نتائج البحث عن (طَهَّرَنِي)

1-موسوعة الفقه الكويتية (حامل)

حَامِلٌ

التَّعْرِيف:

1- الْحَامِلُ فِي اللُّغَةِ الْحُبْلَى وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ حَمَلَ الشَّيْءَ حَمْلًا، وَالْحَمْلُ أَيْضًا مَا يُحْمَلُ فِي الْبَطْنِ مِنَ الْوَلَدِ وَجَمْعُهُ أَحْمَالٌ وَحِمَالٌ، يُقَالُ: حَمِلَتِ الْمَرْأَةُ الْوَلَدَ وَحَمَلَتْ بِهِ عَلِقَتْ فَهِيَ حَامِلٌ بِغَيْرِ هَاءٍ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْإِنَاثِ، وَرُبَّمَا قِيلَ: حَامِلَةٌ.وَتُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ أُنْثَى مِنَ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ.يُقَالُ: حَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، وَكُلُّ بَهِيمَةٍ تَلِدُ حَبَلًا إِذَا حَمِلَتْ بِالْوَلَدِ، فَهِيَ حُبْلَى.وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْحَبَلُ مُخْتَصٌّ بِالْآدَمِيَّاتِ، وَأَمَّا الْحَمْلُ فَيَشْمَلُ الْآدَمِيَّاتِ وَالْبَهَائِمَ وَالشَّجَرَ، وَيُقَالُ فِيهَا: (حَمْلٌ) بِالْمِيمِ.

أَمَّا حَمْلُ الْمَتَاعِ فَيُقَالُ فِيهِ: حَامِلٌ لِلذَّكَرِ، وَحَامِلَةٌ بِالْهَاءِ لِلْأُنْثَى؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ مُشْتَرَكَةٌ، وَالْحِمْلُ: مَا يُحْمَلُ عَلَى الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ.

وَتُنْظَرُ أَحْكَامُ حَمْلِ الْمَتَاعِ فِي مُصْطَلَحِ: (حَمْلٌ) (وَإِجَارَةٌ).

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْحَائِل:

2- الْحَائِلُ هِيَ الْأُنْثَى الَّتِي لَمْ تَحْمِلْ فَهِيَ مُقَابِلُ الْحَامِلِ.

أَحْكَامُ الْحَامِلِ:

أَوَّلًا: بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ:

دَمُ الْحَامِلِ:

3- الْغَالِبُ عَدَمُ نُزُولِ الدَّمِ مِنَ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ فَمَ الرَّحِمِ يَنْسَدُّ بِالْحَبَلِ عَادَةً، وَلَا يَنْفَتِحُ إِلاَّ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ حَيْثُ يَنْدَفِعُ النِّفَاسُ.فَإِذَا رَأَتِ الْحَامِلُ دَمًا حَالَ الْحَمْلِ وَقَبْلَ الْمَخَاضِ يَكُونُ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ اعْتَبَرُوا الدَّمَ النَّازِلَ مِنَ الْحَامِلِ قَبْلَ وِلَادَتِهَا بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ نِفَاسًا.

وَالِاسْتِحَاضَةُ لَا تُسْقِطُ الصَّلَاةَ، وَلَا تُحَرِّمُ الصَّوْمَ اتِّفَاقًا، وَلَا الْجِمَاعَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، بِخِلَافِ النِّفَاسِ الَّذِي يُسْقِطُ الصَّلَاةَ وَيُحَرِّمُ الصَّوْمَ وَالْوَطْءَ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ إِلَى أَنَّ الدَّمَ النَّازِلَ مِنَ الْحَامِلِ يُعْتَبَرُ حَيْضًا يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَالْوَطْءَ، لَكِنَّهُ لَا يُحْسَبُ مِنْ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ.

أَمَّا الدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ بَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَفِيهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ رَأْيَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ دَمُ نِفَاسٍ يَمْنَعُ الصَّوْمَ، وَالصَّلَاةَ، وَالْوَطْءَ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ خَارِجٌ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ.وَهَذَا رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.الثَّانِي: أَنَّهُ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ لَا يَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ يَتَعَلَّقُ بِوَضْعِ مَا فِي الْبَطْنِ وَهِيَ لَا تَزَالُ حُبْلَى، وَهَذَا رَأْيُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ يَكُونُ بِوِلَادَةِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ وَلَمْ يَحْصُلْ بِوِلَادَةِ الْأَوَّلِ.وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِحَاضَةٌ ف 22- 25) وَتَوْأَمٌ (ج 14 103) وَانْظُرْ أَيْضًا مُصْطَلَحَ: (حَيْضٌ، نِفَاسٌ).

إِفْطَارُ الْحَامِلِ فِي رَمَضَانَ:

4- يَجُوزُ لِلْحَامِلِ أَنْ تُفْطِرَ إِنْ خَافَتْ ضَرَرًا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ عَلَى نَفْسِهَا وَوَلَدِهَا، وَيَجِبُ ذَلِكَ إِذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى، وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.وَاتَّفَقُوا كَذَلِكَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ إِذَا أَفْطَرَتِ الْحَامِلُ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ.

وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْفِدْيَةُ كَذَلِكَ إِذَا أَفْطَرَتْ خَوْفًا عَلَى وَلَدِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ مُتَّصِلٌ بِالْحَامِلِ، فَالْخَوْفُ عَلَيْهِ كَالْخَوْفِ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهَا، وَلِأَنَّ الْفِدْيَةَ ثَبَتَتْ عَلَى الشَّيْخِ الْفَانِي بِخِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِدْيَةِ، وَالْفِطْرُ بِسَبَبِ الْخَوْفِ عَلَى الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ عِنْدَهُمْ: إِذَا أَفْطَرَتِ الْحَامِلُ خَوْفًا عَلَى وَلَدِهَا فَعَلَيْهَا مَعَ الْقَضَاءِ الْفِدْيَةُ (طَعَامُ مِسْكِينٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ)؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنه- فِي قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} أَنَّهُ نُسِخَ حُكْمُهُ إِلاَّ فِي حَقِّ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا.

نِكَاحُ الْحَامِلِ:

5- الْحَامِلُ مِنْ غَيْرِ الزِّنَى، أَيْ مَنْ كَانَ حَمْلُهَا ثَابِتَ النَّسَبِ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا لِغَيْرِ مَنْ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ إِذَا كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنَ الْغَيْرِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَمْ فَاسِدٍ أَمْ وَطْءِ شُبْهَةٍ لَزِمَ حِفْظُ حُرْمَةِ مَائِهِ بِالْمَنْعِ مِنَ النِّكَاحِ، وَلِأَنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ لَا تَنْتَهِي إِلاَّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ لقوله تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} أَيْ مَا كُتِبَ عَلَيْهَا مِنَ التَّرَبُّصِ.

وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحَامِلِ الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ بَيْنُونَةً صُغْرَى لِمَنْ لَهُ الْحَمْلُ أَيِ الزَّوْجِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الزَّوْجِ فَلَا يُمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّهِ.

أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا (الْبَائِنُ بَيْنُونَةً كُبْرَى) فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا إِلاَّ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ اتِّفَاقًا.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ نِكَاحِ الْحَامِلِ مِنْ زِنًى: فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ، لَا مِنَ الزَّانِي نَفْسِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ؛ وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ».

وَلِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ «رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمَّا أَصَابَهَا وَجَدَهَا حُبْلَى فَرَفَعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا».

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُ الْحَامِلِ مِنَ الزِّنَى؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ نِكَاحِ الْحَامِلِ حَمْلًا ثَابِتَ النَّسَبِ لِحُرْمَةِ مَاءِ الْوَطْءِ، وَلَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ».وَلَا تُشْتَرَطُ التَّوْبَةُ لِصِحَّةِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ رَجُلًا وَامْرَأَةً فِي الزِّنَى وَحَرَصَ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا.

وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ التَّوْبَةَ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْحَامِلِ مِنَ الزِّنَى لقوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ}...إِلَى قَوْلِهِ: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} وَهِيَ قَبْلَ التَّوْبَةِ فِي حُكْمِ الزِّنَى، فَإِذَا تَابَتْ زَالَ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ».

وَمَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ نِكَاحِ الْحَامِلِ مِنَ الزِّنَى فَلَا فَرْقَ فِي حِلِّ نِكَاحِهَا لِلزَّانِي وَغَيْرِهِ.

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ مَنْ زَنَى بِهَا لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَضَعَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (عِدَّةٌ، نِكَاحٌ، زِنًى).

وَإِذَا تَزَوَّجَهَا مَنْ لَهُ الْحَمْلُ جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُونَ نِكَاحَهَا.

طَلَاقُ الْحَامِلِ:

6- يَصِحُّ طَلَاقُ الْحَامِلِ رَجْعِيًّا وَبَائِنًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.وَيُعْتَبَرُ طَلَاقُهَا طَلَاقَ السُّنَّةِ إِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً عَنْ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، أَوْ ثَلَاثًا يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَانْظُرْ (طَلَاقٌ).

فَإِذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا صَحَّ رُجُوعُ الزَّوْجِ إِلَيْهَا أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ.وَيَصِحُّ لَهُ نِكَاحُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ إِذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا بِطَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا حَيْثُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا مُطْلَقًا إِلاَّ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ، وَلَا تَحِلُّ لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.

وَإِذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِحَمْلٍ كَأَنْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِلاَّ فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَعَ مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ؛ لِثُبُوتِ الْحَمْلِ؛ إِذْ أَقَلُّ مُدَّتِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ.

أَمَّا إِذَا وَلَدَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي بَحْثِ: (طَلَاقٌ).

عِدَّةُ الْحَامِلِ:

7- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ وَضْعُ الْحَمْلِ؛ لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الْعِدَّةِ تَعَرُّفُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِوَضْعِ الْحَمْلِ.وَفِي بَعْضِ صُوَرِ الْعِدَّةِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (عِدَّةٌ).

نَفَقَةُ الْحَامِلِ:

8- تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْحَامِلِ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.

9- وَفِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلْحَامِلِ النَّاشِزِ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ:

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْحَامِلِ النَّاشِزِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حَيْثُ لَمْ تَحْمِلْ خَاصَّةٌ لَهَا فَتَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ، وَمَعَ حَمْلِهَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لَهَا وَلِلْحَمْلِ.وَعَدَمُ سُقُوطِ النَّفَقَةِ بِنُشُوزِ الْحَامِلِ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ نَفْسِهِ، وَالْحَامِلُ طَرِيقُ وُصُولِ النَّفَقَةِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِغِذَاءِ أُمِّهِ.

وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ نَفَقَةَ الْحَامِلِ تَسْقُطُ بِنُشُوزِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا لَا لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لَهُ لَتَقَدَّرَتْ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ لَمَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَإِذَا كَانَ أَصْلُ النَّفَقَةِ لَهَا لَا لِلْحَمْلِ فَتَسْقُطُ بِنُشُوزِهَا.

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَنَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ حُكْمَ الْحَامِلِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ فَعَلَى الزَّوْجِ أَوِ الْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُهُ فَلَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ، كَمَا بَعْدَ الْوَضْعِ، وَإِنْ قِيلَ لِلْحَامِلِ: لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ وَلَا عَلَى الزَّوْجِ مُدَّةَ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ.

10- أَمَّا الْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِمَوْتِ الزَّوْجِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ) لِحَدِيثِ: «لَيْسَ لِلْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَفَقَةٌ»، وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ إِنْ كَانَ لَهُ مِيرَاثٌ انْتَقَلَ إِلَى الْوَرَثَةِ، فَنَفَقَةُ الْحَمْلِ نَصِيبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِيرَاثٌ لَمْ يَلْزَمْ وَارِثَ الْمَيِّتِ الْإِنْفَاقُ عَلَى حَمْلِ امْرَأَتِهِ كَمَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ.

وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ: لَهَا النَّفَقَةُ فِي جَمِيعِ الْمَالِ.

11- أَمَّا الْحَامِلُ مِنَ الزِّنَى فَعِنْدَ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ نِكَاحِهَا إِنْ تَزَوَّجَهَا الزَّانِي يَحِلُّ وَطْؤُهَا وَلَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا اتِّفَاقًا، وَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَإِنْ وَجَبَتْ مَعَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ لَكِنْ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنَ الدُّخُولِ مِنْ جِهَتِهَا، وَهُنَا يُوجَدُ مَانِعٌ.

خُرُوجُ جَمِيعِ الْحَمْلِ:

12- الْوَضْعُ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ انْفِصَالُ جَمِيعِ الْحَمْلِ، حَتَّى إِذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ، فَتَصِحُّ مُرَاجَعَتُهَا وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ).وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهَا تَحِلُّ بِوَضْعِ ثُلُثَيِ الْحَمْلِ بِنَاءً عَلَى تَبَعِيَّةِ الْأَقَلِّ لِلْأَكْثَرِ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ يَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ...وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْكُلِّ فِي حَقِّ انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ احْتِيَاطًا، وَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي حَقِّ حِلِّهَا لِلْأَزْوَاجِ احْتِيَاطًا.

13- وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ إِذَا كَانَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا إِلاَّ بِوَضْعِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ، وَالْعِدَّةُ شُرِعَتْ لِمَعْرِفَةِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْحَمْلِ، فَإِذَا عُلِمَ وُجُودُ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ فَقَدْ تَيَقَّنَ وُجُودُ الْمُوجِبِ لِلْعِدَّةِ، وَانْتَفَتِ الْبَرَاءَةُ الْمُوجِبَةُ لِانْقِضَائِهَا.وَهَذَا إِذَا كَانَ بَيْنَ وَضْعِ الْحَمْلِ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَمَّا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (عِدَّةٌ).

14- وَالْمُرَادُ بِالْحَمْلِ الَّذِي تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِهِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ وَلَوْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ مُضْغَةً تُصُوِّرَتْ، وَلَوْ صُورَةً خَفِيَّةً تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الثِّقَاتِ مِنَ الْقَوَابِلِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ).وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مُضْغَةً لَمْ تُتَصَوَّرْ لَكِنْ شَهِدَ الثِّقَاتُ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهَا مَبْدَأُ خِلْقَةِ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَتْ لَتُصُوِّرَتْ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِحُصُولِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِهِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِنُطْفَةٍ مُتَغَيِّرَةٍ، فَإِذَا كَانَ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً لَمْ تَتَغَيَّرْ وَلَمْ تُتَصَوَّرْ فَلَا يُعْرَفُ كَوْنُهَا مُتَغَيِّرَةً إِلاَّ بِاسْتِبَانَةِ بَعْضِ الْخَلْقِ.

أَمَّا إِذَا أَلْقَتْ نُطْفَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ دَمًا أَوْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَا صُورَةَ فِيهَا فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِهِ عِنْدَهُمْ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَانَ دَمًا اجْتَمَعَ بِحَيْثُ إِذَا صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْحَارُّ لَمْ يَذُبْ يُعْتَبَرُ حَمْلًا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِهِ.

وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحِ: (عِدَّةٌ).

تَصَرُّفَاتُ الْحَامِلِ:

15- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّ الْحَامِلَ لَهَا أَهْلِيَّةٌ تَامَّةٌ وَلَا تُحَدُّ تَصَرُّفَاتُهَا بِسَبَبِ الْحَمْلِ، وَلَا تُعْتَبَرُ مَرِيضَةً مَرَضَ الْمَوْتِ إِلاَّ إِذَا جَاءَهَا الطَّلْقُ؛ لِأَنَّهُ أَلَمٌ شَدِيدٌ يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ، فَأَشْبَهَتْ صَاحِبَ سَائِرِ الْأَمْرَاضِ الْمَخُوفَةِ.وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا أَلَمَ بِهَا، وَاحْتِمَالُ وُجُودِهِ خِلَافُ الْعَادَةِ، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِاحْتِمَالِهِ الْبَعِيدِ، كَمَا لَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ الْإِسْقَاطِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِلَى أَنَّ الْحَامِلَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تُعْتَبَرُ مَرِيضَةً مَرَضَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا تَتَوَقَّعُ الْوِلَادَةَ كُلَّ سَاعَةٍ.

وَيَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ لِلْحَجْرِ عَلَى الْحَامِلِ أَنْ تَكُونَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ بِيَوْمٍ كَامِلٍ عَلَى الْأَقَلِّ، فَلَوْ تَبَرَّعَتْ بَعْدَ السِّتَّةِ وَقَبْلَ تَمَامِ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ فِي السَّابِعِ بِأَنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ كَانَ تَبَرُّعُهَا مَاضِيًا.وَحَيْثُ اعْتُبِرَتِ الْحَامِلُ مَرِيضَةً مَرَضَ الْمَوْتِ، يَنْفُذُ تَبَرُّعُهَا بِمَا لَا يَزِيدُ عَنِ الثُّلُثِ، كَالْوَصِيَّةِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ مَرَضِ الْمَوْتِ.

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي بَحْثِ: (مَرَضُ الْمَوْتِ).

اسْتِيفَاءُ الْحُدُودِ مِنَ الْحَامِلِ:

16- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى حَامِلٍ حَتَّى تَضَعَ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًى أَمْ غَيْرِهِ، فَلَا تُقْتَلُ إِذَا ارْتَدَّتْ، وَلَا تُرْجَمُ إِذَا زَنَتْ، وَلَا تُقْطَعُ إِذَا سَرَقَتْ، وَلَا تُجْلَدُ إِذَا قَذَفَتْ أَوْ شَرِبَتْ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي غَامِدٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي، قَالَ وَمَا ذَاكِ؟ قَالَتْ: إِنَّهَا حُبْلَى مِنْ زِنًى.قَالَ: أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا: ارْجِعِي حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِذًا لَا نَرْجُمُهَا، وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ تُرْضِعُهُ.فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: إِلَيَّ إِرْضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: فَرَجَمَهَا».

وَلِأَنَّ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا إِتْلَافًا لِمَعْصُومٍ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْحَدُّ رَجْمًا أَمْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَلَفُ الْوَلَدِ مِنْ سِرَايَةِ الضَّرْبِ وَالْقَطْعِ، وَرُبَّمَا سَرَى إِلَى نَفْسِ الْمَضْرُوبِ وَالْمَقْطُوعِ، فَيَفُوتُ الْوَلَدُ بِفَوَاتِهِ.

فَإِذَا وَضَعَتِ الْوَلَدَ، فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا لَا يُؤَخَّرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ يَتَكَفَّلُ بِرَضَاعِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَا تُحَدُّ حَتَّى تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ، وَهُوَ اللَّبَنُ أَوَّلَ النِّتَاجِ لِاحْتِيَاجِ الْوَلَدِ إِلَيْهِ غَالِبًا.أَمَّا إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ يَتَكَفَّلُ بِرَضَاعِهِ تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا، فَإِذَا وَضَعَتِ الْوَلَدَ وَانْقَطَعَ النِّفَاسُ وَكَانَتْ قَوِيَّةً يُؤْمَنُ تَلَفُهَا أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَتْ فِي نِفَاسِهَا أَوْ ضَعِيفَةً يُخَافُ عَلَيْهَا التَّلَفُ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهَا الْحَدُّ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَقْوَى، فَيُسْتَوْفَى الْحَدُّ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ فَوَاتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ)؛ لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ: «أَنَّ الْمَرْأَةَ انْطَلَقَتْ فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَجَاءَتْ بِهِ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لَهَا: انْطَلِقِي فَتَطَهَّرِي مِنَ الدَّمِ».

وَالتَّعْزِيرُ بِالْجَلْدِ وَنَحْوِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَدِّ جَلْدًا مِنْ حَيْثُ التَّأْخِيرُ وَعَدَمُهُ.

وَيُعْتَبَرُ قَوْلُهَا إِنِ ادَّعَتِ الْحَمْلَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِقَبُولِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَوْلَ الْغَامِدِيَّةِ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا، بَلْ بِظُهُورِ أَمَارَاتِ الْحَمْلِ.وَمِثْلُ الْحُدُودِ حُكْمُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ. (ر: حَدٌّ، قِصَاصٌ).

الِاعْتِدَاءُ عَلَى الْحَامِلِ:

17- الِاعْتِدَاءُ عَلَى الْحَامِلِ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ جَرِيمَةٌ كَالِاعْتِدَاءِ عَلَى أَيِّ إِنْسَانٍ يُنْظَرُ حُكْمُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (جِنَايَةٌ) فَإِذَا تَسَبَّبَ الِاعْتِدَاءُ فِي سُقُوطِ الْجَنِينِ مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ اتِّفَاقًا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةِ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ.ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ.فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا».

وَتَجِبُ الْغُرَّةُ أَيْضًا إِذَا أَسْقَطَتْهُ الْحَامِلُ بِدَوَاءٍ أَوْ فِعْلٍ كَضَرْبِ بَطْنِهَا مَثَلًا.وَالْغُرَّةُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ قِيمَتُهَا نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ أُمِّ الْجَنِينِ، تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ وَمَنْ مَعَهُمْ إِذَا كَانَ الِاعْتِدَاءُ عَمْدًا حَيْثُ يَقُولُونَ بِوُجُوبِهَا فِي مَالِ الْجَانِي. (ر غُرَّةٌ).

18- وَإِذَا أَلْقَتْ بِهِ حَيًّا حَيَاةً مُحَقَّقَةً بِأَنِ اسْتَهَلَّ صَارِخًا مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ بِسَبَبِ الِاعْتِدَاءِ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ وَكَفَّارَةٌ اتِّفَاقًا، إِذَا كَانَ الِاعْتِدَاءُ خَطَأً، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ عَمْدًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ).

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ إِذَا كَانَ عَمْدًا.وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (إِجْهَاضٌ، جَنِينٌ، غُرَّةٌ).

مَوْتُ الْحَامِلِ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَيٌّ:

19- صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ- وَهُوَ قَوْلُ سُحْنُونٍ وَابْنِ يُونُسَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ- بِأَنَّ الْحَامِلَ إِذَا مَاتَتْ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَيٌّ شُقَّ بَطْنُهَا وَيُخْرَجُ وَلَدُهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتِبْقَاءُ حَيٍّ بِإِتْلَافِ جُزْءٍ مِنَ الْمَيِّتِ، فَأَشْبَهَ مَا إِذَا اضْطُرَّ إِلَى أَكْلِ جُزْءٍ مِنَ الْمَيِّتِ، وَإِحْيَاءُ نَفْسٍ أَوْلَى مِنْ صِيَانَةِ مَيِّتٍ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ شَقُّ بَطْنِ الْمَيِّتِ لِإِخْرَاجِ مَالِ الْغَيْرِ مِنْهُ، فَلِإِبْقَاءِ الْحَيِّ أَوْلَى.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُبْقَرُ بَطْنُ حَامِلٍ عَنْ جَنِينٍ، وَلَوْ رُجِيَ خُرُوجُهُ حَيًّا؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ لَا يَعِيشُ عَادَةً وَلَا يَتَحَقَّقُ أَنْ يَحْيَا، فَلَا يَجُوزُ هَتْكُ حُرْمَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ».

وَفَصَّلَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ: إِنْ رُجِيَ حَيَاةُ الْجَنِينِ وَجَبَ شَقُّ بَطْنِهَا وَإِخْرَاجُهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ، فَإِنْ لَمْ تُرْجَ حَيَاتُهُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا لَا تُشَقُّ لَكِنَّهَا لَا تُدْفَنُ حَتَّى يَمُوتَ الْجَنِينُ.

