّالِثُ- الْقُيُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ عَلَى حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي الْمِلْكِ:

لِوَلِيِّ الْأَمْرِ الْحَقُّ فِي تَقْيِيدِ تَصَرُّفَاتِ الْمَالِكِ بِمَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ دُونَ ضَرَرٍ وَلَا ضِرَارٍ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:

أ- التَّسْعِيرُ:

18- التَّسْعِيرُ هُوَ تَقْدِيرُ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ لِلنَّاسِ سِعْرًا وَإِجْبَارُهُمْ عَلَى التَّبَايُعِ بِمَا قَدَّرَهُ.وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّسْعِيرِ هُوَ الْحُرْمَةُ، أَمَّا جَوَازُ التَّسْعِيرِ فَمُقَيَّدٌ عِنْدَهُمْ بِشُرُوطِ مُعَيَّنَةٍ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَسْعِيرٌ ف 5 وَمَا بَعْدَهَا).

ب- الِاحْتِكَارُ:

19- الِاحْتِكَارُ هُوَ شِرَاءُ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ، وَحَبْسُهُ إِلَى الْغَلَاءِ.وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الِاحْتِكَارَ بِالْقُيُودِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ مَحْظُورٌ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَأْمُرُ الْمُحْتَكِرَ بِإِخْرَاجِ مَا احْتَكَرَ إِلَى السُّوقِ وَبَيْعِهِ لِلنَّاسِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (احْتِكَارٌ ف 12).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


15-موسوعة الفقه الكويتية (نيابة 1)

نِيَابَة -1

التَّعْرِيف:

1- النِّيَابَةُ فِي اللُّغَةِ: جَعْلُ الْإِنْسَانِ غَيْرَهُ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْأَمْرِ.

وَيُقَالُ: نَابَ عَنْهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ نِيَابَةً: إِذَا قَامَ مَقَامَهُ.

وَالنَّائِبُ: مَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ فِي أَمْرٍ أَوْ عَمَلٍ.

وَالنِّيَابَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ: قِيَامُ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ بِفِعْلِ أَمْرٍ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْوِلَايَةُ:

2- الْوِلَايَةُ فِي اللُّغَةِ، بِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ: الْقُدْرَةُ، وَالنُّصْرَةُ، وَالتَّدْبِيرُ، يُقَالُ: هُمْ عَلَى وِلَايَةٍ أَيْ مُجْتَمِعُونَ فِي النُّصْرَةِ.

وَالْوَلِيُّ هُوَ: الْمُحِبُّ، وَالصَّدِيقُ، وَالنَّصِيرُ أَوِ النَّاصِرُ.

وَقِيلَ: الْمُتَوَلِّي لِأُمُورِ الْعَالَمِ وَالْخَلَائِقِ الْقَائِمُ بِهَا.

وَوَلِيُّ الْيَتِيمِ: الَّذِي يَلِي أَمْرَهُ وَيَقُومُ بِكِفَايَتِهِ.

وَوَلِيُّ الْمَرْأَةِ: الَّذِي يَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا، وَلَا يَدَعُهَا تَسْتَبِدُّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ دُونَهُ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْوِلَايَةُ: تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ الْغَيْرُ أَمْ لَا.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ النِّيَابَةِ وَالْوِلَايَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وِلَايَةُ أُمُورِ الْغَيْرِ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ.

ب- الْإِيصَاءُ:

3- الْإِيصَاءُ فِي اللُّغَةِ- مَصْدَرُ أَوْصَى- يُقَالُ: أَوْصَى فُلَانٌ بِكَذَا يُوصِي إِيصَاءً، وَالِاسْمُ الْوِصَايَةُ (بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا) وَهُوَ: أَنْ يَعْهَدَ إِلَى غَيْرِهِ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْقِيَامُ بِذَلِكَ الْأَمْرِ فِي حَالِ حَيَاةِ الطَّالِبِ أَمْ كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ.

أَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، فَالْإِيصَاءُ بِمَعْنَى الْوَصِيَّةِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هُوَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ إِقَامَةُ الْإِنْسَانِ غَيْرَهُ مَقَامَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ فِي تَصَرُّفٍ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، أَوْ فِي تَدْبِيرِ شُئُونِ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَرِعَايَتِهِمْ، وَذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُقَامُ يُسَمَّى الْوَصِيَّ.

أَمَّا إِقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرٍ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، فَلَا يُقَالُ لَهُ فِي الِاصْطِلَاحِ إِيصَاءٌ عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ وِكَالَةٌ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ النِّيَابَةِ وَالْإِيصَاءِ، أَنَّ النِّيَابَةَ أَعَمُّ مِنَ الْإِيصَاءِ.

ج- الْقِوَامَةُ:

4- الْقِوَامَةُ فِي اللُّغَةِ: هِيَ الْقِيَامُ عَلَى الْأَمْرِ أَوِ الْمَالِ أَوْ وِلَايَةُ الْأَمْرِ.وَالْقَيِّمُ: هُوَ الَّذِي يَقُومُ عَلَى شُئُونِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَيَلِيهِ، وَيَرْعَاهُ، وَيُصْلِحُ مِنْ شَأْنِهِ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ النِّيَابَةِ وَالْقِوَامَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وِلَايَةُ أُمُورِ الْغَيْرِ.

د- الْوِكَالَةُ:

5- الْوَكَالَةُ بِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ، فِي اللُّغَة أَنْ يَعْهَدَ إِلَى غَيْرِهِ لِيَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا.

وَالتَّوْكِيلُ تَفْوِيضُ التَّصَرُّفِ إِلَى غَيْرِهِ، وَسُمِّيَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا لِأَنَّ مُوكِلَهُ قَدْ وَكَلَ إِلَيْهِ الْقِيَامَ بِأَمْرِهِ، فَهُوَ مَوْكُولٌ إِلَيْهِ الْأَمْرُ.

وَالْوَكَالَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ: عَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهَا: إِقَامَةُ الْغَيْرِ مَقَامَ نَفْسِهِ تَرَفُّهًا أَوْ عَجْزًا فِي تَصَرُّفٍ جَائِزٍ مَعْلُومٍ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ النِّيَابَةِ وَالْوِكَالَةِ أَنَّ النِّيَابَةَ أَعَمُّ مِنَ الْوِكَالَةِ.

أَنْوَاعُ النِّيَابَةِ:

تَتَنَوَّعُ النِّيَابَةُ إِلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ يَثْبُتُ بِتَوْلِيَةِ الْمَالِكِ (اتِّفَاقِيَّةٌ)، وَنَوْعٌ يَثْبُتُ شَرْعًا لَا بِتَوْلِيَةِ الْمَالِكِ (شَرْعِيَّةٌ).

أَوَّلًا: النِّيَابَةُ الِاتِّفَاقِيَّةُ (وَهِيَ الْوَكَالَةُ):

6- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ جَائِزَةٌ فِي الْجُمْلَةِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}.وَمِنْهَا: حَدِيثُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، فَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ».

وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْوَكَالَةِ مُنْذُ عَصْرِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.لَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.وَانْظُرْ تَفْصِيلَ أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ فِي مُصْطَلَحِ (وَكَالَة).

ثَانِيًا: النِّيَابَةُ الشَّرْعِيَّةُ:

7- النِّيَابَةُ الشَّرْعِيَّةُ- وَهِيَ الْوِلَايَةُ- ثَابِتَةٌ شَرَعًا عَلَى الْعَاجِزِينَ عَنِ التَّصَرُّفِ بِأَنْفُسِهِمْ بِسَبَبِ الصِّغَرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَذَلِكَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَدْ وَرَدَتْ مِنْهُ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْوِلَايَةِ، مِنْ ذَلِكَ قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (5) {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}.وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ}.

فَهَذِهِ الْآيَاتُ خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ عَلَى الْمَالِ وَالنَّفْسِ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَرَدَتْ فِي شَرْعِيَّةِ الْوِلَايَةِ، مِنْهَا: قَوْلُ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ».

وَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنِ اشْتَجَرُوا، فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ».

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَإِنَّ ثُبُوتَ وِلَايَةِ النَّظَرِ لِلْقَادِرِ عَلَى الْعَاجِزِ عَنِ النَّظَرِ مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ عَلَى الْبِرِّ، وَمِنْ بَابِ الْإِحْسَانِ، وَمِنْ بَابِ إِعَانَةِ الضَّعِيفِ وَإِغَاثَةِ اللَّهْفَانِ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ عَقْلًا وَشَرْعًا.

وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ شُكْرِ النِّعْمَةِ وَهِيَ نِعْمَةُ الْقُدْرَةِ، إِذْ شُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ عَلَى حَسَبِ هَذِهِ النِّعْمَةِ، فَشُكْرُ نِعْمَةِ الْقُدْرَةِ مَعُونَةُ الْعَاجِزِ، وَشُكْرُ النِّعْمَةِ وَاجِبٌ عَقْلًا وَشَرْعًا فَضْلًا عَنِ الْجَوَازِ.

أَنْوَاعُ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ:

8- النِّيَابَةُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ الْوِلَايَةُ، وَالْوِلَايَةُ تَتَنَوَّعُ إِلَى نَوْعَيْنِ بِاعْتِبَارِ مَحَلِّهَا: وِلَايَةٌ عَلَى الْمَالِ، وَوِلَايَةٌ عَلَى النَّفْسِ.

فَالْوِلَايَةُ عَلَى الْمَالِ هِيَ سُلْطَةُ الْوَلِيِّ عَلَى أَنْ يَعْقِدَ الْعُقُودَ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِأَمْوَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَتَكُونُ تَصَرُّفَاتُهُ وَعُقُودُهُ نَافِذَةً دُونَ الْحَاجَةِ إِلَى إِذْنٍ مِنْ أَحَدٍ.

وَالْوِلَايَةُ عَلَى النَّفْسِ هِيَ السُّلْطَةُ عَلَى شُئُونِ الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِشَخْصِهِ وَنَفْسِهِ، وَيَدْخُلُ فِيهَا تَزْوِيجُهُ.

وَتُنْظَرُ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوِلَايَةِ عَلَى الْمَالِ وَعَلَى النَّفْسِ فِي مُصْطَلَحِ (وِلَايَة).

النِّيَابَةُ فِي الْعِبَادَاتِ:

تَتَنَوَّعُ الْعِبَادَاتُ فِي الشَّرْعِ إِلَى أَنْوَاعٍ ثَلَاثَةٍ:

مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ، وَبَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ، وَمُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْبَدَنِ وَالْمَالِ.

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ الْمَحْضَةُ

9- الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ الْمَحْضَةُ كَالزَّكَاةِ، وَالصَّدَقَاتِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَالنُّذُورِ.

وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْعِبَادَاتِ تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، سَوَاءٌ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْعِبَادَةُ قَادِرًا عَلَى الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ، أَوْ لَا.وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَالْمَعْقُولِ:

فَمِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}.

وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَوَّزَ الْعَمَلَ عَلَى الزَّكَاةِ، وَذَلِكَ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنِ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا.قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَأَمَّا الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا فَهُمُ الْجُبَاةُ، وَالسُّعَاةُ يَسْتَحِقُّونَ مِنْهَا قِسْطًا عَلَى ذَلِكَ.

وَمِنَ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ أَحَادِيثُ مِنْهَا:

مَا وَرَدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنه- قَالَ: «أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقَلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ، فَقَالَ: إِذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَإِنِ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً فَضَعْ يَدَك عَلَى تَرْقُوَتِهِ».

وَقَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «الْخَازِنُ الْمُسْلِمُ الْأَمِينُ الَّذِي يُنْفِذُ- وَرُبَّمَا قَالَ: يُعْطِي- مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبًا بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ».

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: «وَكَّلَنِي النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ» وَحَدِيثُ: «أَعْطَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ غَنَمًا يُقَسِّمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ».

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ- رضي الله عنه- حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ».

وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ- رضي الله عنه- قَالَ: «اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- رَجُلًا مِنَ الْأَسْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ».

وَمِنَ الْمَعْقُولِ: أَنَّ الْوَاجِبَ فِي هَذِهِ الْعِبَادَاتِ إِخْرَاجُ الْمَالِ، وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ.

وَأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ فَجَازَ أَنْ يُوَكَّلَ فِي أَدَائِهِ كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ.

النَّوْعُ الثَّانِي: الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ الْمَحْضَةُ:

10- الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْعِبَادَاتِ لَا تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيِّ.وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَالْمَعْقُولِ:

أَمَّا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}.إِلاَّ مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: «لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ».

أَيْ فِي حَقِّ الْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ لَا فِي حَقِّ الثَّوَابِ، فَإِنَّ مَنْ صَامَ أَوْ صَلَّى أَوْ تَصَدَّقَ وَجَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ مِنَ الْأَمْوَاتِ أَوِ الْأَحْيَاءِ جَازَ.وَيَصِلُ ثَوَابُهَا إِلَيْهِمْ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.عَلَى خِلَافٍ وَتَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (ثَوَاب ف 10).

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَلِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ تَتَعَلَّقُ بِبَدَنِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهَا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِابْتِلَاءُ وَالِاخْتِبَارُ وَإِتْعَابُ النَّفْسِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّوْكِيلِ.

وَأَمَّا النِّيَابَةُ عَنِ الْمَيِّتِ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهَا.وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أَدَاء ف 15).

النَّوْعُ الثَّالِثِ: الْعِبَادَاتُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْبَدَنِ وَالْمَالِ:

11- الْعِبَادَاتُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْبَدَنِ وَالْمَالِ هِيَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ، وَقَابِلِيَّتِهِ لِلنِّيَابَةِ لِلْعُذْرِ الْمَيْئُوسِ مِنْ زَوَالِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيِّ، وَذَهَبَ مَالِكٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي مَذْهَبِهِ، إِلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ لَا عَنِ الْحَيِّ وَلَا عَنِ الْمَيِّتِ، مَعْذُورًا أَوْ غَيْرَ مَعْذُورٍ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (حَجٍّ ف 114 وَمَا بَعْدَهَا، وَأَدَاءٍ ف 16، وَعِبَادَةٍ ف 7).أَمَّا الْعُمْرَةُ فَتَقْبَلُ النِّيَابَةَ فِي الْجُمْلَةِ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عُمْرَةٍ ف 38).

أَوَّلًا: النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ عَنِ الْحَيِّ:

مَنْ يَقَعُ عَنْهُ حَجُّ النَّائِبِ:

12- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ.لِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ حَيْثُ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «حُجِّي عَنْ أَبِيكِ» فَقَدْ أَمَرَهَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بِالْحَجِّ عَنْ أَبِيهَا، وَلَوْلَا أَنَّ حَجَّهَا يَقَعُ عَنْ أَبِيهَا لَمَا أَمَرَهَا بِالْحَجِّ عَنْهُ.

وَلِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَاسَ دَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِدَيْنِ الْعِبَادِ بِقَوْلِهِ: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ».وَذَلِكَ تُجْزِئُ فِيهِ النِّيَابَةُ، وَيَقُومُ فِعْلُ النَّائِبِ مَقَامَ فِعْلِ الْمَنُوبِ عَنْهُ كَذَا هَذَا.لِأَنَّ الْحَاجَّ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ كَذَا الْإِحْرَامُ، وَلَوْ لَمْ يَقَعْ نَفْسُ الْحَجِّ عَنْهُ لَكَانَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّتِهِ.

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّ نَفْسَ الْحَجِّ يَقَعُ عَنِ الْحَاجِّ، وَإِنَّمَا لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَمَالِيَّةٌ وَالْبَدَنَ لِلْحَاجِّ، وَالْمَالَ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ، فَمَا كَانَ مِنَ الْبَدَنِ لِصَاحِبِ الْبَدَنِ، وَمَا كَانَ بِسَبَبِ الْمَالِ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْمَالِ.وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوِ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَكَفَّارَتُهُ فِي مَالِهِ لَا فِي مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ نَفْسَ الْحَجِّ يَقَعُ لَهُ.

إِلاَّ أَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ ثَوَابَ نَفَقَةِ الْحَجِّ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ عَنِ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، مَقَامَ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ نَظَرًا لَهُ وَمَرْحَمَةً عَلَيْهِ.

شَرَائِطُ جَوَازِ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ عَنِ الْحَيِّ:

13- الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ عَاجِزًا عَنْ أَدَاءِ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، وَلَهُ مَالٌ يَسْتَنِيبُ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ، بِأَنْ كَانَ صَحِيحَ الْبَدَنِ وَلَهُ مَالٌ.فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ حَجُّ غَيْرِهِ عَنْهُ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْأَدَاءِ بِبَدَنِهِ وَلَهُ مَالٌ يَحُجُّ بِهِ، فَالْفَرْضُ يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِهِ لَا بِمَالِهِ، بَلِ الْمَالُ يَكُونُ شَرْطًا، وَإِذَا تَعَلَّقَ الْفَرْضُ بِبَدَنِهِ لَا تُجْزِي فِيهِ النِّيَابَةُ كَالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الْمَحْضَةِ.

وَكَذَا لَوْ كَانَ فَقِيرًا صَحِيحَ الْبَدَنِ لَا يَجُوزُ حَجُّ غَيْرِهِ عَنْهُ؛ لأَنَّ الْمَالَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَصْلًا، فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ غَيْرُهُ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ وَلَا وَاجِبَ.

14- الشَّرْطُ الثَّانِي: الْعَجْزُ الْمُسْتَدَامُ مِنْ وَقْتِ الْإِحْجَاجِ إِلَى وَقْتِ الْمَوْتِ، بِأَنْ يَمُوتَ عَلَى مَرَضِهِ فَإِذَا عُوفِيَ الْمَرِيضُ بَعْدَ أَنْ حُجَّ عَنْهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُوفِيَ بَعْدَ حَجِّ النَّائِبِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُوفِيَ قَبْلَ فَرَاغِ النَّائِبِ مِنَ الْحَجِّ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُوفِيَ قَبْلَ إِحْرَامِ النَّائِبِ.

15- الْحَالَةُ الْأُولَى: إِذَا عُوفِيَ الْمَرِيضُ بَعْدَ مَا حُجَّ عَنْهُ:

فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَجٌّ آخَرُ، وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ فَخَرَجَ مِنَ الْعُهْدَةِ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْرَأْ.وَلِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ بِأَمْرِ الشَّارِعِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ حَجٌّ ثَانٍ كَمَا لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ.وَالْمُعْتَبَرُ لِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ الْيَأْسُ ظَاهِرًا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ إِلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حَجٌّ ثَانٍ وَلَمْ يَجُزْ حَجُّ غَيْرِهِ عَنْهُ لِأَنَّ هَذَا بَدَلُ إِيَاسٍ فَإِذَا بَرَأَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَيْئُوسًا مِنْهُ، فَلَزِمَهُ الْأَصْلُ، كَالْآيِسَةِ إِذَا اعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ ثُمَّ حَاضَتْ لَا تُجْزِئُهَا تِلْكَ الْعِدَّةُ.

كَمَا أَنَّ جَوَازَ حَجِّ الْغَيْرِ عَنِ الْغَيْرِ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِضَرُورَةِ الْعَجْزِ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَيَتَقَيَّدُ الْجَوَازُ بِهِ.

16- الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا عُوفِيَ قَبْلَ فَرَاغِ النَّائِبِ مِنَ الْحَجِّ:

الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ كَالْمُتَمَتِّعِ إِذَا شَرَعَ فِي الصِّيَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ، وَالْمُكَفِّرِ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْبَدَلِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: يَنْبَغِي أَلاَّ يُجْزِئَهُ الْحَجُّ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ تَمَامِ الْبَدَلِ فَلَزِمَهُ كَالصَّغِيرَةِ وَمَنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا إِذَا حَاضَتَا قَبْلَ إِتْمَامِ عَدَّتِهِمَا بِالشُّهُورِ، وَكَالْمُتَيَمِّمِ إِذَا رَأَى الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ.

17- الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا عُوفِيَ قَبْلَ إِحْرَامِ النَّائِبِ:

لَمْ يُجْزِئْهُ بِحَالٍ.لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمُبْدَلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْبَدَلِ.

النِّيَابَةُ عَنِ الْمَرِيضِ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ:

18- وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ؟ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ يُرْجَى زَوَالُ مَرَضِهِ، وَالْمَحْبُوسَ وَنَحْوَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ؛ لِأَنَّهُ يَرْجُو الْقُدْرَةَ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ وَلَا تُجْزِئُهُ إِنْ فَعَلَ كَالْفَقِيرِ.

كَمَا أَنَّ النَّصَّ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْحَجِّ عَنِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُرْجَى مِنْهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ إِلاَّ مَنْ كَانَ مِثْلَهُ.

فَعَلَى هَذَا: إِذَا اسْتَنَابَ مَنْ يَرْجُو الْقُدْرَةَ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ صَارَ مَيْئُوسًا مِنْ بُرْئِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ مَرَّةً أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ اسْتَنَابَ فِي حَالٍ لَا تَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِيهَا فَأَشْبَهَ الصَّحِيحَ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجَوَازَ مَوْقُوفٌ إِنْ مَاتَ وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ مَحْبُوسٌ جَازَ، وَإِنْ زَالَ الْمَرَضُ أَوِ الْحَبْسُ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَجُزْ.

19- الشَّرْطُ الثَّالِثُ:

لَا يَجُوزُ الْحَجُّ عَنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْهُ، وَالنِّيَابَةُ لَا تَثْبُتُ إِلاَّ بِالْأَمْرِ.

وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيِّ، أَمَّا الْمَيِّتُ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (حَجٍّ ف 117).

20- الشَّرْطُ الرَّابِعُ: النِّيَّةُ عَنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ: ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عَنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ يَحُجُّ عَنْهُ لَا عَنْ نَفْسِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ: لَبَّيْكَ عَنْ فُلَانٍ، كَمَا إِذَا حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ.

وَيَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ النَّائِبُ عَنِ الْمُسْتَنِيبِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ لَفْظًا.وَإِنْ نَسِيَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ نَوَى مَنْ دَفَعَ إِلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ عَنْهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا تَكْفِي نِيَّةُ الْمُسْتَنِيبِ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِي الْحَجِّ فِعْلُ النَّائِبِ فَوَجَبَتِ النِّيَّةُ مِنْهُ.

21- الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ حَجُّ الْمَأْمُورِ بِمَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ:

إِنْ تَطَوَّعَ الْحَاجُّ عَنِ الْغَيْرِ بِمَالِ نَفْسِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِجْزَاءِ الْحَجِّ عَنْهُ.وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (حَجٍّ ف 117).

22- الشَّرْطُ السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ النَّائِبُ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَوَّلًا:

وَهَذَا الشَّرْطُ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ:

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ وَقَعَ إِحْرَامُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ نَفْسِهِ، وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ النِّيَابَةَ تَصِحُّ، سَوَاءٌ كَانَ النَّائِبُ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ لَا، إِلاَّ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَيُسَمَّى حَجَّ الصَّرُورَةِ.

وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ، هُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَثْلُ ذَلِكَ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ مِمَّا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، فَجَازَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَنْ غَيْرِهِ مَنْ لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهُ عَنْ نَفْسِهِ، كَالزَّكَاةِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: يَقَعُ الْحَجُّ بَاطِلًا، وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ تَعْيِينُ النِّيَّةِ، فَمَتَى نَوَاهُ لِغَيْرِهِ، وَلَمْ يَنْوِ لِنَفْسِهِ، لَمْ يَقَعْ عَنْ نَفْسِهِ، كَذَا الطَّوَافُ حَامِلًا لِغَيْرِهِ لَمْ يَقَعْ عَنْ نَفْسِهِ وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (حَجٍّ ف 116).

نِيَابَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَجِّ:

23- تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ، سَوَاءٌ كَانَ النَّائِبُ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، وَهَذَا فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ.

أَمَّا الْجَوَازُ، فَلِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ، وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ، فَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي حَجِّهَا ضَرْبُ نُقْصَانٍ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْتَوْفِي سُنَنَ الْحَجِّ، فَإِنَّهَا لَا تَرْمُلُ فِي الطَّوَافِ وَفِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَة، وَلَا تَحْلِقُ.

النِّيَابَةُ فِي حَجَّةِ الْفَرْضِ وَحَجَّةِ النَّذْرِ مَعًا:

24- صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَى الْإِنْسَانِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَحَجَّةُ النَّذْرِ، فَاسْتَأْجَرَ رَجُلَيْنِ يَحُجَّانِ عَنْهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يَجُوزُ وَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّمِ النَّذْرَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحُجُّ بِنَفْسِهِ حَجَّتَيْنِ فِي سَنَةٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.

النِّيَابَةُ فِي حَالَةِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ:

25- الْحَجُّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَذْرًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا.

فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَادِرِ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، وَكَذَا الْحَجُّ الْمَنْذُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ يَرَوْنَ كَرَاهَتَهُ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْحَجُّ حَجَّ تَطَوُّعٍ، وَكَانَ الْمُسْتَنِيبُ قَدْ أَدَّى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ، إِلَى أَنَّهُ تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ كَرَاهَةَ الِاسْتِنَابَةِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (حَجٍّ ف 118).

الْعَجْزُ عَنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ عَجْزًا مَرْجُوَّ الزَّوَالِ:

26- صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ عَاجِزًا عَنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ عَجْزًا مَرْجُوَّ الزَّوَالِ، كَالْمَرِيضِ مَرَضًا يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَالْمَحْبُوسِ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَجٌّ لَا يَلْزَمُهُ عَجَزَ عَنْ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَجِّ الْفَرْضِ، أَنَّ الْفَرْضَ عِبَادَةُ الْعُمْرِ فَلَا يَفُوتُ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ هَذَا الْعَامِ، وَالتَّطَوُّعُ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ عَامٍ فَيَفُوتُ حَجُّ هَذَا الْعَامِ بِتَأْخِيرِهِ، وَلِأَنَّ حَجَّ الْفَرْضِ إِذَا مَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ فُعِلَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَحَجُّ التَّطَوُّعِ لَا يُفْعَلُ فَيَفُوتَ.

مَا يَصِيرُ بِهِ النَّائِبُ مُخَالِفًا وَحُكْمُهُ إِذَا خَالَفَ:

أ- أَمَرَهُ بِالْإِفْرَادِ فَقَرَنَ:

27- إِذَا أُمِرَ النَّائِبُ بِالْإِفْرَادِ فَقَرَنَ فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، إِلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا وَلَا يَضْمَنُ، وَوَقَعَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَزَادَ خَيْرًا، فَكَانَ مَأْذُونًا فِي الزِّيَادَةِ دَلَالَةً، فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا فَصَحَّ وَلَمْ يَضْمَنْ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ شَاةٍ بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ تُسَاوِي إِحْدَاهُمَا دِينَارًا.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ، إِذْ أُمِرَ بِسَفَرٍ يَصْرِفُهُ إِلَى الْحَجِّ لَا غَيْرَ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ، فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ الْآمِرِ فَضَمِنَ.

ب- أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَتَمَتَّعَ أَوِ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ مِنَ الْمِيقَاتِ:

28- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أُمِرَ النَّائِبُ بِحَجٍّ فَتَمَتَّعَ، أَوِ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ مِنَ الْمِيقَاتِ، ثُمَّ حَجَّ: فَإِنْ خَرَجَ إِلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ بِالْحَجِّ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ، لِتَرْكِ مِيقَاتِهِ وَيَرُدُّ مِنَ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ مِنْ إِحْرَامِ الْحَجِّ فِيمَا بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ فَقَدْ أَتَى بِالْحَجِّ صَحِيحًا مِنْ مِيقَاتِهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ فَمَا أَخَلَّ إِلاَّ بِمَا يَجْبُرُهُ الدَّمُ، فَلَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهُ كَمَا لَوْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَأَحْرَمَ دُونَهُ.وَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَاعْتَمَرَ ضَمِنَ لِأَنَّهُ خَالَفَ، وَلَوِ اعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ يَضْمَنُ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ مَا أُمِرَ بِهِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِصَرْفِ كُلِّ السَّفَرِ إِلَى الْحَجِّ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى بِالسَّفَرِ حَجًّا عَنِ الْآمِرِ وَعُمْرَةً عَنْ نَفْسِهِ، فَكَانَ مُخَالِفًا، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ.

ج- أَمَرَهُ بِالتَّمَتُّعِ فَقَرَنَ:

29- قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلتَّمَتُّعِ فَقَرَنَ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَحْرَمَ بِالنُّسُكَيْنِ مِنَ الْمِيقَاتِ، ثُمَّ إِنْ عَدَّدَ الْأَفْعَالَ لِلنُّسُكَيْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَدِّدْ فَيَحُطَّ شَيْءٌ مِنَ الْأُجْرَةِ لِاخْتِصَارِهِ فِي الْأَفْعَالِ فِي وَجْهٍ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ النَّائِبَ بِالتَّمَتُّعِ فَقَرَنَ، وَقَعَ عَنِ الْآمِرِ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِمَا، وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِهِ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنَ النَّفَقَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ لِأَنَّ غَرَضَهُ فِي عُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ وَتَحْصِيلُ فَضِيلَةِ التَّمَتُّعِ، وَقَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ وَفَوَّتَهُ عَلَيْهِ.

د- أَمَرَهُ بِالتَّمَتُّعِ فَأَفْرَدَ:

30- نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِلتَّمَتُّعِ فَأَفْرَدَ يُنْظَرُ:

إِنْ قَدَّمَ الْعُمْرَةَ وَعَادَ لِلْحَجِّ إِلَى الْمِيقَاتِ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا، وَإِنْ أَخَّرَ الْعُمْرَةَ، فَإِنْ كَانَتْ إِجَارَةَ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ فِي الْعُمْرَةِ لِفَوَاتِ وَقْتِهَا الْمُعَيَّنِ فَيَرُدُّ حِصَّتَهَا مِنَ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ وَعَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِلْعُمْرَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِلاَّ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ وَفِي حَطِّ شَيْءٍ مِنَ الْأُجْرَةِ خِلَافٌ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ النَّائِبَ بِالتَّمَتُّعِ فَأَفْرَدَ وَقَعَ عَنِ الْمُسْتَنِيبِ وَيَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِهِ، وَإِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ مِنَ الْمِيقَاتِ زِيَادَةٌ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا.

هـ- أَمَرَهُ بِالْقِرَانِ فَأَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ:

31- نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِرَانِ فَعَدَلَ يُنْظَرُ: إِنْ عَدَلَ إِلَى الْإِفْرَادِ فَحَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ، فَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ مِنَ الْأُجْرَةِ حِصَّةَ الْعُمْرَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي «الْمَنَاسِكِ الْكَبِيرِ» لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ عَنِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ نُظِرَ: إِنْ عَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِلْعُمْرَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرِنْ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَعَلَى الْأَجِيرِ دَمٌ لِمُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ لِلْعُمْرَةِ.

وَهَلْ يَحُطُّ شَيْءٌ مِنَ الْأُجْرَةِ أَمْ تَنْجَبِرُ الْإِسَاءَةُ بِالدَّمِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ:

أَصَحُّهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَنْجَبِرُ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فَتَجِبُ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ، وَأَظْهَرُهُمَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ: يَحُطُّ.

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْحَطِّ.

وَإِنْ عَدَلَ إِلَى التَّمَتُّعِ، فَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَتْ إِجَارَةَ عَيْنٍ لَمْ يَقَعِ الْحَجُّ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَهَذَا هُوَ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ نُظِرَ: إِنْ عَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِلْحَجِّ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِلاَّ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يُجْعَلُ مُخَالِفًا لِتَقَارُبِ الْجِهَتَيْنِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَمَا لَوِ امْتَثَلَ، وَفِي كَوْنِ الدَّمِ عَلَى الْأَجِيرِ أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ الْوَجْهَانِ، وَأَصَحُّهَا يُجْعَلُ مُخَالِفًا فَيَجِبُ الدَّمُ عَلَى الْأَجِيرِ لِإِسَاءَتِهِ، وَفِي حَطِّ شَيْءٍ مِنَ الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ.وَذَكَرَ أَصْحَابُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْأَجِيرِ دَمٌ لِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دَمٌ آخَرُ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ يَتَضَمَّنُهُ، وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ النَّائِبَ بِالْقِرَانِ فَأَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ، صَحَّ وَوَقَعَ النُّسُكَانِ عَنِ الْآمِرِ، وَيرُدُّ مِنَ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ مِنْ إِحْرَامِ النُّسُكِ الَّذِي تَرَكَهُ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ إِذَا أَمَرَهُ بِالنُّسُكَيْنِ فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ رَدَّ مِنَ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ وَوَقَعَ الْمَفْعُولُ عَنِ الْآمِرِ، وَلِلنَّائِبِ مِنَ النَّفَقَةِ بِقَدْرِهِ.

و- أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَحَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ:

32- نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ النَّائِبَ بِالْحَجِّ فَحَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ، أَوْ أَمَرَ بِعُمْرَةٍ فَاعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ صَحَّ، وَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنَ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ.

ز- أَمَرَهُ بِالْإِحْرَامِ مِنْ بَلَدِهِ فَخَالَفَ:

33- نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ النَّائِبَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ بَلَدِهِ، فَأَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ جَازَ لِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ.

وَإِنْ أَمَرَ بِالْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْ بَلَدِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ لَا تَضُرُّ.

ح- أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَخَالَفَ:

34- نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ النَّائِبَ بِالْحَجِّ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ بِالِاعْتِمَارِ فِي شَهْرٍ مُعَيَّنٍ فَفَعَلَهُ فِي غَيْرِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَدَّمَ الْأَجِيرُ الْحَجَّ عَلَى السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ جَازَ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


16-المغرب في ترتيب المعرب (‏يمن-‏اليمن‏)

‏ (‏يمن‏) ‏‏

(‏الْيُمْنُ‏) ‏ الْبَرَكَةُ وَرَجُلٌ مَيْمُونٌ ‏ (‏وَتَيَمَّنَ بِهِ‏) ‏ تَبَرَّكَ ‏ (‏وَالْيَمِينُ‏) ‏ خِلَافُ الْيَسَارِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْقَسَمُ يَمِينًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَاسَحُونَ بِأَيْمَانِهِمْ حَالَةَ التَّحَالُفِ وَقَدْ يُسَمَّى الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَمِينًا لِتَلَبُّسِهِ بِهَا ‏ (‏وَمِنْهَا‏) ‏ الْحَدِيثُ‏: ‏ ‏ [‏مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا‏] ‏ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ فِي جَمِيعِ الْمَعَانِي ‏ (‏وَقَوْلُهُمْ‏) ‏ الْأَيْمَانُ ثَلَاثَةٌ الصَّوَابُ ثَلَاثٌ وَإِنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ مَحْفُوظَةً فَعَلَى تَأْوِيلِ الْأَقْسَامِ وَيُجْمَعُ عَلَى أَيْمُنٌ كَرَغِيفٍ وَأَرْغُفٍ ‏ (‏وَأَيْمُ‏) ‏ مَحْذُوفٌ مِنْهُ وَالْهَمْزَةُ لِلْقَطْعِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزَّجَّاجُ وَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ هِيَ كَلِمَةٌ بِنَفْسِهَا وُضِعَتْ لِلْقَسَمِ لَيْسَتْ جَمْعًا لِشَيْءٍ وَالْهَمْزَةُ فِيهَا لِلْوَصْلِ وَمِنْ الْمُشْتَقِّ مِنْهَا ‏ (‏الْأَيْمَنُ‏) ‏ خِلَافُ الْأَيْسَرِ وَهُوَ جَانِبُ الْيَمِينِ أَوْ مَنْ فِيهِ ‏ (‏وَمِنْهُ‏) ‏ حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ‏ [‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ وَقَالَ الْأَيْمَنُ الْأَيْمَنُ‏] ‏ هَكَذَا فِي الْمُتَّفِقِ وَرُوِيَ الْأَيْمَنُ بِالْإِفْرَادِ وَفِي إعْرَابِهِ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ بِإِضْمَارِ الْفِعْلِ أَوْ الْخَبَرِ ‏ (‏وَبِهِ سُمِّيَ‏) ‏ أَيْمَنُ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ حَاضِنَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَخُو أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأُمِّهِ ‏ (‏وَيَامَنَ وَتَيَامَنَ‏) ‏ أَخَذَ جَانِبَ الْيَمِينِ ‏ (‏وَمِنْهُ‏) ‏ ‏ [‏كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ‏] ‏ وَرُوِيَ التَّيَمُّنَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْهُ إلَّا فِي مَعْنَى التَّبَرُّكِ وَمِنْ الْمَأْخُوذِ مِنْهَا ‏ (‏الْيَمَنُ‏) ‏ بِخِلَافِ الشَّامِ لِأَنَّهَا بِلَادٌ عَلَى يَمِينِ الْكَعْبَةِ ‏ (‏وَالنِّسْبَةُ‏) ‏ إلَيْهَا يَمَنِيٌّ بِتَشْدِيدِ الْيَاء أَوْ يَمَانِيٌّ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى تَعْوِيضِ الْأَلِفِ مِنْ إحْدَى يَاءَيْ النِّسْبَةِ وَمِنْهُ طَاوُسٌ الْيَمَانِيُّ ‏ (‏وَأَمَّا يَامِينُ‏) ‏ فَاسْمٌ أَعْجَمِيٌّ وَهُوَ يامين بْنُ وَهْبٍ فِي السِّيَرِ أَسْلَمَ وَلَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ‏.

المغرب في ترتيب المعرب-ناصر بن عبدالسيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ-توفي: 610هـ/1213م


17-معجم الرائد (عموم)

عموم:

1- مصدر: عم.

2- إحاطة بالأفراد جملة، نقيض خصوص.

3- «على العموم»، أو «عموما»: أي إجمالا.

الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م


18-تاج العروس (أوأ)

[أوأ] آءٌ كَعَاعٍ، بعينين بينهما أَلف منقلبةٌ عن تحتيّة أَو واو مهملة، لا مَعنى لها في الكلام، وإِنما يُؤْتى بمثلها في الأَوزان، لأَن الشُّهْرَة مُعتبرةٌ فيه، وليس في الكلام اسمٌ وقعتْ فيه أَلفٌ بين هَمزتينِ إِلا هذا، قاله كُراع كذا في اللسان: ثَمَرُ شَجَرٍ، وهو من مَرَاتع النَّعام. وتأْسيس بنائِها من تأْليفِ واوٍ بَيْنَ همزتين، قال زُهير بن أَبي سُلْمَى:

كَأَنَّ الرَحْلَ مِنْهَا فَوْقَ صَعْلٍ *** مِنَ الظِّلْمانِ جُؤْجُؤُهُ هَوَاءُ

أَصَكَّ مُصَلَّمِ الأُذُنَيْنِ أَجْنا *** لَهُ بِالسِّيِّ تَنُّومٌ وَآءٌ

لا شَجَرٌ، وَوَهِمَ الجوهريُّ وقال أَبو عمرو: ومن الشَّجر الدِّفلَى والآءُ، بوزن العَاعِ. وقال اللَّيْثُ: الآءُ شجرٌ له ثَمَرٌ تأْكُله النَّعَام، وقال ابنُ بَرِّيٍّ: الصحيحُ عند أَهل اللغة أَنَّ الآء ثَمَرٌ السَّرْحِ. وقال أَبو زيد: هو عِنَبٌ أَبيضُ يَأْكلُه الناسُ ويتَّخِذُون منه رُبًّا. وعُذْر من سَمَّاه بالشجرِ أَنهم قد يُسَمُّون الشجَر باسمِ ثَمرهِ، فيقول أَحدُهم: في بُستاني السَّفرْجَلُ والتُّفَّاح. وهو يريد الأَشجار، فيُعبِّر بالثَّمرة عن الشَّجَرة، ومنه قوله تعالى: {فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا. وَعِنَبًا وَقَضْبًا. وَزَيْتُونًا} واحدَتُه بهاءٍ، وقد جاءَ في حديث جَرِيرٍ: «بَيْنَ نَخْلَة وضَالَةِ وَسِدْرَةٍ وآءَة». وتَصغيره أُوَيْأَةٌ. ولو بَنيْت منها فِعْلًا لقُلْتَ: أُوتُ الأَدِيمَ بالضَّم إِذا دَبَغْته به أَي بالآءِ والأَصلُ أُؤْتُ بهمزتين، فأُبدِلَت الثانية واوًا، لانضمامِ ما قبلها فهو مَؤُوءٌ كمَعُوع والأَصلُ مَأْوُوءٌ بفتح الميمِ وسُكون الهمزة وضَمّ الواو، وبعد واوِ مَفعولٍ هَمزةٌ أُخرى هي لامُ الكلمةِ، ثمَ نُقِلت حَركةُ الواو التي هي عَينُ الكلمةِ إِلى الهمزة التي هي فاؤُها، فالتقى ساكنان: الواوُ التي هي عَيْن الكلمةِ المنقولُ عنها الحركةُ، وواوُ مَفعولٍ، فَحُذِف أَحدُهما، الأَوَّلُ أَو الثاني، على الخلافِ المشهور، فقيل: مَؤُوءٌ، كَمَقُول، وقال ابن بَرّيّ: والدليلُ على أَنّ أَصْلَ هذه الأَلِفِ التي بين الهمزتين واوٌ قولُهم في تصغير آءَة: أُوَيْأَةٌ.

وحِكايةُ أَصواتِ وفي نسخةٍ: صَوْتٍ، بالإِفراد؛ أَي استعملته العربُ حِكَايةً لصوت، كما استعْملتْه اسمًا للشجر، قال الشاعر:

فِي جَحْفَلٍ لَجِبٍ جَمٍّ صَوَاهِلُهُ *** بِاللَّيْلِ يُسْمَع في حَافَاتِه آءُ

وزَجْرٌ لِلإِبل، فهو اسمُ صوتٍ أَيضًا، أَو اسمُ فِعْلٍ، ذكره ابنُ سِيَده في المُحكم.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

الآءُ، بوزن العَاعِ: صِيَاحُ الأَمِيرِ بالغُلامِ، عن أَبي عمرٍو.

وأَرض مَآءَةٌ: تُنْبِتُ الآءَ. وليس بِثَبتِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


19-تاج العروس (ظمأ)

[ظمأ]: ظَمِئَ، كفرِح يَظْمَأُ ظَمْأً بفتح فسكون وظَمَأً محرّكة وظَماءً بالمد وبه قُرِئَ قوله تعالى: {لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} وهو قراءَة ابنِ عُمَيْر وظَماءَةً بزيادة الهاء، وفي نسخة ظَمْأَة كرحْمَة وعليها شَرحُ شيخِنا فهو ظَمِئٌ كَكتِف وظمْآنُ كسكْرانَ، وظَامٍ كَرامٍ وهي أَي الأُنثى بهاء ظَمْآنَةٌ كذا في النُّسخ الموجودة بين أَيدينا، والذي في لسان العرب والأَساس الأُنثى: ظَمْأَى كَسَكْرَى، قال شيخنا: وظَمِئَة كفَرِحة، زاده ابنُ مالكِ وهي متروكةٌ عند الأَكثر الجمع: أَي لكلٍّ من المذكر والمؤنث ظِمَاءٌ كَرِجال، يقال ظَمِئْتُ أَظْمَأُ ظَمَأً مُحرّكةً، فأَنا ظَامٍ وقَوْمٌ ظِماءٌ ويُضَمُّ فيقال: ظُمَاءٌ، وهو نَادِرٌ قليلٌ لأَن صِيغته قليلة في الجُموع، وورد منها نَحْوُ عشْرةِ أَلفاظِ، وأَكثرُ ما يُعبِّرون عنها بباب رُحَال حُكِي ذلك عن اللِّحيانيِّ ونَقله عنه ابنُ سيِده في المُخَصّصِ: عَطِشَ أَو هو أَي الظَّمَأُ: أَشَدُّ العَطَشِ نقله الزجّاج وقيل: هو أَخفُّه وأَيْسَرُه، والظَّمآنُ: العَطْشان، وفي التنزيل: {لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ} وقوم ظِمَاءٌ وهُنَّ ظِمَاءٌ: عِطَاشٌ، قال الكُميت:

إِلَيْكُمْ ذَوِي آلِ النَّبِيِّ تَطَلَّعَتْ *** نَوَازِعُ مِنْ قَلْبِي ظِمَاءٌ وَأَلْبُبُ

استعار الظِّمَأَ للنَّوازِع وإِن لم تكن أَشْخَاصًا، قال ابنُ شُمَيْل: فأَمَّا الظَّمأُ مَقصورًا مصدر ظَمِئَ يَظْمَأُ فهو مهموزٌ مقصور، ومن العرب من يَمُدُّ فيقول الظَّمَاءُ، ومن أَمثالهم «الظَّمَاءُ الفَادِحُ خَيْرٌ من الرِّيِّ الفَاضِح».

وظَمِئَ إِليه أَي إِلى لقائه: اشْتَاقَ وأَصله من مَعنى العَطش، وفي الأَساس: ومن المجاز: أَنَا ظَمْآن إِلى لِقَائك» أَي مُشتاقٌ، ونبَّه عليه الراغِبُ وهو مُستعمَلٌ في كلامهم كثيرًا، قال شيخنا: والمُصَنِّفُ كثيرًا ما يَستعمِل المَجازاتِ الغيرِ المَعْرُوفَةِ للعرب ولا بُدَّ أَن أَغفل التنبيه على مثل هذا، قلت: وهو كذلك ولكن ما رأَيناه نَبَّه إِلَّا على الأَقَلِّ من القليل، كما ستقف عليه، والاسْمُ منهما أَي من المَعنيين بناءً على أَنهما الأَصلُ، وأَنت خبيرٌ بأَن المعنى الثاني راجعٌ إِلى الأَول، فكان الأَوْلَى إِسقاطُ «منهما» كما فعله الجوهريُّ وغيرُه، نبَّه عليه شيخُنا الظِّمْ‌ءُ، بالكسر ويقال رَجُلٌ مِظْمَاءٌ أَي مِعْطَاشٌ وزْنًا ومَعْنًى. والمَظْمَأُ كمَقْعَدٍ: مَوْضِعُ الظَّمَاءِ؛ أَي العَطَشِ من الأَرْضِ قال أَبو حِزامٍ العُكليُّ:

وَخَرْقٍ مَهَارِقَ ذِي لَهْلَه *** أَجَدَّ الأُوَامَ بِهِ مَظْمَؤُهْ

والظِّمْ‌ءُ، بالكسر، لمَّا فَصَلَ بين الكلامَيْنِ احتاج أَن يُعِيد الضَّبْطَ، وإِلا فهو كالتكرار المخالِف لاصطلاحه: ما بَيْنَ الشَّرْبَتَيْنِ والوِرْدَيْنِ وفي نسخ الأَساس: ما بين السَّقْيَتَيْنِ، بدل الشَّرْبَتَيْنِ، وزاد الجوهريُّ: في وِرْدِ الإِبل، وهو حَبْسُ الإِبل عن الماء إِلى غاية الوِرْدِ، والجمع أَظْمَاءٌ، ومثله في العُباب، قال غَيْلَان الرَّبَعِيُّ:

هَقْفًا عَلَى الحَيِّ قَصِير الأَظْمَاءْ

وظِمْ‌ءُ الحَيَاةِ: ما بَيْنَ سُقُوطِ الوَلَدِ إِلى حِينِ وقْت مَوْتِه، وقولهم في المَثل ما بَقِيَ منه أَي عُمْرِه أَو مُدَّتِه إِلَّا قدر ظِمْ‌ءِ الحِمَار؛ أَي لم يَبْقَ من عُمره أَو من مُدَّته غيرُ شي‌ءٍ يَسِيرٌ، لأَنه يقال: ليس شَيْ‌ءٌ من الدَّوابِّ أَقْصَرَ ظِمْأً منه أَي من الحمار، وهو أَقلُّ الدوابِّ صَبْرًا عن العطش، يَرِدُ الماءَ كلَّ يَوْمٍ في الصيف مرَّتَيْنِ، وفي حديث بعضهم: حِينَ لمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِي إِلَّا ظِمْ‌ءُ حِمَار. أَي شَيْ‌ءٌ يَسِيرٌ.

وأَقصَرُ الأَظماءِ الغِبُّ، وذلك أَن تَرِدَ الإِبل يومًا وتَصْدُر فَتكون في المَرْعَى يومًا وتَرِد اليومَ الثالثَ، وما بينَ شَرْبَتَيْهَا ظِمْ‌ءٌ طال أَو قَصُر، وفي الأَساس: وكان ظِمْ‌ءُ هذه الإِبل رِبْعًا فَزِدْنَا في ظِمْئِها وتَمَّ ظِمْؤُه والخِمْسُ شَرُّ الأَظماءِ، انتهى. وفي كتب الأَمثال: قالوا: هو أَقْصَرُ مِنْ غِبِّ الحِمَار، وأَقْصَرُ من ظِمْ‌ءِ الحِمَار. وعن أَبي عُبيد: هذا المَثلُ يُرْوَى عن مَرْوَان بن الحَكَم، قاله شيخُنا، ولمُلّا عَليّ قَارِي، في ظِمْ‌ءِ الحياةِ، دَعْوَى يقضي منها العَجَبُ، والله المستعان.

وقال ابنُ شُمَيْلٍ: ظَمَاءَةُ الرَّجُلِ على فَعَالَةٍ كَسَحَابةٍ: سُوءُ خُلُقِه ولُؤْمُ ضَرِيبَتِه أَي طبيعته وَقِلَّةُ إِنْصَافِه لمُخَالِطِيه أَي مُشارِكيه، وفي نسخة لِمُخَالِطه، بالإِفراد، والأَصلُ في ذلك أَن الشَّرِيب إِذا ساءَ خُلُقُه لم يُنْصِفْ شُرَكاءَهُ. وفي التهذيب: رجل ظَمْآنُ وامرأَةٌ ظَمْأَى، لا ينصرفان نَكِرَةً ولا مَعْرِفة، انتهى. ووجهٌ ظَمْآنُ: قليل اللحْم، لَزِقَ جِلْدُه بعظمه وقلَّ ماؤُه، وهو خِلافُ الرَّيَّانِ، قال المُخَبَّل:

وتُرِيكَ وَجْهًا كَالصَّحِيفَةِ لَا *** ظَمآنَ مُخْتَلَجٍ ولَا جَهْمِ

وفي الأَساس: ومن المجاز: وَجْهٌ ظَمْآنُ: مَعْرُوقٌ، وهو مدح، وضِدُّه وجْهٌ رَيَّانُ، وهو مَذموم وعن الأَصمعي: رِيحٌ ظَمْأَى إِذا كانت حَارَّةَ عَطْشَى ليس فيها نَدًى أَي غَيْر لَيِّنة الهُبوب، قال ذو الرُّمَّة يصف السَّراب:

يَجْرِي وَيَرْتَدُّ أَحْيَانًا وَتَطْرُدُهُ *** نَكْبَاءُ ظَمْأَى مِنَ القَيْظَيَّةِ الهُوجِ

وفي حديث مُعاذٍ: وإِنْ كَانَ نَشْرُ أَرْض يُسْلِمُ عَلَيْهَا صَاحِبُها فإِنَّه يُخْرَجُ مِنها مَا أُعْطِيَ نَشْرُهَا رُبعَ المَسْقَوِيِّ وعُشْرَ المَظْمَئِيِّ المَظْمَئِيُّ: الذي تَسْقِيه السماءُ وهو ضِدُّ المَسْقَوِيِّ الذي يُسْقَى سَيْحًا، وهما منسوبانِ إِلى المَظْمَإِ والمَسْقَى، مصدر: ظَمِئَ وسَقَى، قال ابن الأَثير: ترك همزه يعني في الرِّواية وعزاه لأَبي موسى، وذكره الجوهريّ في المعتلّ، وسيأْتي.

وأَظْمَأَه وظَمَّأَه أَي: عَطَّشه.

وفي الأَساس: وما زِلْت أَتَظَمَّأُ اليَوْمَ وَأَتَلَوَّحُ أَي أَتصبَّر على العطش.

ويقال: أَظْمأَ الفَرَسَ إِظْمَاءً وظُمِّئ تَظْمِئَةً إِذا ضَمَّرَهُ قال أَبو النَّجْم يصف فرسًا:

نَطْوِيهِ وَالطَّيُّ الرَّفِيقُ يَجْدِلُهْ *** نُظَمِّئُ الشَّحْمَ وَلَسْنَا نَهْزِلُ

أَي نَعْتصِر ماءَ بَدَنِه بالتَّعْرِيق حتى يَذْهَب رَهَلُه ويَكْتَنِزَ لحْمُه. وفي الأَساس: من المجاز: فَرَسٌ مُظَمَّأٌ أَي مُضَمَّرٌ، ورمح أَظْمأُ: أَسْمَر، وظَبْىٌ أَظمأُ: أَسودُ، وبَعِير أَظمأُ وإِبل ظُمْؤٌ: سُود انتهى، وعين ظَمْأَى: رَقيقة الجفن وساق ظَمْأَى: مُعْتَرِقَة اللحْمِ. وفي الصحاح والعباب ويقال للفرس إِنَّ فُصُوصَه لَظِمَاءٌ كَكِتاب أَي لَيْسَتْ بِرَهِلَةِ مُسْتَرْخِيَة لَحِيمةٍ كَنِيزة اللحم وفي بعض النسخ مُرَهَّلَة كمُعَظَّمة، وفي الأَساس: ومفَاصِلُ ظِمَاءٌ؛ أَي صِلاب لا رَهَلَ فيها، من باب المجاز، والعجب من المؤَلف كيف لم يَردَّ على الجوهريّ في هذا القول على عادته، وقد ردّ عليه الإِمام أَبو محمد بن بَرّيّ رحمه ‌الله تعالى وقال: ظِمَاء هاهنا من باب المعتلِّ اللام، وليس من المهموز، بدليل قولهم سَاقٌ ظَمْيَاءُ أَي قَلِيلة اللحم، ولما قال أَبو الطَّيّب قَصيدَتَه التي منها:

فِي سَرْجِ ظَامِيَةِ الفُصُوصِ طِمِرَّةٍ *** يَأْبَى تَفَرُّدُها لها التَّمْثِيلَا

كان يقول: إِنما قلتُ ظامِيَة بالياء من غير همز، لأَني أَردت أَنها ليست بِرَهِلَةٍ كَثيرة اللحْمِ، ومن هذا قولُهم رُمْحٌ أَظْمَى وشَفَةٌ ظَمْيَاءُ انتهى، ولكن في التهذيب: ويقال للفرس إِذا كان مُعَرَّقَ الشَّوَى إِنه لأَظْمَى الشَّوَى وأَنَّ فُصُوصهَ لَظِمَاء إِذا لم يَكن فيها رَهَلٌ وكانت مُتَوَتِّرةً، ويحمد ذلك فيها، والأَصل فيها الهمز، ومنه قولُ الرّاجزِ يَصِفُ فَرسًا، أَنشده ابنُ السِّكّيت:

يُنْجِيه مِنْ مِثْلِ حَمَامِ الأَغْلَالْ *** وَقْعُ يَدِ عَجْلَى وَرِجْلٍ شِمْلَالْ

ظَمْأَى النَّسَا مِنْ تَحْتُ رَيَّا مِنْ عَالْ

أَي مُمْتَلِئَة اللحْمِ، انتهى.

وظامئ: اسم سيف عَنترة بن شَدَّاد.

والتركيب يدلُّ على ذبول وقِلَّةِ ماءٍ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


20-تاج العروس (طب طبب طبطب)

[طبب]: الطِّبُّ مُثَلَّثَة الطَّاءِ هُوَ عِلَاجُ الجِسْم والنَّفْس واقْتَصَر على الكَسْرِ في الاسْتِعْمال. والفَتْح والضّمَّ لغتان فِيهِ. وقد طَبَّ يَطُبُّ بالضَّمِّ على القِيَاسِ في المُضَاعَف المُتَعَدِّي ويَطِبُّ بالكَسْر على الشُّذُوذ طَبًّا فهو مِمَّا جَاءَ بالوَجْهَيْن كعَلَّه يَعُلُّه وأَخَوَاته وإِنْ لم يَذْكُروه فِيهَا، وليس هذا من زِيَادَات المُؤَلِّف كما زعمه شيخُنَا، بل سَبَقَه في المحكم ولِسَان العَرَب وغَيْرهما.

ومن المجاز: الطِّبُّ بمَعْنَى الرِّفْق. والطَّبِيبُ الرَّفِيقُ، قيل: ومنه فَحْلٌ طَبٌّ أَي رَفِيقٌ بالفَحْلَة، لا يَضُرُّ الطَّرُوقَةَ، كَمَا في الأَسَاسِ. قال المَرَّارُ بْنُ سَعِيد الفَقْعَسِيّ يَصِفُ جَمَلًا، ولَيْس للمَرَّار الحَنْظَلِيّ:

يَدِينُ لمَزْرُور إِلَى جَنْبِ حَلْقَة *** من الشِّبْهِ سَوَّاها بِرِفْقٍ طَبِيبُهَا

يَدِينُ: يُطِيعُ. والمَزْرُورُ: الزِّمامُ المَرْبُوطُ بالبُرَةِ، وهو مَعْنَى قَوْلِه: حَلْقَة مِن الشِّبْهِ، وهو الصُغْرُ؛ أَي يَطِيع هَذِه النَّاقَة زِمَامُهَا إِلَى بُرَةِ أَنْفِها، كذا في لسان العرب.

ومن المَجَازِ: الطُّبُّ بمعنى السِّحْر. قال ابنُ الأَسْلَتِ:

أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ حَسَّانَ عَنِّي *** أَطُبٌّ كَانَ دَاؤُكَ أَم جُنُونُ

ورواه سيبويه: أَسِحْرٌ كَانَ طُبُّكَ.

وقد طُبَّ الرَّجُلُ. والمَطْبُوبُ: المَسْحُورُ. قالَ أَبُو عُبَيْدَة: إِنما سُمِّي السِّحْرُ طُبًّا على التفاؤل بالبُرْءِ. ومِثْلُه في النِّهَايَة، وبِه فُسِّر الحَدِيثُ أَنَّ النَّبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم «احْتَجَمَ بقَرْنٍ حينَ طُبَّ». وَيَرى أَبُو عُبَيْد أَنه إِنَّمَا قِيلَ لَهُ مَطْبُوبٌ؛ لأَنَّه كَنى بالطّب عن السِّحْر، كَمَا كَنَوْا عن اللَّدِيغ فَقَالُوا: سَلِيم، وعن المَفَازَة وهي مَهْلَكَة فَقَالُوا: مَفَازَة تَفَاؤُلًا بالفَوْزِ والسَّلَامَةِ. وفي الحَدِيث: «فَلَعَلَّ طَبًّا أَصَابَه». وفي [حَدِيث] آخر: أَنَّه مَطْبُوبٌ.

والطِّبُّ بالكَسْرِ الطَّوِيَّة والشَّهْوَةُ والإِرادَةُ. قال:

إِن يَكُنْ طِبُّكِ الفِرَاقَ فإِن ال *** بَيْنَ أَن تَعْطِفِي صُدُورَ الجِمَالِ

ومن المَجَازِ: الطِّبُّ: الدَّأْبُ والشَّأْنُ والعَادَةُ والدَّهْرُ.

يقَال: ما ذَاكَ بطِبِّي أَي بِدَهْرِي وعَادَتِي وشَأْنِي.

في لسان العرب: وقول فَرْوَة بْنِ مُسَيْكٍ المُرَادِيّ:

فَإِنْ نَغْلِبْ فَغَلَّابُون قِدْمًا *** وإِن نُغْلَبْ فَغَيْرُ مُغَلَّبِينَا

فما إِنْ طِبُّنَا جُبْنٌ ولكِنْ *** مَنَايَانَا وَدَوْلَةُ آخَرِينا

كَذَاكَ الدَّهْرُ دَوْلَتُه سِجَالٌ *** تَكُرُّ صُرُوفُه حِينًا فَحينَا

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاه: مَا دَهْرُنَا وشَأْنُنا وعَادَتُنَا، وأَنْ يَكُونَ مَعْنَاه شَهْوَتَنَا. ومَعْنَى هَذَا الشعر: إِن كانَت هَمْدَانُ ظَهَرَتْ عَلَيْنَا في يَوْم الرَّدْمِ فغَلَبَتْنَا فَغَيْر مُغَلَّبِين.

والمُغَلَّبُ: الَّذِي يُغْلَبُ مِرَارًا أَيْ لَمْ نُغْلَبْ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.

والطَّبُّ بالفَتْحِ وحكى، التَّثْلِيثَ إِمَّا أَصَالَة أَو عَلَى الوَصْفِ بالمَصْدَر وَهُوَ الظَّاهِرُ، قاله شَيْخنا، وهُو العَالِم، قاله أَبُو حَيَّان والطَّبُّ: المَاهِرُ الحَاذِقُ الرَّفِيقُ كما فِي النِّهَايَة.

وقَال ابْنُ سِيدَه في تَفْسِير شِعْرِ ابْنِ الأَسْلَت المُتَقَدِّم ذِكْرُه: والَّذِي عِنْدِي أَنَّه الحِذْقُ، ومثله قال المَيْدَانِيّ.

وفي لسان العرب: الطَّبُّ: الحَاذِقُ من الرِّجَالِ المَاهِر بعِلْمِه*، كالطَّبِيبِ أَنْشَدَ ثَعْلَب في صفَة غِرَاسَةِ نَخْل: جَاءَتْ على غَرْسِ طَبِيبٍ ماهِرِ وقد قِيلَ: إِنَّ اشْتِقَاقَ الطَّبِيبِ مِنْهُ، ولَيْسَ بِقَوِيّ، وكُلُّ حَاذِقٍ بِعِلْمِهِ طَبِيبٌ عِنْد العَرَب. ويقَال: فُلَانٌ طَبٌّ بِكَذَا أَي عَالِمٌ بِهِ.

وفي المحكم: وسَمِعْتُ الكِلَابِيَّ يَقُولُ: اعمَلْ في هَذَا عَمَل مَنْ طَبَّ لِمَنْ حَبَّ.

وعَن الأَحْمَر: ومن أَمْثَالِهم في التّنَوُّق في الحَاجَة وتَحْسِينِها: «اصنَعْه صَنْعَة مَنْ طَبَّ لِمَنْ حَبَّ» أَيْ صَنْعَة حَاذِقٍ لِمَنْ يُحِبُّه.

وجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم فرَأَى بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتمَ النُّبُوَّة، فقال: إِنْ أَذِنْتَ لِي عالجْتُهَا فإِنِّي طَبِيبٌ، فقال له النَّبِيُّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم: «طَبِيبُهَا الَّذِي خَلَقَهَا لا أَنْتَ».

وفي حَدِيثِ سَلْمَانَ وأَبِي الدَّرْدَاء: «بَلَغَنِي أَنَّكَ جَعَلْتَ طَبِيبًا» الطَّبِيبُ في الأَصْلِ: الحَاذِقُ بالأُمُورِ العَارِفُ بِهَا، وبِهِ سُمِّيَ الطَّبِيبُ الَّذِي يُعَالجُ المَرْضَى، وكُنِي بِه هَاهُنَا عن القَضَاء والحُكْم بَيْن الخُصُوم، لأَنَّ مَنْزِلَةَ القَاضِي من الخُصُوم بمَنْزِلَة الطَّبِيبِ مِنْ إِصْلَاح البَدَنِ.

