نتائج البحث عن (فَأُسْقِطَتْ)

1-العباب الزاخر (خبط)

خبط

البعير الأرض بيده يخبطها خبطًا: ضربها ومنه قليل: خبط عشواء وهي الناقة التي في بصرها ضعف؛ تخبط إذا مشت لا تتوقى شيئًا: قال زهير بن أبي سلمى:

«رأيت المنايا خبط عشواء من تصب *** تمته ومن تخطى يعمر فـيهـرم»

وفي حديث علي -رضى الله عنه-: خباط عشوات، أي يخبط في ظلمات. وخابط العشوة: نحو واطئ العشوة وهو الذي يمشي في الليل بلا مصباح فيتحير ويضل؛ وربما تردى في بئر أو سقط على السبع.

ويقال: هو يخبط في عمياء: إذا ركب أمرًا فهاله.

وفي حديث سعد -رضى الله عنه-: لا تخبطوا خبط الجمل ولا تمطوا بأمين "22-أ"، نهى أن تقدم الرجل عند القيام من السجود.

وفي حديث مكحول: انه مر برجل نائم بعد العصر فدفعه برجله وقال: لقد عوفيت، لقد دفع عنك، إنها ساعة مخرجهم؛ وفيها ينتشرون؛ وفيها تكون الخبتة. قال شمر: كان مكحول في لسانه لكنه، وإنما أراد: الخبطة.

وخبط الرجل: إذا طرح نفسه حيث كان لينام، قال:

«بشدخن بالليل الشجاع الخابطا»

وخبطت الشجرة خبطًا: إذا ضربتها بالعصا ليسقط ورقها، ومنه الحديث: أن تعضد أو تخبط، وقد كتب الحديث بتمامه في تركيب ع ض د.

والمخبط: العصا التي يخبط بها الورق، ومنه الحديث: أن امرأتين من هذيل كانت إحداهما حبلى فضربتها ضرتها بمخبط فأسقطت، فحكم النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه بغرة. وقال كثير:

«إذا ما رآني بارِزًا حـالَ دونـهـا *** بمخبطه يا حسن من أنت ضارب»

وقال آخر:

«لم تدر ما سا للحمـير ولـم *** تضرب بكف مخابط السلم»

وسئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل يضر الغبط؟ فقال: لا؛ إلا كما يضر العضاة الخبط. والمعنى: أن أضرار الغبط لا يبلغ ضرار الحسد، لأنه ليس فيه ما في الحسد من تمني زوال النعمة عن المحسود. ومثل ما يلحق عمل الغابط من الضرر الراجع إلى نقصان الثواب دون الإحباط بما يلحق العضاة من خبط ورقها الذي هو دون قطعها واستئصالها.

وخَبَطْتُ الرَّجُلَ: إذا انعمت عليه من غير معرفةٍ، قال عَلْقَمَةُ بن عبيدة يمدح الحارث بن أبي شمر ويستعطفه لأخيه شأسٍ:

«وفي كلَّ حَيَّ قد خَبَطْتَ بِنعْمَةٍ *** فَحُقَّ لِشَأسٍ من نَدارك ذَنُوْبُ»

فقال الحارث: نضعَمْ وأذْنِنَبة، وكان أسَر شَأسَ بن عبيدة يوم عَيْنِ أُباغَ، فأطلق شأسًا وسبعين أسيرًا من بني تميم.

وخَبَطَه أيضًا: سَأله، وهو مستعار من خبط الورق، قال زهير بن أبى سلمى يمدح هَرمَ بن سِنَانٍ:

«وليس مانِعٍ ذي قُربى ولا رَحِـمٍ *** يمومًا ولا مُعْدِمًا من خابطٍ وَرَقا»

وقولهم: ما أدري أي خابِطِ لَيلٍ هو؟: أي الناس هو.

وقال ابن شُميل: الخَبْطَةُ: الزكام، وقد خُبِطَ الرجل على ما لم يُسَمَّ فاعله-، وقال الليثي: الخَبْطَةُ كالزُّكمِة تصيب في قُبل الشتاء.

وقال ابن الأعرابي: الخَبْطَةُ والخِبْطَةُ: بقية الماء في الغدير والحوض والاناء.

وقال أبو زيد: الخِبْطَةُ -بالكسر- القليل من اللَّبَن. قال: والخِبْطُ من الماء: الرَّفَضُ، وهو ما بين الثلث إلى النصف من السقاء والحوض والغدير والإناء. قال: وفي القِرْبَةِ خِبطَةٌ من ماءٍ، وهي مثل الجزْعَةِ ونحوها، ولم يعرف له فعلًا.

ويقال أيضًا: كان ذلك بعد خِبْطَةٍ من اللَّيلِ: أي بعد صدرٍ منه.

والخِبْطَةٌ أيضًا: القطعة من البيوت والناس، والجمع: خِبَطٌ وخَبَطَ بعيره خَبْطًا: وسمه بالخبَاط -بالكسر- والخِبَاطُ: سمة في الفخذ طويلة عرضًا؛ وهي لبني سعد، قال المنتخل الهذلي:

«مَعَابِلَ غير أرصافٍ ولكـن *** كُسِيْنَ ظُهَارَ أسْوَدَ كالخِبَاطِ»

غير أرصاف: أي ليست بمشدودة بعقب وقال الليث: الخَبِطُ من الخيل والخبوطُ: الذي يَخْبِطُ بيديه أي يضرب بيديه.

وقال ابن بُزُرجَ: يقال: عليه خَبْطَةٌ جميلة أي مسحة جميلة في هيئته وسحنته وقال الليث: الخَبِيْطُ: حوض قد خَبَطَته الإبلُ حتى هدمته، ويقال: إنما سمي خَبِيْطًا لأنه خُبِطَ طينه بالأرجل عند بنائه، وأنشد:

«ونُؤي كأعْضَادِ *** الخَبِيْطِ المُهَدمِ»

وقال أبو مالك: هو الحَوْضُ الصغير.

قال: والخَبيْطُ: لبن رائب أو مَخِيضٌ يصب عليه حليب من لبن ثم يضرب حتى يختلط، وأنشد:

«أو فَيْضَـهُ مـن حـازرٍ خَـبِـيطِ *** والخَبِيْطُ من الماء: مثل الصُلْصُلةِ.»

وقال ابن عباد: الخُبَّاطُ من السمك: أولاد الكَنْعَدِ الصغار.

والخَبَطُ -بالتحريك-: موضع بأرض جهينة بالقَبِليَّةِ على خمسة أيام من المدينة -على ساكنيها السلام- بناحية الساحل.

والخَبَطُ -بالتحريك-: الورق المْخُبْوطُ، فعل بمعنى مفعول، كالهدم والنفض، وقال الدينوري: الخَبَطُ وَرَقُ الشجر ينفض بالمخَابِطِ، ثم يجفف ويطحن ويكون علفًا للإبل يخلط بدقيق أو غيره ويوخف بالماء ثم توجره الإبل، وسمي خَبَطًا لأنه يخبط بالعصا حتى ينتثر.

وسرية الخَبَطِ: من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم- أميرها أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- إلى حيَّ من جهينة بالقلّبَليَّة مما يلي ساحل البحر. وبينها وبين المدينة خمس ليالٍ. فأصابهم في الطريق جوع شديد فأكلوا الخَبَطَ. فسموا جَيْسَ لخَبَط وسرية الخَبَطِ.

وقال ابن عبادٍ: المخْبِطُ: المُطرِقُ.

وقوله تعالى: (لا يقُوموُنَ إلا كما يقوم الذي يَتَخِبَّطُه الشيطان من المَسَّ) أي كما يقوم المجنون في حال جنونه إذا صُرع فسقط، وكل من ضربه البعير بيده فَصرَعه فقد خَبَطَه وتَخَبَّطَه، وقيل: يَتَخَبَّطُه أي يفسده.

واخْتَبَطَني فلان: إذا جاءك يطلب معروفك من غير آصرةٍ، قال ابن فارس: الأصل فيه أن الساري إليه أو السائر لا بد من أن يَخْتَبِطَ الأرض؛ ثم اختصر الكلام فقيل للآتي طالبًا جدوى: مُخْتَبِطُ، قال:

«ومُخْتَبِطٍلم يَلقْ من دُوننا كُـفَـىَ *** وذات رَضيْعٍ لم يُنِمها رضيعها»

الكُفى: جمع كُفْيَةٍ وهي القُوتُ.

وقال لبيد -رضي الله عنه-:

«لِيَبك على النُّعْمان شَرب وقَيْيَنةٌ *** ومُخْتَبطات كالسَّعَالي أرامِلُ»

ويقال: اخْتَبَطَ البعيرُ: أي خَبَطَ، قال جَسّاسُ ابن قُطيبٍ يصف فحلًا"

«خَوّى قَليلًا غَيْر ما اخْتباطِ *** على مَثَاني عُسُبٍ سِبَاطِ»

والتركيب يدل على وَطءٍ وضَربٍ.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


2-معجم البلدان (جوشن)

جَوْشَنُ:

بالفتح ثم السكون، وشين معجمة، ونون والجوشن الصدر، والجوشن الدرع، وجوشن:

جبل مطلّ على حلب في غربيّها، في سفحه مقابر ومشاهد للشيعة، وقد أكثر شعراء حلب من ذكره جدّا فقال منصور بن المسلم بن أبي الخرجين النحوي الحلبي من قصيدة:

«عسى مورد من سفح جوشن ناقع، *** فإني إلى تلك الموارد ظمآن»

«وما كلّ ظنّ ظنّه المرء كائن، *** يحوم عليه للحقيقة برهان»

وقرأت في ديوان شعر عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي عند قوله:

«يا برق طالع من ثنيّة جوشن *** حلبا، وحيّ كريمة من أهلها»

«واسأله هل حمل النسيم تحيّة *** منها، فإنّ هبوبه من رسلها»

«ولقد رأيت، فهل رأيت كوقفة *** للبين يشفع هجرها في وصلها؟»

ثم قال: جوشن جبل في غربي حلب، ومنه كان يحمل النحاس الأحمر وهو معدنه، ويقال: إنه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين بن عليّ، رضي الله عنه، ونساؤه، وكانت زوجة الحسين حاملا فأسقطت هناك فطلبت من الصّنّاع في ذلك الجبل خبزا وماء فشتموها ومنعوها، فدعت عليهم، فمن الآن من عمل فيه لا يربح، وفي قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط ويسمّى مشهد الدّكة، والسقط يسمى محسن بن الحسين، رضي الله عنه.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


3-معجم البلدان (ماوان)

مَاوَان:

بالواو المفتوحة، وآخره نون، وأصله من أوى إليه يأوي إذا التجأ، ومأوي الإبل، بكسر الواو، نادر، وماوان يجوز أن يكون تثنية الماء قلبت همزة الماء واوا وكان القياس أن تقلب هاء فيقال ماهان ولكن شبّهوه بما الهمزة فيه منقلبة عن ياء أو واو، ولما كان حكم الهاء أن لا تهمز في هذا الموضع بل اشتبهت بحروف المد واللين فهمزوه لذلك اطّرد فيها ذلك لشبهه، وعندي أنه من أوى إليه يأوي فوزنه مفعان وأصله مفعلان وحقه على ذلك أن يكون مأووان على مثال مكرمان وملكعان وملأمان إلا أن لام مفعلان في ماوان ساكنة لأنه من أوى وجاءت ألف مفعلان ساكنة فاجتمع ساكنان فاستثقل فلم يمكن النطق به فأسقطت لا الفعل وبقيت ألف مفعلان تدل على الوزن والقصد بهذا التعسّف أن يكون المعنى مطابقا للفظ لأن الموضع يؤوى إليه أو أن المياه تكثر به، فأما ماوان السّنّور فليس بينه وبين مساكن العرب مناسبة ولعلّ أكثرهم ما يدري ما السنور: وهي قرية في أودية العلاة من أرض اليمامة بها قوم من بني هزّان وربيعة وهم ناس من اليمن، وقال ابن دريد: يهمز ولا يهمز ويضاف إليه ذو، وقال عروة بن الورد العبسي:

«وقلت لقوم في الكنيف تروّحوا *** عشيّة بتنا دون ماوان رزّح»

«تنالوا الغنى أو تبلغوا بنفوسكم *** إلى مستراح من حمام مبرّح»

«ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا *** من المال يطرح نفسه كلّ مطرح»

«ليبلغ عذرا أو ينال رغيبة، *** ومبلغ نفس عذرها مثل منجح»

قال ابن السكيت: ماوان هو واد فيه ماء بين النّقرة والرّبذة فغلب عليه الماء فسمي بذلك الماء ماوان، قاله في شرح شعر عروة، وكانت منازل عبس فيما بين أبانين والنقرة وماوان والربذة هذه كانت منازلهم.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


4-معجم القواعد العربية (همزة الاستفهام)

همزة الاستفهام:

1 ـ هي أصل أدوات الاستفهام، بل هي ـ كما يقول سيبويه ـ حرف الاستفهام الذي لا يزول عنه لغيره، وليس للاستفهام في الأصل غيره، وإنّما تركوا الألف ـ أي همزة الاستفهام ـ في: «من، ومتى، وهل»، ونحوهن، حيث أمنوا الالتباس، ولهذا خصّت بأحكام:

(أحدها) جواز حذفها سواء تقدّمت على «أم» كقول ابن أبي ربيعة:

«فو الله ما أدري وإن كنت داريا *** بسبع رمين الجمر أم بثمان؟»

أراد: أبسبع.

أم لم تتقدّمها كقول الكميت:

طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ولا لعبا مني، وذو الشيب يلعب؟

(الثاني) أنّها ترد لطلب التصوّر نحو «أخالد مقبل أم عبيدة». ولطلب التّصديق نحو «أمحمّد قادم» وبقيّة أدوات الاستفهام مختصّة بطلب التصوّر إلّا «هل» فهي مختصّة بطلب التصديق.

(الثالث) أنّها تدخل على الإثبات كما تقدّم، وعلى النّفي نحو: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}.

(الرابع) تمام التّصدير، وذلك أنّها أوّلا: لا تذكر بعد «أم» التي للإضراب كما يذكر غيرها، لا تقول: «أقرأ خالد أم أكتب» وتقول: «أم هل كتب» وثانيا: أنّها إذا كانت في جملة معطوفة ب «الواو» أو ب «الفاء» أو «ثمّ» قدّمت على العاطف تنبيها على أصالتها في التّصدير: نحو: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا} {أَفَلَمْ يَسِيرُوا} {أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} وأخواتها تتأخّر عن حروف العطف نحو: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ} {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} {فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ}.

(الخامس) تختلف همزة الاستفهام عن غيرها اختلافا في أمور كثيرة، وما يجوز فيها لا يجوز بغيرها.

فيجوز أن يأتي بعدها اسم منصوب فتقول: «أعبد الله ضربته» و «أزيدا مررت به» و «أعمرا قتلت أخاه» أو «أعمرا اشتريت له ثوبا» ففي كل هذا قد أضمرت بين همزة الاستفهام والاسم بعدها ـ فعلا، والفعل المذكور تفسيره، قال جرير:

«أثعلبة الفوارس أم رياحا *** عدلت بهم طهيّة والخشابا »

ومثل ذلك: «ما أدري أزيدا مررت به أم عمرا» أو «ما أبالي أعبد الله لقيت أم عمرا» وتقول في الرّفع بعد همزة الاستفهام «أعبد الله ضرب أخوه زيدا»، لا يكون إلّا الرفع، لأنّ الذي من سبب عبد الله ـ وهو أخوه ـ مرفوع لأنّه فاعل، فيرتفع إذا ارتفع الذي من سببه، كما ينتصب إذا انتصب، ويكون الفعل المضمر ما يرفع، كما أضمرت في الأول ما ينصب.

فإن جعلت زيدا الفاعل قلت: «أعبد الله ضرب أخاه زيد»....

2 ـ دخول همزة الاستفهام على همزة الوصل:

همزة الاستفهام إذا دخلت على همزة الوصل، ثبتت همزة الاستفهام وسقطت همزة الوصل، وذلك لأنّ همزة الوصل إنما أتي بها ليتوصّل بها إلى النطق بالساكن الذي بعدها، فلمّا دخلت عليها همزة الاستفهام استغني عنها بهمزة الاستفهام، فأسقطت، نحو قولك في الاستفهام «أبن زيد أنت؟» و «أمرأة عمرو أنت؟» «أستضعفت زيدا؟» «أشتريت كتابا؟» ومنه قوله تعالى: {أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا} ؟ {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} ؟

{أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ} ؟ {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِبًا} إلى كثير من الأمثال. وقال ابن قيس الرّقيّات:

فقالت: أبن قيس ذا؟

وبعض الشّيب يعجبها وقال ذو الرّمّة:

أستحدث الرّكب عن أشياعهم خبرا؟

أم راجع القلب من أطرابه طرب؟

3 ـ همزة الاستفهام والقسم:

تقول: «آلله» مستفهما مع التّأكيد بالقسم، وكذلك «آيم الله؟» و «آيمن الله؟»، فهمزة الاستفهام نابت عن «واو» القسم وجرّ بها المقسم به، ولا تحذف هنا همزة الوصل من لفظ الجلالة أو «أيم» أو «ايمن» وإنما تجعل مدّة كما لو دخلت على غير القسم فتقول: «آلرّجل فعل ذلك؟». فهمزة الاستفهام هنا حملت معنيين: الاستفهام ونيابة الواو في القسم فإذا قلت: «آلله لتفعلنّ؟» فكأنّك قلت: «أتقسم بالله لتفعلنّ».

4 ـ دخول همزة الاستفهام على «أل» التّعريفيّة:

إذا دخلت همزة الاستفهام على «أل» همزت الأولى ومددت الثّانية لا غير وأشممت الفتحة بلا نبرة كقولك «الرّجل قال ذاك؟» آلسّاعة جئت؟» ومنه قوله تعالى: {آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} ؟ {آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ}، {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ}.

وقال معن بن أوس:

«فو الله ما أدري أالحبّ شفّه *** فسلّ عليه جسمه أم تعبّدا»

5 ـ خروج الهمزة عن الاستفهام الحقيقي:

قد تخرج «الهمزة» عن الاستفهام الحقيقي فترد لثمانية معان:

(1) التّسوية: وهي التي تقع بعد كلمة «سواء» أو «ما أبالي» أو «ما أدري» و «ليت شعري» ونحوهن.

والضّابط: أنّها الهمزة الدّاخلة على جملة يصحّ حلول المصدر محلّها نحو: {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} أي سواء عليهم استغفارك وعدمه وهو فاعل «سواء».

(2) الإنكار الإبطالي: وهذه تقتضي أنّ ما بعدها ـ إذا أزيل الاستفهام ـ غير واقع، وأنّ مدّعيه كاذب نحو: {أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثًا}، {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} {أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} ومنه: {أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ} {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ومنه قول جرير في عبد الملك:

«ألستم خير من ركب المطايا *** وأندى العالمين بطون راح؟»

(3) الإنكار التّوبيخي: وهذه تقتضي أنّ ما بعدها واقع وأنّ فاعله ملوم نحو: {أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ} {أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ}.

(4) التقرير: ومعناه حملك المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقرّ عنده ثبوته أونفيه، ويجب أن يليها الشّيء الذي تقرّره به، تقول في التقرير بالفعل «أنصرت بكرا» وبالفاعل «أأنت نصرت بكرا» وبالمفعول «أبكرا نصرت».

(5) التّهكّم: نحو: {قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا}.

(6) الأمر: نحو: {أَأَسْلَمْتُمْ} أي أسلموا.

(7) التّعجّب: نحو: {أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ}.

(8) الاستبطاء: نحو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ}.

معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذُيّل بالإملاء-عبدالغني الدقر-صدر: 1404ه‍/1984م


5-موسوعة الفقه الكويتية (تبعية)

تَبَعِيَّةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- التَّبَعِيَّةُ: كَوْنُ الشَّيْءِ مُرْتَبِطًا بِغَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ.وَالتَّابِعُ: هُوَ التَّالِي الَّذِي يَتْبَعُ غَيْرَهُ، كَالْجُزْءِ مِنَ الْكُلِّ، وَالْمَشْرُوطِ لِلشَّرْطِ.وَلَا يَخْرُجُ الِاسْتِعْمَالُ الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ.

أَقْسَامُ التَّبَعِيَّةِ:

التَّبَعِيَّةُ قِسْمَانِ:

2- الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَا اتَّصَلَ بِالْمَتْبُوعِ فَيُلْحَقُ بِهِ.لِتَعَذُّرِ انْفِرَادِهِ عَنْهُ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ فَإِنَّهَا تَحْصُلُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ تَبَعًا لَهَا، عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَالصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ.وَذَلِكَ بِشُرُوطٍ وَتَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (ذَبَائِحُ).

وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا: الْحَمْلُ، فَإِنَّهُ لَا يُفْرَدُ فِي الْبَيْعِ، بَلْ يَتْبَعُ الْأُمَّ بِلَا خِلَافٍ.

3- الْقِسْمُ الثَّانِي:

مَا انْفَصَلَ عَنْ مَتْبُوعِهِ وَالْتَحَقَ بِهِ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ: الصَّبِيُّ إِذَا أُسِرَ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

الْأُولَى: أَنْ يُسْبَى الصَّبِيُّ مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ، فَيَصِيرَ مُسْلِمًا إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الدِّينَ إِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ تَبَعًا، وَقَدِ انْقَطَعَتْ بِتَبَعِيَّتِهِ لِأَبَوَيْهِ لِانْقِطَاعِهِ عَنْهُمَا.

الثَّانِيَةُ: أَنْ يُسْبَى مَعَ أَبَوَيْهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى دِينِهِمَا (تَبَعًا) وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ.

الثَّالِثَةُ: أَنْ يُسْبَى مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ سُبِيَ مَعَ أَبِيهِ يَتْبَعُهُ، وَإِنْ سُبِيَ مَعَ أُمِّهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا فِي النَّسَبِ، فَكَذَلِكَ فِي الدِّينِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: مَنْ سُبِيَ مِنْ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا: وَلَدُ الْمُسْلِمِ، فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ كَافِرَةً اتِّفَاقًا.

أَحْكَامُ التَّبَعِيَّةِ:

4- التَّبَعِيَّةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا جُمْلَةٌ مِنَ الْأَحْكَامِ، تَرْجِعُ كُلُّهَا إِلَى قَاعِدَةٍ فِقْهِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ (التَّابِعُ تَابِعٌ) وَمَعْنَى كَوْنِ التَّابِعِ تَابِعًا: هُوَ أَنَّ مَا كَانَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فِي الْوُجُودِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْحُكْمِ، بَلْ يَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ مَعَ مَتْبُوعِهِ، فَإِذَا بِيعَ حَيَوَانٌ فِي بَطْنِهِ جَنِينٌ دَخَلَ الْجَنِينُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَلَا يَجُوزُ إِفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ، وَمِثْلُ هَذَا الصُّوفُ عَلَى الْغَنَمِ، وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ.وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ التَّابِعُ شَيْئًا لَا يَقْبَلُ الِانْفِكَاكَ عَنْ مَتْبُوعِهِ، بِأَنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ، كَالْمِفْتَاحِ مِنَ الْقَفْلِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لَهُ، أَوْ كَانَ شَيْئًا جَرَى فِي عُرْفِ الْبَلَدِ أَنَّهُ مِنْ مُشْتَمِلَاتِهِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ.

فَمَثَلًا بَيْعُ الدَّارِ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَطْبَخُ، وَفِي بَيْعِ حَدِيقَةِ زَيْتُونٍ تَدْخُلُ أَشْجَارُ الزَّيْتُونِ.

هَذَا، وَقَدْ فَرَّعَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى قَاعِدَةِ: (أَنَّ التَّابِعَ تَابِعٌ) عَدَدًا مِنَ الْقَوَاعِدِ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَنْثُورِ، وَالسُّيُوطِيُّ وَابْنُ نُجَيْمٍ فِي كِتَابَيْهِمَا الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا الْقَرَافِيُّ فِي الْفُرُوقِ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالتِّسْعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، الَّذِي فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتْبَعُ الْعَقْدَ عُرْفًا وَمَا لَا يَتْبَعُهُ.وَتِلْكَ الْقَوَاعِدُ الْفَرْعِيَّةُ هِيَ:

أ- التَّابِعُ لَا يُفْرَدُ بِالْحُكْمِ:

5- الْمُرَادُ بِالتَّابِعِ الَّذِي لَا يُفْرَدُ بِالْحُكْمِ عَنْ مَتْبُوعِهِ هُوَ الَّذِي لَا يُوجَدُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ، بَلْ يَكُونُ وُجُودُهُ تَبَعًا لِوُجُودِ مَتْبُوعِهِ، بِأَنْ يَكُونَ جُزْءًا أَوْ كَالْجُزْءِ مِنْهُ، فَحِينَئِذٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا مُسْتَقِلًّا فِي الْعَقْدِ لِيَتَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ، كَالْجَنِينِ فِي بَطْنِ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا عَنْ أُمِّهِ، وَكَحَقِّ الشُّرْبِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا عَنِ الْأَرْضِ.

وَكَمَنْ بَاعَ دَارًا بِحُقُوقِهَا، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَتَنَاوَلُ أَرْضَهَا وَبِنَاءَهَا وَمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا مِمَّا هُوَ مِنْ مَصْلَحَتِهَا، كَالْأَبْوَابِ الْمَنْصُوبَةِ، دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ مَصَالِحِهَا، كَالْكَنْزِ وَالْأَحْجَارِ الْمَدْفُونَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُودَعٌ فِيهَا لِلنَّقْلِ عَنْهَا، فَأَشْبَهَ الْفُرُشَ وَالسُّتُورَ.

وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا يَسْتَقِلُّ التَّابِعُ فِيهَا بِالْحُكْمِ عَنْ مَتْبُوعِهِ، وَمِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ: إِفْرَادُ الْحَمْلِ بِالْوَصِيَّةِ دُونَ أُمِّهِ بِشَرْطِ أَنْ يُولَدَ حَيًّا.لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَهَذَا الْقَدْرُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (وَصِيَّةٌ، ثُبُوتُ النَّسَبِ، وَالْمِيرَاثُ).

ب- مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ:

6- تَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ الْأُصُولَ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، وَتِلْكَ الْأُصُولُ تَدْخُلُ تَحْتَ أَصْلَيْنِ:

الْأَوَّلُ: كُلُّ مَا كَانَ فِي الدَّارِ مِنْ بِنَاءٍ وَغَيْرِهِ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْبَيْعِ عُرْفًا، مِثْلُ مُلْحَقَاتِ الدَّارِ كَالْمَطْبَخِ وَالْحِجَارَةِ الْمُثَبَّتَةِ فِي الْأَرْضِ وَالدَّارِ لَا الْمَدْفُونَةِ.

الثَّانِي: مَا كَانَ مُتَّصِلًا اتِّصَالَ قَرَارٍ، كَالشَّجَرِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِلَا ذِكْرٍ، وَعَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَيْضًا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبَيْعِ، وَنَصَّ فِي الرَّهْنِ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ فِيمَا لَوْ رَهَنَ الْأَرْضَ وَأَطْلَقَ.وَأَمَّا الْأَصْحَابُ فَلَهُمْ فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ طُرُقٌ، أَصَحُّهَا عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ (أَيْ دُخُولُ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَعَدَمُ دُخُولِهَا فِي الرَّهْنِ).وَالثَّانِي: فِيهِمَا قَوْلَانِ، وَالثَّالِثُ: الْقَطْعُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ فِيهِمَا، قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ.

ج- التَّابِعُ يَسْقُطُ بِسُقُوطِ الْمَتْبُوعِ:

7- هَذِهِ الْقَاعِدَةُ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَنْثُورِ وَالسُّيُوطِيُّ وَابْنُ نُجَيْمٍ فِي كِتَابَيْهِمَا.

وَمُرَادُهُمْ بِالتَّابِعِ الَّذِي يَسْقُطُ بِسُقُوطِ مَتْبُوعِهِ ذَلِكَ التَّابِعُ الَّذِي يَتْبَعُ غَيْرَهُ فِي الْوُجُودِ، وَمِنَ الْفُرُوعِ الَّتِي تَذْكُرُهَا كُتُبُ الْقَوَاعِدِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ: أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي أَيَّامِ الْجُنُونِ، وَقِيلَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ قَضَاءُ سُنَنِهَا الرَّاتِبَةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ سَقَطَ فَكَذَا تَابِعُهُ.

وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِعَدَمِ الْوُقُوفِ فَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، فَلَا يَأْتِي بِالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ؛ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلْوُقُوفِ وَقَدْ سَقَطَ.

وَمِمَّا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: الْأَخْرَسُ الْعَاجِزُ عَنِ التَّلَفُّظِ بِالتَّكْبِيرِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَعِنْدَ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ تَكْفِيهِ النِّيَّةُ، وَيُكَبِّرُ بِقَلْبِهِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ لِلْعَاجِزِ عَنِ النُّطْقِ عَبَثٌ كَمَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ، بَلْ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَلَوْ قِيلَ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ لَكَانَ أَقْوَى.

وَمِمَّا خَرَجَ عَنْهَا أَيْضًا: إِمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْأَقْرَعِ لِلتَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَوَاجِبٌ أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالشَّعْرِ فَتَنْتَقِلُ إِلَى الْبَشَرَةِ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ بِالنَّدْبِ، وَالْحَنَابِلَةُ بِالِاسْتِحْبَابِ.

وَمِمَّا خَرَجَ عَنْهَا فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ: مَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِوَارِثٍ ثَالِثٍ مُشَارِكٍ لَهُمَا فِي الْمِيرَاثِ لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَتَبَعَّضُ، فَلَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ دُونَ الْمُنْكِرِ، وَلَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُنْكِرٌ، وَلَمْ تُوجَدْ شَهَادَةٌ يَثْبُتُ بِهَا النَّسَبُ، وَلَكِنَّهُ يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي الْمِيرَاثِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ مَالٍ لَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِهِ، فَلَزِمَهُ الْمَالُ.

هَذَا، وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ وَابْنُ نُجَيْمٍ قَاعِدَةً أُخْرَى قَرِيبَةً مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُمُ (الْفَرْعُ يَسْقُطُ إِذَا سَقَطَ الْأَصْلُ) وَجَاءَ فِي شَرْحِ الْمَجَلَّةِ: أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ مُطَّرِدَةٌ فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَالْمَعْقُولَاتِ.فَالشَّيْءُ الَّذِي يَكُونُ وُجُودُهُ أَصْلًا لِوُجُودِ شَيْءٍ آخَرَ يَتْبَعُهُ فِي الْوُجُودِ، يَكُونُ ذَلِكَ فَرْعًا مُبْتَنِيًا عَلَيْهِ، كَالشَّجَرَةِ إِذَا ذَوَتْ ذَوَى ثَمَرُهَا، وَكَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى أَصْلٌ وَجَمِيعُ الْأَعْمَالِ فُرُوعُهُ، فَإِذَا سَقَطَ الْإِيمَانُ- وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى- حَبَطَتِ الْأَعْمَالُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ.

وَمِنْ فُرُوعِهَا قَوْلُهُمْ: إِذَا بَرِئَ الْأَصِيلُ بَرِئَ الضَّامِنُ، أَيِ الْكَفِيلُ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ.

وَقَدْ يَثْبُتُ الْفَرْعُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ الْأَصْلُ، كَمَا لَوِ ادَّعَى الزَّوْجُ الْخُلْعَ، وَأَنْكَرَتِ الزَّوْجَةُ، ثَبَتَتِ الْبَيْنُونَةُ بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِمَا يُوجِبُهَا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ الْمَالُ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ.

د- يُغْتَفَرُ فِي التَّوَابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا:

8- هَذِهِ الْقَاعِدَةُ ذَكَرَهَا السُّيُوطِيُّ وَابْنُ نُجَيْمٍ، وَقَرِيبٌ مِنْهَا قَوْلُهُمْ: يُغْتَفَرُ فِي الشَّيْءِ ضِمْنًا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِيهِ قَصْدًا، وَقَوْلُهُمْ: يُغْتَفَرُ فِي الثَّوَانِي مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْأَوَائِلِ، وَقَوْلُهُمْ: أَوَائِلُ الْعُقُودِ تُؤَكَّدُ بِمَا لَا يُؤَكَّدُ بِهَا أَوَاخِرُهَا، وَإِنَّمَا اُغْتُفِرَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلشَّيْءِ قَصْدًا شُرُوطٌ مَانِعَةٌ، وَإِذَا ثَبَتَ ضِمْنًا أَوْ تَبَعًا لِشَيْءٍ آخَرَ يَكُونُ ثُبُوتُهُ ضَرُورَةَ ثُبُوتِهِ لِمَتْبُوعِهِ أَوْ مَا هُوَ فِي ضِمْنِهِ.

وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: أَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، أَمَّا لَوْ شَهِدْنَ بِالْوِلَادَةِ عَلَى الْفِرَاشِ يَثْبُتُ النَّسَبُ تَبَعًا، حَتَّى لَوْ كَانَتِ الشَّاهِدَةُ فِي الْوِلَادَةِ الْقَابِلَةَ وَحْدَهَا.

وَمِمَّا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِمَّا هُوَ عَكْسُهَا: أَنَّ الْفَاسِقَ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ الْقَضَاءَ إِذَا ظُنَّ صِدْقُهُ، لَكِنْ إِذَا قُلِّدَ عَدْلٌ فَفَسَقَ فِي أَثْنَاءِ قَضَائِهِ اسْتَحَقَّ الْعَزْلَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ فِي مَعْنَى الْمَشْرُوطَةِ، فَقَدْ جَازَ تَقْلِيدُهُ ابْتِدَاءً وَلَمْ يَجُزِ انْتِهَاءً فِي وِلَايَتِهِ، فَلَمَّا زَالَتْ عَدَالَتُهُ زَالَتْ وِلَايَتُهُ.

وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ، لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى خِصَالَ الْقُضَاةِ تَجْتَمِعُ الْيَوْمَ فِي أَحَدٍ، فَإِنِ اجْتَمَعَ مِنْهَا خَصْلَتَانِ فِي وَاحِدٍ وَهِيَ الْعِلْمُ وَالْوَرَعُ وُلِّيَ.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: إِنْ لَمْ يُوجَدْ عَدْلٌ وُلِّيَ أَمْثَلُ الْمَوْجُودِينَ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ تَوْلِيَةُ الْفَاسِقِ الْقَضَاءَ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ تَعَذَّرَ جَمْعُ الشُّرُوطِ فِي رَجُلٍ فَوَلَّى سُلْطَانٌ لَهُ شَوْكَةٌ فَاسِقًا نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ؛ لِئَلاَّ تَتَعَطَّلَ مَصَالِحُ النَّاسِ.

وَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَمَّا كَانَ تَصَرُّفُ الْقُضَاةِ أَعَمَّ مِنْ تَصَرُّفِ الْأَوْصِيَاءِ (الَّذِينَ يُشْتَرَطُ فِيهِمُ الْعَدَالَةُ) وَأَخَصَّ مِنْ تَصَرُّفِ الْأَئِمَّةِ (وَفِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِيهِمُ اخْتِلَافٌ) اُخْتُلِفَ فِي إِلْحَاقِهِمْ بِالْأَئِمَّةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَهُمْ بِالْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ أَعَمُّ مِنْ تَصَرُّفِ الْأَوْصِيَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَهُمْ بِالْأَوْصِيَاءِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ أَخَصُّ مِنْ تَصَرُّفِ الْأَئِمَّةِ.

هـ- التَّابِعُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَتْبُوعِ:

9- مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَقَدُّمُ الْمَأْمُومِ عَلَى إِمَامِهِ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنَ الْأَرْكَانِ، لِحَدِيثِ: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا...» إِلَخْ الْحَدِيثِ.

و- التَّابِعُ لَا يَكُونُ لَهُ تَابِعٌ:

10- مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: لَوْ قَطَعَ شَخْصٌ الْأَصَابِعَ وَحْدَهَا فِي جِنَايَةٍ وَجَبَتِ الدِّيَةُ، فَإِنْ قَطَعَ الْيَدَ مِنَ الْكُوعِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنَ الدِّيَةِ، وَيُجْعَلُ الْكَفُّ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ، وَإِنْ قَطَعَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ تَبَعًا، بَلْ يَلْزَمُهُ لِلزِّيَادَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ عَلَى قَدْرِهَا؛ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يَكُونُ لَهُ تَابِعٌ.

وَمِمَّا خَرَجَ عَنْهَا تَوْكِيلُ الْوَكِيلِ غَيْرَهُ دُونَ الرُّجُوعِ إِلَى مُوَكِّلِهِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ فِيمَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ فِيهِ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهَا، فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهَا بِلَا إِذْنِ مُوَكِّلِهِ.

وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ وَغَيْرِ الْمُفَوَّضِ، وَذَكَرُوا أَنَّ الْوَكِيلَ الْمُفَوَّضَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُفَوَّضِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ بِلَا إِذْنٍ، إِلاَّ فِي حَالَتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: أَلاَّ يَلِيقَ الْفِعْلُ بِهِ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكْثُرَ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ وَحْدَهُ.

وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ وُكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ مُوَكِّلُهُ، نُظِرَ: إِنْ كَانَ أَمْرًا يَتَأَتَّى لَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوَكَّلَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ، لِكَوْنِهِ لَا يُحْسِنُهُ، أَوْ لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ، فَلَهُ التَّوْكِيلُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ مِثْلِهِ الِاسْتِنَابَةُ.

وَالْمَذْهَبُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلُهُ بِنَفْسِهِ، وَنُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْجَوَازُ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَكَالَةٌ).

ز- الْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْمَتْبُوعِ لَا التَّابِعِ:

11- فَمَنْ كَانَ تَابِعًا لِغَيْرِهِ، كَالزَّوْجَةِ التَّابِعَةِ لِزَوْجِهَا، وَالْجُنْدِيِّ التَّابِعِ لِقَائِدِهِ، فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّفَرِ الَّذِي يُبِيحُ لَهُمَا الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ نِيَّةُ الْمَتْبُوعِ دُونَ التَّابِعِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْمَتْبُوعِ تَنْسَحِبُ عَلَى التَّابِعِ، فَيُعْطَى حُكْمَهُ، فَتَتْبَعُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا، وَالْجُنْدِيُّ قَائِدَهُ، هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ: فَهُمْ كَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي جَعْلِهِمْ نِيَّةَ الزَّوْجَةِ تَابِعَةً لِنِيَّةِ الزَّوْجِ، وَخَالَفُوهُمْ فِي نِيَّةِ الْجُنْدِيِّ فَلَمْ يَجْعَلُوهَا تَابِعَةً لِنِيَّةِ الْأَمِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ يَدِهِ وَقَهْرِهِ.

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ يَعْرِضُوا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا.اُطُّلِعَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَاجِعَ.

ح- مَا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لَا حِصَّةَ لَهُ مِنَ الثَّمَنِ

12- وَذَلِكَ كَالْأَوْصَافِ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرٍ، كَبِنَاءٍ وَشَجَرٍ فِي الْأَرْضِ، وَأَطْرَافٍ فِي الْحَيَوَانِ، وَجَوْدَةٍ فِي الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، أَوْ إِلاَّ إِذَا وَرَدَ عَلَيْهَا الْقَبْضُ كَمَا فِي شَرْحِ الْأَسْبِيجَابِيِّ.وَقَدْ وَضَعَ مُحَمَّدٌ - رحمه الله- أَصْلًا لِهَذَا، وَهُوَ: كُلُّ شَيْءٍ إِذَا بِعْتَهُ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِذَا بِعْتَهُ مَعَ غَيْرِهِ جَازَ، فَإِذَا اسْتُحِقَّ ذَلِكَ الشَّيْءُ قَبْلَ الْقَبْضِ، كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ.

وَكُلُّ شَيْءٍ إِذَا بِعْتَهُ وَحْدَهُ جَازَ بَيْعُهُ، فَإِذَا بِعْتَهُ مَعَ غَيْرِهِ فَاسْتُحِقَّ، كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا إِذَا اسْتُحِقَّ بَعْدَ الْقَبْضِ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ، فَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ، وَإِنِ اسْتُحِقَّ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ كَالشُّرْبِ.فَلَا حِصَّةَ لَهُ مِنَ الثَّمَنِ، فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَخْذِ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوِ التَّرْكِ، وَإِنْ جَازَ بَيْعُهُ وَحْدَهُ كَالشَّجَرِ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ، فَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ.

ثُمَّ إِنَّ مَحَلَّ دُخُولِ التَّابِعِ فِي الْبَيْعِ مَا لَمْ يُذْكَرْ، فَإِنْ ذُكِرَ كَانَ مَبِيعًا قَصْدًا، حَتَّى لَوْ فَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ تُسْقِطُ حِصَّتَهُ مِنَ الثَّمَنِ.وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (بَيْعٌ).

ط- التَّابِعُ مَضْمُونٌ بِالِاعْتِدَاءِ:

13- مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ مَنْ جَنَى عَلَى امْرَأَةٍ حَامِلٍ فَأَسْقَطَتْ فَفِيهِ الْغُرَّةُ.

وَمِنْ ذَلِكَ مَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ وَغَلَّتُهُ، فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ تَبَعًا لِلْمَغْصُوبِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


6-موسوعة الفقه الكويتية (رق 8)

رِقّ -8

الدِّيَةُ وَالْأَرْشُ:

116- أ- إِذَا قَتَلَ الْحُرُّ عَبْدًا، أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ قَطَعَهُ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ عَبْدٌ بِعَبْدٍ، خَطَأً، أَوْ عَمْدًا وَلَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ، ثَبَتَ الْمَالُ، وَهُوَ فِي الْحُرِّ دِيَةُ النَّفْسِ أَوِ الْعُضْوِ أَوِ الْحُكُومَةِ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي بَابِ الدِّيَاتِ.

وَفِي الْعَبْدِ قِيمَتُهُ إِذَا قَتَلَ، مَهْمَا كَانَتْ، قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً، حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَبْلُغُ دِيَةَ الْحُرِّ أَوْ تَزِيدُ عَلَيْهَا أَضْعَافًا، وَهَذَا قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ سَعِيدٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ قَالُوا: لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ أَتْلَفَهُ- سَوَاءٌ عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ- فَيَضْمَنُهُ بِكَمَالِ قِيمَتِهِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا مَدْخَلَ لِلتَّغْلِيظِ فِي بَدَلِ الرَّقِيقِ.ا هـ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: إِنْ ضَمِنَ بِالْجِنَايَةِ يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ، لَكِنْ لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةِ حُرٍّ أَوْ مِثْلَهَا يَنْتَقِصُ عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ دِينَارًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْعَبْدِ، إِلاَّ نِصْفَ دِينَارٍ.

وَإِنْ ضَمِنَ بِالْيَدِ، بِأَنْ غَصَبَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ قِيمَتُهُ وَإِنْ زَادَ عَنْ دِيَةٍ أَوْ دِيَاتٍ.

وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا بِأَنَّ فِي الْعَبْدِ الْآدَمِيَّةَ وَالْمَالِيَّةَ، وَالْآدَمِيَّةُ أَعْلَاهُمَا، فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِإِهْدَارِ الْأَدْنَى عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ فِي حَالِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ، وَالْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ، وَالْقِيمَةُ بَدَلٌ عَنِ الدِّيَةِ فِي قَلِيلِ الْقِيمَةِ بِالرَّأْيِ، وَتَنْقُصُ فِيمَا زَادَ عَنِ الدِّيَةِ لِنَقْصِ رُتْبَةِ الْعَبْدِ عَنِ الْحُرِّ، وَضَمَانُ الْغَصْبِ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ، فَيَضْمَنُ بِكَامِلِ قِيمَتِهِ فِي حَالَةِ تَلَفِهِ مَغْصُوبًا إِذِ الْغَصْبُ لَا يَرِدُ إِلاَّ عَلَى الْمَالِ.

وَإِنَّمَا حَدَّدُوا النَّقْصَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى بِدِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِأَثَرٍ وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه-.وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالُوا: فِي نَفْسِ الْعَبْدِ الدِّيَةُ كَالْحُرِّ، لَكِنْ يُنْقَصُ مِنْهَا شَيْءٌ.

الْعَاقِلَةُ وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ:

117- لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ.

وَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَاللَّيْثِ إِلَى أَنَّ الَّذِي يَتَحَمَّلُ قِيمَةَ الْعَبْدِ هُوَ الْقَاتِلُ نَفْسُهُ إِنْ كَانَ حُرًّا وَلَيْسَ عَاقِلَتُهُ وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً، لِحَدِيثِ: «لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ لَا عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا جَنَى الْمَمْلُوكُ» وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ لَا الدِّيَةُ إِذِ الْعَبْدُ مَالٌ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ: تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ نَفْسَ الْعَبْدِ كَمَا تَحْمِلُ الْحُرَّ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَا تَحْمِلُ مَا دُونَ النَّفْسِ مِنَ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ تُعَامَلُ كَالْمَالِ.

118- ب- وَأَمَّا أُرُوشُ جِرَاحِ الْعَبْدِ وَأَعْضَائِهِ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى أَقْوَالٍ:

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ (هُوَ قَدِيمُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ) وَالْحَنَابِلَةُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، قَوَّاهَا ابْنُ قُدَامَةَ إِلَى أَنَّ السَّيِّدَ يَسْتَحِقُّ عَلَى الْجَانِي مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا، فَلَمَّا قَطَعَ يَدَهُ أَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً أَوْ غَيْرَهَا صَارَتْ قِيمَتُهُ ثَمَانَمِائَةٍ فَإِنَّ الْأَرْشَ يَكُونُ مِائَتَيْنِ، وَلَوْ جَبَّهُ وَخَصَاهُ فَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ أَوْ زَادَتْ، فَلَا شَيْءَ لِلسَّيِّدِ.وَاحْتَجُّوا لِهَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ، فَيُجْرَى فِي ضَمَانِ الْإِتْلَافِ فِيهِ عَلَى قَاعِدَةِ إِتْلَافِ الْأَمْوَالِ الْأُخْرَى.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ عَلَيْهَا الْمَذْهَبُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ جِنَايَةٍ لَيْسَ لَهَا فِي الْحُرِّ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، فَيَكُونُ أَرْشُهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَبَيْنَ جِنَايَةٍ لَهَا فِي الْحُرِّ دِيَةٌ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا، فَيَكُونُ أَرْشُهَا بِنِسْبَةِ ذَلِكَ مِنْ قِيمَتِهِ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا فَقَطَعَ يَدَهُ فَفِيهَا خَمْسُمِائَةٍ، أَوْ قَطَعَ أَنْفَهُ فَفِيهِ قِيمَتُهُ كَامِلَةٌ، مَعَ بَقَاءِ الْعَبْدِ عَلَى مِلْكِ السَّيِّدِ، وَلَوْ جَبَّهُ ثُمَّ خَصَاهُ فَفِيهِ قِيمَتُهُ مَرَّتَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، مَعَ بَقَاءِ مِلْكِيَّتِهِ لِلسَّيِّدِ.وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي مِثْلِ الْحَالَةِ الْأَخِيرَةِ: لَهُ قِيمَتُهُ كَامِلَةً لِلْجَبِّ، وَقِيمَتُهُ بَعْدَ الْجَبِّ لِلْخِصَاءِ.

وَاحْتُجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه-، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ سَعِيدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى التَّقْدِيرِ فِي الْحُرِّ، لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِمَالٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ فِي قَتْلِهِ الْقِصَاصَ وَالْكَفَّارَةَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى اعْتِبَارِ التَّقْدِيرِ بِالنِّسْبَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي، لَكِنْ قَالُوا: إِنَّهُ لَا يُزَادُ عَنْ دِيَةِ مِثْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ مِنَ الْحُرِّ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَفِيهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، كَدِيَةِ الْحُرِّ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مَهْمَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ، فَإِنَّ أَرْشَ يَدِهِ خَمْسَةُ آلَافٍ إِلاَّ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا.

قَالُوا: لِأَنَّ الْيَدَ مِنَ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَتُعْتَبَرُ بِكُلِّهِ، وَيَنْقُصُ هَذَا الْمِقْدَارُ إِظْهَارًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ عَنْ رُتْبَةِ الْحُرِّ.وَكُلُّ مَا يُقَدَّرُ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَهُوَ مُقَدَّرٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعَبْدِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ إِذْ هُوَ بَدَلُ الدَّمِ.

قَالُوا: وَمَنْ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ فَقَدْ فَوَّتَ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ شَاءَ الْوَلِيُّ دَفَعَ عَبْدَهُ إِلَى الْجَانِي وَأَخَذَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنَ النُّقْصَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ الصَّاحِبَانِ: بَلْ يَكُونُ لَهُ إِنْ أَمْسَكَهُ أَخْذُ مَا نَقَصَهُ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ فِي الضَّمَانِ بَيْنَ جِرَاحَاتِ الْعَبْدِ وَبَيْنَ قَطْعِ طَرَفٍ أَوْ عُضْوٍ، فَفِي الْجِرَاحَاتِ الَّتِي لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِي الْحُرِّ يَضْمَنُ بِنِسْبَتِهَا مِنْ كَامِلِ قِيمَتِهِ، فَفِي الْجَائِفَةِ أَوِ الْآمَّةِ ثُلُثُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشُرِ قِيمَتِهِ، وَفِي مُنَقِّلَتِهِ عُشُرُ قِيمَتِهِ وَنِصْفُ عُشُرِهَا.وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْجِرَاحِ وَهُوَ مَا لَيْسَ فِيهِ مُقَدَّرٌ، يُقَدَّرُ نَقْصُ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَيُدْفَعُ كَامِلًا مَهْمَا بَلَغَ.فَإِنْ بَرِئَ بِلَا شَيْنٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ سِوَى الْأَدَبِ فِي الْعَمْدِ.

وَكَذَا قَطْعُ الْأَعْضَاءِ فِيهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ بِسَبَبِ ذَلِكَ.وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ مَتْنِ خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْأَعْضَاءِ بِنِسْبَتِهَا مِنَ الْقِيمَةِ.

الْجِنَايَةُ عَلَى جَنِينِ الْأَمَةِ:

119- لَوْ جَنَى عَلَى أَمَةٍ فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَ مَحْكُومًا بِرِقِّهِ، فَفِيهِ قِيمَتُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.أَمَّا إِنْ أَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا بَعْدَ تَخَلُّقِهِ أَوْ نَفْخِ الرُّوحِ، فَفِيهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عُشُرُ قِيمَةِ أُمِّهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْجِنَايَةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ أُنْثَى فَفِيهِ عُشُرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَفِيهِ نِصْفُ عُشُرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِيهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ أُمِّهِ.

جِنَايَاتُ الرَّقِيقِ:

120- إِنْ كَانَ الْقَاتِلُ رَقِيقًا فَمَا وَجَبَ بِجِنَايَتِهِ مِنَ الْمَالِ سَوَاءٌ أَكَانَ دِيَةَ نَفْسِ حُرٍّ أَوْ طَرَفَهُ، أَوْ قِيمَةَ عَبْدٍ أَوْ قِيمَةَ طَرَفِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَلَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ، أَوْ كَانَتْ خَطَأً فَعُفِيَ عَنْهَا عَلَى مَالٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَجِبُ فِي رَقَبَتِهِ، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ وَلَا بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ وَهَكَذَا جَمِيعُ الدُّيُونِ الَّتِي تَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْإِتْلَافَاتِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَأْذُونًا لَهُ بِالتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ.وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

قَالُوا: وَلَمْ تَتَعَلَّقْ هَذِهِ الدُّيُونُ بِذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى إِلْغَائِهَا أَوْ تَأْخِيرِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ، وَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ، فَتَعَيَّنَ تَعَلُّقُهَا بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ كَالْقِصَاصِ.

وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: تَتَعَلَّقُ أَيْضًا بِذِمَّةِ الْعَبْدِ.

ثُمَّ إنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي أَوْ أَقَلَّ، فَالسَّيِّدُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ أَوْ يُسَلِّمَ الْعَبْدَ إِلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ دَفَعَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ فَقَدْ تَأَدَّى الْحَقُّ، وَإِنْ سَلَّمَ الْعَبْدَ فَقَدْ أَدَّى الْمَحَلَّ الَّذِي تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِهِ، وَحَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِأَكْثَرَ مِنَ الرَّقَبَةِ، وَقَدْ أَدَّاهَا، فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ.وَالْخِيَارُ إِلَى السَّيِّدِ، فَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ إِنْ أَدَّى الْأَرْشَ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ إِنْ سَلَّمَ الْعَبْدَ.

وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: يُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِقِيمَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهُ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ مَا لَمْ يَفْدِهِ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرْغَبَ فِيهِ رَاغِبٌ فَيَشْتَرِيَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ، فَإِذَا مَنَعَ تَسْلِيمَهُ لِلْبَيْعِ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْأَرْشِ لِتَفْوِيتِهِ ذَلِكَ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةَ خَطَأٍ بِقَتْلِ نَفْسٍ قِيلَ لِمَوْلَاهُ: إِمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ بَدَلَهَا أَوْ تَفْدِيَهُ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: إِذَا جَنَى الْعَبْدُ فَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ.وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ فِي حَالَةِ الْخَطَأِ أَنْ تَتَبَاعَدَ عَنِ الْجَانِي تَحَرُّزًا عَنِ اسْتِئْصَالِهِ وَالْإِجْحَافِ بِهِ، إِذْ هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَمَّدِ الْجِنَايَةَ، وَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي إِذَا كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ، وَالسَّيِّدُ عَاقِلَةُ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَنْصِرُ بِهِ- وَالْأَصْلُ فِي الْعَاقِلَةِ النُّصْرَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنِ الْإِهْدَارِ.

وَهَذَا عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَالِ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَحْمِلُ الْمَالَ.وَالْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَهُمْ دَفْعُ الْعَبْدِ الْجَانِي إِلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْلِ إِلَى الْأَمْرِ الثَّانِي وَهُوَ الْفِدَاءُ بِالْأَرْشِ.

قَالُوا: فَإِنْ دَفَعَهُ مَالِكُهُ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا، وَكُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ يَلْزَمُ حَالًا، أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ، وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ جُعِلَ بَدَلًا، فَيَقُومُ مَقَامَهُ وَيَأْخُذُ حُكْمَهُ فَيَجِبُ حَالًا.وَأَيُّهُمَا اخْتَارَهُ وَفَعَلَهُ فَلَا شَيْءَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ غَيْرُهُ.

فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْحَقِّ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَمَا اخْتَارَ الْوَلِيُّ الْفِدَاءَ لَمْ يَبْرَأْ لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إِلَى ذِمَّةِ الْمَوْلَى. وَالِاخْتِيَارُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ فَلَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَكَذَا كُلُّ مَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، كَأَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ أَوْ يَهَبَهُ أَوْ يُدَبِّرَهُ، أَوْ يَسْتَوْلِدَ الْأَمَةَ الثَّيِّبَ، أَوْ يَطَأَ الْبِكْرَ.

وَأَمَّا إِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَالْوَاجِبُ عِنْدَهُمُ الْقِصَاصُ كَمَا تَقَدَّمَ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


7-موسوعة الفقه الكويتية (سقط)

سِقْط

التَّعْرِيفُ:

1- السِّقْطُ لُغَةً: الْوَلَدُ- ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى- يَسْقُطُ قَبْلَ تَمَامِهِ وَهُوَ مُسْتَبِينُ الْخَلْقِ، يُقَالُ: سَقَطَ الْوَلَدُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ سُقُوطًا فَهُوَ سِقْطٌ.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

مَا يَتَعَلَّقُ بِالسِّقْطِ مِنْ أَحْكَامٍ:

حُكْمُ تَغْسِيلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ:

2- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ إِجْمَاعًا، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ خِلَافٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (جَنِين، تَغْسِيل).

مَا يَتَعَلَّقُ بِالسِّقْطِ مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ وَالْعِدَّةُ

3- إِذَا نَزَلَ السِّقْطُ تَامَّ الْخِلْقَةِ تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الْوِلَادَةِ مِنْ حَيْثُ أَحْكَامُ النِّفَاسِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْوِلَادَةِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَلْقَتْ مُضْغَةً تَبَيَّنَ فِيهِ خَلْقُ إِنْسَانٍ، وَأَمَّا إِذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهَا التَّخَلُّقُ أَوْ أَلْقَتْ عَلَقَةً فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ يُنْظَرُ فِي (إِجْهَاض ف 170).

نُزُولُ السِّقْطِ نَتِيجَةَ الْجِنَايَةِ عَلَى أُمِّهِ:

4- إِذَا اعْتُدِيَ عَلَى الْحَامِلِ فَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ دِيَةُ النَّفْسِ، فَإِنْ أَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا وَقَدْ تَبَيَّنَ فِيهِ خَلْقُ الْإِنْسَانِ فَفِيهِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، فَإِنْ فُقِدَا فَنِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِجْهَاض 130) (وَدِيَة ف 33) وَحُكْمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْإِجْهَاضِ فِي مُصْطَلَحِ (كَفَّارَة).

مِيرَاثُ السِّقْطِ:

5- لَا يَرِثُ السِّقْطُ إِلاَّ إِذَا اسْتَهَلَّ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ وَرِثَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ» هَذَا مَعَ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يَكُونُ بِهِ الِاسْتِهْلَالُ.فَإِذَا نَزَلَ السِّقْطُ مَيِّتًا فَلَا يَرِثُ.

وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِرْث ف 112)، وَمُصْطَلَحِ (اسْتِهْلَال).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


8-موسوعة الفقه الكويتية (موت 1)

مَوْتٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْمَوْتُ فِي اللُّغَةِ: ضِدُّ الْحَيَاةِ.

يُقَالُ: مَاتَ يَمُوتُ فَهُوَ مَيِّتٌ وَمَيْتٌ وَمِنْ أَسْمَائِهِ: الْمَنُونُ وَالْمَنَا وَالْمَنِيَّةُ وَالشَّعُوبُ وَالسَّامُ وَالْحِمَامُ وَالْحَيْنُ وَالرَّدَى وَالْهَلَاكُ وَالثُّكْلُ وَالْوَفَاةُ وَالْخَبَالُ.