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ قُدِرَ عَلَى إِخْرَاجِهِ بِحِيلَةٍ غَيْرِ شَقِّ الْبَطْنِ، كَأَنْ يَسْطُوَ عَلَيْهِ الْقَوَابِلُ فَيُخْرِجْنَهُ فُعِلَ.أَمَّا إِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا وَهِيَ حَيَّةٌ جَازَ قَطْعُ الْجَنِينِ لِإِنْقَاذِ حَيَاةِ الْأُمِّ بِلَا خِلَافٍ. (ر.إِجْهَاضٌ).

غُسْلُ وَتَكْفِينُ الْحَامِلِ:

20- إِنْ مَاتَتِ امْرَأَةٌ كَافِرَةٌ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ مُسْلِمٍ فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِجَوَازِ أَنْ يُغَسِّلَهَا وَيُكَفِّنَهَا الْمُسْلِمُ، وَالْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي جَوَازِ الْغُسْلِ شَامِلٌ لِسَائِرِ الْكُفَّارِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ تَغْسِيلُ وَتَكْفِينُ الْكَافِرِ وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ تَعْظِيمٌ لِلْمَيِّتِ وَتَطْهِيرٌ لَهُ، وَالْكَافِرُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَلَمْ يُعْثَرْ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْحَامِلِ إِذَا مَاتَتْ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ مِنْ مُسْلِمٍ.

وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمُ الْجَوَازِ مُطْلَقًا؛ حَيْثُ قَالُوا: بِعَدَمِ حُرْمَةِ جَنِينِ الْحَامِلِ حَتَّى يُولَدَ صَارِخًا.هَذَا، وَلَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَلَا الدُّعَاءُ لَهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

دَفْنُ الْحَامِلِ:

21- إِذَا مَاتَتِ الْحَامِلُ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَيٌّ يُؤَجَّلُ دَفْنُهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ وَلَدُهَا بِشَقِّ الْبَطْنِ أَوْ بِحِيلَةٍ إِنْ رُجِيَ خُرُوجُهُ حَيًّا أَوْ يُتَيَقَّنُ مَوْتُهُ، عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ.

وَصَرَّحَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِتَأْخِيرِ دَفْنِهَا وَلَوْ تَغَيَّرَتْ لِئَلاَّ يُدْفَنَ الْحَمْلُ حَيًّا.

وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَيِّتَ يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا، وَفِي مَقَابِرِ الْكُفَّارِ إِذَا كَانَ كَافِرًا، وَلِهَذَا صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ- وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- بِأَنَّ الْحَامِلَ الْكَافِرَةَ تُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ وَلَوْ كَانَ فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ مِنْ مُسْلِمٍ بِشُبْهَةٍ، أَوْ نِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ، أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَسْلَمَ زَوْجُهَا؛ وَذَلِكَ لِعَدَمِ حُرْمَةِ جَنِينِهَا حَتَّى يُولَدَ صَارِخًا.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلُ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ: تُدْفَنُ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ لَا تُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَتَأَذَّوْا بِعَذَابِهَا، وَلَا فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا مُسْلِمٌ فَيَتَأَذَّى بِعَذَابِهِمْ.

وَنُقِلَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلٌ بِدَفْنِهَا فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْوَلَدِ.

وَيُجْعَلُ ظَهْرُهَا إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَانِبِهَا الْأَيْسَرِ لِيَكُونَ وَجْهُ الْجَنِينِ إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، قَالُوا: لِأَنَّ وَجْهَ الْجَنِينِ إِلَى ظَهْرِهَا.

ثَانِيًا: حَمْلُ الْحَيَوَانِ:

الْحَامِلُ مِنَ الْحَيَوَانِ لَهَا بَعْضُ الْأَحْكَامِ ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ فِي مَبَاحِثِ التَّذْكِيَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْأُضْحِيَّةِ وَالْبَيْعِ.وَفِيمَا يَلِي مُجْمَلُهَا.

أ- فِي التَّذْكِيَةِ:

22- إِذَا ذُبِحَ الْحَيَوَانُ وَوُجِدَ فِي بَطْنِهِ جَنِينٌ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ كَامِلِ الْخِلْقَةِ فَلَا يَحِلُّ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ مَيِّتًا وَيُعْلَمُ أَنَّ مَوْتَهُ كَانَ قَبْلَ تَذْكِيَةِ أُمِّهِ بِلَا خِلَافٍ.

وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً لَا يَحِلُّ إِلاَّ بِالتَّذْكِيَةِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذَكَاتِهَا.

أَمَّا إِنْ خَرَجَ بَعْدَ تَذْكِيَةِ الْحَامِلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلَمَ مَوْتُهُ قَبْلَ التَّذْكِيَةِ، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ تَذْكِيَةِ أُمِّهِ فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ) عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ».وَلِأَنَّ الْجَنِينَ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ خِلْقَةٍ يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا، وَيُبَاعُ بِبَيْعِهَا، فَتَكُونُ ذَكَاتُهُ بِذَكَاتِهَا كَأَعْضَائِهَا.وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحِلُّ حَتَّى يَخْرُجَ حَيًّا فَيُذَكَّى؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَنْفَرِدُ بِحَيَاتِهِ، فَلَا يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ غَيْرِهِ كَمَا بَعْدَ الْوَضْعِ.

وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (أَطْعِمَةٌ، وَتَذْكِيَةٌ).

ب- فِي الزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ:

23- لَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ الْحَامِلَ فِي زَكَاةِ الْحَيَوَانِ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ- رضي الله عنه-: لَا تُؤْخَذُ الرُّبَّى وَلَا الْمَاخِضُ وَلَا الْأَكُولَةُ وَالْمَاخِضُ هِيَ الْحَامِلُ.وَإِنْ تَطَوَّعَ رَبُّ الْمَالِ بِإِخْرَاجِهَا جَازَ أَخْذُهَا، وَلَهُ ثَوَابُ الْفَضْلِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

وَلَمْ يَذْكُرْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَمْلَ عَيْبًا فِي الْأُضْحِيَّةِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، حَيْثُ صَرَّحُوا بِعَدَمِ إِجْزَائِهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يُفْسِدُ الْجَوْفَ وَيُصَيِّرُ اللَّحْمَ رَدِيئًا. (ر: زَكَاةٌ، أُضْحِيَّةٌ).

ج- فِي الْبَيْعِ:

24- يَجُوزُ بَيْعُ الْحَامِلِ مَعَ جَنِينِهَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ فِي الْبَيْعِ أَوْ ذِكْرُ ثَمَنٍ مُسْتَقِلٍّ لِلْجَنِينِ فِي الْعَقْدِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا حِينَ الْعَقْدِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ، أَيْ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ وَمَا فِي أَرْحَامِ الْأَنْعَامِ وَالْخَيْلِ مِنَ الْأَجِنَّةِ.وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ أَيْ نِتَاجِ النِّتَاجِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ».

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


2-موسوعة الفقه الكويتية (صلاة 5)

صَلَاةٌ-5

(ج) دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذُ وَالْبَسْمَلَةُ:

65- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى أَنَّ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ.لِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ» وَلِمَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ قَالَ: وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ.أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ.ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ.وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ.لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ وَأَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ».وَقَدْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ صِيَغٌ كَثِيرَةٌ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ غَيْرَ هَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ- رضي الله عنهما- يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَحَدِيثِ: «الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ» وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِفْتَاحٌ.

وَتَفْصِيلُ الْكَلَامِ عَلَى دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ فِي مُصْطَلَحِ: اسْتِفْتَاحٌ (4 64).

أَمَّا التَّعَوُّذُ بَعْدَ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ وَقَبْلَ الْقِرَاءَةِ فَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ- لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنَالشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى كَرَاهَتِهِ فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: اسْتِعَاذَةٌ ف 18 وَمَا بَعْدَهَا (4 11).

أَمَّا الْبَسْمَلَةُ فَلِلْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِهَا خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: بَسْمَلَةٌ ف 5 (8 86).

(د) قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ:

66- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ.

وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا أَصْلُ السُّنَّةِ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى حُصُولِ السُّنَّةِ بِقِرَاءَةِ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ، وَلَوْ آيَةً- سَوَاءٌ كَانَتْ طَوِيلَةً أَمْ قَصِيرَةً كَ {مُدْهَامَّتَانِ} - كَمَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ بِقِرَاءَةِ بَعْضِ آيَةٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهَا مَعْنًى تَامٌّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِانْفِرَادِهَا، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً كَامِلَةً.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى حُصُولِ السُّنَّةِ بِقِرَاءَةِ آيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَاسْتَحَبَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ طَوِيلَةً: كَآيَةِ الدَّيْنِ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ لِتُشْبِهَ بَعْضَ السُّوَرِ الْقِصَارِ.

قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ إِجْزَاءِ آيَةٍ لَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنًى أَوْ حُكْمٍ نَحْوَ {ثُمَّ نَظَرَ}، أَوْ {مُدْهَامَّتَانِ}.

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ ثَلَاثَ آيَاتٍ لِتَكُونَ قَدْرَ أَقْصَرِ سُورَةٍ.وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ السُّورَةَ الْكَامِلَةَ أَفْضَلُ، وَأَنَّهُ لَا تُجْزِئُهُ السُّورَةُ مَا لَوْ قَرَأَهَا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ؛ لِعَدَمِ وُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ: بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ تَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ عَنَ السُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ؛ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يُؤَدَّى بِهِ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، إِلاَّ إِذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ وَأَعَادَهَا فَإِنَّهُ يُتَّجَهُ- كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ- الْإِجْزَاءُ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ- الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقْرَأَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ.لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} وَنَحْوِهَا، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدُ تَخْفِيفًا».

وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الظُّهْرِ فَيُسَنُّ عِنْدَهُمْ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقْرَأَ فِي الظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ».

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ تَكُونُ دُونَ قِرَاءَةِ الْفَجْرِ قَلِيلًا.

قَالَ الدُّسُوقِيُّ: يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ مِنْ أَطْوَلِ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الظُّهْرِ مِنْ أَقْصَرِ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ مِنْ أَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى «أَنِ اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَاقْرَأْ فِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، وَاقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ».وَأَمَّا صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهَا بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَقْرَأُ فِيهَا بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِهِ؛ لِمَا رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ فُلَانٍ.قَالَ سُلَيْمَانُ: كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ».

وَاخْتُلِفَ فِي بَيَانِ الْمُفَصَّلِ طِوَالِهِ وَأَوْسَاطِهِ وَقِصَارِهِ

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (سُورَةٌ، وَقِرَاءَةٌ)

مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ:

67- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ الْمَسْنُونَةِ هُوَ الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ».

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَإِنَّمَا تُسَنُّ السُّورَةُ فِي الْفَرْضِ الْوَقْتِيِّ الْمُتَّسِعِ وَقْتَهُ، أَمَّا إِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ يَخْشَى خُرُوجَهُ بِقِرَاءَتِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ مُحَافَظَةً عَلَى الْوَقْتِ.

وَانْظُرْ تَفْصِيلَ مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ فِي مُصْطَلَحِ: (صَلَاةُ التَّطَوُّعِ) وَقِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ فِي (صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ).

كَمَا يُسَنُّ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ- الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ-

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا تُسَنُّ إِطَالَةُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَقَطْ دُونَ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ، فَلَا تُسَنُّ إِطَالَتُهَا.

(هـ) التَّأْمِينُ:

68- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّأْمِينَ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ سُنَّةٌ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا آمِينَ.فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ ذَنْبِهِ».

وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَأْتِي بِالتَّأْمِينِ بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ لِيَتَمَيَّزَ عَنَ الْقِرَاءَةِ، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا هِيَ طَابَعُ الدُّعَاءِ.

