نتائج البحث عن (وَأَخْبَرَنِي)
1-معجم ما استعجم (دير القائم الأقصى)
دير القائم الأقصى: قال أبو الفرج: هو على شاطىء الفرات من الجانب الغربىّ، على طريق الرّقّة، قال: وقد رأيته ورأيت القائم الأقصى، وهو مرقب من المراقب التى كانت بين الفرس والروم، على أطراف الحدود، مثل عقر قوف من بغداد وما جرى مجراه؛ وعنده هذا الدّير؛ وهو الآن خراب؛ دخلته وليس فيه أحد، ولا عليه سقف ولا باب.وأخبرنى هاشم بن محمد الخزاعىّ، قال: أخبرنى عمى عبد الله بن مالك، عن أبيه، قال: خرجنا مع الرشيد إلى الرّقة، فممرنا بالقائم الأقصى، فاستحسن الرشيد الموضع، وكان ربيعا، وكانت تلك المروج مملوءة بالشقائق، وأصناف الزهر، فشرب على ذلك ثلاثة أيام. ودخلت الدير فطفنه، فإذا فيه ديرانية حين نهد ثدياها، عليها مسوح، ما رأيت قطّ أحسن منها وجها وقدّا واعتدالا؛ وكأن تلك المسوح عليها حلىّ، فدعوت بنبيذ، فشربت على وجهها أقداحا، وقلت فيها:
«بدير القائم الأقصى *** غزال شادن أحوى»
«برى حبّى له جسمى *** ولا يدرى بما ألقى»
«وأخفى حبّه جهدى *** ولا والله ما يخفى»
ثم دعوت العود، وغنّيت فيه صوتا حسنا، ولم أزل أكرره وأشرب على وجهها حتى سكرت.
فلما كان الغد دخلت على الرشيد وأنا ميت سكرا فاستخبرنى، فأخبرته بقصتى، فقال: طيب وحياتى! ودعا بالشراب، فشرب سائر يومه، فلما كان العشىّ قال: قم حتى أتنكّر وأدخل معك على صاحبتك، فأراها. فركب حمارا، وتلثم بردائه، فدخلنا، فرآها، وقال: مليحة والله! فامر فجىء بكأس، وأحضرت عودى، وغنّيته الصوت ثلاث مرات، وشرب ثلاثة أرطال وأمر لى بعشرة آلاف درهم؛ فقلت له: يا سيدى، فصاحبة القصة؟ فأمر لها بمثل ذلك؛ وأمر ألّا يؤخذ من مزارع ذلك الدير خراج، وأقطعهم إياه، وجعل عليه خراج عشرة دنانير فى كل سنة، تؤدّى عنه ببغداد، وانصرفنا.
معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع-أبو عبيد عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد البكري الأندلسي-توفي 487هـ/1094م
2-معجم ما استعجم (عليب)
عليب: بضمّ أوّله، وإسكان ثانيه، بعده الياء مفتوحة أخت الواو، ثم باء معجمة بواحدة، على وزن فعيل. هكذا ذكره سيبويه، وحكى فيه غيره عليب، بكسر أوله؛ وهو واد لهذيل بتهامة؛ وقيل: هى قرية بين مكّة وتبالة، ذكره الزّبير، وقد أنشد لأبى دهبل فى زوجه أمّ دهبل:«إن تكونى أنت المقدّم قبلى *** وأطع يثو عند قبرك قبرى»
قال: وأخبرنى إبراهيم بن أبى عبد الله أنه رأى قبريهما بعليب فى موضع واحد. وقال دريد:
«أغرنا بصارات ورقد وطرّفت *** بنا يوم لاقى أهلها البوس عليب»
معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع-أبو عبيد عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد البكري الأندلسي-توفي 487هـ/1094م
3-جمهرة اللغة (هرر هر)
(ر-ه-ه) استُعمل من معكوسه؛ هَر الكلبُ يَهِر هَرِيرًا وهَرًّا وكذلك الذِّئبُ: إذا كشَّر.وهرَّ الرجُلُ الشيءَ، إذا كَرِهَه.
قال الشاعر- عنترة بن شدّاد العبسي:
«حَلَفْنا لهم والخيلُ تَرْدي بنا معًا*** ونَطعنُكم حتّى تَهِروا العواليا»
أي تكرهونها.
والهِرّ: السِّنَّوْر، معروف.
وقولهم: " لا يعرف الهِر من البِر".
زعم قوم أن البِرَّ الفأرة، ولا أعرف صحَّة ذلك.
وأخبرني حامد بن طرفة عن بعض علماء الكوفيين أنه فَسَّر هذا فقال: لا يعرف من يَهِرُّ عليه ممن يَبَره.
هرّت الإبل هَرًا، إذا أكثرت من الحمض فلانت بطونُها عليه.
والهُرُّ: الماء الكثير، وهو الهرْهور.
والهُرَار: سُلاح الإبل.
فأما أهل اليمن فيسمُّون ما تساقط من العنب قبل أن يُدرك: هُرَارًا.
جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م
4-جمهرة اللغة (لأوي)
اللأواء: الشدَّة والبؤس، وهي اللَولاء أيضًا.ورجل ألْوَى، إذا كان خصيمًا.
ولَوَى الحبلَ يَلويه لَيًّا.
ولَوَى الغريمَ يَلويه لَيًا ولّيانًا، إذا مَطَلَه بحقّه.
قال ذو الرُّمَة:
«تُطيلين لَيانـي وأنـتِ مـلـيئة*** وأحْسِنُ يا ذات الوِشاح التقاضيا»
قال أبو بكر: الخَصْم الفاعل والخَصِيم المفعول به، يتصرف على وجهين.
ولِواء الجيش: معروف.
قال الشاعر:
«حتى إذا رُفع الـلـواءُ رأيتَـه*** تحتَ اللِّواء على الخَميس زَعِيما»
واللَوَى، مفتوح الأول مقصور: داء يصيب الإنسان في بطنه؛ لَوِيَ يَلْوَى لَوًى شديدًا.
يلوَى الرمل: مُسْتَرَقّه.
واللَوى أيضًا مقصور مفتوح الأول: عيب من عيوب الخيل، وهو التواء في ظهر الفرس.
واللَويّة: ما ادخرته المرأةُ لِتُتْحِفَ به زائرًا أو ولدًا.
ولاوَتِ الحَيةُ الحَيَّةَ، إذا التَوَتْ عليها.
والوِلاء: مصدر والَيْتُ بين الشيئين مُوالاة ووِلاءً.
والوَلاء: مصدر مَولىً بين الوَلاء.
والوِلاية: الإمارة.
والوليّ: خلاف العَدُو.
والوليّ: المطرة بعد الوَسْميّ، وُليَتِ الأرضُ فهي مَوْلِيَّة، إذا أصابَها الولِيّ.
قال الشاعر:
«لِني وَلْيَة تمْرعْ جَنابي فإنـنـي*** لِما نِلْتُ من وَسْميِّ نُعْماكَ شاكرُ»
والوَلية شبيهة بالبْرذَعَة، تطرح على ظهر البعير تلي سَنامَه.
والجمع وَلايا.
ودارُ فلانٍ وَلْيُ دارِ فلانٍ، إذا كانت تليها، والدار وَلْيَة، أي قريبة.
والألِية: اليمين.
والجمع ألايا.
وربما قالوا الألْوَة في معنى الألِية.
ويقال: آلَى الرجلُ يُؤلي إيلاءً، إذا حَلَفَ.
والألُوَّة: العود الذي يتبخَّر به، فارسي معرب.
ويقال: ألُوَّة، بالفتح أيضًا.
وأخبرني الغَنَوي بإسناده قال: مر أعرابي بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يدْفَن فقال:
«ألاّ جعلتم رسولَ اللّه في سَفَطٍ*** من الألُوُّة أصدحَى ملْبَسًا ذهبا»
ويقال: فلان لا يألو أن يفعل كذا وكذا، أي لا يقصِّر.
وفي لغة هذيل: لا يألو، أي لا يَغْدِر.
ووَألَ الرجلُ يَئِلُ وألًا، إذا نجا.
ومنه اشتقاق اسم وائل.
وواءَل إلى المكان مُواءلةً ووِئالًا، إذا بادر إليه.
ووَألَ يَئلُ وَألًا، إذا لجأ إلى مَوْئل، وهو اللَّجأ والمَلْجَأ.
والوأْلَة: الدِّمْنَة والبَعْرَة.
ويقال: قد آل القَطِران أو العسلُ، إذا أعْقِد بالنار، يَؤول أوْلًا.
ألا: وأليَةُ الشاةِ: معروفة.
وكَبْش ألْيان، إذا كان عظيم الألْيَة، وكذلك الرجل، ولا يقال للمرأة ذلك، وإنما يقال عَجْزاءُ.
ويقال: هذه ألْيَة وهاتان أليانِ.
قال الراجز:
«كأنما عطيةُ بـن كَـعْـبِ*** ظعَينة واقفة فـي رَكْـبِ»
«تَرْتَجُّ ألياه ارتجاجَ الوَطْبِ»
وجمع ألْيَة أليات.
وأنشد:
«وقد فتحنا ثَم ما لا يُفْتَـحُ*** من ألياتٍ وخصًى تَرَجَّح»
وَلأي: اسم.
ويقولون: بعدَ لأي ما عرفته، أي بعد بُطء.
واللأى مثل اللَّعَى: الثور الوحشي، والأنثى لَآة مثل لَعَاة.
واختلفوا في اسم لُؤَيّ، فقال قوم: هو تصغير لَأى، وقال قوم: هو تصغير اللَوَى؛ إما لِوَى الرمل، مقصور، وإما لِواء الجيش، ممدود.
والألاء، مثل العَلاء: ضرب من الشجر، الواحدة ألاءَة، ممدودة.
قال الشاعر:
«فخر على الألاءة لم يوسدْ*** كأنَّ جبينَه سيف صقيلُ»
والألالاء، مثل العَلالاع: ضرب من الشجر، والواحدة ألالاة، مقصور، تقول العرب إن الجن تستظل تحته.
واللوْلاء شبيهة باللأواء.
ويقال: تركتُ القومَ في لَوْلاءَ مُنْكَرِةٍ.
واللَّيل: ضد النهار.
والليل: فَرْخُ الحُبارى.
وليلة لَيْلاءُ، ممدودة، أي صعبة، وكذلك ليل أليَلُ.
وقال بعض أهل اللغة: ليلة لَيْلَى، مقصور، وهي أشد ليلة في الشهر ظلمةً، وآخر ليلة فيه.
قال: وبه سميت لَيْلَى.
وسمعت أليل الماءِ، أي صوت جريه.
والألِيلة: الثُّكْل.
قال الشاعر:
«فهي الألِيلةُ إن قَتَلْتُ حؤُولتي*** وهي الألِيلَةُ إن هُمُ لم يُقتلوا»
والإلّ: جبل رمل يقوم عليه الإمام بعَرَفَة.
قال الشاعر:
«حَلَفْتُ فلم أترك لنفسـك رِيبةً*** وهل يأثَمَنْ ذو أمَّةٍ وهو طائعُ»
«بمصطحِبات من لَصافِ وثَبْرَةٍ*** يَزُرْنَ إلالًا سَيْرُهُنّ التدافـعُ»
والآل: السراب.
وآل كل شيء: شخصُه.
وآلُ الرجل: أهلُه وقرابته.
قال الشاعر:
«ولا تَبْكِ مَيْتًا بعد مَيت أجَنَهُ*** علي وعَبّاس وآلُ أبي بكرِ»
والألَّة: الحَرْبَة، أخذت من ألَّ الشيءُ يَئِلُّ، إذا لمع.
والآلة: الحالة.
قالت الخنساء:
«سأحملُ نفسي على آلة*** فإمّا عليها وإمّا لهـا»
ويروى: على ألةٍ.
جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م
5-جمهرة اللغة (حزف حفز زحف زفح فحز فزح)
الحَفْز: الإعجال حَفَزَني عن كذا وكذا يحفِزني حَفْزًا، أي أعجلني وأزعجني.وفي كلام لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام: "لا يَحْفِزُه البِدارُ عن مُطالبة الأوتار".
وأخبرني الحسن بن خَضِر أنّ هذا الكلام لأم كلثوم بنت علي عليه السَّلام، قالته في كلام لها عند منصرَفهم من الشام إلى المدينة بعد قتل الحسين عليه السَّلام.
والزَّحْف له مواضع: زَحَفَ الرجل يَزْحَف زَحْفًا، إذا حبا على آسته.
وتزاحف القومُ في الحرب، إذا تدانَوا.
وفرَّ من الزَّحْف، إذا فرَّ من القتال.
والتقى الزَّحْفان، أي الجيشان.
والمُزْحِف: المُعْيي الذي ألقى نفسه ولا حَراك به.
وقد سمَّت العرب زَحّافًا وزاحِفًا ومُزاحِفًا.
ومَزاحف الحيّات: آثارها على الأرض.
قال المتنخِّل الهُذلي:
«كأن مَزاحفَ الحَيّاتّ فيه*** قبَيْلَ الصُّبح آثارُ السَّياط»
وأزحفَ الرجلُ، إذا كلّت مطيَّته.
جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م
6-جمهرة اللغة (حطن حنط طحن طنح نحط نطح)
الحَنْط أُميت فعله، ومنه قولهم: رِمْثٌ حانط، إذا أثمر، وكذلك العُلَّف وما أشبهه من الشجر.ولا يقولون: حَنَطَ الرمث، إنما، يقولون أحنطَ، ثم يقولون حانط، تركوا القياس.
ومنه اشتقاق الحَنوط لأن الرِّمث إذا أحنط كان لونُه أبيضَ يضرب إلى الصُّفرة له رائحة طيّبة.
والحِنطة: البرّ، عربي معروف.
والطَّحْن: مصدر طحنت الشيءَ أطحنه طَحنًا.
والطِّحْن: الشيء المطحون نحو الدَّقيق وغيره.
والطُّحَن: دُوَيْبَّة تدور في التراب حتى تغيب فيه وتُخرج رأسها.
قال:
«كأنما أنْفُكَ يا يحيى طُحَنْ *** إذا تَدَحَّى في التراب واندفَنْ»
ويروى: واكتمَنْ.
وطحَّنت الأفعى، إذا تغيَّبت وأخرجت رأسها.
والطَّحين والمطحون واحد.
قال الشاعر:
«فنعم المُرتجَـى رَكـدَت إلـيه*** رحَى حَيزومِها كرَحَى الطّحينِ»
والطواحن من الأضراس: التي تسمَّى الأرحاء من الإنسان وغيره.
وحرب طَحون: تطحن كل ما استولت عليه.
ويقال: طَنِحَتِ الإبل وطَنِخَتْ، إذا بَشِمَتْ، فهي طَوانح وطَوانخ.
وأخبرني عبد الرحمن عن عمه الأصمعي قال: يقال: طَنِحَتِ الإبلُ إذا سَمِنَتْ، وطنِختْ إذا بَشِمَتْ.
والنَّحْط والنحاط: تردُّد البكاء في الصدر من غير أن يظهر، نحو بكاء الصبيّ إذا شَرِقَ.
قال الشاعر:
«من المُرْبَعِين ومن آزلٍ*** إذا جَنَه الليل كالنّاحطِ»
ويُسَبُّ الرجل، إذا تكلّم أو سعل فيقال له: نَحْطَة، وهو النُّحاط والنَحيط.
والنطح: معروف، نطح الرجل فهو منطوح ونَطيح ومنطوح.
ومرّت بفلان نَواطحُ من الدهر، أي شدائد.
ورجل نَطيح: مشؤوم.
والناطح: الذي يلقاك من الظِّباء والطير، وهو الجابه أيضًا، يُتشاءم به.
وفرس نَطيح، إذا مالت غَرَّته حتى تصير تحت إحدى أذنيه، وهو يُتشاءم به.
والنَّطْح: منزل من منازل القمر، وهو الشَّرَط، يُتشاءم به.
جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م
7-جمهرة اللغة (حفك حكف فحك فكح كحف كفح)
كافحتُ الرجلَ مكافحةً وكِفاحًا وكفَحْتُه كَفْحًا، إذا واجهتَه ولقيتَه.وكل شيء واجهته فقد كافحته.
وفي الحديث (إني لأكْفَحُها وأنا صائم)، أي أقبّلها، يعني امرأته.
وأخبرني الرياشي عن ابن أبي رجاء عن الواقدي قال: لمّا خدَّ خالد ابن الوليد رضي الله عنه الأُخدودَ يومَ بُطاح لبني تميم وأوقد عليه نارًا ليُحرقهم جيىء بامرأة من بني تميم، فلما أشرفت على الأخدود نَكَصَتْ ثم قالت:
«يا موتُ عِمْ صَباحا *** إذ لم أجِدْ رَواحا»
«كافَحْتُه كِفاحا»
ثم ألقث نفسها في النار.
والكَفْح والكَثْح متقاربان في المعنى كفحتُ الشيء وكثحتُه، إذا كشفت عنه غطاءه.
جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م
8-جمهرة اللغة (زفل زلف فزل فلز لزف لفز)
الزَّلَف والزلْفَة: الدَّرجة والمَنزلة.قال ابن جُرْمُوز:
«أتيتُ عليًّا برأس الزُّبيرِ***وقد كنت أحسِبه زُلْفَهْ»
وأزلفتُ الرجلَ إزلافًا، إذا أدنيته إلى هَلَكَة، وكذلك فُسّر في التنزيل قوله جلّ وعزّ: {وأزلَفْنا ثَمَ الآخَرِين}، واللهّ أعلم.
وربما سُمّيت الحِياض إذا امتلأت ماءً: زَلَفًا.
والزَّلَف: واحدتها زَلفَة، وهي الأجاجين الخُضر، هكذا أخبرني أبو عثمان الأشْنانْداني عن التّوَّزيّ عن أبي عُبيدة، وقد كنت قرأتُ عليه في رجز العُماني:
«حتى إذا ماءُ الصهاريج نَشـفْ*** من بعد ما كانت مِلاءً كالزَّلَـفْ»
«وصار صلصالُ الغدير كالخَزَفْ»
فسألته عن الزَّلَف فذكر ما ذكرته لك آنفًا، وسألت أبا حاتم والرِّياشي فلم يجيبا فيه بشيء.
والزَّليف: المتقدمِّ من موضع إلى موضع، وبه سُمّي المُزْدَلِف، رجل من فرسان العرب، وذلك أنه ألقى رمحه بين يديه في حرب كانت بينه وبين قوم ثم قال: ازْدَلِفوا إلى رُمحي، وله حديث.
والمُزْدَلِفَة: الموضع المعروف بمكّة.
ويقال: فلان يزلِّف في حديثه ويزرِّف فيه، إذا زاد فيه.
وبنو زُلَيْفَة: بطن من العرب.
والفِلِزّ: خَبَثُ الحديد الذي ينفيه الكِير.
قال الراجز:
«أجْردَ أو جَعْدِ اليدين جِبْزِ *** كأنما صُوِّرَ من فِـلِـزِّ»
ويُروى: كأنما جُمِّعَ، وأصله الصلابة والغِلَظ.
وأخبرني عبد الرحمن عن عمّه الأصمعي قال: يقال: أرض فيْزَلةٌ: سريعة السيل إذا أصابها الغيث، فهذا من الفَزْل، إلا أني أعلم أن الياء زائدة.
والفَزْل: الصلابة، وأحسبه مقلوبًا عن الفَلْز إن شاء الله.
جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م
9-جمهرة اللغة (سطف سفط طسف طفس فسط فطس)
السّفَط: عربي معروف؛ أخبرني أبو حاتم عن الأصمعي، أحسبه عن يونس، وأخبرني يزيد بن عمرو الغَنَوي عن رجاله قال: مرّ أعرابيّ بالنبي صلى الله عليه وآله وسلّم وهو يُدفن فقال:«ألا جعلتم رسولَ الله في سَفَطٍ***من الألُوَّة أصْدَى مُلْبَسًا ذَهَبا»
والسُّفاطة: مَتاع البيت نحو الأثاث.
ويقال لقشر السّمكة: السَّفَط.
والطَّفَس: الدّرَن يصيب الثوب وغيره، ثم كثر ذلك حتى صار كل دنس طَفَسًا، والمصدر الطَّفَس والطَّفاسة.
والفَسْط ممات، ومنه اشتقاق الفَسِيط، وهو قُلامة الظفر.
قال الشاعر:
«كأنّ ابنَ ليلتها جانـحـًا***فَسيطٌ بدا لك من خِنْصِرِ»
ويُروى: لدى الأُفقِ من خنصرِ؛ يعني بذلك هلالًا بدا في الجَدْب والسماءُ مغبرَّة، فكأنه من وراء الغُبار قُلامة ظُفْرِ خِنْصِرٍ.
والفَطَس في الأنف: انفراشه في الوجه؛ فطِسَ يفطَس فَطَسًا، والذكر أفْطَسُ والأنثى فَطْساءُ.
والفَطْسَة: خرَزَة من خَرَز الأعراب التي تزعم النساء أنهن يؤخِّذن بها الرجال.
والفَطْس: حَبّ الآس، زعموا، جاء به الخليل.
وأما الفِطِّيس فليس بعربي محض، إمّا رومية وإما سريانية، إلا أنهم قالوا: فِطِّيسة الخِنزير، يريدون أنفه وما والاه.
ويقال: فَطَسَ الرجلُ، إذا مات.
جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م
10-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (بالحاف)
بالحافهو من وراء عين بامعبد إلى جهة الشّرق، وهو مرسى لآل أحمد بن هادي آل عزّان.
والسّلطان فيهم: عبد الله بن محسن الواحديّ، وهو من جملة الموقّعين على الوثيقة الّتي أمضى عليها أعيان تلك الجهات وسلاطينها بالسّمع والطّاعة لي على نصر الحقّ في المنشط والمكره.
كما أنّ من جملة الموقّعين عليها: الشّيخ محمّد بن جعبل العوذليّ بالنّيابة عن السّلطان صالح بن حسين بن جعبل؛ لأنّه كان إذ ذاك صغيرا، وهو القائم بأمور السّلطنة.
ومن الموقّعين عليها: السّلطان حسين بن أحمد الرّصاص، ومشايخ المصعبين والمياسر وآل حسنة، ومناصب السّادة آل المحضار بمرخة وحبّان، ورؤساء آل بامسدوس والدّيّن، وغيرهم، وكان كلّ ذلك برأي المغفور له سيف الإسلام محمد ابن مولانا أمير المؤمنين، أراد بذلك نصرتي لما نالني من الاهتضام بحضرموت إزاء قيامي بنصر الشّريعة، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وقد استنجدت بوالده أمير المؤمنين يحيى بن محمّد.. فلم يتمكّن من مساعدتي علنا؛ لتلبّد الجوّ السّياسيّ بالغيوم. ولقد تمّ كلّ ما يرام من أخذ العهود على أولئك، ولو لا أنّني شاورت مولانا الإمام يحيى في النّهوض بهم فثناني ـ أدام الله مجده ـ عن الاعتماد عليهم.. لكان لذلك نبأ عظيم، ولكنّه ـ أعلى الله شأنه ـ كان أعرف بأحوالهم، وما كنت لأقدم على أمر وبيعته في عنقي بدون إشارته؛ لأنّ طاعته واجبة، ورأيه الأعلى والأصوب، فلله الحمد على السّلامة.
وأخبرني الشّيخ محمّد بن أحمد الحجريّ بأنّ الأسلحة المطلوبة لذلك من ألمانيا وصلت، لكن بعد وفاة المرحوم السّيف محمّد، وانتهاء الحاجة.
ومن آل بالحاف جماعة كثيرة نجعت إلى الشّحر.
وفي الحكاية (168) من «الجوهر» (1 / 193): أنّ آل بالحاف تلقّوا السّيّد عليّ بن علويّ بن أحمد ابن الفقيه المقدّم بالسّماع.
وفي أخبار سنة (813 ه): أنّ أحمد بن فارس أخذ قرية آل بالحاف وأخرجهم منها، فخرجوا إلى الشّيخ عليّ بن عمر، فأرسل بعض الفقراء فلم يجبه، فسار هو بنفسه في رجب، فردّها عليهم ورجع هو ـ أعني الشّيخ عليّ بن عمر ـ في شعبان. اه من «تاريخ باشراحيل».
وما أدري من هو الشّيخ عليّ بن عمر، أمن آل باشراحيل، أم الشّاذليّ صاحب المخا، المتوفى بها سنة (828 ه)، والأقرب أنّه عليّ بن محمد بن عمر صاحب الحوطة، الآتي ذكره فيها عمّا قليل، وأنّ سقوط اسم أبيه في العبارة السّابقة سهو من النّاسخ.
وقد انعقدت بين سلطان بالحاف وهو محسن بن صالح بن عبد الله الواحديّ والإنكليز معاهدة بتاريخ (13) نوفمبر سنة (1905 م) على يد مايسون والي عدن، وشهودها: عبد الله بن حسين الواحديّ، وأحمد بن صالح بن ناصر الواحديّ، وهادي بن صالح الواحديّ، وحسين بن صالح الواحديّ.. على غرار المعاهدات الّتي جرت بين القعيطيّ والإنكليز.
ثمّ انعقدت بأثرها على القرب بينهم معاهدة أخرى بتاريخ (22) نوفمبر من السّنة المذكورة، جاء في المادة الثّالثة منها: (أنّه متى قذفت مياه البحر ببضاعة أو بمركب، فإن عرف مالكه في ظرف شهر.. فليس للسّلطان الواحديّ إلّا ثلث الموجود. وإن لم يعرف في ظرف شهر.. فكلّه له) اه
وهذا يدلّ على أنّهم كانوا على نوع من القرصنة؛ كآل كثير في ريدة ابن حمدات، حسبما يأتي فيها.
وفي أواخر الحرب العظمى الأولى وردني بريد مخصوص بكتاب من السّيّد بو بكر بن سالم بن أحمد بن عليّ بن عمر المحضار، محرّرا في (17) ذي الحجّة سنة (1335 ه) يقول لي فيه: إنّ آل طالب بن هادي يريدون أن يحالفوا آل كثير، فإذا كانوا راغبين.. أفيدونا.
ولكنّ آل كثير قد ركنوا إلى الدّعة، وقصرت همّتهم، فلم نجد عندهم حركة لشيء، ولم يكن ذلك موافقا لهوانا؛ إذ قد غمسنا في صداقة مع الدّولة القعيطيّة لا يمكن معها أن نؤلّب الأعداء عليها، وإن كانت صداقتها لا تسمن ولا تغني من جوع، لا معنا فقط، بل مع سائر حلفائها وأصدقائها؛ لأنّ السّيّد حسين بن حامد الّذي يمثّلها إذ ذاك إنّما ينفق من بضائع المجاملة والمعانقة الّتي لا تنفد، بدون أية نتيجة، ومن بعده من الوزراء شرّ منه، فهي دولة غنيّة مترامية الأكناف، ولكن بلا رجال أكفاء مخلصين.
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
11-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (حجر)
حجرذكر في «التّاج» و «أصله»: (حجر ذي رعين من حمير. وحجر الأزد).
قال: وباليمن موضع يقال له: حجر، على مسافة عشرة أيّام من زبيد.
وهو المذكور في قول مهلهل [من الوافر]:
«ولو لا الرّيح أسمع من بحجر *** صليل البيض تقرع بالذّكور »
وكانت الواقعة بالذّنائب، وهي على مقربة من زبيد.
وعلّ هذه الواقعة هي التي كثرت على هلكاها الندبة، فيما تقدّم.
ولا أدري أحجر هذه بضمّ الحاء أم بفتحها؟ ولكنّ ياقوت [2 / 223] يقول: (قال أبو سعد: حجر ـ بالضّمّ ـ اسم موضع باليمن، إليه ينسب أحمد بن عليّ الهذليّ الحجريّ)، وأطال في حجر اليمامة، وهي غير الّتي نحن بسبيلها، وهي عاصمة نجد، واسمها اليوم: الرّياض، وإليها الإشارة بقول عروة بن حزام في نونيّته المشهورة [في «الأغاني» 24 / 122 من الطّويل]:
«جعلت لعرّاف اليمامة حكمه *** وعرّاف حجر إن هما شفياني »
وقول جحدر بن مالك الحنفيّ [من الوافر]:
«فيا أخويّ من جشم بن سعد *** أقلّا اللّوم إن لم تنفعاني »
«إذا جاوزتما سعفات حجر *** وأودية اليمامة فانعياني »
وقول النّابغة [الذّبيانيّ في «ديوانه» 67 من الطّويل]:
«وهم قتلوا الطّائيّ بالحجر عنوة *** أخا جابر واستنكحوا أمّ جابر»
وقول زهير [من الكامل]:
«لمن الدّيار بقنّة الحجر ***... »
وأنكر أبو عمرو أن يكون المراد من هذا قصبة اليمامة، وقال: لأنّ (أل) لا تدخلها.
ولكن قال الجوهريّ: (الحجر ـ بالفتحة ـ: قصبة اليمامة، يذكّر ويؤنّث).
وبيتا زهير والنّابغة يؤيّدان ما قال؛ لأنّهم كثيرا ما يدخلون آلة التّعريف على الأعلام كما في قوله [من الطّويل]:
«وجدت الوليد بن اليزيد مباركا ***...»
وهذا ينزّل عليه.
وقال في «صبح الأعشى» [5 / 59]: (ومن بلاد اليمامة حجر، بفتح الحاء، وسكون الجيم وراء مهملة في الآخر، وهي في الغرب عن مدينة اليمامة، على مرحلتين منها، وبعضهم يجعلها قاعدة اليمامة. وبها قبور الشّهداء الّذين قتلوا في حرب مسيلمة الكذّاب) اه
وهو في هذا ناقل عن «المشترك».
ويأتي في السّفيل من قرى وادي العين ذكر سوق حجر، وفي [9 / 439] من «الخزانة» أنّ قوله:
«لمن الدّيار بقنّة الحجر ***...»
ليس لزهير، وإنّما انتحلها حمّاد، لمّا سأله المهديّ عن المشار إليه بقوله:
«دع ذا وعدّ القول في هرم ***...»
فانتحل الأبيات الثّلاثة الّتي قبله.
وقال الطّيّب بامخرمة: (وحجر بفتح ثمّ سكون، قال القاضي مسعود: هذا الاسم مشترك بين موضعين: أحدهما: حجر علوان، وهو واد باليمن، فيه قرى وحصون، طيّب الماء والهواء والتّربة. والثّاني: حجر ابن دغّار الكنديّ، وهو كثير المياه والنّخيل، له غيال لا تنقطع، وهي وخيمة جدّا بضدّ الأولى) اه
وهو صقع واسع، كثير المياه والنّخيل. ومن مدنه: كنينة ومحمدة ويون.
ومن نواحيه الخصبة: المكان المسمّى بالصّدارة، فيه نحو مئة عين نضّاخة.
ولا يزال آل أحمد بن هادي الواحديّ يدّعون لهم حقوقا فيه، فلم تسمع لهم دعوى.
وفي غربيّ حجر جبال، فيها المكان المعروف بصيق العجر، وهو الّذي قتل فيه السّلطان عبود بن سالم الكثيريّ غدرا، قتله أحد آل خليفة ـ وكان خفيرا معه ـ بجعالة وقعت له من جانب القعيطيّ، حسبما فصّل ب «الأصل».
وفي شماله لبنة بارشيد، بأعلى الجبل الّذي ينهر إلى حجر، وهي الحدّ الفاصل ما بين الدّيّن ونوّح. ومن ورائها ريدة الدّيّن وسيبان وجبال دوعن وجبال نعمان.
وفي شعر الإمام إبراهيم بن قيس الإباضيّ ـ وهو من أهل القرن الخامس ـ ذكر كثير لابن دغّار المنسوب إليه هذا الوادي، منه قوله [من الطّويل]:
«سيعلم دغّار ابن أحمد والفتى *** سلالة مهديّ وكلّ مخالف »
«إذا نزل المستنصرون بجحفل *** يهزّون بيضا كالبروق الخواطف »
والظّاهر أنّه أبو حجر الّذي ينسب إليه هذا الوادي.
وفي مسوّدة بقلم ضعيف: إنّ بلاد مدورة الواقعة بين لازم والسّور كانت بلادا قويّة معمورة.
أمّا ملوكها فهم: ابن دغّار، وبابقي، والصّيعر، وابن دخياخ.
وأمّا سوقتها فهم: باصفّار، وبامحفوظ، وآل شحبل.
ثمّ لمّا طغوا.. سلّط الله عليهم النّهديّ، وأتى لهم بابن سهل من القبلة، فدمّروها تدميرا، وهرب ابن دغّار وباقي أهلها، وسكنوا خرايت سباي، فسلّط الله عليهم الجوهي وطردهم، فانتقل ابن دغار إلى حجر، واستولى على باحوته وباحيوته، واتّخذها له موطنا.
ثمّ جاء مركب من مسيطبة إلى حصن الغراب فمات ربّانه، فأخذه ابن دغّار، واتّخذ المسيطبة الّذين به عسكرا، فهؤلاء الحجور من ذرّية أولئك.
ثمّ إنّ ابن دغّار قهر الدّيّن والمشاجرة، وأخذ منهم العشور، وملك دوعن وطغى، فتقلّص ملكه من دوعن، ولمّا أيقن بالزّوال.. ختم الأنهار بالأخشاب، ثمّ بالرّصاص الكثير المذاب.
وكان الّذي خلفه على الرّشيد وطائفة من دوعن: آل بالحمان.
وتاريخ زوال ملكه عن دوعن حسبما يفهم من تلك المسوّدة في حدود سنة (782 ه).
وعن بارضوان عن «شجرة الأنساب» لأبي الحسن الأشعريّ: (أنّ بني دغّار بمدورة) اه
وفيه تأكيد لبعض ما تقدّم.
وفي ترجمة الشّيخ مبارز بن غانم الزّبيديّ من «طبقات الشّرجيّ» [263 ـ 264]: (أنّه انتقل إلى حجر ـ وهي جهة متّسعة، تشتمل على قرى ومزارع، خرج منها جماعة من الصّالحين ـ وابتنى بها رباطا لم يزل به حتّى مات هناك، وقبره مشهور). وكانت وفاته ـ حسبما يفهم من السّياق ـ في العقد الثّامن من المئة السّابعة.
وهذا الاسم وإن كان مشتركا بين حجر علوان وحجر ابن دغّار.. فهو إلى الثّاني أقرب؛ لأنّ انتقال الشّيخ مبارز إليها كان من عند الشّيخ أحمد بن أبي الجعد بأبين، وهي إلى هذه أدنى، ثمّ أخبرني من أثق به أنّ حجر علوان في قعطبة على مقربة من الضّالع وأبين.. فهو المراد إذن، والله أعلم.
وبعد أن تقلّص ملك ابن دغّار من دوعن.. وهت أسبابه في حجر، ولم يزل في التّلاشي حتّى اضمحلّ ملكهم، وبقيت منهم فرقتان، يقال لإحداهما: آل فارس، يسكنون الآن في ميفع، لا يزيد عددهم عن خمسة عشر رجلا؛ منهم: الشيخ سعيد بن طالب. والأخرى: آل ابن يمين، وعدّتهم نحو ثلاثين رجلا، يسكنون قرية صغيرة، تبعد خمسة أميال عن جول باخيوة، يقال لها: الحسين.
وخلفته عليها نوّح، وهي من سيبان، وسيبان كما في «بغية شيخنا المشهور»
[ص 299]، نقلا عن الغسّانيّ: من ولد حضرموت بن سبأ.
وهي شعب كبير تتفرّع منه عدّة قبائل:
منهم: الحالكة، تشمل: بلحمر، وبانخر، وباسعد، وهم نحو أربع مئة رام.
ومنهم: الخامعة، تشمل: باصرّة، وباقديم، وباسلوم، وبارشيد، وهم نحو ثلاث مئة وخمسين راميا.
ومنهم: المراشدة، يدخل فيهم: آل بادحيدوح، وبابعير، وباصريح، وباكردوس، وباضروس، وهم نحو خمس مئة رام.
ومنهم: القثم، يدخل فيها: آل بامغرومة، وباصقع، وبني مقدّم، وبن علي بامسلّم، وهم نحو ثلاث مئة رام.
ومنهم: آل باخشوين، لا يزيدون عن ستّين راميا، ومنهم الآن رجل أبيض السّريرة، واسمه محمّد بن سالم، يحبّ الخير، عمّر عدّة مساجد في ممباسا، وبها سكناه، وهو من أتلادها.
ومنهم: باعمروش، نحو عشرة رميان.
ومنهم: السّموح، وهم: الجهضميّ، والشاكعة، وبامنصور، والجودانيّ، والغويثيّ، والحسنيّ، وباوسيم، وعددهم قليل.
ومقدّم السّموح أو السّماح بأسرهم الآن: حسن باعمر.
وأكثر هذه القبائل بدوعن وجبالها وما حواليها.
ومساكن السّماح روبه وهي: على مقربة من لبنة بارشيد وحنور ومسايل الصيوق وهذه كلّها نجود يدفع ماؤها إلى حجر.
ومن مساكنهم يون وهي: سبع قرى فوق أعلى وادي حجر.
ومن سيبان الإمام العظيم، أحد علماء الإسلام: أبو عمرو عبد الرّحمن بن عمرو بن محمّد الأوزاعيّ، كما في (السّين) من كتاب «المغني في النّسب» للعلّامة الفتني.
وقال الطّيّب بامخرمة: (سيبان بطن من حمير، ووهم الذّهبيّ فجعلهم من مراد) اه والطّيّب جعل سيبان بطنا، والعمارة أكبر منه، والقبيلة أكبر من العمارة.
ونحن ذهبنا بها بعيدة، فجعلنا سيبان شعبا تتفرّع منه تلك القبائل الّتي لا تعدّ إلّا أفخاذا أو فصائل على ما ذكر، ولكن لا مشاحّة في مثل ذلك، ولا سيّما مع تطاول الأيّام وكثرة التّوالد. ومهما يكن من الأمر.. فإنّه قريب.
وعندما جاء ذكر أعقاب السّيّد عبد الرّحمن بن علويّ الخوّاص الجفريّ من «شمس الظّهيرة».. أشار إلى أنّ بعضهم بحجر العوالق، ومنه يفهم أنّ هناك حجرا ثالثا، إلّا أنّه خفيّ لا شهرة له.
وقد علمت ممّا سبق عن الطّيّب بامخرمة: أنّ حجر بن دغّار كنديّ النّسب، ليس من سيبان في رطب ولا عنب.
وفي حجر موضع يقال له: الواد، زعم بعضهم أنّه المراد من قوله جلّ ذكره:
(وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) وقد يستظهر له بقربه من حصن الغراب، وبما حواليه من الآثار الموجودة والحجارة المنحوتة، وإليه يذهب العلّامة أبو بكر ابن شهاب، بل يقول: إنّ حجرا هذا هو حجر ثمود، لكنّه مخالف لما في «الصحيحين» [خ 3378 ـ م 2980] من مروره صلّى الله عليه وآله وسلّم به في مسيره إلى تبوك، ولم يذكر أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم دخل هذا ولا قاربه، إلّا إن تناءت بالتّعدّد لانتشار الأمّة وضخامتها، والعرب كثيرا ما تسمّي مهاجراتها بأسماء أوطانها، وقد وصف الله في (الشّعراء) بلاد ثمود بأنّها في جنّات وعيون وزروع ونخل، طلعها هضيم، وإنّ أهلها ينحتون من الجبال بيوتا فرهين. وكلّ ذلك منطبق على حجر. والله أعلم.
وبعقب ما اشترى السّلطان غالب بن عوض القعيطيّ أرض ميفع ـ بالنّيابة عن أبيه ـ اشتدّ طمعه في حجر، إلّا أنّها تمنّعت عليه بعقبة كأداء لا طريق لها إلّا منها، فكلّما أرسل القعيطيّ بجيش.. كمنوا له في مخارمها فأبادوه ـ أو كسروه على الأقلّ ـ حتّى لقد جهّز لهم ثلاثة آلاف مقاتل بزادهم وعتادهم، فلّما كادوا يتسنمون تلك العقبة، وأيقنوا بالظّفر.. سيّروا بالكتب إلى السطان غالب بن عوض، فأمر بإطلاق المدافع، ورفع شارات الأفراح، ولكن نوّح غدرت بهم، فتداعت عليهم وهزمتهم، وقتلت ثلاثين، وأسرت ثلاثين، وفرّ الباقون، وكانت معدّاتهم غنيمة لنوّح، وفي ذلك يقول شاعرهم:
«يا حجر ريضي وارقبي واستامني *** ما داموا اصحابش يديرون النّقوس »
«إلا ان بغيتي اليافعي من خاطرش *** أنا عليّ العقد وامسي له عروس »
والمراد بالنقوس: البارود.
ولمّا لم يكن لهم ذرع بالمطاولة، وكان السّلطان عوض قويّ العزيمة، شديد الشّكيمة، لا تنفسخ له نيّة من هزيمة.. أخذ يوالي الزّحوف، ويبذل الألوف، ويشتري ما يقدر عليه من الضّمائر بواسطة السّادة، حتّى انقطعت أسباب نوّح، وتعطّلت معايشهم، فنجعوا لتحكيم السّيّد حسين بن أحمد العطّاس ـ صاحب (عمد) ـ والسّيّد أحمد بن حسن العطّاس صاحب حريضة.
وفي ذي القعدة من سنة (1328 ه) توجّه السّيّدان ـ وكان الأوّل محمولا على الأعناق؛ لضعفه وكبر سنّه ـ فحكما بأنّ جميع وادي حجر ونواحيه ـ كنينة ومحمدة ويون وما تعلّق بها ـ يكون تحت سلطنة السّلطان عوض بن عمر وأولاده: غالب، وعمر، وصالح، وما تناسلوا.
فلهم سلطان الأرض، ولنوّح إعفاء أموالهم الخاصّة من جميع الرّسوم الدّوليّة، فلا عشور ولا مكوس عليهم، ولا على مناصبهم: آل البيتي، وآل العطّاس، وآل باراس، وآل الشّاطريّ، وبافقيه، وباعلويّ، وابن مالك.
وعلى أن يبقى عشور الشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ بحجر على حاله.
وعلى قبائل نوّح أن يضعوا رهائن من أولادهم ـ للوفاء بذلك ـ من كلّ قبيلة، وهم: بامسعود، وبافقّاس، وبادبيّان، وبارشيد، وهذه هي أقوى قبائلهم، وفيها رئاستهم العامّة.
وعلى أن تكون الرّهائن بنسبة القبائل كثرة وقلّة.
وكتب بينهم في ذلك عدّة وثائق موجودة بنصّها في «الأصل» [2 / 265 ـ 269].
وبتمام الأمر انتهت البشارة إلى السّلطان عوض وهو على فراش الموت، فقرّت عينه، ولم يسلم روحه لبارئها إلّا مثلوج الصّدر من جهة حجر، بارد الفؤاد.
وكان اهتمامه بها يشغل أكبر موضع من باله، حتّى لقد قال في حجّه وهو متعلّق بأستار الكعبة في سنة (1317 ه) ـ حسبما أخبرني بذلك السّيّد حسين بن حامد المحضار ـ: أتوب إليك يا ربّ من كلّ ذنب، إلّا من حجر وحضرموت.
ولآل حجر عوارض قويّة في الأشعار العاميّة ـ كما يعرف ممّا مرّ ـ أخبرني السّيّد حسين بن حامد المحضار بأنّها كثيرا ما تحصل المهادنات بينهم أثناء الحرب، فيتبادلون الزّيارات بين الأراجيز ودويّ البنادق، وإن كان الواحد ليرتجل العشرين بيتا.. فلا يرتجزون إلّا بالأخير منها.
ومن أشعارهم الدّالّة على الإباء: قول أحدهم:
«والقعيطي نطح بالرّاس لمّا انكسر *** جاه خنتوب من حرب النّمر في صنيفه »
«والله إنّ عشا نوّح ومبقى ضحاهم *** حاملين البنادق والمقاصّ اللطيفه »
«واللّقا والوفا والوعد لى راس حوته *** بانعارضه بانلقي حراوه وضيفه »
«لو يقع من مئة مقتول في قبر واحد *** والنّبي ما التوى يدّه لعقد الشّريفه »
فبقيت من هذا حزازة في نفس السّيّد حسين بن حامد، لم يستطع أن ينفث بما يشفي صدره في جوابها إلّا ليلة دخولهم إلى المكلّا بعد إبرام المعاهدات، فقال:
«قالوا لي اليوم الشّريفه وكّلت *** من بعد ما غلبت وصاليها غلب »
«بيدي عوادي شاربين المسكره *** حملوا على (حوته) وخلفوا في السّلب »
و (حوتة): هي العقبة الكأداء الّتي أعجزتهم عن أخذها عنوة، ولكن طفقوا يفتلون في الذّرى والغوارب حتّى وطّؤوا أكنافهم بالبذل، ولهذا أجابه بعضهم قبل أن يبلع الرّيق بما نسيته، ومعناه: لم تنفعك الأسلحة ولا الرّجال، وإنّما نفعك ما بذلته من المال، وكادوا يتواثبون إثر تلك المراجعات بالأراجيز الحارّة، ولكن هدّأهم المناصب.
وأخبرني السّيّد حسين بن حامد: أنّه قال في إحدى مراجزه لهم في هدنة ذات الأيّام:
«يا حجر بن دغّار ماشي معذره *** لو بانرادف في المقابر من ثنين »
«إن عاد شي تركوب والّا تبصره *** والّا مع الله بالمطابق والكبين »
فأجابه أحدهم ـ لا عن ذلّ، ولكن خضع الجناح شيئا بما جبلوا عليه من كرم الضّيافة ـ فقال:
«حيّا وسهلا بالوجيه الزّاهره *** بالسّيّد المحضار بن حامد حسين »
«أنتوا وصلتوا والبشاره ظاهره *** والزّين يخرج منّه الّا كلّ زين »
قال: فأخجلني بهذا اللّطف؛ لأنّي نزيلهم على ضيافتهم، مع أنّه لم يخضع صريحا، لا سيّما والبشارة محتملة للطّرفين، والمساجلات الّتي بينهم تدخل في جزء. وعلى ألسنة الرّواة منها الشّيء الكثير.
وقال شيخنا المشهور في «شمس الظّهيرة» [1 / 215]: (وللسّيّد أبي بكر البيتيّ ابن إبراهيم بن السّقّاف عقب منتشر بحجر وكنينة ومحمدة).
وفيها أيضا [1 / 368]: (أنّ للسّيّد أبي نميّ بن عبد الله بن شيخ بن عليّ المندرج أعقابا بكنينة ويون).
وفيها [420]: (أنّ لعلويّ بن عبد الله بن علويّ بن أحمد بن محمّد بن أحمد الكاف عقبا بحجر وكنينة).
وفيها [421]: (وأمّا عمر الجفريّ: فذرّيّته بحجر).
وفيها: (أنّ عبد الله بن محمّد بن عبد الله التّريسيّ ابن علويّ الجفريّ الخوّاص له ذريّة برداع وحجر، وكان نجوعهم من حجر إلى رداع في طلب العلم، ثمّ هاجروا في طلب المعيشة إلى السّواحل الإفريقيّة؛ ففي ممباسا جماعة؛ منهم السّيّد علويّ بن شيخ الرّداعيّ، وفي السّومال الإيطاليّ ناس؛ منهم السّيّد عليّ بن صالح بن حامد بن محمّد بن عبد الرّحمن بن أحمد بن عبد الله التّريسيّ).
وفيها [538]: (أنّ عبد الله الأعين النّسّاخ بافقيه بن محمّد عيديد له ذرّيّة بحجر وكنينة).
وبكنينة كانت خزانة ملأى بالكتب الخطيّة النّفيسة للشّيخ العموديّ، ولكن أخبرني من رآها بالآخرة: أنّه لم يبق بها من تلك الأعلاق إلّا ما لا يستحقّ الذّكر. فلا حول ولا قوّة إلّا بالله.
وفي كنينة ناس من آل العموديّ؛ منهم الشّيخ محمّد بن عوض العموديّ، نهشته أفعى في رجله.. فورمت، فأشار عليه الطّبيب بقطعها، ففعل وكان ذلك سبب عكوفه على العلم، حتّى حصّل منه جملة، فأفاد واستفاد، وكان في قصّته شبه بعروة بن الزّبير.
ومنهم آل بن دحمان، كانوا بكنينة، ثمّ انتقلوا إلى محمدة، نجع أحمد بن دحمان وأخوه عمر إلى السّواحل الإفريقيّة. وعمر خير من أحمد.
وأكثر حاصلات حجر: التّمر، فالّذي يخرج منها زائدا عن حاجات أهلها شيء كثير.
ومن الغرائب ـ كما حدّثني الثّقة السّيّد عبد الرّحمن بن حامد المحضار ـ: أنّ الغراب لا يتعرّض لثمار حجر بسوء أبدا.
ومن عادتهم: إباحة التّمور الّتي تتساقط بعصف الرّياح، وأن لا حرج على أيّ إنسان في تسلّق نخلة أراد للأكل فقط، أمّا أخذ شيء إلى المنزل.. فممنوع.
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
12-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (حيلة باصليب)
حيلة باصليبوهم قبائل مشاجرة يحملون السّلاح، وما أدري أكان الشّيخ عليّ بن سعيد باصليب، الملقّب بالرّخيلة منهم، أم لا؟ فإنّه تديّر تريم، وللشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف أخذ عنه، ومع ذلك بقي له اتّصال أكيد بالشّيخ الإمام أبي بكر بن عيسى بايزيد، السّاكن في وادي عمد، الّذي كان موجودا بالقرن الثّامن.
وكان هو والمشايخ الأئمّة ـ: عمر بن سعيد باجابر، ومزاحم بن أحمد باجابر، وعبد الله بن طاهر الدّوعنيّ، المتوفّى بالأيسر، على مقربة من بلاد الدّوفة، كلّ هؤلاء ـ من أقران الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف.
وفي حيلة باصليب جماعات من السّوقة والأكرة.
ثمّ رباط باكوبل، وسكّانه من القرار المعروف شأنهم بحضرموت، وفيه جامع.
ولم أدر من هو باكوبل هذا غير أنّه جاء في الحكاية (145) من «الجوهر الشّفّاف» ذكر يحيى بن أبي كربل، وهو من خدّام الشّيخ عبد الله باعلويّ. كما جاء في الحكاية (154) منه أيضا ذكر باكنبل، وهذه الألقاب متقاربة.
ثمّ قرن باظبي. ثمّ مخية والشّرقي: لآل باتيس، نحو مئة رام، وعندهم نحل كثير جيّد العسل، وهم على اتّصال بقبيلتهم أهل السّدّة السّابق ذكرها.
ثمّ خربة باكرمان: فيها جامع، وسكّانها من يافع المتوالدين بها، وسادة من آل الكاف. منهم بها أو بعمد: الفاضل السّيّد أحمد بن عبد الله بن سالم، أثنى عليه شيخنا المشهور في «شمس الظّهيرة» بالفقه والنّباهة والورع.
وقد زار سيّدي الوالد بمكاننا المسمّى: (حوطة علم بدر)، في يوم الإثنين (20) شعبان سنة (1308 ه)، وحصلت منه الإجازة والإلباس لوالدي ولي وللشّيخ محمّد بن شيخ الدّثنيّ، وكانت مذاكرات علميّة شهيّة في ذلك المجلس الشّريف. هكذا وجدته بخطّ الدّثنيّ المذكور.
وفي «المواهب والمنن» للسّيّد علويّ بن أحمد بن حسن الحدّاد: (أنّ السّيّد علويّ بن محمّد الكاف ساكن وادي عمد وادي قضاعة بحضرموت.. كان مع سيّدي الوالد في المركب الّذي انكسر بهم قريبا من القنفذة في سنة «1157 ه»).
وفي الخربة المذكورة جماعات من آل باكرمان، وهم مشايخ، وعندهم أوشاب من الرّعايا.
ثمّ الشّعبة، وهي بالوادي الشّرقيّ، وسكّانها آل العموديّ، مشهورون بكرم الضّيافة، وفيها خزانة كتب للشّيخ العلّامة عمر بن أحمد العموديّ، المقبور بالقنفذة، وفيها أوشاب من الرّعايا.
ثمّ الوجر، فيه نحو أربعين راميا من آل ماضي. ثمّ طمحان، فيها جامع وبيت للضّيفان، أوقافه منسوبة للحبوظيّ.
وفيها جماعة من آل ماضي، ومنها ـ حسبما يقال ـ أبو الطّمحان القينيّ، ويتأكّد بما سبق أنّ بني القين أوّل من سكن وادي عمد، من قضاعة، وقد ترجم له في «رشيدة الإخوان»، وصرّح بولادته في حضرموت بوادي قضاعة مسكن بني القين، وذكر أنّه أصاب دما في قومه فهرب إلى ديار فزارة مستجيرا بمالك بن سعد الفزاريّ.. فأجاره وأكرم مثواه إلى أن توفّي.
وقد ذكرت ما أخرجه صاحب «الأغاني» من خبره مع قيسبة بن كلثوم السّكونيّ في «الأصل».
وفيها الآن شيخ شهم من آل العموديّ، يقال له: أحمد الأشرم، تزوّج بمخلّفة السّيّد عيدروس بن حسن بن محمد بن إبراهيم بلفقيه، وقد جرت لها قصّة، حاصلها:
أنّ السّيّد عيدروس هذا كان غائبا، ففقد وانقطع خبره، ففسخت نكاحها منه؛ لتعذّر النّفقة فسخا صحيحا، أمضاه قاضيهم السّيّد العلّامة عبد الله بن محمّد المساوى، المتوفّى بشقرة، واقترنت بأحد آل عمر بن جعفر الكثيريّين بقيّة الدّولة البائدة، ولمّا بنى بها.. هجم عليهم آل شملان وانتزعوها منه عنوة بغير مبرّر شرعيّ، سوى أنّهم قالوا: إنّ كثيرا من أبنائنا غائبون ولا ينفقون على زوجاتهم، وبانفتاح هذا الباب ينجم شرّ كبير.
وأنا كثيرا ما أنعى على المتعصّبين من الفقهاء تشدّدهم في منع الفسخ؛ لأنّ الدّين يسر لا حرج فيه، ولن يشادّه أحد إلّا غلبه، وقد جاء في «الغنية» لسيّدي الإمام العارف بالله، شيخ الشّيوخ، السّيّد عبد القادر الجيلانيّ أنّ: (للمرأة الفسخ بعد مضيّ ستّة أشهر لغيبة زوجها) وهو قريب من مذهب سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه.
وإلى جانب طمحان: المكان المسمّى جاحز: وفيه يسكن آل عمر بن جعفر المذكورون، وآل جنيد من المشايخ آل باوزير.
ثمّ حبره: قرية صغيرة لآل ماضي، لا مسجد بها!
ثمّ بلد عمد، وفيها آل العطّاس، منهم: الإمام الكبير صالح بن عبد الله، المتوفّى بها في سنة (1279 ه)، وولداه الكريمان الصّالحان: عمر بن صالح، ومحمّد بن صالح، وابن أخيه محمّد بن أحمد بن عبد الله.
وفيها جماعة من آل الشّيخ أبي بكر بن سالم؛ منهم السّيّد العظيم الشأن صالح بن عبد الله الحامد، ومنهم الصّالح السّليم البال حسين بن محمّد المتوفّى بها سنة (1301 ه)، له أخبار عجيبة؛ منها: أنّه أعلم والي عدن في طريقه إلى الحجّ بأنّه واصل، وطلب منه أن يلاقيه.. فلاقاه إلى أثناء الطّريق على عادة الحضارمة مع المناصب، وأهدى له طرفا وكمّيّة من الرّبّيّات.
وهم من ذرّيّة السّيّد عيدروس بن سالم بن عمر بن الحامد ابن الشّيخ أبي بكر.
وممّن يسكن عمدا السّادة آل مساوى، ومنهم: السّيّد عبد الله بن محمّد السّابق ذكره، ومنهم السّيّدان عمر وأحمد ابنا هاشم المساوى، لطيفان ظريفان، راويتان لأشعار القبائل وزواملهم، توفّي أوّلهما بعمد في حدود سنة (1348 ه)، والثّاني بعده بسنة.
وعلى مقربة من عمد إلى شماله قرية يقال لها: حبب، يسكنها آل شملان، والمقدّم فيهم: عوض بن سعيد بن شملان.
وفيها لفيف من السّوقة، وبها جامع ومنزل للضّيفان من آثار الحبوظيّ.
ثمّ النّعير، فيه سادة من آل الشّيخ أبي بكر وآل العطّاس، ومشايخ يقال لهم: آل باحسين. وقبائل يقال لهم: آل لجذم، من الجعدة. وفيها جامع.
ثمّ عنق، فيها سادة من آل العطّاس، منهم الآن: السّيّد محمّد بن عبد الله الهادي، له يد في إصلاح ذات البين.
وفيها ناس من آل الشّيخ أبي بكر؛ منهم: السّيّد الصّالح محمّد بن محسن، المتوفّى بها في سنة (1302 ه)، وفيها حرّاثون، ولها ذكر في التّاريخ.
ثمّ منخوب: قرية صغيرة في فم الوادي، وهي مرعى خصيب للبهائم، وإليه كان يرسل الحسين ابن الشّيخ أبي بكر بخيله للرّعي، والقرية المذكورة لآل باسبيت، ونحو ثلاثين رام من آل عامر بن عليّ الجعيديّين.
ثمّ الرّحب ـ بكسر الرّاء ـ وسكّانه من القرار، وفيه جامع، وبيت للضّيفان من أوقاف الحبوظيّ، وفيه مشايخ من آل بامسق وآل حاجب، وسوقة.
ثمّ خنفر، وفيه سادة من آل الحبشيّ؛ منهم: الإمام العظيم العلّامة عيسى بن محمّد بن أحمد الحبشيّ، المتوفّى بها في سنة (1125)، له عقب منتشر بالرّحب والرّيدة وسر وعنق والغرفة.
وفي كلام الحبيب أحمد بن عمر سميط أنّ جلوسه في وادي عمد كان بإشارة شيخه عمر بن عبد الرّحمن العطّاس.
وفي «شمس الظّهيرة»: (أنّ بخنفر جماعة من ذرّيّة الشّيخ عمر بن عليّ بن أبي بكر بن عبد الرّحمن السّقّاف).
ومن صلحاء خنفر: الشّيخ الفقيه، الأجلّ الورع، الفاضل، محمّد بن عبد الله باحارث، توفّي بها سنة (884 ه).
وذكر الطّيّب بامخرمة خنفرا باليمن من أرض أبين: (وهي قاعدتها، وبها جامع حسن البناء، جيّد العمارة. ومئذنته طويلة، وهي أعجوبة.
وكان بها فقهاء صالحون؛ منهم: الشّحبليّ.
وفيها متصوّفة يسمّون البركانيّين، يدهم للشّيخ مور بن عمر بن الزغب، وكانوا يسافرون بركب اليمن من الشّحر وأحور وأبين والجبل جميعه وتهامة جميعها، ويزورون قبر النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وصحبة الصّوفيّ البركانيّ، ويعود بالزّائر والواقف قفولا كما يخرج عن بلده. ذكر ذلك القاضي مسعود على ما كان في زمنه، أمّا اليوم.. فإنّها خراب، استولى عليها البدو من الهياثم والعوالق وآل أيّوب وغيرهم من داعية الفساد، وانتقل البركانيّون الّذين كانوا بها إلى وادي لحج.
وفي عصرنا هذا ـ وهو سنة (928 ه) ـ تطرّق فساد البدو إلى وادي لحج، وخرب أكثرها وغالب قراها بسبب التفات الدّولة إلى جمع الحطام الفاني، وعدم اعتنائهم بمصالح المسلمين، فالله يختم بخير) اه
ومن موضع آخر منه يقول: (إنّ الهياثم هم سلاطين دثينة، والمقدّم فيهم لعهده: حيدرة بن سعود وولده محمّد، لا أسعدهم الله) اه
وأخبرني جماعة من اليافعيّين أنّ خنفر هذه كانت ملكا للسّلطان عيدروس اليافعيّ، فاستأجرتها حكومة عدن لمدّة أربع سنين، ولمّا مضت.. طلب ارتفاعهم، فطلبوا ما أنفقوا، وقدّروه بسبعين ألف ربيّة هنديّة فدفعها، ثمّ عادوا بعد سنتين محاربين، وقتل ضابط إنكليزيّ وأربعة من يافع، واستولوا على الأرض إلى اليوم.
الجدفره: فيها ناس من آل العطّاس، وثلاثة بيوت من الجعدة.
ثمّ سراواه: وفيها ناس من الجعدة يقال لهم: آل علي ـ بكسر العين ـ وكانت لهم قبولة حارّة، لا يزالون يتناشبون الشّرّ مع جيرانهم آل الجدفرة وآل هلابي، وفي أشهر لقياتهم قتل من الطّرفين أكثر من ثمانية بمكان يقال له: باوردان، من ضواحي الرّحب، فصار مضرب المثل في التّهلكة، فيقال: فلان وقع في حفرة باوردان.
ثمّ لفحون، وسكّانها آل هلابي وآل عفيف من الجعدة، وفيها جامع ومنزل للضّيفان من آثار الحبوظيّ، وفيها مصرع الحبيب عمر بن حسين بن عبد الرّحمن العطّاس.
ثمّ الرّحم، فيه آل حميد من الجعدة، تقدّر رماتهم اليوم بأربعين، فيه مسجد، وللضّيف في بيوتهم سعة.
ثمّ زاهر باقيس، وفيها جامع ومنزل للضّيفان من آثار الحبوظيّ، وفيه آل باقيس، منصبهم: الشّيخ عمر بن أحمد باقيس. وكان بناء زاهر هذه في سنة (736 ه).
ثمّ قرن ابن عدوان، فيه مشايخ من آل باوزير، منصبهم: الشّيخ عبد الله بن سعيد. وفيه جامع ومنزل للضّيفان من جملة صدقات الحبوظيّ.
وفيه آل أحمد بن عليّ من قبائل الجعدة، ويقال للجعدة: مرّة، إمّا نسبة إلى مرّة بن زيد بن مالك بن حمير ـ وهو كما سبق جدّ قضاعة ـ وإمّا إلى أحد من ذرّيّة قضاعة، يقال له: مرّة.
وقيل: إنّهم من مرّة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عمرو بن زيد بن كهلان، ومرّة هذا أخو الأشعر وطيّء ومذحج، وهو جدّ كندة الثّالث؛ لأنّ كندة هو كندة بن عفير بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أدد.
وفي الجزء الأوّل من «الإكليل» للهمدانيّ [203 ـ 204]: (أنّ مرّة بن حمير بطن؛ منهم: ربيعة ذو مرحب بن معدي كرب بن النّعمان، القيل بحضرموت، وهو الّذي أنجد الحارث بن معاوية بن مالك بن معاوية بن عوف بن حريم الجعفيّ ـ الملقّب بالأسعر ـ على قتله أبيه، وأعطاه فرسا من رباطه يقال له: المعلّى، وراشه بالجند والسّلاح، وله خبر طويل.
قال أبو نصر: فأولد ربيعة ذو مرحب بن معدي كرب بن النّضر حليلا وذا المسوح.
وقال غيره من علماء اليمن: أولد مرّة بن حمير عمرا وربيعة، فأولد ربيعة الأحول وذا المسوح. والكلبيّون وأهل المسجل يقولون: إنّه مسروح.
وأولد عمرو بن مرّة قبائل بحضرموت، منها دخلت في مهرة بن حيدان، ومنهم العجلان، وإليه تنسب العجلانيّة بحضرموت: ذو أصبح، وذو النّعرين) اه
وهم قبائل كثيرة؛ منهم: آل هلابي، وآل غانم، والمراضيح، وآل شملان، وآل لجذم، والرّوامضة، وآل الشّيبة، وآل عامر بن عليّ، وآل سليمان بن عليّ، وآل أحمد بن عليّ.
والصّقرة، ومساكنهم: نفحون، والسّيلة، والجدفرة، وسراواه، وحدّ عنق، والبطيخ، والنعير، وتبرعة، وعمد ونواحيها.
ومن أعمال وادي عمد: حريضة.
قال الحبيب أحمد بن حسن العطّاس في «سفينته»: (قال الطّيّب بامخرمة في كتابه «نسبة البلدان»: سمّيت حريضة باسم قبيلة من حمير، ويسكنها السّكون من كندة) اه
ولعلّ هذا النقل عن الطّيّب من غير مادة حريضة؛ أمّا فيها.. فلم يزد على قوله: (حريضة بالكسر، كضدّ الجبر، أسفل من وادي عمد، مقابلة لعندل) اه
وقوله: (بالكسر) يعني الصّقع الآتي ذكره، وفيه تسامح؛ لأنّ الأكثر عدّ حريضة في عمد لا في الكسر.
وقد فهم بعضهم من قوله: (بالكسر) أنّه يريد كسر الحاء من حريضة، وليس كذلك.
ومن كتاب باشكيل: (أنّ آل عليّ بن سالم آل حريضة من بني يزيد بن معاوية بن كندة).
وقال بعضهم: إنّ حريضة مصحّفة عن قريضة، ودلّل على ذلك بأنّها كانت مسكن اليهود قبل البعثة بأربع مئة سنة.
ومن «دشتة» وجدت بزاهر باقيس: (وحريضة كانت تسمّى قريضة، ترد إليها القوافل من صنعاء ومأرب، وكانت بها أسواق، وهي من بلاد عاد القديمة).
وفي بعض مذكّرات الحبيب أحمد بن حسن العطّاس: (أنّ حريضة كانت ذات جاهليّة صمّاء، وطاغوتيّة عمياء، وكانت لليهود قبل النّبوّة، فأسلموا بكتابه صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ ارتدّوا إلى اليهوديّة، وبقوا عليها إلى زمان المهاجر أحمد بن عيسى، فأسلموا على يده وحسن إسلامهم، وإنّما بقيت لهم نزغات يحييها الجهل ويطفئها العلم). نقله العلّامة السّيّد عليّ بن حسن العطّاس، والشّيخ محمّد بن أحمد بامشموس، من «مناقب الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس».
وجاء في كلام الحبيب عمر بن حسن الحدّاد: (أنّ الحبيب عمر العطّاس كان كآبائه في النّسك، فأشار عليه شيخه الحبيب حسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم أن يرحل إلى حريضة ليعلّم أهلها؛ علّهم يفيقون ممّا هم عليه من الجهل والغلظة، وقال له: لو أعلم أحدا أجفى منهم.. لبعثتك إليهم، فسار إلى هناك، وألفاهم على جاهليّة جهلاء، يبيتون مختلطين رجالا ونساء على ما يسمّونه الظّاهري، فلم يسعه إلّا أن دخل فيهم، وجعل يلقي عليهم الأراجيز في ألعابهم، ثمّ أشار عليهم بعزل النّساء عن الرّجال، وما زال يتدرّج في نصحهم وإرشادهم ـ كمؤمن آل فرعون في ترتيب دعوته لقومه ـ حتّى انكفّوا عن العادات السّيّئة، وأقبلوا على الدّين والصّلاة بفضل هذه السّياسة والرّفق) اه بمعناه
وقد تكرّر هذا في كلام الحبيب عمر بن حسن الحدّاد، ولاحظ عليه سيّدي أحمد بن حسن العطّاس: أنّ الحبيب عمر بن عبد الرّحمن لا يقول الشّعر.. فلعلّه الحبيب عليّ بن حسن؛ لأنّه الشّاعر الّذي لا يدافع، ولكنّه لا يمكن أن يكون الحبيب عليّ بن حسن؛ لأنّه لم يوجد بعد، ولئن لم يكن الحبيب عمر شاعرا.. فلعلّه كان راوية.
ولم يزل ناشرا الدّعوة إلى الله بحريضة، صابرا على المشقّات الهائلة، حتّى لقد استقلّ القطب الحدّاد شأن نفسه لمّا رأى ما كان عليه الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس من المجاهدات والكلف والمشقّات.
توفّي الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس بحريضة، سنة (1072 ه).
قال في «شمس الظّهيرة» [249 ـ 253]: (له تسعة بنون: مشيّخ، وشيخ، وشيخ، ومحسن، وعليّ.. انقرضوا. وعبد الله، له عقب بعنق، والجدفرة، ولحروم، وجاوة، وبهان. وعبد الرّحمن، عقبه بحريضة، وجاوة، والهند، ولحروم، وسالم، عقبه بالصّيق قرب حريضة، وسدبة، وكيرعان، والجبيل، وموشح، والهند، وباكلنقان، وكاتي دار، وفلفلان. وحسين بن عمر، وله ثمانية بنون: منهم: محسن، عقبه بحريضة. ومنهم: السّيّد الفائق على أهل زمانه في العلوم، الحريص على تقييد الفوائد وسيرة السّلف، أحمد البصير بن حسن.
ومناصبها الآن ـ أي: في سنة (1307 ه) ـ حسن بن عبد الله والد أحمد المذكور، وزين بن محمّد، شريفان كريمان قائمان بعادات سلفهم. ومنهم: طالب، عقبه بحريضة، ومنهم: الإمام الخليفة أبو بكر بن عبد الله بن طالب، المتوفّى بها سنة (1281 ه) اه باختصار.
وقد أخذت أنا عن السّيّد أحمد بن حسن، وامتدحته ورثيته بقصيدتين توجدان بمحلّهما من «الدّيوان» [388 و 391].
وكثيرا ما حدّثنا الشّيخ الجليل حسن بن زين بن عوض مخدّم، عن شيخه العلّامة الجليل أبي بكر بن عبد الله بأمور عجيبة عن مشاهدة، ولكن أخبرني جماعة آخرهم الشّيخ عمر بن عوض شيبان: أنّ السّيّد عليّ بن سالم الآتي ذكره في عينات حضر مجلس سيّدي الأبرّ في السّوم ـ الواقع بين الغرفة وسيئون، أو الواقع في طريق نبيّ الله هود عليه السّلام، لا أدري أيّهما كان، والأوّل أقرب ـ فأشار إلى تفضيل الحبيب أبي بكر هذا على سيّد الوادي الحسن بن صالح البحر.. فغضب سيّدي الأستاذ الأبرّ، وخرج على عادته بإظهار ذلك وقال له: إن أبيت.. باهلناك، وستعلم. فانكسر السّيّد عليّ بن سالم حينئذ وتضاءل حتّى كاد يذوب.
ولم يذكر شيخنا المشهور صاحب الجاه العظيم، والفضل الجسيم السّيّد عبد الله بن علويّ بن حسن العطّاس، مع أنّه لا يجهل قدره؛ لأنّ ظهوره إنّما كان بعد انتهاء «شمس الظّهيرة»، توفّي بحريضة في سنة (1334 ه).
ولم يذكر الصّالح المشهور السّيّد عبد الله بن محسن العطّاس، المتوفّى ببوقور من أرض جاوة في سنة (1352 ه) عن عمر نيّف على الثّمانين.
ولمّا توفّي العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس.. وقع لواؤه على حفيده حسن بن سالم بن أحمد العطّاس، وكان شهما كريما ظريفا، توفّي بالمكلّا في سنة (1360 ه)، وخلفه على المنصبة عمّه عليّ بن أحمد بن حسن العطّاس، وهو ولد نبيه، مفتوح الأبواب، موطّأ الأكناف.
ولمّا توفّي السّيّد زين بن محمّد.. خلفه على المنصبة ولده عمر بن زين؛ لأنّه لا يزال بحريضة منصبان.