وَفِي مَقَايِيسِ اللُّغَةِ الْمِيمُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ذَهَابِ الْقُوَّةِ مِنَ الشَّيْءِ وَمِنْهُ الْمَوْتُ خِلَافُ الْحَيَاةِ.

وَالْمَوْتُ فِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ: مُفَارَقَةُ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَمَعْنَى مُفَارَقَتِهَا لِلْجَسَدِ انْقِطَاعُ تَصَرُّفِهَا عَنِ الْجَسَدِ بِخُرُوجِ الْجَسَدِ عَنْ طَاعَتِهَا.عَلَامَاتُ الْمَوْتِ

2- نَظَرًا لِتَعَذُّرِ إِدْرَاكِ كُنْهِ الْمَوْتِ فَقَدْ عَلَّقَ الْفُقَهَاءُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَيْهِ بِظُهُورِ أَمَارَتِهِ فِي الْبَدَنِ فَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا اشْتَبَهَ أَمْرُ الْمَيِّتِ اعْتُبِرَ بِظُهُورِ أَمَارَاتِ الْمَوْتِ مِنِ اسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ وَانْفِصَالِ كَفَّيْهِ وَمَيْلِ أَنْفِهِ وَامْتِدَادِ جِلْدَةِ وَجْهِهِ وَانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ.

وَجَاءَ فِي رَوْضَةِ الطَّالِبِينَ: تُسْتَحَبُّ الْمُبَادَرَةُ إِلَى غُسْلِهِ وَتَجْهِيزِهِ إِذْ تَحَقَّقَ مَوْتُهُ بِأَنْ يَمُوتَ بِعِلَّةٍ وَتَظْهَرُ أَمَارَاتُ الْمَوْتِ بِأَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ وَلَا تَنْتَصِبَا أَوْ يَمِيلَ أَنْفُهُ أَوْ يَنْخَسِفَ صُدْغَاهُ أَوْ تَمْتَدَّ جِلْدَةُ وَجْهِهِ أَوْ يَنْخَلِعَ كَفَّاهُ مِنْ ذِرَاعَيْهِ أَوْ تَتَقَلَّصَ خُصْيَتَاهُ إِلَى فَوْقٍ مَعَ تَدَلِّي الْجِلْدَةِ...إِلَخْ.

هَذَا وَقَدْ نَبَّهَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى أَنَّ شُخُوصَ بَصَرِ الْمُحْتَضِرِ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى قَبْضِ رُوحِهِ وَمُفَارَقَتِهَا لِجَسَدِهِ فَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ».

وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحَ».

هَلِ الْمَوْتُ لِلْبَدَنِ وَالرُّوحِ أَوْ لِلْبَدَنِ وَحْدَهُ؟

3- نَصَّ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ بَعْدَ الْمَوْتِ بَاقِيَةٌ غَيْرُ فَانِيَةٍ إِمَّا فِي نَعِيمٍ مُقِيمٍ وَإِمَّا فِي عَذَابٍ أَلِيمٍ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ طُرُقُ الِاعْتِبَارِ وَتَنْطِقُ بِهِ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ أَنَّ الْمَوْتَ مَعْنَاهُ تَغَيُّرُ حَالٍ فَقَطْ وَأَنَّ الرُّوحَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْجَسَدِ إِمَّا مُعَذَّبَةٌ وَإِمَّا مُنَعَّمَةٌ.قَالَ الزُّبَيْدِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَفُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَمُتَكَلِّمِي الصِّفَاتِيَّةِ.

وَقَدْ بَيَّنَ أَحْمَدُ بْنُ قُدَامَةَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ أَنَّ الرُّوحَ تَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ بَاقِيَةً إِمَّا مُعَذَّبَةً أَوْ مُنَعَّمَةً فَإِنَّ الرُّوحَ قَدْ تَتَأَلَّمُ بِنَفْسِهَا بِأَنْوَاعِ الْحُزْنِ وَالْغَمِّ وَتَتَنَعَّمُ بِأَنْوَاعِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقٍ لَهَا بِالْأَعْضَاءِ فَكُلُّ مَا هُوَ وَصْفٌ لِلرُّوحِ بِنَفْسِهَا يَبْقَى مَعَهَا بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْجَسَدِ وَكُلُّ مَا لَهَا بِوَاسِطَةِ الْأَعْضَاءِ يَتَعَطَّلُ بِمَوْتِ الْجَسَدِ إِلَى أَنْ تُعَادَ الرُّوحُ إِلَى الْجَسَدِ.

وَاحْتَجَّ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ لَا تَنْعَدِمُ بِالْمَوْتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} حَيْثُ قَالَ ((فِيهِ: «جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ» وَبِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى نَعِيمِ الْأَرْوَاحِ وَعَذَابِهَا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ إِلَى أَنْ يُرْجِعَهَا اللَّهُ فِي أَجْسَادِهَا وَلَوْ مَاتَتِ الْأَرْوَاحُ لَانْقَطَعَ عَنْهَا النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ.

وَقَدْ أَوْرَدَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ تَوْضِيحًا لِحَالِ الرُّوحِ وَحَيَاتِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْبَدَنِ فَقَالَ: هَذِهِ الرُّوحُ لَا تَفْنَى الْبَتَّةَ وَلَا تَمُوتُ بَلْ يَتَبَدَّلُ بِالْمَوْتِ حَالُهَا فَقَطْ وَيَتَبَدَّلُ مَنْزِلُهَا فَتَنْتَقِلُ مِنْ مَنْزِلٍ إِلَى مَنْزِلٍ، وَالْقَبْرُ فِي حَقِّهَا إِمَّا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ، إِذًا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَعَ الْبَدَنِ عَلَاقَةٌ سِوَى اسْتِعْمَالِهَا الْبَدَنَ وَاقْتِنَاصِهَا أَوَائِلَ الْمَعْرِفَةِ بِهِ بِوَاسِطَةِ شَبَكَةِ الْحَوَاسِّ فَالْبَدَنُ آلَتُهَا وَمَرْكَبُهَا وَشَبَكَتُهَا وَبُطْلَانُ الْآلَةِ وَالْمَرْكَبِ وَالشَّبَكَةِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الصَّائِدِ.

وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الرُّوحَ تَفْنَى وَتَمُوتُ بِمَوْتِ الْجَسَدِ لِأَنَّهَا نَفْسٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}.قَالَ الزُّبَيْدِيُّ: وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَنْدَلُسِ قَدِيمًا مِنْهُمْ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَهْبِ بْنِ لُبَابَةَ وَمِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ كَالسُّهَيْلِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: مَوْتُ النُّفُوسِ هُوَ مُفَارَقَتُهَا لِأَجْسَادِهَا وَخُرُوجُهَا مِنْهَا فَإِنْ أُرِيدَ بِمَوْتِهَا هَذَا الْقَدْرُ فَهِيَ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنْ أُرِيدَ بِأَنَّهَا تَعْدَمُ وَتَضْمَحِلُّ وَتَصِيرُ عَدَمًا مَحْضًا فَهِيَ لَا تَمُوتُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ خَلْقِهَا فِي نَعِيمٍ أَوْ فِي عَذَابٍ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الرُّوحُ:

4- ذَهَبَ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ إِلَى أَنَّ الرُّوحَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُتَخَلِّلٌ فِي الْبَدَنِ تَذْهَبُ الْحَيَاةُ بِذَهَابِهِ، وَعِبَارَةُ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ: هِيَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُشْتَبِكٌ بِالْبَدَنِ اشْتِبَاكَ الْمَاءِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ، وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ وَابْنُ عَرَفَةَ الْمَالِكِيُّ وَنَقَلَا تَصْحِيحَهُ عَنْ أَصْحَابِهِمْ.

وَقَالَ الْفَيُّومِيُّ: وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الرُّوحَ هُوَ النَّفْسُ النَّاطِقَةُ الْمُسْتَعِدَّةُ لِلْبَيَانِ وَفَهْمِ الْخِطَابِ وَلَا تَفْنَى بِفَنَاءِ الْجَسَدِ وَأَنَّهُ جَوْهَرٌ لَا عَرَضٌ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَبَيْنَ الرُّوحِ هِيَ التَّبَايُنُ.

ب- النَّفْسُ:

5- ذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ فُقَهَاءَ وَمُحَدِّثِينَ وَمُتَكَلِّمِينَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْسِ الرُّوحُ.

يُقَالُ: خَرَجَتْ نَفْسُهُ، أَيْ رُوحُهُ، وَأَنَّهُ يُعَبَّرُ عَنِ النَّفْسِ بِالرُّوحِ وَبِالْعَكْسِ.

قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الرُّوحُ الْمُدَبِّرَةُ لِلْبَدَنِ الَّتِي تُفَارِقُهُ بِالْمَوْتِ هِيَ الرُّوحُ الْمَنْفُوخَةُ فِيهِ، وَهِيَ النَّفْسُ الَّتِي تُفَارِقُهُ بِالْمَوْتِ...وَإِنَّمَا تُسَمَّى نَفْسًا بِاعْتِبَارِ تَدْبِيرِهَا لِلْبَدَنِ، وَتَسَمَّى رُوحًا بِاعْتِبَارِ لُطْفِهَا.

وَدَلِيلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالْأَنْفُسُ هَاهُنَا هِيَ الْأَرْوَاحُ قَطْعًا.

وَتُقَسَّمُ النَّفْسُ إِلَى النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ، وَاللَّوَّامَةِ، وَالْمُطْمَئِنَّةِ وَذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ النَّفْسَ يُرَادُ بِهَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ صِفَاتُهَا الْمَذْمُومَةُ، فَيُقَالُ: فُلَانٌ لَهُ نَفْسٌ: أَيْ مَذْمُومَةُ الْأَحْوَالِ، وَأَيْضًا: فَإِنَّ النَّفْسَ لَمَّا كَانَتْ حَالَ تَعَلُّقِهَا بِالْبَدَنِ يَكْثُرُ عَلَيْهَا اتِّبَاعُ هَوَاهَا صَارَ لَفْظُ «النَّفْسِ» يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ النَّفْسِ الْمُتَّبِعَةِ لِهَوَاهَا، أَوْ عَنِ اتِّبَاعِهَا الْهَوَى، بِخِلَافِ لَفْظِ «الرُّوحِ» فَإِنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ ذَلِكَ.

وَقَالَ الْفَيُّومِيُّ: وَالنَّفْسُ أُنْثَى إِنْ أُرِيدَ بِهَا الرُّوحُ، قَالَ تَعَالَى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} وَإِنْ أُرِيدَ الشَّخْصُ فَمُذَكَّرٌ.

وَحَكَى الْكَفَوِيُّ فِي الْكُلِّيَّاتِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ نَفْسَانِ: نَفْسٌ حَيَوَانِيَّةٌ، وَنَفْسٌ رُوحَانِيَّةٌ.

فَالنَّفْسُ الْحَيَوَانِيَّةُ لَا تُفَارِقُهُ إِلاَّ بِالْمَوْتِ، وَالنَّفْسُ الرُّوحَانِيَّةُ- الَّتِي هِيَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ- هِيَ الَّتِي تُفَارِقُ الْإِنْسَانَ عِنْدَ النَّوْمِ، وَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ الْحَيَاةَ لِلنَّائِمِ رَدَّ عَلَيْهِ رُوحَهُ فَاسْتَيْقَظَ، وَإِذَا قَضَى عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ أَمْسَكَ عَنْهُ رُوحَهُ فَيَمُوتُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أَمَّا النَّفْسُ الْحَيَوَانِيَّةُ فَلَا تُفَارِقُ الْإِنْسَانَ بِالنَّوْمِ، وَلِهَذَا يَتَحَرَّكُ النَّائِمُ، وَإِذَا مَاتَ فَارَقَهُ جَمِيعُ، ذَلِكَ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْمَوْتِ التَّبَايُنُ.

ج- الْحَيَاةُ:

6- الْحَيَاةُ فِي اللُّغَةِ نَقِيضُ الْمَوْتِ، وَهِيَ فِي الْإِنْسَانِ عِبَارَةٌ عَنْ قُوَّةٍ مِزَاجِيَّةٍ تَقْتَضِي الْحِسَّ وَالْحَرَكَةَ، وَهِيَ الْمُوجِبَةُ لِتَحْرِيكِ مَنْ قَامَتْ بِهِ، وَمَفْهُومُهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: أَثَرُ مُقَارَنَةِ النَّفُوسِ لِلْأَبْدَانِ، وَإِنَّهَا لَتَسْرِي فِي الْإِنْسَانِ تَبَعًا لِسَرَيَانِ الرُّوحِ فِي جَسَدِهِ.وَحَكَى الْقَزْوِينِيُّ أَنَّ الرُّوحَ هِيَ الْحَيَاةُ، وَأَنَّ الْحَيَاةَ عَرَضٌ يَقُومُ بِالْحَيِّ، فَمَتَى وُجِدَ فِيهِ يَكُونُ حَيًّا، وَإِذَا عُدِمَ فِيهِ فَقَدْ حَصَلَ ضِدُّهُ، وَهُوَ الْمَوْتُ.

وَقَدْ ذَكَرَ الرَّاغِبُ الْأَصْفَهَانِيُّ أَنَّ «الْحَيَاةَ» تُسْتَعْمَلُ عَلَى أَوْجُهٍ

الْأَوَّلُ: لِلْقُوَّةِ النَّامِيَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، وَمِنْهُ قِيلَ: نَبَاتٌ حَيٌّ، قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}.

وَالثَّانِي: لِلْقُوَّةِ الْحَسَّاسَةِ، وَبِهِ سُمِّيَ الْحَيَوَانُ حَيَوَانًا، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ}.

وَالثَّالِثُ: لِلْقُوَّةِ الْعَالِمَةِ الْعَاقِلَةِ، كَقَوْلِهِ: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}.

وَالرَّابِعُ: عِبَارَةٌ عَنِ ارْتِفَاعِ الْغَمِّ، وَعَلَى ذَلِكَ قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أَيْ هُمْ مُتَلَذِّذُونَ لِمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ الْكَثِيرَةِ عَنْ أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ.

وَالْخَامِسُ: الْحَيَاةُ الْأُخْرَوِيَّةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي قوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} يَعْنِي بِهَا الْحَيَاةَ الْأُخْرَوِيَّةَ الدَّائِمَةَ.

وَالسَّادِسُ: الْحَيَاةُ الَّتِي يُوصَفُ بِهَا الْبَارِي تَعَالَى، فَإِنَّهُ إِذَا قِيلَ فِيهِ سُبْحَانُهُ، هُوَ حَيٌّ، فَمَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ عَلَيْهِ الْمَوْتُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

ثُمَّ إِنَّ الْحَيَاةَ بِاعْتِبَارِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ضَرْبَانِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا، وَالْحَيَاةُ الْآخِرَةُ.وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أَيْ يَرْتَدِعُ بِالْقِصَاصِ مَنْ يُرِيدُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْقَتْلِ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ حَيَاةُ النَّاسِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ أَنَّهُمَا نَقِيضَانِ.

د- الْأَهْلِيَّةُ:

7- الْأَهْلِيَّةُ شَرْعًا هِيَ كَوْنُ الْإِنْسَانِ بِحَيْثُ يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا صِفَةٌ أَوْ قَابِلِيَّةٌ يُقَدِّرُهَا الشَّارِعُ فِي الشَّخْصِ تَجْعَلُهُ مَحَلًّا صَالِحًا لِأَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْخِطَابُ التَّشْرِيعِيُّ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَبَيْنَ الْأَهْلِيَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ انْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ.

هـ- الذِّمَّةُ:

8- الذِّمَّةُ كَمَا عَرَّفَهَا الْجُرْجَانِيُّ: وَصْفٌ يَصِيرُ الشَّخْصُ بِهِ أَهْلًا لِلْإِيجَابِ لَهُ وَعَلَيْهِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَبَيْنَ الذِّمَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ انْعِدَامِ الذِّمَّةِ أَوْ ضَعْفِهَا أَوْ شَغْلِهَا.

أَقْسَامُ الْمَوْتِ

9- الْمَوْتُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: حَقِيقِيٌّ، وَحُكْمِيٌّ، وَتَقْدِيرِيٌّ.

فَأَمَّا الْمَوْتُ الْحَقِيقِيُّ: فَهُوَ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ وَالْيَقِينِ، وَيُعْرَفُ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَيَثْبُتُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ أَمَامَ الْقَضَاءِ.

وَأَمَّا الْمَوْتُ الْحُكْمِيُّ: فَهُوَ حُكْمٌ يَصْدُرُ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي بِمَوْتِ شَخْصٍ مِنَ الْأَشْخَاصِ- وَإِنْ كَانَ لَا يَزَالُ حَيًّا- لِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ يَقْتَضِي ذَلِكَ.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الْمُرْتَدُّ إِذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَصَدَرَ حُكْمُ الْقَاضِي بِلُحُوقِهِ بِهَا مُرْتَدًّا، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مَيِّتًا مِنْ حِينِ صُدُورِ الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا يُرْزَقُ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَقَدْ عَلَّلَ ذَلِكَ السَّرْخَسِيُّ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ ظَفِرَ بِهِ مَوَّتَهُ حَقِيقَةً، بِأَنَّ يَقْتُلَهُ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ بِدُخُولِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مَوَّتَهُ حُكْمًا، فَقَسَمَ مَالَهُ.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الْمَفْقُودُ (وَهُوَ الَّذِي يُعْمَى خَبَرُهُ، وَيَنْقَطِعُ أَثَرُهُ، وَلَا يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ، وَلَا تُدْرَى حَيَاتُهُ وَلَا مَوْتُهُ) إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِمَوْتِهِ بِنَاءً عَلَى مَا تَرَجَّحَ لَدَيْهِ مِنَ الظُّرُوفِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مَيِّتًا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: لِأَنَّ هَذَا تَمْوِيتٌ، أَيْ حُكْمٌ بِالْمَوْتِ، لَا مَوْتٌ حَقِيقَةً وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ كَانَ حَيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، دُونَ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْمَوْتُ التَّقْدِيرِيُّ: فَهُوَ لِلْجَنِينِ الَّذِي أُسْقِطَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ عَلَى أُمِّهِ.كَمَا إِذَا ضَرَبَ إِنْسَانٌ امْرَأَةً، فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْجَانِي أَوْ عَاقِلَتِهِ الْغُرَّةُ (دِيَةُ الْجَنِينِ) وَهَذِهِ الدِّيَةُ تَكُونُ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، حَيْثُ يُقَدَّرُ حَيًّا فِي بَطْنِ أُمِّهِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ مَوْتُهُ مِنْهَا.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَوْتِ:

تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

انْتِهَاءُ الْأَهْلِيَّةِ وَخَرَابُ الذِّمَّةِ بِالْمَوْتِ

10- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمَوْتَ هَادِمٌ لِأَسَاسِ التَّكْلِيفِ، لِأَنَّهُ عَجْزٌ كُلُّهُ عَنْ إِتْيَانِ الْعِبَادَاتِ أَدَاءً وَقَضَاءً، وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ ذَهَبَ مِنْ دَارِ الِابْتِلَاءِ إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ: إِنَّ الْمَوْتَ يُنَافِي أَحْكَامَ الدُّنْيَا مِمَّا فِيهِ تَكْلِيفٌ، لِأَنَّ التَّكْلِيفَ يَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ وَالْمَوْتُ عَجْزٌ كُلُّهُ.

وَحَيْثُ إِنَّ الذِّمَّةَ خَاصَّةٌ مِنَ الْخَصَائِصِ الْإِنْسَانِيَّةِ فَإِنَّهَا تَبْدَأُ مَعَ الشَّخْصِ مُنْذُ الْحَمْلِ بِهِ، وَتَبْقَى مَعَهُ طِيلَةَ حَيَاتِهِ، فَإِذَا مَاتَ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ وَانْتَهَتْ أَهْلِيَّتُهُ.

غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا هَلْ تَخْرَبُ الذِّمَّةُ وَتَنْتَهِي فَوْرًا بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْمَوْتِ، أَمْ أَنَّ الْمَوْتَ يُضْعِفُهَا، أَمْ أَنَّهَا تَبْقَى كَمَا هِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ حَتَّى تُسْتَوْفَى الْحُقُوقُ مِنَ التَّرِكَةِ؟ وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ يُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي (ذِمَّةٌ ف 6- 9).

انْقِطَاعُ الْعَمَلِ بِالْمَوْتِ وَمَدَى انْتِفَاعِ الْمَوْتَى بِسَعْيِ الْأَحْيَاءِ

11- لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي انْقِطَاعِ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ بِمَوْتِهِ فِي الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ الْمَوْتَ عَجْزٌ كَامِلٌ عَنْ إِتْيَانِ الْعِبَادَاتِ أَدَاءً وَقَضَاءً، وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدِ ارْتَحَلَ مِنْ دَارِ الِابْتِلَاءِ وَالتَّكْلِيفِ إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ وَلَكِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِمَا تَسَبَّبَ إِلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، أَوْ وَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، أَوْ مُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخَرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ» وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».

أَمَّا انْتِفَاعُهُ بِغَيْرِ مَا تَسَبَّبَ إِلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، فَقَدْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ:

أ- دُعَاءُ الْمُسْلِمِينَ لَهُ وَاسْتِغْفَارُهُمْ، وَفِي ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ لِلْأَمْوَاتِ يَنْفَعُهُمْ وَيَصِلُهُمْ ثَوَابُهُ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْمَشْهُورَةِ بِمَعْنَاهَا، وَبِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ كَقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ» وَكَقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا». ب- مَا جَعَلَ الْأَحْيَاءُ ثَوَابَهُ لِلْمَيِّتِ مِنَ الْأَعْمَالِ الْأُخْرَى كَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَوُصُولِهِ لِلْمَيِّتِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أَدَاءٌ ف 14، وَقِرَاءَةٌ ف 18 وَقُرْبَةٌ ف 11).

السَّلَامُ عَلَى الْمَوْتَى وَرَدُّهُمْ

12- وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ مَرَّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِلاَّ عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» وَوَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلَى بَدْرٍ، فَأُلْقُوا فِي قَلِيبٍ، ثُمَّ جَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ وَنَادَاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ: يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا، فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُخَاطِبُ مِنْ أَقْوَامٍ قَدْ جَيَّفُوا، فَقَالَ- عليه الصلاة والسلام-: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ جَوَابًا» وَوَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ» وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بِالسَّلَامِ عَلَى الْمَوْتَى، حَيْثُ جَاءَ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إِذَا زَارُوا الْقُبُورَ أَنْ يَقُولُوا: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكَمْ لَلَاحِقُونَ».

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهَذَا خِطَابٌ لِمَنْ يَسْمَعُ وَيَعْقِلُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ هَذَا الْخِطَابُ بِمَنْزِلَةِ خِطَابِ الْمَعْدُومِ وَالْجَمَادِ، وَالسَّلَفُ مُجْمِعُونَ عَلَى هَذَا، وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْآثَارُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ يَعْرِفُ زِيَارَةَ الْحَيِّ لَهُ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِ.

وَجَاءَ فِي فَتَاوَى الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَيِّتَ يَعْرِفُ الزَّائِرَ، لِأَنَّا أُمِرْنَا بِالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ، وَالشَّرْعُ لَا يَأْمُرُ بِخِطَابِ مَنْ لَا يَسْمَعُ. عَوْدَةُ أَرْوَاحِ الْمَوْتَى فِي الْحَيَاةِ الْبَرْزَخِيَّةِ

13- الْمُرَادُ بِالْبَرْزَخِ هَاهُنَا: الْحَاجِزُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَهُ زَمَانٌ وَمَكَانٌ وَحَالٌ، فَزَمَانُهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَحَالُهُ الْأَرْوَاحُ، وَمَكَانُهُ مِنَ الْقَبْرِ إِلَى عِلِّيِّينَ لِأَرْوَاحِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، أَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَلَا تُفْتَحُ لِأَرْوَاحِهِمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، بَلْ هِيَ فِي سِجِّينٍ مَسْجُونَةٍ، وَبِلَعْنَةِ اللَّهِ مَصْفُودَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ وَنَعِيمَهُ اسْمٌ لِعَذَابِ، الْبَرْزَخِ وَنَعِيمِهِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.

هَذَا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ، هَلْ يَقَعُ عَلَى الْبَدَنِ أَمْ عَلَى الرُّوحِ أَوْ عَلَيْهِمَا مَعًا، وَذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ

الْأَوَّلُ: لِجُمْهُورِ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الرُّوحَ تُعَادُ إِلَى الْجَسَدِ أَوْ بَعْضِهِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْمَيِّتِ قَدْ تَتَفَرَّقُ أَجَزَاؤُهُ، لِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعِيدَ الْحَيَاةَ إِلَى جُزْءٍ مِنَ الْجَسَدِ، وَيَقَعُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، كَمَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ أَجْزَاءَهُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ تَرْجِعَ الرُّوحُ فِي حَالٍ آخَرَ وَأَمْرٍ ثَانٍ، وَبِعَوْدِهَا يَرْجِعُ الْمَيِّتُ حَيًّا، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِحَيَاةِ الْقَبْرِ عِنْدَ إِتْيَانِ الْمَلَكَيْنِ لِلسُّؤَالِ، فَإِذَا رُدَّتْ إِلَيْهِ الْحَيَاةُ، لِلْجِسْمِ وَالرُّوحِ، تَبِعَتْهَا الْإِدْرَاكَاتُ الْمَشْرُوطَةُ بِهَا، فَيَتَوَجَّهُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَيِّتِ السُّؤَالُ، وَيُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْجَوَابُ.

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: عَوْدُ الرُّوحِ إِلَى بَدَنِ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ لَيْسَ مِثْلَ عَوْدِهَا إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ أَكْمَلَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، كَمَا أَنَّ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى لَيْسَ مِثْلَ هَذِهِ النَّشْأَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْمَلَ مِنْهَا، بَلْ كُلُّ مَوْطِنٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَفِي الْبَرْزَخِ وَالْقِيَامَةِ لَهُ حُكْمٌ يَخُصُّهُ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: الْمُرَادُ بِالْحَيَاةِ فِي الْقَبْرِ لِلْمَسْأَلَةِ لَيْسَتِ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الدُّنْيَا الَّتِي تَقُومُ فِيهَا الرُّوحُ بِالْبَدَنِ وَتَدْبِيرِهِ وَتَصَرُّفِهِ، وَتَحْتَاجُ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأَحْيَاءُ، بَلْ هِيَ مُجَرَّدُ إِعَادَةٍ لِفَائِدَةِ الِامْتِحَانِ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، فَهِيَ إِعَادَةٌ عَارِضَةٌ.

الثَّانِي: لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالْغَزَالِيِّ: وَهُوَ التَّوَقُّفُ.قَالَ الْغُنَيْمِيُّ الْحَنَفِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِي الْمَيِّتِ نَوْعَ حَيَاةٍ فِي الْقَبْرِ، قَدْرَ مَا يَتَأَلَّمُ وَيَلْتَذُّ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ تُعَادُ الرُّوحُ إِلَيْهِ أَمْ لَا؟

وَالْمَنْقُولُ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ التَّوَقُّفُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تُعَادَ الرُّوحُ إِلَى الْجَسَدِ فِي الْقَبْرِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تُؤَخَّرَ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا حَكَمَ بِهِ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ.

الثَّالِثُ: لِابْنِ جَرِيرٍ وَجَمَاعَةٍ، وَهُوَ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْبَدَنِ فَقَطْ، وَأَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِيهِ إِدْرَاكًا بِحَيْثُ يَسْمَعُ وَيَعْلَمُ وَيَلْتَذُّ وَيَأْلَمُ.

الرَّابِعُ: لِابْنِ هُبَيْرَةَ وَغَيْرِهِ: وَهُوَ أَنَّ السُّؤَالَ يَقَعُ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ عَوْدٍ إِلَى الْجَسَدِ.

14- وَقَدْ تَفَرَّعَ عَنْ ذَلِكَ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي نَعِيمِ الْقَبْرِ وَعَذَابِهِ فِي الْحَيَاةِ الْبَرْزَخِيَّةِ، هَلْ يَقَعُ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ أَمْ عَلَى الْجَسَدِ أَمْ عَلَى كِلَيْهِمَا؟

فَذَهَبَ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَالْغَزَالِيُّ إِلَى أَنَّ التَّنْعِيمَ وَالتَّعْذِيبَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الرُّوحِ وَحْدَهَا.

وَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ: هُوَ عَلَى الرُّوحِ وَالْجَسَدِ.قَالَ النَّوَوِيُّ: النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ لِلْجَسَدِ بِعَيْنِهِ أَوْ بَعْضِهِ بَعْدَ إِعَادَةِ الرُّوحِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى جُزْءٍ مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الْعَذَابُ وَالنَّعِيمُ عَلَى النَّفْسِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، تُنَعَّمُ النَّفْسُ وَتُعَذَّبُ مُنْفَرِدَةً عَنِ الْبَدَنِ، وَتُعَذَّبُ مُتَّصِلَةً بِالْبَدَنِ، وَالْبَدَنُ مُتَّصِلٌ بِهَا، فَيَكُونُ النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ عَلَيْهِمَا فِي هَذِهِ الْحَالِ مُجْتَمِعَيْنِ، كَمَا يَكُونُ لِلرُّوحِ مُنْفَرِدَةً عَنِ الْبَدَنِ.

وَذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ إِلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُرَدَّ الرُّوحُ إِلَيْهِ، وَيَحُسُّ بِالْأَلَمِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَيٍّ.

مُسْتَقَرُّ أَرْوَاحِ الْمَوْتَى مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

15- قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الدُّورَ ثَلَاثًا: دَارَ الدُّنْيَا، وَدَارَ الْبَرْزَخِ، وَدَارَ الْقَرَارِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَارٍ أَحْكَامًا تَخْتَصُّ بِهَا، وَرَكَّبَ هَذَا الْإِنْسَانَ مِنْ بَدَنٍ وَرُوحٍ، وَجَعَلَ أَحْكَامَ الدُّنْيَا عَلَى الْأَبْدَانِ وَالْأَرْوَاحِ تَبَعًا لَهَا، وَلِهَذَا جَعَلَ أَحْكَامَهُ الشَّرْعِيَّةَ مُرَتَّبَةً عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ حَرَكَاتِ اللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ، وَإِنْ أَضْمَرَتِ النَّفُوسُ خِلَافَهُ، وَجَعَلَ أَحْكَامَ الْبَرْزَخِ عَلَى الْأَرْوَاحِ، وَالْأَبْدَانُ تَبَعًا لَهَا، فَكَمَا تَبِعَتِ الْأَرْوَاحُ الْأَبْدَانَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، فَتَأَلَّمَتْ بِأَلَمِهَا وَالْتَذَّتْ بِرَاحَتِهَا، فَإِنَّ الْأَبْدَانَ تَتْبَعُ الْأَرْوَاحَ فِي أَحْكَامِ الْبَرْزَخِ فِي نَعِيمِهَا وَعَذَابِهَا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُعِيدَتِ الْأَرْوَاحُ إِلَى الْأَجْسَادِ، وَقَامُوا مِنْ قُبُورِهِمْ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَالْبَرْزَخُ هُوَ أَوَّلُ دَارِ الْجَزَاءِ، وَعَذَابُ الْبَرْزَخِ وَنَعِيمُهُ أَوَّلُ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَنَعِيمِهَا، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهُ، وَوَاصِلٌ إِلَى أَهْلِ الْبَرْزَخِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي نَعِيمِ الْقَبْرِ وَعَذَابِهِ بَعْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ: «فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ- فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ- أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَافْرُشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ.قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رُوحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْتَحُ لَهُ فِيهَا مَدَّ بَصَرِهِ».

أَمَّا فِي حَقِّ الْكَافِرِ: «فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ، فَافْرُشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ.قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ، حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ».

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مُسْتَقَرِّ أَرْوَاحِ الْمَوْتَى مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، هَلْ هِيَ فِي السَّمَاءِ أَمْ فِي الْأَرْضِ، وَهَلْ هِيَ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ أَمْ لَا، وَهَلْ تُودَعُ فِي أَجْسَادٍ أَمْ تَكُونُ مُجَرَّدَةً؟ فَهَذِهِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْعِظَامِ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهَا النَّاسُ، وَهِيَ إِنَّمَا تُتَلَقَّى مِنَ السَّمْعِ فَقَطْ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي عِلِّيِّينَ، وَأَرْوَاحَ الْكُفَّارِ فِي سِجِّينٍ، وَلِكُلِّ رُوحٍ اتِّصَالٌ، وَهُوَ اتِّصَالٌ مَعْنَوِيٌّ لَا يُشْبِهُ الِاتِّصَالَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، بَلْ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِهِ حَالُ النَّائِمِ انْفِصَالًا، وَشَبَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِالشَّمْسِ، أَيْ بِشُعَاعِ الشَّمْسِ، وَهَذَا مَجْمَعُ مَا افْتَرَقَ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّ مَحَلَّ الْأَرْوَاحِ فِي عِلِّيِّينَ وَفِي سِجِّينٍ، وَمِنْ كَوْنِ أَفْنِيَةِ الْأَرْوَاحِ عِنْدَ أَفْنِيَةِ قُبُورِهِمْ، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْجُمْهُورِ.

أَثَرُ الْمَوْتِ عَلَى حُقُوقِ الْمُتَوَفَّى:

أَثَرُ الْمَوْتِ عَلَى الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ الْمَحْضَةِ:

16- الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ الْمَحْضَةُ: هِيَ مَا تَسْتَحِيلُ فِي النِّهَايَةِ إِلَى مَالٍ مِثْلُ الدُّيُونِ فِي ذِمَمِ الْغُرَمَاءِ، وَحَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَحَقُّ حَبْسِ الرَّهْنِ لِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ وَحَقُّ الدِّيَةِ وَالْأَرْشِ فِي الْأَطْرَافِ وَحُقُوقُ الِارْتِفَاقِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أَوَّلًا- الدُّيُونُ فِي ذِمَّةِ الْغُرَمَاءِ

17- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي عَدَمِ تَأْثِيرِ مَوْتِ الدَّائِنِ عَلَى الدُّيُونِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْغُرَمَاءِ، وَأَنَّهَا تَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَرَكَهَا، لِأَنَّ الدُّيُونَ فِي الذِّمَمِ أَمْوَالٌ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِاعْتِبَارِهَا تَؤُولُ إِلَى مَالٍ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ.

18- وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ دَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، سَوَاءٌ تَقَرَّرَ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَقَالُوا إِنَّهُ يَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ، وَالصِّلَاتُ عِنْدَهُمْ لَا تَتِمُّ إِلاَّ بِالتَّسْلِيمِ، وَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَهُ، إِلاَّ إِذَا اسْتَدَانَتِ النَّفَقَةَ بِأَمْرِ الْقَاضِي، فَعِنْدَئِذٍ لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهَا، بَلْ تَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهَا، وَكَذَلِكَ دَيْنُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عِنْدَهُمْ بِمَوْتِ مَنْ وَجَبَ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، لِأَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ كِفَايَةً لِلْحَاجَةِ...إِلاَّ إِذَا أَذِنَ الْقَاضِي لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَ، فَعِنْدَئِذٍ لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، بَلْ تَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا فِي دَيْنِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ. أَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَقَدْ قَالُوا: إِنَّ دَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ دَيْنٌ صَحِيحٌ، سَوَاءٌ وَجَبَ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهَا قَبْلَ تَسَلُّمِهِ، بَلْ يَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ، أَمَّا نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ، فَإِنَّ وُجُوبَهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ وَسَدِّ الْخَلَّةِ، وَهِيَ مُجَرَّدُ إِمْتَاعٍ فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا إِلاَّ إِذَا فَرَضَهَا الْقَاضِي، فَحِينَئِذٍ تَثْبُتُ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ، وَلَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ قَبْضِهَا، بَلْ تَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهِ.

19- وَالدُّيُونُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ بِالصِّفَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا حَالَ حَيَاةِ الدَّائِنِ، فَمَا كَانَ مِنْهَا حَالًّا انْتَقَلَ إِلَى الْوَرَثَةِ حَالًا، وَمَا كَانَ مِنْهَا مُؤَجَّلًا أَوْ مُقَسَّطًا انْتَقَلَ كَمَا هُوَ مُؤَخَّرًا إِلَى أَجَلِهِ، حَيْثُ إِنَّ الْأَجَلَ عِنْدَهُمْ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الدَّائِنِ.

وَحُكِيَ عَنِ اللَّيْثِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلَى وَرَثَتِهِ حَالًّا، وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ بِوَفَاتِهِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


9-الأضداد لابن الأنباري (فوق)

153 - وفوق حرف من الأَضْداد؛ يكون بمَعْنَى أَعظم، كقولك: هذا فوقَ فلان في العلم والشجاعة؛ إِذا كان الَّذي فيه منهما يزيد على ما في الآخر، ويكون فوق بمَعْنَى دون، كقولك: إنّ فلانًا لقصير، وفوق القصير، وإنه لقليل وفوق القليل؛ وإنّه لأحمق وفوق الأَحمق؛ أَي هو دون المذموم باستحقاقه الزيادة من الذّم؛ ومن هذا المعنى قول الله عزَ وجلّ: إنَّ الله لا يَسْتَحيي أَن يَضْرِب مَثَلًا ما بَعوضَةٍ فَما فَوقَها. يقال: معنى قوله: فما فوقها، فما دونها، ويقال: معناه فما هو أَعظم منها.

وقالَ الفَرَّاءُ: الاختيار أَن تكون فوق في هذه الآية بمَعْنَى أَعظم؛ لأَنَّ البعوضة نهاية في الصِّغر؛ ولم يدفع المعنى الآخر، ولا رآه خطأ.

وقالَ قُطْرب: فوق تكون بمَعْنَى دون مع الوصف؛ كقول العرب: إِنَّهُ لَقليلٌ وفوق القليل؛ ولا تكون بمَعْنَى دون مع الأَسماء، كقول العرب: هذه نَمْلة، وفوق النّملة؛ وهذا حمار وفوق الحمار، قال: لا يجوز أَن تكون فوق هاتين المسأَلتين بمَعْنَى دون؛ لأَنَّه لم يتقدمه وصف، إنما تقدمته النملة والحمار، وهما اسمان. وردّ

قول المفسرين الذين ذكروا فيه أَن فوقًا في الآية بمَعْنَى دون.

قال أَبو بكر: وردّه هذا غلط عندي؛ لأَنَّ البعوضة وصفٌ للمَثَل، وما توكيد، والتقدير: مثلًا بعوضة فما دونها. فإِنَّ كان الأَمر على ما ذكر من أَن فوق لا

تكون بمَعْنَى دون إِلاَّ بعد تقدم الوصف، لزمه إجازة هذا المعنى في الآية؛ إذْ كان الحرف جاءَ بعد البعوضة؛ وهي وصف للمثَل. ويجوز أَن تنتصب البعوضة على معنى بَيْن؛ ويكون التقدير: مثلًا ما بين بعوضة إِلى ما فوقها، فأَسقطت بين وجعل إعرابها في البعوضة؛ ليعلم أَن معناها مراد؛ كما قالت العرب: مُطِرْنا ما زُبالة فالثَّعْلَبِيَّة، وهم يريدون: ما بين زبالة إِلى الثعلبية، قال الشَّاعِر:

«يا أَحسَنَ النَّاسِ ما قَرْنًا إِلى قَدَمٍ *** ولا حبالَ مُحبٍّ واصلٍ تَصِلُ»

أَراد: ما بين قرن إِلى قدم. وقرأَ رُؤْبَةُ بن العجاج: مَثَلًا ما بعوضَةٍ فما فَوْقَها، على معنى: مثلًا ما هو بعوضة، فأَضمر هو، كما قال الأَعشى:

«فأَنت الجوادُ وأَنتَ الَّذي *** إِذا ما النفوسُ مَلأْنَ الصُّدورا»

«جَديرٌ بطَعنةِ يومِ اللقا *** ءِ تَضرِب منها النساءُ النُّحورا»

أَراد: وأَنت الَّذي هو الجدير.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


10-تاج العروس (زور)

[زور]: الزَّوْرُ، بالفَتْح: الصَّدْر، وبه فُسِّر قَوْل كَعْب بْنِ زُهَيْر:

في خَلْقِهَا عن بَنَاتِ الزَّوْرِ تَفْضِيلُ

وبَنَاتُه: ما حَوالَيْه من الأَضْلاع وغَيْرِها. وقيل: وَسَطُ الصَّدْرِ أَو أَعْلاه. وهو ما ارْتَفَع مِنْه إِلى الكَتفَيْن، أَو هو مُلْتَقَى أَطْرَافِ عِظَامِ الصَّدْرِ حيثُ اجْتَمَعَت، وقيل: هو جَماعةُ الصَّدْر من الخُفِّ، والجمْع أَزوارٌ. ويُستَحَبُّ في الفَرَس أَن يَكون في زَوْرِه ضِيقٌ، وأَن يكون رَحْبَ اللَّبَانِ، كما قال عبدُ الله بن سُلَيْمَة:

ولقَدْ غَدَوْتُ علَى القَنِيص بشَيْظَمٍ *** كالجِذْعِ وَسْطَ الجَنَّةِ المَغْرُوسِ

مُتَقَارِبِ الثَّفِنَاتِ ضَيْقٍ زَوْرُه *** رَحْبِ اللَّبَانِ شَدِيدِ طَيِّ ضَرِيسِ

أَراد بالضَّرِيس الفَقَارَ.

قال الجَوْهَرِيّ، وقد فَرَّقَ بين الزَّوْرِ واللَّبَانِ كما تَرَى.

والزَّوْرُ: الزّائِرُ، وهو الذي يَزُورُك. يقال: رَجلٌ زَوْرٌ، وفي الحديث: «إِنَّ لزَوْرِكَ عليك حَقًّا» وهو في الأَصل مَصْدرٌ وُضِعَ مَوْضعَ الاسْمِ، كصَوْمٍ ونَوْمٍ، بمَعْنَى صَائِمٍ ونَائِمٍ.

والزَّوْر: الزَّائِرُون، اسمٌ للجَمْع، وقيل: جَمْعُ زائرٍ.

رجلٌ زَوْر، وامرأَة زَوْرٌ، ونِسَاءٌ زَوْرٌ. يكون للواحِد والجَمِيع والمُذَكَّر والمُؤَنَّث بلَفْظٍ واحِدٍ، لأَنه مَصْدر، قال:

حُبَّ بالزَّوْر الذي لا يُرَى *** منه إِلا صَفْحَةٌ عن لِمَامْ

وقال في نِسْوة زَوْرٍ:

ومَشْيُهُنَّ بالكَثِيبِ مَوْرُ *** كما تَهَادَى الفَتيَاتُ الزَّوْرُ

كالزُّوَّارِ والزُّوَّر، كرُجَّاز ورُكَّع. وقال الجوهريّ: ونِسْوةٌ زَوْرٌ وزُوَّرٌ، مثل نُوَّمٍ ونُوَّحٍ: زَائِرات.

والزَّوْرُ: عَسِيبُ النَّحْلِ، هكَذا بالحَاءِ المُهْمَلَة في غالب النُّسخ، والصواب بالمُعْجَمَة. وهكذا ضَبَطَه الصَّاغانِيّ وقال: هو بِلُغة أَهْل اليَمَن.

والزَّوْرُ: العَقْلُ. ويُضَمّ، وقد كَرَّرَه مَرَّتَيْن، فإِنه قَالَ بَعْدَ هذا بأَسطُر: والرَّأيُ والعَقْل: وسَيَأتي هُناك.

والزَّوْر: مَصْدر زَارَ ه يَزُورُه زَوْرًا؛ أَي لَقِيَه بزَوْرِه، أَو قَصَدَ زَوْرَه أَي وِجْهَته، كما في البَصائر، كالزِّيَارَة، بالكَسْر والزُّوَارِ، بالضَّمّ، والمَزَارِ، بالفَتْح، مصدر مِيمِيّ، وقد سَقَط من بعض النُّسَخ.

والزَّوْرُ للقَوْم: السَّيِّد والرَّئيسُ كالزَّوِيرِ، كأَمِير، والزُّوَيْرِ، كزُبَيْر. يقال هذا زُوَيْرُ القَوْمِ؛ أَي رَئِيسُهم وزَعِيمُهم.

وقال ابْنُ الأَعرابيّ: الزُّوَيْر: صاحِبُ أَمرِ القَوْمِ، وأَنشد:

بأَيْدِي رِجالٍ لا هَوادَةَ بَيْنَهمْ *** يَسُوقُون للمَوْتِ الزُّوَيْرَ اليَلَنْدَدَا

والزِّوَرِّ مثال خِدَبٍّ وهِجَفٍّ.

والزَّوْرُ: الخَيَالُ يُرَى في النَّوْمِ.

والزَّوْرُ: قُوَّةُ العَزِيمَةِ، والذي وَقعَ في المُحكَم والتَّهْذِيب: الزَّوْرُ: العَزِيمة، ولا يُحْتَاج إِلى ذِكْر القُوَّة فإِنها معنًى آخَرُ.

والزَّوْرُ: الحَجَرُ الَّذِي يَظْهَر لِحَافِرِ البِئْرِ فيَعْجِزُ عن كَسْرِهِ فيَدَعُه ظاهِرًا. وقال بعضُهم: الزَّوْرُ: صَخْرَةٌ، هكذا أَطلَقَ ولم يُفَسِّر.

والزَّوْر: وَادٍ قُرْبَ السَّوَارِقِيَّة.

ويَوْمُ الزَّوْرِ، وَيقال: يَوْمُ الزَّوْرَيْن، ويَومُ الزَّوِيرَيْنِ لبَكْرٍ على تَمِيم.

قال أَبو عُبَيْدةَ: لأَنَّهُمْ أَخَذُوا بَعِيرَيْن. ونَصُّ أَبِي عُبَيْدَة: بَكْرَيْن مُجَلَّلَيْنِ فعَقَلُوهُما؛ أَي قَيَّدُوهما، وقالوا: هذانِ زَوْرَانَا أَي إِلهَانَا لَنْ نَفِرّ. ونصّ أَبِي عُبَيْدة: فلا نَفِرّ حتَّى يَفرَّا، وهُزِمَت تَمِيمٌ ذلِكَ اليَوْم، وأُخِذَ البَكْرَانِ فنُحِرَ أَحدُهما وتُرِكَ الآخَرُ يَضْرِب في شَوْلِهِم.

وقال الأَغْلَبُ العِجْليّ يَعِيبُهم بجَعْل البَعِيرَينِ رَبَّيْن لهم:

جاءوا بِزَوْرَيْهم وجِئْنَا بالأَصَمّ

هكذا في دِيوان الأَغلَب.

وقال أَبو عُبَيْدَة مَعْمَرُ بنُ المُثَنَّى: إِن البَيْت ليَحْيَى بن مَنْصُور وأَنشد قَبْلَه:

كانتْ تَمِيمٌ مَعشرًا ذَوِي كَرَمْ *** غَلْصَمَةً من الغَلاصِيمِ العُظَمْ

ما جَبُنُوا ولا تَوَلَّوْا مِنْ أَمَمْ *** قدْ قابَلوا لو يَنْفُخُون في فَحَمْ

جاءُوا بزَوْرَيْهم وجِئْنَا بالأَصَمّ *** شَيْخٍ لنَا كاللَّيْثِ مِنْ باقِي إِرَمْ

الأَصمُّ: هو عَمْرو بن قَيْسِ بن مَسْعُودِ بنِ عَامِر، رَئِيسُ بَكْرِ بْنِ وَائِل في ذلك اليومِ.

والزُّورُ بالضَّمِّ: الكَذِبُ، لكَوْنه قَوْلًا مائِلًا عن الحَقّ.

قال تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} وبه فُسِّر أَيضًا الحَدِيث: «المُتَشَبِّع بما لم يُعْطَ كَلابِس ثَوْبَيْ زُورٍ». والزُّورُ: الشِّرْكُ بالله تَعَالَى، وقد عَدَلَت شَهَادَةُ الزُّورِ الشِّرْكَ بالله، كما جاءَ في الحَدِيث لقَوْله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهًا آخَرَ} ثم قال بعدَها: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} وبه فَسَّر الزَّجَّاج قولَه تَعالَى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}. وقيل: إِن المرادَ به في الآية مَجَالِسُ اليَهُودِ والنَّصَارَى عن الزَّجّاج أَيضًا، ونصُّ قوله: مَجالِس النّصارى.

والزُّور: الرَّئِيسُ، قاله شَمِر، وأَنْشَد:

إِذْ أُقْرِنَ الزُّورَانِ زُورٌ رَازِحُ *** رَارٌ وزُورٌ نِقْيُه طُلافِحُ

وزَعِيمُ القَوْم: لُغَة في الزَّوْر، بالفَتْح، فلو قال هنا: ويُضَمّ، كان أَحْسَن. والسَّيّد والرَّئِيس والزَّعِيم بمَعْنًى.

وقيل في تَفْسِير قولِه تَعالَى {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} إِنَّ المراد به مَجْلِسُ الغِنَاءِ، قاله الزَّجَّاجُ أَيضًا. ونَصُّه مَجَالِسُ الغِنَاءِ. وقال ثَعْلبٌ: الزُّور هنا: مَجالِسُ اللهْو. قال ابنُ سِيدَه: ولا أَدْرِي كَيْفَ هذَا إِلّا أَن يُرِيدَ بمجالِس اللهْوِ هُنَا الشِّرْكَ بالله. قال: والَّذي جاءَ في الرِّواية: الشِّرْك، وهو جامعٌ لأَعيادِ النَّصَارَى وغيرِها.

ومن المَجَاز: ما لَكُمْ تَعْبُدُون الزُّورَ؟ وهو كُلُّ ما يُتَّخَذُ رَبًّا ويُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله تَعالَى، كالزُّونِ بالنُّون. وقال أَبو سَعِيد: الزُّون: الصَّنَم وسَيَأْتِي. وقال أَبو عُبَيْدة: كلّ ما عُبِد من دُونِ الله فهو زُورٌ.

قُلْتُ: ويقال: إِنَّ الزُّور صَنَمٌ بعَيْنه كان مُرَصَّعًا بالجَوْهَر في بلاد الدادر.

وعن أَبِي عُبَيْدَة: الزُّورُ: القُوَّة. يقال: ليس لهم زُورٌ؛ أَي ليس لهم قُوَّة. وحَبْلٌ له زُورٌ؛ أَي قُوَّة: وهذا وِفَاقٌ وَقَعَ بين لُغَةِ العَربِ والفُرْسِ، وصَرَّحَ الخَفَاجِيّ في شِفَاءِ الغَلِيل بأَنَّه معرّب. ونَقَل عن سِيبَوَيْه وغَيْرِه من الأَئِمَّة ذلِك، وظَنَّ شَيْخُنَا أَنَّ هذا جاءَ به المُصَنِّف من عنده فتمَحَّلَ للرَّدّ عليه على عادَته، وإِنَّمَا هو نصّ كلامِ أَبِي عُبَيْدَة، ونَاهِيك بِه. ثم إِن الذي في اللُّغَة الفَارِسيّة إِنَّمَا هو زُور بالضَّمَّة المُمَالَة لا الخَالصة ولم يُنَبِّهُوا على ذلِك.

والزُّورُ: نَهرٌ يَصُبُّ في دِجْلَةَ.

والزُّورُ: الرَّأْيُ والعَقْلُ، يقال: ما لَه زُورٌ وزَوْرٌ ولا صَيُّور، بمعنًى؛ أَي ما لَه رَأْيٌ وعَقْل يرْجع إِليه، بالضَّمِّ عن يعقوب، والفَتْح عن أَبِي عُبَيْد. وقال أَبو عُبَيْد: وأُراه إِنَّما أَرادَ لا زَبْرَ له فغَيَّره إِذ كَتَبه.

والزُّورُ: التُّهْمَة والباطِلُ وقيل: شَهادَةُ البَاطِل وقَولُ الكَذب، ولم يُشْتَقّ منه تَزْوِير الكَلامِ، ولكِنه اشتُقَّ من تَزْوِير الصَّدْرِ، وقد تَكرَّر ذِكْر شَهادَة الزُّور في الحديث، وهي مِنَ الكَبَائِر.

والزُّورُ: جَمْعُ الأَزْورِ، وهو المَائِل الزَوْر، ومنه شِعْر عمر:

بالخَيْل عابِسَةً زُورًا مناكِبُها

كما يأْتي.

والزُّورُ: لَذَّةُ الطَّعامِ وطِيبُهُ.

والزُّورُ: لِينُ الثَّوبِ ونَقَاؤُه.

وزُورٌ: اسم مَلِكٍ بَنَى مَدِينَة شَهْرَ زُورَ، ومَعْناه مَدِينَة زُور.

والزَّوَرُ. بالتَّحْرِيكِ: المَيْلُ، وهو مِثْل الصَّعَر. وقيل: الزَّوَرُ في غَيْر الكِلَاب: مَيَلٌ مّا، لا يكون مُعْتَدِلَ التَّرْبِيعِ، نحو الكِرْكِرَة واللِّبْدَة. وقِيلَ: الزَّوَرُ: عِوَجُ الزَّوْرِ؛ أَي وَسطُ الصَّدْرِ. أَو هو إِشْرَافُ أَحَدِ جانِبَيْه على الآخَرِ، وقد زَوِرَ زَوَرًا.

والأَزْوَرُ: مَنْ به ذلِك. و: المائِلُ. يقال: عُنُق أَزْوَرُ؛ أَي مائِلٌ. وكَلْبٌ أَزْوَرُ: قد اسْتَدَقَّ جَوْشَنُ صَدْرِه وخَرجَ كَلْكَلُه كأَنَّه قد عُصِرَ جانِبَاه.

وقيل: الزَّوَرُ في الفَرَس: دُخُولُ إِحدَى الفَهْدَتَيْن وخُرُوجُ الأُخرَى.

والأَزْوَر: النَّاظِرُ بمُؤْخِرِ عَيْنَيْهِ لشِدَّته وحِدَّته. أَو الأَزْوَرُ: البَعِيرُ الذِي يُقْبِل على شِقٍّ إِذَا اشْتَدَّ السَّيْرُ وإِن لم يكُن في صَدْرِهِ مَيَلٌ.

والزِّوَرُّ، كهِجَفٍّ: السَّيْرُ الشَّدِيدُ. قال القُطَاميّ:

يا نَاقُ خُبِّي خَبَبًا زِوَرَّا *** وقَلِّمِي مَنْسِمَكِ المُغْبَرَّا

وقيل: الزِّوَرُّ: الشَّدِيدُ، فلم يُخَصَّ به شَيْ‌ءٌ دون شَيْ‌ءٍ.

والزِّوَرُّ أَيضًا: البَعِيرُ الصُّلْب المُهَيَّأُ للأَسْفَارِ. يقال: ناقةٌ زِوَرَّةُ أَسْفارِ؛ أَي مُهَيَّأَة للأَسفارِ مُعَدَّة. ويقال فيها أَزْوِرارٌ من نَشَاطِها. وقالَ بَشِير بنُ النِّكْث:

عَجِّلْ لهَا سُقَاتَها يَا ابْنَ الأَغرّ *** وأَعْلِقِ الحَبْلَ بذَيّالٍ زِوَرّ

والزِّوَارُ والزِّيَارُ، بالوَاوِ واليَاءِ ككِتَاب: كُلُّ شَيْ‌ءٍ كان صَلَاحًا لشَيْ‌ءٍ وعِصْمَةً، وهو مَجاز. قال ابنُ الرِّقاع:

كانُوا زِوَارًا لأَهْلِ الشَّامِ قد عَلِمُوا *** لَمَّا رَأَوْا فيهمُ جَوْرًا وطُغْيانَا

قال ابنُ الأَعرابيّ: زِوَارٌ وزِيَارٌ: عِصْمَةٌ، كزِيَارِ الدّابَّة.

والزِّوَارُ والزِّيَارُ: حَبْلٌ يُجْعَل بَيْنَ التَّصْدِيرِ والحَقَبِ يُشَدُّ من التَّصْدِير إِلى خَلْفِ الكِرْكِرةِ حتَّى يَثْبُتَ لئلّا يُصِيبَ الحَقَبُ الثِّيلَ فيحْتَبس بَوْلُه، قاله أَبو عَمْرٍو.

وقال الفرزذق:

بأَرحُلِنا يَجِدْنَ وقد جَعَلْنَا *** لكلِّ نَجِيبَةٍ منها زِيَارا

الجمع: أَزْوِرَةٌ.

وفي حديثِ الدَّجَّال: «رآه مُكبَّلًا بالحَدِيد بأَزْوِرَة».

قال ابنُ الأَثِير: هي جَمْع زِوَارٍ وزِيَارٍ، المعنَى أَنه جُمِعتْ يَدَاهُ إِلى صَدْرِه وشُدَّت.

وزُرْتُ البَعِيرَ أَزُورُه زِوَارًا: شَدَدْتُه بِه، من ذلك.

وأَبُو الحُسَيْن عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله بنِ بَهْرَامَ الزِّيارِيُّ الأَسْتَرَابَاذِيّ: مُحَدِّثٌ يَرْوِي عن إِبراهِيمَ بنِ زُهَيْر الحُلْوَانيّ، مات سنة 342، كذا في التَّبْصِير للحافِظ ابن حَجَر.

والزَّوْرَاءُ: اسمُ مَال كان لأُحَيْحَةَ بن الجُلَاحِ الأَنْصَارِيّ: وقال:

إِني أُقِيم على الزَّوْرَاءِ أَعمُرُها *** إِنَّ الكَرِيمَ على الإِخوانِ ذُو المَالِ

ومن المَجَازِ: الزَّوْرَاءُ: الْبِئْرُ البَعِيدَةُ القَعْرِ. قال الشَّاعِر:

إِذ تَجْعَل الجَارَ في زَوْراءَ مُظْلِمَةٍ *** زَلْخَ المُقَامِ وتَطْوِي دُونَه المَرَسَا

وقيل: رَكِيَّةٌ زَوْرَاءُ: غيرُ مُسْتَقِيمَةِ الحَفْرِ.