وفي التَّهْذِيب: أَصْلُ الطَّبِّ الحِذْقُ بالأَشْيَاء والمَهَارَةُ بها. يقال: رجل طَبٌّ وطَبِيبٌ إِذَا كَانَ كذلك، وإِنْ كَانَ في غَيْر عِلَاج المَرَضِ. قال عَنْتَرَةُ:

إِن تُغْدِفِي دُونِي القِنَاعَ فإِنَّنِي *** طَبٌّ بأَخْذِ الفَارِسِ المُسْتَلْئِمِ

وقال عَلْقَمَةُ:

فإِن تَسْأَلُونِي عن نِسَاء فإِنَّنِي *** بَصِيرٌ بأَدْوَاء النِّسَاء طَبِيبُ

والطَّبُّ: البَعِيرُ يَتَعَاهَد مَوْضِع خُفِّه أَيْنَ يَطَأُ به.

والطَّبُّ: الفَحْلُ الحاذِقُ المَاهِرُ بالضِّرَاب يَعْرف اللَّاقِحَ مِنَ الحَائِل، والضَّبْعَةَ من المَبْسُورَةِ، ويَعْرِفُ نَقْضَ الوَلَد في الرَّحِمِ ويَكْرُفُ ثُمَّ يَعُودُ ويَضْرِبُ. وفي حَدِيْثِ الشَّعْبِيّ وَوَصَفَ مُعاوِيَةَ فَقَالَ: «كَانَ كَالجَمَل الطَّبِّ» يَعْني الحاذِق بالضِّرَابِ. وقيل: مِنَ الإِبل الَّذِي لا يَضَعُ خُفَّه إِلَّا حَيْثُ يُبْصِر، فاسْتَعَارَ أَحَدَ هَذَيْن المَعْنَيَيْن لأَفْعَالِه وخِلَالِه.

والطَّبُّ. تَغْطِيَةُ الخُرَزِ بِالطِّبَابَةِ. وقد طَبَّ الخَرْزَ يَطُبُّه طَبًّا، كذلك طَبَّ السِّقَاءَ وطَبَّبَه. كالتَّطبِيبِ شُدِّدَ لِلْكَثْرَة.

والطُّبُّ بالضَّمِّ: موضع.

والطِّبَّة والطِّبَابَةُ بِكَسرِهما والطَّبِيبَة كَحَبِيبَة: القِطْعَةُ المُسْتَطِيلَةُ الضَّيِّقَةُ من الأَرْضِ الكَثِيرَةُ النَّبَاتِ قَالَه أَبُو حَنِيفَة.

والطِّبَّةُ والطَّبِيبَةُ والطِّبَابَةُ: الطَّرِيقَةُ المُسْتَطِيلَةُ مِنَ الثَّوْبِ والرَّمْلِ والسَّحَاب وشُعَاع الشَّمْسِ والجِلْدِ. وقيل: الطِّبَّةُ: الشُّقَّةُ المُسْتَطِيلَةُ من الثَّوْبِ والجِلْدِ أَو المُرَبَّعَة، من الأَخِيرِ، أَو المُسْتَدِيرَة في المَزَادَة والسُّفْرَةِ ونحْوِهَا.

وقال الأَصْمعيّ: الخِبَّةُ والطِّبَّة والخَبِيبَةُ والطِّبَابَةُ كُلُّ هَذَا طَرَائِقُ في رَمْلٍ وسَحَاب، وكذلك طِبَبُ شُعَاع الشَّمْسِ، وَهِيَ الطَّرَائِق التي تُرَى فِيهَا إِذَا طَلَعَت، وهي الطِّبَابُ أَيْضًا.

الجمع: طِبَابٌ بالكَسْر وطِبَبٌ على وزن عِنَب.

وفي الأَسَاس فِي المَجَازِ: وامْتَدَّت طِبَبُ الشَّمْس وطِبَابُها أَي حِبَالُهَا. وأَخَذْنَا في طِبّةٍ [من الأَرضِ]: قطعة مُسْتَطِيلَة دَقِيقَة كَثِيرَة النَّبْتِ. ومَشْينا في طِبَابَةٍ [من الأرض] وطَرِيدةٍ [ولو طبابة حسنة] وهي ديار مُتَساطِرَةٌ.

والطُّبَّةُ بالضَّمِّ والطِّبَابَةُ بالكَسْرِ: السَّيْرُ يَكُونُ في أَسْفَلِ القِرْبَة بَيْنَ الخُرْزَتَيْن قاله الليث، ونَصُّ كَلَامِه: الطِّبَابَةُ من الخُرزِ: السَّيْرُ بين الخُرْزَتَيْن، والطُّبِّةُ: السَّيْرُ الَّذِي يَكُونُ في أَسْفَلِ القِرْبَة، وهو يُقَارِبُ الخُرَزَ، فالمُؤَلِّفُ خَلَطَهُمَا عَلَى عَادَتِه في الاخْتِصَارِ، ولو تَنَبَّه لَه شَيْخُنَا في هَذَا لجَلَب عَلَيْه خَيْل سِنَانه ورَجِلَ مَلَامِه ولَمْ يَرَ لَهُ وَجْه الاعْتِذَارِ.

وفي المحكم: الطِّبَابَةُ: سَيْرٌ عَرِيضٌ تَقَعُ الكُتَبُ والخُرَزُ فيه، والجَمْعُ طِبَابٌ. قال جَرِير:

بَكَى فارْفَضَّ دَمْعُكَ غَيْرَ نَزْرٍ *** كَمَا عَيَّنْتَ بالسَّرَبِ الطِّبَابَا

وفي المحكم أَيضًا: وربَّمَا سُمِّيَت القِطْعَةُ الَّتي تُخْرَزُ عَلَى حَرْفِ الدَّلْوِ أَوْ حَاشِيَة السُّفْرَة طُبَّة. والجمع طُبَبٌ وطِبَابٌ.

وفي غيره: الطِّبَابَةُ والطِّبَابُ: الجلْدَةُ الَّتِي تُجْعَلُ على طَرَفَيِ الجِلْدِ في القِرْبَة والسِّقَاءِ والإِدَاوَة إِذَا سُوِّي ثم خُرِزَ غَيْرَ مَثْنِيّ.

وفي الصَّحَاحِ: الجِلْدَةُ التي يُغَطَّى بِهَا الخُرَز وهي مُعْتَرِضَةٌ كالإِصْبَع مَثْنِيَّة على مَوْضِعِ الخَرْزِ.

وقال الأَصْمَعِيُّ: الطِّبَابَةُ: الَّتِي تُجْعَلُ عَلى مُلْتَقَى طَرَفَيِ الجِلْدِ إِذَا خُرِزَ في أَسْفَلِ القِرْبَةِ والسِّقَاءِ والإِدَاوَة. وعَنْ أَبِي زَيْد: فإِذَا كَانَ الجِلْدُ في أَسَافِلِ هَذِه الأَشْيَاءِ مَثْنِيًّا ثم خُرِزَ عَلَيْه فهو عِرَاقٌ، وإِذَا سُوِّيَ ثُمَّ خُرِزَ غَيْرَ مَثْنِيّ فهو طِبَابٌ.

وطَبِيبٌ السِّقَاء: رُقْعَتُه.

ورَجُلٌ طَبٌّ وطَبِيبٌ: عَالِم بالطِّبِّ. تَقُولُ: مَا كُنْتَ طَبِيبًا، ولَقَد طَبِبْتَ بالكَسْرِ، وعَليه اقتصر في لسان العرب والفَتْح. الجمع: في القَلِيلِ أَطِبَّةٌ. وفي الكَثِيرِ أَطِبَّاء. وبِمَا شَرَحْناه اتّضَحَ أَن كَلَامَ المُؤَلِّف في غَايَةٍ من الاسْتِقَامَةِ والوُضُوح، لا كَمَا زَعَمَه شَيْخُنا أَنَّه لَا يَخْلُو من تَنَافُرٍ وقَلَق.

والمُتَطَبِّبُ: مُتَعَاطِي عِلْمِ الطِّبِّ وقَد تَطَبَّبَ. وقَالُوا: تَطَبَّبَ لَهُ: سَأل لَهُ الأطِبَّاءَ.

والَّذِي في النِّهَايَة: المُتَطَبِّبُ: الَّذِي يَعَانِي عِلْمَ الطِّبِّ ولا يَعْرِفُه مَعرِفَةً جَيِّدَةً.

قلتُ: أَي لِكَوْنِه من بَابِ التَّفَعُّلِ وهو لِلتَّكَلُّف غَالِبًا.

وقالوا: إِنْ كُنْتَ ذا طِبٍّ وطُبٍّ وطَبٍّ فَطِبَّ لِعَيْنِك بِالإِفْرَادِ، كذا في نُسْخَتِنَا، وفي أُخْرَى بالتَّثْنِيَة، ومِثْلُه في لِسَان الْعَرَب مُثَلّثة الطاءِ فِيهِمَا، وعلى الأَوَّل اقْتَصَرَ في المُحْكَمِ.

وقال ابن السِّكِّيت: إِن كُنْتَ ذَا طِبٍّ فطِبَّ لِنَفْسِكَ أَي ابْدَأْ أَوَّلًا بإِصلاحِ نَفْسِكَ.

وكذا قَوْلُهم: مَنْ أَحَبَّ طَبَّ واحْتَالَ لِمَا يُحِبُّ أَيْ تَأَتَّى* للأُمُورِ وَتَلَطَّفَ.

وهُو يَسْتَطِبُّ لِوَجَعِه أَي يَسْتَوْصِفُ الدَّوَاءَ أَيُّهَا يَصْلُح لِدَائِهِ.

وطِبَابَةُ السَّمَاءِ وَطِبَابُها: طُرَّتُها المُسْتَطِيلَةُ. قال مَالِكُ بْنُ خَالِد الهُذَلِيُّ:

أَرَتْهُ من الجَرْبَاءِ في كُلِّ مَوْطِنٍ *** طِبَابًا فمَثْوَاهُ النَّهَارَ المَرَاكِدُ

يصفُ حِمَارَ وحْشٍ خَافَ الطِّرَادَ فَلجَأَ إِلَى جَبَل فصَارَ في بَعْضِ شِعَابِه، فَهُوَ يَرَى أُفُقَ السَّمَاءِ مُسْتَطِيلًا. قال الأَزْهَرِيّ: وذَلِكَ أَنَّ الأُتُنَ أَلْجَأَتِ المِسْحَلَ إِلَى مَضِيقٍ في الجَبَل لا يَرَى فيه إِلا طُرَّةً من السَّمَاءِ.

والطِّبَابُ مِنَ السَّمَاء: طَرِيقُه وطُرَّتُه. وقَالَ الآخَرُ:

وسَدَّ السَّمَاءَ السِّجْنُ إِلَّا طِبَابَةً *** كتُرْسِ المُرَامِي مُسْتَكِنًّا جُنُوبُهَا

فالحِمَارُ رَأَى السَّمَاءَ مُسْتَطِيلَة لأَنَّه في شِعْب، والرَّجُلُ رَآهَا مُسْتَدِيرَة لأَنَّه في السجن.

والطَّبْطَبَةُ: صَوْتُ المَاءِ إِذَا اضْطَرَب واصْطَكَّ، عن ابن الأَعْرَابِيّ، وأَنشد:

كأَنَّ صَوْتَ المَاءِ في أَمْعَائِها *** طَبْطَبَةُ المِيثِ إِلَى جِوَائِهَا

عدّاه بإِلَى لأَنَّ فيهِ مَعْنَى تَشَكِّي المِيث.

والطَّبْطَبَةُ: صَوْتُ تَلَاطُم وفي بعضُ النُّسَخ تَلَاطُع السَّيْل. وطَبْطَبَ المَاءَ إِذَا حَرَّكه. وعن الليث: طَبْطَبَ الوَادِي طَبْطَبَة إِذَا سَالَ بالمَاءِ. وسَمِعْتُ لِصَوْتِه طَبَاطِبَ.

وقَد تَطَبْطَبَ الماءُ والثَّدْيُ. قال:

إذا طحنت درنية لعيالها *** تَطَبْطَبَ ثَدْيَاهَا فَطَار طَحِينُها

والطَّبْطَبَةُ: شي‌ءٌ عَرِيضٌ يُضْرَبُ بَعْضُهِ ببَعْضٍ.

والطَّبْطَابَةُ: خَشَبَةٌ عَرِيضَةٌ يُلْعَبُ بِهَا بالْكُرَة وفي التَّهْذِيبِ: يَلْعَبُ الفَارِسُ بِهَا بالكُرَة. وقَال ابنُ دُرَيد: الطَّبْطَابُ: الذي يُلْعَبُ بِهِ لَيْسَ بِعَرَبِيّ.

وعنْ ابْنِ هَانِئ: يُقَالُ: «قَرُبَ طِبٌّ». وهَذَا مَثَلٌ يُقَالُ للرَّجُلِ يَسْأَلُ عَنِ الأَمْرِ الَّذِي قد قَرُبَ مِنْهُ، وذَلِكَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امرأَةً فَهُدِيَتْ إلَيْه أَي زُفَّت فلما قَعَدَ منها مَقْعَدَهُ من النِّسَاءِ أَي بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَال لَهَا: أَبِكْرٌ أَنْتِ أَمْ ثَيِّبٌّ، فَقَالَت لَهُ قَرُبَ كَكَرُمَ طِبٌّ فَاعِلُه ويُرْوَى طِبًّا بالنَّصْبِ على التَّمْيِيزِ، كقَوْلِكَ: نِعْمَ رَجُلًا فَذَهَبَتْ مَثَلًا. قال شَيْخُنَا ويُقَالُ في هَذَا المَعْنَى: أَنْتَ على المُجَرَّب.

ومن المَجَازِ: المُطَابَّةُ مُفَاعَلَة بِمَعْنَى المُدَاورَة وأَنَا أُطَابُّ هَذَا الأَمْرَ مُنْذُ حِين كَيْ أُبَلِّغَه كما في الأَسَاسِ.

والتَّطْبِيبُ أَن تُعَلِّقَ السِّقَاءَ من عُودٍ كَذَا في نُسْخَتِنَا، وصَوَابُه في عَمُود أَي مِنَ الْبَيْتِ تَمْخُضَه قال الأَزْهَرِيّ: ولم أَسْمَع التَّطْبِيبَ بهذا المعنى لغَيْرِ اللَّيْثِ، وأَحْسِبُه التَّطْنِيبَ كما يُطَنَّبُ البَيْتُ.

والتَّطْبِيبُ: أَن تُدْخِلَ في الدِّيبَاج بَنِيقَةً تُوَسِّعُه بها وعبارة الأَسَاس: وطَبَّبَ الخَيَّاطُ الثَّوْبَ: زَادَ فِيه بَنِيقَةً لِيَتَّسعَ.

والطَّبْطَبيَّةُ: الدِّرَّةُ لأَنَّ صَوْتَ وَقْعِهَا طَبْ‌طَبْ، ومِنْهُ الحَدِيثَ قَالت مَيْمُونَةُ بِنْتُ كَرْدَم: «رأَيْتُ رسُول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم في حَجَّة الوَدَاع وهو عَلَى نَاقَة مَعَه دِرَّةُ كدِرَّة الكُتَّابِ، فسمعتُ الأَعْرابَ والنّاسَ يَقُولُون: الطَّبْطَبِيَّة الطَّبْطَبِيَّةَ» أَي الدِّرَّةَ الدِّرَّةَ نَصْبًا على التَّحْذِيرِ.

وطَبْطَبَ اليَعْقُوبُ: صَوَّت نقله الصاغَانيّ.

والطَّبَاطِبُ: العَجَمُ، كذا في لسان العرب. وطَبَاطَبَا لَقَبُ الشَّرِيف إِسْمَاعِيل الدِّيبَاج بن إِبراهيم الغمر بنِ الحَسَنِ المُثَنَّى بن الحَسَنِ السِّبْط بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِب كرَّم اللهُ وَجْهَه ورَضِي عَنْهُم. والذي صَرّحَ به النسابة أَنه لَقَبُ ابْنِه إِبْرَاهِيم بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وهو الصَّوَابُ. وإِنما لُقِّب به لأَنّه كَانَ يُبْدِلُ القَافَ طَاءً للثْغَة في لِسَانِه أَو لأَنَّه أُعْطِيَ قَبَاءً فَقَالَ: طَبَاطَبَا وهو يُرِيدُ قَبَاقَبَا ولا مُنَافَاة بين الوَجْهَيْن كَمَا هُو ظَاهِر.

وفي كِتَاب النَّسَب للإِمَامِ النَّاصِر للْحَقِّ، يقال: إِنَّ أَهْلَ السَّوَاد لَقَّبُوه بِذَلِكَ. وطَبَاطَبَا بِلِسَان النَّبَطِيَّة: سَيِّدُ السَّادَات، نقل ذلك أَبُو نَصْر البُخَارِيّ عنه، وقيل: لأَنَّ أَبَاه أَرَادَ أَنْ يَقْطَع له ثَوْبًا وهو طِفْل فَخَيَّرَه بَيْن قَمِيص وقَبَاءٍ فَقَالَ: طَبَاطَبَا يعني قَبَاقَبَا. قُلتُ: وهم بَيْتٌ مَشْهُورٌ بالحَدِيثِ والفِقْهِ والنَّسَبِ. والنِّسْبَة إِليه طَبَاطَبِيّ.

ومَشْهَد الطَّبَاطِبَة بقَرَافَةِ مصر، منهم أَبُو الحَسَن عَلِيُّ بنُ الحَسَن بن إِبراهيم طَبَاطَبَا، وحَفِيدُه شَيْخُ الأَهْل مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْنِ عَلِيٍّ، لوَلَدِه رِيَاسَة. وأَبُو عَلِيّ محمَّدُ بْنُ طَاهِرِ بْن عَلِيِّ بن مُحَمَّد بْنِ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّد بْنِ أَحْمَد بْنِ إِبرَاهِيم طَبَاطَبَا وَلَدُه سَادَةٌ مُحَدِّثُون. وأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ القَاسِم بْنِ إِبْرَاهِيمَ طَبَاطَبَا، وَلَدُهُ نُقَبَاءُ بِمصْر.

والمُسْتَنْجِد حَسَنُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ مُحَمَّد بْنِ القَاسِمِ بْنِ طَبَاطَبَا، وله ذُرِّيَّةٌ يُعْرَفُونَ بِهِ، وهذا البَيْتُ عَظِيمٌ في الطَّالِبِيِّين.

والطَّبْطَابُ أَي بالفَتْح كما هو قَاعِدَةُ إِطْلَاقِه: طَائِرُ له أُذُنَانِ كَبَيرَتَان نَقَلَه الصَّاغَانِيّ، وهكذا في حَيَاةِ الحيوان.

* ومِمَّا بَقيَ عَلَى المُؤلِّفِ: في الأَسَاسِ: وذَا طِبَابُ هَذِه العِلَّة؛ أَي ما يُطَبّ بِهِ.

ومن المَجَازِ: وله طِبَابَةٌ حَسَنَةٌ.

والطِّبَّةُ: النَّاحِيَة.

وإِنَّكَ لتَلْقَى فُلَانًا على طِبَبٍ مُخْتَلِفَة أَي عَلَى أَلْوَانٍ، انتهى.

وفي المَثَل: «أَرْسِلْه طَبًّا». ويُرْوَى طَابًّا. ويا طَبِيبُ طبَّ لنَفْسِك. لمَنْ يَدَّعى مَا لَا يُحْسِنه، القَوْمُ طِبُّونَ. وغير ذلك انظر في المُسْتَقصَى ومَجْمَع الأَمْثَالِ وغَيْرِهِما.

وطَبَبٌ مُحَرَّكَة: جَبَلٌ نَجْديّ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


21-تاج العروس (كعب)

[كعب]: الكَعْبُ: كُلّ مَفْصِل للْعِظامِ. ومن الإِنسانِ: ما أَشْرَفَ فَوقَ رُسْغِه عندَ قَدَمِهِ، وقيل: هو العظم النّاشِزُ فَوْقَ القَدَمِ، وقيل: هو العظم النّاشِزُ عند مُلْتَقَى السّاقِ والقَدَمِ، وأَنكر الأَصْمَعِيُّ قولَ النّاس إِنّه في ظَهْرِ القَدَم. وذهب قومٌ إِلى أَنَّهما العَظْمَانِ اللَّذانِ في ظَهْرِ القَدَمِ، وهو مَذْهَبُ الشِّيعَةِ، ومنه‌قول يَحْيَى بْنِ الحارِث: رأَيتُ القَتْلَى يوم زَيْدِ بْنِ عليٍّ، فرأَيْتُ الكِعَابَ في وَسَطِ القَدَم.

وقيل: الكَعْبَانِ، من الإِنسان: العَظْمانِ النَّاشِزَانِ من جانِبَيْهَا، أَي: القَدَمِ. وفي حديث الإِزَار: «ما كانَ أَسْفَلَ من الكَعْبَيْنِ، ففي النّارِ»، قال اللهُ تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} قرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وأَبُو عَمْرٍو، وأَبُو بَكْرٍ عن عاصم، وحمزةُ: «وأَرْجُلِكُم» خَفْضًا، والأَعْشَى عن أَبي بَكْرٍ، بالنَّصْب مثل حَفْصٍ. وقرأَ يعقوب، والكِسَائيُّ، ونافِعٌ، وابنُ عامرِ {وَأَرْجُلَكُمْ} نصبًا؛ وهي قراءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وكان الشّافعيُّ يقرأُ: {وَأَرْجُلَكُمْ} واخْتَلَف النّاسُ في الكَعْبَيْنِ، وسأَل ابْنُ جابِرٍ أَحمدَ بْنَ يَحْيَى عن الكَعْبِ، فأَوْمَأَ ثعلبٌ إِلى رِجْلِه، إِلى المَفْصِل منها، بسَبَّابَتِه، [فوضَع السَّبّابةَ] عليه، ثم قال: هذا قولُ المُفَضَّلِ، وابْنِ الأَعْرَابِيّ. قال: وأَومأَ إِلى النّاتِئَيْنِ. قال: وهذا قولُ أَبي عَمْرِو بْنِ العلاءِ، والأَصْمَعِيّ؛ وكُلٌّ قد أَصابَ. كذا في لسان العرب.

ج: أَكْعُبٌ، وكُعُوبٌ، وكِعَابٌ.

وقال اللِّحْيَانيُّ: الكَعْبُ الَّذِي يُلْعَبُ به وهو فَصُّ النَّرْدِ، كالكَعْبَةِ، بزيادةِ الهاءِ، الجمع: كُعْبٌ، بالضَّمّ، وكِعَابٌ بالكَسْرِ، وكَعَبَاتٌ محرّكةُ، الأَوّل والثّالث جمع الكَعْبَة، لم يَحْكِ ذلك غيرُه، كقولك: جَمْرَةٌ وجَمَرَات، والثّاني جمع الكَعْب، والمُصَنِّف خلطَ في الجُمُوع، ولم يُنبَّه عليه شيخُنا على عادته في بعض المواضع، وفي الحديث: أَنّه «كان يَكْرَهُ الضَّرْبَ بالكِعابِ» واحدتُها: كَعْبٌ، واللَّعِبُ بها حَرَامٌ، وكَرِهَهَا عامَّةُ الصَّحابةِ. وفي حديثٍ آخَرَ «لا يُقَلِّبُ كَعَبَاتِها أَحَد يَنْتَظِرُ ما تَجِئُ به إِلّا لَمْ يَرَحْ رائحةَ الجَنَّةِ»، هي جمع سلامة للكَعْبَة، كذا في النّهاية، ونقله ابْنُ منظور وغيرُهُ.

ومن المَجَازِ: قَنَاةٌ لَدْنَةُ الكُعُوبِ، جمعُ كَعْبٍ، هو عُقْدَةُ ما بَيْنَ الأُنْبُوبَيْنِ من القَصَبِ والقَناةِ. وقيلَ هو أُنْبُوبُ ما بَيْنَ كُلِّ عُقْدَتَيْنِ: وقيل: هو طَرَفُ الأُنْبُوبِ النّاشِزُ، وجمعُه: كُعُوبٌ، وكِعَابٌ. أَنشد ابْنُ الأَعْرَابِيِّ:

وأَلْقَى نَفْسَهُ وهَوَيْنَ رَهْوًا *** يُبَارِينَ الأَعِنَّةَ كالكِعابِ

يعني: أَنَّ بعضَها يَتلُو بعضًا، ككِعَابِ الرُّمْح. ورُمْحٌ بكَعْبٍ واحدٍ: مُسْتَوِي الكُعُوبِ، ليس له كَعْبٌ أَغْلَظُ من آخَرَ. قال أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ يصفُ قَنَاةً مستويةَ الكُعُوبِ:

تَقَاكَ بكَعْبٍ واحدٍ وتَلَذُّهُ *** يَدَاكَ إِذَا ما هُزَّ بالكَفِّ يَعْسِلُ

ومن المجاز: الكَعْبُ: الكُتْلَةُ من السَّمْن.

والكَعْب أَيضًا: قَدْرُ صُبَّةٍ، بالضَّمّ من اللَّبَنِ والسَّمْنِ، ومنه قولُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِيكرِبَ قال: نَزَلْتُ بقومٍ فأَتَوْنِي بقَوْسٍ وثَوْرٍ وكَعْبٍ وتِبْنٍ فيه لَبَنٌ. فالقَوْسُ: ما يَبْقَى في أَصْل الجُلَّةِ من التَّمْر. والثَّوْرُ: الكُتْلَةُ من الأَقِطِ. والكَعْبُ: الصُّبَّةُ من السَّمْنِ. والتِّبْنُ: القَدَحُ الكبير. وفي حديث عائشةَ، رضي ‌الله‌ عنها: «إِنْ كانَ لَيُهْدَى لَنَا القِنَاعُ فِيهِ كَعْبٌ من إِهالَةٍ فنَفْرَحُ به» أَي: قِطْعَةٌ من الدُّهْن والسَّمْنِ.

والكَعْبُ: اصْطِلاحٌ لِلْحُسَّابِ هو أَن يُضْرَبَ عَدَدٌ في مثلِه، ثم يُضْرَبُ ما ارتفع في العدد الأَوّل، فما بلَغَ، فهو المُكَعَّبُ. والمالُ، والعدد الأَوّلُ: هو الكَعْبُ، مثل أَنْ تَضْرِبَ ثلاثةً في ثلاثة، فيبلُغَ تسعةً، ثم تضربَ التِّسعَةَ في ثلاثة فيبلُغَ سبعةً وعشرينَ، فالكَعْبُ ثلاثةٌ، والمُكَعَّبُ والمال سبعةٌ وعِشْرُونَ، نقله الصّاغانيُّ.

ومن المجاز: الكَعْبُ بمعنى الشَّرَف والمَجْد، يقال: أَعلى اللهُ كَعْبَه، أَي: أَعلى جَدَّهُ. وفي حديثِ قَيْلَةَ: «واللهِ لا يَزَالُ كَعْبُكَ عالِيًا» هو دُعَاءٌ بالشَّرَف والعُلُوّ. قال ابْنُ الأَثِيرِ: والأَصلُ فيه كَعْبُ القَنَاةِ، وهو أُنبوبها [وما بينَ كُلِّ عُقْدَتَيْنِ منها كَعْبٌ] وكُلُّ شَيْ‌ءٍ عَلا وارتفعَ، فهو كَعْبٌ.

ورَجُلٌ عالِي الكَعْبِ: يُوصف بالشَّرَف والظَّفَر، قال:

لَمَّا عَلا كَعْبُكَ بِي عَلِيتُ

أَراد: لَمَّا أَعلانِي كَعْبُكَ.

والكُعْبُ، بالضَّمِّ: الثَّدْيُ النّاهدُ.

وَكَعَّبتُهُ أَي: الشَّيْ‌ءَ تَكْعِيبًا: أَي رَبَّعْته: والكَعْبَةُ: البَيْتُ الحَرَامُ، منه، زادَهُ اللهُ تَشْرِيفًا وتكريمًا، لِتَكْعِيبِها أَي: تربِيعها، وقالوا: كَعْبَةُ البيتِ، فأُضيف، كأَنّهم ذَهَبُوا بِكَعْبَتِهِ إِلى تَرَبُّعِ أَعلاه، وسُمِّيَ كَعْبَةً لارْتِفَاعه وتَرَبُّعِهِ.

والكَعْبَةُ: الغُرْفَةُ، قال ابْنُ سِيدَهْ: أُرَاهُ لِتَرَبُّعِهَا أَيضًا.

وكُلُّ بَيْتٍ مُرَبَّعٍ، فهو عندَ العربِ كَعْبَةٌ.

وعن أَبي عَمْرٍو،. وابْنِ الأَعْرَابِيّ: الكُعْبَةُ، بالضَّمِّ: عُذْرَةُ الجارِيَةِ أَي: بَكَارَتُهَا، وأَنشد:

أَرَكَبٌ تَمَّ وتَمَّتْ رَبَّتُهُ *** قد كانَ مَخْتُومًا فَفُضَّتْ كُعْبَتُهْ

وفي مُوازنةِ الآمِدِيّ: جارِيَةٌ كَعَابٌ أَي: بِكْرٌ.

والكُعُوبُ، بالضمّ: نُهُودُ ثَدْيهَا، أَي: نُتُوُّهَا وارتفاعُها: قالُوا: وهو من خواصِّ النِّساءِ، لا يتّصف به الرِّجَالُ، كالتَّكْعِيب، والكِعابَة بالكسر، على ما في نسختنا، وضَبَطَهُ شيخُنا بالفتح، والكُعُوبَة، بالضمّ.

والفِعْلُ منه كَضَرَبَ ونَصَرَ يقال: كَعَبَ الثَّدْيُ يَكْعِبُ ويَكْعُبُ، وكَعَّبَ، بالتَّخفيف والتّشديد.

وجاريةٌ كَعَابٌ كسَحَابٍ هكذا في نسختنا، وسقط الضَّبطُ من نسخة شيخِنا، ومُكَعِّبٌ، كمُحَدِّثٍ، ومنهم من يُلْحِقُهُ الهاءَ، وكاعِبٌ كناهِدٍ وزنًا ومعنًى، وهو الأَكثرُ وحُكِىَ كاعِبَةٌ. كذا في كنْزِ اللُّغَة، وجمعُ الأَخيرِ كَوَاعِبُ، قال اللهُ تَعَالى، {وَكَواعِبَ أَتْرابًا}، وكِعَابٌ، بالكسر، عن ثعلب؛ وأَنشدَ:

نَجِيبَةُ بَطَّالٍ لَدُن شَبَّ هَمُّهُ *** لِعابُ الكِعَابِ والمُدامُ المُشَعْشَعُ

ذَكَّرَ المُدَامَ، لأَنّه عَنَى به الشَّرَابَ. وفي حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «فجَثْتْ فتاةٌ كَعَابٌ على إِحْدَى رُكْبَتَيْها».

قال ابنُ الأَثِيرِ: الكَعَابُ، بالفتح: المَرْأَةُ حِينَ يَبدُو ثَدْيُهَا للنُّهُودِ.

وكَعَبَتِ الجاريةُ، تَكْعُبُ، وتَكْعِبُ. الأَخيرةُ عن ثعلب.

وكَعَّبَتْ، بالتّشديد مثلُه.

والإِكْعَاب: الإِسْراعُ. أَكْعَبَ الرجُلُ. أَسرَعَ، وقيل: هو إِذا انْطَلَقَ ولم يَلْتَفِتْ إِلى شيْ‌ء. وقال أَبو سعيدٍ: أَكْعَبَ الرَّجُلُ إِكْعابًا، وهو الّذِي يَنْطَلِقُ مُضَارٍّا لا يُبالِي ما وراءَهُ، ومِثْلُهُ كَلَّلَ تَكْلِيلًا.

ومن زيادة المُصَنِّف: الكُعْكُبَّة، بضمّ الكَافَيْن وتشديد المُوَحَّدة. قال شيخُنا: قيل: وزنُها فُعْفُلَّةٌ، وهي النُّونَةُ من الشَّعر، وهي أَنْ تَجْعَل المرأَةُ شَعَرَها أَرْبَعَ قَضائِبَ مضْفُورةً مفتولَةً وتُداخِلَ هي بَعْضَهُنَّ في بَعْض، فَيَعُدْنَ أَي تلك الضَّفائرُ كُعْكُبًّا.

والكُعْكُبُّ: ضَرْبٌ من المَشْطِ بالفتح، كالكُعْكُبِيَّةِ بزيادة الياءِ، قيّد به الصاغانيّ.

وثَدْيٌ مُكَعِّبٌ كمُحَدِّثٍ، ومُكَعَّبٌ كمُعَظَّم، كذا هو مضبوطٌ في نسختنا، وهو ضبطُ الصّاغانيّ، وفي بعضها: كمُكْرَمٍ، وهي نادرةٌ ومُتَكَعِّبٌ بزيادة التّاءِ، أَي: كاعِبٌ وقيل: التَّفْلِيكُ، ثُمّ النُّهُودُ، ثم التَّكْعِيبُ.

والمُكَعَّب، كمُعَظَّمٍ: المَوْشِيُّ بفتح الميم وسكون الواو وكسر الشّين وفي نسخة: ضبطه كمُعظَّمٍ، مِنَ البُرُودِ والأَثْوَابِ على هَيْأَةِ الكِعَاب، ومنهم من قال المُكَعَّبُ المَوْشِيّ، ولم يُخَصِّصْ بالأَثْوَاب ولا البُرُودِ، قال اللِّحْيَانِيُّ: بُرْدٌ مُكَعَّبٌ: فيه وَشْيٌ مُرَبَّع.

والمُكَعَّبُ: الثَّوْبُ المَطْوِيُّ الشَّدِيدُ الإِدْرَاجِ في تَرْبيعٍ، ومنهم مَنْ لم يُقَيِّدْهُ بالتَّربيع، يقال: كَعَّبْتُ الثَّوْبَ تَكْعيبًا.

وبهاءٍ، يعني المُكَعَّبَةَ: الدَّوْخَلَّةُ بتشديدِ الّلام، وهي الشَّوْغَرَةُ والوَشَحَةُ، وسيأْتي بيانُهما.

والكَعْبانِ: هما كَعْبُ بْنُ كِلابٍ، وكَعْبُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عُقَيْلِ بْنِ كعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ. وقال شيخُنَا: اقتَصَرَ على نسبتِهما لجَدَّيْهِما، وهما كَعبُ بْنُ عُقَيْلِ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وكَعْبُ بْنُ عَوفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ أَبي بَكْرِ بْنِ كِلابٍ.

والكَعَبَاتُ محرّكةً، أَو ذُو الكَعَبَاتِ بَيْتٌ كان لرَبيعةَ، كانُوا يَطوفون به، وقد ذَكَره الأَسْوَدُ بْنُ يَعْفُرَ في شِعْره فقال:

أَهْل الخَوَرْنَقِ والسَّديرِ وبارق *** والبَيْتِ ذِي الكَعَبَاتِ مِن سِنْدادِ

وكَعَبَ الإِنَاءَ وغَيْرَهُ، كمَنَعَ: ملأَهُ، ورَوَاهُ الصّاغَانيُّ من باب التَّفْعِيلِ.

وكَعَبَ الثَّدْيُ من باب ضَرَبَ ونَصَرَ، وكَعَّبَ بالتَّشْدِيد: نَهَدَ، أَي: نَتَأَ، واستدار، وارتفع كالكَعْبِ، ولا يَخفَى أَنّه تقدَّمَ الإِشارةُ إِليه في كلامِه، فذِكْرُه ثانيًا كالتَّكْرَارِ، ثُمَّ إِنَّ ذكره بعدَ كَعَبَ الإِناءَ، يقتضي أَن يكونَ كمَنَع أَيضًا، وليس كذلك، بل هو من باب الأَوّلِ والثّاني، ورُوِيَ فيه التّشديدُ. وقد قَدَّمنا ما يتعلَّقُ به.

وذُو الكَعْبِ: لَقَبُ نُعَيْمِ بْنِ سُوَيْدِ بنِ خالِدٍ الشَّيْبانيّ.

وكَعْبُ الحِبْرِ، بكسر الحاءِ: تابِعِيٌّ م، وهو المَشْهُور بِكَعْبِ الأَحْبار، ثَبَتَ ذكْرُه هنا في كثير من الأُصول المصحَّحة، وسقط من بعضها، وإِنّما لُقِّب به لكَثرِة عِلمه، وأَوردَه بالإِفْرَاد، لِأَنَّه اختياره، ويأْتي له في «حَبَر» ولا تَقُل: «الأَحبار» أَي: بالجمع، قاله شيخُنا. وسيأْتي الكلامُ عليه في مَحلِّه.

* وممّا لم يذكره المُصَنِّف: الكَعْبُ: العظمُ لكلّ ذِي أَرْبعٍ، وفي الفَرَس: ما بينَ الوَظِيفَيْنِ والسّاقَيْنِ، وقيلَ: ما بَيْنَ عَظْمِ الوَظِيفِ وعظْمِ السّاقِ، وهو النّاتِئُ من خَلفه.

وكَعَّبَت كُبَّتَهَا: جَعَلَتْ لها حُروفًا كالكُعُوب.

والمُكَعَّب: لَقَبُ بعضِ المُلُوكِ، لِأَنَّهُ ضَرَبَ كَعَائِبِ الرُّؤوس.

وكَعَبَه كَعْبًا: ضَرَبَه على يابِسٍ، كالرَّأْسِ ونَحْوِه.

وكَعَّبْتُ الشَّيْ‌ءَ تَكْعيبًا: إِذا مَلأْتَهُ.

ووَجْهٌ مُكَعَّبٌ: إِذا كان جافِيًا، ناتِئًا.

والعربُ تقولُ: جارِيَةٌ دَرْمَاءٌ الكُعُوبِ، إِذا لم يكن لِرؤُوس عِظامِها حَجْمٌ، وذلك أَوثَرُ لها، وأَنشدَ:

ساقًا بَخَنْداةً وكَعْبًا أَدْرَمَا

والكِعَابُ في قول الشّاعر:

رَأَيْتُ الشَّعْبَ من كَعْبٍ وكانُوا *** من الشَّنَآنِ قد صارُوا كِعَابَا

قال الفارسيّ: أَرادَ أَنّ آراءهم تَفرّقت وتَضادَّتْ، فكان كلُّ ذي رأْيٍ منهم قَبِيلًا على حِدَتِهِ، فلذلك قال: صاروا كِعابًا. وفي الأَساس: في الحديث: «نَزَلَ القُرْآنُ بلسانِ الكَعْبَيْنِ»: كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ من قُرَيْشٍ، وكَعْبِ بْنِ عَمْرِوٍ، وهو أَبو خُزَاعَةَ، قاله أَبو عُبَيْد عن ابْنِ عبّاسٍ، رضي ‌الله‌ عنهما. قال شيخُنا: ونقله الجَلال في الإِتْقان والمُزْهِر.

وأَبُو مُكَعِّبٍ الأَسديُّ، مشدّد العين، من شعرائِهم، وقيل: إِنّهُ أَبو مُكْعِتٍ، بتخفيف العين وبالتَّاءِ المثناة الفَوْقيّة وسيأْتي ذكره.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


22-تاج العروس (خفج)

[خفج]: الخَفَجُ، مُحَرَّكَةً: دَاءٌ للإِبِلِ، وقد خَفِجَ البَعِيرُ كَفرِحَ خَفَجًا وخَفْجًا، وهو أَخْفَجُ إِذا كانت رِجْلاهُ تَعْجَلَانِ بالقِيَامِ قَبْلَ رَفْعِه إِيّاهما، كأَنّ به رِعْدَةً.

والخَفَجُ نَبْتٌ أَشْهَبُ رَبِيعيٌّ عَرِيضُ الوَرَق، واحِدتُه خَفَجَةٌ، وقال أَبو حنيفةَ: الخَفَجُ: بفتح الفاءِ: بَقْلَةٌ شَهْبَاءُ لها وَرَقٌ عِرَاضٌ.

وخَفَجَ: جَامَع، في اللسان: الخَفْجُ: ضَرْبٌ من النّكاح، وقال اللّيث: الخَفَجُ، مِن المُبَاضَعَةِ، وفي حديثِ عبدِ الله بنِ عَمْرٍو «فإِذا هو يَرَى التُّيُوسَ تَنِبُّ على الغَنَمِ خَافِجَةً» قال: الخَفْجُ: السِّفادُ، وقد يُسْتَعْمَل في الناس، قال: ويُحْتمَل بتقديم الجِيم على الخاءِ.

والخَفَجُ: عِوَجٌ في الرِّجْل، خَفِجَ خَفَجًا وهو أَخْفَجُ، وقال أَبو عَمْرٍو: الأَخْفَجُ الأَعْوَجُ الرِّجْلِ من الرِّجَالَ.

وخَفِجَ فُلانٌ إِذا اشْتَكَى سَاقَه هكذا بالإِفراد في النُّسخ، ونصُّ عبارةِ أَبي عمرٍو: سَاقَيْه تَعَبًا.

ومن ذلك عَمُودٌ أَخْفَجُ؛ أَي مُعْوَجٌّ قال:

قَدْ أَسْلَمُوني والعَمُودَ الأَخْفَجَا *** وشَبَّةً يَرْمِي بها الجَالُ الرَّجَا

وخَفَاجَةُ بالفَتْح: حَيٌّ من بَني عامرٍ، وهو خَفَاجَةُ بنُ عَمْرِو بنِ عُقَيْلٍ، ولذا قال ابنُ أَبي حَديدٍ والأَزْهَرِيّ: إِنهم حَيٌّ من بني عُقَيْلٍ، وقال ابنُ السّمْعَانيّ: خَفَاجَةُ اسْمُ امْرَأَةٍ وُلِدَ لها أَوْلادٌ وكَثُروا، وهم يَسْكنون بنَوَاحِي الكُوفَةَ، وقيل: اسمُ خَفَاجَةَ: مُعَاوِيَةُ: اشْتَهَرَ باللَّقَب، مُشْتَقٌّ من قولهم: غُلَامٌ خُفَاجٌ، كما سيأْتي، وقال ابنُ حَبِيب: إِنه طَعَنَ رَجُلًا من اليَمَنِ فَأَخْفَجَه، فلقَّبُوه خَفَاجَةَ.

والخَفِيجُ: الشِّرِّيبُ مِنَ الماءِ، والضَّعِيفُ، وفي اللسان الغَلِيظ.

وتَخَفَّجَ: مالَ.

والخُنْفُجُ، والخُنَافِجُ، بضمّهما: الغُلامُ الكَثِيرُ اللّحْمِ.

وبه خُفَاجٌ أَي كِبْرٌ.

وغُلَامٌ خُفَاجٌ: صاحِبُ كِبْرٍ وفَخْرٍ، حكاه يَعقوبُ في المَقْلُوب.

والخَفَنْجَى والخَفَنْجَاءُ، مقصورًا وممدودًا: الرَّجُلُ الرِّخْوُ الّذي لا غَنَاءَ عِنْدَه، وقد ذُكِر في الحاء المهملة.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


23-تاج العروس (رمح)

[رمح]: الرُّمْح من السلاح م، وهو بالضّمّ، وإِنما أَطْلقَه لشُهرته، الجمع: رِماحٌ وأَرْماحٌ. وقيل لأَعرابيّ: ما النّاقَةُ القِرْوَاحُ؟ قال: الّتي تَمْشِي على أَرْمَاحٍ.

ورَمحَه كمَنَعَه يَرْمَحُه رَمْحًا: طَعَنَه به؛ أَي بالرُّمْح، فهو رامِحٌ نابِل، وهو رَمّاح: حاذِقٌ في الرِّمَاحة.

ورَامَحهُ مُرَامَحَةً.

وتَرَامَحُوا وتَسَايَفُوا.

وهو ذو رُمْحٍ ورِمَاحٍ.

والرَّمَّاحُ: مُتَّخذُه؛ أَي الرُّمْحِ وصانِعُه. وصَنْعَتُه وحِرْفَتُه الرِّمَّاحَةُ، بالكسر.

ومن المجاز: الرَّمَّاحُ: الفَقْرُ والفَاقَة.

والرَّمّاحُ ابنُ مَيّادَةَ الشاعر: مشهورٌ.

ورجلٌ رامِحٌ وَرَمّاحٌ: ذو رُمْحٍ مثلُ لابنٍ وتامِرٍ، ولا فِعْلَ له، كما في الصّحاح. ويقال للثَّوْرِ من الوحْش: رامِحٌ.

قال ابن سيده: أُراه لمواضعِ قَرْنِه. قال ذو الرُّمّة:

وكائِنْ ذَعَرْنَا مَهاةٍ ورامِحٍ *** بِلادُ العِدَى ليْسَتْ له ببلادِ

ومن المجاز: توْرٌ رامِحٌ: له قرْنَانِ.

والسِّمَاكُ الرَّامِحُ: أَحدُ السِّماكيْنِ، وهو نَجْمٌ معروفٌ قُدّام الفَكّةِ ليس من مَنازل القَمَرِ، سُمِّيَ بذلك لأَنه يقْدُمُه كَوكَبٌ يقولون: هو رُمْحُه وقيل للآخَرِ: الأَعْزلُ، لأَنه لا كَوْكَبَ أَمامَه، والرّامِح أَشدُّ حُمْرةً، وقال الطِّرِمّاح:

مَحَاهُنَّ صَيِّبُ نَوْءِ الرَّبيعِ *** من الأَنْجُمِ العُزْلِ والرّامِحَهْ

والسِّماكُ الرَّامِحُ: لا نَوْءَ له، إِنما النَّوْءُ للأَعْزلِ. وفي التّهْذيب: الرامِحُ: نَجْمٌ في السَّمَاءِ يُقَال له: السِّمَاكُ المِرْزَمُ. وفي الأَساس: ومن المجاز: طلَعَ السِّماكُ الرّامِح.

ورَمَحَه الفَرَسُ كمَنَعَ وكذلك البَغْلُ والحِمَارُ وكلُّ ذي حافرٍ يَرْمَح رمْحًا: رَفَسَه؛ أَي ضَرَبَ برجْلِه. وقيل ضَرَبَ برِجْلَيْه جميعًا. والاسم الرِّمَاحُ. يقال أَبْرَأُ إِليكَ من الجِمَاح والرِّمَاحِ. وهذا من باب العيوب الّتي يُرَدُّ المَبيعُ بها. قال الأَزهريّ: ورُبما اسْتُعير الرَّمْحُ لِذِي الخُفّ. قال الهُذَليّ:

بطعْنٍ كَرَمْحِ الشَّوْلِ أَمْسَتْ غَوارِزًا *** جَواذِبُها تأْبى على المُتَغبِّرِ

وقد يقال: رَمَحَت النَّاقةُ، وهي رَمُوحٌ. أَنشد ابن الأَعرابيّ:

تُشْلِي الرَّمُوحَ وهِيَ الرَّمُوحُ *** حَرْفٌ كأَنّ غُبْرَها ممْلُوحُ

وفي الأَساس: دابّةٌ رَمّاحةٌ ورَمُوحٌ: عَضّاضَةُ وَعضوضٌ.

ومن المجاز: رَمَحَ الجُنْدَبُ وركضَ، إِذا ضَربَ الحصَى برِجْلَيْه. وفي الصّحاح واللّسان والأَساس: بِرِجْلِه، بالإِفراد. قال ذو الرُّمَّة:

ومجْهُولة من دُونِ مَيَّةَ لمْ تَقِلْ *** قَلُوصي بها والجُنْدَبُ الجَوْنُ يَرْمَحُ

ومن المجاز: رَمَحَ البرْقُ: إِذا لَمعَ لمَعانًا خفيفًا مُتقارِبًا.

ومن المجاز: أَخَذتِ البُهْمَى ونَحْوُها من المَرْعَى رِمَاحَها: شَوَّكَتْ فامتنعَتْ على الرَّاعَية. وأَخذتِ الإِبلُ رِماحها ـ وفي مجمع الأَمثال: «أَسْلِحتها»: حَسُنتْ في عينِ صاحِبها فامتنع لذلك من نَحْرها؛ يقال ذلك إِذا سَمِنَتْ أَو دَرّت، وكلّ ذلك على المَثَل كأَنَّها تَمْنَعُ عن نَحْرِها لحُسْنِهَا في عين صاحبها. في التهذيب: إِذا امتنعَت البُهْمَى ونَحْوُها مِن المراعِي فيَبِسَ سَفَاهَا قِيل: أَخَذَتْ رِماحَها.

ورِمَاحُها: سَفَاها اليَابِسُ.

ويقَال للنّاقَة إِذا سَمِنَت: ذاتُ رُمْح، وإِبلٌ ذَوَاتُ رِمَاحٍ، وهي النُّوقُ السِّمانُ، وذلك أَنّ صاحِبَها إِذا أَراد نَحْرَها نَظَر إِلى سِمَنِها وحُسْنِهَا فامتَنَعَ من نحْرِهَا نَفَاسةً بها لِما يرُوقُه من أَسْنِمتها. ومنه قول الفَرَزْدَق:

فمكَّنْتُ سَيْفِي مِن ذَوات رِماحِها *** غَشاشًا ولم أَحْفِل بُكاءَ رِعَائِيَا

يقول: نَحَرْتُها وأَطْعمْتُها الأَضياف، ولم يَمنعني ما عليها من الشُّحومِ عن نَحْرِهَا نفاسةً بها.

ورُمَيحٌ، كزُبيرٍ: عَلَمٌ على الذَّكَر كما أَن شُرَيحًا علمٌ على فَرْجِ المَرأَةِ.

وذو الرُّمَيحِ ضَرْبٌ من اليَرَابيع طَويلُ الرِّجْلَيْنِ في أَوْساطِ أَوْ ظِفَته، في كلّ وَظِيفٍ فَضْلُ ظُفْرٍ. وقيل: هو كلُّ يَرْبُوعٍ، ورُمْحُه ذَنَبُه. ورِماحُه شَوْلاتُها. ويقال: أَخَذ فلانٌ وفي بعض الأُمّهات: أَخذَ الشيخُ رُميْحَ أَبي سَعدٍ؛ أَي اتَّكَأَ على العصا هَرَمًا أَي من كِبَرِه. وأَبو سَعْدٍ: هو لُقْمانُ الحَكيمُ المذكور في القرآن. قال:

إِمّا تَرَىْ شكَّتِي رُميْحَ أَبي *** سعْدٍ، فقدْ أَحمِلُ السِّلَاحَ مَعَا

أَو هو كُنْيةُ الكِبَرِ والهَرَم، أَو هو مرْثَدُ بنُ سعدٍ أَحدُ وَفْدِ عاد، أَقوالٌ ثلاثة.

وذو الرَّمْحَيْن: لقب عَمْرو بن المُغِيرة لطولِ رِجْلَيْه شُبِّهتَا بالرِّماح. وقال ابن سيده: أَحسبه جَدّ عُمر بن أَبي رَبيعة. وهو مالك بن رَبيعةَ بنِ عَمْرٍو قال القُرشيّون: سُمِّيّ بذلك لأَنه كان يُقاتِل برُمْحَين في يديه. وذو الرُّمْحَيْن: لقبُ يَزيدَ بن مِرْدَاسٍ السُّلَميّ أَخي العبّاس رضي ‌الله‌ عنه. وذو الرُّمْحَيْنِ: لقبُ عَبْد بن قَطَن محرَّكَةً ابن شَمِرٍ ككتِفٍ.

والأَرْمَاحُ بلفظ الجمْع: نُقْيانٌ طِوالٌ بالدَّهْناءِ. ومن المجاز: رِماحُ الجِنِّ: الطاعُون أنشد ثعلب.

لَعَمْرُكَ ما خَشِيتُ علَى أُبَيٍّ *** رِمَاحَ بنِي مُقَيِّدةِ الحِمَار

ولكنّي خَشِيتُ علَى أُبَيٍّ *** رِمَاحَ الجِنِّ أَو إِيّاكَ حَارِ

عَنَى ببَني مُقيِّدة الحِمارِ: العَقَاربَ، وإِنما سُمِّيتْ بذلك لأَن الحَرَّةَ يقال لها: مُقيِّدةُ الحِمَار، والعَقَاربُ تأْلَفُ الحَرَّةَ.

والرِّماحُ من العَقْربِ: شَوْلاتُها. وقد تقدّم أَنه عندهم كلُّ يرْبوعِ، ورُمْحُه: ذَنَبه، ورِماحُه: شَوْلاتُها: ودارَةُ رُمْحٍ: أَبْرَق لبني كِلَاب لبني عمرِو بنِ رَبيعةَ، وعنده البَتيلةُ، ماءٌ لهم، ودارَةٌ منسوبة إِليه. وذاتُ رُمْحٍ: لَقَبُها. وذاتُ رُمْحٍ: قرية بالشأْم.

ورُمَاحٌ كغُرَاب: موضع وهو جَبَلٌ نَجْديّ، وقيل بخاءٍ معجمة.

وعُبَيْدُ الرِّماحِ وبِلالُ الرِّماحِ رَجلانِ.

ومُلاعِبُ الرِّماحِ: لقب أَبي بَرَاءٍ عامِر بنِ مالِك بن جَعْفَر بن كِلاب والمعروفُ مُلاعِب الأَسِنَّة. وجَعَله لَبيدٌ وهو ابنُ أَخيه الشاعرُ المشهورُ رمَاحًا للقافية؛ أَي لحاجتِه إِليها.

وهو قوله على ما في الصّحاح واللِّسان:

قُومَا تَنوحانِ مع الأَنْواحِ *** وأَبِّنَا مُلاعِبَ الرِّماحِ

أَبَا بَرَاءٍ مِدْرَهَ الشِّيَاحِ *** في السُّلُب السُّودِ وفي الأَمْساحِ

وفي شرْح شيخنا:

لو أَنّ حيًّا مُدْرِكَ الفَلاح *** أَدْرَكَه مُلاعِبُ الرِّماحِ

قال: ولا منافاة، في أن كلًّا من الشِّعرَين للبيدٍ.

والعرب تجعل الرَّمْحَ كناية عن الدَّفْع والمَنْع. ومن ذلك: قَوْسٌ رمّاحة؛ أَي شَدِيدةُ الدَّفْعِ. وقال طُفَيلٌ الغَنويّ:

برَمّاحة تَنْفِي التُّرابَ كأَنّها *** هِرَاقَةُ عَقٍّ مِن شَعِيبيْ مُعَجِّلِ

ومن الناس من فَسّر رمّاحة بطعنة بالرُّمْح، ولا يُعْرَف لهذا مَخرَجٌ إِلًّا أَن يكون وَضعَ رَمّاحةً موضِع رَمْحة الّذي هو المَرَّةُ الواحدةُ من الرَّمْح؛ كذا في اللسان.

وابنُ رُمْحٍ: رجلٌ، وإِياه عنَى أَبو بُثَيْنةَ الهُذليّ بقوله:

كأَنّ القَوْم من نَبْلِ ابنِ رُمْحٍ *** لَدَى القَمْراءِ تَلْفَحُهمْ سَعيرُ

ويروَى: ابن رَوْح.

وذات الرِّمَاحِ: فَرسٌ ل بني ضَبَّةَ سُمِّيَتْ لِعزِّها. وكانت إِذا ذُعِرت تَباشَرتْ بنو ضَبَّة بالغُنْم. وفي ذلك يقول شاعرُهم:

إِذا ذُعِرتْ ذاتُ الرِّمَاحِ جَرَتْ لنا *** أَيامِنُ بالطَّيرِ الكَثِيرِ غَنَائِمُهْ

ويقال: إِنّ ذات الرِّماح: إِبلٌ لهم.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

جاءَ كأَنّ عينيه في رُمْحَيْنِ: وذلك من الخَوْف والفَرقِ وشدّةِ النَّظَر، وقد يكون ذلك من الغَضب أَيضًا. وفي الأَساس: من المجاز:... كَسروا بينهم رُمْحًا، إِذا وقَع بينهم شرٌّ. ومُنِينا بيَومٍ كظِلِّ الرُّمْحِ: طَوِيل ضَيِّق. وهُمْ على بني فُلان رُمْحٌ واحدٌ. وذاتُ الرِّمَاح: قريبٌ من تبَالة.

وقَارَةُ الرِّمَاحِ: موضعٌ آخَرُ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


24-تاج العروس (ملح)

[ملح]: المِلْح، بالكسر، معروف أَي معروف، وهو ما يُطيَّب به الطَّعَامُ: وقد يُذكّر، والتَّأْنِيث فيه أَكثَرُ، كذا في العُبَاب.

وتصغيره مُلَيْحَة. وقال الفَيّوميّ: جمعها مِلاحٌ كشِعْب وشعاب.

ومن المجاز المِلْح: الرَّضَاعُ وقد رُوِي فيه الفَتْحُ أَيضًا، كذا في المحكم، ونقله في اللّسَان، وقد مَلَحَت فُلانةُ لفُلانٍ، إِذا أَرْضَعَت [له]، تَمْلَح وتَمْلُح. وقال أَبو الطَّمَحَان، وكانَتْ له إِبِلٌ يَسْقِي قَوْمًا من أَلبانها ثم إِنّهم أَغاروا عليها فأَخذُوها:

وإِنّي لأَرجُو مِلْحَها في بُطونِكمْ *** وما بَسَطَتْ مِنْ جِلْدِ أَشعَثَ أَغْبَرَا

وذلك أَنّه كَان نَزل عليه قَومٌ فَأَخذُوا إِبلَه فقال: أَرجو أَن تَرَعَوْا ما شَرِبْتم من أَلبان هذه الإِبل، وما بَسَطَتْ منْ جُلُودِ قَومٍ كأَنَّ جلُودَهم قد يَبِست فسَمِنُوا منها.

وفي حديث وَفْدِ هَوَازِنَ «أَنَّهم كلَّموا رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم في سَبْيِ عشائرِهم فقال خَطيبُهم: إِنّا لو كُنّا مَلَحْنا للحارِث بن أَبي شَمِرٍ أَو للنُّعمان بن المنذرِ ثم نَزَل مَنزِلَك هذا منّا لحَفِظَ ذلك لنا وأَنت خيرُ المكْفُولِين، فاحْفَظُ ذلك.

قال الأَصمعيّ في قوله مَلَحْنَا؛ أَي أَرْضَعْنا لهما. وإِنَّمَا قال الهَوَازِنّي ذلك لأَنّ رَسُولَ الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم كان مُسْتَرْضَعًا فيهم، أَرْضَعَتْه حَليمةُ السَّعدِيّة.

والمِلْح: العِلْم. والْمِلْح أَيضًا العُلَمَاءُ، هكذا في اللِّسان وذكَرَهما ابن خالوَيه في كتابه الجامِعِ للمشترك، والقَزّازُ في كتابه الجامع.

ومن المجاز: المِلْح الحُسْنُ، من المَلَاحَة، وقد مَلُح يَملُح مُلُوحةً ومَلاحةً ومِلْحًا؛ أَي حَسُن. ذكرَه صاحب المُوعب واللَّبْليّ في شرح الفصيح، والقَزّاز في الجامع.

ومن المجاز: مَلَحَ القِدْرَ إِذا جَعَلَ فيها شيئًا من مِلْح، وهو الشَّحْمُ. وفي التهذيب عن أَبي عَمرٍو: أَمْلَحْت القِدْرَ، بِالأَلف، إِذا جَعلْتَ فيها شيئًا من شَحْمٍ.

والمِلْح أَيضًا: السِّمَنُ القليل، وضبطَه شيخنا بفتْح السين وسكون الميم، وجعلَه مع ما قبله عطْف تفسيرٍ ثمّ قال: وقد يقال إِنّهما مُتَغَايرانِ، والصواب ما ذَكرْناه. وأَملَح البعيرُ، إِذَا حَمَلَ الشَّحْمَ، ومُلِحَ فهو مملوح، إِذا سَمِنَ.

ويقال: كان رَبيعُنا مَملوحًا. وكذلك إِذا أَلْبَنَ القَومُ وأَسْمَنُوا، كالتَّمَلُّحِ والتَّمْلِيحِ وقد مَلَّحَتِ النّاقَةُ: سَمِنَتْ قليلًا، عن الأُمويّ ومنه قَول عُرْوةَ بن الوَرْد:

أَقَمْنَا بها حِينًا وأَكثرُ زَادِنا *** بَقِيّةُ لَحْمٍ مِن جَزورٍ مُمَلِّحِ

والذي في البصائر:

عَشيَّةَ رُحْنا سائرين وزادُنا

إِلخ، وجَزور مُملِّح فيها بَقيّة من سِمَنٍ، وأَنشد ابنُ الأَعرابيّ:

ورَدَّ جازِرُهمْ حَرفًا مصهَّرةً *** في الرأْسِ منها وفي الرِّجْلَينِ تَمْليحُ

أَي سِمَنٌ: يقول: لا شَحْمَ لها إِلَّا في عَيْنِها وسُلامَاهَا.

قال: أَوّل ما يَبدأُ السِّمَنُ في اللِّسَان والكَرِش، وآخِرُ ما يَبقَى في السُّلَامَى والعَيْن. وتَملَّحتِ الإِبلُ كمَلَّحَت، وقيل: هو مَقلوبٌ عن تَحلَّمَت أَي سَمِنَت، وهو قَول ابنِ الأَعرابيّ. قال ابن سيده: ولا أَرى للقَلْب هنا وَجْهًا.

وأَرى مَلَحَت النَّاقةُ بالتخفيف لغة في مَلَّحَت. وتَملَّحَت الضِّبابُ كتَحَلَّمَت؛ أَي سَمِنَت، وهو مَجاز.

والمِلْح: الحُرْمَة والذِّمامُ، كالْمِلْحَةِ، بالكسر، وأَنشد أَبو سعيدٍ قَولَ أَبي الطَّمَحان المتقدّم، وفَسَّره بالحُرْمة والذِّمام. ويقال: بين فُلانٍ وفُلانٍ مِلْحٌ ومِلْحةٌ، إِذا كان بينهما حُرْمَةٌ، كما سيأْتي. فقال أَرجُو أَن يَأْخُذَكم الله بحُرْمَةِ صاحِبها وغَدْرِكُم بها. قال أَبو العَباس: العرب تُعظّم أَمْرَ المِلْحِ والنَّارِ والرَّمَادِ.

والمِلْحُ: ضِدُّ العَذْبِ مِنَ الماءِ كالمَلِيحِ، هذا وَصْفٌ وما ذُكِر قبلَه كلّها أَسماءٌ. يقال ماءٌ مِلْحٌ. ولا يقال: مالِحٌ إِلّا في لغة رَديئة، عن ابن الأَعرابيّ، فإِن كان الماءُ عَذْبًا ثم مَلُحَ يقال: أَمْلَح. وبَقْلَةٌ مالحَةٌ. وحكَى ابنُ الأَعرابيّ: ماءٌ مالِحٌ كمِلْح. وإِذا وَصفتَ الشيْ‌ءَ بما فيه من المُلُوحَة قلت: سَمَكٌ مالِحٌ، وبَقْلَةٌ مالِحةٌ.

قال ابن سِيده: وفي حديث عُثمان رضي ‌الله‌ عنه: «وأَنا أَشْرَبُ ماءَ المِلْح»؛ أَي الشَّدِيد المُلُوحَةِ. قال الأَزهَرِيّ عن أَبي العباس: إِنّه سمع ابنَ الأَعرابيّ قال: ماءٌ أُجَاجٌ، وقُعَاعٌ، وزُعَاقٌ، وحُرَاقٌ وماءٌ يَفْقَأُ عينَ الطّائر، وهو الماءُ المالِحُ. قال وأَنشدنا:

بَحْرُك عَذْبُ الماءِ ما أَعَقَّهُ *** رَبُّكَ والمحرُومُ مَن لمْ يُسْقَهُ

أَرادَ ما أَقَعَّه. من القُعَاع، وهو الماءُ المِلْح فَقَلَبَ.