وَقَالُوا: لَا يَفُوتُ التَّأْمِينُ إِلاَّ بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ تَرَكَ الْمُصَلِّي التَّأْمِينَ حَتَّى شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ بِفَوَاتِهِ بِالرُّكُوعِ.

ثُمَّ إِنَّ التَّأْمِينَ سُنَّةٌ لِلْمُصَلِّي- عُمُومًا- سَوَاءٌ كَانَ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا، وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُنْدَبُ لَهُ التَّأْمِينُ، وَكَذَا الْمَأْمُومُ إِنْ لَمْ يَسْمَعْ إِمَامَهُ يَقُولُ: {وَلَا الضَّالِّينَ} وَإِنْ سَمِعَ مَا قَبْلَهُ، وَنَصُّوا عَلَى كَرَاهَتِهِ حِينَئِذٍ وَلَا يَتَحَرَّى عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَرَّى لِرُبَّمَا أَوْقَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَلَرُبَّمَا صَادَفَ آيَةَ عَذَابٍ، وَمُقَابِلُهُ يَتَحَرَّى، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدُوسٍ.

وَالسُّنَّةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُصَلِّي بِالتَّأْمِينِ سِرًّا سَوَاءٌ كَانَ إِمَامًا أَمْ مَأْمُومًا أَمْ مُنْفَرِدًا؛ فَالْإِتْيَانُ بِالتَّأْمِينِ سُنَّةٌ، وَالْإِسْرَارُ بِهَا سُنَّةٌ أُخْرَى، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَعَلَى هَذَا فَتَحْصُلُ سُنِّيَّةُ الْإِتْيَانِ بِهَا وَلَوْ مَعَ الْجَهْرِ بِهَا.

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لِأَنَّهُ دُعَاءٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِخْفَاءُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ وَالْمُنْفَرِدَ يَجْهَرُونَ بِالتَّأْمِينِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَيُسِرُّونَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ.

وَصَرَّحُوا: بِأَنَّهُ إِذَا تَرَكَ الْإِمَامُ التَّأْمِينَ، أَوْ أَسَرَّهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَتَى بِهِ الْمَأْمُومُ لِيُذَكِّرَهُ فَيَأْتِيَ بِهِ.

(و) تَكْبِيرَاتُ الِانْتِقَالِ:

69- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ- إِلَى أَنَّ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالِ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ، لِحَدِيثِ: «الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ» فَإِنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَأْمُرْهُ بِتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَأَمَرَهُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ.أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَرَوْنَ أَنَّ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ.

وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (تَكْبِيرٌ).

(ز) هَيْئَةُ الرُّكُوعِ الْمَسْنُونَةُ:

70- أَقَلُّ الْوَاجِبِ فِي الرُّكُوعِ: أَنْ يَنْحَنِيَ قَدْرَ بُلُوغِ رَاحَتَيْهِ رُكْبَتَيْهِ، وَكَمَالُ السُّنَّةِ فِيهِ: أَنْ يُسَوِّيَ ظَهْرَهُ وَعُنُقَهُ وَعَجُزَهُ، وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَفَخِذَيْهِ، وَيَأْخُذَ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ مُعْتَمِدًا بِالْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ، مُفَرِّقًا أَصَابِعَهُ، وَيُجَافِيَ مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ.

لِحَدِيثِ «عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّهُ رَكَعَ فَجَافَى يَدَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ مِنْ وَرَاءِ رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي».

وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلْصَاقَ الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ خَصُّوا هَذِهِ الْهَيْئَةَ بِالرَّجُلِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَنْحَنِي فِي الرُّكُوعِ يَسِيرًا، وَلَا تُفَرِّجُ، وَلَكِنْ تَضُمُّ وَتَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى رُكْبَتَيْهَا وَضْعًا، وَتَحْنِي رُكْبَتَيْهَا، وَلَا تُجَافِي عَضُدَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا.

وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَسَبَقَ تَفْصِيلُ هَيْئَاتِ الرُّكُوعِ وَأَذْكَارِهِ فِي مُصْطَلَحِ: (رُكُوعٌ).

(ح) التَّسْمِيعُ وَالتَّحْمِيدُ:

71- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ- إِلَى سُنِّيَّةِ التَّسْمِيعِ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ، وَالتَّحْمِيدِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ قَائِمًا.

وَالسُّنَّةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ التَّسْمِيعُ فَقَطْ، أَمَّا التَّحْمِيدُ فَهُوَ مَنْدُوبٌ عِنْدَهُمْ.وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ، كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ.

ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْمُصَلِّي الَّذِي يُسَنُّ لَهُ التَّسْمِيعُ وَالتَّحْمِيدُ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ يُسَمِّعُ فَقَطْ، وَالْمَأْمُومَ يَحْمَدُ فَقَطْ، وَالْمُنْفَرِدُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، فَلَا يَحْمَدُ الْإِمَامُ وَلَا يُسَمِّعُ الْمَأْمُومُ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» فَالنَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- قَسَمَ بَيْنَهُمَا، وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ.

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: فَالْإِمَامُ مُخَاطَبٌ بِسُنَّةٍ فَقَطْ، وَالْمَأْمُومُ مُخَاطَبٌ بِمَنْدُوبٍ فَقَطْ، وَالْفَذُّ مُخَاطَبٌ بِسُنَّةٍ وَمَنْدُوبٍ وَخَالَفَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ، فَذَهَبَا إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَجْمَعُ بَيْنَ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا»؛ وَلِأَنَّهُ حَرَّضَ غَيْرَهُ فَلَا يَنْسَى نَفْسَهُ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الْمُتُونُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ.

وَصَرَّحُوا بِأَنَّ أَفْضَل صِيَغِ التَّحْمِيدِ:

اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: ثُمَّ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ.

وَصِيغَةُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ هِيَ مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَعِنْدَهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَرَابِعَةٌ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّسْمِيعَ وَالتَّحْمِيدَ سُنَّةٌ لِلْجَمِيعِ: الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ.وَصَرَّحُوا بِأَنَّ أَفْضَل صِيَغِ التَّحْمِيدِ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ؛ لِوُرُودِ السُّنَّةِ بِهِ.

قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: لَكِنْ قَالَ فِي الْأُمِّ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ أَحَبُّ إِلَيَّ، أَيْ لِأَنَّهُ جَمَعَ مَعْنَيَيْنِ: الدُّعَاءَ وَالِاعْتِرَافَ.أَيْ رَبَّنَا اسْتَجِبْ لَنَا، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى هِدَايَتِكَ إِيَّانَا.

قَالُوا: وَلَوْ قَالَ: مَنْ حَمِدَ اللَّهَ سَمِعَ لَهُ كَفَى فِي تَأْدِيَةِ أَصْلِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، لَكِنَّ التَّرْتِيبَ أَفْضَلُ.

وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ التَّسْمِيعَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ دُونَ الْمَأْمُومِ، وَالتَّحْمِيدَ وَاجِبٌ عَلَى الْجَمِيعِ- إِمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ- وَأَفْضَلُ صِيَغِ التَّحْمِيدِ عِنْدَهُمْ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ.قَالُوا: وَإِنْ شَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَأَفْضَلُ مِنْهُ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَلَوْ قَالَ: مَنْ حَمِدَ اللَّهَ سَمِعَ لَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ، لِتَغْيِيرِ الْمَعْنَى.

الْأَذْكَارُ الْوَارِدَةُ فِي الِاسْتِوَاءِ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ:

72- صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُصَلِّي بَعْدَ التَّحْمِيدِ أَنْ يَقُولَ: «مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ».

وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ: «أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ»؛ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ.قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلُ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ.أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ- وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ- اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ».

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى «عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ، وَفِي لَفْظٍ: يَدْعُو إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ.اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ.اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْوَسَخِ».

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِاسْتِحْبَابِ زِيَادَةِ: حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ.لِحَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي يَوْمًا وَرَاءَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ.فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: مَنِ الْمُتَكَلِّمُ؟ قَالَ: أَنَا، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلَ».

(ح م) رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ، وَالْقِيَامُ لِلرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ:

73- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ، وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لِلرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، فَاتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ، وَأَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ».وَعَنِ الْحَسَنِ: «أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ».

وَكَانَ عُمَرُ «إِذَا رَأَى رَجُلًا لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَصَّبَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ».

قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَوَاهُ سَبْعَةَ عَشْرَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَدَمُ الرَّفْعِ.

وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: الرَّفْعُ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ رِوَايَةِ خَمْسِينَ صَحَابِيًّا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ التَّشَهُّدِ لِلرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، لِمَا رَوَى نَافِعٌ: «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ.وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ».

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ هِيَ عَدَمُ الرَّفْعِ.

قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِلاَّ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، فَلَا يُشْرَعُ رَفْعُهُمَا عِنْدَ الرُّكُوعِ أَوِ الرَّفْعِ مِنْهُ، أَوِ الْقِيَامِ لِلثَّالِثَةِ.لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْهُمَا حَتَّى انْصَرَفَ» وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: مَالِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيَكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلِ شُمْسٍ، اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه-: «أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَصَلَّى وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلاَّ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ».

(ط) كَيْفِيَّةُ الْهُوِيِّ لِلسُّجُودِ وَالنُّهُوضِ مِنْهُ:

74- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ عِنْدَ الْهُوِيِّ إِلَى السُّجُودِ أَنْ يَضَعَ الْمُصَلِّي رُكْبَتَيْهِ أَوَّلًا، ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ؛ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا سَجَدَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ.

وَلِأَنَّ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ أَرْفَقُ بِالْمُصَلِّي.وَأَحْسَنُ فِي الشَّكْلِ وَرَأْيِ الْعَيْنِ.وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَضَعُ جَبْهَتَهُ ثُمَّ أَنْفَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْفَهُ ثُمَّ جَبْهَتَهُ.وَعِنْدَ النُّهُوضِ مِنَ السُّجُودِ يُسَنُّ الْعَكْسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَرْفَعَ جَبْهَتَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ الْمُتَقَدِّمِ.قَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِلاَّ أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ؛ لِكِبَرٍ أَوْ ضَعْفٍ أَوْ مَرَضٍ، أَوْ سِمَنٍ وَنَحْوِهِ، فَيَعْتَمِدُ بِالْأَرْضِ، لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ إِذَا نَهَضَ أَنْ لَا يَعْتَمِدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ».

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي قِيَامِهِ مِنَ السُّجُودِ عَلَى يَدَيْهِ، مَبْسُوطَتَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ خُشُوعًا وَتَوَاضُعًا، وَأَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى نَدْبِ تَقْدِيمِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْهُوِيِّ إِلَى السُّجُودِ، وَتَأْخِيرِهِمَا عِنْدَ الْقِيَامِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكُ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ».

قَالُوا: وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يُقَدِّمُ رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ هَوِيِّهِ لِلسُّجُودِ كَمَا يُقَدِّمُهُمَا الْبَعِيرُ عِنْدَ بُرُوكِهِ، وَلَا يُؤَخِّرُهُمَا فِي الْقِيَامِ كَمَا يُؤَخِّرُهُمَا الْبَعِيرُ فِي قِيَامِهِ.

(ى) هَيْئَةُ السُّجُودِ الْمَسْنُونَةُ:

75- كَيْفِيَّةُ السُّجُودِ الْمَسْنُونَةُ: أَنْ يَسْجُدَ الْمُصَلِّي عَلَى الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ: الْجَبْهَةِ مَعَ الْأَنْفِ، وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالْقَدَمَيْنِ- مُمَكِّنًا جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَيَنْشُرَ أَصَابِع يَدَيْهِ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ، وَيُفَرِّقَ رُكْبَتَيْهِ، وَيَرْفَعَ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَفَخِذَيْهِ عَنْ سَاقَيْهِ، وَيُجَافِيَ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَيَسْتَقْبِلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ.وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْأَرْكَانِ.