والزَّوْرَاءُ: القَدَحُ، قال النابِغَة:

وتُسْقَى إِذا ما شِئتَ غَيْرَ مُصَرَّدٍ *** بزَوْرَاءَ في حافَاتِهَا المِسْكُ كانِعُ

والزَّوْراءُ: إِناءٌ، وهو مِشْرَبَةٌ من فِضَّة مُسْتَطِيلَة مثْل التَّلْتَلَة. ومن المَجَاز: رَمَى بالزَّوراءِ؛ أَي القَوْس. وقَوْسٌ زَوْرَاءُ: مَعْطوفةٌ.

وقال الجَوْهَرِيّ: ودَجْلَةُ بغْدَادَ تُسَمَّى الزَّوْرَاءَ.

والزَّوْرَاءُ: بَغْدَادُ أَو مَدينةٌ أُخْرَى بها في الجانِب الشَّرقِيّ؛ لأَنَّ أَبوابهَا الدَّاخِلَةَ جُعِلَتْ مُزْوَرّة؛ أَي مائلةً عن الأَبواب الخارجَةِ وقيل لازْوِرَار قِبْلَتِها.

والزَّوْرَاءُ: موضع بالمدينةِ قُرْبَ المَسْجِدِ الشريفِ، وقد جاءَ ذِكرُه في حَدِيث الزُّهْرِيّ عن السَّائِب.

والزَّوْراءُ: دارٌ كانت بالحِيرَةِ بناها النُّعمانُ بنُ مُنْذر، هَدَمها أَبو جَعْفَر المَنْصُورُ في أَيّامه.

والزَّورَاءُ: البَعِيدَةُ من الأَراضِي قال الأَعْشَى:

يَسْقِي دِيَارًا لَها قد أَصْبَحَت غَرَضًا *** زَوْراءَ أَجْنَفَ عنها القَوْدُ والرَّسَلُ

والزَّوْراءُ: أَرْضٌ عندَ ذي خِيمٍ، وهي أَوَّلُ الدَّهْنَاءِ وآخِرُهَا هُرَيْرَةُ.

والزَّارَةُ: الجَمَاعَةُ الضَّخْمَةُ مِنَ الناسِ والإِبلِ والغَنَمِ. وقيل هي من الإِبل والناسِ: ما بَيْن الخَمْسِين إِلى السِّتِّين.

والزَّارَة من الطَّائر: الحَوْصَلَة، عن أَبِي زَيْد، كالزَّاوِرَةِ، بفَتْح الواو، والزَاوُورَة وزاوَرَةُ القَطَا: ما حَمَلَتْ فيه المَاءَ لِفِراخها.

وزَارَةُ: حَيٌّ من أَزْدِ السَّرَاةِ، نَقَلَه الصَّاغانِيّ.

ولزَّارَةُ: قرية كَبِيرَةٌ بالبَحْرَيْن ومنها مَرْزَبَانُ الزَّارَةِ، وله حَدِيث معروف.

قال أَبو مَنْصُور: وعَيْنُ الزَّارَةِ بالبَحْرَيْن مَعْرُوفَةٌ.

والزَّارَة: قرية بالصَّعِيدِ، وسبقَ للمصنّف في «زرّ» أَنّها كُورَة بها فلينظر.

وزَرَاةُ: قرية، بأَطْرابُلُسِ الغَرْبِ. مِنْهَا إِبراهيمُ الزّارِيُّ التاجِرُ المُتَمَوِّلُ، كدا ضَبطه السِّلَفيّ ووَصَفَه.

وزَارَةُ: قرية من أَعْمَالِ اشْتِيخَنَ. منهَا يَحْيَى بن خُزَيْمَةَ الزَّارِيُّ، ويقال: هي بغَيْر هاءٍ، رَوَى عن الدَّارميّ. وعَنْه طيب بن محمّد السَّمَرْقَنْديّ، قال الحَافِظُ بن حَجَر: ضَبَطَه أَبو سَعْد الإِدْرِيسيّ هكذا، حكاه ابنُ نُقْطَة. وأَما السَّمْعَانِيّ فَذَكَره بتَكْرِير الزاي.

والزِّيرُ، بالكَسْرِ: الزِّرُّ. قال الأَزْهَرِيّ: ومن العَرب مَنْ يَقْلِب أَحَد الحَرْفَيْن المُدْغْمَين ياءً فَيَقُول في مَرٍّ: مَيْرٌ، وفي زِرٍّ زِيرٌ وفي رِزٍّ رِيزٌ.

والزِّيرُ: الكَتَّانُ. قال الحُطَيْئَة:

وإِنْ غَضِبَتْ خِلْتَ بالمِشْفَرَين *** سَبَائِخَ قُطْنٍ وزِيرًا نُسَالًا

والقِطْعَةُ منه زِيرَةٌ، بِهاءٍ، والجَمْع أَزْوَارٌ.

والزِّير: الدَّنُّ، والجمع أَزْيَار، أَعجميٌّ، أَو الزِّيرُ: الحُبُّ الذي يُجْعَل فيه الماءُ، بلُغَة العِراق. وفي حديث الشّافِعِيّ رضي ‌الله‌ عنه: «كُنتُ أَكتُب العِلْم وأُلقِيه في زِيرٍ لنا».

والزِّير: العَادَةُ، أَنْشَدَ يُونُس:

تَقولُ الحارِثِيَّة أُمُّ عَمرٍو *** أَهذا زِيرُه أَبَدًا وزِيرِي

قال: مَعْناه أَهذا دَأْبُه أَبدًا ودَأْبي.

والزِّير: رَجُلٌ يُحِبُّ محادَثَةَ النِّساءِ ويُحِبّ مُجالَسَتَهُنَّ ومُخَالَطَتَهُنّ، سُمِّيَ بذلك لكَثْرة زِيَارَتِه لَهُنّ. «ويحب» الثاني مُسْتَدرَكٌ. وقيل الزِّيرُ: المُخَالِطُ لهنّ في البَاطِل، وقيل: هو الذي يُخَالِطُهنّ ويُرِيدُ حَدِيثَهُنّ. بغيرِ شَرٍّ أَوْ بهِ. وأَصلُه الواو، وجعله شَيخُ الإِسلام زكريّا في حواشيه على البَيْضاوِيّ مهموزًا، وهو خِلافُ ما عليه أَئِمَّةُ اللُّغةِ.

وفي الحديث: «لا يَزالُ أَحدُكم كاسِرًا وِسَادَه يَتَّكِئُ عليه ويأْخُذُ في الحديث فِعْل الزِّيرِ». الجمع: أَزْوارٌ وزِيَرَةٌ، وأَزْيَارٌ، الأَخِيرَة من باب عِيدِ وأَعْيَادٍ.

وهي زِيرٌ أَيضًا. تَقُولُ: امرأَةٌ زِيرُ رِجَالٍ. قاله الكِسائيّ، وهو قَلِيل أَو خاصٌّ بهم؛ أَي بالرِّجال ولا يُوصَف به المُؤَنَّث، قاله بَعضُهم، وهو الأَكثر. ويأْتِي في الميم أَنَّ التي تُحِبّ مُحَادَثَةَ الرِّجالِ يُقَال لها: مَرْيَمُ. قال رُؤْبةُ:

قُلتُ لِزِيرٍ لم تَصِلْه مَرْيَمُهْ

والزِّير: الدِّقِيقُ من الأَوتارِ، أَو أَحدُّها وأَحْكَمُها فَتْلًا.

وزِيرُ المِزْهَرِ مُشْتَقٌّ منه.

والزِّيرَةُ، بهاءٍ: هَيْئَةُ الزِّيَارَةِ. يقال: فُلانٌ حَسَنُ الزِّيرَةِ.

والزَّيِّر، كسَيِّدٍ، هكذا في النُّسَخ، والصَّواب ككَتِفٍ، كما ضَبَطه الصَّاغانِيّ: الغَضْبَانُ المُقَاطِعُ لصاحِبه، عن ابن الأَعْرابيّ. قال الأَزْهَرِيّ. أُرَى أَصْلَه الهَمْزَ، من زَئِرَ الأَسدُ، فخفّف.

وزُورَةُ، بالضَّمّ ويُفْتَحُ: موضع قُرْبَ الكُوفَةِ.

والزَّوْرَة، بالفَتْح: البُعْدُ، وهو من الازْوِرَارِ. قال الشَّاعِر:

وماءٍ وَرَدْتُ على زَوْرَةٍ

أَي على بُعْد.

والزَّورَةُ: الناقَةُ التي تَنظُرُ بمُؤْخِرِ عَيْنِها لشِدَّتِهَا وحِدّتها، قال صَخْرُ الغَيِّ:

ومَاءٍ وَرَدْتُ على زَوْرَةٍ *** كَمَشْيِ السَّبْنْتَى يَرَاحُ الشَّفِيفَا

هكذا فَسَّره أَبُو عَمْرو. ويروى: زُورَة، بالضَّمِّ، والأَوّلُ أَعرَفُ.

ويوْمُ الزُّوَيْر، كزُبَيْر: م؛ أَي معروف، وكذا يوم الزُّوَيْرَيْنِ.

وأَزارَهُ: حَمَلَه على الزِّيارِة وأَزَرْتُه غَيري.

وزَوَّرَ تَزْوِيرًا: زَيَّنَ الكَذِبَ، وكَلامٌ مُزَوَّرٌ: مُمَوَّهٌ بالكَذِب.

ومن المَجَازِ: زَوَّرَ الشَّيْ‌ءَ. حَسَّنَه وقَوَّمه. وأَزالَ زَوَرَه: اعوِجَاجَه. وكَلامٌ مُزَوَّرٌ؛ أَي مُحَسَّن. وقِيل: هو المُثَقَّف قَبْلَ أَن يُتَكَلَّمَ به، ومنه‌قَوْلُ عُمَر رضي ‌الله‌ عنه: «ما زَوَّرْتُ كَلامًا لأَقُولَه إِلا سَبَقَني به أَبُو بَكْر». أَي هَيَّأْت وأَصْلَحْت.

والتَّزْوِير: إِصلاحُ الشَّيْ‌ءِ. وسُمِعَ ابنُ الأَعرابيّ يقول: كُلُّ إِصلاحٍ من خَيْرٍ أَو شَرٍّ فهو تَزْوِيرٌ. وقال أَبو زَيْد: التَّزْوِير: التَّزْوِيق والتَّحْسِين. وقال الأَصمَعِيّ: التَّزْوِير: تَهْيِئَة الكَلامِ وتَقدِيرُه، والإِنْسَان يُزَوِّر كَلامًا، وهو أَن يُقَوِّمَه ويُتْقِنَه قبل أَنْ يتكَلَّم به.

وزَوَّرَ الزَّائِر تَزْوِيرًا: أَكْرَمَه قال أَبو زيد: زَوِّروا فُلانًا؛ أَي اذْبَحُوا له وأَكْرِمُوه. والتَّزْوِيرُ: أَن يُكرِمَ المَزُورُ زَائِرَه.

وزَوَّرَ الشَّهَادةَ: أَبْطَلَهَا، وهو راجعٌ إِلى تفسير قَوْلِ القَتَّال:

ونَحْنُ أُناسٌ عُودُنَا عُودُ نَبْعَةٍ *** صَلِيبٌ وِفِينَا قَسْوَةٌ لا تُزَوَّرُ

قال أَبو عَدْنَانَ: أَي لا نُغْمَز لقَسْوتنا ولا نُستَضْعَف.

فقوله: زَوَّرْت شَهَادَةَ فَلانِ، معناه أَنَّه استُضعِف فغُمِزَ، وغُمِزتْ شَهَادَتُه فأُسقِطَت.

وفي الخَبَر عن الحَجَّاج قال: «رَحِم الله امْرأً زَوَّرَ نَفْسَه على نَفْسِه» قيل: قَوَّمَها وحَسَّنَها. وقيل: اتَّهَمَها على نَفْسه.

وقيل: وَسَمَهَا بالزُّورِ، كفَسَّقَه وجَهَّلَه. وتقول: أَنا أُزَوِّرك على نَفْسِك؛ أَي أَتَّهِمُك عَلَيْها. وأَنشد ابنُ الأَعرابيّ:

به زَوَرٌ لم يَسْتَطِعْه المُزَوِّرُ

والمُزَوَّرُ من الإِبِل، كمُعَظَّم: الذي إِذا سَلَّه المُذَمِّر ـ كمُحَدّث وقد تقدّم ـ من بَطْن أُمِّه اعْوَجَّ صَدرُه فَيَغْمِزُه ليُقِيمَه فيَبْقَى فِيه من غَمْزِهِ أَثَرٌ يُعلَم منه أَنَّه مُزَوَّر، قاله اللَّيْثُ: واسْتَزَارَهُ: سأَلَه أَن يَزُورَه، فزَارَه وازَدَارَه.

وتَزاوَرَ عنه تَزَاوُرًا عَدَلَ وانْحَرَف. وقُرِئ: تَزَّاوَرُ عَنْ كَهْفِهِم، وهو مُدغَمُ تَتَزَاوَرُ كازْوَرَّ وَازْوارَّ، كاحْمَرَّ واحْمارَّ. وقُرِئَ «تَزْوَرُّ» ومعنى الكُلِّ: تَمِيل، عن الأَخْفَشِ.

وقد ازْوَرَّ عنه. ازْوِرَارًا. وازْوَارَّ عنه ازْوِيرَارًا.

وتَزاوَرَ القَوْمُ: زارَ بَعضُهُم بَعضًا، وهم يَتَزَاوَرُون، وبينهم تَزَاوُرٌ.

وزَوْرَانُ، بالفتح: جَدُّ أَبي بكرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عبدِ الرحمنِ البَغْدَادِيّ، سَمِعَ يحيى بن هاشِم السّمسار. وقول المصنّف: التّابِعِيّ كذا في سائر الأُصول خَطَأٌ، فإِنَّ محمّد بن عبد الرحمن هذا ليس بتابعيٍّ كما عَرفْت.

والصواب أَنه سَقط من الكاتب، وَحَقُّه بعد عبد الرحمن: والوَلِيدُ بنُ زُوّارانَ. فإِنّه تابعيّ يَرْوِي عن أَنَس. وشَذَّ شيخُنَا فضَبَطه بالضَّم نَقلًا عن بعضهم عن الكاشِف، والصَّواب أَنَّه بالفَتْح، كما صَرَّحَ به الحافِظُ ابن حَجَر والأَمِيرُ وغيرُهما، ثم إِنَّ قَوْلَ المُصَنّف إِن زَوْرَانَ جَدُّ مُحَمَّد وَهَمٌ، بل الصَّواب أَنه لَقَبُ مُحَمَّد. ثم اختُلِف في الوَليد بنِ زَوْرَانَ، فَضَبَطه الأَمِيرُ بتقديم الرَّاءِ على الوَاوِ، وجَزَمَ المِزِّيّ في التَّهْذِيب أَنَّه بتقديم الواو كما هُنَا.

وبالضَّمِّ عبدُ الله بنُ عَلِيّ بن زُورَانَ الكازَرُونِيُّ، عن أَبِي الصَّلْت المُجير، ووَقَعَ في التَّكْمِلة، عَلِيّ بنُ عبد الله بن زُورَانَ. وإِسحاقُ بنُ زُورَانَ السِّيرافِيُّ الشَّافعيّ، مُحَدِّثُونَ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

مَنَارَةٌ زَوْراءُ: مائِلَةٌ عن السَّمْتِ والقَصْدِ. وفَلاةٌ زَوْراءُ: بَعِيدةٌ فيها ازْوِرَارٌ، وهو مَجَاز. وَبَلَدٌ أَزْوَرُ، وجَيْشٌ أَزْوَرُ.

قال الأَزهَرِيُّ: سَمِعْتُ العَربَ تقول للبَعِير المَائِل السَّنامِ: هذا البَعِيرُ زَوْرٌ. وناقَةٌ زَوْرَةٌ: قَوِيَّةٌ غَلِيظَةٌ. وفَلاةٌ زَوْرَة: غَيرُ قاصِدَةٍ.

وقال أَبو زَيد: زَوَّرَ الطَّائِرُ تَزْوِيرًا: ارتفَعَتْ حَوْصَلَتُه، وقال غيرُه: امتَلأَتْ.

ورَجلٌ زَوَّارٌ وزَوَّارَةٌ، بالتشديد فيهما: غَلِيظٌ إِلى القِصَرِ.

قال الأَزْهَرِيّ: قرأْتُ في كتاب اللَّيْث في هذا الباب: يقال للرَّجل إِذا كان غَليظًا إِلى القِصَر ما هو: إِنّه لَزُوَّارٌ وزُوَارِيَةٌ.

قال أَبو مَنْصُور؛ وهذا تَصْحِيفٌ مُنْكر، والصَّواب: إِنه لَزُوَازٌ وزُوَازِبَةٌ «بزاءَيْن». قال: قال ذلك أَبو عَمْرٍو وابْنُ الأَعْرَابِيّ وغَيْرُهما.

وازْدَاره: زَارَه، افْتَعَلَ من الزِّيارة. قال أَبو كَبِير:

فدَخَلْتُ بَيْتًا غَيْرَ بَيْتِ سِنَاخَةٍ *** وازْدَرْتُ مُزْدَارَ الكَريمِ المِفْضَلِ

الزَّوْرَة: المَرَّةُ الواحدةُ.

وامرأَةٌ زَائِرَةٌ من نِسْوةٍ زُورٍ، عن سِيبَوَيه، وكذلك في المذكّر، كعائِذٍ وعُوذٍ، ورَجلٌ زَوَّارٌ وزَؤُورٌ ككَتَّان وصَبُور.

قال:

إِذا غَاب عنْها بَعْلُهَا لم أَكنْ لَهَا *** زَؤُورًا ولمْ تَأْنَسْ إِليَّ كِلابُها

وقال بَعْضُهم: زارَ فُلانٌ فلانًا؛ أَي مَالَ إِليه. ومنه تَزَاوَرَ عنه؛ أَي مَالَ.

وزَوَّرَ صاحِبَه تَزْوِيرًا: أَحْسَنَ إِليه وعَرَفَ حَقَّ زِيَارَتهِ.

وفي حَدِيث طَلْحَةَ: «أَزَرْتُه شَعُوبَ فزَارَها أَي أَوْرَدْتُه المَنِيَّةَ، وهو مَجاز.

وأَنا أُزِيرُكم ثَنَائِي، وأَزَرْتُكم قَصَائِدي، وهو مَجاز.

والمَزَارُ، بالفَتْح: مَوْضِعُ الزِّيارةِ.

وزَوِرَ يَزْوَر، إِذا مالَ.

ويقال للعَدُوِّ: الزَّايرُ، وهم الزَّايِرُون وأَصلُه الهَمْز، ولم يَذكره المُصَنّف هناك. وبالوَجْهَيْن فُسِّرَ بيتُ عَنْتَرَةَ:

حَلَّتْ بأَرْضِ الزَّايِرِينَ فأَصْبَحَتْ *** عَسِرًا عَليَّ طِلابُكِ ابْنَةَ مَخْرَمِ

وقد تقدّمت الإِشارة إِليه.

وزَارَةُ الأَسَدِ: أَجَمَتُه. قال ابن جِنِّي. وذلك لاعْتِياده إِيَّاها وزَوْرِه لها. وذَكَرَه المصنّف في زأَر.

والزَّارُ: الأَجَمَة ذاتُ الحَلْفاءِ والقَصَبِ والماءِ.

وكَلامٌ مُتَزَوَّرٌ: مُحَسَّنٌ. قال نَصْرُ بنُ سيَّارٍ:

أَبلِغْ أَميرَ المؤمنينَ رِسَالَةً *** تَزَوَّرتُها من مُحْكَمَاتِ الرَّسائِلِ

أَي حَسَّنْتُهَا وثَقَّفْتها.

وقال خالِدُ بنُ كُلْثُوم: التَّزْوِيرُ: التَّشْبِيهُ.

وزَارَةُ: مَوْضِع، قال الشاعر:

وكَأَنَّ ظُعْنَ الحَيِّ مُدْبِرَةً *** نَخْلٌ بِزَارَةَ حَمْلُهُ السُّعْدُ

وفي الأَسَاس: تَزَوَّرَ: قال الزُّورَ. وَتَزوَّرَه: زَوَّرَه لنَفْسِه.

وأَلقَى زَوْرَه: أَقامَ.

وكَلِمةٌ زَوْراءُ: دَنِيَّةٌ مُعْوَجَّةٌ.

وهو أَزْوَرُ عن مقَامِ الذّلّ: أَبْعَدُ.

واستدرك شيخنا: زَارَه: زوجُ ماسِخَةَ القَوَّاسِ، كما نقلَه السُّهَيليّ وغيره، وتقدّمت الإشارة إِليه في «مسخ».

قلت: ونَهْرُ زَاوَرَ كهَاجَر، نَهرٌ متَّصل بعُكْبَرَاءَ، وزَاوَرُ: قريةٌ عنده.

والزَّوْرُ، بالفَتْح: موضعٌ بين أَرضِ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ.

وأَرضِ تَمِيم، على ثلاثةِ أَيّامٍ من طَلَحَ. وجَبَلٌ يُذْكَر مع مَنْوَرٍ، وجَبلٌ آخَرُ في دِيَارِ بني سُلَيْمٍ في الحِجَاز.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


11-تاج العروس (خبط)

[خبط]: خَبَطَهُ يَخْبِطُهُ: ضَرَبَهُ شَدِيدًا، كذا في المُحْكَمِ، وكَذَا البَعِيرُ بيَدِهِ الأَرْضَ خَبْطًا: ضَرَبَهَا، كمَا في الصّحاحِ، وفي التَّهْذِيبِ: الخَبْطُ: ضَرْبُ البَعِيرِ الشَّيْ‌ءَ بخُفِّ يَدِه، كما قال طَرَفَةُ:

تَخْبِطُ الأَرْضَ بصُمٍّ وُقُحٍ *** وصِلَابٍ كالمَلَاطِيسِ سُمُرْ

أَرادَ أَنَّهَا تَضْرِبُهَا بأَخْفَافِهَا إِذا سَارَتْ، ومنه‌ حَدِيثُ سَعْدٍ: «لا تَخْبِطُوا خَبْطَ الجَمَلِ، ولا تَمُطُّوا بآمِين» نَهَى أَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَه عِنْدَ القِيَامِ من السُّجُودِ. وقيلَ: الخَبْطُ في الدّوابِّ: الضَّرْبُ بالأَيْدِي دُونَ الأَرْجُلِ فيكون للبَعِيرِ باليَدِ والرِّجْلِ، وكُلّ ما ضَرَبَه بيَدِه فقد خَبَطَه، أَنْشَدَ سِيبَوَيْه:

فَطِرْتُ بمُنْصُلِي في يَعْمَلَاتٍ *** دَوَامِي الأَيْد يَخْبِطْنَ السَّرِيحَا

وقيل: الخَبْطُ: الوَطْءُ الشديدُ، وقيل: هو من أَيْدِي الدَّوَابِّ.

قال شيخُنا: عِبَارَةُ الكَشّافِ: الخَبْطُ: الضَّرْب على غَيْرِ اسْتِواء. وقالَ غيرُه: هو السَّيْرُ عَلَى غَيْرِ جَادَّةٍ أَو طَرِيقٍ وَاضِحَةٍ. وقيلَ: أَصْلُ الخَبْطِ: ضَرْبٌ مُتَوَالٍ على أَنْحَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ، ثُمّ تُجُوِّزَ بهِ عن كُلِّ ضَرْبٍ غير مَحْمُودٍ، وقيلَ: أَصْلُه ضَرْبُ اليَدِ أَو الرِّجْلِ ونَحْوِها. والمُصَنِّفُ جَعَلَ الخَبْطَ: الضَّرْبَ الشَّدِيدَ، وليس في شَيْ‌ءٍ مّما ذَكرْنَا إِلاّ أَن يَدْخُلَ في الضَّرْبِ الغيرِ المَحْمُودِ، فتأَمَّلْ.

قُلت: قد تَقَدَّم أَنَّ الخَبْطَ بمَعْنَى الضَّرْبِ الشَّدِيدِ نَقَلَه المُصَنِّفُ عن المُحْكَم، وقال غَيْرُه: هو الوَطْءُ الشَّدِيدُ، ونَقَلَه في اللِّسَانِ، فحِينَئِذٍ لا يُحْتَاج إِلى التَّكَلُّفِ الَّذِي ذَهَب إِليه شَيْخُنَا من إِدْخَالِهِ في الضَّرْبِ الغَيْرِ المَحْمُودِ، وما نَقَلَه عن الكَشّافِ فإِنَّه مُسْتَعارٌ من خَبْطِ البَعِير، وكذا السَّيْرُ على غيرِ جَادَّةٍ. وقولُه: ولَفْظَةُ «كذا» في قَوْلِه: وكَذَا البَعِير، زيادةٌ غيرُ مُحْتَاجٍ إِليها، قلت: بل مْحْتَاجٌ إِليها، فإِنَّهُ أَشَارَ إِلى الضَّرْبِ الشَّدِيدِ، ومُرَادُه من ذلِكَ قولُهم: خَبَطَ البَعِيرُ بيَدِه الأَرْض، إِذا ضَرَبَها شَدِيدًا، كما في الأَسَاسِ أَيْضًا، وتَقدَّمَ عن بَعْضِهَم أَنَّ الخَبْطَ هو الوَطْءُ الشَّدِيدُ. فلَوْ لَم يَذْكُرْ لَفْظَةَ كذَا، احْتَاجَ إِلَى زِيَادَةِ قَوْلِه: ضَرَبَهَا شَدِيدًا، أَو كان يُفْهَم منه مُطْلَقُ الضَّرْبِ، كما هو في الصّحاحِ، فتأَمَّل.

كتَخَبَّطَهُ واخْتَبَطَهُ. وفي العُبَابِ: كُلُّ مَنْ ضَرَبَه بيَدِه فَصَرَعَهُ فقد خَبَطَهُ وتَخَبَّطَهُ. واخْتَبَطَ البَعِيرُ؛ أَي خَبَطَ، قال جَسّاسُ بنُ قُطَيْبٍ يَصِفُ فَحْلًا:

خَوَّى قَلِيلًا غَيْرَ ما اخْتِباطِ *** على مَثَانِي عُسُبٍ سِبَاطِ

وفي التّهْذِيب: قال شُجَاعٌ: يقال: تَخَبَّطَنِي برِجْلِه، وخَبَطَنِي، بمعْنًى وَاحِدٍ، وكذلِكَ تَخَبَّزَني وخَبَزَنِي.

وخَبَطَهُ يَخْبِطُه خَبْطًا: وَطِئَهُ شَدِيدًا كخَبْطِ البَعِيرِ بِيَدِه.

وخَبَطَ القَوْمَ بسَيْفَه: جَلَدَهُم، وهو مَجَازٌ من خَبْطِ الشَّجَرِ، كما في الأَسَاس.

وخَبَطَ الشَّجَرةَ بالعَصَا يَخْبِطُهَا خَبْطًا: شَدَّهَا ثُمَّ ضَرَبَهَا بالعَصَا ونَفَضَ وَرَقَهَا ليَعْلِفَهَا الإِبِلَ والدّوَابَّ، وفي التَّهْذِيبِ: الخَبْطَ: ضَرْبُ وَرَقِ الشَّجَرِ حتّى يَنْحاتَّ عنه، ثم يَسْتَخْلِف من غير أَنْ يَضُرَّ ذلِكَ بأَصْلَ الشَّجَرَة وأَغْصَانِهَا. وقال اللَّيْثُ: الخَبْطُ: خَبْطُ وَرَقِ العِضَاهِ من الطَّلْحِ ونحْوِه يُخْبَطُ بالعَصَا فيَتَنَاثَرُ ثمّ يُعْلَفُ الإِبلُ. قال ابنُ الأَثِيرِ: ومنه‌ حَدِيثُ عُمَرَ: «لَقَد رَأَيْتُنِي بهذَا الجَبَلِ أَحْتَطِبُ مَرَّةً وأَخْتَبِطُ أُخْرَى». و‌الحَدِيثُ الآخَر: «سُئِلَ: هَلْ يَضُرُّ الغَبْطُ؟ قَال: لا إِلاّ كما يَضُرُّ العِضاهَ الخَبْطُ» ‌الغَبْطُ: حَسَدٌ خاصٌّ، فأَرَادَ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم أَنّ الغَبْطَ لا يَضُرُّ ضَرَرَ الحَسَدِ، وأَنَّ ما يَلْحَقُ الغابِطَ من الضَّرَر الرّاجِعِ إلى نُقْصَانِ الثَّوَابِ دُونَ الإِحْبَاطِ بقَدْرِ مَا يَلْحَقُ العِضَاهَ من خَبْطِ وَرَقِهَا الَّذِي هو دُونَ قَطْعِها واسْتِئْصالِهَا، ولأنَّه يَعُودُ بعدَ الخَبْطِ وَرَقُهَا، فهو وإِنْ كان فيه طَرَفٌ من الحَسَد فهو دُونَه في الإِثْم.

وخَبَطَ اللَّيْلَ يَخْبِطُه خَبْطًا: سارَ فيهِ عَلَى غَيْرِ هُدًى، وهو مَجاز، ويُقَال: باتَ يَخْبِطُ الظَّلْمَاءَ، قال ذُو الرُّمَّة:

سَرَتْ تَخْبِطُ الظِّلْمَاءَ مِن جَانِبَيْ قَسًى *** وحُبَّ بَها مِن خَابِطِ اللَّيْلِ زائِرُ

وقيل: الخَبْطُ: كلّ سَيْرٍ على غَيْرِ هُدًى، أَو على غيْرِ جَادَّةٍ.

ومِنَ المَجَاز: خَبَطَ الشَّيْطَانُ فُلانًا، إِذا مَسَّهُ بأَذًى فأَفْسَدَه وخَبَلَه، كتَخَبَّطَهُ.

وفي حَدِيثِ الدُّعَاءِ: «وأَعُوذُ بك أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ» ‌أَي يَصْرَعَني وَيَلْعَبَ بِي.

ومن المَجَازِ: خَبَطَ زَيْدًا، إِذا سَأَلَه المَعْرُوفَ من غَيْرِ آصِرَة، على فَاعِلَةٍ، وهو الرَّحِمُ والقَرَابةُ، كما تَقَدَّم، كاخْتَبَطَهُ، وهذِه عن ابنِ بَرِّيّ. وقال ابنُ فَارِسٍ: الأَصْلُ فيه أَنَّ السّارِيَ إِليه أَو السَّائرَ لا بُدَّ من أَنْ يَخْتَبِطَ الأَرْضَ، ثمّ اخْتُصِرَ الكَلامُ فقِيلَ للآتِي طَالِبًا جَدْوَى: مُخْتَبِطٌ، فخَبَطَهُ زَيْدٌ المَسْئُولُ بخَيْرٍ: أَعْطَاهُ. وقال أَبو زَيْدٍ: خَبَطْت الرَّجُلَ خَبْطًا: وَصَلْتَه. وشَاهِدُ الخَبْطِ بمَعْنَى السُّؤالِ قولُ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى يَمْدَحُ هَرِمَ بنَ سِنَانٍ:

ولَيْسَ مانِعَ ذِي قُرْبَى ولا رَحِمٍ *** يَوْمًا ولا مُعْدِمًا مِنْ خَابِطٍ وَرَقَا

وأَمّا شاهِدُ الاخْتِبَاطِ بمَعْنَى طَلَبِ المَعْرُوفِ، فقَوْلُ الشّاعِرِ:

ومُخْتَبِطٍ لمْ يَلْقَ من دُونِنَا كُفًى *** وذَاتِ رَضِيعٍ لم يُنِمْهَا رَضِيعُهَا

وقَوْلُ لَبِيدٍ:

لِيَبْكِ على النُّعْمَانِ شَرْبٌ وقَيْنَةٌ *** ومُخْتَبِطَاتٌ كالسَّعَالِى أَراملُ

ومِنْ أَبْيَاتِ الشَّوَاهِد:

لِيَبْكِ يَزِيدَ ضَارِعٌ لخُصُومَة *** ومُخْتَبِطٌ مّما تُطِيح الطَّوائحُ

كُلُّ ذلِكَ مُسْتَعَارٌ من خَابِطِ الوَرَقِ

وخَبَط فُلانٌ: قَامَ، هكَذَا في النُّسَخِ، وهو تصحيفٌ، صوابُه: «نَامَ»، بالنُّونِ، فقد قال أَبو عُبَيْد: خَبَطَ: مثلُ هَبغَ، إِذا نامَ.

وخَبَطَ البَعِيرَ خَبْطًا، إِذا وَسَمَهُ بالخِبَاطِ، بالكَسْرِ، كما سَيَأْتِي قَرِيبًا، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

وخَبَطَ فُلانٌ: طَرَحَ نَفْسَه حَيْثُ كَانَ لِيَنَام، كذا في الصّحاحِ، وفي اللِّسَانِ: حيثُ كانَ، ونامَ، وأَنْشَدَ لدبَّاقٍ الدُّبَيْرِيّ:

قَوْدَاءُ تَهْدِي قُلُصًا مَمَارِطًا *** يَشْدَخْنَ باللَّيْلِ الشُّجَاعَ الخَابِطَا

المَمَارِطُ: السِّرَاعُ، وَاحِدها، مِمْرَطَةٌ.

وخَبَطَ فُلانٌ فُلانًا، إِذَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ من غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بَيْنَهُمَا، كذا في الصّحاحِ، وهو مَجازٌ، وزاد غيرُه: ولا وَسِيلَةَ ولا قَرَابَةَ.

قلتُ: وهو بعَيْنِه: خَبَطَه بخَيْرٍ: أَعْطَاهُ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لعَلَقَمَةَ بن عَبَدَةَ يَمدَحُ الحارِثَ بن أَبِي شَمِرٍ، ويَسْتَعْطِفُه لأَخِيهِ شَأْسٍ:

وفي كُلِّ حَيٍّ قد خَبَطْتَ بنِعْمَةٍ *** فحُقَّ لشَأْسٍ مِنْ نَدَاكَ ذَنُوبُ

فَقَالَ الحارِثُ: نَعَمْ وأَذْنِبَةٌ، وكان قد أَسرَ شَأْسَ بن عَبَدَةَ يَومَ عَيْنِ أُبَاغَ، فَأَطْلَق شَأْسًا وسَبْعِينَ أَسِيرًا من بَنِي تَمِيمٍ.

قلتُ: هكَذَا في نُسَخِ الصّحاحِ: «قد خَبَطْت» ووجَدتُ في الهَامِشِ: والأَجْوَدُ أَنْ يُكتب «خَبَطَّ» بغَيْرِ تاءٍ؛ لأَنَّ أَصلَه خَبَطْتَ، فأُدْغِم، فطَرْحُ التّاءِ من الكِتَابَةِ أَجْوَدُ قلتُ: وكَذلِكَ يُرْوَى أَيْضًا في اللّسَان، ولو قال: «خَبَتَّ» يُرِيدُ «خَبَطْتَ» لكان أَقْيَسَ اللُّغَتَيْن؛ لأَنَّ هذه التَّاءَ ليسَتْ مُتَّصِلَةً بما قَبْلَها اتّصالَ تاءِ افْتَعَلْتَ بمثَالِهَا الذي هي فيه، ولكِنَّه شَبَّه تاءَ خَبَطْت بتاءِ افْتَعَل، فقَلَبَهَا طاءً؛ لوقُوعِ الطّاءِ قَبْلَهَا، كقوله: اطَّرَد، واطَّلَعَ. قال شيخُنَا: وأَرادَ بقَوْلِه: «في كُلّ حَيٍّ» أَنَّ النّابِغَةَ كانَ كَلَّمَه في أَسارَى بنِي أَسَدٍ، وكانُوا نَيّفًا وثَمانِين، فأَطْلَقَهم. واستعارَ الذَّنُوبَ لنَصِيبِه من الحارِثِ.

وفَرَسٌ خَبُوطٌ وخَبِيطٌ: يَخْبِطُ الأَرْضَ برِجْلَيْهِ، كما في العَيْن، وفي التَّهْذِيب: بِيَدَيْه.

والمِخْبَطُ كمِنْبَرٍ: العَصَا يُخْبَطُ بها الوَرَقُ، ومنه‌ الحَدِيثُ: «فَضَرَبَتْهَا ضَرَّتُهَا بمِخْبَطٍ فَأَسْقَطَتْ» ‌والجَمعُ المَخَابِطُ، وقد ذَكَرَه المُصَنِّفُ اسْتِطْرادًا بعدَ هذا بقَلِيلٍ، وشاهِدُه:

لَمْ تَدْرِ ماسَأْ لِلْحَمِير ولَمْ *** تَضْرِب بكفِّ مَخابِطَ السَّلَمِ

والخَبَطُ، مُحَرَّكَةً: وَرَق الشَّجَرِ يُنْفَضُ بِالْمَخَابِطِ؛ أَي العِصِيِّ، ثمّ يُجَفَّفُ ويُطْحَنُ ويُخْلَطُ بدَقِيقٍ أَو غَيْرِه، ويُوخَفُ بالماءِ فتُوجَرُه الإِبِلُ، قالَهُ أَبو حَنِيفَةَ، سُمِّيَ به لأَنَّهُ يُخْبَطُ بالعَصَا حَتّى يَنْتَثِرَ، والخَبَطُ: كُلُّ وَرَقٍ مَخْبُوطٍ بالعَصَا، فَعَلٌ بمعْنَى مَفْعُولٍ، كالنَّفَضِ والهَدَم، وهو من عَلَف الإِبِلِ.

والخَبَطُ أَيْضًا: مَا خَبَطَتْهُ الدَّوَابُّ بأَرْجُلِهَا وكَسَرَتْهُ.

ووالخَبَط: موضع، لِجُهَيْنَةَ بالقَبَلِيَّةِ ممّا يَلِي ساحِلَ البَحْرِ، على خَمْسَةِ أَيّامٍ من المَدِينَةِ المُشَرَّفَةِ على ساكِنِها أَفضلُ الصَّلاةِ وأَتَمُّ السَّلَامِ، ومنه سَرِيَّةُ الخَبَطِ، من سَرَاياهُ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، أَميرُها أَبو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاح، رضي ‌الله‌ عنه، وكانت في رَجَب سنة ثَمَانٍ من الهِجْرَة، بَعَثَه رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم في ثلاثِمِائَةٍ من المُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ، منهم: عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رضِيَ الله عنه، إِلى حَيٍّ من جُهَيْنَةَ بالقَبَلِيَّةِ، أَو لأَنَّهُم جاعُوا في الطَّرِيقِ حَتَّى أَكَلُوا الخَبَطَ، فسُمُّوا جَيْشَ الخَبَطِ، وسَرِيَّةِ الخَبَطِ.

والخَبِيطُ، كأَمِيرٍ: الحَوْضُ الذي خَبَطَتْه الإِبِلُ فهَدَمَتْهُ، وقِيل: سُمِّيَ به لأَنَّ طِينَهُ يُخْبَطُ بالأَرْجُلِ عند بِنَائِه. ج: خُبُطٌ، بضَمَّتَيْنِ، قال الشّاعِرُ:

ونُؤْيٍ كأَعْضَادِ الخَبِيطِ المُهَدَّمِ

قاله اللّيْثُ، وقال أَبُو مالِكٍ: الخَبِيطُ: هو الحَوْضُ الصَّغِيرُ.

قال: والخَبِيطُ: لَبَنٌ رَائِبٌ أَو مَخِيضٌ يُصَبُّ عليه حَلِيبٌ من لَبَنٍ، ثمَّ يُضْرَبُ حَتّى يَخْتَلِطَ، وأَنْشَدَ:

أَو قُبْضَةٍ من حَازِرٍ خَبِيطِ

والخَبِيطُ الماءُ القَلِيلُ يَبْقَى في الحَوْضِ، مثل الصُّلْصُلَةِ، عن ابْنِ السِّكِّيتِ، ويُقَالُ: في الإِنَاءِ خَبِيطٌ مِن ماءٍ، وأَنْشَدَ:

إِنْ تَسْلَمِ الدَّفْواءُ والضَّرُوطُ *** يُصْبِحْ لَهَا في حَوْضِهَا خَبِيطُ

والدَّفْواء والضَّرُوط: نَاقَتَان. وكذلِكَ: الخِبْطُ والخِبْطَةُ.

والخَبَاطُ، كسَحَابٍ: الغُبَارُ يَرْتَفِعُ من خَبْطِ الأَرْجُلِ.

والخُبَاطُ، كغُرَابٍ: داءٌ كالجُنونِ وليسَ به، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، ويُرْوَى بالحَاءِ، وقد تقدّم.

والخِبَاطُ، بالكَسْرِ: الضِّرَابُ، عن كُرَاع.

والخِبَاطُ: سِمَةٌ في الفَخِذِ، كما نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، والسُهَيْلِيُّ في الروَّض، وهكَذَا في العَيْن.

وقيل: هي الَّتِي تَكُونُ على الوَجْهِ، حكاه سِيبَوَيْه، وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: هو فَوْقَ الخَدِّ، وزاد الجَوْهَرِيُّ: طَوِيلَةٌ عَرْضًا، قال: وهي لِبَنِي سَعْدٍ، وقال ابنُ الرُّمَّانِيّ في تَفْسِير الخِبَاطِ: في كتاب سِيبَوَيْهٍ: إِنَّهُ الوَسْمُ في الوَجْهِ، والعِلَاطُ والعِرَاضُ في العُنُق. قال: والعِرَاضُ يكون عَرْضًا. والعِلَاطُ يكونُ طُولًا، وأَنْشَدَ الصّاغَانِيُّ للمُتَنَخِّلِ:

مَعَابِلَ غيرَ أَرْصَافٍ ولكِنْ *** كُسِينَ ظُهَارَ أَسْوَدَ كالخِبَاطِ

قال: غير أَرْصافِ، أَي: لَيْسَتْ مَشْدُودَةً بِقَتبٍ. قُلْتُ: ولم أَجِدْ هذَا البَيْتَ في طَائِيَّةِ المُتَنَخِّلِ الَّتي أَوّلُهَا:

عَرَفْتُ بأَجْدُثٍ فنِعَافِ عِرْقٍ *** عَلَاماتٍ كتَحْبِيرِ النِّمَاطِ

وهي إِحْدَى وأَرْبَعُون بيتًا.

وبما شَرَحْنَا ظَهَر لكَ أَنَّ إِنكارَ شَيْخنا لقَوْلِه: «والوجه» في غيرِ مَحَلِّه.

ج: خُبُطٌ، ككُتُبٍ، وأَنْشَد ابنُ الأَعْرَابِيِّ لوَعْلَةَ الجَرْمِيِّ:

أَمْ هَلْ صَبَحْتَ بَنِي الدَّيّانِ مُوضِحَةً *** شَنْعَاءَ باقِيَةَ التَّلْحِيمِ والخُبُطِ

والخَبْطَةُ: الزَّكْمَةُ تُصِيبُ في فَصْلِ ـ هكَذا في النُّسَخِ، وهو غَلَطٌ، والصَّوَابُ: في قُبُلِ ـ الشِّتَاءِ، كما هو نَصّ العَيْن، وفي اللِّسَان: كالزَّكْمَةِ تَأْخُذُ قَبْلَ الشِّتاءِ، وقال ابنُ شُمَيْلٍ: الخَبْطَةُ: الزُّكَامُ، وقد خُبِطَ الرَّجُلُ كعُنِيَ فهو مَخْبُوطٌ، وهو مَجازٌ.

والخَبْطَةُ: بَقيَّةُ الماءِ في الغَدِيرِ والإنَاءِ، ويُثَلَّثُ، وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: هي الخَبْطَةُ، والخِبْطَةُ، والحَقْلَةُ والحِقْلَةُ، والفَرْسَةُ والفَرَاسَةُ، والسُّحْبَةُ والسُّحَابَةُ، كلّه: بَقِيَّةُ الماءِ في الغَدِيرِ، ونَقَلَ الجَوْهرِيُّ عن أَبِي زَيْدٍ، وفي القِرْبَةِ خِبْطَةٌ من ماءٍ، وهو مِثْلُ الجرْعة ونَحْوِها. وقال: ولم يَعْرِف له فِعْلًا. ونَقَل الأَزْهَرِيُّ عن أَبِي عُبَيْدٍ: الخِبْطَة: الجَرْعَة من الماءِ تَبْقَى في قِرْبةٍ أَو مَزَادَةٍ أَو حَوْضٍ، ولا فِعْلَ لها.

ووَجَدْتُ في هامِشِ الصّحاح ـ عند قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ.

الجَرْعَة ـ قال أَبو زَكَرِيّا. قال: الهَرَوِيُّ: هكَذَا بخَطِّ الجَوْهَرِيِّ، وأَظنه مثلَ الجِزْعة بالزّايِ وكَسْرِ الجِيمِ، وهو القَلِيلُ من الماءِ. الجمع: خِبَطٌ وخُبَطٍ كعِنَبٍ وصُرَدٍ، الثَّانِي جَمْعُ الخُبْطَة، بالضّمّ، كالجُرْعَة والجُرَع.

والخِبْطَةُ، بالكَسْرِ، على ما قَيَّدَه الجَوْهَرِيُّ، وسِيَاق المُصَنِّفِ يَقْتَضِي الفَتْحَ، وليس كذلِكَ: القَلِيلُ من اللَّبَن، كما في الصّحاحِ، وهو قولُ أَبِي زَيْدٍ، زاد غيرُه: يَبْقَى في السِّقَاءِ ولا فِعْلَ له.

والخِبْطَة أَيْضًا: الطَّعَامُ يَبْقَى في الإِنَاءِ، وكذَا غيرُ الطَّعَام.

وقال ابنُ بُزُرْجَ: يُقَال: عَلَيْه خَبْطَةٌ جميلة؛ أَي مَسْحَةٌ جَمِيلَةٌ في هَيْئَته وسَحْنَتِه.

والخِبْطَةُ، بالكَسْرِ: الشَّيْ‌ءُ القَلِيلُ من كُلِّ شي‌ءٍ يبقَى في الإِنَاءِ.

والخَبْطَة، بالفَتْح: المَطَرُ الوَاسِعُ في الأَرْضِ، وقيل: هو الضَّعِيفُ القَطْرِ.

والخِبْطَة، بالكَسْرِ: القِطْعَة من البُيُوتِ والنّاسِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

ويُقَال: كانَ ذلِكَ بعدَ خِبْطَةٍ من اللَّيْلِ؛ أَي بعدَ صَدْرٍ منه، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ. وقال أَبو الرَّبِيعِ الكِلَابِيُّ: كان ذلِكَ بعد خِبْطَةٍ من اللَّيْل وخِدْفَةٍ وخذمة أَي قِطَعَة.

والخِبْطَة: اليَسيرُ من الكَلَإ يبقَى في الأَرْضِ، أَو اليَسِيرُ من اللَّبَنِ يبقَى في السِّقاءِ أَو هُوَ من الماءِ: الرّفَضُ، وهو: مَا بَيْنَ الثُّلُثِ إِلى النِّصْفِ مِن السِّقَاءِ والغَدِيرِ والإِنَاءِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن أَبِي زَيْدٍ، ونصُّهُ: الخِبْطُ من الماءِ: الرَّفَضُ، كذا وُجِدَ بخَطِّ الجَوْهَرِيِّ. قال المُحَشُّون: الصّوابُ: الخِبْطَةُ. وقال غَيْرُه: في الإِنَاءِ خِبْطٌ وخَبِيطٌ، وهو: نَحْوُ النِّصْفِ.

ويُقَال، أَتَوْا خِبْطَةً خِبْطَةً؛ أَي قِطْعَةً قِطْعَةً، أَو جَمَاعَةً جَماعةً، والجمع: خِبَطٌ، كعِنَبٍ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، قال الشّاعِرُ:

افْزَعْ لِجُوفٍ قد أَتَتْكَ خِبَطَا *** مِثْل الظَّلامِ والنَّهَارِ اخْتَلَطا

والخُبَّاطُ، كرُمّانٍ: ضَرْبٌ من السَّمَكِ، أَوْلَادُ الكَنْعَدِ، ولو حَذَف لفظة «ضَرْب» كان أَحْسَن، فإِنَّ ابنَ عَبّادٍ قال: «الخُبّاطُ من السَّمْكِ، أَوْلادُ الكَنْعَدِ الصِّغَارُ.

والأَخْبَطُ: مَنْ يَضْرِبُ برِجْلَيْهِ الأَرْضَ، وشُدِّد طاؤُه ضَرُورَةً في قَوْلِ الشّاعِر:

عَنّا ومَدّ غايَةَ المُنْحَطِّ *** قَصَّرَ ذُو الخَوَالِعِ الأَخْبَطِّ

الجمع: خُبْطٌ بالضَّمِّ، كأَحْمَرَ وحُمْرٍ. والمُخْبِطُ، كمُحْسِنٍ: المُطْرِقُ، عن ابنِ عَبّادٍ.

وقَوْلُه تَعالى: {لا يَقُومُونَ إِلاّ} كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ أَيْ كَما يَقُومُ المَجْنُونُ في حالِ جُنُونه إِذَا صُرعَ فسَقَطَ. والمَسُّ: الجُنُون، يُقَال: تَخَبَّطَه الشَّيْطَانُ: تَوَطَّأَه فصَرَعَه.

أَوْ يَتَخَبَّطُهُ، [أَي] يُفْسِدُه بخَبلِه.

* ومّما يُسْتَدْرَكُ عليه:

فُلانٌ يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ، قال الجَوْهَرِيُّ: وهي النّاقَةُ التي في بَصَرِها ضَعْفٌ، تَخْبِطُ إِذا مَشَتْ، لا تَتَوَقَّى شيئًا، وهو مَجَازٌ، قال زُهَيْرٌ:

رَأَيْتُ المَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبُ *** تُمِتْهُ ومن تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فيَهْرَمِ

يَقُول: رأَيْتُهَا تَخْبِطُ الخَلْقَ خَبْطَ العَشْوَاءِ من الإِبِلِ لا تُبْقِي على أَحَد، فمَنْ خَبَطَتْه المَنَايَا مِنْهُمْ مَنْ تُمِيتُه، ومنهم مَنْ تُعِلُّهُ فيَبْرَأَ والهَرَمُ غايتُه، ثُمَّ المَوْت، ومثلُ ذلِكَ: فلانٌ يَخْبِطُ في عَمْيَاءَ، إِذا رَكِبَ ما رَكِبَ بجَهَالَةٍ.

وفي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ الله عَنْهُ: «خَبّاطُ عَشَوَاتٍ؛ أَي يَخْبِطُ في الظَّلَامِ، وهُوَ الَّذِي يَمْشي في اللَّيْلِ بلا مِصْبَاحٍ، فيَتَحَيَّرُ ويَضِلُّ، فرُبَّما تَرَدَّى في بِئْرٍ.

والمِخْبَطَة: القَضِيبُ والعَصَا، قال كُثَيِّرٌ:

إِذا خَرَجَت من بَيْتِها حَالَ دُونَها *** بمِخْبَطَةٍ يا حُسْنَ مَنْ أَنْتَ ضارِبُ

يَعْنِي زَوْجَهَا يَخْبِطُها.

ويُرْوَى:

«إِذا ما رَآنِي بارِزًا حالَ...

واخْتَبَطَ له خَبَطًا، مثلُ خَبَطَ. والنّاقَةُ تخْتَبِطُ الشَّوْكَ؛ أَي تَأْكُله، أَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:

حُوكَتْ على نِيرَيْنِ إِذْ تُحَاكُ *** تَخْتَبِطُ الشَّوْكَ ولا تُشَاكُ

أَي لا يُؤْذِيهَا الشَّوْكُ، وحُوكَتْ على نِيرَيْن؛ أَي أَنَّهَا قَوِيَّةٌ شَحِمَةٌ مُكْتَنِرَة.

ويُقَالُ: ما أَدْرِي أَيُّ خَابِطِ اللَّيْلِ هو، أَو أَيُّ خَابِطِ لَيْلٍ هو؛ أَي أَيُّ النّاسِ. نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وهو مَجَازٌ.

والخَبْطُ باليَدَيْنِ، كالرَّمْح بالرِّجْلَيْنِ.

وخُبَاطَةُ، بالضّمِّ، معرفةً: الأَحْمَقُ، كما قالُوا للبَحْرِ: خُضَارَة.

والخَبْطَةُ، بالفَتْحِ: مَسَّةٌ مِن الجِنِّ.

وقال أَبُو مَالِكٍ: يُقَالُ: اخْتَبَطْتُ فُلانًا، واخْتَبَطْتُ مَعْرُوفَه فاخْتَبَطَنِي بخَيْرٍ، قال ابنُ بَرِّيّ: وأَنْشَدَ أَبو زَيْدٍ قولَ الشّاعِر:

وإِنّي إِذَ ضَنَّ الرَّفُودُ برِفْدِهِ *** لَمُخْتَبِطٌ من تَالِدِ المَالِ جَازِحُ

أَي إِذا بَخِلَ الرَّفُودُ برِفْدِه فإِنّي لا أَبْخَلُ، بل أَكُونُ مُخْتَبِطًا لِمَنْ سَأَلَنِي، وأُعْطِيه من تَالِدِ مَالِي؛ أَي القَدِيم.

والمُخْبِطُ، كمُحْسِنٍ: طَالِبُ الرِّفْدِ من غَيْرِ سَابِقِ مَعْرِفَةٍ، وهو مَجَازٌ، شُبِّه بِخَابِطِ الوَرَقِ، أَو خَابِطِ اللَّيْل، ومنه‌ حَدِيثُ ابنِ عامِرٍ، قيلَ له في مَرَضِه الَّذِي ماتَ فيه: «قد كُنْتَ تَقْرِي الضَّيْفَ وتُعْطِي المُخْبِطَ».

والخِبْطَةُ، بالكَسْرِ: القِطْعَةُ من كُلِّ شَيْ‌ءٍ.

والخِبْطُ، بالكَسْرِ: الماءُ القَلِيلُ في الحَوْضِ.

والخَبِيطُ: الرَّفَضُ من الماءِ، وهو نَحْوٌ من النِّصفِ، عن ابنِ السِّكِّيتِ، كالخَبِيطَةِ، بالهَاءِ، وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ:

هَلْ رَامَنِي أَحَدٌ يُرِيدُ خَبِيطَتِي *** أَمْ هَلْ تَعَذَّرَ سَاحَتِي وَمكانِي؟

والخَبْطَةُ، بالفَتْح: ضَرْبَةُ الفَحْلِ النَّاقَةَ، قال ذُو الرُّمَّةِ، يَصِفُ جَمَلًا:

خَرُوجٌ من الخَرْقِ البعِيدِ نِيَاطُهُ *** وفي الشَّوْلِ يُرْضَى خَبْطَةَ الطَّرْقِ نَاجِلُه

والخَابِطُ: الضَّرَبانُ في الرَّأْسِ.

وخَبَطَ فُلانٌ علَى البَابِ: دَقَّ.

وأَبُو سُلَيْمَانَ الخَبّاطُ، كشَدّادٍ: تَابِعِيٌّ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، وعن يَزِيد بن عِيَاضٍ.

وسُمَيَّة بنتُ خَبّاطٍ: وَالِدةُ عمّارِ بنِ ياسِرٍ، مَوْلَاةُ آل مَخْزُومٍ، وكانَت تُعَذَّبُ في الله هي وابنُهَا وزَوْجُهَا ياسِرٌ.

وعِيسَى بنُ أَبِي عِيسى الخَبَّاطُ: رَوَى عن الشَّعْبِيّ.

وأَبُو خَابِطٍ الكَلْبِيُّ: له صُحْبة، واسمهُ جَنَابٌ، رَوَى عنه ابنُه خَابِطٌ، نقله الحافظُ في التَّبْصِير، وأَهْمَلَه الذَّهبيّ وابنُ فَهْد. نعم ذَكَرا في حرفِ الجيم جَنابًا الكَلْبِيّ من مَسْلَمَةِ الفَتْحِ، عن أَبي عَمْرٍو، ولم يَذْكُرَا كُنْيَتَه، فلَعَلَّه هو.

وخُبَاطٌ، كغُرَابٍ: لقَبُ الفَقِيه أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الشّافِعِيِّ الدَّقّاقِ، القائِلِ بمَفْهُومِ اللَّقَب. ضَبَطَه الحافِظُ.

وخَبَطَ العِرْقُ: ضَرَبَ.

واسْتَخْبَطَه: سَأَلَه بغَيْرِ وَسِيلَةٍ.

وخَبَطَ فيهم بخَيْرٍ: نَفَعَهم، وهو مَجَازٌ.

ويُقَال: ما لَه خَابِطٌ ولا نَاطِحٌ؛ أَي بَعِيرٌ ولا ثَوْرٌ، لمَنْ لا شَيْ‌ءَ لَهُ. وهو مَجَازٌ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


12-تاج العروس (أمو)

[أمو]: والأَمَةُ: المَمْلوكَةُ وخِلافُ الحُرَّةِ.

وفي التهْذِيبِ: الأَمَةُ المرأَةُ ذاتُ العُبُودَةِ، الجمع: أَمَواتٌ، بالتَّحْرِيكِ، وإماءٌ، بالكسْرِ والمدِّ، وآمٍ، بالمدِّ، ذَكَرَهُما الجَوْهرِيُّ، وأَمْوانٌ مُثَلَّثَةً على طَرْحِ الزائِدِ، اقْتَصَرَ الجَوْهرِيُّ على الكسْرِ، ونَظِيرُه عنْدَ سِيْبَوَيْه أَخٌ وإِخْوانٌ، والضمّ عن اللَّحْيانيّ. وقالَ الشاعِرُ في آمٍ أَنْشَدَه الجَوْهرِيُّ:

مَحَلَّةُ سَوْءٍ أَهْلَكَ الدَّهْرُ أَهْلَها *** فلم يَبْقَ فيها غَيْرُ آمٍ خَوالِفِ

وقالَ السُّلَيْك:

يا صاحِبَيَّ أَلا لا حَيَّ بالوادِي *** إلَّا عبيدٌ وآمٍ بين أَذْوادِ

وقالَ عَمْرُو بنُ مَعْديكرب:

وكُنْتُمْ أَعْبُدًا أَوْلادَ غَيْلٍ *** بَني آمٍ مَرَنَّ على السِّفادِ

وقالَ آخرُ:

تَرَكْتُ الطيرَ حاجِلَةً عليه *** كما تَرْدي إلى العُرُشاتِ آمِ

وأَنْشَدَ الأَزْهرِيُّ للكُمَيْت:

تَمْشي بها رُبْدُ النَّعا *** معروف تَماشِيَ الآمِ الزَّوافِر

وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي في ترْكيبِ خ ل ف لمتمِّم:

وفَقْدُ بَني آم تداعوا فلم أكُنْ *** خلافهُمُ أَن أستكينَ واضرَعَا

وشاهِدُ إمْوان قَوْلُ الشاعِرِ، وهو القَتَّالُ الكِلابيّ جاهِلِيٌّ:

أَنا ابنُ أَسْماءَ أَعْمامي لها وأَبي *** إذا تَرامَى بَنُو الإِمْوانِ بالعارِ

وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ: عجزَ هذا البيتَ وضَبَطَه بكسْرِ الهَمْزَةِ. ورَواهُ اللّحْيانيُّ بضمِّها؛ ويقالُ: إنَّ صدْرَ بيتِ القَتَّال:

أما الإماءُ فلا تَدْعُونَني أَبدًا

إذا تَرامَى الخ.