قال ابن شُميل: قال يونس: لم أَسمع أَحدًا من العرب يقول: ماءٌ مالحٌ. ويقال: سَمكٌ مالحٌ، وأَحسنُ منهما سَمَكُ مَليحٌ ومَملوحٌ. قال الجوهَرِيّ: ولا يقال مالِحٌ. قال: وقال أَبو الدُّقَيْش: يقال ماءٌ مالحٌ ومِلْح. قال أَبو منصور: هذا وإِنْ وُجِدَ في كلام العرب قليلًا ـ لُغَةٌ لا تُنْكر. قال ابن بَرّيّ: قد جاءَ المالِح في أَشعارِ الفُصحاءِ، كقول الأَغلب العِجْليّ يَصف أُتُنًا وحِمارًا:

تَخالُه من كَرْبهِنَّ كالحَا *** وافْتَرَّ صابًا ونَشُوقًا مالِحَا

وقال غَسّانُ السَّلِيطيّ:

وبِيضٍ غِذَاهنَّ الحَليبُ ولم يَكنْ *** غِذَاهُنّ نِينَانٌ من البحرِ مالِحُ

أَحَبُّ إِلينا مِنْ أُناسٍ بِقَرْيَةٍ *** يَمُوجُون مَوْجَ البَحْرِ والبَحْرُ جَامِحُ

وقال عُمر بن أَبي رَبيعَةَ:

ولو تفَلَتْ في البَحْر والبَحرُ مالحٌ *** لأَصبَحَ ماءُ البَحْرِ من ريقِهَا عَذْبَا

قال: وقال ابنُ الأَعْرَابيّ: يقال شيْ‌ءٌ مالِحٌ، كما يقال: حامِضٌ. قال ابنَ بَرّيّ: وقال أَبو الجَرّاح: الحَمْضُ: المالِحُ من الشَّجَر. قال ابن بَرّيّ: ووَجْهُ جَوازِ هذا من جِهة العَربيَّة أَن يكون على النَّسَب، مثل قولهم ماءٌ دافِقٌ، أي ذو دَفْق، وكذلك ماءٌ مالح؛ أَي ذو مِلْح، وكما يقال: رَجلٌ تارِسٌ، أي ذو تُرْسٍ، ودَارِعٌ؛ أَي ذو دِرْعٍ. قال: ولا يكون هذا جاريًا على الفِعْل. وقال ابن سيدَه: وسَمَكٌ مالِحٌ ومَلِيحٌ ومَمْلُوح [ومُمَلَّح] وكَرِهَ بعضُهم مَلِيحًا ومالِحًا، ولم يَرَ بَيْتَ عُذَافرٍ حُجّة، وهو قوله:

لو شاءَ رَبِّي لم أَكنْ كَرِيَّا *** ولم أَسُقْ لشَعْفَرَ المَطِيَّا

بَصَريّة تَزَوجتْ بَصْرِيَّا *** يُطْعِمها المالِحَ والطَّرِيَّا

وأَمْلَحَ الرَّجلُ: وَرَدَه، أي ماءً مِلْحًا، الجمع: مِلْحَةٌ، بزيادة الهاءِ ومِلَاحٌ بالكسر، كشِعْب وشِعَاب، وأَمْلَاحٌ، كتِرْب وأَتْراب، ومِلَحٌ، بكسر ففتْح، وقد يقال أَمْواهٌ مِلْحٌ ورَكِيّةٌ مِلْحةٌ. وقد مَلُحَ الماءُ، ككرُمَ، وهي لُغةُ أَهلِ العالية.

ومَنَعَ، عن ابن الأعرابيّ ـ ونقله ابن سيده وابن القطّاع ـ ونَصَرَ، نسَبها الفيُّوميّ لأَهل الحِجاز، وذكرَها الجوهَرِيّ وغيرُ واحدٍ، مُلُوحَةً، بالضَّم، ومَلَاحَةً مصْدَريْ باب كَرُمَ، ومُلُوحًا، مصْدر باب منَع كقَعَدَ قُعُودًا، ذكرَه الجوهَريّ والفيّوميّ.

والحُسْنُ مَلُحَ ككَرُمَ، يَمْلُح مُلُوحَةً ومَلَاحَةً ومِلْحًا. فهذِه ثلاثةُ مصادرَ: الأَوّل هو الجاري على القِيَاس، والثاني هو الأَكثر فيه، والثالثُ أَقلُّهَا. فهو مَلِيحٌ، ومُلَاحٌ، كغُرَاب، ومُلَّاحٌ، بالتشديد، وهو أَمْلَحُ من المَليح، كذا في التهذيب. قال:

تَمْشِي بجَهْمٍ حَسَنٍ مُلّاحِ *** أَجَمَّ حتَّى هَمَّ بالصِّياحِ

يَعْنِي فَرْجَها، وهذا المثال لمَّا أَرادوا المبالغَة قالوا: فُعّال، فَزادوا في لفظهِ لِزيادة معناه، مثل كَريم وكُرّام، وكَبير وكُبَّار. الجمع: أَي جمع المليح مِلَاحٌ، بالكسر، وأمْلَاحٌ، كلاهما عن أَبي عمرٍو، مثل شَريف وأَشراف، وكَريم وكِرَام. وجمع مُلَاح ومُلّاحِ مُلَاحُونَ ومُلّاحُونَ، وهما جمعًا سلامة، والأُنثَى مَليحَة.

وفي الأَساس: من المجاز: مَلَحَهُ أَي عِرْضَه، كمَنَعَه: اغْتَابَه ووقَع فيه ومَلَحَ الطَّائرُ: كَثُرَ سُرْعَةُ خَفَقانِه بِجَنَاحَيْهِ. قال:

مَلْحَ الصُّقوِر تحتَ دَجْنٍ مُغْيِنِ

قال أَبو حاتم: قلْت للأَصمعيّ: أَتُرَاه مَقلوبًا من اللَّمْح؟

قال: لا، إِنّمَا يقال لَمَحَ الكَوكَبُ ولا يقال مَلَحَ، فلو كان مقلوبًا لجازَ أَن يقال مَلَح.

ومَلَحَ الشَّاةَ: سَمَطَها، فهي مَملُوحة، كَملَّحها تَمليحًا، وَتَمليحُها: أَخْذُ شعرِها وصُوفِها بالماءِ.

وفي حديث عَمْرو بن حُريث «عَنَاقٌ قد أُجِيدَ تملِيحُها وأُحْكِم نُضْجُها» قال ابن الأَثير: التّمليح هنا السَّمْطُ، وقيل تَملِيحُهَا تَسْمِينها، وقد تقدَّم.

ومَلَحَ الوَلَدَ: أَرْضَعَه يَمْلَحُ ويَمْلُح، وهو مجاز.

ومَلَحَ السَّمَكَ ومَلَّحَه فهو مملوحٌ مُملَّح مَليحٌ. ويقال سَمكٌ مالحٌ.

ومَلَحَ القِدْرَ يَملَحُه مَلْحًا: طَرَحَ فيه المِلْح بقَدْر. كذا في الصحاح، كمَلَحَهُ، كضَرَبَه يَمْلِحَه مَلْحًا، فهما لغتانِ فصيحتان. وفاتَه مَلَّحه تَمليحًا، وذلك إِذا أَكثَرَ مِلْحَه فأَفسدَه ونقل ابن سِيدَه عن سيبويه مَلَحَ ومَلَّحَ وأَمْلَحَ بمعنًى واحدٍ.

ثم إِنَّ الموجود في النّسخ كلِّهَا تذكيرُ الضَّمير، والمقرَّر عندهُم أَنّ أَسماءَ القُدورِ كلِّهَا مُؤَنّثَة إِلّا المِرْجَلَ فكان الصّوَابُ أَن يقول: كملَحَهَا، أَشارَ إِليه شيخُنَا.

ومَلَحَ المَاشِيَةَ مَلْحًا أَطْعَمَهَا سَبَخَةَ المِلْح. وهو تُرَابٌ ومِلْحٌ والمِلْحُ أَكثرُ، وذلك إِذَا لمِ تَقدِرْ على الحَمْضِ فأَطعَمَهَا، كمَلَّحَهَا تَمليحًا.

والمَلَحُ، محرّكَةً: داءٌ وعَيْبٌ في رِجْلِ الدّابَّة. وقد مَلِحَ مَلَحًا، وهو وَرَمٌ في عُرْقُوبِ الفَرَسِ دونَ الجَرَذ، فإِذا اشتَدَّ فهو الجَرَذُ.

والمَلَح: موضع من دِيار بني جَعْدةَ باليَمَامَة، وقيل: بسَوَادِ الكُوفَةِ مَوضعٌ يقال له مَلَحٌ. وقال السّكَّريّ: مَلَحٌ: ماءٌ لبنِي العَدَويّة، ذكَر ذلك في شرْح قول جرير:

يُهْدِي السَّلامَ لأَهْل الغَوْرِ من مَلَحِ *** هَيْهَاتَ من مَلَحٍ بالغَوْر مُهدَانَا

كذا في المعجم. وأمْلَحَ الماءُ: صارَ مِلْحًا. وقد كَانَ عَذْبًا، عَن ابن الأَعرابيّ. وأَمْلَحَ الإِبلَ: سَقَاهَا إِيّاه؛ أَي ماءً ملْحًا. وأَملَحَتْ هي: وَرَدَتْ ماءً مِلْحًا.

وأَملحَ القدْرَ: كثَّر ملْحَهَا، كمَلَّحَها تَمليحًا، قال أَبو منصور: وهو الكلامُ الجيّد: والمَلَّاحة مشدّدةً: مَنْبِتُه، كالبَقَّالة لمنْبت البقْلِ، كالمَمْلَحةِ، بفتح الميم، هكذا هو مضبوطٌ عندنا، وهو ما يُجْعَل فيه المِلْح، وضَبطه الزمخشريّ في الأساس بالكسر والمَلَّاحُ، ككَتّان: بائِعُه، أَو هو صاحِبُه، حكاه ابن الأَعرابيّ. وأَنشد:

حتّى تَرَى الحُجُرَاتِ كلَّ عشيّةٍ *** ما حَوْلَهَا كمُعَرَّسِ المَلّاحِ

كالمُتَمَلِّحِ، وهو متَزَوِّده أَو تاجِرُه. قال ابنُ مُقبِل يَصف سَحابًا:

تَرَى كلَّ وادٍ سَال فيه كأَنّمَا *** أَناخَ عليه رَاكبٌ مُتمَلِّحُ

وأَناخَ: النُّوتِيُّ. وفي التهذيب: صاحبُ السَّفِينة، لملازَمتِه الماءَ المِلْحَ. وهو أَيضًا مُتَعَهِّدُ النَّهْرِ، وفي بعض النُّسخ: البَحر، ليُصْلِحَ فُوَّهَتَه، وأَصله من ذلك، وصَنْعَتُه المِلاحة، بالكسر. والمَلَّاحِيَّة، بالفتح والتشديد وقيل: سمِّيَ السَّفَّانُ مَلّاحًا لمعالَجته الماءَ المِلْح بإِجراءِ السُّفنِ فيه. وأنشد الأَزهَرِيُّ للأَعْشى:

تَكَافَأَ مَلَّاحُها وَسْطَها *** مِن الخَوْفِ، كَوثَلَهَا يَلْتَزِمْ

وفي حديث ظَبْيَانَ «يأْكُلون مُلَّاحَهَا، ويَرعَوْنَ سَرَاحَهَا، قال الأزهريّ عن الليث: المُلّاح كرُمَّان من الحَمْضِ.

وأَنشدَ:

يَخْبِطْنَ مُلّاحًا كذَاوِي القَرْمَلِ

وقال أَبو منصور: المُلّاح من بقول الرِّيَاض، الواحدة مُلَّاحَةٌ، وهي بَقلةٌ غَضّةٌ فيها مُلوحةٌ، مَنابِتُها القِيعَانُ وفي المحكم: المُلّاحة: عُشْبة من الحُمُوض ذات قُضُب ووَرَقٍ، مَنْبتُها القِفَافُ، وهي مالحةُ الطَّعْمِ ناجعةٌ في المال، وحكى ابن الأعرابيّ عن أَبي المُجيب الرّبَعي في وَصْفه رَوْضَةً: «رأَيتُهَا تَنْدَى من بُهْمَى وصُوفَانةٍ ومُلَّاحَة ونَهَقَةٍ. ونقلَ ابن سيده عن أَبي حَنيفة، المُلَّاح نَبْتٌ مثل القُلّام فيه حُمْرَة، يُؤكَل مع اللَّبَن، وله حَبٌّ يُجمَع كما يُجمع الفَثُّ ويُخبَز فيُؤكَل، قال: وأَحسبه سُمِّيَ مُلَّاحًا لِلَّوْنِ لا للطَّعْم. وقال مَرّةً: المُلاحُ: عُنْقُودُ الكَبَاث من الأَرَاكِ، سُمِّيَ [به] لِطَعْمه، كأَنّ فيه من حَرارته ملْحًا ويقال: نَبْتٌ مِلْحٌ للحَمْض.

والملَاح، ككِتَاب: الرِّيحُ تَجْرِي بها السَّفِينَةُ، عن ابن الأَعرابيّ، قال: وبه سُمِّيَ المَلّاح مَلّاحا.

وفي الحديث «أَنّ المختارَ لمّا قتلَ عُمَرَ بنَ سَعْدٍ جَعَلَ رأْسه فِي مِلَاحٍ وعَلَّقَه»، المِلَاحُ: المِخْلَاةُ بلُغَة هُذيلٍ.

قلت: وسيأْتي في ولح أَنَّ الوَلِيحة الغِرَارةُ، والمِلَاح المخلاةُ. قال ابن سيده هناك: وأَراه مقلوبًا من الوَليحة، إِذا لم أَستدِلّ به علَى ميمه أَهي زائدةٌ أَم أَصلٌ، وحملُهَا على الزّيادة أَكثرُ. وقيل: هو سِنَانُ الرُّمْحِ.

قال ابنُ الأَعرابيّ: والمِلَاحُ: السُّتْرَة.

والمِلَاحُ: أَنْ تَهُبَّ الجَنُوب عَقِبَ الشَّمَالِ.

والمِلَاحُ بَرْدَ الأَرْضِ حينَ يَنْزلُ الغَيْثُ.

وعن الليث: المِلَاحُ: الرَّضَاعُ. وقال غيرُه: المُرَاضَعَةُ، مصدر مَالح مُمالَحَةً، وسيأْتي ما يتعلّق به في الممالحة.

والمِلَاح: مُعَالَجَةُ حَيَاءِ النَّاقةِ إِذا اشتكَت، فتُؤْخَذ خِرْقَةٌ ويُطْلَى عليها دَوَاءٌ ثم تُلْصَق على الحَياءِ فيبرأُ، كذا في التهذيب.

والمِلَاحُ: المِيَاهُ المِلْح هكذا في النُّسخِ، وهو نصُّ عبارة التهذيب.

والمُلَاحِيّ كغُرَابِيّ، عن ابن سيده، وقد يشدَّد، حكاه أَبو حنيفة، وهي قليلة: عِنَبٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ؛ أَي في حَبّه طُولٌ، وهو من المُلْحَة.

وقد لاحَ في الصُّبْح الثُّريَّا كما تَرَى *** كعُنْقُودِ مُلّاحِيّةٍ حينَ نَوَّرَا

وقال أَبو حنيفَة إِنّمَا نُسِبَ إِلى المُلّاح وإِنما المُلّاح في الطّعم.

والمُلَاحِيُّ نَوْعٌ مِن التِّين صغَارٌ أَمْلَحُ صادِقُ الحَلاوةِ ويُزَبِّبُ والمُلَاحِيُّ مِنَ الأَرَاكِ: ما فيه بَياضٌ وحُمْرَةٌ وشُهْبَةٌ، قاله أَبو حنيفةَ، وأَنشدَ لمُزَاحمٍ العُقَيْليّ:

فمَا أُمُّ أَحْوَى الطُّرّتَين خَلالَهَا *** بِقُرَّى مُلَاحِيٌّ من المَرْدِ ناطِفُ

والمَلْحَة، بالفتح: لُجَّةُ البَحْرِ. و‌رُوِيَ عن ابن عبّاس أَنّه قال: قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم: «الصّادقُ يُعطَى ثلاثَ خِصَالٍ: المُلْحَة، وَالمهابَة، والمحبّة».

المُلْحَة بالضَّمِّ: المَهَابَةُ والبَرَكةُ. قال ابن سيده: أُراه من قولهم: تملَّحَت الإِبلُ سَمِنْت. فكأَنّه يريد الفَضْلَ والزِّيَادَةَ. ثم إِنَّ الذي في أُمّهَاتِ اللُّغة أَن المُلْحة هي البَرَكةُ، وأمَّا المَهَابة فهي من لَفْظِ الحديث كما عَرَفت، وليس بتفسير للمُلْحَةِ فتأَمّلْ.

ومن المجاز: أَطْرفْنَا بمُلْحَةٍ من مُلَحِك. المُلْحَة: واحِدَةُ المُلَحِ من الأَحادِيثِ، وهي الكَلِمة المَليحة وقيل: القَبيحة، وبهما فُسِّر قولُ عائشةَ رضي ‌الله‌ عنها: «رُدّوها عليّ، مُلْحَةٌ في النّارِ اغْسِلوا عنِّي أثَرها بالماءِ والسِّدْر».

قال الأَصمعيّ: بَلَغْتُ بالعِلْم ونِلْتُ بالمُلَح.

وأَبو عليّ إِسماعيل بنُ محمّد الصَّفّارُ النّحْوِيّ الأَديب المُلَحيّ راوي نسخةِ ابنِ عَرفَةَ، وأَبو حَفْضِ بنُ شاهينَ يعرف بابنِ المُلَحِيّ. قال الحافظ ابنُ حَجر: وأَشعَبُ الطّامِعُ أَيضًا يُعرَف بذلك، قال: وهؤُلاءِ نُسِبُوا إِلى رِوَايَةِ اللَّطَائِف والمُلَح.

ومن المجاز المُلْحَة من الأَلوَان بَيَاضٌ يَشوبُه؛ أَي يُخَالِطُه سَوَادٌ، كالمَلَح، مُحرّكَةً، تقول في الصِّفة: كَبْشٌ أَمْلَحُ بَيِّنُ المُلْحَةِ والمَلَحِ. وقال الأَصمعيّ: الأَملَحُ الأَبَلقُ بسَوَادٍ وبَيَاضٍ. وقال غيرُه: كلُّ شَعرٍ وصُوفٍ ونَحوه كان فيه بَياضٌ وسَوادٌ، فهو أَمْلَحُ.

وفي الحديث «أَنّ رَسُول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم أُتِيَ بكَبشَيْن أَملَحَيْنِ فذَبحَهما». وفي التهذيب «ضَحَّى بكَبشين أَمْلَحَيْنِ» ونَعْجَةٌ مَلْحَاءُ: شَمْطَاءُ سَودَاءُ تَنْفُذُهَا شَعرَةٌ بَيضاءُ. ووقال الكِسائيّ وأَبو زيد وغيرهما: الأَملحُ: الّذِي فيه بَياضٌ وسَوادٌ ويكون البَياضُ أَكثرَ.

وقد امْلَحَّ الكَبشُ امْلِحاحًا. صار أَمْلَحَ. ويقال كَبشٌ أَمْلَحُ، إِذا كان شَعرُه خَلِيسًا.

والمُلْحَة أَيضًا: أَشَدُّ الزَّرَقِ حتّى يَضْرِب إِلى البَيَاض، وقد مَلِحَ مَلَحًا وامْلَحّ امْلِحَاحًا وأَمْلَحَ. وقال الأَزهريّ: الزُّرْقَة إِذا اشتدّتْ حتَى تَضربَ إِلى البَياض قيل: هو أَمْلَحُ العَيْن.

ومِلْحَةُ، بالكَسْر: اسم رَجُل. ومِلْحَةُ الجَرْميّ شاعرٌ من شُعرائهم.

ومن المجاز: مِلْحَانُ، بالكسر اسمُ شَهرِ جُمادَى الآخِرَة، سُمِّيَ بذلك لابْيِضَاضِه. قال الكُميت:

إِذَا أَمسَت الآفاقُ حُمْرًا جُنُوبُها *** لشَيْبانَ أَو مِلْحَانَ واليومُ أَشْهَبُ

شَيْبَانُ: جُمَادَى الأُولىَ، وقيل كانُونُ الأَوّل ومِلْحَانُ: الكانُونُ الثَّاني، سُمِّيَ بذلك لبياضِ الثَّلجِ. ونقل الأَزهريُّ عن عَمْرِو بن أَبي عَمرٍو: شِيبَانُ، بكسر الشين. ومِلْحَانُ من الأَيّامِ إِذَا ابْيضَّت الأَرضُ من الصَّقِيع. وفي الصّحاح: يقال لبعض شُهور الشِّتَاءِ مِلْحان، لِبياضِ ثَلْجِه.

ومِلْحَانُ: مِخْلَافٌ باليَمَنِ مشهورٌ، يُضاف إِلى حُفَاشَ.

ومِلْحَانُ جَبَلٌ بدِيارِ سُلَيمٍ عبد الله بالحجاز. وقال ابن الحائك: مِلْحَانُ بنُ عَوْفِ بن مالكِ بن زيد بن سَدَدِ بن حِمْيَر، وإِليه يُنْسَب جَبَلُ مِلْحَانَ المُطِلُّ على تِهَامَةَ والمَهْجَمِ، واسمُ الجَبلِ رَيْشَانُ فيما أَحْسب. كذا في المعجم.

والمَلْحَاءُ: شَجَرَةٌ سَقَطَ وَرَقُها وبَقِيتْ عِيدَانُها خُضْرًا.

والمَلْحَاءُ من البَعير: الفِقَرُ الّتي عليها السَّنامُ، ويقال: هي ما بينَ السَّنَامِ إِلى العَجُزِ، وقيل لَحْمٌ في الصُّلْبِ مُستَبطِنٌ مِنَ الكاهِلِ إِلى العَجُزِ. قال العجّاج.

مَوصولةُ المَلْحَاءِ في مُستعظَمِ *** وكَفَلٍ من نَحْضِه مُلَكَّمِ

وقول الشَّاعر:

رَفَعُوا رَايةَ الضِّرَابِ ومَرُّوا *** لا يُبَالُون فارِسَ المَلْحَاءِ

يعني بفارِسِ الملحاءِ ما علَى السَّنَامِ من الشَّحْمِ. وفي التهذيبِ: الملحَاءُ بين الكاهلِ والعَجُزِ وهي من البَعير ما تَحْتَ السَّنَامِ والجَمع مَلْحاوَاتٌ.

ومن المجاز: أَقبَلَ فُلانٌ في كَتيبةٍ مَلْحَاءَ، المَلْحَاءُ: الكَتِيبَةُ البَيْضَاءُ العَظِيمَةُ، قال حسّان بن رَبِيعَةَ الطائيّ:

وأَنَّا نَضْرِبُ المَلْحَاءَ حَتَّى *** تُولِّيَ والسُّيُوفُ لَنَا شُهُودُ

والمَلْحَاءُ: كَتِيبَةٌ كَانَتْ لآلِ المُنْذِرِ من مُلُوك الشامِ، وهما كَتيبتانِ، إِحداهما هذه، والثانية الشَّهْبَاءُ. قال عَمرُو بن شأْسٍ الأَسديّ:

يُفلِّقْن رَأْسَ الكَوكَبِ الضَّخْمِ بعد ما *** تَدُورُ رَحَى المَلْحَاءِ في الأمر ذي البَزْلِ

ومَلْحاءُ: وَادٍ باليَمَامَةِ من أَعظم أَوْدِيَتها. وقال الحَفْصيّ. وهو من قُرَى الخَرْج بها. كذَا في المعجم.

ومن المجاز فُلانٌ مِلْحُه عَلَى رُكْبَتِهِ، هكذا بالإِفرادِ في النُّسخ، والصّواب «على رُكْبَتَيْه» بالتثنية كما في أُمّهاتِ اللُّغَة كلِّهَا. واختَلف في تفسيره على أَقوالٍ ثلاثةٍ، أَيْ لا وَفَاءَ له، وهو القول الأَوّل. قال مِسكِينٌ الدَّارميّ:

لا تلُمْهَا إِنّها مِن نِسْوَةٍ *** مِلْحُها موضوعةٌ فوقَ الرُّكَبْ

قال ابن الأَعرابيّ: هذه قليلةُ الوفاءِ. قال: والعرب تَحلِف بالمِلْح والماءِ تعظيمًا لهما. وفي التهذيب في معنَى المثل: أَي مُضيِّعٌ لحقِّ الرَّضاعِ غير حافِظٍ له، فأَدْنَى شي‌ءٍ ينْسِيه ذِمَامه، كما أَنّ الذي يَضَع المِلْحَ على رُكبتَيه أَدْنَى شي‌ءٍ يُبدِّده. أَو سَمينٌ. وهو القول الثاني، قال الأَصمعيّ في معنَى البيتِ السابق: هذه زنْجيّه، والْمِلْح شَحْمُهَا هاهُنا، وسِمَنُ الزّنْج في أَفخاذها. وقال شَمِرٌ: الشّحم يُسمَّى مِلْحًا. أَو حَدِيدٌ في غَضَبِه، وهو القول الثالث. وقال الأَزهريّ: أَي سَيِّئ الخُلُقِ يَغضَب من أَدنَى شَيْ‌ءٍ كما أَنّ المِلْحَ عَلَى الرُّكْبَة يَتَبَدّد من أَدنى شيْ‌ءٍ. وفي الأَساس: أي كثير الخِصَام، كأَنّ طُولَ مُجاثاتِه ومُصاكَّته الرُّكَبَ قَرَّحَ رُكبتَيه، فهو يَضَعُ المِلْحَ عليهما يُدَاوِيهما.

وفي المحكم: سَمَكٌ مالحٌ ومَليحٌ ومَمْلُوحٌ ومُمَلَّحٌ وكره بعضهم مَلِيحًا ومالحًا، ولم يَر بَيتَ عُذَافرٍ حُجّةً، وقد تقدّم.

وقَليبٌ مَليحٌ: ماؤُه مِلْحٌ. وأَقلِبَةٌ مِلَاحٌ، قال عَنترةُ يَصف جُعَلًا:

كأَنَّ مُؤَشَّرَ العَضُدَين حَجْلًا *** هَدُوجًا بينَ أَقْلِبَةٍ مِلَاحَ

واسْتَمْلَحَهُ، إِذا عَدَّهُ مَلِيحًا ويقال وَجدَه مليحًا.

وذَاتُ المِلْح: موضع قال الأَخطل:

بِمُرْتَجِزٍ دَانِي الرَّبَابِ كأَنّه *** عَلى ذَات مِلْح مُقْسِمٌ ما يَرِيمُها

وقَصْرُ المِلْح مَوضع آخَرُ قُرْبَ خُوَارِ الرَّيّ، على فراسِخَ يِسيَرةٍ، والعجم يُسمُّونه دِه نَمك.

ومُلَيْحٌ، كزُبَيرٍ: قَريةٌ بِهَرَاةَ، منها أَبو عُمَرَ الواحِد بنُ أَحمدَ بنِ أَبي القاسمِ الهَرَوِيّ، حَدّثَ عن أَبي منصورٍ مُحمّدٍ بنِ محمدِ بنِ سِمعانَ النَّيسابوريّ وغيره.

وبَنو مُلَيح: حَيٌّ مِنْ خُزَاعَةَ، وهم بنو مُلَيح بن عَمْرِو بنِ ربِيعَةَ، وعَمْرٌو هو جُمّاع خُزَاعَة.

وأُمَيْلِحُ: ماءٌ لبني رَبِيعَةِ الجُوعِ وهو رَبِيعَةُ بنُ مالِكِ بنِ زَيدِ مَناةَ. و: موضع في بلادِ هُذَيْل كانت به وَقعةٌ. قال المتنخِّل:

لا يَنْسَإِ الله مِنَّا مَعْشَرًا شَهِدُوا *** يَوْمَ الأُميلِحِ لا غابُوا ولا جَرَحُوا

والمَلُّوحَةُ كسَفُّودَةَ: قرية بحَلَبَ كَبِيرَةٌ، كذا في المعجم.

ومُليْحَةَ، كجُهَيْنَةَ: موضع في بلاد بني تَميم، وكان به يوْمٌ بين بني يَرْبوع وبِسْطَام بن قَيسٍ الشَّيْبَانيّ. واسمُ جبَل في غَرْبِيّ سَلْمَى أَحَدِ جَبَلَيْ طَيِّئٍ، وبه آبارٌ كثيرةٌ وطَلْخ.

ومن المجاز يقال: بينهما مِلْحٌ ومِلْحَةٌ، بكسرهما؛ أَي حُرْمَةٌ وذِمَامٌ وحِلْفٌ، بِكَسْر فسكون. وفي بعض النُّسخ بفتح فكسر مضبوطًا بالقلَم. والعرب تَحِلف بالمِلْح والماءِ نعظيمًا لهما، وقد تقدّم.

ومنه أَيضًا امتَلحَ الرّجُلُ، إِذا خَلَطَ كَذِبًا بحقٍّ، كارْتَثَأَ.

قاله أَبو الهيثم، وقالوا إِنّ فلانًا يَمتَذِق، إِذا كانَ كَذوبًا، ويَمْتَلِح، إِذا كان لا يُخْلِص الصّدقَ.

والأَمْلَاحُ، بالفتح: موضع، قال طَرَفَةُ بنُ العَبد:

عَفَا مِن آلِ لَيْلَى السَّهْ *** بُ فالأَمْلَاحُ فالغَمْرُ

وقال أَبو ذؤَيب:

أَصْبَحَ مِن أُمِّ عَمْرٍو بَطْنُ مَرٍّ فأَج *** زاعُ الرَّجِيع فَذُو سِدْرٍ فأَمْلاحُ

ومَلّحَ الشّاعِرُ إِذا أَتَى بشَيْ‌ءٍ مَليح، وقال اللَّيْث أَملَح: جاءَ بكلمةٍ مَليحةٍ.

ومَلّحَ الجَزُورُ فهي مُملِّح: سَمِنَتْ قَلِيلًا، وقال ابن الأَعرابيّ. جَزورٌ مُملِّح: فيها بقيّة من سِمَن.

وفي التهذيب: يُقَال: ما أُمَيْلِحَهُ فصَغَّروا الفِعْلَ وهم يريدون الصِّفة حتىّ كَأَنَّهُم قَالُوا مُلَيْح، ولم يُصَغَّرْ من الفِعْلِ غيرُه وغيرُ قولهم ما أُحَيْسِنَهُ وقال بعضهم: وما أُحَيْلاه. قال شيخُنَا: وهو مبنيٌّ على مذهَب البصريّين الّذين يَجزِمُون بفِعلِيّة أَفعَل في التّعجُّب. أَمَّا الكوفيّون الذين يَقولون باسميَّته فإِنّهم يُجوِّزُون تَصْغيرَه مطلقًا، ويَقيسون ما لم يَرِدْ على ما وَرد، ويِستدلُّون بالتصغير على الاسميَّة، على ما بُيِّن في العربيّة. قال الشاعر:

يا ما أُميلِحَ غِزْلانًا عَطَوْنَ لَنا *** مِنْ هؤُلَيَّاءِ بَيْنَ الضّالِ والسَّمُرِ

البيت لعلِيّ بن أَحمدَ الغَرِيبيّ وهو حَضَرِيّ ويقال اسمه الحسين بن عبد الرحمن، ويُروَى للمجنون، وقبله:

بِاللهِ يا ظَبَياتِ القَاعِ قُلْن لنا *** لَيْلايَ مِنكنَّ أَم لَيلَى من البَشَر

ومن المجاز: مالَحْت فُلانًا مُمالَحة المُمَالَحةُ، المُوَاكَلَةُ. وفلانٌ يحفظ حُرمَةَ المُمَالَحة، وهي الرَّضَاعُ.

وفي الأُمّهات اللُّغوِية: المُراضَعَةُ. قال ابن بَرَّيّ: قال أَبو القاسم الزّجّاجيّ لا يَصحُّ أَن يقال تَمالَحَ الرَّجلانِ، إِذا رَضَعَ كلُّ واحدٍ منهما صاحِبَه، هذا محالٌ لا يكون، وإِنّمَا المِلْح رَضاعُ الصَّبِيِّ المرأَةَ، وهذا ما لا تَصحُّ فيه المُفَاعلةُ، فالمُمالحة لفظةٌ مُوَلَّدَةٌ وليستْ من كلام العرب. قال: ولا يَصحُّ أن يكون بمعنَى المُوَاكَلة ويكون مأْخوذًا من المِلْح، لأَنَّ الطعَّامَ لا يَخْلُو من المِلْح. ووَجْهُ فسادِ هذَا القَولِ أَنَّ المُفاعَلَةَ إِنما تكون مأْخُوذَةً من مصدرٍ، مثل المُضَارَبَة والمُقاتلة، ولا تكون مأْخُوذَةً من الأَسماءِ غير المصادِرِ. أَلَا تَرَى أَنَّه لا يَحْسُن أَن يقُال في الاثنَين إِذا أَكلا خُبزًا: بينهما مُخَابَزة، ولا إِذا أَكلَا لَحمًا: بينهما مُلاحَمة.

ومِلْحتانِ، بالكسر، تَثنيَة مِلْحةَ، مِنْ أَوْدِيَةِ القَبَلِيَّة، عن جار الله الزَّمخشريّ عن عُلَيٍّ. كذا في المعجم* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ من هذه المادة: مَلَحَ الجِلْدَ واللَّحْمَ يَمْلَحه مَلْحًا فهو مَملوحٌ، أَنشد ابنُ الأعرابيّ:

تُشْلِي الرَّمُوحَ وَهِيَ الرَّموحُ *** حَرْفٌ كأَنَّ غُبْرَها مملُوحُ

وقال أَبو ذُؤَيب:

يَسْتنُّ في عُرُضِ الصَّحراءِ فائِرُهُ *** كأَنّه سَبِطُ الأَهْدابِ مَملوحُ

يَعنِي البحرَ، شَبَّه السَّرَابَ به.

وأَملَحَ الإِبلَ: سَقاها ماءً مُلْحًا. وأَملِحْنِي بنَفْسك: زيِّنِّي. وفي التهذيب: سأَل رَجلٌ آخَرَ فقال: أُحِبُّ أَن تُمْلِحَني عند فُلان بنَفْسِك؛ أَي تُزيِّنَني وتُطْرِيَني. وقال أَبو ذُبيانَ بنُ الرَّعْبَل: أَبغَضُ الشُّيوخِ إِليّ الأَقَلحُ الأَمْلَحُ الحَسُوّ الفَسُوّ. كذا في الصّحاح.

وفي حديث خَبّابٍ «لكنّ حَمزةَ لم يَكن له إِلّا نَمِرَةٌ مَلْحاءُ»؛ أَي بُرْدَة فيها خطوطٌ سُودٌ وبِيضٌ.

ومنه حديث عُبَيْد بن خالدٍ: خَرَجْتُ في بُردَين وأَنا مُسبِلُهما، فالتفتُّ فإِذا رسولُ الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم، فقلت: إِنّما هي مَلْحَاءُ. قال: وإِنْ كانت مَلْحَاءَ، أَما لَكَ فيَّ أُسْوَةٌ».

والمُلْحَة والمَلَحُ في جَميع شَعرِ الجَسَد من الإِنسان وكلِّ شيْ‌ءٍ: بَياضٌ يَعلو السَّوَادَ.

وقال الفرّاءُ: المليحُ: الحَليم والرّاسِب.

ومن المجاز يقال: أَصَبْنا مُلْحَةً من الرّبيع؛ أَي شيئًا يَسِيرًا منه. وأصابَ المالُ مُلْحَةً من الرَّبِيع: لم يَستَمْكِنْ منه فنَالَ منه شَيْئًا يَسِيرًا.

والمِلْحُ: اللَّبَنُ، عن ابن الأعرابيّ، وذكره ابن السيِّدْ في المثلّث. والمِلْح: البَرَكَة، يقال: لا يُبَارِك الله فيه ولا يُملِّح، قاله ابن الأَنبارِيّ. وقال ابنُ بُزُرج: مَلَحَ الله فيه فهو مملوحٌ فيه؛ أَي مُبَارَكٌ له في عَيشه ومالِه.

والمُلْحَة، بالضّمّ، موضع، كذا في المعجم.

وفي الحديث «لا تُحَرِّم المَلْحَةُ والمَلْحَتَانِ» أي الرَّضْعَة والرَّضعتَان، فأَمّا بالجيم فهو المَصّة، وقد تقدّمت ومَلِيح، كأَميرٍ: ماءٌ باليَمَامَةِ لبني التَّيْمِ، عن أَبي حَفصةَ، كذا في المعجم.

ومَلَّحَ الماشيةَ تَمليحًا: حَكَّ المِلْحَ على حَنَكِها.

والأَملَحانِ: مَوضعٌ. قال جَرير:

كأَنَّ سَلِيطًا في جَوَاشِنها الحَصَى *** إِذَا حَلَّ بين الأَملَحَينِ وَقِيرُها

وفي معجم أَبي عُبيد: الأَملَحانِ: ماءَانِ لضَبّةَ بلُغَاط، ولُغَاط وادٍ لضَبّةَ. والمَمَالح: في دِيار كَلْبٍ، فيها رَوْضَةٌ، كذا في المعجم.

ويقال للنَّدَى الّذِي يَسقُط باللَّيلِ على البَقْلِ أَمْلَحُ، لبَياضِه. قال الرّاعي يصف إِبلًا.

أَقَامَتْ به حَدَّ الرّبيعِ وجَارُهَا *** أَخو سَلْوَةٍ مَسَّى به اللَّيْلُ أَملَحُ

يعنِي النَّدَى. يقول: أَقامَت بذلك المَوضِع أَيَامَ الرَّبِيعِ، فما دامَ النَّدَى فهو في سَلْوةٍ من العَيْش.

والمِمْلاحُ: قَريةٌ بزَبِيدَ، إِليها نُسِب القاضي أَبو بكرِ بنُ عُمَر بنِ عثمانَ النّاشريّ قاضي الجَنَدِ، توفّيَ بها سنة 760.

ومن المجاز: له حَركاتٌ مُستملَحَة. وفُلانٌ يَتظَرّف ويَتَمَلَّح.

ومَلِيحُ بن الجَرَّاح أَخو وَكِيعٍ.

وحَرَامُ بنُ مَلْحَانَ، بالفتح والكسر: خالُ أَنسِ بن مالكٍ.

وفي أَمثالهم: «مُمَالِحَانِ يَشْحَذَانِ المُنْصُل» للمتصاقِيَيْنِ المُتضادَّين باطِنًا، أورده الميدانيّ.

والمِلْح: اسمُ ماءٍ لبني فَزارةَ، استدركه شَيخُنا نقلًا عن أَبي جعفر اللّبْليّ في شرح الفصيح، وأَنشد للنَّابغة:

حتَّى استغاثَتْ بأَهْلِ المِلْح ما طَعِمتْ *** في مَنزلٍ طَعْمَ نَوْمٍ غيرَ تَأْوِيبِ

قلت: وفي المعجم: المِلْحُ موضعٌ بخُراسانَ.

والمَلَاح، ككِتاب: مَوضع، قال الشُّوَيعرُ الكِنَانِيّ:

فسائلْ جعْفَرًا وبني أَبيها *** بَنى البَزَرَى بِطِخْفَةَ والمِلَاحِ

وأَبو الحسن عليّ بن محمّد البغداديّ الشاعر المِلْحيّ، بالكَسْر، إِلى بَيع المِلْحِ، رَوى عنه أَبو محمّد الجوهريّ.

والمِلْحِيّة، بالكسر: قَرْيَةٌ بأَدْنَى الصَّعيد من مصر، ذاتُ نَخيل، وقد رأَيتُها.

والمِلْحِيّة: قومٌ خَرجوا على المستنصِر العَلوِيّ صاحب مصر، ولهم قِصّة.

ومُلَيحُ بن الهُون: بَطنٌ.

ويُوسف بن الحسن بن مُلَيحٍ، حَدّثَ. وإِبراهيم بن مُلَيْح السُّلَمِيّ، له ذِكْر. وفاطمة بنْت نَعْجةَ بن مُلَيْح الخُزَاعِيّة هي أُمُّ سعيدِ بن زيدٍ أَحدِ العَشرَة. ومُلَيْح بن طَرِيفٍ شاعر.

ومسعود بن رَبِيعَة المُلَحيّ الصَحابيّ نُسِبَ إِلى بني مُلَيْح بن الهُوِن.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


25-تاج العروس (جرد)

[جرد]: الجَرَدُ، محرّكَةً: فَضَاءٌ لا نباتَ فيه. قال أَبو ذُؤَيب يَصف حِمارًا وأَنّه يأْتِي الماءَ ويَشرَبُ لَيْلًا:

يَقْضِي لُبَانتَه باللَّيْل ثُمَّ إِذَا *** أَضْحَى تَيَمَّمَ حَزْمًا حَوْلَه جَرَدُ

ومن المَجاز مَكَانٌ جَرْدٌ، تَسمية بالمصدر، وأَجْرَدُ وجَرِدٌ، ككتِفٍ: لا نَباتَ به. جَرِدَ الفَضَاءُ كفَرِحَ جَرَدًا.

وأَرْضٌ جَرْدَاءُ وجَرِدَةٌ، كفَرحَة كذلك. وقد جَرِدَت جَرَدًا.

وجمْع الأَجْردِ الأَجارِدُ، وقد جاءَ ذِكْره في الحديث. وقد جَرَدَهَا القَحْطُ جَرْدًا، هكذا ضبطَ في سائر النُّسخ، والصواب جَرّدَها تجريدًا، كما في اللِّسان وغيره.

وسَنَةٌ جَارُودٌ: مُقْحِطة شديدةُ المَحْلِ، كأَنَّهَا تُهلِك النّاسَ، وهو مَجَازٌ. وكذلك الجارودَة.

وجَرَدَه؛ أَي الشيْ‌ءَ يَجرُدُه جَرْدًا وجَرَّدَه تَجريدًا: قَشَرَه.

قال:

كأَنّ فَدَاءَها إِذْ جَرَّدُوهُ *** وطَافُوا حَولَهُ سُلَكٌ يَتيمُ

ويروى «حَرَّدوه»، بالحاءِ المهملة وسيأْتي.

وجَرَدَ الجِلْدَ يَجْرُدُه جَرْدًا: نَزَعَ عنه شَعرَه، وكذلك جَرَّده تَجريدًا. قال طَرفةُ:

كسِبْتِ اليَمَانِي شَعْرُه لم يُجَرَّدِ

وجَرَدَ القَومَ يَجْرُدهم جَرْدًا سأَلَهُم فَمَنعُوه، أَو أَعْطَوْه كارِهينَ. وجَرَدَ زَيْدًا من ثَوْبهِ: عَرَّاه، كجَرّده تجريدا.

وحكَى الفارسيّ عن ثعلب: جَرَّده من ثَوبه وجَرّده إِيّاه، فتجَرَّدَ وانْجَرَدَ؛ أَي تَعَرَّى. قال سيبويه: انجَرَدَ ليست للمطاوَعة إِنَّمَا هي كفَعَلْتُ.

وجَرَدَ القُطْنَ: حَلَجَه، نقله الصاغانيّ.

ومن المجاز ثَوْبٌ جَرْدٌ؛ أَي خَلَقٌ قد سقَط زِئْبِرُه، وقيل هو الذي بين الجَدِيد والخَلَق.

ومن المَجاز: رَجُلٌ أَجْرَدُ: لا شَعرَ عليه؛ أَي على جَسَدِهِ.

وفي صِفته صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم أَنه: «أَجْرَدُ ذُو مَسْرَبُة» قال ابن الأَثير: الأَجرَدُ الّذي ليس على بَدَنِه شَعرٌ، ولم يكن صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم كذلك وإِنَّمَا أَراد به أَنَّ الشَّعرَ كان في أَماكنَ من بَدَنِه كالمَسْرَبُة والسَّاعدينِ والسَّاقَيْن، فإِنَّ ضِدَّ الأَجردِ الأَشعرُ، وهو الّذي على جميع بَدَنِه شَعرٌ.

وفي حديث صِفة أَهل الجَنّة «جُرْدٌ مُرْدٌ متكَحِّلون».

ومن المَجاز: فَرَسٌ أَجْرَدُ وكذلك غَيره من الدّوابّ: قَصيرُ الشَّعَرِ، وزاد بعضُهم: رَقِيقُه. وقد جَرِدَ، كفَرِحَ، وانجَرَدَ. وذلك من علاماتِ العِتْق والكرَمِ. وقَولهم أَجْرَدُ القوائِمِ، إِنَّمَا يُريدونَ أَجْرَدَ شَعرِ القوائمِ، قال:

كأَنّ قُتُودي والقِيانُ هَوَتْ به *** من الحَقْبِ جَرداءُ اليَديْن وَثِيقُ

وتَجرَّدَ الفَرسُ وانجَردَ: تَقدَّمَ الحَلْبةَ فخرَجَ منها، ولذلك قيل: نَضَا الفَرسُ الخَيْلَ، إِذا تقدّمَها، كأَنَّه أَلقاها عن نَفْسِه كما يَنضُو الإِنسانُ ثَوْبَهُ عنه.

والأَجْرَدُ: السَّبَّاقُ؛ أَي الّذي يَسبِق الخَيلَ ويَنجردُ عنها لسُرْعَته، عن ابن جنّي، وهو مَجاز.

ومن المَجَاز أَيضًا جرَدَ السَّيْفَ من غَمده كنَصَرَ، وجَرّده تجريدًا: سَلَّه. وسَيْفٌ مُجَرَّد: عُريانُ. وجرَّدَ الكِتَابَ والمُصحفَ تَجريدًا: لم يَضْبِطْه؛ أَي عَرّاه من الضَّبط والزِّيادات والفَواتِح. ومنه‌قَولُ عبدِ الله بن مسعودٍ وقد قرأَ عنده رَجلٌ فقال: أَستعيذ بالله من الشَّيطان الرجيم، فقال: «جَرِّدُوا القُرْآنَ ليَرْبُوَ فيه صَغِيرُكم، ولا يَنأَى عنه كَبيرُكُم ولا تُلْبِسُوا به شيئًا ليسَ منه» وكان إِبراهِيم يقول: أَراد بقوله جَرِّدُوا القرآنَ من النّقْط والإِعراب والتعجيم وما أَشبهَها.

وقال أبو عبيد أَراد لا تَقْرِنُوا به شيئًا من الأَحاديث الّتي يَرْويها أَهلُ الكِتَاب، ليكون وحدَه مُفردًا.

وعن ابن شُميل: جَرَّدَ فُلانٌ الحَجَّ تَجريدًا، إِذا أَفْردَه ولم يَقْرِنْ، وكذا تَجَرَّدَ بالحَجّ. قال السُّيُوطي: لم يَحْكِ ابنُ الجَوزيّ والزَّمخشريّ سواه كما نقله شيخنا.

وجَرَّدَ الرَّجلُ تجرِيدًا: لَبِسَ الجُرُودَ، بالضّمّ، اسمٌ للخُلْقَانِ من الثِّياب، يقال: أَثوابٌ جُرُودٌ. قال كُثَيّر عزَّةَ:

فلا تَبْعَدَنْ تَحتَ الضَّرِيحةِ أَعْظُمٌ *** رَمِيمٌ وأَثْوابٌ هُناك جُرُودُ

والتَجَرُّد التَّعَرِّي. ويقال امرأَةٌ بضَّةُ الجُرْدَة، بضمّ الجيم، والمُجرَّدِ، كمعظَّم والمُتجَّرِدِ، بفتح الراء المشدّدة وكسرها، والفتح أَكثرُ؛ أَي بَضّةٌ عند التّجرُّد. وفي صفته صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم «أَنّه كان أَنْوَرَ المتَجَرَّدِ» أَي ما جُرِّدَ عنه الثِّيابُ من جَسَده وكُشِفَ، يريد أَنّه كان مُشْرِقَ الجَسَدِ. والمُتَجرَّدُ على هذا مَصدرٌ. ومثْل هذا رَجُلُ حَرْبٍ أَي عند الحَرْب، فإِنْ كَسَرْتَ الرّاءَ أَردْتَ الجِسْمَ. وفي التّهذيب: امرأَة بَضّةُ المُتجرَّدِ، إِذا كانَت بَضّةَ البَشَرَةِ إِذَا جُرِّدَت من ثَوبِها.

وتَجَرَّد العَصِيرُ: سَكَنَ غَلَيَانُه. وتَجردَّتِ السُّنْبُلَةُ وانْجَرَدَتْ: خَرَجَتْ من لَفَائِفِها، وكذلك النَّوْرُ عن كِمَامه.

ومن المَجاز: تجرّدَ زيدٌ لأَمْره، إِذا جَدَّ فيه، ومنه تَجَرَّدَ للعِبادة. وجَرَّدَ للقِيَام بكذا. وكذلك تجرَّدَ في سَيْرِه وانجَردَ، وكذلك قالوا: شَمَّرَ في سَيرهِ.

وتَجرَّدَ بالحَجّ: تَشَبّهَ بالحاجّ، مأْخُوذٌ ذلك من حديث عُمَرَ «تجرَّدُوا بالحجّ وإِنْ لم تُحْرِموا».

قال إِسحاق بن منصور: قلْت لأَحمدَ: ما قَوْلُه تَجرَّدوا بالحَجّ؟ قال: تَشبَّهُوا بالحاجّ وإِن لم تكونوا حُجّاجًا.

ومن المَجاز خَمْرٌ جَرْدَاءُ: صافِيَةٌ، منجرِدَةٌ عن خُثاراتِها وأَثفَالِهَا، عن أَبِي حنيفةَ. وأَنشد للطِّرِمّاح:

فلمّا فُتَّ عنها الطِّينُ فاحَتْ *** وصَرَّحَ أَجْرَدُ الحَجَرَاتِ صَافِي

وانْجَرَدَ بِه السَّيْلُ، هكذا باللّام في سائِر النُّسخ، والصَّواب على ما في الأَساس واللّسَان وغيرهما من كُتب الغريب: انجَرَدَ به السَّيْر: امْتَدَّ وطالَ من غير لَيٍّ على شَي‌ءٍ. وقالُوا: إِذا جَدَّ الرَّجُلُ في سَيْرِه فمضَى يقال: انجَرَدَ فذَهَبَ، وإِذا جدَّ في القِيام بأَمْرٍ قيل: تَجرَّد.

وانجَرَدَ الثَّوْبُ: انسَحَق ولأنَ كجرَدَ.

وفي حديث أَبي بكرٍ «ليسَ عِندَنَا من مالِ المُسْلِمين إِلّا جَرْدُ هذه القَطيفةِ» أَي الّتي انجَردَ خَمْلُهَا وخَلَقَتْ.

والجَرْدُ، بفتح فسكون: الفَرْجُ، للذّكر والأُنثَى. وفي بعضِ النُّسخ «الفرخ»، بالخَاءِ المعجمة، وهو تحريف والذَّكَر. قال شيخُنا: من عطْف الخاصّ على العامّ والجَرْد: التُّرْسُ، والبَقِيَّةُ مِنَ المال.

وفي التَّهذيب: قال الرّياشيّ: أَنشدني الأَصمعيُّ في النون مع الميم:

أَلَا لَها الوَيْلُ علَى مُبِينِ *** علَى مُبِينِ جَرَدِ القَصِيمِ

الجَرَد، بالتَّحْرِيك: د، هكذا في سائر النُّسخ. وفي الصّحاح: اسم مَوضعٍ ببلادِ تَمِيمٍ، والقَصِيمُ نَبْتٌ، وقيل مَوضعٌ بعَينه مَعروف في الرِّمال المتَّصلة بجِبالِ الدَّهْنَاءِ.

والجَرَدُ، محرّكَةً: عَيْبٌ، م؛ أَي معروف في الدَّوَابِّ، أَو هو بالذَّال المعجمة، وقد حكى ذلك. والفِعل منه جَرِدَ جَرَدًا. قال ابن شُميل: الجَرَدُ: وَرَمٌ في مُؤَخَّر عُرْقُوبِ الفَرَسِ يَعْظُم حتّى يَمنَعَهُ المَشْيَ والسَّعْيَ. وقال أَبو منصور: ولم أَسمعْه لغيره، وهو ثِقَةٌ مأْمونٌ.

والجَارُودُ: المشئومُ، بالهمزة، وفي بعض النّسخ «المشتوم» من الشَّتْم. وهو مَجَاز، كأَنّه يَجْرُد الخَيْرَ لشُؤْمه.

وفي اللِّسان: الجَرْدُ أَخْذُكَ الشيْ‌ءَ عن الشَّيْ‌ءِ حَرْقًا وسَحْقًا، ولذلك سُمِّيَ المشئومُ جارودًا. والجارُودُ لَقَبُ بِشْرِ بن عَمرو بن حَنَشِ بن المُعَلَّى، من بني عبد القيس العَبْديِّ الصحابيّ رضي ‌الله‌ عنه، كُنْيته أَبو المُنْذر، وقيل أَبو غِياث وهو أَصحُّ، وضبطَه عبد الغَنيّ، أَبو عتّابٍ، وذكرهما أَبو أَحمدَ الحَاكم، له حديث، وقُتِلَ بفارِسَ، في عقَبَةِ الطِّينِ سنةَ إِحدى وعِشرِين، وقيل بنَهاوَنْدَ مع النُّعْمَانِ بن المُقرِّن، سُمِّيَ به لأَنَّه فَرَّ بإِبلِهِ الجُرْدِ؛ أَي الّتي أَصابَهَا الجَرَدُ إِلى أَخوالِهِ من بني شَيبانَ ففَشَا ذلك الدَّاءُ في إِبلِهِمْ فأَهْلَكَهَا. وفيه يقول الشاعر:

لقَدْ جَرَدَ الجارُودُ بَكْرَ بنَ وَائِلِ

ومعناهُ شُئِمَ عليهم، وقيل: استأْصل ما عندَهم.

والجَارُودِيَّة: فِرْقةٌ من الزَّيْديَّة من الشِّيعَة نُسِبَتْ إِلى أَبي الجارودِ زيادِ بن أَبي زِيادٍ، وفي بعض النُّسخ «ابن أَبي زِياد».

وأَبو الجارود هو الّذي سمَّاه الإِمَامُ الباقرُ سُرحُوبًا وفَسَّره بأَنّه شيطانٌ يَسكْن البَحْرَ.

مِن مَذهَبِهِم النصُّ من النّبيِّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم على إِمامة عليٍّ وأَولاده، وأَنَّه وَصَفَهم وإِنْ لم يُسمِّهم، وأَنَّ الصحابَةَ رضي ‌الله‌ عنهم وحَماهم كَفَروا بمخالَفَتِه وتَرْكِهم الاقتداءَ بعليٍّ رضي ‌الله‌ عنه بعد النّبيّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم. والإِمامةُ بعد الحَسن والحُسين شُورَى في أَولادهما، فمَنْ خَرَجَ منهم بالسَّيْف وهو عالمٌ شُجاعٌ فهو إِمامُ. نقله شيخُنَا في شرْحه.

ومن المَجاز: ضرَبَهُ بجريدةٍ. الجَريدَةُ هي سَعَفةٌ طَوِيلَةٌ رَطْبَةٌ، قال الفارسيّ: أَو يابِسَة وقيل الجَريدةُ للنّخلة كالقَصِيب للشَّجرة، أَو الجَريدةُ هي التي تُقَشَّرُ من خُوصِها كما يُقَشَّر القَضيبُ من وَرَقِه، والجمعُ جَرِيدٌ وجرائدُ، وقيل هي السَّعَفَة ما كانتْ، بلُغةِ أَهْل الحِجاز. وفي الصّحاح: الجَريد: الذي يُجْرَد عنه الخُوصُ، ولا يُسمَّى جَريدًا ما دَامَ عليه الخُوصُ وإِنَّمَا يُسَمَّى سَعَفًا.

ومن المَجاز: الجَرِيدَة: خَيلٌ لا رَجَّالَةَ فيها ولا سُقّاط.

ويقال: نَدَبَ القائدُ جَرِيدَةً من الخَيل، إِذا لم يُنْهِضْ معهم راجلًا. قال ذو الرُّمَّة يَصفُ عَيْرًا:

يُقَلِّب بالصَّمَّانِ قُودًا جَرِيدةً *** تَرَامَى بهِ قِيعَانُه وأَخَاشِبُهْ

ويقال جَريدةٌ من الخَيْل للجَماعةِ جُردَت من سائرها لوَجْهٍ، كالجُرِد بالضّمّ.

والجَريدة: البَقيَّةُ من المال.

ومن المَجاز «أَشأَمُ من جَرَادَةَ» الجَرَادَةُ امرأَةٌ، وهي قَيْنَةٌ كانت بمكّةَ، ذكَرُوا أَنها غَنَّتْ رِجالًا بعَثَهُم عادٌ إِلى البَيت يَستسقون، فأَلْهتْهم عن ذلك، وإِيّاهَا عنَى ابنُ مُقْبِلٍ بقوله:

سِحْرًا كما سَحَرتْ جَرَادَةُ شَرْبَها *** بغُرُورِ أَيّامٍ ولَهْوِ لَيالِي

والجَرَادَةُ: اسمُ فَرس عَبدِ الله بنِ شُرَحْبِيلَ، سُمِّيَت بواحِدِ الجَرَادِ، على التشبيه لها بها، كما سمّاهَا بعضهم خَيْفَانَة. والجَرَادَة أَيضًا فَرسٌ لأَبِي قَتَادَةَ الحَارِثِ بن رِبْعِيِ السُّلَميّ الصّحابِيّ، تُوفِّيَ، سنة أَربع وخمسين. وفرسٌ آخَرُ لسَلَامةَ بن نَهَارِ بن أَبي الأَسْود بن حُمْرَانَ بن عَمْرو بن الحارث بن سَدوس. وآخَرُ لعَامرِ بن الطُّفَيْل سيِّد بني عامر في الجاهلّية، وأَخَذَها بعْدُ سَرْحُ بنُ مالكٍ الأَرَجِيّ كما نقلَه الصاغانيّ، كلُّ ذلك على التَّشبيه.

وجَرَادَةُ العَيَّارِ: فَرَسٌ، وأَنكرَه بعضُهم. وقال في قول ابن أَدهمَ النّعاميّ الكَلبيّ:

ولقدْ لَقيِت فَوَارسًا من رَهْطِنا *** غَنَظَوك غَنْظَ جَرَادَةِ العَيّارِ

ما ذكَره المصنّف، وهو قوله: أَو العَيّارُ اسمُ رَجلٍ أَثْرَم أَخَذَ جَرادةً ليأْكلَها فخَرَجَتْ من مَوضِعِ الثَّرَمِ بَعدَ مُكابَدَةِ العَنَاءِ فصار مَثلًا قال الصّاغانيّ: وهو الصّواب.

وفي قِصّة أَبي رِغالٍ: فغَنَّتْه الجَرَادَتانِ، وهما مُغنِّيتَانِ كانتا بمكّة في الجاهليّة مشهورتان بحُسْن الصَّوتِ والغنَاءِ، أَو أَنّهما كانتا للنُّعْمَانِ بن المُنْذر.

ومن المَجاز: يَومٌ جَريدٌ وأَجْردُ؛ أَي تامٌّ، وكذلك الشَّهر، عن ثعلب. وفي الأَساس: ويقال مَضَى عليه عامٌ أَجْرَدُ وجَرِيدٌ، وسنة جَردَاءُ كاملة متجرِّدة من النّقص.

والمجرَّدُ كمعظَّم والجُرْدانُ بالضّمّ، والأَجْرَدُ: قَضِيبُ ذَواتِ الحافِر، أَو هو عامٌّ، وقيل هو في الإِنسان أَصْلٌ وفيما سواهُ مُستعارٌ. الجمع: أَي جمْع الجُردَانِ جَرَادينُ.

ومن المَجاز: ما رَأَيْتُه مُذْ أَجْردَانِ وجَرِيدَانِ ومُذْ أَبْيضانِ، يريد يَوْمَينِ أَو شَهْرينِ تامَّيْن.

والجَرَّاد، ككَتّان: جلَّاءُ آنِيَةِ الصُّفْر.

والإِجْرِدُّ بالكسر كإِكْبِرٍّ؛ أَي مشدَّدة الراءِ، وقد يُخفّف فيكون كإِثْمِدٍ: نَبتٌ يَدلُّ على الكَمْأَةِ. قال.

جَنَيْتُها من مُجْتَنًى عَوِيصِ *** من مَنْبِتِ الإِجردِّ والقصيصِ

وقال النَّضر: الإِجرِدُّ: بَقلٌ له حَبٌّ كأَنّه الفُلْفُل.

والجَرَاد، بالفتح، معروف أَي معروف، الواحدة جَرَادةٌ، للذَّكر والأُنثَى. قال الجوهريّ: وليس الجَرَادُ بذَكَرٍ للجَرَادة، وإِنَّمَا اسمٌ للجنْس، كالبَقر والبَقرة، والَّتمْر والتَّمرة، والحَمَام والحَمَامة، وما أَشبهَ ذلك، فحَقُّ مُذكَّرِه أَن لا يكون مُؤَنَّثُه من لفْظه، لئلَّا يَلتَبِس الواحدُ المذكَّر بالجمْع. قال أَبو عُبيد: قيل: هو سِرْوِةٌ، ثمَّ دَبَّى، ثم غَوْغَاءُ، ثم خَيفَانٌ ثمّ كُتْفَانٌ، ثمّ جَرَادٌ. وقِيل: الجَرادُ الذَكرُ، والجرادَة الأُنثَى. ومن كلامهم: رأَيْتُ جَرَادًا على جَرَادةٍ. كقَولهم: رأَيْت نَعَامًا على نَعامة. قال الفارسيّ:

وذلك موضوعٌ على ما يُحافِظون عليه ويَتْركون غَيرَه الغالبَ إِليه من إِلزام المؤنَّث العلَامةَ، المُشعِرة بالتأْنيث، وإِن كان أَيضًا غيرُ ذلك من كلامهم واسعًا كثيرًا، يعنِي المؤنّث الّذي لا علامةَ فيه، كالعَيْن والقِدْر، والمذكَّر الذي فيه علَامة التأْنيث كالحَمَامَة والحَيّة. قال أَبو حنيفة: قال الأَصمعيّ: إِذا اصْفَرَّت الذُّكور واسْودّت الإِناثُ ذَهَبَ عنها الأَسماءُ، إِلَّا الجَرَادَ، يعني أَنَّه اسمٌ لا يُفارِقها. وذَهَب أَبو عُبيدٍ في الجَرَاد إِلى أَنه آخِرُ أَسمائِه.

وجَرَادٌ: موضع، وجَبَلٌ، قيل: سُمِّيَ الموضِع بالجَبَل، وقيل بالعكس، وقيل هما مُتباعدانِ، ومنه قول بعض العرب: «تَركْت جَرَادًا كأَنَّها نَعامَةٌ باركة» أَي كثيرَ العُشْب، هكذا أَورده الميدانيّ وغيره.

جُرِدَت الأَرضُ فهي مجرودة، إِذا أَكلَ الجَرادُ نَبْتَها.

وجَرَدَ الجَرَادُ الأَرضَ يَجْرُدها جرْدًا: احْتَنَكَ ما عليها من النَّبَات فلم يُبْقِ منه شيئًا، وقيل: إِنَّما سُمِّيَ جَرَادًا بذلك.

قال ابن سيده: فأَمّا ما حكاه أَبو عُبيد من قَولهم: أَرْضٌ مَجرودَةٌ [من الجراد] فالوَجْه عندي أَن يكون مَفعولة، من جَرَدَهَا الجَرادُ. والآخَرُ أَن يُعْنَى بها كَثيرَتُه؛ أَي الجَرَادِ، كما قالوا أَرْضٌ مَوحوشَة: كثيرةُ الوَحْشِ، فيكون على صِيغة مفعول من غيرِ فعْلٍ إِلّا بِحسَب التَّوَهُّمِ، كأَنه جُرِدَت الأَرْضُ؛ أَي حَدَثَ فيها الجَرَادُ، أَو كأَنَّهَا رُمِيَتْ بذلك.