(ك) التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَقُعُودُهُ:

76- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى سُنِّيَّةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَقُعُودِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَلَمْ يَجْلِسْ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ سَلَّمَ» فَدَلَّ عَدَمُ تَدَارُكِهِمَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِهِمَا كَمَا سَبَقَ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ.

(ل) صِيغَةُ التَّشَهُّدِ:

77- سَبَقَ خِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ؛ فَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ رُكْنٌ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَاجِبٌ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ سُنَّةٌ، وَاخْتَلَفُوا- أَيْضًا- فِي صِيغَتِهِ الْمَسْنُونَةِ. (ر: تَشَهُّدٌ).

(م) الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ التَّشَهُّدِ (الصَّلَاةُ الْإِبْرَاهِيمِيَّةُ)

78- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ سُنَّةٌ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ خِلَافٌ فِي أَنَّ الْمَشْهُورَ: هَلْ هِيَ سُنَّةٌ أَوْ فَضِيلَةٌ؟

وَأَفْضَلُ صِيَغِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

وَهِيَ- أَيْضًا- أَفْضَلُ صِيَغِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَكِنْ بِحَذْفِ (إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) الْأُولَى.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ رُكْنٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ.

وَقَدْ أَخَذَ الْحَنَابِلَةُ بِصِيغَةِ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَهِيَ أَفْضَلُ الصِّيَغِ عِنْدَهُمْ.وَلَكِنْ يَتَحَقَّقُ رُكْنُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- بِقَوْلِ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ).

وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِبْدَالُ آلٍ بِأَهْلٍ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الرَّجُلِ أَقَارِبُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ، وَآلَهُ أَتْبَاعُهُ عَلَى دِينِهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: أَقَلُّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَالسُّنَّةُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِكُلِّ هَذِهِ الصِّيَغِ.

وَقَدْ سَبَقَ حُكْمُ تَسْوِيدِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي مُصْطَلَحِ: (تَسْوِيدٌ ف 7 «11/346»).

(ن) الدُّعَاءُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ:

79- يُسَنُّ لِلْمُصَلِّي بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ- إِلَى آخِرِهِ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ، أَوْ مَا أَحَبَّ».

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو بِهِ».وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ «ثُمَّ لِيَتَخَيَّرَ بَعْدُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ» وَهُوَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَنْدُوبٌ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ.

وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَدْعُو بِالْأَدْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْوِي الْقِرَاءَةَ إِذَا دَعَا بِأَدْعِيَةِ الْقُرْآنِ لِكَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ.وَلَا يَدْعُو بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ.

وَالْأَفْضَلُ الدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ «عَنْ أَبِي بَكْرٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي فَقَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ.فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»

وَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ».

(س) كَيْفِيَّةُ الْجُلُوسِ:

80- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَيْئَةِ الْجُلُوسِ الْمَسْنُونَةِ فِي الصَّلَاةِ.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، فَالرَّجُلُ يُسَنُّ لَهُ الِافْتِرَاشُ، وَالْمَرْأَةُ يُسَنُّ لَهَا التَّوَرُّكُ.

لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوِ الْأَخِيرِ، أَوِ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ الْمَسْنُونَةَ فِي جَمِيعِ جِلْسَاتِ الصَّلَاةِ هِيَ التَّوَرُّكُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوِ الْمَرْأَةُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ التَّوَرُّكُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَالِافْتِرَاشُ فِي بَقِيَّةِ جِلْسَاتِ الصَّلَاةِ، لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَإِذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ أَفْضَى بِوَرِكِهِ الْيُسْرَى إِلَى الْأَرْضِ، وَأَخْرَجَ قَدَمَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ».

وَالْحِكْمَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْأَخِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْجِلْسَاتِ: أَنَّ الْمُصَلِّيَ مُسْتَوْفِزٌ فِيهَا لِلْحَرَكَةِ، بِخِلَافِهِ فِي الْأَخِيرِ، وَالْحَرَكَةُ عَنْ الِافْتِرَاشِ أَهْوَنُ.

وَالِافْتِرَاشُ: أَنْ يَنْصِبَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى قَائِمَةً عَلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ بِحَيْثُ تَكُونُ مُتَوَجِّهَةً نَحْوَ الْقِبْلَةِ، وَيَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى بِحَيْثُ يَلِي ظَهْرُهَا الْأَرْضَ، جَالِسًا عَلَى بَطْنِهَا.

وَالتَّوَرُّكُ: كَالِافْتِرَاشِ.لَكِنْ يُخْرِجُ يُسْرَاهُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ، وَيُلْصِقُ وَرِكَهُ بِالْأَرْضِ.

انْظُرْ مُصْطَلَحَ تَوَرُّك (14- 148) وَمُصْطَلَحَ: جُلُوس ف 11- 13 (15- 267).

(ع) جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ:

81- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جِلْسَةٌ لِلِاسْتِرَاحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَقُومُ مِنْهَا؛ لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى».

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى كَرَاهَةِ فِعْلِهَا تَنْزِيهًا لِمَنْ لَيْسَ بِهِ عُذْرٌ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فِي مُصْطَلَحِ: جُلُوسٌ ف 12 (15 266).

(ف) كَيْفِيَّةُ وَضْعِ الْيَدَيْنِ أَثْنَاءَ الْجُلُوسِ:

82- يُسَنُّ لِلْمُصَلِّي أَثْنَاءَ الْجُلُوسِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى بِحَيْثُ تُسَاوِي رُءُوسُ أَصَابِعِهِ رُكْبَتَيْهِ، وَتَكُونُ أَصَابِعُهُ مَنْشُورَةً إِلَى الْقِبْلَةِ.

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: مُفَرَّجَةً قَلِيلًا، وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: مَضْمُومَةً.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يُشِيرَ بِسَبَّابَتِهِ أَثْنَاءَ التَّشَهُّدِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَبْضِ الْيَدِ وَالْإِشَارَةِ.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لَيْسَ لَنَا سِوَى قَوْلَيْنِ:

الْأَوَّلِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ بَسْطُ الْأَصَابِعِ بِدُونِ إِشَارَةٍ.

الثَّانِي: بَسْطُ الْأَصَابِعِ إِلَى حِينِ الشَّهَادَةِ فَيَعْقِدُ عِنْدَهَا وَيَرْفَعُ السَّبَّابَةَ عِنْدَ النَّفْيِ وَيَضَعَهَا عِنْدَ الْإِثْبَاتِ.

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَقْبِضَ الْمُصَلِّي أَصَابِع يَدِهِ الْيُمْنَى وَيَضَعَهَا عَلَى طَرَفِ رُكْبَتِهِ إِلاَّ الْمُسَبِّحَةَ فَيُرْسِلَهَا، وَيَقْبِضَ الْإِبْهَامَ بِجَنْبِهَا بِحَيْثُ يَكُونُ تَحْتَهَا عَلَى حَرْفِ رَاحَتِهِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما-: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا قَعَدَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ».

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ- وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ- إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ يُحَلِّقُ بَيْنَ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- وَضَعَ حَدَّ مِرْفَقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَعَقَدَ ثَلَاثِينَ، وَحَلَّقَ وَاحِدَةً، أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ بِالسَّبَّابَةِ».

وَمَحَلُّ الرَّفْعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: إِلاَّ اللَّهَ، فَيَرْفَعُ الْمُسَبِّحَةَ عِنْدَ ذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَيُمِيلُهَا قَلِيلًا كَمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ.وَيُقِيمُهَا وَلَا يَضَعُهَا.

وَيُسَنُّ- أَيْضًا- أَنْ يَكُونَ رَفْعُهَا إِلَى الْقِبْلَةِ نَاوِيًا بِذَلِكَ التَّوْحِيدَ وَالْإِخْلَاصَ، وَفِي تَحْرِيكِهَا عِنْدَهُمْ رِوَايَتَانِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُشِيرُ بِسَبَّابَتِهِ مِرَارًا، كُلَّ مَرَّةٍ عِنْدَ ذِكْرِ لَفْظِ (اللَّهِ) تَنْبِيهًا عَلَى التَّوْحِيدِ، وَلَا يُحَرِّكُهَا لِفِعْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالُوا: وَلَا يُشِيرُ بِغَيْرِ سَبَّابَةِ الْيُمْنَى وَلَوْ عُدِمَتْ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: بِكَرَاهَةِ الْإِشَارَةِ بِسَبَّابَةِ الْيُسْرَى وَلَوْ مِنْ مَقْطُوعِ الْيُمْنَى.وَعَدَّ الْمَالِكِيَّةُ الْإِشَارَةَ بِالسَّبَّابَةِ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ.

وَيُنْدَبُ تَحْرِيكُ السَّبَّابَةِ يَمِينًا وَشِمَالًا دَائِمًا- لَا لِأَعْلَى وَلَا لِأَسْفَلَ- فِي جَمِيعِ التَّشَهُّدِ.وَأَمَّا الْيُسْرَى فَيَبْسُطُهَا مَقْرُونَةَ الْأَصَابِعِ عَلَى فَخِذِهِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


3-الغريبين في القرآن والحديث (غسل)

(غسل)

قوله تعالى: {من غسلين} معناه: من صديد أهل النار وما ينغسل ويسيل من أبدانهم.

وفي الحديث (من غسل واغتسل) ذهب كثير من الناس: إلى أنه المجامعة قبل الخروج إلى الصلاة، لأن ذلك يجمع بين غض الطرف والاغتسال، وقال أبو بكر: معنى غسل بالتشديد اغتسل بعد الجماع ثم اغتسل للجمعة فكرر بهذا المعنى، وذهب آخرون: إلى أنه أسبغ الطهور وأكمله ثم اغتسل بعد ذلك للجمعة، وقال الأزهري: رواه بعضهم (غسل) بالتخفيف من قولك غسل الرجل امرأته وغسلها إذا جامعها. وفحل غسلة إذا أكثر طرقها وهي لا تحمل.

وفي الحديث (أنه قال عليه الصلاة والسلام فيما حكى عن ربه تبارك وتعالى وأنزل عليك كتاب لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظان) أراد أنه لا يمحى أبدا بل هو محفوظ في صدور الذين أتوا العلم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومعنى قوله تعالى: (يقرأه نائما ويقظان) قال بعضهم: أي تجمعه حفظا وأنت نائم كما تجمعه وأنت يقظان وقال غيره: كأنه أراد تقرأه في يسر وسهولة ظاهرا بقال للرجل إذا كان قادرا على الشيء ماهرا به هو يفعله نائما كما تقول هو يسبقه قاعدا، والقاعد لا سبق له وإنما أراد يسبقه مستهينا به.

وفي دعائه عليه الصلاة والسلام (واغسلني بالماء والثلج والبرد) أي طهرني من الذنوب، وذكر هذا كله مبالغة في مسألة التطهير، لا أنه يحتاج إلى ثلج وبرد.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


4-تاج العروس (غسل)

[غسل]: غَسَلَه يَغْسِلُهُ غَسْلًا، بالفتحِ ويُضَمُّ، أو بالفتحِ مَصْدَرٌ من غَسَلْت، وبالضمِ اسمٌ من الاغْتِسالِ.

قالَ شيْخُنا: فهو خِلافُ الوُضُوءِ، وقيلَ العكْسُ بالضمِ مَصْدرٌ وبالفتحِ اسمٌ، وقيلَ غيرُ ذلِكَ ممَّا نَقَلَه الحافِظَان ابنُ حجر والعَيْنيّ في شَرْحَيْهما على البُخَارِي.

فهو غَسيلٌ ومَغْسولٌ الجمع: غَسْلَى وغُسَلاءُ كقَتْلَى وقُتَلاه، وهي غَسيلٌ بغيرِ هاءٍ. قالَ اللَّحْيانيُّ: ومَيْتٌ غَسِيل وغسيلة أَيْضًا.