وأَصْلُها أَمَوَةٌ، بالتَّحْرِيكِ، لأنَّه جمع على آمٍ، وهو أَفْعُل مِثْلُ أَيْنُقٍ، ولا تُجْمَعُ فَعْلَه بالتَّسْكِين على ذلِكَ؛ كما في الصِّحاحِ.

* قُلْتُ: وهو قَوْلُ المبرِّدِ، قالَ: وليسَ شي‌ء مِن الأَسْماءِ على حَرْفَيْن إلَّا وقد سَقَطَ منه حَرْفٌ يُسْتَدَل عليه بجَمْعِه أَو تَثْنيتِه أَو بفعْلٍ إن كانَ مُشْتقًا منه، لأنَّ أَقلَّ الأُصولِ ثلاثَةُ أَحْرُف، فأَمَةٌ الذّاهِبُ منه واو لقَوْلِهم أُمْوانٌ.

وقالَ أَبو الهَيْثم: أَصْلُها أَمْوَةٌ، بالتّسْكِينِ، حَذَفُوا لامَها لمَّا كانتْ مِن حُرُوفِ اللِّين، فلمَّا جَمَعُوها على مِثالِ نَخْلَة ونَخْل لَزِمَهم أَنْ يقولوا أَمَة وآمٌ، فكَرهوا أَن يَجْعَلُوها على حَرْفَيْن، وكَرِهُوا أَنْ يَرُدُّوا الواوَ المَحْذوفَةَ لما كانت آخِرَ الاسم، يَسْتَثْقلونَ السّكوتَ على الواوِ فقدَّموا الواوَ فجعَلُوها ألِفًا فيمَا بينَ الألِفِ والميمِ.

قالَ الأَزْهرِيُّ: وهذا قَوْلٌ حَسَنٌ.

* قُلْتُ: واقْتَصَرَ الجَوْهرِيُّ على قَوْلِ المبرِّدِ، وهو أَيْضًا قَوْلُ سِيْبَوَيْه فإنَّه مَثَّل أَمَةٍ وآمٍ بأَكَمَةٍ وأَكَمٍ.

وقالَ الليْثُ: تقولُ ثلاث آمٍ، وهو على تَقْديرِ أَفْعُل.

قالَ الأَزْهرِيُّ: أُراهُ ذَهَبَ إلى أَنَّه كانَ في الأصْل ثلاث أَمْوُيٍ.

وقالَ ابنُ جنِّي: القولُ فيه عنْدِي أَنَّ حركَةَ العَيْن قد عاقَبَتْ في بعض المواضِعِ تاءَ التّأْنِيثِ، وذلكَ في الأَدْواءِ نَحْو رَمِث رَمَثًا وحَبِطَ حَبَطًا، فإذا أَلْحَقُوا التاءَ أَسْكَنوا العَيْنَ فقالوا جَفِل جَفْلَةً ومَغِلَ مَغْلَةً، فقد تَرى إلى مُعَاقَبَة حركَةِ العَيْن تاءَ التَّأْنِيثِ، وفي نحْوِ قَوْلهم: جَفْنة وجَفَنات وقَصْعة وقَصَعات، لمَّا حَذَفُوا التاءَ حَرّكُوا العَيْن، فلمَّا تعاقَبَتِ التاءُ وحَرَكَة العَيْن جَرَتا في ذلكَ مَجْرَى الضِّدَّيْن المُتَعاقِبَيْن، فلمَّا اجْتَمَعا في فَعَلةٍ تَرافَعا أَحْكامَهما، فأَسْقَطَتِ التاءُ حُكْمَ الحَرَكَةِ، وأَسْقَطَتِ الحركَةُ التاءَ، وآلَ الأَمْر بالمِثالِ إلى أَنْ صارَ كأنَّه فَعْلٌ، وفَعْلٌ بابٌ تَكْسِيره أَفْعَل.

وتأَمَّى أَمَةً: اتَّخَذَهَا؛ عن ابنِ سِيدَه والجَوْهرِيُّ؛ قالَ رُؤْبَة:

يَرْضَوْن بالتَّعْبِيدِ والتَّأمِي

كاسْتَأْمَى؛ قالَ الجَوْهرِيُّ: يقالُ اسْتَأْم أَمَةً غَيْر أَمَتِك، بتَسْكِين الهَمْزةِ؛ أَي اتَّخِذْ.

وأَمَّاها تَأْمِيَةً: جَعَلَها أَمَةً؛ عن ابن سِيدَه.

وأَمَتِ المرْأَةُ، كرَمَتْ، وأَمِيَتْ، كسَمِعَتْ، وأَمُوَتْ، ككَرُمَتْ، وهذه عن اللّحْيانيّ، أُمُوَّةً، كفُتُوَّةٍ: صارَتْ أَمَةً.

وأَمَتِ السِّنَّوْرُ، كرَمَتْ، تَأْمُو إِماءً: أَي صاحَتْ؛ وكَذلِكَ ماءت تموء مواءً: وقد ذُكِرَ في الهَمْزَةِ.

وبَنُو أُمَيَّةَ، مُصَغَّر أَمَة: قَبيلَةٌ من قُرَيْشٍ، وهُما الأَكْبَر والأصْغَر، ابْنا عَبْدِ شمسِ بنِ عبْدِ مَنَافٍ، أَوْلاد عَلَّةٍ، فمِنْ أُمَيَّة الكُبْرى أَبو سُفْيان بنُ حَرْب والعَنابِسُ والأَعْياضُ، وأُمَيَّةُ الصُّغْرى هُم ثلاثَةُ إخْوة لأُمِّ اسْمُها عَبْلَة، يقالُ لهم العَيَلات، بالتَّحْريك؛ كما في الصِّحاحِ.

* قُلْتُ: وعَبْلَةُ هذه هي بنتُ عبيدِ مِن البَراجِم مِن تَمِيم. وقالَ ابنُ قدامَةَ: وَلَدَ أَمَيَّة أَبا سُفْيان واسْمُه عَنْبَسَة وهو أَكْبَر ولدِه، وسُفْيان وحَرْب والعاص وأَبو العاصِ وأَبو العيص وأَبو عَمْرو؛ فمن ولِد أَبي العاصِ أَمِيرُ المُؤْمِنِين عُثْمانُ بنُ عَفَّان بنِ أَبي العاصِ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه، وأَمَّا العَنابِسُ فهُم ستَّة أَو أَرْبَعَة وقد تقدَّمَ ذِكْرُهم في السِّين.

والنّسْبَةُ إليهم أُمَوِيٌّ، بضمّ ففتحٍ على القِياسِ؛ وأَمَوِيٌّ بالتَّحْرِيكِ على التَّخْفيفِ، وهو الأَشْهَر عنْدَهم، كما في المِصْباح؛ وإليه أَشارَ الجَوْهرِيُّ بقوْلِه ورُبَّما فَتَحوا.

قالَ: ومنهم مَنْ يقولُ: أُمَيِّيٌّ، أَجْراهُ مَجْرى نُمَيْريّ وعُقَيْليّ، حَكَاه سِيْبَوَيْه.

وقالَ الجَوْهرِيُّ: يجمعُ بينَ أَرْبَع ياآتٍ.

وأَما قَوْلُ بعضِهِم: عَلْقَمَةُ بنُ عُبَيْدٍ، ومالِكُ بنُ سُبَيْعٍ الأَمَوِيَّانِ، محرَّكةً: نِسْبَةٌ إلى بَلَدٍ يقالُ له أَمَوَةٌ، بالتَّحْرِيكِ، ففِيهِ نَظَرٌ، لأنَّ الصَّوابَ فيه أَنَّهما مَنْسوبان إلى أَمَة بنِ بجالَةَ بنِ مازنِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ سعْدِ بنِ ذبيانِ، وعَلْقمةُ المَذْكُور هو ابنُ عبيدِ بنِ قنيةَ بنِ أَمَة، ومالِكُ هو ابنُ سُبَيْعِ بنِ عَمْرو بنِ قنيةَ بنِ أَمَة وهو صاحِبُ الرُّهْنِ التي وَضِعَتْ على يدِهِ في حَرْبِ عَبْسٍ وذبْيان.

وأَمَّا البَلَدُ الذي ذَكَره ففيه ثلاثُ لُغاتٍ: آمو بالمدِّ، وآمُويه بضمِّ الميم أَو فَتْحها كخَالَوَيْه كذا ضَبَطَها أَبو سعْدٍ المَالِيني والرَّشاطيُّ تِبْعًا له وابنُ السّمعاني وابنُ الأثيرِ تِبْعًا له؛ ويقالُ أَمُّوَيْه بتَشْديدِ الميم ضَبَطَه ياقوت، وقالوا إنَّها مَدينَةٌ بشطِّ جيحونَ وتُعْرَفُ بآمُل أَيْضًا.

وأَمَّا أَمَوَه بالتَّحْريكِ فلم يَضْبطْه أَحَدٌ، وأَحْر به أَن يكونَ تَصْحيفًا.

وأُمُّ خالِدٍ أَمَةُ بنتُ خالِدٍ بنِ سعيدِ بنِ العاصِ الأمَوَيَّة، وُلِدَتْ بالحَبَشَةِ تَزَوَّجَها الزُّبَيْرُ بنُ العوامِ فوَلَدَتْ له خالِدًا وعَمْرًا، رَوَى عنها موسَى وإبراهيمُ ابْنا عقبَةَ وكُرَيْبُ بنُ سُلَيْمَان.

وأَمَةُ بنْتُ خليفَةَ بنِ عدِيِّ الأنْصارِيَّة مَجْهولَة.

وأَمَةُ بنْتُ الفارِسِيَّةِ، صَوابُه بنْتُ الفارِسِيّ، وهي التي لَقِيها سلمانُ بمكَّةَ مَجْهولَة.

وأَمَةُ بنْتُ أَبي الحَكَمِ الغفارِيَّة، ويقالُ آمِنَةُ؛ صَحابيَّاتٌ، رضِيَ اللهُ عنهن.

وأَمَّا، بالفَتْحِ والتَّشْديدِ، ذُكِرَ في الميمِ، وهنا ذَكَرَهُ الجَوْهرِيُّ والأَزْهرِيُّ وابنُ سِيدَه.

وكَذلِكَ إمَّا بالكَسْر والتَّشْديدِ تقدَّم ذِكْرُه في الميمِ.

وأَمَا، بالتّخْفيفِ: تَحْقيقُ الكَلامِ الذي يَتْلُوه، تقولُ: أَمَا إنَّ زيدًا عاقِلٌ، يَعْنِي أنَّه عاقِلٌ على الحَقِيقَةِ لا على المجازِ. وتقولُ: أَمَا واللهِ قد ضَرَبَ زيدٌ عَمْرًا؛ كما في الصِّحاحِ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

تقولُ العَرَبُ في الدّعاءِ على الإنسانِ: رَماهُ اللهُ من كلِّ أَمَةٍ بحَجَرٍ؛ حَكَاهُ ابنُ الأَعْرابيِّ.

قالَ ابنُ سِيدَه: وأَراهُ مِن كلِّ أَمْتٍ بحَجَرٍ.

وقالَ ابنُ كيسان: يقالُ: جاءَتْني أَمَةُ اللهِ، فإذا ثنَّيْت قُلْتُ: جاءَتْنِي أَمَتا اللهِ، وفي الجمْعِ على التكْسِيرِ: جاءَني إماءُ اللهِ وأُمْوانُ اللهِ وأَمَواتُ اللهِ، ويَجوزُ أَماتُ اللهِ على النَّقْصِ.

وأَمَةُ اللهِ بنْتُ حَمْزَةَ بنِ عبْدِ المطَّلبِ أُمُّ الفَضْلِ؛ وأَمَةُ اللهِ بِنْتُ رزينَةَ خادِمَةُ النبيِّ صَلَى الله عليه وسلّم، لهما صحْبَةٌ.

وأَمَةُ اللهِ بنْتُ أَبي بكْرَةَ الثَّقَفيّ تابعِيَّةُ بَصْريَّةٌ.

وهو يأْتَمِي بفلانٍ، أي يَأْتَمُّ به؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي للشاعِرِ:

نَزُورُ امْرًا أَمَّا الإلَه فَيُتَّقَى *** وأَمَّا بِفِعْل الصَّالِحينَ فيَأْتَمِي

وبَنُو أُمَيَّة: قَبيلَتَانِ مِن الأوْسِ، إحْداهُما: أُمَيَّةُ بنُ زيدِ ابنِ مالِكِ بنِ عوفِ بنِ عَمْرو؛ والثانِيَةُ: أُمَيَّةُ بنُ عوفِ بنِ مالِكِ بنِ أَوْسٍ.

وأَبو محمدٍ عبدُ اللهِ بنُ عليِّ الوَزِيري الآمُويُّ، بالمدِّ وضم الميمِ، إلى البَلَدِ المَذْكُورِ.

قالَ الحافِظُ: نَقَلْته مجودًا مِن خطِّ القاضِي عزِّ الدِّيْن ابنِ جماعَةَ.

* قلت: وذَكَرَ ياقوتُ وقالَ في نِسْبَتِه الآمِلي، قالَ: وذَكَرَ أَبو القاسِمِ الثلاج أنَّه حَدَّثَهم في سوقِ يَحْيَى سَنَة 338، عن محمدِ بنِ مَنْصورٍ الشاشِيّ عن سُلَيْمان الشاذكوني، ومثْلُه الحُسَيْنُ بنُ عليِّ بنِ محمدِ بنِ محمود الآمُويُّ الزاهِدُ، شيخٌ لأَبي سعدٍ المَالِينيّ.

وأمُّه: جَبَلٌ بالمَغْرِبِ، منه أَبو بكْرٍ محمدُ بنُ خيرٍ الحافِظُ الأمَوَيُّ، بالتَّحْريكِ، وهو خالُ أَبي القاسِمِ السَّهيليّ صاحِبِ الرَّوض.

وقالَ ابنُ حبيبٍ: في الأنْصار أَمَة بنِ ضبيعَةَ بنِ زَيْدٍ؛ وفي قَيْس: أَمَةُ بنُ بجالَةَ قَبيلَتَان.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


13-تاج العروس (واو)

[واو] الواو المُفْرَدَةُ: مِن حُروفِ المُعْجم، وقد تقدَّم ذِكْرها، وهي على أَقْسام:

الأُولَى: العاطِفَةُ لمُطْلَقِ الجَمْع مِن غيرِ تَرْتيبٍ فَتَعْطِفُ الشَّي‌ءَ على مصاحِبِه كقوله تعالى: فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ، وتَعْطِفُ الشَّي‌ءَ على سابِقِه كقوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا وَإِبْراهِيمَ؛ وعلى لاحِقِه كقوله تعالى: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ.

والفَرْقُ بَيْنها وبَيْنَ الفاءِ أنَّ الواوَ يُعْطَفُ بها جُمْلَةٌ ولا تدلُّ على التَّرْتيبِ في تَقْدِيمِ المُقَدّم ذِكْره على المُؤَخّرِ ذِكْره، وأَمَّا الفرَّاء فإنَّه يُوصِلُ بها ما بَعْدَها بالذي قَبْلها والمُقدّمُ الأَوَّل، وقال الفرَّاء: إذا قلْت زُرْتُ عَبْدَ الله وزَيْدًا فأيّهما شِئْتَ كان هو المُبْتَدَأ بالزِّيارَةِ، وإنْ قلْت زُرْتُ عَبْدَ الله فزَيْدًا كانَ الأوَّل هو الأوَّل والآخرُ هو الآخرُ، انتَهَى. وإذا قيلَ: قامَ زَيْدٌ وعَمْرٌو، احْتَمَلَ ثلاثَةَ مَعانٍ: المَعِيّة ومُطْلَق الجَمْع والتَّرْتيب، وكَوْنُها للمَعِيَّةِ راجِحٌ لمَا بَيْنهما مِن المُناسَبَةِ لأنَّ مع للمُصاحَبَةِ، ومنه الحديثُ: «بُعِثْتُ أَنا والساعَةُ كهَاتَيْن»؛ أَي مع الساعَةِ؛ وللتَّرْتيبِ كَثيرٌ ولعَكْسِه قَليلٌ، ويجوزُ أَنْ يكونَ بَيْنَ مُتَعاطِفَيْها تَقارُبٌ أَو تَراخٍ كقوله تعالى: إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فإنَّ بينَ رَدِّ موسَى إلى أُمِّه وجَعْلهِ رَسُولًا زَمانٌ مُتراخٍ؛ وقد تَخْرُجُ الواوُ عن إفادَةِ مُطْلَقِ الجَمْع وذلكَ على أَوْجُهٍ:

أَحَدُها: تكونُ بمعْنَى أَوْ وذلكَ على ثلاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُها: أَنْ تكونَ بمعْناها في التَّقْسِيم، نحوُ: الكَلمةُ اسمٌ وفِعْلٌ وحَرْفٌ؛ والثاني: بمعْناها في الإباحَةِ كقولك: جالِسِ الحَسَنَ وابنَ سِيرِينَ أَي أَحَدَهُما؛ والثالثُ: بمَعْناها في التَّخْيير كقولِ الشَّاعرِ:

وقالوا نَأَتْ فاخْتَرْ لَها الصَّبْرَ والبُكا

والوَجْهُ الثاني: أَنْ تكونَ بمعْنَى باءِ الجَرِّ نحوُ: أَنْتَ أَعْلَمُ ومالَكَ؛ أَي بمالِكَ، وبِعْتُ الشَّاءَ شاةً ودِرْهَمًا؛ أَي بدِرْهَمٍ.

الثَّالث: بمعْنَى لامِ التَّعْليل؛ نحوُ قوله تعالى: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ؛ أَي لئَلَّا نَكْذِبَ، قالَهُ الخارَزَنْجي مُصنِّفُ تَكْملة العَيْن وقد مَضَتْ تَرْجمتُه عنْدَ ذِكْرِه في حَرْفِ الجِيم.

الرابع: واو الاسْتِئْنافِ كقولهم: لا تَأْكُلِ السَّمَكَ وتَشْرَبِ اللَّبَنَ فيمَنْ رَفَعَ، وقد ذُكِرَ ذلكَ فِي بَحْثِ لا قَرِيبًا.

الخامس: واوُ المَفْعولِ معه: كسِرْتُ والنِّيلَ.

السَّادِسُ: واوُ القَسَمِ كقولِهم: والله لقَدْ كانَ كذا، وهو بدلٌ مِن الباءِ وإنَّما أبدلٌ منه لقُرْبِه منه في المَخْرَجِ إذ كانَ مِن حُروفِ الشَّفَةِ ولا تَدْخُلُ إلَّا على مُظْهَرٍ فلا يقالُ وك استغناء بالباء عنها، ولا تَتَعَلَّقُ إلَّا بمَحْذُوفٍ نحوُ قوله تعالى: وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، ولا يقالُ أُقْسِمُ والله، إنْ تَلَتْها واوٌ أُخْرَى كقولِهِ تعالى: {وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ} فالثانِيَةُ للعَطْفِ والأُولى للقَسَمِ وإلَّا لاحْتاجَ كلٌّ إلى جَوابٍ نحوُ قوله تعالى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ {وَطُورِ سِينِينَ}.

السَّابعُ: واوُ رُبّ، ولا تَدْخُلُ إلَّا على مُنَكَّرٍ مَوْصوفٍ لأنَّ وَضْعَ رُبَّ لتَقْليلِ نَوْعٍ مِن جِنْسٍ فيذكرُ الجِنْسَ ثم يَخْتَصُّ بصفَةِ تَعْرفةٍ؛ ومنه قولُ الشاعرِ:

وبَلْدةٍ ليسَ بها أَنِيسُ *** إلَّا اليَعافِيرُ وإلَّا العِيسُ

أَي ورُبَّ بَلْدةٍ.

الثَّامن: الَّزائِدَةُ، كقوله تعالى: حَتّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها، جَوَّزَه الجَوْهرِي؛ وقال غيرُه: هي واوُ الثمانِيَةِ، وفي الصِّحاح: قالَ الأصْمعي: قلْتُ لأبي عَمْرِو بنِ العَلاءِ: وقولُهم رَبّنا ولكَ الحَمْدُ، فقالَ: يقولُ الرَّجُلُ للرَّجُلِ بِعْني هذا الثَّوْبَ، فيقولُ: وهو لَكَ وأَظنُّه أَرادَ هو لك؛ وأَنْشَدَ الأخْفَش:

فإذا وذلِكَ يا كُبَيْشةُ لمْ يَكُنْ *** إلَّا كَلَمَّةِ حالِمٍ بخَيالِ

كأنَّه قال: فإذا ذلكَ لم يَكُنْ، وقالَ آخَرُ، وهو زُهيرٌ:

قِفْ بالدِّيارِ التي لم يَعْفُها القِدَمُ *** بَلَى وغَيَّرَها الأَرْواحُ والدِّيَمُ

يُريدُ: بَلَى غَيَّرَها؛ كذا في الصِّحاح قال ابنُ برِّي: وقد ذَكَرَ بعضُ أَهْل العِلْم أنَّ الواوَ زائِدَةٌ في قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا}، لأنَّه جوابُ لمَّا في قوله: {فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ} {الْجُبِّ}.

التَّاسِعُ: واوُ الثَّمانِيَةِ: يقالُ ستَّةٌ سَبْعةٌ وثمانِيَةٌ، ومنه قوله تعالى: سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ، وقوله تعالى: {ثَيِّباتٍ وَأَبْكارًا}، وقوله تعالى: {وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} قال السَّهيلي في الرَّوْضِ: واوُ الثمانِيَةِ في قوله تعالى: {سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} تدلُّ على تَصْدِيقِ القائِلِينَ بأنَّهم سَبْعةٌ لأنَّها عاطِفَةٌ على كَلامٍ مُضْمَرٍ تَقْديرُه نَعَم وثامِنُهُم كَلْبُهُم، وذلكَ أنَّ قائِلًا لو قالَ: إنَّ زَيْدًا شاعِرٌ فقُلْت له: فَقِيهٌ، كُنْت قد صدَّقْته كأنَّك قُلْت: نَعَم هو كَذلكَ وفَقِيهٌ أَيْضًا؛ وكذا الحديثُ: «أَيتوضَّأُ بمَا أَفْضَلَتِ الحُمُر؟ قالَ. وبما أَفْضَلَتِ السِّباعُ»؛ يريدُ نَعَم وبَما أَفْضَلَت السِّباعُ؛ خَرَّجَه الدَّارْقطْني؛ قالَ: وقد أَبْطَل واوَ الثمانِيَةِ هذه ابنُ هِشامٍ وغيرُهُ مِن المُحقِّقين وقالوا: لا مَعْنى له وبَحثُوا في أَمْثِلتِه وقالوا إنَّها مُتناقِضَةٌ.

العاشِرُ: واوُ ضميرِ الذُّكُورِ نحوُ قولهم: الرِّجالُ قامُوا ويَقُومُونَ وقُومُوا أَيّها الرِّجال، وهو اسْمٌ عنْدَ الأكْثرينَ، وقالَ الأخْفَشُ والمازِنيُّ؛ هو حَرْفٌ.

الحادِي عَشَرَ: واوُ عَلامةِ المُذَكَّرِينَ في لُغَةِ طيِّئٍ أَو أَزْدِشَنُوءَةَ أَو بَلْحَرثِ على اخْتِلافٍ في ذلكَ؛ ومنه الحديثُ: «يتعاقَبُونَ فيكُمْ ملائكةٌ باللَّيلِ وملائكةٌ بالنَّهارِ».

الثاني عَشَرَ: واوُ الإنْكارِ نحوُ: الرَّجُلُوهُ بعدَ قَوْلِ القائِلِ: قامَ الرجلُ، فقوله: الرَّجُلُوهْ هو قَوْلُ المُنْكِر يَمدُّه بالواوِ والهاءِ للوَقْفَة؛ ومنه كَذلكَ: الحَسَنُوهْ وعَمْرُوه، وتُسَمَّى أَيْضًا واوُ الإسْتِنْكار.

الثَّالثُ عَشَرَ: الواوُ المُبْدلَةُ مِن هَمْزةِ الاسْتِفْهامِ المَضْمومُ ما قَبْلَها كقِراءَةِ قُنْبُلٍ: {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} وأَمِنْتُمْ، وكَذلكَ: قال فِرْعَوْنُ وآمَنْتُمْ.

الرابعُ عَشَرَ: واوُ التَّذْكِيرِ، كذا في النسخِ، والصَّوابُ التَّذكّر، ففي التّكْملةِ: وتكونُ للتَّعايي والتَّذَكّر كقولِكَ: هذا عَمْرُو فتَسْتَمِدُّ ثم تقولُ مَنْطَلِقٌ؛ وكَذلكَ الألِفُ والياءُ قد تكونانِ للتَّذَكّر، انتَهَى.

الخامسُ عَشَرَ: واوُ الصِّلَةِ والقَوافِي، كقوله:

قِفْ بالدِّيار التي لم يَعْفُها القِدَمُو

فوُصِلَتْ ضمَّةُ الميم بواوٍ ثَمَّ بها وَزْنُ البَيْتِ.

السَّادسُ عَشَرَ: واوُ الإشْباعِ

كالبُرْقُوع والمُعْلُوقِ، والعربُ تَصِلُ الضمَّةَ بالواوِ. وحَكَى الفرَّاءُ: أُنْظُور في مَوْضِعِ أَنْظُر؛ وأنْشَدَ:

مِن حَيْثُ ما سَلَكُوا أَدْنُو فأَنْظُورُ

وقد ذُكِرَ في الرَاءِ، وأنْشَدَ أَيْضًا:

لَوْ أنَّ عَمْرًا هُمَّ أن يَرْقُودا *** فانْهَضْ فشُدَّ المِئْزَرَ المَعْقُودا

أَرادَ: أنْ يَرْقُد فأَشْبَعَ الضمَّةَ ووَصَلَها بالواوِ ونَصَبَ يَرْقُودَ على ما يُنْصَبُ به الفِعْلُ.

السَّابعُ عَشَرَ: مَدُّ الاسْمِ بالنِّداءِ كقولهم: يا قُورْطُ، يُريدُ قُرْطًا، فمدُّوا ضمَّة القافِ بالواوِ ليَمْتَدَّ الصَّوْتَ بالنِّداءِ.

الثَّامنُ عَشَرَ: الواوُ المُحَوَّلَةُ نحو: طُوبَى أَصْلُها طُيْبَى قُلِبَتِ الياءُ واوًا لانْضِمام الطاءِ قَبْلَها وهي مِن طابَ يَطِيبُ، ومِن ذلك واوُ المُوسِرِينَ مِن أَيْسَرَ. ومِن أَقْسامِ الواوِ المُحوَّلةِ: واوُ الجَزْمِ المُرْسَلِ كقوله تعالى: {وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} فأُسْقِطَتِ الواوُ لالْتِقاءِ السَّاكِنَينِ لأنَّ قَبْلَها ضمَّةً تَخْلُفها؛ ومنها: واوُ الجَزْمِ المُنْبَسِطِ كقوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ} فلم تَسْقُطِ الواوُ وحَرَّكُوها لأنَّ قَبْلَها فتْحةً لا تكونُ عِوَضًا عنها. قالَ الأزْهري: هكذا رَواهُ المُنْذرِي عن أَبي طالِبٍ النحوّي.

التَّاسعُ عَشَرَ: واواتُ الأَبْنِيَةِ كالجَوْرَبِ والتَّوْرَبِ للتُّرابِ والجَدْوَلِ والحَشْوَرِ وما أَشْبَهَها.

العِشْرونَ: واوُ الوَقْتِ: وتَقْرُبُ مِن واوِ الحالِ كقولك: اعْمَلْ وأَنْتَ صَحِيحٌ؛ أَي في وقْتِ صحَّتِكَ والآنَ وأَنْتَ فارغٌ.

الحادِي والعِشْرونَ: واوُ النِّسْبَةِ: كأَخَوِيٍّ في النِّسْبَةِ إلى أَخٍ، بفَتْح الهَمْزةِ والخاءِ وكَسْر الواوِ، وهكذا كانَ يَنْسبُه أَبو عَمْرِو بنُ العَلاءِ، وكان يَنْسبُ إلى الزِّنازِنَوِيٌّ، وإلى أُخْتٍ أُخَوِيٌّ بضمِّ الهَمْزةِ، وإلى ابنِ بَنَوِيٌّ، وإلى عالِيَةِ الحجازِ عُلْوِيٌّ، وإلى عَشِيَّة عَشَوِيٌّ، وإلى أَبٍ أَبَوِيٌّ.

الثَّاني والعِشْرونَ: واوُ عَمْرٍو: زِيدَتْ لتَفْرِقَ بَيْنه وبينَ عُمَرَ في الرَّفْعِ والخَفْضِ وفي النّصْبِ تَسْقُطُ تقولُ: رأَيْتُ عَمْرًا لأنّه حَصَلَ الأمْنُ مِن الالْتِباسِ، وزِيدَتْ في عَمْرٍو دُونَ عُمَر لأنَّ عُمَرَ أثْقَلُ مِن عَمْرٍو.

الثَّالثُ والعِشْرونَ: الواوُ الفارِقَةُ: وهي كلُّ واوٍ دَخَلَتْ في أَحَدِ الحَرْفَيْن المُشْتَبَهَيْن تَفْرقُ بَيْنه وبينَ المُشْبَه له في الخَطِّ كواوِ أُولئِكَ وأُولَى لئَلَّا يَشْتَبِه بإِلَيْكَ وإلى، كقوله تعالى: {أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ}، وقوله تعالى: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} زِيدَتْ فيهما الواوُ في الخَطِّ ليَفْرقَ بَيْنهما وبينَ ما شَاكَلهما في الصُّورَةِ.

الرابعُ والعِشْرونَ: واوُ الهَمْزةِ في الخَطِّ واللّفْظِ، فأَمَّا الخَطّ كهذهِ نِساؤُكَ وشاؤُكَ صُوِّرَتِ الهَمْزةُ واوًا لضمَّتها، وأَمَّا في اللَّفْظِ: كحَمْراوانِ وسَوْداوانِ ومثل قولك: أُعِيذُ بأَسْماواتِ الله وأَبْناواتِ سَعْدٍ، ومثل السَّمواتِ وما أَشْبَهَها.

الخامسُ والعِشْرونَ: واو النِّداءِ والنُّدْبةِ، الأوَّل كوا زَيْد، والثاني كوا غُرْبَتاهْ، وقد تقدَّمَ. وفي التكملةِ: وهي غَيْرُ واوُ النُّدْبة. فتأَمَّل.

السَّادسُ والعِشْرون: واوِ الحالِ، كقولك: أَتَيْتُه والشمسُ طالِعَةٌ؛ أَي في حالِ طُلوعِها، ومنه قوله تعالى: {إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ}، ومَثَّل الجَوْهرِي لواوِ الحالِ بقولِهم: قُمْتُ وأَصُكّ وَجْهَه؛ أَي قُمْتُ صاكًّا وَجْهَه، وكقولهم: قُمْتُ والناسُ قُعُودٌ.

السَّابعُ والعِشْرونَ: واوُ الصَّرْفِ: قال الفرَّاء: وهو أَنْ تأْتي الواوُ مَعْطوفَةً على كَلامٍ في أَوَّلهِ حادِثَةٌ لا تَسْتَقيمُ إعادتُها على ما عُطِفَ عليها كقولهِ؛ أَي الشاعرِ، وهو المُتَوكِّلُ اللَّيْثي:

لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأْتيَ مِثْلَهُ *** عارٌ عليك إذا فَعَلْتَ عَظِيمُ

فإنَّه لا يجوزُ إعادَةُ: وتَأْتي مِثْلَه على تَنْهَ؛ هكذا في النسخِ، ونَصّ الفرّاء أَلا تَرَى أَنَّه لا يجوزُ إعادَةُ «لا» على «وتَأْتي مِثْلَه»، فلذلكَ سُمِّيَ صَرْفًا إذ كان مَعْطوفًا ولم يَسْتَقِمْ أَن يُعادَ فيه الحادِثُ الذي فيما قَبْلَهُ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

واوُ الإعْرابِ: كما في الأسْماءِ السِّتَّةِ.

وبمعْنَى إذ نحو: لَقِيتُكَ وأَنْتَ شابٌّ؛ أَي إذ أَنْتَ، وعليه حملَ قوله تعالى: {وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ}، أي إذ طائِفَة.

وللتَّفْصِيل: كقوله تعالى: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}، {وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ}.

وتَدْخُلُ عليها أَلِفُ الاسْتِفْهامِ: كقوله تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ}، كما نقولُ أَفَعَجِبْتم؛ نقلَهُ الجَوْهرِي؛ وكذلكَ قولهُ تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا}، {أَوَلَمْ يَسِيرُوا}.

وللتِّكْرار: كقوله تعالى: {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى}.

ومنها الواواتُ التي تدخُلُ في الأجْوبةِ فتكونُ جَوابًا مع الجَوابِ ولو حُذِفَتْ كانَ الجَوابُ مُكْتَفِيًا بنَفْسِه؛ أنْشَدَ الفرَّاء:

حتى إذا قَلَتْ بُطُونَكُمُ *** ورَأَيْتُمُ أَبْناءَكُم شَبُّوا

وقَلَبْتُمُ ظَهْرَ المِجَنِّ لَنا *** إنَّ اللَّئِيمَ العاجِزُ الخَبُّ

أَرادَ: قَلَبْتُم. ومِثْلُه في الكَلامِ: لمَّا أَتانِي وأَثِبُ عليه، كأنَّه قال: وَثَبْتُ عليه، وهذا لا يجوزُ إلَّا مع لمَّا وحتى إذا.

ومنها الواوُ الدائِمَةُ: وهي كلُّ واوٍ تلابسُ الجزاءَ ومَعْناها الدَّوامُ كقولك: زُرْني وأَزُورَكَ وأَزُورُكَ، بالنَّصْبِ والرَّفْع، فالنَّصْبُ على المُجازاةِ، ومَنْ رَفَعَ فمعْناهُ زِيارَتَكَ عليَّ واجبةٌ أُدِيمُها لكَ على كلِّ حالٍ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


14-لسان العرب (ضحح)

ضحح: الضِّحُّ: الشَّمْسُ، وَقِيلَ: هُوَ ضَوْؤُهَا، وَقِيلَ: هُوَ ضَوْؤُهَا إِذا اسْتَمْكَنَ مِنَ الأَرض، وَقِيلَ: هُوَ قَرْنُها يُصِيبُكَ، وَقِيلَ: كلُّ مَا أَصابته الشَّمْسُ ضِحٌّ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَقْعُدَنَّ أَحدُكم بَيْنَ الضِّحِّ والظِّلِّ فإِنه مَقْعَدُ الشَّيْطَانِ»أَي نِصْفُهُ فِي الشَّمْسِ وَنِصْفُهُ فِي الظِّلِّ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الحِرْباء:

غَدَا أَكْهَبَ الأَعلى وراحَ كأَنه، ***مِنَ الضِّحِّ واستقبالهِ الشمسَ، أَخْضَرُ

أَي وَاسْتِقْبَالِهِ عينَ الشَّمْسِ.

الأَزهري: قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الضِّحُّ نَقِيضُ الظِّلِّ، وَهُوَ نُورُ الشَّمْسِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَالشَّمْسُ هُوَ النُّورُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ يَطْلُعُ ويَغْرُب، وأَما ضَوْؤُهُ عَلَى الأَرض فضِحٌّ؛ قَالَ: وأَصله الضِّحْيُ فَاسْتَثْقَلُوا الْيَاءَ مَعَ سُكُونِ الْحَاءِ فَثَقَّلُوها، وَقَالُوا الضِّحُّ، قَالَ: وَمِثْلُهُ العبدُ القِنُّ أَصله قِنْيٌ، مِنَ القِنْيَةِ؛ وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ: جَاءَ بالضِّحِّ والرّيحِ.

وضَحْضَحَ الأَمرُ إِذا تَبَيَّنَ؛ قَالَ الأَصمعي: هُوَ مثلُ الضَّحْضاح يَنْتَشِر عَلَى وَجْهِ الأَرض.

وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ: الضِّحُّ كَانَ فِي الأَصل الوِضْحُ، وَهُوَ نُورُ النِّهَارِ وضَوْءُ الشَّمْسِ، فَحُذِفَتِ الْوَاوُ وَزِيدَتْ حاءٌ مَعَ الْحَاءِ الأَصلية فَقِيلَ: الضِّحُّ؛ قَالَ الأَزهري: وَالصَّوَابُ أَن أَصله الضِّحْيُ مِن ضَحِيَتِ الشمسُ؛ قَالَ الأَزهري فِي كِتَابِهِ: وَكَذَلِكَ القِحَّةُ أَصلها الوِقْحَةُ فأُسقطت الْوَاوُ وبُدِّلت الْحَاءُ مَكَانَهَا فَصَارَتْ قِحَّة بحاءَين.

وَجَاءَ فُلَانٌ بالضِّحِّ وَالرِّيحِ إِذا جَاءَ بِالْمَالِ الْكَثِيرِ؛ يعنون إِنما جَاءَ بِمَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وجَرَت عَلَيْهِ الرِّيحُ يَعْنِي مِنَ الْكَثْرَةِ، وَمَنْ قَالَ: الضِّيح وَالرِّيحُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَدْ أَخطأَ عِنْدَ أَكثر أَهل اللُّغَةِ، وإِنما قُلْنَا عِنْدَ أَكثر أَهل اللُّغَةِ لأَن أَبا زَيْدٍ قَدْ حَكَاهُ، وإِنما الضِّيحُ عِنْدَ أَهل اللُّغَةِ لُغَةٌ فِي الضِّحِّ الَّذِي هُوَ الضَّوْءُ وَسَيُذْكَرُ؛ وَفِي حَدِيثِ أَبي خَيْثَمة: «يَكُونُ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضِّحِّ وَالرِّيحِ وأَنا فِي الظِّلِ»أَي يَكُونُ بَارِزًا لِحَرِّ الشَّمْسِ وَهُبُوبِ الرِّيَاحِ؛ قَالَ: والضِّحُّ ضَوْءُ الشَّمْسِ إِذا اسْتَمْكَنَ مِنَ الأَرض، وَهُوَ كالقَمْراء لِلْقَمَرِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا هُوَ أَصل الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ، وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ فَقَالَ: أَراد كَثْرَةَ الْخَيْلِ وَالْجَيْشِ؛ ابْنُ الأَعرابي: الضِّحُّ مَا ضَحا لِلشَّمْسِ، والريحُ مَا نَالَتْهُ الريحُ.

وَقَالَ الأَصمعي: الضِّحُّ الشَّمْسُ بِعَيْنِهَا؛ وأَنشد:

أَبيَض أَبْرَزَه للضِّحِّ راقِبُه، ***مُقَلَّد قُضُبَ الرَّيْحانِ مَفْغُوم

وَفِي حَدِيثِ عَيَّاش بْنِ أَبي رَبِيعَةَ: «لَمَّا هَاجَرَ أَقْسَمَتْ أُمُّه بِالِلَّهِ لَا يُظِلُّها ظِلٌّ وَلَا تَزَالُ فِي الضِّحِّ وَالرِّيحِ حَتَّى يَرْجِعَ إِليها»»؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَوْ مَاتَ كَعْبٌ عَنِ الضِّحِّ والريحِ لَوَرِثَه الزُّبَيْرُ؛ أَراد: لَوْ مَاتَ عَمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَجَرَتْ عَلَيْهِ الرِّيحُ، كَنَى بِهِمَا عَنْ كَثْرَةِ الْمَالِ؛ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ آخَى بَيْنَ الزُّبَيْرِ وَبَيْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: وَيُرْوَى عَنِ الضِّيح وَالرِّيحِ.

والضِّحُّ: مَا بَرَزَ مِنَ الأَرض لِلشَّمْسِ.

والضِّحُّ: البَراز الظاهرُ مِنَ الأَرض، وَلَا جَمْعَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

والضَّحْضَحُ والضَّحْضاحُ: الْمَاءُ الْقَلِيلُ يَكُونُ فِي الْغَدِيرِ وَغَيْرِهِ، والضَّحْلُ مِثْلُهُ، وَكَذَلِكَ المُتَضَحْضِحُ؛ وأَنشد شِمْرٌ لِسَاعِدَةَ بْنِ جُؤَيَّة:

واسْتَدْبَرُوا كلَّ ضَحْضاحٍ مُدَفِّئَةٍ، ***والمُحْصَناتِ وأَوزاعًا مِنَ الصِّرَمِ

وَقِيلَ: هُوَ الْمَاءُ الْيَسِيرُ؛ وَقِيلَ: هُوَ مَا لَا غَرَقَ فِيهِ وَلَا لَهُ غَمْرٌ؛ وَقِيلَ: هُوَ الماءُ إِلى الْكَعْبَيْنِ إِلى أَنصاف السُّوقِ؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:

يَحُشُّ رَعْدًا كَهَدْرِ الفَحْلِ، يَتْبَعُه ***أُدْمٌ، تَعَطَّفُ حَوْلَ الفَحلِ، ضَحْضاحُ

قَالَ خَالِدُ بْنُ كُلْثوم: ضَحْضاحٌ فِي لُغَةِ هُذَيْلٍ كَثِيرٌ لَا يَعْرِفُهَا غَيْرُهُمْ؛ يُقَالُ: عِنْدَهُ إِبل ضَحْضاحٌ، قَالَ الأَصمعي: غَنَمٌ ضَحْضَاحٌ وإِبلٌ ضَحْضاحٌ كَثِيرَةٌ؛ وَقَالَ الأَصمعي: هِيَ الْمُنْتَشِرَةُ عَلَى وَجْهِ الأَرض؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:

تُرَى بُيوتٌ، وتُرَى رِماحُ، ***وغَنَمٌ مُزَنَّمٌ ضَحْضاحُ

قَالَ: الأَصمعي: هُوَ الْقَلِيلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وأَراد هُنَا جَمَاعَةَ إِبل قَلِيلَةٍ.

وَقَدْ تَضَحْضَحَ الماءُ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبل:

وأَظْهَر فِي عِلانِ رَقْدٍ، وسَيْلُه ***عَلاجِيمُ، لَا ضَحْلٌ وَلَا مُتَضَحْضِحُ

وَمَاءٌ ضَحْضاحٌ أَي قَرِيبُ الْقَعْرِ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي المِنْهال: «فِي النَّارِ أَوديةٌ فِي ضَحْضاح»؛ شَبَّه قِلَّةَ النَّارِ بالضَّحْضاحِ مِنَ الْمَاءِ فَاسْتَعَارَهُ فِيهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى فِي أَبي طَالِبٍ:

وَجَدْتُهُ فِي غَمَرَاتٍ مِنَ النَّارِ فأَخْرَجْتُه إِلى ضَحْضاحٍ؛ وَفِي رِوَايَةٍ:

إِنه فِي ضَحْضاحٍ مِنْ نَارٍ يَغْلي مِنْهُ دِماغُه.

والضَّحْضاحُ فِي الأَصل: مَا رَقَّ مِنَ الْمَاءُ عَلَى وَجْهِ الأَرض مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ وَاسْتَعَارَهُ لِلنَّارِ.

والضَّحْضَحُ والضَّحْضَحةُ والتَّضَحْضُحُ: جَرْيُ السَّراب.

وضَحْضَحَ السَّراب وتَضَحْضَحَ إِذا تَرَقْرَقَ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


15-لسان العرب (زور)

زور: الزَّوْرُ: الصَّدْرُ، وَقِيلَ: وَسَطُ الصَّدْرِ، وَقِيلَ: أَعلى الصَّدْرِ، وَقِيلَ: مُلْتَقَى أَطراف عِظَامِ الصَّدْرِ حَيْثُ اجْتَمَعَتْ، وَقِيلَ: هُوَ جَمَاعَةُ الصَّدْرِ مِنَ الخُفِّ، وَالْجَمْعُ أَزوار.

والزَّوَرُ: عِوَجُ الزَّوْرِ وَقِيلَ: هُوَ إِشراف أَحد جَانِبَيْهِ عَلَى الْآخَرِ، زَوِرَ زَوَرًا، فَهُوَ أَزْوَرُ.

وَكَلْبٌ أَزْوَرُ: قَدِ اسْتَدَقَّ جَوْشَنُ صَدْرِه وَخَرَجَ كَلْكَلُه كأَنه قَدْ عُصِرَ جَانِبَاهُ، وَهُوَ فِي غَيْرِ الْكِلَابِ مَيَلٌ مَّا لَا يَكُونُ مُعْتَدِلَ التَّرْبِيعِ نَحْوَ الكِرْكِرَةِ واللِّبْدَةِ، وَيُسْتَحَبُّ فِي الْفَرَسِ أَن يَكُونَ فِي زَوْرِه ضِيقٌ وأَن يَكُونَ رَحْبَ اللَّبَانِ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلِيمَةَ.

مُتَقَارِب الثَّفِناتِ، ضَيْق زَوْرُه، ***رَحْب اللَّبَانِ، شَدِيد طَيِّ ضَريسِ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْرِ واللَّبانِ كَمَا تَرَى.

والزَّوَرُ فِي صَدْرِ الْفَرَسِ: دخولُ إِحدى الفَهْدَتَيْنِ وخروجُ الأُخرى؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ: " فِي خَلْقِها عَنْ بناتِ الزَّوْرِ تفضيلُ "الزَّوْرُ: الصَّدْرُ.

وَبَنَاتُهُ: مَا حَوَالَيْهِ مِنَ الأَضلاع وَغَيْرِهَا.

والزَّوَرُ، بِالتَّحْرِيكِ: المَيَلُ وَهُوَ مِثْلُ الصَّعَر.

وعُنُقٌ أَزْوَرُ: مَائِلٌ.

والمُزَوَّرُ مِنَ الإِبل: الَّذِي يَسُلُّه المُزَمِّرُ مِنْ بَطْنِ أُمه فَيَعْوَجُّ صَدْرُهُ فَيَغْمِزُهُ لِيُقِيمَهُ فَيَبْقَى فِيهِ مِنْ غَمْزِه أَثر يُعْلَمُ أَنه مُزَوَّرٌ.

وَرَكِيَّةٌ زَوْراءُ: غَيْرُ مُسْتَقِيمَةِ الحَفْرِ.

والزَّوْراءُ: الْبِئْرُ الْبَعِيدَةُ الْقَعْرِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذْ تَجْعَلُ الجارَ فِي زَوْراءَ مُظْلِمَةٍ ***زَلْخَ المُقامِ، وتَطْوي دُونَهُ المَرَسَا

وأَرض زَوْراءُ: بَعِيدَةٌ؛ قَالَ الأَعشى:

يَسْقِي دِيارًا لَهَا قَدْ أَصْبَحَتْ غَرَضًا ***زَوْراءَ، أَجْنَفَ عَنْهَا القَوْدُ والرَّسَلُ

وَمَفَازَةٌ زَوْراءُ: مَائِلَةٌ عَنِ السَّمْتِ والقصدِ.

وَفَلَاةٌ زَوْراءُ: بَعِيدَةٌ فِيهَا ازْوِرَارٌ.

وقَوْسٌ زَوْراءُ: معطوفة.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ}؛ قرأَ بعضهم: " تَزْوَارُ يُرِيدُ تَتَزاوَرُ، وقرأَ بَعْضُهُمْ: تَزْوَرُّ وتَزْوَارُّ، قَالَ: وازْوِرارُها فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنها كَانَتْ تَطْلع عَلَى كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ فَلَا تُصِيبُهُمْ وتَغْرُبُ عَلَى كَهْفِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَلَا تُصِيبُهُمْ، وَقَالَ الأَخفش: تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ "أَي تَمِيلُ؛ وأَنشد:

ودونَ لَيْلَى بَلَدٌ سَمَهْدَرُ، ***جَدْبُ المُنَدَّى عَنْ هَوانا أَزْوَرُ،

يُنْضِي المَطَايا خِمْسُه العَشَنْزَرُ "قَالَ: والزَّوَرُ مَيَلٌ فِي وَسَطِ الصَّدْرِ، وَيُقَالُ لِلْقَوْسِ زَوْراءُ لميلهَا، وَلِلْجَيْشِ أَزْوَرُ.

والأَزْوَرُ: الَّذِي يَنْظُرُ بِمُؤْخِرِ عَيْنِهِ.

قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ للبعير الْمَائِلُ السَّنَامِ: هَذَا الْبَعِيرُ زَوْرٌ.

وَنَاقَةٌ زَوْرَةٌ: قَوِيَّةٌ غَلِيظَةٌ.

وَنَاقَةٌ زَوْرَة: تَنْظُرُ بِمُؤْخِرِ عَيْنِهَا لِشِدَّتِهَا وَحِدَّتِهَا؛ قَالَ صَخْرُ الْغَيِّ:

وماءٍ وَرَدْتُ عَلَى زَوْرَةٍ، ***كَمَشْيِ السَّبَنْتَى يَرَاحُ الشَّفِيفَا

وَيُرْوَى: زُورَةٍ، والأَوّل أَعرف.

قَالَ أَبو عَمْرٍو: عَلَى زَوْرَةٍ أَي عَلَى نَاقَةٍ شَدِيدَةٍ؛ وَيُقَالُ: فِيهِ ازْوِرارٌ وحَدْرٌ، وَيُقَالُ: أَراد عَلَى فَلَاةٍ غَيْرِ قَاصِدَةٍ.

وَنَاقَةٌ زِوَرَّةُ أَسفار أَي مُهَيَّأَة للأَسفار مُعَدَّة.

وَيُقَالُ فِيهَا ازْوِرارٌ مِنْ نَشَاطِهَا.

أَبو زَيْدٍ: زَوَّرَ الطَّائِرُ تَزْوِيرًا إِذا ارتفعت حَوْصَلَتُه؛ " وَيُقَالُ لِلْحَوْصَلَةِ: الزَّارَةُ والزَّاوُورَةُ والزَّاوِرَةُ.

وزَاوَرَةُ القَطاةِ، مَفْتُوحُ الْوَاوِ: مَا حَمَلَتْ فِيهِ الماء لفراخها.

والازْوِرارُ عَنِ الشَّيْءِ: الْعُدُولُ عَنْهُ، وَقَدِ ازْوَرَّ عَنْهُ ازْوِرارًا وازْوارَّ عَنْهُ ازْوِيرَارًا وتَزاوَرَ عَنْهُ تَزاوُرًا، كُلُّهُ بِمَعْنَى: عَدَلَ عَنْهُ وانحرفَ.

وَقُرِئَ: تَزَّاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ "، وَهُوَ مُدْغَمُ تَتَزَاوَرُ.

والزَّوْراءُ: مِشْرَبَةٌ مِنْ فِضَّةٍ مُسْتَطِيلَةٍ شِبْهِ التَّلْتَلَةِ.

والزَّوْرَاءُ: القَدَحُ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

وتُسْقى، إِذا مَا شئتَ، غَيْرَ مُصَرَّدٍ ***بِزَوْراءَ، فِي حَافَاتِهَا المِسْكُ كانِعُ

وزَوَّرَ الطائرُ: امتلأَت حَوْصَلَتُهُ.

والزِّوار: حَبْلٌ يُشَدُّ مِنَ التَّصْدِيرِ إِلى خَلْفِ الكِرْكِرَةِ حَتَّى يَثْبُتَ لئلَّا يُصِيبَ الحَقَبُ الثِّيلَ فيحتبسَ بَوْلُهُ، وَالْجَمْعُ أَزْوِرَةٌ.

وزَوْرُ الْقَوْمِ: رَئِيسُهُمْ وَسَيِّدُهُمْ.

وَرَجُلٌ زُوارٌ وزُوارَةٌ: غَلِيظٌ إِلى الْقِصَرِ.

قَالَ الأَزهري: قرأْت فِي كِتَابِ اللَّيْثُ فِي هَذَا الْبَابِ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا كَانَ غَلِيظًا إِلى الْقِصَرِ مَا هُوَ: إِنه لَزُوارٌ وزُوَارِيَةٌ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا تَصْحِيفٌ مُنْكَرٌ وَالصَّوَابُ إِنه لَزُوازٌ وزُوَازِيَةٌ، بِزَايَيْنِ، قَالَ: قَالَ ذَلِكَ أَبو عَمْرٍو وَابْنُ الأَعرابي وَغَيْرُهُمَا.

والزَّوْرُ: الْعَزِيمَةُ.

وَمَا لَهُ زَوْرٌ وزُورٌ وَلَا صَيُّورٌ بِمَعْنًى أَي مَا لَهُ رأْي وَعَقْلٌ يَرْجِعُ إِليه؛ الضَّمُّ عَنْ يَعْقُوبَ وَالْفَتْحُ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ، وَذَلِكَ أَنه قَالَ لَا زَوْرَ لَهُ وَلَا صَيُّورَ، قَالَ: وأُراه إِنما أَراد لَا زَبْرَ لَهُ فغيره إِذ كَتَبَهُ.

أَبو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِمْ لَيْسَ لَهُمْ زَوْرٌ: أَي لَيْسَ لَهُمْ قُوَّةٌ وَلَا رأْي.

وَحَبْلٌ لَهُ زَوْرٌ أَي قُوَّةٌ؛ قَالَ: وَهَذَا وِفَاقٌ وَقَعَ بَيْنَ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ والزَّوْرُ: الزَّائِرُونَ.

وَزَارَهُ يَزُورُه زَوْرًا وزِيارَةً وزُوَارَةً وازْدَارَهُ: عَادَهُ افْتَعَلَ مِنَ الزِّيَارَةِ؛ قَالَ أَبو كَبِيرٍ:

فدخلتُ بَيْتًا غيرَ بيتِ سِنَاخَةٍ، ***وازْدَرْتُ مُزْدَارَ الكَريم المِفْضَلِ

والزَّوْرَةُ: المرَّة الْوَاحِدَةُ.

وَرَجُلٌ زَائِرٌ مِنْ قَوْمٍ زُوَّرٍ وزُوَّارٍ وزَوْرٍ؛ الأَخيرة اسْمٌ لِلْجَمْعِ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ زَائِرٍ.

والزَّوْرُ: الَّذِي يَزُورُك.

وَرَجُلٌ زَوْرٌ وَقَوْمٌ زَوْرٌ وامرأَة زَوْرٌ وَنِسَاءٌ زَوْرٌ، يَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لأَنه مَصْدَرٌ؛ قَالَ:

حُبَّ بالزَّوْرِ الَّذِي لَا يُرَى ***مِنْهُ، إِلَّا صَفْحَةٌ عَنْ لِمام

وَقَالَ فِي نِسْوَةٍ زَوْرٍ:

ومَشْيُهُنَّ بالكَثِيبِ مَوْرُ، ***كَمَا تَهادَى الفَتَياتُ الزَّوْرُ

وامرأَة زَائِرَةٌ مِنْ نِسْوَةٍ زُورٍ؛ عَنْ سِيبَوَيْهِ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُذَكَّرِ كَعَائِذٍ وعُوذ.

الْجَوْهَرِيُّ: نِسْوَةٌ زُوَّرٌ وزَوْرٌ مِثْلُ نُوَّحٍ ونَوْحٍ وَزَائِرَاتٍ، وَرَجُلٌ زَوَّارٌ وزَؤُورٌ؛ قَالَ:

إِذا غَابَ عَنْهَا بعلُها لَمْ أَكُنْ ***لَهَا زَؤُورًا، وَلَمْ تأْنَسْ إِليَّ كِلابُها

وَقَدْ تَزاوَرُوا: زارَ بعضُهم بَعْضًا.

والتَّزْوِيرُ: كَرَامَةُ الزَّائِرِ وإِكرامُ المَزُورِ لِلزَّائرِ.

أَبو زَيْدٍ: زَوِّرُوا فُلَانًا أَي اذْبَحُوا لَهُ وأَكرموه.

والتَّزْوِيرُ: أَن يُكْرِمَ المَزُورُ زائِرَه ويَعْرِفَ لَهُ حَقَّ زِيَارَتِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: زارَ فلانٌ فُلَانًا أَي مَالَ إِليه؛ وَمِنْهُ تَزَاوَرَ عَنْهُ أَي مَالَ عَنْهُ.

وَقَدْ زَوَّرَ القومُ صَاحِبَهُمْ تَزْوِيرًا إِذا أَحسنوا إِليه.

وأَزَارَهُ: حَمَلَهُ عَلَى الزِّيَارَةِ.

وَفِي حَدِيثِ طَلْحَةَ: «حَتَّى أَزَرْتُه شَعُوبَ»أَي أَوردته المنيةَ فَزَارَهَا؛ شَعُوبُ: مِنْ أَسماء الْمَنِيَّةِ.

واسْتَزاره: سأَله أَن يَزُورَه.

والمَزَارُ: الزِّيَارَةُ والمَزَارُ: مَوْضِعُ الزِّيَارَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِن لِزَوْركَ عَلَيْكَ حَقًّا»؛ الزَّوْرُ: الزائرُ، وَهُوَ فِي الأَصل مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ كصَوْم ونَوْمٍ بِمَعْنَى صَائِمٍ وَنَائِمٍ.

وزَوِرَ يَزْوَرُ إِذا مَالَ.

والزَّوْرَةُ: البُعْدُ، وَهُوَ مِنَ الازْوِرارِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " وماءٍ وردتُ عَلَى زَوْرَةٍ وَفِي حَدِيثِ أُم سَلَمَةَ: «أَرسلتُ إِلى عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا بُنَيَّ مَا لِي أَرى رَعِيَّتَكَ عَنْكَ مُزْوَرِّينَ»أَي مُعْرِضِينَ مُنْحَرِفِينَ؛ يُقَالُ: ازْوَرَّ عَنْهُ وازْوَارَّ بِمَعْنًى؛ وَمِنْهُ شِعْرُ عُمَرَ: " بِالْخَيْلِ عَابِسَةً زُورًا مناكِبُها "الزُّورُ: جَمْعُ أَزْوَرَ مِنَ الزَّوَرِ الْمَيْلُ.