ومن أعيان حريضة الآن: السّيّد أبو بكر بن عبد الله بن أحمد العطّاس، رجل شهم، يقوم بتسهيل الطّريق لكلّ من يرد جاوة من الحضارم وغيرهم، وهو كثير التّنقّلات في البلاد.
ومنهم: السّيّد محمد بن سالم بن أبي بكر. ومنهم: السّيّد محمّد الخيّل، والسّيّد سالم بن عمر. ومنهم: السّيّد عبد الرّحمن بن عبد الله بن علويّ، والسّيّد عليّ بن سالم بن أحمد، له شعر وأدب وحرص على الفوائد، وهو على قضاء حريضة الآن.
وفي غربيّ حريضة كثير من الآثار القديمة، وقد أسفر الحفر في الوقت الأخير في آثار حريضة عن بيوت مطمورة تحت الأرض، فيها معابد للقمر، لا تخلو عن آثار قيّمة، ربّما كان للحافر عنها غرض في الإخفاء.
وحول معبد إله القمر الّذي ظهر هناك كثير من المباخر، وعلى بعض الحجارة كتابات قديمة ترجع إلى أكثر من ألفي سنة، وفي بعضها ما ترجمته: (يا لبان.. يا كوكبان.. بلّغ الإله السّلام)، والجزء الأوّل من هذه الجملة مشهور بكثرة على ألسنة العامّة بحضرموت، ورجوع عهد الكتابة إلى أكثر من ألفي سنة يعرّف أنّ لمثله اتّصالا بأديان الحضارم القديمة، وكثير من آل حضرموت كانوا يعبدون الشّمس ويسمّونها (الإلاهة)، وفيها يقول الأعشى [من المتقارب]:
«فلم أذكر الرّهب حتّى انفتلت *** قبيل الإلاهة منها قريبا»
ويريد بالإلاهة: الشمس.
كان بعض القرّاء يقرأ: (لتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وإلاهتك).
وفي شمال حريضة إلى الشّرق: بئر عميقة، ينزل إليها بدرج طويلة، كلّ درجة منها في طول قامة الإنسان، مشهورة ببير غمدان، يتعالم الخلف عن السّلف بكثرة كنوزها وذهبانها، ولهم عنها أخبار كثيرة، يقصدها السّيّاح، غير أنّهم متى نصفوها.. انطفأت عليهم النّار الّتي يجرّبون بها.. فينثنون؛ لأنّ ما تنطفىء به النّار.. تفيض به الرّوح، ولكنّ بعضهم يفكّر في تغطية وجهه بغطاء سميك يمكن معه التّنفّس في أنابيب تبقى على رأسه.
وتلك البئر في قارة إلى جانب الجبل المسمّى غمدان، وهو في شرقيّها إلى جهة الشّمال، وفيه آثار حصن بالية.
ومن أعمال عمد: لحروم، وقد مرّ في جردان عن «القاموس»: (أنّ الصّدف ولد حريما ويدعى بالأحروم).. فلا شكّ أنّ هذه البلاد على اسمه.
وفيها جامع، وسكّانها من آل العطّاس، ومنهم الآن: صالح بن محمّد العطّاس، رجل شهم جزل الرّأي، كبير الهمّة، كثير الإقدام وهو الآن بجاوة. وفيها ناس من آل باعشر وغيرهم.
وبعدها: عندل، قال ابن الحائك في «صفة جزيرة العرب» [167]: (هي مدينة عظيمة للصّدف، وكان امرؤ القيس بن حجر زارهم فيها، وفيها يقول: [من الطّويل]:
«كأنّي لم ألهو بدمّون ليلة *** ولم أشهد الغارات في بطن عندل) اه»
وفيها جامع ومنزل للضّيف على صدقات الحبوظيّ. وسكّانها آل باجابر، ومنصبهم الآن: الشّيخ أحمد بن عمر باجابر.
ومن كتاب «نهاية الأنساب» بخطّ الشّيخ عليّ باصبرين، عن الشّيخ عمر العموديّ، عن الحبيب عبد الله العيدروس: (أنّ آل باجابر والشّيخ مزاحم صاحب بروم.. من ذرّيّة عقيل بن أبي طالب). ومثله منقول عن العلّامة القاضي عبد الله بن أبي بكر القدري باشعيب الأنصاريّ، وعن العلّامة عبد الرّحيم بن قاضي باكثير اللّذين تولّيا القضاء بتريم.
وقال الحبيب عليّ بن حسن العطّاس في «سفينة البضائع»: (يقال: إنّ آل إسحاق من نسل العبّاس بن عبد المطّلب، وقد أشار إليه أحد شعرائهم في شعره. وما أظنّه يصحّ، وكذلك يقال: إنّ آل باجابر من نسل عقيل بن أبي طالب، وقد سئل الحبيب عبد الله بن علويّ الحدّاد.. فلم يوافق عليه) اه
ولكنّ السّيّد عبد الرّحمن بن مصطفى العيدروس نزيل مصر أكّده.
وفي النّصف الثّاني من «المواهب والمنن» للحبيب علويّ بن أحمد الحدّاد في ترجمة جدّه الحسن: أنّ الشّيخ عبد الجبّار بن مزاحم قائم بمنصب أجداده آل بلحفّار بأحور، وهو من تلاميذ الحسن ابن القطب الحدّاد، وكذلك ابنه الشّيخ محمّد بن عبد الجبّار، وأولاد عمّه الشّيخ أبي بكر.
وفيه أيضا: أنّ الشّيخ الجلاليّ الحال بلحفّار.. انتفع بالقطب العيدروس عبد الله بن أبي بكر.
ومن آل باجابر: الشّيخ الصّوفيّ أحمد بن عمر، صاحب «جوهرة عقد العروس»، وله أماديح في السّادة آل العيدروس؛ منها قوله في رثاء سيّدنا عبد القادر بن شيخ
[من المديد]:
«لم يزل منهم لنا علم *** قائم للحقّ ينتصر»
«فلئن ولّى لنا خلف *** كلّهم من بعده اشتهروا»
ومنهم: الشّيخ أحمد بن محمّد بن عبد الرّحيم باجابر، كان علّامة فقيها، وله أدب غضّ، تكرّر ذكره في «النّور السّافر»، وذكر له في (ص 396) منه أبياتا يمدح بها العلّامة ابن حجر الثّاني، وهي [من الكامل]:
«قد قيل من حجر أصمّ تفجّرت *** للخلق بالنّصّ الجلي أنهار»
«وتفجّرت يا معشر العلماء من *** حجر العلوم فبحرها زخّار»
«أكرم به قطبا محيطا بالعلا *** ورحاؤه حقّا عليه تدار»
والمعنى قويّ وإن كان اللّفظ ضعيفا متكلّفا.
ومن آل باجابر: الشّيخ المتفنّن، أحمد بن محمّد باجابر، ترجمه السّيّد باحسن في «تاريخه للشّحر»؛ لأنّه سكنها، ومن شعره لغز في عثمان رفعه للشّيخ عبد الصّمد باكثير فحلّه.
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
13-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (الخريبة)
الخريبةمن كبريات بلاد دوعن وقداماه، على اسم مكان بالبصرة كانت عنده واقعة الجمل، ولهذا قال بعضهم [السّيّد الحميري في «ديوانه» من البسيط]:
«إنّي أدين بما دان الوصيّ به *** يوم الخريبة من قتل المحلّينا»
ذكره ياقوت في غير موضع من «معجمه».
وما زالت خريبة دوعن محطّ رحال العلم من قديم الزّمان، وكان بها ناس من آل باحويرث الّذين يجتمعون في النّسب مع آل سيئون المشهورين بالعبادة وحبّ الصّلاة، ومنهم عالم الخريبة وقاضيها في القرن الحادي عشر، وهو: الشّيخ سليمان باحويرث، له ولولده العلّامة محمّد بن سليمان ذكر كثير في «مجموع الجدّين» طه بن عمر وعليّ بن عمر؛ فعن العلّامة الجليل أحمد مؤذّن باجمّال قال: (أخبرني السّيّد العارف، بقيّة المحقّقين، الورعين المتضلّعين، أبو بكر بن محمّد بافقيه علويّ بقيدون قال: إنّ الفقيه سليمان باحويرث زوّج امرأة ـ وهو نائب الخريبة ـ وليّها غائب برجل ظنّه كفؤا، فلمّا قدم وليّها.. رفع الأمر إلى قاضي الشّحر عبد الله باعمر، وظهر عدم الكفاءة، ولكنّ قاضي الشّحر قرّر النّكاح عملا بالمرجوح.
قال السّيّد: وحيث وقع عقد قال به إمام ـ ولو مرجوحا ـ فلا نقض في حقّ العوامّ، وإنّما محلّ المنع قبل العقد) هذا ما ذكره أحمد مؤذّن.
وزاد: (إنّ مذهب مالك: عدم اعتبار الكفاءة إلّا بالدّين، وقد عمل به بعض مشايخنا لمصلحة اقتضت ذلك) اه وهي مسألة نفيسة مبنيّة على أنّ (العاميّ لا مذهب له)، وهما قولان قريبان من التّكافؤ، وقد حرّرت ما في ذلك بموضعه من كتابي «صوب الرّكام».
وإنّما سقت المسألة لمناسبة أنّه وردني بالأمس سؤال، حاصله: أنّ المكرّم الشّيخ عبد الله بن أحمد الزّبيديّ كانت له ابنة عمّ، لها أخ شقيق في السّادسة عشرة من عمره، يتصرّف عنه وصيّه، وهو أخوه وأخو البنت من الأب، فأشار عليه أن يعقد بها، فأنكر عليه بعض العلويّين وقالوا له: ما دليلك؟
فقال: لا دليل إلّا قوله تعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) الآية الخامسة من سورة النّساء.
فلم يقتنعوا منه بذلك، وقالوا: إنّ النّكاح باطل لا وجه له إلّا مقابل الأظهر في قول «المنهاج» [2 / 428]: (ويقدّم أخ لأبوين على أخ لأب في الأظهر) فأعجبني استدلاله وقرّرت النّكاح؛ لأنّه إذا لم يثبت رشد الشّقيق.. فالنّكاح صحيح على المعتمد في المذهب.
قال في «النّهاية»: (وكذا محجور عليه بسفه؛ بأن بلغ غير رشيد، أو بذّر في ماله بعد رشده ثمّ حجر عليه.. لا ولاية له على المذهب؛ إذ لا يلي أمر نفسه، فغيره أولى. ويصحّ توكيله في قبول النّكاح لا إيجابه) اه، و «التّحفة» قريب منها.
وفي (الحجر) من الثّانية: (تصديق الوليّ في دوام الحجر؛ لأنّه الأصل، ما لم يظهر الرّشد أو يثبت) اه، و «النّهاية» على مثاله.
ومتى كان الأصل فيمن يتصرّف عنه وصيه الحجر.. فالنّكاح صحيح على مقرّر المذهب.
وبفرض تسليم رشد الشّقيق.. يأتي ما نقله أحمد مؤذّن عن باحويرث، فالعقد صحيح على كلّ تقدير، إلّا أنّ للشّيخ أحمد مؤذّن كلاما آخر في «مجموع الجدّين»، وحاصله: (أنّه وقع عقد في قيدون بغير كفؤ، مع غيبة الوليّ، وفرّق بينهم نائب الهجرين، وسأل أحمد مؤذّن، فأجابه بصواب ما فعل).
وقاضي الخريبة الآن هو الشّيخ عمر بن أبي بكر، من آل باحويرث المذكورين.
ومن علماء الخريبة: الشّيخ الجليل المقدار، عليّ بن عبد الله باراس الكنديّ، المتوفّى في سنة (1094 ه) وأولاده: أحمد، ومحمّد، وعبد الرّحمن. وهؤلاء الثّلاثة كلّهم من مشايخ السّيّد الشّهير عليّ بن حسن بن حسين العطّاس، ولهم ذكر كثير في مؤلّفاته و «ديوانه».
وكان الشّيخ عليّ باراس ورد حريضة على الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس، وهو على أجلف ما يكون من أزياء البادية وهيئتهم، فتأدّب بالحبيب عمر، وحصل له الفتوح في أسرع وقت، مع أنّه كما قال العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس: (لم يقرأ عليه إلّا بعض خطبة «بداية الهداية» للغزاليّ فقط)، ثمّ إنّه استأذنه للحجّ.. فلم يأذن له، ثمّ استأذنه أخرى.. فأذن له.
ولمّا كان بمكّة.. ذهب إلى السّوق لحاجة، فألفاها مع امرأة مصريّة، فأعجبته، وأخذ يتأمّل في محاسنها، فلم يشعر إلّا بضربة عصا على جنبه فعرف أنّ هذا تنبيه له من الله، فثبّت قدمه على طريق الحقّ. ذكرها غير واحد؛ منهم: الحبيب عمر بن حسن الحدّاد في «مجموع كلامه».
ومن علماء الخريبة: الشّيخ العظيم المقدار، عبد الله بن أحمد باسودان، وهو الشّيخ الثّامن عشر من مشايخ سيّدي الأبرّ عيدروس بن عمر ـ حسبما في ترجمته في «عقده»، وقد توفّي بها في سنة (1266 ه)، وكان من العلم بالمكانة العالية:
«تنميه أعراق صدق حين تنسبه *** ذي نجدة وعن المكروب فرّاج »
«ساجي النّواظر من قوم لهم كرم *** تضيء سنّته في الحالك الدّاجي »
وقد ذكرت في «الأصل» من مناقبه ومناسبه ما يغني عن الإعادة هنا، ولقد قال السّيّد عمر بن حسن الحدّاد: (كنت أقرأ على السّيّد محمّد بن حسين الحبشيّ أيّام كان يعلّم بتاربه تحت إشارة سيّدنا عبد الله بن حسين بن طاهر، فلم يكن من الحبيب عبد الله إلّا أن قال لعمّي محمّد بن حسين ذات يوم: نحبّ أن يقرأ عمر بن حسن على الشّيخ عبد الله باسودان؛ لأنّه أوسع علما منك، فانقبض عمّي محمّد من قوله هذا له أمامي وأمام أولاده؛ إذ كنت أقرأ عليه أنا وإيّاهم، فلم تمرّ الثّامنة إلّا وجاء الشّيخ محمّد بن عبد الله باسودان لزيارة تريم، فسرت معه إلى دوعن، وقرأت على الشّيخ عبد الله، وعلى ولده الشّيخ محمّد، وعلى الشّيخ سعيد باعشن، وعلى الشّيخ أحمد بن سعيد باحنشل وهو في سنّ الشّيخ عبد الله وقد كفّ بصره، وكان قرأ في زبيد على سليمان الأهدل وولده عبد الرّحمن بن سليمان، وأدرك الشّيخ الكرديّ، وله حافظة قويّة) اه كلام الحدّاد.
وفي قول الحبيب عبد الله بن حسين للحبيب محمّد بن حسين: (إنّ الشّيخ عبد الله باسودان أوسع منك علما) فوائد:
الأولى: علوّ مرتبة الشّيخ باسودان؛ لأنّ السّيّد محمّدا من أكابر علماء الحجاز، وهو مفتي مكّة للشّافعيّة، والشّيخ السّادس عشر للأستاذ الأبرّ، فانحطاطه مع هذا عن درجة الشّيخ باسودان يشهد لهذا بشأن جليل ومقام عظيم.
الثّانية: أنّ الحبيب عبد الله بن حسين يقول الحقّ، فلا يحابي ولا يوارب.
الثّالثة: أنّ انقباض الحبيب محمّد بن حسين جار على ما يقتضيه الطّبع البشريّ عند مثله، فهو غير ملوم في ذلك، مع الاستكانة والاعتراف بالحقّ وعدم المكابرة فيه.
الرّابعة: لو لا تهذيب الحبيب عبد الله بن حسين لتلاميذه بهذا التّهذيب.. لما انتهى العلّامة السّيّد محمّد بن حسين وأمثاله إلى ما انتهى إليه من العلم والفضل.
الخامسة: أنّ الحقّ رائد القوم، والإنصاف قطب رحاهم، ونقطة بيكارهم، رضوان الله عليهم.
وقد سمعت من والدي وغيره عن الأجلّاء الثّقات: أنّ الشّيخ محمّد باسودان كان أوسع من أبيه في الفقه، وفتاويه شاهد عدل على ذلك.
وأخبرني الشّيخ محمّد بن سالم باسودان أنّ بعض العلويّين وردوا على الشّيخ عبد الله وسألوه عن ابنه محمّد.. فقال لهم: لا بأس به، فاستثقلها ونذر الاعتكاف سبع سنين لدرس العلم في جامع الخريبة، ووفّى بذلك، فبحقّ يجيء فيه ما قاله الشّريف الرّضيّ في تسمّته لأبيه [في «ديوانه» 2 / 21 من الطّويل]:
«جرى ما جرى قبلي وها أنا خلفه *** أغذّ لإدراك المعالي وأوجف »
«ولو لا مراعاة الأبوّة.. جزته *** ولكن لغير العجز ما أتوقّف »
ولكنّ هذا لم يتوقّف عنه بل جازه، ولم يبق له من علم إلّا حازه، توفّي بالخريبة في سنة (1281 ه) وبيتهم بيت علم وشرف، وقد وزر الشّيخ بو بكر بن عبد الله باسودان، وأخوه الشّيخ سالم بن عبد الله للسّلطان عوض بن عمر القعيطيّ.
ومن آل باسودان الآن: الفاضل الشّيخ عمر بن أحمد بن عمر بن أحمد بن العلّامة الجليل عبد الله بن أحمد باسودان، يسكن الآن بالحديدة، وهو من أعيانها ومن المعتبرين فيها.
ومنهم: الشّيخ محمّد بن سالم بن بو بكر بن عبد الله باسودان، خطيب جامع الخريبة الآن.
وللشّيخ أحمد باحنشل ـ السّابق ذكره ـ ولد اسمه: محمّد، من أعيان العلماء، وله ولد عالم اسمه: محمّد، وله حفيد اسمه: محمّد أيضا من أهل العلم، كان محمّد المثلّث هذا موجودا بالمكلّا سنة (1333 ه).
وبالخريبة جماعة من آل باعبيد، منهم الشّيخان: أحمد بن عبد الله باعبيد، وأخوه سعيد بن عبد الله باعبيد، كانوا أهل علم وصلاح وتجارة، ولهم بوالدي اتّصال عظيم وتعلّق تامّ، توفّي الأوّل بالمكلّا حوالي سنة (1317 ه)، والثّاني بالمدينة في حدود سنة (1323 ه)، وللأوّل ولد اسمه عبد الله، كان على القضاء بميدي في أيّام الأتراك والإدريسيّ، ثمّ هو اليوم رئيس البلديّة بها من جهة مولانا الإمام.
وفي المكان المسمّى: ذي يجور في شمال الخريبة منازل آل بصعر، وهم: عمر وأبو بكر وسعيد ومحمد ـ وهو أكبرهم ـ أبناء عبد الله بن سعيد بن عليّ بصعر، كانت لهم تجارة واسعة بحضرموت والشّحر وظفار والحديدة وغيرها، وكانت لهم مراكب شراعيّة تضرب بها الأمثال بين العامّة، تمخر البحار، وقد تفرّقوا وتلاشت ثروتهم الهائلة، ولم يبق لهم إلّا بعض أراض بوادي سهام وأعمال المراوعة؛ فإنّها لا تزال تدرّ عليهم.
ومن أحفادهم ناس بالحديدة، ومنهم الشّيخ عبد القادر بن سالم بن عليّ بن سعيد بصعر، رجل صالح بالمكلّا، قد ذرّف على المئة، زرته مرارا وطلبت دعاءه.
ومن علماء الخريبة: القاضي عمر بن أبي بكر باجنيد.
أخبرني السّيّد عبد الهادي بن محمّد بن عمر الجيلانيّ، عن أبيه، عن جدّه قال: (أرسلني الحبيب أحمد بن محمّد المحضار بنسخة خطّيّة من «التّحفة» إلى عند قاضي الخريبة الشّيخ عمر بن أبي بكر باجنيد، مشفوعة بقصيدة، منها:
«إنّ العمارة بالعشيّة والبكر *** بالعلم والطّاعات والفعل الأغر»
«أمسى بها متحقّقا متخلّقا *** قاضي الأنام الحبر قيدوم الزّمر »
«أعني به الأسد الغضنفر شيخنا *** حاوي الملاحة والتّسلسل من مضر»
«صدر الكتاب إليك يا الشّهم الّذي *** يقضي الدّيون إذا مطالبها زجر »
إلى أن قال الجيلانيّ: (فسرت ب «التّحفة» والقصيدة.. فتقبّلهما الشّيخ بأحسن القبول، ثمّ أرجعني ب «التّحفة» وقال: هو أحرى بها. وأعطاني له مئة ريال، ولمّا دفعتها إليه.. أعطاني منها عشرين ريالا.. فاستكثرتها، وامتنعت من قبولها.. حتّى عزم عليّ بأخذها، فأخذتها). وهذا عطاء غاب عنه الحبيب حامد بن أحمد المحضار، ولو شهده.. لم يكن بهذا المبلغ، بل لقد عاتب أباه بعدما أعلمه.
وأخبرني عبد الهادي المذكور أيضا: أنّ أهل الرّباط ترافعوا إلى الشّيخ عمر باجنيد هذا في قضيّة، ولمّا صدر الحكم.. امتنع المحكوم عليهم من الامتثال، فأصيبوا بالعاهات، فأقبلوا لترضية الشّيخ في جملة من جيرانهم، فلاقاهم الإمام المحضار وقال:
«يا بخت من عزّ الشريعه واستمع *** قول الشريعه لي بها زان الوجود»
«قاضيكم المشهور ما بين العرب *** من حجر بن دغّار لمّا قبر هود»
فارتجزوا به بين دويّ البنادق ورجعها الّذي يهزّ الجبال، ولمّا قاربوا دار القاضي.. خرج للقائهم، فقال الإمام المحضار بالنّيابة عنه:
«حيّا بكم ياللي وصلتوا كلكم *** باسندوه والباعشن زين الجدود»
«يا باجنيد ابشر فسعدك قد بدر *** يا بو محمّد فالكم فال السّعود»
توفّي قبل الثّلاث مئة، وخلفه على القضاء ولده محمّد، ويأتي في جحي الخنابشة بقيّة كلام عن آل باجنيد، كان هذا المكان أولى به، لكن تأخّر عن نسيان، وعن غير واحد أنّ آل باجنيد يتحمّلون ثلث نفقة عمارة ساقية الخريبة، وهو آية كثرة أموالهم بها.
وعلى قول المحضار: (من حجر بن دغّار لمّا قبر هود).. ذكرت أنّ ولدي البارّ حسن ـ بلّغه الله مناه ـ قال في رحلته الّتي قدّمها للنّادي العلميّ عن حضوره ـ بالنيابة عنه ـ تأبين المرحوم السّيّد أحمد بن عمر الشّاطريّ: ثمّ أنشدت قصيدة أديب، ولم أذكر منها سوى عجز بيت هو:
من نواحي هود إلى حبّان
وكان معنى صدره: فقدت حضرموت منه أريبا. فبقي بذهني لسببين:
أحدهما: أنّ جماعة تغامزوا عليه استقلالا للمدح واستصغارا للبقعة الّتي حدّدها.
والثّاني: أنّه يكاد أن يكون نفس قول شوقي [في «الشوقيّات» 2 / 192 من الخفيف]:
«يا عكاظا تألّف الشّرق فيه *** من فلسطينه إلى بغدانه »
هذا كلام حسن، وشد ما لاحظت عليه: إكباره لشعر شوقي، ولا سيّما بعد أن تقدّم إليّ بالسّؤال عن أربعة أبيات منه وأجبته عنها بالرّسالة الموسومة ب «النّقد العلميّ الذّوقيّ في الجواب عن أبيات شوقيّ».
وكثيرا ما أثني على شعر الحضارم الحمينيّ، وهذا من المواضع الّتي يتأكّد بها ما أقول؛ إذ الشّطران الّلذان ذكرهما حسن لا يعدّان شيئا في جنب قول المحضار: (من حجر بن دغّار لمّا قبر هود) وكذلك يظهر هزالهما ـ حتّى لا يسومهما أيّ مفلس ـ عند قول العاميّ الحضرميّ في رثاء عائض بن سالمين الكثيريّ: (جبال ترقل من القبله إلمّا هود).
وللإمام المحضار فضيلة التّقدّم، ولا غرو أن يتفضّل شعر الحضارم العاميّ الخالي عن التّكلّف، ولا سيّما في الغزل؛ إذ كانوا يرجعون في ذلك إلى أصل أصيل... إلّا من جهة أمّه الحضرميّة المسمّاة: مجد.
وللسّيّد عبد الهادي الجيلانيّ المذكور ولد يقال له: حامد، طلب العلم بتريم، وله نباهة وذكاء إلى تواضع وسيما صلاح، وقد انتفع به أهل الخريبة انتفاعا كثيرا.
وفي ترجمة السّيّد أحمد بن حسن بروم من «المشرع» [2 / 55]: أنّه (ورد الخريبة هو والسّيّد علي بن أحمد الخون، وجرت لهما قصّة). توفّي السّيّد أحمد المذكور في سنة (957 ه).
وممّن توفّي بالخريبة من العلويّين: السّيّد عبد الله بن محمّد بن عليّ بن أحمد بن عبد الله مولى عيديد. ومن عقبه: السّيّد حسين بن أحمد بن زين بن عليّ بن زين بن عليّ بن حسين بن عبد الله المذكور، كان إماما فاضلا، مشهورا بالفضل والولاية، توفّي بالقنفذة سنة (1265 ه).
ومنهم: السّيّد عليّ بن محمّد بن عليّ، أخو عبد الله المذكور، مات بالخريبة أيضا، وعقبه بها وبشبام وجاوة.
وفي الخريبة ناس من ذرّيّة الحبيب عبد الله بن علويّ بن أحمد بن محمّد الكاف، المتوفّى بها سنة (1074 ه).
وناس من ذرّيّة الحبيب عبد الرّحمن بن علويّ الخوّاص الجفريّ التّريسي: منهم: السّيّد الدّائم الذّكر، الكثير الصّمت، عمر بن أبي بكر بن محمّد الجفريّ، كان موجودا بها في سنة (1320 ه).
وفيها من آل الجفريّ: آل باصادق، منهم الآن: عبد الله وعبد الرّحمن ابنا حسن بن طالب بن محسن بن محمّد بن صادق بن حسن بن صادق، نجعا إلى مكّة وجدّة، ولهم تجارة واسعة، وثروة لم ينسوا حقّ الله فيها، مع تواضع وأخلاق كريمة، ومحافظة على العبادة، ومواظبة على الصّلوات في الحرم الشّريف، ولهم ابن عمّ يقال له: عبد الله بن محسن بن طالب بن محسن نجع إلى الحبشة.. فهو رأس العرب ببعض بلادها.
ومنهم بها: السّادة آل علويّ البارّ: محمّد وعبد الله وحامد، وقد رأيت محمّدا هذا بعدن في سنة (1322 ه) وهو صدر من صدورها، وكان بها مكرع ريّ، ومشرع إحسان، ومستودع حسن ظنّ بالأخيار، من دون تعصّب ولا تفريق بينهم.
ولهم ذرّيّة منتشرة بالخريبة وعدن والحبشة وغيرها، وكانت لهم هنالك أموال وعقارات فتلاشت، أو تحوّلت كلّها إلى السّيّد حامد بن علويّ.. فهو من أولاد الوجهاء، وله أولاد نبهاء.
والخريبة أكثر بلاد دوعن عمارة ورفاهة، حتّى لقد جاء في «مجموع كلام السّيّد عمر بن حسن الحدّاد» ـ المتوفّى في سنة (1308 ه) وكان أقام بها كثيرا ـ أنّه: يذبح في سوقها كلّ ليلة عشرون رأسا من الغنم، مع أنّه لا يذبح لذلك العهد في سيئون وتريم أكثر من رأسين في كلّ ليلة، فانظر إلى هذا التّفاوت العظيم.
ثمّ رأيت الطّيّب بامخرمة يقول: (والخريبة مدينة بوادي دوعان الأيمن، ولمّا استولى الفقيه الصّالح، الورع الزّاهد، العالم العامل، عفيف الدّين عبد الله بن محمّد بن عثمان بن محمّد بن عثمان العموديّ النّوّحيّ على وادي دوعان.. سكن رأس الخريبة، وأقام لهم الشّريعة، وأحيا السّنّة، وأطفأ البدعة، لكن لم يوافق هواهم.. فحاربوه وأخرجوه، فانتقل إلى ذمار، وتوفّي بها سنة (840 ه)، كذا وجد بخطّ بعض الفضلاء) هذا آخر كلامه، وفيه جزم بأنّ آل العموديّ من نوّح، وقد فصّلت الخلاف في نسبهم ب «الأصل».
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
14-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (القطن)
القطنهو صقع لا بأس به، منه ديار بني بكر السّابق ذكرها، وعاصمته: الرّيّضة.
وهي المسمّاة: حوطة القعيطيّ، وكان القعيطيّ اشترى أرضا واسعة هناك من السّادة آل عبد الله بن علويّ العيدروس بواسطة أحدهم ـ وأظنّه السّيّد علويّ بن حسين العيدروس ـ فكان الثّمن بخسا، ولكنّ الدّلالة كانت وافرة جدّا من القعيطيّ، فبنى حوطته هذه في جانبها الجنوبيّ إلى بقايا قرية كانت هناك قديمة.
وهي طيّبة الهواء، نقيّة التّربة، يختلف هواؤها عن شبام بكثير في الصّحّة والصّفاء.
ومررت فيها أيّام الأمير صلاح بن محمّد القعيطيّ، وكان شهما محنّكا، وقور الرّكن، غزير الحلم، مشاركا في العلم والتّاريخ، مقصودا، رحب الجانب، ينصف المظلوم من الظّالم، وكان له شغل بالحرث، يحصل منه على إيراد عظيم ينفقه بأسره في نيل المكارم وقرى الضّيفان.
وهو الّذي فتل في الغوارب والذّرى حتّى حمّل ابن عمّه منصّر بن عبد الله ـ لمّا بدؤوا ينافسونه ويضايقونه ـ ما حمّلهم من الحقد والمنافسة على عمّهم السّلطان عوض بن عمر، وأوقعهم في الثّورة، ولكنّه لم يجن ثمرة سياسته إلّا خلوّ حضرموت له من وجه منصّر بن عبد الله الّذي كان يضايقه ويتفضّل عليه، وإلّا.. فقد مات وشيكا في سنة (1318 ه) ـ كما سبق في قيدون ـ عن ولدين.
أحدهما: الأمير محمّد بن صلاح، مرّت أيّامه في خدمة الجيش الآصفيّ بحيدر آباد الدّكن، إلى أن مات، وهو رجل مشكور؛ إلّا أنّ للفرزدق شاعر الهند المجهول أهاج لاذعة أقذع له فيها غاية الإقذاع.
والثّاني: عليّ بن صلاح، رجل نبيه، تكرّرت ولايته على شبام وعزله عنها؛ لأنّ السّيّد حسين بن حامد كان منحرفا عنه في باطن الأمر، كلّما ولّاه مديدة.. أبعده.
وصلح حاله أوّلا مع الأمير سالم بن محمّد القعيطيّ نائب السّلطان عمر بن عوض، ثمّ تغيّر، وفي الأخير ناب مديدة أقصر من ظمء الحمار بالمكلّا عن السّلطان صالح بن غالب، ثمّ أقيل، واشترك بعدها مع الأمير عبيد صالح بن عبدات في حركاته، ووجدوا عنده كتبا له منه تصرّح بالتّمرّد على الدّولة القعيطيّة، والنّاس يعلمون أنّ ذلك لم يكن عن عقد ضمير وعزيمة صادقة، وجدّ في الخلاف ولكن ليقضي حاجة في نفسه من الأمير عبيد صالح، فحوكم ونفي إلى المكلّا، ولكن شفع له المرض فسمح له بالرّجوع إلى مسقط رأسه، لكن لا إلى حصنه الّذي استولت عليه حكومته، بل إلى دار آخر؛ لأنّهم صادروه.
وكلّ ذلك دون ما فعله بمربّيه الشّيخ عوض بن سعيد بافضل، وقصّة ذلك: أنّ عليّ بن محمّد التّويّ أرضى عليّ بن صلاح، على أن يخطب له بنت الشّيخ عوض، ولمّا قال له: إنّها مخطوبة للسّيّد عليّ بن حسن بلفقيه.. استعر غضبا وصادر أموال الشّيخ عوض، صامتها وناطقها، وأمر عبيده بقتله، فكبر عليهم، فأنذروه، فهرب إلى سيئون، وولده الشّيخ سالم إلى عدن، ولم يرجعوا إلى القطن أبدا.
ولأمّ عليّ بن صلاح حديث طريف: ذلك أنّ أحد أقاربها من آل محفوظ خطبها.. فردّوه، ثمّ تزوّجت آخر فما زال الأوّل يترقّب الفرص حتّى هجم عليه ـ مع اثنين من أصحابه ـ وأطلقوا عليه الرّصاص، وكانت المرأة خارج الدّار.. فأسرعت إليه، فلاقاها القتلة فقالوا: ابكي محمّد، فقالت: سالف القبوله، وكان معها خنجر فبعجت به بطن الأوّل ثمّ الثّاني ثمّ الثّالث، ثمّ خفّت إلى والدها تخبره بالحال.
وهذا خبر عظيم لو لا أنّ الّذي أخبرني به ثقة ضابط.. لما كتبته، ألا وهو الشّيخ سالم بن عوض بافضل، وذكر أنّ هذا هو رغّب الأمير صلاح بن محمّد فيها، ولم تكن تصلح إلّا له، ولم يكن يصلح إلّا لها، غير أن ابنها لم يكن كما هناك.
واسم هذه المرأة: شيخة، وقارن بينها وبين فطوم الآتي خبرها في وادي الذّهب، وسألت بعض شيوخ نهد عن هذا الخبر فكذّبه وقال: إنّما قتل قتلة زوجها إخوانها. والله أعلم.
وبالرّيّضة من القطن جماعة من ذرّيّة السّيّد الصّالح أحمد الهدّار بن هادي بن عليّ بن محسن بن الحسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم، وناس من آل باهرمز، وناس من آل بافضل، منهم الرّجل السّياسيّ المحنّك الّذي له الضّلع الأقوى في إقامة الدّولة القعيطيّة: الشّيخ عبد الله بن سعيد بافضل، وكان السّلطان عوض يعدّه أحد أولاده، بل يعتمد عليه أكثر منهم، ولا يسمع فيه لأحد كلاما، وهو أهل لذلك فحولة وذكاء وحسن رأي، وصدق فراسة، إلى حسن تواضع ودماثة أخلاق، فلم تغيّر فخفخة الدّولة شيئا من أخلاقه، بل بقي على زيّ أهله وأصحابه وعاداتهم، وله أخبار جزلة كثيرة.
ومنهم: متولّي أنكحتها وأهلّتها، الشّيخ عليّ بن أحمد بافضل. وجماعة من آل بامطرف الكنديّين، خلعوا السّلاح ـ كأصحابهم السّابق ذكرهم في غيل باوزير ـ ولبسوا ثياب الصّلاح، منهم اليوم: محمّد عبيد وإخوانه، مذكورون بجميل ومعاملة طيّبة، حتّى لقد بقوا ينفقون على عملائهم الّذين انقطعت صلاتهم من جاوة مع تفارط الأيّام وطول المدّة بنصف ما كانوا يعتادون في أيّام السّعة، وهذه حسنة غرّاء محجّلة، لا سيّما إذا قرنتها لما عليه آل سيئون، فأنا أعرف أحد السّادة بها، لا يكون عنده اثنان إلّا كان الثّالث وكيله، الّتي تصل دراهمه من جاوة وسنغافورة عن طريقه، ويخصم عليه منها خدمة وافرة، وينتفع بإبقائها تحت يديه؛ لأنّه لا يأخذ منها إلّا للحاجة تدريجا، ولا يحاسبه في شيء قطّ، بل يدع حبله على غاربه ليفعل ما يريد، وبمجرّد ما انقطعت الأسباب.. تنكّر له تنكّرا فاحشا، حتّى لقد كاد ينقطع السّلام والكلام، فلعنة الله تترى على اللّئام!
وبعضهم يزعم أنّ قطنا هو هذا المذكور في قول امرىء القيس [في معلّقته من الطّويل]:
«أصاح ترى برقا أريك وميضه *** كلمع اليدين في حبيّ مكلّل »
«يضيء سناه أو مصابيح راهب *** أهان السّليط في الذّبال المفتّل »
«قعدت وأصحابي له بين ضارج *** وبين العذيب بعد ما متأمّل »
«على قطن بالشّيم أيمن صوبه *** وأيسره فوق السّتار ويذبل »
وقول سحيم بن وثيل الرّياحيّ [من الوافر]:
«متى أحلل إلى قطن وزيد *** وسلمى تكثر الأصوات دوني »
وجاء في (ص 57 ج 5) من «صبح الأعشى» في ترحيل الطّريق من البصرة إلى عمان أنّها: (تنتهي إلى ساحل هجر، ثمّ إلى العقير، ثمّ إلى القطن، ثمّ إلى السبخة، ثمّ إلى عمان) اه
وقطن هذا، وفي الشّعر الماضي بالتّحريك، وأمّا الّذي نحن فيه.. فساكن الوسط.
ومن قرى القطن وحصونه: دار آل رشيد. ودار آل النّقيب. وساحة الحضارمة
وحصن آل الزّوع، وهم من نهد، ولهم مروءة، وهم مثل آل شبيب ـ أصحاب غصيص بن يزيد المجلّف ـ من نهد عرما ودهر حسبما يقال. إلّا أنّ منهم واحدا لو امتزج لؤمه بماء النّيل والفرات.. لعاد ملحا أجاجا.
وساحة آل عليّ الحاجّ.
وساحة الجهاورة، ومنهم الشّيخ يحيى بن قاسم الجهوريّ اليافعيّ، رجل شهم جزل لا يتقنّع من سوءة، وله شعر جميل. وكان يكثر الكون في قزة آل البطاطيّ، أخبرني المنصب أحمد بن حسين العطّاس قال: إنّ جماعة من الصّيعر سرقوا عجلا للعبس من رعيّة العوابثة في وادي العين وذبحوه وحملوا به إلى عند آل باربّاع في سدبة، وأخبروهم بالحال، فقالوا لهم: لا ترضون علينا فإنّنا نخاف العوابثة، فساروا إلى القزة ونزلوا على يحيى بن قاسم هذا، وأخبروه فآواهم، ثمّ إنّ العوابثة قدّموا دعوى عند الحاكم النّهديّ على أولئك الصّيعر.. فأنكروا، فقال لهم النّهديّ: شهودكم؟
فأتوا بآل ربّاع، فقال لهم: ما عندكم؟ قالوا: ما عندنا إلّا أنّنا سمعنا الكلب ينبح، ثمّ جاء هؤلاء الصّيعر ومعهم شيء يحملونه لا ندري ما هو، فقال لهم النّهديّ: ليست هذه بشهادة، فاستدعوا يحيى بن قاسم وأرسلوا له مطيّة، فقال: مطيّتي أسرع، وعندما وصل.. سأله الحاكم عمّا عنده بعد شرح الحال، فقال له: أشهد بالله أنّ هؤلاء أقرّوا بأنّهم سرقوا جحش العبس الأخضر وذبحوه، وأروني جلده ورأسه، وأعطوني ربعه مع الكبد، ورجلي في القيد وبندقيّتي عدالة إن أنكروا.
فاستجهر الصّيعر هذا الكلام الصّريح، وهالهم، فقالوا له: شهادتك مقبولة من الأرض إلى السّماء، ودفعوا الثّمن.
ولمّا عزم الجهوريّ على النّهوض.. قال له الحاكم: والله لا تخرج إلّا بعد أن تتغدّى؛ فلقد ذبحت لك كبشا أنت به في شهامتك جدير، وقال لآل باربّاع: اخرجوا من داري يا مفخطة النّخل، كتمتوا شهادتكم خوفا من الصّيعر.
وأخبرني بعض ثقات يافع: أنّ يحيى بن قاسم المكنّى بو لحم ـ هذا ـ كان في سيئون، ولمّا زالوا.. سكن بنخر عمرو، قبلي شبام، ثمّ سار إلى هينن وطرد آل طاهر بن راجح فلجؤوا إلى مصنعة خربة باكرمان في وادي عمد، وهي مصنعة، منيعة لا تزال معهم إلى الآن.
ثم إنّ آل سدبة اشتكوا إليه من ظلم البكريّ، فحاربه، واستولى على سدبة وذهب البكريّ إلى عندل، ولا تزال مصنعتها بأيديهم إلى الآن، ولكنّهم لا يسكنونها ولا يأتون عندل إلا وقت حصاد زروعهم، وثمار أموالهم بها، وإنّما يسكنون بالقطن، وقد مرّ قبيل القطن أنّ آل البكريّ وبني أرض ليسوا من يافع، وإنّما هم من قبائل الرصّاص. اه
وقوله: (إنّه طرد آل طاهر بن راجح بعد جلائه من سيئون).. لا يتّفق مع ما سبق قبيل قعوضه: أنّ آل طاهر بن راجح خلّفوا آل كثير على هينن، وأنّ يافعا طردتهم سنة (1143 ه)؛ لأنّ جلاء يافع عن سيئون إنّما كان سنة (1264 ه)، والتّعدّد بعيد، وكلام الحبيب عليّ بن حسن هو الأثبت؛ لأنّ ما يتلقّى من الأفواه يزيد وينقص.
ومن الجهاورة: جابر بن قاسم بن صالح الجهوريّ، كان من رماة الحدق، متفوّقا في الرّماية، يضرب به المثل فيها، حتّى إنّه ليضع البيضة على رأس عبده ثمّ يطلق الرّصاص عليها من بعد.. فلا يخطىء المكان الّذي يرسمه منها.
وسمعت سيّدي العلّامة حسين بن محمّد الحبشيّ يخبر والدي بنظير ذلك عن بعض العلويّين بالمدينة، حتّى لقد عزم أحد الأشراف على تأديبهم لأمر جرى منهم، فخيّم بعسكره في العريض، ولمّا تناول فنجان القهوة.. قال العلويّ لأصحابه: سأرميه، قالوا: لا تصيب الشّريف فتعرّضنا للبلاء، فقال لهم: لا تخافوا، ثمّ التقط الفنجان ببندقيّته من بين أصابع الشّريف من غير أن يمسّها بسوء، فأكبر الشّريف هذه المروءة والمهارة، فانصرف بالقوم.
أمّا قول يحيى: (مسكني حصن الدّويل).. فمحتمل لأن يكون المراد حصن سيئون أو حصن شبام؛ إذ كلّ منهما يقال له: حصن الدّويل.
ومن قرى القطن: حصن المداشلة.
وحوطة النّور، للسّيّد الجليل محمّد بن سقّاف ابن الشّيخ أبي بكر، وهي عبارة عن دار ومسجد، وبساتين نخل له هناك، وقد ألّف بشأنها رسالة سمّاها: «جالب السّرور في تاريخ حوطة النّور»، وخلفه عليها ولده عبد الله، وهو رجل شهم غيور، وله أولاد مباركون.
وفي شرقيّ حوطة النّور بوادي الحبظ ديار آل بالحامض، لا يزال بها منهم اليوم نحو الأربعين رجلا وهم من نهد.
ومن قرى القطن ديار آل أحمد، ومنهم: صاحبنا الشّيخ صلاح أحمد الأحمديّ، رجل كريم، شريف النّفس، طويل القامة، جميل الصّورة، فاضل الأخلاق، قويّ العارضة، له شعر جزل بالطّريقة الدّارجة حتّى إنّ بعضهم ليتّهم ـ كما سيأتي في عرض مسرور ـ أنّه هو الفرزدق الشّاعر المجهول الّذي دوّخ الهند بأهاجيه، وملأ البلاد دويّا وضجيجا، وهو الآن يخنق المئة، ممتّعا بالعقل والحواسّ، لا حرمنا الله لقاءه في خير؛ فإنّي كثير الحنين إلى مثله من قدامى الأصحاب والمعارف، كما قال أبو الطّيّب [في العكبريّ 4 / 284 من الطّويل]:
«خلقت ألوفا لو رددت إلى الصّبا *** لفارقت شيبي موجع القلب باكيا»
وهو من أصحاب شيخنا العلّامة ابن شهاب، المختصّين به.
والعنين، وهو من قدامى بلاد القطن.
ثمّ: عقدة آل المصلّي والشّاووش. ثمّ: ديار آل سعد.
ثمّ: عرض آل بلعلا، وسمعت أنّهم من آل بالحارث أهل بيحان، وهم من المنتسبين ـ كآل الزّوع ـ بالخدمة والولاء إلى السّادة آل خيله، وكانوا يأتون إليهم في كلّ سنة فيكرمونهم، ولكنّهم جاؤوا إليهم مرّة وفي العيش يبس، فأرادوا مداعبتهم.. فتلقّوهم، وبعد أن صافحوهم واتّجهوا بهم إلى منازلهم.. همّوا بالارتجاز، فقال شاعرهم
«حيّا بذي السّاده ومن جا سعفهم *** يا داخلين العرض في أيّام الصّيوف »
«العام قد جيتوا، وجيتوا ذي السّنه *** ماشي على العدّان بقعا الّا حفوف »
فغضب آل خيله، وصرفوا أعنّة الدّوابّ، فأقبل عليهم آل بلعلا يترضّونهم ويعتذرون إليهم.. حتّى رضوا وساروا معهم إلى عرضهم وزادوا على العادة في إكرامهم. وآل بلعلا من كرام القبائل، يتّصل طارفهم بتليدهم، وكان فيهم علماء وشعراء، أمّا العلم.. فقد انقرض، وأمّا الشّعراء.. ففيهم إلى الآن، وفي عرض آل بلعلا ناس من آل السّقّاف؛ منهم السّيّد صالح بن عبد الله بن عبد الرّحمن.
ثمّ: نقق، فيه سادة من آل الحبشيّ، وناس من آل جابر، ولقد مررت ذات سنة ـ في طريقي إلى المشهد ـ بتلك المنازل في طريقي إلى دوعن.. فإذا أكثر حصون يافع خالية عن الرّجال، فتذكّرت قول أبي عليّ البصير [في «ديوانه» من الكامل]:
«فكأنّما تلك الشّوارع بعض ما *** أخلت إياد من البلاد وجرهم »
«كانت معادا للعيون فأصبحت *** عظة ومعتبرا لمن يتوسّم »
«تبكي بظاهر وحشة وكأنّها *** إن لم تكن تبكي بعين تسجم »
«وكأنّ مسجدها المشيد بناؤه *** ربع أحال ومنزل مترسّم »
«وترى الذّراري والنّساء بضيعة *** خلف أقام وغاب عنه القيّم »
نسأل الله أن يردّ المياه إلى مجاريها، ويسكن الدّيار ببانيها.
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
15-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (وادي سر وقبر نبي الله صالح)
وادي سر وقبر نبيّ الله صالحفي شمال الكسر: وادي سر، يفصل بينهما جبل لا عرض له، والظّاهر أنّه محرّف عن الرّسّ، ومثل ذلك التّحريف واقع بكثرة عند الحضارم وغيرهم. وهو واد واسع، تصبّ إليه أودية وجبال كثيرة.
وفي سفح الجبل الّذي بأعلاه مكان يقال له: (عسنب): قبر نبيّ الله صالح عليه السّلام، والأدلّة على وجوده بحضرموت كثيرة، منها: قوله جلّ ذكره: (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) إذ الخلافة صريحة بوجودهم بديار عاد، وهي حضرموت غير مدافعة.
وقال غير واحد من المؤرّخين، منهم اليعقوبيّ: (إنّه لمّا هلكت عاد.. صار في ديارهم ثمود).
وفي (ص 590 ج 2) من «شرح النّهج»: (قال المفسّرون: إنّ عادا لمّا هلكت.. عمّرت ثمود بلادها، وخلفوهم في الأرض).
وفي «التّاج»: (أنّ العرب العاربة ـ وهم: عاد وثمود وأميم وعبيل... ووبار ـ كلّهم نزلوا الأحقاف وما جاورها).
وقال ياقوت [3 / 43]: (روي أنّ الرّسّ ديار لطائفة من ثمود).
وقال البغويّ عند تفسير قوله تعالى: (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) (روي عن الضّحّاك أنّ هذه البئر كانت بحضرموت)
ويتأكّد هذا بما سيأتي في بور وحنظلة بن صفوان عليهما السّلام، ولا يغبّر على شيء ما صحّ أنّ ثمود بالحجر؛ لأنّ الموجودين بحضرموت إمّا أن يكونوا نجعوا إليها بعد نجاتهم من العذاب كما فصّل ب «الأصل»، وإمّا أن يكونوا ضاربين من هناك إلى حضرموت؛ إذ لا يستنكر ذلك من أمّة عظيمة يملأ خبرها سمع الأرض وبصرها وقد سبق في أخبار حجر القول بأنّ فيها الوادي المشار إليه في قوله جلّ ذكره: (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ)
وأخبرني غير واحد من أهل تلك النّاحية أنّهم لا يقدرون أن يقبروا أحدا في موضع يرى من مكان قبر نبيّ الله صالح عليه السلام؛ فإن قبروا أحدا من الجهلة أو تركة الصّلاة بحيث يتراءى من موضع قبره عليه السّلام.. لفظته الأرض.
وإنّما يقبرون من وراء جبل يسترهم من مكان ضريحه صّلى الله عليه وعلى نبيّنا وآله وسلّم.
وأكثر وادي سرّ لآل كثير؛ فهم بغاية الحاجة إلى التّردّد إليه.
وفي حدود سنة (1307 ه) بدا لعبد الحميد بن عليّ جابر أن يبني كوتا في موضع يقال له: (قلات) على طريقهم، فاشتدّ عليهم الأمر، وجاء محمّد بن بدر إلى لحمان بن عبد العزيز فقال له: سر وأخبر عائض بن سالمين، فسار إلى بابكر وأخبر آل عبدات، فكاتبوا السّلطان وآل كثير، فلم يجبهم أحد، فعاد على غبيراء الظّهر فلاقاه لحمان إلى بعض الطّريق ولمّا خبّره بالجليّة.. سبّه وأخذ جمله وركب عليه وهو أرمد إلى عائض، فكتب للسّلطان ولآل كثير من اللّيلة الثّانية: أن وافوا إلى القارّة، فجاؤوا بقضّهم وقضيضهم، وشعر بهم عبد الحميد، فجاء إلى منصّر بن عبد الله يطلب النّجدة فلم يساعده، وقال له: نحن نحبّ إخماد الشّرّ وأنت تثيره، وهجم عائض بمن معه على الكوت وأحرقوه، وكان فيه تسعة؛ اثنان من الطّراشمة رمى بهم البارود إلى مكان بعيد فسلموا؛ وسبعة من العبيد سقط عليهم الكوت فهلكوا.
هذه رواية امبارك بن جعفر القحوم والّذي في «الأصل» غيرها، والله أعلم.
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
16-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (سيئون)
سيئونزنة: زيدون، بعضهم يكتبها بواو واحدة، وبعضهم بواوين، والقاعدة: أنّ ما كثر استعماله واشتهر وفيه واوان.. يكتب بواحدة فقط، كداود.
وقد قلت في «منظومة» أنشأتها في «علم الخطّ» [من الرّجز]:
«ما كثر استعماله وفيه *** واوان.. واو واحد يكفيه »
وهي من البلدان القديمة، نقل الشّيخ المؤرّخ سالم بن حميد: أنّ سيئون، وتريم، وشبام، وتريس أبناء حضرموت، وأنّ هذه البلاد سمّيت بأسمائهم.
وقد ذكرها الهمدانيّ في «صفة جزيرة العرب» [170] إلّا أنّه لم يسمّها باسمها، بل قال: (وشزن وذو أصبح مدينتان في دوعن) اه
وقد استشكلت هذا ردحا من الزّمن حتّى فرّج الله عنّي بما رأيته منقولا عن أبي شكيل، عن أبي الحسن أحمد بن إبراهيم الأشعريّ من قوله: (وذي أصبح وسيئون مدينتان عظيمتان لبني معاوية الأكرمين)، فدلّ ذلك على قدمهما.
فقول الهمدانيّ: (شزن).. إمّا غلط منه وإمّا أن يكون عرض بعده التّبديل، لكن من المعلوم أنّ سيئون منعطفة على الجبل الّذي هي بحضيضه انعطاف اللام. والانعطاف من الانحراف هو الشّزن بنفسه، قال ابن أحمر [من الوافر]:
«ألا ليت المنازل قد بلينا *** فلا يرمين عن شزن حزينا»
ولعلّ سيئون في القديم كانت كحالها اليوم في الانعطاف على جبلها.
وأمّا قوله: (بدوعن).. فخطأ ظاهر لا يحتمل التّأويل، ولهذا تركه أبو شكيل.
وقد يغبّر على قدم سيئون شيئان:
أحدهما: أنّه لا ذكر لها في الحوادث القديمة، وأوّل ما يحضرني من ذكرها فيها أنّ نهدا اقتسمت السّرير في (سنة 601 ه) فصارت سيئون وحبوظة لبني سعد وظبيان.
وثانيهما: أنّ الجامع الأوّل بسيئون كان صغيرا لا يتّسع لمئتي نفس تقريبا، ومع ذلك فالّذي بناه هو الشّيخ عبد الله بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن سلمة باكثير، وهو متأخّر الزّمان، لم يمت كما في «البنان المشير» [ص 25] إلّا في حدود سنة (920 ه) وله قصّة مع سيّدنا الشّيخ أبي بكر العدنيّ ابن سيّدنا عبد الله العيدروس لمّا اجتاز بسيئون، وقد كانت وفاة العدنيّ في سنة (914 ه).
ولكنّ الجواب يحصل عن ذينك الأمرين، ممّا أجمع عليه المؤرّخون؛ كشنبل وباشراحيل وغيرهما: أنّ سيئون خربت في سنة (595 ه) فتحصل أنّها كانت مدينة عظيمة لبني معاوية الأكرمين من كندة، ثمّ خربت حتّى لم تكن شيئا مذكورا، ثمّ عادت شيئا مذكورا حتّى دخلت في قسمة نهد سنة (601 ه)، إن لم تؤل بأرباضها.
ثمّ كانت في أيّام العيدروس المتوفّى سنة (865 ه) قرية، كما يعرف من قول السّيّد عمر بن عبد الرّحمن صاحب الحمراء في ترجمته للعيدروس عن عبد الله بن عليّ باسلامة، وكان من الثّقات: (إنّ العيدروس جاء إلى عنده بمريمه، فكلّف عليه أن يذهب إلى سيئون ـ وهي قرية من قرى حضرموت ـ ليشفع إلى جعفر بن محمّد الجعفريّ نائب بدر بن عبد الله بن جعفر عليها في إطلاق عليّ باحارثة، فلم يقبل شفاعته) اه بل سبق في شبام عن الجدّ طه ما يفهم منه أنّها لم تكن في أيّامه إلّا قرية، مع أنّه متأخّر التّاريخ.
وأخبرني السّيّد عمر بن عبد الرّحمن بن عليّ بن عمر بن سقّاف عن والده: (أنّ سيئون اسم امرأة كان لها عريش في جانب سيئون الغربيّ، المسمّى اليوم بالسّحيل، يمرّ عليها أبناء السّبيل المنقطعون، فسمّيت باسمها البلاد).
وقد يجمع بينه وبين بعض ما تقدّم بأنّ اسم سيئون الأوّل إنّما هو شزن ـ حسبما مرّ عن الهمدانيّ ـ ثمّ خربت، وكانت المرأة المسمّاة سيئون أوّل من اتّخذت عريشا في أطلالها الدّاثرة.. فغلب عليها اسمها.
وحدّثني السّيّد المؤرّخ الرّاوية محمّد بن عقيل بن يحيى: أنّ سيئون اسم يهوديّ محرّف عن صهيون، وقد كان مثرى اليهود بسيئون. وصهيون كنيسة بيت المقدس، وإليها يشير الأعشى في مديحه لأساقفة نجران بقوله [في «ديوانه» 243 من الطّويل]:
«وإن أجلبت صهيون يوما عليكما *** فإنّ رحا الحرب الدّكوك رحاكما »
وفي (ص 309 ج 5) من «صبح الأعشى»: (إنّ صهيون بيعة قديمة البناء بالإسكندريّة، معظّمة عند النّصارى).
وقبله من تلك الصّفحة ـ في الكلام على بطارقة الإسكندريّة الّذين تنشّأ عن ولايتهم مملكة الحبشة ـ: (إنّ الملك الأكبر الحاكم على جميع أقطارهم يسمّى بلغتهم: (الحطيّ) ومعناه: السّلطان، وهو لقب لكلّ من قام عليهم ملكا كبيرا. ويقال: إنّ تحت يده تسعة وتسعين ملكا، وهو تمام المئة. وإنّ الملك الكبير في زمن صاحب «مسالك الأبصار» يقال له: عمد سيئون، ومعناه: ركن صهيون) اه
وهو كالصّريح في أنّ سيئون وصهيون شيء واحد.
ورأيت في بعض الصّحف أنّ اليهود قدّموا عريضة على يد أحد زعمائهم للسّلطان عبد الحميد رحمه الله يسترحمونه في أن يعيّن قطعة من فلسطين لسكنى اليهود الّذين قتلهم الضّغط في روسيا وإسبانيا، وفيها ما صورته: إنّ جمعيّة سيئون الّتي تشكّلت في صهيون بعد الميلاد بمئة وخمسة وثلاثين سنة قد اختارتني للمثول بين يديكم؛ لأقدّم لكم هذه العريضة. وتسترحم الجمعيّة اليهوديّة من صاحب الجلالة التّكرّم بتخصيص القطعة الفلانيّة ـ وحدّدها ـ لإسكان اليهود.
ونظرا لما انتاب خزينة الدّولة من الضّائقة الماليّة من جرّاء الحرب اليونانيّة.. فإنّ الجمعيّة تقدّم بواسطتي عشرين مليون ليرة ذهبا لصندوق الخزينة على سبيل القرض لمدّة غير معيّنة بدون فائدة، وخمسة ملايين ليرة ذهبا إلى خزينتكم الخاصّة، لقاء ما تكرّمتم به من البرّ والإحسان، وأسترحم قبول هذا العرض.
فلم يكن من السّلطان إلّا أن استشاط غضبا وطرده، ولكنّ جمعيّة الاتحاد والتّرقّي جعلت ذلك الزّعيم اليهوديّ على رأس الهيئة الّتي جاءت لتبليغ السّلطان خلعه عن العرش؛ لأنّ ذلك اليهوديّ كان من مؤسّسي تلك الجمعيّة!! وكان نائبا عن سبلانيك في مجلس المبعوثان. اه
ومنه تعرف أنّ سيئون اسم للجمعيّة الّتي ألّفت، أو للّذين ألّفوها، أو للمكان الّذي ألّفت فيه.
وقد ملأ العرب اليوم الدّنيا ضجيجا بشأن فلسطين، وسننظر ـ كما في المثل الحضرميّ ـ أسيادنا آل باعبّاد على الصّراط، فإمّا سبقناهم على الظّفر، وإلّا.. كان للنّاس الحقّ أن ينشدوهم ما نكرّره من قول الحطيئة [في «ديوانه» 40 من الطّويل]:
«أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم *** من اللّوم أو سدّوا المكان الّذي سدّوا»
وفي معناه ما أنشده الحجّاج [من الطّويل]:
«ألام على عمرو ولو مات أو نأى *** لقلّ الّذي يغني غناءك يا عمرو»
إذ كان اليهود لا يطمعون في شبر من فلسطين أيّام الأتراك، وعمّا قليل ينكشف الغبار عمّا في المضمار، والبيت الّذي يتمثّل به الحجّاج شبيه بقول ابن عرادة السّعدي
وكان بخراسان مع سلمة بن زياد يكرمه وهو يتجنّى عليه، ثمّ فارقه وصحب غيره فلم يحمد.. فعاد إليه وقال [من الطّويل]:
«عتبت على سلم فلمّا فقدته *** وصاحبت أقواما.. بكيت على سلم »
«رجعت إليه بعد تجريب غيره *** فكان كبرء بعد طول من السّقم »
وقال زياد ابن منقذ العدوي التميمي من قصيدة جزلة أنشأها بصنعاء يتشوق فيها إلى وطنه ببطن الرّمّة ـ وهو واد بنجد [في «ديوان الحماسة» 2 / 153 من البسيط]
«لم ألق بعدهم حيّا فأخبرهم *** إلّا يزيدهم حبّا إليّ هم »
وقال أبو العتاهية [في «ديوانه» 18 من الطّويل]:
«جزى الله عنّي جعفرا بوفائه *** وأضعف إضعافا له بوفائه »
«بلوت رجالا بعده في إخائهم *** فما ازددت إلّا رغبة في إخائه »
وقال أحمد بن أبي طاهر [من الوافر]:
«بلوت النّاس في شرق وغرب *** وميّزت الكرام من اللّئام »
«فردّني الزّمان إلى ابن يحيى *** عليّ بعد تجريب الأنام »
فإن نجح العرب حسبما يتبجّحون في هذه الأيّام.. فبها ونعمت؛ لأنّها أمنيّة كلّ مؤمن، وإلّا.. فما أخذوا إلّا يوم الثّور الأبيض؛ أي يوم نهض المنقذ، وكانت نهضته فاتحة هزائم الأتراك الّتي اهتزّت لها منابر الدّنيا بالدّعاء لهم عدّة قرون.
ولئن لم تكن زنة سيئون في اللّفظ.. فقد كانت على رسمها في الخطّ كما تقدّم أوّل المسوّدة، وما أكثر التّصحيف في مثل ذلك، فمهما يكن.. فالأمر قريب من بعضه، ولا مانع أن تكون المرأة المذكورة في كلام سيّدي عبد الرّحمن بن عليّ يهوديّة، وبذلك تلتئم أطراف الكلام.
ثمّ إنّ سيئون نهضت نهضة سريعة، ونبتت كما ينبت الحبّ في حميل السّيل، والدّليل على ذلك: أنّ باني الجامع الكبير الّذي يسع الألوف إلى اليوم.. هو الشّيخ أحمد بن مسعود بن محمّد بن مسعود بن عليّ بن سعد بارجاء بن عبد الله بن عليّ الظّفاريّ العبهليّ المذحجيّ ـ كما مرّ في الشّحر، كان موجودا في أواخر القرن التّاسع، بشهادة ما سقناه ب «الأصل» من خبره مع السّلطان بدر بن عبد الله بن علي بن عمر الكثيريّ، الّذي كانت ولايته في سنة (850 ه)، ووفاته في سنة (894 ه)، فباكثير باني الجامع الأوّل، وبارجاء باني الجامع الثّاني متعاصران، فغاية ما يحتمل: تقدّم الجامع الأوّل بسنوات معدودة، ومتى عرفت تعاصرهما.. تقرّر لديك أنّ عمارة البلاد حديثة، وأنّ اتّساعها كان دفعة واحدة في أيّام بدر بوطويرق.
وممّا يؤكّد ذلك: اتّفاقهم على أنّ مقبرة سيئون في شرقيّها. أمّا نسبتهم تلك المقبرة إلى الشّيخ عمر بامخرمة:
فإمّا أن يكون المراد جانبها الشّرقيّ منها فقط. وإمّا أن يكون للشّهرة، وإلّا.. فآل بارجاء كانوا متقدّمين عليه.
وكان الشّيخ سعد بارجاء موجودا بسيئون من أوائل القرن السّابع، وكانت وفاة عمّه تاج العارفين سعد الظّفاريّ بالشّحر سنة (609 ه).
وكان الشّيخ سعد بارجاء من المشهورين بالفضل، نجع هو وعمّه الشّيخ سعد بن عليّ الظّفاريّ من ظفار إلى الشّحر، واستوطنها أيّام كانت خصاصا قبل أن تكون مدينة، وأشار على ابن أخيه سعد هذا أن يذهب إلى أرض لا يكون له بها شأن، فكانت سيئون؛ لأنّها لم تكن إذ ذاك إلّا صغيرة جدّا.
ولا يشوّش على قولنا: (أنّ سيئون اتّسعت دفعة). ما سبق عن الجدّ طه، ممّا يفهم استصحاب اسم القرية عليها؛ لاحتمال أنّه باعتبار ما كان.
وكان الشّيخ أحمد بن مسعود ـ باني جامع سيئون الثّاني ـ أحد مشايخ سيئون المشهورين، وله بها آثار، منها: الجامع المذكور، وقد زاد فيه الشّيخ عليّ بارجاء صفّين في جهته الغربيّة أيّام السّلطان عمر بن بدر ـ أي: في القرن الحادي عشر ـ في أرض اشتراها من صلب ماله، ثمّ زاد فيه السّيّدان محمّد بن سقّاف بن محمّد وعبد الرّحمن بن عليّ بن عبد الله آل السّقّاف زيادات قليلة، ثمّ زاد فيه السّيّد حسين بن عليّ سميطة ثلاثة صفوف في جانبه الشّرقيّ، ثمّ جدّدت عمارته على عهد جدّنا محسن بن علويّ بن سقّاف، وهي الموجودة إلى الآن، وكانت النّفقة من الأمير عبد الله بن عليّ العولقيّ السّابق ذكره في الحزم وصداع، يرسلها من حيدرآباد الدّكن إلى يد الجدّ رضوان الله عليه.
ثمّ زاد فيه السّيّد الجليل أحمد بن جعفر بن أحمد بن عليّ بن عبد الله السّقّاف المتوفّى بسيئون سنة (1320 ه) رواقا في جانبه الغربيّ الجنوبيّ.
"وفي آل بارجاء كثير من العلماء والصّلحاء.
منهم: الشّيخ عمر بن عبد الرّحيم بن عمر بن عبد الرّحمن بارجاء، مؤلّف «تشييد البنيان»، وهو كتاب حافل في ربع العبادات، نقل فيه نقولا كثيرة الفائدة، فرغ منه في سنة (1036 ه).
ومنهم: الشّيخ عمر بن عبد الرّحيم، المشهور بقاضي ظفار.
ومنهم: الشّيخ عبد الجامع بن أبي بكر بارجاء، ذكره الشّلّيّ وأثنى عليه، توفّي بمكّة سنة (1082 ه) وترجم له المحبيّ في «الخلاصة» [2 / 298].
ومنهم: الشّيخ محمّد بن محمّد، خطيب جامع سيئون، كان شهما صلبا، عارفا بالقراءات والتّجويد، إلّا أنّه كان يأكل طعام الدّولة فأنكروا عليه؛ إذ كان أكل طعامهم من أكبر المنكرات لذلك العهد الصّالح، توفّي سنة (1328 ه).
ومنهم: الشّيخ أحمد بن محمّد بارجاء، تولّى القضاء مرّات بسيئون، وكانت له بها خطابة الجامع. وكان سخيّا، دمث الأخلاق، ليّن الجانب، خفيف الرّوح، فقيها مشاركا في بعض الفنون، وكان ممّن يحضر عليّ وله مكارم ومبرّات كثيرة. توفّي برمضان من سنة (1334 ه)، وله أولاد كثيرون، كان أحبّهم إليه سالم ومحمّد. وكانت له ثروة بجاوة فأتلفوها عليه، وقد أدركه ابنه الصّالح سعيد بجميل المواصلة وغزير المواساة.
وكان سعيد هذا من المثرين بالصّولو من أرض جاوة، فأنفق ماله في بذل المعروف، ولا سيّما للسّادة آل الحبشيّ وآل العطّاس، حتّى لقد كان يشتري من بعضهم عسلا بأغلى ثمن، ثمّ يقدّمه له كلّ يوم مع اللّحم الحنيذ إلى أن ينفد، وقد أملق بعد ذلك فلم يشنه الفقر؛ لغناه بالله، ولأنّه لا أهل له ولا عيال. وقد كمّت الأفواه عن المصارحة بالحقّ، ولكنّه رافع العقيرة بإنكار المنكر حسب جهده ومعرفته، لا يحابي ولا يداهن، جزاه الله خيرا.
وأمّا آل باكثير: فأكثر أعقابهم بتريس، حسبما سبق فيها، ومنهم جماعة بمكّة المشرّفة، ولا يزال بعضهم بسيئون، ولهم بها مآثر ومساجد.
ومن آخرهم بها: الشّيخ محمّد بن محمّد باكثير، كان عيبة علوم، ودائرة معارف، وعنه أخذت علم النّحو والصّرف، وكان يؤثرني ويقدّمني على النّاس، حتّى لقد قال لي مرّة ـ عن تدبير والدي ـ: (إن حفظت لاميّة الأفعال.. فلك ريال) فقرأتها عليه في الصّباح، ثمّ قلت له من العشيّ: اسمعها. وسردتها عن ظهر قلب وتسلّمت الرّيال، غير أنّ همّتي كانت ضعيفة في الصّرف ولا سيّما القلب والإبدال فتفلّت عنّي أكثره.
وكان الشّيخ ـ رحمه الله ـ متخصّصا في هذين العلمين، كثير الإكباب عليهما، والولوع بهما والبحث فيهما، وله مؤلّفات عديدة وأشعار كثيرة.
وكان شديد التّعلّق بوالدي، جمّ القراءة عليه. ثمّ كان يحضر دروسي في التّفسير والفقه والحديث، ولقد زارني مرّة في سنة (1352 ه) فقال: (لقد عددنا ستّين ماتوا ممّن كانوا يحضرون دروسك الشّيّقة). توفّي على أبلغ ما يكون من الثّبات بسيئون أوائل سنة (1355 ه).
ومنهم: أخوه أحمد بن محمّد باكثير، كانت له خيرات ومبرّات، وصلة أرحام، وكفالة أيتام، وقضاء حاجات، وتفريج كربات، توفّي بسيئون سنة (1343 ه).
ومنهم: ولده عبد القادر، كان تقيّا، متشدّدا في العبادة، متحرّيا في الطّهارة، آخذا بالعزيمة، سريع الحفظ، يكاد يحفظ من مرّة واحدة، وهو الّذي جمع بعض ما كنت أرتجله في المحافل المشهودة من الخطب الطّويلة، وكنت أظنّه الشّيخ محمّدا، لأنّه هو الّذي دفعها إليّ حتّى أخبرني ولده الأديب عمر بن محمّد بأنّ الجامع إنّما هو عبد القادر بن أحمد، بمساعدة من الشّيخ محمد في تحرير الآيات والأبيات والأحاديث فقط. توفّي بجاوة في حدود سنة (1344 ه).
وآل باكثير كلّهم على جانب عظيم من الذّكاء وقرض الشّعر، ولعمر بن محمّد شعر جيّد، وحامل لواء شعرهم اليوم هو: الشّيخ عليّ بن أحمد باكثير، نزيل مصر، وأنا مع حبّي له عاتب عليه؛ لأنّني أرسلت إليه مسوّدة «العود الهنديّ» فلم يردّها، وطبع لي محاضرة مسلّمة النّفقة ولم يدفع لأمري إلّا نحو ثلاث مئة نسخة فقط، وكان كلّ ذلك في سنة (1355 ه)، غير أنّني أحلت السّيّد عبد الله بن محمّد بن حامد السّقّاف ليقبض الجميع منه، ثمّ كاتبت وطالبت الاثنين حتّى عييت بدون جدوى ولا جواب، فأحدهما أو كلاهما ملوم، وكان الواجب على كلّ منهما أن يبرّىء نفسه، وأن يؤدّي الأمانة من كانت عنده.