وقالَ الجوْهَرِيُّ: مِلْحَفة غَسِيلٌ، ورُبَّما قالوا غَسِيلَة، يذهبُ بها إلى مَذْهب النُّعوت نَحْو النَّطِيحة.

قالَ ابنُ بَرِّي: صَوابُه أَنْ يقولَ مَذْهب الأَسْماءِ مِثْل النَّطِيحة والذَّبِيحْة والعَصِيدة، الجمع: غَسَالَى، كسَكَارَى وقالَ الليْحانيُّ ميتُ غَسِيل مِن أَمْواتٍ غَسْلى وغُسَلاء.

والمَغْسَلُ، كمَقْعَدٍ ومَنْزِلٍ والمُغْتَسَلُ أَيْضًا: مَوْضِعُ غُسْلِ المَيِّتِ ونَصُّ المحْكَمِ: مَغْسِلُ المَوْتى ومَغْسَلُهم: مَوْضِعُ غَسْلهم، والجَمْعُ المَغَاسِلُ.

والمُغْتَسَلُ: المَوْضِعُ الذي يُغْتَسلُ فيه، وتَصْغيرُه مُغَيْسِلٌ والجَمِيعُ المَغَاسِلُ والمَغَاسِيل، قالَ اللهُ تعالَى: {هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ}، والغُسْلُ، بالضمِ: الماءُ القَلِيلُ الذي يُغْتَسَلُ به كالأُكْلِ لمَا يُؤْكَلُ، قالَهُ ابنُ الأثيرِ والغِسْلُ والغِسْلَةُ، بكسْرِهما، والغَسُولُ، كصَبُورٍ وتَنُّورٍ، وهَاتَان مِن العُبَابِ، الماءُ القَلِيلُ يُغْتَسَلُ به، ومِن الأوَّلِ الحدِيثُ «وضعت له غُسْلَه من الجَنَابَةِ»، وأَيْضًا الخِطمِيُّ والْأُشْنان وما أَشْبَهه من الحَمْضِ، وأَنْشَدَ شَمِرٌ لعُمْران بن حطَّان:

فالرَّحْبَتانِ فأَكْنافُ الجَنابِ إلى *** أَرضٍ يكون به الغَسُّول والرَّتَمُ

وأَنْشَدَ لرَبيع بنِ زِيادٍ:

تَرْعى الرَّوائِمُ أَحْرارَ البقول ولا *** تَرْعى كَرَعْيكُم طَلْحًا وغَسُّولا

قلْتُ: والعامَّةُ تقولُ: غَاسُول.

وفي المُحْكَمِ: الغَسُولُ كلُّ شي‌ءٍ غَسَلْت به رَأْسًا أَو ثَوْبًا ونَحْوه.

واغْتَسَلَ بالطِّيبِ مِثْل قَوْلِك: تَنَضَّخَ، ونَصُّ اللّحيانيّ في نوادِرِه وتَضَمَّخ.

والغِسْلَةُ، بالكسرِ: الطِّيبُ، يقالُ: غِسْلَةٌ مُطَرَّاة، ولا تَقُل غَسْلة، كما في الصّحاحِ.

وأَيْضًا: ما تَجْعَلُهُ المرأَةُ في شَعَرِها عند الامْتِشاطِ.

وأَيْضًا: ما يُغْسَلُ به الرَّأْسُ من خِطْمِيٍّ وطينٍ وأُشْنان ونَحْوِهِ كالغِسْلِ بالكسرِ أَيْضًا وأَنْشَدَ ابنُ الأعْرَابيِّ لعبد الرَّحمن بنِ دارَةَ:

فيا لَيْلَ إنَّ الغِسْلَ مادُمْتِ أَيِّمًا *** عليَّ حَرامٌ لا يَمَسُّنَي الغِسْلُ

أَي لا أُجامِعُ غيرَها فأَحْتاج إلى الغِسْلِ طمَعًا في تزوّجها.

والغِسْلةُ أَيْضًا: ورَقُ الآسِ يُطَرَّى بأَفاوِيهَ من الطِّيبِ يُمْتَشط به وغُسالَةُ الشَّي‌ءِ كثُمامَةٍ: ماؤُه الذي يُغْسَلُ به.

وغُسالَةُ الثّوبِ: ما يَخْرُجُ منه بالغَسلِ.

والغِسْلينُ، بالكسرِ: ما يُغْسَل من الثَّوبِ ونحوِه كالغُسالَةِ، وهو في القُرْآنِ العظيمِ: ما يَسيلُ من جُلودِ أَهلِ النارِ كالقَيحِ وغيرِه كأَنَّه يُغْسل عنهم، التَّمْثيل لسِيْبَوَيْه والتَّفْسير للسِّيرافي، وهو قَوْلُ الفرَّاءِ أَيْضًا.

وقالَ الأَخْفَشُ: هو ما انْغَسَل من لُحومِ أَهْلِ النارِ ودِمائِهم، زِيْدَت فيه الياءَ والنُّون كما زِيْدَت في عِفِرِّيْن، كما في الصِّحاحِ، وهو قَوْلُ الزَّجَّاجِ أَيْضًا.

قالَ ابنُ بَرِّي: عنْدَ ابن قتيبَةَ أَنَّ عِفِرِّيْن مِثْل قِنَّسْرِين، والأَصْمَعِيُّ يَرَى أَنَّ عِفِرِّيْن مُعْرَب بالحَرَكاتِ فيقولُ عِفِرِّينٌ بمَنْزلةِ سِنينٍ.

وقالَ اللَّيْثُ في تفْسيرِ الآيةِ: هو الشَّدِيدُ الحَرِّ.

وقالَ مُجاهِدُ: هو طَعامٌ مِن طَعامِ أَهْلِ النارِ.

وقالَ الكَلْبيُّ: هو ما أَنْضَجَت النارُ مِن لحُومِهم وسَقَط آكِلوه.

وقالَ الضَّحَّاكُ: الغِسْلِينُ والضَّرِيعُ شَجَرٌ في النَّارِ، وكلُّ جُرْح غَسَلْتَه فخرَجَ منه شيْ‌ءٌ فهو غِسْلِينٌ، فِعْلِينٌ من الغَسْل.

والمِغْسَلُ، كمِنْبَرٍ: ما غُسِلَ به، وفي المحْكَمِ: فيه، الشَّي‌ءُ.

ومِن المجازِ: غَسَلَ بالسوطِ يَغْسِلُ غَسلًا: ضَرَبَ فأَوْجَعَ.

ومِن المجازِ أَيْضًا: غَسَلَ المرأَةَ يَغْسِلُها غَسْلًا: جامَعَها كثيرًا، والعَيْن لُغَةٌ فيه كما مَرَّ، وقيلَ: هي نكاحُه إيَّاها أَكْثَرَ أَو أَقلَّ، ومنه الحدِيثُ: «مَنْ غَسَّل واغْتَسَل وبَكَّرَ وابْتَكَر واسْتَمَعَ ولم يَلْغُ كَفَّرَ ذلِكَ ما بَيْن الجُمْعَتَيْن».

قالَ القتيبيُّ: أَكْثَرُ الناسِ يَذْهبُون إلى أَنَّ معْنَى غَسَّل أَي جامَعَ أَهْلَه قَبْل خُرُوجه للصَّلاةِ لأَنَّ ذلِكَ أَجْمع لغضِّه طَرْفه، كغَسَّلَها بالتَّشْديدِ، وبه رُوِي الحدِيثُ أَيْضًا، ومعْناه أَسْبَغ الوُضُوءَ غسَلَ كلّ عضْوٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثم اغْتَسَلَ بعْدَ ذلِكَ غُسْلَ الجمْعَة.

وقالَ ابنُ الأَنْبارِيّ: معْنَى غَسَّل بالتَّشديدِ اغْتَسَلَ بعْدَ الجِماعِ ثم اغْتَسَلَ للجمْعَة فكَرَّرَ لهذا، وصَوَّبَ الأَزْهَرِيُّ التَّخْفِيف، وقيلَ: غَسَّلَ بالتَّشْديدِ والتَّخْفيفِ أَوْجَبَ الغَسْلَ على امْرَأَتِه واغْتَسَلُ هو بنفْسِه لأنَّه إذا جامَعَ زوْجَته أَحْوَجَها للغُسْلِ، نَقَلَه ابنُ الأَثيرِ.

ومِن المجازِ: غَسَلَ الفَحْلُ النَّاقَةَ إذا أَكْثَر ضِرابَها وطَرقَها.

وفَحْلٌ غِسْلٌ بالكسر وكصُرَدٍ وأَميرِ وهُمَزَةٍ ومِنْبَرِ وسِكِّيتٍ، ستُّ لُغاتٍ نَقَلَهُنَّ الفرَّاء ما عَدا الأُوْلَى، كثيرُ الضِّرابِ، عن الفرَّاءِ، أَو يُكْثِرُ الضِّرابَ ولا يُلْقِحُ، عن الكِسائي، وكذا الرَّجُلُ.

والمَغاسلُ: مواضِعٌ مَعْروفَةٌ، عن ابنِ دُرَيْدٍ. وقالَ غيرُه: هي أَودِيَةٌ باليَمامَةِ، قالَ لَبيدُ:

فقد تَرْتَعِي سَبْتًا وأَهْلُك حِيرةً *** مَحَلَّ الملوكِ نُقْدة فالمَغاسِلا

وغِسْلٌ بالكسرِ: موضع بديارِ بَنِي أَسَدٍ، قالَ امرُؤُ القَيْسِ:

تَرَبَّع بالسِّتارِ سِتَارِ قَدْرٍ *** إلى غِسْلٍ فَجَادَلها الوَليُّ

وذاتُ غِسْلٍ: موضع آخَرُ بَيْنَ اليَمامَةِ والنِّباجِ لبَنِي كُلَيْب بنِ يَرْبُوعٍ ثم صارَ لبَنِي نُمَيْرٍ، قالَ الرَّاعِي:

أَ نَحْنَ جِمالَهنَّ بذات غِسْلٍ *** سَراةُ اليوم يَمْهَدْن الكُدُونا

وغُسْلٌ، بالضَّمِ: موضع عن يَمِين سَمِيراءَ وبه ماءٌ يقالُ له غُسْلَةُ، كما في العُبَابِ. وغَسَلٌ، محرَّكةً: جَبَلٌ في الطَّرِيقِ بينَ تَيْماءَ وجَبَلَيْ طَيِّئٍ بَيْنه وبَيْن لفَاف يومٌ، نَقَلَه نَصْرُ.

والغِسْوَلَّةُ، كقِثْوَلَّةٍ: قرية قُرْبَ حِمْصَ.

والمَغْسِلَةُ، كمَنْزِلَةٍ: جَبَّانة بالمدينةِ في طَرفِها، على ساكِنِها أَفْضل الصَّلاة والسَّلام، يُغْسَلُ فيها الثِّياب، كما في العُبَاب.

وأَبو غِسْلَةَ، بالكسرِ من كنى الذِّئْب والعَيْن لُغَةٌ فيه كما مَرّ.

وأَغْسَلَ: أَكْثَرَ الضِّرابَ عن الفرَّاءِ.

والتَّغْسيلُ: المُبالَغَةُ في غَسْلِ الأَعْضاءِ، وبه فسِّرَ الحدِيثُ المَذْكورُ كما ذَكَرَناه قَرِيبًا.