وجَرِدَ الرّجُلُ، كفَرِحَ، جَرَدًا، إِذا شَرِيَ جِلْدُه مِنْ أَكْلِهِ؛ أَي الجَرَادِ، فهو جَرِدٌ. كذا وَقعَ في الصّحاح واللِّسان وغيرهما، وفي بعض النُّسخ «عن أَكْله».

وجُرِدَ الإِنسانُ، كعُنِيَ أَي مبنيًّا للمجهول، إِذا أَكلَ الجَرادَ ف شَكَا بَطْنَه عَنْ أَكْله، فهو مَجْرُود. وجُرِدَ الزَّرْعُ: أَصابَهُ الجَرادُ.

ومن المَجاز قولُهم: ما أَدرِي أَي جَرَادٍ، هكذا في الصّحاح. وفي الأَساس واللّسان: أَيُّ الجَراد عَارَه، أَيْ أَيُّ النّاسِ ذَهَبَ به.

والجُرَادِيّ، كغُرَابيّ: قرية بصَنْعاء اليَمَنِ، نقله الصاغانيّ.

والجُرَادَة، بالضّمّ: اسم رَمْلَة بأَعلى البادِيَةِ بينَ البَصرة واليَمامة.

وجُرَادٌ، كغُرَابٍ: ماءٌ أَو مَوضعٌ بديارِ بني تَميمٍ، بين حائل والمَرُّوت. ويقال هو جَرَدُ القَصيمِ، وقيل: أَرضٌ بين عُلْيَا تَميمٍ وسُفْلَى قَيسٍ.

ويقال: رُمِيَ فُلانٌ على جَرَدِهِ، محرّكةً، وأَجْرَدِهِ أَي على ظَهْرِهِ.

ودَرَابُ ـ كسَحَاب ـ جِرْدَ، بكسر فسكون: مَوْضِعانِ، هكذا في سائر النُّسخ، والّذي في اللِّسان وغيره «مَوضع»، بالإِفراد. قال: فأَمّا قَول سيبويه: فدَرَاب جِرْد كدَجَاجَة، ودَرَاب جِرْدَين كدَجاجتين فإِنَّه لم يُرِد أَنَّ هُناك دَرَاب جِرْدَين، وإِنّما يُريد أَن جِرْد بمنزلةِ الهاءِ في دَجاجة، فكما تجي‌ءُ بعَلَم التثْنيةِ بعد الهاءِ في قَوْلك دَجاجَتَيْن كذلك تَجِي‌ء بعَلَمِ التَّثْنِيَةِ بعد جِرْد، وإِنَّمَا هو تَمثيلٌ من سيبويه، لا أَنَّ دَرَاب جِرْدَين معروفٌ.

وابنُ جَرْدَةَ، بالفتح، كان من مُتمَوِّلِي بَغْدَادَ، وإِليه نُسبتْ خَرَابَةُ ابنِ جَرْدَةَ ببغدادَ، نقله الصاغانيّ.

وجُرَادَى، كفُعَالَى، وفي بعض النُّسخ «كفُرَادَى» موضع، عن ابن دُريد.

وجُرْدَانُ، كعُثمَانَ: وادٍ بينَ عَمْقَيْنِ ووَادِي حَبَّانَ من اليَمَن، كما هو نَصُّ التكملة، وسياقُ المصنّف لا يخلو عن قُصور.

والمُتَجَرِّدةُ: اسمُ امرأَةِ النُّعْمَانِ بنِ المُنْذِر مَلِكِ الحِيرَة.

وجَرُودٌ كصَبُورٍ: موضع بدمَشْقَ من شَرْقيِّهَا بالغُوطة.

وأُجارِدُ بالضّمّ، كأُباتر، وهي من الأَلفاظ التسعة الّتي وَردَت على أُفاعِل، بالضّمّ، على ما قاله ابن القَطّاع، وجارِدٌ، هكذا في سائر النُّسخ التي بين أَيدينا، ومثله في اللِّسان وغيره: مَوضِعَانِ، وقد شَذّ شيخنا حيث جعلَه أَجارِد، بزيادة الهمزة المفتوحة في أَوّله.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

الجُرَادة، بالضمّ: اسمٌ لما جُرِدَ من الشيْ‌ءِ أَي قُشِرَ.

والجَرْدَة، بالفتح: البُرْدَة المُنْجرِدة الخَيفَة، وهو مَجاز.

وفي الأَساس؛ أَي لأَنّهَا إِذا أَخلَقَتْ انتفضَ زِئبرُها واملاسَّتْ.

وفي الحديث: «وفي يَدِهَا شَحْمَةٌ وعلى فَرْجِها جُرَيْدَةٌ»، تصغير جَرْدَة، وهي الخِرْقَة البالية.

والسَّمَاءُ جَرْدَاءُ إِذا لم يكنْ فيها غَيْم.

وفي الحديث «إِنَّكمْ في أَرضٍ جَرَدِيَّة» قيل. هي منسوبة إِلى الجَرَدِ، محرّكةً، وهي كلُّ أَرض لا نَبَاتَ بها.

وفي حديث أَبي حَدْرَدٍ: «فَرَمَيْتُه على جُرَيْدَاءِ بَطْنِه» أَي وَسَطَه، وهو موضع القَفا المنجردِ عن اللَّحْم، تصغير الجَرْدَاءِ.

ومن المَجاز: خَدٌّ أَجْرَدُ: لا نَبَاتَ به.

وكان للنّبيّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم نَعْلانِ جَردَاوَانِ؛ أَي لا شَعرَ عَليهما.

والتّجريد: التّشذيب.

وعن أَبي زيد: يقال للرجل إِذا كان مُستحيِيًا ولم يكن بالمنبسِط في الظُّهور: ما أَنتَ بمنْجرِد السِّلْك، وهو مَجَاز، والَّذي في الأَساس: «ما أَنت بمنْجرِد السِّلْك» أَي لست بمشهور.

وانجرَدَت الإِبلُ من أَوْبَارِهَا، إِذا سقَطَتْ عنها.

وتَجَرَّدَ الحِمَارُ: تَقدّمَ الأُتُنَ فخَرَجَ عنها.

ورَجلٌ مُجْرَدٌ، كمُكْرَم: أُخرِجَ من ماله، عن ابن الأَعرابيّ.

ويقال: تَنَقَّ إِبلًا جَرِيدةً؛ أَي خِيارًا شِدَادًا.

والمجرود: المقشور، وما قُشِرَ عنه: جُرَادَةٌ.

ومن المَجازِ: قَلْبٌ أَجردُ؛ أَي ليس فيه غِلٌّ ولا غِشّ.

والجَرْداءُ: الصَّخرةُ الملساءُ.

ومن المَجاز: لَبنٌ أَجرَدُ: لا رغْوَةَ له، قال الأَعشى:

ضَمِنَتْ لنا أَعْجازَه أَرْماحُنا *** مِلْ‌ءَ المَرَاجلِ والصَّريحَ الأَجْرَدَا

وناقَةٌ جَرْداءُ: أَكولٌ.

وأَبو جَرَادةَ: عامرُ بن رَبيعةَ بن خُوَيْلد بن عَوْف بن عامرِ، أَخي عُبَادةَ وعُمَر. وَوَالد خَفاجةَ بن عقيل أَخي قُشَيرٍ وجَعْدَة والحَريشِ أَولادِ كَعْبٍ أَخي كِلاب ابني ربيعَةَ بن عَامر بن صَعْصعة، صاحِب عليّ رضي ‌الله‌ عنه، وهو جَدّ بني جَرَادَةَ بحَلَب.

وقرأْت في معجم شيوخ الحافظ الدِّمياطيّ قال: عيسَى بن عبد الله بن أَبي جَرادةَ، نقل من البصرة مع أَبيه سنة إِحدى وخمسين، في طاعونِ الجارف إِلى حَرّانَ ثم إِلى حَلَب، فولَد بها موسى وولدَ موسى هارُونَ وعبدَ الله، فهارُونُ جَدّ بني العَدِيم، وعبدُ الله جَدّ بني أَبي جَرَادَة. انتهى.

وجردو: قَريَة بالفيّوم.

وجَرَدُ القَصِيم من القَريتين على مَرْحَلَةٍ، وهما دون رَامَةَ بِمرْحَلةٍ، ثم إِمَّرَة الحِمَي ثم طِخْفَة ثم ضَرِيّة.

والمِجْرَد كمِنْبَر: مِحْلَجُ القُطْنِ. وكمُعَظَّم: الذَّكرُ، كالأَجْرد.

والجَرَدَةُ، محرّكَةً، من نواحِي اليَمامَة، وبالفتح نَهرٌ بمصر مخرجُه من النّيل.

والجَرْدَاءُ: فرسُ أَبي عَديّ بن عامر بن عُقَيْل.

والمجرود: مَن جَرَدَه السَّفَرُ أَو العَمَلُ.

والجَرْدَة والتَّجْرِيدة: الجَرِيدة من الخَيْل.

وتَجرِيدةُ عامرٍ: قَرْيةٌ بشرقيّةِ مصرَ.

وخُسْرُ وجِرْد: قَرْيَة من ناحِيةِ بَيْهقَ وبقِيَ من الأَمثال قَولهم «أَحْمَى من مُجِير الجَرادِ» وهو مُدْلِجُ بن سُوَيْدٍ الطائيّ.

وأَجَارِدُ، بفتح الهمزة: اسم مَوضع كذا عن ابن القطّاع.

والجارُود بن المُنذر صحابيّ، وهو غير الّذِي ذكرَه المصنّف، روى عنه ابن سيرين والحَسنُ شيئًا يَسيرًا.

وجَرادٌ أَبو عبد الله العقيليّ، وجَرَاد بن عَبْسٍ من أَعْراب البَصرة، صحابِيَّانِ. وأَبو عاصمٍ الجَرَادِيُّ الزاهِدُ، كان في عصْرِ مالِكِ بن دينارٍ، نُسِبَ إِلى جَدٍّ له.

وجُرَادَةُ، بالضّمّ: ماءٌ في دِيار بني تَميم.

وجَرْدَانُ، كسَحْبَانَ: بلدٌ قُرْبَ زَابُلِسْتانَ بين غَزْنَة وكابُلَ، به يَصيف أَهْلُ أَلَبَانَ.

والجِرَادُ، كَكِتَاب: بادية بين الكوفة والشام [جرهد]: اجْرَهَدَّ الرَّجلُ في سَيْرِه أَسْرعَ. واجْرَهَدّ الطّريقُ: امْتَدَّ. واجْرَهَدّ اللَّيْلُ: طالَ. واجْرَهَدّ في السَّيْرِ استَمَرّ. واجْرَهَدَّ القَوْمُ: قَصَدُوا القَصْدَ. واجْرهَدّت الأَرضُ لم يُوجَد فيها نَبْتٌ ولا مَرْعًى. واجْرَهَدّت السَّنَةُ:

اشتَدَّت وصَعُبَتْ. قال الَأخطل:

مَسامِيحُ الشّتَاءِ إِذا اجْرَهَدّتْ *** وَعزَّتْ عندَ مَقْسَمِها الجَزورُ

أَي اشتدَّتْ وامتَدَّ أَمْرُها.

جَرْهَدَةُ: الوُحَاءُ في السَّيْر. والجَرْهَدَة. جَرَّةُ الماءِ.

ويقال هي جِرْهَدَّة كالمِرْزَبَّة، بكسر الميم.

والجرْهدُ، كجعفَر وسُنْبُل: السَّيَّارُ النَّشِيطُ، قاله أَبو عَمْرو.

والمُجْرَهِدُّ: المُسْرِعُ في الذَّهَاب. قال الشَّاعِرُ:

لم تُراقِبْ هناك ناهِلةَ الوا *** شِينَ لمّا اجْرَهَدّ ناهِلُهَا

وبه سُمِّيَ جَرْهَدُ بنُ خُوَيلِدٍ وقيل ابنُ ازاح بن عدِيّ الأسْلَميّ أَبو عبد الرحمن، صَحابيٌّ من أَهْلِ الصُّفَّة شَهدَ الحُدَيْبِيةَ، رضي ‌الله‌ عنه.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


26-تاج العروس (عضد)

[عضد]: العَضْدُ، بالفتح، لُغَة تميم، كما في المصباح، وبالضّمّ وبالكسر، وككَتِفٍ، وهذه لُغَة أَسَدٍ، والكلام الأَكْثر: العَضُد، مثل نَدُسٍ وحكَى ثعلبٌ: العَضَد، بفتح العين والضّاد، كلٌّ يُذْكَّر ويُؤنَّث. وقال أَبو زيد: أَهلُ تِهَامَةَ يقولون: العُضُد، مثْل عُنُقٍ، ويذُكِّرون.

وقرأَ بها الحَسَنُ في قوله تعالى: {وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} وقال اللِّحْيَانيُّ: العَضُد مؤنّثةٌ لا غيرُ، وهما العَضُدانِ وجمعها: أَعضادٌ، لا يُكسَّر علَى غيرِ ذلِك. فهذه سِتُّ لُغاتٍ، ذكَرَها المصنِّفُ، وأَغفل السابِعةَ، وهي التَّحْرِيكُ، عن ثعْلَب.

ولو قال: العَضُد، كنَدُسٍ، وكَتِفٍ وعُنُقٍ، ويُثَلَّث، ويِحَرَّك لكان أَوْفَق لقاعدتِهِ، وأَمْيلَ لطريقتِه، وفيه تقديم الأَفصحِ المشهورِ على غيرِه، مع أَنَّ التَّثليث إِنَّمَا هو تخفيفٌ أَو إِتباعٌ على قياسِ أَمثالِه من المضمومِ الأَوسَطِ، أَو المكسورِ، وأَوردَه شيخُنَا أَيضًا ولم يَتعرَّضْ لقول ثعلبٍ، كما أَغفَلَ المصباحُ السادسةَ.

وفي حديثِ أُمِّ زَرْعٍ: «وملأَ مِن شَحْمٍ عَضُدَيَّ» العَضُد من الإِنسان وغيرِه: السّاعِدُ وهو ما بَيْنَ المِرْفَقِ إِلى الكَتِفِ ولم تُرِدْه خاصَّةً، ولكنَّهَا أَرادَت الجَسَدَ كُلَّه، فإِنه إِذا سَمِنَ العَضُدُ سَمِنَ سائِرُ الجَسَدِ.

والعَضْدُ بفتح فسكون، من الطريق: الناحِيَة كالعِضادة، بالكسر وعَضُدُ الإِبط، وعَضَدُه كنَدُسٍ، وجَبَلٍ: ناحِيَتُه، وقيل: كلُّ ناحِيَةٍ: عَضُدٌ وعَضَدٌ.

وأَعضادُ البَيت: نَواحِيه، ويقال إِذا نَخَرَت الرِّيحُ من هذه العَضُدِ أَتاكَ الغَيْثُ، يَعنِي ناحِيَة اليَمَنِ.

ومن المجاز: العَضُد: الناصِر والمُعِينُ، على المَثَلِ بالعَضُد من الأَعضاد، وفي التنزيل: {وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} أَي أَعْضادًا؛ أَي أَنْصَارًا، وعَضُدُ الرَّجلِ: أَنصارُه وأَعوانُه، وإِنَّما أَفْردَ لتَعتَدِلَ رؤُوسُ الآيِ بالإِفرادِ، ويقال: فلانٌ عَضُدُ فُلانٍ وعِضَادَتُه ومُعاضِدُه، إِذا كان يُعاوِنه ويُرافِقُه. وهو مَجاز.

ويقال هم عَضُدِي وأَعْضادِي أَيضًا، قال الأَحرد:

مَن كانَ ذَا عَضُدٍ تُدْرَكْ ظُلامَتُهُ *** إِنَّ الذَّلِيلَ الذِي ليستْ لَهُ عَضُدُ

ويقال فَتَّ فُلانٌ في عَضُدِه وأَعْضَاده؛ أَي كَسَرَ من نِيَّاتِ أَعوانِهِ، وفَرَّقَهم عنه، «وفي» بمعْنَى «مِنْ»، ويقال قَدَحَ في ساقِهِ، يعْنِي نَفْسَه. وأَعْضَادُ الحَوْضِ والطَّرِيقِ وغيرِه ما يُشَدُّ ـ بالبناءِ للمعلوم والمجهول، وبالسين المهملة والمعجمة ـ حَوَالَيْهِ مِن البناءِ، الواحدُ عَضَدٌ وعَضُدٌ.

وعَضُدُ البناءِ كالصَّفائِحِ المنصوبةِ حَوْلَ شَفِيرِ الحَوْض، وعَضُدُ الحَوْضِ من إِزائِهِ إِلى مُؤَخَّرِه، وإِزاؤُه: مَصَبُّ الماءِ فيه. وقيل عَضُدُه: جانِبَاه، عن ابن الأَعرابيِّ، والجمع: أَعضادٌ وحَوْضٌ مُثَلِّمُ الأَعضادِ، وهو مَجاز، قال لَبِيدٌ يَصِفُ الحَوْضَ الذي طالَ عهدُه بالوَارِدَةِ:

راسِخُ الدِّمْنِ على أَعضادِهِ *** ثَلَمَتْهُ كُلُّ رِيحٍ وسَبَلْ

ويجمع أَيضًا على عُضُودٍ، قال الراجز:

فارْفَتَّ عُقْرُ الحَوْضِ والعُضُودُ *** من عَكَرَاتٍ وَطَؤْها وَئِيدُ

والعَضْدُ والعَضِيدُ: الطَّرِيقَةُ من النَّخْلِ، وفي الحديث: «أَنَّ سَمُرةَ كانت له عَضُدٌ من نَخْلٍ في حائِطِ رَجُلٍ من الأَنصار» حكاه الهَرَوِيُّ في «الغَرِيبَيْن» أَراد طَريقةً من النخْل، وقيل: إِنما هو عَضِيدٌ من النَّخْلِ. وقال غيره: العَضِيد: النَّخْلَةُ التي لها جِذْعٌ، يَتَنَاولُ منه المُتَناوِلُ، ج: عِضْدانٌ كغِرْبانٍ، قال الأَصمعيُّ: إِذا صار للنَّخْلَةِ جِذْعٌ يَتَنَاوَلُ منه المُتَناوِلُ فتِلْك النخلةُ العَضيدُ، فإِذا فاتَت اليَدَ فهي جَبَّارةُ.

ومن المجاز: ما لِسَمُرَتِهِ عاضِد، ولا لسِدْرته خاضِد، يقال: عَضَدَهُ أَي الشَّجَرَ يَعْضِدُهُ، من حَدِّ ضرب، عَضْدًا، فهو معضودٌ وعَضِيد: قَطَعَهُ بالمِعْضَدِ. وفي حديث تحريمِ المدينَةِ: «نَهَى أَنْ يُعْضَدَ شَجَرُهَا» أَي يُقْطَع. وفي حديث آخَرَ: «لَوَدِدْتُ أَنِّي شجرةٌ تُعْضَدُ»: وعن ثعلب: عَضَدَ الشَّجَرَةَ: نَثَرَ وَرَقَها لإِبِله، واسم ذلك الوَرَقِ: العَضَدُ.

ومن مَجاز المَجاز: عَضَدَه كنَصَره عَضْدًا: أَعَانَهُ ونَصَرَهُ، وفي كتب الأَمثال ما يَقْتَضِي أَنه صارَ مُتَعارَفًا كالحقيقة، قالوا: عَضَدَه إِذا صارَ له عَضُدًا؛ أَي مُعِينًا وناصِرًا، وأَصلُ العَضُد في اليَدَيْنِ، فاستُعِيرَ للمُعِينِ، ثم استَعْمَلوا مِن معناه الفِعْلَ، ثم شاعَ حتَّى صارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً.

قلْت: ولذا لم يذْكره الزَّمَخْشريّ في المَجَاز.

وعضَدَه يَعْضِده عَضْدًا: أَصابَ عَضُدَهُ. وعُضِدَ عَضْدًا، كُعنِيَ شَكَا عَضُده، يَطَّرِدُ على هذا بابٌ في جميعِ الأَعضاءِ.

والعَضِدُ، ككَتِفٍ مَن دَنا مِن عَضُدَيِ الحَوْضِ: جانِبَيْهِ، ومَن اشْتَكَى عَضُدَهُ. وحِمَارٌ عَضِدٌ: ضَمَّ الأُتُنَ من جَوانِبِها، كالعاضِدِ، نقله الصاغانيُّ.

والعَضَدُ، بالتحريك: ما عُضِدَ من الشَّجَر، بمنزلة المَعْضُود، كالعَضِيد، أَي: ما قُطِعَ من الشَّجَرِ؛ أَي يَضرِبُونه ليَسْقُطَ وَرَقُه فيتَّخذونه عَلَفًا لإِبِلِهم.

وفي حديث ظَبْيَانَ: «وكان بنو عَمْرِو بنِ خالدٍ من جَذِيمةَ يَخْبِطُون عَضيدَهَا، ويأْكُلون حَصِيدَها».

والعَضَدُ: دَاءٌ في أَعَضادِ الإِبِلِ فَتُبَطُّ، تقول منه: عَضِدَ البَعِيرُ، كفَرِحَ، فهو عَضِدٌ. قال النابِغَةُ:

شَكَّ الفَرِيصةَ بالمِدْرَى فأَنفَذَهَا *** شَكَّ المُبَيْطِرِ إِذْ يَشْفِي من العَضَدِ

والمِعْضَدُ، كمِنْبَرٍ: مَا يُقْطَعُ بِه الشَّجَرُ، كالمِعْضَادِ، قال أَبو حنيفة: كُلُّ ما عُضِدَ به الشَّجرُ فهو مِعْضَدٌ، قال، وقال أَعرابِيُّ: المِعْضَد عندنا: حَدِيدةٌ ثَقِيلةٌ، في هَيْئةِ المِنْجَلِ يُقْطَع بها الشَّجَرُ.

والمِعْضَد: ما شُدَّ في العَضُدِ من الحِرْزِ، وقيل: هو الدُّمْلُجُ، لأَنَّه على العَضُد يكونُ، كالمِعْضَدَة. حكاه اللِّحْيَانيُّ، والجَمْع: مَعاضِدُ.

والمِعْضَدَة، بهاءٍ أَيضًا: هِمْيانُ الدَّراهِمِ، وقال اللَّحْيَانيُّ: هو ما يَشُدُّه المُسَافِرُ على عَضُدِه، ويَجْعَل فيها نَفَقَتَهُ.

والعَاضِدُ: الماشِي إِلى جانِبِ دَابَّة عن يَمينِه أَو يَسارِه، وتقول: هو يَعْضُدها: يكونُ مَرَّةً عن يَمينِها، ومَرَّةً عن يَسارِهَا لا يُفَارِقُها. وقد عَضَدَ يَعْضُدُ عَضْدًا والبَعيرُ مَعْضُودٌ، قال الراجز:

ساقَتُها أَرْبَعَةٌ بالأَشطَانْ *** يَعْضُدُها اثنانِ وَيَتْلُوها اثْنانْ

ويقال: اعضُدْ بَعِيرَك ولا تَتْلُه.

والعَاضِدُ: جَمَلٌ يَأْخُذُ عَضُدَ النَّاقَةِ فَيَتَنَوَّخُها، يقال: عَضَدَ البَعِيرُ البَعيرَ، إِذا أَخذَ بِعَضُدِه فصَرَعه. وضَبَعَه، إِذا أَخذ بِضَبْعَيْهِ.

والأَعْضَدُ: الدَّقِيقُ العَضُدِ، والّذِي إِحدَى عَضُدَيْهِ قَصِيرَةٌ، ويَدٌ عَضِدَةٌ كَفَرِحَةٍ: قَصُرَتْ عَضُدُهَا.

وعَضُدٌ عَضِدَةٌ: قصيرةٌ.

وعَضَدَ القَتَبُ البَعِيرَ عَضْدًا: عَضَّهُ فَعَقَرَهُ، قال ذو الرُّمَّة:

وهُنَّ على عَضْدِ الرِّحالِ صَوابِرُ

وعَضَدَتْها الرِّحَالُ، إِذا أَلَحَّتْ عليها.

وعَضُدُ الرَّكَائِبِ: ما حَوَالَيْهَا، يقال: عَضَدَ الرَّكائِبَ يَعضُدُها عَضْدًا، إِذا أَتَاهَا مِن قِبَلِ أَعضادِهَا، وضَمَّ بعضَهَا إِلى بعضٍ: أَنشدَ ابنُ الأَعرابِيِّ:

إِذَا مَشَى لم يَعْضُدِ الرَّكائِبَا

وغُلامٌ عَضَادٍ، كرَبَاعٍ، وشَنَاحٍ: قَصِيرٌ مُكَتَّلٌ مُقْتَدِرُ الخَلْقِ مُوَثَّقُهُ، قال:

لعلَّكِ إِن زايَلْتِني أَن تَبَدَّلِي *** مِنَ القَوْمِ مِبْطَانَ القُصَيْرَى عَضَادِيَا

وامرَأَةٌ عُضَادٌ، كسَحَابٍ، وعَضَاد، كرَباعٍ: غَلِيظَةُ العَضُدِ سَمْجَتُها كذا في نوادر الفَرَّاءِ.

والعَضَادُ، كَسَحَابٍ: القَصِيرُ من الرِّجالِ، قاله المُؤرِّج، وأَنشد قَوْلَ العُجَير السَّلُوليّ:

ثَنَتْ عُنُقًا لم تَثْنِهِ جَيْدَرِيَّةٌ *** عَضَادٌ ولا مكْنُوزةُ اللَّحْمِ ضَمْزَرُ

الضَمْزَر: الغليظةُ اللِّئيمةُ ومن النساءِ أَيضًا: عَضَادٌ، عن المؤرِّج أَيضًا. والعَضَاد أَيضًا: الغَليظة العَضُدِ مِنْهُنّ، ولا يَخْفَى، أَنَّه مع ما قَبْلَه تَكرارٌ مَحْضٌ.

والعِضَادُ، ككِتَابٍ: ما شُدَّ في العَضُدِ من الحِرْز والدُّمْلُج، كالمِعْضَادِ والمِعْضَد.

والمِعْضَادُ حَدِيدةٌ كالمِنْجَل ليس لها أُشُرٌ، يُربَطُ نِصَابُها إِلى عصًا أَو قَناةٍ، ثم يَهْصُرُ بها الرَّاعِي فُروعَ غُصونِ الشَّجَرِ على إِبِلِه أَو غنمِه، قال:

كأَنَّما تُنْحِي على القَتَادِ *** والشَّوْكِ حَدَّ الفَأْسِ والمِعْضادِ

وعُضْدانُ، بالضّمّ، قَلْعَةٌ باليَمَنِ من قِلَاعِ صنعاءَ، نقله الصاغانيُّ.

والمِعْضاد أَيضًا: سَيْفٌ للقَصَّابِ يَقْطَعُ به العِظَامَ، عن ابن شُمَيلٍ.

والمِعْضَدُ والمِعْضَاد: ما عَضَدْتَهُ في العَضُدِ مِنْ سَيْرٍ ونحْوه، كالحِرْزِ، عن ابنِ دُرَيْدٍ، ويقال له بالفارسية: بازُوبَنْد.

والمِعْضاد: سَيْفٌ يُمْتَهَنُ في قَطْعِ الشَّجَرِ، كالمِعْضَدِ، أَنشد ثعلب:

سَيْفًا بِرِنْدًا لم يَكُن مِعْضَادَا

وعُضَيْدَةُ بنُ عَبَّاس الظِّهْرِيُّ، كجُهَيْنَةَ: مُحَدِّثٌ، منسوبٌ إِلى الظِّهْرِ بالكسر، قال ابنُ الأَثِيرِ: هو بَطْنٌ من حِمْيَر، وسيأْتي، يَرْوِى عن أَبِيه، عن جَدِّه، وعنه ابنُه يَعقوبُ بنُ عُضَيْدَةَ.

واليَعْضِيدُ، كَيَبْرِينَ، وفي بعض النسخ: كيَقْطين: بَقْلَةٌ زَهرُها أَشدُّ صُفْرةً من الوَرْسِ. وقيل: هي من الشَّجَرِ، وقيل؛ من بُقول الرَّبيعِ، فيها مرارةٌ. كذا في المحكم.

وقال أَبو حنيفة: هي بَقْلَةٌ من الأَحرارِ، مُرَّة، لها زَهرةٌ صَفراءُ، تَشْتَهِيها الإِبِلُ والغَنَمُ، والخَيْلُ أَيضًا تُعجَب بها وتُخْصِب عليها، قال النابغةُ وَوصفَ خيلًا:

يَتَحَلَّبُ اليَعْضِيدُ من أَشْدَاقِها *** صُفْرًا مَناخِرُها من الجَرْجارِ

وقيل: هي الطَّرْخَشْقُوقُ، وفي التهذيب: التَّرْخَجْقُوق.

وَرَمَى فأَعْضَدَ: ذَهَبَ يَمِينًا وشِمَالًا، كعَضَّدَ تَعضيدًا، وهذا مِمَّا استُدرِك به على اللِّسَان.

ومن المجاز: هُنَّ رافلاتٌ في الوَشْيِ المُعَضَّد.

المُعَضَّد، كمُعَظَّمٍ: ثوبٌ لَهُ عَلَمٌ في مَوْضِعِ العَضُدِ مِن لابِسِه، قال زُهَيْر، يصف بقرةً:

فجالَتْ على وَحْشِيِّها وكأَنَّها *** مُسَرْبَلَةٌ من رازِقِيٍّ مُعَضَّدِ

وقيل: ثَوبٌ مُعَضَّد: مُخَطَّط على شَكْلِ العَضُدِ. وقال اللِّحْيَانِيُّ: هو الّذي وَشْيُه في جوانِبِهِ.

وفي الأَساس: ثَوبٌ مُعَضَّد: مُضَلَّع.

والمُعَضَّدُ كَمُحَدِّثِ بُسْرٌ يَبْدُو التَّرْطِيبُ في أَحَدِ جانِبَيْهِ وبُسْرَةٌ مُعَضِّدة.

واعْتَضَدْتُه: جَعَلْتُه في عَضُدِي واحتَضَنْته، كتَعَضَّدْته، ومنه قول الحَرِيرِيّ: اعتضَدَ شِكْوتَه، وتَأَبَّط هِرَاوَتَه.

والاعتِضادُ: التَّقَوِّي والاستعانةُ، يقال: اعتضَدتُ به؛ أَي استَعَنْت بِه.

واستعضَدَ الشَّجَرةَ، عَضَدَها؛ أَي قَطَعَها بالمِعْضَدِ، عن الهَرَوِيّ.

واستَعْضَدَ الثَّمَرَةَ: اجتَناها، قال الهَرَويّ: ومنه‌حديث طَهْفَةَ: «ونَسْتَعْضِدُ البَرِيرَ» أَي نَقطَعه ونَجْنِيه مِن شَجَرِهِ للأَكْل. يقال: عَضَدَ واستَعْضَد، وعَلَا واستَعْلَى، وقَرَّ واستَقَرَّ.

وَرَجُلٌ عُضَادِيُّ، مُثَلَّثَةً، الفتح والكسْر عن الكِسائِيِّ: عَظِيمُ العَضُدِ، وأَعْضَدُ، دَقِيقُها. وقد تقدَّم.

والعَضَدِيَّةُ محرَّكَةً ماءٌ شَرْقِيَّ فَيْدَ، وفي التكملة: غَرْبِيَّ فَيْدَ، قَريبٌ من أَجَإِ وسَلْمَى.

والعرب تقول: فَتَّ فُلانٌ في عَضُدِهِ، إِذا كَسَر مِن نِيَّاتِ أَعوانِهِ، وهم أَهْلُ بيتِه، وفَرَّقَهُم عَنْهُ، وقَدَح في ساقِه يَعْنُون نَفْسَه. و«في» بمعنى: «من»، كقولِ امرئِ القَيْسِ:

وهَلْ يَعِمَنْ مَن كَانَ آخِرُ عَهْدِهِ *** ثَلاثِينَ حَوْلًا في ثَلاثةِ أَحوالِ

أَي من ثلاثةِ أَحوالٍ.

وتَعَاضَدُوا: تَعَاوَنُوا.

وعَاضَدُوا مُعَاضدةً: عاوَنُوا، وعاضَدَنِي فلانٌ على فُلانٍ: أَعانَنِي، وهو مُعَاضِدُه: مُرَافِقُه، ومُعَاوِنه، كَعاضِدِه.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

في صِفَتِهِ صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم «كان أَبيَضَ مُعَضَّدًا». هكذا رواه يَحْيَى بن مُعِين وهو المُوَثَّق الخَلْقِ. والمَحْفوظُ في الرِّواية «مُقَصَّدًا» واستَعْمَل ساعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ الأَعضادَ للنَّحْل، فقال:

وكَأَنَّمَا جَرَسَتْ على أَعضَادِهَا *** حَيْثُ استقَلَّ بها الشَّرَائعُ مَحْلَبُ

شَبَّه ما عَلى سُوقِهَا من العَسَلِ بالمَحْلَب.

وأَعضَد المَطَرُ وعَضَّدَ: بَلَغَ ثَرَاه العَضُدَ.

والعِضَادُ: ككِتَابِ من سِمَاتِ الإِبل وَسْمٌ في العَضُد عَرْضًا، عن ابنِ حبيب من «تذكرة» أَبي عليٍّ، ويقال لها القَذُورُ.

والعَضُد: القُوَّةُ، لأَن الإِنسانَ إِنَّمَا يَقْوَى بِعَضُده، فسُمِّيَت القُوَّةُ به.

وفي التنزيل: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} قال الزّجَّاج: أَي سَنُعِينُك بِأَخِيك. قال: ولَفْظُ العَضُد على جِهَةِ المَثَلِ، لأَنَّ اليَدَ قِوَامُهَا عَضُدَها.

واملِكْ أَعضادَ الإِبِلِ: قَوِّمْ مَسِيرَها، حتَّى لا تَذهبَ يمينًا ولا شِمالًا.

وفُلانٌ عِضَادَةُ فُلانٍ؛ أَي لا يُفَارِقه. وهما من المَجَاز. وعَضُدَا الرَّحْلِ: خَشَبتان تَلْزَقانِ بواسِطَته، وقيل: بأَسْفَلِ واسِطَتِه. وقال أَبو زيد: يقال لأَعْلَى ظَلِفَتَيِ الرَّحْلِ مِمَّا يَلِي العَرَاقِيَ: العَضُدانِ، وأَسْفَلِهما: الظَّلِفَتانِ، وهما ما سَفَلَ من الحِنْوَيْنِ، الواسِطِ والمُؤَخَّرةِ.

وعَضُدُ النَّعْلِ، وعِضَادَتاهَا: اللَّذَانِ يَقَعَانِ على القَدَمِ.

وعِضادَتَا البابِ والإِبْزِيمِ: ناحِيَتَاه، وما كان نَحْوَ ذلك فهو العِضَادة. وعِضَادَتا البابِ: الخَشَبَتَانِ المَنْصُوبتانِ عن يَمِينِ الداخِلِ منه وشِمَاله. والعِضادَتانِ: العُودانِ اللَّذَانِ في النِّير الّذِي يكون على عُنُقِ ثَوْرِ العَجَلَةِ. والوَاسِطُ: الّذِي يكونُ وَسْطَ النِّير.

والعاضِدَانِ: سَطْرَانِ من النَّخْل على فَلَجٍ.

ورَجلٌ عَضُدٌ وعَضِدٌ وعَضْدٌ، الأَخيرةُ عن كُرَاع: قَصِيرٌ.

والعَوَاضِد: ما يَنْبُت من النَّخْلِ على جانِبَيِ النَّهرِ.

وقال النَّضْر: أَعضادُ المَزارِعِ: حُدودُهَا، يعني الحدُودَ الّتي تكون فيما بينَ الجارِ والجارِ كالجُدْرَانِ في الأَرَضِينَ.

وفي الأَساس، في المجاز: وارْفَعْ أَعْضَادَ الدَّبْرَةِ [وهي] جُدُرُهَا الّتي تُمسِكُ الماءَ.

ووَقَفا كأَنَّهُما عِضادَتانِ.

ودَارَةُ اليَعْضِيد: من دارَاتِهم.

ونَاقةٌ عَضَادٌ، وهي الّتي لا تَرِدُ النَّضِيحَ حتَّى يَخْلُو لَهَا، تَنْصَرِمُ عن الإِبل.

وقال أَبو زيد: يقال إِذا نَخَرَت الرِيحُ من هذه العَضُدِ أَتاكَ الغَيْثُ، يعنِي ناحِيَةَ اليَمنِ.

وسَمَّوْا مِعْضادًا، كمِحْرَابٍ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


27-تاج العروس (غمد)

[غمد]: الغِمْدُ بالكسر: جَفْنُ السَّيْفِ، كالغُمُدَّانِ، بضمتين، والشَّدِّ، قال ابنُ دُرَيْدِ: ليس بِثَبتٍ، والجمع: غِمْدٍ أَغمادٌ وغُمودٌ، بالضَّمّ.

والغَمْد بالفَتْح، مصْدَرُ غَمَدَهُ؛ أَي السَّيْفَ يَغْمِدُه، بالكسر، ويَغْمُدُه، بالضّمّ، غَمْدًا: جعَلَه في الغِمْدِ، أَو أَدخَله في غِمْدِه، كأَغْمَدَهُ فهو مُغْمَدٌ، ومَغْمُودٌ، قال أَبو عُبَيْدٍ، في باب فَعَلتُ وأَفْعلتُ: غَمَدْتُ السَّيْفَ وأَغْمدْتُه بمَعنًى واحِدٍ، وهما لغتانِ فَصِيحتانِ.

وغَمَدَ العُرْفُطُ غُمودًا، إِذا استَوفَرَتْ خُصْلَتُهُ وَرَقًا، حتَّى لا يُرَى شَوْكُهَا كأَنَّه قد أُغْمِد.

ومن المَجَاز غَمَدَت الرَّكِيَّةُ، من حدّ نَصَر، إِذا ذَهَب ماؤهَا ورَكِيٌّ غامِدٌ: ماؤُه مُغَطًّى بالتُّرَاب، وعَكْسُه: رَكِيٌّ مُبْدٍ، وهو من باب {عِيشَةٍ راضِيَةٍ} كما في الأَساس.

وغَمِدَ البئرُ غَمَدًا، كفَرِحَ: كَثُر ماؤُهَا، عن الأَصمعيِّ، أَو غَمِدَ [ت]، إِذا قَلَّ ماؤُهَا، قاله أَبو عُبَيْدٍ، فهو ضِدٌّ.

ومن المجاز: تَغَمَّدَهُ الله بِرَحْمَتِهِ غَمَدَه فيها. وغَمَرَه بِها. وفي الحديثِ أَنَّ النبيَّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم قال: «ما أَحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ، قالوا: ولا أَنتَ؟ قال: ولا أَنا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدني اللهُ برحْمَتِه».

قال أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَى قَوْلِه: يَتَغَمَّدني: يُلْبِسني، ويتغشَّاني، ويَستُرني بها، قال أَئِمَّةُ الغريبِ: مأْخوذٌ من غِمْد السَّيْفِ، وهو غِلافُه، لأَنَّك إِذا أَغمدْتَه فقد أَلبَسْتَه إِيَّاه وغَشَّيْتَهُ به.

ومن المجاز: تَغَمَّدَ الرَّجلُ فلانًا إِذا سَتَرَ ما كانَ منه وغَطَّاه، كَغَمَّدَه تَغْمِيدًا.

تَغمَّدَ الرَّجلَ وغَمَّدَه، إِذا أَخَذَه بخَتْلٍ حتَّى يُغَطِّيَه، قال العجَّاجُ:

يُغَمِّدُ الأَعداءَ جُونًا مِرْدَسَا

وفي الأَساس: ودُخِل [عليه] وبينَ يَدَيْه ثَوْبٌ فتغَمَّدَه: جَعَلَه تَحْتَهُ لِيُغَطِّيَه عن العُيونِ.

ومن المجاز تغمَّدَ الإِناءَ، كالمِيكال، إِذا مَلأَهُ.

ومن المجاز اغْتَمَدَ فُلانٌ اللَّيْلَ: دَخَلَ فيه جعَلَه لنفسِهِ غِمْدًا، كما في الأَساس. وعبارة اللسان: كأَنَّه صار كالغِمْدِ له، كما يقال ادَّرَعَ اللَّيْلَ، ويُنْشَد:

لَيْسَ لوِلْدانِكَ لَيْلٌ فاغْتَمِدْ

أَي ارْكَب اللَّيْلَ واطْلُب لهم القُوتَ.

ومن المجاز: أَغمَدَ الأَشياءَ: أَدْخَلَ بعضَها في بَعْضٍ كأَنَّه صار غِمْدًا له.

وبَرْكُ الغمَاد، مثلَّثَةَ الغَيْنِ، وصَرَّح بالغَيْن، وإِن كانت المادَّةُ كالنَّصّ في المُراد، دَفعًا لِما عَسَى أَن يَخْطُر بالبالِ من الإِيراد، وبَرْك، بالفتح، ويكسر، وسيأْتي في الكاف وقد اختُلف في ضَبْط الغماد. فَرَوَاه قومٌ بالضَّمّ، ونسبه صاحِبُ «المراصد» إِلى ابن دُرَيْد، وحكاه جماعةٌ عن ابن فارِسٍ، وآخرون بالكسر. والفتْحُ عَن القزَّازِ في «جامِعه». وفي بعض النُّسخ: الفَرّاءِ.

قال ابن خَالَوَيْه.

حضَرتُ مَجْلِسَ أَبي عبد الله محمّدِ بنِ إِسماعيلَ القاضِي المَحَامِليّ، وفيه زُهاءُ أَلْفٍ، فأَمْلَى عليهم، أَنَّ الأَنصار قالُوا للنَبيِّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم: «واللهِ ما نَقُول لكَ ما قالَ قَوْمُ موسَى لموسَى: اذهب {أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ} بل نَفْدِيك بآبائِنا وأَبنائِنا، ولو دَعَوْتَنا إِلى بَرْكِ الغِمَادِ» بكسر الغين.

فقلتُ للمُسْتَمْلِي: قال النحويُّ: الغُماد بالضّمّ أَيَّها القاضِي. قال: وما بَرْك الغُمَاد؟ قال: سأَلتُ ابنَ دُرَيْد عنه، فقال: هو بُقْعَةٌ في جَهَنَّمَ، فقال القاضي: وكذا في كتابِي، على الغين ضَمَّةٌ. قال ابن خالويه: وأَنشدني ابن دريدٍ لنفسه:.

وإِذا تَنَكَّرَتِ البِلا *** دُ فَأْولِها كَنَفَ البِعادِ

لَسْتَ ابنَ أُمِّ القاطِني *** نَ ولا ابْنَ عَمٍّ للبِلادِ

واجْعَلْ مُقَامَك أَو مَقَ *** رَّكَ جَانِبَيْ بَرْكِ الغُمَادِ

قال ابنُ خالَوَيْه: وسأَلْت أَبا عُمَرَ عن ذلك فقال: يُرْوَى: بَرْكُ الغِمَادِ بالكسر، والغُمَادِ بالضم، والغِمَار، بالرَّاءِ، مكسورةَ الغين، وقد قيل: إِن الغِمَاد: موضع باليمن، وهو بَرَهُوت الذي جاءَ في الحديث: أَنَّ أَرواح الكافِرِين تكونُ فيه.

وزادَ في النهاية: وقيل: هو موضِع وراءَ مَكَّةَ بخمْسِ ليالٍ. زاد البكريّ: مِمَّا يَلِي البَحْر أَو هو أَقصَى مَعْمُور الأَرض، وهذا عن ابن عُلَيْمٍ، بالتصغير، في كتابه الباهِرِ، وهو غير الباهر لابن عُدَيس ونصُّ البكريِّ: وقيل هو أَقصَى حَجْرٍ باليمن. و‌ورد في الحديثِ ذكْر غُمْدَان، كعُثْمَان: قصرٌ مشهورٌ من مضارِب الأَمثالِ باليَمَنِ، في مَقَرِّ مَلكِها، وهو صَنعاءُ، ولم يَزل قائِمًا حتى هَدَمَه عُثْمَانُ بن عَفّانَ، رضيَ الله عنه. واختلِف في بانيه، فقيل: هو سُليمانُ بنُ داوودَ، عليهما‌السلام، بناه لبِلْقِيسَ زَوْجتِه، ومال إِليه كَثيرٌ من المفسَّرين. وفي «الروض الأُنف» غُمْدان: حِصْنٌ كان لِهَوذَةَ بنِ عليٍّ مَلِكِ اليَمَامَةِ، وفيه أَيضًا: ذَكَرَ ابنُ هِشَامٍ أَن غُمدانَ أَنشأَه يَعْرُبُ بن قَحْطَانَ، وأَكملَه بعدَه وائِل بن حِمْيَر بن سَبأَ، وكان مَلِكًا مُتَوَّجًا، كأَبِيه وجَدّه. وله ذِكْر في حديثِ سَيفِ بن ذي يَزن.

والذي رجَّحه جَماعةٌ واعتَمَدَه المصنِّف أَنه بَنَاهُ يَشْرُخُ هكذا بالشين والخاء المعجمتين، وفي بعض النسخ: بالمهملات، وفي بعضها: بزيادة اللام على التّحتيّة، وهو لقبٌ، والأَكثر أَنه اسمُه، وهو يَشْرُخُ بن الحارِث بن صَيْفِيّ بن سَبأَ جَدْ بلْقِيس، بناه بأَرْبَعةِ وُجُوهٍ، أَحمرَ، وأَبيضَ، وأَصفَرَ، وأَخضَر، وبَنَى دَاخِلَه قصْرًا بسَبْعَةِ سُقُوفٍ، بين كُلِّ سَقْفَيْنِ، وفي بعض النُّسَخ: بين كل سَقفٍ، بالإِفراد، أَربَعونَ ذِراعًا، وفي بعض التواريخ: قيل كان ارتفاعُ سقْفِه مِائَتَيْ ذِرَاعٍ.

ومن المجاز:

الغامِدةُ: البِئْرُ المُنْدَفِنَةُ كأَنَّهُ أُغْمِدَ ماؤُها بالتُّرابِ.

والغامِدَةُ أَيضًا، والآمِدَة: السَّفِينَةُ المشحونةُ. قال الأَزهريّ والخِنُّ: الفارِغَةُ من السُّفن. وكذلك الحَفَّانةُ كالغامِدِ والآمِدِ بحذف هائِهما. وغامِدَة، بلالامٍ التعريفيّةِ علَمٌ أَصالَةً: أَبو قبيلةٍ من جُهَيْنَةَ على ما قيل. وقِيل: من اليَمن ومثله في الصّحاح، قال:

أَلَا هَلْ أَتاهَا على نَأْيِهَا *** بما فَضَحَتْ قَوْمَهَا غامِدَهْ

حَمَلَه على القَبِيلةِ، يُنْسَبُ إِليها الغامِدِيُّونَ من المحدِّثين وغيرِهم، أَو هو غامِدٌ بلا هاءٍ، واسمه: عمرُو، وفي بعض النسخ عُمَرُ، وهو الصواب ابنُ عبدِ الله، وقيل: عَبْد بن كعْبِ بن الحارث بن كَعْبِ بن عبدِ الله بن مالِك بن نصْر بن الأَزد. وقد اختُلِف في اشتقاقِه، فقيل إِنما لُقِّبَ بِهِ، لإِصلاحِهِ أَمرًا كان بيْنَ قَوْمِهِ، وهو قولُ ابنِ الكَلْبِيّ. ونصّ عبارته: لأَنّه تَغَمَّدَ أَمْرًا كان بينَه وبين عَشيرتِه فسَتَرَه، فسمَّاه مَلكٌ من مُلوك حِمْيَر غامِدًا، وأَنشد لغامِد:

تَغَمَّدْتُ أَمْرًا كان بَيْنَ عَشِيرَتِي *** فَسَمَّانِيَ القَيْلُ الحَضُورِيُّ غَامِدَا

والحَضُور: قَبِيلَةٌ من حِمْيَر. وقيل: هو من غُمُودِ البِئْرِ، قال الأَصمعيُّ ليس اشتقاقُ غامِدٍ ممَّا قال ابنُ الكلبيِّ، إِنَّمَا هو من قَوْلِهِم: غمَدَت البِئْرُ غَمْدًا، إِذا كَثُرَ ماؤُها. وقال ابن الأَعْرَابيِّ: القَبِيلَة: غامِدَةُ بالهاءِ، وأَنشد:

أَلا هَلْ أَتاها على نَأْيِهَا *** بما فَضَحَتْ قَوْمَهَا غَامِدَهْ

* ومِمَّا يستدرك عليه:

قال الأَخفشُ: أَغمَدْتُ الحِلْسَ إِغْمَادًا، وهو أَن تَجْعَلَه تحت الرَّحْل تَقِي به البَعِيرَ من عَقْر الرَّحْلِ، وأَنشد:

وَوَضْعِ سِقَاءٍ وإِخْفَائِهِ *** وحَلِّ حُلُوسٍ وإِغْمَادِهَا

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


28-تاج العروس (قعد)

[قعد]: القُعُودُ، بالضّم، والمَقْعَدُ، بالفتح: الجُلُوسُ.

قَعَد يَقْعُد قُعُودًا ومَقْعَدًا، وكَوْنُ الجُلُوس والقُعود مُترادِفَيْنِ اقتصَر عليه الجوهريُّ وغيرُه، ورَجَّحه العلَّامة ابنُ ظفَر ونقلَه عن عُرْوَةَ بنِ الزُّبيرِ، ولا شكَّ أَنَّه مِن فُرْسَانِ الكَلَامِ، كما قالَه شيخُنَا. أَو هُوَ أَي القُعُود مِنَ القِيَامِ، والجُلُوسُ مِنَ الضَّجْعَةِ ومِنَ السُّجودِ، وهذا قد صَرَّحَ به ابنُ خَالَوَيْهِ وبعضُ أَئمَّة الاشتقاقِ، وجَزَم به الحَرِيريُّ في الدُّرَّة، ونَسَبَه إِلى الخَليل بن أَحمدَ، قال شيخُنا: وهناك قولٌ آخَرُ، وهو عَكْسُ قولِ الخَلِيل، حكاه الشَّنَوانيُّ، ونقلَه عن بعض المُتَقدِّمِين، وهو أَن القُعُودَ يكون من اضْطِجَاع وسُجودٍ، والجُلوس يكون مِن قِيامٍ، وهو أَضْعَفُهَا، ولستُ منه عَلى ثِقَةٍ، ولا رأَيْتُه لِمَن أَعتمدهُ، وكثيرًا ما يَنْقُل الشَّنَوَانيُّ غَرَائبَ لا تَكاد تُوجَدُ في النَّقْلِيَّاتِ. فالعُمْدَة على نَحْوِه وآرائِه النَّظَرِيَّة أَكثرُ. وهناك قولٌ آخرُ رابعٌ، وهو أَن القُعُودَ ما يكون فيه لُبْثٌ وإِقامةٌ مَا، قال صاحِبُه: ولذا يُقَال قَوَاعِدُ البَيْتِ، ولا يُقَال جَوَالِسُه. والله أَعلم.

وقَعَدَ بِه: أَقْعَدَه. والمَقْعَدُ والمَقْعَدَةُ: مَكَانُه أَي القُعودِ.

قال شيخُنا: واقْتِصارُه على قَوْلِه «مَكَانُه» قُصُورٌ، فإِن المَفْعَل مِن الثلاثيِّ الذي مُضَارِعه غيرُ مكسورٍ بالفَتْحِ في المَصْدَرِ، والمكانِ، والزَّمَانِ، على ما عُرِف في الصَّرْفِ.

انتهى. وفي اللسان: وحَكى اللِّحيانيُّ: ارْزُنْ في مَقْعَدِك ومَقْعَدَتِك، قال سيبويهِ: وقالوا: هو مِنّي مَقْعَدَ القَابِلَة؛ أَي في القُرْبِ، وذلك إِذا دَنَا فَلَزِقَ مِن بَيْنِ يَديْكَ، يرِيد: بِتِلْكَ المَنْزِلَة، ولكنه حذف وأَوْصَلَ، كما قالوا: دَخَلْت البيتَ؛ أَي في البيْتِ.

والقِعْدَةُ، بالكسر: نَوْعٌ منه؛ أَي القُعُودِ، كالجِلْسَةِ، يُقَال: قَعَدَ قِعْدَةَ الدُّبِّ، وثَرِيدَةٌ كقِعْدَةِ الرَّجُلِ. وقِعْدَةُ الرَّجُل: مِقْدَارُ ما أَخَذَه القَاعِدُ مِن المَكَانِ قعوده.

ويُفْتَح، وفي اللسان: وبالفَتْحِ المَرَّةُ الواحِدَةُ. قال اللِّحيانيُّ: ولها نَظائرُ. وقال اليَزيدِيُّ: قَعَدَ قَعْدَةً واحِدَةً وهو حَسَنُ القِعْدَةِ.

والقِعْدَةُ: آخِرُ وَلَدِكَ، يقال: للذَّكَرِ والأُنْثَى والجَمْعِ، نقلَه الصاغانيّ.

ويقال: أَقْعَدَ البِئرَ: حَفَرَهَا قَدْرَ قِعْدَةٍ بالكسر، أَوْ أَقْعَدَها، إِذا تَرَكَهَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ولَمْ يَنْتَهِ بها المَاءِ وقال الأَصمعيُّ: بِئْرٌ قِعْدَةٌ؛ أَي طُولُها طُولُ إِنسانٍ قاعِدٍ؛ وقال غيره: عُمْقُ بِئْرِنا قِعْدَةٌ وقَعْدَةٌ؛ أَي قَدْرُ ذلك، ومرَرْتُ بماءٍ قِعْدَةَ رَجُلٍ، حكاه سِيبويهِ، قال: والجَرُّ الوَجْهُ، وحكى اللِّحْيَانيُّ: ما حَفَرْتُ في الأَرْضِ إِلَّا قِعْدَةً وقَعْدَةً.

فظهر بذلك أَن الفَتْحَ لُغَةٌ فيه. فاقتصارُ المصنِّف على الكَسْرِ: قُصورٌ، ولم يُنَبّه على ذلك شَيْخُنَا.

وذو القَعْدَةِ، بالفتح ويُكْسَر: شَهْرٌ يَلِي شَوَّالًا، سُمِّيَ به لأَن العرَبَ كانوا يَقْعُدُونَ فِيه عَنِ الأَسْفَارِ والغَزْوِ والمِيرَةِ وطَلَبِ الكَلإِ ويَحُجُّون في ذي الحِجَّةِ، الجمع: ذَوَاتُ القَعْدَةِ يعني: بجمْع ذي وإِفراد القَعْدَة، وهو الأَكثر، وزاد في المِصْباح: وذَوَات القَعَدَاتِ. قلت: وفي التهذيب في ترجمة شعب، قال يونس: ذَوَات القَعَدَاتِ، ثم قال: والقِيَاس أَن يقول: ذَوَاتُ القَعْدَة.

والقَعَدُ، مُحَرَّكَةً، جمعُ قاعدٍ، كما قالوا حَارِسٌ وحَرَسٌ، وخادِمٌ وخَدَمٌ. وفي بعض النسخ: القَعَدَةُ. بزيادة الهاءِ ومثله في الأَساس، وعبارته: وهو من القَعَدَةِ قَوْمٍ من الخَوَارِج قَعَدُوا عن نُصْرَةِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه و [عن] مُقَاتَلَتِه، وهو مَجاز. ومَنْ يَرَى رَأْيَهُمْ أَي الخوارِجِ قَعَدِيُّ، مُحَرَّكَةً كَعَرَبِيٍّ وعَرَبٍ، وعَجَمِيٍّ وعَجَمٍ، وهم يَرَوْنَ التَّحْكِيمَ حَقًّا، غيرَ أَنّهُمْ قَعَدُوا عَن الخُرُوجِ على الناسِ؛ وقال بعضُ مُجَّان المُحْدَثِينَ فيمَن يَأْبَى أَنْ يَشْربَ الخَمْرَ وهو يسْتَحْسِن شُرْبَها لِغَيْرِه، فشَبَّهه بالذي يَرَى التَّحْكِيمَ وقد قَعَد عنه فقال:

فَكَأَنِّي وَمَا أُحَسِّن مِنْهَا *** قَعَدِيٌّ يُزَيِّنُ التَّحْكِيمَا

والقَعَدُ: الذينَ لا دِيوانَ لَهُمْ، وقيل: القَعَدُ: الذين لا يَمْضُونَ إِلى القِتَالِ، وهو اسمٌ للجَمْع، وبه سُمِّيَ قَعَدُ الحَرُورِيَّة، ويقال: رَجُلٌ قاعِدٌ عن الغَزْوِ وقَوْمٌ قُعَّادٌ وقاعِدُون، وعن ابنِ الأَعرابيّ: القَعَدُ: الشُّرَاةُ الذين يُحَكِّمُونَ ولا يُحَارِبُون، وهو جمعُ قاعدٍ، كما قالُوا حَرَسٌ وحارِسٌ.

وقال النضْرُ: القَعَدُ: العَذِرةُ والطَّوْفُ.

والقَعَدُ: أَن يَكونَ بِوَظِيفِ البَعِير تَطَامُنٌ واسْتِرْخَاءٌ، وجملٌ أَقْعَدُ، من ذلك، والقَعَدَة، بِهَاءٍ: مَرْكَبٌ للنِّساءِ، هكذا في سائر النُّسخ التي عندنا، والصواب على ما في اللسان والتكملة: مَرْكَب الإِنسان، وأَمّا مَرْكَب النِّساءِ فهو القَعِيدةُ، وسيأْتي في كلام المصنف قريبًا. والقَعَدَةُ أَيضًا الطِّنْفِسَةُ التي يُجْلَس عليها وما أَشبهَها.

وقالوا: ضَرَبَه ضَرْبَةَ ابْنَة اقْعُدِي وقُومِي أَي ضَرْبَ الأَمَة، وذلك لِقُعودِهَا وقِيَامِها في خِدْمَة مَوالِيها، لأَنها تُؤْمَر بذلك، وهو نَصُّ كلامِ ابنِ الأَعرابيّ.

وأُقْعِد الرَّجُلُ: لم يَنْهَضْ، وقال ابنُ القَطَّاع: مُنِعَ القِيَامَ، وبه قُعَادٌ، بالضمّ، وإِقْعَادٌ أَي، دَاءٌ يُقْعِدُه، فهو مُقْعَدٌ، إِذا أَزْمَنَه داءٌ في جَسَدِه حتى لا حَرَاك به، وهو مَجَازٌ. وفي حديث الحُدُودِ: «أُتِيَ بامرأَةٍ قد زَنَتْ، فقال مِمَّنْ؟ قالت: من المُقْعَد الذي في حائِطِ سَعْدٍ»، قال ابنُ الأَثير: المُقْعَد: الذي لا يَقْدِر على القِيَامِ لِزَمَانَةٍ به، كأَنَّه قد أَلْزِم القُعُودَ، وقيل: هو من القُعَادِ الذي هو الدَّاءُ يأُخُذُ الإِبلَ في أَوْرَاكِها فيُمِيلُها إِلى الأَرض.

ومن المَجاز: أَسْهَرَتْنِي المُقْعَدَاتُ وهي الضَّفَادِعُ، قال الشَّمَّاخُ:

تَوَجَّسْنَ وَاسْتَيْقَنَّ أَنْ لَيْسَ حَاضِرًا

وجَعل ذُو الرُّمَّةِ فِرَاخ القَطَا قَبْلَ أَنْ تَنْهَضَ للطَّيَرانِ مُقْعَدَاتٍ فقال:

إِلى مُقْعَدَاتٍ تَطْرَحُ الرِّيحُ بِالضُّحَى *** عَلَيْهِنَّ رَفْضًا مِنْ حَصَادِ القَلَاقِلِ

وقال أَبو زيدٍ قَعَدَ الرجلُ: قَامَ، وروى أُبَيُّ بنُ كعْبٍ: «عن النبيّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم أَنّه قَرَأَ: {فَوَجَدا فِيها جِدارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} فهدَمه ثُمَّ قَعَدَ يَبْنِيه، قال أَبو بكرٍ: معناه ثُمَّ قامَ يَبنيه» وقال الَّلعِين المِنْقَرِيّ واسمُه مُنَازِلٌ، ويُكنى أَبا الأُكَيْدرِ:

كَلَّا وَرَبِّ البَيْتِ يا كَعَابُ *** لَا يُقنِعُ الجَارِيَةَ الخِضَابُ

ولَا الوِشَاحَانِ وَلَا الجِلْبَابُ *** مِنْ دُونِ أَنْ تَلْتَقِيَ الأَرْكَابُ

ويَقْعُدَ الأَيْرُ لَهُ لُعَابُ

أَي يَقُوم. وقَعَد: جَلَس، فهو ضِدٌّ. صَرَّح به ابنُ القَطَّاع في كتابِه، والصَّاغانيُّ وغيرُه.

ومن المجاز: قَعَدت الرَّخَمَةُ، إِذا جَثَمَتْ، ومن المَجَازِ: قعَدَدَت النَّخْلَةُ: حَمَلَتْ سَنَةً ولمْ تَحْمِلْ أُخْرَى، فهي قاعِدَةٌ، كذا في الأَساس، وفي الأَفعال: لم تَحْمِل عَامَهَا.

وقَعَدَ فُلانٌ بِقِرْنةِ: أَطَاقَهُ و [قَعَد] بَنُو فُلانٍ لبَنِي فُلانٍ يَقْعُدُون: أَطاقُوهُم وجَاءُوهم بأَعْدَادِهِم.

ومن المَجاز: قَعَدَ للحَرْبِ: هَيَّأَ لَهَا أَقْرَانَها، قال:

لأُصْبِحَنْ ظَالِمًا حَرْبًا رَبَاعِيَةً *** فَاقْعُدْ لَهَا وَدَعَنْ عَنْكَ الأَظَانِينَا

وقوله:

سَتَقْعُدُ عَبْدُ اللهِ عَنَّا بِنَهْشَلٍ

أَي سَتُطِيقُها بأَقْرَانِهَا فتَكْفِينا نحن الحَرْبَ.

ومن المجاز: قَعَدَت الفَسِيلَةُ: صَارَ لَهَا جِذْعٌ تَقْعُد عَلَيْه.

والقَاعِدُ هي، يقال: في أَرْض فُلانٍ مِن القاعِدِ كذا وكذا أَصْلًا، ذَهَبُوا به إِلى الجِنْسِ، أَو القاعِدُ من النَّخْلِ: التي تَنَالُهَا اليَدُ، وقال ابنُ الأَعرابيّ في قول الراجز:

تُعْجِلُ إِضْجَاعَ الجَشِيرِ القَاعِدِ

قال: القاعِدُ: الجُوَالِقُ المُمْتَلِي‌ءُ حَبًّا كأَنَّه من امتلائه قاعِدٌ. والجَشِير: الجُوَالِق.

ومن المجاز: القَاعِدُ من النساءِ: التي قَعَدَتْ عَنِ الوَلَدِ و [عَن] الحَيض و [عن] الزَّوْجِ، والجمْعُ قَوَاعِدُ. وفي الأَفعال: قَعَدت المرأَةُ عن الحَيْضِ: انقَطَعَ عنهَا، وعن الأَزواج: صَبَرتْ، وفي التنزيل: {وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ}، قال الزجَّاجُ: هن اللواتي قَعَدْنَ عن الأَزواجِ، وقال ابن السّكّيت: امرأَةٌ قاعِدٌ. إِذا قَعَدَتْ عن المَحيضِ، فإِذا أَرَدْتَ القُعُودَ قلت: قاعِدَةٌ. قال: ويقولون: امرأَةٌ واضِعٌ، إِذا لم يكن عليها خِمَارٌ، وأَتَانٌ جامِعٌ إِذا حَمَلَت، وقال أَبو الهيثم: القواعِدُ من [صِفات]: الإِناث، لا يقال: رِجَالٌ قواعدُ.