ومن أكابر من تديّر سيئون: الشّيخ عمر بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بامخرمة، السّيبانيّ الهجرانيّ، ترجمه الشّليّ في «السّنا الباهر» ترجمة طويلة، وذكر أنّ فقهاء عصره أنكروا عليه بعض الأحوال، منها: أنّه يحضر أغاني الفتايا ويجلس إليهنّ وأنّهنّ ممّن يضرب الدّفوف ويغنّي بين يديه في المواكب والمجالس.
ولذا لم يذكره ولده عبد الله في «ذيل طبقات الفقهاء» للإسنوي، وذكر أخاه الطّيّب، مع أنّه لا يزيد عليه فقها. ونقل تلك التّرجمة بأسرها سيّدي عمر بن سقّاف في كتابه «تفريح القلوب».
وما صنعه عبد الله بن عمر من إغفال ذكر والده يدلّك على تحرّ شديد وحيطة هائلة، وماذا عليه لو ذكر فقهه وأشار إلى بعض أحواله؟ غير أنّ فرط إنصافه ذهب به إلى أن يتصوّر أنّ ذكر أبيه مع ما ينكر عليه يوقعه في شيء من الهوادة، وهو ينزّه عدالته عن كلّ ما يعلق بها من الرّيب أو يمسّها من التّهم، وإنّه لمقام صعب إلّا على من وفّقه الله، فلهو أحقّ بقول حبيب [أبي تمّام في «ديوانه» 2 / 171 من الكامل]:
«ويسيء بالإحسان ظنّا لا كمن *** هو بابنه وبشعره مفتون »
أخذ عنه جماعة من العلويّين، منهم: الشّيخ أبو بكر بن سالم. والشّيخ أحمد بن حسين العيدروس.
وأخذ هو عن جماعة من العلماء، منهم: سيّدنا أبو بكر العدنيّ، لكن لم يحمد بينهما المآل، لأنّ الشّيخ عبد الله باهرمز لم يقبل تحكّم الشّيخ عمر له إلّا بشرط أن يسمع العدنيّ ما يكره، ففعل، وساءت بينهما الحال حتّى لقد كان الشّيخ يمدح بدر بن محمّد الكثيريّ والعدنيّ يهجوه، والعدنيّ يمدح السّلطان عامر بن عبد الوهّاب ويذمّ البهّال، والشّيخ عمر بعكسه.
ولمّا جرت الحادثة الهائلة على البهّال.. عدّها الغواة من هواة الخوارق من كرامات العدنيّ، ثمّ لمّا قتل عامر شرّ قتلة.. عدّها الآخرون في كرامات الشّيخ عمر.
وما أحسن قول ابن نباتة: (والله.. لا يضرّ ولا ينفع، ولا يضع ولا يرفع، ولا يعطي ولا يمنع.. إلّا الله).
وكنت أظنّ النّفرة استحكمت بين العلويّين وآل بامخرمة في عهده وعهد ولده عبد الله إلى حدّ بعيد، حسبما أشرت إلى ذلك في «الأصل»، ويتأكّد ذلك بالقصّة الآتية له مع السّيّد علويّ بن عقيل في العرّ من ضرب السّيّد علويّ بن عقيل الشّيخ عمر بالنّعال، وما بعد ذلك من هوادة ولا حفظ لخطّ الرّجعة.
لا سيّما وقد نقل سيّدي عليّ بن حسن العطّاس عن القطب الحدّاد ما يقتضي انحصار أخذ الشّيخ عمر بامخرمة على الشّيخ عبد الرّحمن باهرمز وأن لا شيخ له من العلويّين.
ولا ينتقض ذلك بما كان من أخذه عن العدنيّ؛ لأنّه لم يدم، بل بطل حكمه، وقد أشرت إلى جميع هذا في «الأصل» وربّما كان مبالغا فيه، وقد عوّض الشّيخ عمر عمّا لحقه من جفاء العلويّين في زمانه بما كان من إصفاق أعقابهم على فضله والولوع بديوانه وقد أطنب سيّدي عمر بن سقّاف في مدحه.
أمّا أشعار الشّيخ عمر بامخرمة.. فألذّ من الوصال، وأحلى من السّلسال، وفيها فراسات صادقة عن أمور متأخّرة، كما يعرف ذلك بالاستقراء. ولم يزل بسيئون تحت الضّغط والمراقبة من بدر بوطويرق، لا من النّاحية الّتي ينكرها عليه الفقهاء، ولكن لما على كلامه من القبول: وله من التّأثير؛ فهو يخشى أن يحرّض عليه، فتتنكّر له النّاس، على أنّ ذلك وقع عليه مع شدّة تحرّيه، فثار عليه ولده، وألقى القبض عليه، وسجنه حتّى مات بغيظه مقهورا في سجنه سنة (977 ه).
وما كنت أدري أنّ للشّيخ عمر بامخرمة حشما وأبّهة وأتباعا إلّا من قصّته السّابقة في هينن مع الشّيخ حسين بن عبد الله بافضل، فإمّا أن تكون قبل المراقبة عليه، وإمّا أن تكون المراقبة محدودة بما يخشى منه الثّورة.
وكانت وفاة الشّيخ حسين كما في «النّور السّافر» سنة (979 ه).
وكانت وفاة الشّيخ عمر بامخرمة بسيئون في سنة (952 ه)، وكان السّيّد زين بن عبد الله بن علويّ الحدّاد كثير المدح له والثّناء عليه، وما أكثر ما يتمنّى أن يدفن بجواره.
وفي غربيّ قبره: ضريح الشّيخ أحمد مسعود بارجاء، باني الجامع الثّاني السّابق ذكره.
وفي غربيّه إلى الجنوب: مقبرة آل باحويرث، كان فيهم كثير من الأخيار، يكثرون العبادة، ويحافظون على الصّلاة، وأظنّهم على اتّصال في المناسب بآل حويرث السّابق ذكرهم في الخريبة.
وكانت أمّ جدّنا عليّ بن عبد الرّحمن السّقّاف من آل ثبتان، وهم من سيئون.
وكان جدّنا عمر الصّافي بن عبد الرّحمن المعلّم بن محمّد بن عليّ بن عبد الرّحمن السّقّاف يتردّد من تريم إلى سيئون بسبب أنّ أحد محبّيه من تريم انتقل منها إليها، ولمّا علم بدر بوطويرق بتردّده.. أمر ذلك الرّجل أن يزيّن له الزّواج بسيئون، فما زال به حتّى اقترن بسلطانة بنت محمّد بانجّار، من قوم يرجعون إلى نجّار بن نشوان من بني حارثة، وقد اختلف في بني حارثة: فقيل: كنديّون. وقيل: مذحجيّون.
وكانت لآل بانجّار دولة ببور فانمحت بدولة آل كثير وصاروا سوقة بسيئون وغيرها.
وقد ولد لجدّنا عمر ولده طه من سلطانة المذكورة، ونشأ في حجر أمّه بسيئون، ولمّا شبّ.. ذهب إلى تريم، فضجّ آل سيئون وراجعوه، فعاد وتزوّج بها وبنى بها مسجده المشهور، ولم يزل بها منفردا بالسّيادة إلى أن توفّي سنة (1007 ه).
وله ابن اسمه: عمر، له حالات شريفة، طلب العلم، ثمّ غلب عليه التّصوّف، وأكبّ على «رسالة القشيريّ»، ونقلها بخطّه، وكتب سبعة كراريس منها في يوم واحد.
وكان له اتّصال أكيد بالسّادة آل عبد الله بن شيخ العيدروس في تريم، لا ينزل هناك إلّا عليهم. وله عبادات جليلة، وأوقات موزّعة، توفّي بسيئون سنة (1053 ه).
وهو والد العلّامة الجليل طه بن عمر الثّاني، المتوفّى بسيئون سنة (1063 ه) المترجم له في «المشرع» [2 / 285]، ورثاه جماعة من الشّعراء، فكانت أبلغ مرثيّة فيه للشّيخ عمر بن محمّد باكثير.
وخلفه ولده عمر، توفّي بمكّة سنة (1085 ه)، وسنّه سبع وعشرون سنة، وخلفه ابنه محمّد بن عمر بن طه بن عمر.
وقد رسخت أقدام هذا البيت بسيئون، غير أنّهم كانوا لا يزيدون على سبعة، متى وجد لأحدهم ذكر.. مات أحد السّبعة حتّى كانت أيّام الجدّ سقّاف بن محمّد بن عمر بن طه المتوفّى سنة (1195 ه)، فبدؤوا يتكاثرون، ولم يمت إلّا وقد بلغوا الثّلاثين، إلّا أنّ عصاهم انشقّت، وأمرهم انفرج، وكانوا ـ وهم قليل ـ خيرا منهم بعدما كثروا، ولله درّ حبيب حيث يقول [في «ديوانه» 1 / 330 من البسيط]:
«إنّ الكرام كثير في البلاد وإن *** قلّوا، كما غيرهم قلّ وإن كثروا »
والشّريف الرّضيّ حيث يقول [في «ديوانه» 1 / 528 من البسيط]:
«قلّوا عناء وإن أثرى عديدهم *** وربّما قلّ أقوام وإن كثروا»
وهو بيت طيّب، مغرس علم، ومنبت صلاح، سيماهم التّواضع، وشأنهم الخمول، يقضون حوائجهم بأنفسهم، ولا يتميّزون عن أحد من النّاس إلّا بالعلم إذا سئلوا عنه أو تفتّحوا في الدّروس.
وكان نجوعهم من تريم على حين خلل بدأ في طريق العلويّين، كما يعرف من «الفوائد السّنيّة» لسيّدي أحمد بن حسن الحدّاد، ومن «العقود اللّؤلؤيّة» للعلّامة السّيّد محمّد بن حسين الحبشيّ، فانحفظت طريقهم بسيئون عن ذلك الخلل، وبقوا على ما كان عليه أوّلوهم من التلزّم بالفقه، حسبما قلت من قصيدة أردّ بها على بعض المغترّين من أهل البدع والرّئاسات [في «ديوان المؤلّف» ق 192 من البسيط]:
«سل من أردت فقد كانت أبوّتنا *** على طريق من الإنصاف محمود»
«طريقة من قذى الأوهام صافية *** ومنهل من زلال الفقه مورود»
لا يدخل مسجدهم طبل ولا يراع، ولقد عمل الشّيخ عوض جبران تابوتا لقبر جدّي المحسن فمنعته من وضعه عليه.
وكانوا يتوسّعون في الفقه، ويشاركون في التّفسير والحديث، وليس عندهم من علوم العربيّة إلّا القليل، ولبعضهم أشعار لا تنتهي إلى إجادة. ولهم من الأعمال الصّالحة وتحمّل المشاقّ في مجاهدة النّفوس ما لو لم أره عيانا في مثل والدي.. لم يكن لي بما يذكر عن السّلف سبيل إلى التّصديق، لكن جاء العيان فألوى بالأسانيد.
فلقد نشأ والدي في طاعة الله، لهوه التّحنّث مع أتراب له في جبال سيئون، وكان يكتفي بوجبة ويتصدّق بالأخرى، حتّى علم به أبوه لمّا كان يذهب بها من مخترفهم إلى من كانوا يعتادونه منه بالبلد، فنهاه.
ومنذ عرفته وهو يقوم من النّوم قبل انتصاف اللّيل فيخفّ إلى الطّهارة، ثمّ يصلّي سنّتها، ثمّ الوتر إحدى عشرة بحسن قراءة وطول قيام، ثمّ يقرأ حصّة من القرآن بصوت شجيّ، ثمّ يأخذ في الأوراد والمناجاة، وكثيرا ما يقول في آخر دعائه:
اللهمّ؛ ارحمنا إذا عرق منّا الجبين، وانقطع منّا الأنين، وأيس منّا الطّبيب، وبكى علينا الحبيب.
اللهمّ؛ ارحمنا يوم نركب على العود، ونساق إلى اللّحود.
اللهمّ؛ ارحمنا إذا نسي اسمنا، واندرس رسمنا، وفنينا وانطوى ذكرنا، فلم يزرنا زائر، ولم يذكرنا ذاكر.
اللهمّ؛ ارحمنا يوم تبلى السّرائر، وتكشف الضّمائر، وتوضع الموازين، وتنشر الدّواوين.
ومتى جاء فصل الصّيف والخريف.. كان تهجّده على سطح مصلّاه أو في بطن مسيله، فكأنّما تؤوّب معه الجبال، وتكاد تنقدّ لخشوعه الصّدور وتتفطر المرائر، ثمّ يصلّي الصّبح ونافلته، ويأخذ في أذكار الصّباح، حتّى إذا أسفر الأفق.. نبّهني وأعاد معي الصّلاة وجلس يقرئني إلى أن ترتفع الشّمس قدر رمح، فيصلّي سبحة الضّحى ثمانيا، وتارة يختصّ الإشراق بركعتين؛ إذ المسألة خلافيّة، فالّذي في «الإحياء» [1 / 337] أنّ صلاة الإشراق غير صلاة الضّحى، وجرى عليه في «العباب» [1 / 263] و «التّحفة» [2 / 237 ـ 238].
وقال ابن زياد في «فتاويه»: ويظهر عدم الاكتفاء في نيّتها بمطلق الصّلاة؛ لأنّها ذات وقت كالضّحى، وقال في «الإمداد»: وهي غير الضّحى على ما قاله في «الإحياء».
فتبرّأ منه، واعتمد في «الإيعاب» أنّها من الضّحى وأنّ مقتضى المذهب امتناع فعلها بنيّة الإشراق، وعليه الرّمليّ في «النّهاية»، ومال إليه السّيّد عمر البصريّ.
ثمّ يتناول ما تيسّر من الفطور ويعود إلى مصلّاه الّذي بناه في سنة (1300 ه)، ووقف منه قطعة صغيرة للمسجديّة علينا وعلى ذرّيّاتنا فقط؛ ليصحّ الاعتكاف فيه، فيجلس للتّدريس به لأناس مخصوصين؛ هم: السّيّد سقّاف بن علويّ بن محسن، والسّيّد عبد الله بن حسين بن محسن، والشيخ عمر عبيد حسّان، والشّيخ محمّد بن محمّد باكثير، والشّيخ محفوظ بن عبد القادر حسّان، وأمّا الشّيخ محمّد بن عليّ الدّثنيّ.. فإنّه لزيمه.
وكلّ هؤلاء حضر بعض دروسي في التّفسير والشّمائل والفقه بسيئون، إلّا السّيّد سقّاف بن علويّ فإنّما حضر دروسي بسربايا من أرض جاوة في سنة (1330 ه).
فإذا قضى أولئك دروسهم.. استدعاني ليباشر تعليمي بنفسه بعقب انصراف المخصّصين لتعليمي في محلّنا؛ إذ كان يحميني عن مخالطة أبناء النّاس، ويسرّب إليّ أولادا في سنّي يرضاهم للّعب معي، يراقب أخلاقهم وأحوالهم بنفسه، منهم السّيّد علويّ بن حسين بن محسن، ومنهم: سالم بن حسن بن محمّد حسّان.
ومتى فرغ من درسي.. جاء إليه الدّثنيّ يقرأ عليه إلى قريب الظّهر، عندئذ يتناول ما تيسّر من الغداء، ثمّ يقيل نصف ساعة أو أقلّ، ثمّ يتهيّأ للظّهر فريضة ونوافل، وبعد أن يفرغ فتارة يحضر عليه أولئك الرّهط فيقرؤون، وتارة يدخل إلى أهله، وهناك تحضر الوالدة بكتابها فتقرأ عليه، كلّما انتهت من كتاب.. شرعت في آخر؛ لأنّها كانت مشاركة في العلم، وأحيانا يضرب السّتر ويأتي الدّثنيّ بكتابه وسيدتي الوالدة من ورائه إلى أن تجب العصر، فيقوم إلى مصلّاه ويؤدّيها نافلة وفريضة بطهر مجدّد، ثمّ يشتغل بشيء من الأوراد والحزوب، ثمّ أحضر بكتابي فأقرأ درسا، ثمّ أنهض للّعب مع أصحابي المخصّصين لذلك، وكثيرا ما يزورنا ويراقبنا، وربّما شاركنا؛ تطييبا لأنفسنا دقيقة أو دقيقتين.
«يروع ركانة ويذوب ظرفا *** فما تدري أشيخ أم غلام »
ثمّ يحضر الدّثنيّ إلى المغرب، وعند ذاك يستأنف الطّهارة، ثمّ يؤدّي المغرب بنوافلها الرّاتبة وغيرها، ثمّ أحضر بكتابي فأقرأ درسا خفيفا، ويخلفني الدّثنيّ في القراءة إلى العشاء، وقد يحضر السّابقون في هذا الوقت وغيرهم فيكون درسهم واحدا.
ثمّ يؤدّي العشاء بدون تجديد طهارة، ثمّ يصلّي راتبته، ويشتغل بأذكار المساء، ثمّ يتناول العلقة من الطعام، ثمّ يأخذ مضجعه وقد غلب عليه الخوف من الله والشّوق إليه، فقلّما يطمئنّ به مضجعه، وهكذا دواليك.
وقد انطبعت نفسه ـ ورسخت أعضاؤه على اتّباع السّنّة في يقظته وانتباهه، وقيامه وقعوده، ومدخله ومخرجه، وقضائه للحاجة، وأكله وشربه ـ انطباعا لا يحتاج معه إلى تكلّف، بل كثيرا ما أراه يتضجّر من النّهار، ولا سيّما إذا كثر عليه الواردون ـ مع أنّ كلامه معهم لا يخرج عن التّمجيد والتّحميد، والتّعريف والتّوحيد، والوعظ الّذي يلين له الحديد ـ فيحنّ إلى اللّيالي حنين الصبّ المشتاق إلى حبيبه القادم بعد طول الفراق؛ لما يجده من لذّة العبادة، وحلاوة التّلاوة، وعذوبة المناجاة الّتي أشار إلى مثلها ابن القيّم في (ص 331) من «إغاثة اللهفان».
ومع ذلك فقد كان يتململ لما يجد من تلك اللّذة خوفا أن ينقطع بها عن المقصود، أو تكون حظّه من العمل، وكان يحكي مثل ذلك عن أبيه. وأقول: أمّا خوف الانقطاع بها عن المقصود.. فممكن، وأمّا أن تكون حظّه من العمل.. فلا؛ لأنّها بعض ثمرته المعجّلة.
وكان آية في عزّة النّفس والصّدع بالحقّ والشّدّة فيه والغيرة عليه، إلى بسطة كفّ، وفرط رحمة، وسلامة صدر، وورع حاجز، واحتياط تامّ، وقناعة بما يجد من حرثه، وما يصل من الفتوح إليه من غير طمع ولا إشراف نفس، فعنده غفّة من العيش، جمع إليها شعبة وافرة من القناعة، مغتبط بعيشه، قانع برزقه، راض عن ربّه، ليس له حجاب، ولا يغلق عليه باب، وإنّما هو كما قال السّلاميّ [من الطّويل]:
«كماء الفرات الجمّ أعرض ورده *** لكلّ أناس فهو سهل الشّرائع »
وكان له في الوعظ لسان، ويأخذه فيه حال عظيم يشغله عن نفسه، وله قلم سيّال في المكاتبات والرّسائل العلميّة، جمع من ذلك الفاضل السّيّد سالم بن حفيظ ما دخل في ستّة مجلّدات.
ولكنّ لسانه أقوى بكثير من قلمه.
«يقول عارف مقدار الكلام له *** سبحان خالقه سبحان باريه »
وطيلة حياتي لم أسمع منه لغوا قطّ، وكان أعيان زمانه يعرفون منه ذلك، فيحاولون أن يتسقّطوه الكلام ويحتالون ليخوض معهم، فلا يقدرون على شيء، فلا أجد لهم وإيّاه مثلا إلّا الرّبيع بن خيثم؛ إذ خفّوا إليه يوم قتل الحسين ليستخرجوا منه كلاما، فأخبروه، فلم يزد على أن قال: أو قد فعلوها؟! قالوا: نعم.
فرفع يديه إلى السّماء وقال: (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
فما أشبه هذا بذاك. لا ينفذ إلى فعله التّعليل، ولا يحتاج شيء منه إلى التّأويل؛ إذ صار هواه تبعا لما جاء به نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، فجاء فيه موضع قول ابن كناسة في إبراهيم بن أدهم [من الطّويل]:
«أمات الهوى حتّى تجنّبه الهوى *** كما اجتنب الجاني الدّم الطّالب الدّما»
سروره في إقبال الخلق على الله، وحزنه في إعراضهم عنه، حتّى لقد كان سبب موته من هذا الباب.
وكان كثير الأخذ عن المشايخ، جمّ الحرص على الاستكثار من الأسانيد والاتّصال بسلاسل الرّجال وأئمّة الحديث والطّريق. وقد اجتمع له ولي بفضله ـ رضوان الله عليه ـ ما لا يوجد عند أحد من أهل عصره، ولله الحمد.
وكان في أيّام أستاذه الأبرّ عيدروس بن عمر يتردّد عليه من أيّام والده عن أمره في كلّ ثلاث ماشيا، وبينهما نحو من أربعة أميال أو أكثر، ولقد أراد أخوه في الله الشّيخ عوض بن عمر شيبان السّابق ذكره في الغرفة أن يشتري له مركوبا، فأبى وقال: لو أحسست بتعب.. لقبلت. ولقد كاد أن يخرج عن إهابه من الطّرب؛ إذ تمثّلت له عند مثل هذا الكلام بقول العبّاس بن الأحنف [من البسيط]:
«أرى الطّريق قريبا حين أسلكه *** إلى الحبيب بعيدا حين أنصرف »
وقول الآخر [كثيّر عزّة في «ديوانه» 109 من الطّويل]:
«وكنت إذا ما جئت ليلى أزورها *** أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها »
«من الخفرات اللّاء ودّ جليسها *** إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها»
ثمّ ظفر هو بقول الآخر [من السّريع]:
«والله ما جئتكم زائرا *** إلّا رأيت الأرض تطوى لي »
«ولا انثنى عزمي عن بابكم *** إلّا تعثّرت بأذيالي »
فكان كثير التّغنّي بهما، وهو معنى واسع للشّعراء فيه مجال، ولم ينس المتنبّي حظّه من هذا المعنى، لكن من غير إجادة، حيث يقول [في «العكبريّ» 1 / 63 من الطّويل]:
«أتى مرعشا يستقرب البعد مقبلا *** وأدبر إذ أقبلت يستبعد القربا »
وكانت ترعد عنده فرائص الملوك؛ لما عندهم من احترام الحقّ وهيبة الدّين، ولما يرون عليه من عزّة الإيمان وشرف العلم، وصولة الحقّ، وسلطان الصّدق، وقوّة اليقين، فيأمرهم وينهاهم، ولا يؤمّلون أبدا في أن يقبل منهم شيئا؛ إذ كانت الشّبهات في عهده ـ فضلا عن الحرام ـ ظاهرة النّكارة، فاحشة الملامة، حتّى لقد كان مكّاس الدّولة الكثيريّة ـ المسمّى توفيقا ـ منبوذا مهانا، وكثيرا ما يمرّ بجانب مدرسة طه بن عمر فيرميه صبيانها بالحجارة، فلا يقدر على الدّفاع، ولو دافع.. للقي أكبر.
وله محاسن، وكان موته يوم الجمعة، فأشكل ذلك على والدي، فخفّ إلى الأستاذ الأبرّ فقال ـ قبل أن يبلع الرّيق ـ: أحوج النّاس إلى الجمعة: توفيق.
ثمّ صار أبناء السّادة اليوم يتسابقون إلى مثل وظيفته، ويتنافسون فيها، ويشمخون بأنوفهم؛ ظنّا أن قد رفعت من أقدارهم.
وعلى الجملة: فكلّ ساعاته ذكر أو تذكير، أو قراءة أو تدريس، أو صلاة يستشعر حاضرها ـ بما يغشاه من الطّمأنينة والخشية ـ نزول السّكينة، وشمول الرّحمة، وحضور الملائكة.
وما ألذّ ما تسمع آيات القرآن من لسانه في الصّلاة الجهريّة، بصوته الجهير، ونغمته الشّجيّة، غضّة طريّة، تكاد تنتزع القلوب من أماكنها، ويخيّل لهم أنّهم لم يسمعوها من قبل، وأنّها إنّما نزلت تلك السّاعة، حتّى ليحسب المقتدون بما يشملهم من اللّذّة ويغمرهم من الهيبة ويستولي عليهم من الخشوع أن قد انفصلوا عن عالم الحسّ، والتحقوا بعوالم القدس، بحيث لا يمكن لمسبوق أن يقرأ (الفاتحة) من خلفه.
«وأذكر أيّامي لديه فأنثني *** على كبدي من خشية أن تقطّعا »
وما أذكر صلاة أشفى للنّفس، وأجمع للقلب، وأبرد للخاطر وأنفى للهمّ، وأدنى إلى الإخلاص من صلواتي في الجهريّات خلفه، وخلف شيخنا الفاضل الشّيخ حسن بن عوض بن زين مخدّم، وصلواتي خلف الأستاذ الأبرّ جهريّة كانت أو سرّيّة؛ فإنّه يسري إلينا سرّ من إخلاصه، يلذّ لنا به التّطويل مطلقا.
وأذكر أنّ أوّل صلاة كانت لي بالمسجد الحرام لمّا حججنا في سنة (1322 ه) هي الصّبح خلف واحد من العلماء ـ يدعى فيما أتوهّم خوقير ـ قرأ في الأولى بالتّين فكاد القلب يخرج عن شغافه عند إشارته إلى البلد بقوله: (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) ثمّ ما كفاه حتّى قرأ في الثّانية سورة ـ (قريش) فلا تسل عمّا داخلني عند إشارته إلى البيت ـ وما بيننا وبينه إلّا ثمانية أذرع أو أقلّ ـ بقوله: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) فلو لا الاعتصام بالأجل.. لا لتحقت الرّوح بالباري عزّ وجلّ، ولكنّي:
«ضممت على قلبي يديّ مخافة *** وقد قرعته بالغطاة القوارع »
«وما ينفع القلب الّذي طاش لبّه *** لتلك المعاني أن تضمّ الأصابع »
وكثيرا ما شنّف سمعي، واستوكف دمعي، وامتلك لبّي، واستأسر قلبي ما سمعته من قراءة إمام الحرم بأوساط المفصّل في صلاة الصّبح سنة (1354 ه)، وتذكّرت صلاة والدي، إلّا أنّ تلك أخشع وقراءة إمام الحرم أجود وأسمع، فهو مقرىء غير مدافع، ولكنّ خطابته دون ما يليق بالمسجد الحرام الّذي يطلب بلاغة تتفرّى لها الأهب، وتكاد لها النّفوس تنتهب.
ثمّ إنّ والدي رحمه الله مع ما سبق كلّه لم يكن بالمتزمّت ولا بالمتنطّع ولا بالمنقبض، بل لا يفارق ثغره الابتسام في سرّاء ولا ضرّاء، وله في الدّعابة مذهب جميل، يخرجه عن طريق المرائين المتصنّعين، ويحلّيه بقول المتنبّي [في «العكبريّ» 2 / 287 من الطّويل]:
«تفكّره علم، وسيرته هدى *** وباطنه دين، وظاهره ظرف »
فله معنا ـ ولا سيّما عند الأكل، بل وفي مثاني الدّروس عند المناسبات ـ مفاكهات شهيّة، ومنادرات لذيذة، وتراه يصغي بسمعه وقلبه لما أنشده إيّاه من الأبيات الأدبيّة عند المقتضيات، ويطرب لذلك ويستعيده.
وقد سبق أنّه يشاركني أحيانا في اللّعب إيناسا لي، وضنّة بي عن مخالطة الأضداد، فلم تكن الهيبة الغالبة عليه هيبة تعاظم ولا ترفّع، كلّا والله، ثمّ كلّا والله، ولكن كما قال أبو عبادة [في «ديوانه» 2 / 309 من البسيط]:
«يهاب فينا وما في لحظه شزر *** وسط النّديّ ولا في خدّه صعر »
وإن كان ليجرّني الرّسن فأناقشه المسائل وأجاذبه البحث فلا يزيده إلّا سرورا واغتباطا، على شرط أن أتوكّأ على الدّليل وأعتمد على النّصّ. ولقد جهدت أن أتعلّق له بهفوة أحتجّ بها عند ما يناقشني الحساب على المباحات، ويكلّفني الصّعب من المجاهدات فلم أستطع.
وقد سئل الحسن البصريّ عن عمرو بن عبيد، فقال: (لقد سألتني عن رجل كأنّ الملائكة أدّبته، وكأنّ الأنبياء ربّته، إن قام بأمر.. قعد به، وإن قعد بأمر.. قام به، وإن أمر بشيء.. كان ألزم النّاس له، وإن نهى عن شيء.. كان أبعد النّاس عنه، ما رأيت ظاهرا أشبه بباطن منه)، وكأنّما نظر في هذا بلحظ الغيب إلى والدي، فإنّه الوصف الّذي ينطبق عليه تماما، لا يأنف من حقّ، ولا يتقدّم إليه بباطل، فلهو والله من أحقّ النّاس بقول كثير [في «ديوانه» 145 من الطّويل]:
«ترى القوم يخفون التّبسّم عنده *** وينذرهم عور الكلام نذيرها »
«فلا هاجرات القول يؤثرن عنده *** ولا كلمات النّصح يقصى مشيرها»
وقول كعب بن سعد الغنويّ [من الطّويل]:
«إذا ما تراءاه الرّجال تحفّظوا *** فلم ينطقوا العوراء وهو قريب »
ولئن قال ابن عنقاء: (إذا قيلت العوراء.. أغضى) فإنّ هذا إذا قيلت: العوراء.. غضب، بل لا أذكر أنّ أحدا نطق في مجلسه بكلمة غيبة أو نحوها.
وكذلك كان يقول عنه الشّيخ الدّثنيّ، ويكثر التّعجّب من ذلك، وهو أشدّ وأقدم له لزاما منّي.
ومع هذا كلّه فما هو إلّا صورة مصغّرة من أحوال والده وأحوال سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر، وكلّما استكثرنا أعماله.. قلّل منها بالنّسبة لأعمالهم، وأقسم أنّه غير هاضم لنفسه، ولكنّه مخبر بالواقع.
وعلى مثل حاله رأيت سيّدي شيخان بن محمّد الحبشيّ، على ضيق في عطفه، وخشونة في خلقه، وإلّا.. فقد كان هذا أوسع علما وأكثر عبادة، وأشدّ مجاهدة للنّفس، إلّا أنّ والدي كان أجود وأسمح، وأنصح وأفصح، وأرأف وأعطف، وأظرف وألطف.
وكان سيّدي عبد الله بن حسن البحر على قريب من تلك الحال، بل هو أندى بنانا، وأشجع جنانا، وأكثر ضيفانا، وأطول قياما وركوعا، وأغزر بكاء وخشوعا، إلّا أنّ والدي كان أكثر علما وأغزر فهما، وأبلغ لسانا، وأفصح بيانا، وأحلى لفظا وأنجع وعظا.
ولقد أشهدت منهما مشهدا عجيبا بمنزل سيّدي الفاضل محمّد ابن الأستاذ الأبرّ المسمّى: باوعيل في شرقيّ تريس سنة (1318 ه)، تذاكرا فيه أحوال الإمام البحر والأستاذ الأبرّ وشدّة خوفهما من الباري عزّ وجلّ، وفرط انكسارهما بين يديه، وجرى لهما مثل ما جرى لابن المنكدر وأبي حازم؛ فقد ذكر غير واحد أنّ ابن المنكدر صلّى وبكى، ففزع أهله حتّى استعانوا بأبي حازم.. فقال له: ما الّذي يبكيك حتّى رعت أهلك؟
قال: مرّ بي قوله تعالى: (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) فصعق أبو حازم واشتدّ بكاؤهما، فقال بعض أهل ابن المنكدر لأبي حازم: جئنا بك لتفرّج عنه فزدته. فقريب من ذلك جرى لوالدي مع القانت الأوّاب البحر يومئذ، وكانا جاءا للترويح.. فعادا في مأتم.
وعلى الجملة: فقد كان كثير ممّن أدركناهم وأخذنا عنهم على غرارهم، وشريف آثارهم؛ كسادتي: عبد الله بن عمر بن سميط، المتوفّى بشبام سنة (1313 ه). وأحمد بن محمّد الكاف، المتوفّى بتريم سنة (1317 ه). وعبد الرّحمن بن حامد السّقّاف، المتوفّى بسيئون سنة (1316 ه). والشّيخ عمر عبود بلخير، المتوفّى بالغرفة في حدود سنة (1316 ه). وعبد الرّحمن بن محمّد المشهور، المتوفّى بتريم سنة (1320 ه).
والشّيخ أحمد بن عبد الله بن أبي بكر الخطيب، المتوفّى بتريم سنة (1331 ه). والشّيخ محمّد بن أحمد قعيطبان، المتوفّى بها سنة (1316 ه). والشيخ أحمد بن
عبد الله بن عمر الخطيب، المتوفّى بها سنة (1333 ه). والسّيّد عيدروس بن ع
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
17-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (حصن الحوارث)
حصن الحوارثهو ديار في شرقيّ القرن، كان به أناس من الحوارث لهم ثروة وأعمال خيريّة، منها مسجد بسيئون يقال له: مسجد الحومرة، ثمّ اضمحلّوا وتشتّتت أمورهم، وذهبت أموالهم ضحيّة الفوضويّة في حضرموت، وخلفهم ناس من آل جعفر بن بدر العوينيّين يقال لهم: آل ريّس.
وحصل فيه فسوق كبير، حتّى اشترى بعض دياره السّلطان منصور بن غالب، وأجهز عليهم سوء عملهم، فقلّوا.
وأخبرني الشّيخ امبارك بن جعفر القحوم بن سعد: أنّ الحومرة ترك امرأة وبنتا،
فأمّا البنت.. فتزوّجها ريّس بن عامر الملقّب بالصراح، من آل سعيد، وأمّا المرأة.. فلم تكد تحلّ حتّى تزوّجها عليّ بن عوض العوينيّ، ثمّ تزاحموا على التّركة، وكان ذلك في أواخر أيّام يافع، ولم يشعر الصراح وهو في قصر الحومرة بحصن الحوارث.. إلّا وقد دخل عليه جماعة من آل جعفر بن بدر، فواثبهم، ولمّا كثروه.. تحاجزوا على أن يخرج بأهله مع الشرف العسكريّ، وتخلّص منهم أيضا عبده المكين لديه وكان شجاعا لا يطاق واسمه ناصر، ولمّا استقرّ بجعيمه واستولى آل جعفر بن بدر على حصن الحومرة وأمواله.. ركب الصراح اللّيل في عبديه ناصر وسالمين ونفر من آل سعيد، وهجموا على دار البيتيّ، وكان من جملة ما استولى عليه آل جعفر بن بدر من أموال الحومرة، وكان فيه نحو ستّة فقتلوهم، واحتلّوا الدّار، ودامت المناوشات بينهم مدّة، حدث في أثنائها أن سمع ناصر وسالمين بطلوع عليّ بن عوض العوينيّ من حصن الحومرة إلى سيئون في نفر من أصحابه، فأخذوا عليهم الطّريق وناشبوهم الحرب وظفر آل عون بعد ذلك بواحد من آل سعيد فقتلوه، وكان الصراح استولى على تركة عمّ له، فرضي بعض أبناء عمّه، وذهب الباقون إلى جفل، وكان منهم محمّد بن عليّ بن عبود، فسافر إلى باندوم، وجمع له من المال ما يسّره الله، ولمّا عاد إلى حضرموت بعد موت الصراح بدفيقه أيّام حربها.. قصد جفلا، ووجد جعفر بن عليّ بن سعيد قد استولى على ماله بجعيمة بسبب أنّه تعهّد من بعض إخوانه، فسار إلى القوز من سحيل جعيمه، ومعه ناصر وسالمين عبيد الصراح، فألفوا محمّد بن جعفر بن عليّ بن سعيد يحصد الزروع الذي في مال محمد بن علي بن عبود.. فانقضّ عليه ناصر وقدّ بطنه، ولم يشتف غيظه بذلك.. فأرسل جماعة من أصحابه إلى قوز سحيل جعيمه فلم يغنوا شيئا، فتبعهم هو بنفسه وناوش آل محمّد بن عليّ الحرب، فخرجوا عليهم، وقتل ناصر، فجاء جماعة من آل سعيد ليحجزوا بينهم، فلم يرض محمّد بن عليّ لما اشتدّ عليه من مصرع ناصر حتّى قال له أحدهم: أما علمت أنّ عامر بن سعيد يأكل جلجل في الكوت، فرضي، وكان الّذي أصاب ناصرا عليّ بن جعفر بن عليّ بن سعيد فوثب عامر بن سعيد فرآه ناصر وكان فيه رمق
أمكنه به أن يستلّ خنجره ويوجر به عامرا.
وقوله: (يأكل جلجل) كناية عجيبة عن دخول النّمل إلى فيه وهو مطروح بالكوت.
ثمّ عاد محمّد بن عليّ بن عبود إلى باندوم، وكان مقصدا فيها للضّيفان، وقد تلقّاني إلى المحطّة لمّا اجتزت باندوم سنة (1330 ه)، وبتّ عنده على أرغد عيش، إلّا أنّه كان عنده ليلتئذ رجل من السّادة نفس عليّ تخصيصه بالمنزل والمبالغة في التّحفّي فقاتل الله الحسد الّذي لا يؤذي إلّا صاحبه.
وفي حدود سنة (1326 ه) حضر بعض ورثة الحوارث فادّعى على السّيّد محمّد بن حامد بن عمر السّقّاف بحصّته من البير المسمّاة (الحضيره) في شمال حصن الحوارث إلى الجهة الشّرقية، وكانت من جملة أموالهم فانتهت إلى السّيّد محمّد بن حامد فيما توزّع من تراثهم، ولم يعدم المدّعي بيّنات كثيرة بأنّها ملك مورّثه إلى أن مات، وكان على القضاء إذ ذاك سيّدي علويّ بن عبد الرّحمن السّقّاف، وهو أخو السّيّد محمّد بن حامد من الأمّ، فتوقّف عن الحكم في القضيّة خشية أن يحابي أخاه فلا يستوفي حقّ المدّعي بأجمعه، فأمر السّلطان بنفوذ الطّرفين إلى تريم للتّحاكم عند قاضيها.
ولمّا هبّوا للسّير وأحضر المدّعي بيّناته وعرف السّيّد شيخ بن محمّد الحبشيّ حقّ المعرفة توجّه القضاء على السّيّد محمّد بن حامد ـ وكان له صديقا ومحبّا ـ أنقذ الموقف، وطلب سحب المسألة من القضاء، وتفويض الأمر إلى أربعة نفر هو أحدهم، وأنا الثّاني، والثّالث الأخ عبد الله بن حسين، والرّابع هو السّيّد سقّاف بن عبد الله بن عمر شهيد الهدم، فخلّصنا السّيّد محمّد بن حامد من الأحمال الفادحة الّتي لا محيص له عنها لو انبرم القضاء بشيء من الدّراهم حوالي الأربع مئة ريال عن حصّة ذلك الوارث من الحظيره، وعمّا كان استغلّه السّيّد محمّد بن حامد من ثمراتها طوال السّنين ـ وبرضا الطّرفين تمّ استحلالها عن طيبة نفس ـ أبرمنا الصّلح على ذلك بعد الإقرار الصّريح بالعقد الصحيح، ولو لم يكن إقرار.. لما صحّ الصّلحّ، وبقي المدّعي على دعواه، فسرّ به سيّدي العلّامة القاضي علويّ بن عبد الرّحمن سرورا كثيرا.
وما أظنّ سعي الفاضل السّيّد شيخ بن محمّد الحبشيّ في ذلك الأمر إلّا عن إشارة أخيه العلّامة السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ لأنّ السّيّد محمّد بن حامد من أخصّ تلاميذه، وقد نشرت القضّية في جريدة الإصلاح الّتي كان يصدرها الشّيخ كرامة بلّدرم في سنغافورة لذلك العهد، ولم يستطع أن يكذّبها أحد ببنت شفة، على أنّه جاء عنها: هذا حاصل قضّية البيّر بتلطيف وتصغير. وكان ذلك من إنشاء العلّامة الجليل السّيّد محمّد بن عقيل.
وحصن الحوارث اليوم موضع لعسكر البادية الّذي تجلبه الحكومة الإنكليزيّة لتأمين الطّرق بأسفل حضرموت، قد قلّ سكّانه قبل سكنى العسكر حتّى انتهوا إلى أقلّ من عشرين.
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
18-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (الغرف)
الغرفهي بلدة صغيرة في موقع جميل، يحيط بها الفضاء الواسع من كلّ جهة، تنشعب منها الطّرق، فعلى مقربة منها في شمالها تمرّ الطّريق السّلطانيّة الّتي تجيء من أعلى حضرموت إلى أسفلها، ومنها إلى الجنوب ممرّ الطّريق المهيع إلى الشّحر والمكلّا وغيرهما من السّواحل.
وهي من القرى الحديثة العهد، كانت لآل زيدان من القرامصة التّميميّين، فاشتراها منهم السّلطان عبد الله بن محسن بن أحمد الكثيريّ لأخيه السّلطان غالب، بهمّة جدّي المحسن، وإشارة سيّد الوادي الحسن بن صالح البحر، ومساعدة جبل العبادة عبد الله بن حسين بن طاهر بألف ومئتي ريال ـ والمبيع إنما هو إمارتها لا رقبتها ـ وكانت أوّل دولتهم بها، ولمّا بدأ السّلطان عبد الله بن محسن بسورها.. ثارت ثائرة القرامصة حتّى أرضاهم بنافلة من المال.
وكان يسكنها السّيّد الجليل، الدّاعي إلى الله بلسانه وقلمه، الوالد عثمان بن عبد الله بن يحيى، حفيد العلّامة الفاضل الجليل عقيل بن عمر بن يحيى، له مؤلّفات كثيرة في خدمة الدّين الإسلاميّ، ويد بيضاء في نشر دعوته وشرح أسراره بين الجاويّين.
ولمّا وردت جاوة في سنة (1330 ه).. وجدت جماعة من السّادة يناوئونه؛ منهم: السّيّد محمّد بن عبد الرّحمن بن شهاب، والسّيّد عبد الله بن عليّ بن شيخ العيدروس، ومن على شاكلتهم من الرّهط الّذي كان يبثّ مبادىء الإرشاد في الحضرميين لغرض الانتقام والتّشفّي منه ومن أمثال السّادة الأجلّاء الكرام محمّد بن أحمد المحضار، ومحمّد بن عيدروس بن محمّد الحبشيّ، وعبد الله بن محسن العطّاس وأمثالهم.
ثمّ انقلبوا بشدّة وحرد لنقض تلك المبادىء، فأشعلوا نار الفرقة والاختلاف والعداوة بين الحضارم ـ حسبما هو مفصّل ب «الأصل» ـ وكاد أولئك الرّهط يستميلوني إليه واشتدّ حرصه على أن ينفرج الأمر بيني وبين سيّدي الوالد عثمان، وكدت أقع في حبالتهم لا سيّما وقد زوّدني أهل فلمبان بشيء من ثمار نيّاتهم ومبادئهم الّتي كان يبثّها فيهم أحد أحفاد السّيّد عثمان ضدّ جدّه، ولكن عزم الله لي بالثّبات، لا سيّما بعد أن دعاني إلى بيته وأهداني مجموعة مؤلّفاته القيّمة معنى وإن لم تبلغ الإجادة مبنى، ورأيته بخلاف ما ذكروا لي عنه، فأكبرت صنيعه، وأحمدت أثره، واعترفت بفضله، ورأيت من سلوكه في طريق الحقّ ومجاهدته فيه ما يملأ صدري وصدر كلّ منصف باحترامه وإجلاله، وهو ملتزم بالسّنّة والفقه، ولقد جاء ذكر الكرامات بين يديه فأنكر مجازفة المغرورين فيها إنكارا شديدا، وقال: لقد كنت مختصّا بخالي وسيّدي عبد الله بن حسين بن طاهر وهو ممّن لا تدفع ولايته، وجالسته زمانا طويلا.. فلم أر منه إلّا كرامتين، ليس فيها خرق عادة، وإنّما:
أولاهما: أنّه خرج يصلّي العصر وعليه رداء فتنني، وتمنّيت أن لو كان لي مثله، ومرّت صلاتي وأنا أفكّر فيه، وما كان ينفتل من صلاته حتّى دعاني وقال لي: هذا الرّداء لك، وأعطاني مفتاحه الخاصّ لآتيه برداء آخر ـ وصفه لي ـ ولو لا أنّه تفرّس ما في خاطري.. ما خالف عادته من عدم الكلام إلّا بعد فراغه من ورده.
والأخرى: أنّ السّيّدين محمّدا وعمر ابني السّيّد عبد الله بن عمر بن يحيى عزما على الانتقال سرّا من المسيله، وتكتّما بالأمر حتّى لا يشعر فينهاهما، وأرادا أن لا يعلم إلّا بعد الأمر الواقع، فلمّا صلّينا العشاء وفرغ من ورده ونافلته.. قال لي: ادعهم لي، فدعوتهما، فقال لهما: إذا عزمتما على أمر فشاوراني؛ فعندي ما ليس عندكما من العقل، وقد جرّبت الزّمان وأهله، لم يزد على ذلك، فسكتا، ولكنّهما انصرفا عمّا كانا نوياه، وأنا على يقين أنّه لم يكن إلّا عن فراسة صادقة؛ إذ لم تعلم حتّى ثيابهم بما كانوا يبيّتون، ولقد حفظني بظهر الغيب، وطبع نشرتين في الذّبّ عنّي لمّا تكلّمت عليّ صحيفة «الوطن» الصّادرة بسنغافورة، إحداهما خاصّة بي، والثّانية جامعة لي وللسّادة الأجلّاء الكرام: محمّد بن حامد السّقّاف، وحسن بن علويّ بن شهاب، ومحمّد بن عبد الرّحمن بن شهاب، في الثّناء علينا والنّضال عنّا، مع أنّ الأخير كان ينافسه ويبتغي له الغوائل ويدبّر له المكايد، ولمّا خلى مكانه في سنة (1332 ه).. لم يستطع أولئك الرّهط الّذين ملؤوا نواحي جاوة بقاقا وأوراقا أن يشغلوا مكانه بأحد ممّن يرشّحونه ويتمنّون أن لو كان في موضعه، فانطبق عليهم معه قول الحطيئة [في «ديوانه»: 40 من الطّويل]:
«أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم *** من اللّوم أو سدّوا المكان الّذي سدّوا»
ومن اللّطائف: أنّ سيّدي عثمان وقتما كان بالغرف اعتلّ يوما عن حضور الجمعة ببعض أعذارها، وكان من عادته التّبكير، فكلّ من جاء إلى الجامع.. رجع وتوهّم أنّ الوقت لم يدخل، وهكذا حتّى بقي الخطيب وحده حتّى وجبت العصر.
ومن أهل الغرف: ولده العلّامة البحّاثة، المحقّق الفقيه محمّد بن عثمان، كان من استحضاره «تحفة ابن حجر» كأنّما يحفظها توفّي بسنغافورة سنة (1316 ه).
ومنهم: ولده علويّ بن عثمان، كان من أهل العقل والدّين والصّلاح، توفّي حوالي سنة (1344 ه).
ومنهم: ابنه محمّد بن علويّ بن عثمان، كان شهما صالحا، لمّا حضره الموت توضّأ واستاك وأخذ يكرّر الجلالة حتّى فارق الحياة، وكانت وفاته قبل وفاة أبيه.
ومنهم: أخوه صاحب النّوادر اللّطيفة، والنّكات العجيبة، عقيل بن عثمان بن عبد الله بن يحيى، كان شاعرا أديبا، له يد في التّاريخ حتّى لقد هنّأني على الرّويّة يوم اقترنت بأمّ حسن وأشقّائه بقصيدة طولى، كلّ شطر منها تاريخ، أخذ عن والده، وعن سيّدي الأستاذ الأبرّ، وعن والدي، وله فيه مدائح.
ولغزير الإحسان الوالد أحمد بن عمر بن يحيى فضل عليه، ولقد حضرت عنده أنا وهو ـ أعني الوالد أحمد ـ قبيل موته بيوم، فقال لي: مرّ عليّ مثل هذا اليوم العام الماضي وأنا أشقى أهل المسيله حالا، ثمّ إنّني اليوم ـ بفضله ـ أسعدهم، يبتدرون إشارتي إذا أشرت، ويتسابقون في مرضاتي إذا أمرت، وكانوا لا يردّون عليّ السّلام قبل.
ثمّ قلت له، أو قال لي: ما أراني إلّا متوفّى في مرضي هذا، فماذا تفعل؟ فقلت: أرثيك بقصيدة أستهلّها بقولي [من الطويل]:
«مصاب أصاب النّاس وهو جليل *** غداة أتى النّاعي فقال عقيل »
فقال: يكفيني منك هذا، وإنّه لكثير. توفّي بالمسيله سنة (1346 ه).
وفي حدود سنة (1298 ه) كان أحد عبيد الشّيخ صالح بن عائض بن جخير يخفر السّيّد محمّد بن عبد الرّحمن الكاف بتريم، فاستاء السّلطان الكثيريّ من جرأة الشّيخ صالح وجواره عليه في بلاده، فانتهك السّلطان الكثيريّ حرمته وطرد عبده ـ والعار مضّاض ـ عند الشّيخ صالح بن عائض، فلم يكن منه إلّا أن اقتحم الغرف واحتلّها في أسرع وقت، وطرد عبيد السّلطان منها وجاءت نجدات الدّولة من تريم وسيئون، والتحم القتال، وقتل أحد العوامر وثلاثة من أصحاب الدّولة، وما زالوا في الحرب حتّى وصل المنصب السّيّد عبد القادر بن سالم العيدروس من بور بطبوله وخيوله وراياته فحجز بينهم، وأخرجهم منها صلحا لا عنوة من الغرف بعد ما غسلوا العار، واستجهروا الأبصار، وسوّيت القضيّة على ما يحبّه الشّيخ صالح.
وأخبرني الأخ عقيل بن عثمان المذكور بأنّ أهل الغرف خرجوا في نزهة، ولمّا تهيّأ غداؤهم ـ وكان شربة ـ جاء بعض أعدائهم فطردهم عن موضع الفسحة، فهربوا وتركوا غداءهم، ولهذا كان النّاس يعيّرونهم فصاروا يغضبون من ذكر الشّربة كما يغضب آل شبام من وزن الهرّ.
وللأخ عقيل منظومة جميلة في ألقاب البلاد الحضرميّة.
وكان الوالد أحمد بن عمر بن يحيى يصنع بالمسيله عشاء من الشّربة للمساكين في كل ليلة من رمضان، فغضب آل الغرف وحقدوها عليه! فكانت شبيهة بقصّته مع الشّيخ سالم باسويدان السّابقة في شبام.
وأخبرني الأخ عقيل بن عثمان المذكور أنّ أكثر أهل الغرف مات بحسرة على عدم التّوفيق في قنص الوعول؛ إذ كان الغالب عليهم الإخفاق والخيبة كلّما صعدوا الجبال، حتّى إنّهم لمّا عزموا على صعود الجبال مرّة لذلك، ففيما يستعدّون ويعملون الأسمار والأشعار.. استقدموا شاعرا ليستعينوا به في أفراحهم، فكان أوّل ما أنشأه لهم قوله:
«قال بدّاع القوافي: بارق الجودات رفّ *** من خلقنا ما سمعنا زفّ عند اهل الغرف »
فطردوه وكادوا يسطون به! !
وقد اعتنت بها الحكومة الإنكليزيّة في السّنوات الأخيرة، واحتلّتها واتّخذتها مقرّا لإدارتها العامّة، ولكن بدون استئذان ـ حسبما يقول لي السّلطان عبد الله بن محسن ـ منهم، وهم ملّاكها، ثمّ نقلت إدارتها منها إلى سيئون.
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
19-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (ثوبه)
ثوبههي من الدّيار القديمة. لها ذكر عند ابن الحائك كما سبق في الخون، وقال في موضع آخر بعد العجز: (ثمّ ينحدر المنحدر منها إلى ثوبه، قرية بسفلى حضرموت بواد ذي نخل، ويفيض وادي ثوبه إلى بلد مهرة، وحيث قبر النّبيّ هود عليه السّلام) اه
وأطلال هذه القرية ظاهرة إلى اليوم، وهي في شمال السّوم إلى الغرب، بينها وبينه نحو نصف ساعة، ينزلها المناهيل، ويضربون بها الخيام، وبها آثار كثيرة مطمورة بالتّراب.
وأخبرني الولد الفاضل الأديب عبد القادر بن أحمد بن عبد الرّحمن السّقّاف:
أنّ بعضهم خرج إليها في السّنين الأخيرة، فوقع على ضريبة من الذّهب لم يكن لها مثال. وفي هذا المكان غيران وكتابات حميريّة، وهذه الضّريبة نموذج ممّا وراءها من الكنوز المدفونة.
ومن وراء ثوبه إلى الشّرق: وادي سخورة.
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
20-العباب الزاخر (علس)
علسالعَلَسُ -بالتحريك-: القُرَاد.
والمُسَيَّب بن عَلَس بن مالك بن عمرو بن قُمامة بن عمرو بن يزيد بن ثَعْلَبَة بن عَدِيّ بن ربيعة بن مالك بن جُشَم بن بلال بن خُماعة بن جُلَيّ بن أحْمَس بن ضُبَيعَة بن ربيعة بن نِزار.
ورجل عَلَسيّ: أي شديد، قال المَرّار بن سعيد الفَقْعَسِيّ:
«يسبرُ فيها القومُ خِمْسًا أمْلَسا *** إذا رآها العَلَسِيّ أبْلَـسـا»
«وعَلَّقَ القوم أدَاوى يُبَّسـا»
والعَلَس -أيضًا-: ضَرْبٌ من الحِنْطَة تكون حبّتان في قِشْرٍ، وهو طعام أهل صنعاء. وقال الدِّيْنَوَريّ: العَلَس ضَرْبٌ من البُرِّ جَيِّدٌ غيرَ أنّه عَسِرُ الاسْتِنقاء؛ يَنْبُتُ بنواحي اليمن، قال: وزَعَموا أنّ العَلَسيَّ المَقِرُ وهي نبات الصَبُر، قال: وأخبرني بعض البحرانيين قال: له نورٌ حَسَنٌ مِثل نور السُّوْسَنِ: ونباته -أيضًا- نباتُ السُّوْسَنِ الأخضر إلاّ أنَّه أعظمَ ورقًا وأغْلَظُ، قال أبو وَجْزَة السَّعْدي ووَصَفَ الضُّعنَ وما زَيَّنَّ به الإبل من الرَّقْمِ:
«كأنّ النُّقْدَ والعَلَسِيّ أجْنى *** ونَعَّمَ نَبْتَهُ وادٍ مَطِـيْرُ»
وقال ابن عبّاد: العَلَسيّ شجرة تَنْبُتُ عُرْجُوْنًا كهيئة عُرْجُوْن النَّخل.
وقال غيره: العَلَس: ضرب من النمل. وقال أبو عُبَيْدَة: العَلَسَة دُوَيْبَة شبيهَة بالنَّملة أو الحَلَمَة، وبها سُمِّيَ الرَّجُلُ عَلَسًا، قال:
«عُمَارَةُ الوَهّابُ خيرٌ من عَلَسْ *** وزُرْعَةُ الفَسّاءُ شَرٌّ من أنَسْ»
«وأنا خَيرٌ مِنْكَ يا قُنَبَ الفَرَسْ»
ووقَعَ في الجَمْهَرَة: ربيعَةُ الوَهّاب.
وقال ابن الأعرابي: العَدَسُ يقال له العَلَسُ.
وقال الليث: العَلِيْس: شِواءٌ سَمين. وقال غيره: هو الشِّوَاء مَعَ الجِلْدِ.
وقال ابن دريد: شِوَاءٌ مَعْلوس: إذا أُكِلَ بالسَّمْنِ.
وقال الليث: العَلْسُ: الشُّرْبُ، يقال: عَلَسَ يَعْلِسُ عَلْسًا. قال: وقال أبو ليلى: العَلسُ: ما يُؤكل ويُشْرَب.
وقال أبو صاعِد الكِلابيّ: يقال: ما ذاقَ عَلُوَسًا ولا لَؤْوسًا: أي شيئًا، وكذلك: ما عَلَسْنا عندهم عَلُوسًا.
وعَلُّوس -مثال تَنُّور-: من قلاع الأكراد.
وقال ابن هانئ: ما أكَلْتُ اليومَ عُلاسًا -بالضم-: أي طعامًا.
وقد سَمّوا عُلَيْسًا -مُصَغَّرًا-.
ويقال: ما عَلَّسُوا ضَيْفَهُم بشيءٍ تَعليسًا: أي ما أطعموه.
وعَلَّس داؤه -أيضًا-: أي اشْتَدَ وبَرَّحَ.
وقال ابن السِّكِّيت: المُعَلَّس: الرجُّل المُجَرَّب.
وقال ابن عبّاد: التَّعْليس: الصَّخَب والقالَة.
قال: وناقة مُعَلَّسَة: أي مُذَكَّرَة.
والتركيب يدل على شِدَّةٍ في شيءٍ.
العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م
21-العباب الزاخر (ميس)
ميسالمَيْس والمَيَسَانُ: التَّبَخْتُر، يقال: ماسَ يَمِيْسُ مَيْسًا وميَسانًا، قال لَقيط بن زُرارَة:
«يا لَيْتَ شِعْري اليَومَ دَخْتَنوسُ *** إذا أتاها الخَبَرُ المَرْمَوْسُ»
«أتحْلِقُ القُرُوْنَ أمْ تَـمِـيْسُ *** لا بَلْ تَمِيْسُ إنَّها عَـرُوْسُ»
فهو مائِس ومَيُوس ومَيّاس، قال رؤبة يصف الغواني:
«مِثْلُ الدُّمى تَصْوِيرُهُنَّ أطْواسْ *** ومِرْفَلُ العَيْشِ رِفَلٌّ مَـيّاسْ»
وقال رؤبة -أيضًا- يَذْكُرُ كِبَرَه وهَرَمَه:
«أحْدُوا المُنى وأغْبِطُ العَرُوْسا *** لا أسْتَحي القُرّاءَ أنْ أمِيْسا»
«أحْسِبُ يَوْمَ الجُمْعَةِ الخَمِيْسا»
وفي حديث أبي الدَّرْداء -رضي الله عنه-: تَدْخُلُ قَيْسًا وتَخْرُجُ مَيْسًا. وقد كُتِبَ الحديث بتمامه في تركيب ق ي س.
والجَمَلُ رُبَّما ماسَ بِهَوْدَجِهِ في مَشْيِهِ ميَسَانًا.
وفي المَثَل: إنَّ الغَنِيَّ الطويلَ الذَّيْلِ مَيّاس. أي لا يَقْدرُ أن يَكْتُمَ الغِنى.
ومَيّاس -أيضًا-: فَرَسٌ شَقيقِ بن جَزْءٍ أحَدِ بَني قُتَيْبَة قال فيه عمرو بن أحْمَر الباهليّ:
«مَنى لكَ أنْ تَلْقى ابنَ هِنْدٍ منِيةٌ *** وفارِسَ مَيّاسٍ إذا ما تَلَبَّبـا»
مَنى: قَدَّرَ.
والمَيّاس -أيضًا-: الأسَد الذي يختال في مِشْيَتِه، ويَتَبَخْتَر؛ لِقِلَّةِ اكْتِراثِه بِمَن يَلْقاه، قال أبو زُبَيْد حَرْمَلة بن المنذر الطّائيّ يصف الأسَد:
«فَلَمّا أنْ رَآهُم قد تَـدانَـوا *** تَقَرّى حَوْلَ أرْجُلِهم يَمِيْسُ»
وقال ابن الأعرابيّ: ماسَ يَمِيْسُ مَيْسًا: إذا مَجَنَ، مِثْلُ مَسَأ يَمْسَأ مَسْأً. ومَاسَ اللهُ فيهم المَرَضَ يَمِيْسُه: أي كَثَّرَه فيهم.
ومَيسون بنت بَحْدَل بن أُنَيْفٍ؛ من بَني حارِثَة بن جَنَابٍ؛ أُمُّ يَزِيْدَ بن مُعَاوِيَة: من التّابِعِيّات.
والمَيْسون: الحَسَنْ القَدِّ الحَسَنُ الوَجْهِ من الغِلْمانِ.
والزَّبّاءُ المَلِكَة: اسْمُها مَيْسُونُ.
والمَيْسَان: من نجوم الجَوْزاء؛ عن ابن دُرَيْد. وقال أبو عمرو: المَيَاسِينُ: النجوم الزاهِرَة.
ومَيْسان: كُوْرَة مَشْهورة بينَ البَصْرَة وواسِط، فُتِحَتُ في خِلافَةِ عُمَرَ -رضي الله عنه-، ووَلاّها النُّعمان بن عَدِيِّ بن نَضْلَةَ العَدَوِيَّ -رضي الله عنه-، ولم يُوَلَّ أحَدًا من بَني عَدِيٍّ غيرَه وِلايَة قَطُّ، لِما كانَ يَعْلَمُ من صَلاحِه.
وأرادَ النُّعمانُ امْرَأتَه على الخُروجِ إلى مَيْسانَ فأبَت عليه، فَكَتَبَ إلَيْها:
«ألا هَلْ أتى الحَسْناءَ أنَّ حَلِيْلَـهـا *** بِمَيْسَانَ يُسْقى في زُجاجٍ وحَنْتَمِ»
«إذا شِئْتَ غَنَّتْني دَهَـاقِـينُ قَـرْيَةٍ *** وصَنّاجَةٌ تَجْذُو على حَرْفِ مَنْسِمِ»
«فإن كُنْتُ نَدْماني فبالأكْبَرِ اسْقِنـي *** ولا تَسْقِني بالأصْغَرِ المُتَثَـلِّـمِ»
«لَعَلَّ أمِيْرَ المـؤْمـنـينَ يَسُـوْؤُهُ *** تَنَادُمُنا في الجَوْسَقِ المُتَـهَـدِّمِ»
فَبَلَغَ ذلِكَ عُمَرَ -رضي الله عنه- فَكَتَبَ إلَيه: بسم الله الرحمن الرحيم، حم، تنزيل الكِتابِ من الله العَزيزِ العَلِيم، غافِرِ الذَّنْبِ وقابِلِ التَّوْبِ شَديدِ العِقابِ ذي الطَّوْلِ لا إلهَ إلاّ هو. أمّا بَعْدُ: فقد بَلَغَني قَوْلُكَ:
«لَعَلَّ أمِيْرَ المؤْمنينَ يَسُـوْؤُهُ *** تَنَادُمُنا في الجَوْسَقِ المُتَهَدِّمِ»
وأيْمُ اللهِ لقد ساءني ذلك وقد عَزَلْتُكَ. فَلَمّا قَدِمَ عليه سألَه فقال: واللهِ ما كانَ مِن ذلك شَيْءٌ، وما كانَ إلاّ فَضْلُ شِعْرٍ وَجَدْتُهُ، وما شَرِبْتُها قَطُّ. فقال: أظُنُّ ذاكَ، ولكن لا تَعْمَلَ لي على عَمَلٍ أبَدًا.
والنّسْبَةُ إلى مَيْسانَ: مَيْسَانيٌّ؛ على الأصْلِ، ومَيْسَنانيٌّ؛ على التغيير. قال العجّاج:
«خَوْدًا تَخَالُ رَيْطَها المُدَمْقَـسـا *** ومَيْسَنانـيًّا لـهـا مُـمَـيَّسـا»
«أُلْبِسَ دِعْصًا بَيْنَ ظَهْرَيْ أوْعَسا»
وقال ابن عبّاد: رَجُلٌ مَيْسَانٌ: أي مُتَبَخْتِر، وامْرَأةٌ مَيْسَانَةٌ، وقيل: مَيْسَانُ ومَيْسى.
قال: ويقال لِلَيْلَةِ البَدْرِ: مَيْسانُ.
ويقال لأحَدِ كَوْكَبيِ الهَقْعَةِ: مَيْسَانُ.
وقال الدِّيْنَوَريّ: المَيْسُ: أخْبَرَني بَعْضُ أعْرابِ عُمَانَ -وعُمَانُ مَعْدِنُ المَيْسِ- فقال: شجر المَيْسِ عِظامٌ، شَبِيهٌ في نَبَاتِه ووَرَقِه بالغَرَبِ، وإذا كانَ شابًّا فهو أبْيَضْ الجَوْفِ، فإذا قَدُمَ اسْوَدَّ فَصَارَ كالآبَنُوْسِ، ويَغْلُظُ حتّى تُتَّخَذُ منه الموائِد الواسِعة، وتَتَّخَذ منه الرِّحالُ، قال العجّاج يصف الإبل:
«يَنْتُقْنَ بالقَوْمِ من الـتَّـزَعُّـلِ *** وهِزَّةِ المِرَاحِ والتَّـخَـيُّلِ»
«مَيْسَ عُمَانَ ورِحالَ الإسْحِلِ»
وقال حُمَيْد بن ثَور الهِلاليّ -رضي الله عنه- يصف الإبل:
«صُهْبٌ إذا غَرِثَتْ فُضُولُ حِبالها *** شَبِعَتْ بَرَاذِعُها ومَيْسٌ أحْمَرُ»
فَوَصَفَهُ بالحُمْرَةِ لأنَّه لم يَسْوَدَّ بَعْدُ. قال: والمَيْس رِيفيٌّ وليس بِبَرِّيٍّ يُغْرَسُ غَرْسًا. وفي حديث طَهْفَةَ بن أبي زُهَيْر النَّهْدِيّ -رضي الله عنه-: أتَيْناكَ يا رَسولَ اللهِ مِن غَوْري تِهَامَةَ بأكْوارِ المَيْسِ. وقد كُتِبَ الحديث بِتَمامِهِ في تركيب و ط ء. وقال ذو الرُّمَّة:
«كأنَّ أصْواتَ مِن إيغالِهِـنَّ بِـنـا *** أواخِرِ المَيْسِ أصْواتُ الفَرارِيْجِ»
أي كأنَّ أصواتَ أواخِرِ المَيْسِ من ايغالِهِنَّ بنا أصوات الفَراريج. وقال الشمَّاخ:
«وشُعْبَتَا مَيْسٍ بَرَاها إسْكافْ»
وقال الدِّيْنَوَريّ: المَيْسُ -أيضًا-: ضَرْبٌ من الكُرُوم ينهض على ساقٍ بعض النهوض، ثمَّ يَتَفَرَّع. أخْبَرَني بذلك بعض أهلِ المَعْرِفة، ومَعْدِنُه أرْضُ سَرُوْجَ من أرض الجزيرة، قال: وأخْبَرَني أنَّه قد رآه بالطائِفِ، وإليه يُنْسَبُ الزَّبِيْبُ الذي يُسَمّى المَيْس، قال: وأخبَرَني أنَّ للمَيْسِ ثَمَرَةٌ في خِلْقَةِ الإجّاصَةِ الصَّغيرة.
وقال ابن دريد: المَيّاس: الذِّئب؛ لأنَّه يَمِيْسُ أي يَتَحَرَّك.
والتَّمْيِيْسُ: التَّذْيِيْلُ. وفُسِّرَ قولُ العَجّاج:
«ومَيْسَنانِيًّا لها مُمَيَّسا»
بالمُذَيَّلِ؛ أي له ذَيْلٌ.
وتَمَيَّسَ: أي تَبَخْتَرَ؛ مِثْلُ ماسَ، قال:
«وإنّي لَمِنْ قُنْعَانِها حِيْنَ اعْتَزي *** وأمْشي بِهِ نحوَ الوَغى أتَمَيَّسُ»
والتَّركيبُ يَدُلُّ على المَيَلان.
العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م
22-العباب الزاخر (أرط)
أرطالأرطي: قال الدينوري: الواحدة منها أوطاة، وبه سمي الرجل أرطاة وكني أبا أرطاة، وأرطاتان وأرطيات. وقال غيره: ألفه للإلحاق لا للتأنيث لأن الواحدة أرطاة، وأنشد:
«لمـا رأى أن دَعَـهَ ولا شِـبَـع *** مالَ إلى أرطاة جِقفٍ فاضطجع»
وفيه قال آخر: أنه أفعل؛ لأنه يقال: أديم مرطي، وهذا يذكر في المعتل إن شاء الله تعالى. فان جعلت ألفه أصلية نونته في المعرفة والنكرة جميعًا، وإن جعلتها للإلحاق نونته في النكرة دون المعرفة، قال أعرابي وقد مرض بالشام:
«ألا أيُّها المكاءُ مـالـك هـاهُـنـا *** آلاءُ ولاَ أرطىّ فـأينَ تـبـيضُ»
«فأصعد إلى أرض المكاكي واجتنب»
قرى الشام لا تصبح وأنت مريض وحكى أبو زيد: أديم ما رَوط وبعير ما روط وأرطوي: إذا كان يأكُلُ الأرطى، وزاد ابن عباد: أرطاوي، وقال العجاج: في هيكل الضال وأرطى هيكل وقال الدينوري: يجمع الأرطي أراطي مثل العذاري، وأنشد لذي الرمة:
«ومثلُ الحمام الوُرق مما توقـرت *** به من أراطي حبل حزوي أرينها»
ولم أجده في شعره. قال: ويجمع أيضًا: أراطي، قال يصف ثور وحش:
«فضاف أراطي فاجتافها *** له من ذوائبها كالحظر»
وقال العجاج يصف ثورًا أيضًا:
«ألجأه نفخُ الصبـاَ وأدمَـسَـا *** والطّلُ في خِسٍ أراطٍ أخَيسَا»
وقال العجاج أيضًا:
«ومِـن ألاآتٍ إلـى أرَاط *** وسبِط مجَزل الأوساط»
وليس المشطوران في طائيتي العجاج وروبة، والذي في طائية العجاج هو:
«ألجَأه رَعدُ من الأشراط *** وريقُ الليلِ إلى أراطِ»
وقال أبو النجم:
«أذاَكَ أم ذُو جددٍ مُولّـع *** تَلُفّهُ إلى أرَاطٍ زَعزعُ»
قال: وأخبرني أعرابي من ربيعة قال: الغضا والأرطي متشابهان؛ إلا أن الغضا أعظمهما وللغضا خشب تسقف به البيوت. والأرطي ينبت عصيا من أصل واحد تطول قدر القامة، وورق الأرطى أيضًا- هدب وله نور مثل نور الخلاف الذي يقال له البلخي غير أنه أصغر منه، والون واحد، ورائحته طيبه، ومنابته الرمل، ولذلك أكثر الشعراء من ذكر تعود بقر الوحش بالأرطى ونحوها من شجر الرمل واحتفار أصولها للكنوس فيها والتبرد بها من الحر والانكراس فيها من البرد والمطر دون شجر الجلد، والرمل احتفاره سهل. وعروق الأرطي حمر شديدةُ الحمرة، قال: وأخبرني رجل من بني أسدٍ أن هدب الأرطي حمر كأنه الرمان الأحمر، ولا شوك للأرطي، وله ثمرة مثل الأعراب، قال أبو النجم يصف حمرة ثمرها:
«يَحُت ُرَوْقَاها على تحْـوِيرِهـا *** من ذابِلِ الأطى ومن غَضيرِها»
في مُونعٍ كالبُسرِ من تَثْميرْها وأرْطأةُ: ماءُ لِبَني الضَبَاب.