وقالَ شَمِرٌ: غُسِلَ الفَرَسُ، كعُنِيَ، واغْتَسَلَ أَي عَرِقَ، قالَ امرُؤُ القَيْسِ:

فعَادَى عِدَاءً بينَ ثَوْرٍ ونَعْجةٍ *** دِرَاكًا ولم يَنْضَجْ بماءٍ فَيُغْسَلِ

وقالَ آخَرُ:

وكلُّ طَمُوحٍ في العِنانِ كأَنَّها *** إذا اغْتَسَلَتْ بالماءِ فَتْخاءُ كاسِرُ

وقالَ الفَرَزْدَقُ:

لا تَذْكُروا حُلَلَ المُلوك فإِنَّكم *** بَعْدَ الزُّبَيْر كحائضٍ لم تُغْسَلِ

والغَسْويلُ، كشَمْويلٍ: نَبْتٌ ينبُتُ في السِّباخِ.

وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: ضَرْبٌ مِن الشَّجَرِ، وقد روى قَوْل الرَّبيعِ بنِ زِيادٍ السابِق هكذا:

لا مِثْلَ رَعْيِكُم عَلْقا وغَسْوِيلا

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

الغُسُلُ، بضمَّتَيْن: لُغَةٌ في الغُسْلِ، بالضمِ، للاسمِ من الاغْتِسالِ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ للكُميْتِ يَصِفُ حِمارَ وَحْشٍ:

تحت الأَلاءَةِ في نوعين مِن غُسُلٍ *** باتا عليه بِتَسْحالٍ وتَقْطَارِ

يقولُ: يسيلُ عليه مَرَّةً ما على الشَّجرةِ من الماءِ ومَرَّةً مِن المَطَرِ.

والغُسْلُ، بالضمِ: تمامُ غَسل الجَسَدِ كُلّه.

وحَنْظَلَةُ بنُ أَبي عامِرٍ الأَنْصارِيّ يقالُ له غَسِيلُ المَلائِكَةِ، رَضِىَ اللهُ تعالَى عنه، اسْتَشْهَدَ يومَ أُحُدٍ وغسَّلَتْه المَلائِكَةُ، وأَوْلادُه يُنْسَبُون إليهِ: الغَسيلِيِّين منهم: أَبو إسحقَ إبْراهيمُ بنُ إسحقَ بنِ إبْراهيمَ بنِ عيسىَ الأنْصاريُّ الغَسيليُّ عن بنْدَار وهو ضَعِيفٌ.

وغَسَلَ اللهُ حَوْبَتَك أَي إِثْمَك يعْني طهَّرك منه، وهو على المَثَلِ. وفي حدِيثِ الدُّعاءِ: «واغْسِلْني بماءِ الثلجِ والبردِ» أَي طَهِّرْني مِن الذنوبِ.

ورجُلٌ غُسِلٌ، ككَتِفٍ: كثيرُ الضِّرابِ لامْرَأَته، قالَ الهُذَليُّ:

وَقْع الوَبِيل نَحاه الأَهْوَجُ الغُسَلُ

وفي حدِيثِ العَين: «العَيْنُ حَقٌّ فإذا اسْتُغْسِلْتُم فاغْسِلُوا» أَي إذا طَلَبَ مَنْ أَصَابَتْه العَيْنُ مِن أَحدٍ جَاءَ إلى العائِنِ بقَدَحٍ فيه ماء، فيُدْخِل كَفَّه فيه فَيَتَمَضْمض، ثم يمجُّه في القَدَح ثم يغسلُ وَجْهه فيه، ثم يدْخِل يَدَه اليُسْرى فيصبُّ على يدِهِ اليُمْنى، ثم يدْخِلُ يدَه اليُمْنى فيصبُّ على يدِهِ اليُسْرى، ثم يدْخِلُ يدَه اليُسْرى فيصبُّ على مرفقِه الأَيْمن، ثم يدْخِل يدَه اليُمْنى فيصبُّ على مرفقِه الأَيْسر، ثم يدْخِلُ يدَه اليُسْرى فيصبُّ على قدَمِه اليُمْنى ثم يدْخِلُ يَدَه اليُمْنى فيصبُّ على قدَمِه اليُسْرى، ثم يدْخِلُ يدَه اليُسْرى فيصبُّ على ركْبتِه اليُمْنى، ثم يدْخلُ يدَه اليُمْنى فيصبُّ على ركْبته اليُسْرى، ثم يغسلُ داخِلَةَ الإِزارِ، ولا يُوضَعُ القَدَحُ على الأَرْضِ، ثم يُصَبُّ ذلك الماءُ المُسْتعمَلُ على رأْسِ المُصَابِ بالعَيْن من خلفِه صبَّة واحِدَةً فيَبْرأُ بإِذْنِ اللهِ تعالَى.

والغَاسُولُ: جَبَلٌ بالشامِ، عن ابنِ بَرِّي، وأَنْشَدَ للفَرَزْدقِ:

تَظَلُّ إِلى الغَاسُول تَرمى حرينه *** ثَنايا بِراقٍ ناقِتي بالحَمَالِق

وغاسلٌ ضَرْبٌ من الشَّجرِ.

الغَسُّول: الأُشْنان.

وانْغَسَلَ الشي‌ء مُطَاوِع غَسَلَه.

ويقالُ: بَنُوا هذه المدِينَة بغُسلاتِ أَيْدِيهم أَي بمكَاسِبِهم.

وما غَسَلوا رؤوسهم من يومِ الجَمَلِ: أَي ما فَرَغوا ولا تَخَلَّصوا.

وكَلامُه مَغْسولٌ، كما تقولُ عُرْيانٌ وسَاذَجٌ للذي لا يُنكّتُ فيه قَائِله كأَنَّما غُسِل من النُّكَتِ والفِقَر غَسْلًا أَو من حَقّه أَن يُغْسَلَ ويُطْمَسَ، وقد يكونُ المَغْسولُ كِنايَةً عن المنقح المهذبِ من الكَلامِ.

ويقالُ: على وَجْهِه غِسْلَةٌ إِذا كان حسَنًا ولا مِلْحَ عليه، كما يقالُ لضدِّه: على وَجْهِه حِفْلَةٌ.

وعطْفَةُ الغَسَّالِ، كشَدَّادٍ: إِحْدَى محالِّ مِصْرَ، حَرَسَها اللهُ تعالَى، وهي محلُّ سَكَني حينَ كتابَتِي في هذا الشرْحِ.

وأَبو القاسِمِ طَلحَةُ بنُ أَحْمدِ الغَسّال الأَصْبهانيُّ، وأَبو الخَيْر المُبارَكُ بنُ الحُسَيْن الغَسَّال البَغْدادِيُّ المُقْرِئُ، وأَبو الكَرم المُبارَكُ بنُ مَسْعود بنِ خميس الغَسَّال، وأَبو البَرَكات محمدُ بنُ سَعْدِ بنِ الغَسَّال وابنُه عبدُ الغنيِّ وحفيدُه عبدُ الرّحمن بنُ عبدِ الغنّي، وأَبو بكْرٍ أَحْمدُ بنُ خطاب الغَسَّال، والشيخُ محمودُ بنُ الغَسَّال، وعبدُ اللهِ بنُ محمد بنِ نوحٍ الغَسَّال المَرُوزيُّ، مُحدِّثُون.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


5-لسان العرب (غسل)

غسل: غَسَلَ الشَّيْءَ يَغْسِلُه غَسْلًا وغُسْلًا، وَقِيلَ: الغَسْلُ الْمَصْدَرُ مِنْ غَسَلْت، والغُسْل، بِالضَّمِّ، الِاسْمُ مِنَ الِاغْتِسَالِ، يُقَالُ: غُسْل وغُسُل؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَصِفُ حِمَارَ وَحْشٍ:

تَحْتَ الأَلاءة فِي نَوْعَيْنِ مِنْ غُسُلٍ، ***بَاتَا عَلَيْهِ بِتَسْحالٍ وتَقْطارِ

يَقُولُ: يَسِيلُ عَلَيْهِ مَا عَلَى الشَّجَرَةِ مِنَ الْمَاءِ وَمَرَّةً مِنَ الْمَطَرِ.

والغُسْل: تَمَامُ غَسل الْجَسَدِ كُلِّهِ، وَشَيْءٌ مَغْسول وغَسِيل، وَالْجَمْعُ غَسْلى وغُسَلاء، كَمَا قَالُوا قَتْلى وقُتَلاء، والأُنثى بِغَيْرِ هَاءٍ، وَالْجَمْعُ غَسالى.

الْجَوْهَرِيُّ: مِلْحَفة غَسِيل، وَرُبَّمَا قَالُوا غَسِيلة، يَذْهَبُ بِهَا إِلى مَذْهَبِ النُّعُوتِ نَحْوَ النَّطِيحة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ أَن يَقُولَ يَذْهَبُ بِهَا مَذْهَبَ الأَسماء مِثْلَ النَّطِيحة والذَّبِيحة والعَصِيدة.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَيِّتٌ غَسِيل فِي أَموات غَسْلى وغُسَلاء وَمَيِّتَةٌ غَسيل وغَسِيلة.

الْجَوْهَرِيُّ: والمَغْسِل والمَغْسَل، بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا، مغسِل الْمَوْتَى.

الْمُحْكَمُ: مَغْسِلُ الْمَوْتَى ومَغْسَلُهم مَوْضِعُ غَسْلهم، وَالْجَمْعُ المَغاسل، وَقَدِ اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ.

والغَسُول: الْمَاءُ الَّذِي يُغْتَسل بِهِ، وَكَذَلِكَ المُغتَسَل.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ}؛ والمُغْتَسل: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُغْتَسل فِيهِ، وَتَصْغِيرُهُ مُغَيْسِل، وَالْجَمْعُ المَغاسِلُ والمَغاسيل.

وَفِي الْحَدِيثِ: وَضَعَتْ لَهُ غُسْلَه مِنَ الْجَنَابَةِ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: الغُسْلُ، بِالضَّمِّ، الْمَاءُ الْقَلِيلُ الَّذِي يُغْتَسل بِهِ كالأُكْل لِمَا يُؤْكَلُ، وَهُوَ الِاسْمُ أَيضًا مِنْ غَسَلْته.

والغَسْل، بِالْفَتْحِ: الْمَصْدَرُ، وَبِالْكَسْرِ: مَا يُغْسل بِهِ مِنْ خِطْميّ وَغَيْرِهِ.

والغِسل والغِسْلَة: مَا يُغْسَل بِهِ الرأْس مِنْ خِطْمِيٍّ وَطِينٍ وأُشْنان وَنَحْوِهِ، وَيُقَالُ غَسُّول؛ وأَنشد شَمِرٌ:

فالرَّحْبَتانِ، فأَكنافُ الجَنابِ إِلى ***أَرضٍ يَكُونُ بِهَا الغَسُّول والرَّتَمُ

وَقَالَ:

تَرْعى الرَّوائِمُ أَحْرارَ الْبُقُولِ، وَلَا ***تَرْعى، كَرَعْيكُم، طَلْحًا وغَسُّولا

أَراد بالغَسُّول الأُشنان وَمَا أَشبهه مِنَ الْحَمْضِ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ: لَا مِثْلَ رعيكُم مِلْحًا وغَسُّولا وأَنشد ابْنُ الأَعرابي لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دَارَةَ فِي الغِسْل:

فَيَا لَيْلَ، إِن الغِسْلَ مَا دُمْتِ أَيِّمًا ***عَلَيَّ حَرامٌ، لَا يَمَسُّنيَ الغِسْلُ

أَي لَا أُجامع غَيْرَهَا فأَحتاج إِلى الغِسل طَمَعًا فِي تَزَوُّجِهَا.

والغِسْلة أَيضًا: مَا تَجْعَلُهُ المرأَة فِي شَعْرِهَا عِنْدَ الِامْتِشَاطِ.

والغِسْلة: الطِّيبُ؛ يُقَالُ: غِسْلةٌ مُطَرّاة، وَلَا تَقُلْ غَسْلة، وَقِيلَ: هُوَ آسٌ يُطَرَّى بأَفاوِيهَ مِنَ الطِّيبِ يُمْتَشط بِهِ.