وفي حديث أَسماءَ الأَشْهَلِيَّةِ: «إِنَّا مَعاشِرَ النِّسَاءِ مَحْصوراتٌ مقصوراتٌ قَوَاعِدُ بُيُوتِكم، وحَوَامِلُ أَوْلادِكم» قال ابن الأَثير: القواعِدُ: جمع قاعِدٍ، وهي المرأَةُ الكبيرةُ المُسِنَّةُ، هكذا يقال بغير هاءٍ؛ أَي أَنها ذاتُ قُعُودٍ، فأَمَّا قاعِدةٌ فهي فاعِلَة من قولِك قَدْ قَعَدَتْ قُعُودًا، ويجمع على قواعِدَ أَيضًا. وقَوَاعِدُ الهَوْدَجِ: خَشَبَاتٌ أَرْبَعُ مُعْترِضَة تَحْتَه رُكِّب فِيهِنَّ الهَوْدَجُ.

ورَجُلٌ قُعْدِيٌّ، بالضمّ والكسر: عاجِزٌ، كأَنه يُؤْثِر القُعُودَ، وكذلك ضُجْعِيٌّ وضِجْعِيّ، إِذا كان كثير الاضْطِجَاعِ.

ويقال: فلانٌ قَعِيدُ النَّسَبِ ذو قُعْدَدٍ ورجل قُعْدُدٌ بضمّ الأَوّل والثالث وقُعْدَدٌ بضم الأَوّل وفتح الثالث أَثبتَه الأَخْفَشُ ولم يُثْبِته سيبويه وأَقْعَدُ، وقُعْدُودٌ بالضمّ، وهذه طائِيَّةٌ: قَرِيبُ الآباءِ مِنَ الجَدِّ الأَكْبَرِ، وهو أَمْلَكُ القَرَابَةِ في النَّسبِ، قال سيبويه: قُعْدُدٌ مُلْحَق بِجُعْشُمٍ، ولذلك ظَهر فيه المِثْلَان.

وفلان أَقْعَدُ من فُلَانٍ؛ أَي أَقْرَبُ منه إِلى جَدِّه الأَكبر، وقال اللِّحْيَانيُّ؛ رجلٌ ذو قُعْدُّدٍ، إِذا كان قريبًا مِن القبيلةِ والعَدَدُ فيه قِلَّةٌ. يقال: هو أَقْعَدُهم؛ أَي أَقرَبُهُم إِلى الجَدِّ الأَكْبَرِ. وأَطْرَفُهُم وأَفْسَلُهم؛ أَي أَبْعَدُهم من الجَدِّ الأَكبرِ، ويقال: فلانٌ طَريفٌ بَيِّنُ الطَّرَافَةِ إِذَا كَان كثيرَ الآباءِ إِلى الجَدِّ الأَكبرِ، ليس بذي قُعْدُدٍ، وقال ابنُ الأَعرابيّ: فلانٌ أَقْعَدُ من فُلانٍ أَي أَقل آباءً، والإِقعادُ: قِلَّةُ الآباءِ والأَجدادِ.

والقُعْدُدُ: البَعِيدُ الآباءِ مِنْه؛ أَي من الجَدِّ الأَكبرِ وهو مَذمومٌ، والإِطْرَافُ كَثْرَتُهم، وهو محمودٌ، وقيل: كلاهُمَا مَدْحٌ. قال الجوهريّ: وكان عبدُ الصَّمدِ بنُ عَلِيّ بن عبد اللهِ الهاشميُّ أَقْعَدَ بني العَبَّاسِ نَسَبًا في زَمانِه، وليس هذا ذَمًّا عندهم، وكان يقال له: قُعْدُّدُ بني هاشم، ضِدُّ، قال الجوهريُّ: ويُمْدَح به مِنْ وَجْهٍ لأَنّ الوَلَاءَ لِلْكُبْرِ، ويُذمُّ به مِن وَجْهٍ لأَنه من أَولادِ الهَرْمَى، ويُنْسَب إِلى الضَّعْفِ، قال الأَعشى:

طَرِفُونَ وَلَّادُونَ كُلَّ مُبَارَكٍ *** أَمِرُونَ لَا يَرِثُونَ سَهْمَ القُعْدُدِ

أَنْشَدَه المَرْزُبانيُّ في مُعْجَم الشعراءِ لأَبِي وَجْزَة السَّعْدِيّ في آلِ الزُّبَيْرِ. ورَجُلٌ مُقْعَدُ النَّسبِ: قَصِيرُه، من الفُعْدُدِ، وبه فَسَّر ابنُ السِّكيتِ قَوْلَ البَعِيثِ:

لَقًى مُقْعَدُ الأَنْسَابِ مُنْقَطَعٌ بِهِ

وقوله: مُنْقَطَعٌ به: مُلْقًى؛ أَي لا سَعْيَ له إِن أَرادَ أَنْ يَسْعَى لم يَكُنْ به عَلَى ذلك قُوَّةُ بُلْغَةٍ؛ أَي شَيْ‌ء يَتَبَلَّغُ به، ويقال: فُلانٌ مُقْعَدُ الحَسَبِ، إِذا لمْ يَكن له شَرَفٌ، وقد أَقْعَدَه آباؤُه وتَقَعَّدُوه، وقال الطِّرِمَّاح يَهجو رجُلًا:

ولكِنَّه عَبْدٌ تَقَعَّدَ رَأْيَهُ *** لِئَامُ الفُحُولِ وارْتِخَاصُ المَنَاكِحِ

أَي أَقْعَدَ حَسَبَه عَن المكارمِ لُؤْمُ آبائِه وأُمَّهَاتِه، يقال: وَرِثَ فلانٌ بالإِقْعَادِ، ولا يُقَال: وَرِثَ بالقُعودِ.

والقُعْدُدُ: الجَبَانُ اللَّئيمُ في حَسَبِه القَاعِدُ عَن الحَرْبِ والمَكارِم وهو مَذمومٌ والقُعْدُدُ: الخَامِلُ قال الأَزهريُّ: رَجلٌ قُعْدُدٌ وقُعْدَدٌ: إِذا كان لئيمًا، مِنَ الحَسَبِ المُقْعَد.

والقُعْدُدُ: الذي يَقْعُد به أَنْسَابُه. وأَنشد:

قَرَنْبَى تَسُوفُ قَفَا مُقْرِفٍ *** لَئِيمٍ مَآثِرُهُ قُعْدُدِ

ويقال: اقتَعَدَ فُلانًا عن السَّخاءِ لُؤْمُ جِنْثِه، ومنه قولُ الشاعرِ:

فَازَ قِدْحُ الْكَلْبِيِّ واقْتَعَدَتْ مَعْ *** زَاءَ عَنْ سَعْيِهِ عُرُوقُ لَئِيمِ

ورجل قُعْدِيٌّ وقُعْدِيَّةٌ، بضمِّهما، ويُكْسَرانِ الأَخيرة عن الصاغانيّ وكذلك رجل ضُجْعِيٌّ بالضمّ ويُكْسَرُ، ولا تَدْخُلُه الهاءُ، وقُعَدَةٌ ضُجَعَةٌ، كهُمَزَةٍ. أَي كَثِيرُ القُعُودِ والاضْطِجَاعِ، وسيأْتي في العين إِن شاءَ الله تعالى.

والقُعُودُ، بالضمّ: الأَيْمَةُ، نَقَلَه الصاغانيّ، مصدر آمَتِ المرأَةُ أَيْمَةً، وهي أَيِّمٌ، ككَيِّس، من لا زَوْجَ لها، بِكْرًا كانت أَو ثَيِّبًا، كما سيأْتي.

والقَعُودُ، بالفتح: ما* اتَّخذه الراعِي للرُّكوب وحَمْلِ الزَّادِ والمَتَاع. وقال أَبو عبيدةَ: وقيل: القَعُودُ من الإِبل هو الذي يَقْتَعِدُه الرَّاعِي في كُلِّ حاجَةٍ، قال: وهو بالفَارِسِيّة رَخْتْ كالقَعُودَةِ، بالهَاءِ، قاله الليثُ، قال الأَزهريّ: ولم أَسْمَعْه لغيرِه. قلت: وقال الخليلُ: القَعُودَةُ من الإِبل: ما يَقْتَعِدُه الراعي لحَمْلِ مَتاعِه. والهاءُ للمبالَغَةِ، ويقال: نِعْمَ القُعْدَة هذا، وهو بالضمّ المُقْتَعَدُ.

واقْتَعَدَهُ: اتَّخَذَه قُعْدَةً، وقال النضْر: القُعْدَة: أَن يَقْتَعِدَ الراعِي قَعُودًا مِن إِبلِه فيَرْكَبه، فجَعَل القُعْدَةَ والقَعُودَ شيئًا واحدًا، والاقْتِعَادُ: الرُّكوبُ، ويقول الرجُلُ للراعي: نَسْتَأْجِرُك بكذا، وعلينا قُعْدَتُك. أَي عَلَيْنا مَرْكَبُك، تَرْكَبُ من الإِبل ما شِئْتَ ومتَى شِئْت. الجمع: أَقْعِدَةٌ وقُعُدٌ، بضمتين وقِعْدَانٌ، بالكسر، وقعائِدُ، وقَعَادِينُ جَمْعُ الجَمْعِ.

والقَعُود: القَلُوصُ، وقال ابن شُمَيْل: القَعُودُ، من الذُّكور، والقَلُوص، من الإِناث، والقَعود أَيضًا البَكْرُ إِلى أَن يُثْنِيَ؛ أَي يَدخل في السَّنَة الثانية.

والقَعُود أَيضًا: الفَصِيلُ، وقال ابنُ الأَثير: القَعُود من الدَّوَابِّ: ما يَقْتَعِده الرجُلُ للرُّكُوب والحَمْلِ، ولا يَكُونُ إِلَّا ذَكَرًا، وقيل: القَعُودُ ذَكَرٌ، والأُنثَى قَعُودَةٌ. والقَعُود من الإِبل: ما أَمْكَن أَنْ يُرْكَبَ، وأَدْنَاه أَن يَكُون له سَنَتَانِ، ثم هو قَعُودٌ إِلى أَن يُثْنِيَ فيَدْخُل في السَّنَةِ السَّادِسَة، ثم هو جَمَلٌ. وذكر الكِسَائيُّ أَنه سَمِعَ مَن يقول: قَعُودَةٌ للقَلُوصِ، وللذَّكر قَعُودٌ. قال الأَزهريّ: وهذا عند الكسائيّ مِن نوادِرِ الكَلَامِ الذي سَمِعْتُه من بعضهم. وكلامُ أَكثرِ العَرَبِ عَلَى غَيرِه، وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: هي قَلُوصٌ للبَكْرَة الأُنْثَى، وللبَكْرِ قَعُودٌ مِثْل القَلُوصِ إِلى أَن يُثْنِيَا، ثم هو جَمَلٌ، قال الأَزهَرِيّ: وعلى هذا التفسيرِ قولُ مَن شاهَدْتُ من العَربِ: لا يَكون القَعُودُ إِلَّا البَكْر الذَّكَر، وجَمْعُه قِعْدَانٌ، ثم القَعَادِينُ جَمْعُ الجمْعِ. وللبُشْتِيّ اعتراضٌ لَطِيفٌ على كلامِ ابنِ السِّكيتِ وقد أَجابَ عنه الأَزهريُّ وخَطَّأَه فيما نسَبَه إِليه. راجِعْه في اللسان.

والقَعِيدُ: الجَرَادُ الذي لَمْ يَسْتَوِ جَنَاحُه، هكذا في سائر النُّسخ بالإِفراد، وفي بعض الأُمهات: جَناحَاه بَعْدُ.

والقَعِيد: الأَبُ، ومنه قولهم قَعِيدَكَ لَتَفْعَلَنَّ كذا؛ أَي بِأَبِيكَ قال شيخنا: هو مِن غَرائِبه انفرَدَ بِهَا، كحَمْلِه في القَسَم على ذلك، فإِنه لم يَذْكُره أَحدٌ في معنى القَسَمِ وما يتعلّق به، وإِنما قالوا إِنه مَصْدَر كعَمْرِ اللهِ. قلت: وهذا الذي قاله المصنّف قولُ أَبي عُبَيْدٍ. ونَسَبَه إِلى عَلْيَاءِ مُضَرَ وفسَّره هكذا. وتَحَامُلُ شيخِنا عليه في غيرِ مَحلّه، مع أَنه نقل قول أَبي عُبَيْدٍ فيما بعْدُ، ولم يُتَمِّمْه، فإِنه قالَ بعد قوله عَلْياء مُضَر: تقولُ قَعِيدَك لتَفْعَلَنَّ. القَعِيدُ: الأَبُ، فحذف آخِرَ كلامِه. وهذا عجيبٌ. وقولهم قَعِيدَك الله لا أَفعل ذلك وقِعْدَك الله، بالكَسْرِ، ويقال بالفتح أَيضًا، كما ضَبَطَه الرَّضِيُّ وغيرُه، قال مُتَمِّم بنُ نُوَيْرةَ:

قَعِيدَكِ أَنْ لا تُسْمِعِيني مَلَامَةً *** ولا تَنْكَئِي قَرْحَ الفُؤَاد فَيَيجَعَا

استعطافٌ لا قَسَمٌ، قال ابنُ بَرِّيٍّ في الحواشِي في تَرْجَمَةِ وجع في بَيت مُتَمّم السابِق، وقال: كذا قالَه أَبو عليٍّ، ثم قال: بِدليل أَنّه لم يَجِئْ جَوابُ القَسَمِ. ونصُّ عبارَة أَبي عَلِيٍّ: والدليلُ على أَنه ليس بقَسم كَوْنُه لم يُجَبْ بِجَوابِ القَسَمِ. وهو أَي قَعيدَك الله مَصْدَرٌ واقِعٌ مَوْقِعَ الفِعْل بمنزلَة عَمْرَكَ الله في كونِه يَنْتَصِب انتصابَ المَصَادِرِ الواقِعَةِ مَوْقِعَ الفِعْلِ أَي عَمَرْتُكَ الله، ومعناه: سأَلْتُ الله تَعْمِيرَكَ، وكذلك قِعْدُكَ الله بالكسر تَقْديره قِعْدك الله، هكذا في سائر النّسخ. ونصّ عبارة أَبي عَليٍّ: قَعَّدْتُك اللهَ أَي سأَلتُ الله حِفظَك، من قوله تعالى: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ أَي حفيظ، انتهت عبارَةُ ابْنِ بَرِّيّ نقلًا عن أَبي عَلِيّ. فإِذا عَرَفْتَ ذلك فقولُ شيخِنا: وقولُه استعطاف لا قَسَمٌ مُخَالِفٌ للجمهور، تَعَصُّبٌ على المصنّف وقُصُور.

وقال أَبو الهَيْثم: القَعِيدُ: المُقَاعِدُ الذي يُصاحِبك في قُعُودِك، فَعِيل بمعنى مُفَاعِل، وقَاعَدَ الرجُلَ: قَعَدَ معه، وأَنشد للفرزدق:

قَعِيدَكُما اللهَ الذي أَنْتُمَا لَه *** أَلَمْ تَسْمَعَا بِالبَيْضَتَيْنِ المُنَاديَا

والقَعِيد: الحَافِظ، للواحِدِ والجَمْعِ والمُذكّر والمُؤنَّث بلفظٍ واحِدٍ، وهما قَعِيدَانِ وفَعِيلٌ وفَعُول ممَّا يَستوِي فيه الواحِدُ والاثنانِ والجمعُ، كقوله تعالى: {إِنّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ} وكقوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ} وبه فسِّر قولُه تَعالَى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ} وقال النحويّون: معناه: عن اليَمِين قَعِيدٌ وعن الشِّمالِ قَعِيدٌ، فاكْتُفِى بذِكْرِ الواحدِ عن صاحِبِه، وله أَمثِلَةٌ وشواهدُ. راجع في اللسان وأَنشد الكسائيُّ لِقُرَيْبَةَ الأَعرابيّة.

قَعِيدَكِ عَمْرَ اللهِ يا بِنْتَ مَالِكٍ *** أَلَمْ تَعْلَمِينَا نِعْمَ مَأْوَى المُعَصِّبِ

قال: ولم أَسْمَعْ بيتًا اجْتَمَع فيه العَمْرُ والقَعِيد إِلّا هذا.

وقال ثعلبٌ: إِذا قُلْتَ قَعِيدَكُما اللهَ. جاءَ مَعه الاستفهامُ واليمين، فالاستفهامُ كقوله: قَعِيدَكُما اللهَ أَلَمْ يَكنْ كَذا وكذا؟ وأَنشد قَوْلَ الفَرزدقِ السابِقَ ذِكْرُه. والقَسمُ قَعِيدَكَ اللهَ لأُكْرِمَنَّكَ، ويقال: قعِيدَكَ اللهَ لا تَفْعَلْ كذا، وقَعْدَكَ اللهَ بفتح القافِ، وأَمَّا قِعْدَكَ فلا أَعْرفه، ويقال: قَعَدَ قَعْدًا وقُعُودًا، وأَنشد:

فَقَعْدَكِ أَنْ لَا تُسْمِعِيني مَلَامَةً

وقال الجوهريّ: هي يَمِينٌ للعربِ وهي مصادرُ استُعْمِلت مَنصوبةً بفعْلٍ مُضمَرٍ.

والقَعِيدُ: ما أَتَاكَ منْ وَرَائِكَ مِنْ ظَبْيٍ أَو طائرٍ يُتَطَيَّرُ منه، بخلافِ النَّطِيح، ومنه قول عَبِيد بن الأبْرَصِ:

ولَقَدْ جَرَى لَهُمُ ولَمْ يَتَعَيَّفُوا *** تَيْسٌ قَعِيدٌ كالوَشِيجَةِ أَعْضَبُ

ذكره أَبو عُبَيْد في بابِ السَّانِح والبَارِح.

والقَعِيدَة بهاءٍ: المرأَةُ، وهي قَعِيدَةُ الرّجلِ وقَعِيدَةُ بَيْتِه، قال الأَسْعَرُ الجُعْفِيُّ:

لكِنْ قَعِيدَةُ بَيْتِنَا مَجْفُوَّةٌ *** بَادٍ جَنَاجِنُ صَدْرِهَا ولَهَا غِنَى

والجمعُ قَعَائدُ، وقَعِيدةُ الرجُلِ: امرأَتُه، قال:

أُطَوِّفُ ما أُطَوِّفُ ثُمَّ آوِي *** إِلى بَيْتٍ قَعِيدَتُه لَكَاعِ

وكذلكِ قِعَادُه، قال عبدُ الله بن أَوْفَى الخُزَاعِيّ في امرأَتِه:

مُنَجَّدَةٌ مِثْلُ كَلْبِ الهِرَاشِ *** إِذَا هَجَعَ النَّاسُ لَمْ تَهْجَعِ

فَلَيْسَتْ بِتَارِكَةٍ مَحْرَمًا *** وَلَوْ حُفَّ بالأَسَلِ المُشْرَع

فَبِئْسَتْ قِعَادُ الفَتَى وَحْدَهَا *** وبِئْسَتْ مُوَفِّيَةُ الأَرْبَعِ

والقَعيدَة أَيضًا شيْ‌ءٌ تَنْسُجُه النساءُ كالعَيْبَةِ يُجْلَسُ عليه، وقد اقْتَعَدَها، جمْعُها قَعَائدُ، قال امرُّؤُ القَيْس:

رَفَعْنَ حَوَايَا واقْتَعَدْنَ قَعَائِدًا *** وحَفَّفْنَ مِنْ حَوْكِ العِرَاقِ المُنَمَّقِ

والقَعِيدة أَيضًا: الغِرَارَةُ أَو شِبْهُها يكونُ فيها القَدِيدُ والكَعْكُ وجَمعُها قَعائدُ، قال أَبو ذُؤَيْب يَصف صائدًا:

لَهُ مِنْ كَسْبِهِنَّ مُعَذْلَجَاتٌ *** قَعائِدُ قَدْ مُلِئْنَ مِنَ الوَشِيقِ

والضمير في كَسْبِهنّ يَعود عَلَى سِهامٍ ذَكَرها قَبْلَ البيتِ. ومُعَذْلَجَاتٌ: مَمْلُوآت. والوَشِيق: ما جَفَّ مِن اللّحْمِ، وهو القَدِيدُ.

والقَعِيدَةُ من الرَّمْلِ: التي ليسَتْ بمُسْتطيلةٍ، أَو هي الحَبْل اللاطِئُ بالأَرْضِ، بفتح الحاءِ المُهملة وسكون المُوَحَّدة، وقيل هو ما ارْتكمَ منه.

وتَقَعَّدَهُ: قَامَ بأَمْرِه، حكاه ثعلب وابن الأَعرابيّ.

وتَقَعَّدَه: رَيَّثَه عَنْ حَاجَتِه وعَاقَه.

وتَقَعَّدَ فُلانٌ عن الأَمْرِ إِذا لم يَطْلُبْهُ، وقال ثعلب: قَعْدُك الله بالفتح ويُكْسَر، كما تقدّم، وبهما ضبطَ الرضيُّ وغيره، وزعم شيخُنا أَن المصنف لم يذكر الكسر فنسبه إِلى القصور وقَعِيدُك اللهَ لا آتيك، كلاهُما بمعنى نَاشَدْتُك الله، وقيل قَعْدَك الله وقَعِيدَك الله أَي كأَنَّه قاعِدٌ مَعَك بِحفْظِهِ، كذا في النُّسخ، وفي بعض الأُمَّهَاتِ يحفظ عَلَيْكَ قَوْلَك قال ابن منظور: وليس بِقَوِيٍّ، قال أَبو عُبَيْدٍ: قال الكسَائيُّ: يقال قِعْدك الله أَي الله مَعَك أَو مَعْنَاهُ بِصَاحِبِك الذي هو صاحِبُ كلِّ نَجْوَى كما يقال، نَشَدْتُك الله، وكذا قولهم قَعِيدَك لا آتيكَ وقَعْدَك لا آتيك، وكلّ ذلك في الصّحاح. وقد تقدّم بعضُ عِبارته، قال شيخُنَا: وصَرَّح المازنيُّ وغيره بأَنَّه لا فِعْلَ لقَعيدٍ، بخلاف عَمْرَك الله، فإِنهم بَنَوْا منه فِعْلًا، وظاهرُ المُصَنِّف بل صَرِيحُه كجَماعةٍ أَنه يُبْنَى مِن كُلٍّ منهما الفعْلُ. وفي شُرُوحِ الشواهِد: وأَمَّا قَعْدَك الله وقَعيدَك الله فقيل: هما مَصدرانِ بمعنى المُرَاقَبَةِ، وانتصابُهما بتقديرِ أُقْسِم بِمُراقَبتِك الله، وقيل: قَعْد وقَعِيد بمعنى الرَّقيب والحفيظ، فالمعْنِيُّ بهما الله تعالى، ونَصبهما بتقدير أُقْسِم، مُعَدًّى بالباءِ. ثم حُذف الفِعل والباءُ وانتصبا وأُبْدِل منهما الله.

وعن الخليل بن أَحمد المُقْعَدُ مِن الشِّعْرِ: كُلُّ بيتٍ فيه زِحَافٌ ولم يَرِد به إِلَّا نُقصانُ الحَرْفِ من الفاصلة أَو ما نُقِصَتْ مِنْ عَروضِه قُوَّةٌ كقول الرَّبيع بن زِيادٍ العَبْسِيّ:

أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مَالِكِ بْنِ زُهَيْر *** تَرْجُو النِّسَاءُ عَوَاقِبَ الأَطْهَارِ

والقول الأَخير قاله ابنُ القَطَّاع في الأَفعال له، وأَنشد البيت، قال أَبو عبيدة: الإِقواءُ نُقْصَانُ الحُرُوفِ من الفاصلة فَتَنْقُص مِن عَرُوض البيت قُوَّةٌ، وكان الخليلُ يُسَمِّي هذا: المُقْعَدَ، قال أَبو منصورٍ: هذا صحيحٌ عن الخليل، وهذا غيرُ الزِّحافِ، وهو عَيْبٌ في الشِّعْر، والزِّحَافُ ليس بعَيْب. ونقلَ شيخُنا عن علماءِ القوافي أَنّ الإِقْعَادَ عِبَارَةٌ عن اختلافِ العَرُوض مِن بَحْرِ الكامِل، وخَصُّوه به لكثرةِ حَرَكاتِ أَجزائه، ثم أَقامَ النَّكِير على المُصَنِّف بأَن الذي ذَهَبَ إِليه لم يُصَرِّحْ به أَحدٌ من الأَئمّة، وأَنه أَدْخَل في كِتابه مِن الزِّيادَة المُفْسِدة التي يَنْبَغِي اجتنابُها، إِذ لم يَعْرِفْ مَعناها، ولا فَتَحَ لهم بابَها، وهذا مع ما أَسْبَقْنَا النَّقْلَ عن أَبي عُبَيْدَة والخَليلِ وهُمَا هُمَا مِمَا يَقْضِي به العَجَبُ، والله تعالَى يُسامِح الجميعَ بفَضْلِه وكَرَمِه آمِين.

والمُقْعَدُ اسم رَجُل كانَ يَرِيشُ السِّهَامَ بالمَدينة، وكان مُقْعَدًا، قال عاصِم بنُ ثابِتٍ الأَنصاريُّ رضي ‌الله‌ عنه، حين لَقِيَه المُشْرِكون ورَمَوْه بالنَّبْل:

أَبُو سُلَيْمَانَ وَرِيشُ المُقْعَدِ *** وَمُجْنَأٌ مِنْ مَسْكِ ثَوْرٍ أَجْرَدِ

وَضَالَةٌ مِثْلُ الجَحِيمِ المُوقَدِ *** وصَارِمٌ ذُو رَوْنَقٍ مُهَنَّدِ

وإِنما خُفِض مُهَنَّد على الجِوار أَو الإِقواءِ؛ أَي أَنا أَبو سليمان، ومعي سِهامٌ رَاشَهَا المُقْعَدُ. فما عُذْرِي أَن لا أُقاتل؟ قال الصاغانيّ: ويُرْوَى المُعْقَد، بتقديم العين وقيل: المُقْعَدُ: فَرْخُ النَّسْرِ، ورِيشُه أَجْوَدُ الرِّيشِ، قاله أَبو العباس، نقلًا عن ابنِ الأَعرابيّ وقيل: المُقْعَد: النَّسْرُ الذي قُشِبَ له فصِيدَ وأُخِذَ رِيشُه وقيل: المُقْعَدُ: فَرْخُ كُلِّ طائر لَمْ يَسْتَقِلَّ، كالمُقَعْدِدِ، فيهما أَي في النَّسْرِ وفَرْخِهِ، والذي ثَبتَ عن كُراع: المُقَعْدَدُ: فَرْخ النَّسرِ.

ومن المَجاز: المُقْعَدُ مِن الثَّدْيِ: الناتئُ على النَّحْرِ مِلْ‌ءَ الكَفِّ، النَّاهِدُ الذي لم يَنْثَنِ بَعْدُ ولم يَتَكَسَّرْ، قال النابِغَة:

والبَطْنُ ذُو عُكَنٍ لَطِيفٌ طَيُّهُ *** والإِتْبُ تَنْفُجُه بِثَدْيٍ مُقْعَدِ

ومن المجاز رَجُلٌ مُقْعَدُ الأَنْفِ إِذا كان في مَنْخِرَيْهِ سَعَةٌ وقِصَرٌ.

والمُقْعَدَةُ بهاءٍ: الدَّوْخَلَّةُ مِنَ الخُوصِ، نقله الصاغانيّ. والمُقْعَدَة: بئر حُفِرَتْ فَلَمْ يَنْبَطْ مَاؤُها وتُرِكَتْ، وهي المُسْهَبَةُ عندهم.

والمُقْعَدَانُ، بالضمّ: شَجرةٌ تَنْبُتُ نَبَاتَ المَقِرِ ولا مَرارةَ لها، يَخرُجُ في وَسَطِها قَضيبٌ يَطولُ قامَةً، وفي رأْسِهَا مثْل ثَمَرَة العَرْعَرةِ صُلْبَةٌ حمراءُ يتَرامَى بها الصِّبيَانُ ولا تُرْعَى.

قاله أَبو حنيفة.

وعن ابن الأَعرابيّ: حَدَّدَ شَفْرَتَه حَتَّى قَعَدَتْ كأَنَّهَا حَرْبَةٌ؛ أَي صَارَتْ وهو مَجازٌ. ولما غفلَ عنه شيخُنَا جعَلَه في آخرِ المادّة من المُسْتَدْرَكَات.

وقال ابن الأَعْرَابيّ أَيضًا ثَوْبَكَ لا تَقْعُدْ تَطِيرُ به الرِّيحُ؛ أَي لا تَصِيرُ الرِّيحُ طائرَةً بهِ ونَصب ثوبَكَ بفعلٍ مُضْمَر؛ أَي احفظْ ثوبَك وقال أَيضًا: قعَدَ لا يسْأَله أَحدٌ حاجَةً إِلَّا قَضَاهَا. ولم يُفَسِّره، فإِن عنَى به صارَ فقد تَقدَّم لها هذه النظائر، واسْتَغْنى بتفسير تلكَ النظائرِ عن تفسيرِ هذه، وإِن كان عنَى القُعُودَ فلا معنَى له، لأَن القُعُود ليست حالٌ أَوْلَى به مِن حالٍ، أَلَا ترَى أَنك تقول: قَعَدَ لا يَمُرُّ به أَحَدٌ إِلَّا يَسبُّه، وقَعَدَ لا يَسْأَلُه سائلٌ إِلَّا حَرَمَه، وغير ذلك مما يُخْبَر به من أَحوالِ القاعد، وإِنما هو كقولِك: قَامَ لا يُسْأَلُ حاجَةً إِلَّا قَضاها. قلت. وسيأْتي في المستدركات ما يتعلَّق به.

والقُعْدَةُ، بالضمّ: الحِمَارُ، الجمع: قُعْدَاتٌ، بضمّ فسكون، قال عُرْوَة بن مَعدِيكربَ:

سَيْبًا عَلَى القُعْدَاتِ تَخْفِقُ فَوْقَهُمْ *** رَايَاتُ أَبْيَضَ كالفَنِيقِ هِجَانِ

والقُعْدَةُ: السَّرْجُ والرَّحْلُ يُقْعَد عليهما، وقال ابنُ دُرَيْد: القُعْدَات: الرِّحَالُ والسُّرُوجُ، وقال غيره: القُعَيْدَات.

وأَقْعَدَه، إِذا خَدَمَه، وهو مُقْعِدٌ له ومُقَعِّد، قاله ابنُ الأَعرابيّ وأَنشد:

ولَيْست لِي مُقْعِدٌ في البَيْتِ يقْعِدُنِي *** ولَا سَوَامٌ ولَا مِنْ فِضَّةٍ كِيسُ

وأَنشد للآخَر:

تَخِذَهَا سُرِّيَّةً تُقَعِّدُهْ

وفي الأَساس: ما لفلان امرأَةٌ تُقْعِده وتُقَعِّده.

ومن المَجاز: أَقْعَدَ أَباهُ: كَفَاهُ الكَسْبَ وأَعانَه، كَقَعَّدَه تَقْعِيدًا، فيهما، وقد تقدَّمَ شاهده.

واقْعَنْدَدَ بالمكانِ: أَقامَ به، وقال ابنُ بُزُرْج يقال: أَقْعَدَ بِذلك المكانِ، كما يُقالُ: أَقَامَ، وأَنشد:

أَقْعَدَ حَتَّى لَمْ يَجِدْ مُقْعَنْدَدَا *** ولَا غَدًا ولَا الَّذِي يَلِي غَدَا

والأَقْعَادُ، بالفَتْح، والقُعَادُ، بالضمّ: دَاءٌ يأْخُذُ في أَوْرَاكِ الإِبلِ والنَّجَائبِ فَيُميلُها إِلى الأَرْضِ. وفي نصّ عِبارة ابنِ الأَعرابيّ: وهو شِبْهُ مَيْلِ العَجُزِ إِلى الأَرض، وقد أُقْعِدَ البَعِيرُ فهو مُقْعَد، وفي كتاب الأَفعال لابن القطّاع: وأُقْعِد الجَمَلُ: أَصابَه القُعَاد، وهو اسْتِرْخاءُ الوَرِكَيْنِ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

المَقْعَدَة: السَّافِلة.

والمَقَاعِدُ: موضِع قُعود النَّاسِ في الأَسْوَاقِ وغيرِهَا.

وعن ابنِ السِّكّيت: يقال: ما تَقَعَّدَنِي عن ذلك الأَمْرِ إِلَّا شُغُلٌ؛ أَي ما حَبَسَني.

وفي الأَفعال لابن القَطَّاع: قَعَد عن الأَمْرِ: تَأَخَّر. وبي عَنْك شُغلٌ حَبَسَني. انتهى.

والعرب تدعو على الرّجل فتقول: حَلَبْتَ قاعِدًا وشَرِبْتَ قائمًا، تقول: لا مَلَكْت غيرَ الشَّاءِ التي تُحْلَبُ مِن قُعُودٍ ولا مَلَكْتَ إِبلًا تَحْلُبُها قائمًا، معناه: ذَهبَتْ إِبلُك فصِرْتَ تَحْلُبُ الغَنَم والشَّاءُ مَالُ الضُّعفاءِ. والأَذلَّاءِ. والإِبلُ مالُ الأَشرافِ والأَقوِيَاءِ.

ويقال: رجلٌ قاعدٌ عن الغَزْوِ، وقَوْمٌ قُعَّادٌ وقاعدُونَ.

وتقَاعَدَ به فُلانٌ، إِذا لم يَخْرُج إِليه منْ حَقَّه.

وما قَعَّدَك واقْتَعَدك: ما حَبَسَك.

والقَعَدُ: النَّخْلُ، وقيل: صِغَارُ النَّخْلِ، وهو جمع قاعِدٍ، كخادمٍ وخَدَمٍ.

وفي المثل: «اتَّخذوه قُعَيِّدَ الحاجات» تصغير القَعُود، إِذا امْتَهنُوا الرَّجُلَ في حَوائجهم.

وقاعَدَ الرَجُلَ: قَعَدَ معه.

والقِعَادَةُ: السَّريرُ، يَمانِيَة.

والقاعِدَة أَصْلُ الأُسِّ. والقَوَاعِدُ الإِسَاسُ وقَوَاعِدُ البيت إِسَاسُه، وقال الزَّجّاج: القَوَاعِد: أَساطِينُ البِنَاءِ التي تَعْمِدُه، وقولُهم: بَنَى أَمْرَه على قَاعِدَةٍ، وقَوَاعِدَ، وقاعِدَةُ أَمْرِك وَاهِيَةٌ، وتَركوا مقاعِدَهم: مَرَاكِزَهم، وهو مَجازٌ، وقواعِدُ السَّحاب: أُصولُها المُعْتَرِضة في آفاق السماءِ، شُبِّهَتْ بقواعِدِ البِنَاءِ، قاله أَبو عُبَيْدٍ، وقال ابنُ الأَثير: المُرَاد بالقواعِدِ ما اعترَضَ منها وسَفَلَ، تَشْبِيهًا بقَوَاعِد البِنَاءِ.

ومن الأَمثَال: «إِذا قام بك الشَّرُّ فاقْعُدْ» قال ابنُ القَطَّاع في الأَفعال: «إِذا نَزَل بك الشرُّ» بدل «قام». وقوله فاقْعُدْ.

أَي احْلُم. قلت: ومعناه ذِلَّ له ولا تَضْطَرِبْ، وله معنًى ثَانٍ؛ أَي إِذا انْتَصَب لك الشّرُّ ولم تَجِدْ منه بُدًّا فانْتَصِبْ له وجاهِدْه، وهذا مما ذَكَرَه الفَرَّاءُ.

وفي اللسان والأَفْعَالِ: الإِقْعَادُ في رِجْلِ الفَرس: أَن تُفْرَشَ جدًّا فلا تَنْتَصِب.

وقعَدَ الرَّجلُ: عَرَجَ، والمُقْعَد: الأَعْرَجُ.

وفي الأَساس: من المَجازِ: قَعَدَ عن الأَمْرِ: تَرَكَه. وقَعَد يَشْتُمُني: أَقْبَلَ. انتهى. والذي في اللسان: الفَرَّاءُ: العَرَبُ تقول: قَعَدَ فُلانٌ يَشْتُمني، بمعنى طَفِقَ وجَعَل، وأَنشد لبعض بني عامر:

لَا يُقْنِعُ الجَارِيَةَ الخِضَابُ *** وَلَا الوِشَاحَانِ ولا الجِلْبَابُ

مِنْ دُونِ أَنْ تَلْتَقِيَ الأَرْكَابُ *** وَيَقْعُدَ الأَيْرُ لَهُ لُعَابُ

ورَحىً قاعِدَةٌ: يَطْحَن الطاحِنُ بها بالرَّائِدِ بِيَدِه.

ومن المَجاز: ما تقَعَّدَه وما اقْتَعَده إِلَّا لُؤْمُ عُنْصُرِه.

ورجُلُ قُعْدُدَةٌ. جَبَانٌ.

والمُقْعَنْدَدُ: موضِعُ القُعود. والنون زائدة قال:

أَقْعَدَ حَتَّى لَمْ يَجِدْ مُقْعَنْدَدَا

وقد أَقْعَدَ بالمكان وأُقْعِد.

وورِثَ المال بالقُعْدَى، كبُشْرَى؛ أَي بالقُعْدُد.

والقَعُود، كصَبور: أَربعَةُ كَواكِبَ خَلْفَ النَّسْرِ الطائِرِ تُسَمَّى الصَّلِيب. والقُعْدُد من الجَبَل: المُسْتَوِي أَعلاه.

ويقال: اقْتَعَد فُلانًا عن السَّخَاءِ لُؤْمُ جِنْثِه، قال:

فَازَ قِدْحُ الكَلْبِيِّ وَاقْتَعَدَتْ مَعْ *** زَاءَ عَنْ سَعْيهِ عُرُوقُ لَئِيمِ

واقْتَعَدَ مَهْرِيًّا: جعلَه قَعُودًا له.

وفي الحديث «نَهَى أَنْ يُقْعَد على القَبْر». قيل: أَرادَ القُعودَ للتَّخَلِّي والإِحْدَاثِ، أَو القُعودَ للإحْدادِ، أَو أَرادَ تَهْوِيلَ الأَمْرِ، لأَن في القُعُودِ عليه تَهاوُنًا بالمَيت والمَوْتِ.

وسَمَّوْا قِعْدَانًا، بالكسر.

وأَخَذَه المُقِيمُ المُقْعِد.

وهذا شَي‌ءٌ يَقْعُدُ به عليك العَدُوُّ ويَقومُ.

* ومما استدْرَكه شيخُنا:

التَّقَعْدُدُ: التَّثَبُّتُ والتَّمَكُّن، استعمله القاضي عياضٌ في الشفاءِ، وأَقَرَّه شُرَّاحُه. والمُقَعَّد، كمُعَظَّم: ضَرْبٌ من البُرُود يُجْلَب مِن هَجَرَ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


29-تاج العروس (شغر)

[شغر]: شَغَرَ الكَلْبُ، كمَنَعَ، يَشْغَرُ شَغْرًا: رَفَع إِحْدَى رِجْلَيْه ليَبُولَ، وقيل: رَفَعَ إِحدَى رِجْلَيْه، بالَ أَوْ لَمْ يَبُلْ، أَو شَغَرَ الكَلْبُ برِجْلِه شَغْرًا: رَفَعَها فبَالَ، وفي الحديث: «فإِذَا نَامَ شَغَرَ الشَّيْطانُ بِرِجْلِهِ فبَالَ في أُذُنِه».

وشَغَرَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ: يَشْغُرُها شُغُورًا، بالضّمّ: رَفَعَ رِجْلَيْهَا للنِّكاحِ.

وفي بعضِ الأُصولِ رِجْلَهَا بالإِفْرادِ، ونقل الصّاغاني عن ابنِ دُرَيْدٍ: شَغَرَ الرجلُ المرأَةَ إِذَا رفعَ برِجْلَيْها للجِماعِ، كأَشْغَرَها فشَغَرَتْ، وفي حَدِيث عليٍّ: «قَبْلَ أَنْ تَشْغَرَ برِجْلِها فِتْنَةٌ تَطَأُ في خِطَامِها».

ونَقلَ شيخُنَا عن ابنِ نُبَاتَةَ في كتابه «مَطَلع الفَوَائِد»: الشَّغْرُ: هو رَفْعُ الرِّجْلِ لا لِخُصُوصِ نِكَاحٍ أَو بَوْلٍ، ثمّ استُعِير للنِّكاحِ والبَوْلِ، انْتَهَى. قال شيخُنا: وصَنِيعُ المصنِّف كالجَوْهَرِيّ، والفيّومِيّ يخالِفُه، فتأَمّل.

وشَغَرَت الأَرْضُ والبَلَدُ تَشْغُر شُغُورًا، من باب كتَبَ ـ على ما صَرّح به الفَيُّومي في المِصْباح ـ: خلَتْ من النّاس، ولم يَبْقَ بها أَحَدٌ يَحْمِيها ويَضْبُطُها، فهي شَاغِرَةٌ.

والشِّغَارُ، بالكَسْرِ، من نِكَاحِ الجاهِلِيَّة: هو أَنْ تُزَوِّجَ الرَّجُلَ امْرَأَةً ما كانَتْ على أَنْ يُزَوِّجَكَ أُخْرَى بغَيْرِ مَهْرٍ، وقال الفَرّاءُ: الشِّغَارُ: شغَارُ المُتَناكِحين.

ونَهَى رسولُ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم عن الشِّغارِ، قال الشّافِعِيُّ، وأَبو عُبَيْد، وغيرُهما من العُلماءِ: الشِّغَارُ المَنْهِيُّ عنه أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجلُ [الرجلَ] حَرِيمَتَه على أَن يُزَوِّجَه المُزَوَّجُ حَرِيمَةً له أُخْرَى، ويَكُونُ صَدَاقُ كُلِّ واحدةٍ بُضْع الأُخْرَى، كأَنّهما رَفَعَا المَهْرَ، وأَخْلَيَا البُضْعَ عنه، وفي الحَدِيثِ: «لا شِغَارَ في الإِسْلامِ» وفي رواية: «نَهَى عن نِكَاحِ الشَّغْرِ» أَو يُخَصُّ بِهَا القَرائِبُ، فلا يكونُ الشِّغَارُ إِلّا أَنْ تُنْكِحَه وَلِيَّتَك على أَن يُنْكِحك وَلَّيْتَه، وقد شاغَرَه.

والشِّغَارُ: أَيضًا: أَنْ يَبْرُزَ رَجُلانِ من العَسْكَرَيْن، فإِذَا كادَ أَحَدُهما أَن يَغْلِبَ صاحِبَه جاءَ اثْنَانِ ليُعِينَا أَحدَهُمَا فيَصِيحِ الآخرُ: لا شِغَارَ، لا شغَارَ.

وقال ابنُ سِيدَه: هو أَنْ يَعْدُوَ الرَّجُلانِ على الرَّجُلِ.

والشَّغْرُ، بالفتح: الإِخْرَاجُ، قال أَبو عَمْرو: شَغَرْتُه عن الأَرْضِ؛ أَي أَخْرَجْتُه، وأَنشد الشَّيْبَانِيّ:

ونَحْنُ شَغَرْنَا ابْنَيْ نِزَارٍ كِلاهُمَا *** وكَلْبًا بوَقْعٍ مُرْهِبٍ مُتَقَارِبِ

وقال غيره: الشِّغَارُ: الطَّرْدُ، يقال: شَغَرُوا فُلانًا عن بَلَدِه شَغْرًا وشِغَارًا، إِذا طَرَدُوه ونَفَوْه.

والشَّغْرُ: البُعْدُ، قاله الفَرّاءُ: وقد شَغَرَ البَلَدُ، إِذا بَعُدَ من النَّاصِرِ والسُلْطانِ ومَنْ يَضْبُطُه.

ومن المَجَاز: يُقَال: بَلْدَةٌ شاغِرَةٌ برِجْلِها، إِذا لم تَمْتَنِعْ من غارَةِ أَحَدٍ؛ لخُلُوِّها عَمَّن يَحْمِيهَا.

والشَّغْرُ: التَّفْرِقَةُ، ومنه: تَفَرَّقَت الغَنَمُ شَغَرَ بَغَرَ، على ما سيأْتي.

والشَّغْرُ: أَن يَضْرِبَ الفَحْلُ برَأْسِه تَحْتَ النُّوق من قِبَلِ ضُرُوعِهَا، فيَرْفَعَها فَيَصْرَعَهَا.

وشَاغِرٌ، ويقال: أَبو شَاغِرٍ: فَحْلٌ معروفٌ مِن آبَالِهِم كانَ لمالِكِ بنِ المُنْتَفِق الصُّبَاحِيّ قال عُمَرُ بنُ الأَشْعَثِ بنِ لَجَإِ:

قَدْ دُحِسَتْ منه العِظَامُ دَحْسَا *** أَدْهَمَ أَحْوَى شاغِرِيًّا حَمْسَا

وفي التَّكْمِلَة: قال أَبو عَمرو بنُ العَلاءِ: شَغَرْتُ برِجْلِي في الغَرِيبِ؛ أَي عَلَوْتُ النّاسَ بحِفْظِه، ونصُّ الصّاغانيّ: في حِفْظِه.

وأَشْغَرَ المَنْهَلُ: صارَ في نَاحِيَةٍ من المَحَجَّةِ، ونصُّ التَّهْذِيب؛ اشْتَغَرَ المَنْهَلُ. وأَنشد:

شافِي الأُجَاجِ بَعِيد المُشْتَغَرْ

وأَشْغَرَت الرُّفْقَةُ: انْفَرَدَتْ عن السّابِلَةِ، وهي السِّكَّة المَسْلُوكَة.

وأَشْغَرَ الحِسَابُ عليه: انْتَشَر، والصّوابُ، كما في التّهذيب: اشْتَغَرَ عليه حِسَابُه: انتشر وكَثُرَ فلم يَهْتَدِ له، وذَهَبَ فُلانٌ يَعُدّ بَنِي فُلانٍ فاشْتَغَرُوا عليهِ؛ أَي كَثُرُوا.

والشَّغُورُ، كصَبُورٍ: موضع، بالسَّمَاوَةِ في البادية.

والشَّغُورُ: النَّاقَةُ الطَّوِيلَة تَشْغَرُ بقوائِمِها إِذا أُخِذَت لتُرْكَبَ أَو تُحْلَب.

وقال ابنُ دُرَيْد: الشُّغْرُورُ، كعُصْفُورٍ: نَبْتٌ، زَعَموا.

والشُّغْرُ بالضّم: قَلْعَةٌ حَصِينَةٌ على رأْسِ جَبَلٍ قُرْبَ أَنْطَاكِيَةَ. قلْت: ولعلّ منها الحَسَنَ والحُسَيْنَ ابنَيْ أَبي شِهَابٍ الشُّغْرِيّ، عن أَبي بَكْرٍ عَتِيقٍ الإِسكَنْدَرانِيّ.

والشَّغْرَى، كسَكْرَى، وضَبطَه بعضُهُم بالمَدِّ أَيضًا: د، أَو: ع؛ أَي بلد أَو موضع.

وقيل الشَّغْرَى: حَجَرٌ قُرْبَ مَكَّةَ كانُوا يَرْكَبُون منه الدّابَّةَ، وقيل: كانوا يقولون: إِن كانَّ كذا وكذا أَتَيْنَاه، فإِذَا كان ذلِك أَتَوْه فبالُوا عليه، وقيل حَجَزُ بالزاي والشَّعْزَى بالعين وفي التَّكْمِلَة: الشَّغْرَى: حَجَرٌ تَشْغَرُ عليه الكِلابُ؛ أَي تَرفع رِجْلَها فتَبُول.

والشَّغَارُ، كسَحابٍ: الفارغُ، قاله الصّاعانِيّ.

والشَّغَارُ مِنَ الآبارِ: الكَثِيرَةُ الماءِ، للجَمْعِ والواحِدِ، وفي النّوادِرِ: بِئْرٌ شَغَارٌ، وبِئَارٌ شَغَارٌ: كثيرةُ الماءِ واسِعَة الأَعْطانِ.

والشَّغَارَانِ الحَالِبان: عِرْقانِ في جَنْبِ الجَمَل، هكذا في النسخ، والصّوابُ في جَنْبَي الجَمَلِ، كما في التَّكْمِلة.

والشَّغَّارَةُ، بالهَاءِ والشَّدّ: القَدّاحَةُ تَقْدَحُ بها النِّسَاءُ، قاله الصّاغانيّ.

والشَّوْغَرُ، كجَوْهَرٍ: المُوَثَّقُ الخَلْقِ.

والشَّوْغَرَةُ، بهاءٍ: الدَّوْخَلَةُ.

وشَغَارِ، كقَطَامِ: لَقَبُ بَنِي فَزَارَةَ بنِ ذُبْيَانَ، كلُّ ذلك من التَّكْمِلَة. والشّاغُورُ: مَحَلَّةٌ بِدِمَشْقَ مَعْرُوفَةٌ.

ومِن أَمثالِهِم: «تَفَرَّقُوا شَغَرَ بَغَرَ»، ويُكْسَرُ أَوَّلُهُمَا؛ أَي في كُلِّ وَجْهٍ، ويقال: هما اسمان جُعِلَا واحِدًا، وبُنِيَا على الفَتْحِ، ولا يُقال ذلك في الإِقْبَالِ.

واشْتَغَرَ في الفَلَاةِ، إِذا أَبْعَدَ فيها.

واشْتَغَرَ فُلانٌ عَلَيْنَا، إِذا تَطَاوَلَ وافْتَخَرَ.

واشْتَغَرَت الإِبِلُ: كَثُرَت، واخْتَلَفَتْ.

واشْتَغَرَ العَدَدُ: كَثُرَ واتَّسَع، أَنشد الجَوهريّ لأَبي النَّجْمِ.

وعَدَدٍ بَخٍّ إِذا عُدَّ اشْتَغَرْ *** كعَدَدِ التُّرْبِ تَدَانَى وانْتَشَرْ

قال الصّاغانيّ: والرِّواية:

وعَدَدٍ بَخٍّ إِذا عُدَّ اسْبَطَرّ *** مَوْجٌ إِذَا ما قُلْتَ يُحْصِيهِ اشْتَغَرْ

كعَدَدِ التُّرْبِ تَوَالَى وانْتَشَرْ

واشْتَغَرَ الأَمْرُ: اخْتَلَطَ، وقال أَبو زيد: اشْتَغَرَ الأَمْرُ بفُلانٍ؛ أَي اتَّسَع وعَظُمَ.

وتَشَغَّرَ فُلانٌ في أَمرٍ قَبِيح، إِذا تَمَادَى فيه وتَعَمَّقَ.

وتَشَغَّرَ البَعِيرُ، إِذا بَذَلَ الجُهْدَ في سَيْرِه، عن أَبي عُبَيْد، أَو تَشَغَّرَ البَعِيرُ تَشَغُّرًا، إِذا اشْتَدَّ عَدْوُه، ويقال: مَرّ يَرْتَبع، إِذَا ضَرَبَ بقوائِمِه، واللَّبْطَةُ نحوُه، ثُمَّ التَّشَغُّرُ فوقَ ذلك.

وشَاغِرَةُ والشَّاغِرَةُ: موضع مَوضِعَان.

والشَّاغِرَانِ: مُنْقَطَعُ عِرْقِ السُّرَّةِ.

والشِّغِّيرُ، كسِكِّيتٍ: الشِّنْظِيرُ، وهو السَّيِّيُ الخُلُقِ، قال الصّاغانيّ: قال ابنُ دُرَيْد: ليس بثَبْتٍ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

الشَّغَّارَةُ: هي النّاقَةُ تَرْفَعُ قَوَائِمَها لتَضْرِبَ، قَال الشّاعِر:

شَغّارَةٌ تَفِدُ الفَصِيلَ بِرِجْلِها *** فَطّارَةٌ لِقَوَائِمِ الأَبْكارِ

والشِّغَار: الطَّرْدُ.

ورُفْقَةٌ مُشْتَغِرَةٌ: بَعيدَةٌ عن السّابِلَةِ.

واشْتَغَرَت الحَرْبُ بينَ الفَرِيقَيْن، إِذا اتَّسَعَت وعَظُمَت.

وأَشْتَغَرَت النّاقَةُ: اتَّسَعَت في السَّيْرِ وأَسْرَعَت.

والأَرْضُ لكم شَاغِرَةٌ: وَاسِعَةٌ.

وقال أَبو عَمْرو: الشِّغَارُ: العَداوَةُ والمِشْغَرُ من الرِّماحِ، كالمِطْرَدِ، وقال:

سِنَانًا من الخَطِّيِّ أَسْمَرَ مِشْغَرَا

واشْتَغَرَتْ عليه ضَيْعَتُه: فَشَتْ.

ومن المَجَاز: شَغَرَ السِّعْرُ: نَقَصَ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


30-تاج العروس (قرض)

[قرض]: قَرَضَهُ يَقْرِضُهُ قَرْضًا: قَطَعَهُ، هذا هو الأَصْلُ فيه، ثُمّ اسْتُعْمِلَ في قَطْع الفَأْرِ والسَّلَفِ والسَّيْرِ، والشَّعْرِ، والمُجَازَاة، ويُقال: قَرَضَهُ قَرْضًا جَازَاهُ كقَارَضَهُ مُقَارَضَةً.

ومن الأَخِير‌ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: «إِنْ قارَضْتَ الناسَ قَارَضُوكَ، وإِنْ تَرَكْتَهُمْ لَمْ يَتْرُكُوكَ، وإِنْ هَرَبْتَ مِنْهُمْ أَدْرَكُوكَ» ‌وقد سَبَقَ ذِكْرُ الحَدِيثِ في «ع ر ض»، يَقُولُ: إِنْ فَعَلْتَ بِهم سُوءًا فَعَلُوا بِكَ مِثْلَهُ، وإِنْ تَرَكْتَهُمْ لَمْ تَسْلَمْ مِنْهُم ولم يَدَعُوكَ. وإِنْ سَبَبْتَهُمْ سَبُّوكَ، ونِلْتَ مِنْهُم ونَالُوا مِنْك.

ذَهَبَ به إِلَى القَوْلِ فِيهِمْ والطَّعْن عَلَيْهِم، وهذا من القَطْع.

وقَرَضَ الشِّعْرَ قَرْضًا: قالَهُ خاصَّةً، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وهو قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ. قال شَيْخُنا: ومَنْ قالَ: إِنَّ قَرْضَ الشِّعْر من قَرَضَ الشَّيْ‌ءَ، إِذا قَطَعَهُ، كالسَّيِّد قُدِّسَ سِرُّه في حَوَاشِيهِ على شَرْح «المِفْتَاح»، فَقَدْ أَبْعَدَ، كما أَوْضَحْتُه في حاشِيَة المُخْتَصَرِ. انْتَهَى. قُلْتُ: لَمْ يُبْعِد السَّيِّدُ فِيمَا قالَهُ فَإِنَّ القَرْضَ أَصْلُهُ في القَطْعِ، ثم تُفرَّعُ عليه المَعَانِي كُلُّهَا بحَسَبِ المَرَاتِبِ، ويَشْهَدُ لِذلِكَ قَوْلُ الصَّاغَانِيّ في العُبَابِ، والتَّرْكِيبُ يَدُلُّ على القَطْعِ، وكذلِكَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ: القَرْضُ في أَشْيَاءَ، فَذَكَرَ فِيهَا قَرْضَ الفَأْر وسَيْر البِلادِ وقَرْضَ الشِّعْر والسَّلف والمُجَازاةِ فإِذا شُبِّه الشِّعْرُ بالثّوبِ، وجُعِلَ الشاعِرُ كَأَنَّهُ يَقْرِضُهُ؛ أَي يَقْطَعُهُ ويُفَضِّلُه ويُجَزِّئهُ، فأَيّ بُعْدٍ فيه؟، فَتَأَمَّلْ، قال شَيخُنَا ثُمَّ ظاهِرُ المُصَنِّفِ كالصّحاح وغَيْرِهِ أَنّ قَرْضَ الشّعر هو قَوْلُهُ. والَّذِي ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ الأَدَبِ، كحَازِمٍ وغَيْرِهِ أَنَّ قَرْضَ الشِّعْرِ هو نَقْدُه ومَعْرِفَةُ جَيِّدِه مِنْ رَدِيئهِ قَوْلًا ونَظَرًا. قُلْتُ: هذا الَّذِي ذَكَرَهُ شَيْخُنَا عن أَئمَّةِ الأَدَبِ إِنَّمَا هُوَ في التَّقْرِيضِ دُونَ القَرْضِ، كما سَيَأْتِي، فَتَأَمَّلْ.

ومِنَ المَجَاز: جَاءَنَا وقَدْ قَرَضَ رِبَاطَه، ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ هذَا اللَّفْظَ عَقِيبَ قَوْلِهِ: قَرَضْتُ الشَّيْ‌ءَ أَقْرِضُهُ بالكَسْرِ قَرْضًا: قَطعْتُه، ثم قالَ؛ يُقَالُ: جَاءَ فُلانٌ وقد قَرَضَ رِبَاطَهُ والفَأْرَةُ تَقْرِضُ الثَّوْبَ، هذا سِيَاقُ كَلامِه فَهذَا يَدُلّ على أَنَّه أَرادَ بِقَوْلِهِ قَرَضَ رِبَاطَه تَبْيِينَ القَرْضِ بمَعْنَى القَطْعِ وتَأْكِيدَه، ولَيْسَ كَذلِكَ، بَلْ مَعْنَاهُ كما قَالَه ابنُ الأَعْرابِيّ، أَيْ مَاتَ والرِّباطُ: رِباطُ القَلْبِ، ومَنْ قُطِعَ رِباطُ قَلْبِه فَقَدْ هَلَك. أَو مَعْنَاهُ: إِذا جَاءَ مَجْهُودًا وقَدْ أَشْرَفَ عَلَى المَوْتِ.

وهو قَوْلُ أَبِي زَيْدٍ، كما نَقَلَهُ الأَزْهَرِيّ. وقال غَيْرُهُ: أَي جَاءَ في شِدَّةِ العَطَشِ والجُوعِ.

وقَرَضَ في سَيْرِه يَقْرِضُ قَرْضًا: عَدَل يَمْنَةً ويَسْرَةً وقال الجَوْهَرِيُّ: ويَقُولُ الرَّجُلُ لِصاحِبهِ: هلْ مَررْت بِمَكَانِ كذا وكَذَا، فيَقُولُ المسْؤُول: قَرَضْتُهُ ذاتَ اليمِينِ لَيْلًا. يُقَالُ:

قَرضَ المَكانَ يَقْرِضُهُ قَرْضًا: عَدَلَ عنه وتَنَكَّبَهُ، وأَنْشَدَ لِذِي الرُّمَّة:

إِلى ظُعُنٍ يقْرِضْنَ أَجْوازَ مُشْرِفٍ *** شِمالًا وعنْ أَيْمَانِهِنَّ الفَوَارِسُ

ومُشْرِفٌ والفَوارِسُ مَوْضِعان. يقُول: نَظَرْتُ إِلى ظُعُنٍ يَجُزْنَ بَيْنَ هذَيْنِ المَوْضِعَيْنِ. انْتَهَى.

وقال الفَرّاء: العَرَبُ تَقُولُ: قَرضْتُهُ ذَاتَ اليَمَينِ، وقَرَضْتُه ذَاتَ الشِّمالِ، وقُبُلًا، ودُبُرًا؛ أَي كُنْت بِحِذائِه من كُلِّ ناحِيَةٍ.

وقَرَضَ الرَّجُلُ: مَاتَ، هكَذا نَقَلَهُ الجوْهَرِيّ، كقَرِضَ، بالكَسْرِ، وهذِه عن ابنِ الأَعْرَابِيّ. وقد جَمعَ بيْنَهُما الصَّاغَانِيُّ في العُبَاب، ونَبَّه عليْه في التَّكْمِلَة أَيْضًا.

ومن أَمْثالِهِمْ: «حَال الجَرِيضُ دُونَ القَريضِ». قَاله عَبِيد بنُ الأَبْرصِ حِينَ أَرادَ المُنْذِرُ قَتْلَهُ فَقَالَ: أَنْشِدْنِي مِنْ قَوْلِكَ، فَقَال ذلِكَ، وقد تَقَدَّمَ في الجمع: ر ض قِيلَ: الجَرِيض: الغُصَّةُ.

والقَرِيضُ: مَا يَرُدُّهُ البَعِيرُ من جِرَّتِهِ، كما نَقَلَه الجوْهَرِيّ. وقال اللَّيْثُ: القَرِيضُ: الجِرَّةُ، لأَنَّه إِذا غُصَّ لَمْ يَقْدِرْ على قَرْضِ جِرَّتِهِ. وقال ابنُ سِيدَه: قَرَضَ البَعِيرُ جِرَّتَهُ يَقْرِضُهَا قَرْضًا، وهي قَرِيضٌ: مَضَغَهَا أَوْ رَدَّهَا. وقال كُراع: إِنَّما هي الفَرِيضُ «بالفَاءِ» وقد تَقَدَّم في مَوْضِعِهِ. وقِيلَ الجرِيضُ في المثَلِ: الغَصَصُ، والقَرِيضُ الشِّعْرُ، كما نَقَلَهُ الجوْهَرِيُّ أَيْضًا؛ أَي حالَ ما هالهُ دُون شِعْره، ولِذَا صارَ يقُولُ:

أَقْفَرَ من أَهْلِه عَبِيدُ *** فاليَوْمَ لا يُبْدِي ولا يُعِيدُ

والشِّعْرُ قَرِيضٌ، فَعِيلٌ بمعْنَى مفْعُولٍ، كالقَصِيدِ ونَظَائرِه. قال ابنُ بَرِّيّ وقد فَرَّقَ الأَغْلَبُ العِجْلِيُّ بيْنَ الرَّجَزِ والقَرِيضِ بقَوْله:

أَرجزًا تُرِيدُ أَمْ قَرِيضا *** كِلَيْهِمَا أُجِيدُ مُسْتَرِيضَا

والقُرَاضَةُ، بالضَّمِّ: ما سقَطَ بالقَرْضِ، أَيْ بقَرْضِ الفَأْر من خُبْزٍ، أَوْ ثَوْب، أَوْ غيْرِهِما، وكذلِك قُرَاضَاتُ الثَّوْبِ التي يَقْطَعُهَا الخَيَّاطُ ويَنْفِيهَا الجلَمُ، وكَذلِكَ قُراضَةُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ.

والمِقْرَاضُ: وَاحِدُ الْمَقَارِيضِ، هكَذا حَكَاهُ سِيبَوَيْه بالإِفْرَاد. وأنْشَد ابنُ بَرّيّ لِعَدِيِّ بنِ زَيْدٍ:

كُلُّ صعْلٍ كأَنَّمَا شَقَّ فِيهِ *** سَعَفَ الشرْي شَفْرَتَا مِقْراضِ

وقال ابنُ مَيّادَةَ:

قد جُبْتُها جَوْبَ ذِي المِقْراضِ مِمْطَرَةً *** إِذَا اسْتَوَى مُغْفِلَاتُ البِيِد والحدَب

وقال أَبُو الشِّيصِ:

وجنَاحِ مقْصُوصٍ تَحيَّفَ رِيشَهُ *** رَيْبُ الزَّمانِ تَحَيُّفَ المِقْرَاضِ

فقالوا مِقْراضًا فأَفْرَدُوه. وقال ابنُ بَرّيّ: ومِثْلُهُ المِفْراضُ، «بالفَاءِ والصّاد»، وقد تَقَدَّمَ في مَوْضِعِه.

وهُمَا مِقْراضانِ تَثْنِيةُ مِقْراضٍ وقال غَيْرُ سِيبَوَيْه من أَئِمَّةِ اللُّغَةِ: المِقْراضانِ: الجَلَمانِ، لا يُفْرَدُ لَهُما وَاحِدٌ.