والأُرَيْطُ-مُصَغَّرًا-: مَوِضعُ، قال الأخْطَلُ:
«وتضجاوزَت خُشُب الأُريِط ودُوْنَه *** عَرَبُ تَرُدُّ ذَوي الهمـوم وُرْمُ»
وذُو أُرَاطٍ -بالضّمَّ-: مَوْضَعُ، قال جَساسُ ابن قُطيبٍ يصف إبلًا:
«فَلَـوْ تَـرَاهُـن بـذي أُرَاط *** وهُنَّ أمْثَالُ السرَى الأمْرَاطِ»
السُّرَى: جمع سِرْوةٍ وهي سهم، وقال رُوُبَةُ:
«شُبتْ لِعَيْني غَزِلٍ مَياطِ *** سَعْدِيةُ حَلتْ بِذي أُرَاطِ»
قال الأصمعي: أراد "أُراطى" وهو بلد ورَواه بعضهم بفتح الهمزة "أرَاطِ" ويوم ذي أرَاطى: من أيامهم، قال عمرو بن كُلثُوم التغلبي:
«ونَحنُ الحابِسُونبذي أُرَاطى *** تَسَف الجلَّةُ الخُوْرُ الدَّرِينا»
وأُرِاطَةُ: ماء لبني عملية شَرقي سميرَاءَ.
والأرِيطَ من الرجال: العاقِرُ، قال ابن فارس: الأصل فيه الهِطُ، يقال: نعجة هَرِطَة: وهي المهزولة التي لا ينتفع بلحمها غُثُوثْةً، والإنسان يَهُر""ُ في كلامه: إذا خَلَطَ، قال:
«ماذا تُرَجينَ من الأرِيِط *** حَزَنْبَلٍ يأتْيكِ بالبَطيِط»
لَيْسَ بِذي حَزْمٍ ولا سَفِيط وأرْطَة الليْث: حِصن من أعمال ريةَ بالأندلس.
والأرِطُ -مِثَالُ كَتفٍ-: لَوْنُ كَلَونِ الأرْطى.
وقال أبو الهيثم: أأرَطَتِ الأرض -على أفْعَلَت-: إذا أخرجت الأرْطى، قال: وأرْطت لَحْنُ لأن همزة الأرْطى أصلية. وقال: الدينوري وابن فارس: يقال: أرْطَتِ الأرض: أي أنبتت الأرْطي؛ فهي مُرْطَية. قال الصغاني مؤلف هذا الكتاب: جعل الدينوري وابن فارس همزة الأرْطي زائدة، على هذا موضع ذكر الأرْطي عندهما باب الحروف اللينة.
العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م
23-العباب الزاخر (حمط)
حمطالدّينْوَرِيُك من الشّجَرِ حَماطَ ومن العُشْبِ حَماطَ، فأمّا الحَاطُ من الشّجرِ فَشجَرُ التّيْنِ الجَبَلي، قال أبو زِيادٍ: هو شَبيهً بالتّيْنِ خَشَبُه وجَناَهُ وريِنُحه؛ إلاّ أن جَناه هو أصفرُ وأشدُ حُمْرةً من التّينْ، ومنَابتُه في أجوْافِ الجبَالِ، وقد يَستوَقَدُ بحَطبه ويتّخذُ خَشَبهُ لماَ ينْتَفعُ به النّاسُ يَنْنْون عليه البُيُوْتَ والخيِامَ. وأنْشَدَ غيرُ الدّينْوَرِيّ للمتُنخلِ الهذَليّ:
«وأبُواْ بالّسيوفِ بها فُـلُـول *** حَوَانٍ كالعِصً من الحَمَاط»
حَوَانٍ: مُنْحنَية، وقيل: سُوْدّ من الدّماء، ويُروْى: كالحنّي. ومن احْتاَجَ إلى زَنْدَةٍ اتّخَذ منه زَنْدَةً، وتأكُلُ منه الماشِية وَرَقَة رَطْبًا ويابِسًا، وليس من شَجَرةٍ أحَبَ إلى الحضياتِ من الحَماطِ، قال: ولما وصَفَ أبو زَيادٍ من ألف الحياتِ من الحمَاطِ، قيل؛ شَيْطانُ الحَماط،، فَجَرَى مثلا، قال: "18-ب
«ثُمتَ لا أدْري لَعَلى أُرْجَـمْ *** بمثْلِ شَيطْانِ الحمَاط الأعْرَمْ»
الشيْطانُ: الحية، والأعْرمُ: الأرْقط، وكذلك الشاةُ العرْماءُ وقال آخرُ:
«ثُمت لا أدْري لَعَـلـي أقْـذف *** بمثل شيطان الحماطِ الأعْراف»
الأعْرفُ: الذي له عُرف، وهو أيضًا الأقرنُ:
«الذي له من جلْدهِ شَبيه بالقرن *** وروى غـير الـدينـوري: »
«عنْجرد تحْلُف حين أحْـلْـفِ *** كَمِثْلِ شَيْطانِ الحمَاطِ أعْرفْ»
وقال حميد بن ثور -رضي الله عنه- في تشبيه الزمام بالحيةّ:
«فلماّ أتَتْهُ أنْشَبتْ في خَشـاشِـهِ *** زِمامًا كثُعْبانِ الحماَطةِ مُحْكما»
قال: ومن أمثالِ العَرَب: ذئب الخمرِ وشيْطان الحماطةِ وأرْنَبُ الخلة وتَيسُ الريلِ وضبّ السحَاء وقُنْفذُ برقَةٍ قال: وأماّ الحماطُ من العُشبْ فإنّ أبا عمروٍ قال: يقُال لِيبسِ الأفانيْ: الحماطُ، وقال أبو نَصر: إذا يبستِ الحلمة فهي حَماطة. وقولُ أبى عمرو أعْرف. قال: وأخْبرني أعْرَابي من خَشنُالمس والصليان لين. والذي عليه العلماءُ ما قاله الأصمعي وأبو عمرو، ولا أعْلم أحَدًا منهم وافق أبا نصرٍ على ما قاله؛ وأحْسبه سهوًا، لأن الحلمة ليستْ من جنس الأفاني والصليان ولا من شبههما في شيءٍ. وقال غيرُ الدينوري: شَجرُ الحماط شجر الجميز.
وقولهم: أصبتُ حماطة قلبه: أي حبة قلبه، وقال ابنُ دريدٍ: حماطة القلب: دمُ القلب وهو خالصه وصمْيِمهُ، قال:
«لَيتْ الغرابَ رَمى حَماطة قلْبِه *** عمرو بأسهمه التي لم تلْغب»
والحماطةُ -أيضًا-: حُرْقة وخُشُونة يجدُها الرّجُلُ في حَلْقه، حَكاها أبو عُبيدٍ وغيرهُ. والحماط -أيضًا-: تبْنُ الذّرِة. وقال الجرِميّ: حَماطان: موضه، وقال ابنُ دُريدٍ: أرّض، وقال غيرُهما: حَماطَانُ: من حبالِ الدّهْناءِ: وقال:
«يا دار سَلْمى في حَماطَانَ اسْلَمِي»
"19-أ" وَحَماطّ: موْضعَ، قال ذو الرمّة:
«فلمًا لَقْنا بالُحـدُوجِ وقـد عَـلـتْ *** حَماطًا وحِرْباءُ الضّحى مُتشاوِسُ»
وقال أبو عمرو: الحمْطَةٌ: الكِنّ.وقال ابنُ دريدٍ: الحُمْطُوطُ -مِثالُ غُمْلُولٍ-: دُوْدَة رَقشاءُ تكون في الكلاٍ، قال المتُلمس:
«إني كَساني أبو قابُوْس مُرْفلـو *** كأنها ظرْف أطلاءِ الحماطْيِط»
أطلاءً: صِغَار، وُيرْوى: "سِلْخُ أوْلادِ المخارِيط"، والمخارِيط: أوْلادُ الحباتِ.
وقال أبو عمرو: هي الحَنطْيطُ -مثالُ حَمصيْص-، والجمعُ: حَماطِيْطُ، قال:
«كأنّما لَونها والصبْحُ منُقشـعَ *** قبل الغَزَالةِ ألْوانُ الحماطْيِط»
وقال أبو سعيدٍ الضّريرُ: الحماطْيطُ -هاهنا-: جمعُ حَمطَيط وهي دُوْدَة تكون في البقلِ أيامَ الربيْعِ مُفَصلة بحمرةٍ، ويشبهُ بها تَفْصيلُ البنانِ بالحناءِ، شبهَ المتلمس وشي الحللِ بألوانِ الحماطْيط. وقال اللْيث: الحَمطَيْطُ: نَبْتَ، وجَمْعُه الحماَطْيُط.
وقال ابنُ دريدٍ: الحمْطَاطُ: دُويبةّ تكون في العُشْبِ منَقُوْشة. وقال كَعْبُ الأحْبارِ: من أسماءِ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الكتبِ السالفةِ: محمدّ وأحمد والمتوّكُلُ والمخْتارُ وِحْياَطى -ومعناه عن ابنِ الأعْرابي: حامي الحرَمِ- وفاَرِقْلْيطي -أي: يفرقُ بين الحَق والباطلِ-. وحُميطُ: رَمْلةّ من الدهنْاءِ. وقال ابنُ دُرَيدٍ: الحمط: من قولهم حَمطتُ الشيءَ أحَمطهُ إذا قَشرتهَ، قال: وهذا فَعْلَ قد أمِيتْ.
وقال أبو عمرو: يقالُ حَمطُوا على كَرِمْكُم: أي اجْعَلوا عليه شجَرًا يُكنه من الشمْس.
وقال يونسُ: العربُ تقولُ: إذا ضرَبْتَ فاوْجِعْ ولا تحمط فإن التحمْيطَ ليس بشيء، قال: والتّحْمِيطُ: التّصغِيِرُ؛ وهو أن يضُربَ الرّجُلُ فيقول: ما أوْجَعني ضَربةَ: "19-ب" أي لم يباُلغْ وقال ابنُ فارسٍ: الحاءُ والميمُ والطاءُ ليس أصْلًا ولا فضرْعًا ولا فيه لُغَة صحيحة إلا شيء من النبتِ أو الشّجرِ.
العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م
24-العباب الزاخر (رمط)
رمطابن دريدٍ: الرمط: مصدرُ رمطتُ الرجلَ أرْمطه -بالكسر- رمطًا: إذا عبته أو طغت فيه.
وقال الليث: الرمط: مجمع العرفط ونحوه من شجر العضاه كالغيضةِ، وقال الأزْهري: هو تصحيف؛ قال: والذي سمعه من العربَ يقال للحرجةِ الملتفة من السدرْ: عيص سدرٍ ورهط سدرٍ بالهاء- قال: وأخبرني الإبادي عن شمرٍ عن ابن الأعرابي قال: يقال: فرش من عرفطٍ وأيكةَ من أثلٍ ورهط من عشرٍ وجفجفّ من رمثٍ، وهو بالهاء لا غير، ومن رواه بالميم فقد صحف. قال الصغاني مؤلف هذا الكتاب: وتبع الليث على التصحيف ابن عبادٍ والعزيزيّ.
العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م
25-العباب الزاخر (سبط)
سبطشَعَر سَبَطٌ -بالتحّريك- وسبطِ -مثالُ كتفٍ- وسبْط -بالفتحْ-: أي مُسْترْسلّ غير جعدٍ لا حجنةَ فيه. وكان شَعرَ رُسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- لا جعدًْا ولا سبطًا. وقد سبطِ شعرهُ -بالكسرْ- يسبطُ سبطًا الرّجلُ -بالضمُ- سبوْطاص وسبوطةّ وسباطةَ من قوْم سباطٍ، قال:
«هل يروْيًا ذَوْدَك نزْعّ معدُ *** وساقيانِ سبطّ وجـعـدُ»
آخرُ قالت سلَيْمى:
«لا أحِبَّ الـجـعْـديْنْ *** ولا السباطَ إنهم مناتيْنْ»
ورجلّ سبطْ الجسمِ وسبطِ الجسمِ -مثال فخذٍ وفخذٍ-: إذا كان حسن القدّ والاسْتواءِ، قال:
«فجاءَتْ به سبطْ العظام كأنَّما *** عمِامتهُ بين الرّجالِ لـواءُ»
وسبطةُ بن المنذرِ السّلْيحيّ كان يلي جبايةَ بني سَلْيحٍ.
والسبطُ -بالتحريكِ-: نَبْتّ، وقال أبو عبيدٍ: السبطُ: النصيّ مادامَ رطبًا فإذا يبسَ فهو الحليّ، وقال الدّينوري: قال أبو زيادٍ: من الشجرٍ السبطُ ومنبتهُ الرّمالُ؛ سلُبّ طوالّ في السماءِ دقاق العيْدانِ تأكله الغنمّ والإبلُ ويحتشه الناسُ فَيبْيعونهَ على الطرقّ؛ وليس له زهرة ولاشوْكة؛ وله ورَقً دقاقِ على قدْرِ الكرّاث أولّ ما يخرجُ الكرّاثُ. وفي تصداقَ مناَبتهِ من الرّمْل قال ذو الرمةّ:
«برّاقةُ الحيدْ واللبّاتُ واضـحةَ *** كأنها ظبيةً أفْضى بها لبَـبُ»
«بين النهارّ وبين اللّيلْ من عَقدٍ *** على جوانبه الأسْباطُ والهدَبُ»
والبسط -أيضًا-: مماّ إذا جفّ ابيضْ وأشبهَ الشّيْب؛ بمنزلة الثغام، ولذلك قال إبراهيم بن علي بن محمد بن سلَمة بن عامرِ بن هرْمةَ:
«رأتْ شمطًا تخصّبه المـنـايا *** شواةَ الرّأس كالسّبِط المحْيلِ»
قال: وزَعَم بعضُ الرواةِ أن أن العَربَ تقولُ: الصليانُ خبزُ الإبلِ والسبطُ، قال وأخْبرني أعرابيّ من عنزةَ قال: السبطُ نباتهُ نباتُ الدخنِ الكبارِ دونَ الذرِة وله حبَ كحبُ البزْرِ لا يخرجُ من أكمتهِ إلاّ بالدقُ، والناسُ يسْتخرجونهِ ويأكُلونهَ خبزا وطبْخًا.
وقال غيره: أرضّ مسْبطة: كثيرةُ السبطِ.
وقال اللْيثُ: السبطانةَ: قناةُ جوْفاءُ مضروْبةّ بالعقَبِ يرمىْ فيها بسهامٍ صغارٍ تنفخُ نفخًا فلا تكادُ تخطي.
وسباطِ -مثالُ-: اسْمّ للحمّى، قال المتنّخلُ الهذليّ:
«أجزْتُ بقتيةٍ بيضْ خفافٍ *** كأنهمُ تملهمُ سـبـاطِ»
ويقال: سباطِ حمىً نافّض، يقال: سبِطَ -على ما لم يسُمّ فاعله-: إذا حُمّ، وذلك أنَّ الإنسان يسبط إذا أخذتهْ أي يتمددُ ويستْرْخي وسباطُ وشباطُ -بالسينّ والشين وبالضمّ فيهما-: اسْمُ شهرٍ من الشّهور بالرّوِميةْ، ذكر ذلك أبو عمر الزّاهد في يلاقوتهِ الجلْعَمِ وقال: يصْرَفُ ولا ممَطْبخةُ يصْرفُ.
والبساطة: الكناسةُ، وروى المغيرةُ بن شعْبة: أن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أتى سباطة قومٍ فبالَ قائمًا وتوضأ ومسحَ على ناصيته وخفيهْ، وإنما بالَ قائمًا لجرحٍ كان بمأبضه. وهي الكناسة التي تطرحَ كلّ يومٍ بأفنيةِ البيوتِ فَتكثرُ: من: سبطَ عليه العطاءَ: إذا تابعه وأكثره.
والسّاباطُ: سقْيفَةً بين حائطيْنِ تحتهْا طريقّ، والجمعُ: سوابيطُ وساباطاتّ، وفي المثلِ: أفارَغُ من حجام ساباطَ، قال الأصمعيُّ: هو ساباطُ كسْرى بالمدَائن: وهو بالعجميةَ بلاسْ أبادْ، قال:
«وبلاسُ اسْمُ رجلٍ، من الموتٍ ربهُ *** بساباطَ حتىّ مات وهو محزرَقُ»
ويروْى: "فأصْبحَ لم يمنعْه كيْدّ وحْيّةَ بساباط"، ويرْوى: "محرزق"، يذكر النعمانَ بن المنذرِ وكان أبروِيْز حبسهَ بساباط ثمّ ألقاه تحت أرجلِ الفيلةِ.
وحَجّامُ ساباطَ: كان حجّامًا مُلازِمًا ساباطَ المدائنِ؛ فإذا مّر به جندّ قد ضرب عليهم البعْثُ حجَمهم نَسيْئةً بِدانقٍ واحدٍ إلى وَقْتِ قُفوْلهم، وكان معَ ذلك يمرّ عليه الأسبوعُ والأسبوعانِ ولا يدْنو منه أحدّ، فَعْند ذلك كان يخرجُ أمّة فَيحْجمها ليريّ الناسَ أنه غيرُ فارغٍ ولئلاّ يقرعَ بالبطالةِ، فما زالّ ذلك دَأبه حتى أنزْفَ دمهاَ فماتتْ فجاءَةُ، فصارَ مثلًا، قال:
«مَطْبخهُ قفْرً وطباخـهُ *** أفْرَغُ من حَجامِ ساباطِ»
وقيل: انه حجمَ كِسْرى أبرويزَ مرّةً في سَفرِه ولم يعدْ: لأنه أغْناه عن ذلم.
وساباطُ: بليْدَة بما وراءَ النهرِ.
والسبطْ: واحدُ الأسْباطِ، وهم وَلدُ الوَلدِ.
والحسنُ والحسْينُ -رضيَ الله عنهما-: سِبْطا رَسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وقال الأزهري: الأسْبّاطُ في بنيَ إسحاق: بمنزلة القبائل في بنيَ إسماعيل -صلواتُ الله عليهما-، يقال: سموْا بذلك ليفَصلَ بين أولادِهما. قال: ومعنىْ القبيلةِ معْنى الجماعةِ، يقال لكل جماعةٍ من أبٍ ولأمٍ: قبيلةّ، ويقال لكل جمع من آباءٍ شَتّى: قبيلّ وهو شجرةَ لها أغْصان كثيرةُ وأصْلُها واحدّ كأنّ الوالدَ بمنزلةِ الشّجرة والأولاد بمنزلة أغُصانهاِ.
وفي حديث النبي: -صلى الله عليه وسلم-: حسيّنْ منيّ وأنا من حُسيْنٍ؛ أحبّ الله منْ أحب حسيْنًا، حسينّ سبطّ من الأسْباط. قال أبو بكر: أي الأعْرابيّ عن الأعْرابيّ عن الأسْباطُ فقال: هم خاصةُ الأوْلاد.
والأسْباطُ من بني إسرائيل كالقبائل من العرب. وقوله تعالى: (وقطعْناهم اثْنتيْ عشرةَ أسْباطًا أمماّ) فإنما أنث لأنه أرادَ اثنتي عشرةَ فرقةً، ثم أخْبر أنّ الفارق أسبْاطّ، وليس الأسباطُ بتفسْير ولكنه بدلّ من اثنتي عشرة، لأن التفسير لا يكونُ إلاّ واحدًا منكوْرًا كقولك: اثنا عشر درهمًا ولا يجوز دراهم.
وقال ابن دريدٍ: غلطَ العجاج أو روبة فقال:
«كأنه سبط من الأسباط *** أرادَ رجــــلًا، »
وهذا غلط. قال الصغاني مؤلفُ هذا الكتاب: لرؤبة أرْجوزة أولها:
«شُبَّتْ لعينـيْ غـزلٍ مـياطِ *** سعْدية حـلـتْ بـذي أرَاطِ»
«وللعجّاج أرْجـوزةّ أولـهـا *** وبلْـدةٍ بـعـيدةِ الـنـياطِ»
«مجْهولةٍ تغْتالُ خَطوَ الخاطي»
والمشَطورُ الذي شكّ ابن دريدٍ في قائلهِ من هذه الأرجوزة.
ورجلّ سبطِ بالمعارْف: إذا كان سَهْلًا.
وقال شمر: مطر سبطّ: أي متدارك سحّ، وسباطته: سعته وكثرتهُ، قال القطاميّ:
«صَافتْ تعمجُ أعْناق السيولِ به *** من باكرٍ سبطٍ أو رائحٍ يبلُ»
أرادَ بالسبطِ: المطرَ الواسعَ الكثيرَ. وإذا كان الرجلُ سْمعَ الكفينِ قيل: إنهَ لسبطُ الكفينِ.
وسبْسَطيةُ: بلدّ من نواحي فلسطين من أعمالِ نابلس فيه قبرُ زكرياءَ ويحيى -صلوات الله عليهما- وأسْبطَ: أطَرقَ وسكنَ.
وأسَبط في نوَمهِ: غَمّض وأسْبطَ عن الامْرِ: تغابي وقولهم: مالي أراك مَسْبطًا: أي مدليًا رأسكَ كالمهتمّ مستْرخيَ البدنِ.
وأسْبطَ: أي امتْدّ وانْبسطَ من الضربْ، ومنه حدَيث عائشة -رضي الله عنها-: أنها كانت تضرّبُ اليَتيم يكون في حجرْهاِ حتىّ يسبِط: أي يمتدّ على وَجْه الأرضِ. يقال: دَخْلتُ على المريضِ فتركْتهُ مُسْبطًا: أي ملقى لا يتحركُ ولا يتكلُم، قال:
«قد لبِثَتْ من لذّضةِ الخلاَطِ *** قد أسْبطتْ وأيما إسباطِ»
يعْني امرأةً أتيتْ فلما ذاقَتِ العسْيلة مدتْ نفسها على الأرْض.
والتسْبيطُ في النّاقةِ كالرحاَع. ويقالُ أيضًا: سبطتٍ النعْجةُ: إذا أسْقَطتْ. وقال أبو زَيدٍ: يقال للنّاقةِ إذا ألقتْ ولدها قبلَ أن يسْتَبيْنَ خلْقُه: قد سبطتْ، وكذلك قاله الأصمعي.
والترْكيبُ يدلّ على امتْدادِ الشْيءِ.
العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م
26-العباب الزاخر (خلف)
خلفخلف: نقيض قدام.
والخلف: القرن بعد القرن، يقال: هؤلاء خلف سوء: لناس لا حقين بناس أكثر منهم، قال لبيد -رضي اله عنه-:
«ذَهَبَ الذينَ يُعَاشُ في أكْنافِـهـمْ *** وبَقِيْتُ في خَلْفٍ كَجِلْدِ الأجْرَبِ»
والخلف: القرن بعد القول، ومنه المثل: سكت ألفًا ونطق خلفًا. نصب "ألفا" على المصدر؛ أي سكت ألف سكتة ثم تكلم بخطأ. قال أبو يوسف: حدثني أبن الأعرابي قال: أبو يوسف: حدثني أبن الأعرابي قال: كان أعرابي مع قوم فحبق حبقة فتشور فأشار بإبهامه إلى أسته وقال: إنها خلف نطقت خلفًا.
والخلف -أيضًا-: الاستقاء، قال الحطيئة:
«لِزُغْبٍ كأوْلادِ القَطا راثَ خَلْـفُـهـا *** على عاجِزَاتِ النَّهْضِ حُمْرٍ حَوَاصِلُهْ»
يعني: راث مخلفها، فوضع المصدر موضعه، وقوله: "حواصله" قال الكسائي: أراد: حواصل ما ذكرنا، وقال الفراء: الهاء ترجع إلى "الزُّغْبِ" دون "العاجِزَاتِ" التي فيها علامة الجمع، لأن كل جمع يبنى على صورة الواحد ساغ فيه توهم الواحد، كقوله:
«مِثْل الفِراخِ نُتِفَتْ حَوَاصِلُهْ»
لأن الفراخ ليست فيه علامة الجمع، وهو على صورة الواحد؛ كالكتاب والحجاب، ويقال: الهاء ترجع إلى النهض وهو موضع في كتف البعير، فاستعار للقطا.
والخلف -أيضًا-: أقصر أضلاع الجنب، والجمع: خلوف، قال طرفة أبن العبد يصف ناقته:
«وطَيُّ مَحَالٍ كالحَنِيِّ خُلُوْفُهُ *** وأجْرِنَةٌ لُزَّتْ بِدَأيٍ مُنَضَّدِ»
ويقال: وراء بيتك خلف جيد: وهو المربد.
وفأس ذاة خلفين وذاة خلف، والجميع: الخلوف، وكذلك المنقار الذي يقطع به الخشب ونحوه.
وقال أبن الأعرابي: الخلف: الظهر بعينه.
وقال أبن عباد: يقال: للخلق من الوطاب خلف.
وقال الفرازي: بعير مخلوف قد شق عن ثيله من خلفه إذا حقب.
والخلف -بالتحريك-: من قولهم: هو خلف صدق من أبيه إذا قام مقامه، قال الأخفش: الخلف والخلف سواء، منهم من يحرك فيهما جميعًا، ومنهم من يسكن فيهما جميعًا إذا أضاف، ومنهم من يقول: خلف صدق -بالتحريك- ويسكن الآخر؛ يريد بذلك الفرق بينهما، قال:
«إنّا وَجَدْنا خَلَفًا من الـخَـلَـفْ *** عَبْدًا إذا ما ناءَ بالحِمْلِ خَضَفْ»
وقد سبقت الروايات في تركيب خ ض ف.
وقال الليث: لا يجوز أن تقول من الأشرار خلف ولا من الأخيار خلف.
وقال أبن عباد: خلفت الناقة -بالكسر- تخلف خلفًا: إذا حملت.
وبعير أخلف بين الخلف: إذا كان مائلًا على شق، حكاه أبو عبيد.
والخلف -أيضًا-: مصدر الخلف وهو الأعسر، قال أبو كبير الهذلي:
«زَقَـبٍ يَظَـلُّ الـذِّئْبُ ظِـلَّـهُ *** من ضِيْقِ مَوْرِدِهِ اسْتِنانَ الخْلَفِ»
وقيل: الخلف: المخالف العسر الذي كأنه يمشي على أحد شقيه.
وقيل: الأخلف: الأحول.
وقال أبن عباد: الأخلف: الأحمق. والسيل. والحية الذكر.
وإنه لأخلف وخلفف: أي قليل العقل، والمرأة: خلفاء وخلففة.
وأم خلفف: الداهية العظمى.
والخلف -بالضم-: الاسم من الإخلاف، وهو في المستقبل كالكذب في الماضي.
وخليف بن عقبة مصغرًا-: من أتباع التابعين.
والخلف -بالكسر-: حلمة ضرع الناقة، ولها خلفان قادمان وخلفان ىخران، والجميع: الخلاف.
والخلف -أيضًا-: المختلف، قال:
«دَلْوايِ خِلْفانِ وساقِياهُما»
وقال أبو عبيد: الخلف: الاسم من الاستقاء. وقال الكسائي: يقال لكل شيئين اختلفا: هما خلفان وخلفتان.
والخلف: اللجوج.
والخلفة: الاسم من الاختلاف؛ أي التردد.
ويقال -أيضًا-: هن يمشين خلفه: أي تذهب وتجئ هذه. وقوله تعالى: (وهو الذي جَعَلَ اللَّيْلَ والنَّهَارَ خِلَّفَةً) أي يجيء هذا في أثر هذا، وقال زهير بن أبي سلمى:
«بها العِيْنُ والآرام يَمْشِيْنَ خِـلْـفَةً *** واطَلاؤها يَنْهَضْنَ من كُلِّ مَجْثِمِ»
ويقال -أيضًا-: القوم خلفه وبنو فلان خلفة: أي نصف ذكور ونصف إناث.
ويقال: أخذته خلفة: إذا اختلف إلى المتوضأ.
ويقال: من أين خلفتكم؟ أي من أين تسقون.
والخلفة: البقية، يقال: علينا خلفة من ثمار: أي بقية، وبقي في الحوض خلفة من ماءٍ.
والخلفة: ما يعلق خلف الراكب، قال:
«كما عُلَّقَتْ خِلْفَةُ المَحْمِلِ»
والخلفة: نبت ينبت بعد النبات الذي يتهشم، قال ذو الرمة يصف ثورًا:
«تَقَيَّظَ الرَّمْلَ حتّى هَزَّ خِلْفَـتَـه *** تَرَوُّحُ البَرْدِ ما في عَيْشِه رَتَبُ»
وقال الرعي:
«يُقَلِّبُ عَيْنَي فَرْقَدٍ بِـخَـمِـيْلَةٍ *** كَسَاها نصِيُّ الخِلْفَةِ المُتَرَوِّحُ»
وقال أيضًا:
«تَأوَّبُ جَنْبَيْ مَنْعِجٍ ومَقِيْلُـهـا *** بِجَنْبِ قَرَوْرى خِلْفَةٌ ووَشِيْجُ»
ويروى: "حسبي منعج"، ويروى: "بحَزْمِ قَرَوْرى".
وقال أبو زياد: الخلفة تنبت من غير مطر لكن ببرد آخر الليل. وقال أبو عبيد: الخلفة: ما نبت في الصيف.
وخلفة الشجر: ثمر يخرج بعد الثمر الكثير.
والخلف -مثال كتف-: المخاض؛ وهي الحوامل من النوق، الواحدة: خليفة، قال:
«مالَكِ تَرْغِيْنَ ولا تَرْغو الخَلِفْ *** وتَضْجَريْنَ والمَطِيُّ مُعْتَرِفْ»
ورجل مخلاف: كثير الإخلاف.
والمخلاف -أيضًا-: لأهل اليمن، واحد المخاليف وهي كورها، ولكل مخلاف منها اسم يعرف به: كمخلاف أبين. ومخلاف لحج. ومخلاف السحول. ومخلاف اليحصبين. ومخلاف العود. ومخلاف رعين. ومخلاف جيشان. ومخلاف-رداغ وثاب. ومخلاف مارب. ومخلاف جبلان. ومخلاف ذمار. ومخلاف ألهان. ومخلاف مقرأ. ومخلاف حراز وهزون. ومخلاف حضور. ومخلاف مادن. ومخلاف أقيان. ومخلاف ذذي جرة وخولان. ومخلاف همدان. ومخلاف جهران. ومخلاف البون. ومخلاف صعدة. ومخلاف وادعة. ومخلاف خارف. ومخلاف يام. ومخلاف جنب. ومخلاف سنحان. ومخلاف زبيد. ومخلاف قيضان. ومخلاف بني شهاب. ومخلاف نهد. ومخلاف جعفي. ومخلاف بيحان. ومخلاف جعفر. ومخلاف عنه. ومخلاف شبوة. ومخلاف المعافر.
وفي حديث معاذ -رضي الله عنه-: من تحول من خلاف إلى مخلاف فعشره وصدقته إلى مخلافه الأول إذا حال عليه الحول. أي يؤدي صدقته إلى عشيرته التي كان يؤدي إليها.
ورجل خالفة: أي كثير الخلاف. وفي حديث أبن عمرو بن نفيل لما خالف دين قومه قال له الخطاب بن نفيل: غني لا حسبك خالفة بني عدي؛ هل ترى أحدًا يصنع من قومك ما تصنع، قال:
«يا أيُّها الخالِفةُ اللَّجُوْجُ»
وقيل في قول أبي بكر -رضي اله عنه- وقد جاءه إعرابي فقال: أأنت خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: لا، قال: فما أنت؟ قال: أنا الخالفة بعده. أراد تصغير شأن نفسه وتوضيعها، ولما كان سؤاله عن الصفة دون الذاة قال: فما أنت؛ ولم يقل فمن أنت.
ويقال: ما أدري أي خالفة هو: أي أيّ الناس هو، غير مصروفة للتأنيث والتعريف، ألا ترى أنك فسرتها بالناس، وهذا قول الفراء. وقال غيره: ما أدري أي خالفة هو وأي خافية هو مصروفتين- وأي الخوالف هو.
وفلان خالفة أهل بيته وخالف أهل بيته أيضًا: إذا كان لا خير فيه ولا هو نجيب.
وقال أبن اليزيدي: يقال: إنما انتم في خوالف من الأرض: أي في ارضين لا تنبت إلا في آخر الأرضين نباتًا.
وقال في قوله تعالى: (مَعَ الخالفِيْن) الخالف: الذي يقعد بعدك.
وقال أبن عرفة في قوله تعالى: (رَضُوا بانْ يكُونوا مَعَ الخَوالِفِ) أي مع النساء.
والخالفة: الحمق، يقال: هو خالفة بين الخلافة -بالفتح- أي الحمق.
وقال ابن عباد: الخالفة: الأمة الباقية بعد الأمة السالفة.
والخالفة: عمود من أعمدة البيت، والجمع: الخوالف.
والخليفى: الخلافة. وفي حديث عمر -رضي الله عنه-: لو أطيق الأذان مع الخليفى لأذنت. كأنه أراد بالخليفى كثرة جهده في ضبط أمور الخلافة وتصريف أعنتها، فان هذا النوع من المصادر يدل على معنى الكثرة.
والخليف: الطريق بين الجبلين، وقال السكري: الطريق وراء الجبل أو وراء الوادي، قال صخر الغي الهذلي:
«فَلَمّا جَزَمْتٌ به قِرْبَـتـي *** تَيِمَّمْتُ أطْرِقَةً أو خَلِيْفا»
ومنه قولهم: ذيخ الخليف، كما يقال: ذئب غضًا، قال كثير يصف ناقته:
«تُوَالي الزِّمامَ إذا ما وَنَـتْ *** رَكائبُها واحْتُتُثِثْنَ اجحْتِثَاثا»
«بذِفْرى كَكاهِلِ ذيْخِ الخَلِيْفِ *** أصَابَ فريْقَةَ لَيْلٍ فَعاثـا»
ويروى: "ذيخ الرفيض" وهو قطعة من الجبل.
وخليفا الناقة: إبطاها، قال كثير -أيضًا- يصف ناقته:
«كأنَّ خَلِيْفَيْ زورها ورحماهما *** بُنى مَكَوَيْنِ ثُلِّما بَعْدَ صَـيْدَنِ»
المكا: جحر الثعلب والأرنب ونحوهما، والصيدن: الثعلب.
وقال ابن عباد: ثوب خليف ومخلوف: إذا بلي وسطه فتخرج البالي منه ثم تلفقه.
والخليف: المرأة إذا سدلت شعرها خلفها.
وأتينا بلبن ناقتك يوم خليفها: أي بعد انقطاع لبئها، أي الحلبة التي بعد ذهاب اللبأ. وقال أبن الأعرابي: امرأة خليف: إذا كان عهدها بعد الولادة بيوم أو يومين. وقال غيره: يقال للناقة العائذ: خليف. وقال عمرو: الخليف: اللبن اللبأ؟ والخليف: شعب، قال عبد الله بن جعفر العامري:
«فضكَأنَّما قَتَلوا بـجَـارِ أخِـيْهـم *** وَسْطَ الملوكِ على الخَلِيْف غَزَالا»
وقال معقر بن أوس بن حمار البراقي:
«ونَحْنُ الأيمَنُوْنَ بَنُو نُمَيْرِ *** يَسِيْلُ بنا أمَامَهُمُ الخَلِيْفُ»
والخليفة: السلطان الأعظم، وقد يؤنث، وأنشد الفراء:
«أبُوْكَ وَلَـدَتْـهُ أُخْـرى *** وأنْتَ خَليْفَةٌ ذاكَ الكَمالُ»
وزاد أبن عباد: الخليف. والجمع: الخلاف، جاءوا به على الأصل -مثال كريمة وكرائم-، وقالوا أيضًا: خلفاء، من أجل أنه لا يقع إلا على مذكر وفيه الهاء، جمعوه على إسقاط الهاء فصار مثل ظريف وظرفاء، لأن فعلية بالهاء لا تجمع على فعلاء.
وخليفة: جبل مشرف على أجياد الكبير.
وخليفة بن عدي بن عمرو الأنصاري -رضي الله عنه-: له صحبة.
ويقال: خلف فلان فلانًا يخلفه -بالضم- إذا كان خليفته. ويقال: خلفه في قومه خلافة، ومنه قوله عز وجل: (وقال مُوْسى لأخِيْهِ هارُوْنَ اخْلُفْني في قَوْمي).
وخلفته -أيضًا-: إذا جئت بعده.
وخلف فم الصائم خلوفًا: أي تغيرت رائحته، ومنه حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وسئل علي -رضي الله عنه- عن القبلة للصائم فقال: ما أربك إلى خلوف فيها.
وخلف اللبن والطعام: إذا تغير طعمه أو رائحته.
وقال أبن السكيت: خلف فلان: أي فسد.
وحي خلوف: أي غيب، قال أبو زبيد حرملة بن المنذر الطائي يرثي فروة أبن إياس بن قبيصة:
«أصْبَحَ البَيتُ بَـيْتُ آلِ إياسٍ *** مُقْشَعِرًّا والحَيُّ حَيُّ خُلُوْفُ»
أي لم يبق منهم أحد.
والخلوف -أيضًا-: الحضور المتخلفون، وهو من الأضداد.
وخلف الله عليك: أي كان خليفة والدك أو من فقدته عليك من أخٍ أو عم. ولما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أبي سلمة -رضي الله عنه- قال: اللهم أغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وأفسح له في قبره ونور له فيه.
وجلست خلف فلان: أي بعده، قال الله تعالى: (وإذًا لا يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إلاّ قَلِيْلا) وهي قراءة أبي جعفر ونافع وأبن كثير وأبي بكر، والباقون: (خِلافَكَ)، وقرأ رويس بالوجهين.
وشجر الخلاف -بتخفيف اللام-: معروف، وتشديدها لحن العوام. وقال الدينوري: زعموا أنه سمي خلافًا لأن الماء جاء به سبيًا فنبت مخالفًا لأصليه، وهو الصفصاف، قال: وأخبرني أعرابي قال: نحن نسميه السوجر، وهو شجر عظام، وأصنافه كثيرة؛ وكلها خوار، ولذلك قال الأسود:
«كأنَّكِ مـن خِـلاَفٍ يُرى لـه *** رُوَاءٌ وتَأْتِيْهِ الخُؤوْرَةُ من عَلُ»
وموضعه: المخلفة.
وأما قوله:
«يَحْمل في سَحْقٍ من الخفَافِ *** تَوَادِيًا سُوِّيْنَ من خِـلاَفِ»
فإنما يريد أنها من أشجار مختلفة؛ ولم يرد أنها من الشجرة التي يقال لها الخلاف، لأنها لا تكاد تكون بالبادية.
وفرس به إشكال من خلاف: إذا كان في يده اليمنى ورجله اليسرى بياض.
وخلفته: أخذته من خلفه.
وخلف: صعد الجبل.
وقال أبن عباد: رجل خليفة -مثال بطيخة-: مخالف ذو خلفة.
ورجل خلفناه وخلفنة -مثال ربحلة-: أي كثير الخلاف.
وقال غيره: يقال: في خلق فلان خلفنه: أي خلاف، والنون زائدة.
والمخلفة: الطريق، يقال: عليك المخلفة الوسطى.
وقول عمرو بن هميل الهذلي:
«وإنّا نَحْنُ أقْدَمُ منكَ عِـزًّا *** إذا بُنِيَتْ بِمَخْلَفَةَ البُيُوْتُ»
هي مخلفة منى حيث ينزل الناس، يقال: هذه مخلفة بني فلان: أي منزلهم. والمخلف: بمنى -أيضًا- حيث يمرون.
وقال أبن الأعرابي: يقال: أبيعك هذا العبد وابرأ إليك من خلفته: أي خلافه. وقلا أبن بزرج: خلفه العبد: أن يكون أحمق معتوهًا.
وأنه لطيب الخلفة: أي لطيب آخر الطعم.
ورجل خلفف -مثال فعدد-: أي أحمق، والمرأة خلففة -أيضًا- بغير هاء.
وخلف بيته يخلفه: إذا جعل له خالفة.
واخلف الوعد: من الخلف، قال الله تعالى: (أنَّكَ لا تُخْلِفُ المِيْعَادَ) وأخلفه -أيضًا-: أي وجد موعده خلفًا، قال الأعشى:
«أثْوى وقَـصَّـرَ لَـيلَةً لِـيزَوَّدا *** فَمَضى وأخلَفَ من قُتَيْلَهَ مَوعِدا»
أي مضى وتركها، وبعضهم يرويه: "فَمَضَتْ" أي مضت الليلة.
والمخلف من الإبل: الذي جاز البازل، الذكر والأنثى فيه سواء، يقال: مخلف عام ومخلف عامين، قال النابغة الجعدي -رضي الله عنه- يصف فرسًا:
«فَعَرَفْـنـا هِـزَّةً تَـأخُـذُهُ *** فَقَرَنّاهُ بِرَضْرَاضٍ رِفَـلْ»
«أيِّدِ الكاهِـل جَـلْـدٍ بـازِلٍ *** أخْلَفَ البازِلَ عامًا أو بَزَلْ»
الرضراض: الكثير اللحم. وكان أبو زيد يقول: الناقة لا تكون بازلًا؛ ولكن إذا أتى عليها حول بعد البزول فهي بزول؛ إلى أن تنيب فتدعى عند ذلك بازلًا، والمخلفة من النوق: هي الراجع التي ظهر لهم أنها لقحت ثم لقحت ثم لم تكن كذلك، قال المرار بن منقذ:
«بازلٌ أو أخْلَفَتْ بازِلُـهـا *** عاقِرٌ لم يُحْتَلَبْ منها فُطُر»
وقال الفراء: أخلف يده: إذا أراد سيفه فأخلف يده إلى الكنانة. وفي الحديث: أن رجلا أخلف السيف يوم بدر.
وفي حديث عبد الله بن عتبة: جئت في المهاجرة فوجدت عمر -رضي الله عنه- يصلي فقمت عن يساره؛ فأخلفني عمر فجعلني عن يمينه؛ فجاء يرفأ فتأخرت فصليت خلفه. أي ردني إلى خلفه.
وأخلف فوه: أي تغير؛ مثل خلف.
واخلف النبت: أخرج الخلفة؛ وهي ورق يخرج بعد الورق الأول في الصيف، ومنه الحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذا أخلف كان لجينًا، وقد كتب الحديث بتمامه في تركيب ب ي ش.
وأخلفت الثوب: لغة في خلفته إذا اصلحته، قال الكميت يصف صائدًا:
«يَمْشي بِهِنَّ خَفِيُّ الشَّخْصِ مُخْتَتِلٌ *** كالنَّصْلِ أخْلَفَ أهْدامًا يأطْمَارَ»
أي أخلف موضع الخلقان خلقانًا.
ويقال لمن ذهب له مال أو ولد أو شيء يستعاض: أخلف الله عليك؛ أي رد الله عليك مثل ما ذهب.
وكان أهل الجاهلية يقولون: أخلفت النجوم: إذا أمحلت فلم يكن فيها مطر.
وأخلف فلان لنفسه: إذا كان قد ذهب له شيء فجعل مكانه آخر.
وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أتي بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال: من ترون نكسو هذه؟ فسكت القوم، قال: ائتوني بأم خالد، فأتي بها تحمل، فأخذ الخميصة بيده فالبسها وقال: أبلي وأخلفي وفي رواية: ثم أبلي وأخلفي ثم أبلي وأخلفي-، وكان فيها علم أخضر أو أصفر فقال: يا أم خالد هذا سنا؛ يا أم خالد هذا سنا -ويروى: سنه، وهي كلمة حبشية، ومعناها: الحسن. وتقول العرب لمن لبس ثوبًا جديدًا: أبل وأخلف وأحمد الكاسي، وقال تميم بن أبي بن مقبل:
«ألَمْ أنَّ المالَ يَخْلُـفُ نَـسْـلُـه *** ويأتي عليه حَقُّ دَهْرٍ وباطِلُهْ»
«فأخْلِفْ وأتْلِفْ إنَّما المالُ عارَةٌ *** وكُلْهُ مَعَ الدَّهْرِ الذي هو آكِلُهْ»
يقول: استفد خلف ما أتلفت.
وقال الأصمعي: أخلفت عن البعير: وذلك إذا أصاب حقبه ثيله فيحقب: أي يحتبس بوله؛ فتحول الحقب فتجعله مما يلي خسيي البعير، ولا يقال ذلك في الناقة لأن بولها منحيائها ولا يبلغ الحقب الحياء.
وأخلف -أيضًا-: استقى.
وأخلف الطائر: خرج له ريش بعد ريشه الأول.
وأخلف الغلام: إذا راهق الحلم.
وأخلفه الدواء: أي أضعفه.
والإخلاف: أن يعيد الفحل على الناقة إذا لم تلقح.
وخلفوا أثقالهم تخليفًا: أي خلوه وراء ظهورهم، قال الله تعالى: (فَرِحَ المُخَلَّفُوْنَ).
وخلف بناقته: أي صر منها خلفًا واحدًا؛ عن يعقوب.
وخلف فلانًا واستخلف فلانًا: جعله خليفته، قال الله تعالى: (لَيَسْتَخْلِفَنَّهم في الأرْضِ كما اسْتَخلَفَ الذينَ من قَبْلهم).
واستخلف -أيضًا-: استقى؛ مثل أخلف، قال ذو الرمة يصف القطا:
«ومُسْتَخْلِفـاتٍ مـن بـلاد تَـنُـوْفَةٍ *** لِمُصْفَرَّةِ الأشْداقِ حُمْرِ الحَوَاصِلِ»
«صَدَرْنَ بما أسْأرْتُ من مـاءِ آجِـنٍ *** صَرَىً ليس من أعْطانِهِ غَيْرُ حائلِ»
والخلاف: المخالفة. وقوله تعالى: (فَرحَ المُخَلَّفُونَ بِمقْعَدِهم خِلافَ رَسُولِ اللهِ) أي مخالفة رسول الله، ويقال: خلف رسول الله.
وقولهم: هو يخالف إلى امرأة فلان: أي يأتيها إذا غاب عنها زوجها. ويروى قول أبي ذؤيب الهذلي:
«إذا لَسَعَتْه الدَّبْرُ لم يَرْجُ لَسْعَها *** وخالَفَها في بَيْتَ نُوبٍ عَوَامِلِ»
بالخاء المعجمة؛ أي جاء إلى عسلها وهي ترعى تسرح، وقال أبو عبيدة: خالفها إلى موضع آخر. وحالفها -بالحاء المهملة- أي لازمها.
وتخلف: أي تأخر.
والاختلاف: خلاف الاتفاق.
وقال أبن دريد: قال أبو زيد: يقال: اختلف فلان صاحبه -والاسم الخلفة بالكسر-: وذلك أن ييباصره حتى إذا غاب جاء فدخل عليه؛ فتلك الخلفة.
واختلف الرجل في المشي: إذا كان به إسهال.
وقال ابن عباد: اختلفت فلانًا: كنت خليفته من بعده.
والتركيب يدل على أن يجيء شيء يقوم مقامه؛ وعلى خلاف قدام؛ وعلى التغير.
العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م
27-العباب الزاخر (صرف)
صرفالصَّرْفُ في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: المدينة حرمٌ ما بين عائر -ويُروى: عَيْرِ- إلى كذا من احدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يُقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ، وذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يُقْبَلٌ منه صَرْفُ ولا عدلٌ ومن تولى قومًا بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يُقْبَلُ منه صَرْفٌ ولا عدلٌ: التوبة؛ وقيل: النافلة. وقال قومٌ: الصَّرْفُ: الوزن؛ والعدل: الكيل. وقال يونس: الصرف: الحيلة، قال الله تعالى: (فما تَستطيعون صَرْفًا ولا نصرًا). وقال غيره: أي ما يستطيعون أن يَصْرِفُوا عن أنفسهم العذاب ولا أن يَنْصُروا أنفسهم.
وصَرْفُ الدهر: حَدَثانه ونوائبه.
والصَّرْفانِ: الليل والنهار، وابن عبّاد كَسَرَ الصّاد.
وقوله تعالى: (سَأصْرِفُ عن آياتي) أي أجعل جزاءهم الإضلال عن هداية آياتي.
وفي حديث أبي إدريس الخولاني: من طلب صَرْفَ الحديث ليبتغي به إقبال وجوه الناس إليه لم يَرَحْ رائحة الجنة. هو أن يزيد فيه ويُحَسنه، من الصَّرْفِ في الدراهم وهو فضل الدرهم على الدرهم في القيمة.
ويقال: فلان لا يعرف صَرْفَ الكلام: أي فضل بعضه على بعضٍ. ولهذا على هذا صرف: أي شِفٌّ وفضلٌ. وهو من: صَرَفَه يَصْرِفُه، لأنه إذا فُضِّلَ صُرِفَ عن أشكاله ونظائره.
والصَّرْفَةُ: منزل من منازل القمر، وهو نجم واحد نير يتلو الزُّبْرَةَ؛ يقال إنه قلب الأسد، وسميت الصَّرْفَةَ لانصراف البرد وإقبال الحر بطلوعها، قال السّاجع، إذا طلعت الصَّرْفَة؛ بكرت الخُرْفَة؛ وكثرت الطّرْفَة؛ وهانت للضيف الكلفة، وقال أيضًا: إذا طَلَعَت الصَّرْفَة؛ احتال كل ذي حرفة.
والصَّرْفَةُ -أيضًا-: خرزة من الخَرز الذي تذكر في الأُخَذِ.
وقال ابن عبّاد: الصَّرْفَةُ: ناب الدهر الذي يفتر.
وحلبت النّاقة صَرْفَةً: وهي أن تحلبها غدوة ثم تتركها إلى مثل وقتها من أمس.
والصَّرْفَةُ من القِسِيِّ: التي فيها شامة سوداء لا تُصِيْبُ سِهامها إذا رميت.
وصَرَفَ الله عنه الأذى.
وكلبةٌ صارِفٌ: إذا اشتهت الفحل، وقد صَرَفَتْ تَصْرِفُ صُرُوْفًا وصِرَافًا.
وصَرْفُ الكلمة: إجراؤها بالتنوين.
وقال ابن عبّاد: صَرَفْتُ الشراب: إذا لم تمزجها، وشراب مَصْرُوْفٌ.
وصَريْفُ البكرة: صوتها عند الاسْتِقاء، وقد صَرَفَتْ تَصْرِفُ -بالكسر-. وكذلك صَرِيْفُ الباب وصَرِيْفُ ناب البعير، قال النابغة الذبياني يصف ناقةً:
«مقذوفة بدخيسِ النَّحضِ بازلـهـا *** له صَرِيْفٌ صَرِيْفَ القعو بالمسد»
يقال منه: ناقة صَرُوْفٌ.
وقال ابن السكيت: الصَّرِيْفُ: الفضة، وأنشد:
«بني غُدَانَةَ ما إن أنتم ذهـبـًا *** ولا صَرِيْفًا ولكن أنتم خَزَفُ»
والصَّرِيْفُ: اللبن ينصرف به عن الضرع حارًا إذا حُلِبَ، قال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه:
«لكن غذاها اللبـن الـخـريف *** المحض والقارص والصَّرِيْفُ»
وقد ذكر الرجز بتمامه والقصة في تركيب ق ر ص.
والصَّرِيْفُ: موضع على عشرة أميال من النباج، وهو بلد لبني أُسَيِّد بن عمرو بن تميم، قال جرير:
«أجنَّ الهوى ما أنْـسَ مـوقـفـًا *** عشية جرعاء الصَّرِيْفِ ومنظرا»
وقال الدينوري: زعم بعض الرواة أن الصَّرِيْفَ ما يبس من الشجر، وهو الذي يقال له بالفارسية: الخَذْخُوَشْ، وهو القفلة أيضًا.
وصَرِيْفُوْنَ: في سواد العراق في موضعين: أحدهما قرية كبيرة غناء شجراء قرب عكبراء وأوانى على ضفة نهر دجيل، وصَرِيْفًوْنَ -أيضًا- من قرى واسط.
وأما قول الأعشى:
«وتجبى إليه السَّيْلَحُـوْنَ ودونـهـا *** صَرِيْفُوْنَ في أنهارها والخورنق»
فإنها هي الأولى التي ذكرتها، والخمر الصَّرِيْفِيَّةُ-أيضًا-منسوبة إليها، قال الأعشى أيضًا:
«تُعاطي الضجيع إذا أقبلت *** بُعَيْدَ الرقاد وعند الوسن»
«صَرِيْفِيَّةً طيبًا طعمـهـا *** لها زبد بين كوبٍ ودَنْ»
وقيل: جعلها صَرِيْفِيَّةً لأنها أخذت من الدن ساعتئذٍ كاللبن الصَّرِيْفِ.
وقال ابن الأعرابي: الصَّرَفانُ اسم للموت.
وقال ابن عبّاد: الصَّرَفانُ: النحاس.
والصَّرَفَانُ -بالتحريك-: الرصاص.
والصَّرَفَانُ: جنس من التمر، قالت الزَّبّاء:
«ما للجمال مشيها وئيدا *** أجندلا يحملن أم حديدا»
«أم صَرَفَانًا باردا شديدا *** أم الرجال جثمًا قعودا»
وقال الدينوري: أخبرني بعض العرب قال: الصَّرَفَانَةُ تمرة حمراء نحو البرنية إلا أنها صُلْبَة الممضغة علكة، وهي أرزن التمر كله، يعدها ذوو العيالات وذوو العبيد والأجراء لجزاءتها وعظم موقعها، والناس يدخرونها. ومن أمثالهم: صَرَفَانَةٌ ربعية تُصْرَمُ بالصيف وتؤكل بالشتية. قال: وأخبرني النُّوْشَجَاني قال: الصَّرَفَانَةُ هي الصَّيْحَانِيَّةُ بالحجاز نخلتها كنخلتها، قال النجاشي:
«حسبتم قتال الأشعرين ومذحجٍ *** وكندة أكل الزُّبْدِ بالصَّرَفَانِ»
والصِّرْفُ -بالكسر-: صبغ أحمر تصبغ به شرك النعال، قال الكلْحَبَةُ:
«كميت غير مُحْلِـفَةٍ ولـكـن *** كلون الصِّرْفُ عُلَّ به الأديم»
وقال عبدة بن الطبيب العبشمي:
«عَيْهَمَةُ ينتحي في الأرض منسمهـا *** كما انتحى في أديم الصَّرْفِ إزميلُ»
وشراب صِرْفٌ: أي بَحْتٌ غير ممزوج.
والصَّيْرَفُ: المحتال في الأمور، قال أمية بن أبي عائذٍ الهذلي:
«قد كنت خرّاجًا ولوجًا صَـيْرَفـًا *** لم تلتحصني حَيْصَ بَيْصَ لَحَاصِ»
وكذلك الصَّيْرَفيُّ، قال سويد بن أبي كاهلٍ اليشكري:
«ولسانًا صَيْرَفِـيًّا صـارمـًا *** كحسام السيف ما مَسَّ قطع»
والصَّيْرَفيُّ: الصَّرّافُ؛ من المُصَارَفَةِ؛ وقومٌ صَيَارِفَةٌ؛ والهاء للنسبة، وقد جاء فس الشعر: الصَّيَارِيْفُ، قال-وليس للفرزدق كما أنشده سيبويه-:
«تنفي يداها الحصى في كل هاجرة *** نفي الدارهيم تنقاد الصَّـيَارِيْفِ»
لما احتاج إلى إتمام الوزن أشبع الحركة ضرورة حتى صارت حرفًا.
وصَرَفْتُ الصبيان: أي قلبتهم.
وصارِفٌ: من الأعلام.
وقال الليث: الصَّرَفيُّ من النجائب؛ هو منسوب، ويقال: هو الصَّدَفيُّ.
وقال ابن الأعرابي: أصْرَفَ الشاعر شِعره: إذا أقوى فيه، وقيل: الإصراف إقواءٌ بالنصب، ذكره المفضل بن محمد الضَّبِّي الكوفي، ولم يعرف البغداديون الإصراف، والخليل وأصحابه لا يجيزون الإقواء بالنصب، وقد جاء في أشعار العرب كقوله:
«أطعمت جابان حتى أستد مغْرِضُهُ *** وكاد يَنقَـدُّ لـولا أنـه طـافـا»
«فقل لجابان يتركـنـا لـطـيتـه *** نوم الضحى بعد نوم الليل إسرافُ»
وبعض الناس يزعم أن قول امرئ القيس:
«فخر لروقيه وأمضيت مقـدمـًا *** طوال القرا والروق أخنَسَ ذيّالِ»
من الإقواء بالنصب؛ لأنه وصل الفعل إلى أخْنَسَ وقال الأزهري: تَصْرِيْفُ الآيات: تبيينها، وقوله تعالى: (وصَرَّفْنَا الآيات) أي بيناها.
وصَرَّفْتُ الرجل في أمري تَصْرِيْفًا.
وتَصْرِيْفُ الدراهم في البياعات كلها: إنفاقها.
والتَّصْرِيْفُ: اشتقاق بعض الكلام من بعض.
وتَصْرِيْفُ الرياح: تحويلها من حالٍ إلى حالٍ ومن وجه إلى وجه.
وطلحة بن سنان بن مُصَرِّفٍ الإيامي: من أصحاب الحديث.
والتَّصَرُّفُ: مطاوع التَّصْرِيْفِ، يقال: صَرَّفْتُه فَتَصَرَّفَ.
وتَصْرِيْفُ الخمر: شربها صِرْفًا.
واصْطَرَفَ: أي تصرف في طلب الكسب، قال العجاج:
«من غير لا عَصْفٍ ولا اصْطِرَافِ»
واسْتَصْرَفْتُ الله المكاره: أي سألته صَرْفَها عني.
والانصراف: الانكفاء.
والاسم على ضربين: مُنْصَرِفٌ وغير مُنْصَرِفٍ. قال جار الله العلامة الزمخشيري -رحمه الله-: الاسم يمتنع من الصَّرْفِ متى اجتمع فيه اثنان من أسباب تسعة أو تكرر واحد؛ وهي العلمية، والتأنيث اللازم لفظًا أو معنى نحو سُعَادَ وطَلْحَةَ، ووزن الفعل الذي يغلبه في نحو أفْعَلَ فإنه فيه أكثر منه في الاسم أو يخصه في نحو ضُرِبَ إن سُمي به، والوصيفة في نحو أحمر، والعدل عن صيغة إلى أخرى في نحو عمر وثلاث، وأن يكون جمعًا ليس على زنته واحد كمَسَاجِدَ ومَصَابِيْحَ إلا ما اعتل آخره نحو جَوَارٍ فإنه في الرفع والجر كقاضٍ وفي النصب كضَوَارِبَ وحَضَاجِرُ وسَرَاوِيْلُ في التقدير؛ جمع حِضَجْرٍ وسِرْوَالَةٍ، والتركيب في نحو مَعْدِيْ كَرِبَ وبعلبك، والعجمة في الأعلام خاصة، والألف والنون المُضَارِعتان لألفي التأنيث في نحو عثمان وسكران إلا إذا اضطر الشاعر فَصَرفَ. وأما السبب الواحد فغير مانع أبدًا، وما تعلق به الكوفيون في إجازة منعه في الشِّعْرِ ليس بثبتٍ، وما أحد سببيه أو أسبابه العلمية فحكمه حكم الصَّرْفِ عند التنكير كقولك رب سُعَادٍ وقَطَامٍ؛ لبقائه بلا سببٍ أو على سببٍ واحدٍ؛ إلا نحو أحمر فإن فيه خِلافًا بين الأخفش وصاحب الكتاب. وما فيه سببان من الثلاثي السّاكن الحشو كنوحٍ ولوطٍ مُنْصَرِفٌ في اللغة الفصيحة التي عليها التنزيل؛ لمقاومة السُّكُوْنِ أحد السببين، وقوم يجرونه على القياس فلا يصرفونه، وقد جمعهما الشاعر في قوله:
«لم تتلفعْ بفضـل مـئزرهـا *** دَعْدٌ ولم تُسْقِ دَعْدُ في العلب»
وأما ما فيه سبب زائد ك"مَاهَ" و"جُوْرَ" فإن فيهما ما في نوح مع زيادة التأنيث فلا مقال في امتناع صَرْفِه. والتكرر في نحو بُشْرى وصحراء ومساجد ومصابيح، نُزُّلَ البناء على حَرْفِ تأنيث لا يقع منفصلا بحالٍ؛ والزِّنَةُ التي لا واحد عليها؛ منزلة تأنيث ثانٍ وجمع ثانٍ. انتهى كلامه.
والتركيب معظمه يدل على رجع الشيء، وقد شَذَّ عنه الصِّرْفُ للصبغ.
العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م
28-العباب الزاخر (طهف)
طهفالدينوري: الطَّهْفَةُ: أعالي الجنبة إذا كانت غَضَّةً غير متكاوسةٍ، قال: وأخبرني بعض الأعراب من ذوي المعرفة قال: الطَّهَفُ -بالتحريك-: عُشْبٌ ضعيف دقاق لا ورق له إلا ما لا يذكر؛ وه مرعى؛ وله ثمرة حمراء إذا اجتمعت في مكانٍ واحدٍ ظهرت حمرتها وإذا تفرقت خفيت. فأما الفرّاء فروي عنه الطَّهْفُ بإسكان الهاء، قال: هكذا سمعته من الثقات بالتخفيف، وأظنها لغتين، قال الفرّاء: وهو شيء يختبز به. وقال غير هؤلاء: الطَّهْفُ: مثل المرعى له سُبُوْلٌ وورَقٌ مثل ورقِ الدُّخنِ وحبة حمراء دقيقة جدًا طويلة، قال: وكذلك أخبرني أعرابي من ربيعة وحرك الهاء وقال: له حب يؤكل في المجهدة ضاوي دقيق.
وطَهْفَةُ بن أبي زهير النهدي -رضي الله عنه-: من الوافدين على رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.
وقال الفرّاء: زبدة طَهفَةٌ: إذا استرخت.
والطَّهْفَةُ من الشيء: القطعة منه.
والطَّهَافُ -مثال السَّحَاب-: المرتفع من السحاب.
وقال الدينوري: يقال أطْهَفَ هذا الصِّلِّيان: أي نبت نباتًا حسنًا ليس بالأثيث.
وقال ابن عباد: يقال أطْهَفَ له طِهْفَةً من ماله: أي أعطاه منه قطعة.
وأطْهَفَ في كلامه: خفف منه.
وقال الفرّاء: أطْهَفَ السَّقَاءُ: استرخى.
وقال ابن فارس: الطّاء ولاهاء والفاؤ ليس بشيء؛ وذكر الطَّهف والطُّهَافَةَ قال: كل ذلك كلام.
العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م
29-المعجم الاشتقاقي المؤصل (رأى)
(رأى): {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18]الرؤية بالعين. الرؤيةُ: النظرُ بالعين والقلب. ولهذا البعير رَأْسٌ مُرْأًى -اسم مفعول من أَرْأَى: طويلُ الخَطْم فيه شَبِيه بالتصويب/ مُنْتَكِبٌ خَطْمُه على حَلْقِه/ كهيئة الإبريق (الخَطْمُ من الطائر: منقاره، ومن كل دابة: مُقَدَّم أنفها وفمها).
° المعنى المحوري
لُحظ العينِ الشيءَ حال اتجاهها إليه -كالرؤية وهي انتقال صورة المَرئى من خلال عين الرائي- حين اتجاهها إليه إلى قلبه أو ذهنه، وكما في انْثناء خطم البعير متجهًا إلى بدنه. ومن الرؤية بالعين أخذت الرُّؤْية العِلْمية (اعتقاد في القلب) والرَأْى (وجهةٌ فِكرية تكونت في القلب عن أمرٍ ما)، والرُؤْيا المنامية (صورة تظهر للقلب منامًا) وأصلها صور لطيفة تنفذ إلى القلب أو تتكون فيه. {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 77]، {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} [الشعراء: 61]، رأى كل منهما الآخر (كلتاهما بصرية). وبالرؤية البصرية جاء جمهور ما في القرآن من التركيب. ويحمل عليها مثل {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [الفرقان: 12] (الرائي هو النار). {يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء: 142]، {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} [البقرة: 264]: وهو مراءاته إياهم بعمله، وذلك أن ينفق ماله في ما يَرَى الناسُ في الظاهر أنه يريد الله تعالى ذِكْرُه فيَحْمَدونه عليه، وهو (في الحقيقة) غيرُ مريدٍ به اللهَ ولا طالبٍ منه الثواب.. [طب/ 5/ 521]. "وأَرْأَت الحاملُ من غير الحافر والسَبُع: رُئِى في ضَرْعها (أَثَرُ) الحَمْلِ واستبانَ وعَظُم ضرعها " (أي أنه من رؤية العين)، وكذا تراءى النخل: ظهرت ألوان بُسره. والرِئى -بالكسر: ما يقع عليه النظرُ من الشيء ويُرَى منه {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم: 74] أي أحسن منظرًا بالهيئة والملابس. والروَاء -كغراب: حُسْن المَنْظَر. والرَئىّ -كغَنِىّ: الجِنِّيّ يراه الإنسان "أي هو مَرْئِىٌّ له وحدَه دُونَ سائر الناس.
{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر: 8]، {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102]. (كلتاهما قلبية) ومثلها {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ
ضَلُّوا} [الأعراف: 147]، {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 74] {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [هود: 29، الأحقاف: 23] وهكذا كل (رأى ومضارعها) حين تطلب مفعولين الثاني حُكْم. وسياقات البصرية والقلبية (العلمية) واضحة. ومن العِلْميه كلّ (أرأيت. أفرأيت. أرأيتم. أفرأيتم. أرأيتك. أرأيتكم) كلها من راى العِلْمية. و "أرَأيْتَك ": بمعنى أخْبرني -من رَأَى العِلْمية كأنما المقصود تأملْ وكوّن رأيك في الأمر المعروض وأَخْبرني ما رأيُك، أو ما الرأيُ والعمل. "ولا تلحق كاف الخطاب هذه إلا إذا كانت بمعنى أخبِرْني " [بحر 6/ 54] {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} [الأنعام: 40]، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} [الأنعام: 46]. [وانظر قر 6/ 422، 3/ 230 وابن قتيبة في المشكل 381 وفي تفسير غريب القرآن 128 ل 12]. وخلاصة المعنى في الآية الأولى (والثانية على نمطها): أخبروني هل إذا وقع بكم عذاب الله أو وقعت الساعة هل تدْعون غيرَ الله أي تلك الأصنام التي تعبدونها؟ وهو سؤال مقصود به أن يَتَبَيَّنوا بأنفسهم زيف عقيدتهم، وأنهم لن يدْعوا الأصنام حينئذ {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} [الأنعام: 41] و [ينظر بحر 4/ 124]. وأما (ألم تر) فكل منها لَفْت إلى أمر للتعجب منه [ينظر بحر 2/ 258 ي فهي قريبة المعنى من (انظر كيف).
* وأخيرًا فإن الرؤيا المنامية واضحة السياق {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4، وكذلك ما في 36، 43، 100 منها، والصافات 102، 105] أما {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] فالمسألة خلافية. هناك مَنْ جَعَلها بشرى بدخول مكة فهي منامية
{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح: 27]، والفتة ما حدث من صلح الحديبية والعودة دون دخول مكة، ومَنْ جعلها للإسراء وهؤلاء فريقان: فريق عدّه رؤيا منامية، وفريق قال إنه رؤية عين، وعبر بـ (رؤيا) لأنها مصدر لـ (رأى) مثل (رؤية)، ولوقوع الإسراء ليلًا، وسرعة تَقَضِّيه كأنه منام. [ينظر بحر 6/ 52 - 53].
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
30-المعجم الجغرافي للسعودية (النائع)
النّائع: من الأسماء العامة، وأورد أبو محمد الأعرابيّ في «فرحة الأديب»:«أرّقني اللّيلة برق لامع ***من دونه التّينان والرّبائع »
«فواردات فقنا فالنّائع ***ومن ذرى رمّان هضب لامع »
وأخبرني رجل من أهل حائل أن النائع جبل لا يزال معروفا في طرف جبال رمّان. وعلى هذا فهو المقصود بقول الراجز، وهو غير النائعين القريبين من أبان.
على أن ياقوتا أورد الرّجز شاهدا على قوله: النائع موضع بنجد، لبني أسد. ومعروف أن بلاد بني أسد تتصل بالجبلين.
المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية-حمد الجاسر-صدر: 1398هـ/1978م
31-معجم البلدان (آخر)
آخُرُ:بضم الخاء المعجمة والراء: قصبة ناحية دهستان، بين جرجان وخوارزم، وقيل: آخر قرية بدهستان نسب إليها جماعة من أهل العلم، منهم أبو الفضل العبّاس ابن أحمد بن الفضل الزاهد، وكان إمام المسجد العتيق بدهستان، وذكر أبو سعد في التحبير أبا الفضل خزيمة ابن علي بن عبد الرحمن الآخري الدهستاني، وقال: كان فقيها، فاضلا، معتزليّا، أديبا، لغويّا، سمع بدهستان أبا الفتيان عمر بن عبد الكريم الرّوّاسي، وبندار بن عبد الواحد الدهستاني، وغيرهما، مات
بمرو في صفر سنة 548. وإسماعيل بن أحمد بن محمد ابن أحمد بن حفص بن عمر أبو القاسم الآخري، روى عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الخوّاص بربض آمد، عن الحسن بن الصّبّاح الزعفراني، حديثا منكرا حمل فيه على الخوّاص. روى عنه الحافظ حمزة بن يوسف السّهمي. وآخر قرية بين سمنان ودامغان، بينها وبين سمنان تسعة فراسخ، سمع بها الحافظ أبو عبد الله بن النّجّار نقلته من خطّه وأخبرني به من لفظه.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
32-معجم البلدان (أسوان)
أُسْوَانُ:بالضم ثم السكون، وواو، وألف، ونون، ووجدته بخطّ أبي سعيد السّكرّي سوان بغير الهمزة: وهي مدينة كبيرة وكورة في آخر صعيد مصر وأول بلاد النوبة على النيل في شرقيه، وهي في الإقليم الثاني، طولها سبع وخمسون درجة، وعرضها اثنتان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة، وفي جبالها مقطع العمد التي بالاسكندرية، قال أبو بكر الهروي: وبأسوان الجنادل ورأيت بها آثار مقاطع العمد في جبال أسوان وهي حجارة ماتعة، ورأيت هناك عمودا قريبا من قرية يقال لها بلاق أو براق يسمونها الصقالة، وهو ماتع مجزّع بحمرة ورأسه قد غطّاه الرمل فذرعت ما ظهر منه فكان خمسة وعشرين ذراعا، وهو مربّع، كل وجه منه سبعة أذرع، وفي النيل هناك موضع ضيق ذكر أنهم أرادوا أن يعملوا جسرا على ذلك الموضع، وذكر آخرون أنّه أخو عمود السواري الذي بالاسكندرية، وقال الحسن بن إبراهيم المصري: بأسوان من التمور المختلفة وأنواع الأرطاب، وذكر بعض العلماء أنه
كشف أرطاب أسوان فما وجد شيئا بالعراق إلا وبأسوان مثله، وبأسوان ما ليس بالعراق، قال:
وأخبرني أبو رجاء الأسواني، وهو احمد بن محمد الفقيه صاحب قصيدة البكرة، أنه يعرف بأسوان رطبا أشدّ خضرة من السّلق. وأمر الرشيد أن تحمل إليه أنواع التمور من أسوان من كل صنف تمرة واحدة فجمعت له ويبة، وليس بالعراق هذا ولا بالحجاز، ولا يعرف في الدنيا بسر يصير تمرا ولا يرطب إلّا بأسوان، ولا يتمر من بلح قبل أن يصير بسرا إلّا بأسوان، قال: وسألت بعض أهل أسوان عن ذلك، فقال لي: كل ما تراه من تمر أسوان ليّنا فهو مما يتمر بعد أن يصير رطبا، وما رأيته أحمر مغير اللون فهو مما يتمر بعد أن صار بسرا، وما وجدته أبيض فهو مما يتمر بعد أن صار بلحا، وقد ذكرها البحتري في مدحه خمارويه بن طولون:
«هل يلقينّي إلى رباع أبي ال *** جيش خطار التغوير، أو غرره»
«وبين أسوان والعراق زها *** رعيّة، ما يغبّها نظره»
وقد نسب إلى أسوان قوم من العلماء، منهم: أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن أبي حاتم الأسواني حدث عن محمد بن المتوكل بن أبي السري، روى عنه أبو عوانة الإسقراييني وأبو يعقوب إسحاق بن إدريس الأسواني من أهل البصرة، كان يسوق الحديث، والقاضي أبو الحسن أحمد بن عليّ بن إبراهيم بن الزبير الغسّاني الأسواني الملقب بالرشيد صاحب الشعر والتصانيف، ولي ثغر الإسكندرية وقتل ظلما في سنة 563. كذا نسبه السلفي وكتب عنه، وأخوه المهذّب أبو محمد الحسن بن عليّ كان أشعر من أخيه وهو مصنف كتاب النسب، مات سنة 561، وأبو الحسن فقير بن موسى بن فقير الأسواني حدث بمصر عن محمد بن سليمان بن أبي فاطمة، وحدث عن أبي حنيفة قحزم بن عبد الله بن قحزم الأسواني عن الشافعي بحكاية، حدث عنه أبو بكر محمد بن إبراهيم ابن المقري الأصبهاني في معجم شيوخه.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
33-معجم البلدان (الأشاءة)
الأَشَاءَةُ:بالفتح، وبعد الألف همزة مفتوحة، وتاء التأنيث: موضع، أظنّه باليمامة أو ببطن الرمّة، قال زياد بن منقذ العدويّ:
«يا ليت شعري عن جنبي مكشّحة، *** وحيث تبنى من الحنّاءة الأطم»
«عن الأشاءة هل زالت مخارمها، *** أم هل تغير من آرامها إرم؟»
قالوا: الحنّاءة الجصّ، والأشاءة في الأصل صغار النخل، وقال إسمعيل بن حماد: الأشاءة همزته منقلبة عن الياء لأنّ تصغيره أشيّ، وقد ردّ ابن جنّي هذا وأعظمه، وقال: ليس في الكلام كلمة فاؤها وعينها همزتان ولا عينها ولامها أيضا همزتان بل قد جاءت أسماء محصورة فوقعت الهمزة فيها فاء ولاما وهي أاءة وأجأ، وأخبرني أبو علي أنّ محمد بن حبيب حكى في اسم علم أتاءة، وذهب سيبويه في قولهم ألاءة وأشاءة إلى أنهما فعالة مما لامه همزة، فأما أباءة فذكر أبو بكر محمد بن السري فيما حدثني به أبو عليّ عنه أنها من ذوات الياء من أبيت فأصلها عنده أباية ثم عمل فيها ما عمل في عباية وصلاية وعطاية حتى صرن عباءة وصلاءة وعطاءة في قول من همز، ومن لم يهمز، أخرجهن على أصولهن وهو القياس اللغوي، وإنما حمل أبا بكر على هذا الاعتقاد في أباءة أنها من الياء وأصلها أباية المعنى الذي وجده في أباءة من أبيت وذلك أنّ الأباءة هي الأجمة وهي القصبة، والجمع بينها وبين أبيت أن الأجمة ممتنعة بما ينبت فيها من القصب وغيره من السلوك والتصرف، وخالفت بذلك حكم البراح والبراز وهو النّقيّ من الأرض، فكأنها أبت وامتنعت على سالكها فمن ههنا حملها عندي على أبيت، فأما ما ذهب إليه سيبويه أنّ ألاءة وأشاءة مما لامه همزة، فالقول فيه عندي أنه عدل بهما عن أن يكونا من الياء كعباءة وصلاءة وعطاءة لأنه وجدهم يقولون عباءة وعباية وصلاءة وصلاية وعطاءة وعطاية فيهن على أنها بدل الياء التي ظهرت فيهن لاما، ولما لم يسمعهم يقولون أشاية ولا ألاية ورفضوا فيهما الياء البتة دلّه ذلك على أن الهمزة فيهما لام أصلية غير منقلبة عن واو ولا ياء، ولو كانت الهمزة فيهما بدلا لكانوا خلقاء أن يظهروا ما هو بدل منه ليستدلوا به عليهما كما فعلوا ذلك في عباءة وأختيها، وليس في ألاءة وأشاءة من الاشتقاق من الياء ما في أباءة من كونها في معنى أبية، فلهذا جاز لأبي بكر أن يزعم أن همزتها من الياء وإن لم ينطقوا فيها بالياء.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
34-معجم البلدان (برطاس)
بُرْطاسُ:بالضم: اسم لأمّة لهم ولاية واسعة تعرف بهم، تنسب إليها الفراء البرطاسية، وهم متاخمون للخزر وليس بينهما أمة أخرى، وهم قوم مفترشون على وادي إتل. وبرطاس: اسم للناحية والمدينة، وهم مسلمون ولهم مسجد جامع، وبالقرب منها مدينة تسمى سوارا فيها أيضا مسجد جامع، وبالقرب منها مدينة تسمى سوارا فيها أيضا مسجد جامع، ولأهل برطاس لسان مفرد ليس بتركيّ ولا خزريّ ولا بلغاري، قال الاصطخري: وأخبرني من كان يخطب بها ان مقدار الناس من المدينتين نحو عشرة آلاف رجل لهم ابنية خشب يأوون إليها في الشتاء، وأما في الصيف فإنهم يفترشون في الخركاهات، قال الخاطب:
وان الليل عندهم لا يتهيأ أن يسار فيه في الصيف
أكثر من فرسخ، ومن إتل مدينة الخزر الى برطاس مسيرة عشرين يوما ومن أول مملكة برطاس إلى آخرها نحو خمسة عشر يوما.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
35-معجم البلدان (بست)
بُسْت:بالضم: مدينة بين سجستان وغزنين وهراة، وأظنّها من أعمال كابل، فإن قياس ما نجده من أخبارها في الأخبار والفتوح كذا يقتضي، وهي من البلاد الحارة المزاج، وهي كبيرة، ويقال لناحيتها
اليوم: كرم سير، معناه النواحي الحارة المزاج، وهي كثيرة الأنهار والبساتين إلّا أن الخراب فيها ظاهر، وسئل عنها بعض الفضلاء فقال: هي كتثنيتها يعني بستان، وقد خرج منها جماعة من أعيان الفضلاء، منهم: الخطابي أبو سليمان أحمد بن محمد البستي صاحب معالم السنن وغ
«إذا قيل: أيّ الأرض في الناس زينة؟ *** أجبنا وقلنا: أبهج الأرض بستها»
«فلو أنني أدركت يوما عميدها *** لزمت يد البستيّ دهرا، وبستها»
وقال كافور بن عبد الله الإخشيدي الخصيّ اللّيثي الصّوري:
«ضيّعت أيامي ببست، وهمّتي *** تأبى المقام بها على الخسران»
«وإذا الفتى في البؤس أنفق عمره، *** فمن الكفيل له بعمر ثان؟»
وأبو حاتم محمد بن حبّان بن معاذ بن معبد بن سعيد ابن شهيد التميمي، كذا نسبه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد البخاري المعروف بغنجار، ووافقه غيره إلى معبد، ثم قال: ابن هدبة بن مرة بن سعد ابن يزيد بن مرة بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مرّ بن أدّ ابن طابخة بن الياس بن مضر الامام العلامة الفاضل المتقن، كان مكثرا من الحديث والرحلة والشيوخ، عالما بالمتون والأسانيد، أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره، ومن تأمّل تصانيفه تأمّل منصف علم أن الرجل كان بحرا في العلوم، سافر ما بين الشاش والإسكندرية، وأدرك الأئمة والعلماء والأسانيد العالية، وأخذ فقه الحديث والفرض على معانيه عن إمام الأئمة أبي بكر ابن خزيمة، ولازمه وتلمذ له، وصارت تصانيفه عدّة لأصحاب الحديث غير أنها عزيزة الوجود، سمع ببلده بست أبا أحمد إسحاق بن ابراهيم القاضي وأبا الحسن محمد بن عبد الله ابن الجنيد البستي، وبهراة أبا بكر محمد بن عثمان بن سعد الدارمي، وبمرو أبا عبد الله وأبا عبد الرحمن عبد الله بن محمود بن سليمان السعدي وأبا يزيد محمد بن يحيى بن خالد المديني، وبقرية سنج أبا علي الحسين بن محمد بن مصعب السنجي وأبا عبد الله محمد بن نصر بن ترقل الهورقاني، وبالصغد بما وراء النهر أبا حفص عمر بن محمد بن يحيى الهمداني، وبنسإ أبا العباس الحسن بن سفيان الشيباني ومحمد بن عمر بن يوسف ومحمد بن محمود بن عدي النسويّين، وبنيسابور أبا العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم السرّاج الثّقفي وأبا محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن شيرويه الأزدي، وبأرغيان أبا عبد الله محمد بن المسيب بن إسحاق الأرغياني، وبجرجان عمران بن موسى بن
مجاشع وأحمد بن محمد بن عبد الكريم الوزّان الجرجانيين، وبالرّيّ أبا القاسم العبّاس بن الفضل بن عاذان المقري وعلي بن الحسن بن مسلم الرّازي، وبالكرج أبا عمارة أحمد بن عمارة بن الحجاج الحافظ والحسين بن إسحاق الأصبهاني، وبعسكر مكرم أبا محمد عبد الله بن أحمد
هارون الزّوزني وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن خشنام الشّروطي وجماعة كثيرة لا تحصى.
أخبرنا القاضي الإمام أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الحرستاني اذنا عن أبي القاسم زاهر بن طاره الشّحّامي عن أبي عثمان سعيد البحتري قال: سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: أبو حاتم البستي القاضي كان من أوعية العلم في اللغة والفقه والحديث والوعظ ومن عقلاء الرجال، صنف فخرج له من التصنيف في الحديث ما لم يسبق إليه، وولي القضاء بسمرقند وغيرها من المدن ثم ورد نيسابور سنة 334، وحضرناه يوم جمعة بعد الصلاة فلما سألناه الحديث نظر إلى الناس وأنا أصغرهم سنّا فقال:
استمل، فقلت: نعم، فاستمليت عليه، ثم أقام عندنا وخرج إلى القضاء بنيسابور وغيرها وانصرف إلى وطنه، وكانت الرحلة بخراسان إلى مصنّفاته.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي شفاها قال:
أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي اذنا عن أبي بكر أحمد بن عليّ بن ثابت كتابة قال: ومن الكتب التي تكثر منافعها إن كانت على قدر ما ترجمها به واضعها مصنّفات أبي حاتم محمد بن حبّان البستي التي ذكرها لي مسعود بن ناصر السّجزي ووقفني على تذكرة بأسمائها، ولم يقدّر لي الوصول إلى النظر فيها لأنها غير موجودة بيننا ولا معروفة عندنا، وأنا أذكر منها ما استحسنته سوى ما عدلت عنه واطرحته: فمن ذلك كتاب الصحابة خمسة أجزاء وكتاب التابعين اثنا عشر جزءا وكتاب اتباع التابعين خمسة عشر جزءا وكتاب اتباع التابعين خمسة عشر جزءا وكتاب تبع الاتباع سبعة عشر جزءا وكتاب تبّاع التبع عشرون جزءا وكتاب الفصل بين النقلة عشرة أجزاء وكتاب علل أوهام أصحاب التواريخ عشرة أجزاء وكتاب علل حديث الزّهري عشرون جزءا وكتاب علل حديث مالك عشرة أجزاء وكتاب علل مناقب أبي حنيفة ومثالبه عشرة أجزاء وكتاب علل ما استند إليه أبو حنيفة عشرة أجزاء وكتاب ما خالف الثّوريّ شعبة ثلاثة أجزاء وكتاب ما انفرد فيه أهل المدينة من السّنن عشرة أجزاء وكتاب ما انفرد به أهل مكة من السنن عشرة أجزاء وكتاب ما عند شعبة عن قتادة وليس عند سعيد عن قتادة جزآن وكتاب غرائب الأخبار عشرون جزءا وكتاب ما أغرب الكوفيون عن البصريين عشرة أجزاء وكتاب ما أغرب البصريون عن الكوفيين ثمانية أجزاء وكتاب أسامي من يعرف بالكنى ثلاثة أجزاء وكتاب كنى من يعرف بالاسامي ثلاثة أجزاء وكتاب الفصل والوصل عشرة أجزاء وكتاب التمييز بين حديث النضر الحدّاني والنضر الحزّاز جزآن وكتاب الفصل بين حديث أشعث بن مالك وأشعث بن سوار جزآن وكتاب الفصل بين حديث منصور بن المعتمر ومنصور ابن راذان ثلاثة أجزاء وكتاب الفصل بين مكحول الشامي ومكحول الأزدي جزء وكتاب موقوف ما رفع عشرة أجزاء وكتاب آداب الرجالة جزآن وكتاب ما أسند جنادة عن عبادة جزء وكتاب الفصل بين حديث نور بن يزيد ونور بن زيد جزء وكتاب ما جعل عبد الله بن عمر عبيد الله بن عمر جزآن وكتاب ما جعل شيبان سفيان أو سفيان شيبان ثلاثة أجزاء وكتاب مناقب مالك بن أنس جزآن وكتاب مناقب الشافعي جزآن وكتاب المعجم على المدن عشرة أجزاء وكتاب المقلّين من الحجازيين عشرة أجزاء وكتاب المقلّين من العراقيين عشرون جزءا وكتاب الأبواب المتفرّقة ثلاثون جزءا وكتاب الجمع بين الأخبار المتضادّة جزآن وكتاب وصف
المعدل والمعدّل جزآن وكتاب الفصل بين حدثنا وأخبرنا جزء وكتاب وصف العلوم وأنواعها ثلاثون جزءا وكتاب الهداية إلى علم السنن، قصد فيه إظهار الصناعتين اللتين هما صناعة الحديث والفقه، يذكر حديثا ويترجم له ثم يذكر من يتفرّد بذلك الحديث ومن مفاريد أيّ بلد هو ث
وأخبرني القاضي أبو القاسم الحرستاني في كتابه قال:
أخبرني وجيه بن طاهر الخطيب بقصر الريح اذنا سمعت الحسن بن أحمد الحافظ سمعت أبا بشر
النيسابوري يقول سمعت أبا سعيد الإدريسي يقول سمعت أبا حامد أحمد بن محمد بن سعيد النيسابوري الرجل الصالح بسمرقند يقول: كنّا مع أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في بعض الطريق من نيسابور وكان معنا أبو حاتم البستي، وكان يسأله ويؤذيه، فقال له محمد بن إسحاق بن
سمعت أبا عليّ الحسين بن عليّ الحافظ وذكر كتاب المجروحين لأبي حاتم البستي فقال: كان لعمر بن سعيد بن سنان المنبجي ابن رحل في طلب الحديث وأدرك هؤلاء الشيوخ وهذا تصنيفه، وأساء القول في أبي حاتم، قال: الحاكم أبو حاتم كبير في العلوم وكان يحسد لفضله وتقدّمه، ونقلت من خطّ صديقنا الإمام الحافظ أبي نصر عبد الرحيم بن النفيس بن هبة الله بن وهبان السّلمي الحديثي، وذكر أنه نقله من خطّ أبي الفضل أحمد بن علي بن عمرو السليماني البيكندي الحافظ من كتاب شيوخه، وكان قد ذكر فيه ألف شيخ في باب الكذّابين، قال: وأبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد البستي قدم علينا من سمرقند سنة 330 أو 329، فقال لي: أبو حاتم سهل ابن السري الحافظ لا تكتب عنه فإنه كذّاب، وقد صنف لأبي الطيب المصعبي كتابا في القرامطة حتى قلّده قضاء سمرقند، فلما أخبر أهل سمرقند بذلك أرادوا أن يقتلوه فهرب ودخل بخارى وأقام دلّالا في البزّازين حتى اشترى له ثيابا بخمسة آلاف درهم إلى شهرين، وهرب في الليل وذهب بأموال الناس، قال: وسمعت السليماني الحافظ بنيسابور قال لي:
كتبت عن أبي حاتم البستي؟ فقلت: نعم، فقال.
إياك أن تروي عنه فإنه جاءني فكتب مصنّفاتي وروى عن مشايخي ثم إنه خرج إلى سجستان بكتابه في القرامطة إلى ابن بابو حتى قبله وقلّده أعمال سجستان فمات به، قال السليماني: فرأيت وجهه وجه الكذّابين وكلامه كلام الكذابين، وكان يقول:
يا بني اكتب: أبو حاتم محمد بن حبان البستي إمام الائمة، حتى كتبت بين يديه ثم محوته، قال أبو يعقوب إسحاق بن أبي إسحاق القرّاب: سمعت أحمد ابن محمد بن صالح السجستاني يقول: توفي أبو حاتم محمد بن أحمد بن حبان سنة 354، وعن شيخنا أبي القاسم الحرستاني عن أبي القاسم الشّحّامي عن أبي عثمان سعيد بن محمد البحتري، سمعت محمد بن عبد الله الضّبّيّ يقول: توفي أبو حاتم البستي ليلة الجمعة لثماني ليال بقين من شوّال سنة 354، ودفن بعد صلاة الجمعة في الصّفّة التي ابتناها بمدينة بست بقرب داره، وذكر أبو عبد الله الغنجار الحافظ في تاريخ بخارى أنه مات بسجستان سنة 354، وقبره ببست معروف يزار إلى الآن، فإن لم يكن نقل من سجستان إليها بعد الموت وإلّا فالصواب أنه مات ببست.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
36-معجم البلدان (البسرة)
البَسْرَةُ:بسكون السين: من مياه بني عقيل بنجد بالأعراف أعراف غمرة، فإذا شرب الإنسان من مائها شيئا لم يرو حتى يرسل ذنبه، وليست ملحة جدّا ولكنها غليظة، قال أبو زياد الكلابي: وأخبرني غير واحد أنهم يردونها فيستقبل أحدهم فرغ الدّلو فلا يروى حتى يرسل ذنبه ولا يملكه أي أنها تسهل البطن، قال: وهي وهط من عرفط، والوهط: جماعة العرفط، وهو مختصر لحياضها قريبا، وتشربه الإبل والماشية فلا يضرها ولا يغيرها، فوردها قوم وهم لا يدرون كنه مائها وهم عطاش، فوقعوا في الماء يسقون ويشربون فنزل بهم أمر عظيم، فجعلوا يشربون ولا يقرّ في بطونهم، فظلوا بيوم لم يظلوا بيوم مثله قط، ثم راحوا واستقوا منها في أسقيتهم، فقال أحدهم حين راحوا:
«أسوق عيرا تحمل المشيّا، *** ماء من البسرة أحوزيّا»
«تعجل ذا القبّاضة الوحيّا *** أن يرفع المبرز عنه شيّا»
المشيّ والمشوّ: الدواء الذي يسهل. والأحوزي:
السريع. وأهل ذلك الماء من أصح بني عقيل وأحسنهم أجساما، وقد مرنوا عليه مرونا إلا أن أحدهم إذا فقده أياما ثم عاد إليه فشرب منه أرسل ذنبه مرة، وأهل هذا الماء بنو عبادة بن عقيل رهط ليلى الأخيلية.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
37-معجم البلدان (جذم)
جَذَمُ:بالتحريك والجذم القطع: أرض في بلاد فهم بن عمرو بن قيس عيلان قال قيس بن العيزارة الهذلي يخاطب تأبّط شرّا:
«أثابت أم خلّفت أختك عاتقا، *** تجمّع عند المومسات أيورها»
«وأخبرني أبو المضلّل أنها *** قفا جذم، يهدي السباع زفيرها»
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
38-معجم البلدان (حجور)
حَجُور:بالفتح، يجوز أن يكون فعولا بمعنى فاعل من الحجر، كأنه مكثر في هذا المكان الحجر أي المنع، مثل شكور بمعنى شاكر، وناقة حلوب بمعنى كثيرة الحلب. حجور: موضع في ديار بني سعد بن زيد مناة بن تميم وراء عمان، قال الفرزدق:
«لو كنت تدري ما برمل مقيّد *** بقرى عمان، إلى ذوات حجور»
ورواه بعضهم بضم أوله وزعم أنه مكان يقال له حجر فجمعه بما حوله. وحجور أيضا: موضع باليمن سمي بحجور بن أسلم بن عليان بن زيد بن جشم بن حاشد ابن جشم بن خيوان بن نوف بن همدان، وأخبرني الثقة أن باليمن قرب زبيد موضعا يقال له حجوري اليمن، وقد نسب هكذا يزيد بن سعيد أبو عثمان الهمداني الحجوري، روى عنه الوليد بن مسلم.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
39-معجم البلدان (حوار)
حُوَّارُ:بالضم، وتشديد الواو، وهو الأبيض، ومنه الخبز الحوّارى. والحوّار والبشر: موضعان بالجزيرة، عن أبي منصور، وأنشد لابن أحمر:
«لعبت بها هوج يمانية *** فترى معارفها، ولا تدري»
«إن تغد من عدن فأبنية، *** فمقيلها الحوّار والبشر»
وذكر أحمد بن الطيب في رحلة المعتضد إلى الطواحين:
حوّار جبل في غربي جيحان من ثغور الشام، قال:
سمّي بذلك لبياض تربتها، وبذلك سمّي الدقيق الحوّارى، وأخبرني من أثق به من أهل حلب أن الحوّار كورة كبيرة مدينتها البلاط، وهي الآن خراب، ويقولونه حوّار، بفتح الحاء.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
40-معجم البلدان (الدحائل)
الدَّحائلُ:قال أبو منصور: رأيت بالخلصاء ونواحي الدّهناء دحلانا كثيرة وقد دخلت غير دحل منها، وهي خلائق خلقها الله عز وجلّ تحت الأرض يذهب الدحل منها سكّا في الأرض قامة أو قامتين أو أكثر من ذلك ثم يتلجّف يمينا وشمالا، فمرة يضيق ومرة يتسع في صفاة ملساء، ولا تحيك فيها المعاول المحدودة لصلابتها، وقد دخلت منها دحلا فلما انتهيت إلى الماء إذا جوّ من الماء الراكد فيه لم أقف على سعته وعمقه وكثرته لإظلام الدحل تحت الأرض، فاستقيت أنا مع أصحابي من مائه فإذا هو عذب زلال لأنه من ماء السماء يسيل إليه من فوق ويجتمع فيه، قال: وأخبرني جماعة من الأعراب أن دحلان الخلصاء لا تخلو من الماء ولا يستقى منها إلا للشفاء من الخبل لتعذر الاستسقاء منها وبعد الماء فيها من فوهة الدحل، وسمعتهم يقولون دحل فلان الدحل، بالحاء، إذا دخله، والدحائل جمع الجمع، وهو موضع فيما
أحسب بعينه، قال الشاعر:
«ألا يا سيالات الدحائل باللوى! *** عليكنّ من بين السيال سلام»
«ولا زال منهلّ الربيع، إذا جرى *** عليكنّ منه وابل ورهام»
«أرى العيس آحادا إليكنّ بالضحى، *** لهنّ إلى أطلالكنّ بغام»
«وإني لمجلوب لي الشوق كلما *** ترنم، في أفنانكنّ، حمام»
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
41-معجم البلدان (دمياط)
دِمْيَاطُ:مدينة قديمة بين تنّيس ومصر على زاوية بين بحر الروم الملح والنيل، مخصوصة بالهواء الطيب وعمل ثياب الشرب الفائق، وهي ثغر من ثغور الإسلام، جاء في الحديث عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله، صلى الله
عليه وسلم: يا عمر إنه سيفتح على يديك بمصر ثغران الإسكندرية ودمياط، فأما الإسكندرية فخرابها من البربر، وأما دمياط فهم صفوة من شهداء من رابطها ليلة كان معي في حظيرة القدس مع النبيّين والشهداء، ومن شمالي دمياط يصبّ ماء النيل إلى البحر الملح في موضع يقال ل
ومن طريف أمر دمياط في قبليّها على الخليج مستعمل فيه غرف تعرف بالمعامل، يستأجرها الحاكة لعمل ثياب الشرب فلا تكاد تنجب إلّا بها، فإن عمل بها ثوب وبقي منه شبر ونقل إلى غير هذه المعامل علم بذلك السمسار المبتاع للثوب فينقص من ثمنه لاختلاف جوهر الثوب عليه، وقال ابن زولاق: يعمل بدمياط القصب البلخي من كل فنّ، والشرب لا يشارك تنيس في شيء من عملها، وبينهما مسيرة نصف نهار، ويبلغ الثوب الأبيض بدمياط وليس فيه ذهب ثلاثمائة دينار، ولا يعمل بدمياط مصبوغ ولا بتنيس أبيض، وهما حاضرتا البحر، وبهما من صيد السمك والطير والحيتان ما ليس في بلد، وأخبرني بعض وجوه التجار وثقاتهم أنه بيع في سنة 398 حلّتان دمياطيتان بثلاثة آلاف دينار، وهذا مما لم يسمع بمثله في بلد، وبها الفرش القلموني من كل لون المعلم والمطرّز ومناشف الأبدان والأرجل، وتتحف لجميع ملوك الأرض، وفي أيام المتوكل سنة 238 وولاية عنبسة بن إسحاق الضبي على مصر تهجّم الروم على دمياط في يوم عرفة فملكوها وما فيها وقتلوا بها جمعا كثيرا من المسلمين وسبوا النساء والأطفال وأهل الذمة فنفر إليهم عنبسة بن إسحاق عشية يوم النحر في جيشه ومعه نفر كثير من الناس فلم يدركوهم ومضى الروم إلى تنيس فأقاموا بأشتومها فلم يتبعهم عنبسة، فقال يحيى بن الفضيل للمتوكل:
«أترضى بأن يوطأ حريمك عنوة، *** وأن يستباح المسلمون ويحربوا؟»
«حمار أتى دمياط، والروم رتّب *** بتنيس، منه رأي عين وأقرب»
«مقيمون بالأشتوم يبغون مثل ما *** أصابوه من دمياط، والحرب ترتب»
«فما رام من دمياط سيرا، ولا درى *** من العجز ما يأتي وما يتجنّب»
«فلا تنسنا، إنا بدار مضيعة *** بمصر، وإن الدين قد كاد يذهب»
فأمر المتوكل ببناء حصن دمياط، ولم يزل بعد في أيدي المسلمين إلى أن كان شهر ذي القعدة سنة 614 فإن الأفرنج قدموا من وراء البحر وأوقعوا بالملك العادل أبي بكر بن أيوب وهو نازل على بيسان فانهزم منهم إلى خسفين، فعاد الأفرنج إلى عكا فأقاموا بها أياما وخرجوا إلى الطور فحاصروه، وكان قد عمّر فيه الملك المعظم ابن الملك العادل قلعة
حصينة غرم فيها مالا وافرا، فحاصروه مدة فقتل عليه أمير من أمراء المسلمين يعرف ببدر الدين محمد ابن أبي القاسم الهكّاري وقتل كند من أكناد الأفرنج كبير مشهور فيهم، فتشاءموا بالمقام على الطور ورجعوا إلى عكا واختلفوا هناك، فقال ملك الهنكر: الرأي أنا نمضي إلى
وطول دمياط ثلاث وخمسون درجة ونصف وربع، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وربع وسدس، وينسب إلى دمياط جماعة، منهم: بكر بن سهل ابن إسماعيل بن نافع أبو محمد الدمياطي مولى بني هاشم، سمع بدمشق صفوان بن صالح، وببيروت سليمان بن أبي كريمة البيروتي، وبمصر أبا صالح عبد الله ابن صالح كاتب الليث وعبد الله بن يوسف التنيسي وغيرهم، وروى عنه أبو العباس الأصمّ وأبو جعفر الطحاوي الطبراني وجماعة سواهم، قال أبو سليمان ابن زبر: مات بدمياط في ربيع الأول سنة 289، وذكر غير ابن زبر أنه توفي بالرملة بعد عوده من الحجّ، وأن مولده سنة 196.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
42-معجم البلدان (رضوى)
رَضْوَى:بفتح أوّله، وسكون ثانيه، قال أبو منصور:
ومن أسماء النساء رضيّا وتكبيرها رضوى: وهو جبل بالمدينة، والنسبة إليه رضويّ، بالفتح والتحريك، وقال النبيّ، صلى الله عليه وسلّم: رضوى، رضي الله عنه، وقدس، قدّسه الله، وأحد جبل يحبنا ونحبّه جاءنا سائرا متعبّدا له تسبيح يزفّ زفّا، وقال عرّام بن الأصبغ السّلمي: رضوى جبل، وهو من ينبع على مسيرة يوم ومن المدينة على سبع مراحل، ميامنه طريق مكّة ومياسره طريق البريراء لمن كان مصعدا إلى مكّة، وهو على ليلتين من البحر ويتلوه عزور، وبينه وبين رضوى طريق المعرقة تختصره العرب إلى الشام ووادي الصفراء منه من ناحية مطلع الشمس على يوم، وقال ابن السكيت: رضوى قفاه حجارة وبطنه غور يضربه الساحل، وهو جبل عند ينبع لجهينة بينه وبين الحوراء، والحوراء:
فرضة من فرض البحر ترفأ إليها سفن مصر، وقال أبو زيد: وقرب ينبع جبل رضوى، وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية، ورأيته من ينبع أخضر، وأخبرني من طاف في شعابه أن به مياها كثيرة وأشجارا، وهو الجبل الذي يزعم الكيسانية أن محمد بن الحنفيّة به مقيم حيّ يرزق، ومن رضوى يقطع حجر المسنّ ويحمل إلى الدنيا كلّها، وبقربه فيما بينه وبين ديار جهينة ممّا يلي البحر ديار للحسينيين حزرت بيوت الشعر التي يسكنونها نحوا من سبعمائة بيت، وهم بادية مثل الأعراب ينتقلون في المياه والمراعي لا يميز بينهم وبين بادية الأعراب في خلق ولا خلق، وتتصل ديارهم ممّا يلي الشرق بودّان.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
43-معجم البلدان (الضمد)
الضَّمْدُ:بفتح أوّله، وسكون ثانيه وروي في الحديث بالتحريك، فالضمد، بالسكون: رطب النبت ويابسه، والضمد: جمع المرأة بين خليلين، والضمد: المداجاة، وأمّا الضّمد، بالتحريك: فهو يبس الدم على الدابة من جرح أو غيره، والضّمد أيضا: الحقد، والضمد أيضا: موضع بناحية اليمن بين اليمن ومكّة على
الطريق التهامي، وفي بعض الأخبار: أن رجلا سأل رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، عن البداوة فقال:
اتّق الله ولا يضرّك أن تكون بجانب الضمد من جازان، وفي حديث آخر عن أبي هريرة أن وفد عبس قالوا: بلغنا أنّه لا إسلام لمن لا هجرة له، فقال النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، مثله، وقال ابن السكيت: الضمد أرض، حكاه الأديبي، وأخبرني أبو الربيع سلمان بن الرّيحاني أنّه رأى ضمد، بالتحريك، وأنّها من قرى عثر من جهة الجبل.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
44-معجم البلدان (القفس)
القُفْسُ:بالضم ثم السكون، والسين المهملة، وأكثر ما يتلفّظ به غير أهله بالصاد، وهو اسم عجميّ، وهو بالعربية جمع أقفس، وهو اللئيم مثل أشهل وشهل، قال الليث: القفس جيل بكرمان في حيالها كالأكراد يقال لهم القفس والبلوص، قال الراجز يذكره والمشتقّ منه:
«وكم قطعنا من عدوّ شرس *** زطّ وأكراد وقفس قفس»
قال الرّهني: القفس جبل من جبال كرمان مما يلي البحر وسكانه من اليمانية ثم من الأزد بن الغوث ثم من ولد سليمة بن مالك بن فهم، وولده لم يكونوا في جزيرة العرب على دين العرب للاعتراف بالمعاد والإقرار بالبعث ولا كانوا مع ذلك على دينهم في عبادة طواغيتهم التي كانوا يعبدونها من الأوثان والأصنام ثم انتقلوا إلى عبادة النيران فلم يعبدوها أيضا عندهم وفي قدرتهم، ثم فتحت كرمان على عهد عثمان بن عفان، رضي الله عنه، فلم يظهر لأحد منهم من ذلك الزمان إلى هذا الزمان ما يوجب لهم اسم نحلة وعقد ولا اسم ذمة وعهد، ولم يكن في جبالهم التي هي مأواهم بيت نار ولا فهر يهود ولا بيعة نصارى ولا مصلّى مسلم إلا ما عساه بناه في جبالهم الغزاة لهم، وأخبرني مخبر أنه أخرج من جبالهم الأصنام الكثيرة ولم أتحققه، قال الرّهني: وإني وجدت الرحمة في الإنسان وإن تفاوت أهلها فيها فليس أحد منهم يعرى من شيء منها فكأنها خارجة من الحدود التي يميز بها الإنسان من جميع الحيوان كالعقل والنطق اللذين جعلا سببا للأمر والزجر ولأن الرحمة وإن كانت من نتائج قلب ذي الرحمة ولذلك في هذه الخلة التي كأنها في الإنسان صفة لازمة كالضحك فلم أجد في القفس منها قليلا ولا كثيرا، فلو أخرجناهم بذلك عن حد من حدود الإنسان لكان جائزا ولو جعلناهم من جنس ما يصاد ويرمى لا من جنس ما يغزى ويدعى ويؤمر وينهى إذا ما كان على ما بان لنا وظهر وانكشف وشهر أنه لم يصلح إلى سياسة سائس ولا دعوة داع وهداية هاد ولم يعلق بقلوبهم ما يعلق بقلوب من هو مختار للخير والشر والإيمان والكفر كأن السبع الذي يقتل في الحرم والحلّ وفي السرق والأمن ولا يستبقى للاستصلاح
والاستحياء للإصلاح أشبه منه بالإنسان الذي يرجى منه الارعواء عن الجهالة والنزوع من البطالة والانتقال من حالة إلى حالة، قال: وولد مالك بن فهم ثمانية:
فراهيد والخمام والهناءة ونوى والحارث ومعن وسليمة وجذيمة الأبرش بنو مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، قال:
والمتمرد من ولد عمرو بن عامر بوادي سبا هو جد القفس، وذلك أن سليمة بن مالك هو قاتل أبيه مالك بن فهم وهو الفار من إخوته بولده وأهله من ساحل العرب إلى ساحل العجم مما يلي مكران والقاطن بعد في تلك الجبال، قال الرّهني: وأردنا بذكر هذه الأمور التي بينّاها من القفس لندل على أنهم لم يكن لهم قط في جاهلية ولا إسلام ديانة يعتمدونها، وليعلم الناس أنهم مع هذه الأحوال يعظمون من بين جميع الناس عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، لا لعقد ديانة ولكن لأمر غلب على فطرتهم من تعظيم قدره واستبشارهم عند وصفه، قال البشاري: الجبال المذكورة بكرمان جبال القفص والبلوص والقارن ومعدن الفضة، وجبال القفص شمالي البحر من خلفها جروم جيرفت والروذبار وشرقيها الاخواس ومفازة بين القفص ومكران وغربيها البلوص ونواحي هرمز، ويقال إنها سبعة أجبل وإن بها نخلا كثيرا وخصبا ومزارع وإنها منيعة جدّا والغالب عليهم النحافة والسمرة وتمام الخلقة يزعمون أنهم عرب، وهم مفسدون في الأرض، وبين أقاليم الأعاجم مفازة وجبال ليس بها نهر يجري ولا رستاق ولا مدينة مشهورة يسكنها الذّعّار صعبة المسلك، وفيها طرق تسلك من بعض النواحي إلى بعض فلذلك قد عمل فيها حياض ومصانع أكثرها من خراسان وبعضها من كرمان وفارس والجبال والسند وسجستان، والذعّار بها كثير لأنهم إذا قطعوا في عمل هربوا إلى الآخر وكمنوا في كركس كوه وسياه كوه حيث لا يقدر عليهم وليس بها من المدن المعروفة إلا سفند، وهي من حدود سجستان، ويحيط بهذه الجبال والمفاوز الموحشة من المدن المعروفة من كرمان خبيص ونرماسير، ومن فارس يزد وزرند، ومن أصبهان إلى أردستان والجبال قمّ وقاشان، ومن قوهستان طبس وقائن، ومن قومس بيار، قال: ومثلها مثل البحر كيف ما شئت فسر إذا عرفت السمت لأن طرقها مشتهرة مطروقة، قال: وقد خرجنا من طبس نريد فارس فمكثنا فيها سبعين يوما نعدل من ناحية إلى ناحية نقع مرة في طريق كرمان وتارة نقرب من أصبهان فرأيت من الطرق والمعارج ما لا أحصيه، وفي هذه الجبال صرود وجروم ونخيل وزروع، ورأيت أسهلها وأعمرها طريق الرّيّ وأصعبها طريق فارس وأقربها طريق كرمان، وكلها مخيفة من قوم يقال لهم القفص يسيرون إليها من جبال لهم بكرمان، وهم قوم لا خلاق لهم وجوههم وحشة وقلوبهم قاسية وفيهم بأس وجلادة لا يبقون على أحد ولا يقنعون بأخذ المال وإنما يقتلون صاحبه، وكل من ظفروا به قتلوه بالأحجار كما تقتل الحيات، يمسكون رأس الرجل ويضعونه على بلاطة ويضربونه بالحجارة حتى يتفدّغ، وسألتهم: لم تفعلون ذلك؟ فقالوا: حتى لا تفسد سيوفنا، فلا يفلت منهم أحد إلا نادرا، ولهم مكامن وجبال يمتنعون بها، وقتالهم بالنشاب ومعهم سيوف، وكان البلوص شرّا منهم فتتبعهم عضد الدولة حتى أفناهم وصمد لهؤلاء فقتل منهم كثيرا وشرّدهم ولا يزال أبدا عند المتملك على فارس رهائن منهم كلما ذهب قوم استعاد قوما، وهم أصبر خلق الله على
الجوع والعطش وأكثر زادهم شيء يتخذونه من النّبق ويجعلونه مثل الجوز يتقوتون به، ويدّعون الإسلام وهم أشد على المسلمين من الروم والترك، ومن رسمهم أنهم إذا أسروا رجلا حملوه على العدو معهم عشرين فرسخا حافي القدم جائع الكبد، وهم مع ذلك رجّالة لا رغبة لهم في ا
إنهم إنما يستحلون أخذ ما يأخذونه بتأويل أنها أموال غير مزكاة وأنهم محتاجون إليه فأخذها واجب عليهم وحقّ لهم.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
45-معجم البلدان (واسط)
واسِطٌ:في عدة مواضع: نبدأ أولا بواسط الحجاج لأنه أعظمها وأشهرها ثم نتبعها الباقي، فأوّل ما نذكر لم سميت واسطا ولم صرفت: فأما تسميتها فلأنها متوسطة بين البصرة والكوفة لأن منها إلى كل واحدة منهما خمسين فرسخا، لا قول فيه غير ذلك إلا ما ذهب إليه بعض أهل اللغة حكاية عن الكلبي أنه كان قبل عمارة واسط هناك موضع يسمّى واسط قصب، فلما عمّر الحجاج مدينته سمّاها باسمها، والله أعلم، قال المنجمون: طول واسط إحدى وسبعون درجة وثلثان، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلث، وهي في الإقليم الثالث، قال أبو حاتم:
واسط التي بنجد والجزيرة يصرف ولا يصرف، وأما واسط البلد المعروف فمذكّر لأنهم أرادوا بلدا واسطا أو مكانا واسطا فهو منصرف على كل حال والدليل على ذلك قولهم واسطا بالتذكير ولو ذهب به إلى التأنيث لقالوا واسط، قالوا: وقد يذهب به مذهب البقعة والمدينة فيترك صرفه، وأنشد سيبويه في ترك الصرف:
«منهنّ أيام صدق قد عرفت بها *** أيام واسط والأيام من هجرا»
ولقائل أن يقول: إنه لم يرد واسط هذه، فيرجع إلى
ما قاله أبو حاتم، قال الأسود: وأخبرني أبو النّدى قال: إن للعرب سبعة أواسط: واسط نجد، وهو الذي ذكره خداش بن زهير حيث قال:
«عفا واسط كلّاؤه فمحاضره *** إلى حيث نهيا سيله فصدائره»
وواسط الحجاز، وهو الذي ذكره كثيّر فقال:
«أجدّوا فأما أهل عزّة غدوة *** فبانوا وأما واسط فمقيم»
وواسط الجزيرة، قال الأخطل:
«كذبتك عينك أم رأيت بواسط *** غلس الظلام من الرّباب خيالا؟»
وقال أيضا:
«عفا واسط من أهل رضوى فنبتل *** فمجتمع الحرّين فالصبر أجمل»
وواسط اليمامة، وهو الذي ذكره الأعشى، وواسط العراق، قال: وقد نسيت اثنين، وأول أعمال واسط من شرقي دجلة فم الصلح ومن الجانب الغربي زرفامية، وآخر أعمالها من ناحية الجنوب البطائح وعرضها الخيثمية المتصلة بأعمال باروسما وعرضها من ناحية الجانب الشرقي عند أعمال الطيب، وقال يحيى بن مهدي بن كلال: شرع الحجاج في عمارة واسط في سنة 84 وفرغ منها في سنة 86 فكان عمارتها في عامين في العام الذي مات فيه عبد الملك بن مروان، ولما فرغ منها كتب إلى عبد الملك: إني اتخذت مدينة في كرش من الأرض بين الجبل والمصرين وسمّيتها واسطا، فلذلك سمّي أهل واسط الكرشيّين، وقال الأصمعي: وجّه الحجاج الأطبّاء ليختاروا له موضعا حتى يبني فيه مدينة فذهبوا يطلبون ما بين عين التمر إلى البحر وجوّلوا العراق ورجعوا وقالوا: ما أصبنا مكانا أوفق من موضعك هذا في خفوف الريح وأنف البرّيّة، وكان الحجاج قبل اتخاذه واسطا أراد نزول الصين من كسكر وحفر بها نهر الصين وجمع له الفعلة ثم بدا له فعمّر واسطا ثم نزل واحتفر النيل والزاب وسمّاه زابا لأخذه من الزاب القديم وأحيا ما على هذين النهرين من الأرضين ومصر مدينة النيل، وقال قوم: إن الحجاج لما فرغ من حروبه استوطن الكوفة فآنس منهم الملال والبغض له، فقال لرجل ممن يثق بعقله:
امض وابتغ لي موضعا في كرش من الأرض أبني فيه مدينة وليكن على نهر جار، فأقبل ملتمسا ذلك حتى سار إلى قرية فوق واسط بيسير يقال لها واسط القصب فبات بها واستطاب ليلها واستعذب أنهارها واستمرأ طعامها وشرابها فقال: كم بين هذا الموضع والكوفة؟ فقيل له: أربعون فرسخا، قال: فإلى المدائن؟ قالوا: أربعون فرسخا، قال: فإلى الأهواز؟ قالوا: أربعون فرسخا، قال: فللبصرة؟
قالوا: أربعون فرسخا، قال: هذا موضع متوسط، فكتب إلى الحجاج بالخبر ومدح له الموضع، فكتب إليه: اشتر لي موضعا ابني فيه مدينة، وكان موضع واسط لرجل من الدهاقين يقال له داوردان فساومه بالموضع فقال له الدهقان: ما يصلح هذا الموضع للأمير، فقال: لم؟ فقال: أخبرك عنه بثلاث خصال تخبره بها ثم الأمر إليه، قال: وما هي؟ قال: هذه بلاد سبخة البناء لا يثبت فيها، وهي شديدة الحرّ والسموم وإن الطائر لا يطير في الجوّ إلا ويسقط لشدّة الحر ميتا، وهي بلاد أعمار أهلها قليلة، قال: فكتب بذلك إلى الحجاج، فقال: هذا رجل يكره مجاورتنا فأعلمه أنّا سنحفر بها الأنهار ونكثر من البناء والغرس فيها ومن الزرع حتى تعذو وتطيب، وأما
قوله إنها سبخة وإن البناء لا يثبت فيها فسنحكمه ثم نرحل عنه فيصير لغيرنا، وأما قلة أعمار أهلها فهذا شيء إلى الله تعالى لا إلينا، وأعلمه أننا نحسن مجاورتنا له ونقضي ذمامه بإحساننا إليه، قال: فابتاع الموضع من الدهقان وابتدأ في البناء في أول سنة 83 واستتمه
وحدّث عليّ بن حرب الموصلي عن أبي البختري وهب عن عمرو بن كعب بن الحارث الحارثي قال:
سمعت خالي يحيى بن الموفق يحدث عن مسعدة بن صدقة العبدي قال: أنبأنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا سماك بن حرب قال: استعملني الحجاج بن يوسف على ناحية بادوريا، فبينما أنا يوما على شاطئ دجلة ومعي صاحب لي إذا أنا برجل على فرس من الجانب الآخر فصاح باسمي واسم أبي، فقلت: ما تشاء؟ فقال: الويل لأهل مدينة تبنى ههنا، ليقتلنّ فيها ظلما سبعون ألفا! كرّر ذلك ثلاث مرّات ثم أقحم فرسه في دجلة حتى غاب في الماء، فلما كان من قابل ساقني القضاء إلى ذلك الموضع فإذا أنا برجل على فرس فصاح بي كما صاح في المرّة الأولى وقال كما قال وزاد: سيقتل من حولها ما يستقلّ الحصى لعددهم، ثم أقحم فرسه في الماء حتى غاب، قال: وكانوا يرون أنها واسط وما قتل الحجاج فيها، وقيل إنه أحصي في محبس الحجاج ثلاثة وثلاثون ألف إنسان لم يحبسوا في دم ولا تبعة ولا دين وأحصي من قتله صبرا فبلغوا مائة وعشرين ألفا، ونقل الحجاج إلى قصره والمسجد الجامع أبوابا من الزند ورد والدّوقرة ودير ماسرجيس وسرابيط فضجّ أهل هذه المدن وقالوا:
قد غصبتنا على مدائننا وأموالنا، فلم يلتفت إلى قولهم، قالوا: وأنفق الحجاج على بناء قصره والجامع والخندقين والسور ثلاثة وأربعين ألف ألف درهم، فقال له كاتبه صالح بن عبد الرحمن: هذه نفقة كثيرة وإن احتسبها لك أمير المؤمنين وجد في نفسه، قال: فما نصنع؟
قال: الحروب لها أجمل، فاحتسب منها في الحروب بأربعة وثلاثين ألف ألف درهم واحتسب في البناء تسعة آلاف ألف درهم، قال: ولما فرغ منه وسكنه أعجبه إعجابا شديدا، فبينما هم ذات يوم في مجلسه إذ أتاه بعض خدمه فأخبره أن جارية من جواريه وقد كان مائلا إليها قد أصابها لمم فغمّه ذلك ووجّه إلى الكوفة في إشخاص عبد الله بن هلال الذي يقال له صديق إبليس، فلما قدم عليه أخبره بذلك فقال: أنا أحل السحر عنها، فقال له: افعل، فلما زال ما كان بها قال الحجاج: ويحك إني أخاف أن يكون هذا القصر محتضرا! فقال له: أنا أصنع فيه شيئا فلا ترى ما تكرهه، فلما كان بعد ثلاثة أيام جاء عبد الله بن هلال يخطر بين الصفين وفي يده قلّة مختومة فقال: أيها الأمير تأمر بالقصر أن يمسح ثم تدفن هذه القلة في وسطه فلا ترى فيه ما تكرهه أبدا، فقال الحجاج له: يا ابن هلال وما علامة ذلك؟ قال:
أن يأمر الأمير برجل من أصحابه بعد آخر من أشداء أصحابه حتى يأتي على عشرة منهم فليجهدوا أن يستقلوا بها من الأرض فإنهم لا يقدرون، فأمر الحجاج محضره بذلك فكان كما قال ابن هلال، وكان بين يدي الحجاج مخصرة فوضعها في عروة القلة ثم قال:
بسم الله الرّحمن الرّحيم، إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، ثم شال القلة فارتفعت على المخصرة فوضعها ثم فكّر منكّسا رأسه ساعة ثم التفت إلى عبد الله بن هلال فقال له: خذ قلتك والحق بأهلك، قال: ولم؟ قال:
إن هذا القصر سيخرب بعدي وينزله غيري ويختفر محتفر فيجد هذه القلة فيقول لعن الله الحجاج إنما كان
يبدأ أمره بالسحر، قال: فأخذها ولحق بأهله، قالوا: وكان ذرع قصره أربعمائة في مثلها وذرع مسجد الجامع مائتين في مائتين وصف الرحبة التي تلي صفّ الحدّادين ثلاثمائة في ثلاثمائة وذرع الرحبة التي تلي الجزّارين والحوض ثلاثمائة في مائة والرحبة التي تلي الإضمار ما
لبيك لبيك! وأنفق سبعة آلاف ألف درهم حتى افتتح الهند واستنقذ المرأة وأحسن إليها واتخذ المناظر بينه وبين قزوين، وكان إذا دخّن أهل قزوين دخّنت المناظر إن كان نهارا، وإن كان ليلا أشعلوا نيرانا فتجرّد الخيل إليهم فكانت المناظر متصلة بين قزوين وواسط فكانت قزوين ثغرا حينئذ. وأما قولهم تغافل واسطيّ قال المبرّد: سألت الثوري عنه فقال: إن الحجاج لما بناها قال: بنيت مدينة في كرش من الأرض، كما قدمنا، فسمي أهلها الكرشيّين، فكان إذا مر أحدهم بالبصرة نادوا يا كرشيّ فتغافل عن ذلك ويري أنه لا يسمع أو أن الخطاب ليس معه، ولقد جاءني بخوارزم أحد أعيان أدبائها وسألني عن هذا المثل وقال لي:
قد أطلت السؤال عنه والتفتيش عن معنى قولهم: تغافل واسطي، فلم أظفر به، ولم يكن لي في ذلك الوقت به علم حتى وجدته بعد ذلك فأخبرته ثم وضعته أنا ههنا، ورأيت أنا واسطا مرارا فوجدتها بلدة عظيمة ذات رساتيق وقرى كثيرة وبساتين ونخيل يفوت الحصر، وكان الرخص موجودا فيها من جميع الأشياء ما لا يوصف بحيث أني رأيت فيها كوز زبد بدرهمين واثنتي عشرة دجاجة بدرهم وأربعة وعشرين فروجا بدرهم والسمن اثنا عشر رطلا بدرهم والخبز أربعون رطلا بدرهم واللبن مائة وخمسون رطلا بدرهم والسمك مائة رطل بدرهم وجميع ما فيها بهذه النسبة، وممن ينسب إليها خلف بن محمد بن علي ابن حمدون أبو محمد الواسطي الحافظ صاحب كتاب أطراف أحاديث صحيحي البخاري ومسلم، حدث عن أحمد بن جعفر القطيعي والحسين بن أحمد المديني وأبي بكر الإسماعيلي وغيرهم، روى عنه الحاكم أبو عبد الله وأبو نعيم الأصبهاني وغيرهما، وأنشدني التنوخي للفضل الرقاشي يقول:
«تركت عيادتي ونسيت برّي، *** وقدما كنت بي برّا حفيّا»
«فما هذا التغافل يا ابن عيسى؟ *** أظنّك صرت بعدي واسطيّا»
وأنشدني أحمد بن عبد الرحمن الواسطي التاجر قال:
أنشدني أبو شجاع بن دوّاس القنا لنفسه:
«يا ربّ يوم مرّ بي في واسط *** جمع المسرة ليله ونهاره»
«مع أغيد خنث الدلال مهفهف *** قد كاد يقطع خصره زنّاره»
«وقميص دجلة بالنسيم مفرّك *** كسر تجرّ ذيوله أقطاره»
وأنشدني أيضا لأبي الفتح المانداني الواسطي:
«عرّج على غربيّ واسط إنني *** دائي الدويّ بها وفرط سقامي»
«وطني وما قضّيت فيه لبانتي، *** ورحلت عنه وما قضيت مرامي»
وقال بشار بن برد يهجو واسطا:
«على واسط من ربها ألف لعنة، *** وتسعة آلاف على أهل واسط»
«أيلتمس المعروف من أهل واسط *** وواسط مأوى كلّ علج وساقط؟»
«نبيط وأعلاج وخوز تجمّعوا *** شرار عباد الله من كل غائط»
«وإني لأرجو أن أنال بشتمهم *** من الله أجرا مثل أجر المرابط»
وقال غيره يهجوهم:
«يا واسطيين اعلموا أنني *** بذمّكم دون الورى مولع»
«ما فيكم كلكم واحد *** يعطي ولا واحدة تمنع»
وقال محمد بن الأجلّ هبة الله بن محمد بن الوزير أبي المعالي بن المطلب يلقب بالجرد يذكر واسطا:
«لله واسط ما أشهى المقام بها *** إلى فؤادي وأحلاه إذا ذكرا! »
«لا عيب فيها، ولله الكمال، سوى *** أنّ النسيم بها يفسو إذا خطر! »
وواسط أيضا: قرية متوسطة بين بطن مرّ ووادي نخلة ذات نخيل، قال لي صديقنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود النجار: كنت ببطن مرّ فرأيت نخلا عن بعد فسألت عنه فقيل لي هذه قرية يقال لها واسط، وقال بعض شعراء الأعراب يذكر واسطا في بلادهم:
«ألا أيها الصّمد الذي كان مرّة *** تحلّل سقّيت الأهاضيب من صمد»
«ومن وطن لم تسكن النفس بعده *** إلى وطن في قرب عهد ولا بعد»
«ومنزلتي دلقاء من بطن واسط *** ومن ذي سليل كيف حالكما بعدي»
«تتابع أمطار الربيع عليكما، *** أما لكما بالمالكية من عهد؟»
وواسط أيضا: قرية مشهورة ببلخ، قال إبراهيم ابن أحمد السراج: حدثنا محمد بن إبراهيم المستملي بحديث ذكره محمد بن محمد بن إبراهيم الواسطي واسط بلخ، قال أبو إسحاق المستملي في تاريخ بلخ:
نور بن محمد بن علي الواسطي واسط بلخ وبشير بن ميمون أبو صيفي من واسط بلخ عن عبيد المكتب وغيره حدث عنه قتيبة، وقال أبو عبيدة في شرح قول الأعشى:
«في مجدل شيّد بنيانه *** يزلّ عنه ظفر الطائر»
مجدل: حصن لبني السّمين من بني حنيفة يقال له واسط.
واسط أيضا: قرية بحلب قرب بزاعة مشهورة عندهم وبالقرب منها قرية يقال لها الكوفة.
وواسط أيضا: قرية بالخابور قرب قرقيسيا، وإياها عنى الأخطل فيما أحسب لأن الجزيرة منازل تغلب:
عفا واسط من أهل رضوى فنبتل وواسط أيضا: بدجيل على ثلاثة فراسخ من بغداد، قال الحافظ أبو موسى: سمعت أبا عبد الله يحيى بن
أبي علي البنّاء ببغداد، حدثني القاضي أبو عبد الله محمد ابن أحمد بن شاده الأصبهاني ثم الواسطي، واسط دجيل على ثلاثة فراسخ من بغداد، ومحمد بن عمر بن علي العطار الحربي ثم الواسطي واسط دجيل، روى عن محمد بن ناصر السلامي، روى عنه جماعة، منهم:
محمد بن عبد الغني بن نقطة.
واسط الرّقّة: كان أول من استحدثها هشام بن عبد الملك لما حفر الهنيّ والمريّ، قال أبو الفضل قال أبو علي صاحب تاريخ الرقة: سعيد بن أبي سعيد الواسطي واسم أبيه مسلمة بن ثابت خراسانيّ سكن واسط الرقة وكان شيخا صالحا، حدث أبوه مسلمة عن شريك وغيره، قال أبو علي:
سمعت الميمون يقول ذكروا أن الزهري لما قدم واسط الرقة عبر إليه سبعة من أهل الرقة، وذكر قصة، وواسط هذه: قرية غربي الفرات مقابل الرقة، وقال أبو حاتم: واسط بالجزيرة فهي هذه أو التي بقرقيسيا أو غيرها، قال كثيّر عزة:
«سألت حكيما أين شطّت بها النوى، *** فخبّرني ما لا أحبّ حكيم»
«أجدّوا، فأما آل عزّة غدوة *** فبانوا وأما واسط فمقيم»
«فما للنوى؟ لا بارك الله في النوى! *** وعهد النوى عند الفراق ذميم»
«شهدت لئن كان الفؤاد من النوى *** معنّى سقيما إنني لسقيم»
«فإمّا تريني اليوم أبدي جلادة *** فإني لعمري تحت ذاك كليم»
«وما ظعنت طوعا ولكن أزالها *** زمان بنا بالصالحين غشوم»
«فوا حزني لمّا تفرّق واسط *** وأهل التي أهذي بها وأحوم! »
قال محمد بن حبيب: واسط هذه بناحية الرقة، قاله في شرح ديوان كثير، وأنا أرى أنه أراد واسط التي بالحجاز أو بنجد بلا شك ولكن علينا أن ننقل عن الأئمة ما يقولونه، والله أعلم، وقال ابن السكيت في قول كثير أيضا:
«فإذا غشيت لها ببرقة واسط *** فلوى لبينة منزلا أبكاني»
قال واسط بين العذيبة والصفراء.
وواسط أيضا: من منازل بني قشير لبني أسيدة وهم بنو مالك بن سلمة بن قشير وأسيدة وحيدة من بني سعد بن زيد مناة، وبنو أسيدة يقولون هي عربية.
وواسط أيضا: بمكة، وذكر محمد بن إسحاق الفاكهي في كتاب مكة قال: واسط قرن كان أسفل من جمرة العقبة بين المأزمين فضرب حتى ذهب، قال: ويقال له واسط لأنه بين الجبلين اللذين دون العقبة، قال:
وقال بعض المكيين بل تلك الناحية من بركة القسري إلى العقبة تسمى واسط المقيم، ووقف عبد المجيد بن أبي روّاد بأحمد بن ميسرة على واسط في طريق منى فقال له: هذا واسط الذي يقول فيه كثير عزّة:
... وأما واسط فمقيم وقد ذكر، وقال ابن إدريس قال الحميدي: واسط الجبل الذي يجلس عنده المساكين إذا ذهبت إلى منى، قاله في شرح قول عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي في قصيدته التي أولها:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
«ولم يتربّع واسطا وجنوبه *** إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر»
«وأبدلنا ربي بها دار غربة *** بها الجوع باد والعدوّ محاصر»
قال السهيلي في شرح السيرة قال الفاكهي: يقال إن أول من شهده وضرب فيه قبّة خالصة مولاة الخيزران.
وواسط أيضا: بالأندلس بليدة من أعمال قبرة، قال ابن بشكوال: أحمد بن ثابت بن أبي الجهم الواسطي ينسب إلى واسط قبرة، سكن قرطبة، يكنى أبا عمر، روى عن أبي محمد الأصيلي وكان يتولى القراءة عليه، حدث عنه أبو عبد الله بن ديباج ووصفه بالخير والصلاح، قال ابن حبّان: توفي الواسطي في جمادي الآخرة سنة 437 وكفّ بصره.
وواسط أيضا: قرية كانت قبل واسط في موضعها خرّبها الحجاج، وكانت واسط هذه تسمى واسط القصب، وقد ذكرتها مع واسط الحجاج، قال ابن الكلبي:
كان بالقرب من واسط موضع يسمى واسط القصب هي التي بناها الحجاج أولا قبل أن يبني واسط هذه التي تدعى اليوم واسطا ثم بنى هذه فسماها واسطا بها.
وواسط أيضا: قرية قرب مطيراباذ قرب حلّة بني مزيد يقال لها واسط مرزاباذ، قال أبو الفضل: أنشدنا أبو عبد الله أحمد الواسطي، واسط هذه القرية، قال:
أنشدنا أبو النجم عيسى بن فاتك الواسطي من هذه القرية لنفسه من قصيدة يمدح بعض العمّال:
«وما على قدره شكرت له، *** لكنّ شكري له على قدري»
«لأن شكري السّهى وأنعمه ال *** بدر، وأين السهى من البدر! »
وواسط أيضا قال العمراني: واسط مواضع في بلاد بني تميم، وهي التي أرادها ذو الرمة بقوله:
«غربيّ واسط نها *** ومجّت في الكثيب الأباطح »
وقال ابن دريد: واسط مواضع بنجد، ولعلها التي قبلها، والله أعلم.
وواسط أيضا: قرية في شرقي دجلة الموصل بينهما ميلان ذات بساتين كثيرة.
وواسط أيضا: قرية بالفرج من نواحي الموصل بين مرق وعين الرّصد أو بين مرق والمجاهدية، فإني نسيت هذا المقدار.
وواسط أيضا: باليمن بسواحل زبيد قرب العنبرة التي خرج منها علي بن مهدي المستولي على اليمن.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
46-موسوعة الفقه الكويتية (إرث 4)
إِرْثٌ -455- وَقَدْ وَضَعَ الْفُقَهَاءُ قَوَاعِدَ يَقُومُ عَلَيْهَا الْحَجْبُ هِيَ:
الْأُولَى: أَنَّ مَنْ يُدْلِي إِلَى الْمَيِّتِ بِوَارِثٍ يُحْجَبُ حَجْبَ حِرْمَانٍ عِنْدَ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَارِثِ، لِأَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ هُوَ وَمَنْ يُدْلِي بِسَبَبِهِ كَانَ هُوَ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْهُ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْمَيِّتِ، وَلِأَنَّ الْبَعِيدَ إِنَّمَا اتَّصَلَ بِالْمَيِّتِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْقَرِيبِ وَلِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَحَيْثُ وُجِدَ الْأَصْلُ لَا يَسْتَحِقُّ مَنْ كَانَ بَدَلاً عَنْهُ.
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تَسْرِي عَلَى الْعَصَبَاتِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ، فَالْأَبُ يَحْجُبُ الْجَدَّ، وَالْأَخُ الشَّقِيقُ يَحْجُبُ ابْنَهُ وَهَكَذَا.
وَتَسْرِي هَذِهِ الْقَاعِدَةُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ، فَالْأَبُ يَحْجُبُ الْجَدَّ عَنْ فَرْضِهِ، وَالْأُمُّ تَحْجُبُ أُمَّ الْأُمِّ، وَلَا تَسْرِي هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ كَأَوْلَادِ الْأُمِّ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُمِّ، فَإِنَّهُمْ يَرِثُونَ مَعَ وُجُودِهَا، لَكِنَّهُمْ يَحْجُبُونَهَا حَجْبَ نُقْصَانٍ إِذَا تَعَدَّدُوا، وَيَحْجُبُهُمُ الْأَبُ وَالْجَدُّ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يُدْلُونَ بِهِمَا، لِأَنَّ النَّصَّ قَيَّدَ مِيرَاثَهُمْ بِأَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ كَلَالَةً لَيْسَ لَهُ وَالِدٌ وَلَا وَلَدٌ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْأَقْرَبَ يَحْجُبُ الْأَبْعَدَ إِذَا كَانَ يَسْتَحِقُّ بِوَصْفِهِ وَنَوْعِهِ.وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَعَمُّ مِنَ السَّابِقَةِ، لِأَنَّهَا تَشْمَلُ الْبَعِيدَ الَّذِي يُدْلِي بِأَقْرَبَ مِنْهُ، وَمَنْ لَا يُدْلِي بِهِ، فَالِابْنُ يَحْجُبُ ابْنَ الِابْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبَاهُ، وَالْبِنْتَانِ تَحْجُبَانِ بِنْتَ الِابْنِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِالْفَرْضِ، وَالْأَخُ يَحْجُبُ الْعَمَّ وَلَوْ كَانَ لَا يُدْلِي بِهِ، وَالْقُرْبَى تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنَ الْجَدَّاتِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُدْلِي بِهَا، وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تَتَحَقَّقُ فِي الْعَصَبَاتِ وَأَصْحَابِ الْفُرُوضِ عَلَى السَّوَاءِ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْأَقْوَى قَرَابَةً يَحْجُبُ الْأَضْعَفَ مِنْهُ، فَالْأَخُ الشَّقِيقُ يَحْجُبُ الْأَخَ لِأَبٍ، وَالْأُخْتُ لِأَبٍ لَا تَأْخُذُ النِّصْفَ مَعَ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ الَّتِي تَتَّحِدُ فِيهَا الدَّرَجَةُ وَتَخْتَلِفُ قُوَّةُ الْقَرَابَةِ، فَإِنِ اتَّحَدَتِ الدَّرَجَةُ اُعْتُبِرَ الْحَجْبُ بِقُرْبِهَا.
الْعَوْلُ:
56- مِنْ مَعَانِي الْعَوْلِ فِي اللُّغَةِ: الزِّيَادَةُ، وَعَالَتِ الْفَرِيضَةُ فِي الْحِسَابِ زَادَتْ.وَالْفِعْلُ عَالَ وَمُضَارِعُهُ يَعُولُ وَتُعِيلُ.
57- وَفِي الِاصْطِلَاحِ: زِيَادَةُ سِهَامِ الْفُرُوضِ عَنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، بِزِيَادَةِ كُسُورِهَا عَنِ الْوَاحِدِ الصَّحِيحِ.
وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ نُقْصَانُ أَنْصِبَاءِ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ بِنِسْبَةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، كَمَا إِذَا مَاتَتِ امْرَأَةٌ عَنْ زَوْجٍ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ، فَإِنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ فَرْضًا، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثَ فَرْضًا، وَلِلْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ النِّصْفَ فَرْضًا، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَدْ زَادَتِ الْفُرُوضُ عَمَّا تَنْقَسِمُ إِلَيْهِ التَّرِكَةُ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْوَاحِدِ الصَّحِيحِ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَانَتْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ عَالَتْ فِي الْإِسْلَامِ- وَقِيلَ: إِنَّ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ عَالَتْ هِيَ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ عَنْ زَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ- وَقَدْ وَقَعَتْ فِي صَدْرِ خِلَافَةِ عُمَرَ، فَاسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي أَيُّكُمْ قَدَّمَ اللَّهُ وَأَيُّكُمْ أَخَّرَ؟ وَإِنِّي إِنْ بَدَأْتُ بِالزَّوْجِ فَأَعْطَيْتُهُ حَقَّهُ كَامِلاً لَمْ يَبْقَ لِلْأُخْتَيْنِ حَقَّهُمَا، وَإِنْ بَدَأْتُ بِالْأُخْتَيْنِ فَأَعْطَيْتُهُمَا حَقَّهُمَا كَامِلاً لَمْ يَبْقَ لِلزَّوْجِ حَقُّهُ.فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالْعَوْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى الْمَشْهُورِ، أَوْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَوْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى.
وَيُرْوَى أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْتَ لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَك سِتَّةَ دَرَاهِمَ، لِرَجُلٍ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ، وَلآِخَرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ أَلَيْسَ تَجْعَلُ الْمَالَ سَبْعَةَ أَجْزَاءٍ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ الْعَبَّاسُ: هُوَ ذَلِكَ فَقَضَى عُمَرُ بِالْعَوْلِ.
وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَعَالَ الْفَرَائِضَ عُمَرُ لَمَّا الْتَوَتْ عَلَيْهِ الْفَرَائِضُ وَدَافَعَ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَقَالَ: مَا أَدْرِي أَيُّكُمْ قَدَّمَهُ اللَّهُ وَلَا أَيُّكُمْ أَخَّرَهُ، وَكَانَ امْرَأً وَرِعًا، فَقَالَ: مَا أَجِدُ شَيْئًا أَوْسَعَ لِي مِنْ أَنْ أَقْسِمَ التَّرِكَةَ عَلَيْكُمْ بِالْحِصَصِ، وَأُدْخِلَ عَلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ عَوْلِ الْفَرِيضَةِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ حَتَّى انْتَهَى أَمْرُ الْخِلَافَةِ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَظْهَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ خِلَافَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: لَوْ أَنَّهُمْ قَدَّمُوا مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ وَأَخَّرُوا مَنْ أَخَّرَ اللَّهُ مَا عَالَتْ فَرِيضَةٌ قَطُّ.فَقِيلَ لَهُ: مَنْ قَدَّمَهُ اللَّهُ وَمَنْ أَخَّرَهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: قَدَّمَ اللَّهُ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ وَالْأُمَّ وَالْجَدَّةَ، وَأَمَّا مَنْ أَخَّرَهُ اللَّهُ فَالْبَنَاتُ، وَبَنَاتُ الِابْنِ، وَالْأَخَوَاتُ الشَّقِيقَاتُ، وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ.وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَهْبَطَهُ اللَّهُ مِنْ فَرْضٍ إِلَى فَرْضٍ فَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ، وَمَنْ أَهْبَطَهُ اللَّهُ مِنْ فَرْضٍ إِلَى غَيْرِ فَرْضٍ فَهُوَ الَّذِي أَخَّرَهُ.
احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْعَوْلِ بِأَنَّ الْوَرَثَةَ تَسَاوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ فِيهِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَمِيعَ حَقِّهِ إِنِ اتَّسَعَ الْمَحَلُّ، فَإِنْ ضَاقَ تَحَاصَّوْا- كَالْغُرَمَاءِ- فِي التَّرِكَةِ، وَلَا يَصِحُّ إِسْقَاطُ حَقِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَرَثَةِ، لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ بِنَصٍّ ثَابِتٍ.وَهَذَا هُوَ رَأْيُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ.
وَيَحْتَجُّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّ الْحُقُوقَ فِي الْأَمْوَالِ غَيْرُ مُتَسَاوِيَةٍ، فَإِذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ لَا يَفِي بِهَا يُقَدَّمُ مِنْهَا مَا كَانَ أَقْوَى، فَفِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ يُقَدَّمُ التَّجْهِيزُ، وَالدَّيْنُ، وَالْوَصِيَّةُ، وَالْمِيرَاثُ، فَإِذَا ضَاقَتِ التَّرِكَةُ عَنِ الْفُرُوضِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى.وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ يُنْقَلُ مِنْ فَرْضٍ مُقَدَّرٍ إِلَى فَرْضٍ آخَرَ مُقَدَّرٍ يَكُونُ صَاحِبَ فَرْضٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَيَكُونُ أَقْوَى مِمَّنْ يُنْقَلُ مِنْ فَرْضٍ مُقَدَّرٍ إِلَى فَرْضٍ آخَرَ غَيْرِ مُقَدَّرٍ، لِأَنَّهُ صَاحِبُ فَرْضٍ مِنْ وَجْهٍ وَعَصَبَةٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.فَإِدْخَالُ النَّقْصِ عَلَيْهِ أَوِ الْحِرْمَانِ أَوْلَى، لِأَنَّ ذَوِي الْفُرُوضِ مُقَدَّمُونَ عَلَى الْعَصَبَاتِ.