واغْتَسَلَ بالطِّيب: كَقَوْلِكَ تضَمَّخ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

والغَسُول: كُلُّ شَيْءٍ غَسَلْت بِهِ رأْسًا أَو ثَوْبًا أَو نَحْوَهُ.

والمَغْسِل: مَا غُسِل فِيهِ الشَّيْءُ.

وغُسالة الثَّوْبِ: مَا خَرَجَ مِنْهُ بالغَسْل.

وغُسالةُ كُلِّ شَيْءٍ: ماؤُه الَّذِي يُغْسَل بِهِ.

والغُسالة: مَا غَسَلْت بِهِ الشَّيْءَ.

والغِسْلِينُ: مَا يُغْسَلُ مِنَ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ كالغُسَالَة.

والغِسْلِينُ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ: مَا يَسِيل مِنْ جُلُودِ أَهل النَّارِ كَالْقَيْحِ وَغَيْرِهِ كأَنه يُغْسل عَنْهُمْ؛ التَّمْثِيلُ لِسِيبَوَيْهِ وَالتَّفْسِيرُ لِلسِّيرَافِيِّ، وَقِيلَ: الغِسْلِينُ مَا انْغَسل مِنْ لُحُومِ أَهل النَّارِ وَدِمَائِهِمْ، زِيدَ فِيهِ الْيَاءُ وَالنُّونُ كَمَا زِيدَ فِي عِفِرِّين؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: عِنْدَ ابْنِ قُتَيْبَةَ أَن عِفِرِّين مِثْلُ قِنَّسْرِين، والأَصمعي يَرَى أَن عِفِرِّين مُعْرَبٌ بِالْحَرَكَاتِ فَيَقُولُ عفرينٌ بِمَنْزِلَةِ سِنينٍ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ}؛ قَالَ اللَّيْثُ: غِسْلِينٌ شَدِيدُ الْحَرِّ، قَالَ مُجَاهِدٌ: طَعَامٌ مِنْ طَعَامِ أَهل النَّارِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ مَا أَنْضَجَت النَّارُ مِنْ لُحُومِهِمْ وسَقَط أَكَلوه، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الغِسْلِينُ والضَّرِيعُ شَجَرٌ فِي النَّارِ، وَكُلُّ جُرْح غَسَلْتَه فَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ غِسْلِينٌ، فِعْلِينٌ مِنَ الغَسْل مِنَ الْجَرْحِ والدبَر؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنه مَا يَسِيل مِنْ صَدِيدِ أَهل النَّارِ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: اشْتِقَاقُهُ مِمَّا يَنْغَسِل مِنْ أَبدانهم.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: «شَرابُه الحميمُ والغِسْلِينُ»، قَالَ: هُوَ مَا يُغْسَل مِنْ لُحُومِ أَهل النَّارِ وصَدِيدهم.

وغَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ: حَنْظَلَةُ بْنُ أَبي عَامِرٍ الأَنصاري، وَيُقَالُ لَهُ: حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّاهِبِ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُد وغَسَّلَتْه الْمَلَائِكَةُ؛ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رأَيت الْمَلَائِكَةَ يُغَسِّلونه وَآخَرِينَ يَسْتُرونه، فسُمِّي غَسِيل الْمَلَائِكَةِ، وأَولاده يُنْسَبون إِليه: الغَسيلِيِّين، وَذَلِكَ أَنه كَانَ أَلمَّ بأَهله فأَعجلَه النَّدْبُ عَنِ الاغتِسال، فَلَمَّا استُشْهِد رأَى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الملائكةَ يُغَسِّلونه، فأَخبر بِهِ أَهله فذَكَرَتْ أَنه كَانَ أَلمَّ بِهَا.

وغَسَلَ اللهُ حَوْبَتَك أَي إِثْمَك يَعْنِي طهَّرك مِنْهُ، وَهُوَ عَلَى الْمَثَلِ.

وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ: «واغْسِلْني بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ»أَي طَهِّرْني مِنَ الذُّنُوبِ، وذِكْرُ هَذِهِ الأَشياء مُبَالَغَةٌ فِي التَّطْهِيرِ.

وغَسَلَ الرجلُ المرأَة يَغْسِلُها غَسْلًا: أَكثر نِكَاحَهَا، وَقِيلَ: هُوَ نكاحُه إِيّاها أَكْثَرَ أَو أَقَلَّ، وَالْعَيْنُ الْمُهْمَلَةُ فِيهِ لُغَةٌ.

وَرَجُلٌ غُسَلٌ: كَثِيرُ الضِّراب لامرأَته؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ: " وَقْع الوَبِيل نَحاه الأَهْوَجُ الغُسَلُ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ واغْتَسَلَ وبَكَّرَ وابتكر فيها ونِعْمَت "؛ قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: أَكثر النَّاسِ يَذْهَبُونَ إِلى أَن مَعْنَى غَسَّلَ أَي جَامَعَ أَهله قَبْلَ خُرُوجِهِ لِلصَّلَاةِ لأَن ذَلِكَ يَجْمَعُ غضَّ الطَّرْف فِي الطَّرِيقِ، لأَنه لَا يُؤْمَن عَلَيْهِ أَن يَرَى فِي طَرِيقِهِ مَا يَشْغل قلْبَه؛ قَالَ: وَيَذْهَبُ آخَرُونَ إِلى أَن مَعْنَى قَوْلِهِ غَسَّلَ توضأَ لِلصَّلَاةِ فغَسَلَ جَوَارِحَ الْوُضُوءِ، وثُقِّل لأَنه أَراد غَسْلًا بَعْدَ غَسْل، لأَنه إِذا أَسبغ الْوُضُوءَ غَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ اغْتَسَلَ بَعْدَ ذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ؛ قَالَ الأَزهري: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُخَفَّفًا مِنْ غَسَلَ، بِالتَّخْفِيفِ، وكأَنه الصَّوَابُ مِنْ قَوْلِكَ غَسَلَ الرجلُ امرأَتَه وغَسَّلَها إِذا جَامَعَهَا؛ وَمِثْلُهُ: فَحْلٌ غُسَلَةٌ إِذا أَكثر طَرْقَها وَهِيَ لَا تَحْمِل؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُقَالُ غَسَلَ الرجلُ امرأَتَه، بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ، إِذا جَامَعَهَا، وَقِيلَ: أَراد غَسَّلَ غيرَه واغْتَسَلَ هُوَ لأَنه إِذا جَامَعَ زَوْجَتَهُ أَحْوَجَها إِلى الغُسْل.

وَفِي الْحَدِيثِ: مَنْ غَسَلَ الميِّتَ فلْيَغْتَسِلْ "؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا أَعلم أَحدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ يُوجِبُ الِاغْتِسَالَ مِنْ غُسْل الْمَيِّتِ وَلَا الْوُضُوءَ مِنْ حَمْلِه، وَيُشْبِهُ أَن يَكُونَ الأَمر فِيهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: الغُسْل مِنْ غسْل الْمَيِّتِ مَسْنُونٌ، وَبِهِ يَقُولُ الْفُقَهَاءُ؛ قَالَ الشَّافِعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وأُحِبُّ الغُسْل من غسْلِ الميِّت، وَلَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ قُلْتُ بِهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ أَنه قَالَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ: وأُنْزِلُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُه الْمَاءُ تقرؤُه نَائِمًا ويَقْظانَ "؛ أَراد أَنه لَا يُمْحَى أَبدًا بَلْ هُوَ مَحْفُوظٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتوا الْعِلْمَ، لَا يأْتيه الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، وَكَانَتِ الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ لَا تُجْمَع حِفْظًا وإِنما يُعْتَمَدُ فِي حِفْظِهَا عَلَى الصُّحُفِ، بِخِلَافِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فإِن حُفَّاظَه أَضعاف مُضَاعَفَةٌ لصُحُفِه، وَقَوْلُهُ تقرؤُه نَائِمًا وَيَقْظَانَ أَي تَجْمَعُهُ حِفْظًا فِي حَالَتَيِ النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ، وَقِيلَ: أَراد تقرؤُه فِي يُسْرٍ وَسُهُولَةٍ.

وغَسَلَ الفحلُ الناقةَ يَغْسِلُها غَسْلًا: أَكثر ضِرابها.

وَفَحْلٌ غِسْلٌ وغُسَلٌ وغَسِيل وغُسَلة، مِثَالُ هُمَزة، ومِغْسَلٌ: يُكْثِرُ الضِّرَابَ وَلَا يُلَقِّحُ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ.

وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ إِذا عَرِق: قَدْ غُسِلَ وَقَدِ اغْتَسَلَ؛ وأَنشد: " وَلَمْ يُنْضَحْ بماءٍ فيُغْسَل وَقَالَ آخَرُ:

وكلُّ طَمُوحٍ فِي العِنانِ كأَنها، ***إِذا اغْتَسَلَتْ بِالْمَاءِ، فَتْخاءُ كاسِرُ

وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:

لَا تَذْكُروا حُلَلَ المُلوك فإِنكم، ***بَعْدَ الزُّبَيْر، كحائضٍ لَمْ تُغْسَل

أَي تغتَسِل.

وَفِي حَدِيثِ الْعَيْنِ: «العَيْنُ حَقٌّ فإِذا اسْتُغْسِلْتُم فاغْسِلوا»أَي إِذا طَلَبَ مَن أَصابته العينُ مِنْ أَحد جَاءَ إِلى الْعَائِنِ بقدَح فِيهِ مَاءٌ، فيُدْخل كَفَّهُ فِيهِ فَيَتَمَضْمَضُ، ثُمَّ يمجُّه فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَصُبُّ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى فَيَصُبُّ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يدَه الْيُسْرَى فَيَصُبُّ عَلَى مِرْفَقِهِ الأَيمن، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى فَيَصُبُّ عَلَى مِرْفَقِهِ الأَيسر، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَصُبُّ عَلَى قَدَمِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى فَيَصُبُّ عَلَى قَدَمِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَصُبُّ عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى فَيَصُبُّ عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَغْسِلُ دَاخِلَةَ الإِزارِ، وَلَا يوضَع القدحُ عَلَى الأَرض، ثُمَّ يُصَبُّ ذَلِكَ الْمَاءُ المستعمَل عَلَى رأْس الْمُصَابِ بِالْعَيْنِ مِنْ خلفِه صبَّة وَاحِدَةً فيبرأُ بإِذن اللَّهِ تَعَالَى.

وغَسَلَه بالسَّوط غَسْلًا: ضرَبه فأَوجعه.

والمَغَاسِلُ: مَوَاضِعُ مَعْرُوفَةٌ، وَقِيلَ: هِيَ أَوْدِية قِبَل الْيَمَامَةِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:

فَقَدْ نَرْتَعِي سَبْتًا وأَهلُك حِيرةً، ***مَحَلَّ الملوكِ نُقْدة فالمَغَاسِلا

وذاتُ غِسْل: مَوْضِعٌ دُونَ أَرض بَنِي نُمَير؛ قَالَ الرَّاعِي:

أَنَخْنَ جِمالَهنَّ بِذَاتِ غِسْلٍ ***سَراةُ الْيَوْمِ يَمْهَدْن الكُدونا

ابْنُ بَرِّيٍّ: والغَاسُول جَبَلٌ بِالشَّامِ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

تَظَلُّ إِلى الغَاسُول تَرعى، حَزينَةً، ***ثَنايا بِراقٍ ناقتِي بالحَمالِق

وغَاسِلٌ وغَسْوِيل: ضَرْبٌ مِنَ الشَّجَرِ؛ قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ:

تَرْعَى الرَّوائمُ أَحْرارَ البُقول بِهَا، ***لَا مِثْلَ رَعْيِكُمُ مِلْحًا وغَسْوِيلا

والغَسْوِيل وغَسْوِيل: نَبْتٌ يَنْبُتُ فِي السِّبَاخِ، وَعَلَى وَزْنِهِ سَمْوِيل، وَهُوَ طَائِرٌ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com