والقَرْضُ، بالفَتْحِ كما هو المَشْهُور، ويُكْسَرُ، وهذِه حكاها الكِسَائيُّ، كما نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ. وقال ثَعْلَبٌ: القَرْضُ المَصْدَر، والقِرْضُ الاسْمُ. قال ابنُ سِيدَه: لا يُعْجِبُني.

وفي اللّسان: هو ما يَتَجَازَى بِهِ النَّاسُ بَيْنَهُم ويَتَقَاضَوْنَهُ، وجمْعُهُ قُرُوضٌ. قال الجوْهرِيّ: هو ما سَلَّفْتَ مِنْ إِساءَةٍ أَوْ إِحْسان، وهو مَجَازٌ على التَّشْبِيهِ، وأَنْشَدَ لِلشَّاعِرِ، وهو أُميَّةُ ابنُ أَبِي الصَّلْتِ:

كُلُّ امرئِ سوْفَ يُجْزَى قَرْضَهُ حَسَنًا *** أَوْ سَيِّئًا أَوْ مَدِينًا مِثْلَ مادَانَا

وأَنْشَد الصَّاغَانِيُّ لِلَبِيدٍ، رضِيَ الله عَنْه:

وإِذا جُوزِيتَ قَرْضًا فاجْزِهِ *** إِنَّمَا يَجْزِي الفَتَى لَيْس الجَمَلْ

وفي اللّسان: معْنَاهُ إِذَا أُسدِيَ إِلَيْك مَعْرُوفٌ فَكَافِئْ علَيْهِ.

وفي الصّحاح: القَرْضُ: ما تُعْطِيهِ من المالِ لِتُقْضَاهُ.

وقال أَبُو إِسْحَاقَ النَّحْوِيُّ في قَوْله تَعالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي} يُقْرِضُ {اللهَ} قَرْضًا {حَسَنًا} قال: مَعْنَى القَرْضِ: البَلاءُ الحَسَنُ. تَقُولُ العَربُ: لَكَ عِنْدِي قَرْضٌ حَسنٌ، وقَرْضٌ سيِّي‌ءٌ. وأَصْلُ القَرْضِ: ما يُعْطِيهِ الرَّجُلُ أَو يَفْعَلُهُ لِيُجَازَى عَلَيْهِ. والله عَزَّ وجلَّ لا يَسْتَقْرِضُ مِنْ عَوَزٍ ولكِنَّه يبْلُو عِبَادَهُ، فالقَرْضُ كما وَصَفْنا. قال: وهو في الآيةِ اسْمٌ لِكُلِّ ما يُلْتَمَسُ عَلَيْه الجَزَاءُ، ولَوْ كانَ‌ مَصْدَرًا لَكانَ إِقْرَاضًا. وأَمَّا قَرَضْتُهُ قَرْضًا فمَعْنَاهُ جَازَيْتُهُ، وأَصْلُ القَرْضِ في اللُّغَةِ القَطْعُ. وقال الأَخْفَشُ في قَوْلِهِ تَعالَى: يُقْرِضُ أَيْ يفْعلُ فِعْلًا حَسَنًا في اتِّبَاعِ أَمْرِ اللهِ وطَاعَتِهِ. والعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مَنْ فَعَلَ إِلَيْه خَيْرًا: قد أَحْسَنْتَ قَرْضِي، وقد أَقْرَضْتَنِي قَرْضًا حَسنًا.

وفي الحَدِيث: «أَقْرِضْ مِنْ عِرْضِك لِيَوْمِ فَقْرِكَ» ‌يقولُ: إِذا اقْتَرَضَ عِرْضَك رجُلٌ فلا تُجازِهِ ولكِنِ استَبْقِ أَجْرَهُ مَوْفُورًا لَكَ قَرْضًا فِي ذِمَّتِهِ مِنْهُ يَوْمَ حَاجَتِكَ إِلَيْهِ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذا غَرَبَتْ} تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ في الصّحاح: قال أَبو عُبَيْدَةَ، كَذَا في أَكْثَرِ النُّسَخِ، وفي بَعْضِهَا: أَبو عُبَيْدٍ: أَيْ تُخَلِّفُهُمْ شِمَالًا، وتُجَاوِزُهُم وتَقْطَعُهُمْ وتَتْرُكُهُمْ على شِمَالِهَا نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وقد تَقَدَّمَ ما يَتَعَلَّقُ به قَرِيبًا، عِنْد قَوْلِهِ. قَرَضَ المَكَانَ: عَدلَ عَنْه وتنَكَّبَهُ، ولَوْ ذَكَر الآيَةَ هُنَاك كانَ أَحْسَنَ وأَشْمَلَ.

وقَرِضَ الرَّجُلُ، كسَمِعَ: زَالَ من شَيْ‌ءٍ إِلَى شَيْ‌ءِ، عن ابْنِ الأَعْرَابِيّ، نَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ، وصاحِبُ اللّسَان، وقَدْ تَقَدَّمَ عَنْه أَيْضًا قَرِضَ، بالكَسْر، إِذا مَاتَ، فالمُصَنِّفُ فَرَّقَ قَوْلَيْهِ في مَحَلَّيْنِ.

والمَقَارِضُ: الزَّرْعُ القَلِيلُ، عن ابنِ عَبّادٍ، قال: وهِيَ أَيْضًا الموَاضِعُ الَّتِي يَحْتَاجُ المُسْتَقِي إِلى أَنْ يَقْرِضَ؛ أَي يَمِيحَ المَاءَ مِنْهَا. قال: وشِبْهُ مَشَاعِلَ يُنْبَذُ فِيها، ونَحْوها مِنْ أَوْعِيَة الخَمْرِ، قَالَ: والجِرارُ الكِبارُ: مَقَارِضُ، أَيْضًا.

وأَقْرضَهُ المَالَ وغَيْرَهُ: أَعْطَاهُ إِيَّاهُ قَرْضًا، قَالَ الله تَعَالَى: {وَ} أَقْرِضُوا {اللهَ} قَرْضًا {حَسَنًا} ويُقَال؛ أَقْرَضْتُ فُلانًا، وهُوَ ما تُعْطِيه لِيَقْضِيَكَهُ، ولمْ يَقُلْ في الآيَةِ إِقْرَاضًا، إِلاَّ أَنَّهُ أَرادَ الاسْمَ، وقَدْ تَقَدَّمَ البَحْثُ فِيه قَريبًا. وقال الشَّاعِرُ:

فيَا لَيْتَنِي أَقْرَضْتُ جَلْدًا صَبَابَتي *** وأَقْرَضَنِي صَبْرًا عن الشَّوْقِ مُقْرِضُ

وأَقْرَضَهُ: قَطَعَ لَهُ قِطْعَةً يُجَازِي عَلَيْهَا، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ، وقَدْ يَكُونُ مُطَاوِعَ استَقْرَضَهُ.

والتَّقْرِيضُ مِثْلُ التَّقْرِيظِ: المَدْحُ أَوالذَّمُّ فهو ضِدٌّ.

ويُقَالُ التَّقْرِيضُ في الخَيْرِ والشَّرِّ، والتَّقْريظُ في المَدْحِ والخَيْرِ خاصَّةً، كما سَيأْتَي.

وانْقَرضُوا: دَرَجُوا كُلُّهُم، وكَذَلِكَ قَرَضُوا، وعِبَارةُ الصّحاح: وانْقَرَضَ القَوْمُ: دَرَجُوا ولَمْ يبْقَ منهم أَحَدٌ فاخْتَصَرَها بِقَوْلِهِ: كُلُّهُم، وهو حَسَنٌ.

واقْتَرَضَ مِنْهُ، أَيْ أَخَذَ القَرْضَ.

واقْتَرَضَ عِرْضَهُ: اغْتابَهُ لإِنَّ المُغْتَاب كَأَنَّهُ يَقْطَعُ من عِرْضِ أَخِيهِ. ومِنْهُ‌ الحَدِيث: «عِبادَ الله، رَفَعَ الله عنَّا الحَرَجَ إِلاَّ منِ اقْتَرَضَ امْرأً مُسْلِمًا» وفي رِوايةٍ: «منِ اقْتَرَضَ عِرْضَ مُسْلِمٍ».

أَراد: قطَعَه بالغِيبة والطَّعْنِ عَلَيْهَ والنَّيْلِ مِنْهُ، وهو افْتِعالٌ من القَرْضِ.

والقِرَاضُ والمُقَارَضَةُ، عِنْد أَهْلِ الحِجازِ: المُضَارَبةُ، ومنه‌ حَدِيثُ الزُّهْرِيّ: «لا تَصْلُحُ مُقَارَضَةُ مَنْ طُعْمتُهُ الحَرَامُ» كَأَنَّهُ عقْدٌ علَى الضَّرْبِ في الأَرْضِ والسَّعْيِ فيها وقطْعِهَا بالسَّيْرِ مِنْ القَرْضِ في السَّيْرِ. وقال الزَّمخْشَرِيّ: أَصْلُهَا مِنَ الْقَرْضِ في الأَرْضِ وهو قَطْعُها بالسَّيْرِ فِيها.

قال: وكَذلِك هِي المُضَارَبَةُ أَيْضًا من الضَّرْب في الأَرْض.

وفي حدِيثِ أَبِي مُوسَى: «اجْعَلْهُ قِرَاضًا» وصُورتُهُ؛ أَي القِرَاضِ، أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مَالًا لِيَتَّجِر فِيهِ، والرِّبْحُ بَيْنَهُما على ما يَشْتَرِطَانِ، والوَضِيعَةُ علَى المالِ، وقد قارَضَه مُقَارَضَةً، نَقَلَهُ الجوْهَرِيُّ هكَذَا.

وقال أَيْضًا: هُمَا يتَقَارَضَانِ الخَيْرَ والشَّرَّ، وأَنْشَد قوْلَ الشَّاعِر:

إنَّ الغَنِيَّ أَخُو الغَنِيِّ وإِنَّما *** يَتَقَارضَانِ ولا أَخَا لِلْمُقْتِرِ

وقال غَيْرُه: هُمَا يَتقَارضَانِ الثَّنَاءَ بيْنَهُمْ؛ أَي يتَجَازَيَانِ.

وقال ابنُ خَالَويْه: يُقَالُ: يَتَقَارَظانِ الخَيْرَ والشَّرَّ. بالظَّاءِ أَيْضًا، وقال أَبُو زَيْدٍ: هُما يَتَقَارَظَانِ المَدْحَ، إِذا مَدَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُما صاحِبَهُ ومِثْلُهُ يَتَقَارَضَانِ، بالضَّاد، وسَيأْتِي. قال الجوْهرِيّ: والقِرْنَانِ يَتَقَارضَانِ النَّظَر، أَيْ يَنْظُرُ كُلُّ مِنْهُما إِلَى صاحِبِه شَزْرًا. قُلْتُ: ومنه قَوْل الشَّاعِرِ:

يَتَقَارَضُونَ إِذَا الْتَقَوْا في مَوْطِنٍ *** نَظَرًا يُزِيلُ مَوَاطِئَ الأَقْدَامِ

أَرادَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ بالعَدَاوَةِ والبَغْضَاءِ. وكَانَتِ‌ الصَّحَابَةُ، وهو مَأْخُوذٌ مِنْ‌

حدِيثِ الحَسَنِ البَصْرِيّ قِيلَ لَهُ: أَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم يَمزَحُون؟ قال: نَعَمْ، ويَتَقَارَضُون، وهُو مِنَ القَرِيضِ للشِّعْرِ أَي يقُولُون القَرِيضَ ويُنْشِدُونَه.

وأَمَّا قَوْلُ الكُميْت:

يُتَقَارضُ الحَسَنُ الجمِي *** لُ من التَّآلُفِ والتَّزَاوُرْ

فمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كانُوا مُتَآلِفِينَ يَتَزَاوَرُون ويتَعاطَوْنَ الجمِيلَ، كما في العُبَاب.

* وممّا يُسْتَدْرك عَلَيْه:

التَّقْرِيضُ: القَطْعُ، قَرَضَهُ وقَرَّضَهُ بِمَعْنًى، كما في المُحْكم.

وابْنُ مِقْرضٍ: دُويْبَّةٌ يُقَالُ لَهَا بالفَارِسِيَّة دَلّهْ، وهو قَتَّالُ الحَمَامِ، كما في الصّحاح، وضَبَطَهُ هكذا كمِنْبَر، وفي التَّهْذِيبِ. قال اللَّيْثُ: ابْنُ مِقْرَضٍ. ذُو القَوَائِمِ الأَرْبعِ، الطَّوِيلُ الظَّهْرِ قَتَّالُ الحَمَامِ. ونَقَل في العُبابِ أَيْضًا مِثْلَهُ.

وزَاد في الأَسَاسِ: أَخّاذٌ بِحُلُوقِها، وهو نَوْعٌ من الفِيرانِ.

وفي المُحْكَمِ تَخْرِقُها وتَقْطَعُها. والعَجَبُ من المُصنِّف كَيْفَ أَغْفلَ عنْ ذِكْرِهِ.

وقَارَضَهُ، مِثْلُ أَقْرَضَهُ، كما في اللِّسان.

واسْتَقْرَضْتُ مِنْ فُلانٍ: طَلبْتُ منه القَرْضَ، فَأَقْرَضَنِي، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ.

والقُرَاضَةُ تَكُونُ في العَمَلِ السَّيِّئِ والقَوْلِ السَّيِّئِ يَقصِدُ الإِنْسانُ بِهِ صاحِبَهُ.

واسْتَقْرَضَهُ الشَّيْ‌ءَ: اسْتَقْضَاهُ، فأَقْرَضَهُ: قَضَاهُ.

والمَقْرُوضُ: قَرِيضُ البَعِيرِ. نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ.

والقَرْضُ: المَضْغُ.

والتَّقْرِيضُ: صِنَاعةُ القَرِيضِ، وهُوَ معْرِفَةُ جَيِّدِهِ مِنْ ردِيئِهِ بالرَّوِيَّةِ والفِكْرِ قَوْلًا ونَظَرًا.

وقَرَضْتُ قَرْضًا، مِثْلُ حَذَوْتُ حَذْوًا. ويُقَالُ: أَخَذَ الأَمْر بِقُراضَتِهِ أَي بطَرَاءَتِهِ، كما في اللّسَان.

ويُقَالُ: مَا عَلَيْه قِرَاضٌ ولا حِضاضٌ؛ أَي ما يَقْرِضُ عنْهُ العُيُونَ فيَسْتُرُهُ، نَقَلَهُ الصَّاغَانِيّ عن ابْنِ عَبّادٍ.

وذَكَرَ اللَّيْثُ هُنَا التَّقْرِيضَ بمعْنى التَّحْزِيزِ. قال الأَزْهَرِيُّ: وهو تَصْحِيفٌ، والصَّوابُ «بالفَاءِ».

وهكَذَا رَوى بَيْت الشَّمَاخ، وقد تَقَدَّم في «ف ر ض».

وقُرَاضَةُ المالِ: رَدِيئُهُ وخَسِيسُهُ.

والقَرَّاضَةُ، بالتَّشْدِيدِ، المُغْتَابُ لِلنَّاسِ، وأَيْضًا دُوَيْبّةٌ تَقْرِضُ الصُّوفَ.

ومن المَجَازِ قَوْلُهُم: لِسَانُ فُلانٍ مِقْرَاضُ الأَعْرَاضِ.

والمَقْرُوضَةُ: قَرْيَةٌ باليمَنِ نَاحِيةَ السّحول، ومِنْهَا أَبُو عَبْدِ الله مُحمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ يَحْيَى الهَمْدانِيُّ الفَقِيهُ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


31-تاج العروس (قشع)

[قشع]: القَشْعُ، بالفَتْحِ، وذِكْرُ الفَتْح مُسْتَدْرَكٌ، كما نَبَّهْنَا عليه غَيْرَ مَرَّةٍ: الفَرْوُ الخَلَقُ، بلُغَةِ قُشَيْرٍ، ونَقَلَه أَبُو زَيْدِ عنهم، وبه فَسَّرَ ابنُ الأَثِير حَدِيثَ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ: «فإِذا امْرَأَةٌ عليها قَشْعٌ لها، فأَخَذْتُها، فقَدِمْتُ بها المَدِينَة» وأَخْرَجَه الهَرَوِيّ عن أَبِي بَكْرٍ: القِطْعَةُ منها بهَاءٍ والجَمْعُ قُشُوعٌ.

وِالقَشْعُ: كُنَاسَةُ الحَمّامِ نَقَله ابنُ فارِسٍ عن بَعْضِهِم، وزادَ غَيْرُه: الحَجّام، ويُثَلَّثُ، عن ابْنِ فارِسٍ الكَسْرُ، وزاد صاحِبُ اللِّسَانِ الفَتْح، وقالَ: والفَتْحُ أَعْلَى، وأَمّا الضَّمُّ فلم أَرَ مَنْ ذَكَرَه، فليُنْظَرْ ذلِك.

وِالقَشْعُ، الأَحْمَقُ، سُمِّيَ به لأَنَّ عَقْلَه قد تَقَشَّع عنه: انْكَشَف، وذَهَبَ، وبِهِ فُسِّرَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لو حَدَّثْتُكُم بكُلِّ ما أَعْلَمُ لَرَمَيْتُمُونِي بالقَشْعِ» فيمَنْ رواهُ بالفَتْح، والمَعْنَى لَدَعَوْتُمُونِي بالقَشْعِ، وحَمَّقْتُمُونِي.

وِالقَشْعَ: رِيشُ النَّعَامِ، وهو مَأْخُوذٌ من قَوْلِ القُشَيْرِيينَ فِي مَعْنَى القَشْعُ: الفَرْوُ الغَلِيظُ، قالَ الشّاعِرُ:

جَدُّكَ خَرْجَا عَلَيْهَا قَشْعُ

أَلا تَرَى إِلى قَوْلِ عَنْتَرَه يَصفُ الظَّلِيم:

صَعْلٍ يَعُودُ بذِي العُشَيْرَةِ بَيْضَهُ *** كالعَبْدِ ذِي الفَرْوِ الطَّوِيلِ الأَصْلَمِ

وِالقَشْعُ أَيْضًا: النُّخَامَةُ الَّتِي تُرْمى، يَقْتَلِعُها الإِنْسَانُ من صَدْرِه، ويُخْرِجُهَا بالتَّنَخُّمِ، وبه فُسِّرَ حَدِيثٌ أَبِي هُرَيْرَةَ السّابِقُ؛ أَي لبَصَقْتُمْ فِي وَجْهِي اسْتِخْفافًا بِي، وتَكْذِيبًا لِقَوْلِي، كالقِشْعَةِ، بالكَسْرِ، وهي النُّخَامَةُ، وقد رُوِيَ الحَدِيثُ بالكَسْرِ أَيْضًا، وفُسِّرَ بالبُزَاقِ. حكاهُ الهَرَوِيُّ في الغَرِيبَيْنِ.

وِالقُشَاعَةُ، كثُمَامَةِ: بَيْتٌ من جِلْدٍ، هكَذَا في النُّسَخِ، وهو غَلَطٌ، والصّوابُ في العِبَارَةِ: «وبَيْتٌ من جِلْد» ج. قُشُوعٌ، كما هو نَصُّ اللَّيْثِ، إِلّا أَنَّه قالَ: من أَدَمٍ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيُّ على الصِّحَةِ، فالقُشَاعَةُ: لُغَةٌ فِي القِشْعَةِ، بمَعْنَى النُّخَامَةِ، نَقَلَه الزَّمَخْشَرِيُّ، وقد سَقَط الواوَ من نُسَخِ المُصَنِّفِ سَهْوًا من النُّسَّاخِ، بِدَلِيلِ ما سَيَأْتِي من المَعْطُوفَاتِ عليه، زادَ اللَّيْثُ: ورُبَّمَا اتُّخِذَ من جُلودِ الإِبِل صِوَانًا للمَتَاعِ، وزادَ الجَوْهَرِي: فإِنْ كَانَ من أَدَمٍ فهُوَ الطِّرَافُ، وأَنْشَدَ لمُتَمِّمِ بنِ نُوَيْرَة ـ رضي ‌الله‌ عنه ـ يَرْثِي أَخاهُ مالِكًا:

وِلا بَرَمٍ تُهْدِي النِّسَاءُ لِعِرْسِهِ *** إِذَا القَشْعُ من بَرْدِ الشَّتَاءِ تَقَعْقَعَا

زادَ الصاغَانِيُّ: ويُرْوَى: «مِنْ حسِّ الشِّتَاءِ» وذلِك أَنه إِذا ضَرَبَتْه الرِّيحُ والبَرْدُ تَقَبَّضَ، فإِذا حُرِّك تَقَعْقَعَت أَثْناؤُه؛ أَي نَوَاحِيه.

وِقال ابنُ المُبَارَكِ: القَشْعُ: النِّطَعُ نفسُه، أَو قِطْعَةٌ من نِطَعٍ خَلَقٍ.

وِقِيلَ: هي القِرْبَةُ اليابِسَةُ، هكذا في سائِرِ النُّسَخ، والصَّوابُ: «البالِيَةُ» كما في العُبَابِ واللِّسانِ. وجَمْعُ كُلِّ ذلِك قُشُوعٌ. وبكُلٍّ من النِّطَعِ أَو القِطْعَةِ منه، والقِرْبَةِ فُسِّر الحَدِيثُ: «لا أَعْرِفَنَّ أَحْدَكُم يَحْمِلُ قَشْعًا من أَدَمٍ، فيُنادِي يا مُحَمّدُ، فأَقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ من الله شَيْئًا، قد بَلَّغْتُ» يَعْنِي نِطَعًا، أَو قِطْعَةً من أَدِيمٍ، قالَهُ الهَرَوِيُّ فِي الغُلُولِ، وقالَ ابنُ الأَثِيرِ: أَرادَ القِرْبَةَ البَالِيَةَ، وهو إِشارَةٌ إِلى الخِيَانَةِ في الغَنِيمَةِ، أَو غَيْرِهَا من الأَعْمَالِ.

وِقالَ الأَزْهَرِيُّ: القَشْعُ الَّذِي فِي بَيْتِ مُتَمِّمٍ السَّابِقِ هُو الرَّجُلُ المُنْقَشِعُ لَحْمَهُ عنه كِبَرًا، فالبَرْدُ يُؤْذِيه ويَضُرُّه، وهي بهاءٍ، وأَنْشَدَ اللَّيْثُ:

لَا تَجْتَوِي القَشْعَةُ الخَرْقَاءُ مَبْنَاهَا *** الناسُ ناسٌ وأَرْضُ اللهِ سَوّاهَا

قولُه: مَبْنَاهَا؛ أَي حَيْثُ تَنْبُتُ القَشْعَةُ، والاجْتِوَاءُ: أَن لا يُوَافِقَك المَكَانُ ولا ماؤُه، قالَه رَجُلٌ ماتَ في البادِيَةِ، فأَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ فِي مَكانِه، ولا يُنْقَل عنه. والقَشْعُ: الحِرْبَاءُ، قالَ:

وِبَلْدَةٍ مُغْبَرَّةِ المَناكِبِ *** القَشْعُ فيها أَخْضَرُ الغَبَاغِبِ

وِالقَشْعُ: السَّحَابُ الذَّاهِبُ المُنْقَشِعُ عن وَجْهِ السَّمَاءِ، ويُكْسَرُ، والقَطْعَةُ منه قَشْعَةٌ، وقِشْعَةٌ، ويَذْكُره المُصنِّفُ قَرِيبًا.

وِقالَ ابنُ عَبّادٍ: القَشْعُ: الزِّنْبِيلُ.

وِأَيْضًا: مَا جَمَدَ مِنَ الماءِ رَقِيقًا على شَيْ‌ءٍ.

وِنَقَلَ الأَزْهَرِيُّ عن بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ: القَشْعُ: مَا تَقَلَّفَ من يَابِسِ الطِّين إِذا نَشَّتِ الغُدْرَانُ وجَفَّتْ، والقِطْعَةُ منه قَشْعَةٌ، والجَمْعُ: قِشَعٌ، كبَدْرَةٍ وبِدَرٍ، وبه فُسِّرَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ السّابِقُ، فيمن رَوَاهُ بكَسْرِ القافِ وفَتْحِ الشِّينِ؛ أَي لَرَمَيْتُمُونِي بالحَجَرِ والمَدَرِ، نَقَلَه ابنُ الأَثِيرِ.

وِالقَشْعُ أَيْضًا: ما تَقْشَعُ أَي تَقْلَعُ مِنْ وَجْهِ الأَرْضِ بِيَدِكَ من رُسَابَةِ الطِّينِ وغَيْرِهَا، ثُمّ تَرْمِي بِه، وهُو قَرِيبٌ من الأَوّلِ.

وِقِيلَ: القَشْعُ: الجِلْدُ اليابِسُ ج: كعِنَبٍ، نَقَلَه الأَصْمَعِيُّ، قالَ الجَوْهَرِيُّ: وهو عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ لأَنَّ قِياسَه قَشْعَةٌ وقِشَعٌ، مثل: بَدْرَةٍ وبِدَرٍ، إِلّا أَنَّهُ هكَذَا يُقَال، وبه فَسَّرَ الجَوْهَرِيُّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ السابقَ، والمَعْنَى: لَرَمَيْتُمونِي بالجُلُودِ اليابِسَةِ. ويُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بها الدِّرَّةُ أَو السَّوْطُ، ويُرْوَى الحَدِيثُ أَيضًا بالإِفْرادِ؛ أَي لرَمَيْتُمُونِي بالجِلْدِ اليابِسِ، إِنْكَارًا عَلَيَّ، وتَهَاوُنًا بِي، فظَهَر مِمّا تَقَدَّمَ أَنَّ الحَدِيثَ قد فُسِّر على خَمْسَةِ أَوْجُهٍ، ذَكَر أَحَدَها الجَوْهَرِيُّ وذَكَرَ المُصَنِّفُ الأَرْبَعَةَ نَقْلًا عن العُباب والنِّهَايَةِ وغيرِهما، وتَفْصِيلُ ذلِك: فمن رَوَاه بالفَتْح فبمَعْنَى الأَحْمَق، والنُخَامَة، والجِلْد، ويابِسِ الطِّينِ، ومن رَوَاهُ بالكَسْرِ فبمَعْنَى البُزاقِ، ومن رَواهُ بِكَسْرٍ ففَتْحٍ، فبمَعْنَى النُّخَامَةِ على أَنَّهُ جَمْعُ قِشْعَةٍ بالكَسْرِ، أَو الجُلُودِ اليابِسَة، وعِنْدَ التَّأَمُّلِ فِيمَا ذَكَرْنا يَظْهَرُ لك الزِّيادَةُ.

وِقَشَعَ القَوْمَ، كَمَنَع: فَرَّقَهُم، فأَقْشَعُوا: تَفَرَّقُوا، قال العَبّاسُ بنُ ـ عَبْدِ المُطَّلِبِ ـ رضي ‌الله‌ عنه:

نَصَرْنَا رَسُولَ الله في الحَرْبِ تِسْعَةً *** وِقد فَرَّ مَنْ قَدْ فَرَّ عَنْه فأَقْشَعُوا

نقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وهو نادِرٌ مثل: كَبَبْتُه فأَكَبَّ، قالَهُ الجَوْهَرِيُّ. قلتُ: وزاد الزَّوْزَنِيُّ: عَرَضْتُه فأَعْرَضَ، وتَقَدَّمَ للمُصَنِّفِ ذلِك، وقال ابنُ جِنِّي: جاءَ هذا مَعْكوسًا مُخَالِفًا للمُعْتَادِ، وذلِك أَنَّك تَجِدُ فيها فَعَلَ مُتَعَدِّيًا وأَفْعَلَ غيرَ مُتَعَدٍّ، ومِثْلُه شَنَقَ البَعِيرَ وأَشْنَقَ هو، وأَجْفَلَ الظَّلِيمُ وجَفَلَتْهُ الرِّيحُ، وكُلُّ ذلِكَ مَذْكُورٌ في مَوْضِعِهِ. قلتُ: وقد مَرَّ البَحْثُ فيهِ في «ك ب ب» فراجِعْه.

وِقَشَعَتِ الرِّيحُ السَّحابَ؛ أَي كَشَفَتْه، كما في الصِّحاحِ، كأَقْشَعَتْهُ، كما في العبابِ، فأَقْشَعَ السَّحَابُ نَفْسُه، وانْقَشَع، وتَقَشَّعَ؛ أَي انْكَشَفَ، وشَاهِدُ الأَخِيرِ قولُ رُؤْبَةَ:

وِمَثَلُ الدُّنْيَا لِمَنْ تَرَوَّعَا *** ضَبابَةٌ لا بُدَّ أَنْ تَقَشَّعا

وفِي المَثَل:

سحابَةُ صَيْفٍ عن قَلِيلٍ تَقَشَّعُ

يُضْرَبُ في انْقِضاءِ الشَّيْ‌ءِ بسُرْعَةٍ، وفي حَدِيثِ الاسْتِسْقَاءِ: «فَتَقَشَّعَ السَّحَابُ» أَي: تَصَدَّع وأَقْلَع.

وِقَشَعَ الناقَةَ: حَلَبَهَا، نَقَلَه ابنُ القَطّاعِ.

وِيُقَال: هو أَذَلُّ من القَشْعَة، بالفَتْحِ، وهي: الكَشُوثاءُ، نَقَلَه ابن عَبّادٍ، وبه سُمِّيَت العَجُوزُ المُنْقَطِعُ عنها لَحْمُها من الكِبَرِ قَشْعَةً، وقد سَبَقَ ذلِكَ للمُصَنِّفِ، وذَكَرْنا شَاهِدَه، فهوَ تَكْرَارٌ.

وِالقِشْعَةُ، بالكَسْرِ والفَتْح: القِطْعَةُ من السَّحابِ تَبْقَى في أُفُقِ السَّماءِ بَعْدَ انْقِشَاعِ الغَيْمِ؛ أَي انْجِلائه وانْكِشَافِه.

وِالقَشْعَةُ أَيضًا، بالوَجْهَيْن: القِطْعَةُ من الجِلْدِ اليابِسِ، جَمْعُ المَكْسُورِ قِشَعٌ، كعِنَبٍ، وجَمْعُ المَفْتُوحِ قِشَاعٌ، كجِبَالٍ.

والَّذِي يَظْهَرُ من كَلَامِ الجَوْهَرِيِّ ـ الَّذِي نَقَلَهُ عن الأَصْمَعِيِّ ـ أَنَّ القِشَعَ، كعِنَبٍ: جَمْعُ قَشْعٍ، بالفَتْحِ، كما تَقَدَّم، وهو على غَيْرٍ قِيَاسٍ. وقالَ: هكَذا يُسْتَعْمَلُ، ومُقْتَضَى كَلامِه أَنَّ غَيْرَه ـ ولو كان مطابِقًا للقِيَاسِ لكِنَّه غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ ـ وفي التَّهْذِيب وغَيْرِه: أَنَّ القَشْعَةَ والقَشْعَ بفَتْحِهما جَمْعُهما قُشُعٌ، فتَأَمَّلْ ذلِك.

وِشَاةٌ قَشِعَةٌ، كفَرِحَةٍ: غَثَّةٌ. نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.

وِالقَشِعُ، ككَتِفٍ: الْيابِسُ قالَ عُكّاشَةُ السَّعْدِيُّ يَصِفُ إِبِلًا:

فَخَيَّمَتْ في ذَنَبَانٍ مُنْقَفِعْ *** وِفي رُفُوضِ كَلإٍ غَيْرِ قَشِعْ

وِالقَشِعُ: الرَّجُلُ لا يَثْبُتُ على أَمْرٍ.

وِيُقَال: أَتَى وما عَلَيْه قِشَاعٌ، كَقِزَاعٍ زِنَةً ومَعْنًى؛ أَي شَيْ‌ءٌ من الثِّيَابِ، نَقَلَه ابنُ عَبّادٍ.

وِعن النَّضْرِ: القُشَاعُ، كغُرَابٍ: صَوْتُ الضَّبْعِ الأُنْثَى، هكَذَا هو في العُبَابِ واللِّسَانِ. قالَ شَيْخُنَا: وكأَنَّه جَرَى على رأْي أَنَّ الضَّبْعَ عامٌّ، وإِلّا فقد سَبَقَ أَنَّه خاصٌّ بالأُنْثَى، فلا يُحْتَاجُ للوَصْفِ به، انتهَى، وقال أَبو مِهْرَاسٍ:

كَأَنَّ نِدَاءَهُنَّ قُشَاعُ ضَبْعٍ *** تَفَقَّدُ من فَرَاعِلَةٍ أَكِيلَا

وِقَشِعَ الشَّيْ‌ءُ. كَسَمِعَ: جَفَّ كاللَّحْمِ الّذِي يُسَمَّى الحُسَاسَ، نَقَلَه ابنُ دُرَيْدٍ.

وِكَلأٌ قَشِيعٌ، كأَمِيرٍ: مُتَفَرِّقٌ.

وِقالَ ابنُ الأَعْرَابِيّ: هُو أَقْشَعُ مِنْهُ؛ أَي أَشْرَفُ.

وِأَقْشَعُوا: تَفَرَّقُوا. وهذا قَدْ تَقَدَّم للمُصَنِّفِ، ومَرَّ شاهِدُه من قَوْلِ العَبّاسِ رضي ‌الله‌ عنه، فهو تَكْرَار.

وِأَقْشَعُوا عن الماءِ: أَقْلَعُوا، وهو مَجَازٌ.

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

القُشَاعُ، بالضَّمِّ: داءٌ يُوْبِسُ الإِنْسَانَ.

وِالقِشَاعُ، بالكَسْرِ: رُقْعَةٌ تُوضَعُ على النِّجَاشِ عندَ خَرْزِ الأَدِيمِ.

وِانْقَشَع عنه الشَّيْ‌ءُ، وتَقَشَّعَ: غَشِيَه ثُمَّ انْجَلَى عَنْه، كالظَّلامِ عن الصُبْحِ، والهَمِّ عن القَلْبِ، والبَلاءِ عن البِلاد، وهو مَجَازٌ.

وقال شَمِرٌ: يُقَالُ للشَّمَالِ: الجِرْبِيَاءُ، وسَيْهَكٌ، وقَشْعَةُ، لقَشْعِهَا السَّحَابَ.

وِتَقَشَّعَ القَوْمُ: ذَهَبُوا وافْتَرَقُوا.

وِأَقْشَعُوا عن مَجْلِسِهم: ارْتَفَعُوا، وهذِهِ عن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ.

وِالقَشْعُ: أَنْ تَيْبَسَ أَطْرَافُ الذُّرَةِ قَبْلَ إِنَاهَا، يُقَالُ:

قَشَعَت الذُّرَةُ تَقْشَعُ قَشْعًا، هُنَا ذَكَرَه صاحِبُ اللِّسَانِ وابنُ القَطّاعِ، وخالَفَهُم الصّاغَانِيُّ، فذَكَرَه فِي الفاءِ، وقَلَّدَه المُصَنِّفُ، فوَهِمَا.

وأَرَاكَةٌ قَشِعَةٌ، كفَرِحَةٍ: مُلْتَفَّةُ كثِيرَةُ الوَرَقِ، كما في اللِّسَان والمُحِيط.

وِالقُشَاعُ، بالضَّمِّ: ما يَتَلَوَّى على الشَّجَرِ، ذَكَرَه الزَّمَخْشَرِيُّ في الفاءِ، وهذا مَحَلُّ ذِكْرِه، وسَيَأْتِي أَيْضًا في الغَيْنِ المُعْجَمَةِ مع الفاءِ.

وِالمِقْشَعُ، كمِنْبَر: النّاوُوسُ، يَمَانِيّةٌ.

وِالقَشْعُ، بالفَتْحِ: الفَهْمُ، شَامِيَّةٌ عامِّيَّةٌ، وقد يَصِحُّ مَعناهَا بضَرْبٍ من المَجَاز.

وِالقَشْعُ، بالفَتْحِ، رِيشٌ مُنْتَشِرٌ. عن ابْنِ عَبّادٍ.

وِانْقَشَعُوا عن أَماكِنِهم: جَلَوْا عنها، وهو مَجَازٌ.

وهو يَقْشَعُ بقُشَاعَتِه؛ أَي يَرْمِي بنُخامَتِه. وهو مَجَازٌ.

وِالقَاشِعُ: الحُسَاسُ، وهو سَمَكٌ يُجَفَّف، يأْكلُه أَهلُ البَحْرَيْنِ، ويُطْعِمُونَه الإِبِلَ والبَقَر والغَنَم. نقله ابنُ دُرَيْدٍ.

وفُلانٌ لم تَتَقَشَّعْ جَاهِلِيَّتُه. نَقَلَه الزَّمَخْشَرِيُّ، وهو مَجازٌ.

وِانْقَشَع اللَّيْلُ: أَدْبَرَ وذَهَبَ، قالَ سُوَيْدٌ:

وِيُزَجِّيها على إِبْطَائِها *** مُعرَبُ اللَّوْنِ إِذَا اللَّيْلُ انْقَشَعْ

وِقِشْعُ بنُ عَقِيلٍ، بالكَسْرِ: رَجُلٌ من بَنِي تَمِيمٍ، وهو جَدُّ صَبِيغِ بن عِسْلٍ الَّذِي نَفَاه عُمَرُ ـ رضِيَ الله عَنْه ـ إِلى البَصْرَةِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


32-تاج العروس (نوف)

[نوف]: النَّوْفُ: السَّنامُ العالِي، ج: أَنْوافٌ عن ابنِ الأَعْرابِيِّ، وخَصّه غيرُه بسَنامِ البَعِير، وبه سُمِّيَ الرَّجُلُ نَوْفًا، قال الرّاجِزُ:

جارِيَةٌ ذاتُ هَنٍ كالنَّوْفِ *** مُلَمْلَمٍ تَسْتُرُه بحَوْفِ

يا لَيْتَنِي أَشِيمُ فيها عَوْفي

قال: والنَّوْفُ: بُظارَةُ المَرْأَةِ وكُلُّ ذلِكَ في مَعْنَى الزِّيادَةِ والارْتِفاعِ.

قال ابنُ دُرَيْدٍ: وربَّما سُمِّيَ ما تَقْطَعُه الخَافِضَةُ مِنْهُنَّ نَوْفًا، زَعَمُوا.

وَفي الصِّحاحِ: النَّوْفُ: فَرْجُ المَرأَةِ.

وَقالَ ابنُ بَرِّي: النَّوْفُ: البَظْرُ، وقِيلَ: الفَرْجُ، أَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لهَمّامِ بنِ قَبِيصَةَ الفَزارِيِّ حينَ قَتَلهُ وازِعُ بن ذُؤالَةَ:

تَعِسْتَ ابنَ ذاتِ النَّوْفِ أَجْهِزْ على امْرِئٍ *** يَرَى المَوْت خَيْرًا من فِرارٍ وأَكْرَمَا

ولا تَتْرُكَنِّي كالخُشاشَةِ إِنَّنِي *** صَبُورٌ إذا ما النِّكْسُ مِثْلُكَ أَحْجَمَا

وقال الأَزْهَرِيُّ: قَرأْتُ في كتاب نُسِبَ إلى المُؤَرِّجِ غير مَسْمُوعٍ، لا أَدْرِي ما صِحَّتُه: النَّوْفُ: الصّوْتُ، أو صَوْتُ الضَّبُعِ يُقالُ: نافَت الضَّبُعَةُ، تَنُوفُ نَوْفًا.

قال: والنَّوْفُ: المَصُّ مِنَ الثَّدْيِ.

وقال غيرُه: النَّوْفُ: أَنْ يَطُولَ البَعِيرُ ويَرْتَفِعَ، وقد نافَ يَنُوفُ نَوْفًا، وكذلِك كُلُّ شَيْ‌ءٍ.

قال ابنُ دُرَيْدٍ: وبَنُو نَوْف: بَطْنٌ من العَرَبِ، أَحْسَبُه من هَمْدانَ.

ونَوْفُ بنُ فَضالَةَ أَبو يَزِيدَ البِكالِيُّ ويُقال: أَبو عَمْرٍو، وَيُقالُ: أَبُو رشيد التّابِعِيُّ، إِمامُ دِمَشْقَ أُمُّه كانَتْ امْرَأَةَ كَعْبِ [الأَحْبارِ]، يَرْوِي القَصَصَ، وهوَ الذي قالَ فيه عبدُ الله بنُ عَبّاسٍ رضي ‌الله‌ عنهما: «كَذَبَ عَدُوُّ الله» رَوَى عَنْه أَبو عِمْرانَ الجَوْنِيُّ، والنّاسُ، وأَورَدَه ابنُ حِبّان في الثِّقاتِ.

ويَنُوفَى بالتَّحْتِيَّةِ، أَو تَنُوفَى بالفَوْقِيّةِ مَقْصُورتانِ، أَو تَنُوفُ كتَقُولُ، وفي الصِّحاحِ: يَنُوفُ بالتَّحْتِيّة، فهي ثَلَاثُ رِواياتٍ: موضع وفي العُبابِ: هَضْبَةٌ، وفي اللِّسانِ: عَقَبَةٌ بجَبَلَيْ طَيِّئٍ وهُما أَجَأَ وسَلْمَى، ووَقَعَ في الصِّحاحِ في جَبَلِ بالإِفْرادِ، والصَّوابُ ما للمُصَنِّفِ، سُمِّيَتْ بذلِكَ لِارْتِفاعِها، وَبالوُجُوهِ الثَّلاثَةِ يُرْوَى قَوْلُ امْرِئ القَيْسِ:

كأَنَّ دِثارًا حَلَّقَتْ بلَبُونِه *** عُقابُ تَنُوفَى لا عُقابُ القَواعِلِ

وَالقَواعِلُ: موضِعٌ في جَبَلَيْ طَيِّئٍ، ودِثارٌ: اسمُ راعي امْرِئِ القَيْسِ، وأَنشَدَه ثَعْلَبٌ: «عُقابُ يَنُوفٍ»، كما وَقَع في نُسَخِ الصِّحاحِ، ورواهُ ابنُ جِنِّي: «تَنُوفٍ» مَصْرُوفًا على فَعُولٍ، قال في التّكْمِلَةِ: فَعَلى هذَا التّاءُ أَصْلِيَّة، مثلُها في تَنُوفَة، ومَوْضِعُ ذِكْرِها فصلُ التّاءِ، وتَنُوفَى من الأَوْزانِ التي أَهْمَلَها سِيبَوَيْه، وقالَ السِّيرافيُّ: تَنُوفَى: تَفُعْلَى، فعَلَى هذا يَسوغُ إيرادُ تَنُوف في هذا التَّرْكِيبِ، وَوَزْنُه تَفُعْل، ولا يُصْرَف انتهى.

قلت: وتَنُوفَى روايةُ ابنِ فارِسٍ، وقد تَقَدّم في «تنف» وَزْنُه بجَلُولَا، ومضَى الكلامُ عَلَيه هُناكَ، ويَنُوفَى رِوايةُ أَبي عُبَيْدَةَ، فراجِعْه في «تنف».

ومَنافٌ: صَنَمٌ، وبه سُمِّيَ عَبْدَ مَنافٍ وكانت أُمُّه قد أَخْدَمَتْهُ هذا الصَّنمَ، قال أَبو المُنْذِرِ: ولا أَدْرِي أَيْنَ كانَ، وَلِمَنْ كانَ، وفيه يَقُولُ بَلْعاءُ بنُ قَيْسٍ:

وَقِرْنٍ قَدْ تَرَكْتُ الطَّيْرَ مِنه *** كمُعْتَبِر العَوارِكِ مِنْ مَنافِ

وَهو أَبُو هاشِمٍ وعَبْدِ شَمْسٍ وعليهما اقْتَصَرَ الجَوهرِيُّ، زاد الصاغانِيُّ: والمُطَّلِبِ، وتُماضِرَ، وقِلابَةَ وفاتَه: نَوْفَلُ بنُ عبدِ مَنافٍ؛ لأَنَّها بُطونٌ أَرْبَعَةٌ، واسمُ عبدِ منافٍ المُغِيرَةُ، وَيُدْعَى القاسِم، ويُلَقَّبُ قَمَرَ البَطْحاءِ، ويُكْنَى بأَبِي عَبْدِ شَمْسٍ، وأُمُّه حُبَّى بنتُ حُلَيْل الخُزَاعِيَّةُ، وهو رابِعُ جَدٍّ لسَيِّدِنا رَسُولِ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، وفيه قال الشّاعِرُ:

كانَتْ قُرَيْشٌ بَيْضَةً فتَفَقَّأَتْ *** بالمُحِّ خالِصَةً لعَبْدِ مَنافِ

وَقالَ ابنُ تَيْمِيَةَ في «السِّياسَةِ الشَّرْعِيَةِ»: أَشْرَفُ بيتٍ كانَ في قُرَيْشٍ بَنُو مَخْزُومٍ، وبَنُوُ عَبْدِ منافٍ.

والنِّسْبَةُ إِليه مَنافيٌّ قال سِيبَوَيْه: وهُوَ مما وَقَعَتْ فيه الإِضافَةُ إلى الثانِي دُونَ الأَوّلِ؛ لأَنَّه لو أُضِيفَ إلى الأَوّلِ لالْتَبَسَ، قال الجوهرِيُّ: وكانَ القِياسُ عَبْدِيٌّ، فعَدَلُوا عن القياسِ لإِزالَةِ اللَّبْسِ بينَه وبَيْنَ المَنْسُوبِ إلى عَبْدِ القَيْسِ وَنحوِه.

ومَنُوفُ: قرية، بمِصْرَ زادَ الصاغانِيُّ: القَدِيمَةِ. قلتُ: وَهي من جَزِيرَةِ بني نَصْرٍ، وعَمَلِ أَبْيار، ويُقال لكُورَتِها الآنَ: المَنُوفِيَّة، لها ذِكْرٌ في فُتُوحِ مِصْر، وقولُ الصّاغانِيِّ «القَدِيمَة» يُوهِمُ أَنّها هي مَنْفُ التي كانَتْ بقُرْبِ الفُسْطاطِ وَخَرِبَتْ، وليسَتْ هِيَ، كما بَيَّناهُ في «فصل الميم مع الفاءِ وعِبارَةُ المُصَنِّفِ سالِمَةٌ عن الوَهَمِ، إِلَّا أَنّها غيرُ وافِيَةٍ بالمَقْصُودِ.

وجَمَلٌ نِيافٌ، وناقَةٌ نِيافٌ، ككِتابٍ: أي طَوِيلٌ وطَوِيلَةٌ في ارْتِفاعٍ كما في الصِّحاحِ، وقالَ ابنُ بَرِّي: طَوِيلَا السَّنامِ، وأَنشَدَ لزِيادٍ المِلْقَطِيِّ:

والرَّحْلُ فَوْقَ ذاتِ نَوْفٍ خامِسِ

والأَصْلُ نِوافٌ قُلِبَت الواوُ ياءً تَخْفِيفًا لا وُجُوبًا، أَلَا تَرَى إلى صِحَّةِ خِوان وصِوان وصِوار، على أَنه قد حُكِيَ صِيانٌ وَصِيارٌ، وذلِكَ عن تَخْفِيفٍ لا عن صَنْعَةٍ، قالَهُ ابنُ جِنِّي، وَأَنشَدَ الجَوْهَرِيُّ للرّاجِزِ ـ قلت: هو السَّرَنْدَى التّيْمِيُّ ـ:

أَفْرغْ لأَمْثالٍ مَعا إِلافِ *** يَتْبَعْنَ وَخْيَ عَيْهَلٍ نِيافِ

وَكَذلِكَ جَبَلٌ نِيافٌ، وأَنشَدَ الجَوْهرِيُّ لامْرِئِ القَيْسِ:

نِيافًا تَزلُّ الطَّيْرُ عَنْ قُذُفاتِه *** تَظَلُّ الضَّبابُ فوقَه قَدْ تَعَصَّرَا

قال ابنُ جِنِّي: وقد يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نِيافًا مصدَرًا جارِيًا على فِعْلٍ [معتلّ] مُقَدَّرٍ، فيَجْرِي حِينَئذٍ مَجْرَى صِيامٍ وَقِيامٍ، ووَصَفَ به، كما يُوصَفُ بالمصادِر.

وبعضُهم يَقُولُ: جَمَلٌ نَيّافٌ كشَدّادٍ على فَيْعالٍ: إذا ارْتَفَع في سَيْرِه، والأَصْلُ نَيْوافٌ وأَنشَدَ:

يَتْبَعْنَ نَيّافَ الضُّحَى عُزَاهِلَا

قال الأَزْهَرِيُّ: رَواهُ غيرُه «يَتْبَعْنَ زيّافَ الضُّحَى» قال: وَهو الصّحِيحُ، وقال أَبو عَمْرٍو: والعُزاهِلُ: التّامُّ الخَلْقِ.

«والنَّيِّفُ، ككَيِّسٍ، وقد يُخَفَّفُ كمَيِّتٍ ومَيْتٍ، قاله الأَصْمَعِيُّ، وقِيلَ: هو لَحْنٌ عندَ الفُصَحاءِ، ونَسَبَهُ بعضٌ إِلَى العامَّةِ، ونسَبَها الأَزْهرِيُّ إلى الرَّدَاءَةِ: الزِّيادَةُ، وأَصْلُه نَيْوِفٌ عَلَى فَيْعِلٍ يُقالُ: عَشَرَةٌ ونَيِّفٌ، وَمائَةٌ ونَيِّفٌ، وكُلُّ ما زادَ عَلَى العَقْدِ فنَيِّفٌ، إلى أَنْ يَبْلُغَ العَقْدَ الثّانِيَ وقالَ اللِّحْيانِيُّ: يُقال: عِشْرُونَ ونَيِّفٌ، ومائَةٌ ونَيِّفٌ، وأَلْفٌ ونَيِّفٌ، ولا يُقال: نَيِّفٌ إلّا بعدَ عَقْدٍ، قال: وإِنَّما قالَ: نَيِّفٌ؛ لأَنَّه زائِدٌ على العَدَدِ الذي حَواهُ ذلِكَ العَقْدُ.

والنَّيِّفُ: الفَصْلُ عن اللِّحْيانِيِّ، وحَكَى الأَصْمَعِيُّ: ضَع النَّيِّفَ في مَوْضِعِه، أي: الفَضْلَ، كذَا في المُحْكَمِ.

والنَّيِّفُ: الإِحْسانُ، وَهو مَأْخُوذٌ من مَعْنَى الزِّيادَةِ وَالفَضْلِ.

وقال أَبو العَبّاسِ: الذي حَصَّلْناه من أَقاوِيلِ حُذّاقِ البَصْرِيِّينَ والكُوفِيِّينَ أنَّ النَّيِّفَ: من واحِدَةٍ إلى ثَلاثٍ وَالبِضْعَ: من أَرْبَعٍ إلى تَسْعٍ.

ونافَ الشّيْ‌ءُ يَنُوفُ نَوْفًا: ارْتَفَع وأَشْرَفَ.

وَنافَ يَنُوفُ: إذا طالَ وارْتَفَعَ.

وأَنافَ عَلَى الشَّيْ‌ءِ: أَشْرَفَ وارْتَفَع، ويُقالُ لكُلِّ مُشْرِفٍ على غَيْرِه: إِنَّه لمُنِيفٌ، وقد أَنافَ إِنافَةً، قال طَرَفَةُ يَصِفُ إِبِلًا:

وَأَنافَتْ بِهَوادٍ تُلُعٍ *** كجُذُوعٍ شُذِّبَتْ عَنْها القُشُرْ

والمُنِيفُ: جَبَلٌ يَصُبُّ في مَسِيلِ مكَّةَ ـ حَرَسَها الله تَعالَى ـ قال صَخْرُ الغَيِّ يَصِفُ سَحابًا:

فَلمّا رَأَى العَمْقَ قُدَّامَهُ *** وَلَمَّا رَأَى عَمَرًا والمُنِيفَا

والمُنِيفُ أَيْضًا: حِصْنٌ في جَبَلِ صَبِرٍ من أَعْمالَ تَعِزَّ باليَمَنِ.

والمُنِيفُ أَيْضًا: حِصْنٌ من أَعْمالِ لَحْجٍ قُرْبَ عَدَنِ أَبْيَنَ.

والمُنِيفَةُ بهاءٍ: ماءَةٌ لتَمِيم عَلَى فَلْجٍ بَيْنَ نَجْدٍ وَاليَمامَةِ قال:

أَقُولُ لصاحِبِي والعِيسُ تَهْوِي *** بِنا بَيْنَ المُنِيفَةِ فالضِّمارِ

تَمَتَّعْ من شَمِيمِ عَرارِ نَجْدٍ *** فَما بَعْدَ العَشِيَّةِ من عَرارِ

وأَنافَ عَلَيه: زادَ، كنَيَّفَ يُقالُ: أَنافَت الدَّراهِمُ على المائَةِ، أي: زادَتْ، ونَيَّفَ فلانٌ على السِّتِّينَ ونَحْوِها: إذا زادَ علَيْها.

وأَفْرَدَ الجَوْهَرِيُّ له تَرْكِيبَ «نيف» وَهَمًا وقد تَبعَ فيه صاحِبَ العَيْنِ، والزبَيْدِيَّ في مُخْتَصَرِه والصَّوابُ ما فَعَلْنا؛ لأَنَّ الكُلَّ واوِيُّ كما قالَه ابنُ جِنِّيِ، ونَبَّه عَلَيه ابنُ بَرَّي، والصّاغانِيَّ، وصاحبُ اللِّسانِ، مع أنَّ الجَوْهَرِيَّ ذَكَر في «نيف» أنَّ أَصْلَه من الواو، وكأَنَّه نَظَرَ إلى ظاهِرِ اللَّفْظِ، فتَأَمَّلْ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

أَنافَهُ إِنافَةً، بمعْنَى أَنافَ إِنافَةً، هكَذا ذَكَره ابنُ جِنِّي متعَدِّيًا في كتابِه المَوْسُومِ بالمُعْرِب، وليس بمَعْرُوفٍ.

وَامْرَأَةٌ مُنِيفَةٌ، ونِيافٌ: تامَّةُ الطُّولِ والحُسْنِ، وهو مَجازٌ.

وَفَلاةٌ نِيافٌ: طَوِيلَةٌ عَرِيضَةٌ، قال الرّاجِزُ:

إِذا اعْتَلَى عَرْضَ نِيافٍ فِلِّ *** أَذْرَى أَساهِيكَ عَتِيقٍ أَلِّ

وَالنَّوْفُ: أَسْفَلُ الذَّيْلِ؛ لزِيادَتِه وطُولِه، عن كُراعٍ.

وَجَبَلٌ عالِي المَنافِ، أي: المُرْتَقَى قِيلَ: ومنه عَبْدُ مَنافٍ، نقَلَه الزَّمخْشَرِيُّ.

وَيَنُوفُ بالياء: جَبَلٌ ضَخْمٌ أَحْمَرُ، لكِلابٍ.

وَتَنُوفُ بالتّاء: من أَرْضِ عُمانَ.

وَالنيوفة: ماءَةٌ في قاعِ الأَرْض لبَنِي قُرَيْطٍ، تُسَمّى الشَّبَكَة.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


33-تاج العروس (نطق)

[نطق]: نَطَق يَنْطِق نُطْقًا بالضمِّ ومَنْطِقًا كمَوْعِد. وزاد ابنُ عَبَّاد: نَطْقًا، بالفَتْح ونُطوقًا كقُعودٍ: تَكلَّم بصَوْت.

وقَولُه تَعالَى: {عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} قالَ ابنُ عَرَفَةَ: إِنَّما يُقالُ لغَيْرِ المُخاطَبِينَ من الحَيوان: صَوْتٌ، والنُّطْقُ إِنَّما يكونُ لمَن عَبَّرَ عن مَعْنىً، فلما فَهَّمَ اللهُ تعالَى سيدَنا سُليمانَ ـ عليه وعلى نَبيِّنا السّلامُ ـ أَصواتَ الطَّيرِ سَمَّاه مَنْطِقًا؛ لأَنّه عَبَّر به عن مَعْنىً فَهِمه.

قالَ: فأَما قَولُ جَرِير:

لَقَدْ نَطَقَ اليومَ الحمامُ ليُطْرِبَا

فإِنَّ الحَمامَ لا نُطْقَ له وإِنَّما هو صَوْت. وكلُّ ناطِق مُصَوِّتٍ: ناطِقٌ، ولا يُقالُ للصَّوت: نُطْقٌ حَتَّى يكونَ هُناكَ صَوْت.

وحُروفٌ تُعرَف بها المَعاني، هذا كُلُّه قولُ ابنِ عَرَفة.

قال الصاغانيُّ: والرّوايةُ في قَوْل جَرِيرٍ: «لقد هَتَف» لا غَيْر.

وفي اللِّسان: وكَلام كل شَيْ‌ءٍ: مَنْطِقُه. ومنه قولُه تعالى: {عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ}. قال ابنُ سِيدَه: وقد يُسْتَعْمل المَنْطِقُ في غَيْرِ الإِنسانِ، كقوله تَعالى: {عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} وأَنْشَدَ سِيبَوَيْهٌ:

لم يَمْنَعِ الشُّرْبَ منها غَيرَ أَنْ نَطَقَتْ *** حَمامةٌ في غُضُونٍ ذاتِ أَوْقالِ

وحَكَى يَعْقوبُ أَنَّ أَعرابيًّا ضَرِط فتَشوَّر، فأَشارَ بإِبْهامه نَحْو اسْتِه، وقالَ: إِنّها خَلْفٌ نَطَقَت خَلْفًا يَعْنِي بالنُّطْقِ الضَّرْطَ.

وقالَ الرَّاغبُ: النُّطقُ في التَّعارُف: الأَصْواتُ المُقَطَّعَةُ التي يُظهِرها اللِّسان، وتَعِيها الآذانُ، ولا يُقالُ للحَيواناتِ: ناطِقٌ إِلَّا مُقيَّدًا، أَو عَلَى التَّشْبِيه، كقَوْل الشّاعر:

عَجِبْتُ لها أَنَّى يَكُونُ غِناؤُها *** فَصِيحًا ولم تَفْغَرْ بمَنْطِقِها فَمَا

وأَنطَقَه الله تَعالى، واستَنْطَقَه: طَلَب منه النُّطْق.

ومن المَجازِ قَولُهم: «ما لَه ناطِقٌ ولا صامِتٌ»، أَي: حَيوانٌ ولا غَيْرُه من المَالِ، فالنّاطقُ: الحَيوانُ، والصامِتُ: ما سِواه، وقيلَ: الصّامِتُ: الذَّهبُ والفِضَّة.

وقال الجَوْهَرِيُّ: الناطِقُ: الحَيوانُ من الرَّقِيقِ وغَيْرِه؛ سُمِّي ناطِقًا لصَوْته. وصَوْتُ كُلّ شي‌ءٍ، مَنْطِقُه ونُطْقُه.

والناطِقَةُ: الخاصِرَةُ نَقَله الجَوْهرِيُّ.

والمِنْطَقَة كمِكْنَسة: ما يُنْتَطَقُ به. والمِنْطَقُ والنِّطاقُ كمِنْبر وكِتابٍ: كلُّ ما شُدَّ به الوَسَط. وفي حَدِيث أُمّ إِسماعيلَ عليه‌السلام: «أَوّلُ ما اتَّخذَ النِّساءُ المِنْطَقَ من قِبَلِ أُمِّ إِسماعيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا» وهو النِّطاقُ، والجَمْعُ: مَناطِقُ؛ وهو أَن تَلْبَسَ المَرأَةُ ثَوْبَها، ثم تَشُدّ وَسَطَها بشَيْ‌ءٍ، وتَرْفَع وَسَط ثَوْبِها، وتُرْسِله على الأَسْفَلِ عند مُعاناةِ الاشْغال؛ لئَلَّا تَعْثُرَ في ذَيْلِها، وفي العَيْنِ: شِبْبهُ إِزارٍ فيه تِكَّةٌ، كانت المرأَة تَنْتَطِق به.

وفي المُحْكَم: النِّطاقُ: شُقَّةٌ أَو ثَوْب تَلْبَسُها المَرْأَة وتَشُدُّ وَسَطَها بحَبْلٍ، فتُرْسِلُ الأَعْلَى على الأَسْفَلِ إِلى الأَرْضِ نَصُّ المُحكم: إِلى الرُّكْبَة، ومِثلُه في الصحاح والعُباب: والأَسفَلُ يَنْجَرُّ على الأَرضِ، ولَيْس لَها حُجْزةٌ، ولا نَيْفَقٌ، ولا سَاقَانِ كمِلْحَف ولِحافٍ، ومِئْزَر وإِزار، والجمع نُطُقٌ بضَمَّتَين.

وقد انتَطَقَت: لَبِسَتْها على وَسَطها.

وانْتَطَقَ الرَّجلُ: شدَّ وَسَطَه بمِنْطَقَة، وهو: كلُّ ما شَدَدْتَ به وَسَطَك، كتَنَطَّق، وكذلكَ المَرْأَة.

وقَولُ عَلِيٍّ رَضِي الله تَعالَى عنه: مَنْ يَطُلْ هَنُ أَبِيه هكذا في الصِّحاحِ، وفي بَعْض الأُصُولِ: أَيْرُ أَبيهِ يَنْتَطِقْ به، أَي: مَن كَثُر بَنُو أَبِيه يَتَقَوَّى بِهِمْ. قالَ الصاغانيُّ: ضَرَب طُولَه مَثَلًا لكَثْرةِ الوَلَدِ، والانْتِطاق مثلًا للتَّقَوِّي والاعْتِضاد.

والمَعْنَى: من كَثُرَ إِخْوَتُه كانَ منهُم في عِزٍّ ومَنَعَةِ. قالَ ابنُ بَرّي: ومنه قَوْلُ الشّاعر:

فلو شَاءَ رَبِّي كانَ أَيرُ أَبِيكُمُ *** طَوِيلًا كأَيْرِ الحَارِث بنِ سَدُوسِ

وذَاتُ النِّطاقَيْنِ هي أَسماءُ بِنْتُ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رضي ‌الله‌ عنهما؛ لأَنَّها كانَتْ تُطَارِقُ نِطاقًا على نِطاق، وقِيلَ: إِنَّه كانَ لها نِطاقَان تَلْبَس أَحدَهما، وتَحْمِل في الآخَرِ الزَّادَ إِلى سيِّدِنا رسولِ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم وأَبِي بَكْر رضي ‌الله‌ عنه، وهُمَا في الغَارِ، وهذا أَصحُّ القَوْلَين، وقِيلَ: لأَنَّها شَقَّتْ نِطاقَها ليلةَ خُرُوجِ رَسُولِ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم إِلى الغَارِ، فجَعَلَتْ واحدةً لِسُفْرةِ رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، والأُخرَى عِصامًا لقِرْبتهِ.

ورُوِيَ عن عائشةَ رضي ‌الله‌ عنها أَنَّ النبيَّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم لَمَّا خَرَجَ مع أَبِي بَكْر مُهاجِرَيْنِ صَنَعْنا لهما سُفْرةً في جِرابٍ، فقَطَعَت أَسماءُ من نِطاقها، وأَوْكَت به الجِرابَ، فلِذلك كانَتْ تُسَمَّى ذاتَ النِّطاقَيْنِ.

وذَاتُ النِّطاق: أَكَمَةٌ معروف معروفة لِبَنِي كِلاب، وهي مُنَطَّقَةٌ بِبَياضٍ وأَعْلاها سَواد. قال ابنُ مُقْبِلٍ:

ضَحَّوا قَلِيلًا قَفَا ذَاتِ النِّطاق فلم *** يَجْمَع ضحاءَهُمُ هَمِّي ولا شَجَنِي

وقالَ أَيضًا:

خَلَدَت ولم يخْلُدْ بها مَنْ حَلَّها *** ذاتُ النِّطاقِ فبَرْقَةُ الأَمْهارِ

وقالَ ابنُ عَبَّادٍ: النِطاقَانِ: أَسْكَتا المَرْأَةِ.