ابْنُ الأَعرابي: الزَّيِّرُ مِنَ الرِّجَالِ الغضبانُ المُقاطِعُ لِصَاحِبِهِ.

قَالَ: والزِّيرُ الزِّرُّ.

قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ أَحد الْحَرْفَيْنِ الْمُدْغَمَيْنِ يَاءً فَيَقُولُ فِي مَرٍّ مَيْرٍ، وَفِي زِرٍّ زِيرٍ، وَهُوَ الدُّجَةُ، وَفِي رِزٍّ رِيز.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: قَوْلُهُ الزَّيِّرُ الْغَضْبَانُ أَصله مَهْمُوزٌ مَنْ زأَر الأَسد.

وَيُقَالُ لِلْعَدُوِّ: زائِرٌ، وَهُمُ الزائرُون؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:

حَلَّتْ بأَرضِ الزائِرِينَ، فأَصْبَحَتْ ***عَسِرًا عَلَيَّ طِلَابُكِ ابْنَةَ مَخْرَمِ

قَالَ بَعْضُهُمْ: أَراد أَنها حَلَّتْ بأَرض الأَعداء.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الزَّائِرُ الْغَضْبَانُ، بِالْهَمْزِ، وَالزَّايِرُ الْحَبِيبُ.

قَالَ: وَبَيْتُ عَنْتَرَةَ يُرْوَى بِالْوَجْهَيْنِ، فَمَنْ هَمَزَ أَراد الأَعداء وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ أَراد الأَحباب.

وزأْرة الأَسد: أَجَمَتُه؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَذَلِكَ لِاعْتِيَادِهِ إِياها وزَوْرِه لَهَا.

والزَّأْرَةُ: الأَجَمَةُ ذَاتُ الْمَاءِ وَالْحُلَفَاءِ والقَصَبِ.

والزَّأْرَة: الأَجَمَة.

والزِّيرُ: الَّذِي يُخَالِطُ النِّسَاءَ وَيُرِيدُ حَدِيثَهُنَّ لِغَيْرِ شَرٍّ، وَالْجَمْعُ أَزْوارٌ وأَزْيارٌ؛ الأَخيرة مِنْ بَابِ عِيدٍ وأَعياد، وزِيَرَةٌ، والأُنثى زِيرٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُوصَفُ بِهِ الْمُؤَنَّثُ، وَقِيلَ: الزِّيرُ المُخالِطُ لَهُنَّ فِي الْبَاطِلِ، وَيُقَالُ: فُلَانٌ زِيرُ نساءٍ إِذا كَانَ يُحِبُّ زِيَارَتَهُنَّ وَمُحَادَثَتَهُنَّ وَمُجَالَسَتَهُنَّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ زِيَارَتِهِ لَهُنَّ، وَالْجَمْعُ الزِّيَرَةُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " قُلْتُ لزِيرٍ لَمْ تَصِلْهُ مَرْيَمُهْ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَزَالُ أَحدكم كاسِرًا وِسادَهُ يَتَّكِئُ عَلَيْهِ ويأْخُذُ فِي الْحَدِيثِ فِعْلَ الزِّيرِ»؛ الزِّيرُ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي يُحِبُّ مُحَادَثَةَ النِّسَاءِ وَمُجَالَسَتَهُنَّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ زِيَارَتِهِ لَهُنَّ، وأَصله مِنَ الْوَاوِ؛ وَقَوْلُ الأَعشى:

تَرَى الزِّيرَ يَبْكِي بِهَا شَجْوَهُ، ***مَخَافَةَ أَنْ سَوْفَ يُدْعَى لَهَا

لَهَا: لِلْخَمْرِ؛ يَقُولُ: زِيرُ العُودِ يَبْكِي مَخَافَةَ أَن يَطْرَبَ القوْمُ إِذا شَرِبُوا فَيَعْمَلُوا الزِّيرَ لَهَا لِلْخَمْرِ، وَبِهَا بِالْخَمْرِ؛ وأَنشد يُونُسُ:

تَقُولُ الحارِثِيَّةُ أُمُّ عَمْرٍو: ***أَهذا زِيرُهُ أَبَدًا وزِيرِي؟

قَالَ مَعْنَاهُ: أَهذا دأْبه أَبدًا ودأْبي.

والزُّور: الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ، وَقِيلَ: شَهَادَةُ الْبَاطِلِ.

رَجُلٌ زُورٌ وَقَوْمٌ زُورٌ وَكَلَامٌ مُزَوَّرٌ ومُتَزَوَّرٌ: مُمَوَّهٌ بِكَذِبٍ، وَقِيلَ: مُحَسَّنٌ، وَقِيلَ: هُوَ المُثَقَّفُ قَبْلَ أَن يَتَكَلَّمَ بِهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ قَوْلُ" عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا زَوَّرْتُ كَلَامًا لأَقوله إِلا سَبَقَنِي به أَبو بكر، وفي رِوَايَةٍ: كُنْتُ زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي كَلَامًا يومَ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ "أَي هَيَّأْتُ وأَصلحت.

والتَّزْوِيرُ: إِصلاح الشَّيْءِ.

وكلامٌ مُزَوَّرٌ أَي مُحَسَّنٌ؛ قَالَ نصرُ بْنُ سَيَّارٍ:

أَبْلِغْ أَميرَ الْمُؤْمِنِينَ رِسالةً، ***تَزَوَّرْتُها مِنْ مُحْكَمَاتِ الرَّسائِل

والتَّزْوِيرُ: تَزْيين الْكَذِبِ والتَّزْوِيرُ: إِصلاح الشَّيْءِ، وَسُمِعَ ابْنَ الأَعرابي يَقُولُ: كُلُّ إِصلاح مِنْ خَيْرٍ أَو شَرٍّ فَهُوَ تَزْوِيرٌ، وَمِنْهُ شَاهِدُ الزُّورِ يُزَوِّرُ كَلَامًا والتَّزْوِيرُ: إِصلاح الْكَلَامِ وتَهْيِئَتُه.

وَفِي صَدْرِهِ تَزْوِيرٌ أَي إِصلاح يُحْتَاجُ أَن يُزَوَّرَ.

قَالَ: وَقَالَ الْحَجَّاجُ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً زَوَّرَ نفسَه عَلَى نَفْسِهِ أَي قَوَّمَهَا وحسَّنها، وَقِيلَ: اتَّهَمَ نَفْسَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَحَقِيقَتُهُ نِسْبَتُهَا إِلى الزُّورِ كَفَسَّقَهُ وجَهَّلَهُ، وَتَقُولُ: أَنا أُزَوِّرُكَ عَلَى نَفْسِكَ أَي أَتَّهِمُك عَلَيْهَا؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي: " بِهِ زَوَرٌ لَمْ يَسْتَطِعْهُ المُزَوِّرُ وَقَوْلُهُمْ: زَوَّرْتُ شَهَادَةَ فُلَانٍ رَاجِعٌ إِلى تَفْسِيرِ قَوْلِ القَتَّالِ:

وَنَحْنُ أُناسٌ عُودُنا عُودُ نَبْعَةٍ ***صَلِيبٌ، وَفِينَا قَسْوَةٌ لَا تُزَوَّرُ

قَالَ أَبو عَدْنَانَ: أَي لَا نُغْمَزُ لِقَسْوَتِنَا وَلَا نُسْتَضْعَفُ فَقَوْلُهُمْ: زَوَّرْتُ شَهَادَةَ فُلَانٍ، مَعْنَاهُ أَنه اسْتُضْعِفَ فَغُمِزَ وَغُمِزَتْ شَهَادَتُهُ فأُسقطت.

وَقَوْلُهُمْ: قَدْ زَوَّرَ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: فِيهِ أَربعة أَقوال: يَكُونُ التَّزْوِيرُ فِعْلَ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ.

والزُّور: الْكَذِبُ.

وَقَالَ خَالِدُ بْنُ كُلْثُومٍ: التَّزْوِيرُ التَّشْبِيهُ.

وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: التَّزْوِيرُ التَّزْوِيقُ وَالتَّحْسِينُ.

وزَوَّرْتُ الشيءَ: حَسَّنْتُه وقوَّمتُه.

وَقَالَ الأَصمعي: التزويرُ تَهْيِئَةُ الْكَلَامِ وَتَقْدِيرُهُ، والإِنسان يُزَوِّرُ كَلَامًا، وَهُوَ أَن يُقَوِّمَه ويُتْقِنَهُ قَبْلَ أَن يَتَكَلَّمَ بِهِ.

والزُّورُ: شَهَادَةُ الْبَاطِلِ وَقَوْلُ الْكَذِبِ، وَلَمْ يُشْتَقَّ مِنْ تَزْوِيرِ الْكَلَامِ وَلَكِنَّهُ اشْتُقَّ مِنْ تَزْوِيرِ الصَّدْرِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ»؛ الزُّور: الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ والتُّهمة، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ شَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْحَدِيثِ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ، فَمِنْهَا قَوْلُهُ: " عَدَلَتْ شهادَةُ الزُورِ الشِّرْكَ بِاللَّهِ، وإِنما عَادَلَتْهُ لِقَوْلِهِ تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ}، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهَا: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ.

وزَوَّرَ نَفْسَه: وسمَهَا بالزُّورِ.

وَفِي الْخَبَرِ عَنِ الْحَجَّاجِ: زَوَّرَ رجلٌ نَفْسَه.

وزَوَّرَ الشَّهَادَةَ.

أَبطلها؛ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: الزُّورُ هَاهُنَا مَجَالِسُ اللَّهْوِ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري كَيْفَ هَذَا إِلا أَن يُرِيدَ بِمَجَالِسِ اللَّهْوِ هُنَا الشِّرْكَ بِاللَّهِ، وَقِيلَ: أَعياد النَّصَارَى؛ كِلَاهُمَا عَنِ الزَّجَّاجِ، قَالَ: وَالَّذِي جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الشِّرْكُ، وَهُوَ جَامِعٌ لأَعياد النَّصَارَى وَغَيْرِهَا؛ قَالَ: وَقِيلَ الزّورُ هُنَا مَجَالِسُ الغِنَاء.

وزَوْرُ الْقَوْمِ وزَوِيرُهم وزُوَيْرُهم: سَيِّدُهم ورأْسهم.

والزُّورُ والزُّونُ جَمِيعًا: كُلُّ شَيْءٍ يُتَّخَذُ رَبًّا وَيُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى؛ قَالَ الأَغلب الْعِجْلِيُّ: " جاؤُوا بِزُورَيْهِم وجِئْنا بالأَصَمْ "قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ المُثَنَّى إِن الْبَيْتَ لِيَحْيَى بْنِ مَنْصُورٍ؛ وأَنشد قَبْلَهُ:

كانَت تَمِيمٌ مَعْشَرًا ذَوِي كَرَمْ، ***غَلْصَمَةً مِنَ الغَلاصِيم العُظَمْ

مَا جَبُنُوا، وَلَا تَوَلَّوْا مِنْ أَمَمْ، ***قَدْ قابَلوا لَوْ يَنْفُخْون فِي فَحَمْ

جَاؤُوا بِزُورَيْهِم، وَجِئْنَا بالأَصَمّ ***شَيْخٍ لَنَا، كالليثِ مِنْ بَاقِي إِرَمْ

شَيْخٍ لَنَا مُعاوِدٍ ضَرْبَ البُهَمْ "قَالَ: الأَصَمُّ هُوَ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرٍ وَهُوَ رَئِيسُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ يَوْمُ الزُّورَيْنِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: وَهُمَا بَكْرانِ مُجلَّلانِ قَدْ قَيَّدوهما وَقَالُوا: هَذَانِ زُورَانا أَي إِلهانا، فَلَا نَفِرُّ حَتَّى يَفِرَّا، فَعَابَهُمْ بِذَلِكَ وَبِجَعْلِ الْبَعِيرَيْنِ ربَّيْنِ لَهُمْ، وهُزِمَتْ تَمِيمٌ ذَلِكَ الْيَوْمَ وأُخذ الْبَكْرَانِ فَنُحِرَ أَحدهما وَتُرِكَ الْآخَرُ يَضْرِبُ فِي شَوْلِهِمْ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ وَجَدْتُ هَذَا الشِّعْرَ للأَغْلَبِ العِجْلِيِّ فِي دِيوَانِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ.

وَقَالَ شَمِرٌ: الزُّورانِ رئيسانِ؛ وأَنشد:

إِذ أُقْرِنَ الزُّورانِ: زُورٌ رازِحُ ***رَارٌ، وزُورٌ نِقْيُه طُلافِحُ

قَالَ: الطُّلافِحُ الْمَهْزُولُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الزُّورُ صَخْرَةٌ.

وَيُقَالُ: هَذَا زُوَيْرُ الْقَوْمِ أَي رَئِيسُهُمْ.

والزُّوَيْرُ: زَعِيمُ الْقَوْمِ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الزُّوَيْرُ صَاحِبُ أَمر الْقَوْمِ؛ قَالَ:

بأَيْدِي رِجالٍ، لَا هَوادَة بينهُمْ، ***يَسوقونَ لِلمَوْتِ الزُّوَيْرَ اليَلَنْدَدا

وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ:

قَدْ نَضْرِبُ الجَيْشَ الخَميسَ الأَزْوَرا، ***حَتَّى تَرى زُوَيْرَهُ مُجَوَّرا

وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: الزُّونُ الصنم، وهو بالفارسية زون بِشَمِّ الزَّايِ السِّينَ؛ وَقَالَ حُمَيْدٌ: " ذَاتُ المجوسِ عَكَفَتْ للزُّونِ "أَبو عُبَيْدَةَ: كُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَهُوَ زُورٌ.

والزِّيرُ: الكَتَّانُ؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:

وإِنْ غَضِبَتْ، خِلْتَ بالمِشْفَرَيْن ***سَبايِخَ قُطْنٍ، وَزِيرًا نُسالا

وَالْجَمْعُ أَزْوارٌ.

والزِّيرُ مِنَ الأَوْتار: الدَّقيقُ.

والزِّيرُ: مَا اسْتُحْكِمَ فَتْلُهُ مِنَ الأَوتار؛ وزيرُ المِزْهَرِ: مُشْتَقٌّ مِنْهُ.

وَيَوْمُ الزُّورَيْنِ: مَعْرُوفٌ.

والزَّوْرُ: عَسيبُ النَّخْلِ.

والزَّارَةُ: الْجَمَاعَةُ الضَّخْمَةُ مِنَ النَّاسِ والإِبل وَالْغَنَمِ.

والزِّوَرُّ، مِثَالُ الهِجَفِّ: السَّيْرُ الشَّدِيدُ؛ قَالَ الْقُطَامِيُّ:

يَا ناقُ خُبِّي خَبَبًا زِوَرّا، ***وقَلِّمي مَنْسِمَكِ المُغْبَرّا

وَقِيلَ: الزِّوَرُّ الشَّدِيدُ، فَلَمْ يُخَصَّ بِهِ شَيْءٌ دون شيء.

وزارَةُ: حَيٌّ مِنْ أَزْدِ السَّراة.

وزارَةُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ:

وكأَنَّ ظُعْنَ الحَيِّ مُدْبِرَةً ***نَخْلٌ بِزارَةَ، حَمْلُه السُّعْدُ

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وعَيْنُ الزَّارَةِ بِالْبَحْرَيْنِ مَعْرُوفَةٌ.

والزَّارَةُ: قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ؛ وَكَانَ مَرْزُبانُ الزَّارَةِ مِنْهَا، وَلَهُ حَدِيثٌ مَعْرُوفٌ.

وَمَدِينَةُ الزَّوْراء: بِبغداد فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، سُمِّيَتْ زَوْراءَ لازْوِرار قِبْلَتِهَا.

الْجَوْهَرِيُّ: ودِجْلَةُ بَغْدادَ تُسَمَّى الزَّوْراءَ.

والزَّوْرَاءُ: دَارٌ بالحِيرَةِ بَنَاهَا النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ، ذَكَرَهَا النَّابِغَةُ فَقَالَ: " بِزَوْراءَ فِي أَكْنافِها المِسْكُ كارِعُ وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: زَوْراءُ هَاهُنَا مَكُّوكٌ مِنْ فِضَّةٍ مِثْلُ التَّلْتَلَة.

وَيُقَالُ: إِن أَبا جَعْفَرٍ هَدَمَ الزَّوْراء بالحِيرَةِ فِي أَيامه.

الْجَوْهَرِيُّ: والزَّوْراءُ اسْمُ مَالٍ "كَانَ لأُحَيْحَةَ بْنِ الجُلاح الأَنصاري؛ وَقَالَ:

إِني أُقيمُ عَلَى الزَّوْراءِ أَعْمُرُها، ***إِنَّ الكَريمَ عَلَى الإِخوانِ ذُو المالِ

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


16-لسان العرب (عشر)

عشر: العَشَرة: أَول العُقود.

والعَشْر: عَدَدُ الْمُؤَنَّثِ، والعَشَرةُ: عَدَدُ الْمُذَكَّرِ.

تَقُولُ: عَشْرُ نِسْوة وعَشَرةُ رِجَالٍ، فإِذا جاوَزْتَ العِشْرين اسْتَوَى الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فَقُلْتَ: عِشْرون رَجُلًا وعِشْرون امرأَة، وَمَا كَانَ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلى العَشَرة فَالْهَاءُ تَلْحَقُهُ فِيمَا واحدُه مُذَكَّرٌ، وَتُحْذَفُ فِيمَا واحدُه مُؤَنَّثٌ، فإِذا جاوَزْتَ العَشَرة أَنَّثْت المذكرَ وَذَكَّرْتَ الْمُؤَنَّثَ، وَحَذَفْتَ الْهَاءَ فِي الْمُذَكَّرِ فِي العَشَرة وأَلْحَقْتها فِي الصَّدْر، فِيمَا بَيْنَ ثلاثةَ عشَر إِلى تِسْعَةَ عشَر، وَفَتَحْتَ الشِّينَ وَجَعَلْتَ الِاسْمَيْنِ اسْمًا وَاحِدًا مَبْنِيًّا عَلَى الْفَتْحِ، فإِذا صِرْت إِلى الْمُؤَنَّثِ أَلحقت الْهَاءَ فِي الْعَجُزِ وَحَذَفْتَهَا مِنَ الصَّدْرِ، وأَسكنت الشِّينَ مِنْ عَشْرة، وإِن شِئْتَ كَسَرْتها، وَلَا يُنْسَبُ إِلى الِاسْمَيْنِ جُعِلا اسْمًا وَاحِدًا، وإِن نَسَبْتَ إِلى أَحدهما لَمْ يُعْلَمْ أَنك تُرِيدُ الآخر، فإن اضطُرّ إِلَى ذَلِكَ نَسَبْتَهُ إِلَى أَحدهما ثُمَّ نَسَبْتَهُ إِلَى الْآخَرِ، وَمَنْ قَالَ أَرْبَعَ عَشْرة قَالَ: أَرْبَعِيٌّ عَشَرِيٌّ، بِفَتْحِ الشِّينِ، ومِنَ الشَّاذِّ فِي الْقِرَاءَةِ: فانْفَجَرَت مِنْهُ اثْنَتَا عَشَرة عَيْنًا "، بِفَتْحِ الشِّينِ؛ ابْنُ جِنِّي: وجهُ ذَلِكَ أَن أَلفاظ الْعَدَدِ تُغَيَّر كَثِيرًا فِي حَدِّ التَّرْكِيبِ، أَلا تَرَاهُمْ قَالُوا فِي البَسِيط: إِحْدى عَشْرة، وَقَالُوا: عَشِرة وعَشَرة، ثُمَّ قَالُوا فِي التَّرْكِيبِ: عِشْرون؟ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ ثَلَاثُونَ فَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْعُقُودِ إِلى التِّسْعِينَ، فَجَمَعُوا بَيْنَ لَفْظِ الْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ فِي التَّرْكِيبِ، وَالْوَاوُ لِلتَّذْكِيرِ وَكَذَلِكَ أُخْتُها، وَسُقُوطُ الْهَاءِ للتأْنيث، وَتَقُولُ: إِحْدى عَشِرة امرأَة، بِكَسْرِ الشِّينِ، وإِن شِئْتَ سَكَّنْتَ إِلى تسعَ عَشْرة، والكسرُ لأَهل نَجْدٍ والتسكينُ لأَهل الْحِجَازِ.

قَالَ الأَزهري: وأَهل اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ لَا يَعْرِفُونَ فَتْحَ الشِّينِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَرُوِيَ عَنِ الأَعمش أَنه قرأَ: " وقَطَّعْناهم اثْنَتَيْ عَشَرة، بِفَتْحِ الشِّينِ، قَالَ: وَقَدْ قرأَ القُرّاء بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِهَا، وأَهل اللُّغَةِ لَا يَعْرِفُونَهُ، وَلِلْمُذَكَّرِ أَحَدَ عَشَر لَا غَيْرَ.

وعِشْرون: اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِهَذَا الْعَدَدِ، وَلَيْسَ بِجَمْعِ العَشَرة لأَنه لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ، فإِذا أَضَفْت أَسْقَطْت النُّونَ قُلْتَ: هَذِهِ عِشْرُوك وعِشْرِيَّ، بِقَلْبِ الْوَاوِ يَاءً لِلَّتِي بَعْدَهَا فَتُدْغَمُ.

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُسَكّن الْعَيْنَ فَيَقُولُ: أَحَدَ عْشَر، وَكَذَلِكَ يُسَكّنها إِلى تِسْعَةَ عْشَر إِلا اثْنَيْ عَشَر فإِن الْعَيْنَ لَا تُسَكَّنُ لِسُكُونِ الأَلف وَالْيَاءِ قَبْلَهَا.

وَقَالَ الأَخفش: إِنما سكَّنوا الْعَيْنَ لَمَّا طَالَ الِاسْمُ وكَثُرت حركاتُه، والعددُ منصوبٌ مَا بَيْنَ أَحَدَ عَشَرَ إِلى تِسْعَةَ عَشَرَ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ، إِلا اثْنَيْ عَشَرَ فإِن اثْنَيْ وَاثْنَتَيْ يُعْرَبَانِ لأَنهما عَلَى هِجَاءَيْن، قَالَ: وإِنما نُصِبَ أَحَدَ عَشَرَ وأَخواتُها لأَن الأَصل أَحدٌ وعَشَرة، فأُسْقِطَت الواوُ وصُيِّرا جَمِيعًا اسْمًا وَاحِدًا، كَمَا تَقُولُ: هُوَ جَارِي بَيْتَ بَيْتَ وكِفّةَ كِفّةَ، والأَصلُ بيْتٌ لبَيْتٍ وكِفَّةٌ لِكِفَّةٍ، فصُيِّرَتا اسْمًا وَاحِدًا.

وَتَقُولُ: هَذَا الْوَاحِدُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ إِلى الْعَاشِرِ فِي الْمُذَكَّرِ، وَفِي الْمُؤَنَّثِ الْوَاحِدَةُ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَالْعَاشِرَةُ.

وَتَقُولُ: هُوَ عاشرُ عَشَرة وغَلَّبْتَ الْمُذَكَّرَ، وَتَقُولُ: هُوَ ثالثُ ثَلاثةَ عَشَرَ أَي هُوَ أَحدُهم، وَفِي الْمُؤَنَّثِ هِيَ ثالثةُ ثَلاثَ عَشْرة لَا غَيْرُ، الرَّفْعُ فِي الأَول، وَتَقُولُ: هُوَ ثالثُ عَشَرَ يَا هَذَا، وَهُوَ ثالثَ عَشَرَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، وَكَذَلِكَ إِلى تِسْعَةَ عَشَرَ، فَمَنْ رَفَعَ قَالَ: أَردت هُوَ ثالثُ ثلاثةَ عَشَرَ فأَلْقَيت الثَّلَاثَةَ وتركتُ ثَالِثَ عَلَى إِعرابه، ومَن نَصَب قَالَ: أَردت ثالثَ ثَلاثةَ عَشَرَ فَلَمَّا أَسْقَطْت الثلاثةَ أَلْزَمْت إِعْرابَها الأَوّلَ لِيُعْلَمَ أَن هَاهُنَا شَيْئًا مَحْذُوفًا، وَتَقُولُ فِي الْمُؤَنَّثِ: هِيَ ثالثةُ عَشْرةَ وَهِيَ ثالثةَ عَشْرةَ، وتفسيرُه مِثْلُ تَفْسِيرِ الْمُذَكَّرِ، وَتَقُولُ: هُوَ الْحَادِي عَشَر وَهَذَا الثَّانِي عَشَر والثالثَ عَشَرَ إِلى العِشْرِين مَفْتُوحٌ كُلُّهُ، وَفِي الْمُؤَنَّثِ: هَذِهِ الحاديةَ عَشْرةَ والثانيةَ عَشْرَةَ إِلى الْعِشْرِينَ تَدْخُلُ الْهَاءُ فِيهَا جَمِيعًا.

قَالَ الْكِسَائِيُّ: إِذا أَدْخَلْتَ فِي الْعَدَدِ الأَلفَ واللامَ فأَدْخِلْهما فِي الْعَدَدِ كلِّه فَتَقُولُ: مَا فَعَلَتِ الأَحَدَ العَشَرَ الأَلْفَ دِرْهمٍ، وَالْبَصْرِيُّونَ يُدْخِلون الأَلفَ وَاللَّامَ فِي أَوله فَيَقُولُونَ: مَا فَعَلَتِ الأَحَدَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهمٍ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلَيالٍ عَشْرٍ}؛ أَي عَشْرِ ذِي الحِجَّة.

وعَشَرَ القومَ يَعْشِرُهم، بِالْكَسْرِ، عَشْرًا: صَارَ عاشرَهم، وَكَانَ عاشِرَ عَشَرةٍ.

وعَشَرَ: أَخذَ وَاحِدًا مِنْ عَشَرة.

وعَشَرَ: زَادَ وَاحِدًا عَلَى تِسْعَةٍ.

وعَشَّرْت الشَّيْءَ تَعْشِيرًا: كَانَ تِسْعَةً فَزِدْتُ وَاحِدًا حَتَّى تَمَّ عَشَرة.

وعَشَرْت، بِالتَّخْفِيفِ: أَخذت وَاحِدًا مِنْ عَشَرة فَصَارَ تِسْعَةً.

والعُشورُ: نُقْصَانُ، والتَّعْشيرُ زِيَادَةٌ وتمامٌ.

وأَعْشَرَ القومُ: صَارُوا عَشَرة.

وَقَوْلُهُ تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ}؛ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَذْهَبُ الْعَرَبِ إِذا ذَكَرُوا عَدَدين أَن يُجْمِلُوهما؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

توهَّمْتُ آياتٍ لَهَا، فَعرَفْتُها ***لِسِتَّةِ أَعْوامِ، وَذَا العامُ سابِعُ

وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:

ثَلاثٌ واثْنتانِ فهُنّ خَمْسٌ، ***وثالِثةٌ تَميلُ إِلى السِّهَام

وَقَالَ آخَرُ:

فسِرْتُ إِليهمُ عِشرينَ شَهْرًا ***وأَرْبعةً، فَذَلِكَ حِجّتانِ

وإِنما تَفْعَلُ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الحِسَاب فِيهِمْ.

وثوبٌ عُشارِيٌّ: طُولُهُ عَشْرُ أَذرع.

وَغُلَامٌ عُشارِيٌّ: ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، والأُنثى بِالْهَاءِ.

وعاشُوراءُ وعَشُوراءُ، مَمْدُودَانِ: اليومُ الْعَاشِرُ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَقِيلَ: التَّاسِعُ.

قَالَ الأَزهري: وَلَمْ يُسْمَعْ فِي أَمثلة الأَسماء اسْمًا عَلَى فاعُولاءَ إِلا أَحْرُفٌ قَلِيلَةٌ.

قَالَ ابْنُ بُزُرج: الضّارُوراءُ الضَّرّاءُ، والسارُوراءُ السَّرَّاءُ، والدَّالُولاء الدَّلال.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الخابُوراءُ مَوْضِعٌ، وَقَدْ أُلْحِقَ بِهِ تاسُوعاء.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ فِي صَوْمِ عَاشُورَاءَ: لَئِنْ سَلِمْت إِلى قابلٍ لأَصُومَنَّ اليومَ التاسِعَ "؛ قَالَ الأَزهري: وَلِهَذَا الْحَدِيثِ عدّةٌ مِنَ التأْويلات أَحدُها أَنه كَرِه مُوَافَقَةَ الْيَهُودِ لأَنهم يَصُومُونَ اليومَ العاشرَ، وَرُوِيَ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ: صُوموا التاسِعَ والعاشِرَ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ "؛ قَالَ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَا قَالَهُ الْمُزَنِيُّ يَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ التاسعُ هُوَ الْعَاشِرَ؛ قَالَ الأَزهري: كأَنه تأَول فِيهِ عِشْر الوِرْدِ أَنها تِسْعَةُ أَيام، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ اللَّيْثُ عَنِ الْخَلِيلِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ عَنِ الصَّوَابِ.

والعِشْرون: عَشَرة مُضَافَةٌ إِلى مِثْلِهَا وُضِعَت عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ وكَسَرُوا أَولها لِعِلَّةٍ.

وعَشْرَنْت الشَّيْءَ: جَعَلْتُهُ عِشْرينَ، نَادِرٌ لِلْفَرْقِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَشَرْت.

والعُشْرُ والعَشِيرُ: جُزْءٌ مِنْ عَشَرة، يَطَّرِدُ هَذَانِ الْبِنَاءَانِ فِي جَمِيعِ الْكُسُورِ، وَالْجَمْعُ أَعْشارٌ وعُشُورٌ، وَهُوَ المِعْشار؛ وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَما بَلَغُوا مِعْشارَ مَا آتَيْناهُمْ}؛ أَي مَا بلَغ مُشْرِكُو أَهل مَكَّةَ مِعْشارَ مَا أُوتِيَ مَن قَبْلَهم مِنَ القُدْرة والقُوّة.

والعَشِيرُ: الجزءُ مِنْ أَجْزاء العَشرة، وَجَمْعُ العَشِير أَعْشِراء مِثْلُ نَصِيب وأَنْصِباء، وَلَا يَقُولُونَ هَذَا فِي شَيْءٍ سِوَى العُشْر.

وَفِي الْحَدِيثِ: «تِسعةُ أَعْشِراء الرِّزْق فِي التِّجَارَةِ وجُزْءٌ مِنْهَا فِي السَّابِياء»؛ أَراد تِسْعَةَ أَعْشار الرِّزْقِ.

والعَشِير والعُشْرُ: واحدٌ مِثْلٌ الثَّمِين والثُّمْن والسَّدِيس والسُّدْسِ.

والعَشِيرُ فِي مِسَاحَةِ الأَرَضين: عُشْرُ القَفِيز، والقَفِيز: عُشْر الجَرِيب.

وَالَّذِي وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ: «لَوْ بَلَغَ ابنُ عَبَّاسٍ أَسْنانَنا مَا عاشَرَه مِنَّا رجلٌ»؛ أي لَوْ كانَ فِي السِّنِّ مِثْلَنا مَا بَلَغَ أَحدٌ مِنَّا عُشْرَ عِلْمِهِ.

وعَشَر القومَ يَعْشُرُهم عُشْرًا، بِالضَّمِّ، وعُشُورًا وعَشَّرَهم: أَخذ عُشْرَ أَموالهم؛ وعَشَرَ المالَ نَفْسَه وعَشَّرَه: كَذَلِكَ، وَبِهِ سُمِّي العَشّار؛ وَمِنْهُ العاشِرُ.

والعَشَّارُ: قَابِضُ العُشْرِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عِيسَى بْنِ عُمَرَ لِابْنِ هُبَيْرة وَهُوَ يُضرَب بَيْنَ يَدَيْهِ بِالسِّيَاطِ: تَاللَّهِ إِن كُنْتَ إِلا أُثَيّابًا فِي أُسَيْفاط قَبَضَهَا عَشّاروك.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِن لَقِيتم عاشِرًا فاقْتُلُوه»؛ أَي إِن وَجَدْتُمْ مَن يأْخذ العُشْر عَلَى مَا كَانَ يأْخذه أَهل الْجَاهِلِيَّةِ مُقِيمًا عَلَى دِينه، فَاقْتُلُوهُ لكُفْرِه أَو لِاسْتِحْلَالِهِ لِذَلِكَ إِن كَانَ مُسْلِمًا وأَخَذَه مُسْتَحِلًّا وَتَارِكًا فَرْضَ اللَّهِ، وَهُوَ رُبعُ العُشْر، فأَما مَنْ يَعْشُرهم عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فحَسَنٌ جَمِيلٌ.

وَقَدْ عَشَر جماعةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لِلنَّبِيِّ وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ، فَيَجُوزُ أَن يُسمَّى آخذُ ذَلِكَ: عَاشِرًا لإِضافة مَا يأْخذه إِلى العُشْرِ كرُبع العُشْرِ ونِصْفِ العُشْرِ، كَيْفَ وَهُوَ يأْخذ العُشْرَ جَمِيعَهُ، وَهُوَ مَا سَقَتْه السَّمَاءُ.

وعُشْرُ أَموالِ أَهل الذِّمَّةِ فِي التِّجَارَاتِ، يُقَالُ: عَشَرْت مالَه أَعْشُره عُشْرًا، فأَنا عاشرٌ، وعَشَّرْته، فأَنا مُعَشِّرٌ وعَشَّارٌ إِذا أَخذت عُشْرَه.

وَكُلُّ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ عُقُوبَةِ العَشّار مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التأْويل.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَيْسَ عَلَى المُسْلِمين عُشورٌ إِنما العُشور عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى»؛ العُشُورُ: جَمْع عُشْرٍ، يَعْنِي مَا كَانَ مِنْ أَموالهم لِلتِّجَارَاتِ دُونَ الصَّدَقَاتِ، وَالَّذِي يَلْزَمُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ وقتَ الْعَهْدِ، فإِن لَمْ يُصالَحُوا عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَلْزَمُهُمْ إِلا الجِزْيةُ.

وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: إِن أَخَذُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذا دَخَلُوا بِلادَهم أَخَذْنا مِنْهُمْ إِذا دَخَلُوا بِلادَنا لِلتِّجَارَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «احْمَدُوا اللَّهَ إِذْ رَفَعَ عَنْكُمُ العُشورَ»؛ يَعْنِي مَا كَانَتِ المُلوكُ تأْخذه مِنْهُمْ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِن وَفْدَ ثَقِيف اشْتَرَطُوا أَن لَا يُحشَرُوا وَلَا يُعْشَروا وَلَا يُجَبُّوا»؛ أَي لَا يُؤْخَذُ عُشْرُ أَموالهم، وَقِيلَ: أَرادوا بِهِ الصدقةَ الْوَاجِبَةَ، وإِنما فَسَّح لَهُمْ فِي تَرْكِهَا لأَنها لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً يَوْمَئِذٍ عَلَيْهِمْ، إِنما تَجِب بِتَمَامِ الحَوْل.

وَسُئِلَ جابرٌ عَنِ اشْتِرَاطِ ثَقِيف: أَن لَا صَدَقَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا جهادَ، فَقَالَ: عَلِم أَنهم سَيُصدِّقون ويُجاهدون إِذا أَسلموا، وأَما حَدِيثِ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَّاصِيَّةِ حِينَ ذَكر لَهُ شَرَائِعَ الإِسلام فَقَالَ: أَما اثْنَانِ مِنْهَا فَلَا أُطِيقُهما: أَما الصدقةُ فإِنما لِي ذَوْدٌ هُنَّ رِسْلُ أَهلي وحَمولتُهم، وأَما الْجِهَادُ فأَخافُ إِذا حَضَرْتُ خَشَعَتْ نفسِي، فكَفَّ يَدَهُ وَقَالَ: لَا صدقةَ وَلَا جهادَ فبِمَ تدخلُ الْجَنَّةَ؟ "فَلَمْ يَحْتَمِل لِبَشِيرٍ مَا احْتَمَلَ لِثَقِيفٍ؛ ويُشْبِه أَن يَكُونَ إِنما لَمْ يَسْمَعْ لَهُ لعِلْمِه أَنه يَقْبَل إِذا قِيلَ لَهُ، وثَقِيفٌ كَانَتْ لَا تَقْبَلُهُ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاحِدٌ وَهُمْ جَمَاعَةٌ، فأَراد أَن يتأَلَّفَهم ويُدَرِّجَهم عَلَيْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا.

وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «النِّسَاءِ لَا يُعشَرْنَ وَلَا يُحْشَرْن»: أَي لَا يُؤْخَذُ عُشْرُ أَموالهن، وَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ العُشْرُ مِنْ حَلْيِهِنّ وإِلا فَلَا يُؤخذ عُشْرُ أَموالهن وَلَا أَموالِ الرِّجَالِ.

والعِشْرُ: وِرْدُ الإِبل اليومَ العاشرَ.

وَفِي حِسَابِهِمْ: العِشْر التَّاسِعُ فإِذا جَاوَزُوهَا بِمِثْلِهَا فظِمْؤُها عِشْران، والإِبل فِي كُلِّ ذَلِكَ عَواشِرُ أَي تَرِدُ الْمَاءَ عِشْرًا، وَكَذَلِكَ الثَّوَامِنُ وَالسَّوَابِعُ وَالْخَوَامِسُ.

قَالَ الأَصمعي: إِذا وَرَدَتِ الإِبل كلَّ يَوْمٍ قِيلَ قَدْ وَرَدَتْ رِفْهًا، فَإِذَا وَرَدَتْ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا، قِيلَ: وَرَدَتْ غِبًّا، فإِذا ارْتَفَعَتْ عَنِ الغِبّ فَالظِّمْءُ الرِّبْعُ، وَلَيْسَ فِي الْوِرْدِ ثِلْث ثُمَّ الخِمْس إِلى العِشْر، فإِذا زَادَتْ فَلَيْسَ لَهَا تَسْمِيَةُ وِرْد، وَلَكِنْ يُقَالُ: هِيَ تَرِدُ عِشْرًا وغِبًّا وعِشْرًا ورِبْعًا إِلى العِشرَين، فَيُقَالُ حِينَئِذٍ: ظِمْؤُها عِشْرانِ، فإِذا جَاوَزَتِ العِشْرَيْنِ فَهِيَ جَوازِئُ؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: إِذا زَادَتْ عَلَى العَشَرة قَالُوا: زِدْنا رِفْهًا بَعْدَ عِشْرٍ.

قَالَ اللَّيْثُ: قُلْتُ لِلْخَلِيلِ مَا مَعْنَى العِشْرِين؟ قَالَ: جَمَاعَةُ عِشْر، قُلْتُ: فالعِشْرُ كَمْ يَكُونُ؟ قَالَ: تِسعةُ أَيام، قُلْتُ: فعِشْرون لَيْسَ بِتَمَامٍ إِنما هُوَ عِشْران وَيَوْمَانِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ مِنَ العِشْر الثَّالِثِ يَوْمَانِ جَمَعْتُهُ بالعِشْرين، قُلْتُ: وإِن لَمْ يَسْتَوْعِبِ الْجُزْءَ الثَّالِثَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَلا تَرَى قَوْلَ أَبي حَنِيفَةَ: إِذا طَلَّقها تَطْلِيقَتَيْنِ وعُشْرَ تَطْلِيقَةٍ فإِنه يَجْعَلُهَا ثَلَاثًا وإِنما مِنَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ فِيهِ جُزْءٌ، فالعِشْرون هَذَا قِيَاسُهُ، قُلْتُ: لَا يُشْبِهُ العِشْرُ.

التطليقةَ لأَن بَعْضَ التَّطْلِيقَةِ تَطْلِيقَةٌ تَامَّةٌ، وَلَا يَكُونُ بَعْضُ العِشْرِ عِشْرًا كَامِلًا، أَلا تَرَى أَنه لَوْ قَالَ لامرأَته أَنت طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَو جُزْءًا مِنْ مِائَةِ تَطْلِيقَةٍ كَانَتْ تَطْلِيقَةً تَامَّةً، وَلَا يَكُونُ نِصْفُ العِشْر وثُلُث العِشْرِ عِشْرًا كَامِلًا؟ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والعِشْرُ مَا بَيْنَ الوِرْدَين، وَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَيام لأَنها تَرِدُ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ، وَكَذَلِكَ الأَظْماء، كُلُّهَا بِالْكَسْرِ، وَلَيْسَ لَهَا بَعْدَ العِشْر اسْمٌ إِلا فِي العِشْرَينِ، فإِذا وَرَدَتْ يَوْمَ العِشْرِين قِيلَ: ظِمْؤُها عِشْرانِ، وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَر يَوْمًا، فإِذا جَاوَزَتِ العِشْرَينِ فَلَيْسَ لَهَا تَسْمِيَةٌ، وَهِيَ جَوازِئُ.

وأَعْشَرَ الرجلُ إِذا وَرَدت إِبلُه عِشْرًا، وَهَذِهِ إِبل عَواشِرُ.

وَيُقَالُ: أَعْشَرْنا مُذْ لَمْ نَلْتقِ أَي أَتى عَلَيْنَا عَشْرُ لَيَالٍ.

وعَواشِرُ الْقُرْآنِ: الآيُ الَّتِي يَتِمُّ بِهَا العَشْرُ.

والعاشِرةُ: حَلْقةُ التَّعْشِير مِنْ عَواشِر الْمُصْحَفِ، وهي لفظة مولَّدة.

وعُشَار، بِالضَّمِّ: مَعْدُولٌ مِنْ عَشَرة.

وَجَاءَ الْقَوْمُ عُشارَ عُشارَ ومَعْشَرَ مَعْشَرَ وعُشار ومَعْشَر أَي عَشَرة عَشَرة، كما تقول: جاؤوا أُحَادَ أُحَادَ وثُناءَ ثُناءَ ومَثْنى مَثْنى؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَمْ يُسْمع أَكثرُ مِنْ أُحاد وثُناء وثُلاث ورُباع إِلا فِي قَوْلِ الْكُمَيْتِ:

وَلَمْ يَسْتَرِيثوك حَتَّى رَمَيْت، ***فَوْقَ الرِّجَالِ، خِصَالًا عُشَارا

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: ذَهَبَ الْقَوْمُ عُشَارَياتٍ وعُسَارَياتٍ إِذا ذَهَبُوا أَيادِيَ سَبَا مُتَفَرِّقِينَ فِي كُلِّ وَجْهٍ.

وَوَاحِدُ العُشاريَات: عُشارَى مِثْلُ حُبارَى وحُبَارَيات.

والعُشَارة: القطعةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، قَوْمٌ عُشَارة وعُشَارات؛ قَالَ حَاتِمُ طَيِّءٍ يَذْكُرُ طَيِّئًا وتفرُّقَهم: " فصارُوا عُشَاراتٍ بِكُلِّ مكانِ "وعَشَّر الْحِمَارُ: تابَعَ النَّهِيقَ عَشْرَ نَهَقاتٍ وَوَالَى بَيْنَ عَشْرِ تَرْجِيعات فِي نَهِيقه، فَهُوَ مُعَشِّرٌ، ونَهِيقُه يُقَالُ لَهُ التَّعْشِير؛ يُقَالُ: عَشَّرَ يُعَشِّرُ تَعْشِيرًا؛ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الْوَرْدِ:

وإِنِّي وإِن عَشَّرْتُ مِنْ خَشْيةِ الرَّدَى ***نُهاقَ حِمارٍ، إِنني لجَزُوعُ

وَمَعْنَاهُ: إِنهم يَزْعُمُونَ أَن الرَّجُلَ إِذا وَرَدَ أَرضَ وَباءٍ وضَعَ يدَه خَلْفَ أُذنهِ فنَهَق عَشْرَ نَهقاتٍ نَهيقَ الحِمار ثُمَّ دَخَلَهَا أَمِنَ مِنَ الوَباء؛ وأَنشد بَعْضُهُمْ: فِي أَرض مالِكٍ، مَكَانَ قَوْلِهِ: مِنْ خَشْيَةِ الرَّدَى، وأَنشد: نُهاق الْحِمَارِ، مَكَانَ نُهاق حِمَارٍ.

وعَشَّرَ الغُرابُ: نَعبَ عَشْرَ نَعَبَاتٍ.

وَقَدْ عَشَّرَ الحِمارُ: نَهَقَ، وعَشَّرَ الغُرابُ: نَعَقَ، مِنْ غَيْرِ أَن يُشْتَقّا مِنَ العَشَرة.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: اللهمَّ عشِّرْ خُطايَ أَي اكتُبْ لِكُلِّ خُطْوة عَشْرَ حَسَنَاتٍ.

والعَشِيرُ: صَوْتُ الضَّبُع؛ غَيْرُ مُشْتَقٍّ أَيضًا؛ قَالَ:

جاءَتْ بِهِ أُصُلًا إِلى أَوْلادِها، ***تَمْشي بِهِ مَعَهَا لهمْ تَعْشِيرُ

وناقة عُشَراء: مصى لِحَمْلِهَا عَشَرةُ أَشهر، وَقِيلَ ثَمَانِيَةٌ، والأَولُ أَولى لِمَكَانِ لَفْظِهِ، فإِذا وَضَعَتْ لِتَمَامِ سَنَةٍ فَهِيَ عُشَراء أَيضًا عَلَى ذَلِكَ كالرائبِ مِنَ اللَّبَنِ.

وَقِيلَ: إِذا وَضَعت فَهِيَ عائدٌ وَجَمْعُهَا عَوْدٌ؛ قال الأَزهري: وَالْعَرَبُ يُسَمُّونَهَا عِشَارًا بعد ما تَضَعُ مَا فِي بُطُونِهَا لِلُزُومِ الِاسْمِ بَعْدَ الْوَضْعِ كَمَا يُسَمُّونَهَا لِقَاحًا، وَقِيلَ العُشَراء مِنِ الإِبل كَالنُّفَسَاءِ مِنَ النِّسَاءِ، وَيُقَالُ: نَاقَتَانِ عُشَراوانِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «قَالَ صَعْصعة بْنُ نَاجِيَةَ: اشْتَرَيْت مَوءُودةً بناقَتَينِ عُشَرَاوَيْنِ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَدْ اتُّسِعَ فِي هَذَا حَتَّى قِيلَ لكل حامل عُشَراء وأَكثر مَا يُطْلَقُ عَلَى الْخَيْلِ والإِبل، وَالْجَمْعُ عُشَراواتٌ، يُبْدِلون مِنْ هَمْزَةِ التأْنيث وَاوًا، وعِشَارٌ كَسَّرُوه عَلَى ذَلِكَ، كَمَا قَالُوا: رُبَعة ورُبَعاتٌ ورِباعٌ، أَجْرَوْا فُعلاء مُجْرَى فُعَلة كَمَا أَجْرَوْا فُعْلَى مُجْرَى فُعْلَة، شَبَّهُوهَا بِهَا لأَن الْبِنَاءَ وَاحِدٌ ولأَن آخِرَهُ عَلَامَةُ التأْنيث؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: العِشَارُ مِنَ الإِبل الَّتِي قَدْ أَتى عَلَيْهَا عَشَرَةُ أَشهر؛ وَبِهِ فُسِّرَ قَوْلُهُ تعالى: {وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: لُقَّحُ الإِبلِ عَطَّلَها أَهلُها لِاشْتِغَالِهِمْ بأَنْفُسِهم وَلَا يُعَطِّلُها قومُها إِلا فِي حَالِ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ: العِشارُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى النُّوقِ حتى يُتْتج بعضُها، وبعضُها يُنْتَظَرُ نِتاجُها؛ قال" الْفَرَزْدَقُ:

كَمْ عَمَّة لَكَ يَا جَرِيرُ وَخَالَةٍ ***فَدْعاء، قَدْ حَلَبَتْ عَلَيّ عِشَارِي

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَيْسَ للعِشَارِ لَبَنٌ وإِنما سَمَّاهَا عِشارًا لأَنها حَدِيثَةُ الْعَهْدِ بالنِّتاج وَقَدْ وَضَعَتْ أَولادها.

وأَحْسَن مَا تَكُونُ الإِبل وأَنْفَسُها عِنْدَ أَهلها إِذا كَانَتْ عِشَارًا.

وعَشَّرَت الناقةُ تَعْشِيرًا وأَعْشَرَت: صَارَتْ عُشَراء، وأَعْشَرت أَيضًا: أَتى عَلَيْهَا عَشَرَةُ أَشهر مِنْ نِتَاجِهَا.

وامرأَة مُعْشِرٌ: مُتِمٌّ، عَلَى الِاسْتِعَارَةِ.

وَنَاقَةٌ مِعْشارٌ: يَغْزُر لبنُها لَيَالِيَ تُنْتَج.

ونَعتَ أَعرابي نَاقَةً فَقَالَ: إِنها مِعْشارٌ مِشْكارٌ مِغْبَارٌ؛ مِعْشَارٌ مَا تَقَدَّمَ، ومِشكارٌ تَغْزُر فِي أَول نَبْتِ الرَّبِيعِ، ومِغْبارٌ لَبِنةٌ بَعْدَ مَا تَغْزُرُ اللَّوَاتِي يُنْتَجْن مَعَهَا؛ وأَما قَوْلُ لَبِيدٍ يَذْكُرُ مَرْتَعًا:

هَمَلٌ عَشائِرُه عَلَى أَوْلادِها، ***مِن رَاشِحٍ مُتَقَوّب وفَطِيم

فإِنه أَراد بالعَشائِر هُنَا الظباءَ الحدِيثات الْعَهْدِ بِالنِّتَاجِ؛ قَالَ الأَزهري: كأَنَّ العَشائرَ هُنَا فِي هَذَا الْمَعْنَى جَمْعُ عِشَار، وعَشائرُ هُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ، كَمَا يُقَالُ جِمال وجَمائِل وحِبَال وحَبائِل.

والمُعَشِّرُ: الَّذِي صَارَتْ إِبلُه عِشَارًا؛ قَالَ مَقّاس بْنُ عَمْرٍو:

ليَخْتَلِطَنَّ العامَ راعٍ مُجَنِّبٌ، ***إِذا مَا تلاقَيْنا براعٍ مُعَشِّر

والعُشْرُ: النُّوقُ الَّتِي تُنْزِل الدِّرَّة الْقَلِيلَةَ مِنْ غَيْرِ أَن تَجْتَمِعَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

حَلُوبٌ لعُشْرِ الشُّولِ فِي لَيْلةِ الصَّبا، ***سَريعٌ إِلى الأَضْيافِ قَبْلَ التأَمُّلِ

وأَعْشارُ الجَزورِ: الأَنْصِباء.

والعِشْرُ: قِطْعَةٌ تنكَسِرُ مِنَ القَدَح أَو البُرْمة كأَنها قِطْعَةٌ مِنْ عَشْر قِطَعِ، وَالْجَمْعُ أَعْشارٌ.

وقَدَحٌ أَعْشارٌ وقِدْرٌ أَعْشَارٌ وقُدورٌ أَعاشِيرُ: مكسَّرَة عَلَى عَشْرِ قِطَعٍ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ فِي عَشِيقَتِهِ:

وَمَا ذَرَفَتْ عَيْناكِ إِلا لِتَقدَحِي ***بِسَهْمَيكِ فِي أَعْشارِ قَلْب مُقَتَّلِ

أَراد أَن قَلْبَهُ كُسِّرَ ثُمَّ شُعِّبَ كَمَا تُشَعَّبُ القِدْرُ؛ قَالَ الأَزهري: وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَعجب إِليّ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يَحْيَى: أَراد بِقَوْلِهِ بسَهْمَيْكِ هَاهُنَا سَهْمَيْ قِداح المَيْسِر، وَهُمَا المُعَلَّى والرَّقيب، فللمُعَلَّى سَبْعَةُ أَنْصِباء وَلِلرَّقِيبِ ثَلَاثَةٌ، فإِذا فَازَ الرَّجُلُ بِهِمَا غلَب عَلَى جَزورِ المَيْسرِ كُلِّهَا وَلَمْ يَطْمَعْ غيرُه فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَهِيَ تُقْسَم عَلَى عَشَرة أَجزاء، فَالْمَعْنَى أَنها ضَربت بِسِهَامِهَا عَلَى قَلْبِهِ فَخَرَجَ لَهَا السَّهْمَانِ فغَلبته عَلَى قَلْبه كلِّه وفَتَنته فَمَلَكَتْه؛ وَيُقَالُ: أَراد بسهْمَيْها عَيْنَيْها، وَجَعَلَ أَبو الْهَيْثَمِ اسْمَ السَّهْمِ الَّذِي لَهُ ثَلَاثَةَ أَنْصِباء الضَّرِيبَ، وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ ثَعْلَبٌ الرَّقِيب؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: بَعْضُ الْعَرَبِ يُسمّيه الضَّرِيبَ وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّيهِ الرَّقِيبَ، قَالَ: وَهَذَا التَّفْسِيرُ فِي هَذَا الْبَيْتِ هُوَ الصَّحِيحُ.

ومُقَتَّل: مُذَلَّل.

وقَلْبٌ أَعْشارٌ: جَاءَ عَلَى بِنَاءِ الْجَمْعِ كَمَا قَالُوا رُمْح أَقْصادٌ.

وعَشّرَ الحُبُّ قَلْبَه إِذا أَضْناه.

وعَشَّرْت القَدَحَ تَعْشِيرًا إِذا كسَّرته فصيَّرته أَعْشارًا؛ وَقِيلَ: قِدْرٌ أَعشارٌ عَظِيمَةٌ كأَنها لَا يَحْمِلُهَا إِلا عَشْرٌ أَو عَشَرةٌ، وَقِيلَ: قِدْرٌ أَعْشارٌ متكسِّرة فَلَمْ يُشْتَقَّ مِنْ شَيْءٍ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قِدر أَعشارٌ مِنَ الْوَاحِدِ الَّذِي فُرِّقَ ثُمَّ جُمِع كأَنهم جَعَلُوا كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ عُشْرًا.

والعواشِرُ: قوادمُ رِيشِ الطَّائِرِ، وَكَذَلِكَ الأَعْشار؛ قَالَ الأَعشى:

وإِذا مَا طَغَا بِهَا الجَرْيُ، فالعِقْبانُ ***تَهْوِي كَواسِرَ الأَعْشارِ

وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ إِن الْبَيْتَ:

إِن تَكُنْ كالعُقَابِ فِي الجَوّ، فالعِقْبانُ ***تَهْوِي كَواسِرَ الأَعْشار

والعِشْرَةُ: الْمُخَالَطَةُ؛ عاشَرْتُه مُعَاشَرَةً، واعْتَشَرُوا وتَعاشَرُوا: تَخَالَطُوا؛ قَالَ طَرَفة:

ولَئِنْ شَطَّتْ نَوَاهَا مَرَّةَ، ***لَعَلَى عَهْد حَبيب مُعْتَشِرْ

جَعَلَ الحَبيب جَمْعًا كالخَلِيط والفَرِيق.

وعَشِيرَة الرَّجُلِ: بَنُو أَبيه الأَدْنَونَ، وَقِيلَ: هُمُ الْقَبِيلَةُ، وَالْجَمْعُ عَشَائر.

قَالَ أَبو عَلِيٍّ: قَالَ أَبو الْحَسَنِ: وَلَمْ يُجْمَع جَمْعَ السَّلَامَةِ.

قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: العَشِيرَةُ الْعَامَّةُ مِثْلُ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، والعَشِيرُ الْقَبِيلَةُ، والعَشِيرُ المُعَاشِرُ، والعَشِيرُ: الْقَرِيبُ وَالصَّدِيقُ، وَالْجَمْعُ عُشَراء، وعَشِيرُ المرأَة: زوجُها لأَنه يُعاشِرها وتُعاشِرُه كَالصَّدِيقِ والمُصَادِق؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:

رأَتْه عَلَى يَأْسٍ، وَقَدْ شابَ رَأْسُها، ***وحِينَ تَصَدَّى لِلْهوَانِ عَشِيرُها

أَراد لإِهانَتِها وَهِيَ عَشِيرته.

وَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُنّ أَكْثَرُ أَهل النَّارِ، فَقِيلَ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لأَنَّكُنّ تُكْثِرْن اللَّعْنَ وتَكْفُرْنَ العَشِيرَ "؛ العَشِيرُ: الزَّوْجُ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}؛ أَي لَبِئْسَ المُعاشِر.

ومَعْشَرُ الرَّجُلِ: أَهله.

والمَعْشَرُ: الْجَمَاعَةُ، مُتَخَالِطِينَ كَانُوا أَو غَيْرُ ذَلِكَ؛ قَالَ ذُو الإِصبع العَدْوانيّ:

وأَنْتُمُ مَعْشَرٌ زيْدٌ عَلَى مِائَةٍ، ***فأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ طُرًّا فكِيدُوني

والمَعْشَر والنَّفَر والقَوْم والرَّهْط مَعْنَاهُمُ: الْجَمْعُ، لَا وَاحِدَ لَهُمْ مِنْ لَفْظِهِمْ، لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ.

قَالَ: والعَشِيرة أَيضًا الرِّجَالُ والعالَم أَيضًا لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: المَعْشَرُ كُلُّ جَمَاعَةٍ أَمرُهم وَاحِدٌ نَحْوَ مَعْشر الْمُسْلِمِينَ ومَعْشَر الْمُشْرِكِينَ.

والمَعاشِرُ: جماعاتُ النَّاسِ.

والمَعْشَرُ: الْجِنُّ والإِنس.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}.

والعُشَرُ: شَجَرٌ لَهُ صَمْغٌ وَفِيهِ حُرّاقٌ مِثْلُ الْقُطْنِ يُقْتَدَح بِهِ.

قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: العُشر مِنِ العِضاه وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الشَّجَرِ، وَلَهُ صَمْغٌ حُلْوٌ، وَهُوَ عَرِيضُ الْوَرَقِ يَنْبُتُ صُعُدًا فِي السَّمَاءِ، وَلَهُ سُكّر يَخْرُجُ مِنْ شُعَبِه وَمَوَاضِعِ زَهْرِه، يُقَالُ لَهُ سُكّرُ العُشَر، وَفِي سُكّرِه شيءٌ مِنْ مَرَارَةٍ، وَيَخْرُجُ لَهُ نُفّاخٌ كأَنها شَقاشِقُ الْجِمَالِ الَّتِي تَهْدِرُ فِيهَا، وَلَهُ نَوْرٌ مِثْلُ نُورِ الدِّفْلى مُشْربٌ مُشرق حَسَنُ المنظَر وَلَهُ ثَمَرٌ.

وَفِي حَدِيثِ مَرْحب: «أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ بارَزَه فَدَخَلَتْ بَيْنَهُمَا شجرةٌ مِنْ شَجَرِ العُشر».