58- وَلَقَدْ وُجِدَ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ أُصُولَ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَعُولُ هِيَ: مَا كَانَ أَصْلُهُ سِتَّةً، وَاثْنَيْ عَشَرَ، وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ.
59- فَمَا أَصْلُهُ سِتَّةٌ قَدْ يَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ وَإِلَى ثَمَانِيَةٍ وَإِلَى تِسْعَةٍ وَإِلَى عَشَرَةٍ.
فَالْأَوَّلُ، كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ: فَإِنَّ الزَّوْجَ يَأْخُذُ النِّصْفَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَالْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، فَالْمَجْمُوعُ سَبْعَةٌ.
وَمِثَالُ الْعَوْلِ إِلَى ثَمَانِيَةٍ: زَوْجٌ، وَأُخْتَانِ لِأَبٍ، وَأُمٌّ، فَإِنَّ الزَّوْجَ يَأْخُذُ النِّصْفَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، وَتَأْخُذُ الْأُخْتَانِ الثُّلُثَيْنِ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ، وَالْأُمُّ السُّدُسَ سَهْمًا، فَالْمَجْمُوعُ ثَمَانِيَةٌ.
وَمِثَالُ الْعَوْلِ إِلَى تِسْعَةٍ: زَوْجٌ، وَأُخْتَانِ شَقِيقَتَانِ، وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ، فَإِنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ ثَلَاثَةً، وَلِلْأُخْتَيْنِ الشَّقِيقَتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ أَرْبَعَةً، وَلِلْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ الثُّلُثَ سَهْمَيْنِ، فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ تِسْعَةً.
وَمِثَالُ الْعَوْلِ إِلَى عَشَرَةٍ: زَوْجٌ، وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ، وَأُخْتٌ لِأَبٍ، وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ، وَأُمٌّ، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ السُّدُسُ سَهْمٌ، وَلِلْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ سَهْمَانِ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ سَهْمٌ، فَالْمَجْمُوعُ عَشَرَةٌ.
60- وَإِذَا كَانَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ اثْنَيْ عَشَرَ فَقَدْ تَعُولُ إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ، كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ، فَإِنَّ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعَ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثَ، وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ النِّصْفَ، فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ: اثْنَا عَشَرَ، لِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْأُخْتِ سِتَّةٌ، وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةٌ.
وَقَدْ تَعُولُ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، كَزَوْجٍ، وَبِنْتَيْنِ، وَأُمٍّ، وَأَبٍ، لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْبِنْتَيْنِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ اثْنَانِ، فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ عَشَرَ.
وَقَدْ تَعُولُ إِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ، كَزَوْجَةٍ، وَأُمٍّ، وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ، وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ.لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ اثْنَانِ، وَلِلْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ، فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ سَبْعَةَ عَشَرَ.
61- وَإِذَا كَانَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، فَإِنَّهَا لَا تَعُولُ إِلاَّ إِلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَذَلِكَ كَزَوْجَةٍ، وَبِنْتَيْنِ، وَأُمٍّ، وَأَبٍ، لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِكُلٍّ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ السُّدُسُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ.
62- وَمَا عَدَا مَا ذُكِرَ مِنْ أُصُولِ الْمَسَائِلِ فَلَا تَعُولُ، وَهِيَ الِاثْنَانِ، وَالثَّلَاثَةُ، وَالْأَرْبَعَةُ، وَالثَّمَانِيَةُ، فَلَا عَوْلَ فِي الِاثْنَيْنِ، لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ إِنَّمَا تَكُونُ مِنِ اثْنَيْنِ إِذَا كَانَ فِيهَا نِصْفَانِ، كَزَوْجٍ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ، أَوْ نِصْفٌ وَمَا بَقِيَ، كَزَوْجٍ وَأَخٍ شَقِيقٍ.
كَمَا لَا عَوْلَ فِي الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهَا إِمَّا ثُلُثٌ وَمَا بَقِيَ، كَأُمٍّ وَأَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَإِمَّا ثُلُثَانِ وَمَا بَقِيَ، كَبِنْتَيْنِ وَأَخٍ لِأَبٍ، وَإِمَّا ثُلُثٌ وَثُلُثَانِ، كَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ.
وَلَا عَوْلَ فِي الْأَرْبَعَةِ، لِأَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، إِمَّا رُبُعٌ وَمَا بَقِيَ، كَزَوْجٍ وَابْنٍ، أَوْ رُبُعٌ وَنِصْفٌ وَمَا بَقِيَ، كَزَوْجٍ وَبِنْتٍ وَأَخٍ شَقِيقٍ، أَوْ رُبُعٌ وَثُلُثُ مَا بَقِيَ، كَزَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ.
وَلَا عَوْلَ فِي الثَّمَانِيَةِ، لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهَا إِمَّا ثُمُنٌ وَمَا بَقِيَ، كَزَوْجَةٍ وَابْنٍ، أَوْ ثُمُنٌ وَنِصْفٌ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَأَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ.
الْإِرْثُ بِالرَّدِّ:
63- مِنْ مَعَانِي الرَّدِّ فِي اللُّغَةِ: الرَّجْعُ.يُقَالُ: رَجَعْتُ بِمَعْنَى رَدَدْتُ.وَمِنْهُ رَدَدْتُ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةَ وَرَدَدْتُهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَارْتَدَّ إِلَيْهِ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: دَفْعُ مَا فَضَلَ مِنْ فُرُوضِ ذَوِي الْفُرُوضِ النَّسَبِيَّةِ إِلَيْهِمْ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ، عِنْدَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْغَيْرِ.فَالرَّدُّ لَا يَتَحَقَّقُ إِلاَّ إِذَا ثَبَتَ أَمْرَانِ:
أَوَّلُهُمَا: أَلاَّ تَسْتَغْرِقَ الْفُرُوضُ التَّرِكَةَ؛ إِذْ لَوِ اسْتَغْرَقَتْهَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ حَتَّى يُرَدَّ.
ثَانِيهُمَا: أَلاَّ يُوجَدَ عَاصِبٌ نَسَبِيٌّ أَوْ سَبَبِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ.فَلَوْ وُجِدَ عَاصِبٌ نَسَبِيٌّ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ، وَهُوَ الْأَبُ أَوِ الْجَدُّ أَخَذَ الْبَاقِيَ تَعْصِيبًا بَعْدَ الْفَرْضِ.
64- وَالرَّدُّ مَحَلُّ خِلَافٍ بَيْنَ الصَّحَابَةِ.فَقَدِ انْقَسَمُوا فِيهِ إِلَى فَرِيقَيْنِ، وَتَبِعَ كُلَّ فَرِيقٍ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ.
65- فَذَهَبَ فَرِيقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ، وَتَبِعَهُمْ فِي ذَلِكَ الْإِمَامَانِ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ.
فَذَهَبَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ إِلَى: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَعَ ذَوِي الْفُرُوضِ عَصَبَةٌ مِنَ النَّسَبِ، وَلَا مِنَ السَّبَبِ يُرَدُّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ بِقَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ إِلاَّ الزَّوْجَيْنِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ.وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.وَاحْتَجَّ عُثْمَانُ لِلرَّدِّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ بِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ، فَكَمَا أَنَّ بِالْعَوْلِ تَنْقُصُ سِهَامُهُمَا، فَيَجِبُ أَنْ تُزَادَ بِالرَّدِّ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: يُرَدُّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ إِلاَّ عَلَى سِتَّةٍ: الزَّوْجَيْنِ، وَابْنَةِ الِابْنِ مَعَ ابْنَةِ الصُّلْبِ، وَالْأُخْتِ لِأَبٍ مَعَ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ، وَأَوْلَادِ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ، وَالْجَدَّةِ مَعَ ذِي سَهْمٍ أَيًّا كَانَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ اسْتَثْنَى جِهَةَ الرَّدِّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ، وَأَوْلَادِ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ، وَالْجَدَّةِ مَعَ ذِي سَهْمٍ فَقَطْ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى أَصْحَابِ الْفُرُوضِ إِلاَّ ثَلَاثَةً: الزَّوْجَيْنِ وَالْجَدَّةَ.
وَقَدْ أَجْمَعَ مُتَأَخِّرُو فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُمْ مَنْ بَعْدِ الْأَرْبَعِمِائَةِ، عَلَى أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ، وَيُورَثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ إِذَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ غَيْرَ مُنْتَظِمٍ، وَذَلِكَ بِأَلاَّ يَكُونَ هُنَاكَ إِمَامٌ أَصْلاً، أَوْ وُجِدَ وَفَقَدَ بَعْضَ شُرُوطِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا فَقَدَ الْإِمَامُ بَعْضَ الشُّرُوطِ لَكِنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ الْعَدَالَةُ، وَأَوْصَلَ الْحُقُوقَ إِلَى أَصْحَابِهَا، كَانَ بَيْتُ الْمَالِ مُنْتَظِمًا.
أَدِلَّةُ الْقَائِلِينَ بِالرَّدِّ:
66- اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالرَّدِّ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ:
أَوَّلاً: بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} فَإِنَّ مَعْنَاهَا بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِمِيرَاثِ بَعْضٍ بِسَبَبِ الرَّحِمِ، فَقَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ ذَوِي الرَّحِمِ يَسْتَحِقُّونَ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ بِصِلَةِ الرَّحِمِ.وَالْمُتَبَادِرُ مِنَ الْمِيرَاثِ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ مَجْمُوعُهُ.وَإِرَادَةُ الْبَعْضِ خِلَافُ الظَّاهِرِ.وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ الْمَفْهُومَةَ مِنَ الْآيَةِ تَحْصُلُ بِإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي فَرْضٍ فَرْضَهُ، لِأَنَّ إِعْطَاءَ الْفَرْضِ حَصَلَ مِنْ آيَةٍ أُخْرَى هِيَ آيَةُ النِّسَاءِ، وَحَمْلُ آيَةِ الْأَنْفَالِ عَلَى التَّأْسِيسِ وَإِفَادَةُ حُكْمٍ جَدِيدٍ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى تَأْكِيدِ مَا فِي آيَةِ الْفَرْضِ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمَا فِي الْآيَتَيْنِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَلَا يُرَدُّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ، لِانْعِدَامِ الرَّحِمِ فِي حَقِّهِمَا.
ثَانِيًا: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- لَمَّا دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ قَالَ سَعْدٌ: أَمَا إِنَّهُ لَا يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي، أَفَأُوصِي بِجَمِيعِ مَالِي؟ إِلَى أَنْ قَالَ - عليه الصلاة والسلام-: الثُّلُثُ خَيْرٌ.وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ».لَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ سَعْدًا اعْتَقَدَ أَنَّ الْبِنْتَ تَرِثُ جَمِيعَ الْمَالِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - عليه الصلاة والسلام-، وَمَنَعَهُ عَنِ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَنِ الثُّلُثِ، مَعَ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ إِلاَّ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالرَّدِّ؛ إِذْ لَوْ لَمْ تَكُنِ ابْنَتُهُ تَسْتَحِقُّ مَا زَادَ عَلَى فَرْضِهَا- وَهُوَ النِّصْفُ بِطَرِيقِ الرَّدِّ- لَجَوَّزَ لَهُ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم- الْوَصِيَّةَ بِالنِّصْفِ.
ثَالِثًا: «أَنَّ الرَّسُولَ - عليه الصلاة والسلام- وَرَّثَ الْمُلَاعَنَةَ لِجَمِيعِ مَالِ وَلَدِهَا»، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلاَّ بِطَرِيقِ الرَّدِّ.
وَفِي حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ «أَنَّهُ - عليه الصلاة والسلام- قَالَ: تُحْرِزُ الْمَرْأَةُ مِيرَاثَ لَقِيطِهَا وَعَتِيقِهَا وَالِابْنِ الَّذِي لُوعِنَتْ بِهِ».
رَابِعًا: إِنَّ أَصْحَابَ الْفُرُوضِ قَدْ شَارَكُوا الْمُسْلِمِينَ فِي الْإِسْلَامِ، وَتَرَجَّحُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالْقَرَابَةِ، وَمُجَرَّدُ الْقَرَابَةِ فِي أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِلَّةَ الْعُصُوبَةِ لَكِنْ يَثْبُتُ بِهَا التَّرْجِيحُ، بِمَنْزِلَةِ قَرَابَةِ الْأُمِّ فِي حَقِّ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، فَإِنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ، وَإِنْ لَمْ تُوجِبْ بِانْفِرَادِهَا الْعُصُوبَةَ إِلاَّ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا التَّرْجِيحُ.وَلَمَّا كَانَ هَذَا التَّرْجِيحُ بِالسَّبَبِ الَّذِي اسْتَحَقُّوا بِهِ الْفَرِيضَةَ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الْفَرِيضَةِ، فَيُرَدُّ الْبَاقِي كُلُّهُ عَلَيْهِمْ بِنِسْبَةِ أَنْصِبَائِهِمْ، وَكَمَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْأَقْرَبِ وَالْأَقْوَى فِي أَصْلِ الْفَرِيضَةِ يَسْقُطُ أَيْضًا فِي اعْتِبَارِ الرَّدِّ.
67- وَذَهَبَ فَرِيقٌ آخَرُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ، فَإِذَا لَمْ تَسْتَغْرِقِ الْفُرُوضُ التَّرِكَةَ، وَبَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْوَرَثَةِ عَاصِبٌ يَرِثُ الْبَاقِيَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ هَذَا الْفَرِيقَ لَا يَرَى تَوْرِيثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَلَا الرَّدَّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَبِهِ أَخَذَ عُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَالْإِمَامَانِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَيَّدَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ الدَّفْعَ لِبَيْتِ الْمَالِ، إِذَا لَمْ يُوجَدْ عَاصِبٌ نَسَبِيٌّ أَوْ سَبَبِيٌّ بِمَا إِذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلاً، يَصْرِفُ الْمَالَ فِي مَصَارِفِهِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلاً فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَى أَصْحَابِ الْفُرُوضِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا فَلِبَيْتِ الْمَالِ.وَهُمْ يَعْتَبِرُونَ بَيْتَ الْمَالِ عَاصِبًا يَلِي فِي الرُّتْبَةِ الْعَاصِبَ النَّسَبِيَّ وَالسَّبَبِيَّ.
68- اسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ مِنَ الرَّدِّ:
أَوَّلاً: بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ، فَإِنَّ اللَّهَ- تَعَالَى- بَيَّنَ فِيهَا نَصِيبَ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ.
وَالتَّقْدِيرُ الثَّابِتُ بِالنَّصِّ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ.لِأَنَّ فِي الزِّيَادَةِ مُجَاوَزَةَ الْحَدِّ الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ- تَعَالَى- بَعْدَ آيَةِ الْمَوَارِيثِ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} الْآيَةَ، فَقَدْ أَلْحَقَ الْوَعِيدَ بِمَنْ جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوعَ.
ثَانِيًا: أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْفُرُوضِ مَالٌ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ، فَيَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ، كَمَا إِذَا لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا أَصْلاً، لِأَنَّ الرَّدَّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ الْفَرْضِيَّةِ، أَوِ الْعُصُوبَةِ أَوِ الرَّحِمِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ الْفَرْضِيَّةِ، لِأَنَّ كُلَّ ذِي فَرْضٍ قَدْ أَخَذَ فَرْضَهُ، وَلَا بِاعْتِبَارِ الْعُصُوبَةِ، لِأَنَّ بِاعْتِبَارِهَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَلَا بِاعْتِبَارِ الرَّحِمِ، لِأَنَّهُ فِي إِرْثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ أَيْضًا.فَإِذَا بَطَلَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ بَطَلَ الْقَوْلُ بِالرَّدِّ.
أَقْسَامُ مَسَائِلِ الرَّدِّ:
69- مَسَائِلُ الرَّدِّ أَقْسَامٌ أَرْبَعَةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي الْمَسْأَلَةِ إِمَّا صِنْفٌ وَاحِدٌ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا فَضَلَ وَإِمَّا أَكْثَرُ مِنْ صِنْفٍ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يَكُونُ، فَانْحَصَرَتِ الْأَقْسَامُ فِي أَرْبَعَةٍ:
70- أَوَّلُهَا: أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا زَادَ عَلَى الْفُرُوضِ، عِنْدَ عَدَمِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ عَدَدَ رُءُوسِهِمْ، لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَالِ لَهُمْ فَرْضًا وَرَدًّا، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا تَرَكَ الْمَيِّتُ بِنْتَيْنِ، أَوْ أُخْتَيْنِ، أَوْ جَدَّتَيْنِ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنِ اثْنَيْنِ، وَتُعْطَى كُلُّ وَاحِدَةٍ نِصْفَ التَّرِكَةِ، لِتَسَاوِيهِمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ.
71- ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ جِنْسَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَقَدْ دَلَّ الِاسْتِقْرَاءُ عَلَى أَنَّ أَجْنَاسَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ لَا تَزِيدُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، فَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مَجْمُوعَ سِهَامِ الْمُجْتَمِعِينَ.فَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ سُدُسَانِ، كَجَدَّةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ، فَالْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ مِنْ سِتَّةٍ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَرْضًا، فَيُجْعَلُ الِاثْنَانِ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ، وَيُقْسَمُ الْمَالُ مُنَاصَفَةً بَيْنَ الْجَدَّةِ وَالْأُخْتِ لِأُمٍّ، لِتَسَاوِي نَصِيبِهِمَا.
وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثُلُثٌ وَسُدُسٌ، كَوَلَدَيِ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ، فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ سِتَّةٌ، وَمَجْمُوعُ سِهَامِ الْوَرَثَةِ ثَلَاثَةٌ، فَتُجْعَلُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَتُقْسَمُ التَّرِكَةُ أَثْلَاثًا، لِوَلَدَيِ الْأُمِّ الثُّلُثَانِ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ.
72- ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ مَعَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ كَالزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ، وَحِينَئِذٍ يُعْطَى فَرْضَ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ أَقَلِّ أَصْلٍ لِلْمَسْأَلَةِ، وَيُقْسَمُ الْبَاقِي عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، إِنِ اسْتَقَامَ الْبَاقِي عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ، وَذَلِكَ كَزَوْجٍ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ، فَإِنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ أَرْبَعَةٍ، يُعْطَى الزَّوْجُ وَاحِدًا مِنْهَا، وَالْبَاقِي لِلْبَنَاتِ بِالتَّسَاوِي.
وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمِ الْبَاقِي، فَيَضْرِبُ عَدَدَ رُءُوسِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ إِنْ وَافَقَ رُءُوسَهُمْ ذَلِكَ الْبَاقِي، فَمَا حَصَلَ تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ، كَزَوْجٍ وَسِتِّ بَنَاتٍ.فَإِنَّ أَقَلَّ أَصْلٍ لِلْمَسْأَلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ، يَبْقَى مِنْهَا ثَلَاثَةٌ بَعْدَ نَصِيبِ الزَّوْجِ، فَلَا تَنْقَسِمُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الْبَنَاتِ السِّتِّ، لَكِنْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ، فَيَضْرِبُ وَفْقَ عَدَدِ الرُّءُوسِ، وَهُوَ اثْنَانِ فِي الْأَرْبَعَةِ، فَيَبْلُغُ ثَمَانِيَةً، لِلزَّوْجِ مِنْهَا اثْنَانِ وَلِلْبَنَاتِ سِتٌّ.
وَإِنْ لَمْ يُوَافِقِ الْبَاقِي عَدَدَ الرُّءُوسِ، فَيَضْرِبُ كُلَّ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ فِي أَصْلِ مَسْأَلَةِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، فَالْمَبْلَغُ هُوَ الْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ وَفْقِ عَدَدِ الرُّءُوسِ فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّوَافُقِ، أَوْ مِنْ ضَرْبِ كُلِّ عَدَدِ الرُّءُوسِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّبَايُنِ، وَذَلِكَ كَزَوْجٍ وَخَمْسِ بَنَاتٍ.فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، لِاجْتِمَاعِ الرُّبُعِ وَالثُّلُثَيْنِ، لَكِنْ مِثْلُهَا يُرَدُّ إِلَى الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ أَصْلِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَعْطَى الزَّوْجَ وَاحِدًا يَبْقَى ثَلَاثَةٌ، فَلَا تَنْقَسِمُ عَلَى خَمْسِ بَنَاتٍ، فَيَضْرِبُ الْأَصْلَ أَرْبَعَةً فِي عَدَدِ رُءُوسِ الْبَنَاتِ، فَيَصِيرُ الْمَجْمُوعُ عِشْرِينَ، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ، وَيَضْرِبُ نَصِيبَ الزَّوْجِ، وَهُوَ وَاحِدٌ فِي خَمْسَةٍ، فَيَصِيرُ نَصِيبُهُ خَمْسَةً، وَيُقْسَمُ الْبَاقِي، وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الْبَنَاتِ، فَتَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةً.
73- رَابِعُهَا: أَنْ يُوجَدَ أَكْثَرُ مِنْ نَوْعٍ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَمَعَهُمْ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ هُوَ مَخْرَجَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، فَيُعْطَى نَصِيبُهُ مِنْهُ، ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي عَلَى أَصْحَابِ الْفُرُوضِ الَّذِينَ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ بِنِسْبَةِ فُرُوضِهِمْ، فَإِذَا احْتَاجَ الْأَمْرُ إِلَى تَصْحِيحِ الْمَسْأَلَةِ صُحِّحَتْ عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ.فَإِذَا مَاتَ شَخْصٌ عَنْ زَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، فَإِنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ، لِلزَّوْجَةِ مِنْهَا الرُّبُعُ سَهْمٌ، وَلِلْأُمِّ وَالْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ الثَّلَاثَةُ الْأَسْهُمِ الْبَاقِيَةُ.لِلْأُمِّ سَهْمٌ فَرْضًا وَرَدًّا وَلِلْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ سَهْمَانِ فَرْضًا وَرَدًّا.
وَإِذَا مَاتَ شَخْصٌ عَنْ زَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَبِنْتَيِ ابْنٍ، فَيَكُونُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ ثَمَانِيَةً، لِلزَّوْجَةِ مِنْهَا سَهْمٌ، وَالْبَاقِي- وَهُوَ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ- يُقْسَمُ عَلَى بِنْتَيِ الِابْنِ وَالْأُمِّ بِنِسْبَةِ 3: 2 إِلَى 6: 1 أَيْ 4 إِلَى 1 فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ خَمْسَةً، وَالسَّبْعَةُ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى خَمْسَةٍ، فَيُصَحَّحُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ بِضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي ثَمَانِيَةٍ فَيَصِيرُ أَرْبَعِينَ، لِلزَّوْجَةِ ثُمُنُهَا خَمْسَةٌ، وَلِلْأُمِّ سَبْعَةٌ، وَلِبِنْتَيِ الِابْنِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ.
مِيرَاثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ:
74- الرَّحِمُ لُغَةً: بَيْتُ مَنْبَتِ الْوَلَدِ وَوِعَاؤُهُ، وَالْقَرَابَةُ، أَوْ أَصْلُهَا وَأَسْبَابُهَا، وَجَمْعُهُ أَرْحَامٌ، وَشَرْعًا: كُلُّ قَرِيبٍ.
وَفِي عُرْفِ الْفَرْضِيِّينَ: كُلُّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِذِي فَرْضٍ مُقَدَّرٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ- تَعَالَى، أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم- أَوْ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَلَا عَصَبَةَ تُحْرِزُ الْمَالَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ.
75- وَفِي تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِتَوْرِيثِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ.
فَمِمَّنْ قَالَ بِتَوْرِيثِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو عُبَيْدَة بْنُ الْجَرَّاحِ، وَمِنَ التَّابِعِينَ شُرَيْحٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِعَدَمِ تَوْرِيثِهِمْ: زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ.وَلَكِنْ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ.فَإِنَّهُ حُكِيَ أَنَّ الْمُعْتَضِدَ سَأَلَ أَبَا حَازِمٍ الْقَاضِيَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- غَيْرَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ بِمُقَابَلَةِ إِجْمَاعِهِمْ.
وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَمِمَّنْ قَالَ بِتَوْرِيثِهِمْ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَمُتَأَخِّرُو الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَعِيسَى بْنُ أَبَانَ، وَأَهْلُ التَّنْزِيلِ - رحمهم الله-.
وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمُتَقَدِّمُو الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.
أَدِلَّةُ الْمَانِعِينَ:
76- اسْتَدَلَّ مَنْ لَا يَقُولُ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِمَا يَلِي:
أَوَّلاً: أَنَّ اللَّهَ- تَعَالَى- نَصَّ فِي آيَاتِ الْمَوَارِيثِ عَلَى بَيَانِ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ وَالْعَصَبَاتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِذَوِي الْأَرْحَامِ شَيْئًا، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًا} وَأَدْنَى مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ تَوْرِيثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ زِيَادَةً عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَوِ الْقِيَاسِ.
ثَانِيًا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنْ مِيرَاثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فَقَالَ: نَزَلَ جِبْرِيلُ - عليه السلام- وَأَخْبَرَنِي إِلاَّ مِيرَاثَ لِلْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ».
أَدِلَّةُ الْقَائِلِينَ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ:
77- وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِمَا يَأْتِي:
أَوَّلاً: بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}
إِذْ مَعْنَى الْآيَةِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، فَقَدْ أَثْبَتَتِ اسْتِحْقَاقَ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِوَصْفٍ عَامٍّ، هُوَ وَصْفُ الرَّحِمِ، فَإِذَا انْعَدَمَ الْوَصْفُ الْخَاصُّ، وَهُوَ كَوْنُهُمْ أَصْحَابَ فُرُوضٍ أَوْ عَصَبَاتٍ، اسْتَحَقُّوا بِالْوَصْفِ الْعَامِّ، وَهُوَ كَوْنُهُمْ ذَوِي رَحِمٍ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْوَصْفِ الْعَامِّ وَالِاسْتِحْقَاقِ بِالْوَصْفِ الْخَاصِّ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى كِتَابِ اللَّهِ.
ثَانِيًا: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ».وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ»
وَذَهَبَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ يَرِثُونَ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَصْحَابُ فُرُوضٍ، وَلَا عَصَبَةٌ، وَلَمْ يَكُنِ الْإِمَامُ عَدْلاً.
وَأَجْمَعَ مُتَأَخِّرُو الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ غَيْرَ مُنْتَظِمٍ فَإِنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ يَرِثُونَ إِذَا لَمْ يُوجَدْ أَصْحَابُ فُرُوضٍ أَوْ عَصَبَةٍ.وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ انْتِظَامِهِ أَلاَّ يَصْرِفَ الْإِمَامُ التَّرِكَةَ فِي مَصَارِفِهَا الشَّرْعِيَّةِ.
78- وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ كَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، يُقَدِّمُونَ الرَّدَّ فِي حَالِ وُجُودِ أَصْحَابِ فُرُوضٍ لَمْ يَسْتَغْرِقُوا التَّرِكَةَ عَلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا، وَرِثَ ذَوُو الْأَرْحَامِ بِالْقَيْدِ السَّابِقِ.
وَمَنِ انْفَرَدَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَخَذَ جَمِيعَ التَّرِكَةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، أَمَّا إِذَا تَعَدَّدُوا، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِهِمْ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
1- مَذْهَبُ أَهْلِ الْقَرَابَةِ.
2- مَذْهَبُ أَهْلِ الرَّحِمِ.
3- مَذْهَبُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ.
79- وَأَهْلُ الْقَرَابَةِ هُمُ الَّذِينَ يَعْتَبِرُونَ قُوَّةَ الْقَرَابَةِ فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَيُقَدِّمُونَ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي إِرْثِ الْعَصَبَاتِ، وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي تَسْمِيَتِهِمْ بِأَهْلِ الْقَرَابَةِ.
فَكَمَا أَنَّ لِلْعَصَبَاتِ النَّسَبِيَّةِ جِهَاتٍ أَرْبَعًا، فَكَذَلِكَ ذَوُو الْأَرْحَامِ، لِأَنَّ الْقَرِيبَ الَّذِي لَيْسَ صَاحِبَ فَرْضٍ وَلَا عَاصِبًا، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ فُرُوعِ الْمَيِّتِ، أَوْ مِنْ أُصُولِهِ، أَوْ مِنْ فُرُوعِ أَبَوَيْهِ، أَوْ مِنْ فُرُوعِ أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ.
وَتَقْدِيمُ الْأَقْرَبِ هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَبِهِ قَطَعَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ الْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي.
80- وَذَوُو الْأَرْحَامِ عِنْدَهُمْ أَصْنَافٌ أَرْبَعَةٌ:
الصِّنْفُ الْأَوَّلُ: مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَى الْمَيِّتِ، وَهُمْ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَإِنْ نَزَلُوا، وَأَوْلَادُ بَنَاتِ الِابْنِ كَذَلِكَ.
الصِّنْفُ الثَّانِي: مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَيْهِمُ الْمَيِّتُ، وَهُمُ الْأَجْدَادُ الرَّحِمِيُّونَ وَإِنْ عَلَوْا، كَأَبِي أُمِّ الْمَيِّتِ وَأَبِي أَبِي أُمِّهِ، وَالْجَدَّاتِ الرَّحِمِيَّاتِ وَإِنْ عَلَوْنَ، كَأُمِّ أَبِي أُمِّ الْمَيِّتِ، وَأُمِّ أُمِّ أَبِي أُمِّهِ.
الصِّنْفُ الثَّالِثُ: مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَى أَبَوَيِ الْمَيِّتِ أَوْ أَحَدِهِمْ.وَهُمْ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَإِنْ نَزَلُوا، سَوَاءٌ أَكَانُوا ذُكُورًا أَمْ إِنَاثًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَمْ لِأَبٍ، أَمْ لِأُمٍّ، وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَإِنْ نَزَلُوا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْأُخُوَّةُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، أَمْ مِنَ الْأَبِ، أَمْ مِنَ الْأُمِّ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ وَإِنْ نَزَلُوا.
الصِّنْفُ الرَّابِعُ: مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَى جَدَّيِ الْمَيِّتِ، أَوْ أَحَدِهِمَا، وَهُمَا أَيْ جَدَّا الْمَيِّتِ أَبُو الْأَبِ، وَأَبُو الْأُمِّ، أَوْ يَنْتَسِبُ إِلَى جَدَّتَيْهِ أَوْ إِحْدَاهُمَا، وَهُمَا أُمُّ الْأَبِ، وَأُمُّ الْأُمِّ، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الْعَمَّاتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَالْأَعْمَامَ لِأُمٍّ، وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالَ وَالْخَالَاتِ وَإِنْ تَبَاعَدَ هَؤُلَاءِ، وَأَوْلَادُهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا.
كَيْفِيَّةُ التَّوْرِيثِ بَيْنَ الْأَصْنَافِ:
81- اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَقْدِيمِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ عَلَى بَعْضٍ.فَرَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَقْرَب الْأَصْنَافِ إِلَى الْمَيِّتِ وَأَوْلَاهُمْ بِالتَّقْدِيمِ فِي الْوِرَاثَةِ عَنْهُ هُوَ الصِّنْفُ الثَّانِي، وَهُمُ الرَّحِمِيُّونَ مِنَ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا، ثُمَّ الصِّنْفُ الْأَوَّلُ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ الصِّنْفُ الثَّالِثُ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ الصِّنْفُ الرَّابِعُ وَإِنْ بَعُدُوا بِالْعُلُوِّ وَالنُّزُولِ.وَتَابَعَهُ فِي ذَلِكَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ أَقْرَبَ الْأَصْنَافِ وَأَوْلَاهُمْ بِالتَّقْدِيمِ إِلَى الْمَيِّتِ فِي الْمِيرَاثِ الصِّنْفُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثُ، ثُمَّ الرَّابِعُ، كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ، إِذْ يُقَدَّمُ مِنْهُمُ الِابْنُ، ثُمَّ الْأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ الْإِخْوَةُ ثُمَّ الْأَعْمَامُ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ لِلْفَتْوَى.
وَوَفَّقَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ مَا رَوَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ، وَمَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ هُوَ قَوْلُهُ الثَّانِي.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الصِّنْفَ الثَّالِثَ، وَهُمْ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ، وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ، مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ، وَإِنْ كَانَ قِيَاسُ مَذْهَبِهِمَا فِي الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ- وَهُوَ مُقَاسَمَةُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مَا دَامَتِ الْقِسْمَةُ خَيْرًا لَهُ مِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ- يَقْتَضِي ألاَّ يُقَدَّمَ الصِّنْفُ الثَّالِثُ عَلَى الْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ.
وَتَوْجِيهُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْأُولَى جَرَى فِيهَا عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ فِي الْعَصَبَاتِ، حَيْثُ قَدَّمَ هَا هُنَا الْجَدَّ أَبَا الْأُمِّ الَّذِي هُوَ فِي دَرَجَةِ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ عَلَى أَوْلَادِ أَبِي الْمَيِّتِ، فَلَا يَرِثُونَ مَعَهُ، أَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ تَقْدِيمُهُ أَوْلَادَ الْمَيِّتِ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى الْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ فَهِيَ جَارِيَةٌ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْعَصَبَاتِ، حَيْثُ كَانَ فِيهَا ابْنُ الِابْنِ مُقَدَّمًا عَلَى الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ.
كَيْفِيَّةُ تَوْرِيثِ كُلِّ صِنْفٍ:
82- الصِّنْفُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَأَوْلَادُ بَنَاتِ الِابْنِ، أَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَقْرَبُهُمْ إِلَى الْمَيِّتِ، كَبِنْتِ الْبِنْتِ، فَإِنَّهَا أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ بِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ، لِأَنَّ بِنْتَ الْبِنْتِ تُدْلِي إِلَى الْمَيِّتِ بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالثَّانِيَةُ بِوَاسِطَتَيْنِ.
وَإِنِ اسْتَوَوْا فِي الدَّرَجَةِ، بِأَنْ يُدْلُوا كُلُّهُمْ إِلَى الْمَيِّتِ بِدَرَجَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، فَحِينَئِذٍ يُقَدَّمُ وَلَدُ الْوَارِثِ عَلَى وَلَدِ ذِي الرَّحِمِ، كَبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ، فَإِنَّهَا أَوْلَى مِنِ ابْنِ بِنْتِ الْبِنْتِ، لِأَنَّ الْأُولَى وَلَدُ بِنْتِ الِابْنِ، وَهِيَ صَاحِبَةُ فَرْضٍ، وَالثَّانِيَةُ ذَاتُ رَحِمٍ، وَسَبَبُ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ وَلَدَ الْوَارِثِ أَقْرَبُ حُكْمًا، وَالتَّرْجِيحُ يَكُونُ بِالْقُرْبِ الْحَقِيقِيِّ إِنْ وُجِدَ، وَإِلاَّ فَبِالْقُرْبِ الْحُكْمِيِّ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
47-موسوعة الفقه الكويتية (بشارة)
بِشَارَةٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْبِشَارَةُ- بِكَسْرِ الْبَاءِ-: مَا يُبَشِّرُ بِهِ الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ مِنْ أَمْرٍ، وَبِضَمِّ الْبَاءِ: مَا يُعْطَاهُ الْمُبَشِّرُ بِالْأَمْرِ، كَالْعِمَالَةِ لِلْعَامِلِ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْبُشَارَةُ بِالضَّمِّ: مَا يُعْطَى الْبَشِيرُ، وَبِكَسْرِ الْبَاءِ: الِاسْمُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنَ الْبِشْرِ وَهُوَ السُّرُورُ؛ لِأَنَّهَا تُظْهِرُ طَلَاقَةَ وَجْهِ الْإِنْسَانِ.وَهُمْ يَتَبَاشَرُونَ بِذَلِكَ الْأَمْرِ أَيْ: يُبَشِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْبِشَارَةُ إِذَا أُطْلِقَتْ فَهِيَ لِلْبِشَارَةِ بِالْخَيْرِ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا مُقَيَّدَةً فِي الشَّرِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.
وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُهَا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عَنْ ذَلِكَ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْخَبَرُ:
2- الْخَبَرُ يَكُونُ مِنَ الْمُخْبِرِ الْأَوَّلِ وَمَنْ يَلِيهِ، وَالْبِشَارَةُ لَا تَكُونُ إِلاَّ مِنَ الْمُخْبِرِ الْأَوَّلِ.وَالْخَبَرُ يَكُونُ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، سَارًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَارٍّ، وَالْبِشَارَةُ تَخْتَصُّ بِالْخَبَرِ الصَّادِقِ السَّارِّ غَالِبًا.
ب- الْجُعْلُ:
3- الْجُعْلُ لُغَةً: اسْمٌ لِمَا يَجْعَلُهُ الْإِنْسَانُ لِغَيْرِهِ عَلَى شَيْءٍ يَعْمَلُهُ.وَالْجُعْلُ اصْطِلَاحًا: عِوَضٌ مَعْلُومٌ مُلْتَزَمٌ بِهِ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ مَعْلُومٍ فِيهِ كُلْفَةٌ.
وَالْبُشَارَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ: مَا يُعْطَاهُ الْمُبَشِّرُ بِالْأَمْرِ، وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى تُشْبِهُ الْجُعْلَ، جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْعَمَلِ فِي الْجَعَالَةِ فِيهِ كُلْفَةٌ أَوْ مُؤْنَةٌ، كَرَدِّ آبِقٍ، أَوْ إِخْبَارٍ فِيهِ غَرَضٌ وَالْمُخْبِرُ صَادِقٌ فِيهِ.
الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:
4- إِخْبَارُ النَّاسِ بِمَا يَسُرُّهُمْ أَمْرٌ مُسْتَحَبٌّ؛ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وَمَا وَرَدَ كَذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثَ، مِنْهَا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ- رضي الله عنه- الْمُخَرَّجُ فِي الصَّحِيحَيْنِ «فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ قَالَ: وَسَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ.أَبْشِرْ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونَنِي بِالتَّوْبَةِ، وَيَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْكَ، حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ، حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي، وَكَانَ كَعْبٌ لَا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ- وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ-: أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ».
وَفِي قِصَّةِ كَعْبٍ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَهُ الْبَشِيرُ بِالتَّوْبَةِ، نَزَعَ لَهُ ثَوْبَيْهِ وَكَسَاهُمَا إِيَّاهُ نَظِيرَ بِشَارَتِهِ.وَنَقَلَ الْأَبِيُّ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبِشَارَةِ وَالتَّهْنِئَةِ بِمَا يَسُرُّ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِعْطَاءِ الْجُعْلِ لِلْمُبَشِّرِ.
وَفِي حَدِيثِ كَعْبٍ مَشْرُوعِيَّةُ الِاسْتِبَاقِ إِلَى الْبِشَارَةِ بِالْخَيْرِ.
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ بُشِّرَ بِخَبَرٍ سَارٍّ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ، لِمَا رُوِيَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، فِي مَقْتَلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه-، فِي حَدِيثِ الشُّورَى الطَّوِيلِ: أَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَرْسَلَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى عَائِشَةَ- رضي الله عنها- يَسْتَأْذِنُهَا أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَلَمَّا أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ عُمَرُ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَذِنَتْ.فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْبِشَارَةَ تَتَحَقَّقُ مِنَ الْمُخْبِرِ الْأَوَّلِ مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ غَيْرِهِ، فَإِذَا قَالَ رَجُلٌ: مَنْ بَشَّرَنِي مِنْ عَبِيدِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ، فَبَشَّرَهُ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِهِ فَأَكْثَرُ، فَإِنَّ أَوَّلَهُمْ يَكُونُ حُرًّا.
وَأَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ أَمْثِلَةً أُخْرَى فِي مَوَاطِنَ مُتَعَدِّدَةٍ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ- عليه الصلاة والسلام- مَرَّ بِابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ- عليه الصلاة والسلام- مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا نَزَلَ فَلْيَقْرَأْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، فَابْتَدَرَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ- رضي الله عنهما- بِالْبِشَارَةِ، فَسَبَقَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ، فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: بَشَّرَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ» (((.
وَالْبُشَارَةُ مُسْتَحَبَّةٌ كَالْهِبَةِ إِذَا قُصِدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى.
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
5- وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْكَرِيمِ ذِكْرُ الْبِشَارَةِ، وَوَرَدَ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ بَيَانُ بَعْضِ أَحْكَامِ الْبِشَارَةِ وَمَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ لِمَنْ يُبَشَّرُ بِأَمْرٍ، وَيَرِدُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي الْأَيْمَانِ.كَمَا وَرَدَ فِي كُتُبِ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ حُكْمُ الْبِشَارَةِ، وَمَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ لِمَنْ يُبَشَّرُ بِأَمْرٍ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
48-موسوعة الفقه الكويتية (تراب)
تُرَابٌالتَّعْرِيفُ:
1- التُّرَابُ: مَا نَعُمَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ.بِهَذَا عَرَّفَهُ الْمُعْجَمُ الْوَسِيطُ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ جَمْعٌ وَاحِدُهُ تُرَابَةٌ، وَجَمْعُهُ أَتْرِبَةٌ وَتِرْبَانٌ، وَتُرْبَةُ الْأَرْضِ: ظَاهِرُهَا.
وَأَتْرَبْتُ الشَّيْءَ: وَضَعْتُ عَلَيْهِ التُّرَابَ، وَتَرَّبْتُهُ تَتْرِيبًا فَتَتَرَّبَ: أَيْ تَلَطَّخَ بِالتُّرَابِ.وَيُقَالُ: تَرِبَ الرَّجُلُ: إِذَا افْتَقَرَ، كَأَنَّهُ لَصِقَ بِالتُّرَابِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الدُّعَاءَ، بَلِ الْحَثُّ وَالتَّحْرِيضُ.وَيُقَالُ: أَتْرَبَ الرَّجُلُ: أَيِ اسْتَغْنَى، كَأَنَّهُ صَارَ لَهُ مِنَ الْمَالِ بِقَدْرِ التُّرَابِ.
وَفِي الْمُصْطَلَحَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْفَنِّيَّةِ: أَنَّهُ جُزْءُ الْأَرْضِ السَّطْحِيِّ الْمُتَجَانِسِ التَّرْكِيبِ، أَوِ الَّذِي تَتَنَاوَلُهُ آلَاتُ الْحِرَاثَةِ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الرَّمْلَ وَنُحَاتَةَ الصَّخْرِ لَيْسَا مِنَ التُّرَابِ، وَإِنْ أُعْطِيَا حُكْمَهُ فِي بَعْضِ الْمَذَاهِبِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الصَّعِيدُ:
2- الصَّعِيدُ: وَجْهُ الْأَرْضِ تُرَابًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، قَالَ الزَّجَّاجُ: وَلَا أَعْلَمُ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ.
وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الصَّعِيدُ أَعَمَّ مِنَ التُّرَابِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
أ- فِي التَّيَمُّمِ:
3- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَصِحُّ بِكُلِّ تُرَابٍ طَاهِرٍ فِيهِ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْيَدِ، لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صَلَّى حَيْثُ كَانَ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيَّ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ».
وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ بِمَا عَدَا التُّرَابَ، كَالنُّورَةِ وَالْحِجَارَةِ وَالرَّمْلِ وَالْحَصَى وَالطِّينِ الرَّطْبِ وَالْحَائِطِ الْمُجَصَّصِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ التَّيَمُّمِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَصِحُّ إِلاَّ بِالتُّرَابِ الطَّاهِرِ ذِي الْغُبَارِ الْعَالِقِ.وَكَذَا يَصِحُّ بِرَمْلٍ فِيهِ غُبَارٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي قَوْلِ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ.
وَالتَّفَاصِيلُ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مُصْطَلَحِ (تَيَمُّمٌ).
ب- فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ:
4- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَا نَجَسَ بِمُلَاقَاةِ شَيْءٍ، مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، يُغْسَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ.سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لُعَابَهُ أَوْ بَوْلَهُ أَوْ سَائِرَ رُطُوبَاتِهِ أَوْ أَجْزَاءَهُ الْجَافَّةَ إِذَا لَاقَتْ رَطْبًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَفِي أُخْرَى «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» وَأُلْحِقَ الْخِنْزِيرُ بِالْكَلْبِ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا.وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّهِ: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}
وَرُوِيَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةً أُخْرَى بِوُجُوبِ غَسْلِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ ثَمَانِيَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ: «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَعُمَّ التُّرَابُ الْمَحَلَّ، وَأَنْ يَكُونَ طَاهِرًا، وَأَنْ يَكُونَ قَدْرًا يُكَدِّرُ الْمَاءَ، وَيَكْتَفِي بِوُجُودِ التُّرَابِ فِي وَاحِدَةٍ مِنَ الْغَسَلَاتِ السَّبْعِ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ، وَجَعْلُهُ فِي الْأُولَى أَوْلَى.
وَالْأَظْهَرُ تَعَيُّنُ التُّرَابِ جَمْعًا بَيْنَ نَوْعَيِ الطَّهُورِ.فَلَا يَكْفِي غَيْرَهُ، كَأُشْنَانٍ وَصَابُونٍ.وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ التُّرَابُ.وَيَقُومُ مَا ذُكِرَ وَنَحْوُهُ مَقَامَهُ.وَهُنَاكَ رَأْيٌ ثَالِثٌ: بِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ التُّرَابِ عِنْدَ فَقْدِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا يَقُومُ عِنْدَ وُجُودِهِ.وَفِي قَوْلٍ رَابِعٍ: أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيمَا يُفْسِدُهُ التُّرَابُ، كَالثِّيَابِ دُونَ مَا لَا يُفْسِدُهُ.
وَيَرَى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الْخِنْزِيرَ لَيْسَ كَالْكَلْبِ، بَلْ يَكْفِي لِإِزَالَةِ نَجَاسَتِهِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ تُرَابٍ، كَغَيْرِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْوَارِدَ فِي التَّتْرِيبِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْكَلْبِ فَقَطْ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: فَيَرَوْنَ الِاكْتِفَاءَ بِغَسْلِ مَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ مِنَ الْأَوَانِي مِنْ غَيْرِ تَتْرِيبٍ، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ رِوَايَاتِ التَّتْرِيبِ فِي الْحَدِيثِ مُضْطَرِبَةٌ حَيْثُ وَرَدَتْ بِلَفْظِ: «إِحْدَاهُنَّ»، فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى بِلَفْظِ: «أُولَاهُنَّ»، وَفِي ثَالِثَةٍ بِلَفْظِ: «أُخْرَاهُنَّ»، وَفِي رَابِعَةٍ: «السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ»، وَفِي خَامِسَةٍ «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ»، وَالِاضْطِرَابُ قَادِحٌ فَيَجِبُ طَرْحُهَا.ثُمَّ إِنَّ ذِكْرَ التُّرَابِ لَمْ يَثْبُتْ فِي كُلِّ الرِّوَايَاتِ.
وَالتَّفَاصِيلُ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مُصْطَلَحِ: (نَجَاسَةٌ، وَطَهَارَةٌ، وَصَيْدٌ، وَكَلْبٌ).
5- وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْخُفَّ وَالنَّعْلَ إِذَا أَصَابَتْهُمَا نَجَاسَةٌ لَهَا جِرْمٌ كَالرَّوْثِ فَمَسْحُهُمَا بِالتُّرَابِ يُطَهِّرُهُمَا.وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ- رضي الله عنه-: «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- صَلَّى يَوْمًا، فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، فَخَلَعَ الْقَوْمُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ سَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ نَعْلَيْكَ، فَقَالَ- عليه الصلاة والسلام-: أَتَانِي جِبْرِيلُ- عليه السلام- وَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا أَذًى فَخَلَعْتُهُمَا، ثُمَّ قَالَ: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُقَلِّبْ نَعْلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ بِهِمَا أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالْأَرْضِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ لَهُمَا طَهُورٌ»
وَأَمَّا مَا لَا جِرْمَ لَهُ مِنَ النَّجَاسَةِ كَالْبَوْلِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (نَجَاسَةٌ) (وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ).
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، فَيَرَوْنَ أَنَّ التُّرَابَ لَا يُطَهِّرُ الْخُفَّ أَوِ النَّعْلَ، وَأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُمَا إِذَا أُرِيدَ تَطْهِيرَهُمَا.
ج- فِي الصَّوْمِ:
6- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَكْلَ التُّرَابِ وَالْحَصَاةِ وَنَحْوَهُمَا عَمْدًا يُبْطِلُ الصَّوْمَ، وَكَذَلِكَ إِذَا وَصَلَ إِلَى الْجَوْفِ عَنْ طَرِيقِ الْأَنْفِ أَوِ الْأُذُنِ أَوْ نَحْوِهِمَا عَمْدًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ كُلِّ مَا يَصِلُ إِلَى الْجَوْفِ، وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مَبْحَثِ (كَفَّارَةٌ).
أَمَّا الْغُبَارُ الَّذِي يَصِلُ إِلَى الْجَوْفِ عَنْ طَرِيقِ الْأَنْفِ أَوْ نَحْوِهِ بِصُورَةٍ غَيْرِ مَقْصُودَةٍ فَلَا يُفْطِرُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ.
وَيَرَى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الصَّائِمَ لَوْ فَتَحَ فَاهُ عَمْدًا حَتَّى دَخَلَ التُّرَابُ جَوْفَهُ لَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْ جِنْسِهِ.وَالتَّفَاصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (صَوْمٌ).
د- فِي الْبَيْعِ:
7- يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ- أَنَّ بَيْعَ التُّرَابِ مِمَّنْ حَازَهُ جَائِزٌ لِظُهُورِ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ التُّرَابِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا مَرْغُوبٍ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَحْصِيلُ مِثْلِهِ بِلَا تَعَبٍ وَلَا مُؤْنَةٍ.لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَيَّدُوهُ بِأَنْ لَا يَعْرِضَ لَهُ مَا يَصِيرُ بِهِ مَالًا مُعْتَبَرًا كَالنَّقْلِ وَالْخَلْطِ بِغَيْرِهِ.وَالتَّفَاصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ).
هـ- فِي الْأَكْلِ:
8- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى حُرْمَةِ أَكْلِ التُّرَابِ لِمَنْ يَضُرُّهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ كَرَاهَةَ أَكْلِهِ.
وَالتَّفَاصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (أَطْعِمَةٌ).
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
49-موسوعة الفقه الكويتية (حلق)
حَلْقٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْحَلْقُ فِي اللُّغَةِ إِزَالَةُ الشَّعْرِ.يُقَالُ حَلَقَ رَأْسَهُ، أَيْ: أَزَالَ شَعْرَهُ.وَمِنْ مَعَانِيهِ أَيْضًا: الْحُلْقُومُ وَهُوَ مَسَاغُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الْمَرِّيءِ.
وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِكَلِمَةِ الْحَلْقِ عَنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الِاسْتِحْدَادُ:
2- الِاسْتِحْدَادُ حَلْقُ الْعَانَةِ.وَسُمِّيَ اسْتِحْدَادًا لِاسْتِعْمَالِ الْحَدِيدَةِ وَهِيَ الْمُوسَى.فَالِاسْتِحْدَادُ نَوْعٌ مِنَ الْحَلْقِ.
ب- النَّتْفُ:
3- النَّتْفُ لُغَةً نَزْعُ الشَّعْرِ وَالرِّيشِ وَنَحْوِهِ.
وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِكَلِمَةِ النَّتْفِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالْوَجْهُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالنَّتْفِ: أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِزَالَةٌ لِلشَّعْرِ إِلاَّ أَنَّ الْحَلْقَ بِالْمُوسَى وَنَحْوِهِ، وَالنَّتْفَ بِنَزْعِهِ مِنْ جُذُورِهِ
.أَحْكَامُ الْحَلْقِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ (حَلْقِ الشَّعْرِ): حَلْقُ الرَّأْسِ:
4- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ إِمَّا الْفَرْقُ أَوِ الْحَلْقُ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْحَلْقَ سُنَّةٌ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ كَمَا جَاءَ فِي الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِي إِلَى أَنَّ حَلْقَ شَعْرِ الرَّأْسِ بِدْعَةٌ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ، لِأَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- «لَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ إِلاَّ فِي التَّحَلُّلِ مِنَ الْحَجِّ»، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: كَرِهَ مَالِكٌ حَلْقَ الرَّأْسِ لِغَيْرِ الْمُتَحَلِّلِ مِنَ الْإِحْرَامِ، وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ: إِنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِ حَلْقِهِ وَلَوْ لِغَيْرِ الْمُتَعَمِّمِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ فَهُوَ مِنَ الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ حَيْثُ لَمْ يَفْعَلْهُ لِهَوَى نَفْسِهِ وَإِلاَّ كُرِهَ أَوْ حَرُمَ.
وَصَرَّحَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الشَّعْرَ عَلَى الرَّأْسِ زِينَةٌ، وَحَلْقُهُ بِدْعَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ جُمَّةً وَهِيَ مَا أَحَاطَ بِمَنَابِتِ الشَّعْرِ، وَوَفْرَةً وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِحَلْقِ جَمِيعِ الرَّأْسِ لِمَنْ أَرَادَ التَّنْظِيفَ.
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ: فَعَنْهُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَوَارِجِ: «سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ» فَجَعَلَهُ عَلَامَةً لَهُمْ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ، لَكِنْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ، قَالَ حَنْبَلٌ: كُنْتُ أَنَا وَأَبِي نَحْلِقُ رُءُوسَنَا فِي حَيَاةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَيَرَانَا وَنَحْنُ نَحْلِقُ فَلَا يَنْهَانَا.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الْقَزَعُ، وَهُوَ أَنْ يَحْلِقَ بَعْضَ الرَّأْسِ دُونَ بَعْضٍ.وَقِيلَ: أَنْ يَحْلِقَ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةً مِنْهُ.
لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- رَأَى غُلَامًا قَدْ حَلَقَ بَعْضَ رَأْسِهِ، وَتَرَكَ بَعْضَهُ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ».وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «احْلِقْهُ كُلَّهُ أَوْ دَعْهُ كُلَّهُ».وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «نَهَى عَنِ الْقَزَعِ».
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا يَجُوزُ لَهَا حَلْقُ رَأْسِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ لِقَوْلِ أَبِي مُوسَى: «بَرِئَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنَ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ» وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا»،، قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ مُثْلَةٌ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ حَلْقُ الْمَرْأَةِ شَعْرَ رَأْسِهَا لِعُذْرٍ أَوْ وَجَعٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الْكَرَاهَةَ.قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنِ الْمَرْأَةِ تَعْجِزُ عَنْ شَعْرِهَا وَعَنْ مُعَالَجَتِهِ، وَتَقَعُ فِيهِ الدَّوَابُّ، قَالَ: إِذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ.
وَأَمَّا حَلْقُ الْقَفَا- وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْعُنُقِ- فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَنْ لَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِ لِحِجَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
قَالَ الْمَرْوَزِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَلْقِ الْقَفَا فَقَالَ: هُوَ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَحْلِقَ قَفَاهُ وَقْتَ الْحِجَامَةِ.
حَلْقُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ:
5- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ حَلْقُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، وَيُتَصَدَّقُ بِوَزْنِ الشَّعْرِ وَرِقًا (فِضَّةً) ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حَلْقِ شَعْرِ الْمَوْلُودِ الْأُنْثَى، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، لِمَا رُوِيَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَزَنَتْ شَعْرَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَزَيْنَبِ وَأُمِّ كُلْثُومٍ، وَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً.
وَلِأَنَّ هَذَا حَلْقٌ فِيهِ مَصْلَحَةٌ مِنْ حَيْثُ التَّصَدُّقُ، وَمِنْ حَيْثُ حُسْنُ الشَّعْرِ بَعْدَهُ، وَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ مِنْ تَشْوِيهِ الْخَلْقِ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ هُنَا.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَرَوْنَ عَدَمَ حَلْقِ شَعْرِ الْمَوْلُودِ الْأُنْثَى لِحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ مَرْفُوعًا: «كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ.
وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِفَاطِمَةَ لَمَّا وَلَدَتِ الْحَسَنَ: «احْلِقِي رَأْسَهُ، وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِ شَعْرِهِ فِضَّةً عَلَى الْمَسَاكِينِ وَالْأَوْفَاضِ» يَعْنِي أَهْلَ الصُّفَّةِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ حَلْقَ شَعْرِ الْمَوْلُودِ فِي سَابِعِ الْوِلَادَةِ مُبَاحٌ لَا سُنَّةٌ وَلَا وَاجِبٌ.
حَلْقُ الشَّارِبِ:
6- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ حَلْقَ الشَّارِبِ سُنَّةٌ وَقَصُّهُ أَحْسَنُ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: حَلْقُهُ أَحْسَنُ مِنَ الْقَصِّ، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى».وَالْإِحْفَاءُ: الِاسْتِئْصَالُ، وَهُوَ قَوْلٌ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ.
وَيَرَى الْغَزَالِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ.وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الشَّارِبَ لَا يُحْلَقُ، بَلْ يُقَصُّ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ حَلْقِ الشَّارِبِ وَاسْتِحْبَابِ قَصِّهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ حَتَّى يَبِينَ طَرَفُ الشَّفَةِ بَيَانًا ظَاهِرًا.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُسَنُّ حَفُّ الشَّارِبِ أَوْ قَصُّ طَرَفِهِ، وَالْحَفُّ أَوْلَى نَصًّا، (وَفَسَّرُوا الْحَفَّ بِالِاسْتِقْصَاءِ أَيِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْقَصِّ.) وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (شَارِبٌ) وَأَمَّا حَلْقُ اللِّحْيَةِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَفِيهِ خِلَافٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (لِحْيَةٌ).
حَلْقُ شَعْرِ الْمُحْرِمِ:
7- يُحْظَرُ عَلَى الْمُحْرِمِ حَلْقُ رَأْسِهِ أَوْ رَأْسِ مُحْرِمٍ غَيْرِهِ، مَا لَمْ يَفْرُغِ الْحَالِقُ وَالْمَحْلُوقُ لَهُ مِنْ أَدَاءِ نُسُكِهِمَا.وَكَذَا لَوْ حَلَقَ لَهُ غَيْرُهُ حَلَالًا أَوْ مُحْرِمًا يُحْظَرُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَفِي الْمَوْضُوعِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ «إِحْرَامٌ».
الْحَلْقُ لِلتَّحَلُّلِ مِنَ الْإِحْرَامِ:
8- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَلْقَ أَوِ التَّقْصِيرَ نُسُكٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَلَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ فِي الْعُمْرَةِ وَالتَّحَلُّلُ الْأَكْبَرُ فِي الْحَجِّ إِلاَّ مَعَ الْحَلْقِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ- وَهُوَ خِلَافُ الْأَظْهَرِ- وَأَحْمَدُ فِي قَوْلٍ: إِنَّ الْحَلْقَ أَوِ التَّقْصِيرَ لَيْسَ بِنُسُكٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إِطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ فَأُطْلِقَ فِيهِ عِنْدَ الْحِلِّ، كَاللِّبَاسِ وَالطِيبِ وَسَائِرِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا.
فَعَلَى هَذَا الِاتِّجَاهِ لَا شَيْءَ عَلَى تَارِكِ الْحَلْقِ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِدُونِهِ.
هَذَا وَلَا تُؤْمَرُ الْمَرْأَةُ بِالْحَلْقِ بَلْ تُقَصِّرُ لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ وَإِنَّمَا عَلَيْهِنَّ التَّقْصِيرُ».وَرَوَى عَلِيٌّ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى الْمَرْأَةَ أَنْ تَحْلِقَ رَأْسَهَا» وَلِأَنَّ الْحَلْقَ لِلتَّحَلُّلِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ بِدْعَةٌ وَفِيهِ مُثْلَةٌ، وَلِهَذَا لَمْ تَفْعَلْهُ وَاحِدَةٌ مِنْ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.
مِقْدَارُ الْوَاجِبِ حَلْقُهُ لِلتَّحَلُّلِ:
9- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَفْضَلِيَّةِ حَلْقِ جَمِيعِ الرَّأْسِ عَلَى التَّقْصِيرِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} وَالرَّأْسُ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ، وَكَذَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ».
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ مِنَ الْحَلْقِ: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ» فَكَانَ تَفْسِيرًا لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ بِالْحَلْقِ.فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مَنْ حَلَقَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ حَلَقَ رُبْعَ الرَّأْسِ أَجْزَأَهُ وَيُكْرَهُ.أَمَّا الْجَوَازُ فَلِأَنَّ رُبْعَ الرَّأْسِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ فِي الْقُرَبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالرَّأْسِ كَمَسْحِ رُبْعِ الرَّأْسِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ.
وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِأَنَّ الْمَسْنُونَ هُوَ حَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَتَرْكُ الْمَسْنُونِ مَكْرُوهٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ حَلْقًا أَوْ تَقْصِيرًا مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فَتُجْزِئُ الثَّلَاثُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْهَا.وَحَكَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَجْهًا أَنَّهُ يُجْزِئُ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ.قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ غَلَطٌ.
الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ لِلتَّحَلُّلِ:
10- قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ يُجْزِئُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَعْنًى يَقْتَضِي وُجُوبَ الْحَلْقِ عَلَيْهِ.كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ.قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ.قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ».
فَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مُرَّةً، وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْمُحَلِّقِينَ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ الْمُقَصِّرِينَ، وَلِأَنَّ الْحَلْقَ أَكْمَلُ فِي قَضَاءِ التَّفَثِ، وَفِي التَّقْصِيرِ بَعْضُ تَقْصِيرٍ فَأَشْبَهَ الِاغْتِسَالَ مَعَ الْوُضُوءِ.
وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ الْحَلْقُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِنَّ التَّقْصِيرُ كَمَا تَقَدَّمَ.
هَذَا وَلِلتَّفْصِيلِ فِي آدَابِ الْحَلْقِ لِلتَّحَلُّلِ وَزَمَانِهِ وَمَكَانِهِ، وَحُكْمِ تَأْخِيرِهِ عَنْ زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ، تُنْظَرُ أَبْوَابُ الْحَجِّ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَمُصْطَلَحَاتُ (إِحْرَامٌ، إِحْصَارٌ، تَحَلُّلٌ، وَتَحْلِيقٌ).
حَلْقُ الْعَانَةِ وَالْإِبْطِ:
11- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ حَلْقُ الْعَانَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ، لِأَنَّهُ مِنَ الْفِطْرَةِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ»، وَذَكَرَ مِنْهَا الِاسْتِحْدَادَ وَهُوَ حَلْقُ الْعَانَةِ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُسْتَحَبُّ لَهَا النُّتَفُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِحْدَادٌ).
وَأَمَّا حَلْقُ شَعْرِ الْإِبْطِ فَجَائِزٌ لِمَنْ شَقَّ عَلَيْهِ النَّتْفُ، وَالْأَفْضَلُ فِيهِ النَّتْفُ.
حَلْقُ شَعْرِ سَائِرِ الْجَسَدِ:
12- يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَوْ نَبَتَتْ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ أَوْ شَارِبٌ أَوْ عَنْفَقَةٌ كَانَ لَهَا إِزَالَتُهَا بِالْحَلْقِ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا إِزَالَتُهَا.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ حَلْقُ لِحْيَتِهَا وَلَا عَنْفَقَتِهَا وَلَا شَارِبِهَا، وَلَا تَغْيِيرُ شَيْءٍ مِنْ خِلْقَتِهَا بِزِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ مِنْهُ، قَصَدَتْ بِهِ التَّزَيُّنَ لِزَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مُغَيِّرَةٌ خَلْقَ اللَّهِ وَمُتَعَدِّيَةٌ عَلَى مَا نَهَى عَنْهُ.
وَأَمَّا حَلْقُ شَعْرِ سَائِرِ الْجَسَدِ كَشَعْرِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِوُجُوبِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَقَالُوا: يَجِبُ عَلَيْهَا إِزَالَةُ مَا فِي إِزَالَتِهِ جَمَالٌ لَهَا وَلَوْ شَعْرَ اللِّحْيَةِ إِنْ نَبَتَتْ لَهَا لِحْيَةٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِنَّ إِبْقَاءُ مَا فِي إِبْقَائِهِ جَمَالٌ لَهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا حَلْقُ شَعْرِهَا.
وَأَمَّا حَلْقُ شَعْرِ الْجَسَدِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ فَمُبَاحٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقِيلَ: سُنَّةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْجَسَدِ مَا عَدَا الرَّأْسَ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحْلِقُ الرَّجُلُ شَعْرَ حَلْقِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.وَفِي حَلْقِ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالظَّهْرِ تَرْكُ الْأَدَبِ.
وَلَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى نَصٍّ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ.
هَذَا وَلِلْفُقَهَاءِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ فِي حَلْقِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ يُنْظَرُ فِي (تَنَمُّصٌ).
حَلْقُ شَعْرِ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ:
13- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ يُسَنُّ حَلْقُ رَأْسِهِ، لِمَا رُوِيَ «عَنْ عُثَيْمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ: أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ».
قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَظَاهِرُ إِطْلَاقِهِمْ أَيِ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُ الْفَرْقِ هُنَا فِي اسْتِحْبَابِ الْحَلْقِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ.وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَحَلَّ نَدْبِهِ الذَّكَرُ، وَأَنَّ السُّنَّةَ لِلْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى التَّقْصِيرُ كَمَا فِي التَّحَلُّلِ فِي الْحَجِّ.
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ الْأَمْرَ بِحَلْقِ شَعْرِ مَنْ أَسْلَمَ بِمَا إِذَا كَانَ شَعْرُهُ عَلَى غَيْرِ زِيِّ الْعَرَبِ (أَيِ الْمُسْلِمِينَ) كَالْقَزَعَةِ وَشَبَهِهَا، لِمَا رُوِيَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عُثَيْمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ «جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: قَدْ أَسْلَمْتُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ» يَقُولُ: احْلِقْ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي آخَرُ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لآِخَرَ مَعَهُ: «أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ».
وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم- «شَعْرَ الْكُفْرِ» أَيِ الشَّعْرَ الَّذِي مِنْ زِيِّ الْكُفْرِ.
وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَدْخُلُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وَلَمْ يَرَوْا فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْلِقُونَ.
وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يَحْلِقَ عَلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ.
وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا، وَأَطْلَقُوا فِي حَلْقِ الْعَانَةِ وَالْإِبْطَيْنِ.
حَلْقُ شَعْرِ الْمَيِّتِ:
14- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ حَلْقُ شَعْرِ رَأْسِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ لِزِينَةٍ أَوْ نُسُكٍ، وَالْمَيِّتُ لَا نُسُكَ عَلَيْهِ وَلَا يُزَيَّنُ.
وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ حَلْقُ عَانَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ لَمْسِ عَوْرَتِهِ، وَرُبَّمَا احْتَاجَ إِلَى نَظَرِهَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ، فَلَا يُرْتَكَبُ مِنْ أَجْلِ مَنْدُوبٍ أَيْ فِي حَالِ الْحَيَاةِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يُكْرَهُ حَلْقُ شَعْرِ الْمَيِّتِ الَّذِي لَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَيِّ حَلْقُهُ وَإِلاَّ حَرُمَ حَلْقُهُ مِنْ مَيِّتٍ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَحْلِقُ شَعْرَ رَأْسِ الْمَيِّتِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ بِحَلْقِهِ فَفِيهِ الْخِلَافُ، وَكَذَلِكَ لَا يَحْلِقُ شَعْرَ عَانَتِهِ وَإِبْطَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْمُخْتَارُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَالصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم- فِيهِ شَيْءٌ مُعْتَمَدٌ، وَأَجْزَاءُ الْمَيِّتِ مُحْتَرَمَةٌ، فَلَا تُنْتَهَكُ بِذَلِكَ.
ثُمَّ مَحَلُّ كَرَاهَةِ إِزَالَةِ شَعْرِهِ مَا لَمْ تَدْعُ حَاجَةٌ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ كَأَنْ لَبَّدَ شَعْرَ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ بِصَبْغٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ كَانَ بِهِ قُرُوحٌ وَجَمَدَ دَمُهَا، بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إِلَى أُصُولِهِ إِلاَّ بِإِزَالَتِهِ وَجَبَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ.
أَحْكَامُ الْحَلْقِ (بِمَعْنَى مَسَاغِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ):
15- يَتَعَلَّقُ بِالْحَلْقِ أَحْكَامٌ كَذَهَابِ بَعْضِ حُرُوفِ الْحَلْقِ لِجِنَايَةٍ وَوُصُولِ اللَّبَنِ إِلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ مِنَ الْحَلْقِ وَوُصُولِ شَيْءٍ لِحَلْقِ الصَّائِمِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ أُذُنٍ وَوُصُولِ غَيْرِ مُتَحَلِّلٍ لِلْحَلْقِ فِي الصِّيَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ يُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي مَوَاطِنِهَا، وَفِي مُصْطَلَحِ «بُلْعُومٌ».
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
50-موسوعة الفقه الكويتية (مساقاة 3)
مُسَاقَاةٌ -3انْفِسَاخُ الْمُسَاقَاةِ
تَنْفَسِخُ الْمُسَاقَاةِ بِالْمَوْتِ، وَمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَتَصَرُّفِ الْمَالِكِ، وَالْفَسْخِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
أ- الْمَوْتُ:
44- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي فَسْخِ الْمُسَاقَاةِ بِالْمَوْتِ.
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: تَبْطُلُ الْمُسَاقَاةُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ، فَلَوْ طَرَأَ الْمَوْتُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَا يُلْزَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ لِلْآخَرِ.
وَلَوْ طَرَأَ الْمَوْتُ بَعْدَ نُضْجِ الثَّمَرِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَقُسِمَ الثَّمَرُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ.
وَلَوْ طَرَأَ الْمَوْتُ وَالثَّمَرُ فِجٌّ فَقَالُوا بِبَقَاءِ الْعَقْدِ حُكْمًا وَإِنْ بَطَلَ قِيَاسًا، وَفَرَّقُوا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
الْحَالُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَمُوتَ رَبُّ الْأَرْضِ وَلَمَّا يَنْضَجِ الثَّمَرُ، بِأَنْ كَانَ بُسْرًا أَوْ فِجًّا، فَيَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ بِهِ حَتَّى يَنْضَجَ وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ وَرَثَتُهُ لِأَنَّ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ إِضْرَارًا بِهِ وَإِبْطَالًا لِمَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ وَهُوَ تَرْكُ الثِّمَارِ فِي الْأَشْجَارِ إِلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ، فَإِذَا انْتَقَضَ الْعَقْدُ، تَكَلَّفَ الْجُذَاذَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَإِذَا جَازَ نَقْضُ الْإِجَارَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَلِأَنْ يَجُوزَ بَقَاؤُهَا لِدَفْعِهِ أَوْلَى، وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْوَرَثَةِ فَلَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَحَمُّلَ الضَّرَرَ وَرَضِيَ بِقَطْعِ الثَّمَرِ فِجًّا أَوْ بُسْرًا، تَخَيَّرَ وَرَثَةُ الْمَالِكِ بَيْنَ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَقْسِمُوا الْبُسْرَ عَلَى الشَّرْطِ.