والمِنْطِيقُ بالكسرِ: البَلِيغُ، أَنشدَ ثَعْلَبٌ:

والنَّومُ ينتَزع العَصَا من رَبّها *** ويَلُوكُ ثِنْيَ لِسانِه المِنْطِيقُ

وقالَ شَمِرٌ: المِنْطيقُ في قَوْلِ جَرِيرٍ:

والتَّغْلَبِيُّون بِئْسَ الفَحلُ فَحْلُهُمُ *** قِدْمًا، وأُمُّهُمُ زَلّاءُ مِنْطِيقُ

قالَ: هي المَرأَة: المُتَأَزِّرَةُ بحَشِيَّةٍ تُعَظِّمُ بها عَجِيزَتَها.

ويُقالُ: نَطَّقَه تَنْطِيقًا إِذا أَلْبَسَه المِنْطَقَة فتَنَطَّق وانْتَطَق.

وأَنْشَدَ ابنُ الأَعرابيِّ:

تَغْتالُ عُرْضَ النُّقْبةِ المُذالَهْ *** ولم تَنَطَّقْها على غِلَالَهْ

ومن المَجاز: نَطَّقَ المَاءُ الأَكَمَةَ وغَيْرَها كالشَّجَرةِ: بَلَغ نِصْفَها، واسمُ ذلك الماءِ النِّطاقُ، على التَّشَبُّهِ بالنِّطاق المُقَدَّم ذِكْرُه، نَقَلَه الأَزْهَريُّ.

والنُّطُق، بضَمَّتَيْن في قَوْلِ العَبَّاس بنِ عبدِ المُطَّلبِ رضي ‌الله‌ عنه يمدحُ رسولَ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم:

حَتّى احْتَوَىَ بيتُك المُهَيْمِنُ مِنْ *** خِنْدِفَ عَلْياءَ تَحْتَها النُّطُقُ

هي أَعْراضٌ ونَواحٍ من جِبالٍ بَعضُها فَوْقَ بَعْض واحِدُها نِطاقٌ، شُبِّهَتْ بالنُّطُق التي تُشَدُّ بها الأَوساطُ ضَرَبَه مَثَلًا له في ارْتِفاعِه وتَوَسُّطِه في عَشِيرَتِه، وجَعَلَهم تَحْتَه بمَنْزِلة أَوْساط الجِبال. وأَرادَ بِبَيْته شَرَفَه، والمُهَيْمِنُ نعتُه، أَي: حتى احتَوى شَرَفُك الشاهدُ على فَضْلِك أَعْلَى مَكانٍ من نَسَب خِنْدِف.

ومن المَجازِ: المُنْتَطِقُ: العَزِيزُ مَأْخُوذٌ من قَوْلِ عليٍّ رضي ‌الله‌ عنه السابق، نَقَلَه ابنُ عبّادٍ والزَّمَخْشَريُّ.

والمُنَطَّقَة كمُعَظَّمةٍ من الغَنَمِ: ما عُلِّم عليها بحُمْرةٍ في مَوْضِع النِّطاق، نقله الصاغانِيُّ. وفي اللِّسان: المُنَطَّقة من المَعزِ: البَيْضاء مَوْضِعَ النِّطاق.

وقَولُهم: جَبَلٌ أَشَمُّ مُنَطَّق، كمُعَظَّم مأْخوذٌ من نَطَّقه المِنْطقَة فتَنَطَّق؛ لأَنَّ السَّحابَ لا يَبْلُغ رَأْسَه أَي: أَعلاهُ، كما هو في الصِّحاح.

ومن المَجاز: جاءَ مُنْتَطِقًا فرسَه: إِذا جَنَبَه ولم يَرْكَبْه.

وفي نُسْخةٍ: مُتَنَطِّقًا، وهُما صَحِيحان. وأَنشَدَ الجوهريُّ لخِداشِ بنِ زُهَيْر:

وأَبْرحُ ما أَدامَ الله قَومِي *** على الأَعْداءِ مُنتَطِقًا مُجِيدَا

يقول: لا أَزالُ أَجنُب فرسِي جَوادًا. ويُقال: إِنه أَراد قَوْلًا يُستَجاد في الثَّناءِ على قَوْمِي، كما في الصِّحاحِ، وأَراد لا أَبرحُ فحَذَف «لا». والرواية «رَهْطِي» بدلَ «قَوْمِي» وهو الصَّحِيحُ لقَوْلِه: «مُنْتَطِقًا» بالإِفرادِ، كما في اللِّسانِ، وأَنشدَ الصّاغانِيُّ في العُباب قَولَ خِداشٍ هكَذا:

ولم يَبْرَحْ طِوالَ الدَّهرِ رَهْطِي *** بحَمْد الله مُنْتَطِقِينَ جُودا

يُريد مُؤْتَزِرِينَ بالجُودِ، مُنتَطِقِينَ به، ومُرْفَدِينَ به.

* ومما يُسْتَدْرَكُ عليه:

ناطقَه مُناطَقَةً: كالَمَه.

وهو نِطِّيِقٌ كسِكِّيتٍ: بَلِيغ.

ويُقال: تَنَطَّقَت أَرْضُهم بالجِبالِ، وانْتَطَقَت، وهو مجاز.

وكتاب نَاطِقٌ، أَي: بَيِّنٌ على المَثَلِ، كأَنَّه يَنْطِقُ، قالَ لَبِيد:

أَو مُذْهَبٌ جُدَدٌ على أَلواحِه *** النّاطِق المَبرُوزُ والمَخْتومُ

وتَناطَقَ الرَّجلانِ: تَقاوَلا وناطَقَ كُلُّ واحدٍ منهما صاحِبَهُ.

وقَولُه ـ أَنشدَهُ ابنُ الأَعرابيِّ ـ:

كأَنَّ صَوتَ حَلْيِها المُناطِقِ *** تَهَزُّجُ الرِّياحِ بالعَشارقِ

أَراد تَحرُّك حَلْيها، كأَنَّه يُناطِقُ بَعضُه بَعْضًا بصَوْته.

وتَمَنْطَقَ بالمِنْطَقة، مثل تَنَطَّق، عن اللِّحيانِيّ.

ويُقال: هو واسِعُ النِّطاق على التَّشْبيه ومثلُه اتَّسَعَ نِطاقُ الإِسْلامِ.

قالَ ابنُ سِيدَه: ونُطُقُ الماءِ، بضَمَّتَيْن: طَرائقُه، أَراهُ على التَّشبِيه، قال زُهَيرٌ:

يُحِيلُ في جَدْوَلٍ تَحْبُو ضَفادِعُه *** حَبْوَ الجَوارِي تَرَى في مائِه نُطُقَا

وفي الأَساسِ:

بحَوْرانَ أَنْباطٌ عِراضُ المَناطِقِ

أَي: يَهُود ونَصارى. ومَناطِقُهم: زَنَانيرُهم، وهو مجاز.

والنِّطاقة، بالكسر: الرُّقْعَةُ الصَّغيرةُ، لأَنّها تَنْطِقُ بما هو مَرْقُومٌ فِيها، وهو غَرِيبٌ، وقد مَرَّ ذِكرُه في «بطق».

ونَطُقَ الرَّجلُ، كَكَرُم: صارَ مِنْطِيقًا عن ابنِ القطّاعِ.

والنِّطاقُ: قرية بمِصْر من أَعمال الغربية.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


34-تاج العروس (عثك)

[عثك]: العَثَكُ أَهْمَلَه الجَوْهَرِيُّ. وقال ابنُ دُرَيْدٍ: هو بالتحريكِ قال: وقالُوا العُتَكُ. كصُرَدٍ قال: وقد قالُوا: العُثُكُ مِثْلُ عُنُقٍ عُروقُ النَّخْلِ خاصَّةً قالَ: ولا أَدْرِي أَوَاحِدٌ هو أَمْ جَمْع، قالَ؛ فإنْ صحَّ قَوْلهم العُثُك بضمَّتَين فهو جَمْعٌ. قُلْتُ: ووَقَعَ في الجَمْهَرة: عِرْقُ النَّخْل هكذا بالإِفْرَادِ. وقَوْلُه: عُرُوق يدل على أَنَّه صَوَّبَ كَوْنه جَمْعًا فتأمَّلْ. والأَعْثَكُ الأَعْسَرُ من الرِّجالِ والعَثَكَةُ محرَّكةً الرَّدَغَةُ من الطِّين.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


35-تاج العروس (جل جلل جلجل)

[جلل]: جَلَّ الرجُلُ يَجِلُّ جَلالَةً وجَلالًا أَسَنَّ واحْتَنَكَ فهو جَليلٌ ومنه الحدِيثُ: «فاعْتَرَضَ لهم إِبْلِيس في صُورةِ شيْخٍ جَلِيلٍ» من قومٍ جِلَّةٍ بالكسرِ.

وجَلَّ جَلالًا وجَلالَةً عَظُمَ قَدْرُه فهو جَليلٌ.

قالَ الرَّاغِبُ: الجَلالَةُ: عظمُ القَدْرِ. والجلال التَناهِي في ذلِكَ، وخُصَّ بوصْفِ الله تعالَى فقيلَ: {ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ}. ولم يُسْتَعْمل في غيرِه.

والجَلِيلُ: العَظيمُ القَدْرِ، وليسَ خاصًّا به، ووصْفُه تعالَى بذلِكَ إِمَّا لخَلْقِه الأَشْياءَ العَظِيمةَ المُسْتَدل بها عَلَيه، أَو لأَنَّه يُجَلُّ عن الإِحَاطَةِ به، أَو لأَنَّه يُجَلُّ أَنْ يُدْرَكَ بالحَواسِ.

وَجِلُّ بالكسرِ والفتحِ وجُلَالٌ كغُرَابٍ ورُمَّانٍ وهي جَليلةٌ وجُلالَةٌ بالضمِ وأَجَلَّهُ إجلالًا عَظَّمَهُ ورَفَعَ من شَأْنِه.

والتَّجِلَّةُ اسمٌ كالتَّكرمةِ.

وجُلُّ الشي‌ءِ وجُلالُه بضمِّهما مُعظَمُه. يقالُ: أَخَذَ جله وكبره وعظمه بمَعنْىً واحِدٍ.

وتَجَلَّلَهُ إِذا عَلاهُ وأَيْضًا أَخَذَ جُلَّهُ أَي مُعظَمُه. وقالَ الرَّاغِبُ: تَجَلَّلت البَعِيرَ ناولتُ جُلَاله.

وتَجالَّ عنه تَعاظَمَ وكذا تَجالَّ عليه. ويقالُ: هو من أَصْدِقائِي وأَنَا أَتجاله أَي أُعَظمُه.

والجُلَّى كرُبَّى الأَمْرُ العظيمُ الجمع: جُلَلٌ مِثَالُ كُبْرى وكُبَر قالَ طَرْفَةُ:

متى أُدْعَ في الجُلَّى أَكُنْ من حُماتِها *** وإِنْ تَأْتِك الأَعداءُ بالجَهْد أَجْهَدِ

وقالَ بَشامَةُ بنُ حَزْنِ النَّهْشَليُّ:

وإِنْ دَعَوْتِ إِلى جُلَّى ومَكْرُمَة *** يومًا سِراةً كرام الناسِ فادْعِينا

وقَوْمٌ جِلَّةُ بالكسرِ عُظماءُ سادةٌ خيارٌ ذَوُو أَخْطارٍ وهي أَي الجِلَّةُ أَيْضًا المَسانُّ مِنَّا وهذا قد تقدَّمَ بعَيْنِه فهو تِكْرَارٌ ومن الإِبِلِ للواحِدِ والجَمْعِ والذَّكَرِ والأُنْثَى يقالُ: جَلَّت الناقةُ إِذا أَسَنَّتْ عن أَبي نَصْر. وقالَ الرَّاغِبُ: وخصَّ الجُلالَة بالناقةِ الجَسِيمةِ والجِلَّةُ بالمسانِّ منها. وقالَ الصَّاغَاني: الجِلَّةُ مِن الإِبِلِ المَسانُّ. وهو جَمْعُ جَلِيلٌ مِثْلُ صَبيِّ وصِبْيةٍ قالَ النَّمِرُ بنُ تَوْلبٍ رضي ‌الله‌ عنه:

أَزْمانَ لم تأْخُذْ إِليَّ سِلاحِها *** إِبِلي بجِلَّتِها ولا أَبْكارِها

أَو هي الثَّنِيَّةُ إِلى أَنْ تَبْزُلَ أَي تَصيرَ بازِلًا، أَو الجَملُ إِذا أَنْثَى أَي دَخَلَ في الثانيةِ، أَو يقالُ بَعيرٌ جِلُّ وناقَةٌ جِلَّةٌ بكسرِهما.

والجُلَّةُ بالضمِ قُفَّةٌ كبيرةٌ للتَّمْرِ والجمعِ جُلَلٌ.

والجَلَلُ محرَّكةً الأَمْرُ العظيمُ والصَّغيرُ ضِدُّ.

فمن العَظيمِ قَوْلُ الحَارِثِ بنِ وَعْلَة الجرميُّ:

فلئن عَفَوْتُ لأَعْفُوَنْ جَلَلًا *** ولئن سَطَوْتُ لأُوهِنَنْ عَظْمي

وبمعْنَى الهَيِّنِ اليَسِيرِ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ حين قُتِل أَبُوه:

بِقَتْلِ بَني أَسَدٍ رَبَّهُم *** أَلَا كُلُّ شي‌ءٍ سواهُ جَلَلْ!

وقالَ حَضْرميُّ بنُ عامِرٍ في جزءِ بنِ سِنَان بنِ مؤلة:

يقولُ جزءٌ ولم يقلْ جللا *** أَنّى تروّحتُ ناعمًا جدلا

وقالَ الرَّاغِبُ: الجَلَلُ، المُتَناولُ من البَعَرِ وعَبَّر به عن الشي‌ءِ الحَقِيرِ وعلى ذلِكَ قَوْلُه: فكلُّ مُصيبةٍ بَعْدَه جَلَل.

والجِلُّ بالكسرِ ضِدُّ الدِّقِّ.

وقالَ الرَّاغِبُ: أَصْلُ الجَلِيل مَوضوعٌ للجِسمِ الغَلِيظِ ولمُرَاعاةِ معْنَى الغِلْظةِ فيه قُوبِلَ بالدَّقيقِ، وقُوبِلَ العَظيمُ بالصَّغيرِ، فقيلَ: جَلِيلٌ ودقيقٌ وعظيمٌ وصغيرٌ.

والجِلُّ من المَتَاعِ البُسْطُ والأَكْسِيَةُ ونَحْوُها وهو ضِدُّ الدِّقِّ منه كالحِلس والحَصِيرِ ونَحْوهما.

والجِلُّ: قَصَبُ الزَّرْعِ إذا حُصِدَ كما في العُبَابِ، ويُضَمُّ ويُفْتَحُ.

والجُلُّ بالضمِ وبالفتحِ ما تُلْبَسُهُ الدَّايَّةُ لتُصانَ به وقد جَلَّلْتُها تَجْلِيلًا وجَلَلْتُها بالتَخْفِيفِ أَلْبَسْتُها إيَّاه. يقالُ: فَرَسٌ مُجَلَّل ومَجلولٌ قالَ أَبُو النَّجْم:

مياسة كالفالجِ المُجَلَّلِ

الجمع: جِلالٌ بالكسرِ وأَجْلالٌ وجَمْعُ الجِلالِ أَجِلَّةٌ والجَلُّ بالفتحِ الشِّراعُ ويُضَمُّ الجمع: جُلولٌ قالَ القطامِيُّ:

في ذي جُلول يُقَضِّي المَوتَ صاحبُه *** إذا الصَّراري من أَهْواله ارْتَسما

أي كبر ودعا.

وجَلُّ: اسمُ أَبي حَيِّ من العَرَبِ من مُضَرَ وهو جَلُّ بنُ عَدِيِّ والِدُ الدول الآتي ذِكْرُه في دَوَلَ.

والجَليلُ والحَقيرُ ضِدُّ.

والجُلُّ بالضمِ ويُفْتَحُ الياسَمينُ والوَرْدُ بأَنْواعِهِ أَبْيَضُهُ وأَحْمَرُهُ وأَصْفَرُهُ قالَه أَبُو حَنِيفَةَ، الواحِدَةُ بهاءٍ قالَ: وهو كلامٌ فارِسِيُّ وقد دَخَلَ في كلامِ العَرَبِ. وذَكَرَ بعضٌ أَنَّه يقالُ له الوَتِيرُ الواحِدَةُ وَتِيرَةٌ. قالَ: والوَرْدُ ببِلادِ العَرَبِ كَثيرٌ رِيفيّ وبَريّ، وقالَ الصَّاغَانيُّ: هو مُعَرَّبُ كل، قالَ الأَعْشَى:

وشاهِدُنا الجُلُّ والياسمين والمُسْمِعاتُ بقُصَّابها

ويُرْوَى الوَرْدُ والياسَمُون.

والجُلُّ: ماءٌ قُرْبَ واقِصَةَ وسَلْمَان كما في العُبَابِ.

وقالَ نَصْر: هو على سِتَّةَ عَشَر مِيلًا من الفَرْعاء بَيْنها وبَيْن الرمانتين على جادَّةِ طريقٍ يُسْلَكُ من القادِسِيَّةِ إلى زُبَالَة.

وجُلُّ بنُ حُقِّ بنِ رَبِيعَةَ في طَيِّ‌ءٍ وحِقّ بكسرِ الحاءِ المُهْمَلةِ، ويُرْوَى بضمِ الخاءِ المعْجَمةِ أَيْضًا وإليه يُنْسَبُ المرارُ بنُ مُنْقِذٍ الجليُّ الطَّائِيُّ الشاعِرُ كان في زمنِ الحجَّاجِ ولم يذْكرْه المصنِّفُ في المرارين من الشُّعراءِ وقد تقدَّمَ.

وجُلُّ بَيْتِكَ حَيْثُ ضُرِبَ وبُنِيَ وكسَحابٍ أَبو الجَلالِ الزُّبَيْرُ بنُ عُمَرَ الكِرْمِينِييُّ أَو هو بالحاءِ مُحَدِّثانِ هكذا في النسخِ. والذي في كُتُبِ الأَنْسابِ أَبُو الجَلالِ الزُّبَيْرُ بنُ عُمَرَ عن يوسُفَ بنِ عَبْدَة وعنه أَحْمَدُ بنُ عُرْوَة من أَهْلِ ما وَرَاء النَّهْرِ، وأَبُو الجَلالِ الكِرْمِينِيُّ عن العَبَّاسِ بن شَبيبٍ وجَعَلَه الخَطيبُ بحاءٍ مُهْملَةٍ.

قلْتُ: فحينئذٍ يَسْتَقيمُ قَوْلُهُ مُحَدِّثانِ لكن سَقَطَ واو العَطْفِ قَبْل الكِرْمِينيِّ ولكنْ قالَ الحافِظُ: هو والذي قَبْله واحِدٌ وذلِكَ واضِحٌ في كتابِ الأَميرِ.

قلْتُ: فاذن الصَّوابُ مُحَدِّث بالإِفرادِ.

وأُمُّ الجَلالِ بِنْتُ عَبْدِ الله بنِ كُلَيْبٍ العُقَيْلِيَّةُ أَوْرَدَها الحافِظُ، ومحمدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ الجَلالِيُّ مُحَدِّثٌ رَوَى عن ابنِ الحُصَيْن مَاتَ سَنَة 592 عن مائة سَنَة، قالَهُ الحافِظُ.

وقالَ الدَّاوِديُّ: نَسْبَة إلى قَبِيلَةٍ من الأَكْرَادِ وذاتُ الجِلالِ بالكسرِ فَرَسُ هِلالِ بنِ قَيْسٍ الأَسَدِيِّ وكان يقالُ له عرقل.

والجُلالُ: بالضمِ الضَّخْمُ العَظيمُ.

وجلال جَبَلٌ.

والجُلالُ: مُعْظَمُ الشَي‌ءِ كالجُلِّ وقد ذُكِرَ فهو تِكْرارٌ.

وجَلَّالٌ كشَدَّادٍ اسْمٌ لطَريقِ نَجْدٍ إلى مَكَّةَ سُمِّي به كما سُمِّي بمثْقَب والقَعْقَاع. وفي حدِيثِ الهِرْماس بن حَبِيبٍ عن أَبيهِ عن جَدّه قالَ: «التقطتُ شبكةً على ظهر جلّال بقُلة الحزن ذَكَرَه ابنُ شُمَيْلٍ قالَ الرَّاعي:

يُهيبُ بأُخْرَاهَا بُرَيْمَةُ بُعْدَمَا *** بَدَارَمْلُ جَلَّالٍ لَهَا وعَوَاتِقُهْ.

وفي الحدِيثِ: نَهَى رَسُولُ الله صلى ‌الله‌ عليه‌وآله، عن لُحومِ الجَلَّالَةِ

وهي البَقَرَةُ التي تَتَبّعُ النَّجاساتِ كنى عن العَذِرة بالجِلَّةِ فقيلَ لآكِلَتها جَلَّالَة.

والجُلالَةُ ككُناسَةٍ النَّاقَةُ العظيمةُ الجَسِيمةُ قال طَرَفَةُ:

فَمَرّتْ كَهاةٌ ذاتُ خَيْفٍ جُلَالةٌ *** عقيلةُ شَيْخٍ كالوبيلِ يَلَنْدَدِ

والجُلَّةُ بالضمِ وِعاءٌ من خوصٍ يُتَّخَذُ للتَّمَرِ الجمع: جِلالٌ بالكسرِ وجُلَلٌ بضمٍ ففتحٍ وقد تقدَّمَ هذا.

والجِلَّةُ مُثَلَّثَةً والمَشْهُورُ الكسْرُ ثم الفَتْحُ البَعَرُ أَو البَعَرَةُ أَو الذي لم يَنْكَسِرْ يقالُ إنَّ بَنِي فلانٍ وَقُودهُم الجِلَّة.

وجَلَّ البَعَرَ يَجِلُّهُ جَلًّا وجَلَّةً جَمَعَهُ بيدِهِ ولَقَطَهُ واجْتَلَّهُ اجْتِلالًا الْتَقَطَه للوَقُودِ ويقالُ: فَعَلَهُ من جُلِّكَ بالضمِ وجَلالِكَ وجَلَلِكَ محرَّكَةً وتَجِلَّتِكَ وإِجْلالِكَ بالكسرِ أَي من أَجْلِكَ قالَ جميلٌ:

رَسْمِ دارٍ وَقَفْتُ في طَلَله *** كِدْتُ أَبْكي الغَداة من جَلَله

وكذا من أَجْلِ إِجْلالِكَ ومن أَجْلِكَ بمعْنىً واحِدٍ ويقالُ: جَلَلْتَ هذا على نَفْسِكَ أَي جَنَيْتَهُ وجلُّوا عن مَنازِلِهِم يَجِلُّونَ من حَدِّ ضَرَبَ، واقْتَصَرَ الصَّاغَانيُّ على يَجِلُّونَ من حَدِّ نَصَرَ، وجَمَعَ بَيْنهما ابنُ مالِكٍ وغيرهُ وهو الصَّوابُ، والاقْتِصارُ على أَحَدِهما قُصُورٌ. جَلولًا بالضمِ وجَلًّا أَي جَلَوْا عَنْها وخَرَجُوا إلى بلدٍ آخَرَ وهُمُ الجالَّةُ. ويقالُ: اسْتُعْمِل فلانٌ على الجالَّةِ كما يقالُ على الجَالِيَةِ وهما بمعْنى قالَ العجَّاجُ:

كأَنَّما نُجومُها إِذ ولَّتِ *** زورًا تَبَارى الغورُ إذْ تَدَلّتِ

غُفْرٌ وصِيرانُ الصَّريم جَلَّتِ

وجَلُّوا الأَقِطَ جَلًّا أَخَذُوا جُلالَهُ بالضمِ.

وجَلُّ وجَلَّانُ حَيَّانِ من العَرَبِ. أَمَّا جَلُّ فقد تقدَّمَ أَنَّه في مُضَرَ. وأَمَّا جَلَّانُ فهو ابنُ العَتِيك بن أَسْلَم بن يذْكُر بن عُنْزَةَ بن أَسَدٍ قالَ ذو الرُّمَّةِ:

وبالشمائِل من جلّان مقتنص *** رذلَ الثيابِ خَفِي الشَّخْصِ منزربِ

وهو جَلَّانُ بنُ عُبَيْدٍ بن أَسْلَم بن يذْكُر وكانَتْ أُمُّ عَمْرٍو بنِ العَاصِ منهم.

والتَّجَلْجُلُ السُّؤوخُ في الأَرضِ ومنه الحدِيثُ: «خَرَجَ رجُلٌ في الجاهِلِيَّةِ يَتَبَخْترُ فأَمَرَ الله الأَرْضَ أَنْ تُخْسفَ به فهو يَتَجَلْجَلُ فيها إلى يَوْم القِيامَةِ.

والتَّجَلْجُلُ: التَّحرُّكُ وهو مطاوِعُ الجَلْجَلةِ وأَيْضًا التَّضَعْضُعُ يقالُ: تَجَلْجَلَت قَواعدُ البُنْيان أَي تَضَعْضَعَتْ.

والجَلْجَلَةُ التَّحريكُ يقالُ: جَلْجَلْته إذا حرَّكْته بيدِكَ فَتَجَلْجَلَ. قالَ أَوْسُ بنُ حجر:

فجلجلها طورين ثم أَمَرّها *** كما أُرْسِلَتْ مخشوبةٌ لم تخرمِ

ومنه جَلْجَلَ اليَاسِر القِدَاحَ إِذا حَرَّكَها.

والجَلْجَلَةُ: شِدَّةُ الصَّوْت. وأيْضًا صَوْتُ الرَّعْدِ وأَيْضًا الوَعيدُ من وَرَاء وَرَاء.

وقالَ الرَّاغِبُ: أَمَّا الجَلْجَلَةُ فحِكَايةُ الصَّوْتِ وليسَ من ذلِكَ الأَصْل في شي‌ءٍ ومنه سَحابٌ مُجَلْجَلٌ أَي مُصَوِّتٌ وغَيْثٌ جَلْجالٌ كذلِكَ ورجُلٌ مُجَلْجَلٌ بالفتحِ أي على صيغةِ اسمِ المَفْعولِ ظَرِيفٌ جِدًّا لا عَيْبَ فيه. والمُجَلْجَلُ من الإِبِلِ ما تَمَّتْ شِدَّتُهُ وقُوَّتُهُ والمُجَلْجِلُ بالكسرِ السَّيِّدُ القَويُّ أَو البَعيدُ الصَّوْتِ. وقيلَ: هو الجَرِي‌ءُ الدَّفاعُ المِنْطِيقُ الذي يخاطِرُ بنفْسِه وأَيْضًا الكَثيرُ من الأَعْدادِ عن ابنِ عَبَّاد.

والجُلْجُلُ بالضمِ الجَرَسُ الصَّغيرُ. ومنه إِبلٌ مُجَلْجَلَةٌ عُلِّقَ عليها الجُلْجُل ودارَةُ جُلْجُلٍ في قَوْلِ امْرِي‌ءِ القَيْسِ:

ولا سِيَّما يوْمًا بدَارَةِ جُلجلِ

موضع بنَجْدٍ في دَارِ الضبابِ ممَّا يواجِهُ دِيارَ فَزَارَةَ قالَهُ نَصْر.

والجَلَلُ محرَّكةً الأَمْرُ العظيمُ والهَيِّنُ الحَقيرُ ضِدُّ وهذا قد تقدَّمَ وهو مكَرَّرٌ.

والجُلْجُلانُ بالضم ثَمَرُ الكُزْبرَةِ. وفي لغَةِ اليَمَنِ حَبُّ السِّمْسِمِ.

ومن المجازِ: الجُلْجُلانُ: حَبَّةُ القَلْبِ يقالُ: اسْتَقَرَّ ذلِكَ في جُلْجُلانِ قلْبِه أَي في سُويْدَائِه، وكلامٌ خَرَجَ من جُلْجُلانِ القَلْبِ إِلى قِمَعِ الأُذُنِ، وهو في الأَصْلِ السِّمْسِمُ قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.

وجَلْجَلَهُ خَلَطَهُ.

وجَلْجَلَ الفَرَسُ صَفا صَهيلُهُ.

وقالَ ابنُ عَبَّادٍ: جَلْجَلَ الوَتَرَ أَي شَدَّ فَتْلَهُ.

وجَلاجِلُ بالفتحِ ويُضَمُّ موضع وهو جَبَلٌ من جِبالِ الدَّهناءِ قالَ ذو الرُّمَّةِ:

أَيَا ظبية الوَعْساء بين جَلاجِل *** وبين النَّقاآ أَنتِ أَمْ أُمِّ سَالم؟

ورَوَى أَبُو عَمْرٍو: ها أَنْتَ.

ووَقَعَ في بعضِ كُتُبِ اللغَةِ: جَلاجِلُ بالفتحِ وهو موضِعٌ آخَرُ، وفي بعضِها حُلاحِلُ بضمِ الحاءِ المُهْملَةِ قالَ الصَّاغَانِيُّ: وكِلَاهُما خلف.

والمَجَلَّةُ بفتحِ الجيمِ الصَّحيفَةُ فيها الحِكْمَةُ. وقالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كُلُّ كتابٍ عنْدَ العَرَبِ مَجَلَّةٌ. وقدم سُويدُ بنُ الصامِتِ رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه فتَصَدَّى له رَسُولُ اللهِ صلى ‌الله‌ عليه‌وآله، فَدَعَاهُ فقالَ له سُويد: لعلَّ الذي مَعَك مِثْل الذي معي، قالَ: وما الذي مَعَك قالَ: مَجَلَّةُ لُقْمان.

قالَ النَّابغَةُ الذُّبْيانيُّ:

مَجَلَّتُهم ذاتُ الإِله ودِينُهم *** قَوِيم فما يَرْجُون غير العواقب

ويُرْوَى: مَحَلَّتُهم بالحاءِ أَي أَنَّهم يَحُجُّون فيَحِلُّون مواضِعَ مقَدَّسة. وفي الأَسَاسِ: وكانَ ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ الله تعالَى عنهما إِذا أَنْشَدَ شِعْرَ أُمَيَّة قالَ: مَجَلَّة ابن الصَّلْت.

وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: قلْتُ لأَعْرَابيِّ: ما المَجَلَّة وفي يدِي كرَّاسَةٌ؟ فقالَ: التي في يدِكَ.

وقالَ الرَّاغِبُ: والجلّ ما يُغَطَّى به المصْحَفُ ثم سُمِّي المصْحَفُ مَجَلَّةً.

والجَلِيلُ كأَمِيرٍ العظيمُ وهذا قد تقدَّمَ فهو تِكْرَارٌ جَمْعُه أَجِلَّةٌ وجلَّةٌ وأَجِلَّاءُ.

والجَلِيلُ: الثُّمامُ وهو نَبْتٌ ضَعِيفٌ يُحْشَى به خَصاصُ البُيُوتِ قالَ بِلالٌ رَضِيَ الله تعالَى عنه:

أَلَا ليْتَ شِعْرِي هل أَبيتنَّ ليلة *** بمكَّةَ حَوْلي إِذْخِر وجَلِيل؟

الواحِدَةُ جَلِيلَةٌ الجمع: جَلائلُ قال:

يلوذ بجَنْبَيْ مَرْخَة وجَلائِل

وجَلِيلٌ: اسْمُ جماعَةٍ منهم والِدُ عائِشَةَ التي رَوَتْ عن عائِشَةَ رَضِيَ الله تعالَى عنها، ومنهم الجَلِيلُ بنُ خالِدِ بنِ حريث العَبْدِيُّ البُخَاريّ جَدُّ أَبي الخَيْرِ أَحْمدُ بنُ محمَّدٍ الذي رَوَى عن البُخارِيّ كتابَ الأَدَبِ.

وبَنُو الجَلِيلِ قَوْمٌ باليمنِ منهم أَبو مُسْلِمٍ الجَلِيليُّ التابِعِيُّ أو من ذي الجَليلِ وادٍ بها فيه الثُّمامُ، وقالَ نَصْر: هو قُرْبَ مَكَّةَ. قالَ النابغَةُ الذَّبْيانِيُّ:

كَأَنَّ رَحْلِي وقد زَالَ النَّهْارُ بنَا *** بذِي الجَلِيلِ على مُسْتأْنِسٍ وَحَدِ

وجَبَلُ الجَليلِ بالشأْمِ في ساحِلِه مُمْتَدًّا إِلى قُرْبِ مِصْرَ كانَ مُعاوِيةُ رَضِيَ الله تعالَى عنه حَبَسَ فيه مَنْ ظَفِرَ به ممَّن كان يتَّهم بقَتْلِ عُثْمان رَضِيَ الله تعالَى عنه مِنْهم: محمَّدُ بنُ أَبي حذَيفَةَ وابنُ عُدَيْسٍ وكُرَيْبُ بنُ أَبْرَهَةَ وذلِكَ سَنَة سَبْع وثَلاثِيْن قالَهُ نَصْر.

والجَلِيلَةُ من الإِبِلِ التي نُتِجَتْ بَطْنًا واحِدًا كما في العُبَابِ.

ويقالُ: ما أَجَلَّنِي أَي ما أَعْطانِيها.

والجَلِيلَةُ: النَّخْلَةُ العظيمةُ الكثيرةُ الحَمْلِ الجمع: جَلِيل وفي بعضِ النسخِ جِلالٌ بالكسرِ وجَلُولاءُ بالمدِّ قرية ببَغْدادَ قُرْبَ خانِقينَ بِمَرْحَلَةٍ هي على سَبْعَةِ فَرَاسِخَ منها.

وهو جَلُولِيُّ على غيرِ قِياسٍ كحَرُورِيِّ إِلى حَرُورَاءَ ولها وقْعَةٌ مَشْهورة كانَتْ للمُسْلِمِين على الفُرْسِ.

وأُمُّ جَميلٍ فاطِمَةُ بِنْتُ المُجَلِّلِ كمُحَدَّثٍ ابنِ عَبْدِ الله القَرْشِيَّةُ العَامِرِيَّةُ صحابِيَّةٌ هاجَرَتْ مَعَ زَوْجِها حاطِب بن الحارِثِ بنِ المُغِيْرةَ إِلى الحَبَشَةِ فتُوفي هُنالِكَ ووَلَدَتْ له مُحمَّدًا والحارِثِ قالَهُ ابنُ فَهْدٍ في مُعْجمهِ.

وأَجَلَّ قَوِيَ وضَعُفَ ضِدُّ عن ابنِ عَبَّادٍ.

واجْتَلَلْتُهُ وتَجَالَلْتُه وهذه عن ابنِ عَبَّادٍ: أَخَذْتُ جِلالَهُ نَقَلَه الصَّاغَانيُّ.

وجَلُلْنا بفتحِ الجيمِ وضمِ اللَّامِ الأُولَى وسكونِ الثانيةِ قرية بنواحي النَّهْرَوانِ، هَنا ذَكَرَها الصَّاغَانِيُّ فتَبِعَه المصنِّفُ وقد مَرَّ له ذلِكَ في التاءِ الفَوْقيَّةِ أَيْضًا.

وجَلولَتَيْنِ تَثْنِيةُ جلول قرية قُرْبَ النَّهْرَوانِ من قُرَى بَغْدادَ سَمِعَ بها السمْعَانِيُّ من أَبي البَقَاء كَرَمُ بنُ أَبي البَقَاء بن مُلاعِبٍ الجلولَتَيْنِيُّ.

وأَبُو جُلَّةَ بالضمِ كُنْيَةُ رجُلٍ.

وجُلالَةُ بالضمِ عَلَمٌ امْرأَةٌ.

ومن المجازِ: أَبْثَثْتُهُ جُلاجِل نفْسِي بالضمِ أَي أَظْهَرْتُ له ما كان يَتَجَلْجَلُ أَي يَخْتَلِجُ فيها عن ابنِ عَبَّادٍ.

وحِمارٌ جُلاجِلٌ وجُلالٌ بضمِّهما صافي النَّهيقِ ونصّ المُحِيطِ: ناقَةٌ جُلالٌ. وحِمارٌ جُلالٌ صافي النهيقِ.

وغُلامٌ جُلاجِلٌ أَيْضًا.

وجُلْجُلٌ كهُدْهُدٍ وهذه عن ابنِ عَبَّادٍ أَي خَفيفُ الرُّوحِ نَشِيطٌ في عَمَلِهِ قالَ الصَّاغَانيُّ: التَرْكيبُ يدلُ على مُعْظمِ الشي‌ءِ وعلى شي‌ءٍ يَشْمِلُ شيئًا وعلى الصَّوتِ وقد شَذَّ عن هذا التَّرْكيبِ الجِلَّةُ البَعَر.

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْه:

جَلُّ بالفتحِ اسمُ رجُلٍ قالَ عَجْرَدٌ النَّهْمِيُّ:

عُوجِي عَلَينا وارْبَعِي يا ابْنَةَ جَلّ

والجالَّةُ: هي الجَلَّالةُ من الدَّوابِ والجَمْعُ جَوَالُّ. ومنه: فإنِّي إِنما كَرِهْتُ لك جَوَالَّ القَرْية.

وماءٌ مجلول وَقَعَتْ فيه الجلة. والأَجَلُّ: الأَعْظَمُ قال لِبَيْدٌ رَضِيَ الله تعالَى عنه:

غَيْرَ أَنْ لا تَكْذِبَنْها في التّقَى *** واجْزِها بالبِرِّ لله الأَجَلِّ

وقال آخَرُ:

الحمدُ للهِ العَلِيِّ الأَجْلَلِ

يُريدُ الأَجَلَّ وأَظْهَرَ التَّضْعِيفَ ضَرُورَةً.

وجلت الهاجِنُ على الولَدِ أَي صَغُرَتْ وهو مَثَلٌ.

والهاجِنُ الصبيَّةُ تُزَوَّجُ قَبْل بلوغِها، أَو كذلِكَ الصغيرُة من البهائِمِ.

وجَلُولاء: قَرْيةٌ بناحِيَةِ فارِسَ.

وجَلُولٌ: كصَبُورٍ فخذٌ من هوَّارَةَ أو قَرْيةٌ بتُونس وإليها نُسِبَ سُلَيْمنُ بنُ عَبْدِ الله الهوَّارِيُّ الجَلُوليُّ، كذا بخطِّ الحافِظِ المنْذريّ.

ويقالُ: فلانٌ يُعَلِّق الجُلْجُلَ في عُنُقِه إذا خاطَرَ بنفْسِه وهو مجازٌ قالَ أَبُو النَّجْمِ:

إلَّا امرءًا يَعْقِد خَيْط الجُلْجُل

يعْني الجَرِي‌ء الذي يخاطِرُ بنفْسِه. وقالَ أَبُو عَمْرٍو: هو مَثَلٌ أي يشهرُ نفْسَه فلا يتقدَّمُ عليه إلَّا شجاعٌ لا يُبالِيهِ، وهو صعْبٌ مَشْهورٌ.

وجُلْجُلان الشي‌ءِ جَلِيلُهُ عن ابنِ عَبَّادٍ، قالَ: وبَعِيرٌ مجلول من الجل وقال أوس بن حجر:

وَرّثْتَنِي وُدّ أَقْوَامٍ وخُلّتَهمْ *** وذَكْرةٌ منكَ تَغْشاني بأِجلَالِ

أي بأُمورٍ عِظَامٍ.

والجُلّاء: بالضمِ وتَشْدِيدِ اللامِ مَمْدودًا الأَمْرُ العَظيمُ عن أَبي عَمْرٍو. وقالَ: والمَجَلَّةُ: العلْمُ والفقْهُ. ويقالُ: ما له دِقَّ ولا جِلُّ أي لا دقيقٌ ولا جَلِيلٌ ولا جَليلةٌ ولا دقيقَةٌ أي ناقَةٌ ولا شاةٌ.

وقالَ الرَّاغِبُ: قيلَ للبَعِيرِ جَليلٌ وللشَّاةِ دَقيقٌ لاعْتِبارِ أَحَدهما بالآخَرِ، فقيلَ ما له دَقيقٌ ولا جَلِيلٌ. وما أَجَلَّنِي ولا أَدَقَّنِي أي ما أَعْطَاني بعيرًا ولا شاةً، ثم جُعِلَ مَثَلًا في كلِّ كَبير وصَغيرٍ.

وفي العُبَابِ: لقيْتُ فلانًا فما أَجَلَّنِي ولا أَحْشَانِي أَي ما أَعْطاني جَلِيلةً ولا حاشِيَةً وقَوْل المرار الفَقْعَسِيُّ يصِفُ عَيْنه:

لجوجٍ إذا سَحَّتْ سَحُوحٍ إذا بكّتْ *** بَكَتْ فأَدَقَّتْ في البُكاء وأَجَلَّتِ

أَي أَتَتْ بقَليلِ البُكَاءِ وكثيرِه. وفي الحَدِيثِ: «أَجلُّوا الله يَغْفِر لَكُم» أَي قُولُوا: يا ذَا الجَلالِ والإِكْرَامِ وآمِنُوا بعَظَمَتِه وجَلالِه، ويُرْوَى بالحاءِ أَيْضًا. ويُؤيِّدُ الرِّوايةَ الأُولَى الحدِيثُ الآخَرُ: «أَلِظُّوا بيَا ذا الجَلالِ والإِكْرامِ».

وأَجَلَّ فَرَسَه فرقًا من ذُرَةٍ أي عَلَفَها عَلَفًا جَلِيلًا.

وجَلَّلَ الشي‌ءُ تَجْلِيلًا عَمَّ.

وسَحَابٌ مُجَلِّلٌ يُجَلِّلُ الأَرْضَ بالمطر أَي يعمُّ. وفي الأَسَاسِ راعِدٌ مطَبِّقٌ بالمطرِ. وفي المُفْرداتِ: كأَنَّه يُجَلِّلُ الأَرْضَ بالماءِ والنَّباتِ.

والجَلْجَلَةُ: صَوْتُ الجَرَسِ.

وتَجَالَّتِ المرْأَةُ أسَنَّتْ.

وذو الجَلِيل: كأَمِير وادٍ قُرْبَ أَجَأْ قالَهُ نَصْر، وضَبَطَه بعضٌ بالتَّصْغيرِ مع التَّشْديدِ، ولا يثْبّتُ. وأَيْضًا وادٍ قُرْبَ مَكَّةَ.

والجِلِّيّ بالكسرِ نِسْبَةُ جماعَةٍ من المُحَدِّثِين منهم أَبُو إسْحق إِبْرَاهيمُ بنُ محمَّدٍ بن الفتحِ المصِيْصِيّ عن محمَّدِ بن سُفْيان الصفَّار ومَاتَ سنة 385، وعُمَرُ بنُ محمّدِ بنِ أَبي زَيدٍ حدَّثَ عنه نظام الملكِ، وأَبُو الفتحِ عَبْدُ الله بنُ إسْمعيل الجِلِّيّ رَوَى عنه أَبُو الحَسَنِ عليُّ بنُ عَبْدِ الله بن أبِي جَرادة العُقَيْليُّ الجِليُّون، وأَحْمدُ بنُ إسْمعيل الجُلِّيّ بالضمِ نِسْبَةً إلى الجُلِّ كانَ يبيعُ جِلالَ الدوابِ وهو أَحَدُ عُلَماء الشَّيْعَةِ كانَ في زمنِ سَيْفِ الدَّولة بن حمْدَان وله تَصَانيفُ، وعَبْدُ الرَّحِيم بنُ محمَّدٍ اللواتي الجلّالي بالتّشديدِ حَكَى عنه السلفيُّ وعَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الرَّحمنِ بنِ مُهَذّب يُعْرَفُ بابنِ أَبي الجَلِيلِ كأَمِيرٍ اللُّغَويُّ كان على رَأْسِ الأرْبعمائة بِمصْرَ صَنَّفَ كتابَ السَّببِ لحصْرِ كَلامِ العَرَبِ في سِتِّين سِفْرًا ضَبَطَه محمَّدُ بنُ الزكيّ المُنْذِريّ ونَقَلَه الحافِظُ من خطِّه.

والجَلالُ كسَحَابٍ لَقَبُ قَيْسِ بنِ عاصِمٍ النَّهْدِيِّ جاهِلِيّ وفيه يقُولُ الشاعِرُ:

وإِنّي لداعيك الجَلَال وعاصمًا *** أَبَاك وعند الله علم المغيب

وجلجوليا: قَرْيةٌ بفِلِسْطين.

وأَبُو بَكْرٍ محمَّدُ بنُ زَكَريا الرَّازِي الطَّبيبُ المَعْرُوفُ بابنِ جِلْجِل كزِبْرِجٍ توفي سَنَة 311.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


36-تاج العروس (كرم)

[كرم]: الكَرَمُ، محرَّكةً: ضِدُّ اللُّؤْمِ، يكونُ في الرَّجُل بنفْسِه، وإن لم يكنْ له آباءٌ، ويُسْتَعْملُ في الخَيْلِ والإِبِلِ والشَّجَرِ وغيرِها مِن الجَواهِر إذا عَنوا العِتْقِ، وأَصْلُه في الناسِ.

قالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: كَرَمُ الفَرَسِ أَنْ يَرِقَّ جلْدُه ويَلِينَ شَعَرُه وتَطِيبَ رائِحَتُه.

وقالَ بعضُهم: الكَرَمُ مِثْل الحرِيَّة إلَّا أَنَّ الحريَّةَ قد تُقالُ في المحاسِنِ الصَّغِيرَةِ والكَبيرَةِ، وِالكَرَمَ لا يُقالُ إلَّا في المحاسِنِ الكَبيرَةِ كإِنْفاقِ مالٍ في تَجْهِيزِ غزَاةٍ وتَحَمُّلِ حمالةٍ يُوقَى بها دَمُ قَوْمٍ.

وقيلَ: الكَرَمُ، إفادَةُ ما يَنْبَغي لا لغَرَضٍ فمَنْ وَهَبَ المَال لجلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ أَو خَلاصٍ من ذَمِّ فليسَ بكَرِيمٍ.

وقد كَرُمَ الرَّجُلُ وغيرُهُ، بضمِّ الرَّاءِ، كَرامةً، على القِياسِ والسماعِ، وِكَرَمًا وِكَرَمَةً، محرَّكَتَيْنِ سماعِيَّان، فهو كَرِيمٌ وِكرِيمَةٌ وِكِرْمَةٌ، بالكسْرِ، وِمُكْرَمٌ وِمُكْرَمَةٌ، بضمِّهما، وِكُرامٌ، كغُرابٍ.

وِإذا أَفْرَطَ في الكَرَمِ قيلَ: كُرَّامٌ مِثْل رُمَّانٍ ورُمَّانَةٍ، الجمع: أَي جَمْعُ الكَرِيم كُرماءُ وِكِرامٌ بالكسْرِ.

وِإِنَّه لكَرِيمٌ مِن كَرائِمِ قَوْمِهِ، على غيرِ قِياسٍ، حَكَى ذلِكَ أَبو زيْدٍ.

وإنَّه لكَرِيمَةٌ مِن كَرائِمِ قَوْمِه، وهذا على القِياسِ وإليه أَشارَ الجَوْهرِيُّ بقَوْلِهِ؛ ونِسْوةٌ كَرائِمٌ.

وِجَمْعُ الكُرّامِ، كرُمَّانٍ كُرَّامونَ؛ قالَ سِيْبَوَيْه: لا يُكَسَّرُ كُرَّامٌ اسْتَغْنوا عن تَكْسِيرِه بالواوِ والنونِ.

وِرجُلٌ كَرَمٌ، محرَّكةً؛ أَي كرِيمٌ يُسْتَعْملُ للواحِدِ، وهو ظاهِرٌ، والجَمْعِ، كأَدِيمٌ وأَدَمٌ؛ وكَذلِكَ امْرأَةٌ كَرَمٌ ونِسْوَةٌ كَرَمٌ، لأنَّه وُصِفَ بالمَصْدَرِ؛ نَقَلَه اللَّيْثُ.

وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ لسعيدِ بنِ مشجوجٍ الشَّيْبانِيِّ، وكذا ذَكَرَه السِّيرافِيُّ وذَكَر أَيْضًا أَنَّه لرجُلٍ مِن تَيْمِ اللَّاتِ بنِ ثَعْلَبَةَ اسْمُه عيسَى؛ وذَكَرَ المبرِّدُ في أَخْبارِ الخَوارِجِ أَنَّه لأبي خالِدٍ القَنانيِّ:

لقدْ زادَ الحَياةَ إِليَّ حُبَّا *** بَناتي أَنَّهُنَّ من الضِّعافِ

مخافَةَ أَنْ يَرَيْنَ البُؤْسَ بَعْدِي *** وِأَنْ يَشْرَبْنَ رَنْقًا بعدَ صافي

وِأَنْ يَعْرَيْنَ إنْ كُسِيَ الجَوارِي *** فَتَنْبُو العينُ عن كَرَمٍ عِجافِ

قالَ الأَزْهرِيُّ: والنَّحويّون، ينْكِرُون ما قالَ اللّيْث، إِنَّما يقالُ رجُلٌ كَرَمٌ، وقَوْمٌ كِرامٌ، ثم يقالُ: رجُلٌ كَرَمٌ، ورِجالٌ كَرَمٌ، كما يقالُ: رجُلٌ عَدْلٌ وقَوْمٌ عَدْلٌ.

قالَ سِيْبَوَيْه: وِمِمَّا جاءَ مِنَ المَصادِرِ على إضْمارِ الفِعْلِ المَتْروك إظْهاره ولكنَّه في معْنَى التعَجُّبِ قَوْلَكَ: كَرَمًا وصَلَفًا؛ أَي أَلْزَمَكَ الله، وِأَدامَ اللهَ لَكَ كَرَمًا، ولكنَّهم خَزَلوا الفِعْلَ هنا لأَنَّه صارَ بدلًا مِن قَوْلِكَ: أَكْرِمْ به وأَصْلِفْ.

وِممَّا يخصُّ به النِّداءُ قَوْلَهم: يا مَكْرَمانُ بفتحِ الميمِ والرَّاءِ، حَكَاه الزَّجَّاجيُّ، وقد حُكِي في غيرِ النِّداءِ فقيلَ: رجُلٌ مَكْرَمانُ عن أَبي العميثلِ الأَعْرَابِيِّ؛ للكَرِيمِ الواسِعِ الخُلُقِ والصَّدْرِ.

قالَ ابنُ سِيْدَه: وقد حَكَاها أَيْضًا أَبو حاتِمٍ، وهو نَقيضُ قَوْلك يا مَلأَمان.

وِكارَمَهُ: فاخَرَهُ في الكَرَمِ فَكَرَمَهُ، كنَصَرَهُ؛ أَي غَلَبَه فيه؛ أَي الكَرَم.

وِأَكْرَمَهُ إِكْرامًا وِكَرَّمَهُ تَكْرِيمًا: عَظَّمَهُ ونَزَّهَهُ، والاسْمُ منهما: الكَرَامَةُ؛ قالَ أبو المُثَلِمِ:

وِمَنْ لا يُكَرِّمْ نَفْسَه لا يُكَرَّم

وقيلَ: الإِكْرَامُ وِالتَّكْرِيم: أَنْ يوصلَ إلى الإِنْسانِ بنَفْعٍ لا تَلْحَقُهُ فيه غَضَاضَةٌ أَو يوصَلَ إليه بشي‌ءٍ شَرِيفٍ؛ وقالَ الشَّاعِرُ:

إذا ما أَهَانَ امْرؤٌ نَفْسَه *** فلا أَكْرَم اللهُ مَنْ أَكْرَمَه

وِالكريمُ: الصَّفُوحُ عن الذَّنبِ.

واخْتَلَفُوا في معْنَى الكَرِيمِ على ثلاثِيْنَ قَوْلًا، كما في البَصائِرِ للمصنِّفِ.

وِرجلٌ مِكْرامٌ: مُكْرِمٌ للنَّاسِ، وهذا بناءٌ يخصُّ الكَثيرَ.

وِله عَلَيَّ كَرامةٌ: أَي عَزازةٌ، وهو اسْمٌ مِنَ الإِكْرامِ يُوضَعُ مَوْضِعَه كما وُضِعَتِ الطَّاعَةُ مَوْضِعَ الإِطاعَةِ، والغارَةُ مَوْضِعَ الإِغارَةِ.

وِاسْتَكْرَمَ الشَّي‌ءَ: طَلَبَهُ كَرِيمًا.

وفي الصِّحاحِ: اسْتَحْدَثَ عِلْقًا كَرِيمًا؛ ومنه: اسْتَكْرَمَ العَقائِلَ إذا نَكَحَ النَّجِيبَات.

أَو اسْتَكْرَمَهُ: وَجَدَهُ كَرِيمًا، ومنه قَولهم: اسْتَكْرَمْتَ فارْتَبِطْ.

وِقالَ اللَّحْيانيُّ: افْعَلْ كذا وِكَرامةً لَكَ، بالفتحِ، وِكُرْمًا وِكُرْمَةً وِكُرْمَى وِكُرْمَةَ عَيْنٍ وِكُرْمانًا، بضمِّهِنَّ، الأَخيرَةُ ليْسَتْ في نوادِرِه، وإِنَّما وَجدَتْ بخطِّ أَبي سَهْلٍ وأَبي زَكَرِيَّا في نسخة الإِصْلاحِ لابنِ السِّكِّيت. وقَوْلُهم: ليْسَ لهم ذلِكَ ولا كُرْمَة، حُكِيَ عن زيادِ بنِ أَبي زِيادٍ؛ نقَلَه ابنُ السِّكِّيت.

وكَذلِكَ نِعْمُ عَيْنٍ ونَعْمةَ عَيْنٍ ونُعامَى عَيْنٍ، عن اللَّحْيانيِّ.

قالَ غيرُهُ: ولا أَفْعَلُ ذلِكَ ولا حُبًّا ولا كَرامةً ولا كُرْمةً ولا كُرْمًا: كلُّ ذلِكَ لا* تُظْهِر له فِعْلًا.

وِتَكَرَّمَ عنه وِتَكارَمَ: تَنَزَّهَ.

قالَ اللَّيْثُ: تَكَرَّمَ فلانٌ عمَّا يَشِينُه إذا تَنَزَّه وِأَكْرَمَ نفْسَه عن الشائِناتِ.

وِالمَكْرُمُ وِالمَكْرُمة؛ بضمِّ رائِهِما وِالأُكْرُومَةُ، بالضَّمِّ: فِعْلُ الكَرَمِ، كالأُعْجُوبَةِ مِن العَجَبِ.

وفي الصِّحاحِ: المَكْرُمةُ: واحِدَةُ المَكارَمِ.

وقالَ الكِسائيُّ: المَكْرُمُ المَكْرُمةُ، ولم يَجِي‌ء مَفْعُل للمُذَكَّر إلَّا حَرْفان نادِرَان لا يُقاسُ عليهما: مَكْرُمٌ ومَعُونٌ؛ وأَنْشَدَ لأَبي الأَخْزَرِ الحِمَّانِيِّ:

نَعَمْ أَخُو الهَيْجاءِ في اليومِ اليَمي *** ليَوْمِ رَوْعٍ أَو فَعالِ مَكْرُمِ

وقالَ جميلٌ:

بُثَيْنَ الْزَمي لا إنَّ لا إنْ لَزِمْتِه *** على كَثرةِ الواشِينَ أَيُّ مَعُونِ

وقالَ الفرَّاءُ: هو جَمْعُ مَكْرُمةٍ ومَعُونَةٍ، وعِنْدَه أَنَّ مَفْعُلًا ليسَ مِن أَبْنيةِ الكَلامِ.

* قُلْتُ: وقد تَقَدَّمَ البَحْثُ فيه في معروف ل ك مُفَصَّلًا فراجِعْه.

وِأَرْضٌ مَكْرُمَةٌ، بضمِّ الرَّاءِ وفتْحِها، وِكَرَمٌ، محرَّكةً؛ أَي كرِيمةٌ طَيِّبَةٌ؛ وقيلَ: هي المَعْدُونَةُ المُثارَةُ؛ وهو مجازٌ.

وقالَ الجَوْهرِيُّ: أَرضٌ مَكْرُمَةُ النباتِ إذا كانَتْ جَيِّدَةَ النَّباتِ، وفي بعضِ نسخِهِ: مَكْرَمَة للنَّباتِ.

وِأَرضٌ كَرَمٌ، وأَرْضانِ كَرَمٌ، وأَرْضونَ كَرَمٌ: مثارَةٌ مُنَقَّاةٌ مِن الحِجارَةِ.

وِالكَرْمُ، بفتحٍ فسكونٍ: العِنَبُ، واحِدَتُه كَرْمَةٌ؛ قالَ:

إذا مُتُّ فادْفِنِّي إلى جَنْبِ كَرْمةٍ *** يُرَوِّي عِظامِي بَعْدَ مَوْتي عُرُوقُها

وقيلَ: الكَرْمَةُ: الطَّاقَةُ الواحِدَةُ مِن الكَرْمِ.

ومِن المجازِ: هذه الكُورَةُ إنما هي كَرْمةٌ ونَخْلةٌ، يُعْنَى بذلِكَ الكَثْرَةَ، كما يُقالُ: إنَّما هي سَمْنةٌ وعَسَلةٌ.

وِالكَرْمُ: القِلادَةُ. يقالُ: رأَيْتُ في عُنُقِها كَرْمًا حَسَنًا مِن لُؤلُؤِ، كما في الصِّحاحِ.

وقيلَ: هي القِلادَةُ مِن الذَّهَبِ والفِضَّةِ؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لجريرٍ:

لقد وَلَدَتْ غَسَّانَ ثالِبةُ الشَّوَى *** عَدُوسُ السُّرَى لا يَقْبَلُ الكَرْمَ جِيدُها

وأَنْشَدَ غَيرُهُ:

فيا أَيُّها الظَّبْيُ المُحَلَّى لَبانُه *** بكَرْمَيْنِ كَرْمَيْ فِضَّةٍ وفَرِيدِ

وِأَرضٌ كَرْمٌ: مثارَةٌ مُنَقَّاةٌ مِن الحِجارَةِ؛ والصَّحِيحُ أنَّه بالتَّحريكِ كما تقدَّمَ قَرِيبًا.

وِقيلَ: الكَرْمُ نَوْعٌ من الصِّياغَةِ التي تُصاغُ في المَخانِقِ.

أَو بناتُ كَرْمٍ: حَلْيٌ كان يُتَّخَذُ في الجاهليَّةِ، الجمع: كُرومٌ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ:

وِنَحْرًا عَليهِ الدُّر تُزْهِي كُرُومُه *** تَرائبَ لا شُقْرًا يُعَبْنَ ولا كُهْبا

وقالَ آخَرُ:

تُباهِي بصَوْغٍ منْ كُرُومٍ وفِضَّةٍ *** مُعَطَّفَةٍ يَكْسُونَها قَصَبًا خَذلا

وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لجريرٍ في أُمِّ البَعِيث:

إذا هَبَطَتْ جَوّ المَراغِ فعَرَّسَتْ *** طُرُوقًا وأَطرافُ التَّوادي كُرُومُها

وِالكَرَمُ، بالتَّحرِيكِ: موضع، وبه فُسِّر قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:

وِأَيْقَنْتُ أَنَّ الجُودَ منه سَجِيَّةٌ *** وِما عِشْتُ عَيْشًا مثْلَ عَيْشِكَ بالكَرْمِ

وِكَرْمَى، كسَكْرَى: قرية بتَكْريتَ.

وِمِن المجازِ: كَرَّمَ السَّحابُ تَكْريمًا: جادَ بمطَرِه.

وِكُرِّمَ السَّحابُ، تُضَمُّ كافُه: إذا كَثُرَ ماؤُهُ؛ قالَ أبو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ سَحابًا:

وَهَى خَرْجُه واسْتُحِيلَ الرَّبا *** بُ مِنْه وكُرِّم ماءً صَرِيحا

ورَوَاهُ بعضُهم:

وغُرِّمَ ماءً صَرِيحًا.

قالَ أَبو حَنيفَةَ: زَعَمَ بعضُ الرُّواةِ أَنَّ غَرَّمَ خَطَأٌ وهو أَشْبَه بقَوْلِه: وَهَي خَرْجُه.

وِكَرْمَانُ، بالفتحِ، وقد يُكْسَرُ، أَو الكَسْرُ لَحْنٌ، اقْتَصَرَ الرَّشاطيُّ على الفتْحِ، وهكذا نَقَلَه ابنُ الجواليقي عن ابنِ الأَنْبارِيِّ، قالَهُ نَصْر. وجَمَعَ بَيْنهما ابنُ الأثيرِ؛ وفَرَّقَ ابنُ خُلّكان فقالَ: الفَتْحُ في البلْدَةِ والكَسْر في الإقْلِيم، والصَّوابُ بالعَكْس، وخطئَ ياقوتُ في الفتْحِ فيهما.

وقالَ ابنُ بَرِّي: كَرْمانُ اسْمُ بلَدٍ بالفتْحِ وقد أُولِعَتِ العامَّةُ بكسْرِها، قالَ: وقد كَسَرَها الجَوْهرِيُّ في رَحَبَ، فقالَ يَحْكِي قَوْلَ نَصْرِ بنِ سَيَّار: أَرَحُبَكُمُ الدُّخولُ في طاعَةِ الكِرْمانيّ؟ إِقْلِيمٌ بينَ فارِسَ وسجِسْتانَ.

قالَ ابنُ خرداذبة: هي مِائَةُ وثَمَانونَ فَرْسَخًا في مثْلِها افْتَتَحَها عبدُ الرَّحْمن بنُ سَمَرَةَ بنِ جندب، رضِيَ اللهُ تعالَى عنه.

وِكِرْمانُ، بالكسْرِ، وضَبَطَه ابنُ خلّكان بالفتْحِ: بلد قُرْبَ غَزْنَةَ ومَكْرانَ، بَيْنه وبينَ حُدُود الهِنْدِ أَرْبَعَةُ أيامٍ.

وِالكَرْمَةُ: موضع، وبه فُسِّر قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ السابِقُ.

مثْلَ عَيْشِكَ بالكَرْمِ.

قيلَ: أَرادَ بالكَرْمَة هذا المَوْضِع فجَمَعَها بما حَوَالَيْها؛ واسْتَبْعَدَه ابنُ جنِّيِّ.

وِأَيْضًا: قرية بطَبَسَ.

وِأَيْضًا: رأْسُ الفَخِذِ المُسْتَدِيرُ كأَنَّه جَوزَةٌ تَدورُ في قَلْبِ الوَرِكِ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ في صفَةِ فَرَسٍ:

أُمِرَّتْ عُزَيْزاه ونِيطَتْ كُرُومُه *** إلى كَفَلٍ رابٍ وصُلْبٍ مُوَثَّقِ

وِالكُرْمَةُ، بالضَّمِّ: ناحيةٌ باليَمامَةِ.

قالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: هي مُنْقَطَعُ اليَمامَةِ بالدَّهْناء.

وِالكَرامةُ: طَبَقٌ يُوضَعُ على رأْسِ الحُبِّ والقِدْرِ.

قالَ الجَوْهرِيِّ: ويقال حَمَلَ إليه الكَرامَةَ، وهو مِثْلُ النُّزُلِ، وسأَلْتُ عنه في البادِيَةِ فلم يُعْرَفْ.

* قُلْتُ: وبه فَسَّرَ بعضٌ قَوْلَهم: حُبًّا وِكَرامَةً، كما تقدَّمَ في «ح ب ب».

وِكَرامَةُ: جَدُّ محمدِ بنِ عُثْمانَ العجليّ مَوْلاهُم شَيْخِ البُخارِيِّ وأَبي دَاود والتّرمذيِّ وابنِ ماجَه وابنِ صاعِدٍ والمحامليِّ وأَبي مخلدٍ، وقد رَوَى عن أَبي أسامَةَ وطَبَقتِه، مَاتَ في رَجَبَ سَنَة اثْنَتَيْنِ وخَمْسِيْنَ ومائَتَيْنِ، وكان صاحِبَ حدِيْثٍ.