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَيْرٍ: «وقُرْصٌ بُرِّيٌّ بلبنٍ عُشَريّ»أَي لَبَن إِبلٍ تَرْعَى العُشَرَ، وَهُوَ هَذَا الشَّجَرُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الظَّلِيمَ:

كأَنّ رِجْلَيه، مِمَّا كَانَ مِنْ عُشَر، ***صَقْبانِ لَمْ يَتَقَشَّرْ عَنْهُمَا النَّجَبُ

الْوَاحِدَةُ عُشَرة وَلَا يُكْسَرُ، إِلا أَن يُجْمَعَ بِالتَّاءِ لِقِلَّةِ فُعَلة فِي الأَسماء.

وَرَجُلٌ أَعْشَر أَي أَحْمَقُ؛ قَالَ الأَزهري: لَمْ يَرْوِهلِي ثقةٌ أَعتمده.

وَيُقَالُ لِثَلَاثٍ مِنْ لَيَالِي الشَّهْرِ: عُشَر، وَهِيَ بَعْدَ التُّسَع، وَكَانَ أَبو عُبَيْدَةَ يُبْطِل التُّسَعَ والعُشَرَ إِلا أَشياء مِنْهُ مَعْرُوفَةً؛ حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ أَبو عُبَيْدٍ.

وَالطَّائِفِيُّونَ يَقُولُونَ: مِنْ أَلوان الْبَقَرِ الأَهليّ أَحمرُ وأَصفرُ وأَغْبَرُ وأَسْودُ وأَصْدأُ وأَبْرَقُ وأَمْشَرُ وأَبْيَضُ وأَعْرَمُ وأَحْقَبُ وأَصْبَغُ وأَكْلَفُ وعُشَر وعِرْسِيّ وَذُو الشَّرَرِ والأَعْصم والأَوْشَح؛ فالأَصْدَأُ: الأَسود العينِ والعنقِ والظهرِ وسائرُ جَسَدِهِ أَحمر، والعُشَرُ: المُرَقَّع بِالْبَيَاضِ والحمرةِ، والعِرْسِيّ: الأَخضر، وأَما ذُو الشَّرَرِ فَالَّذِي عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ، فِي صدرِهِ وعنُقِه لُمَعٌ عَلَى غَيْرِ لَوْنِهِ.

وسَعْدُ العَشِيرة: أَبو قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَمَنِ، وَهُوَ سَعْدُ بْنُ مَذْحِجٍ.

وَبَنُو العُشَراء: قَوْمٌ مِنَ الْعَرَبِ.

وَبَنُو عُشَراء: قَوْمٌ مَنْ بَنِي فَزارةَ.

وَذُو العُشَيْرة: مَوْضِعٌ بالصَّمّان مَعْرُوفٌ يُنْسَبُ إِلى عُشَرةٍ نَابِتَةٍ فِيهِ؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:

صَعْل يَعُودُ بِذِي العُشَيْرة بَيْضَه، ***كالعَبْدِ ذِي الفَرْوِ الطَّوِيلِ الأَصْلَمِ

شبَّهه بالأَصْلم، وَهُوَ الْمَقْطُوعُ الأُذن، لأَن الظَّلِيمَ لَا أُذُنَين لَهُ؛ وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ غَزْوَةِ العُشَيرة.

وَيُقَالُ: العُشَيْر وذاتُ العُشَيرة، وَهُوَ مَوْضِعٌ مِنْ بَطْنِ يَنْبُع.

وعِشَار وعَشُوراء: مَوْضِعٌ.

وتِعْشار: مَوْضِعٌ بالدَّهناء، وَقِيلَ: هُوَ مَاءٌ؛ قَالَ النَّابِغَةُ: " غَلَبُوا عَلَى خَبْتٍ إِلى تِعْشارِ وَقَالَ الشَّاعِرُ:

لَنَا إِبلٌ لَمْ تَعْرِف الذُّعْرَ بَيْنَها ***بتِعْشارَ مَرْعاها قَسَا فصَرائمُهْ

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


17-لسان العرب (خرش)

خرش: الخَرْشُ: الخَدْشُ فِي الْجَسَدِ كلِّه، وَقَالَ اللَّيْثُ: الخَرْشُ بالأَظفار فِي الْجَسَدِ كلِّه، خَرَشَه يَخْرِشُه خَرْشًا واخْتَرَشَه وخَرَّشَه وخارَشَه مُخارَشَةً وخِراشًا.

وجَرْوٌ نَخْوَرِشٌ: قَدْ تحرَّك وخَدَشَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: لَيْسَ فِي الْكَلَامِ نَفْوَعِلٌ غَيْرَهُ.

واخْتَرَشَ الجَرْوُ: تحرَّكَ وخَدَشَ.

وتخارَشَتِ الْكِلَابُ وَالسَّنَانِيرُ: تخادَشَت وَمَزَّقَ بَعْضُهَا بَعْضًا.

وكلبُ خِراشٍ أَي هِراشٍ.

والخِراشُ: سِمةٌ مُسْتَطِيلَةٌ كَاللَّذْعَةِ الْخَفِيَّةِ تَكُونُ فِي جَوْفِ الْبَعِيرِ، وَالْجَمْعُ أَخْرِشةٌ، وَبَعِيرٌ مَخْروشٌ.

والمِخْرَشُ والمِخْراشُ: خشبةٌ يَخُطُّ بِهَا الإِسكافُ.

والمِخْرَشةُ والمِخْرَشُ: خَشَبَةٌ يُخُطُّ بِهَا الخَرَّازُ أَي يَنْقُشُ الْجِلْدَ وَيُسَمَّى المِخَطَّ.

والمِخْرَشُ والمِخْراشُ أَيضًا: عَصًا مُعْوَجَّةُ الرأْس كالصَّوْلجَانِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «ضَرَبَ رأْسَه بِمِخْرَشٍ».

وخَرَشَ الغصنَ وخَرَّشَه: ضَرَبَهُ بالمِحْجَن يَجْتَذِبُهُ إِليه.

فِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «أَنه أَفاض وَهُوَ يَخْرِش بعيرَهُ بمِحْجَنِه».

قَالَ الأَصمعي: الخَرْشُ أَن يَضْرِبَهُ بمِحْجَنه ثُمَّ يجتذبُه إِليه يُرِيدُ بِذَلِكَ تَحْرِيكَهُ للإِسراع، وَهُوَ شَبِيهٌ بالخدْشِ والنخسِ؛ وأَنشد:

إِنَّ الجِراءَ تَخْتَرِشْ ***فِي بطْنِ أُمِّ الهَمَّرِشْ

وخرَشَ البعيرَ بالمِحْجَن: ضَرَبَهُ بِطَرَفِهِ فِي عَرْض رَقَبَتِهِ أَو فِي جلدِه حَتَّى يُحتّ عَنْهُ وبَرُه.

وخَرَشْت الْبَعِيرَ إِذا اجْتَذَبْتَهُ إِليك بالمخْراش، وَهُوَ المحْجَنُ، وَرُبَّمَا جَاءَ بِالْحَاءِ.

وخَرَشَه الذُّبَابُ وحَرَشَه إِذا عضَّه.

والخَرَشَةُ، بِالتَّحْرِيكِ: ذُبَابَةٌ.

والخَرَشَةُ: الذُّبَابُ، وَبِهَا سُمِّيَ الرجلُ.

وَمَا بِهِ خَرَشَة أَي قَلَبَةٌ، وَمَا خَرَشَ شَيْئًا أَي مَا أَخذ.

والخَرْشُ: الْكَسْبُ، وَجَمْعُهُ خُرُوشٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " قَرْضي وَمَا جَمَّعْتُ مِنْ خُروشي وخرَشَ لأَهله يخْرِشُ خَرْشًا واخْتَرَش: جَمَعَ وَكَسَبَ وَاحْتَالَ.

وَهُوَ يَخرِش لِعِيَالِهِ ويخْتَرِشُ أَي يَكْتَسِبُ لَهُمْ وَيَجْمَعُ، وَكَذَلِكَ يقْتَرِشُ ويقْرِشُ يَطْلُبُ الرِّزْقَ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «لَوْ رأَيتُ العَيْرَ يَخْرِشُ مَا بَيْنَ لابَتَيْها»يَعْنِي الْمَدِينَةَ؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ مِنِ اخْتَرَشْت الشَّيْءَ إِذا أَخذته وَحَصَّلْتُهُ، وَيُرْوَى بِالْجِيمِ وَالشِّينِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الجَرْشِ الأَكلِ.

وخَرَشَ مِنَ الشَّيْءِ: أَخذ.

وَفِي حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ صَيْفِيٍّ: «كَانَ أَبو مُوسَى يَسْمعُنا وَنَحْنُ نُخارِشُهم فَلَا يَنْهَانَا»، يَعْنِي أَهل السَّوَادِ.

والمُخارَشةُ: الأَخذ عَلَى كُرْهٍ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

أَصْدَرَها، عَنْ طَثْرةِ الدِّئاثِ، ***صاحِبُ ليلٍ خَرِشُ التَّبْعاثِ

الخَرِشُ: الَّذِي يُهَيِّجُهَا وَيُحَرِّكُهَا.

والخَرِشُ والخَرْشُ: الرَّجُلُ الَّذِي لَا يَنَامُ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ شمرٌ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَظنه مَعَ الْجُوعِ.

والخِرْشاءُ: قِشْرَةُ الْبَيْضَةِ الْعُلْيَا اليابِسةُ، وإِنما يُقَالُ لَهَا خِرْشاءُ بعد ما تُنْقَف فيُخْرَجُ مَا فِيهَا مِنَ الْبَلَلِ.

وَفِي التَّهْذِيبِ: الخِرْشاءُ جلدةُ الْبَيْضَةِ الدَّاخِلَةُ، وجمعه خَراشِيّ وهو الغِرْقِئُ.

والخِرْشاءُ: قِشْرَةُ الْبَيْضَةِ الْعُلْيَا بَعْدَ أَن تُكْسَرَ ويخرجَ مَا فِيهَا.

وخِرْشاءُ الصَّدْرِ: مَا يُرْمَى بِهِ مِنَ لزِج النُّخَامَةِ، قَالَ: وَقَدْ يُسَمَّى الْبَلْغَمُ خِرْشاءَ.

وَيُقَالُ: أَلقى فُلَانٌ خَراشِيّ صَدْرِهِ، أَراد النخامةَ.

وخِرْشاءُ الْحَيَّةِ: سَلخُها وَجَلْدُهَا.

أَبو زَيْدٍ: الخِرْشاءُ مِثْلُ الحِرْباء جِلْدُ الحية وقشرُه، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ انْتِفَاخٌ وتَفَتُّقٌ.

وخِرْشاءُ اللَّبَنِ: رغْوتُه، وَقِيلَ: جُلَيْدةٌ تَعْلُوهُ؛ قَالَ مُزَرِّدٌ:

إِذا مَسَّ خِرْشاءَ الثُّمالَةِ أَنْفُه، ***ثَنى مِشْفَرَيه للصَّرِيحِ فأَقْنَعا

يَعْنِي الرغوةَ فِيهَا انْتِفَاخٌ وتَفَتُّقٌ وخُرُوقٌ.

وخِرْشاءُ الثُّمالةِ: الْجِلْدَةُ الَّتِي تَعْلُو اللَّبَنَ، فإِذا أَراد الشَّارِبُ شُرْبَهُ ثَنَى مِشفريه حَتَّى يَخْلُص لَهُ اللبنُ.

وخِرْشاءُ الْعَسَلِ: شَمَعُهُ وَمَا فِيهِ مِنْ مَيِّتِ نَحْلِهِ.

وكلُّ شَيْءٍ أَجوف فِيهِ انتفاخٌ وخروقُ وتفتّقٌ خِرْشاءُ.

وَطَلَعَتِ الشمسُ فِي خِرْشاءَ أَي فِي غَبَرَةٍ، وَاسْتَعَارَ أَبو حَنِيفَةَ الخراشِيَّ للحَشَرات كُلِّهَا.

وخَرَشَةُ وخُراشةُ وخِراشٌ ومُخارِشٌ، كلُّها: أَسماء وسِماك بنُ خَرَشةَ الأَنصاري وأَبو خِراشٍ الهُذلي، بِكَسْرِ الْخَاءِ؛ وأَبو خُراشةَ، بِالضَّمِّ، فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

أَبا خُراشةَ أَمَّا كُنتَ ذَا نَفَرٍ، ***فإِنَّ قوميَ لَمْ تأْكلْهمُ الضَّبُع

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ لِعَبَّاسِ بْنِ مرْداسٍ السُّلَمي، وأَبو خُراشةَ كُنْيةُ خُفَاف بنِ نُدْبَةَ، وندبةُ أُمه، فَقَالَ يُخاطِبُه: إِن كُنْتَ ذَا نَفرٍ وعددٍ قليلٍ فإِنَّ قَوْمِي عددٌ كَثِيرٌ لَمْ تأْكلهم الضبُع، وَهِيَ السَّنةُ المُجْدِبةُ؛ ورَوَى هَذَا البيتَ سِيبَوَيْهِ: أَمَّا أَنتَ ذَا نَفَرٍ، فَجَعَل أَنت اسمَ كَانَ الْمَحْذُوفَةِ وأَمَّا عوضٌ مِنْهَا وَذَا نَفَرٍ خبرُها وأَن مَصْدَرِيَّةٌ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ فِي قَوْلِهِمْ أَمّا أَنت مُنْطَلِقًا انطلقتُ مَعَكَ بِفَتْحِ أَن فَتَقْدِيرُهُ عِنْدَهُ لأَن كنتَ مُنْطَلِقًا انطلقتُ مَعَكَ، فأُسْقِطَت لَامُ الْجَرِّ كَمَا أُسقطت فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}، والعاملُ فِي هَذِهِ اللَّامِ مَا بعدها وهو قول فَاتَّقُونِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ فِي قَوْلِكَ لأَن كُنْتَ مُنْطَلِقًا، الْعَامِلُ فِي هَذِهِ اللَّامِ مَا بَعْدَهَا وَهُوَ انطلقْتُ معَك؛ وَبَعْدَ الْبَيْتِ:

وكلُّ قَوْمِك يُخْشى مِنْهُ بائِقَةٌ، ***فارْعُدْ قَليلًا، وأَبْصِرْها بمَنْ تَقَعُ

إِن تكُ جُلْمودَ بِصْرٍ لَا أُؤَبِّسُه، ***أُوقِدْ عَلَيْهِ فأُحْمِيه فَيَنْصَدِع

قَالَ أَبو تُرَابٍ: سَمِعْتُ رَافِعًا يَقُولُ لِي عِنْدَهُ خُراشةٌ وخُماشَةٌ أَي حُقٌّ صغِيرٌ.

وخُرُوشُ البيتِ: سُعُوفُه مِنْ جُوالِقٍ خَلَقٍ أَو ثوبٍ خلَقٍ، الْوَاحِدُ سَعْفٌ وخَرْشٌ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


18-لسان العرب (خبط)

خبط: خَبَطَه يَخْبِطُه خَبْطًا: ضَرَبَهُ ضرْبًا شَدِيدًا.

وخبَط البعيرُ بِيَدِهِ يَخْبِطُ خبْطًا: ضَرَبَ الأَرض بِهَا؛ التَّهْذِيبُ: الخَبْطُ ضرب البعير الشيءَ بخُفِّ يدِه" كَمَا قَالَ طَرَفَةُ:

تَخْبِطُ الأَرضَ بِصُمٍّ وُقُحٍ، ***وصِلابٍ كالملاطِيسِ سُمُرْ

أَراد أَنها تَضْرِبُها بأَخْفافِها إِذا سارَتْ.

وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ أَنه قَالَ: «لَا تَخْبِطُوا خَبْطَ الجمَل وَلَا تَمُطُّوا بآمِينَ»، يَقُولُ: إِذا قَامَ قدَّم رِجْلَه يَعْنِي مِنَ السُّجودِ، نَهَاهُ أَن يُقَدِّمَ رِجْلَه عِنْدَ القيامِ مِنَ السُّجُودِ.

والخَبْطُ فِي الدَّوابِّ: الضرْبُ بالأَيْدِي دُونَ الأَرْجُلِ، وَقِيلَ: يَكُونُ لِلْبَعِيرِ بِالْيَدِ وَالرِّجْلِ.

وكلُّ مَا ضرَبه بِيَدِهِ، فَقَدْ خبَطه؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:

فَطِرْتُ بمُنْصُلي فِي يَعْمَلاتٍ، ***دَوامِي الأَيْدِ، يَخْبِطْنَ السَّرِيحا

أَراد الأَيْدي فاضْطُرَّ فَحَذَفَ.

وتَخَبَّطَه: كَخَبَطَه؛ وَمِنْهُ قِيلَ خَبْطَ عَشْواء، وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي فِي بَصرها ضَعْفٌ تَخْبِط إِذا مَشَتْ لَا تتوَقَّى شَيْئًا؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

رأَيتُ المَنايا خَبْطَ عَشْواء مَنْ تُصِبْ ***تُمِتْه، ومَنْ تُخْطِئُ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ

يَقُولُ: رأَيتها تَخْبِطُ الخَلْقَ خَبْطَ العَشْواء مِنَ الإِبل، وَهِيَ الَّتِي لَا تُبْصِرُ، فَهِيَ تَخْبِطُ الْكُلَّ لَا تُبْقِي عَلَى أَحد، فَمِمَّنْ خَبَطَتْه المَنايا مَنْ تُمِيتُه، وَمِنْهُمْ مَنْ تُعِلُّه فيبرأُ والهَرَمُ غايتُه ثُمَّ الْمَوْتُ.

وَفُلَانٌ يَخْبِط فِي عَمْياء إِذا رَكِبَ مَا رَكِبَ بجَهالةٍ.

وَرَجُلٌ أَخْبَطُ يَخْبِطُ بِرِجْلَيْهِ؛ وَقَوْلُهُ:

عَنّا ومَدَّ غايَةَ المُنْحَطِّ، ***قَصَّرَ ذُو الخَوالِع الأَخْبَطِّ

إِنما أَراد الأَخْبَطَ فَاضْطُّرَ فَشَدَّدَ الطَّاءَ وأَجْراها فِي الْوَصْلِ مُجْراها فِي الْوَقْفِ.

وَفَرَسٌ خَبِيطٌ وخَبُوطٌ: يخبِطُ الأَرض بِرِجْلَيْهِ.

التَّهْذِيبُ: والخَبُوطُ مِنَ الْخَيْلِ الَّذِي يَخْبِط بِيَدَيْهِ.

قَالَ شُجَاعٌ: يُقَالُ تَخَبَّطَني بِرِجْلِهِ وتخبَّزَني وخبَطَني وخبَزَني.

والخَبْطُ: الوَطْء الشَّدِيدُ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ أَيدي الدَّوابّ.

والخَبَطُ: مَا خَبَطَتْهُ الدوابُّ.

والخَبيطُ: الحَوْضُ الَّذِي خَبَطَتْه الإِبل فهدَمَتْه، وَالْجَمْعُ خُبُطٌ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَن طِينَهُ يُخبَطُ بالأَرجل عِنْدَ بِنَائِهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " ونُؤْي كَأَعضاد الخَبِيطِ المُهَدَّمِ "وخبَطَ القومَ بِسَيْفِهِ يَخْبِطُهُم خَبْطًا: جلدَهم.

وخبَطَ الشَّجَرَةَ بالعَصا يَخْبِطُها خَبْطًا: شَدَّهَا ثُمَّ ضرَبها بِالْعَصَا ونفَض ورَقها مِنْهَا ليَعْلِفَها الإِبلَ والدوابَّ؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " والصَّقْع مِنْ خابِطةٍ وجُرْزِ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده والصقعِ، بِالْخَفْضِ، لأَن قَبْلَهُ: بالمَشْرَفيَّات وطَعْنٍ وخْزِ الوخْزُ: الطعْنُ غَيْرُ النَّافِذِ.

والجُرْزُ: عَمودٌ مِنْ أَعْمِدةِ الخِباء.

وَفِي التَّهْذِيبِ أَيضًا: الخَبْطُ ضرْبُ وَرَقِ الشَّجَرِ حَتَّى يَنْحاتَّ عَنْهُ ثُمَّ يَسْتَخْلِف مِنْ غَيْرِ أَن يَضُرّ ذَلِكَ بأَصل الشَّجَرَةِ وأَغْصانِها.

قَالَ اللَّيْثُ: الخَبَطُ خَبَطُ وَرَقِ العِضاهِ مِنَ الطَّلْحِ وَنَحْوِهِ يُخْبَطُ يُضْرَبُ بِالْعَصَا فَيَتَنَاثَرُ ثُمَّ يُعْلف الإِبل، وَهُوَ مَا خَبَطَتْه الدوابُّ أَي كسرَتْه.

وَفِي حَدِيثِ تَحْرِيمِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ: «نَهَى أَن تُخْبَطَ شجرُها»؛ هُوَ ضَرْبُ الشَّجَرِ بِالْعَصَا ليتناثر ورقها، واسم" الْوَرَقِ الساقطِ الخَبَطُ، بِالتَّحْرِيكِ، فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعول، وَهُوَ مِنْ عَلَفِ الإِبل.

وَفِي حَدِيثِ أَبي عُبَيْدَةَ: «خَرَجَ فِي سَرِيَّةٍ إِلى أَرض جُهَينةَ فأَصابهم جُوعٌ فأَكلوا الخَبَطَ فسُمُّوا جيشَ الخَبَطِ».

والمِخْبَطةُ: القَضِيبُ والعَصا؛ قَالَ كثيِّر:

إِذا خَرَجَتْ مِنْ بيتِها حالَ دُونَها ***بِمِخْبطةٍ، يَا حُسْنَ مَنْ أَنت ضارِبُ

يَعْنِي زَوْجُهَا أَنه يخْبِطُها.

وَفِي الْحَدِيثِ: «فضَرَبَتْها ضَرَّتُها بمِخْبَط فأَسْقَطَتْ جَنِينًا»؛ المِخْبَطُ، بِالْكَسْرِ: الْعَصَا الَّتِي يُخبط بِهَا الشَّجَرُ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: «لَقَدْ رأَيْتُني بِهَذَا الْجَبَلِ أَحْتَطِبُ مَرَّةً وأَخْتَبِطُ أُخْرى» أَي أَضرب الشَّجَرَ لينتَثِرَ الورقُ مِنْهُ، وَهُوَ الخَبَطُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «سُئل هَلْ يَضُرُّ الغَبْطُ؟ قَالَ: لَا إِلَّا كَمَا يَضُرُّ العِضاهَ الخَبْطُ»؛ الغبْطُ: حسَدٌ خاصٌّ فأَراد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن الغَبْطَ لَا يَضُرُّ ضَررَ الحَسَدِ، وأَنّ مَا يَلْحَقُ الغابِطَ مِنَ الضَّررِ الرَّاجِعِ إِلى نُقصان الثَّوَابِ دونَ الإِحْباط بِقَدْرِ مَا يَلْحَقُ العِضاهَ مِنْ خَبْط ورَقِها الَّذِي هُوَ دُونَ قَطْعِها واسْتئصالها، ولأَنه يَعُودُ بَعْدَ الخبْط ورقُها، فَهُوَ وإِن كَانَ فِيهِ طرَفٌ مِنَ الحسَدِ فَهُوَ دُونَهُ فِي الإِثم.

والخَبَطُ: مَا انْتَفَضَ مِنْ وَرَقِهَا إِذا خُبِطتْ، وَقَدِ اخْتَبَطَ لَهُ خبَطًا.

والناقةُ تَخْتَبِطُ الشوكَ: تأْكله؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

حُوكَتْ عَلَى نِيْرَيْن، إِذ تُحاكُ، ***تَخْتَبِطُ الشَّوْكَ، وَلَا تُشاكُ

أَي لَا يُؤذِيها الشوكُ.

وحُوكَتْ عَلَى نِيْرَيْنِ أَي أَنها شَحِيمةٌ قويّةٌ مُكْتَنِزة، وخبَط الليلَ يَخْبِطُه خَبْطًا: سَارَ فِيهِ عَلَى غَيْرِ هُدًى؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

سَرَتْ تخْبِطُ الظَّلْماء مِنْ جانِبيْ قَسَا، ***وحُبَّ بِهَا مِنْ خابِطِ الليلِ زَائِرِ

وَقَوْلُهُمْ مَا أَدري أَي خابِطِ الليلِ هُوَ أَو أَيُّ خابِطِ ليلٍ هُوَ أَي أَيُّ النَّاسِ هُوَ.

وَقِيلَ: الْخَبْطُ كلُّ سْيرٍ عَلَى غَيْرِ هُدًى.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: «خَبّاطُ عَشواتٍ» أَي يَخْبِطُ فِي الظَّلَامِ، وَهُوَ الَّذِي يَمْشِي فِي اللَّيْلِ بِلَا مِصْباح فَيَتَحَيَّرُ ويَضلّ، فَرُبَّمَا تَردّى فِي بِئْرٍ، فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ يَخْبِط فِي عَمْياء إِذا رَكِبَ أَمرًا بجَهالة.

والخُباطُ، بِالضَّمِّ: دَاءٌ كالجُنون وَلَيْسَ بِهِ.

وخبَطَه الشيطانُ وتَخَبَّطَه: مسَّه بأَذًى وأَفسَدَه.

وَيُقَالُ: بِفُلَانٍ خَبْطةٌ مِنْ مَسٍّ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ}؛ أَي يتوَطَّؤُه فيصْرَعُه، والمَسُّ الجُنون.

وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ: «وأَعوذ بِكَ أَن يَتَخبَّطَني الشيطانُ»أَي يَصْرَعَني ويَلْعَبَ بِي.

والخَبْطُ بِالْيَدَيْنِ: كالرَّمْح بالرّجْلَيْنِ.

وخُباطةُ مُعَرَّفَةً: الأَحْمَقُ كَمَا قَالُوا لِلْبَحْرِ خُضارةَ.

وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ: أَنه مَرَّ بِرَجُلٍ نَائِمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فدفَعَه بِرِجْلِهِ فَقَالَ: لَقَدْ عُوفِيتَ، لَقَدْ دُفع عَنْكَ، إِنها ساعةُ مَخْرَجِهم وَفِيهَا يَنْتَشِرُون، فَفِيهَا تَكُونُ الخَبْتةُ؛ قَالَ شَمِرٌ: كَانَ مَكْحُولٌ فِي لِسَانِهِ لُكْنةٌ وإِنما أَراد الخَبْطةَ مِنْ تَخَبَّطَه الشيطانُ إِذا مَسَّه بخَبْلٍ أَو جنُونٍ، وأَصل الخَبْطِ ضرْبُ البعير الشيءَ بخُفِّ يَدِهِ.

أَبو زَيْدٍ: خَبَطْتُ الرجلَ أَخْبِطُه خَبْطًا إِذا وصلْته.

ابْنُ بُزُرْجَ: قَالُوا عَلَيْهِ خَبْطةٌ جَمِيلةٌ أَي مَسْحةٌ جميلةٌ فِي هَيْئَتِهِ وسَحْنَتِه.

والخَبْطُ: طَلَبُ الْمَعْرُوفِ، خَبَطَه يَخْبِطُه خبْطًا واخْتَبَطَه.

والمُخْتَبِطُ: الَّذِي يَسْأَلُك بِلَا وسِيلة وَلَا قَرابةٍ وَلَا مَعْرِفَةٍ.

وخَبَطَه بِخَيْرٍ: أَعطاه منغَيْرِ مَعْرِفَةٍ بَيْنَهُمَا؛ قَالَ عَلْقَمةُ بْنُ عَبْدةَ:

وَفِي كلِّ حَيٍّ قَدْ خَبَطْتَ بِنِعْمةٍ، ***فَحُقَّ لشَأْسٍ مِنْ نَداكَ ذَنُوبُ

وشَأْسٌ: اسْمُ أَخي عَلْقَمةَ، وَيُرْوَى: قَدْ خَبَطَّ أَراد خَبَطْتَ فَقَلَبَ التَّاءَ طَاءً وأَدغم الطَّاءَ الأُولى فِيهَا، وَلَوْ قَالَ خَبَتَّ يُرِيدُ خَبَطْتَ لَكَانَ أَقْيَسَ اللُّغَتَيْنِ، لأَن هَذِهِ التَّاءَ لَيْسَتْ مُتَّصِلَةً بِمَا قَبْلَهَا اتِّصَالَ تَاءِ افْتَعَلْتَ بمثالِها الَّذِي هِيَ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ شَبَّهَ تَاءَ خبطْتَ بِتَاءِ افْتَعَلَ فقَلَبها طَاءً لِوُقُوعِ الطَّاءِ قَبْلَهَا كَقَوْلِهِ اطَّلَعَ واطَّرَدَ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا فحَصْطُ بِرِجْلِي كَمَا قَالُوا اصْطَبَرَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

ومُخْتَبِطٍ لَمْ يَلْقَ مِنْ دُونِنا كُفًى، ***وذاتِ رَضِيعٍ لَمْ يُنِمْها رَضِيعُها

وَقَالَ لَبِيدٌ:

لِيَبْكِ عَلَى النعْمانِ شَرْبٌ وقَيْنةٌ، ***ومُحْتَبِطاتٌ كالسَّعالي أَرامِلُ

وَيُقَالُ: خبَطَه إِذا سأَلَه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ: " يَوْمًا وَلَا خابِطًا مِنْ مالِه وَرِقا "وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: خَبَطْتُ فُلَانًا أَخْبِطُه إِذا وصلْتَه؛ وأَنشد فِي تَرْجَمَةِ جَزَحَ:

وإِنِّي، إِذا ضَنَّ الرَّفُودُ برِفْدِه، ***لمُخْتَبِطٌ مِنْ تالِدِ المالِ جازِحُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ اخْتَبَطَني فُلَانٌ إِذا جاءَ يَطْلُبُ المَعْروفَ مِنْ غَيْرِ آصِرةٍ؛ وَمَعْنَى الْبَيْتِ إِنّي إِذا بَخِل الرَّفُود برفْده فإِني لَا أَبْخَلُ بَلْ أَكون مخْتَبِطًا لِمَنْ سأَلني وأُعْطِيه مِنْ تالِدِ مَالِي أَي الْقَدِيمِ.

أَبو مَالِكٍ: الاخْتِباطُ طلَبُ المعْروفِ وَالْكَسْبِ.

تَقُولُ: اخْتَبَطْت فُلَانًا واخْتَبَطْتُ مَعْرُوفَه فَاخْتَبَطَنِي بِخَيْرٍ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَامِرٍ: «قِيلَ لَهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَدْ كُنْتَ تَقْري الضيفَ وتُعْطِي المُخْتَبِطَ»؛ هُوَ طالِبُ الرِّفْدِ مِنْ غَيْرِ سَابِقِ مَعْرِفَةٍ وَلَا وَسِيلةٍ، شُبّه بِخابطِ الورَقِ أَو خابِطِ اللَّيْلِ.

والخِباطُ، بالكسرِ: سمةٌ تَكُونُ فِي الْفَخِذِ طويلةٌ عَرْضًا وَهِيَ لِبَنِي سَعْدٍ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ، حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هِيَ فَوْقَ الخَدّ، والجمعُ خُبُطٌ؛ قَالَ وَعْلةُ الجَرْمِيُّ:

أَمْ هَلْ صَبَحْتَ بَني الديّانِ مُوضِحةً، ***شَنْعاء باقِيةَ التَّلْحِيمِ والخُبُطِ؟

وخَبَطَه خَبْطًا: وسَمه بالخِباطِ؛ قَالَ ابْنُ الرُّمَّانِيِّ فِي تَفْسِيرِ الخِباط فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ: إِنه الوَسْمُ فِي الْوَجْهِ، والعِلاطُ والعِراضُ فِي العُنُق، قَالَ: والعِراضُ يَكُونُ عَرْضًا والعِلاطُ يَكُونُ طُولًا.

وخبَطَ الرجلُ خبْطًا: طَرَحَ نفسَه حَيْثُ كَانَ وَنَامَ؛ قَالَ دبّاق الدُّبَيْرِيُّ:

قَوْداء تَهْدي قُلُصًا مَمارِطَا، ***يَشْدَخْن باللّيلِ الشُّجاعَ الخابِطا

المَمارِطُ: السِّراعُ، وَاحِدَتُهَا مِمْرَطةٌ.

أَبو عُبَيْدٍ: خبَطَ مِثْلَ هَبَغَ إِذا نامَ.

والخَبْطةُ: كالزَّكْمةِ تأْخذ قَبْلَ الشِّتَاءِ، وَقَدْ خُبط، فَهُوَ مَخْبُوطٌ.

والخِبْطةُ: القِطْعةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

والخِبْطُ والخِبْطةُ والخِبِيطُ: الْمَاءُ القليلُ يَبْقَى فِي الحوْضِ؛ قَالَ:

إِنْ تَسْلَمِ الدَّفْواءُ والضَّروطُ، ***يُصْبِحْ لَهَا فِي حَوْضِها خَبِيطُ

والدَّفْواءُ والضَّرُوطُ: ناقَتانِ.

والخِبْطة، بِالْكَسْرِ: اللبَنُ الْقَلِيلُ يَبْقَى فِي السِّقَاءِ، وَلَا فِعْلَ لَهُ.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الخِبْطةُ الجَرْعةُ مِنَ الْمَاءِ تَبْقَى فِي قِرْبةٍ أَو مَزادة أَو حَوْضٍ، وَلَا فِعْلَ لَهَا؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هِيَ الخِبْطةُ والخَبْطةُ والحِقْلةُ والحَقْلَةُ والفَرْسَة والفَراسة والسُّحْبةُ والسُّحابةُ، كُلُّهُ: بَقِيَّةُ الْمَاءِ فِي الْغَدِيرِ.

والحَوْضُ الصَّغِيرُ يُقَالُ لَهُ: الخَبِيطُ.

ابْنُ السِّكِّيتِ: الخِبْطُ والرَّفَضُ نَحْوٌ مَنِ النِّصْفِ وَيُقَالُ لَهُ الخَبِيطُ، وَكَذَلِكَ الصَّلْصلةُ.

وَفِي الإِناء خِبْطٌ: وَهُوَ نَحْوُ النِّصْفِ، وَيُقَالُ خَبِيطٌ؛ وأَنشد: " يُصْبِحْ لَهَا فِي حَوْضِها خَبِيطُ "وَيُقَالُ خَبِيطةٌ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

هَلْ رامَني أَحَدٌ يُرِيدُ خَبِيطتي، ***أَمْ هَلْ تَعَذَّر ساحَتي ومَكاني؟

والخِبْطةُ: مَا بَقِيَ فِي الوِعاء مِنْ طَعَامٍ أَو غَيْرُهُ.

قَالَ أَبو زَيْدٍ: الخِبْطُ مِنَ الْمَاءِ الرَّفْضُ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الثُّلُثِ إِلى النِّصْفِ مِنَ السِّقَاءِ وَالْحَوْضِ وَالْغَدِيرِ والإِناء.

قَالَ: وَفِي القِربة خِبْطةٌ مِنْ مَاءٍ وَهُوَ مِثْلُ الجرْعة وَنَحْوِهَا.

وَيُقَالُ: كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ خِبْطةٍ مِنَ اللَّيْلِ أَي بَعْدَ صدْرٍ مِنْهُ.

والخِبْطةُ: القِطْعة مِنَ الْبُيُوتِ وَالنَّاسِ، تَقُولُ مِنْهُ: أَتَوْنا خِبْطة خِبْطة أَي قِطْعة قِطْعَةً، وَالْجَمْعُ خِبَطٌ؛ قَالَ:

افْزَعْ لِجُوفٍ قَدْ أَتتك خِبَطا، ***مِثل الظَّلام وَالنَّهَارِ اخْتَلَطا

قَالَ أَبو الرَّبِيعِ الْكِلَابِيُّ: كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ خِبْطةٍ مِنَ اللَّيْلِ وحِذْفةٍ وَخِدْمَةٍ أَي قِطْعة.

والخَبِيطُ: لَبَنٌ رَائِبٌ أَو مَخِيضٌ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْحَلِيبُ مِنَ اللَّبَنِ ثُمَّ يُضْرَبُ حَتَّى يَخْتَلِطَ؛ وأَنشد: " أَو قُبْضة مِنْ حازِرٍ خَبِيط "والخِباطُ: الضِّرابُ؛ عَنْ كُرَاعٍ.

والخَبْطةُ: ضَرْبَةُ الفحلِ الناقةَ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ جَمَلًا:

خَرُوجٌ مِنَ الخَرْقِ البعيدِ نِياطُه، ***وَفِي الشَّوْلِ يُرْضَى خَبْطةَ الطَّرْقِ ناجِلُهْ

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


19-لسان العرب (أين)

أين: آنَ الشيءُ أَينًا: حانَ، لُغَةٌ فِي أَنى، وَلَيْسَ بِمَقْلُوبٍ عَنْهُ لِوُجُودِ المصدر؛ وقال:

أَلَمَّا يَئِنْ لِي أَنْ تُجَلَّى عمايَتي، ***وأُقْصِرَ عَنْ ليْلى؟ بَلى قَدْ أَنى لِيا

فجاء باللغتين جميعًا.

وقالوا: آنَ أَيْنُك وإينُك وَآنَ آنُك أَي حانَ حينُك، وآنَ لَكَ أَن تَفْعَلَ كَذَا يَئينُ أَيْنًا؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ، أَي حانَ، مِثْلَ أَنى لَكَ، قَالَ: وَهُوَ مقلوبٌ مِنْهُ.

وَقَالُوا: الْآنَ فَجَعَلُوهُ اسْمًا لِزَمَانِ الْحَالِ، ثُمَّ وَصَفُوا للتوسُّع فَقَالُوا: أَنا الآنَ أَفعل كَذَا وَكَذَا، والأَلف وَاللَّامَ فِيهِ زَائِدَةٌ لأَنَّ الاسمَ مَعْرِفَةٌ بِغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرِفَةٌ بِلَامٍ أُخرى مقدَّرة غَيْرِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ.

ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ ابْنُ جِنِّي قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ}؛ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَن اللَّامَ فِي الْآنَ زَائِدَةٌ أَنها لَا تَخْلُو مِنْ أَن تكونَ لِلتَّعْرِيفِ كَمَا يظنُّ مخالفُنا، أَو تَكُونَ زَائِدَةٌ لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ كَمَا نَقُولُ نَحْنُ، فَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنها لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ أَنَّا اعْتَبَرْنَا جميعَ مَا لامُه لِلتَّعْرِيفِ، فَإِذَا إسقاطُ لامِه جَائِزٌ فِيهِ، وَذَلِكَ نَحْوَ رَجُلٍ وَالرَّجُلِ وَغُلَامٍ وَالْغُلَامِ، وَلَمْ يَقُولُوا افْعَلْه آنَ كَمَا قَالُوا افعَلْه الآنَ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَن اللامَ فِيهِ لَيْسَتْ لِلتَّعْرِيفِ بَلْ هِيَ زَائِدَةٌ كَمَا يُزاد غيرُها مِنَ الْحُرُوفِ، قَالَ: فَإِذَا ثَبتَ أَنها زائدةٌ فَقَدْ وَجَبَ النظرُ فِيمَا يُعَرَّف بِهِ الْآنَ فَلَنْ يَخْلُوَ مِنْ أَحد وُجُوهِ التَّعْرِيفِ الْخَمْسَةِ: إِمَّا لأَنه مِنَ الأَسماء المُضْمَرة أَو مِنَ الأَسماء الأَعلام، أَو مِنَ الأَسماء المُبْهَمة، أَو مِنَ الأَسماء الْمُضَافَةِ، أَوْ مِنَ الأَسماء المُعَرَّفة بِاللَّامِ، فمُحالٌ أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء الْمُضْمَرَةِ لأَنها مَعْرُوفَةٌ مَحْدُودَةٌ وَلَيْسَتِ الْآنَ كَذَلِكَ، ومُحالٌ أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء الأَعْلام لأَن تِلْكَ تخُصُّ الْوَاحِدَ بعَيْنه، وَالْآنَ تقعَ عَلَى كلِّ وقتٍ حَاضِرٍ لَا يَخُصُّ بعضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحدٌ إِنَّ الْآنَ مِنَ الأَسماء الأَعلام، ومُحالٌ أَيضًا أَنْ تَكُونَ مِنْ أَسماء الإِشارة لأَن جَمِيعَ أَسماء الإِشارة لَا تَجِدُ فِي واحدٍ مِنْهَا لامَ التَّعْرِيفِ، وَذَلِكَ نَحْوَ هَذَا وَهَذِهِ وَذَلِكَ وَتِلْكَ وَهَؤُلَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وذهب أَبو إسحق إِلَى أَن الْآنَ إِنَّمَا تَعَرُّفه بالإِشارة، وأَنه إِنَّمَا بُنِيَ لِمَا كَانَتِ الأَلف واللام فيه لغير عهد مُتَقَدِّمٍ، إِنَّمَا تقولُ الْآنَ كَذَا وَكَذَا لِمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَكَ مَعَهُ ذِكْر الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، فأَما فَسَادُ كَوْنِهِ مِنْ أَسماء الإِشارة فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكرُه، وأَما مَا اعْتَلَّ بِهِ مِنْ أَنه إِنَّمَا بُنيَ لأَن الأَلف واللام فيه لغير عهدٍ متقَدِّمٍ ففاسدٌ أَيضًا، لأَنا قَدْ نَجِدُ الأَلف وَاللَّامَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَسماء عَلَى غَيْرِ تقدُّم عهْد، وَتِلْكَ الأَسماء مَعَ كَوْنِ اللَّامِ فِيهَا مَعارف، وَذَلِكَ قَوْلُكَ يَا أَيها الرجلُ، ونظَرْتُ إِلَى هَذَا الْغُلَامِ، قَالَ: فَقَدْ بطلَ بِمَا ذكَرْنا أَن يَكُونَ الآنَ مِنَ الأَسماء الْمُشَارِ بِهَا، ومحالٌ أَيضًا أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء المتعَرِّفة بالإِضافة لأَننا لَا نُشَاهِدُ بَعْدَهُ اسْمًا هُوَ مُضَافٌ إِلَيْهِ، فَإِذَا بَطَلَت واسْتَحالت الأَوجه الأَربعة المقَدَّم ذكرُها لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَن يَكُونَ معرَّفًا بِاللَّامِ نَحْوَ الرَّجُلِ وَالْغُلَامِ، وَقَدْ دَلَّتِ الدلالةُ عَلَى أَن الْآنَ لَيْسَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي فِيهِ، لأَنه لَوْ كَانَ مَعرَّفًا بِهَا لجازَ سُقوطُها مِنْهُ، فلزومُ هَذِهِ اللَّامِ لِلْآنَ دليلٌ عَلَى أَنها لَيْسَتْ لِلتَّعْرِيفِ، وَإِذَا كَانَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ لَا محالَةَ، واستَحال أَن تكونَ اللَّامُ فِيهِ هِيَ الَّتِي عَرَّفَتْه، وَجَبَ أَن يَكُونَ مُعَرَّفًا بِلَامٍ أُخرى غَيْرِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي فِيهِ بِمَنْزِلَةِ أَمْسِ فِي أَنه تَعَرَّف بِلَامٍ مُرَادَّةٍ، وَالْقَوْلُ فِيهِمَا واحدٌ، وَلِذَلِكَ بُنِيَا لتضمُّنهما مَعْنَى حَرْفِ التَّعْرِيفِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَهَذَا رأْيُ أَبي عَلِيٍّ وَعَنْهُ أَخَذْتُه، وَهُوَ الصوابُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا الْآنَ آنُكَ، كَذَا قرأْناه فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ بِنَصْبِ الآنَ ورفعِ آنُك، وَكَذَا الآنَ حدُّ الزمانَيْن، هَكَذَا قرأْناه أَيضًا بِالنَّصْبِ، وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: اللَّامُ فِي قَوْلِهِمُ الآنَ حَدُّ الزَّمَانَيْنِ بِمَنْزِلَتِهَا فِي قَوْلِكَ الرجلُ أَفضلُ مِنَ المرأَةأَي هَذَا الجنسُ أَفضلُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، فَكَذَلِكَ الْآنَ، إِذَا رَفَعَه جَعَلَه جنسَ هَذَا المُسْتَعْمَلِ فِي قَوْلِهِمْ كنتُ الْآنَ عِنْدَهُ، فَهَذَا مَعْنَى كُنتُ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْحَاضِرِ بعْضُه، وَقَدْ تَصَرَّمَتْ أَجزاءٌ مِنْهُ عِنْدَهُ، وبُنيت الْآنَ لتَضَمُّنها مَعْنَى الْحَرْفِ.

وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: أَتَيْتُه آئِنَةً بَعْدَ آئِنَةٍ بِمَعْنَى آوِنةٍ.

الْجَوْهَرِيُّ: الْآنَ اسمٌ لِلْوَقْتِ الَّذِي أَنت فِيهِ، وَهُوَ ظَرْف غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ، وَقَع مَعْرِفةً وَلِمَ تدخُل عَلَيْهِ الأَلفُ واللامُ لِلتَّعْرِيفِ، لأَنَّه لَيْس لَهُ مَا يَشْرَكُه، وربَّما فَتَحوا اللامَ وحَذَفوا الهمْزَتَيْنِ؛ وأَنشد الأَخفش:

وَقَدْ كُنْتَ تُخْفِي حُبَّ سَمْراءَ حِقْبَةً، ***فَبُحْ، لانَ منْها، بِالَّذِي أَنتَ بائِحُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قولُه حَذَفوا الهمزَتَين يَعْنِي الهمزةَ الَّتِي بَعْد اللامِ نَقَلَ حَرَكَتَهَا عَلَى اللامِ وحَذَفها، ولمَّا تَحَرَّكَت اللامُ سَقَطَتْ همزةُ الوَصْلِ الداخلةُ على اللام؛ وقال جَرِيرٌ:

أَلانَ وَقَدْ نَزَعْت إِلَى نُمَيْرٍ، ***فَهَذَا حينَ صِرْت لَهُمْ عَذابا

قَالَ: ومثْلُ البيتِ الأَوَّل قولُ الآخَر:

أَلا يَا هِنْدُ، هِنْدَ بَني عُمَيْرٍ، ***أَرَثٌّ، لانَ، وَصْلُكِ أَم حَديدُ؟

وَقَالَ أَبو المِنْهالِ:

حَدَبْدَبَى بَدَبْدَبَى منْكُمْ، لانْ، ***إنَّ بَني فَزارَةَ بنِ ذُبيانْ

قَدْ طرقَتْ ناقَتُهُمْ بإنْسانْ ***مُشَنَّإٍ، سُبْحان رَبِّي الرحمنْ

أَنا أَبو المِنْهالِ بَعْضَ الأَحْيانْ، ***لَيْسَ عليَّ حَسَبي بِضُؤْلانْ

التَّهْذِيبُ: الْفَرَّاءُ الْآنَ حرفٌ بُنِيَ عَلَى الأَلف وَاللَّامِ وَلَمْ يُخْلَعا مِنْهُ، وتُرِك عَلَى مَذْهَب الصفةِ لأَنَّه صفةٌ فِي الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ كَمَا رأَيتهم فَعَلوا بِالَّذِي وَالَّذِينَ، فَتَرَكوهما عَلَى مَذْهَبِ الأَداةِ والأَلفُ واللامُ لَهُمَا غَيْرُ مفارِقَةٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

فإِن الأُلاء يَعْلَمُونَكَ مِنْهُمْ، ***كَعِلْمِ مَظْنُولٍ مَا دُمْتَ أَشعرا

فأَدْخلَ الأَلف وَاللَّامَ عَلَى أُولاء، ثُمَّ تَرَكَها مَخْفُوضَةً فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ أَن تدخُلَها الأَلف وَاللَّامُ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:

وإنِّي حُبِسْتُ اليومَ والأَمْسِ قَبْلَه ***بِبابِكَ، حَتَّى كادَتِ الشمسُ تَغْربُ

فأَدخَلَ الأَلفَ وَاللَّامَ عَلَى أَمْسِ ثُمَّ تَرَكَهُ مَخْفُوضًا عَلَى جِهَةِ الأُلاء؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: " وجُنَّ الخازِبازِ بِهِ جُنونًا "فمثلُ الْآنَ بأَنها كَانَتْ مَنْصُوبَةً قَبْلَ أَن تُدْخِلَ عَلَيْهَا الأَلفَ وَاللَّامَ، ثُمَّ أَدْخَلْتَهما فَلَمْ يُغَيِّراها، قَالَ: وأَصلُ الْآنَ إِنَّمَا كَانَ أَوَان، فحُذِفَت مِنْهَا الأَلف وغُيِّرت واوُها إِلَى الأَلف كَمَا قَالُوا فِي الرَّاحِ الرَّياح؛ قَالَ أَنشد أَبو القَمْقام:

كأَنَّ مكاكِيَّ الجِواءِ غُدَيَّةً، ***نَشاوَى تَساقَوْا بالرَّياحِ المُفَلْفَلِ

فَجَعَلَ الرَّياحَ والأَوانَ مرَّة عَلَى جِهَةٍ فَعَلٍ، وَمَرَّةً عَلَى جِهَةِ فَعالٍ، كَمَا قَالُوا زَمَن وزَمان، قَالُوا: وَإِنْ شِئْتَ جعلتَ الْآنَ أَصلها مِنْ قولِه آنَ لَكَ أَن تفعلَ، أَدخَلْتَ عَلَيْهَا الأَلفَ وَاللَّامَ ثُمَّ تركتَها عَلَى مَذْهَبِ فَعَلَ، فأَتاها النصبُ مِنْ نَصْبِ فعَل، وهو وجهٌ جَيِّدٌ كَمَا قَالُوا: نَهى رسولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ قِيلَ وقالَ "، فَكَانَتَا كَالِاسْمَيْنِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَلَوْ خَفَضْتَهما عَلَى أَنهما أُخْرِجتا مِنْ نِيَّةِ الْفِعْلِ إِلَى نِيَّةِ الأَسماء كَانَ صَوَابًا؛ قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ الْعَرَبَ يَقُولُونَ: مِنْ شُبَّ إِلَى دُبَّ، وبعضٌ: مِنْ شُبٍّ إِلَى دُبٍّ، وَمَعْنَاهُ فعَل مُذْ كَانَ صَغِيرًا إِلَى أَن دَبّ كَبِيرًا.

وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْآنَ مبنيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، تَقُولُ نحنُ مِنَ الآنَ نَصِيرُ إِلَيْكَ، فَتُفْتَحُ الآنَ لأَنَّ الأَلفَ وَاللَّامَ إِنَّمَا يدخُلانِ لعَهْدٍ، والآنَ لَمْ تعْهَدْه قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ، فَدَخَلَتِ الأَلف وَاللَّامُ للإِشارة إِلَى الْوَقْتِ، وَالْمَعْنَى نحنُ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ نفعلُ؛ فَلَمَّا تضمَّنَت مَعْنًى هَذَا وجَب أَن تَكُونَ مَوْقُوفَةً، ففُتِحَت لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَهُمَا الأَلف وَالنُّونُ.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَنكر الزجاجُ مَا قَالَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الآنَ إِنَّمَا كَانَ فِي الأَصل آنَ، وأَن الأَلف وَاللَّامَ دَخَلَتَا عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ وَقَالَ: مَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ نَحْوَ قَوْلِكَ قَامَ، إِذَا سَمَّيْتَ بِهِ شَيْئًا، فجعلتَه مَبْنِيًّا عَلَى الْفَتْحِ لَمْ تدخُلْه الأَلفُ وَاللَّامُ، وَذَكَرَ قولَ الْخَلِيلِ: الآنَ مبنيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ}؛ فِيهِ ثلاثُ لُغاتٍ: قالُوا الْآنَ"، بِالْهَمْزِ وَاللَّامُ سَاكِنَةٌ، وَقَالُوا أَلانَ، مُتَحَرِّكَةُ اللَّامِ بِغَيْرِ هَمْزٍ وتُفْصَل، قَالُوا مِنْ لانَ، وَلُغَةٌ ثَالِثَةٌ قَالُوا لانَ جئتَ بِالْحَقِّ "، قَالَ: والآنَ منصوبةُ النُّونِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا حرفٌ خافضٌ كَقَوْلِكَ مِنَ الآنَ، وَذَكَرَ ابْنُ الأَنباري الْآنَ فَقَالَ: وانتصابُ الْآنَ بِالْمُضْمَرِ، وعلامةُ النَّصْبِ فِيهِ فتحُ النُّونِ، وأَصلُه الأَوانُ فأُسقِطَت الأَلف الَّتِي بَعُدَ الْوَاوِ وجُعِلَت الواوُ أَلفًا لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، قَالَ: وَقِيلَ أَصله آنَ لَكَ أَن تفعلَ، فسُمِّي الوقتُ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي وتُرِك آخرُه عَلَى الْفَتْحِ، قَالَ: وَيُقَالُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنا لَا أُكلِّمُك مِنَ الآنَ يَا هَذَا، وَعَلَى الْجَوَابِ الأَول مِنَ الآنِ؛ وأَنشد ابْنُ صَخْرٍ:

كأَنهما ملآنِ لَمْ يَتَغَيَّرا، ***وَقَدْ مَرَّ للدارَين مِن بعدِنا عَصْرُ

وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: هَذَا أَوانُ الآنَ تَعْلم، وَمَا جئتُ إلَّا أَوانَ الآنَ أَي مَا جِئْتُ إِلَّا الْآنَ، بِنَصْبِ الْآنَ فِيهِمَا.

وسأَل رجلٌ ابنَ عُمَرَ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: أَنشُدك اللهَ هَلْ تعْلم أَنه فرَّ يَوْمَ أُحُد وَغَابَ عَنْ بدرٍ وَعَنْ بَيْعةِ الرِّضْوَانِ؟ فَقَالَ ابنُ عُمَرَ: أَما فِرارُه يَوْمَ أُحُد فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ؛ وأَما غَيْبَتُه عَنْ بدرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَهُ بنتُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ مَرِيضَةً وَذَكَرَ عُذْرَه فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: اذهبْ بِهَذِهِ تَلآنَ مَعَك؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الأُمَويّ قَوْلُهُ تَلآنَ يُرِيدُ الْآنَ، وَهِيَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ، يَزِيدُونَ التاءَ فِي الْآنِ وَفِي حينٍ وَيَحْذِفُونَ الْهَمْزَةَ الأُولى، يُقَالُ: تَلآن وتَحين؛ قَالَ أَبو وَجْزَةَ:

العاطِفون تحينَ مَا مِنْ عاطِفٍ، ***والمُطْعِمونَ زمانَ مَا مِنْ مُطْعِم

وَقَالَ آخَرُ: وصَلَّيْنا كَمَا زَعَمَت تَلانا.

قَالَ: وَكَانَ الْكِسَائِيُّ والأَحمر وغيرُهما يَذْهَبُونَ إِلَى أَن الرِّوَايَةَ العاطفونَة فَيَقُولُ: جَعَلَ الْهَاءَ صِلَةً وَهُوَ وَسَطُ الْكَلَامِ، وَهَذَا لَيْسَ يُوجد إِلَّا عَلَى السَّكْتِ، قَالَ: فحَدَّثتُ بِهِ الأُمَويَّ فأَنكره، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهُوَ عِنْدِي عَلَى مَا قَالَ الأُمَويُّ وَلَا حُجَّةَ لِمَنِ احْتَجَّ بالكتاب فِي قَوْلِهِ: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ، لأَن التَّاءَ منفصلةٌ مِنْ حِينٍ لأَنهم كَتَبُوا مِثْلَهَا مُنْفَصِلًا أَيضًا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَن يُفْصَل كقوله: يَا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ، واللامُ مُنْفَصِلَةٌ مِنْ هَذَا.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالنَّحْوِيُّونَ عَلَى أَن التَّاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلاتَ حِينَ فِي الأَصل هاءٌ، وَإِنَّمَا هِيَ وَلاهْ فَصَارَتْ تَاءً للمرورِ عَلَيْهَا كالتاءَاتِ المؤَنثة، وأَقاوِيلُهم مَذْكُورَةٌ فِي تَرْجَمَةٍ لَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ.

قَالَ أَبو زَيْدٍ: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ مَرَرْتُ بزيدِ اللَّانَ، ثقَّلَ اللامَ وَكَسَرَ الدَّالَّ وأَدْغم التَّنْوِينَ فِي اللَّامِ.

وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبي ذَرٍّ: « أَما آنَ لِلرَّجُلِ أَن يَعْرف مَنزِله »أَي أَما حانَ وقرُبَ، تَقُولُ مِنْهُ: آنَ يَئينُ أَيْنًا، وَهُوَ مِثْلُ أَنَى يَأْني أَنًا، مقلوبٌ مِنْهُ.

وآنَ أَيْنًا: أَعيا.

أَبو زَيْدٍ: الأَيْنُ الإِعْياء وَالتَّعَبُ.

قَالَ أَبو زَيْدٍ: لَا يُبْنى مِنْهُ فِعْلٌ وَقَدْ خُولِفَ فِيهِ، وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: لَا فِعْل لِلأَين الَّذِي هُوَ الإِعياء.

ابْنُ الأَعرابي: آنَ يَئِينُ أَيْنًا مِنَ الإِعياء؛ وأَنشد: " إنَّا ورَبِّ القُلُص الضَّوامِرِ "إِنَّا أَي أَعْيَينا.

اللَّيْثُ: وَلَا يشتَقُّ مِنْهُ فِعْل إلَّا فِي الشِّعْر؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ: " فِيهَا عَلَى الأَيْنِ إِرْقالٌ وتَبْغيلُ "الأَيْنُ: الإِعياء وَالتَّعَبُ.

ابْنُ السِّكِّيتِ: الأَيْنُ والأَيْمُ الذَّكَر مِنَ الْحَيَّاتِ، وَقِيلَ: الأَينُ الحيَّةُ مِثْلَ الأَيمِ، نُونُهُ بدلٌ مِنَ اللَّامِ.

قَالَ أَبو خَيْرَةَ: الأُيونُ والأُيومُ جَمَاعَةٌ.

قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: والأَينُ والأَيم أَيضًا الرَّجُلُ والحِمل.