الثَّانِي: أَنْ يُعْطُوهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ يَوْمَئِذٍ فِجًّا، وَيَبْقَى الثَّمَرُ لَهُمْ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي ثُمَّ يَرْجِعُوا عَلَى الْعَامِلِ بِجَمِيعِ مَا أَنْفَقُوا، لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِمْ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَامِلَ لَمَّا امْتَنَعَ عَنِ الْعَمَلِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إِبْقَاءَ الْعَقْدِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْبُطْلَانِ وَهُوَ الْمَوْتُ اسْتِحْسَانًا لِلنَّظَرِ لَهُ وَقَدْ تَرَكَ هُوَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ، فَيُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَمُوتَ الْعَامِلُ وَالثَّمَرُ كَذَلِكَ بُسْرٌ، فَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ، إِنْ شَاءَ يَسْتَمِرَّ عَلَى الْعَمَلِ حَتَّى نُضُوجِ الثَّمَرِ وَلَا يَحِقُّ لِصَاحِبِ الْأَشْجَارِ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ نَظَرَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْجَانِبَيْنِ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْوَارِثُ عَنِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الْعَمَلِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ، وَلَكِنْ يَكُونُ صَاحِبُ الشَّجَرِ مُخَيَّرًا بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ التَّالِيَةِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: إِنْ شَاءَ اقْتَسَمَ الثَّمَرَ الْغَيْرَ النَّاضِجِ مَعَ الْوَارِثِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوطِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: وَإِنْ شَاءَ أَدَّى لِلْوَارِثِ حِصَّتَهُ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرِ الْغَيْرِ النَّاضِجِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَإِنْ شَاءَ يَصْرِفْ قَدْرًا مَعْرُوفًا بِإِذْنِ الْقَاضِي وَيَسْتَمِرُّ عَلَى الْعَمَلِ، وَيَأْخُذُ الْمَبْلَغَ الْمَصْرُوفَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْوَارِثِ، وَلَكِنْ لَا يَتَجَاوَزُ هَذَا الْمَبْلَغُ الْمَصْرُوفُ فِي أَيِّ حَالٍ حِصَّتَهُ مِنَ الثَّمَرِ.
الْحَالُ الثَّالِثُ: إِذَا تُوُفِّيَ كِلَاهُمَا فَيَكُونُ وَرَثَةُ الْعَامِلِ مُخَيَّرِينَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ آنِفًا لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَ الْعَامِلِ، وَقَدْ كَانَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ هَذَا الْخِيَارُ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْأَرْضِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَالَ الدَّرْدِيرُ: وَإِذَا لَمْ تَنْفَسِخْ- أَيِ الْمُسَاقَاةُ- بِالْفَلَسِ الطَّارِئِ فَكَذَا بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَالْفَلَسِ، وَالْمُسَاقَاةَ كَالْكِرَاءِ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُتَكَارِيَيْنِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ فِي أَحْوَالٍ خَاصَّةٍ وَفَرَّقُوا بَيْنَ مَوْتِ الْمَالِكِ وَمَوْتِ الْعَامِلِ:
فَإِنْ مَاتَ مَالِكُ الشَّجَرِ فِي أَثَنَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ تَنْفَسِخِ الْمُسَاقَاةُ بَلْ يَسْتَمِرُّ الْعَامِلُ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ.
وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ الْوَارِثُ، أَيْ إِذَا سَاقَى الْمُوَرِّثُ مَنْ يَرِثُهُ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّ الْمُسَاقَاةَ تَنْفَسِخُ وَكَذَا لَوْ سَاقَى الْبَطْنُ الْأَوَّلُ الْبَطْنَ الثَّانِيَ ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ فِي أَثَنَاءِ الْمُدَّةِ وَكَانَ الْوَقْفُ وَقْفَ تَرْتِيبٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَنْفَسِخَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ.
وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَيْنِهِ أَوْ عَلَى ذِمَّتِهِ: فَإِنْ كَانَتِ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَيْنِهِ انْفَسَخَتِ الْمُسَاقَاةُ بِمَوْتِهِ كَمَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ الْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ، وَقَيَّدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إِذَا مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ وَإِلاَّ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ إِلاَّ نَحْوُ التَّجْفِيفِ فَلَا تَنْفَسِخُ.
وَإِنْ كَانَتِ الْمُسَاقَاةُ عَلَى الذِّمَّةِ، فَوَجْهَانِ:
الْأَوَّلُ: تَنْفَسِخُ، لِأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِيَدِ غَيْرِهِ، وَالثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ: لَا تَنْفَسِخُ كَالْإِجَارَةِ بَلْ يُنْظَرُ:
أ- إِنْ خَلَّفَ تَرِكَةً تَمَّمَ وَارِثُهُ الْعَمَلَ، بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ وَإِلاَّ، فَإِنْ أَتَمَّ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ أَوِ اسْتَأْجَرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يُتَمِّمُ، فَعَلَى الْمَالِكِ تَمْكِينُهُ إِنْ كَانَ مُهْتَدِيًا إِلَى أَعْمَالِ الْمُسَاقَاةِ وَيُسَلِّمُ لَهُ الْمَشْرُوطَ، وَإِنْ أَبَى لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ.
ب- وَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً لَمْ يَقْتَرِضْ عَلَى الْمَيِّتِ وَلِلْوَارِثِ أَنْ يُتِمَّ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَالِهِ وَيُسَلِّمَ لَهُ الْمَشْرُوطَ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ فَإِنْ أَبَى لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ أُجْرَةَ الْعَمَلِ الْمَاضِي وَفُسِخَ الْعَقْدُ لِلْمُسْتَقْبَلِ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ، فَالْمُسَاقَاةُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهَا كَمَا لَوْ فَسَخَهَا أَحَدُهُمَا.
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِهَا- وَهُوَ غَيْرُ الظَّاهِرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ- فَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَيَجْرِي الْحُكْمُ عَلَى نَحْوِ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ فِي مَوْتِ الْعَامِلِ وَلَمْ يَتْرُكْ تَرِكَةً، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرِكَةٌ أَوْ تَعَذَّرَ الِاسْتِئْجَارُ مِنْهَا بِيعَ مِنْ نَصِيبِ الْعَامِلِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِتَكْمِيلِ الْعَمَلِ وَاسْتُؤْجِرَ مَنْ يَعْمَلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ أَيْ نَصِيبَ الْعَامِلِ هُوَ أَوْ وَارِثُهُ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ بِالْعَمَلِ جَازَ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ.
ب- مُضِيُّ الْمُدَّةِ:
45- الْغَالِبُ أَنْ تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْمُسَاقَاةِ وَقَدْ نَضِجَ الثَّمَرُ فَيَنْتَهِي الْعَقْدُ وَيُقْسَمُ الثَّمَرُ عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ يَحْدُثُ أَنْ تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْمُسَاقَاةِ وَالثَّمَرُ فِجٌّ، وَالْقِيَاسُ يَقْضِي بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ كَمَا يَقْضِي بِبُطْلَانِهِ لِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، لَكِنَّ الِاسْتِحْسَانَ يَقْضِي بِبَقَائِهِ حُكْمًا هُنَا كَمَا قَضَى بِبَقَائِهِ هُنَاكَ بِسَبَبِ الْمَوْتِ، وَذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَفْقَ الْأَحْكَامِ التَّالِيَةِ:
أ- يَتَخَيَّرُ الْعَامِلُ بَيْنَ الْمُضِيِّ فِي الْعَمَلِ عَلَى الشَّرْطِ حَتَّى يُدْرِكَ وَبَيْنَ تَرْكِهِ.
ب- إِذَا اخْتَارَ الْمُضِيَّ فِي الْعَمَلِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَجْرُ حِصَّتِهِ حَتَّى يُدْرِكَ الثَّمَرُ، لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ، وَهُوَ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ حَيْثُ يَجِبُ الْأَجْرُ عَلَيْهِ لِجَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ.
ج- الْعَمَلُ كُلُّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْعَامِلِ وَحْدَهُ هُنَا، لِعَدَمِ وُجُوبِ الْأَجْرِ عَلَيْهِ لِصَاحِبِ الشَّجَرِ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ، فَإِنَّ الْعَمَلَ فِيهَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا بِنِسْبَةِ- حِصَصِهِمَا، لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ مِنْ أَجْرِ الْأَرْضِ بِنِسْبَةِ نَصِيبِهِ مِنَ الْخَارِجِ وَجَبَ عَلَى الْمَالِكِ عَمَلُ مِثْلِ نِسْبَةِ نَصِيبِهِ مِنَ الْخَارِجِ، لِأَنَّ بِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ أَصْبَحَ الزَّرْعُ مَالًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا.
وَإِنِ اخْتَارَ الْعَامِلُ التَّرْكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْعَمَلِ، لَكِنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ قَطْفِ الثَّمَرِ فِجًّا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْمَالِكِ وَيَتَخَيَّرُ هَذَا عِنْدَئِذٍ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ سَابِقًا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ انْفِسَاخِ الْمُسَاقَاةِ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي هَذَا الْأَمْرِ:
فَإِنِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَحْصُلِ الطَّلْعُ، فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيمَا عَمِلَ وَيَضِيعُ تَعَبُهُ فِي الْمُدَّةِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَمَرَةٌ، لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ.
وَإِنِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَعَلَى الشَّجَرِ الطَّلْعُ فَعِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ يَكُونُ التَّعَهُّدُ إِلَى الْإِدْرَاكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي عَصْرُونَ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ لِتَبْقِيَتِهَا أُجْرَةً.
وَلِأَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنَ الثَّمَرِ بِظُهُورِهِ وَانْعِقَادِهِ بَعْدَ الظُّهُورِ.
وَإِنْ أَدْرَكَتِ الثِّمَارُ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَعْمَلَ بَقِيَّتَهَا بِغَيْرِ أُجْرَةٍ.
ج- الِاسْتِحْقَاقُ:
46- إِذَا اسْتُحِقَّ الشَّجَرُ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ وَفَسَخَ الْمُسْتَحِقُّ الْمُسَاقَاةَ تَنْفَسِخُ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُنْظَرُ: فَإِذَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ حَصَلَ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ مِنْ صَاحِبِ الشَّجَرِ، وَإِذَا كَانَ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرِ فَلَا يَأْخُذُ الْعَامِلُ شَيْئًا.
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَدْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ عَلَى تَفْصِيلٍ ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ الْأُخْرَى.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا اسْتَحَقَّ الْحَائِطَ بَعْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ فِيهِ خُيِّرَ الْمُسْتَحِقُّ بَيْنَ إِبْقَاءِ الْعَمَلِ وَفَسْخِ عَقْدِهِ، لِكَشْفِ الْغَيْبِ أَنَّ الْعَاقِدَ لَهُ غَيْرُ مَالِكٍ، وَحِينَئِذٍ فَيَدْفَعُ لَهُ أُجْرَةَ عَمَلِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ خَرَجَ الثَّمَرُ بَعْدَ الْعَمَلِ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِ الْمُسَاقِي كَأَنْ أَوْصَى بِثَمَنِ الشَّجَرِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ أَوْ خَرَجَ الشَّجَرُ مُسْتَحَقًّا فَلِلْعَامِلِ عَلَى الْمُسَاقِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِعَمَلِهِ، لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَنَافِعَهُ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ فَيَرْجِعُ بِبَدَلِهَا، هَذَا إِذَا عَمِلَ جَاهِلًا بِالْحَالِ، فَإِنْ عَلِمَ الْحَالَ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَكَذَا إِذَا كَانَ الْخُرُوجُ قَبْلَ الْعَمَلِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ ظَهَرَ الشَّجَرُ مُسْتَحَقًّا بَعْدَ الْعَمَلِ أَخَذَ الشَّجَرَ رَبُّهُ وَأَخَذَ ثَمَرَتَهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَلَا حَقَّ لِلْعَامِلِ فِي ثَمَرَتِهِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى رَبِّ الشَّجَرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْعَمَلِ وَلِلْعَامِلِ عَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَاسْتَعْمَلَهُ.
وَقَالُوا أَيْضًا: وَإِنِ اسْتُحِقَّتِ الثَّمَرَةُ بَعْدَ أَنِ اقْتَسَمَهَا الْغَاصِبُ وَالْعَامِلُ وَأَكَلَاهَا فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ فَلَهُ تَضْمِينُهُ الْكُلَّ وَلَهُ تَضْمِينُهُ قَدْرَ نَصِيبِهِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ سَبَبُ يَدِ الْعَامِلِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُ الْجَمِيعِ، وَلَهُ تَضْمِينُ الْعَامِلِ قَدْرَ نَصِيبِهِ لِتَلَفِهِ تَحْتَ يَدِهِ فَإِنْ ضَمَّنَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ الْكُلَّ رَجَعَ عَلَى الْعَامِلِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ، وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ عَلَى الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ.
د- تَصَرُّفُ الْمَالِكِ:
47- الْمُرَادُ بِتَصَرُّفِ الْمَالِكِ: بَيْعُ الْمَالِكِ الْحَدِيقَةَ الَّتِي سَاقَى عَلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ أَوْ هِبَتُهَا؛ أَوْ رَهْنُهَا، أَوْ وَقْفُهَا.
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: بَيْعُ الْحَدِيقَةِ الَّتِي سَاقَى عَلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ يُشْبِهُ بَيْعَ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيُّ: أَنَّ الْمَالِكَ إِنْ بَاعَهَا قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ لِلْعَامِلِ حَقًّا فِي ثِمَارِهَا، فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى بَعْضَ الثَّمَرَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَشْجَارِ وَنَصِيبُ الْمَالِكِ مِنَ الثِّمَارِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّهَا مَبِيعَةٌ مَعَ الْأُصُولِ، وَيَكُونُ الْعَامِلُ مَعَ الْمُشْتَرِي كَمَا كَانَ مَعَ الْبَائِعِ.
وَإِنْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنَ الثَّمَرَةِ وَحْدَهَا، لَمْ يَصِحَّ لِلْحَاجَةِ إِلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَتَعَذُّرِهِ فِي الشَّائِعِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَغَوِيُّ حَسَنٌ.
قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْأَرْضَ وَقَدْ سَاقَاهَا صَاحِبُهَا رَجُلًا قَبْلَ ذَلِكَ سِنِينَ، فَقَالَ الْمُسَاقِي: أَنَا أَحَقُّ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَنِي (فَقَالَ) لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ سِقَائِهِ إِلاَّ أَنْ يَتَرَاضَيَا.
هـ- الْفَسْخُ بِالْإِقَالَةِ وَالْعُذْرِ
48- لَمَّا كَانَتِ الْمُسَاقَاةُ عَقْدًا لَازِمًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ كَمَا سَبَقَ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِفَسْخِهَا، وَإِنَّمَا تُفْسَخُ بِمَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ وَذَلِكَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:
الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: الِاتِّفَاقُ الصَّرِيحُ عَلَى الْفَسْخِ وَالْإِقَالَةِ، وَلَا يُخَالِفُ فِي هَذَا أَحَدٌ.
وَالَّذِينَ يَرَوْنَ مِنَ الْفُقَهَاءِ- كَالْحَنَابِلَةِ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِمْ- أَنَّ الْمُسَاقَاةَ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ، يَسْتَجِيزُونَ لِكِلَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْفَسْخَ، فَإِنْ وَقَعَ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ، فَالثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ وَعَلَى الْعَامِلِ إِتْمَامُ الْعَمَلِ، وَإِنْ وَقَعَ الْفَسْخُ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ: فَإِنْ كَانَ الَّذِي فَسَخَ هُوَ الْعَامِلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ، لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَالِكَ فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ إِتْمَامَ عَمَلِهِ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: الْفَسْخُ بِالْعُذْرِ: وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى مَذْهَبَيْنِ:
الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ: جَوَازُ الْفَسْخِ لِحُدُوثِ عُذْرٍ بِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ الْعَقْدُ حِينَ الْعُذْرِ لَلَزِمَ صَاحِبَ الْعُذْرِ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُمُ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَصْلِ جَوَازِ الْفَسْخِ بِالْعُذْرِ.
الْمَذْهَبُ الثَّانِي: عَدَمُ جَوَازِ الْفَسْخِ بِالْأَعْذَارِ، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ وَهُوَ بِاتِّفَاقِهِمَا فَلَا يَنْفَسِخُ إِلاَّ بِاتِّفَاقِهِمَا.
(ر: إِجَارَةٌ ف 64- 65).
نَوْعَا الْفَسْخِ بِالْعُذْرِ
الْعُذْرُ لِجِهَةِ الْعَاقِدَيْنِ نَوْعَانِ: عُذْرُ الْمَالِكِ، وَأَعْذَارُ الْعَامِلِ.
الْأَوَّلُ: عُذْرُ الْمَالِكِ:
49- فَمِنْ عُذْرِ الْمَالِكِ أَنْ يَفْدَحَهُ دَيْنٌ لَا يَجِدُ لَهُ قَضَاءً إِلاَّ بِبَيْعِ الشَّجَرِ، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ أَمْكَنَ الْفَسْخُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِالْعَامِلِ، كَأَنْ يَفْسَخَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَامِلُ أَوْ بَعْدَ أَنْ عَمِلَ وَقَدْ أَدْرَكَ الثَّمَرُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ الْأَرْضَ بِدَيْنِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ يَفْسَخُ الْعَقْدَ وَلَا تَنْفَسِخُ الْمُسَاقَاةُ بِمُجَرَّدِ طُرُوءِ الْعُذْرِ.
وَتَجْوِيزُ الْفَسْخِ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْمَالِكِ إِذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ فِي الْعَقْدِ إِلاَّ بِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ الضَّرَرُ وَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى فَسْخِ الْإِجَارَةِ بِهِ.
وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْفَسْخُ إِلاَّ بِضَرَرٍ، كَمَا لَوْ كَانَ بَعْدَ أَنْ عَمِلَ الْعَامِلُ وَقَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ الثَّمَرُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ وَلَا أَنْ يَبِيعَ الشَّجَرَ، بَلْ يَبْقَى حُكْمُ الْعَقْدِ حَتَّى يَبْلُغَ الثَّمَرُ، فَعِنْدَئِذٍ يَبِيعُ نَصِيبَهُ مِنَ الثَّمَرِ، وَيَبِيعُ الشَّجَرَ فِي دَيْنِهِ، وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ، لِأَنَّ الشَّرِكَةَ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا فِي الثَّمَرِ، وَلِإِدْرَاكِهِ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَفِي الِانْتِظَارِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَفِي نَقْضِ الْمُعَامَلَةِ إِضْرَارٌ بِالْعَامِلِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ فِيهِ إِبْطَالَ حَقِّهِ مِنْ نَصِيبِ الثَّمَرِ، فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ قُلْنَا: يُمْنَعُ الْمَالِكُ مِنْ بَيْعِ الشَّجَرِ، وَيَبْقَى الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا إِلَى أَنْ يُدْرِكَ مَا خَرَجَ مِنَ الثَّمَرِ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمُسَاقَاةَ لَا تَنْفَسِخُ بِإِفْلَاسِ الْمَالِكِ إِذَا طَرَأَ الْفَلَسُ عَلَى الْعَقْدِ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ، بَلْ يُبَاعُ الشَّجَرُ عَلَى أَنَّهُ مُسَاقًى وَلَوْ كَانَتِ الْمُسَاقَاةُ سِنِينَ، كَمَا تُبَاعُ الدَّارُ عَلَى أَنَّهَا مُسْتَأْجَرَةٌ.
الثَّانِي: أَعْذَارُ الْعَامِلِ:
50- مِنْ أَهَمِّ أَعْذَارِ الْعَامِلِ:
أ- عَجْزُ الْعَامِلِ عَنِ الْعَمَلِ.
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا عَجَزَ الْعَامِلُ عَنِ الْعَمَلِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ أَوِ الشَّيْخُوخَةِ.
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا عَجَزَ الْعَامِلُ عَنِ الْعَمَلِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ الَّذِي يُضْعِفُهُ عَنِ الْعَمَلِ، أَوِ الشَّيْخُوخَةِ، جَازَ فَسْخُ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ إِلْزَامَهُ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ زِيَادَةُ ضَرَرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْعَقْدِ، كَمَا لَا يُؤْمَرُ بِاسْتِئْجَارِ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَهُ لِأَنَّ فِيهِ أَيْضًا إِلْحَاقَ ضَرَرٍ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فِي الْعَقْدِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا عَجَزَ الْعَامِلُ وَقَدْ حَلَّ بَيْعُ الثَّمَرِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ وَإِنْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ اسْتُؤْجِرَ مِنْ حَظِّهِ مِنَ الثَّمَرِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا ضَعُفَ الْعَامِلُ وَهُوَ أَمِينٌ، ضُمَّ إِلَيْهِ عَامِلٌ قَوِيٌّ أَمِينٌ وَلَا تُنْزَعُ يَدُهُ، لِأَنَّ الْعَمَلَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَلَا ضَرَرَ فِي بَقَاءِ يَدِهِ.
أَمَّا إِنْ عَجَزَ بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّهُ يُقَامُ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهِ وَلَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ، لِأَنَّ عَلَيْهِ تَوْفِيَةَ الْعَمَلِ وَهَذَا مِنْ تَوْفِيَتِهِ.
وَلِلشَّافِعِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي جَوَازِ الْفَسْخِ لِطُرُوءِ الْمَرَضِ عَلَى عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ وَكَذَا الْهَرَبُ أَوِ الْحَبْسُ أَوِ الِامْتِنَاعُ عَنِ الْعَمَلِ، سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعَمَلِ أَوْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ.
قَالُوا: إِنْ تَبَرَّعَ غَيْرُهُ بِعَمَلِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُتَبَرِّعُ الْمَالِكَ، بَقِيَ حَقُّ الْعَامِلِ، لِأَنَّ مَا يُنْفِقُهُ أَحَدُهُمَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ يُعْتَبَرُ مُتَبَرِّعًا فِيهِ.
لَكِنْ إِنْ كَانَ الْمُتَبَرِّعُ أَجْنَبِيًّا فَلِلْمَالِكِ فَسْخُ الْعَقْدِ، إِذْ قَدْ لَا يَرْضَى بِدُخُولِهِ مِلْكَهُ.
وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ غَيْرُهُ رُفِعَ الْأَمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ لِلْعَامِلِ مَالٌ وَالْمُسَاقَاةُ عَلَى ذِمَّتِهِ: اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَنْ يُتِمُّ الْعَمَلَ، وَإِلاَّ بِأَنْ كَانَتِ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَيْنِ الْعَامِلِ لَا يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ الْإِبْقَاءِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَامِلِ مَالٌ فَإِنْ ظَهَرَتِ الثَّمَرَةُ اسْتَأْجَرَ مِنْهَا، وَإِلاَّ فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِئْجَارُ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِمُؤَجَّلٍ إِلَى ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ اقْتَرَضَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِكِ أَوْ غَيْرِهِ وَيُوَفَّى نَصِيبَهُ مِنَ الثَّمَرَةِ، أَوْ أَذِنَ الْمَالِكُ فِي الْإِنْفَاقِ، لَكِنْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا أَنْفَقَ.
أَمَّا إِنْ لَمْ يَقْدِرِ الْمَالِكُ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى الْحَاكِمِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَاكِمٌ، أَوْ رَفَضَ الْحَاكِمُ إِجَابَتَهُ، أَوْ عَجَزَ عَنْ إِثْبَاتِ دَعْوَاهُ مَرَضُ الْعَامِلِ أَوْ هَرَبُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْمَالِكِ الْإِشْهَادُ عَلَى مَا يُنْفِقُهُ أَوْ يَعْمَلُهُ إِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ بِمَا أَنْفَقَ أَوْ بِأُجْرَةِ مَا عَمِلَ، وَوَجَبَ أَيْضًا التَّصْرِيحُ بِالرُّجُوعِ فِي إِشْهَادِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِشْهَادُهُ كَذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِشْهَادُ أَيْضًا لَا رُجُوعَ لَهُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ، وَلَكِنْ لَهُ الْحَقُّ فِي الْفَسْخِ إِنْ شَاءَ.
ب- سَفَرُ الْعَامِلِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، لِمُطَالَبَةِ غَرِيمٍ لَهُ أَوِ الْحَجِّ.
ج- تَرْكُ حِرْفَتِهِ، لِأَنَّ مِنَ الْحِرَفِ مَا لَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ فَيَحْتَاجُ إِلَى الِانْتِقَالِ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُهُ مِنَ الْعَمَلِ.
وَمَعَ ذَلِكَ ذُكِرَتْ- عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- رِوَايَتَانِ فِي الْفَسْخِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ- الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ وَتَرْكِ الْحِرْفَةِ- وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ عَلَيْهَا أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ صَحَّحُوا التَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِمْ: إِنَّهَا عُذْرٌ يُبِيحُ الْفَسْخَ إِذَا شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ، كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعُذْرٍ مُبِيحٍ لِلْفَسْخِ إِذَا أَطْلَقَ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَنِيبَ غَيْرَهُ فِي الْعَمَلِ مَنَابَهُ.
وَفِي كَيْفِيَّةِ الْفَسْخِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا رِوَايَتَانِ: فَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْفَسْخُ بِالْقَضَاءِ.
فَيَنْفَرِدُ ذُو الْعُذْرِ بِالْفَسْخِ، وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ أَوِ التَّرَاضِي.
د- إِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَامِلَ لِصٌّ، يُخَافُ مِنْهُ عَلَى الشَّجَرِ أَوِ الثَّمَرِ فَلِلْمَالِكِ فَسْخُ الْعَقْدِ.وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَتْ خِيَانَةُ الْعَامِلِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ أَوْ يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ مِنَ الْعَامِلِ عَلَى الْمَالِكِ ضُمَّ إِلَيْهِ مُشْرِفٌ إِلَى أَنْ يَتِمَّ الْعَمَلُ، وَعَلَى الْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمُشْرِفِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُهُ بِالْمُشْرِفِ اسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِ الْعَامِلِ عَامِلٌ يُتِمُّ الْعَمَلَ، وَعَلَى الْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمُشْرَفِ أَيْضًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ ثَبَتَتْ خِيَانَةُ عَامِلٍ فِي الْمُسَاقَاةِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ ضُمَّ إِلَيْهِ مُشْرِفٌ إِلَى أَنْ يُتِمَّ الْعَمَلَ وَلَا تُزَالُ يَدُهُ، لِأَنَّ الْعَمَلَ حَقٌّ عَلَيْهِ وَيُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، فَتَعَيَّنَ سُلُوكُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَأُجْرَةُ الْمُشْرِفِ عَلَيْهِ، نَعَمْ لَوْ لَمْ تَثْبُتِ الْخِيَانَةُ وَلَكِنِ ارْتَابَ الْمَالِكُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُضَمُّ إِلَيْهِ مُشْرِفٌ وَأُجْرَتُهُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَالِكِ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَفَّظْ بِالْمُشْرِفِ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَاسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْعَامِلِ مَنْ يُتِمُّ الْعَمَلَ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْهُ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ، نَعَمْ إِنْ كَانَتِ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَيْنِهِ فَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنَّهُ لَا يَسْتَأْجِرُ عَنْهُ بَلْ يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، وَلَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُتَحَفَّظَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ التَّحَفُّظُ سَاقَى الْحَاكِمُ عَلَيْهِ عَامِلًا آخَرَ.
ثُمَّ إِنْ كَانَ الْجُزْءُ الْمُتَّفَقُ عَلَى الْعَامِلِ الثَّانِي أَقَلَّ مِنَ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ فَالزِّيَادَةُ لَهُ وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ.
أَحْكَامُ الْفَسْخِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ:
51- إِذَا حَدَثَتْ هَذِهِ الْعَوَارِضُ قَبْلَ أَنْ يُثْمِرَ الشَّجَرُ انْتَقَضَ الْعَقْدُ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ وَإِنْ كَانَ قَدْ سَقَى الشَّجَرَ وَقَامَ عَلَيْهِ وَحَفِظَهُ، لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ شَرِكَةٌ فِي الْخَارِجِ، وَلَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ بِهِ تَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ، قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَقِيلَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْوَاجِبِ اسْتِرْضَاءُ الْعَامِلِ فِي الدِّيَانَةِ.
وَإِنْ حَدَثَتْ بَعْدَ أَنْ أَزْهَرَ الشَّجَرُ أَوْ أَثْمَرَ وَلَمَّا يَنْضَجْ بَعْدُ فَالْحُكْمُ مَا يَأْتِي:
أ- يَبْقَى الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا فِي الْعَقْدِ حَتَّى يَكْتَمِلَ نُضْجُهُ.
ب- الْعَمَلُ فِي الشَّجَرِ فِيمَا بَقِيَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي مَالٍ مُشْتَرَكٍ لَمْ يُشْتَرَطِ الْعَمَلُ فِيهِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا.
ج- عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَدْفَعَ أَجْرَ مِثْلِ نِصْفِ الشَّجَرِ إِلَى الْمَالِكِ، لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ بِالْفَسْخِ، وَفِي قَطْفِ الثَّمَرِ فِي حَالِهِ الرَّاهِنَةِ إِضْرَارٌ بِهِ، وَفِي تَرْكِهِ بِلَا أَجْرٍ إِضْرَارٌ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ فَكَانَ فِي التَّرْكِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ نَظَرٌ لِلطَّرَفَيْنِ.
د- وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّجَرِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، رِعَايَةً لِحَقِّ الْعَامِلِ إِلاَّ أَنْ يُجِيزَهُ وَيُسْقِطَ حَقَّهُ.
وَالْمَالِكِيَّةُ يُجِيزُونَ بَيْعَ الشَّجَرِ وَهُوَ مُسَاقًى وَلَوْ كَانَتِ الْمُسَاقَاةُ إِلَى سِنِينَ كَمَا تُبَاعُ الدَّارُ عَلَى أَنَّهَا مُسْتَأْجَرَةٌ.
هـ- إِنِ اسْتُحِقَّتِ الْأَرْضُ أَوِ الشَّجَرُ كَانَ الثَّمَرُ لِلْمُسْتَحِقِّ لِتَبَعِيَّتِهِ لِلشَّجَرِ وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ عَلَى الَّذِي دَفَعَ إِلَيْهِ الشَّجَرَ مُسَاقَاةً بِأَجْرِ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ، لِفَسَادِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ فِي الْمُسَاقَاةِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الثَّمَرِ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ مُسْتَوْفًى بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، فَيَسْتَوْجِبُ أَجْرَ الْمِثْلِ.
وَإِنْ حَدَثَتْ هَذِهِ الْعَوَارِضُ بَعْدَ نُضْجِ الثَّمَرِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ.
حُكْمُ الْجَائِحَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْمُسَاقَاةِ
52- إِذَا أُجِيحَ الْحَائِطُ كُلُّهُ انْفَسَخَتْ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ، وَهَذَا مُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْبَغَوِيَّ قَالَ: إِنَّهُ إِذَا تَلِفَتِ الثِّمَارُ كُلُّهَا بِالْجَائِحَةِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: نَقَلَ الْمُتَوَلِّي: أَنَّهُ إِذَا لَمْ تُثْمِرِ الْأَشْجَارُ أَصْلًا أَوْ تَلِفَتِ الثِّمَارُ كُلُّهَا بِجَائِحَةٍ أَوْ غَصْبٍ، فَعَلَى الْعَامِلِ إِتْمَامُ الْعَمَلِ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ، كَمَا أَنَّ عَامِلَ الْقِرَاضِ يُكَلَّفُ التَّنْضِيضَ وَإِنْ ظَهَرَ خُسْرَانٌ وَلَمْ يَنَلْ إِلاَّ التَّعَبَ، وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ: أَنَّهُ إِذَا تَلِفَتِ الثِّمَارُ كُلُّهَا بِالْجَائِحَةِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ وَتَكَامُلِ الثِّمَارِ. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا هَلَكَ بَعْضُهُ عَلَى تَفْصِيلٍ ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَإِذَا أُجِيحَ بَعْضُ الْحَائِطِ سَقَطَ عَنْهُ بَعْضُ مَا أُجِيحَ مِنْهُ، إِذَا كَانَ لَا يُرْجَى مِنْهُ ثَمَرَةٌ، وَمَا جُذَّ مِنَ النَّخْلِ لَمْ يَلْزَمْهُ سَقْيُهَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْقِيَ مَا لَمْ يَجُذَّ حَتَّى يَجُذَّ وَإِنْ جَذَّ غَيْرُهُ قَبْلَهُ.
وَإِنْ أُجِيحَ ثُلُثُهُ فَصَاعِدًا فَعَنْ مَالِكٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الْعَامِلَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ فَسْخِ الْمُسَاقَاةِ وَالْإِقَامَةِ عَلَيْهَا، وَالْأُخْرَى: أَنَّ الْمُسَاقَاةَ لَازِمَةٌ لَهُمَا، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْجَائِحَةُ أَتَتْ عَلَى قِطْعَةٍ مِنَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ بِعَيْنِهَا، فَتَنْفَسِخُ الْمُسَاقَاةُ فِيهَا وَحْدَهَا دُونَ مَا سِوَاهَا.
وَإِنْ أَتْلَفَتِ الْجَائِحَةُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الْحَائِطِ، فَالْمُسَاقَاةُ صَحِيحَةٌ لَازِمَةٌ.
وَلَوِ انْهَارَتِ الْبِئْرُ انْفَسَخَتِ الْمُسَاقَاةُ إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ الْعَامِلُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ فِي صَلَاحِ الْبِئْرِ، وَيَكُونُ عَلَى مُسَاقَاتِهِ، وَيَرْتَهِنُ صَاحِبُ الْحَائِطِ مِنَ الثَّمَرَةِ بِمَا أَنْفَقَ، فَذَلِكَ لَهُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهَا فَلِلْعَامِلِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يُجِيزَ وَيُتِمَّ الْعَمَلَ وَيَأْخُذَ نَصِيبَهُ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
51-الغريبين في القرآن والحديث (أمه)
(أمه)قرأ بعضهم: {وادكر بعد أمة} أي بعد نسيان. يقال: أمهت أمه أمهًا.
وأخبرني أبو منصور الأزهري، عن المنذري، عن أبي الهيثم، قال: (بعد أمه) بجزم الميم وأمه خطأ
وفي الحديث: (من امتحن في حد فأمه ثم تبرأ فليست عليه عقوبة).
قال أبو عبيد: هو الإقرار، ومعناه أن يعاقب ليقر، فإقراره باطل.
قال: ولم أسمع الأمه بمعنى الإقرار إلا في هذا الحديث. والأمه في غير هذا: النسيان.
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
52-الغريبين في القرآن والحديث (بصر)
(بصر)قوله تعالى: {قد جاءكم بصائر من ربكم} أي جاءكم من الآيات ما تبصرون به كأنه أراد: ما تعتبرون به.
ومنه قوله تعالى: {هذا بصائر من ربكم} أي هذا القرآن حجج وبراهين واضحة من عند ربكم، والبصائر في غير هذا: طرائق الذم.
والبصائر: الترسة، واحدتها: بصيرة، ومعناها كلها: ظهور الشيء وبيانه وقوله تعالى: {بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره}. قال ابن عرفة: أي عليها شاهد بعملها، ولو اعتذر بكل عذر، ويقال: جوارحه بصيرة عليه، أي شهود عليه، قال الأزهري: معنى بصيرة: عليه بما جنى عليها- يقول بل الإنسان يوم القيامة على نفسه جوارحه بصيرة بما جنى عليها.
وهو قوله: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون}.
وقوله تعالى: {ولو ألقى معاذيره} أي لو أدلى بكل حجة. وقيل: ألقى ستوره. والمعذار: الستر.
ومن ذلك قوله: {فبصرك اليوم حديد} أي فعلمك بما أنت فيه اليوم نافذ. وليس هذا من بصر العين، كما تقول: فلان بصير بالعلم.
ومنه قوله تعالى: {بصرت بما لم يبصروا به} أي علمت بما لم يعلموا به. يقال: بصر يبصر: إذا صار عليمًا بالشيء، فإذا نظرت قلت: أبصرت أبصر.
وقوله تعالى: {وعلى أبصارهم غشاوة} قال ابن عرفة: أي على أبصار قلوبهم.
وقوله: {تبصرة وذكرى لكل عبدٍ منيب} أي فيه بصائر وعبر لمن رجع إلى الله عز وجل بقلبه.
وقوله: {والنهار مبصرًا} أي يبصر فيه: كما يقول: ليل نائم: أي ينام فيه.
وقوله: {وجعلنا آية النهار مبصرة} أي بينة واضحة.
وكذلك قوله: {وآتينا ثمود الناقة مبصرة} أي آية واضحة مضيئة.
وقوله: {وكانوا مستبصرين} أي مستبينين، أي أقوامًا أتوا وقد بين لهم أن عاقبته بوارهم، وقال قتادة: معجبين بضلالتهم.
وفي الحديث: (فأمر به فبصر رأسه) قال شمر: أي قطع، يقال: بصره بسيفه: وأنشد:
فلما التقينا بصر السيف رأسه فأصبح منبوذا على ظهر صفصف.
وفي الحديث: (فأرسلت إليه أم معبد شاة فرأى فيها بصرة من لبن) يريد: أثرًا قليلًا، يبصره الناظر إليه.
وفي الحديث: (بصر جلد الكافر أربعون ذراعًا) قال سفيان: هو الغلظ وبصر السماء: غلظها.
ومنه حديث عبد الله: (وبصر كل سماء مسيرة خمسمائة عام).
وفي الحديث: (صلاة المغرب يقال لها: صلاة البصر) قيل لها ذلك؛ لأنها تؤدى قبل ظلمة الليل الحائلة، بين الإبصار والشخوص.
وأخبرني أبو الفضل الكرابيسي، قال: حدثنا أبو منصور يحيى بن أحمد بن زياد، قال: سمعت الدرامي أحمد بن سعيد، يقول: صلاة البصر: صلاة الفجر.
قال: وحدثنا أبو منصور، قال: حدثنا يحيى بن معين، قال: حدثنا بشر بن السري، قال: حدثنا زكريا بن إسحاق، عن الوليد بن عبد الله بن سميرة، قال: حدثنا أبو طريق، أنه كان شاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو محاصر لأهل الطائف (كان يصلي بنا صلاة البصر حتى لو أن إنسانًا رمى بنبله أبصر مواقع نبله).
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
53-الغريبين في القرآن والحديث (ملك)
(ملك)قوله تعالى: {مالك يوم الدين} اختار أبو عمرو (ملك) وإليه ذهب أبو عبيد، وقال أبو عمر: (الملك) أبلغ من المالك في المدح لأن الملك لا يكون إلا مالكا، وقد يكون المالك غير ملك، قال غيره: كذا هو إذا كانا وصفين للمخلوقين، فأما في صفة الخالق فالمالك والملك سواء وأحسبه قول الحس بن كيسان، قال أبو العباس والذي أختاره، مالك، قال: وقوله: {ملك الناس} أي ذو البسطة والسلطان عليهم و {مالك يوم الدين} أي: تملك يوم الدين،
قال: والاختيار أن يكونه مع اليومخ مالك أي ذو الملك ومع الناس ملك أي ذو الملك والسلطان والذي قال أبو عمرو: إن الملك أبلغ من المالك إنما يكون في المخلوقين لأن أحدهم يملك شيئا دون شيء والله يملك كل شيء والملك من أملاكه، والملوك من أملاكه ألا تراه يقول: {ق
ومنه قوله تعالى: {على ملك سليمان} أي: على عهد ملكه.
وقوله تعالى: {ما أخلفنا موعدك بملكنا} أي: بطاقتنا.
وقوله تعالى: {فهم لها مالكون} أي: ضابطون، المعننى أنها ذللت لهم فملكوا رؤسها وركبوها كيف شاءوا.
وقوله تعالى: {الذي بيده ملكوت كل شيء} الملكوت ملك الله، زيدت فيه التاء كما قالوا: رهبوت ورحموت.
وقوله تعالى: {تؤتي الملك من تشاء} قال مجاهد: يعني ملك النبوة، وقال: السلطان والبسطة.
وفي حديث عمر رضي الله عنه: (أملكوا العجين فإنه أحد الريعين)
يقال: ملكت العجين أملكه وأملكته أملكه إذا أنعمت عجنه لغتان، وأخبرني
ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عنه سلمة عن الفراء: يقال للعجين إذا كان متماسكا متقنا مملوك ومملك ومملك ويقال: أملكي عجينك وأملكيه ومليكه.
وفي حديث أنس: (البصرة إحدى المؤتفكات فأنزل في ضواحيها وإياك والمملكة) أراد بالملكة وسطها.
وفي الحديث: (أملك عليك لسانك) يقول: لا تجره إلا بما يكون لك لا عليك.
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
54-الغريبين في القرآن والحديث (هدم)
(هدم)في الحديث أن أبا الهيثم بن التيهان قال لرسول الله: (إن بيننا وبين القوم
حبالًا ونحن قاطعوها فنخشى إن الله أعزك وإظهرك أن ترجع إلى قومك فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: بل الدم الدمخ والهدم الهدم) قال الأزهري: سمعت المنذري يحكي عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العرب تقول: (دمي دمك وهدمي هدمك) رواه بفتح الدال قال: وهذا
ثم ألحقي بهدمي ولدمي
أي: بأصلي وموضعي، قال: وأصل الهدم: ما انهدم ويقال: هدمت هدمًا، والمهدوم هدم، ومنه سمي منزل الرجل هدمًا لانهدامه وقال غيره: ويجوز: أن يسمى القبر هدمًا لأنه يحفر ثم يرد ترابه وهو هدمه فكأنه قال: مقبري مقبركم أي: لا أزال معكم حتى أموت عندكم.
قال أبو منصور: وأخبرني المنذر عن أبي الهيثم قال: قولهم في الحلف دمي دمك يقول: إن قتلني إنسان طلبت بدمي كما تطلب بدم وليك وهدي هدمك أي: من هدم لي عزًا أو شرفًا فقد هدمه منك، وقال غيره: كأنه قال: تطلب بدمي وأطلب بدمك، وما هدمتني الدماء فهدمت أي ما عفوت عنه وأهدرته فقد عفوت عنه وتركته، ويقال: إنهم كانوا إذا تحالفوا قالوا هدمي هدمك ودمي دمك وترثني وأرثك فنسخ الله ذلك بآيات المواريث.
في الحديث: (كان يتعوذ من الأهدمين) قال شمر: قال أحمد بن
الحرميش: الأهدمان: أن ينهار عليك بناء أو تقع في بئر أو أهوية.
وفي الحديث: (من هدم بنيان ربه فهو ملعون) أي: من قتل النفس المحرمة لأنها بنيان الله وتركيبه.
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
55-الغريبين في القرآن والحديث (وشع)
(وشع)في الحديث (والمسجد يومئذ وشيع بسعف) الوشيع: شريحة من السعف يلقى على خشبة السقف والجمع وشائع.
وأخبرني ابن عمار عن أبي عمر الوشيع عريش يبنى للرئيس في العسكر يشرف منه على عسكره.
(وكان أبو بكر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوشيع) يعني العريش يوم بدر.
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
56-الغريبين في القرآن والحديث (وعا)
(وعا)قوله تعالى: {وتعيها أذن واعية} أي حافظة ما سمعت عاملة به يقال وعيت العلم وأوعيت المتاع.
ومنه قوله: {والله أعلم بما يوعون} قال الفراء: أي ما يجمعون في صدورهم من التكذيب والإثم.
وأخبرني ابن عمار عن أبي عمر عن أبي العباس قال: الوعي: الحافظ الكيس الفقيه المسلم.
وفي الحديث: (الاستحياء من الله أن لا تنسوا المقابر والبلى وأن لا تنسوا الجوف وما وعى) أي: وما حشوته من الطعام والشراب حتى يكونا من حلهما وأراد بالجوف البطن والفرج وهما الأجوفان ويقال بل أراد القلب والدماغ لأنهما مجمعا العقل.
وفي حديث أبي أمامة: (لا يعذب الله قلبًا وعلى القرآن) قال أبو بكر: معناه عقل القرآن إيمانًا به، وعملًا فأما من حفظ ألفاظه، وضيع حدوده، فإنه غير واع له، والدليل على ذلك الحديث المروري في الخوارج (يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم).
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
57-تاج العروس (كفأ)
[كفأ]: كَافَأَهُ على الشيء مُكَافَأَةً وكِفَاءً كَقِتَالٍ أَي جَازَاهُ، تقول: مالي به قِبَلٌ ولا كِفَاءٌ؛ أَي مالي به طاقَةٌ على أَنِّي أُكافِئُه وكافأَ [فُلانًا] مُكافأَةً وكِفَاءً: مَاثَلَه، وتقول: لا كِفَاءَ له، بالكسر، وهو في الأَصل مصدرٌ؛ أَي لا نَظِيرَ له، وقال حَسَّانُ بن ثابت:وجبريل رسول الله فينا *** وَرُوح القُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ
أَي جبريلُ عليهالسلام ليس له نَظِيرٌ ولا مَثيلٌ. وفي الحديث: «فَنَظَر إِليهم فَقال: مَنْ يُكَافِئُ هؤلاءِ»، وفي حديث الأَحنف: لا أَقَاوِمُ من لا كِفَاءَ لَهُ. يعني الشيطانَ، ويروى: لا أُقاوِلُ وكافَأَه: رَاقَبَهُ ومن كلامهم: الحَمْدُ للهِ كِفَاءَ الوَاجِبِ؛ أَي قدر مَا يَكُونُ مُكَافِئًا لَهُ، والاسْمُ الكَفَاءَةُ والكَفَاءُ بفتحهما ومَدِّهما، وهذا كِفَاؤُهُ بالكسر والمدّ، قال الشاعر:
فَأَنْكَحَها لَا فِي كِفَاءٍ وَلَا غِنًى *** زِيَادٌ أَضَلَّ اللهُ سَعْيَ زِيَادِ
وَكِفْأَتُه بكسر فسكون وفي بعض النسخ بالفتح والمدّ وكَفِيئُهُ كأَميرٍ وكُفْؤُهُ كقُفْلٍ وكَفْؤُهُ بالفتح عن كراع وَكِفْؤُهُ بالكسر وكُفُوءُه بالضم والمدّ أَي مِثْلُه يكون ذلك في كلّ شيء، وفي اللسان: الكُفْءُ: النظير والمساوِي، ومنه الكَفَاءَة في النّكاح، وهو أَن يكون الزَّوْجُ مُساوِيًا للمرأَةِ في حَسَبِها ودِينِها ونَسَبِها وَبيْتِها وغَيْر ذلك. قال أَبو زيد: سمعتُ امرأَةً من عُقَيْلٍ وزَوْجَها يقرآنِ {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفًا أَحَدٌ فأَلقى الهمزةَ وحوَّل حَركتَها على الفاءِ، وقال الزجاج في قوله تعالى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْؤًا أَحَدٌ أَربعة أَوْجُهٍ، القراءَةُ منها ثلاثةٌ: كُفُؤًا بضم الكاف والفاءِ، وكُفْأً بضم الكاف وسكون الفاءِ، وكِفْأً بكسر الكاف وسكون الفاءِ، وقد قرئ بها، وكِفَاءٌ بكسر الكاف والمدّ، ولم يُقْرَأْ بها، ومعناه: لم يكن أَحدٌ مِثلًا لله تعالى جَلَّ ذِكْرُهُ، ويقال: فُلانٌ كَفِيءُ فلانٍ وَكُفُؤُ فلانٍ، وقد قرأَ ابن كَثيرٍ وأَبو عمرو وابنُ عامرٍ والكسائيُّ وعاصمٌ كُفُؤًا مُثقَّلًا مهموزًا، وقرأَ حَمزة بسكون الفَاء مهموزًا، وإِذا وَقَف قرأَ كُفَا، بغير همزة، واختُلِف عن نافع فَرُوِي عنه كُفُؤًا، مثل أَبي عمرٍو، وروي كُفْأً مثل حمزة. الجمع: أَي من كلّ ذلك أَكْفَاءٌ. قال ابنُ سيِده: ولا أَعرف للكَفْءِ جمعًا على أَفْعُلٍ ولا فُعُولٍ وحَرِيٌّ أَن يَسَعه ذلك، أَعني أَن يكون أَكْفاء جَمْعَ كَفْءٍ المَفْتوح الأَوّل. وكِفَاءٌ جمع كَفِيءٍ، ككِرام وكَريم، والأَكفاء، كقُفْلٍ وأَقْفالٍ، وحِمْل وأَحمال، وعُنُقٍ وأَعْنَاق.
وكَفَأَ القومُ: انصرفوا عن الشيءِ وكَفَأَهُ كمَنَعه عنه كَفْأً: صَرَفَه وقيل كَفَأْتُهم كَفْأً إِذا أَرادوا وَجْهًا فَصَرفْتَهم عنه إِلى غيره فانكَفَئوا، [أَي]: رَجَعُوا. وكَفَأَ الشيءَ والإِناءَ يَكْفَؤُه كَفأً وكَفَّأَه فَتَكَفَّأَ، وهو مَكْفُوءٌ: كَبَّهُ. حكاه صاحب الواعي عن الكسائي، وعبدُ الواحد اللغوي عن ابن الأَعرابي، ومثله حُكِيَ عن الأَصمعي، وفي الفَصِيح: كَفَأْتُ الإِناءَ: كَبَبْتُه وعن ابنِ دُرُسْتَوَيْه: كَفَأه بمعنى: قَلَبَهُ حكاه يعقوب في إِصلاح المنطق، وأَبو حاتمٍ في تَقْوِيم المفسد، عن الأَصمعي، والزجّاج في فعلت وأَفعلت، وأَبو زيد في كتاب الهمز، وكل مِنهما صحيحٌ. قال شيخنا: وزعم ابنُ دُرستويه أَن معنى قَلَبه أَمَالَه عن الاستواءِ، كَبَّه أَو لَمْ يَكُبَّهُ، قال: ولذلك قيل: أَكْفأَ في الشِّعْر، لأَنه قَلَبَ القوافِيَ عن جِهَة استوائِها، فلو كان مِثْلَ كَبَبْتُه كما زعم ثعلبٌ لَمَا قِيل في القَوافي، لأَنها لا تُكَبُّ، ثم قال شيخنا: وهذا الذي قاله ابنُ دُرستويه لا مُعَوَّل عليه، بل الصحيح أَن كَبَّ وقَلَبَ وكَفَأَ مُتَّحِدَةٌ في المعنى، انتهى.
ويقال: كَفَأَ الإِناءَ كَأَكْفَأَهُ رباعيًّا، نقله الجوهريُّ عن ابنِ الأَعرابيّ، وابنُ السكيت أَيضًا عنه، وابنُ القُوطِيّة وابنُ القطاع في الأَفعال، وأَبو عُبيدٍ البكريُّ في فَصْل المَقال، وأَبو عُبَيْدٍ في المُصَنَّف، وقال: كَفَأَتُه، بغير أَلفٍ أَفصحُ، قاله شيخنا، وفي المحكم أَنها لُغةٌ نادرةٌ، قال: وأَباها الأَصمعيُّ. واكْتَفَأَهُ أَي الإِناءَ مثل كَفَأَه. وكَفَأَه أَيضًا بمعنى تَبِعَهُ في أَثَرِه، وكَفَأَ الإِبلَ واكتَفأَها: أَغارَ عليها فذَهب بها، وفي حديث السُّلَيْك بن السُّلَكَةِ: أَصابَ أَهْلِيهم وأَموالَهم فاكْتَفَأَهَا.
وكَفَأَت الغَنَمُ في الشِّعْبِ أَي دَخَلَتْ فيه. وأَكفَأَها: أَدخَلَهَا، والظاهر أَن ذِكْرَ الغَنمِ مِثالٌ، فيقال ذلك لجميعِ الماشيةِ.
وكَفأَ فُلَانًا: طَرَدَه، والذي في اللسان: وكَفأَ الإِبلَ والخَيْلَ: طَرَدَها. وكَفَأَ القَوْمُ عن الشيء انْصَرَفُوا عنه ورجعوا، ويقال: كان الناسُ مُجتمعِينَ فانكَفَأُوا وانْكَفَتُوا إِذا انْهَزَمُوا.
وأَكْفَأَ في سَيْره عَن القَصْدِ: جَارَ. وأَكْفَأَ وكَفَأَ: مَالَ كانْكَفَأَ وكَفَأَ وأَكْفَأَ: أَمَالَ [وقَلَبَ] قال ابنُ الأَثير: وكُلُّ شيْءٍ أَملْتَه فقد كَفَأْتَه، وعن الكسائيّ: أَكْفَأَ الشيْءَ. أَمالَه، لُغَيَّةٌ، وأَبَاها الأَصمعيُّ، ويقال: أَكْفأْتُ القَوْسَ إِذَا أَملْتَ رأْسَها ولم تَنْصِبْهَا نَصْبًا حين ترمي عنها، وقال بعض: حين ترمي عليها، قال ذو الرمة:
قَطَعْتُ بِهَا أَرْضًا تَرَى وَجْهَ رَكْبِهَا *** إِذَا مَا عَلَوْهَا مُكْفَأً غَيْرَ سَاجعٍ
أَي مُمَالًا غَيْرَ مُستقيمٍ، والساجعُ القاصدُ: المُستَوِي المُستقِيم. والمُكْفَأُ: الجائر، يَعني جائرًا غيرَ قاصِد، ومنه السَّجْعُ في القَولِ. وفي حديث الهرَّة أَنه [كان] يُكفِئُ لها الإِناءَ؛ أَي يُمِيلُه لِتَشربَ منه بسُهولةِ. وفي حديث الفَرَعَةِ: خَيْرٌ مِنْ أَن تَذْبَحَه يَلْصَقُ لَحْمُه بِوَبَرِه وتُكْفِئُ إِناءَكَ وتُولِهُ نَاقَتَكَ. أَي تَكُبُّ إِناءَك [لأنه] لا يَبْقَى لَك لَبَنٌ تَحْلُبُه فِيه، وتُولِهُ ناقَتَكَ؛ أَي تَجْعَلُها وَالِهَةً بِذَبْحِك ولَدَها.
ومُكْفِئُ الظُّعْنِ: آخِرُ أَيَّامِ العَجُوز.
وأَكْفَأَ في الشِّعْرِ إِكفاءً: خَالَف بَيْنَ ضُروب إِعْرَابِ القَوَافِي التي هي أَواخرُ القَصيدة، وهو المخالفةُ بين حَركاتِ الرَّوِيِّ رَفْعًا ونصْبًا وجَرًّا أَو خَالَفَ بَيْنَ هِجَائِها أَي القوافي، فلا يَلْزَم حَرْفًا واحدًا، تَقَاربَتْ مخارِجُ الحُروف أَو تَباعدَتْ، على ما جَرَى عليه الجوهريُّ، ومثله بأَن يَجعل بعضَها مِيمًا وبعضَها طاءً، لكن قد عاب ذلك عليه ابنُ بَرّيّ.
مثالُ الأَوّلِ:
بُنَيَّ إِنَّ البِرَّ شَيْءٌ هَيِّنُ *** المَنْطِقُ اللَّيِّنُ والطُّعَيِّمُ
ومثال الثّاني:
خَلِيلَيَّ سِيرَا واتْرُكا الرَّحْلَ إِنَّنِي *** بِمَهْلَكَةٍ والعَاقِبَاتُ تَدُورُ
مع قوله:
فَبَيْنَاهُ يَشْرِي رَحْلَهُ قَالَ قَائِلٌ *** لِمَنْ جَمَلٌ رِخْوُ المِلَاطِ نَجِيبُ
وقال بعضهم: الإِكفاءُ في الشعر هو التعاقبُ بين الراءِ واللام والنون.
قلت: وهو أَي الإِكفاء أَحَدُ عيُوبِ القافية السّتَّة التي هي: الإِيطاءُ، والتَّضمينُ، والإِقواءُ، والإِصرافُ، والإِكفاءُ، والسِّنادُ، وفي بعض شُروح الكافي: الإِكفاءُ هو اختلافُ الرَّوِيِّ بحُروفٍ مُتَقَارِبَةِ المخارج؛ أَي كالطَّاءِ مع الدَّالِ، كقوله:
إِذَا رَكِبْتُ فاجْعلاني وَسَطَا *** إِنِّي كَبِيرٌ لَا أُطِيقُ العُنَّدَا
يريد العُنَّتَ، وهو من أَقبح العيوب، ولا يجوز لأَحد من المُحدَثين ارتكابه، وفي الأَساس: ومن المجاز: أَكْفَأَ في الشِّعْرِ: قَلَب حَرْفَ الرَّوِيِّ من راءٍ إِلى لامٍ، أَو لامٍ إِلى ميمٍ، [ونحوِه من الحروفِ المُتقارِبةِ المَخْرَجِ، أَو مخالفةِ إِعرابِ القوافي]، انتهى. أَوْ أَكفأَ في الشعر إِذا أَقْوَى فيكونان مُتَرادِفَيْنِ، نقله الأَخفشُ عن الخَليل وابن عبدِ الحَقّ الإِشْبِيلي في الواعي وابن طريف في الأَفعال، قيل: هما واحد، زاد في الواعي: وهو قَلْبُه القافية من الجَرِّ إِلى الرفع وما أَشبه ذاك، مأْخوذٌ من كَفَأْتُ الإِناء: قَلَبْتُه، قال الشاعر [النابغة الذبياني]:
أَفِدَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا *** لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِ
زَعَمَ الغُدَافُ بِأَنَّ رِحْلَتَنَا غَدًا *** وَبِذَاكَ أَخْبَرَنا الغُدَافُ الأَسْوَدُ
وقال أَبو عُبيدٍ البكريُّ في فَصْلِ المَقال: الإِكفاءُ في الشعر إِذا قُلْتَ بَيْتًا مرفوعًا وآخرَ مخفوضًا، كقول الشاعر:
وهَلْ هِنْدُ إِلَّا مُهْرَةٌ عَرَبِيَّةٌ *** سَلِيلَةُ أَفْرَاسٍ تَجَلَّلَها بَغْلُ
فَإِن نُتِجَتْ مُهْرًا كَرِيمًا فَبِالْحَرَى *** وَإِنْ يَكُ إِقْرَافٌ فَمِنْ قِبَلِ الفَحْلِ
أَوْ أَفْسَدَ في آخِرِ البَيْتِ أَيَّ إِفْسَادٍ كانَ قال الأَخفش: وسأَلت العربَ الفُصحاءَ عنه، فإِذا هم يَجعلونه الفسادَ في آخرِ البيت والاختلافَ، من غير أَن يَحُدُّوا في ذلك شيئًا، إِلا أَني رأَيتُ بعضَهم يَجعله اختلافَ الحروفِ، فأَنشدته:
كَأَنَّ فَا قَارُورَةٍ لم تُعْفَصِ *** مِنْها حِجَاجَا مُقْلَةٍ لَمْ تُلْخَصِ
كَأَنَّ صِيرَانَ المَهَا المُنَقِّزِ
فقال: هذا هو الإِكفاءُ، قال: وأَنشده آخرُ قَوافِيَ على حُروفٍ مُختلفةٍ، فعَابِه، ولا أَعلمه إِلَّا قال له: قد أَكْفَأْتَ. وحكى الجوهريُّ عن الفرَّاءِ: أَكفَأَ الشاعرُ، إِذا خالف بين حَركات الرَّويِّ، وهو مِثْلُ الإِقواءِ، قال ابنُ جِنّي: إِذا كان الإِكفاءُ في الشّعْرِ محمولًا على الإِكفاء في غيرِه، وكان وَضْعُ الإِكفاء إِنما هو للخلافِ ووقوعِ الشيْءِ على غيرِ وَجْهِهِ لمْ يُنْكَرْ أَنْ يُسَمُّوا به الإِقواءَ في اختلافِ حرف الرَّوِيّ جميعًا، لأَن كلَّ واحدٍ منهما واقعٌ على غيرِ استواءٍ، قال الأَخفش: إِلا أَني رأَيتهم إِذا قَرُبتْ مَخَارجُ الحُروف، أَو كانت من مَخرَجٍ واحدٍ ثم اشتَدَّ تَشابُهُهَا لم يَفْطُنْ لها عَامَّتُهم، يعني عامَّةَ العربِ، وقد عاب الشيخُ أَبو محمد بن بَرِّيٍّ على الجوهريِّ قولَه: الإِكفاءُ في الشعر: أَن يُخالَفَ بين قَوَافِيه فتَجْعَل بعضَها ميمًا وبعضَها طاءً، فقال: صوابُ هذا أَن يقول: وبعضَها نُونًا، لأَن الإِكفاءَ إِنما يكون في الحروف المتقارِبة في المَخْرَجِ، وأَمَّا الطاءُ فليستْ من مَخْرَج المِيمِ. والمُكْفَأُ في كلامِ العربِ هو المقلوبُ، وإِلى هذا يَذهبون، قال الشاعر:
وَلَمَّا أَصَابَتْنِي مِنَ الدَّهْرِ نَزْلَةٌ *** شُغِلْتُ وَأَلْهَى النَّاسَ عَنِّي شُؤُنُهَا
إِذَا الفَارِغُ المَكْفِيُّ مِنْهُمْ دَعَوْتُهُ *** أَبَرَّ وَكَانَتْ دَعْوَةً تَسْتَدِيمُهَا
فجَعَل الميمَ مع النونِ لِشَبهها بها، لأَنهما يَخرُجانِ من الخَياشيمِ، قال: وأَخبرني من أَثِقُ به من أَهلِ العلمِ أَن ابْنَةَ أَبِي مُسافِعٍ قالتْ تَرثي أَباها [وقُتِلَ] وهو يَحْمِي جِيفَةَ أَبي جَهْلِ بنِ هِشامِ:
وَمَا لَيْتُ غَرِيفٍ ذُو *** أَظَافِيرَ وَإِقْدَامْ
كَحِبِّي إِذْ تَلَاقَوْا وَ *** وُجُوهُ القَوْمِ أَقْرَانْ
وَأَنْتَ الطَّاعِنُ النَّجْلَاء *** مِنْهَا مُزْبِدٌ آنْ
وَبِالْكَفِّ حُسَامٌ صَا *** رِمٌ أَبْيَضُ خَذَّامْ
وَقَدْ تَرْحَلُ بِالرَّكْبِ *** فَمَا تُخْنِي بِصُحْبَانْ
قال: جَمَعوا بين الميمِ والنونِ لقُرْبهما، وهو كثيرٌ، قال: و [قد] سمعت من العرب مِثل هذا ما لا أُحْصِي، قال الأَخفش: وبالجُمْلة فإِنّ الإِكفاءَ المخالفةُ، وقال في قوله:
مُكْفَأً غَيْرَ سَاجِعِ
المُكْفَأُ هاهنا: الذي ليس بِمُوافِقٍ. وفي حديثِ النَّابِغة: أَنه كان يُكْفِئُ في شِعْرِه، وهو أَن يخالِف بين حركاتِ الرَّوِيّ رفعًا ونصبًا وجرًّا، قال: وهو كالإِقْواءِ، وقيل: هو أَن يُخَالف بين قَوافِيه فلا يَلْزَم حرفًا واحدًا كذا في اللسان.
وأَكفأَت الإِبِلُ: كَثُرَ نِتَاجُهَا وكذلك الغنم، كما يُفيده سِياقُ المُحكم وأَكفأَ إِبِلَهُ وغَنَمَه فُلانًا: جَعَلَ له مَنَافِعَهَا أَوْبَارَها. وأَصوَافَهَا وأَشعارَها وأَلبانَها وأَولَادَها.
والكَفْأَةُ بالفتح ويُضَمُّ أَوَّلُه: حَمْلُ النَّخْلِ سَنَتَهَا، وهو في الأَرْضِ: زِرَاعَةُ سَنَتِهَا قال الشاعر:
غُلْبٌ مَجَالِيحُ عِنْدَ المَحْلِ كُفْأَتُهَا *** أَشطانُها فِي عَدَابِ البَحْرِ تَسْتَبقُ
أَراد به النَّخيلَ، وأَراد بأَشطانِها عُروقَها، والبَحْرُ هنا الماءُ الكثيرُ، لأَن النخْلَ لا يَشْرب في البَحْرِ، وقال أَبو زيد: استكْفَأْتُ فلانًا نَخْلَه إِذا سأَلْتَه ثَمَرها سَنَةً، فجعل للنخْلِ كَفْأَةً، وهو ثَمَرةُ سَنَتِها، شُبِّهَتْ بِكَفْأَةِ الإِبل، قلت: فيكون من المجاز.
والكَفْأَة في الإِبِلِ والغَنم نِتَاجُ عَامِهَا واستكْفأْتُ فُلانًا إِبلَه؛ أَي سأَلْتُه نِتَاجَ إِبلِه سَنَةً فأَكْفَأَنِيهَا؛ أَي أَعطاني لَبَنَها وَوَبَرَها وأَولادَها منه، تقول: أَعطِني كُفْأَةَ ناقَتك، تضمُّ وتفتَحُ، وقال غيره: ونَتَجَ الإِبلَ كَفْأَتَيْنِ، وأَكفَأَها إِذا جَعلها كُفْأَتينِ، وهو أَن يَجعلها نِصْفَيْنِ تَنْتِجُ كُلَّ عامٍ نِصْفًا وَتَدَعُ نِصْفًا، كما يصنعُ بالأَرض بالزِّراعة، فإِذا كان العام المُقْبِل أَرسلَ الفحلَ في النِّصف الذي لم يُرسِله فيه من العامِ الفارِطِ لأَن أَجْوَد الأَوقات عند العَرب في نِتاجِ الإِبل أَن تُتْرَك الناقة بعد نِتاجِها سَنةً لا يُحْمَلُ عليها الفَحْلُ، ثم تُضرَب إِذا أَرادَتِ الفَحْلَ، وفي الصحاح: لأَن أَفضلَ النِّتاجِ أَن يُحْمَلَ على الإِبلِ الفُحُولَةُ عامًا وَتُتْرَكَ عامًا، كما يُصْنَع بالأَرضِ في الزِّراعة، وأَنشد قولَ ذي الرُّمَّة:
تَرَى كُفْأَتَيْهَا تُنفِضانِ وَلَمْ يَجِدْ *** لَهَاثِيلَ سَقْبٍ فِي النِّتَاجَيْنِ لَامِسُ
وفي الصحاح: «كِلَا كَفْأَتَيْهَا» يعني أَنها نُتِجت كُلُّها إِنَاثًا، وهو محمودٌ عندهم، قال كعبُ بن زُهَيْر:
إِذَا ما نَتَجْنَا أَرْبَعًا عَامَ كُفْأَةٍ *** بَغَاها خَنَاسِيرًا فَأَهْلَكَ أَرْبَعَا
الخَنَاسِيرُ: الهَلاكُ، أَو كُفْأَة الإِبِل: نِتَاجُهَا بَعْدَ حِيَال سَنَةٍ أَو بعد حِيالِ أَكْثَرَ مِن سَنةٍ، يقال من ذلك: نَتَجَ فُلانٌ إِبلَه كَفْأَةً وكُفْأَةً، وأَكْفأَت في الشاءِ: مِثْلُه في الإِبل وقال بعضهم مَنَحَهُ كَفْأَةَ غَنَمِهِ، ويُضَمُّ أَي وَهَبَ له ألْبَانَهَا وَأَوْلَادَهَا وأَصْوَافَها سَنَةً وَرَدَّ عَلَيْهِ الأُمَّهَاتِ ووهَبْتُ له كُفْأَة ناقتي، تُضمّ وتُفتح، إِذا وهَبْتُ له وَلَدَها ولَبنَها وَوَبَرها سَنَةً، واستكْفَأَه فأَكْفَأَه: سأَلَه أَن يَجْعل له ذلك. وعن أَبي زيدٍ: استكفأَ زَيْدٌ عَمْرًا نَاقَتَه، إِذا سأَله أَن يَهبها له وَولَدَها ووَبَرَها سَنةً، ورُوي عن الحارث بن أَبي الحارث الأَزدِيِّ مُن أَهْلِ نَصِيبَيْن أَن أَباه اشترى مَعْدِنًا بمائة شاةِ مُتْبِع، فأَتى أُمَّه فاستأْمَرَهَا، فقالت: إِنك اشتريتَه بثلاثِمائة شاةٍ: أُمُّها مائةٌ، وأَولادُها مائةُ شاةٍ، وكُفْأَتُها مائةُ شاةٍ. فندِمَ فاستقالَ صاحِبَه فَأَبَى أَن يُقِيله، فقَبض المَعْدِن فأذابَه وأَخرج منه ثَمنَ أَلْفِ شاةٍ، فأَتَى به صاحِبُه إِلى عليٍّ رضي الله عنه ـ أَي وشَى به وسَعَى ـ وقال: إِن أَبا الحارث أصابَ رِكَازًا. فسأَله عليٌّ رضي الله عنه، فأَخبره أَنه اشتراه بمائةِ شاةٍ مُتْبِع، فقال عليٌّ: ما أَرى الخُمُسَ إِلَّا على البائع، فأَخذَ الخُمُسَ من الغنم، والمعنى: أَن أُمَّ الرجلِ جعَلَتْ كُفْأَة مائةِ شاةٍ في كلّ نِتاجٍ مائةً، ولو كانتْ إِبلًا كان كفأَةُ مائةٍ من الإِبل خَمْسينَ، لأَن الغَنَمَ يُرْسَل الفَحْلُ فيها وقْتَ ضِرابِها أَجْمَعَ، وتَحْمِلُ أَجمعَ، وليستْ مِثلَ الإِبلِ يُحْمَل عليها سنَةً، وسَنَةً لا يُحْمَل عليها، وأَرادت أُم الرجلِ تَكثيرَ ما اشتَرَى به ابنُها، وإِعلامَه أَنَّه غُبِن فيما ابتاعَ، فَفطَّنَتْه أَنه كان اشتَرَى المَعدِنَ بثلاثِمائةِ شاةٍ، فَنَدم الابنُ واستقالَ بائعَه، فأَبَى وبارك اللهُ له في المعدِنِ، فحسَده البائعُ وسَعَى به إِلى عليٍّ رضي الله عنه، فأَلزَمَه الخُمُسَ، وأَضرَّ البائعُ بنفسِه في سِعَايته بصاحبه إِليه، كذا في لسان العرب.
والكِفَاءُ بالكسر والمدّ كَكِتَابٍ: سُتْرَةٌ مِنْ أَعْلَى البَيْتِ إِلى مِنْ مُؤَخَّرِه، أَو هو الشُّقَّةُ التي تكون في مُؤَخَّرِ الخِبَاءِ، أَو هو كسَاءٌ يُلْقَى على الخِبَاءِ كالإِزار حَتَّى يَبْلُغَ الأَرْضَ، ومنه: قَدْ أَكْفَأْتُ البَيْتَ إِكْفَاءُ، وهو مُكْفَأٌ، إِذَا عَمِلْتَ له كِفَاءً، وكِفَاءُ البيتِ مُؤَخَّرْه، وفي حديث أُمِّ مَعْبَدٍ: رأَى شَاةً، في كِفَاءِ البَيْتِ، هو من ذلك، والجمعُ أَكْفِئَةٌ، كحِمارٍ وأَحْمِرَةٍ.