وِكَرامَةُ بنُ ثابِتٍ الأَنْصارِيُّ مُخْتَلَفٌ في صُحْبَتِه، ذَكَرَه ابنُ الكَلْبيّ فيمَنْ شَهِدَ صفِّينَ مع عليِّ مِن الصَّحابَةِ.

وِالكَرِيمانِ: هُما الحَجُّ والجِهادُ: ومنه الحَدِيْث: «خيرُ النَّاسِ يومَئِذٍ مُؤْمنٌ بين كريمَيْنِ، أَو مَعناهُ بين فَرَسَيْنِ يَغْزُو عليهما، أَو بَعيرَيْنِ يَسْتَقِي عليهما.

وِقيلَ: بينَ أَبَوَيْنِ مُؤْمِنَيْنِ.

وِأَبَوانِ كَريمانِ: مُؤْمِنانِ؛ أَي بينَ أَبٍ مُؤْمِنٍ هو أَصْلُه وابنٌ مُؤْمِنٌ هو فَرْعُه، فهو بينَ مُؤْمنَيْنِ هُما طَرَفاهُ وهو مُؤْمنٌ.

وِكَريمَتُكَ: أَنْفُكَ.

وِقيلَ: كُلُّ جارحةٍ شَريفةٍ كالأُذُنِ والعَيْنِ واليدِ فهي كَريمَةٌ.

وقالَ شَمِرٌ: كُلُّ شي‌ءٍ مُكْرَمٌ عليك فهو كَريمُكَ وِكَريمَتُكَ.

وِالكَريمتانِ: العَيْنانِ؛ ومنه الحَديث القدسِيُّ: «إِنَّ اللهَ يقولُ إذا أَنا أَخَذْتُ من عبْدِي كَرِيمَتَيْه وهو بها ضَنِينٌ فصَبَرَ لي، لم أَرْضَ له ثوابًا دونَ الجنَّةِ»؛ يُريدُ جارِحَتَيْه؛ أَي الكَرِيمَتَيْنِ عليه وهُما العَيْنان؛ ويُرْوَى: كَرِيمَته بالإِفرادِ.

قالَ شَمِرٌ: قالَ إسْحق ابنُ مَنْصورٍ، قالَ: بعضُهم: يُريدُ أَهْلَه، قالَ: وبعضُهم يقولُ عَيْنَه.

وِسَمَّوْا كَرَمًا، كجَبَلٍ وكِتابٍ وعَزيزٍ وزُبَيْرٍ وسَفِينَةٍ ومُعَظَّمٍ وِمُكْرَمٍ، هكذا في النُّسخِ والصَّوابُ: وِمُكْرَمًا.

فمِنَ الأوَّل: كَرَمٌ وأَبو الكَرَمِ كَثيرُون.

ومِن الثاني: أَبو أَحْمدَ إلياسُ بنُ كِرامٍ البُخَارِيُّ عن أَحْمَدَ بنِ حَفْصَ؛ وأَبو الكِرَامِ عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ عليِّ الجَعْفريُّ المَدنيُّ وابْنُه محمدٌ، له أَخْبارٌ، وحَفِيدُه دَاودُ ابنُ محمدٍ عن مالِكٍ، وعبدُ الوَهابِ بنُ محمدِ بنِ جَعْفَرَ ابنِ أَبي الكِرامِ عن أَحْمَدَ بنِ محمدِ بنِ المهندسِ الهَرَويّ؛ وأُمُّ الكِرامِ بنْتُ الحَسَنِ بنِ زَكَريّا رَوَى عنها السّلَفيُّ؛ وأَبو الكِرَامِ جَعْفَرُ بنُ محمدِ بنِ عبدِ السَّلامِ مِن شيوخِ ابن جميع؛ وأَبو الكِرامِ محمدُ بنُ أَحْمدَ البزازِ المِصْريُّ عن المَنْجَنِيقيّ.

ومِن الثالثِ: كَرِيمُ بنُ أَبي حازِمٍ رَوَى عنه أَبانُ بنُ عبدِ اللهِ البجليُّ؛ وزريقُ بنُ كَرِيمٍ عن عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وعنه يونسُ بنُ عبيدٍ: وِكَريمُ بنُ عَفِيفٍ الخَثْعَميُّ كان مَحْبوسًا عنْدَ معاوِيَةَ بنِ أبي سُفْيان فشَفَعَ فيه عبدُ اللهِ بنُ شَمِرٍ فقالَ: يا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ هَبْ لي ابنَ عَمِّي فإنه كَرِيمٌ كاسْمِه فوَهَبَه له؛ وِكَرِيمُ بنُ الحارِثِ مُخْتَلَفٌ في صحْبَتِه، وقد رَوَى عن أَبيهِ، وضَبَطَه البُخارِي بالضمِّ والصَّوابُ الفَتْح نَبَّه عليه الحافِظُ، رَوَى عنه ابْنُه زُرارَةُ؛ وِكَرِيمُ الدِّيْن عبدُ الكَرِيمِ بنُ عبدِ اللهِ محمدٍ بنِ يوسفَ الدِّمَشْقيُّ، جَدٌّ لشيْخِنا العلَّامَةِ محمدِ بنِ حَسَنِ بنِ عبدِ الكَرِيمِ الكَرِيميِّ.

ومِن الرَّابِع: كُرَيْمٌ: شَيْخٌ لأَبي إسْحاق السّبَيْعيّ جَزَم فيه ابنُ ماكُولا، بالضمِّ؛ وِكُرَيْمُ بنُ أَبي مطرٍ المروزيُّ عن عِكْرِمَة؛ وأَبو كُرَيْمٍ الهَمدانيُّ قُتِلَ بنَهاوَنْد؛ ويوسفُ ابنُ عيسَى بنِ يوسفَ بنِ عيسَى بنِ كُرَيْمٍ العَفِيفُ الدِّمْياطيُّ ممَّنْ أَخَذَ عن الشَّرف الدِّمْياطيِّ؛ وعبدُ الرَّحْمن ابنُ زَيْدِ بنِ عُيَيْنَةَ بنِ كُرَيْمٍ الأَنْصارِيُّ مَدَنيٌّ عن أَنَس.

ومِن الخامِسِ: كَرِيمَةُ المَروزِيَّةُ رَاوِيَة البُخَارِي، وعِدَّةُ نسْوَةٍ غيرها؛ وأَبو كَرِيمَة الحرُّ بنُ المقْدَامِ بنِ مَعْديكرِبَ له صُحْبَةٌ. ومِن السادِسِ: هِبَةُ اللهِ بنُ مُكَرَّمٍ عن أَبي البطرِ، وابْنُه مُكَرَّمُ بنُ هبَةِ اللهِ عن قاضِي المَارسْتان، وأَخُوه أَبو جَعْفرٍ محمدُ بنُ هِبَةِ اللهِ سَمِعَ أَبا الوَقْت، وابنُ أَخيهِ عليُّ بنُ مُكَرَّمِ بنِ هبَةِ اللهِ عن أَبي شاتيل؛ والجمالُ أَبو الفَضْلِ محمدُ بنُ الصَّدْر الأَوْحَد جلالُ الدِّيْن أَبي العَزّ مُكَرَّمُ بنُ الشيْخِ نَجِيبِ الدِّيْن أَبي الحَسَنِ عليّ الأَنْصارِيُّ الرُّويفعيُّ الخَزْرجيُّ مُؤَلَّفُ لِسانِ العَرَبِ الذي منه مادَّة كتابي هذا، وُلدَ بالقاهِرَة سَنَة ثلاثِيْن وستمائَةٍ وعَمَّر وتفَرَّد بالعَوالي وسَمِعَ منه الذَّهبيُّ والسبكيُّ والبَرزاليُّ الحفَّاظ، وتُوفي سَنَة إِحْدَى عشر وسَبْعمائَة، وأَبوه مِن أَكابِرِ الفُضَلاء، وولدُهُ قطبُ الدِّيْن حَدَّثَ أَيْضًا؛ وِمُكَرَّمُ بنُ المظفَّرِ العيزربيُّ مِن شيوخِ الدِّمْياطيّ، مَاتَ سَنَة اثْنَتَيْن وسَبْعين وستمائَةٍ.

ومِن السابعِ: مُكْرَمُ بنُ أَبي الصَّقْرِ، وطائِفَةٌ.

وِمحمدُ بنُ كَرَّامٍ، كشَدَّادٍ، بنِ عِراقِ بنِ حزابَةَ أَبو عبدِ اللهِ السجزيُّ إِمامُ الكَرَّامِيَّةِ، جاوَرَ بمكَّةَ خَمْسَ سِنِيْنٍ ووَرَدَ نَيْسابُورَ فحبَسَه طاهِرُ بنُ عبدِ اللهِ، ثم انْصَرَفَ إلى الشامِ وعادَ إلى نَيْسابُورَ فحبَسَه محمدُ بنُ طاهِرٍ ثم خَرَجَ منها في سَنَة إحْدَى وخَمْسِيْن ومائَتَيْن إلى القدسِ فماتَ بها في سَنَة خَمْس وخَمْسِين ومائَتَيْن، حَدَّثَ عن مالِكِ ابنِ سُلَيْمان الهَرَويِّ وعليّ بنِ حجر، وصَحِبَ أَحْمد بن حَرْبٍ الزَّاهِد، وأَكْثَرَ عن أَحْمَدَ بنِ عبدِ اللهِ الجويباريِّ، وعنه محمدُ بنُ إسْماعيل بنِ إسْحاق وإبراهيمُ بنُ محمدِ ابنِ سُفَيان صاحِبُ مُسْلمٍ، ومِن مشاهيرِ أَصْحابِه: أَبو يَعْقوب إسْحاقُ بنُ محمش الوَاعِظ إمامُهم في عصْرِه أسْلَم على يدِهِ مِن أَهْل الكِتابَيْن والمَجُوس نَحْوٌ مِن خَمْسةِ آلافٍ ما بينَ رجُلٍ وامرأَةٍ، وماتَ سَنَة ثلاثٍ وثَمَانِيْنَ وثلثمائةٍ، وقد ذَكَرَه العتبيُّ في التارِيخِ اليمني، وأَثْنَى عليه.

واخْتُلِفَ في راءِ محمد بن كرَامٍ فقيلَ: هكذا بالتَّشْديدِ وهو المَشْهورُ، يقالُ: كانَ أَبوه يَحْفَظ الكرم وبه سُمِّي.

قالَ الحافِظُ: ووَقَعَ في سفر أَبي الغتم البستيِّ بالتَّخْفِيفِ ووقعتْ في ذلِكَ قصّةٌ للصَّدْر بن الوَكِيليَّ ذَكَرَها الشيخُ تقيُّ الدِّيْن السبكيُّ.

* قُلْتُ: وإليه مالَ العتبيُّ وأَنْشَدَ في تارِيخِه:

إنَّ الذين بجَهْلِهم لم يَقْتَدوا *** بمحمَّدِ بنِ كرامِ غَيْر كرامِ

الرَّأْي رَأْي أَبي حَنيفَةَ وَحْده *** وِالدِّيْن دِيْن محمدِ بنِ كرامِ

وبه اسْتَدَلّ ابنُ السبكيّ على التَّخْفيفِ وأَيَّدَه بأَنَّ والدَه الشيْخ الإِمام كان يَسْمَعُهما ويقرُّهُما.

وهو القائِلُ بأَنَّ مَعْبودَهُ مُسْتَقِرٌّ على العَرْشِ وأَنه جَوْهَرٌ في مَكانٍ مُمَاسّ لعَرْشِه فَوْقه، تعالى اللهُ عن ذلك عُلوَّا كَبيرًا.

وقد أَوْرَدَ هذه المَقالَةَ عنه الشَّهْرستانيُّ في المِلَلِ والنّحلِ، وياقوتُ وغيرُهُما مِن العُلَماءِ، ووَافَقَه على هذه خَلْقٌ لا يحصونَ بنَيْسابُورَ وهرَاةَ.

وِالتَّكْرِمَةُ: التَّكْرِيمُ، مَصْدَر كَرَّمَ، وله نَظَائِرٌ.

وِأَيْضًا: الوِسادَةُ وهو المَوْضِعُ الخاصُّ لجلوسِ الرَّجُلِ مِن فِرَاشٍ أَو سَريرٍ ممَّا يُعَدُّ لإِكْرَامِه، وهي تَفْعِلةٌ مِن الكَرَامَةِ؛ ومنه الحَدِيْث: «لا يُجْلسُ على تَكْرِمَتِه إلَّا بِأذْنِه».

وِكِرْمانُ، ويقالُ كِرْمانيُّ بنُ عَمْرِو بنِ المُهَلَّب المعنيُّ، بالكسْرِ وياءِ النِّسْبَةِ، أَخُو معاوِيَةَ بنِ عَمْرٍو البَصْريُّ، محدِّثٌ عن حمَّاد بنِ سلَمَةَ، وعنه إسْحقُ بنُ إبراهيمَ بنِ شاذَانَ.

وِمِن المجازِ: كرُمَتْ أَرْضُه العامَ، بضمِّ الرَّاءِ: إذا دَمَلَها بالسرقين ونَحْوِه فَزَكا زَرْعُها وطابَتْ تُرْبتها؛ عن ابنِ شُمَيْلٍ. قالَ: ولا يُكْرَمُ الحَبُّ حتى يكونَ كَثيرَ العَصْفِ، يَعْنِي التبْنَ والوَرَق.

وِكُرَمِيَّةُ، بالضَّم وفتح الرَّاءِ وتَشْديدِ الياءِ: قرية.

وِكَرَمِينِيَّةُ، بفتحِ الكافِ والراءِ وكسْرِ الميمِ وتَشْديدِ الياءِ، وتُخَفَّفُ، أَو هي كَرْمِينَةُ، بغيرِ ياءٍ مُشَدَّدةٍ؛ بلد ببُخَارَى.

وقالَ ابنُ الأَثيرِ: بَيْنها وبينَ سَمَرْقَنْد ومنها: أَبو جَعْفرٍ محمدُ بنُ يوسفَ ورّاق أَبي بكْرِ بنِ دُرَيْدٍ، ذَكَرَه الأَميرُ، وأَبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ ضوء بنِ المنْذرِ الشَّيْبانيُّ الكَرْمِينِيُّ عن أَبي عبيدٍ القاسِمِ بنِ سلامٍ، وأَبو الفرجِ عزيزُ بنُ عبدِ اللهِ البُخَارِيُّ الكَرْمِينِيُّ الشافِعِيُّ أَحَدُ المُناظِرِين ببُخارَى.

وِأَكْرَمَ الرَّجُلُ: أَتَى بأَوْلادٍ كِرامٍ.

وِقَوْله تعالَى: {وَأَعْتَدْنا لَها} رِزْقًا كَرِيمًا أَي كَثيرًا.

وِقَوْله تعالَى: {وَقُلْ لَهُما} قَوْلًا كَرِيمًا أَي سَهْلًا لَيِّنًا.

وقَوْله تعالَى: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} أَي حَسَنًا وهو الجنَّةُ.

وِفي الحديثِ الذي رَوَاهُ أَبو هُرَيْرَةَ، رضِيَ اللهُ تعالَى عنه، أَنَّه صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم، قالَ: «لا تُسَمُّوا العنبَ الكَرْمَ، فإنَّما الكَرْمُ: الرَّجلُ المُسْلِمُ.

قالَ الزَّمَخْشرِيُّ: أَرادَ أَن يُقرِّبَ ويُسَدِّدَ ما في قَوْلِه، عزّ وجلّ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ} بطَرِيقَةٍ أَنيقَةٍ ومَسْلَكٍ لَطِيفٍ، وليس الغَرَضُ حقيقةَ النَّهْيِ عن تَسْمِيتِه؛ أَي العِنَبِ، كَرْمًا، ولكنَّه رَمْزٌ إلى أَنَّ هذا النَّوْعَ من غيرِ الأَناسِيِّ المُسَمَّى بالاسم المُشْتَقُ من الكَرَمِ أَنْتُم أَحِقَّاءُ بأَن لا تُؤَهِّلُوهُ لهذه التَّسْميةِ غَيْرَةً للمُسْلِم التَّقِيِّ أَن يُشارَكَ فيما سَمَّاهُ اللهُ تعالَى وخَصَّهُ بأَنْ جَعَلَه صِفَتَه فضْلًا أن تُسَمُّوا بالكَريمِ مَنْ ليس بمُسْلِم، فكأَنَّه قالَ: إن تَأَتّى لكم أَن لا تُسَمُّوه مَثَلًا باسمِ الكَرَمِ ولكن بالجَفْنَةِ أَو الحَبَلَةِ، أَو الزَّرَجُون، فافْعَلوا.

قالَ: وقولُه: فإنَّما الكرْمُ، أي: فإنَّما المُسْتَحِقُّ للاسمِ المُشْتَقِّ مِنَ الكَرَم، الرَّجُلُ المُسْلِمُ.

وقال الأَزْهَرِيّ: اعلمُ أنَّ الكَرَمَ الحَقيقيَ هو مِنْ ضِفَةِ اللهِ تَعالى، ثُمَّ هو مِنْ صِفَةِ مَنْ آمنَ به وأَسْلَم لأَمْرِه، وهو مَصْدرٌ يُقامُ مُقام المَوْصوفِ فيُقالُ: رجُلٌ كَرَمٌ ورَجُلان كَرَمٌ ورِجالٌ كَرَمٌ وامرأَةٌ كَرَمٌ، لا يُثَنَّى ولا يُجْمَع ولا يُؤَنَّثُ لأَنَّه مَصْدرٌ أُقِيمَ مُقامَ المَوْصوفِ، فخفَّفَتِ العَرَبُ الكَرْم، وهم يُرِيدُونَ كَرَمَ شَجَرَةَ العِنَبِ، لما ذُلِّل من قُطوفِه عنْدَ اليَنْعِ وكَثُرَ مِن خيرِهِ في كلِّ حالٍ، وأَنَّه لا شَوْك فيه يُؤْذِي القاطِفَ، ونَهَى صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم، عن تَسْمِيتِه بهذا الاسْمِ لأَنَّه يُعْتَصَرُ منه المُسْكِرُ المَنْهِي عن شُرْبِه، وأَنَّه يغيِّرُ عَقْلَ شارِبِه، ويورثُ شربُه العَداوَةَ والبَغْضاءَ وتبْذيرَ المالِ في غيرِ حقِّه.

وقالَ: الرَّجُلُ المُسْلِمُ أَحقُّ بهذه الصِّفَةِ مِن هذه الشَّجرةِ.

وقالَ أَبو بكْرٍ: سُمِّي الكَرْمُ كَرْمًا لأَنَّ الخَمْرَ المُتَّخَذَة منه تَحُثُّ على السَّخَاءِ وِالكَرَمِ وتأْمرُ بمكَارِمِ الأَخْلاقِ فاشْتَقّوا له اسْمًا مِن الكَرَم للكَرَم الذي يَتَولَّد منه، فكَرِه صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم، أَن يُسَمَّى أَصْل الخمر باسْمٍ مأْخُوذٍ مِن الكَرَم وجَعَل المُؤْمِنَ أَوْلَى بهذا الاسْمِ الحَسَن؛ وأَنْشَدَ:

وِالخَمْرُ مُشْتَقَّةُ المَعْنَى من الكَرَمِ

ولذلِكَ يُسَمَّى الخَمْرُ راحًا لأنَّ شارِبَها يَرْتاحُ للعَطاءِ أَي يَخِفُّ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ: {الْكَرِيمِ}: من صِفاتِ اللهِ تعالَى وأَسْمائِهِ، وهو الكَثيرُ الخَيْرِ.

وقيلَ: الجَوادُ.

وقيلَ: المُعْطي الذي لا يَنْفَدُ عَطاؤُه.

وقيلَ: هو الجامِعُ لأَنْواعِ الخَيْرِ والفضَائِلِ والشَّرَفِ.

وقيلَ: حميدُ الفِعالِ.

وقِيلَ: العَظيمُ.

وقِيلَ: المُنَزَّهُ عمَّا لا يليقُ.

وقيلَ: الفضولُ.

وقيلَ: العَزيزُ.

وقيلَ: الصَّفُوحُ.

وقد ذَكَرَه المصنِّفُ. فهذا ما قيلَ في تفْسِيرِ اسْمِه تعالَى.

قالَ بعضُهم: الكَرَمُ إذا وُصِفَ تعالَى به فهو اسْمٌ لإحْسانِه وإنْعامِه، وإذا وُصِفَ به الإنْسان فهو اسْمٌ للأَخْلاقِ والأَفْعالِ المَحْمودَةِ التي تَظْهَرُ منه، ولا يقالُ: هو كَريمٌ حتى يظْهَرَ منه ذلِكَ.

وِالكَرِيمُ أَيْضًا: الحرُّ والنَّجيبُ والسَّخِيُّ والطيِّبُ الرَّائِحَةِ والطَّيِّبُ الأَصْلِ والذي كرَّمَ نفْسَه عن التَّدْنُسِ بشي‌ءٍ من مُخالَفَةِ ربِّه.

وأَيْضًا: الرَّقيقُ الطَّبْعِ والحَسَنُ الأَخْلاقِ والواسِعُ الصَّدْرِ والحَسِيبُ والمختارُ والمزينُ المُحْسِن والعَزيزُ عنْدَكَ؛ والحجُّ؛ وأَيْضًا: الجهادُ؛ وفَرَسٌ يُغْزَى عليه؛ والبَعيرُ يُسْتَقَى به؛ وهذه الأَرْبَعَةُ ذَكَرَها المصنِّفُ.

و {كِتابٌ كَرِيمٌ}: أَي مَخْتُومٌ أَو حَسَنٌ ما فيه.

وقُرآنٌ كَرِيمٌ: يُحْمَدُ ما فيه مِن الهُدى والبَيانِ والعِلْم والحِكْمَةِ.

وقَوْلٌ كَريمٌ: سَهْلٌ ليِّنٌ.

و {رِزْقٌ كَرِيمٌ}: أَي كثيرٌ؛ وقد ذَكَرَهما المصنِّفُ.

ومدخلٌ كَريمٌ: حَسَنٌ.

وِالكَرِيمُ أَيْضًا: الرَّئيسُ والعَفيفُ، والجَميلُ، والعَجِيبُ، والغَريبُ، والعالِمُ، والنَّفِيسُ، والمَطَرُ

الجودُ، والمُعْجِزُ، والذَّلِيلُ على التَّهَكُّمِ. فهذه نيفٌ وثلاثُونَ قَوْلًا في معْنَى الكَرِيمِ؛ ولم أَرَه مَجْموعًا في كتابٍ.

قالَ الفرَّاءُ: العَرَبُ تَجْعلُ الكَرِيمَ تابِعًا لكلِّ شي‌ءٍ نَفَتْ عنه فِعْلًا تَنْوي به الذُم.

يقالُ: أَسَمِيْنٌ هذا؟ فيُقالُ: ما هو بسَمِينٍ ولا كَريمٍ.

وما هذه الدَّارُ بواسِعَةٍ ولا كَريمةٍ.

وِالمُكارَمَةُ: أَن تُهْدِيَ لإِنْسانٍ شَيئًا ليُكَافِئَك عليه، وهي مُفاعَلَةٌ مِن الكَرَمِ. ومنه الحَديْث في الخَمْر: «إنَّ اللهَ حَرَّمَها وحَرَّمَ أنْ يُكارَمَ بها»؛ ومنه قَوْل دكين:

إِنِّي امْرُؤٌ من قَطَنِ بنِ دارِمٍ *** أَطْلُبُ دَيْني من أَخٍ مُكارِمِ

أي يُكافِئُني على مَدْحِي إِيّاه.

وِأَكْرَمْتُ الرَّجُلَ أُكْرِمُه، وأَصْلُه أُأَكْرِمه كأُدَحْرِجُه، فإن اضْطُرَّ جازَ له أَنْ يردَّه إلى أَصْلِه كما قالَ:

فإنَّه أَهل لأَن يُؤَكْرَما

نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.

ويقالُ في التَّعَجُّبِ: ما أَكْرَمَه لي، وهو شاذٌّ لا يطردُ في الرُّباعي.

قالَ الأَخْفَشُ: وقَرَأَ بعضُهم فما له مِن مُكْرَم، بفتْحِ الراءِ، وهو مَصْدَرٌ مِثْل مُخْرَج ومُدْخَل.

وِتَكَرَّمَ: تَكَلَّفَ الكَرَمَ؛ قالَ المُتَلَمِّسُ:

تَكَرَّمْ لتَعْتادَ الجَمِيلَ ولنْ تَرَى *** أَخَا كَرَمٍ إِلَّا بأَنْ تَتَكَرَّما

وِالكَرِيمَةُ: الأَهْلُ.

وقيلَ: شَقِيقَةُ الرَّجُلِ، والجَمْعُ الكَرائِمُ. وِكَرائِمُ المالِ: نَفائِسُه.

وِالكَريمَةُ: الحَسِيبُ؛ يقالُ: هو كَريمَةُ قَوْمِه؛ قالَ:

وِأَرَى كَريمَكَ لا كَرِيمةَ دُونَه *** وِأَرَى بِلادَكَ مَنْقَعَ الأَجْوادِ

وفي الحَديْث: «إذا أتاكُم كَريمةُ قَوْمٍ فأَكْرِمُوه»؛ أَي كَريمُ قَوْمٍ؛ وقَوْل صَخْرِ بنِ عَمْرٍو:

أَبى الفَخْرُ أَنِّي قد أَصابُوا كَرِيمتي *** وِأَنْ ليسَ إِهْداءُ الخَنَا مِنْ شِمالِيا

يَعْنِي بقوْلِه: كَريمَتي أَخَاه معاوِيَةَ بن عَمْرٍو.

وِالتَّكْرِيمُ: التَّفْضِيلُ.

وفي الحَديْث: «إنَّ الكَرِيمَ ابنَ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بنُ يَعْقوبِ بنِ إبراهيمَ لأنَّه اجْتَمَعَ له شَرَفُ النّبوّةِ والعِلْم والجَمالِ والعفَّةِ وِكَرَم الأَخْلاقِ ورِياسَة الدّنيا والدِّيْن».

وِالأَكارِمُ: جَمْعُ كِرامٍ، وِكِرامٌ جَمْعُ كَرِيمٍ.

وِالكَرامَةُ: أَمْرٌ خارِقٌ للعادَةِ غَيْر مقارنٍ بالتَّحدّي ودَعْوى النّبوَّةِ.

وِالكَرَّامُ، كشَدَّادٍ: حافِظُ الكَرْم.

وِكَرامٌ، كسَحابٍ: والِدُ محمدٍ رَئيسُ الكَرامِيَّة أَحدُ الأَقْوال في ضَبْطه كما في لسانِ المِيزانِ.

وأَبو عليِّ الحُسَيْنُ بنُ كُرَّامٍ الإِسْكَنْدرانيُّ؛ وراشدُ بنُ ناجي أبو كَرَّامٍ؛ كِلاهُما كشَدَّادٍ، كَتَبَ عنهما السَّلفيُّ.

والمكرمية: طائِفَةٌ مِن الخَوارِجِ نُسِبُوا إلى أَبي المكرمِ.

وكِرْمانِيَّةُ، بالكسْرِ: قَرْيَةٌ بفارِسَ.

وكرمون: عَلَمٌ. وكذا كُرَيِّمٌ، مُصغَّرًا مُشدَّدًا.

وبَنُو كَرامَةَ: بُطَيْنٌ بطَرابُلُس الشامِ.

ومحلَّةُ كرمين: قَرْيَةٌ بمِصْرَ مِن أَعْمالِ الغَرْبيَّة.

ومحلَّةُ الكُرُوم: قَرْيتانِ بالبُحَيْرةِ.

وِفي المَثَلِ: لا يأْبَى الكَرامَةَ إلَّا حِمارٌ، المُرادُ به الوسادَة في أصْلِ المَثَلِ، قالَهُ المُفَضَّلُ بنُ سلمَةَ؛ وأَوَّل مَنْ قالَهُ عليٌّ، رضِيَ اللهُ تعالَى عنه، ثم اسْتُعْمِل لنَوْعٍ مِن المُقابَلَةِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


37-المصباح المنير (نخل)

النَّخْلُ اسْمُ جَمْعٍ الْوَاحِدَةُ نَخْلَةٌ وَكُلُّ جَمْعٍ

بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ الْهَاءُ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فَأَهْلُ الْحِجَازِ يُؤَنِّثُونَ أَكْثَرَهُ فَيَقُولُونَ هِيَ التَّمْرُ وَهِيَ الْبُرُّ وَهِيَ النَّخْلُ وَهِيَ الْبَقَرُ وَأَهْلُ نَجْدٍ وَتَمِيمٍ يُذَكِّرُونَ فَيَقُولُونَ نَخْلٌ كَرِيمٌ وَكَرِيمَةٌ وَكَرَائِمُ.

وَفِي التَّنْزِيلِ {نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر: 20] {نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7] وَأَمَّا النَّخِيلُ بِالْيَاءِ فَمُؤَنَّثَةٌ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ وَبَطْنُ نَخْلٍ وَيُقَالُ نَخْلَةٌ بِالْإِفْرَادِ أَيْضًا وَهُمَا نَخْلَتَانِ.

إحْدَاهُمَا نَخْلَةُ الْيَمَانِيَّةُ بِوَادٍ وَيَأْخُذُ إلَى قَرْنٍ وَالطَّائِفِ قَالَ الشَّاعِرُ

وَمَا أَهَلَّ بِجَنْبَيْ نَخْلَةَ الْحُرُمُ

أَيْ الْمُحْرِمُونَ وَبِهَا كَانَ لَيْلَةَ الْجِنِّ وَبِهَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ لَمَّا سَارَ إلَى الطَّائِفِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ لَيْلَةٌ.

وَالثَّانِيَةُ نَخْلَةُ الشَّامِيَّةُ بِوَادٍ يَأْخُذُ إلَى ذَاتِ عِرْقٍ وَيُقَالُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ لَيْلَتَانِ.

وَنَخَلْتُ الدَّقِيقَ نَخْلًا مِنْ بَابِ قَتَلَ.

وَالنُّخَالَةُ قِشْرُ الْحَبِّ وَلَا يَأْكُلُهُ الْآدَمِيُّ وَالْمُنْخُلُ بِضَمِّ الْمِيمِ مَا يُنْخَلُ بِهِ وَهُوَ مِنْ النَّوَادِرِ الَّتِي وَرَدَتْ بِالضَّمِّ وَالْقِيَاسُ الْكَسْرُ لِأَنَّهُ اسْمُ آلَةٍ وَتَنَخَّلْتُ كَلَامَهُ تَخَيَّرْتُ أَجْوَدَهُ وَانْتَخَلْتُ الشَّيْءَ أَخَذْتُ أَفْضَلَهُ وَالنَّخَّالُ الَّذِي يَنْخُلُ التُّرَابَ فِي الْأَزِقَّةِ لِطَلَبِ مَا سَقَطَ مِنْ النَّاسِ وَيُسَمَّى الْمُصَوِّلَ وَالْمُقَلِّشُ وَكُلُّهُ غَيْرُ عَرَبِيِّ فِي هَذَا الْمَعْنَى.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


38-لسان العرب (عضد)

عضد: العَضُدُ والعَضْدُ والعُضُدُ والعُضْدُ والعَضِدُ مِنِ الإِنسان وغيره؛ الساعدُ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمِرْفَقِ إِلى الْكَتِفِ، وَالْكَلَامُ الأَكثر العَضُدُ: وَحَكَى ثَعْلَبٌ: العَضَد، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالضَّادِ، كلٌّ يُذَكَّرُ ويؤْنث.

قَالَ أَبو زَيْدٍ: أَهل تِهامة يَقُولُونَ العُضُد والعُجُزُ ويُذكرون.

قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الْعَضُدُ مُؤَنَّثَةٌ لَا غَيْرَ، وَهُمَا العَضُدانِ، وَجَمْعُهَا أَعضادٌ، لَا يُكَسَّرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَفِي حَدِيثِ أُمّ زَرْعٍ: «وملأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَ»؛ الْعَضُدُ مَا بَيْنَ الكَتِفِ والمِرْفَقِ وَلَمْ تُرِدْهُ خَاصَّةً، وَلَكِنَّهَا أَرادت الْجَسَدَ كُلَّهُ فإِنه إِذا سَمِن الْعَضُدُ سَمِنَ سَائِرُ الْجَسَدِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبي قَتَادَةَ والحمارِ الْوَحْشِيِّ: فناولْتُه العضدَ فأَكلها، يُرِيدُ كَتِفَهُ.

وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ أَبيض مُعَضَّدًا؛ هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَهُوَ المُوَثَّقُ الخَلْق؛ وَالْمَحْفُوظُ فِي الرِّوَايَةِ: مُقَصّدًا؛ وَاسْتَعْمَلَ ساعدةُ بنُ جؤيَّةَ الأَعضاد لِلنَّحْلِ، فَقَالَ:

وكأَنَّ مَا جَرَسَتْ عَلَى أَعضادِها، ***حَيْثُ اسْتَقَلَّ بِهَا الشرائعُ مَحْلَبُ

شَبَّهَ مَا عَلَى سُوقِهَا مِنَ الْعَسَلِ بِالْمَحْلَبِ.

وَرَجُلٌ عُضِاديٌّ: عَظِيمُ الْعَضُدِ، وأَعْضَدُ: دَقيق الْعَضُدِ.

وعَضَدَه يَعْضِدُه عَضْدًا: أَصاب عَضُدَه؛ وَكَذَلِكَ إِذا أَعَنْتَه وكنتَ لَهُ عَضُدًا.

وعَضِدَ عَضَدًا: أَصابه داءٌ فِي عَضُدِه.

وعُضِدَ عَضْدًا: شَكَا عَضُدَه، يطَّرد عَلَى هَذَا بابٌ فِي جَمِيعِ الأَعضاءِ.

وأَعْضَدَ المطرُ وعَضَّدَ: بَلَغَ ثَرَاهُ العَضُدَ وعَضُدٌ عَضِدَةٌ: قَصِيرَةٌ.

ويَدٌ عَضِدَةٌ: قَصِيرَةُ العَضُد.

والعِضادُ: مِنْ سِمات الإِبل وَسْمٌ فِي الْعَضُدِ عَرْضًا؛ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ تَذْكِرَةِ أَبي عَلِيٍّ.

وإِبِلٌ مُعَضَّدَةٌ: مَوْسُومَةٌ فِي أَعضادها.

وناقةٌ عَضادٌ: وَهِيَ الَّتِي لَا تَرِدُ النَّضيحَ حَتَّى يَخْلو لهَا، تَنْصرِمُ عَنِ الإِبل وَيُقَالُ لَهَا القَذُورُ.

والعِضادُ والمِعْضَدُ: مَا شُدَّ فِي العَضُدِ مِنَ الحِرْزِ؛ وَقِيلَ: المِعْضَدَةُ والمِعْضَد الدُّمْلُجُ لأَنه عَلَى الْعَضُدِ يَكُونُ؛ حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ، وَالْجَمْعُ مَعاضِدُ.

واعْتَضَدْتُ الشَّيْءَ: جَعَلْتُهُ فِي عَضُدِي.

والمِعْضَدَةُ أَيضًا: الَّتِي يَشُدُّهَا المسافرُ عَلَى عَضُدِهِ وَيَجْعَلُ فِيهَا نَفَقَتَهُ، عَنْهُ أَيضًا.

وَثَوْبٌ مُعَضَّدٌ: مُخَطَّطٌ عَلَى شَكْلِ الْعَضُدِ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ الَّذِي وَشْيُه فِي جَوَانِبِهِ.

والمُعَضَّدُ: الثَّوْبُ الَّذِي لَهُ عَلَم فِي مَوْضِعِ الْعَضُدِ مِنْ لَابِسِهِ؛ قَالَ زُهَيْرٌ يَصِفُ بَقَرَةً:

فجالَتْ عَلَى وحْشِيِّها، وكأَنَّها ***مُسَرْبَلَةٌ مِنْ رازِقِيٍّ مُعَضَّدِ

والعَضُدُ: الْقُوَّةُ لأَن الإِنسان إِنما يَقْوى بِعَضُدِهِ فَسُمِّيَتِ الْقُوَّةُ بِهِ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَي سَنُعِينُكَ بأَخيك.

قَالَ: وَلَفْظُ الْعَضُدِ عَلَى جِهَةِ الْمَثَلِ لأَن الْيَدَ قِوامُها عَضُدُها.

وَكُلُّ مُعين، فَهُوَ عَضُدٌ.

والعَضُدُ: المُعين عَلَى الْمَثَلِ بِالْعَضُدِ مِنَ الأَعضاءِ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}؛ أَي أَعضادًا وإِنما أَفرد لتعتدل رؤوس الْآيِ بالإِفراد.

وَمَا كنتَ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا؛ أَي مَا كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ لِتَتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ أَنصارًا.

وعَضُدُ الرجلِ: أَنصاره وأَعوانه.

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: فلانٌ يَفُتُّ فِي عَضُدِ فُلَانٍ وَيَقْدَحُ فِي سَاقِهِ؛ فَالْعَضُدُ أَهل بَيْتِهِ وَسَاقُهُ نَفْسُهُ.

والاعْتِضادُ: التَّقَوِّي وَالِاسْتِعَانَةُ.

وَفُلَانٌ يَعْضُدُ فُلَانًا أَي يُعِينه.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ عَضُدُ فلانٍ وعِضادَتُه ومُعاضِدُه إِذا كَانَ يُعَاوِنُهُ وَيُرَافِقُهُ؛ وَقَالَ لَبِيدٌ:

أَوْ مِسْحَل سَنِق عِضادَة سَمْحَجٍ، ***بِسَراتها نَدَبٌ لَهُ وكُلومُ

وَاعْتَضَدْتُ بِفُلَانٍ: اسْتَعَنْتُ.

وعَضَدَه يَعْضُدُه عَضْدًا وعاضَدَه: أَعانه.

وَعَاضَدَنِي فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ أَي عَاوَنَنِي.

والمُعاضدَة: المُعاونة.

وعَضُدُ البِناء وَغَيْرِهِ وعَضَدُه وأَعْضاده: مَا شُدَّ مِنْ حَوَالَيْهِ كَالصَّفَائِحِ الْمَنْصُوبَةِ حَوْلَ شَفِير الْحَوْضِ.

وعَضُدُ الْحَوْضِ: مِنْ إِزائه إِلى مُؤَخّره، وإِزاؤُه مَصَبُّ الْمَاءِ فِيهِ، وَقِيلَ: عَضَدُهُ جَانِبَاهُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَالْجَمْعُ أَعضاد؛ قَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ الْحَوْضَ الَّذِي طَالَ عَهْدُهُ بِالْوَارِدَةِ:

راسِخُ الدِّمْنِ عَلَى أَعْضادِه، ***ثَلَمَتْه كلُّ رِيحٍ وسَبَلْ

وعُضود؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

فَارْفَتَّ عُقْرُ الحَوْضِ والعُضودُ ***مِنْ عَكَراتٍ، وَطْؤُها وئِيدُ

وعَضُدُ الركائبِ: مَا حَوَالَيْهَا.

وعَضَدَ الركائبَ يَعْضُدُها عَضْدًا: أَتاها مِنْ قبَلِ أَعْضادِها فضمَّ بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

إِذا مَشى لَمْ يَعْضُدِ الرَّكائبا

والعاضِدُ: الَّذِي يَمْشِي إِلى جَانِبِ دَابَّةٍ عَنْ يَمِينِهِ أَو يَسَارِهِ.

وَتَقُولُ: هُوَ يَعْضُدُها يَكُونُ مَرَّةً عَنْ يَمِينِهَا وَمَرَّةً عَنْ يَسَارِهَا لَا يُفَارِقُهَا، وَقَدْ عَضَدَ يَعْضُدُ عُضُودًا، والبعيرُ مَعْضُودٌ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

ساقَتُها أَربعةٌ بالأَشْطانْ، ***يَعْضُدُها اثْنانِ، ويَتْلوها اثنانْ

يُقَالُ: اعْضُدْ بَعِيرَك وَلَا تَتْلُه.

وعَضَدَ البعيرُ البعيرَ إِذا أَخذ بِعَضُدِه فَصَرَعَه، وضَبَعَه إِذا أَخذ بِضَبْعَيْهِ.

والعاضِدُ: الْجَمَلُ يأْخُذُ عَضُدَ النَّاقَةِ فَيَتَنَوَّخُها.

وحِمارٌ عَضِدٌ وعاضِدٌ إِذا ضَمَّ الأُتنَ مِنْ جَوَانِبِهَا.

وعَضُدُ الطريقِ وعِضادَتُه: نَاحِيَتُهُ.

وعَضُدُ الإِبْطِ وعَضَدُه: نَاحِيَتُهُ؛ وَقِيلَ: كلُّ نَاحِيَةٍ عَضُدٌ وعَضَدٌ.

وأَعْضادُ الْبَيْتِ: نواحِيه.

وَيُقَالُ: إِذا نَخَرَتِ الرِّيحُ مِنْ هَذِهِ العَضُدِ أَتاك الغيثُ، يَعْنِي ناحيةَ الْيَمَنِ.

وعضُدُ الرَّحْلِ: خَشَبَتَانِ تَلزقان بِوَاسِطَتِهِ؛ وَقِيلَ: بأَسفل وَاسِطَتِهِ.

وعضَدَ القَتَبُ البعيرَ عَضْدًا: عَضَّه فَعَقَرَه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

وهُنَّ عَلَى عَضْدِ الرِّحالِ صَوابِرُ وعَضَدَتْها الرِّحالُ إِذا أَلَحَّتْ عَلَيْهَا.

أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لأَعْلى ظَلِفَتَي الرَّحْلِ مِمَّا يَلي العَراقي: العَضُدان، وأَسْفَلِهما: الظَّلِفَتانِ، وَهُمَا مَا سَفَلَ مِنَ الحِنْوَين: الواسِط والمُؤخَّرَةِ.

وعَضُدُ النَّعْلِ وعِضادَتاها: اللَّتَانِ تَقَعَانِ عَلَى الْقَدَمِ.

وعِضادتا البابِ والإِبْزيمِ: نَاحِيَتَاهُ.

وَمَا كَانَ نَحْوَ ذَلِكَ، فَهُوَ العِضادة.

وعِضادَتا الْبَابِ: الْخَشَبَتَانِ الْمَنْصُوبَتَانِ عَنْ يَمِينِ الدَّاخِلِ مِنْهُ وَشَمَالِهِ.

والعِضادتان: العُودان اللَّذَانِ فِي النِّير الَّذِي يَكُونُ عَلَى عُنُقِ ثَوْرِ الْعَجَلَةِ، والواسِطُ: الَّذِي يَكُونُ وَسَطَ النِّيرِ.

والعاضِدان: سَطْران مِنَ النَّخْلِ عَلَى فَلَج.

والعَضُدُ مِنَ النَّخْلِ: الطَّرِيقَةُ مِنْهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنّ سَمُرة كَانَتْ لَهُ عَضُدٌ مِنْ نَخْلٍ فِي حَائِطِ رَجُلٍ مِنَ الأَنصار»؛ حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ؛ أَراد طَرِيقَةً مِنَ النَّخْلِ، وَقِيلَ: إِنما هُوَ عَضِيدٌ مِنَ النَّخْلِ.

وَرَجُلٌ عَضُدٌ وعَضِدٌ وعَضْدٌ؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ.

وامرأَة عَضادٌ قَصِيرَةٌ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:

ثَنَتْ عُنُقًا لَمْ تَثْنِه جَيْدَرِيَّةٌ ***عَضادٌ، وَلَا مَكْنوزَةُ اللحمِ ضَمْزَرُ

الضمزرُ: الْغَلِيظَةُ اللَّئِيمَةُ.

قَالَ الْمُؤَرِّجُ: وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْقَصِيرِ عَضادٌ.

وعضَدَ الشجرَ يَعْضِدُه، بِالْكَسْرِ، عَضْدًا، فَهُوَ مَعْضود وعَضِيدٌ، واسْتَعْضَدَه: قَطَعَهُ بالمِعْضَد؛ الأَخيرة عَنِ الْهَرَوِيِّ؛ قَالَ: وَمِنْهُ حَدِيثُ طَهْفَةَ: ونَسْتَعْضِدُ البَريرَ

أَي نَقْطَعُهُ ونَجْنِيه مِنْ شَجَرِهِ للأَكل.

والعَضَدُ: مَا عُضِدَ مِنَ الشَّجَرِ أَو قُطِعَ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْضُودِ؛ قَالَ عَبْدُ مَنَافِ بْنُ رِبْعٍ الهُذَلي:

الطَّعْنُ شَغْشَغَةٌ، والضَّرْبُ هَيْقَعَةٌ، ***ضَرْبَ المُعَوِّلِ تحتَ الدِّيمَةِ العَضَدَا

الشَّغْشَغَةُ: صَوْتُ الطَّعْن.

وَالْهَيْقَعَةُ: صَوْتُ الضَّرْبِ بِالسَّيْفِ.

والمُعَوِّلُ: الَّذِي يَبْنِي العالَةَ، وَهِيَ ظُلَّةٌ مِنَ الشَّجَرِ يُسْتَظَلُّ بِهَا مِنَ الْمَطَرِ.

وَفِي حَدِيثِ تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ: «نَهَى أَن يُعْضَدَ شجرُها»؛ أي يَقْطَعَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لوَدِدْتُ أَني شجرةٌ تُعْضَد».

وَفِي حَدِيثِ ظَبْيَانَ: «وَكَانَ بَنُو عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ مِنْ جَذيمَةَ يخبِطون عَضِيدَها ويأْكلون حَصِيدَها»؛ العَضِيدُ والعَضَدُ: مَا قُطِع مِنَ الشَّجَرِ؛ أي يَضْرِبُونَهُ لِيَسْقُطَ وَرَقُهُ فَيَتَّخِذُوهُ عَلَفًا لإِبلهم.

وعَضَدَ الشجرَ: نَثَر ورَقَها لإِبله؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَاسْمُ ذَلِكَ الورَقِ العَضَدُ.

والمِعْضَدُ والمِعْضادُ مِنَ السُّيُوفِ: المُمْتَهَنُ فِي قَطْعِ الشَّجَرِ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

سَيْفًا بِرِنْدًا لَمْ يَكُنْ مِعْضادًا

قَالَ: والمِعْضادُ سَيْفٌ يَكُونُ مَعَ الْقَصَّابِينَ تُقْطَعُ بِهِ الْعِظَامُ.

وَالْمِعْضَادُ: مِثْلُ المِنْجل لَيْسَ لَهَا أُشُرٌ.

يُرْبَط نِصابُها إِلى عَصَا أَو قَنَاةٍ ثُمَّ يَقْصِمُ الرَّاعِي بِهَا عَلَى غَنَمِهِ أَو إِبله فُروعَ غُصونِ الشَّجَرِ؛ قَالَ:

كأَنما تُنْحي، عَلَى القَتادِ ***والشَّوْكِ، حَدَّ الْفَأْسِ والمِعْضادِ

وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: كُلُّ مَا عُضِد بِهِ الشَّجَرُ فَهُوَ مِعْضَد.

قَالَ: وَقَالَ أَعرابي: المِعْضَدُ عِنْدَنَا حَدِيدَةٌ ثَقِيلَةٌ فِي هَيْئَةِ المِنْجل يَقْطَعُ بِهَا الشَّجَرَ.

والعَضِيدُ: النَّخْلَةُ الَّتِي لَهَا جِذْعٌ يَتناولُ مِنْهُ الْمُتَنَاوِلُ، وَجَمْعُهُ عِضْدانٌ؛ قَالَ الأَصمعي: إِذا صَارَ لِلنَّخْلَةِ جِذْعٌ يَتَنَاوَلُ مِنْهُ الْمُتَنَاوَلُ فَتِلْكَ النَّخْلَةُ العَضِيدُ، فإِذا فأَتت الْيَدَ فَهِيَ جَبَّارَةٌ.

والعَواضِدُ: مَا يَنْبُتُ مِنَ النَّخْلِ عَلَى جَانِبَيِ النَّهْرِ.

وبُسْرَةٌ مُعَضِّدة، بِكَسْرِ الضَّادِ: بَدَا التَّرْطِيبُ فِي أَحد جَانِبَيْهَا.

وَقَالَ النضر: أَعضادُ المزارع حدودها يَعْنِي الْحُدُودَ الَّتِي تَكُونُ فِيمَا بَيْنَ الْجَارِّ وَالْجَارِّ كالجُدْران فِي الأَرضين.

وَالْعَضُدُ، بِالتَّحْرِيكِ: دَاءً يأْخذ الإِبل فِي أَعضادهافَتُبَطُّ، تَقُولُ مِنْهُ: عَضِدَ الْبَعِيرُ، بِالْكَسْرِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

شَكَّ الفَريصَةَ بالمِدْرى فَأَنْفَذَها، ***شَكَّ المُبَيْطِر إِذ يَشفِي مِنَ العَضَدِ

واليَعْضِيدُ: بَقْلَةٌ، وَهُوَ الطَّرْخَشْقوق، وَفِي التَّهْذِيبِ: التَّرْخَجْقوق.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْيَعْضِيدُ بَقْلَةٌ زَهْرُهَا أَشد صُفْرَةً مِنَ الوَرْس، وَقِيلَ: هِيَ مِنَ الشَّجَرِ، وَقِيلَ: هِيَ بَقْلَةٌ مِنْ بُقُولِ الرَّبِيعِ فِيهَا مَرارة.

وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الْيَعْضِيدُ بَقْلَةٌ مِنَ الأَحرار مُرَّةٌ، لَهَا زَهْرَةٌ صَفْرَاءُ تَشْتَهِيهَا الإِبل وَالْغَنَمُ وَالْخَيْلُ أَيضًا تُعْجِبُ بِهَا وتُخْصِبُ عَلَيْهَا؛ قَالَ النَّابِغَةُ وَوَصَفَ خَيْلًا:

يَتَحَلَّبُ اليَعْضِيدُ مِنْ أَشْداقِها، ***صُفْرًا مَناخِرُها مِنَ الجَرْجارِ

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


39-لسان العرب (نطق)

نطق: نَطَقَ الناطِقُ يَنْطِقُ نُطْقًا: تَكَلَّمَ.

والمَنطِق: الْكَلَامُ.

والمِنْطِيق: الْبَلِيغُ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

والنَّوْمُ ينتزِعُ العَصا مِنْ ربِّها، ***ويَلوكُ، ثِنْيَ لِسَانِهِ، المِنْطِيق

وَقَدْ أَنْطَقَه اللَّهُ واسْتَنْطقه أَي كلَّمه وناطَقَه.

وَكِتَابٌ ناطِقٌ بيِّن، عَلَى الْمَثَلِ: كأَنه يَنْطِق؛ قَالَ لَبِيدٌ:

أَوْ مُذْهَبٌ جُدَدٌ عَلَى أَلواحه، ***النَّاطِقُ المَبْرُوزُ والمَخْتومُ

وَكَلَامُ كُلِّ شَيْءٍ: مَنْطِقُه؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ}؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ المَنطِق فِي غَيْرِ الإِنسان كَقَوْلِهِ تعالى: {عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ}؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ:

لَمْ يَمْنع الشُّرْبَ مِنْهَا، غَيْرَ أَن نَطَقَتْ ***حَمَامَةٌ فِي غُصُونٍ ذاتِ أَوْقالِ

لَمَّا أَنْ أَضَافَ غَيْرًا إِلَى أَنْ بَنَاهَا مَعَهَا وَمَوْضِعُهَا الرَّفْعُ.

وَحَكَى يَعْقُوبُ: أَن أَعرابيًّا ضَرطَ فتَشَوَّر فأَشار بِإِبْهَامِهِ نَحْوَ اسْتِهِ، وَقَالَ: إِنَّهَا خَلْف نَطَقَت خَلْفًا، يَعْنِي بِالنُّطْقِ الضَّرْطَ.

وتَناطَق الرَّجُلَانِ: تَقاوَلا؛ وناطَقَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ: قاوَلَه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

كأَن صَوْتَ حَلْيِها المُناطِقِ ***تَهزُّج الرِّياح بالعَشارِقِ

أَرَادَ تَحَرَّكَ حُلِيُّهَا كَأَنَّهُ يُنَاطِقُ بَعْضُهُ بَعْضًا بِصَوْتِهِ.

وَقَوْلُهُمْ: مَا لَهُ صامِت وَلَا ناطِقٌ؛ فالناطِقُ الْحَيَوَانُ والصامِتُ مَا سِوَاهُ، وَقِيلَ: الصامِتُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْجَوْهَرُ، والناطِقُ الْحَيَوَانُ مِنَ الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ، سُمِّيَ ناطِقًا لِصَوْتِهِ.

وصوتُ كلِّ شَيْءٍ: مَنْطِقه وَنُطْقُهُ.

والمِنْطَقُ والمِنْطقةُ والنِّطاقُ: كُلُّ مَا شَدَّ بِهِ وَسَطَهُ.

غَيْرُهُ: والمِنْطَقة مَعْرُوفَةٌ اسْمٌ لَهَا خَاصَّةً، تَقُولُ مِنْهُ: نطَّقْتُ الرَّجُلَ تَنْطِيقًا فتَنَطَّق أَيْ شدَّها فِي وَسَطِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: جَبَلٌ أَشَمُّ مُنَطَّقٌ لأَن السَّحَابَ لَا يَبْلُغُ أَعلاه وَجَاءَ فُلَانٌ منُتْطِقًا فَرَسَهُ إِذَا جَنَبَهُ وَلَمْ يَرْكَبْهُ، قَالَ خِدَاشُ بْنُ زُهَيْرٍ:

وأَبرَحُ مَا أَدامَ اللَّهُ قَوْمي، ***عَلَى الأَعداء، مُنْتَطِقًا مُجِيدا

يَقُولُ: لَا أَزال أَجْنُب فَرَسِي جَوَادًا، وَيُقَالُ: إِنَّهُ "أَراد قَوْلًا يُسْتجاد فِي الثَّنَاءِ عَلَى قَوْمِي، وأَراد لَا أَبرح، فَحَذَفَ لَا، وَفِي شِعْرِهِ رَهْطي بَدَلَ قَوْمِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ مُنْتَطِقًا بالإِفراد، وَقَدِ انْتَطق بالنِّطاق والمِنْطَقة وتَنَطَّق وتَمَنْطَقَ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

والنِّطاق: شِبْهُ إزارٍ فِيهِ تِكَّةٌ كَانَتِ المرأَة تَنتَطِق بِهِ.

وَفِي حَدِيثِ أُم إسمعيل: «أَوَّلُ مَا اتَّخَذَ النساءُ المِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُم إسمعيل اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا»؛ هُوَ النِّطاق وَجَمْعُهُ مَنَاطِقُ، وَهُوَ أَن تَلْبَسَ الْمَرْأَةُ ثَوْبَهَا، ثُمَّ تَشُدَّ وَسَطَهَا بِشَيْءٍ وَتَرْفَعَ وَسَطَ ثَوْبِهَا وَتُرْسِلَهُ عَلَى الأَسفل عِنْدَ مُعاناةِ الأَشغال، لِئَلَّا تَعْثُر فِي ذَيْلها، وَفِي الْمُحْكَمِ: النِّطاق شقَّة أَوْ ثَوْبٌ تَلْبَسُهُ المرأَة ثُمَّ تَشُدُّ وَسَطَهَا بِحَبْلٍ، ثُمَّ تُرْسِلُ الأَعلى عَلَى الأَسفل إِلَى الرُّكْبَةِ، فالأَسفل يَنْجَرّ عَلَى الأَرض، وَلَيْسَ لَهَا حُجْزَة وَلَا نَيْفَق وَلَا ساقانِ، وَالْجَمْعُ نُطُق.

وَقَدِ انْتَطَقت وتَنَطَّقت إِذَا شَدَّتْ نِطاقها عَلَى وَسَطِهَا؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

تَغْتال عُرْضَ النُّقْبَةِ المُذالَهْ، ***وَلَمْ تَنَطَّقْها عَلَى غِلالَهْ

وانْتَطق الرَّجُلُ أَي لَبِسَ المِنْطَق وَهُوَ كُلُّ مَا شَدَدْتَ بِهِ وَسَطَكَ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ فِي نِسَاءِ الأَنصار: فعَمَدْن إِلَى حُجَزِ أَوْ حُجوز مناطِقهنّ فَشَقَقْنَها وسَوَّيْنَ مِنْهَا خُمُرًا واخْتَمَرْنَ بِهَا حِينَ أَنزل اللَّهُ تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ}؛ المَناطِق وَاحِدُهَا مِنْطق، وَهُوَ النِّطاق.

يُقَالُ: مِنْطَق ونِطاق بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كَمَا يُقَالُ مِئْزر وَإِزَارٍ ومِلحف ولِحاف ومِسْرَد وسِراد، " وَكَانَ يُقَالُ لأَسماء بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ذَاتُ النطاقَيْنِ لأَنها كَانَتْ تُطارِق نِطاقًا عَلَى نِطاق، وَقِيلَ: إِنَّهُ كان لها نِطاقان تَلْبَسُ أَحَدَهُمَا وَتَحْمِلُ فِي الْآخَرِ الزَّادَ إِلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُمَا فِي الْغَارِ "؛ قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا شقَّت نِطاقها نِصْفَيْنِ فَاسْتَعْمَلَتْ أَحدهما وَجَعَلَتِ الْآخَرَ شِدَادًا لِزَادِهِمَا.

وَرُوِيَ عَنْ" عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ مهاجرَيْنِ صَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرة فِي جِراب فَقَطَعَتْ أَسماء بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، مَنْ نِطاقها وأَوْكَت به الجراب، فلذلك كانت تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، وَاسْتَعَارَهُ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَقَالَ: مَنْ يَطُلْ أَيْرُ أَبيه يَنْتَطِقْ بِهِ "أَي مَنْ كَثُرَ بَنُو أَبيه يَتَقَوَّى بِهِمْ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

فَلَوْ شَاءَ رَبِّي كَانَ أَيْرُ أَبِيكمُ ***طويلًا، كأَيْرِ الحَرثِ بْنِ سَدُوسِ

وَقَالَ شِمْرٌ فِي قَوْلِ جَرِيرٍ:

والتَّغْلَبيون، بِئْسَ الفَحْلُ فَحْلُهُمُ ***قِدْمًا وأُمُّهُمُ زَلَّاءُ مِنْطِيقُ

تَحْتَ المَناطق أَشباه مصلَّبة، ***مِثْلَ الدُّوِيِّ بِهَا الأَقلامُ واللِّيقُ

قَالَ شَمِرٌ: مِنْطيق تأْتزر بحَشِيَّة تعظِّم بِهَا عَجِيزَتَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النِّطاق والإِزار الَّذِي يُثَنَّى؛ والمِنْطَقُ: مَا جُعِلَ فِيهِ مِنَ خَيْطٍ أَو غَيْرِهِ؛ وأَنشد:

تَنْبُو المَناطقُ عَنْ جُنُوبهِمُ، ***وأَسِنَّةُ الخَطِّيِّ مَا تَنْبُو

وَصَفَ قَوْمًا بِعِظَمِ الْبُطُونِ والجُنوب وَالرَّخَاوَةِ.

وَيُقَالُ: تَنَطَّقَ بالمِنْطقة وانْتَطق بِهَا؛ وَمِنْهُ بَيْتَ خِداش بْنِ زُهَيْرٍ: " عَلَى الأَعداء مُنْتطقًا مُجِيدا وَقَدْ ذُكِرَ آنِفًا.

والمُنَطَّقةُ مِنَ الْمَعِزِ: البيضاءُ موضِع النِّطاق.

ونَطَّق الماءُ الأَكَمَةَ وَالشَّجَرَةَ: نَصَفَها، وَاسْمُ ذَلِكَ الْمَاءِ النِّطاق عَلَى التَّشْبِيهِ بالنِّطاق الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ، وَاسْتَعَارَهُ عَلِيٌّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، للإِسلام، وَذَلِكَ أَنه قِيلَ لَهُ: لِمَ لَا تَخْضِبُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَضَب؟ فَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ والإِسلامُ قُلٌّ، فأَما الْآنَ فَقَدِ اتَّسَعَ نِطاقُ الإِسلام فامْرَأً وَمَا اخْتَارَ.

التَّهْذِيبُ: إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ النِّصْف مِنَ الشَّجَرَةِ والأَكَمَة يُقَالُ قَدْ نَطَّقَها؛ وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ يَمْدَحُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«حَتَّى احْتَوى بَيْتُكَ المُهَيْمِنُ مِنْ ***خِنْدِفَ عَلْياءَ، تَحْتَهَا النُّطُقُ»

النُّطُق: جَمْعُ نِطاقٍ وَهِيَ أَعراضٌ مِنْ جِبال بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ أَي نواحٍ وأَوساط مِنْهَا شُبِّهَتْ بالنُّطُق الَّتِي يُشَدُّ بِهَا أَوْسَاطُ النَّاسِ، ضَرَبَهُ مَثَلًا لَهُ فِي ارْتِفَاعِهِ وَتَوَسُّطِهِ فِي عَشِيرَتِهِ، وَجَعَلَهُمْ تَحْتَهُ بِمَنْزِلَةِ أَوْسَاطِ الْجِبَالِ، وأَراد بِبَيْتِهِ شَرَفَهُ، والمُهَيْمِنُ نَعْتُهُ أَي حَتَّى احْتَوَى شَرَفُكَ الشَّاهِدُ عَلَى فَضْلِكَ أَعْلَى مَكَانٍ مِنْ نسبِ خِنْدِفَ.

وَذَاتُ النِّطاقِ أَيضًا: اسْمُ أَكَمةٍ لَهُمْ.

ابْنُ سيدة: ونُطُق الماء طرائقه، أَراه عَلَى التَّشْبِيهِ بِذَلِكَ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

يُحِيلُ فِي جَدْوَل تَحْبُو ضفادعُهُ، ***حَبْوَ الجَواري تَرى فِي مَائِهِ نُطُقا

والنَّاطِقةُ: الخاصرة.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


40-القانون (أفخاخ آدميين)

أفخاخ آدميين: أفخاخ أو شراك تنصب للإمساك بالأفراد المعتدين على الأملاك، ولا يعتبر استعمالها مشروعًا إلا إذا روعيت فيه أوضاع معينة.

المعجم القانوني (الفاروقي)


41-القانون (قوانين أحوال شخصية)

قوانين أحوال شخصية: تشريعات برلمانية تتعلق بالأفراد وتقرر مدى أهليتهم ولا تتناول الأموال أو الأشياء إلا عرضًا.

قوانين خاصة تتعلق بأشخاص معينين أو جماعات معينة دون غيرها.

المعجم القانوني (الفاروقي)


42-القانون (قانون أساسي)

قانون أساسي: دستور الدولة أو الأمة المدون written أو غير المدون unwritten وهو القوانين والمبادئ التي تقرر نظام الحكم ومرافقته، وتحدد علاقات الحكام بالأفراد وحقوق الطرفين وواجباتهم.

(راجع constitution).

المعجم القانوني (الفاروقي)


43-التجارة (تدريب)

تدريب: جميع الأنشطة التي يحتاج إليها إمداد الهيئة - في الوقت المناسب و المكان المناسب - بالأفراد المدربين القادرين على تنفيذ العمل المكلفين به، أي لديهم المهارات و المعرفة اللازمة لأداء العمل.


44-التجارة (تدريب على الاتصالات)

تدريب على الاتصالات: يقصد به جميع الأنشطة المطلوبة لتزويد المؤسسة بالافراد القادرين على أداء المهام المنوطة بهم (بعد تزويدهم بالمعلومات و المهارات المطلوبة) في الوقت المناسب والمكان المناسب.


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com