وأَيْنَ: سُؤَالٌ عَنْ مكانٍ، وَهِيَ مُغْنية عَنِ الْكَلَامِ الْكَثِيرِ وَالتَّطْوِيلِ، وَذَلِكَ أَنك إِذَا قُلْتَ أَيْنَ بَيْتُك أَغناك ذَلِكَ عَنْ ذِكْر الأَماكن كُلِّهَا، وَهُوَ اسمٌ لأَنك تَقُولُ مِنْ أَينَ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ مُؤَنثة وَإِنْ شِئْتَ ذكَّرْت، وَكَذَلِكَ كلُّ مَا جَعَلَهُ الكتابُ اسْمًا مِنَ الأَدوات والصِّفات، التأْنيثُ فِيهِ أَعْرَفُ والتذكيرُ جائز؛ فأَما قَوْلُ حُمَيد بْنِ ثَوْرٍ الْهِلَالِيِّ:

وأَسماء، مَا أَسماءُ لَيْلَةَ أَدْلَجَتْ ***إِلَيَّ، وأَصحابي بأَيْنَ وأَيْنَما

فَإِنَّهُ جَعَلَ أَينَ عَلَمًا للبُقْعة مُجَرَّدًا مِنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، فمنَعَها الصَّرْفَ لِلتَّعْرِيفِ والتأْنيث كأُنَى، فتكونُ الفتحةُ فِي آخِرِ أَين عَلَى هَذَا فتحةَ الجرِّ وَإِعْرَابًا مِثْلَهَا فِي مررْتُ بأَحْمَدَ، وَتَكُونُ مَا عَلَى هَذَا زَائِدَةً وأَينَ وَحْدَهَا هِيَ الِاسْمُ، فَهَذَا وجهٌ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ ركَّب أَينَ مَعَ مَا، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ فَتَحَ الأُولى مِنْهَا كَفَتْحَةِ الْيَاءِ مِنْ حَيَّهَلْ لَمَّا ضُمَّ حَيَّ إِلَى هَلْ، والفتحةُ فِي النُّونِ عَلَى هَذَا حادثةٌ لِلتَّرْكِيبِ وَلَيْسَتْ بِالَّتِي كَانَتْ فِي أَيْنَ، وَهِيَ اسْتِفْهَامٌ، لأَن حَرَكَةَ التَّرْكِيبِ خَلَفَتْها ونابَتْ عَنْهَا، وَإِذَا كَانَتْ فتحةُ التَّرْكِيبِ تؤَثر فِي حَرَكَةِ الإِعراب فتزيلُها إِلَيْهَا نَحْوَ قَوْلِكَ هَذِهِ خمسةٌ، فتُعْرِب ثُمَّ تَقُولُ هَذِهِ خمْسةَ عشَر فتخلُف فتحةُ التَّرْكِيبِ ضمةَ الإِعراب عَلَى قُوَّةِ حَرَكَةِ الإِعراب، كَانَ إبدالُ حَرَكَةِ الْبِنَاءِ مِنْ حَرَكَةِ الْبِنَاءِ أَحرى بِالْجَوَازِ وأَقرَبَ فِي الْقِيَاسِ.

الْجَوْهَرِيُّ: إِذَا قلتَ أَين زَيْدٌ فَإِنَّمَا تسأَلُ عَنْ مَكَانِهِ.

اللَّيْثُ: الأَينُ وقتٌ مِنَ الأَمْكِنة.

تَقُولُ: أَينَ فلانٌ فَيَكُونُ مُنْتَصِبًا فِي الْحَالَاتِ كُلِّهَا مَا لَمْ تَدْخُلْه الأَلف وَاللَّامُ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَينَ وَكَيْفَ حَرْفَانِ يُسْتَفْهَم بِهِمَا، وَكَانَ حقُّهما أَن يَكُونَا مَوْقوفَين، فحُرِّكا لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ ونُصِبا وَلَمْ يُخْفَضا مِنْ أَجل الْيَاءِ، لأَن الْكَسْرَةَ مَعَ الْيَاءِ تَثْقُل والفتحةُ أَخفُّ.

وقال الأَخفش فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى}، فِي حِرَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَينَ أَتى "، قَالَ: وَتَقُولُ العرب جئتُك مِنْ أَينَ لَا تَعْلَم؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: أَما مَا حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ جئتُك مِنْ أَين لَا تعْلم فَإِنَّمَا هُوَ جَوَابُ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ فَاسْتَفْهَمَ، كَمَا يَقُولُ قَائِلٌ أَينَ الماءُ والعُشْب.

وَفِي حَدِيثِ خُطْبَةِ الْعِيدِ: « قَالَ أَبو سَعِيدٍ وَقَلْتُ أَيْنَ الابتداءُ بِالصَّلَاةِ» أَي أَينَ تذْهَب، ثُمَّ قَالَ: الابْتِداءُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَين الِابْتِدَاءُ بِالصَّلَاةِ أَي أَينَ يَذْهَبُ الإِبتداءُ بِالصَّلَاةِ، قَالَ: والأَول أَقوى.

وأَيّانَ: مَعْنَاهُ أَيُّ حينٍ، وَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ زمانٍ مِثْلَ مَتَى.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {أَيَّانَ مُرْساها}.

ابْنُ سِيدَهْ: أَيَّان بِمَعْنَى مَتى فَيَنْبَغِي أَن تَكُونَ شَرْطًا، قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَصحابنا فِي الظُّرُوفِ الْمَشْرُوطِ بِهَا نَحْوَ مَتى وأَينَ وأَيٌّ وحِينَ، هذا هُوَ الْوَجْهُ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَن يَكُونَ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ وَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا صَحِيحًا كإِذا فِي غَالِبِ الأَمر؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ يَهْجُو امرأَة شبَّه حِرَها بفُوق السَّهْمِ:

نفاثِيّة أَيّانَ مَا شاءَ أَهلُها، ***رَوِي فُوقُها فِي الحُصِّ لَمْ يَتَغَيّب

وَحَكَى الزَّجَّاجُ فِيهِ إيَّانَ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}؛ أَي لَا يَعْلَمُونَ مَتَى البَعْث؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: قرأَ أَبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمي إيّانَ يُبْعَثون، بِكَسْرِ الأَلف، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ، يَقُولُونَ مَتَى إوانُ ذَلِكَ، وَالْكَلَامُ أَوان.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَلَا يَجُوزُ أَن تقولَ أَيّانَ فَعَلْتَ هَذَا.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ}، لَا يَكُونُ إِلَّا اسْتِفْهَامًا عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يَجِئْ.

والأَيْنُ: شجرٌ حِجَازِيٌّ، وَاحِدَتُهُ أَينةٌ؛ قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:

تذَكَّرْتُ صَخْرًا، أَنْ تَغَنَّتْ حمامةٌ ***هَتُوفٌ عَلَى غُصنٍ مِنَ الأَيْنِ تَسْجَعُ

والأَواينُ: بَلَدٌ؛ قَالَ مَالِكُ بْنُ خَالِدٍ الهُذليّ:

هَيْهاتَ ناسٌ مِنْ أُناسٍ ديارُهم ***دُفاقٌ، ودارُ الآخَرينَ الأَوايِنُ

قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ وَاوًا.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


20-لسان العرب (أما)

أما: الأَمَةُ: المَمْلوكةُ خِلاف الحُرَّة.

وَفِي التَّهْذِيبِ: الأَمَة المرأَة ذَاتُ العُبُودة، وَقَدْ أَقَرَّت بالأُمُوَّة.

تَقُولُ الْعَرَبُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الإِنسان: رَماه اللَّهُ مِنْ كُلِّ أَمَةٍ بحَجَر؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراهُ.

مِنْ كُلِّ أَمْتٍ بحَجر، وَجَمْعُ الأَمَة أَمَوَاتٌ وإِمَاءٌ وآمٍ وإِمْوَانٌ وأُمْوَانٌ؛ كِلَاهُمَا عَلَى طَرْحِ الزَّائِدِ، وَنَظِيرُهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ أَخٌ وإِخْوانٌ: قَالَ الشَّاعِرُ:

أَنا ابنُ أَسْماءَ أَعْمامي لَهَا وأَبي، ***إِذا تَرامى بَنُو الإِمْوَانِ بِالْعَارِ

وَقَالَ القَتَّالُ الكِلابي:

أَما الإِمَاءُ فَلَا يَدْعُونَني وَلَدًا، ***إِذا تَرامى بَنُو الإِمْوَانِ بِالْعَارِ

وَيُرْوَى: بَنُو الأُمْوَانِ؛ رَوَاهُ اللِّحْيَانِيُّ؛ وقال" الشَّاعِرُ فِي آمٍ:

مَحَلَّةُ سَوْءٍ أَهْلَكَ الدَّهْرُ أَهْلَها، ***فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا غَيْرُ آمٍ خَوالِفِ

وقال السُّلَيْك:

يَا صاحِبَيَّ، أَلا لَا حَيَّ بِالْوَادِي ***إِلا عبيدٌ وآمٍ بَيْنَ أَذْواد

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْديكرب:

وكُنْتُمْ أَعْبُدًا أَوْلادَ غَيْلٍ، ***بَني آمٍ مَرَنَّ عَلَى السِّفاد

وقال آخَرُ:

تَرَكْتُ الطيرَ حاجِلَةً عَلَيْهِ، ***كَمَا تَرْدي إِلى العُرُشاتِ آمِ

وأَنشد الأَزهري لِلْكُمَيْتِ:

تَمْشِي بها رُبْدُ النَّعام ***تَماشِيَ الآمِ الزَّوافِر

قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الْآمِ جَمْعُ الأَمَة كالنَّخْلة والنَّخْل والبَقْلَة والبَقْل، قال: وأَصل الأَمَة أَمْوَة، حَذَفُوا لَامَهَا لَمَّا كَانَتْ مِنْ حُرُوفِ اللِّينِ، فَلَمَّا جَمَعُوهَا عَلَى مِثَالِ نَخْلَة ونَخْل لَزِمَهم أَن يَقُولُوا أَمَة وأَمٌ، فَكَرِهُوا أَن يَجْعَلُوهَا عَلَى حَرْفَيْنِ، وَكَرِهُوا أَن يَرُدُّوا الْوَاوَ الْمَحْذُوفَةَ لَمَّا كَانَتْ آخِرَ الِاسْمِ، يَسْتَثْقِلُونَ السُّكُوتَ عَلَى الْوَاوِ فَقَدَّمُوا الْوَاوَ فَجَعَلُوهَا أَلفًا فِيمَا بين الأَلف والميم.

وقال اللَّيْثُ: تَقُولُ ثَلَاثُ آمٍ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ أَفْعُل، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَمْ يَزد اللَّيْثُ عَلَى هَذَا، قَالَ: وأُراه ذَهَبَ إِلى أَنه كَانَ فِي الأَصل ثَلَاثٌ أَمْوُيٍ، قَالَ: وَالَّذِي حَكَاهُ لِيَ الْمُنْذِرِيُّ أَصح وأَقيس، لأَني لَمْ أَرَ فِي بَابِ الْقَلْبِ حَرْفَيْنِ حُوِّلا، وأُراه جُمِعَ عَلَى أَفْعُل، عَلَى أَن الأَلف الأُولى مِنْ آمٍ أَلف أَفْعُل، والأَلف الثَّانِيَةُ فَاءُ أَفعل، وَحَذَفُوا الْوَاوَ مِنْ آمُوٍ، فَانْكَسَرَتِ الْمِيمُ كَمَا يُقَالُ فِي جَمْعِ جِرْوٍ ثَلَاثَةُ أَجْرٍ، وَهُوَ فِي الأَصل ثَلَاثَةُ أَجْرُوٍ، فَلَمَّا حُذِفَتِ الْوَاوُ جُرَّت الرَّاءُ، قَالَ: وَالَّذِي قَالَهُ أَبو الْهَيْثَمِ قَوْلٌ حَسَنٌ، قَالَ: وقال الْمُبَرِّدُ أَصل أَمَة فَعَلة، مُتَحَرِّكَةَ الْعَيْنِ، قَالَ: وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الأَسماء عَلَى حَرْفَيْنِ إِلَّا وَقَدْ سَقَطَ مِنْهُ حَرْفٌ، يُسْتَدَل عَلَيْهِ بِجَمْعِهِ أَو بِتَثْنِيَتِهِ أَو بِفِعْلٍ إِنْ كَانَ مُشْتَقًّا مِنْهُ لأَن أَقلَّ الأُصول ثَلَاثَةُ أَحرف، فأَمَةٌ الذَّاهِبُ مِنْهُ وَاوٌ لِقَوْلِهِمْ أُمْوَانٌ.

قَالَ: وأَمَةٌ فَعَلة مُتَحَرِّكَةٌ يُقَالُ فِي جَمْعِهَا آمٍ، وَوَزْنُ هَذَا أَفْعُل كَمَا يُقَالُ أَكَمَة وآكُم، وَلَا يَكُونُ فَعْلة عَلَى أَفْعُل، ثُمَّ قَالُوا إِمْوَانٌ كَمَا قَالُوا إِخْوان.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَحَمَلَ سِيبَوَيْهِ أَمَة عَلَى أَنها فَعَلة لِقَوْلِهِمْ فِي تَكْسِيرِهَا آمٍ كَقَوْلِهِمْ أَكَمة وآكُم قَالَ ابْنُ جِنِّي: الْقَوْلُ فِيهِ عِنْدِي أَن حَرَكَةَ الْعَيْنِ قَدْ عاقَبَتْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تَاءَ التأْنيث، وَذَلِكَ فِي الأَدواء نَحْوَ رَمِثَ رَمَثًا وحَبِطَ حَبَطًا، فإِذا أَلحقوا التَّاءَ أَسكنوا الْعَيْنَ فَقَالُوا حَقِلَ حَقْلَةً ومَغِلَ مَغْلَةً، فَقَدْ تَرَى إِلى مُعاقبة حَرَكَةِ الْعَيْنِ تاءَ التأْنيث، وَمِنْ ثَمَّ قَوْلُهُمْ جَفْنَة وجَفَنات وقَصْعَة وقَصَعَات، لَمَّا حَذَفُوا التَّاءَ حَرَّكوا الْعَيْنَ، فَلَمَّا تَعَاقَبَتِ التاءُ وَحَرَكَةُ الْعَيْنِ جَرَتا فِي ذَلِكَ مَجْرى الضِّدين الْمُتَعَاقِبَيْنِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَا فِي فَعَلة تَرافَعا أَحكامَهما، فأَسقطت التاءُ حُكْمَ الْحَرَكَةِ وأَسقطت الحركةُ حكمَ التَّاءِ، وَآلَ الأَمر بِالْمِثَالِ إِلى أَن صارَ كأَنه فَعْلٌ، وفَعْلٌ بابٌ تَكْسِيرِهِ أَفْعُل.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَصل أَمَة أَمَوَة، بِالتَّحْرِيكِ، لأَنه يُجْمع عَلَى آمٍ، وَهُوَ أَفْعُل مِثْلُ أَيْنُق.

قَالَ: "وَلَا يُجْمَعُ فَعْلة بِالتَّسْكِينِ عَلَى ذَلِكَ.

التَّهْذِيبُ: قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ يُقَالُ جاءَتْني أَمَةُ اللَّهِ، فإِذا ثنَّيت قُلْتَ جاءَتني أَمَتَا اللَّهِ، وَفِي الْجَمْعِ عَلَى التَّكْسِيرِ جاءَني إِماءُ اللَّهِ وأُمْوَانُ اللَّهِ وأَمَوَاتُ اللَّهِ، وَيَجُوزُ أَمَاتُ اللَّهِ عَلَى النَّقْصِ.

وَيُقَالُ: هُنَّ آمٌ لِزَيْدٍ، ورأَيت آمِيًا لِزَيْدٍ، ومرَرْت بآمٍ لِزَيْدٍ، فإِذا كَثُرت فَهِيَ الإِمَاء والإِمْوَان والأُمْوَان.

وَيُقَالُ: اسْتَأْمِ أَمَةً غَيْرَ أَمَتِك، بِتَسْكِينِ الْهَمْزَةِ، أَي اتَّخِذ، وتَأَمَّيْتُ أَمةً.

ابْنُ سِيدَهْ: وتَأَمَّى أَمَةً اتَّخَذها، وأَمَّاها جعلَها أَمَة.

وأَمَتِ المرأَةُ وأَمِيَتْ وأَمُوَتْ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، أُمُوَّة: صَارَتْ أَمَةً.

وقال مُرَّة: مَا كَانَتْ أَمَةً وَلَقَدْ أَمُوَت أُمُوَّة.

وَمَا كُنْتِ أَمَةً وَلَقَدْ تَأَمَّيْتِ وأَمِيتِ أُمُوَّة.

الْجَوْهَرِيُّ: وتَأَمَّيتُ أَمَةً أَي اتَّخَذت أَمَة؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " يَرْضَوْن بالتَّعْبِيدِ والتَّآمِي "وَلَقَدْ أَمَوْتِ أُمُوَّة.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَتَقُولُ هُوَ يَأْتَمِي بِزَيْدٍ أَي يَأْتَمُّ بِهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

نَزُورُ امْرأً، أَمّا الإِلَه فَيَتَّقي، ***وأَمّا بفِعْل الصَّالحِينَ فَيَأْتَمِي

وَالنِّسْبَةُ إِليها أَمَوِيٌّ، بِالْفَتْحِ، وَتَصْغِيرُهَا أُمَيَّة.

وبَنو أُمَيَّة: بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَالنِّسْبَةُ إِليهم أُمَوِيٌّ، بِالضَّمِّ، وَرُبَّمَا فَتَحوا.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالنَّسَبُ إِليه أُمَوِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ، وَعَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ أَمَوِيٌّ.

وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: أُمَيِّيٌّ عَلَى الأَصل، أَجروه مُجْرى نُمَيْريّ وعُقَيْلّي، وَلَيْسَ أُمَيِّيٌّ بأَكثر فِي كَلَامِهِمْ، إِنما يَقُولُهَا بَعْضُهُمْ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فِي النِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ أُمَيِّيٌّ، يَجْمَعُ بَيْنَ أَربع ياءَات، قَالَ: وَهُوَ فِي الأَصل اسْمُ رَجُلٍ، وَهُمَا أُمَيَّتانِ: الأَكبر والأَصغر، ابْنَا عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ منافٍ، أَولاد عَلَّةٍ؛ فمِنْ أُمَيَّة الكُبْرى أَبو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ والعَنابِسُ والأَعْياصُ، وأُمَيَّة الصُّغْرى هُمْ ثَلَاثَةُ إِخوة لأُم اسْمُهَا عَبْلَة، يُقَالُ هُمُ العَبَلات، بِالتَّحْرِيكِ.

وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْبَيْتَ للأَحْوَص.

وأَفرد عَجُزَهُ: " أَيْما إِلى جنة أَيما إِلى نار قَالَ: وَقَدْ تُكْسَرُ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُهُ إِيما، بِالْكَسْرِ، لأَن الأَصل إِما، فأَما أَيْما فالأَصل فِيهِ أَمّا، وَذَلِكَ فِي مِثْلِ قَوْلِكَ أَمّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ، بِخِلَافِ إِمّا الَّتِي فِي الْعَطْفِ فإِنها مَكْسُورَةٌ لَا غَيْرُ.

وَبَنُو أَمَة: بَطْنٌ مِنْ بَنِي نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ.

قَالَ: وأَمَا، بِالْفَتْحِ، كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا الِاسْتِفْتَاحُ بِمَنْزِلَةِ أَلا، وَمَعْنَاهُمَا حَقًّا، وَلِذَلِكَ أَجاز سِيبَوَيْهِ أَمَا إِنَّه مُنْطَلِقٌ وأَمَا أَنَّهُ، فَالْكَسْرُ عَلَى أَلا إِنَّه، وَالْفَتْحُ حَقًّا أَنَّه.

وَحَكَى بَعْضُهُمْ: هَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا أَي أَما وَاللَّهِ، فَالْهَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْهَمْزَةِ.

وأَمَّا أَمَا الَّتِي لِلِاسْتِفْهَامِ فَمُرَكَّبَةٌ مِنْ مَا النَّافِيَةِ وأَلف الِاسْتِفْهَامِ.

الأَزهري: قَالَ اللَّيْثُ أَمَا اسْتِفْهَامُ جَحُودٍ كَقَوْلِكَ أَمَا تَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ، قَالَ: وَتَكُونُ أَمَا تأْكيدًا لِلْكَلَامِ وَالْيَمِينِ كَقَوْلِكَ أَمَا إِنَّه لرجلٌ كَرِيمٌ، وَفِي الْيَمِينِ كَقَوْلِكَ: أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ سَهِرْتُ لَكَ لَيْلَةً لأَدَعَنَّكَ نَادِمًا، أَمَا لَوْ عَلِمْتُ بِمَكَانِكَ لأُزعجنك مِنْهُ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ}، قَالَ: الْعَرَبُ تَجْعَلُ مَا صِلَةً فِيمَا يُنْوَى بِهِ الْجَزَاءُ كأَنه مِنْ خَطِيئَاتِهِمْ مَا أُغْرِقُوا، قَالَ: وَكَذَلِكَ رأَيتها فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ وتأْخيرها دَلِيلٌ عَلَى مَذْهَبِ الْجَزَاءِ، وَمِثْلُهَا فِي مصحفه: أَيَّ الأَجَلَيْنِ مَا قَضَيْتُ "؛ أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ حَيْثُما تَكُنْ أَكن ومهْما تَقُلْ أَقُلْ؟ قَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ الْكِسَائِيُّ فِي بَابِ أَمَّا وإِمَّا: إِذَا كُنْتَ آمِرًا أَو نَاهِيًا أَو مُخْبِرًا فَهُوَ أَمّا مَفْتُوحَةً، وإِذا كُنْتَ مُشْتَرِطًا أَو شَاكًّا أَو مُخَيِّرًا أَو مُخْتَارًا فَهِيَ إِمَّا، بِكَسْرِ الأَلف؛ قَالَ: وَتَقُولُ مِنْ ذَلِكَ فِي الأَول أَمَّا اللهَ فاعْبُدْه وأَمَّا الْخَمْرُ فَلَا تشرَبْها وأَمَّا زَيْدٌ فَقَدْ خَرَجَ، قَالَ: وَتَقُولُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي إِذا كُنْتَ مُشْتَرِطًا إِمَّا تَشْتُمَنَّ فإِنه يَحْلُم عَنْكَ، وَتَقُولُ فِي الشَّكِّ: لَا أَدري مَنْ قَامَ إِمَّا زَيْدٌ وإِمَّا عَمْرٌو، وَتَقُولُ فِي التَّخْيِيرِ: تَعَلَّمْ إِمَّا الْفِقْهَ وإِمَّا النَّحْوَ، وَتَقُولُ فِي المختار: لي دار بالكوفة فأَنا خَارِجٌ إِليها، فإِمَّا أَن أَسكنها، وإِمَّا أَنْ أَبيعها؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ إِمَّا بِمَعْنَى أَمّا الشُّرْطِيَّةِ؛ قَالَ: وأَنشدني الْكِسَائِيُّ لِصَاحِبِ هَذِهِ اللُّغَةِ إِلَّا أَنه أَبْدَلَ إِحدى الْمِيمَيْنِ يَاءً:

يَا لَيْتَما أُمَّنا شَالَتْ نَعامتُها، ***إِيما إلى جنة إِيما إِلى نَارِ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ إِيما وأَيْما يُرِيدُونَ أَمّا، فَيُبْدِلُونَ مِنْ إِحدى الْمِيمَيْنِ يَاءً.

وقال الْمُبَرِّدُ: إِذا أَتيت بإِمّا وأَمَّا فَافْتَحْهَا مَعَ الأَسماء وَاكْسِرْهَا مَعَ الأَفعال؛ وأَنشد:

إِمَّا أَقَمْتَ وأَمّا أَنت ذَا سَفَرٍ، ***فاللهُ يَحْفَظُ مَا تأْتي وَمَا تَذَرُ

كُسِرَتْ إِمّا أَقمتَ مَعَ الْفِعْلِ، وَفُتِحَتْ وأَمّا أَنت لأَنها وَلِيَت الاسم؛ وقال: " أَبا خُراشة أَمَّا أَنتَ ذَا نَفَرٍ "الْمَعْنَى: إِذا كُنْتَ ذَا نَفَر؛ قَالَ: قَالَهُ ابْنُ كَيْسان.

قَالَ: وقال الزَّجَّاجُ إِمّا الَّتِي لِلتَّخْيِيرِ شُبِّهَتْ بأَن الَّتِي ضُمَّتْ إِليها مَا مِثْلَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا}؛ كُتِبَتْ بالأَلف لِمَا وَصَفْنَا، وَكَذَلِكَ أَلا كُتِبَتْ بالأَلف لأَنها لَوْ كَانَتْ بِالْيَاءِ لأَشبهت إِلى، قَالَ: قَالَ الْبَصْرِيُّونَ أَمَّا هِيَ أَن الْمَفْتُوحَةُ ضُمَّتْ إِليها مَا عِوَضًا مِنَ الْفِعْلِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إِذ، الْمَعْنَى إِذ كُنْتَ قَائِمًا فإِني قَائِمٌ مَعَكَ؛ وَيُنْشِدُونَ: " أَبا خُرَاشَةَ أَمَّا كُنْتَ ذَا نَفَرٍ "قَالُوا: فإِن وَلِيَ هَذِهِ الْفِعْلُ كُسِرَتْ فَقِيلَ إِمَّا انطلقتَ انطلقتُ مَعَكَ؛ وأَنشد: " إِمَّا أَقمت وأَمَّا أَنت مُرْتَحِلًا فَكَسَرَ الأُولى وَفَتَحَ الثَّانِيَةَ، فإِن وَلِيَ هَذِهِ الْمَكْسُورَةَ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ أَحدثت فِيهِ النُّونَ فَقُلْتَ إِمَّا تذهبنَّ فإِني مَعَكَ، فإِن حَذَفْتَ النُّونَ جَزَمْتَ فَقُلْتَ إِمَّا يأْكلْك الذئب فلا أَبكيك.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}، قَالَ: إِمَّا هَاهُنَا جَزَاءٌ أَي إِن شُكْرٌ وإِن كُفْرٌ.

قَالَ: وَتَكُونُ عَلَى إِما الَّتِي فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ}، فكأَنه قَالَ خَلَقْنَاهُ شَقِيًّا أَو سَعِيدًا.

الْجَوْهَرِيُّ: وإِمَّا، بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ، حَرْفُ عَطْفٍ بِمَنْزِلَةِ أَو فِي جَمِيعِ أَحوالها إِلا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنك تَبْتَدِئُ بأَو مُتَيَقِّنًا ثُمَّ يُدْرِكُكَ الشَّكُّ، وإِمَّا تَبْتَدِئُ بِهَا شَاكًّا وَلَا بُدَّ مِنْ تَكْرِيرِهَا.

تَقُولُ: جَاءَنِي إِمَّا زَيْدٌ وإِمَّا عَمْرٌو؛ وَقَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:

إِمَّا تَرَيْ رأْسي تَغَيَّر لونُه ***شَمَطًا فأَصْبَح كالثَّغام المُمْحِل

يُرِيدُ: إِنْ تَرَيْ رأْسي، وَمَا زَائِدَةٌ؛ قَالَ: وَلَيْسَ مِنْ إِمّا الَّتِي تَقْتَضِي التَّكْرِيرَ فِي شَيْءٍ وَذَلِكَ في المجازاة" تَقُولُ: إِمَّا تأْتني أُكرمْك.

قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا.

وَقَوْلُهُمْ: أَمَّا، بِالْفَتْحِ، فَهُوَ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ وَلَا بُدَّ مِنَ الْفَاءِ فِي جَوَابِهِ تَقُولُ: أَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَقَائِمٌ، قَالَ: وإِنما احْتِيجَ إِلى الْفَاءِ فِي جَوَابِهِ لأَن فِيهِ تَأْوِيلَ الْجَزَاءِ كأَنك قُلْتَ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَعَبْدُ اللَّهِ قَائِمٌ.

قَالَ: وأَمَا، مُخَفَّفٌ، تَحْقِيقٌ لِلْكَلَامِ الَّذِي يَتْلُوهُ، تَقُولُ: أَمَا إِنَّ زَيْدًا عَاقِلٌ، يَعْنِي أَنه عَاقِلٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ.

وَتَقُولُ: أَمَا والله قد ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا.

الْجَوْهَرِيُّ: أَمَتِ السِّنَّوْرُ تَأْمُو أُمَاءً أَي صَاحَتْ، وَكَذَلِكَ مَاءَتْ تَمُوءُ مُواء.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


21-لسان العرب (أني)

أني: أَنَى الشيءُ يَأْنِي أَنْيًا وإِنىً وأَنىً، وَهُوَ أَنِيٌّ.

حَانَ وأَدْرك، وخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ النَّبَاتَ.

الْفَرَّاءُ: يُقَالُ أَلمْ يَأْنِ وأَ لَم يَئِنْ لك وأَ لم يَنَلْ لكَ وأَ لم يُنِلْ لَكَ، وأَجْوَدُهُنَّ مَا نَزَلْ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ، يَعْنِي قَوْلَهُ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا "؛ هُوَ مِنْ أَنَى يَأْنِي وآنَ لَكَ يَئين.

وَيُقَالُ: أَنَى لَكَ أَن تَفْعَلَ كَذَا ونالَ لَكَ وأَنالَ لَكَ وَآنَ لَكَ، كُلٌّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَمَعْنَاهَا كُلِّهَا حانَ لَكَ يَحين.

وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ: « هَلْ أَنَى الرحيلُ»؛ أي حانَ وقتُه، وَفِي رِوَايَةٍ: هَلْ آنَ الرحيلُ أَي قَرُبَ.

ابْنُ الأَنباري: الأَنَى مِنْ بُلُوغِ الشَّيْءِ مُنْتَهَاهُ، مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَقَدْ أَنَى يَأْنِي؛ وَقَالَ:

*********بيَوْمٍ ***أَنَى ولِكُلِّ حاملةٍ تَمامُ

أَي أَدرك وَبَلَغَ.

وإِنَى الشَّيْءِ: بلوغُه وإِدراكه.

وَقَدْ أَنَى الشيءُ يَأْنِي إِنىً، وَقَدْ آنَ أَوانُك وأَيْنُك وإِينُكَ.

وَيُقَالُ مِنَ الأَين: آنَ يَئِين أَيْنًا.

والإِناءُ، مَمْدُودٌ: وَاحِدُ الآنِيَة مَعْرُوفٌ مِثْلُ رِدَاءٍ وأَردية، وَجَمْعُهُ آنِيَةٌ، وَجَمْعُ الآنِيَة الأَوَانِي، عَلَى فَوَاعِلَ جَمْعِ فَاعِلَةٍ، مِثْلَ سِقاء وأَسْقِية وأَساقٍ.

والإِناءُ: الَّذِي يَرْتَفِقُ بِهِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ لأَنه قَدْ بَلَغَ أَن يُعْتَمل بِمَا يعانَى بِهِ مِنْ طَبْخٍ أَو خَرْز أَو نِجَارَةٍ، وَالْجَمْعُ آنِيَةٌ وأَوانٍ؛ الأَخيرة جَمْعُ الْجَمْعِ مِثْلُ أَسقية وأَساق، والأَلف فِي آنِيَة مُبْدَلَةٌ مِنَ الْهَمْزَةِ وَلَيْسَتْ بِمُخَفَّفَةٍ عَنْهَا لِانْقِلَابِهَا فِي التَّكْسِيرِ وَاوًا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَحُكِمَ عَلَيْهِ دُونَ الْبَدَلِ لأَن الْقَلْبَ قِيَاسِيٌّ وَالْبَدَلَ مَوْقُوفٌ.

وأَنَى الماءُ: سَخُنَ وَبَلَغَ فِي الْحَرَارَةِ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}؛ قِيلَ: هُوَ الَّذِي قَدِ انْتَهَى فِي الْحَرَارَةِ.

وَيُقَالُ: أَنَى الحميمُ أَي انْتَهَى حَرُّهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَمِيمٍ آنٍ}.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ أَي مُتَنَاهِيَةٍ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْجَوَاهِرِ.

وبَلَغ الشيءُ إِناه وأَناه أَي غَايَتَهُ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ}؛ أَي غَيْرَ مُنْتَظَرِينَ نُضْجَه وإِدراكَه وَبُلُوغَهُ.

تَقُولُ: أَنَى يَأْنِي إِذا نَضِجَ.

وَفِي حَدِيثِ الْحِجَابِ: « غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ »؛ الإِنَى، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْقَصْرِ: النُّضْج.

والأَناةُ والأَنَى: الحِلم وَالْوَقَارُ.

وأَنِيَ وتَأَنَّى واسْتَأْنَى: تَثبَّت.

وَرَجُلٌ آنٍ عَلَى فَاعِلٍ أَي كَثِيرُ الأَناة وَالْحِلْمِ.

وأَنَى أُنِيًّا فَهُوَ أَنِيٌّ: تأَخر وأَبطأَ.

وآنَى: كأَنَى.

وَفِي الْحَدِيثِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ: قَالَ لِرَجُلٍ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ رأَيتك آنَيْتَ وآذَيْتَ "؛ قَالَ الأَصمعي: آنَيْتَ أَي أَخرت الْمَجِيءَ وأَبطأْت، وآذَيْتَ أَي آذَيت النَّاسَ بِتَخَطِّيكَ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمُتَمَكِّثِ فِي الأُمور مُتَأَنٍّ.

ابْنُ الأَعرابي: تَأَنَّى إِذا رَفَق.

وآنَيْت وأَنَّيْت" بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَفِي حَدِيثِ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ: « اخْتَارُوا إِحدى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْمَالَ وإِمّا السَّبْيَ وَقَدْ كُنْتُ استَأْنَيْتُ بِكُمْ »أَي انْتَظَرْتُ وتربَّصت؛ يُقَالُ: آنَيْت وأَنَّيْت وتأَنَّيْت واسْتَأْنَيْتُ.

اللَّيْثُ: يُقَالُ اسْتَأْنَيتُ بِفُلَانٍ أَي لَمْ أُعْجِله.

وَيُقَالُ: اسْتَأْنِ فِي أَمرك أَي لَا تَعْجَل؛ وأَنشد:

اسْتَأْنِ تَظْفَرْ فِي أُمورِك كُلِّهَا، ***وإِذا عَزَمْتَ عَلَى الهَوى فتوَكَّلِ

والأَنَاة: التُّؤَدة.

وَيُقَالُ: لَا تُؤْنِ فُرْصَتَك أَي لَا تُؤَخِّرْهَا إِذا أَمْكَنَتْك.

وَكُلُّ شَيْءٍ أَخَّرته فَقَدْ آنَيْتَه.

الْجَوْهَرِيُّ: آنَاه يُؤنِيه إِينَاء أَي أَخَّره وحَبَسه وأَبطأَه؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:

ومَرْضوفةٍ لَمْ تُؤْنِ فِي الطَّبْخِ طاهِيًا ***عَجِلْتُ إِلى مُحْوَرِّها، حِينَ غَرْغَرا

وتَأَنَّى فِي الأَمر أَي تَرَفَّق وتَنَظَّرَ.

واسْتَأْنَى بِهِ أَي انْتَظَرَ بِهِ؛ يُقَالُ: اسْتُؤْنِيَ بِهِ حَوْلًا.

وَيُقَالُ: تَأَنَّيْتُكَ حَتَّى لَا أَناة بِي، وَالِاسْمُ الأَنَاة مِثْلَ قَنَاةٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدُهُ: " الرِّفْقُ يُمْنٌ والأَنَاةُ سَعادةٌ "وآنَيْتُ الشيءَ: أَخَّرته، وَالِاسْمُ مِنْهُ الأَنَاء عَلَى فَعَال، بِالْفَتْحِ؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:

وآنَيْتُ العَشاءَ إِلى سُهَيْلٍ، ***أَو الشِّعْرى، فَطَالَ بِيَ الأَنَاء

التَّهْذِيبُ: قَالَ أَبو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِمْ تَأَنَّيْتُ الرَّجُلَ أَي انْتَظَرْتُهُ وتأَخرت فِي أَمره وَلَمْ أَعْجَل.

وَيُقَالُ: إِنَّ خَبَر فُلَانٍ لَبَطيءٌ أَنِيٌّ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

ثُمَّ احْتَمَلْنَ أَنِيًّا بَعْدَ تَضْحِيَةٍ، ***مِثْل المَخارِيف مِنْ جَيْلانَ أَو هَجَر

اللَّيْثُ: أَنَى الشيءُ يَأْنِي أُنِيًّا إِذا تأَخر عَنْ وَقْتِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: " والزادُ لَا آنٍ وَلَا قَفارُ "أَي لَا بَطِيءٌ وَلَا جَشِبٌ غَيْرُ مأْدوم؛ وَمِنْ هَذَا يُقَالُ: تَأَنَّى فُلَانٌ يَتَأَنَّى، وَهُوَ مُتَأَنٍّ إِذا تَمَكَّث وَتَثَبَّتَ وَانْتَظَرَ.

والأَنَى: مِنَ الأَناة والتُّؤَدة؛ قَالَ الْعَجَّاجُ فَجَعَلَهُ الأَناء: " طَالَ الأَناءُ وَزايَل الحَقّ الأَشر "وَهِيَ الأَناة.

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الإِنَى مِنَ السَّاعَاتِ وَمِنْ بُلُوغِ الشَّيْءِ مُنْتَهَاهُ، مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ وَيُفْتَحُ فَيُمَدُّ؛ وأَنشد بَيْتَ الحطيئة: " وآنَيْتُ العَشاءَ إِلى سُهَيْل "وَرَوَاهُ أَبو سَعِيدٍ: وأَنَّيْت، بِتَشْدِيدِ النُّونِ.

وَيُقَالُ: أَنَّيْتُ الطعامَ فِي النَّارِ إِذا أَطلت مُكْثَهُ، وأَنَّيْت فِي الشَّيْءِ إِذا قَصَّرت فِيهِ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَنِيَ عَنِ الْقَوْمِ وأَنَى الطعامُ عَنَّا إِنىً شَدِيدًا والصَّلاةُ أُنِيًّا، كُلُّ ذَلِكَ: أَبطأَ.

وأَنَى يَأْنِي ويَأْنى أَنْيًا فَهُوَ أَنِيٌّ إِذا رَفَقَ.

والأَنْيُ والإِنْيُ: الوَهْنُ أَو السَّاعَةُ مِنَ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: السَّاعَةُ مِنْهُ أَيَّ سَاعَةٍ كَانَتْ.

وَحَكَى الْفَارِسِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ: إِنْوٌ، فِي هَذَا الْمَعْنَى، قَالَ: وَهُوَ مِنْ بَابِ أَشاوِي، وَقِيلَ: الإِنَى النَّهَارُ كُلُّهُ، وَالْجَمْعُ آنَاءٌ وأُنِيّ؛ قَالَ:

يَا لَيْتَ لِي مِثْلَ شَرِيبي مِنْ نُمِيْ، ***وهْوَ شَرِيبُ الصِّدْقِ ضَحَّاكُ الأُنِيْ

يَقُولُ: فِي أَيّ سَاعَةٍ جِئْتُهُ وَجَدْتُهُ يَضْحَكُ.

والإِنْيُ: وَاحِدُ آنَاء اللَّيْلِ وَهِيَ سَاعَاتُهُ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ}؛ قَالَ أَهل اللُّغَةِ مِنْهُمُ الزَّجَّاجُ: آنَاءُ اللَّيْلِ سَاعَاتُهُ، وَاحِدُهَا إِنْيٌ وإِنىً، فَمَنْ قَالَ إِنْيٌفَهُوَ مِثْلُ نِحْيٍ وأَنحاء، وَمَنْ قَالَ إِنىً فَهُوَ مِثْلُ مِعىً وأَمْعاء؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ المتنخِّل:

السَّالِكُ الثَّغْرِ مَخْشِيًّا مَوارِدُه، ***بكُلِّ إِنْيٍ قَضاه الليلُ يَنْتَعِلُ

قَالَ الأَزهري: كَذَا رَوَاهُ ابْنُ الأَنباري؛ وأَنشده الْجَوْهَرِيُّ:

حُلْو وَمُرٌّ، كعَطْفِ القِدْحِ مِرَّتُه، ***فِي كُلِّ إِنْيٍ قَضاه الليلُ يَنْتَعِلُ

وَنَسَبَهُ أَيضًا لِلْمُتَنَخِّلِ، فإِما أَن يَكُونَ هُوَ الْبَيْتَ بِعَيْنِهِ أَو آخَرَ مِنْ قَصِيدَةٍ أُخرى.

وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: وَاحِدُ آناء الليل عَلَى ثَلَاثَةِ أَوجه: إِنْي بِسُكُونِ النُّونِ، وإِنىً بِكَسْرِ الأَلف، وأَنىً بِفَتْحِ الأَلف؛ وَقَوْلُهُ: " فَوَرَدَتْ قبلَ إِنَى صِحابها "يُرْوَى: إِنَى وأَنَى، وَقَالَهُ الأَصمعي.

وَقَالَ الأَخفش: وَاحِدُ الْآنَاءِ إِنْوٌ؛ يُقَالُ: مَضَى إِنْيانِ مِنَ اللَّيْلِ وإِنْوانِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي فِي الإِنَى:

أَتَمَّتْ حملَها فِي نِصْفِ شَهْرٍ، ***وحَمْلُ الحاملاتِ إِنىً طويلُ

ومَضَى إِنْوٌ مِنَ اللَّيْلِ أَي وَقْتٌ، لُغَةٌ فِي إنْي.

قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ جَبَوْت الْخَرَاجَ جِباوة، أُبدلت الْوَاوُ مِنَ الْيَاءِ.

وَحَكَى الْفَارِسِيُّ: أَتيته آيِنَةً بَعْدَ آيِنَةٍ أَي تَارَةً بَعْدَ تَارَةٍ؛ كَذَا حَكَاهُ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه بَنَى مِنَ الإِنَى فَاعِلَةً وَرَوَى: " وآيِنَةً يَخْرُجْنَ مَنْ غَامَرٍ ضَحْل "وَالْمَعْرُوفُ آوِنَة.

وَقَالَ عُرْوَةُ فِي وَصِيَّةٍ لِبَنِيهِ: يَا بَنيّ إِذا رأَيتم خَلَّةً رَائِعَةً مِنْ رَجُلٍ فَلَا تَقْطَعُوا إِنَاتَكم.

وإِن كَانَ النَّاسُ رَجُلَ سَوءٍ؛ أَي رَجَاءَكُمْ؛ وَقَوْلُ السِّلْمِيَّةِ أَنشده يَعْقُوبُ:

عَن الأَمر الَّذِي يُؤْنِيكَ عَنْهُ، ***وعَن أَهْلِ النَّصِيحة وَالْوِدَادِ

قَالَ: أَرادت يُنْئِيك مِنَ النَّأْي، وَهُوَ الْبُعْدُ، فَقُدِّمَتِ الْهَمْزَةُ قَبْلَ النُّونِ.

الأَصمعي: الأَناةُ مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي فِيهَا فُتُورٌ عَنِ الْقِيَامِ وتأَنٍّ؛ قَالَ أَبو حيَّة النُّمَيْرِيُّ:

رَمَتْه أَناةٌ، مِنْ رَبيعةِ عامرٍ، ***نَؤُومُ الضُّحَى فِي مَأْتَمٍ أَيِّ مَأْتَم

والوَهْنانةُ نَحْوُهَا.

اللَّيْثُ: يُقَالُ للمرأَة الْمُبَارَكَةِ الْحَلِيمَةِ المُواتِية أَناة، وَالْجَمْعُ أَنْوَاتٌ.

قَالَ: وَقَالَ أَهل الْكُوفَةِ إِنما هِيَ الوَناة، مِنَ الضَّعْفِ، فَهَمَزُوا الْوَاوَ؛ وَقَالَ أَبو الدُّقَيْش: هِيَ الْمُبَارَكَةُ، وَقِيلَ: امرأَة أَناة أَي رَزِينة لَا تَصْخَبُ وَلَا تُفْحِش؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

أَناةٌ كأَنَّ المِسْكَ تَحْتَ ثيابِها، ***ورِيحَ خُزامَى الطَّلِّ فِي دَمِثِ الرَّمْل

قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَصله وَناةٌ مِثْلَ أَحَد وَوَحَد، مِنَ الوَنَى.

وَفِي الْحَدِيثِ: « أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَر رَجُلًا أَن يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ مِنْ جُلَيْبِيبٍ، فَقَالَ حَتَّى أُشاورَ أُمَّها، فَلَمَّا ذَكَرَهُ لَهَا قَالَتْ: حَلْقَى، أَلِجُلَيْبيبٍ؟ إِنِيْه، لَا لَعَمْرُ اللهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الأَثير فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَقَالَ: قَدِ اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَرُوِيَتْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَبَعْدَهَا هَاءٌ، وَمَعْنَاهَا أَنها لَفْظَةٌ تَسْتَعْمِلُهَا الْعَرَبُ فِي الإِنكار، يَقُولُ الْقَائِلُ: جَاءَ زَيْدٌ، فَتَقُولُ أَنت: أَزَيْدُنِيه وأَ زَيْدٌ إِنِيه، كأَنك اسْتَبْعَدْتَ مَجِيئَهُ».

وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: أَنه قِيلَ لأَعرابي سَكَنَ البَلَدَ: أَتخرج إِذا أَخصبت الْبَادِيَةُ؟ فَقَالَ: أَنا إِنيه؟ يعني "أَتقولون لِي هَذَا الْقَوْلَ وأَنا مَعْرُوفٌ بِهَذَا الْفِعْلِ؟ كأَنه أَنكر اسْتِفْهَامَهُمْ إِياه، وَرُوِيَتْ أَيضًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وبعدها باء سَاكِنَةٌ، ثُمَّ نُونٌ مَفْتُوحَةٌ، وَتَقْدِيرُهَا أَلِجُلَيْبيبٍ ابْنَتي؟ فأَسقطت الْيَاءَ وَوَقَفَتْ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ؛ قَالَ أَبو مُوسَى، وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَحمد بْنِ حَنْبَلٍ بِخَطِّ أَبي الْحَسَنِ بْنِ الفُراتِ، وَخَطُّهُ حُجَّةٌ: وَهُوَ هَكَذَا مُعْجَمٌ مُقَيَّد فِي مَوَاضِعَ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن لَا يَكُونَ قَدْ حَذَفَ الْيَاءَ وإِنما هِيَ ابْنَةٌ نَكِرَةً أَي أَتُزَوِّجُ جُلَيْبِيبًا ببنتٍ، يَعْنِي أَنه لَا يَصْلُحُ أَن يُزَوَّجَ بِبِنْتٍ، إِنما يُزَوَّجُ مثلُه بأَمة اسْتِنْقَاصًا لَهُ؛ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَتْ مِثْلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِزِيَادَةِ أَلف وَلَامٍ لِلتَّعْرِيفِ أَي أَلجليبيبٍ الابْنةُ، وَرُوِيَتْ أَلجليبيبٍ الأَمَةُ؟ تُرِيدُ الْجَارِيَةَ كِنَايَةً عَنْ بِنْتِهَا، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ أُمَيَّةُ أَو آمِنَةُ عَلَى أَنه اسم البنت.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


22-تهذيب اللغة (عشر)

عشر: قال الليث: العَشْر عدد المؤنّث، والعشرة عدد المذكّر، فإذا جاوزت العشرة أنَّثت المذكر وذكَّرتَ المؤنث، تقول عشر نسوة وعشرة رجال، فإذا جاوزْت العشر فإنّ ابن السكيت حكَى عن الفراء تقول في المذكر أحد عشَر.

قال: ومن العرب من يسكِّن العين فيقول أَحَدَ عْشَر، وكذلك يسكّنها إلى تسعةَ عشَر، إلّا اثني عشر فإنَ

العين منه لا تسكّن لسكون الألف والياء قبلها.

قال: والعدد منصوبٌ ما بين أحدَ عشرَ إلى تسعةَ عشرَ في النصب والرفع والخفض، إلَّا اثني عشر فإن اثنَيْ واثنتي يعربان لأنهما على هجاءين.

قال: وإنما نُصب أحد عشر وأخواتها لأنَّ الأصل أحدٌ وعَشَرة، فأسقطت الواو وصيِّرا جميعًا اسمًا واحدًا، كما تقول: هو جاري بيتَ بيتَ، ولقيتُه كِفَّةَ كِفَّة، والأصل بيتٌ لبيتٍ، وكِفَّةٌ لِكفَّة، فصُيِّرتا اسمًا واحدًا.

وتقول في المؤنث إحدى عَشَرة، ومن العرب من يكسر الشين فيقول عَشِرة، ومنهم من يسكّن الشين فيقول إحدى عَشْرة، وكذلك اثنتي عَشَرة، واثنتي عَشِرة واثنتي عَشْرة، وثِنتيْ عَشَرة وعَشِرة وعَشْرة.

قال: وتسقط الهاء من النيِّف فيما بين ثلاث عشرة إلى تسع عشرة من المؤنث.

وإذا جُزتَ إلى العشرين استوى المذكّر والمؤنّث فقلت عشرون رجلًا وعشرون امرأة.

قال: وتقول: هذا الواحد والثاني والثالث إلى العاشر في المذكر، وفي المؤنث: هذه الواحدة والثانية والثالثة والعاشرة.

وتقول: هو عاشر عَشَرةٍ وهي عاشِرةُ عَشْرٍ.

فإذا كان فيهنَّ مذكر قلت: هي عاشرة عَشَرةٍ، غلَّبتَ المذكر على المؤنث.

وتقول: هو ثالثُ ثلاثةَ عشرَ، أي هو أحدهم.

وفي المؤنث: ثالثةُ ثلاثَ عشرةَ لا غير بالرفع في الأول.

وتقول: هو ثالثُ عَشَرَ وهو ثالثَ عشرَ، يا هذا، بالرفع والنصب، وكذلك إلى تسعة عشر.

فمن رفَع قال: أردت هو ثالثُ ثلاثةَ عشرَ، فألقيتُ الثلاثةَ وتركتُ ثالثَ على إعرابه.

ومن نصبَ قال: أردت هو ثالثُ ثلاثةَ عَشَر، فلما أسقطت الثلاثةَ ألزمْتُ إعرابَها الأوّلَ ليُعلَم أنّ هاهنا شيئًا محذوفًا.

وتقول في المؤنث: هي ثالثةُ عَشْرة وهي ثالثةَ عَشْرة.

وتفسير المؤنث مثل تفسير المذكر.

وتقول: هو الحادي عَشرَ وهو الثاني عشر والثالث عَشَرَ إلى العشرين، مفتوح كلُّه.

وفي المؤنث: هذه الحاديةَ عشرةَ والثانيةَ عشرةَ إلى العشرين، تدخل الهاء فيها جميعًا.

وقال الكسائيّ: إذا أدخلتَ في العدد الألف واللام فأدخِلْهُما في العدد كلِّه، فتقول: ما فعَلَت الأحدَ عَشَرَ الألفَ الدرهم.

والبصريون يدخلون الألفَ واللام في أوّله فيقولون: ما فعلت الأحد عشرَ ألف درهم.

وقال الليث: تقول: عشرتُ القومَ: صرتُ عاشرَهم، وكنت عاشرَ عَشْرة.

قال: وعشرت القومَ وعَشَرتُ أموالهم، إذا أخذتَ منهم العُشْر، وبه سمِّي العَشَّار.

والعُشْر: جزء من العشَرة، وهو العَشِير والمِعشار.

قال: وتقول: جاءَ القوم عُشَار عُشَارَ، ومعشر مَعشر، أي عشرة عشرة، كما تقول: جاءوا أُحاد أُحاد، وثُناء ثُناءَ، ومَثنى مَثني.

قال: والعِشْر: ورد الإبل يوم العاشر.

وفي حسابهم: العِشْر التاسع.

وإبلٌ عواشر: ترِد الماء عِشرًا، وكذلك الثوامن

والسوابع والخوامس.

أبو عبيد عن الأصمعي قال: إذا وردت الإبل كلَّ يوم قيل: وردَتْ رِفْهًا، فإن وردَتْ يومًا ويومًا لا قيل: وردتْ غِبًّا، فإذا ارتفعتْ عن الغِبِّ فالظِّمْء الرِّبع، وليس في الورد ثِلثٌ، ثم الخِمس إلى العِشْر.

فإن زادت فليس لها تسميةُ وِردٍ، ولكن يقال: هي ترِدُ عشرًا وغِبًّا وعِشْرًا ورِبعًا إلى العشرين، فيقال حينئذٍ ظِمؤها عِشرانِ.

فإذا جاوزَت العشرين فهي جوازىء.

وقال الليث: إذا زادت على العشرة قالوا: وردنا رِفهًا بعد عِشر.

قال: وعشّرتُ الشيءَ تعشيرًا، إذا كان تسعةً فزدت واحدًا حتّى تَمَ عَشرة.

قال: وعَشَرْتُ، خفيفةً: أخذتُ واحدًا من عشرة فصار تسعة.

فالعشور نُقصان والتعشير زيادة وتمام.

وقال الليث: قلتُ للخليل: ما معنى العشرين؟ قال: جماعة عِشْر قلت: فالعِشْر كم يكون؟ قال: تسعة.

قلت: فعشرون ليس بتمام إنَّما هو عِشْران ويومان.

قال: لمّا كان من العِشْر الثالث يومانِ جمعتَه بالعشرين.

قلت: وإن لم يستوعب الجزء الثالث؟ قال: نعم، ألا ترى قول أبي حنيفة إذا طلقَّها تطليقتين وعُشر تطليقة فإنه يجعلها ثلاثًا، وإنما من الطلقة الثالثة فيه جزء.

فالعشرون هذا قياسُه.

قلت: لا يُشبه العِشْرُ التطليقة، لأنّ بعض التطليقة تطليقة تامّة، ولا يكون بعض العِشْر عِشرًا كاملًا.

ألا تَرى أنّه لو قال لامرأته: أنت طالقٌ نصفَ تطليقة أو جزءًا من مائة تطليقةٍ كان تطليقة تامّة، ولا يكون نصف العِشر وثلث العِشْر عِشرًا كاملًا.

وقال الليث: ويوم عاشُوراء هو اليوم العاشر من المحرَّم.

قلت: ولم أسمع في أمثلة الأسماء اسمًا على فاعولاء إلّا أحرفًا قليلة.

قال ابن بزرج: الضَّاروراء: الضَّراء، والسّاروراءُ: السّرّاء، والدَّالولاءُ: الدَّالّة.

وقال ابنُ الأعرابيّ: الخابوراءُ: موضع.

وروي عن ابن عبّاس أنه قال في صوم عاشوراء: «لئن سَلِمْتُ إلى قابل لأصومنَّ اليوم التاسع».

وروي عنه أنه قال: رعَت الإبل عشرًا، وإنما هي تسعةُ أيّام.

قلت: ولقول ابن عباسٍ وجوهٌ من التأويلات: أحدها أنّه كره موافقةَ اليهود لأنَّهم يصومون اليومَ العاشر.

وروى ابن عيينة عن عُبيد الله بن أبي يزيد قال: سمعتُ ابن عباسٍ يقول: «صوموا التاسع والعاشر ولا تشبَّهوا باليهود».

والوجه الثاني ما قال إسماعيل بن يحيى المزَني: يحتمل أن يكون التاسع هو العاشر.

قلت: كأنه تأوّلَ فيه عِشر الورد أنّها تسعة أيام، وهو الذي حكاه الليث عن الخليل، وليس ببعيدٍ من الصواب.

وقال الليث: المعشِّر: الحمارُ الشديد النَّهيق الذي لا يزال يوالي بين عشرِ ترجيعات في نهيقِهِ، ونهيقُه يقال له التعشير.

ويقال عشّر يعشّر تعشيرًا.

وقال الله تعالى: {وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ} [التّكوير: 4].

قال الفراء: العِشار لُقَّحُ

الإبل، عطّلَها أهلُها لاشتغالهم بأنفسهم.

وقال أبو إسحاق: العِشار النُّوقُ التي في بطونها أولادُها إذا أتت عليها عشرة أشهر.

قال: وأحسن ما تكون الإبل وأنْفَسُها عند أهلها إذا كانت عِشارًا.

أبو عبيد عن الأصمعيّ: إذا بلغت الناقةُ في حملها عشرةَ أشهرٍ فهي عُشَراء، ثم لا يزال ذلك اسمَها حتَّى تَضَعَ وبعدما تضعُ لا يزايلُها؛ وجمعها عِشار.

وقال غيره: إذا وضعَتْ فهي عائذٌ وجمعُها عُوذٌ.

قلت: العرب يسمُّونها عِشارًا بعد ما تضع ما في بطونها، للزومِ الاسمِ لها بعد الوضع، كما يسمُّونها لِقاحًا.

وقال الليث: يقال عَشَّرَتْ فهي عُشَرَاء، والعدد عُشَرَاوات، والجميع العِشَار.

قال: ويقال يقع اسمُ العِشار على النُّوق التي نُتِج بعضُها وبعضها مَقاريب.

وفي حديث النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنَّه قال للنساء: «إنّكنَّ أكثر أهل النار، لأنكنَّ تُكْثِرنَ اللَّعنَ وتَكفُرنَ العشير»، قال أبو عبيد: أراد بالعشير الزَّوج، سمِّي عشيرًا لأنَّه يعاشِرها وتُعاشِره.

وقال الله جلّ وعزّ: {لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} [الحَجّ: 13]، أي لبئس المعاشر.

وأخبرني المنذرِيّ عن أبي العباس أحمد بن يحيى قال: المَعْشَر والنَّفَر والقوم والرّهط، هؤلاء معناهم الجمع؛ لا واحدَ لهم من لفظهم، للرجال دون النساء.

قال: والعشيرة أيضًا للرجال.

قال: والعالَم أيضًا للرجال.

وقال أبو عبيد: العشيرة تكون للقبيلة ولمن هو أقربُ إليه من العشيرة، ولمن دونهم.

وقال ابن شميل: العشيرة العامّة؛ مثل بني تميم وبني عمرو بن تميم.

وقال الليث: المَعشَر: كلُّ جماعةٍ أمرُهم واحد، نحو معشر المسلمين ومعشر المشركين.

وقال الليث: العاشرة: حلْقة التعشير من عواشر المصحف، وهي لفظةٌ مولَّدة.

والعرب تقول: بُرمةٌ أعشار، أي متكسِّرة، ومنه قول امرىء القيس في عشيقتِهِ:

وما ذَرفت عيناكِ إلا لتضربي *** بسهميكِ في أعشار قلبٍ مقتَّلِ

وفيه قولٌ آخر أعجَبُ إلىَّ من هذا القول، قال أبو العباس أحمد بن يحيى: أراد بقوله «بسهميك» هاهنا سهْمَي قِداح الميسر، وهما المعلَّى والرَّقيب، فللمعَلّى سبعة أنصباء، وللرقيب ثلاثة، فإذا فاز الرجلُ بهما غَلب على جزور الميسِر كلِّها فلا يطمع غيرُه في شيء منها.

قال: فالمعنى أنها ضربت بسهامها على قلبِهِ فخرجَ لها السَّهمانِ، فغلبتْه على قلبِه كلِّه وفتنتْه فملكتْه.

قال: ويقال أراد بسهميها عينيها.

قلت: وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم في تفسير هذا البيت بنحوٍ مما فسَّره أبو العباس، إلا أنّه جعل اسمَ السَّهم الذي له ثلاثة أنصباء الضَّريبَ، وجعله ثعلبٌ الرَّقيب.

ونظرت في باب الميسر للِّحياني في «نوادره» فذكر أن بعض العرب يسمِّيه

الرقيب، وبعضهم يسميه الضَّريب.

وهذا التفسير في هذا البيت هو الصحيح.

وقال الليث: يقال عشَّرت القَدَح تعشيرًا، إذا كسَّرتَه فصيّرته أعشارًا.

قال وعَشر الحبُّ قلبَه، إذا أضناه.

وأعشَرْنا منذ لم نلتق، أي أتى علينا عشر ليال.

وأما قول لبيد يصف مَرتعًا:

هَمَلٍ عشائرُه على أولادها *** من راشحٍ متقوِّب وفَطِيمِ

فإنّ شمرًا روى لأبي عمرو الشيبانيّ أنه قال: العشائر: الظِّباء الحديثات العهد بالنتاج.

قلت: كأنّ العشائر في بيت لبيدٍ بهذا المعنى جمع عِشارٍ، وعشائرُ هو جمع الجمع، كما يقال جمالٌ وجمائلُ، وحبال وحبائل.

وقال ابن السكيت: يقال ذهبَ القومُ عُشارَياتٍ وعُسَارَياتٍ، إذا ذهبوا أيَادي سَبا متفرِّقين في كل وجه.

وواحد العُشارَيات عُشارَى، مثل حُبارى وحُبارَيات.

والعُشارة: القطعة من كلِّ شيء، قومٌ عُشارة وعشارات.

وقال حاتم طيء يذكر طيّئًا وتفرُّقَهم:

فصاروا عُشاراتٍ بكلِّ مكانِ

وروي عن ابن شميلٍ أنه قال: رجلٌ أعْشَر، أي أحمق.

قلت: لم يَروه لي ثقةٌ أعتمده، ولم أسمعه لغيره، ولعله رجل أعسَر، ولا أحقُّ واحدًا منهما.

وجمع العَشِير أعشراء.

وروي عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه قال: «تسعة أعشراء الرِّزق في التجارة، وجزءٌ منها في السابِياء».

أراد تسعة أعشار الرزق.

والعَشير والعُشر واحد، مثل الثَّمين والثُّمن، والسَّديس والسُّدس.

والعَشير في حساب مساحة الأرض: عُشر القَفِيز، والقفيز: عُشر الجريب.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أن أعرابيًا ذكر ناقةً فقال: «إنها لمِعشارٌ مِشْكار»، قال: معشار: غزيرةٌ ليلةَ تُنتَج، ومشكار: تغزر في أوَّل نبت الربيع.

وذو العُشيرة: موضع بالصَّمَّان معروف، نسب إلى عُشَرة نابتة فيه.

والعُشَر من كبار الشَّجر، وله صمغٌ حلو يقال له سُكّر العُشَر.

وتِعْشار: موضع بالدهناء، وقيل وهو ماء.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


23-تهذيب اللغة (وضح)

وضح: قال الليث: الموضَحُ بياضُ الصُّبْح.

وقال الأعشى:

إِذْ أَتَتْكمْ شيْبَانُ في وَضَح الصُّبْ *** ح بكبشٍ ترى له قُدَّامَا

قال والموضَحُ بياضُ البرصِ وبياض الغُرَّةِ والتَحجِيلُ في القَوائم وغير ذلك من نحوِه.

ومِنَ الألوانِ إذا كان بياضٌ غَالبٌ في ألوان الشَّاءِ قَدْ نَشَأ في الصَّدْرِ والظَّهْرِ والوجهِ يقالُ به تَوْضِيحٌ شَدِيدٌ، وقد توضّح.

ويقال: أَوْضحْتُ أمرًا فَوَضَح ووَضّحْتُه فتَوَضَّح، ويقال من أين أَوْضَحَ الراكبُ؟ ومن أين أَوْضَعَ الراكب؟ أبو عبيدة عن أبي عمرو استوضحتُ الشيءَ واستَشْرَفْتُ واستكْفَفتُه، وذلك إذا وضعْتَ يدك على عَيْنَيْكَ في الشَّمس تنظرُ هَلْ تراه تُوَقِّي بكفِّك عيْنَكَ شُعَاعَ الشَّمْسِ.

والْموَاضِحَةُ الأسنانُ الَّتي تَبْدُو عند الضَّحِك.

وقال الشاعر:

كلُّ خليلٍ كنتُ صافَيْتُه *** لا تَرَكَ الله لَهُ وَاضِحَهْ

كلَّهم أروَغَ من ثَعْلَبٍ *** ما أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بالبَارِحَهْ

ويقال: استَوْضِح عن هذا الأمْرِ، أي ابْحَثْ عَنْهُ، ويقال للرجُلِ الحسنِ الوجْهِ: إنه لوضَّاحُ.

قال: والمُوضحةُ الشَّجَّةُ التي تصِلُ إلى العِظَام، تقول به شَجَّةٌ أَوْضَحَتْ عن العظم.

وقال أبو عبيد: المُوضحةُ من الشِّجَاجِ التي تُبدي وَضَحَ العظم.

وقال الليث: إذا اجتمعت الكواكبُ الْخُنَّسُ مع الكواكبِ المُضِيئةِ من كواكبِ المنازلِ سُمِّين جميعًا الوُضَّحَ.

وفي الحديث: أن يهوديًّا قتل جُوَيْرِية على أَوْضَاحٍ لها، قال أبو عبيد يعني حَلْيَ فضة، وتُوضِحُ موضع معروف.

وقال اللحياني: يقال: فيها أَوْضَاحٌ من الناس وأَوْبَاشٌ وأسقاطٌ يعني جماعاتٍ من قبائلَ شتَّى.

قال: لم يُسْمَعْ لهذه الحروف بواحدٍ.

وقال الأصمعي: يقال: في الأرض أوضَاحٌ من كَلأ إذا كان فيها شَيْءٌ قد ابيضّ، قلتُ وأكْثَرُ ما سمعْتُ العربَ يقولون الوَضَحُ في الكلأ إنما يَعْنون به النَّصِيِّ والصِّلِّيَّان الصيْفِيّ الذي لم يسوَدّ من القِدَم ولم يَصِرْ دِرينًا.

للنَّعَم وضيحةٌ ووضائح ومنه قول أبي وجزة:

لِقَوْميَ إذْ قَوْمي جميعٌ نَوَاهم *** وإذْ أَنَا في حَيّ كثيرِ الوضائح

ويقال لِلَّبن الموَضَحُ ومنه قول الهذلي:

ثم استفاءوا وقالوا حبَّذا الوضح

أي: قالوا: اللَّبَنُ أحبُّ إلينا من القَوَد.

ويقال كَثُرَ الوضَحُ عِنْدَ بَني فُلَانٍ أي كَثُرَتْ أَلْبَانُ نَعَمِهمْ.

والعرب تسمي النهار الوَضَّاح والليلَ الدُّهْمَان وبِكْرُ الوَضَّاحِ صلاة الغَدَاةِ وفي أحاديث المَبْعث ودلائل نبوة محمد صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم قبل أن أَوْحى الله إليه: أنه

كان صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم يلْعَبُ وهو صغيرٌ مع الغلمان بعظم وضَّاح، وهي لُعبة لصبيانِ الأعراب يعمِدون إلى عظمٍ أبيضَ فيرمونه في ظُلمة الليل، ثم يتفرّقون في طلبه، فمن وجده منهم فله القَمْر قلت وقد رأيت وِلدانهم يصغّرونه ويقولون عُظيمُ وضَّاح.

وأنشد بعضهم:

عظيم وضاح ضِحَنَ الليلَة *** لا تَضِحَنَ بعدها منْ لَيْلة

وقولهم: ضِحَنّ أمرٌ بتثقيل النون من وَضَح يَضِح ومعناه أُظْهَرَنّ وَأُبْدُوَنّ، كما يقال من الوصل صِلَنّ.

ويقال أَوْضَحَ الرَّجُلُ إذا جاء بأوْلادٍ بيض، وأوضحت المرأَةُ إذا ولدت أولادًا بيضًا.

وَوَضَحُ القدم بياض إخْمصه.

وقال الجميح:

وَالشوْكُ في وَضَح الرَّجْلَيْن مَرْكُوزُ

وقال النضر بن شميل: المتوضِّحُ والواضِحُ من الإبل الأبيضُ وليس بالشّديد البياضِ، أشدُّ بياضًا من الأعْيس والأصْهب وهو المُتَوَضِّح الأقراب وأنشد:

متوضِّح الأقْرَابِ فيه شُهلَةٌ *** شَنِجُ اليدين تَخَالُه مشكولا

قال المنذري أُخبِرْتُ عن أبي الهيثم أَنه قال في قولهم جاء فلان بالضِّحّ والرِّيح، وأصل الضِّحّ الوَضَحُ وهو فوْرُ النهار وضوْء الشمس، فأسقطت الواو وزيدت الحاءُ مكانها فصارت مع الأصلية حاءً ثقيلة قال وكذلك القحة الوقْحة فأسقطت الواو وزيدت الحاء مكانها فصارت قِحَّةً بحائين وقال أبو عبيدة الضِّحُّ البرازُ الظّاهر.

وقال ابن الأعرابي: الضِّحُّ ماضحا للشمس، والرِّيحُ ما نَالهُ الريح.

وقال الأصمعي: الضِّحّ الشمس بعينها وأنشد:

أبيضُ أبرزه للضَّحِّ راقِبُه *** مقلَّدٌ قُضُبَ الرّيْحَان مفعُوم

وقال أبو زيد: تقول من أين وَضَحَ الرَّاكبُ؟ أي من أين بدأ؟ وقال غيره من أين أَوْضَحَ بالألف.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


24-تهذيب اللغة (حول حيل)

حول، حيل: قال الليث: الْحوْل: سنةٌ بأَسْرِها، تقول حال الحَوْلُ، وهو يحول حَوْلًا وحُؤُولًا، وأحالَ الشيءُ إذا أتى عليه حول كامل، ودَارٌ مُحِيلَةٌ إذا أتت عليها أَحْوَالٌ ولغة أخرى أَحْوَلَتْ الدار، وأَحْوَلَ الصبيُّ إذا تم له حول، فهو مُحْوِلٌ، ومنه قوله:

فَأَلْهَيْتُها عن ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ

قال: والحَوْلُ هو الحيلَةُ، تقول: ما أحول فلانًا، وإنه لذو حِيلة، قال والمحَالةُ الحيلة نفسها، ويقولون في موضع لا بد لا محالةَ وقال النابغة

وأنتَ بأمرٍ لا مَحَالةَ واقِعُ

والاحتيال والمُحَاوَلَةُ مطالبتُك الشيءَ بالحِيَل، وكل من رامَ أمرًا بالحِيَلِ فقد حاوله، وقال لبيد:

أَلَا تسأَلان المَرْء مَاذَا يُحَاوِلُ

ورجل حُوَّلٌ ذو حِيَلٍ، وامرأة حُوَّلةٌ.

وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن سلمة عن الفرّاء قال: سمعت أَعْرَابيًا من بني سُلَيم ينشد:

فإنَّها حِيَلُ الشّيطانِ يَحْتَئِل

قال وغيره من بني سُلَيم يقول: يحتال بِغَيْرِ هَمْزٍ قال وأنشدني بعضهم:

يا دَارَ مَيَّ بِدَكَادِيكِ البُرَقْ *** سَقْيًا وإِنْ هَيَّجت شَوْقَ المُشْتَئِقْ

وغيره يقول المشتاق ورجل مِحْوالٌ كثيرُ مُحالِ الكلام والمحال من الكلام ما حُوِّل عن وجْهِه، وكلام مسْتَحِيلٌ مُحَالٌ.

وأرض مستَحَالَةٌ تُرِكت حَوْلًا وأَحْوالًا عن الزراعة.

والقوس المُسْتَحَالَةُ التي في سِيَتِهَا اعوجاج ورِجْلٌ مستحَالَةٌ إذا كان طرفَا الساقيْنِ منها مُعْوَجَّين، وكل شيء استحال عن الاستواءِ إلى العِوَجِ يقال له مستحيلٌ.

قال والحَوْل اسم يجمع الحَوَالَيْ.

تقول حوالي الدار كأنها في الأصل حوالَيْنِ، كقولك جانِبَيْنِ فأسقطت النُّون وأضيفت كقولك: ذُو مالٍ وأولو مالٍ.

قلت: العرب تقول رأيت الناس حَوْلَه وحَوَالَيْه وحَوَاله وحَوْلَيْه.

فَحَوالَه وُحْدَانُ حَواليْه، وأمّا حَوْليه فهو تثنية حَوْلَةُ وقال الرّاجز:

ماءٌ رَوَاءٌ ونَصِيٌ حَوْلَيْهْ *** هذا مَقَامٌ لَكَ حتى تِئْبَيْهْ

المعنى تأْبَاهُ.

ومثل قولهم حَوَالَيْكَ دَوَالَيْك وحَجَازَيْكَ وحنَانَيْك.

وقال الليث الحِوَالُ المُحَاوَلَةُ.

حَاوَلْته حِوَالًا ومُحاوَلَةً، أَي طالبْتُ بالحيلة.

قال: والحِوَالُ كُلُّ شيءٍ حالَ بين اثْنَيْنِ.

يقال هذا حِوَال بَيْنِهِمَا أي حائِلٌ بَيْنِهِما.

فالحاجِز والحِجاز والحِوَلُ يجري مَجْرى التَّحْويل.

تقول: حُوِّلُوا عنها تحويلًا وحِوَلًا.

قلت: فالتَّحْوِيلُ مصدر حقيقيّ من حوّلْتُ.

والحِوَل اسم يقوم مَقَامَ المصدر.

قال الله جلّ وعزّ: {لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا} [الكهف: 108] أي تحويلًا.

وقال الزجاج في قوله: (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا) أي لا يريدون عنها تَحوُّلًا.

يقال: قد حال من مكانه حِوَلًا كما قالوا في المصادر صَفُر صِفَرًا وعادني حُبُّها عِوَادًا.

قال وقد قيل إن الحِوَل الحِيلَةُ فيكون على هذا المعنى: لا يَحْتَالُون مَنْزِلًا غَيْرَهَا.

قال وقد قيل إن الحِوَل الحِيلَةُ فيكون على هذا المعنى: لا يَحْتَالُون مَنْزِلًا غَيْرَهَا.

قال: وقرىء قولُه جلّ وعزّ: {دِينًا قِيَمًا} [الأنعَام: 161] ولم يقل قِوَمًا، مثل قوله {لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا} لأن قِيمًا من قولك قام قيمًا كأنه بني على قَوُم أو قَوَم فلما اعتلّ فصار قَام اعتَل {قِيمَ} وأما حِوَل فهو على أنه جارٍ على غير فعل.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ في قوله:

(لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا) قال تحويلًا وقال أبو زيد:

حُلْتُ بينه وبين الشر أَحُول أشدّ الحَوْلِ والمَحَالَةِ.

وقال الليث: حالَ الشيء بين الشيئين يحول حَوْلًا وتحويلًا.

وحال الشيءُ نفسهُ يَحُول حُؤُولًا بمعنيين: يكون تغيُّرًا ويكون تَحْوِيلًا، وقال النابغة:

ولا يحولُ عطاءُ اليَوْمِ دُونَ غَدِ

أي: لا يحول عَطاؤه اليوم دون عطاء غد.

قال: والحائل المتغير اللَّوْنِ، ورمادٌ حائلٌ، ونبات حائل.

وقال اللِّحيانيّ: يقال: حُلت بينه وبين ما يريد حَوْلا وحُؤُولا.

ويقال: بيني وبينك حائل وحُؤُولة أي: شيْءٌ حائل.

وحال عليه الحوْلُ يحول حَوْلًا وحُؤُولًا.

وأحال اللهُ عليه الحَوْلَ إحالةً.

وأحالَت الدّارُ أي أتى عليها حَوْلٌ.

ويقال: إن هذا لَمِنْ حُولَةِ الدهر وحُولَاءِ الدهر وحَوَلان الدهر وحِوَل الدهر، وأنشد:

ومِنْ حِوَلِ الأيَّامِ والدهر أنه *** حَصِيْنٌ يُحيَّا بالسلام ويُحْجَبُ

أبو عبيد عن الأصمعيّ: حُلْتُ في متن الفرس أَحُول حُؤُولًا إذا ركبْتَه.

وقد حال الشخْصُ يحول إذا تحرّك.

وكذلك كلّ متحوِّلٍ عن حالِه، ومنه قيل: استَحَلْتُ الشخصَ نظرتُ هل يتحرَّكُ.

وأخبرني المنذريُّ أنه سأل أبا الهيثم عن تفسير قوله: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، فقال: الحَوْلُ الحَرَكَةُ، يقال حالَ الشخص إذا تَحرَّك فكأنّ القائل إذا قال: لا حول ولا قوة، يقول: لا حركَةَ ولا استِطَاعَةَ إلا بمشيئةِ الله.

الأصمعيّ: حَالَت النَّاقَةُ فَهِي تَحُولُ حِيَالًا إذا لم تحْمِل، وناقَةٌ حائل، ونوق حِيَالٌ وحُولٌ وقد حالت حُوَالًا وحُولًا، وأنشد بيتَ أَوْسٍ:

لَقِحْنَ على حُولٍ وصَادَفْنَ سَلْوَةً *** مِنَ العَيْشِ حتى كُلُّهنَّ يُمَنَّع

وأحال فلانٌ إِبِلَه الْعَامَ إذا لم يَضْرِبْهَا الفَحْلُ.

والناس مُحيلون إذا حالت إِبِلُهم.

قال أبو عبيدة: لكل ذي إبل كَفْأَتَانِ، أي قِطْعَتَانِ، يقطعُها قِطْعَتَيْنِ فتُنْتَجُ قِطْعَةٌ عَامًا وتحولُ القِطعَةُ الأخرى، فَيُرَاوِح بينهما في النّتاج؛ فإذا كان العامُ المُقْبل نَتَجَ القطعةَ التي حالَتْ، فكل قطعةٍ نَتَجَها فهي كَفْأَةٌ؛ لأنها تهلك إن نتجها كُلُّ عام.

ورجلٌ حائل اللون إذا كان أسودَ متغيرًا.

اللحيانيّ: يقال للرجل إذا تحوّل من مكانٍ إلى مكان، أو تحوَّل على رَجُلٍ بدَرَاهِمَ حَالَ وهو يَحُول حَوْلا.

ويقال: أَحلْتُ فلانًا على فلان بدراهم أُحيله إِحالةً وإحالًا، فإذا ذكرت فِعْلَ الرجلِ قلتَ حال يَحُول حَوْلا، واحْتَال احتِيَالًا إذا تحوَّل هو من نفسه.

قال: وحالت الناقةُ والفرسُ والنخلةُ والمرأةُ والشاةُ وغيرُها: إذا لم تحملْ.

وناقة حائلٌ ونُوق حوائِل وحُولٌ وحُولَلٌ.

وقال بعضُهم: هي حائِل حُولٍ وأَحْوالٍ وحُولَلٍ أي حائِل أعوامٍ.

ويقال إذا وضعت الناقة: إن كان ذكرًا سمّي سَقْبًا وإن كانت أنثى فهي حائِلٌ.

قال وقال الكسائي: يقال لا حولَ ولا قوةَ إلّا بالله، ولا حَيْلَ ولا قوّة إلا بالله، وحكى ما أَحْيَلَه وأَحْوَلَه من الحِيلَة.

ويقال تحوّل الرجلُ واحْتَال إذا طلب الحِيلَة.

ومن أمثالهم: مَنْ كانَ ذَا حيلةٍ تَحَوّل.

ويقال: هذا أَحْوُل من ذئْبٍ، من الحِيلة، وهو أحول من أَبِي بَرَاقِن، وهو طائرٌ يتلوَّنُ ألوانًا.

وأحْوَلُ من أَبِي قَلَمُون وهو ثوب يتلَوَّن ألوانًا.

وفي دعاءٍ يرويه ابن عباس عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «اللهُمّ ذا الحَيْلِ الشديد»، والمحدِّثون يَرْوُونَه «ذا الحَيْلِ» بالباء، والصواب ذا الحَيْلِ بالياء أي ذا القوَّة.

قال اللحيانيُّ: يقال إنه لشديدُ الحَيْلٍ أي القُوَّة.

قال: ويقال: لا حِيلَة ولا احتيالَ ولا مَحَالَةَ ولا مَحِلّة.

ويقال: حالَ فلان عن العهد يحول حَوْلًا وحُؤُولًا، أي زَالَ وحالَ عن ظهر دابَّته يحول حَوْلًا وحُؤُولًا أي زال ومال.

ويقال أَيْضًا: حال في ظهرِ دابَّتِه وأحال، لغتان إذا استوى في ظهر دابته، وكلام العرب حالَ على ظهره وأحالَ في ظهره، وقول ذي الرمة

أَمِنْ أَجْلِ دارٍ صَيَّرَ البينُ أهْلَها *** أَيَادِي سَبَا بَعْدِي وطالَ احْتِيَالُها

يقول احتالتْ من أَهلِها لم ينزل بها حَوْلًا.

أبو عبيد حَالَ الرجل يَحُول مثل تَحَوَّل من موضع إلى موضع.

اللَّيْثُ لغةُ تَمِيمٍ حَالَتْ عليه تَحَال حَوَلًا، وغيرهُم يقول حَوِلت عينهُ تَحْوَل حَوَلًا، وهو إقبالُ الحَدَقة على الأنْفِ، قال وإذا كان الحَوَلُ يحدُث ويذهب قيل: احولَّتْ عينه احْولالًا واحْوالَّتْ احوِيلالًا.

أبو عبيد عن الأَصمعيّ: ما أَحْسَنَ حَالَ مَتْنِ الفَرس وهو موضع اللبد.

أبو عمرو: الحال الكارة التي يحملها الرجل على ظهره يقال منه تحولت حالًا قال أبو عبيد الحال أيضًا العجلة التي يدِبّ عليها الصبيّ وقال عبد الرحمن بن حسّان الأنصاريّ:

ما زَالَ يَنْمِي جَدّه صَاعِدًا *** مُنْذُ لَدُنْ فَارَقَهُ الحَالُ

قال والحال الطِّينُ الأسودُ.

وفي الحديث أن جبريل لما قال فرعون {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ} [يُونس: 90] أخذ من حال البحر وَطِينِه فألقمه فَاه.

اللحياني: حَالُ فلانٍ حسنَةٌ وحَسَنٌ والواحدة حالَةٌ.

يقال: هو بحالةِ سوءٍ، فمن ذكّر الحال جمعه أَحْوَالًا، ومن أنّثهَا جمعها حالاتٍ.

قال: ويقال حالُ مَتْنِه وحَاذُ مَتْنِه، وهو الظَّهْر بعينه.

قال الليث: والحال الوقت الذي أَنْتَ فيه.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ حالُ الرجل امرأتهُ.

قال: والحالُ الرماد والحارّ، والحالُ لحم المَتْن، والحال الحَمْأَةُ، والحال الكارَةُ، يقال تحوّلْتُ حالًا على

ظهري إذا حملتَ كارةً من ثياب وغيرها.

وجمع الأحول حُولَانٌ.

والحَوِيلُ الحِيلَةُ.

أبو عبيد عن الأصمعيّ: أحال عليه بالسوط يضْرِبُه.

وأحالَتْ الدَّارُ وأحْوَلَتْ: أتى عليها حَوْلٌ.

وأحْوَلْتُ أنا بالمكان وأَحَلْتُ أقمت حولًا.

الأصمعيّ: أحلت عليه بالكلام أي أقبلت عليه، وأَحَال الذِّئْبُ على الدَّم أي أقبل عليه.

ومن أمثال العرب: حَالَ صَبوحُهم على غَبوقِهم، معنَاه أَنَّ القوم افْتَقَرُوا فَقَلَّ لَبَنُهم فصار صَبوحُهم وغَبوقهم واحدًا.

وحال معناه انصبّ، حال الماءُ على الأرض يَحُول عليها حَوْلًا وأَحَلْتُه أنَا عليها إحالةً أي صببتُه، كتبتُه عن المنذري عن أصحابه، وأحلْتُ الماءَ في الجَدْولِ أي صببتُه، قال لبيد:

كأَنَّ دموعَهُ غَرْبَا سُنَاةٍ *** يُحِيلُونَ السِّجَالَ على السِّجَالِ

أي: يَصُبّون.

وقال الفرزدق:

فكان كذِئْبِ السُّوءِ لَمَّا رأى دَمًا *** بصاحِبهِ يومًا أَحالَ على الدَّمِ

اللّحيانيّ: امرأةٌ مُحِيلٌ ومُحْوِلٌ ومُحَوِّلٌ إذا ولدَت غُلامًا على إثْرِ جاريةٍ أو جاريةً على إثر غلامٍ.

قال ويقال لها العَكُوم أيضًا إذا حملت عامًا ذكرًا وعامًا أُنثى.

أبو الهيثم فيما أكْتَبَ ابْنَه؛ يقال للقوم إذا أَمْحَلُوا فقلّ لبنُهم: حال صَبُوحُهم على غَبُوقهم، أي صار صَبُوحُهم وغَبُوقهم واحدًا.

وحال بمعنى انصبّ.

حال الماء على الأرض يحول عليها حَوَلًا وأحلّته إحالة أي صببتُه.

ويقال أحلْتُ الكلام أُحيله إحالةً إذا أفسدتَه.

وروى ابنُ شميل عن الخليل بن أحمد أنه قال: المُحَال كلامٌ لغير شيءٍ، والمستقيمُ كلامٌ لشيء، والغلط كلام لشيء لم تُرِدْه واللغْوُ كلامٌ لشيءٍ ليس من شأنِك، والكذب: كلام لشيء تَغُرُّ به.

قال أبو داود المصَاحفّي: قرأته على النضر للخليل.

وقال الليث: الحَوّالَةُ إحالتك غريمًا وتحوُّلُ ماء من نهر إلى نهر.

قلت: ويقال: أحَلْتُ فلانًا بالمال الّذي له عليّ وهو مائَةُ درْهَم على رجل آخر لي عليه مائَةُ دِرْهَم، أُحيلُه إحَالَةً فاحْتَال بها عليه وضَمِنهَا له، ومنه قول النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم «وإذا أُحِيلَ أَحَدُكم على مَلِيءٍ فليحْتَلْ» قال أبو سعيد: يقال: للذي يُحال عَلَيْه بالحق حَيِّل، وللذي يقبل الحَوَالة حَيِّلٌ، وهما الحيِّلان، كما يقال البيِّعان.

ويقال إنه لَيتحوَّل أي يجيءُ ويذهبُ، وهو الحَوَلَانُ، ثعلب عن ابن الأعرابيّ: قال الحُول والحُوّل الدواهي وهي جمع حُولة ابن السّكِّيت عن الأصمعيّ: جاء بأمر حُولَةٍ.

من الحُوَل أي بأمرٍ منكر عجب.

وقال اللِّحيانيّ: يقال للرجل الدّاهية إِنه لحُولَةٌ من الحُوَل، تسمى الداهيةُ نفسُها حُولةً.

وقال الشاعر:

وَمِنْ حُوْلَةِ الأيَّامِ يا أُمَّ خَالدٍ *** لَنَا غَنَمٌ مَرْعِيَّةٌ ولنا بَقَر

ويقال لِلمُحتَالِ من الرجال إِنه لحُولَةٌ وحُوَّلة وحُوَلٌ وحُوَّلٌ قُلّب.

وأَرْضٌ محتَالَةٌ، إذا لم يُصِبْها المطرُ.

وما أَحْسَنَ حَوِيلَه.

قال الأصمعيّ: أي ما أَحْسَنَ مَذْهَبَه الذي يريد ويقال: ما أَضْعَفَ حَوَلَه، وحويله وحيلته، ويقال ما أقبح حولته، وقد حَوِل حَوَلًا صحيحًا.

شَمِرٌ: حَوّلت المَجَرَّةُ: صارت في شدة الحرّ وسط السماء، قال ذو الرُّمَّة:

وَشُعْثٍ يَشَجُّونَ الفَلَا في رؤوسه *** إذا حوَّلَتْ أُمُّ النّجومِ الشَّوابِكُ

قلت: وحوَّلَتْ بمعنى تحوّلت، ومثله ولّى بمعنى تولّى.

وقال الليث: الحِيْلانُ هي: الحدائد بِخُشبِها يُدَاسُ بها الكُدْس.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ عن أبي المكارم قال الْحَيْلَةُ وَعْلةٌ تَخُرُّ من رأس الجَبَلِ، رواه بضم الخاءِ، إلى أسفله، ثمَّ تخُرُّ أخرى ثم أخرى، فإذا اجتمعت الوَعَلاتُ فهي الْحَيْلةُ.

قال: والوَعَلاتُ صخراتٌ ينْحَدِرْن من رأْس الجبلِ إلى أسفَلِه.

وقال الأصمعي: الْحَيْلةُ الجماعة من المِعْزى أبو عبيد عن أبي زيد: الحُوَلَاءُ الماء الذي في السلى، وقال ابن شميل الْحُولاء مضمِّنةٌ لما يخرُج من جَوف الولَدِ وهي فيها، وهي أَعْقَاؤُه الواحدة عِقْيٌ وهو شيء يَخْرُج من دبره وهو في بطن أمه، بعضه أسود وبعضه أصفر وبعضه أحمر.

وقال الكسائيُّ: سمعتهم يقولون هو رجل لا حُولَةَ له يُريدون لا حيلة له وأنشد:

لَهُ حُولَةٌ في محلِّ أَمْرٍ أَرَاغَهُ *** يُقَضِّي بِها الأَمْرَ الذي كادَ صاحِبُه

وقال الفرّاء: سمعت أنا إنه لشديد الحيْل.

وقال ابن الأعرابي: ما لَهُ لا شَدَّ اللهُ حيْلَه يريدون حِيلَتَه وقوّته.

أبو زيد: فلان على حَوَلِ فلان إذا كان مثلَه في السِّنِّ أو وُلِدَ على إثره.

قال: وسمعت أعرابيًا يقول جمل حَوْلِيٌ إذا أتى عليه حَوْلٌ وجمال حَوَالِيُ بغير تنوين وحواليَّة ومُهْرٌ حَوْلِيٌ ومِهارة حَوْليَّات أتى عليها حول.

المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: بنو مُحوّلة هم بنو عبد الله بن غطفانَ، وكان اسمهُ عبدَ العُزَّى، فسمّاه النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم عبدَ الله فسمُّوا بني مُحَوَّلة.

قال والعرب تقول: مِنَ الحيلة تَركُ الحِيلة، ومن الحذر تَرك الحذر.

وقال: ما له حيلةٌ ولا حَوَلٌ ولا مَحَالةَ ولا حَويل ولا حِيلْ ولا حَيْلٌ وقال: الحيْل القوة.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


25-تهذيب اللغة (زور زأر)

زور ـ زأر: قال الليث: يقال: زارَني فلانٌ يَزورُني زَوْرا وزِيَارَةً.

والزَّوْرُ: الَّذي يَزُورك، رَجُل زَوْرٌ، رِجَالٌ زَوْرٌ، وامرأَةٌ زَوْرٌ، ونِسَاءٌ زَوْرٌ.

وأَصل زار إليه: مال، ومنه تزاور عنه، أي: مال عنه.

وزَوِر يزوَر، أي: مال.

والزَّوْرُ: الصَّدرُ.

عمرو عن أبيه: الزَّوْرُ: العزيمة، والزَّوْرُ: الصَّدْر.

أبو عبيد عن أبي زيد: ما له زَوْر، أي: ما لَه رَأْيٌ.

الحرّاني عن ابن السكّيت: الزّوْرُ: أعْلَى الصَّدْر.

قال: والزُّورُ: الباطلُ والكَذِب.

قال: وقال أبو عُبيدة: كلُّ ما عُبد من دون الله فهو زُور.

وقال: ويقال: ما لَه زُورٌ ولا صَيُّور ـ بضم الزاي، أي: رأي يرجع إليه.

وأما أبو زَيد فإنّه قال: ما له زَوْرٌ بهذا المعنى ففتح الزَّاي، وهما لُغَتان.

وفي حديث عمر أنّه قال: كنت زَوَّرْتُ في نفسي كلاما يومَ سَقيفة بني ساعدة.

قال شمر: التَّزويرُ: إصلاحُ الشيءِ.

وسمعتُ ابن الأعرابيّ يقول: كل إصلاح من خيرٍ أو شرّ فهو تَزْوِير.

قال: ومنه شاهدُ الزُّور يُزَوِّر كلاما.

قال أبو بكر: في قولهم: قد زوَّر عليه كذا وكذا فيه أربعة أقوال: يكون التزوير فعلُ الكذب أو الباطل أو الزور الكذب، وقال خالد بن كلثوم التزوير: التشبيه، وقال أبو زيد: التزوير: التزويق والتحسين.

وقال الأصمعي: تهيئة الكلام وتقديره.

وفي صَدْره زَوَرٌ، أي: فَساد يَحتاج أن يُزَوَّر.

قال: وقال الحجاج: رحم الله امرأً زوَّر نفسَه على نفسِه، أي: اتّهمهَا عليها.

وتقول: أنا أُزَوِّرُك على نفسِك، أي: أتَّهِمك عليها، وأنشَد ابن الأعرابي:

* به زَوَرٌ لَم يَستَطِعْه المزَوِّرُ*

وناقَة زِوَرّة أسفار، أي: مُهَيَّأة للأسفار، مُعَدة.

ويقال: فيها ازورَار من نَشاطِها.

وكلُّ شيء كان صَلاحا لشيء وعِصمةً له، فهو زِوَارٌ له وزِيَارٌ له، وقال ابن الرِّقاع:

كانُوا زِوارا لأهلِ الشام قد عَلِموا *** لَمّا رأوْا فِيهمُ جَوْرا وطُغْيانا

وقال ابن الأعرابيّ: زِوارٌ وزِيار، أي: عصمة كزيار الدّابة.

وقال الأصمعي في الزوار هو الشكال، وهو حبل يكون بين الحقبِ والتصدير.

وقال أبو عمرو: وهو الحَبْل الذي يُجْعل بين الحَقَبِ والتصدير كي لا يَدْنو الحَقَبُ من الثِّيل، وقال الفرزدق:

بأرْحُلِنا يَحِدْنَ وقد جَعَلْنا *** لكل نَجيبةٍ منها زِيَارا

وقال القتال:

ونحنُ أناسٌ عُودُنَا عُودُ نَبْعَةٍ *** صَلِيبٌ وفينا قَسوةٌ لا تُزَوَّرُ

وقال أبو عدنان: أي: لا تغمز لقسوَتها ولا تُستضعَف.

قال: وقولُهم: زَوَّرْتُ شَهادة فلانٍ راجعٌ إلى هذا التفسير، لأنّ معناه: أنه استضعِف فغُمِز وغُمزت شهادَتهُ فأُسقِطتْ.

أبو عُبيد عن الأصمعيّ: التزْوِيرُ: إصلاح الكلام وتهيئَتُه.

وقال أبو زيد: زَوِّرُوا فلانا، أي: اذبَحوا له وأَكْرِموه.

وقال الليث: الْمزَوّرُ من الإبل: الذي إذا سَلَّه المُزَمِّر من بطن أمه اعوَجَ صَدرُه فيغمزه ليُقيمَه، فيبقى فيه مِن غَمزه أثرٌ يعلم أنّه مُزَوَّر.

والإنسان يزوِّر كلاما، وهو أن يقوِّمه ويُتقِنَه قبل أن يتكلم به.

قال: والزُّورُ: شهادةُ الباطلِ وقولُ الكَذِب، ولم يشتق منه تَزْوير الكلام، ولكنه اشتقّ من تَزْوير الصَّدر.

قال: والزِّيارُ: سِنافٌ يُشَدّ به الرَّحْل إلى صَدْر البعير بمنزلة اللَّبَب للدّابة، ويسمَّى

هذا الذي يَشُدّ به البَيْطارُ جَحْفلة الدابة: زِيارا، ونحو ذلك.

قال ابن شُميل عن أبي عبيد: الزُّورُ والزُّونُ كلُّ شيء يتّخذ رَبّا يُعبَد.

قال الأغلب:

* جاءوا بزُورَيْهِمْ وجِئْنا بالأصَم*

قال: وكانوا جاءُوا ببَعيرَين فعَقَلوهما وقالوا: لا نَفرّ حتى يَفرَّ هذان.

وقال شمر: الزُّورَانِ رئيسان؛ وأَنشَد:

إذا قُرِن الزُّورَانِ زُورٌ رازِحٌ *** زارٌ وزُورٌ نِقْيهُ طُلافِحُ

قال: الطُّلافحُ: المَهْزول.

وقال بعضهم: الزُّورُ: صَخْرة، ويقال: هذا زُويْر القومِ، أي: رئيسُهم.

وقال ابن الأعرابيّ: الزُّوَيْرُ: صاحب أمرِ القوم.

وقال:

بأيدي رجال لا هوادة بينهم *** يسوقون للمزن الزُّوَيْر البَلَنْدَدَى

ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده للمرار:

ألا ليتني لم أدر ما أخْت بارق *** ويا ليتها كانت زُوَيرا أنازله

فأدرك ثأري أو يقال أصابه *** جميع السلاح عنبس الوجه باسله

قال: الزّوير: الأسد.

وقال أبو سعيد: الزون: الصَّنَم وهو بالفارسيّة زوْن، بشمّ الزاي والسّين.

قال حميد:

* ذات المَجُوسِ عَكَفْت للزُّونِ*

قال الفراء في قول الله جلّ وعزّ: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ} [الكهف: 17]، قرأ بعضهم:

(تَتَزاوَرُ)، يريد تتزاور، وقرأ بعضهم: (تَزْوَرُّ) و (تزْوَارُّ)، قال: وازْوِرارُها في هذا الموضوع أنها كانت تطلُع على كهفِهم ذات الشمال فلا تصيبهم.

وقال الأخفش: (تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ)، أي: تَميل، وأنشد:

ودُون لَيْلَى بَلدٌ سَمَهْدَرُ *** جَدْبُ المُنَدَّى عن هوانا أَزْوَرُ

يُنْضِي المطَايا خِمْصه العَشَنْزَرُ

وقال الليث: الزَّوَرُ: مَيَلٌ في وَسَط الصدر.

والكلبُ الأزوَرُ: الذي استدقّ جَوْشَنُ زوْرِهِ وخرج كَلْكَلُه كأنه قد عُصِر جانباه، وهو في غَيْر الكلاب مَيَلٌ لا يكون معتدلَ التربيع نحو الكِرْكِرة واللِّبْدة.

أبو عبيد: الزّأرَةُ: الأجمة.

قال الليث: الزّأْرَةُ: الأجمة ذاتُ الحَلْفاءِ والقصب.

وعين الزّأرَة بالبحرين معروفة، والزارة قريةٌ كبيرةٌ بها، وكان مَرْزُبانُ الزّارة منها، وله حديث معروف.

ومدينةُ الزَّوْراء ببغدادَ في الجانب الشرقي، سميتْ زوْراءَ لازوِرارٍ في

قِبْلَتِها.

والزوراء: القَوْس المعْطوفة.

والزوراء: دارٌ بناها النعمانُ بالحِيرَة، وفيها يقول النابغة:

* بزَوْراء في أَكنافها المسْكُ كارعُ*

ويقال: إن أبا جعفر هدم الزوراء بالحِيرَة في أيامه.

وقال أبو عمرو: زوراءُ ههنا مَكُّوكٌ من فضة فيه طول مثل التَّلْتَلَة.

وقال أبو عُبيد: الزِّوَرُّ: السَّيْر الشديد، وقال القُطاميّ:

يا ناقُ خُبِّي زِوَرَّا *** وقَلّبي منْسِمِك المُغْبَرّا

وناقة زوْرةٌ: قوية غليظة.

وفلاةٌ: بعيدةٌ فيها ازوِرار.

وقال أبو زيد: زوَّر الطائرُ تزْويرا: إذا ارتفعتْ حَوْصَلَتُهُ.

ابن نجدة عن أبي زيد: يقال للحوْصلة الزّارةُ والزاوُورة والزّاورةُ.

قال: والتزوِيرُ: أن يُكرم المزُورُ زائرَه ويعرف له حقَّ زيارته.

وقد زوّرَ القومُ صاحبهم تزْويرا: إذا أَحْسنوا إليه.

وقال أبو عبيدة في قولهم: ليس له زور، أي: ليس له قوّة ولا رأي.

وحَبْل له زوْر، أي: قوة، قال: وهذا وفاقٌ وقع بين العربية والفارسية.

قلت: وقرأت.

.

.

.

وفي كتاب الليث في هذا الباب: يقال للرجل إذا كان غليظا إلى القِصَر ما هو: إنه لَزُوَّار وزوَارِية.

وهذا تصحيف مُنكَر والصواب: إنه لَزُوازٌ وزُوَازية بزاءين، قال ذلك ابن الأعرابي وأبو عمرو وغيرُهما.

وسمعتُ العرب تقول للبعير المائل السَّنام، هذا بعيرٌ أزْوَر.

وقال أبو عمرو في قول صَخْر الغَيّ:

وماءٍ وَرَدْتُ على زَوْرةٍ *** كمَشيِ السَّبَنتَى يراح الشفِيفا

قال: على زَورَةٍ: ناقة شديدة.

ويروى زورة ـ بالضم، أي: على بعد.

وهي اسم من الزوراء، أي: البعيدة، فلاة زوراء، أي: وردت على انحراف مني.

ويقال: على ناقة فيها ازوِرار وحَدْر.

وقيل: إنه أراد على فلاةٍ غير قاصدة.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


26-تهذيب اللغة (آن)

آن يؤون: ثعلب، عن ابن الأعرابيّ: آن يَؤُون أَوْنًا، إذا استراح؛ وأَنْشد:

غَيَّر يا بِنْتَ الحُلَيْس لَوْنِي *** مَرُّ اللَّيالِي واخْتِلافُ الجَوْنِ

* وسَفَرٌ كان قَلِيلَ الأوْنِ *

أبو عُبيد، عن أبي زيد: أُنْتُ أَؤُون أَوْنًا، وهي الرَّفاهيَة والدَّعَة.

وهو رَجُلٌ أئِن، مثل «قاعد»، أي: وادِع.

ابن السِّكيت: بَيْننا وبين مكة عَشْر ليالٍ آئِنات، أي: وادِعات.

ويُقال: أُن على نفسك، أي: ارْفُق بها في السَّير.

وتقول له أيضًا إذا طاش: أُن على نفسك، أي: اتَّدِعْ.

ويقال: أَوِّن على قَدْرك، أي: اتَّئد على نَحْوِك.

وقد أَوَّن تَأْوِينًا.

وقال الأصمعي: يُقال للعِدْلين يُعْكمَان: الأَوْنان.

قال ابن الأعرابي: شَرِب حتى أَوَّنَ، وحَتَّى عَدَّن، وحتى كأنّه طِرَافٌ؛ قال رُؤْبة:

* سِرًّا وقد أَوَّن تَأوِينَ العُقُقْ*

وصف أُتنًا وَرَدت الماء فشَربت حتى امتلأت خَواصرُها، فصار الماء مثل الأَوْنين إذا عُدِلا على الدابّة.

وقال ابن الأعرابي: التَّأوُّن: امتلاء البَطن.

والتَّوؤن: ضَعْف البَدن والرأي، أي ذلك كان.

قلت: التّوؤّن: مأخوذ من قولهم: رجل وَأنٌ، وهو الأَحْمق.

رواه أبو عُبيد، عن الفراء، عن ابن السّكيت.

يقال: أَوِّنوا في سَيركم، أي: اقْتَصِدوا.

من «الأَوْن» وهو: الرِّفْق.

وقد أوّنت، أي: اقْتصدت.

ويقال: رِبْعٌ آئنٌ خَيْرٌ من عَبٍّ حَصْحاص.

قلت: الوَأْبة، بالباء: مُقاربة الخَلْق.

والوأنة، بالنون: الحمقاء.

ابن السِّكيت: امرأة وَأْنة، إذا كانت مُقاربة الخَلْق.

وقال اللّيث: الوأنةُ؛ سَواء فيه الرَّجُل والمرأة، يَعْني: المُقْتدر الخَلْق.

والإوان: شبه أَزَج غير مَسدود الوَجْه.

والإيوان، لغة؛ وأنشد:

* إيوان كِسْرى ذي القِرَى والرَّيحان*

وجماعة «الإوَان» أُوُن، مثل: خِوان وخُوُن.

وجماعة «الإيوان»: أواوين، وإيوانات؛ وأَنْشد:

* شَطَّت نَوَى مَن أَهْلُه بالإيوان *

قال: وجماعة إيوان اللِّجام: إيوانات.

وقال غيره: الإوان: من أعمدة الخِبَاء.

قال: وكل شيء عَمدت به شيئًا فهو: إوَان؛ قال الرّاعي يَذْكر امْرأة:

تَبِيت ورِجْلاها إوانان لاسْتها *** عَصَاها اسْتُها حتى يكلّ قَعودُها

أي: رِجْلاها سَندان لاستها تَعْتمد عليهما.

وقوله: عَصاها استُها، أي: تُحرّك استها على البَعير.

الليث: الأَوان: الحَين والزمان.

تقول: جاء أوانُ البرد؛ قال العجّاج:

* هذا أوان الجِدّ إذ جَدّ عُمَرْ*

وجمع، الأوان: آونة.

ابن السِّكيت، عن الكسائي، قال: قال ابن جامع: هذا إوان ذلك.

والكلام: أوان ذلك، بالفتح.

وقال أبو عمرو: أتَيْتُه آئنة بعد آئنة، بمعنى: آونة.

الآن: سلمة، عن الفراء، قال: الآن، حرف بُني على الألف واللام، ولم يُخْلعا منه وتُرك على مذهب الصِّفة، لأنه صفة في المعنى واللَّفظ، كما رأيتهم فَعلوا ب «الذي» و «اللذين» فتركوهما على مَذهب الأداة، والألف واللام لهما غير مفارقة؛ ومنه قول الشاعر:

* فإنّ الألاء يعلمونك منهم*

فأدخل الألف واللام على «أولا».

ثم تركها مخفوضةً في موضع النصب، كما كانت قبل أن تدخلها الألف واللام؛ ومثله قوله:

وإنّي حُبِسْت اليومَ والأَمْسِ قَبْلَه *** ببابك حتّى كادت الشمسُ تَغْرُبُ

فأدخل الألف واللام على «أمس» ثم تركه مخفوضًا على جهة «الأُلاء»، ومثله قوله:

* وجُنَّ الخازِ بازِ به جُنُونا*

فمثل «الآن» بأنها كانت منصوبةً قبل أن تدخل عليها الألف واللام، ثم أدخلتهما فلم يُغيِّراها.

قال: وأصل «الآن» إنما كان «أوان» فحذف منه الألف، وغيّرت واوها إلى الألف، كما قالوا في «الراح»: الرِّياح؛ وأَنْشد أبو القَمقام:

كأن مَكَاكِيّ الجِواء غُدَيَّة *** نَشَاوى تساقَوْا بالرِّياح المُفَلْفَل

فجعل «الرِّياح» و «الأوان» مرةً على جهة «فَعَل»، ومرة على جهة «فعَال» كما قالوا: زَمَن، وزَمَان.

قالوا: وإن شئت جعلت «الآن» أصلها من قولك: آن لك أن تفعل، أدخلت عليها الألف واللام، ثم تركتها على مذهب «فَعَل» فأتاها النصب من نَصْب «فَعل»، وهو وجه جَيد.

كما قالوا: نَهى رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم عن قِيل وقال، فكانت كالاسمين، وهما مَنْصوبتان.

ولو خَفَضْتهما، على أنهما أُخرجتا من نِيّة الفِعل إلى نيّة الأسماء، كان صوابًا.

وسمعت العرب يقولون: من شُبَّ إلى دُبَّ، وبعضٌ: مِن شُبٍّ إلى دُبٍّ.

ومعناه: فَعل مذ كان صغيرًا إلى أن دَبّ كبيرًا.

وقال الخليل: الآن، مبنيّ على الفتح، تقول: نحن من الآنَ نَصيرُ إليك.

فنفتح «الآن» لأن الألف واللام إنما يَدْخُلان لعْهدٍ، و «الآن» لم تَعْهده قبل هذا الوقت، فدخلت الألف واللام للإشارة إلى الوقت، والمعنى: نحن من هذا الوقت نفعل.

فلما تضمّنت معنى هذا وَجَب أن تكون مَوقوفة، ففُتحت لالتقاء الساكنين، وهما الألف والنون.

قلت: وأنكر الزّجاج ما قال الفَراء أن «الآن» إنما كان في الأصل «آن»، وأن الألف واللام دخلت على جهة الحكاية.

وقال: ما كان على جهة الحكاية، نحو قولك «قام» إذا سمّيت به شيئًا، فجعلته مبنيًّا على الفتح، لم تدخله الألف واللام.

ثم ذكر قول الخليل «الآن» مبنيّ على الفتح، وذَهب إليه، وهو قولُ سِيبويه.

وقال الزّجاج في قوله عزوجل: {الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ} [البقرة: 71] فيه ثلاث لغات: قالوا: الآن، بالهمزة واللام ساكنة.

وقالوا: أَلان، متحركة اللام بغير همز، وتُفْصل، قالوا: مِن لآن.

ولغة ثالثة: قالوا: لانَ جئت بالحق.

قال: والآن: منصوبة النون، في جميع الحالات، وإن كان قبلها حرف خافض، كقولك: مِن الآنَ.

وذكر ابن الأنباري «الآن» فقال: وانتصاب «الآن» بالمُضمر، وعلامةُ النصب فيه فتحُ النون، وأصله: «الأوان» فأُسْقطت الألف التي بعد الواو، وجعلت الواو ألفًا، لانفتاح ما قَبلها.

قال: وقيل: أصله: آن لك أن تفعل، فسمّى الوقت بالفِعل الماضي، وترك آخره على الفَتْح.

قال: ويقال على هذا الجواب: أنا لا أكلمك من الآنَ يا هذا، وعلى الجواب الأول: من الآن؛ وأنشد لأبي صخر:

كأنّهما مِلآنِ لم يَتغيَّرا *** وقد مَرَّ للدارَيْن من بعدنا عَصْر

وقال ابن شُميل: هذا أوان الآنَ تَعلم، وما جئت إلا أوانَ الآنَ، أي: ما جئت إلا الآنَ، بَنصب «الآن» فيهما.

وسأل رجلٌ ابن عمر عن عُثمان، قال: أَنْشدك الله هل تعلم أنّه فَرَّ يوم أُحد، وغاب عن بَدْر وعن بَيعة الرّضوان؛ فقال ابن عمر: أمّا فرَاره يوم أُحد فإن الله عزوجل يقول: {وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ} [آل عمران: 155]، وأمّا غَيبته عن بَدر، فإنه كانت عنده بِنت رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم وكانت مريضةً، وذكر عُذْره في ذلك ثم قال: اذهب بهذه تلآن مَعك.

قال أبو عُبيد: قال الأُموي: قوله «تلآن» يريد: الآن، وهي لغة معروفة، يَزيدون التّاء في «الآن»، وفي «حين»، ويحذفون الهمزة الأولى، فيقال: «تَلأن»، و «تِحين».

قال: وأنْشد لأبي وَجْزة:

العاطفُون تَحينَ ما من عاطِفٍ *** والمُطْعمون زَمان ما مِن مُطْعِمِ

وقال آخر:

* وصَلّينا كما زَعَمت تَلَانا*

قال: وكان الكسائي والأحمر وغيرهما يَذْهبون إلى أن الرِّواية: العاطفونه، فيقولون: جعل الهاء صلة، وهو في وسط الكلام، وهذا ليس يُوجد إلَّا على السَّكْت.

قال: فحدّثت به الأُمويّ فأَنْكره.

قال أبو عُبيد: وهو عندي على ما قال الأُمويّ، ولا حُجّة لمن احتج بالكتاب في قوله: {وَلاتَ حِينَ مَناصٍ} [ص: 3] لأن التاء مُنْفصلة من «حين»، لأنهم كتبوا مثلها منفصلًا أيضًا ممّا لا ينبغي أن يفصل كقوله: {يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ} [الكهف: 49] والّلام مُنْفصلة من «هذا».

قلت: والنَّحْويون على أن التاء في قوله تعالى: {وَلاتَ حِينَ} [ص: 3] في الأصل

هاء، وإنما هي: وَلَاه، فصارت تاء للمُرور عليها، كالتاآت المُؤنَّثة.

وقد ذكرت أقاويلهم في باب «لا» من كتاب اللام، بما فيه الكفاية إن شاء الله تعالى.

أبو زَيد: العرب تقول: مَرَرْتُ بِزَيْد الآن، تنقل اللام وتكسر الدال وتُدغم التنوين في اللّام.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


27-معجم العين (حول)

حول: والحَوْل: سَنةٌ بأَسْرِها.

تقول: حال الحَوْلُ، وهو يَحُول حَوْلًا وحؤولًا، وأحال الشّيءُ إذا أتى عليه حول كامل.

ودارٌ مُحِيلةٌ: غاب عنها أهلُها منذ حول، وكذاك إذا أتت عليها أحوال، ولغة أخرى: أَحْوَلَت الدّار.

وأَحْوَلَ الصّبِيُّ إذا تمَّ له حَوْل، فهو مُحْوِل.

والحَوْل: الحِيلة.

تقول: ما أَحْوَلَ فلانًا، وإنّه لذو حِيلةٍ، والمُحَالةُ: الحِيلة نفسها.

ويقولون في موضع لا بدَّ: لا مَحَالَةَ، وقد يُنوَّن في الشِّعر اضطرارًا.

والاحتيال والمحاولة: مطالبتك الأمر بالحِيَل، وكلّ من رامَ أمرًا فقد حاول.

قال

ألا تَسألانِ المرءَ ماذا يُحاولُ *** أَنْحَبٌ فيُقْضَى أم ضَلالٌ وباطِلٌ

ورجُلٌ حُوَّل: ذو حِيَل.

قال:

وما غرّهم لا بارَكَ الله فيهم *** به وهو فيه حُوَّلُ الرَّأيِ قُلَّبُ

وامرأة حولة وقلبة.

ورجلٌ مِحْوالٌ: كثير مُحالِ الكلام، والمحال من الكلام: ما حُوّل عن وجهه.

وكلامٌ مُسْتَحيلٌ: محالٌ.

وأرضٌ مُسْتَحالةٌ: تُرِكَتْ حَوْلًا أو أَحْوالًا عن الزّراعة.

وقوس مُسْتَحالَةٌ: في سِيئَتِها اعوجاجٌ.

ورِجْلٌ مُسْتَحالَةٌ: إذا كان طَرَفا السّاقين منها مُعْوَجَّين.

وكلّ شيءٍ استحال عن الاستواء إلى العِوَجِ، يقال له: مُستحيل.

والحَوْلُ اسم يجمع الحَوَالَيْ، تقول: حوالَيِ الدّار كأنها في الأصل: حوالَيْنِ، كقولك جانِبَيْن، فأُسْقطتِ النّونُ، وأُضيفَتْ، كقولك: ذو مالٍ، وأولو مالٍ.

والحِوالُ المُحاوَلةُ.

حاولتُه حِوالًا ومُحاوَلةً.

والحِوالُ: كلّ شيءٍ حال بين اثنين، يقال: هذا حِوَالُ بَيْنِهِما، أي: حائل بينهما.

فالحاجز والحجاز والحِوَل يجري مَجْرَى التّحويل.

وحال الشيءُ يحول حؤولًا في معنيين، يكون تغييرًا، ويكونُ تحويلًا.

والحائل: المُتَغَيِرّ اللَّوْن.

رمادٌ حائِلٌ، ونباتٌ حائِلٌ.

وحوّلتُ كسائي إذا جعلت فيه شيئًا ثم حملته على ظهري، والاسم: الحالُ.

والحائلُ: كلّ شيء يتحركُ من مكانِه، أو يتحوّل من موضع إلى موضع، ومن حالٍ إلى حالٍ.

قال

رمقت بعيني كل شَبْحٍ وحائلٍ *** لأنَظُرَ قبلَ الليل كيف يحول

وناقةٌ حائل: التي لم تحمل سنةً أو أكثر، حالت تحول حِيالًا وحُؤُولًا، والجميع: الحِيالُ والحُولُ، وقالوا للجميع: حولَك.

قال:

ورادًا وحُوًّا كلَوْن البُرود *** طوال الحدود فحُولا وحُولا

والحِيلانُ: الحدائد بخُشُبِها يُداسُ بها الكُدْسُ.

والحَوَالَةُ: إحالتك غريمًا، وتحوّل ماءٍ من نَهْرٍ إلى نَهْر.

والحَوَلُ: إقبالُ الحَدَقَةِ على الأنف.

حَوِلَتْ تَحْوَل.

وإذا كان الحول يَحْدُث ويَذْهَبُ قيل: آحْوَلَّتْ عينه احوِلالًا، وآحْوالَّت احويلالًا.

ولغةُ تميمٍ: حالَتْ عينُه تَحالُ حَوَلًا.

والحال تؤنث فيقال: حال حسنة.

وحالات الدّهر وأحواله: صروفه.

والحال: الوقت الذي أنت فيه.

والحال: التُّراب اللّيّنُ الذي يُقالُ له: السَّهْلة.

والحُوِلَاءُ من النّاقة كالمَشِيمِة من المرأة.

قال:

على حُوَلاء يطفو السخد فيها *** فراها الشَّيُذمانُ عنِ الجنين

ويروى: الشَّيمذان.

وآحْتَوَلَه القومُ: احتوشوا حَوَالَيْه.

والمَحَالَةُ: مَنْجَنُونٌ يُستَقَى عليه.

والجميع مَحاوِلُ.

والمَحَالَةُ والمَحَالُ: واسط الظَّهْر.

يُقال: هو مَفْعَلٌ، ويُقال: مَفالٌ، والميم أصلية.

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com