ورجلٌ مُكْفَأُ الوجْهِ: مُتَغَيِّرُه سَاهِمُه ورأَيتُ فلانًا مُكْفَأَ الوَجْهِ، إِذا رَأَيْتَه كاسِفَ اللوْنِ سَاهِمًا، ويقال: رأَيته مُتَكَفِّئَ اللوْنِ ومُنْكَفِتَ اللوْنِ؛ أَي مُتَغَيِّرَهُ. ويقال: أَصبح فلانٌ كَفِيءَ اللوْنِ مُتَغَيِّرَهُ، كأَنه كُفِئَ فهو كَفِيءُ اللَّوْنِ كأَمِيرٍ ومُكْفَؤُهُ كَمُكْرَم؛ أَي كَاسِفُهُ ساهِمُه أَي مُتَغَيِّرُهُ لِأَمْرٍ نَابَه، قال دُرَيدُ بنُ الصِّمَّةِ.
وَأَسْمَرَ مِنْ قِدَاحِ النَّبْعِ فَرْعٍ *** كَفِيءِ اللَّوْنِ مِنْ مَسٍّ وَضَرْسِ
أَي متغيّر اللَّوْنِ من كثرة ما مُسِحَ وعُصِرَ.
وكَافَأَهُ: دَافَعهُ وقَاوَمَه، قال أَبو ذَرٍّ في حديثه: لنا عَبَاءَتَانِ نُكافِئُ بهما عَنَّا عَيْنَ الشمسِ وإِني لأَخْشَى فَضْلَ الحِسَابِ. أَي نُقابِل بهما الشمْسَ ونُدافِع، من المُكافَأَة: المُقَاوَمةِ.
وكَافَأَ الرجلُ بَين فَارِسَيْنِ بِرُمْحِهِ إِذا وَالَى بينهما طَعَنَ هذا ثُمَّ هذا. وفي حديث العَقيقة عن الغلام شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ بفتح الفاءِ، قال ابنُ الأَعرابيّ مُشْتَبِهَتانِ، وقيل: مُتقارِبَتَان، وقيل: مُسْتَوِيتانِ وتُكْسَر الفَاءُ عن الخَطَّابِي، واختار المحدِّثون الفَتْحَ، ومعنى مُتَساوِيَتَان كُل [واحدة] منهما مُسَاوِيَةٌ لِصَاحِبَتِها فِي السِّنِّ فمعنى الحديث: لا يُعَقُّ إِلّا بِمُسِنَّةٍ، وأَقلَّه أَن يكون جَذَعًا كما يُجْزِئ في الضَّحايا، قال الخَطَّابي: وأَرى الفَتْحَ أَولَى، لأَنه يريد شَاتَيْنِ قد سُوِّى بينهما؛ أَي مُسَاوًى بينهما، قال: وأَما الكَسْر فمعناه أَنهما مُتساوِيتان، فيُحْتَاج أَن يَذْكُر أَيَّ شَيْءٍ سَاوَيَا، وإِنما لو قال مُتَكافِئتان كان الكَسْرُ أَوْلَى، وقال الزّمخشري: لا فَرْقَ بين المُكافِئَتين والمُكَافَأَتَيْنِ، لأَن كلّ واحدٍة إِذا كافَأَت أُختَها فقد كُوفِئَت، فهي مُكافِئَة ومُكَافَأَة، أَو يكون معناه مُعَادِلَتَان لما يَجِب في الزكاةِ والأُضْحَيَّة من الأَسنانِ، قال: ويحتمل مع الفتح أَن يُرادَ مَذبوحتانِ، من كَافَأَ الرجلُ بين البَعِيرينِ إِذا نَحرَ هذا ثم هذا معًا من غير تفريقٍ، كأَنه يُريد يَذْبَحُهما في وقتٍ واحدٍ، وقيل: تُذْبَحُ إِحداهما مُقابلةَ الأُخرَى، وكلُّ شيْءٍ سَاوَى شَيْئًا حتى يكونَ مِثلَه فهو مُكافِئٌ له، والمُكافَأَةُ بين الناسِ من هذا، ويقال: كافَأْتُ الرجلَ أَي فعَلْتُ به مثل ما فَعَل بِي ومنه الكُفْءُ من الرجال للمرأَةِ، تقول: إِنه مثلُها في حَسبها.
وقرأَتُ في قُرَاضة الذَّهب لأَبي الحسنِ عليّ بنِ رَشيق القَيْرَوَانِيّ قولَ الكُمَيْت يَصِف الثور والكِلاب:
وَعاثَ فِي عَانَةٍ مِنْهَا بِعَثْعثَةٍ *** نَحْرَ المُكَافِئِ والمَكْثُورُ يَهْتَبِلُ
قال: المُكافِئُ: الذي يَذبحُ شاتَيْنِ إِحداهما مُقَابِلَة الأُخرى للعَقِيقة.
وَانْكَفَأَ: مَالَ، كَكَفَأَ، وأَكْفَأَ وفي حديث الضَّحِيَّة: ثُمَّ انْكَفَأَ إِلى كَبْشَيْنِ أَمْلَحيْنِ فذَبحَهما. أَي مَالَ رَجَعَ، وفي حديث آخَرَ: فوضَع السَّيْفَ في بَطْنِه ثم انْكَفَأَ عليه.
وانْكَفَأَ لَوْنُه كَأَكْفَأَ وكَفَأَ وتَكَفَّأَ وانْكَفَت؛ أَي تَغَيَّرَ وفي حَدِيث عُمَر أَنه انْكَفَأَ لَوْنُه عَامَ الرَّمَادَةِ؛ أَي تَغيَّر عَن حالِه حين قال: لا آكُلُ سَمْنًا ولا سَمِينًا. وفي حَدِيث الأَنصاريّ: مَا لِي أَرَى لَوْنَك مُنكفِئًا؟ قال: من الجُوع. وهو مجاز.
والكَفِيءُ كأَمِير والكِفْءُ، بالكسر: بَطْنُ الوَادِي نقله الصاغاني وابنُ سيِده.
والتَّكَافُؤُ: الاستِواءُ وتكافَأَ الشَّيْئَانِ: تَماثَلا، كَكَافَأَ، وفي الحديث «المُسلمونَ تَتَكَافَأُ دِماؤُهم» قال أَبو عُبيدٍ: يريد تَتَساوى في الدِّيَاتِ والقِصاص، فليس لِشَرِيفٍ على وَضِيع فَضْلٌ في ذلك.
* ومما بقي على المصنف:
قول الجوهري: تَكَفَّأَتِ المرأَةُ في مِشْيَتِها: تَرَهْيَأَتْ ومَادَتْ كما تَتَكفَّأُ النخْلَةُ العَيْدَانَةُ، نقلَه شيخُنا. قلت: وقال بِشْر بنُ أَبي خَازِم:
وَكَأَنَّ ظُعْنَهُمُ غَدَاةَ تَحَمَّلُوا *** سُفُنٌ تَكَفَّأُ فِي خَلِيجٍ مُغْرَبِ
هكذا استشهَد به الجوهريُّ، واستَشْهد به ابنُ منظور عند قوله: وكَفَأَ [الشيءَ] والإِناءَ يَكْفَؤُه كَفْأً [وَكَفَّأَه] فَتَكَفَّأَ، وهو مَكْفُوءٌ [واكْتَفَأَهُ مثلُ كَفَأَهُ] قَلَبَهُ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
الكَفَاءُ، كسحابٍ: أَيْسَرُ المَيل في السَّنام ونَحْوِه، جَمَلٌ أَكْفأُ وناقة كَفْآءُ، عن ابنِ شُمَيْلٍ: سَنامٌ أَكْفَأُ: هو الذي مالَ على أَحدِ جَنْبِي البعيرِ، وناقة كَفْآءُ، وجَملٌ أَكْفَأُ، وهذا من أَهْوَنِ عُيوبِ البعير، لأَنه إِذا سَمِنَ استقامَ سَنامُه.
ومن ذلك في الحديث أَنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إِذا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا. التَّكَفُّؤُ: التمايُلُ إِلى قُدَّامٍ كما تَتَكَفَّأُ السفينةُ في جَرْيها. قال ابن الأثير: رُوي مهموزًا وغيرَ مهموزٍ، قال: والأَصل الهمْزُ، لأَن مصدر تَفَعَّلَ من الصحيح كتقدَّم تقدُّمًا وتَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا، والهمزة حرفٌ صَحيحٌ، فأَما إِذا اعتلَّ انكَسرت عَيْن المُستقبَل منه نحو تَخَفَّى تَخَفِّيًا وتَسمَّى تَسمِّيًا، فإِذا اخُفِّفَتِ الهمزةُ التحَقَتْ بالمعتلِّ، وصارَ تَكَفِّيًا، بالكسر، وهذا كما جاءَ أَيضًا: أَنه كان إِذا مَشَى كأَنَّه يَنحَطُّ في صَبَبٍ، وفي رواية: إِذا مَشَى تَقَلَّع. وبعضه يُوافقُ بَعْضًا ويُفَسّره، وقال ثعلبٌ في تفسير قوله: كأَنّما ينحط في صَبَبٍ: أَراد أَنَّه قَوِيُّ البَدنِ، فإِذا مَشى فكأَنما يَمْشِي على صُدُورِ قَدَميْهِ من القُوَّةِ، وأَنشد:
الوَاطِئينَ عَلَى صُدُورِ نِعالِهِمْ *** يَمْشُونَ فِي الدَّفَنِيِّ والأَبْرَادِ
والتَّكَفِّي في الأَصل مهموزٌ، فتُرِكَ هَمْزُه، ولذلك جُعِل المصدر تَكَفِّيًا.
وفي حديث القِيامة «وتَكُونُ الأَرْضُ خُبْزَةً واحدَة يَكْفَؤُهَا الجَبَّارُ بِيَدِه كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَه في السَّفَرِ» وفي رواية «يَتَكَفَّؤُهَا» يريد الخُبْزَةَ التي يَصْنَعها المُسافِرُ، ويضعُها في المَلَّةِ، فإِنها لا تُبْسَط كالرُّقَاقَةِ وَإِنَّها تُقلبُ على الأَيْدي حتى تَستَوي.
وفي حديث الصِّراط «آخِرُ مَنْ يَمُرُّ رَجُلٌ يَتَكَفَّأُ به الصِّراطُ» أَي يَتَمَيَّلُ وَيَنْقَلِب.
وفي حديث [دعاء] الطعام: غير مُكْفَإٍ ولا مُوَدَّع، وفي رواية غير مَكْفِيّ؛ أَي غير مَرْدُود ولا مقلوب، والضميرُ راجعٌ للطعام، وقيل من الكِفَايَة، فيكون من المُعتل، والضميرُ لله سبحانه وتعالى، ويجوز رجوع الضمير للحمد.
وفي حديثٍ آخر: كانَ لا يقبَل الثَّناءَ إلَّا من مُكَافِئٍ أَي من رجل يَعْرِف حقيقةَ إِسلامه ولا يَدْخل عنده في جُملةِ المُنافقين الّذين {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}، قاله ابنُ الأَنباري، وقيل: أَي منْ مُقارِب غير مُجَاوِزٍ حَدَّ مثلِه، ولا مُقَصِّرٍ عما رفَعه الله تعالى إِليه، قاله الأَزهري، وهناك قول ثالث للقُتَيْبِيِّ لم يرتضه ابنُ الأَنباري، فلم أَذكُرْه، انظره في لسان العرب.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
58-تاج العروس (بوت)
[بوت]: البُوتُ، بالضَّمِّ: أهمله الجَوْهَرِيّ وقال أَبو حَنيفَةَ: هو شَجَرٌ من أَشجار الجِبال، جمع بُوتَةٍ، ونَباتُه كالزُّعْرُورِ، وكذلك ثَمَرَتُهُ، إلّا أَنّها إِذا أَيْنَعَت اسودَّت سوادًا شديدًا، وحَلَتْ حَلا وةً شديدةً، ولها عَجَمَة صغيرةٌ مُدَوَّرَة، وهي تُسَوِّدُ فَمَ آكِلِيها ويَدَ مُجْتَنيها، وثمرتُهَا عَنَاقِيدُ كعناقيدِ الكَبَاثِ والنّاسُ يأْكُلُونَهَا، حكاه أَبو حنيفةَ، قال: وأَخبرني بذلك الأَعرابُ.وبُوتَةُ: قرية بِمَرْوَ، والنِّسْبَةُ بُوتَقِيٌّ، منها أَبو الفضل أَسْلَمُ بنُ أَحمدَ بْنِ محمَّد بْنِ فَرَاشة البُوتَقِيُّ المحَدّثُ، روى عن أَبي العَبّاس أَحمد بنِ محمَّد بنِ محبوب المحْبوبيِّ. وغَيْرِه، وعنْهُ أَبو سَعيد محمّدُ بنُ علِيّ النَّقّاشُ.
وتُوفِّيَ بعدَ سنةِ خمسينَ وثلاثِمائَة.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
59-تاج العروس (رمث)
[رمث]: الرِّمْثُ بالكَسْرِ: مَرْعًى للإِبِلِ، وهو من الحَمْضِ كذا في الصّحاح.وفي المُحْكم: شَجَرٌ يُشْبِهُ الغَضَى لا يطولُ، ولكنه يَنْبَسِطُ وَرَقُه، وهو شَبِيهٌ بالأُشْنَانِ، والإِبِلُ تُحَمِّضُ بها إِذا شَبِعَتْ من الخَلَّةِ ومَلَّتْها.
وقال أَبو حَنِيفَة في كتاب النباتِ: وله هُدْبٌ طُوالٌ دُقَاقٌ، وهو مع ذلك كُلِّه كَلأٌ تَعِيش فيه الإِبلُ والغَنَمُ، وإِن لم يكنْ معها غيرُه، وربما خَرَجَ فيه عَسلٌ أَبيضُ كأَنه الجُمَانُ، وهو شَدِيدُ الحَلَاوَةِ، وله حَطَبٌ وخَشَبٌ، ووَقُودُه حارٌّ، ويُنْتَفَعُ بدُخَانِه من الزُّكَام، وقال مَرّةً: قال بعضُ البَصْرِيِّينِ: يكون الرِّمْثُ مع قِعْدَةِ الرَّجُلِ، يَنْبُتُ نَبَاتَ الشِّيحِ، قال: وأَخبرَني بعضُ بني أَسَدٍ أَنّ الرِّمْثَ يَرْتَفعُ دونَ القَامَةِ فيُحْتَطَبُ، واحدتُه رِمْثَةٌ.
والرِّمْثُ: الرَّجُلُ الخَلَقُ الثِّيابِ يقال: رِمْثٌ نِكْسٌ، وقال شيخنا: هو مَجازٌ.
والرِّمْثُ: الضَّعِيفُ المَتْنِ أَيضًا، نقلَه الصاغانيّ.
والرِّمَّثُ بالفتح: الإِصْلاحُ والمَسْحُ باليَدِ، وفي أَخرى «المَسُّ»، يقال: رَمَثْتُ الشَّيْءَ؛ أَي أَصْلَحْتُه ومَسحْتُه بيَدِي، قال الشاعر:
وأَخٍ رَمَثْتُ رُوَيْسَه *** ونَصَحْتُه في الحَرْبِ نَصْحَا
والرَّمَثُ بالتّحريك: خَشبٌ يُضَمُّ، وفي نسخة يُشَدّ بعضُه إِلى بَعْضٍ كالطَّوْفِ ويُرْكَبُ عليه في البَحْرِ، قال أَبو صَخْرٍ الهُذَلِيّ:
تَمَنَّيْتُ من حُبِّي عُلَيَّةَ أَنَّنَا *** على رَمَثٍ في الشَّرْمِ ليسَ لنا وَفْرُ
الشَّرْمُ: مَوْضِعٌ في البَحْر، والجمعُ أَرْماثٌ، وفي الحديث: «أَنّ رَجُلًا أَتَى النبيّ، صلى الله عليه وسلم، فقال: إِنّا نَرْكَبُ أَرْماثًا لنا في البَحْرِ، ولا ماءَ مَعَنا، أَفَنَتَوَضَّأُ بماءِ البَحْرِ؟ فقال: الطَّهُورُ ماؤُه الحِلُّ مَيْتَتُه» قال الأَصمعِيّ: والرَّمَثُ: هو هذا الطَّوْفُ، وهو الخَشَبُ فَعَلٌ بمعنى مَفْعُولٍ، من رَمَثْتُ الشَّيْءَ إِذا لَمَمْتَه وأَصْلَحْتَه.
والرَّمَثُ أَنْ تَأْكُلَ الإِبِلُ الرِّمْثَ بالكسر، فتَشْتَكِيَ عَنْهُ هكذا في سائر الأُمَّهات، ووُجِد في نسخة شَيْخِنا «مِنْهُ» بدل «عنه»، وقد رَمِثَت الإِبِلُ بالكسر تَرْمَثُ رَمَثًا فهي رَمِثَةٌ بفتح فكسر ورَمْثَى، على القَصْرِ، وإِبِلٌ رَمَاثَى كعَذَارَى: أَكَلَت الرِّمْثَ فاشْتَكَتْ بُطُونَهَا، وقال أَبو حنيفةَ: هو سُلَاحٌ يَأْخُذُها إِذا أَكَلَت الرِّمْثَ وهي جائِعَةٌ فيُخَافُ عليها حِينئذٍ.
وقال الأَزْهَرِيّ ـ في ترجمة «طلح» ـ: الرِّمْثُ والغَضَى إِذا بَاحَثَتْهُمَا الإِبلُ، ولم يَكُنْ لها عُقْبَةٌ من غيرهما يُقَال: رَمِثَت، وغَضِيَتْ، فهي رَمِثَةٌ وغَضِيَةٌ.
والرَّمَثُ: بَقِيَّةُ اللَّبَنِ تَبْقَى في الضَّرْعِ بعد الحَلَبِ، والجمعُ أَرْماثٌ. قاله ابن سِيده.
والرَّمَثُ المَزِيَّةُ، في نوادرِ الأَعْرَاب: لفُلانِ عَلَى فُلانٍ رَمَثٌ ورَمَلٌ؛ أَي مَزِيَّةٌ، وكذلك: علَيْه فَوَرٌ ومُهْلَةٌ ونَفَلٌ.
والرَّمَثُ عِلاقَةٌ لِسِقَاءِ المَخِيضِ.
والرَّمَثُ: الحَلَبُ، يقالُ: رَمِّثْ ناقَتَكَ؛ أَي أَبْقِ في ضَرْعِها شَيْئًا، والرَّمَثَةُ كالرَّمَثِ، وقد أَرْمَثَهَا ورَمَّثَها.
ويقال: رَمَّثَ في الضَّرْعِ تَرْمِيثًا: أَبْقَى فِيهِ وفي: نسخة بِه شَيْئًا، كأَرْمَثَ، قال الشّاعِر:
وشارَكَ أَهلُ الفَصِيلِ الفَصِي *** لَ في الأُمِّ وامْتَكَّهَا المُرْمِثُ
ورَمَّثَ عَلَى الخَمْسِينَ وغَيْرِهَا: زَادَ وإِنما يَسْتَعْمِلُون الخمسينَ في هذا ونَحْوِه؛ لأَنّه أَوْسَطُ الأَعْمَارِ، ولذلك استعملَها أَبو عُبَيْدٍ في بابِ الأَسْنان وزيادةِ الناسِ فيها دونَ سائِر العُقُود.
وَرَّمَثَتْ غَنَمُه على المائَةِ: زادَتْ، ورَمَّثَتِ النّاقَةُ على مِحْلَبِهَا، كذلك، وفي حديث رافع بن خَدِيجٍ ـ وسُئل عن كِرَاءِ الأَرْضِ البَيْضَاءِ بالذَّهَبِ والفِضَّة، فقال ـ: «لا بَأْسَ إِنّمَا نُهِيَ عن الإِرْماثِ» قال ابنُ الأَثِيرِ: هكذا يُروَى، فإِن كان صحيحًا، فيكونُ من قَوْلِهم: رَمَّثْت الشَّيْءَ بالشيءِ، إِذا خَلَطْتَه، أَو من قولهم: رَمَّثَ عليه، وأَرْمَثَ، إِذا زادَ، أَو مِنَ الرَّمَثِ، وهو بَقِيَّةُ اللَّبَنِ في الضَّرْعِ، قال: فكأَنَّه نَهَى عنه من [أَجْلِ] اخْتِلاطِ نَصيب بعضِهم ببعْضٍ، أَو لزيادةٍ يأْخُذُهَا بعضُهُم من بعضٍ، أَو لإِبْقَاءِ بعضهم على البَعْضِ شيئًا من الزَّرْعِ.
والرَّمَثُ: الحَبْلُ الخَلَقُ، وجمعُه أَرْماثٌ ورِمَاثٌ، وحَبْلٌ أَرْمَاثٌ أَي أَرْمَامٌ كما، قالُوا: ثَوْبٌ أَخْلَاقٌ.
وفي حديث عائِشَةَ، رضي الله عنها: «نَهَيْتُكُم عن شُرْبِ ما فِي الرِّمَاثِ، والنَّقِيرِ» قال أَبو موسى: إِنْ كان اللَّفْظُ محفُوظًا، فلعَلَّهُ من قولِهِم: حَبْلٌ أَرْمَاثٌ؛ أَي أَرْمَام، ويكونُ المُرَادُ به الإِناءَ الذِي فيه قِدَمٌ وعِتْقٌ، فصارت فيه ضَرَاوَةٌ بما يُنْتَبَذُ فِيهِ، فإِنّ الفسادَ يكونُ إِليه أَسْرَعَ، وعن ابن الأَعْرَابِيّ: الرَّمَثُ: الحَبْلُ المُنْتَكِثُ.
وأَرْضٌ مَرْمَثَةٌ: تُنْبِتُ الرِّمْثَ، بالكسر.
وأَرْمَثَ فُلانٌ في مَالِهِ، وكذا في ضَرْعِه: أَبْقَى، كاسْتَرْمَثَ.
وأَرْمَثَ عليه في المَنْطِق: أَرْبَى عليه.
وأَرْمَثَ الحَبْلَ: لَيَّنَ.
ورَمَثْت الشَّيْءَ بالشَّيْءِ، إِذا خَلَطْته.
ورَمِثَ أَمرُهُم، كَفَرِحَ، رَمَثًا: اخْتَلَطَ، وعليه خُرّج حديثُ رافِعِ ابنِ خَدِيجٍ، كما تقدّم.
وبِئر مَرْمُوثَةٌ: لها مَقَامٌ من رَمَثٍ مُحَرّكةً؛ أَي خَشَبٍ، نقلَه الصّاغَانيّ.
والرَّمَّاثَةُ ـ مشدَّدةً ـ: النَّعْجَةُ من بَقَرِ الوَحْشِ، نقَلَه الصّاغَانيّ.
ويقال: هم في مَرْمُوثَاءَ من أَمْرِهِمْ؛ أَي اخْتِلاطٍ.
ورِمْثَةُ بالكسْر: اسْمٌ، قال أَبو حَنِيفَةَ: سُمِّيَ باسم النَّبَات.
والرُّمَيْثَةُ بالضم: موضع قال النّابِغَة:
إِنَّ الرُّمَيْثَةَ مَانِعٌ أَرْمَاحُنَا *** ما كَانَ مِنْ سَحَمٍ بِهَا وصَفَارِ
ورُمَيْثَةُ اسم جماعَة، منهم أَسَدُ الدّين أَبو عَرَادَةَ رُمَيْثَةُ بنُ أَبي نُمَيّ بنِ أَبي سَعْدٍ الحَسَنِيّ، وفي ولدِه الإِمَارَةُ بمكَّةَ.
ومن ولده: الشَّمْسُ أَبو المَجْدِ محمَّدُ بنُ محمّدِ بنِ محمّدِ بنِ عليٍّ الرُّمَيْثِيّ البُخَارِيّ الحَنَفِيّ، وُلِدَ بِبُخَارَا سنة 818 وقرأَ على مُلَّا مِسْكِين، قاضي سَمَرْقَنْدَ وبُخَارَا، ووفَدَ إِلى مكَّةَ، وتَدَيَّرَهَا، وكان شيخَ الباسِطِيَّةِ بها مات سنة 895.
وولدهُ الشِّهابُ أَحمَدُ، أَجازَه السَّخَاوِيّ والسّيُوطِيّ، والدّيميّ تُوفِّيَ سنة 948.
وأَخوه محمّدٌ ممّن قَرَأَ على السّخَاوِيّ بالمَدِينَة في سنة 894.
وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
الرُّمثَة بالضَّم: البَقِيَّةُ من اللَّبَنِ يَبْقَى في الضَّرْعِ بعد الحَلَب.
والرَّمْثُ: السَّرِقَةَ، يقال: رَمَثَ يَرْمِثُ رَمْثًا، إِذا سَرَقَ.
والتُّرْمُثِيَّة: بِئرٌ صغِيرةٌ قَدْر قعْدَةِ الإِنْسَانِ، يَجْلِسُ فيها الرَّجُلُ من العَرَبِ يَطلبُ سُخُونَةَ الأَرْضِ، ذكرها ابنُ عُصْفُور. قال أَبو حيان: زِيدَت التّاءُ فيها.
واسْتَرْمَثْتُ النّاقَةَ: تَرَكْتُها وقُلْتُ: لَعَلَّهَا تُفِيقُ.
ويَوْمُ أَرْمَاثٍ: أَوَّلُ يومٍ من أَيّامِ القَادِسيّة، وذلك في أَيامِ سيِّدنا عُمَرَ، رضي الله عَنْهُ، وإِمارَةِ سَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ، رضي الله عَنْه.
قال ياقُوت: لا أَدرِي أَهو موضِعٌ، أَم أَرادُوا النَّبْتَ، قال عَمْرُو بن شَأْسٍ الأَسَدِيّ:
عَشِيَّةَ أَرْمَاثٍ ونحنُ نَذُودُهمْ *** ذِيَادَ العَوَافِي عن مَشَارِبِها عُكْلَا
وأَبو رِمْثَةَ. صَحابِيٌّ مَعروفٌ، وهو البَلَوِيّ، ويقال: التَّمِيمِيّ، ويقال التَّيْمِيّ ـ تَيْمِ الرِّبَابِ، وقد تقدّم في ث ر ب.
وأُمّ رِمْثَةَ، لا تُعْرَف إِلَّا بِهذَا، في شُهُودِ فَتْحِ خَيْبَرَ، قاله السُّهَيْلِيُّ في الرَّوْضِ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
60-تاج العروس (عرفج)
[عرفج]: العَرْفَج: شَجَرٌ، وقيل: هو ضَرْبٌ من النَّبَات سُهْلِيٌّ سريعُ الانقيادِ واحِدتُه بهاءٍ، وبه وفي بعض النسخ: ومنه سُمِّيَ الرّجلُ. وقيل: هو من شَجرِ الصَّيْفِ لَيِّنٌ أَغْبَرُ، له ثَمَرة خَشْنَاءُ كالحَسَكِ. وقال أَبو زيادٍ: العَرْفَجُ: طَيِّبُ الرِّيحِ أَغْبَرُ إِلى الخُضْرَة، وله زَهرةٌ صَفراءُ، وليس له حَبٌّ ولا شَوْكٌ. قال أَبو حَنيفةَ: وأَخبرني بعضُ الأَعرابِ أَن العَرْفَجةَ أَصلُهَا واسعٌ، يأْخذُ قِطعَةً من الأَرض تَنْبت لها قُضبانٌ كثيرةٌ بقدْرِ الأَصلِ، وليس لها وَرَقٌ [له بَالٌ] إِنما هي عِيدَانٌ دِقاقٌ، وفي أَطرافها زُمَعٌ يَظهر في رُؤُوسها شيءٌ كالشَّعرِ أَصفَرُ. قال: وعن الأَعراب القُدُم: العَرْفَجُ مِثْلُ قِعْدَةِ الإِنسانِ، يَبْيَضُّ إِذا يَبِسَ، وله ثَمرةٌ صَفْرَاءُ، والإِبلُ والغَنَمُ تأْكلهُ رَطْبًا ويابسًا، ولَهَبُه شَديدُ الحُمْرةِ، ويبالَغُ بحُمْرته فيقال: كأَنّ لِحْيَتَه ضِرامُ عَرْفَجَة.وفي حديث أَبي بكرٍ رضي الله عَنْهُ: «خَرَجَ كأَنَّ لِحْيَتَه ضِرَامُ عَرْفَجٍ».
ومن أَمثالِهم: «كَمَنِّ الغَيْثِ على العَرْفَجَةِ»؛ أَي أَصابها وهي يابِسةٌ فاخضرَّتْ. قال أَبو زيد: يقال ذلك لمن أَحسنْتَ إِليه، فقال لك أَتمُنُّ عَلَيَّ؟ وقال أَبو عَمرٍو: إِذا مُطِرَ العَرْفَجُ ولَانَ عُودُهُ قِيلَ: قد ثَقَّب عُودُهُ، فإِذا اسْوَدَّ شيئًا قِيلَ: قد قَمِلَ، فإِذا ازدادَ قليلًا قِيل: قد ارْقَاطَّ، فإِذا ازداد شيئًا قِيل: قد أَدْبَى، فإِذا تَمَّتْ خُوصَتُهُ قِيل: قد أَخْوَصَ. قال الأَزهريّ: ونارُ العَرْفَجِ يُسمِّيها العَرَبُ نَارَ الزَّحْفَتَينِ، لأَنّ الذي يُوقِدها يَزْحَف إِليها، فإِذا اتَّقدَتْ زحَف عنها. وذكر أَبو عُبَيْدٍ البكريّ: فإِذا ظهرَتْ به خُضْرَةُ النَّبَاتِ قيل: عَرْفَجَةٌ خاضبَةٌ.
والعَرَافِجُ. بالفَتْح: رِمَالٌ لا طَرِيقَ فيها.
ولَىُّ العَرْفَجَةِ: ضَرْبٌ من النِّكاح.
وعَرْفَجَاءُ، بالمدّ: موضع، أَو ماءٌ لبني عُمَيْل.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
61-تاج العروس (سرح)
[سرح]: السَّرْحُ: المالُ السائِمُ. وعن اللّيث: السَّرْحُ: المالُ يُسام في المَرْعَى من الأَنعام. وقال غيره: ولا يُسمَّى من المالِ سَرْحًا إِلا ما يُغْدَى به ويُراحُ. وقيل: السَّرْحُ من المالِ: ما سَرَحَ عليك. والسَّرْحُ أَيضًا: سَوْمُ المالِ، كالسُّرُوحِ، بالضّمّ، قال شيخنا: ظاهره أَنه مَصدَرُ المتعدِّي، والصّواب أَنه مصدرُ اللّازمِ كما اقتضاه القياس. والسَّرْحُ: إِسَامَتُها، كالتَّسْريحِ. يقال: سرَحِت الماشيةُ تَسْرَحُ سَرْحًا وسُروحًا: سامَتْ. وسَرَّحَها هو: أَسامَها، يَتعدَّى ولا يتعَدَّى. قال أَبو ذُؤيب:وكان مِثْلَيْنِ أَنْ لا يَسْرَحُوا نَعَمًا *** حَيْثُ اسْتراحَتْ مَواشِيهِمْ وتَسْرِيحُ
تقول: أَرَحْتُ الماشيةَ، وأَنْفَشْتها، وأَسَمْتُها، وأَهْمَلْتُها، وسَرحْتُها سَرْحًا، هذه وَحْدَها بلا أَلِفٍ. وقال أَبو الهَيثم في قوله تعالى: {حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} قال: يُقال: سَرَحْتُ الماشيةَ: أَي أَخرجتُها بالغَداةِ إِلى المرْعَى، وسَرَحَ المالُ نفسُه، إِذا رَعَى بالغداةِ إِلى الضَّحاءِ ويقال: سَرَحْت أَنا سُروحًا؛ أَي غَدَوْتُ. وأَنشد لجرير:
وإِذا غَدوْتِ فَصَبَّحَتْكِ تَحيَّةٌ *** سَبَقَتْ سُرُوحَ الشّاحِجاتِ الحُجَّلِ
والسَّرْح: شَجَرٌ كِبَارٌ عِظَامٌ طِوَالٌ، لا يُرْعَى، وإِنما يُستَظَلُّ فيه، ويَنْبُت بنَجْدٍ في السَّهْلِ والغَلْظِ ولا يَنْبُت في رَملٍ ولا جَبَلٍ، ولا يأْكلُه المالُ إِلّا قَلِيلًا، له ثَمرٌ أَصفرُ، أو هو كلُّ شَجرٍ لا شَوْكَ فيه، والوَاحِدُ سَرْحةٌ، أَو هو كلُّ شَجَر طَالَ. وقال أَبو حَنِيفَة: السَّرْحةُ: دَوْحةٌ مِحْلالٌ وَاسِعةٌ يَحُلُّ تحتَهَا النَّاسُ في الصَّيف، ويَبنُون تحتَها البُيوتَ، وظِلُّها صالحٌ. قال الشاعر:
فيا سَرْحَةَ الرُّكْبانِ ظِلُّكِ بارِدٌ *** وماؤُكِ عَذْبٌ لا يَحِلُّ لوارِدِ
وقال الأَزهريّ: وأَخبرني أَعرابيّ قال: في السَّرْحةِ غُبْرَةٌ، وهي دون الأَثْلِ في الطُّولِ، ووَرَقُها صِغَارٌ، وهي سَبْطَةُ الأَفْنانِ. قال: وهي مائلة النِّبْتَة أَبدًا، ومَيْلُهَا من بينِ جَميعِ الشَّجَرِ في شِقِّ اليَمين. قال: ولم أَبْلُ على هذا الأَعرابيّ كَذِبًا. ورُوِيَ عن اللَّيْث قال: السَّرْح: شَجرٌ له حَمْلٌ، وهي الأَلَاءُ، والواحدةُ سَرْحَةٌ. قال الأَزهَريّ: هذا غَلطٌ، ليس السَّرحُ من الأَلَاءِ في شيْءٍ، قال أَبو عُبيدٍ: السَّرْحةُ: ضَرْبٌ من الشَّجَرِ، مَعْرُوفَةٌ، وأَنشد قولَ عنترةَ:
بَطَلٌ كأَنّ ثِيابَهُ في سَرْحَةٍ *** يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ ليس بتَوْأَمِ
يَصفه بطولِ القَامَةِ. فقد بَيَّن لك أَن السَّرْحةَ من كِبار الشَّجر، أَلَا تَرَى أَنه شَبَّه به الرَّجُلَ لِطوله، والأَلَاءُ لَا سَاقَ له ولا طُولَ.
وفي حديثِ ظَبْيَانَ: «يأْكلون مُلَّاحَهَا ويَرْعَوْنَ سِرَاحَهَا». قال ابن الأَعْرَابيّ: السَّرْحُ: كِبَار الذَّكْوَانِ.
والذَّكْوَانُ: شَجَرٌ حَسَنُ العَسَالِجِ.
والسَّرْحُ: فِنَاءُ الدَّارِ. وفي اللسان: فِنَاءُ البابِ.
والسَّرْحُ: السَّلْح.
والسَّرْح والسَّرِيح: انْفِجَارُ البَوْلِ وإِدْرَارُه بعد احتباسه.
وسَرَّحَ عنه فانْسَرَحَ وتَسَرَّحَ: فَرَّجَ. ومنهحديث الحَسن: «يا لها نِعْمَةً ـ يعني الشَّربَةَ من الماءِ ـ تُشْرَب لَذَّةً، وتَخْرُجُ سُرُحًا»؛ أَي سَهْلًا سَريعًا.
والسَّرْح: إِخْرَاجُ ما في الصَّدْر. يقال: سَرَحْتُ ما في صَدري سَرْحًا؛ أَي أَخْرجْتَه. وسُمِّيَ السَّرْحُ سَرْحًا لأَنّه يُسْرَحُ فيَخْرُجُ وأَنشد:
وسَرَحْنَا كلَّ ضَبِّ مُكْتَمِنْ
والسَّرْح: الإِرسالُ. يقال: سَرَحَ إِليه رَسُولًا: أَي أَرسلَه؛ كما في الأَساس وفِعْل الكلِّ كمَنَع إِلّا الأَخير فإِنه استُعمِل فيه التشديد أَيضًا. يقال سَرَّحْت فلانًا إِلى مَوضعِ كذا، إِذا أَرسلْته. والتَّسريح: إِرسالُك رسولًا في حاجة سَرَاحًا؛ كما في اللسان.
وعَمْرو بنُ سَوَادِ بنِ الأَسود بنِ عَمْرِو بنِ محمّد بن عبد الله بن عَمْرِو بن أَبي السَّرْح؛ وأَحمدُ بنُ عَمْرِو بن السَّرْحِ، وهو أَبو طاهرٍ أَحمدُ بن عَمْرِو بنِ عبدِ الله بن عَمْرو بن السَّرْحِ، عن ابنِ عَيَيْنَة، وعنهُ مُسلمٌ وأَبو داوود؛ وابنه عُمَرُ بن أَبي الظّاهرِ، حَدَّثَ عن أَبيه وجدِّه؛ وولدُه أَبو الغَيْداق إِبراهِيمُ، حَدَّث وحَفيدُه عبدُ الله بن عُمَر بن أَحمدَ عن يُونُس بن عبدِ الأَعْلَى؛ قاله الذّهبيّ.
السَّرْحِيُّون، مُحَدِّثون.
وتَسْرِيحُ المرأَةِ: تَطْليقُها، والاسم سَرَاحٌ كسَحَابٍ، مثلُ التَّبْلِيغ والبلاغِ وسَمَّى الله عزّ وجلّ الطّلاقَ سَرَاحًا، فقال: {وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحًا جَمِيلًا} كما سمّاه طَلاقًا من طَلَّق المَرْأَةَ، وسَمّاه الفِراقَ؛ فهذه ثَلاثةُ أَلفاظٍ تَجمعُ صَرِيحَ الطَّلاقِ الّذِي لا يُدَيَّنُ فيها المُطلِّقُ بها إِذا أَنكرَ أَن يكون عنَى بها طَلَاقًا؛ كذا في اللِّسان.
والتَّسرِيحُ: التَّسهيلُ والتَّفْريجُ، وقد سَرَّحَ عنه فانْسَرَحَ.
والتَّسْرِيحُ: حلُّ الشَّعْرِ وإِرْسالُه قبلَ المَشْط؛ كذا في الصّحاح. وقال الأَزهريّ: تَسْريحُ الشَّعرِ: تَرْجِيلُه وتَخُليصُ بعضِه من بعْضٍ بالمشْط.
والمُنْسرِح من الرّجال: المُسْتَلْقِي على ظهْرِه المُفَرِّجُ بين رِجْلَيْه كالمُنْسَدِح، وقد تقدّم.
والمُنْسرِحُ: المُتجرِّد. وقيل: القَلِيلُ الثِّيَابِ الخَفِيفُ فيها، وهو الخارجُ من ثِيابِهِ، قال رُؤبة:
مُنْسَرِحٌ عنه ذَعاليبُ الخِرَقْ
والمُنْسَرِح: ضَرْبٌ من الشِّعْرِ لخِفَّتِه، وهو جِنْسٌ من العَرُوض تَفْعِيلُه: مُسْتفعلنْ مفعولاتُ مُسْتفعِلُنْ، ستّ مرّات. وقال شيخنا: وهو العاشر من البحُور، مُسَدَّسُ الدَّائرة.
والسِّرْياح، كجِرْيالٍ: الطَّويلُ من الرِّجال. والسَّرْياح: الجَراد واسم كَلْب. وأُمُّ سِرْياحٍ: اسمُ امرأَة، مُشْتقٌّ منه. قال بعض أُمراءِ مكَّة، وقيل: هو دَرّاجُ بن زُرْعَةَ بن قَطَنِ بن الأَعرَفِ الضِّبابيّ أَمير مكَّةَ زِيدتْ شَرفًا:
إِذا أُمُّ سِرْياحٍ غَدَتْ في ظَعَائِنٍ *** جَوالِسَ نَجْدًا فاضَتِ العِينُ تَدْمَعُ
قال ابن بَرّيّ: وذكر أَبو عُمَرَ الزَّاهِدُ أَنّ أُمّ سِرْياحٍ في غيرِ هذا المَوْضِع كُنْيَةُ الجَرَادَةِ. والسِّرْياح: اسمُ الجَرادِ.
والجالِسُ: الآتي نَجْدًا. قلت: وهكذا في الغَرِيبَين للهَرويّ.
والمَسْروحُ: الشَّراب حُكِيَ عن ثعلب، وليس منه على ثقَة.
وذو المَسْروحِ: موضع.
والسَّرِيحةُ: السَّيْرُ الّتي يُخْصَف بها، وقيل: هو الذي يُشَدُّ به الخَدَمةُ فوُقَ الرُّسْغ. والخَدَمَةُ: سَيْرٌ يُشَدّ في الرُّسْغ. والسَّرِيحَة: الطَّرِيقَةُ المُسْتَطِيلَةُ من الدَّمِ إِذا كَان سائلًا والسَّرِيحة: الطَّريقَةُ الظَّاهِرة من الأَرْضِ المُسْتَوِيةُ الضَّيِّقَةُ. قال الأَزْهَرِيّ: وهي أَكْثَرُ نَبْتًا وشَجَرًا ممَّا حَوْلَهَا وهي مُشرِفَةٌ على ما حَوْلَهَا، فترَاهَا مُسْتَطِيلةً شَجِيرةً، وما حَوْلَهَا، قَليلُ الشَّجرِ، ورُبما كانت عَقَبَةً. والسَّرِيحةُ: القِطْعَةُ من الثَّوْبِ المُتَمزِّقِ، الجمع: أَي جمع السَّرِيحة في الكُلِّ سَرائِحُ، وسَرِيحٌ في الأَخير، وسُرُوح في الأَوّل.
والمِسْرَحٍ، كمِنْبَر: المُشْط وهو المِرْجَل أَيضًا، لأَنه آلة التّسريح والتَّرجيل.
والمَسْرَح بالفَتْح: المَرْعَى الّذي تَسْرَح فيه الدّوابّ للرَّعْيِ، وجمعه المَسَارِحُ. وفي حديث أُمّ زرعٍ «له إِبلٌ قَليلاتُ المَسَارِحِ». قيل: تَصفه بكَثْرةِ الإِطعامِ وسَقْيِ الأَلبانِ؛ أَي أَن إِبلَه على كَثْرَتِها لا تَغيبُ عن الحيِّ، ولا تَسْرَحُ في المَراعي البَعِيدَةِ، ولكنها باركةٌ بفِنائه ليُقَرِّب لِلضِّيفانِ من لَبنها ولحمِها، خَوْفًا من أَن يَنزِل به ضَيْفٌ وهي بعيدةٌ عارِبةٌ.
وفرَسٌ سَرِيحٌ كأَمير: عُرْيٌ، وخَيْلٌ سُرُحٌ، بضمّتين؛ أَي سرِيعٌ، كالمُنْسَرِح. يقال: ناقَةٌ سُرُحٌ ومُنْسرِحةٌ في سَيْرِها؛ أَي سَريعةٌ. قال الأَعشى:
بجُلالةٍ سُرُحٍ كأَنّ بغَرْزِهَا *** هِرًّا إِذا انْتعل المَطِيُّ ظِلَالَها
وفي اللسان: والسَّرُوح والسُّرُحُ من الإِبل: السَّريعة المَشْي. وعَطاءٌ سُرُحٌ: بلا مَطْل. ومِشْيَةٌ سُرُحٌ، بكسر الميم ـ مثلُ سُجُح؛ أَي سَهْلة.
والسَّرْحَة: الأَتانُ، أَدْرَكَتْ ولم تَحْمِلْ. والسَّرْحَةُ: اسم كَلْب لهم.
والسَّرْحة: جَدّ عُمَرَ بنِ سَعيدٍ المُحَدِّث يَرْوِي عن الزهْرِيّ. وأَما اسم الموضع فبالشّين والجيم، وغَلِطَ الجَوْهريّ فإِنه تَصحَّفَ عليه؛ هكذا نبّهَ عليه ابنُ بَرِّيّ في حاشيته. ولكن في المَراصِد واللِّسَان أَن سرْحَةَ اسمُ مَوْضعٍ، كما قاله الجوهريّ، والذي بالشين والجيم موضعٌ آخرُ، وكذلك في البيت الذي أَنشده للبيدٍ:
لِمَنْ طَلَلٌ تَضمَّنَهُ أُثَالُ *** فَسَرْحةُ فالمَرَانةُ فالخَيَالُ
والخَيَالُ بالخَاءِ واليَاءِ على ما هو مَضبوطٌ في سائر نُسخ الصّحاح، وفي باب اللّام أَيضًا، تَصحيفٌ. ولكنْ صَرّحَ شُرّاحُ دِيوانِ لبَيدٍ وفسَّروه بالوَجْهَيْن. قال الجوهَريّ في باب اللّام: الخَيَالُ: أَرْضٌ لبني تَغْلب قال شيخنا: وهو مُوَافِقٌ في ذلك لما ذكره أَبو عُبيدٍ البَكْرِيّ في معجمه والمراصد، وغيره، وإِنما هو بالحاءِ المهملة والباءِ الموحّدة لحِبَال الرَّمْل، كذا صوَّبه بعضُ المحقّقين. ووجدتهُ هكذا في هامش الصّحاح بخطٍّ يُعتمد عليه. ووجدْت أَيضًا فيه أَن الخَيَالَ بالخَاءِ المعجمة والتّحتيةِ أَرضٌ لبني تَميم.
وقولُه: السَّرْحةُ يقال لها ـ نصّ عبارته: الوَاحِدَة سَرْحَةٌ، يقال: هي ـ الآءُ، على وَزْنِ العَاعِ، غَلَطٌ أَيضًا، وليس السَّرْحَةُ الآءَ بنفْسها وإِنما لها عِنَبٌ يُسَمَّى الآءَ يُشبِه الزَّيتونَ.
والسِّرْحان، بالكسر ـ فِعْلان من سَرَحَ يَسْرَح ـ: الذِّئْبُ.
قال سيبويه: النُّون زائدةُ كالسِّرْحال، عند يَعْقُوب، وأَنشد:
تَرَي رَذَايَا الكُومِ فَوْقَ الخَالِ *** عِيدًا لمُلِّ شَيْهَمٍ طِمْلالِ
والأَعْوَرِ العَيْنِ مع السِّرْحَالِ
والأُنثَى بالهَاءِ، والجمع كالجمع، وقد تَجْمَع هذه بالأَلفِ والتّاءِ؛ قاله الكسائيّ. والسِّرْحَانُ والسِّيد: الأَسد، بلُغة هُذَيْلٍ. قال أَبو المُثَلَّم يَرْثِي صَخْر الغَيّ:
هَبّاطُ أَوْدِيَةٍ حَمّالُ أَلْوِيَةٍ *** شَهّادُ أَنْدِيَةٍ سِرْحَانُ فِتْيَانِ
وسِرْحَان كلْبٌ، واسم فَرَس عُمَارةَ بنِ حَرْب البُحْتُريّ الطّائيّ، واسم فَرَس مُحْرِزِ بنِ نَضْلَةَ الكِنَانِيّ. والسِّرْحَان من الحَوْضِ: وَسَطُه، الجمع: سَرَاحٍ كثَمَانٍ قال شيخُنَا: أَي فيُعْرَب مَنقوصًا كأنهم حَذَفوا آخرَه. انتهَى، وسَراحِي، كما يقال: ثَعَالِبُ وثَعالِي، وسِرَاحٌ وسِرْحَانٌ كضِباعٍ وضِبْعَانٍ قال الأَزهريّ: ولا أَعرف لهما نَظيرًا، وسَراحِينُ، وهو الجارِي على الأَصل الّذي حكاه سيبويه. وأَنشد أَبو الهَيْثَم لطُفيل:
وخيلٍ كأَمْثَالِ السِّرَاحِ مَصونةٍ *** ذَخَائِرَ ما أَبْقَى الغُرَابُ ومُذْهَبُ
وذَنَبُ السِّرْحَانِ الوَارِد في الحَدِيث: هو الفَجْرُ الكاذِبُ؛ أَي الأَولُ، والمراد بالسِّرْحَان هنا الذِّئْب، ويقال: الأَسد.
وذو السِّرْح: وادٍ بين الحَرمَيْن، زادهما الله شرفًا، سُمِّي بشجرِ السَّرْح هُناك، قُرْبَ بَدْرٍ، ووادٍ آخرُ نَجْديّ.
وسَرِحَ، كفرِحَ: خَرَجَ في أُمُورِه سَهْلًا، ومنهحديث الحَسن: «يا لها نِعْمَةً ـ يعنِي الشِّرْبةَ [من] الماءِ ـ تُشْرَب لَذّةً، وتَخْرُج سُرُحًا»؛ أَي سَهْلًا سَريعًا.
ومُسَرَّحٌ، كمُحَمَّد: عَلَمٌ.
وبنو مُسَرِّحٍ، كمُحَدِّث: بَطْنٌ.
وسَوْدَةُ بنتُ مِسْرَحٍ، كمِنْبَرٍ، صَحَابِيَّةٌ حَضَرتْ وِلادَةَ الحَسَنِ بن عليّ، أَورده المِزِّيّ في ترجمته، وقيّد أَباها ابنُ ماكُولا، أَو هو مِشْرَحٌ، بالشِّين المعجمة.
وسَرَاحِ، مبنياًّ على الكسرِ كقَطَامِ: فَرَسٌ.
وكَسَحَابٍ، جَدُّ لأَبي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ شَاهِينَ الحَافظِ المشهور.
وكَكتّانٍ، فَرَسُ المُحَلَّقِ، كمعظَّم، ابْن حَنْتَمٍ، بالنون والمثنّاة الفوقيّة، وسيأْتي.
وككُتُبٍ: ماءٌ لبني العَجْلَانِ، ذَكَرَه ابن مُقْبِل، فقال:
قالتْ سُلَيمَى ببطنِ القَاعِ من سُرُحٍ
وسَرْحٌ، بفتح فسكون عَلَمٌ قال الرّاعي:
فلَوْ أَنّ حَقَّ اليومِ منكم إِقامةٌ *** وإِنْ كان سَرْحٌ قد مَضَى فتَسَرَّعَا
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
السّارِحُ: يكون اسمًا للرّاعِي الّذي يَسْرَحُ الإِبلَ، ويكون اسمًا للقَوْمِ الّذِين لهم السَّرْح، كالحاضِرِ والسّامِر.
وماله سارِحةٌ ولا رائحة: أَي ماله شَيْءٌ يَروح ولا يَسْرَح. قال اللِّحْيَانيّ: وقد يكون في معنَى مالَه قَوْمٌ.
وقال أَبو عُبَيْدٍ: السّارِحَ والسَّرْح والسَّارحَة سَوَاءٌ: الماشيَةُ. وقال خالد بن جَنْبَة: السَّارِحَة: الإِبلُ والغَنَم. قال: والدَّابَّةُ الوَاحِدَة. قال وهي أَيضًا الجَمَاعَة.
ووَلَدَتْه سُرُحًا، بضمّتين؛ أَي في سُهولة. وفي الدّعاءِ: «اللهُمَّ اجْعَلْه سَهْلًا سُرُحًا.
وشَيْءٌ سَريحٌ: سَهْلٌ.
وافْعَلْ ذلك في سَرَاحٍ ورَوَاحٍ؛ أَي في سُهولة.
ولا يكون ذلك إِلَّا في سَريحٍ؛ أَي في عَجَلةٍ. وأَمْرٌ سَريحٌ: مُعجَّل، والاسم: السَّرَاحُ. والعرب تقول: إِنّ خَيْرَكَ لَفِي سَرِيحٍ، وإِن خَيْرك لَسَرِيحٌ، وهو ضِدُّ البَطِيءِ.
ويقال: تَسرَّحَ فُلانٌ من هذا المكانِ، إِذا ذَهَبَ وخَرَج.
ومن الأَمثال: «السَّرَاحُ من النَّجَاح» أَي إِذا لم تَقْدِر على قَضَاءِ حاجَةِ الرَّجُلِ فأَيْئسْه فإِن ذلك عنده بمنزلةِ الإِسعافِ؛ كذا في الصّحاح.
والمُسْتَرَاحُ: مَوْضِعٌ بمِشَانَ، وقَرْيةٌ بالشّام.
وسَرْح، بالفتح: عند بُصْرَى.
ومن المَجَاز: السَّرْحَة: المَرْأَةُ. قال حُميدُ بنُ ثَوْرٍ:
أَبَى اللهُ إِلّا أَنَّ سَرْحَةَ مالِكٍ *** على كُلِّ أَفنَانِ العِضَاهِ تَرُوقُ
كنَى بها عن امرأَةٍ. قال الأَزهريّ: العرب تَكْنِي عن المَرْأَةِ بالسَّرْحةِ النابِتَة على الماءِ. ومنه قوله:
يَا سَرْحَةَ المَاءِ قد سُدَّتْ مَوارِدُهُ *** أَمّا إِليكِ طريقٌ غيرُ مسدودِ
كَنَى بالسَّرحةِ النّابتةِ على الماءِ عن المَرْأَةِ، لأَنها حينئذٍ أَحْسَنُ ما تكون.
والمُنسرِح: الّذِي انْسَرَحَ عنه وَبَرُه.
وفي الصّحاح: ومِلَاطٌ سُرُحُ الجَنْبِ: مُنْسَرِحٌ للذَّهَابِ والمَجِيءِ. يعنِي بالمِلَاطِ الكَتِفَ، وفي التهذيب: العَضُد. وقال ابن شُمَيل: مِلاطَا البَعيرِ: هما العَضُدانِ.
والمِسْرَحَة: ما يُسرَّح به الشَّعْرُ والكَتّانُ ونَحْوُهما.
والسَّرائِحُ والسُّرُح: نِعالُ الإِبلِ. وقيل: سُيورُ نِعالِهَا، كلُّ سَيْرٍ منها سَرِيحةٌ. وأَورده ابن السيد في كتاب الفَرْق:
فَطِرْنَ بمُنْصُليِ في يَعْمَلاتٍ *** دَوَامِي الأَيْدِ يَخْبِطْن السَّرِيحَا
وقال السُّهيليّ في الرَّوْض: السَّريح شِبْهُ النَّعْل تُلْبَسُه أَخْفافُ الإِبل.
وعن أَبي سعيد: سَرَحَ السَّيْلُ يَسْرَح سَرْحًا: إِذا جَرَى جَرْيًا سَهْلًا، فهو سَيْلٌ سارحٌ.
وسَرائحُ السَّهْمِ: العَقَبُ الّذِي عُقِب به. وقال أَبو حَنيفَة: هي العَقَبُ الّذي يُدْرَجُ على اللِّيطِ، واحدتُه سَرِيحةٌ. والسَّرَائِحُ أَيضًا آثارٌ فيه كآثارِ النَّار.
ومن المَجَاز: سَرَحَه اللهُ وسَرَّحَه؛ أَي وَفَّقَه الله تعالى.
قال الأَزهَرِيّ: هذا حَرفٌ غريب، سمِعته بالحاءِ في المؤلَّف عن الإِياديّ.
والمَسْرَحَانِ: خَشَبتَانِ تُشَدَّانِ في عُنُق الثَّورِ الّذي يُحْرَث به، عن أَبي حَنيفَةَ.
وفَرَسٌ سِرْيَاحٌ: سَريعٌ. قال ابن مُقْبِل يَصف الخَيْل:
مِنْ كلِّ أَهْوَجَ سِرْيَاحٍ ومُقْرَبَةٍ
ومن المَجاز: هو يَسْرَح في أَعراضِ النّاسِ: يَغْتابُهم.
وهو مُنْسَرِحٌ من ثياب الكَرَم؛ أَي مُنْسَلخٌ؛ كذا في الأَساس. وأَبو سَريحَةَ: صَحَابيٌّ، اسمه حُذيفةُ بنُ سعيد: ذكره الحُفّاظ في أَهْلِ الصُّفَّةِ؛ قاله شيخنا. قلت: وقرأْت في مُعجم ابن فَهْدٍ: أَبو سَريحةَ الغِفَارِيّ حُذَيْفَةُ بن أَسيدٍ، بايعَ تحت الشّجرةِ، روَى عنه الأَسودُ بن يَزيدَ. وأَبو سِرْحَانَ وسُرَيُحَانَ: من كُنَاهم. وسُلَيمُ بنُ سَرْحٍ: من التّابعين؛ كذا في تاريخ البخاريّ. وبخطّ أَبي ذَرٍّ بالهامش: سَرْج، بالجيم. وسُوَيدُ بنُ سِرْحانَ، عن المُغيرةِ، وعنه إِيادُ بن لَقِيطٍ. وأَبو سَرْحٍ أَو أَبو مَسْروح: كُنْيَة أَنَسَةَ مولى النَّبيّ صَلّى الله عَليه وسلّم.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
62-تاج العروس (كشملخ)
[كشملخ]: الكُشْمَلَخُ، بضمّ الكاف وسكون الشين وفتح الميم واللام، بصْريّة، وهي الكَشْمَخَةُ والمُلّاحُ.حكاها أَبو حنيفةَ قال: وأَحسبها نَبطيّة. قال: وأَخبرني بعضُ البصريّين أَنَّ الكُشْمَلَخ اليَنَمةُ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
63-تاج العروس (لبخ)
[لبخ]: لَبَخَ، كَمَنَعَ: ضَرَبَ، وأَخَذَ، وقَتَلَ، يَلْبَخُه لَبْخًا. ولَبَخَ: احْتَالَ للأَخْذِ، ولَبَخَ: شَتَمَ.واللَّبَخَةٌ، محرَّكَةً: شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ مِثْلُ الدُّلْب، ثَمَرُهَا أَخضَرُ كالتَّمْرِ حُلْوٌ جداًّ لكِنَّه كَرِيهٌ ولا يَنبُت إِلّا بأَنْصِنَا من صعِيدِ مِصْر، لأَبي حنيفة. وقيل: هي شجرةٌ عَظيمة مثْلُ الأَثْأَبَة أَو أَعظمُ، وَرَقُهَا شَبيهٌ بورَقِ الجَوز، ولها جَنًى كجَنَى الحُمَّاطِ مُرٌّ، إِذا أُكِلَ أَعطَشَ، وإِذا شُرِبَ عليه الماءُ نَفَخَ البَطْنَ، حكاه أَبو حنيفةَ، وأَنشد:
مَنْ يَشْربِ الماءَ ويأْكُلِ اللَّبَخْ *** تَرِمْ عُرُوقُ بَطْنِه ويَنْتَفِخْ
قال: وهو من شَجر الجِبال. قال صاحب اللسان: وأَخبرني العالم به أَنَّه رآها بأَنْصِنا، وذكر أَنّه جيِّدٌ لوَجَعِ الأَضراس، وإِذا نُشِرَ خَشَبُه أَرعَفَ ناشِرَهُ، ويُنشَر أَلواحًا فيبلُغ اللوْح منها خمسين دينارًا، يَجعله أَصحابُ المراكب في بناءِ السُّفن. وزعَم أَنّه إِذا ضُمَّ لَوْحَانِ مِنْه ضَماًّ شديدًا وجُعلا في الماءِ سنَةً صَارَا لَوْحًا واحدًا والْتَحَمَا، ولم يذكر في التهذيب أَنْ يُجْعَلَا في الماءِ سنةً ولا أَقل ولا أَكثرَ.
وعن أَبي باقلٍ الحَضْرَميِّ قال: بَلَغَنِي أَنَّ نَبِياًّ: من أَنبياءِ بني إِسرائيلَ شَكَى إِلى الله تعالَى الحَفَرَ، محرَّكَةً أَو بفتح فسكون، فأَوْحَى إِليه أَنْ كُلِ اللَّبَخَ فأَكَلَه فشُفِيَ.
قال صاحبُ اللِّسَان: ورأَيتها أَنا بجزيرة مصر، وهي من كبار الشّجَر وأَعجب ما فيه أَنْ قِيلَ: كان سُمًّا يَقتُل بِفَارِسَ فنُقِلَ إِلى أَرض مِصْر فزالَتْ سُمِّيَّتُه وصار يُؤْكل ولا يَضرُّ. ذكره ابن البيطار العَشّاب في كتابه الجامع.
واللُّبُوخ، بالضّمّ: كَثْرَةُ اللَّحْمِ في الجَسَد. ومنه اللَّبِيخُ، كأَمِيرٍ: الرَّجلُ اللَّحِيم. وهي لُبَاخِيَّة، كغُرابيَّةٍ: كثيرةُ اللَّحمِ ضَخْمة الرَّبَلة تامّة، كأَنّهَا منسوبة إِلى اللُّبَاخِ.
ويقال للمرأَةِ الطَّوِيلَةِ العَظيمةِ الجِسمِ: خِرْبَاق ولُبَاخيّة.
واللَّبِيخَةُ: نافِجَةُ المِسْكِ. والتَّلَبُّخُ: التَّطيُّبُ به، كلاهما عن الهجريّ. وأَنشد:
هَدَاني إِليها رِيحُ مِسْكٍ تَلَبَّخَتْ *** به في دُخانِ المَنْدَليِّ المُقصَّدِ
واللِّبَاخ، كَالكِتَابِ: اللِّطَامُ والضِّرَابُ، وقد لابخَ يُلابخ مُلابخةً ولِبَاخًا.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
64-تاج العروس (حتر)
[حتر]: الحَتْرُ: الإِحكامُ والشَّدُّ، كالإِحْتارِ وقد حَتَرَ الشيْءَ يَحْتِرُه: وأَحْتَرَه: أَحْكَمه. وحَتَرَ العُقْدَةَ: أَحْكَمَ عَقْدَها. وكلُّ شَدٍّ حَتْرٌ. وفي التهْذيب: أَحْتَرْت العُقْدَةَ إِحْتارًا، إِذا أَحْكَمْتَها، فهي مُحْتَرَةٌ، وبينهم عَقْدٌ مُحْتَرٌ: قد اسْتُوثقَ منه. قال لَبيد:وبالسَّفْح من شَرْقِيِّ سَلْمَى مُحَارِبٌ *** شُجَاعٌ وذُو عَقْدٍ مِن القومِ مُحْتَرِ
واستعاره أَبو كَبِير للدَّيْن، فقال:
هابُوا لقَومِهم السَّلامَ كأَنَّهمْ *** لمّا أُصِيبُوا أَهْلُ دَيْنٍ مُحْتَرِ
والحَتْرُ: تَحْدِيدُ النَّظَرِ. وقد حَتَرَه حَتْرًا، إِذا أَحَدَّ النَّظَرَ إِليه.
والحَتْرُ: التَّقْتِيرُ في الإِنفاقِ، كالحُتُورِ، بالضمّ، يقال: حَتَرَ أَهْلَه حَتْرًا وحُتُورًا: قتَّرَ عليهم النَّفَقَة، وضيَّقَ عليهم، ومَنَعَهم، قال الشَّنْفَرَى:
وأُمِّ عِيالٍ قد شَهِدْتُ تَقُوتُهم *** إِذا حَتَرَتْهُم أَتْفَهَتْ وأَقَلّتِ
وأَنشدَه ابنُ بَرّيّ هكذا:
إِذا أَطْعَمَتْهُم أَحْتَرَتْ وأَقَلّتِ
والحَتْرُ: الأَكْلُ الشَّدِيدُ. وما حَتَرَ شيئًا؛ أَي ما أَكَلَ شيئًا.
والحَتْرُ: الإِعطاءُ، أَو تَقْلِيلُه.
والحَتْرُ: الإِطعامُ، كالإِحتارِ، يقال: حَتَرَ الرَّجلَ حَتْرًا: أَعطاه، وأَطْعَمه، وقيل: قَلَّلَ عَطاءَه، أَو إِطعامَه. وحَتَرَ له شيئًا: أَعطاهَ يَسيرًا، وما حتَرَه شيئًا؛ أَي ما أَعطاه قليلًا ولا كثيرًا.
وأَحْتَرَ الرجلُ: قَلَّ عَطَاؤُه. وأَحْتَرَ: قَلَّ خَيْرُه، حَكَاه أَبو زَيْد، وأَنشد:
إِذا ما كُنْتَ مُلْتَمِسًا أَيَامَي *** فَنكِّبْ كُلَّ مُحْتِرَةٍ صَنَاعِ
أَي تَنَكَّبْ.
ورَوَى الأَصمعيُّ عن أَبي زَيْدٍ: حَتَرْتُ له شيئًا. بغير أَلفٍ، فإِذا قال: أَقَلَّ الرجلُ وأَحْتَرَ، قاله بالأَلف.
قال: وأَخْبَرَنِي الأَياديُّ عن شَمِرٍ؟؟؟ الحاتِرُ: المُعْطِي، وأَنشَدَ:
إِذ لا تَبِضّ إِلى التَّرا *** ئِكِ والضَّرائِكِ كَفُّ حاتِرْ
قال: وحَتَرْتُ: أَعْطَيْتُ.
وأَحْتَرَ علينا رِزْقَنا؛ أَي أَقَلَّه وحَبَسَه.
وقال الفَرّاءُ: حَتَرَه، إِذا كَساه وأَعْطَاه.
وقال الفَرّاءُ: المُحْتِرُ من الرِّجال: الذي لا يُعْطِي خَيْرًا، ولا يُفْضِلُ على أَحدٍ؛ إِنما هو كَفَافٌ بكَفَاف لَا يَنْفَلِت منه شيْءٌ.
آتِى الكُلِّ يَحْتُرُ، بالضمِّ ويَحْتِرُ، بالكسر.
والحَتْرُ: ما ارتفعَ مِن الأَرض وطالَ، ويُكْسَرُ، وهذه عن الصَّاغانيِّ.
والحَتْرُ: الشيْءُ القليلُ، كالحَقْرِ، يقال: كان عَطَاؤُكَ إِيّاه حَتْرًا حَقْرًا؛ أَي قليلًا، وقال رُؤْبَةُ:
إِلّا قليلًا مِن قليلٍ حَتْرِ
كالحُتْرَةِ، بالضمِّ.
والحَتْرُ: ذَكَرُ الثَّعْلَبِ، قال الأَزهَرِيُّ: لم أَسمع الحَتْرَ بهذا المعنَى لغير اللَّيْث، وهو مُنْكَرٌ. قلْتُ: ولعلَّه تَصَحَّفَ على اللَّيث في قولهم: الحُبَارَى أُنْثَى الحَبْر، فجَعَلَه حَتْرًا، بالمُثَنّاة، فتأَمَّلْ.
والحِتْرُ، بالكسر: ما يُوصَلُ بأَسفلِ الخِباءِ إِذا ارتفَعَ مِن ـ وفي بعض الأُصُول عن ـ الأَرضِ وَقَلَصَ ليكونَ سِتْرًا، كالحُتْرَةِ، بالضمِّ، والحِتَارِ، بالكسر.
والحِتْرُ: العَطِيَّةُ اليَسِيرَةُ؛ اسمٌ مِن حَتَرَ، وبالفتح المَصْدَرُ. قال الأَعْلَمُ الهُذَلِيُّ:
إِذا النَّفَسَاءُ لمْ تُخَرَّسْ ببِكْرِهَا *** غُلَامًا ولم يُسْكَتْ بحِتْرٍ فَطِيمُها
والحِتْرُ: أَن تَأْخُذَ للبَيتِ حِتَارًا أَو حُتْرَةً، وقَدْ حَتَرَ البيتَ.
والحِتَارُ من كلِّ شيْءٍ: كِفَافُه، وحَرْفُه، وما اسْتَدارَ به وأَحَاطَ، كحِتَارِ الأُذُنِ، وهو كِفَافُ حُرُوفِ غَراضِيفِها.
والحِتَارُ: حَلْقَةُ الدُّبُرِ وأَطْرَافُ جِلْدَتِها، وهو مُلْتَقَى الجِلْدَةِ الظّاهرةِ وأَطْرافِ الخَوْرانِ. وقيل: هي حُرُوفُ الدُّبُرِ. وأَراد أَعرابيٌّ امرأَتَه فقالت: إِنِّي حائضٌ، قال: فأَينَ الهَنَةُ الأُخرَى؟ فقالت له: اتَّقِ الله، فقالَ:
كلّا ورَبِّ البيتِ ذي الأَسْتارِ *** لأَهْتِكَنَّ حَلَقَ الحِتَارِ
قد يُؤْخَذُ الجارُ بجُرْمِ الجارِ
أَو الحِتَار: ما بينَه وبينَ القُبُلِ أَو هو الخَطُّ بين الخُصْيَيْن.
وقال اللَّيْثُ الحِتَارُ: ما اسْتَدَارَ بالعَيْنِ مِن رَيْق الجَفْنِ مِن باطنٍ، وهو بفتح الرّاءِ كما في نُسختنا وغالبِ الأُصُولِ، وفي بعض النُّسخ بكسر الزَّايِ. وقيل حِتَارُ العَيْنِ: حُرُوف أَجْفَانِها التي تَلْتَقِي عند التَّغْميضِ.
والحِتَارُ: شيْءٌ في أَقْصَى فَمِ البَعِيرِ، كنَاب وليس بنَابٍ، بل هو لَحْمٌ.
والحِتَارُ: مَعْقِدُ الطُّنُبِ في الطَّرِيقةِ، وهو حبْلٌ يُشَدُّ في أَعْراضِ المَظَالِّ، تُشَدُّ إِليه الأَطْنَابُ، والجمعُ من ذلك حُتُرٌ. ورَوَى الأَزهريّ عن الأَصمعيِّ، قال: الحُتُرُ: أَكِفَّةُ الشِّقَاقِ، كلُّ واحدٍ منها حِتَار؛ يَعْنِي شِقَاقَ البَيتِ.
وحِتَارُ الظُّفُرِ: ما يُحِيطُ به من اللَّحْم.
وكذلك حِتَارُ الغِرْبَالِ والمُنْخُلِ.
والحُتْرَةُ، بالضمِّ: مُجْتَمَعُ الشِّدْقَيْنِ.
والحُتْرَةُ: الوَكِيرَةُ، وهو الطَّعَامُ الذي يُتَّخَذُ للبِنَاءِ في البيتِ، كما سيأْتي كالحَتِيرَةِ، وهذه عن كُراع، وقال الأَزهريُّ: وأَنا واقِفٌ في هذا الحَرْفِ. وبعضُهُم يقول: حثِيرَةٌ، وسيأْتي.
والحُتْرَةُ: مَوْضِعُ قَصِّ الشَّارب.
والحَتْرَةُ، بالفتح: الرَّضْعَةُ الواحدةُ.
ومِن ذلك: المَحْتُورُ، وهو الذي يَرْضَعُ شيئًا قليلًا للجَدْب، وقِلَّةِ اللَّبَنِ، فيَقْنَعُ بحَتْرَة أَو حَتْرَتَيْن.
والمُحَتِّرُ: المُقَتِّرُ على عِيَالِه في الرِّزق، هكذا في النُّسَخ بالتشديد، وكأَنَّه لمُنَاسَبَةِ مَا بَعْدَه. والصَّوابُ: والمُحْتِرُ؛ أَي كمُحْسِنٍ، وهو الذي يُفَوِّتُ على القوم طعامَهم.
ومَا حَتَرْتُ اليومَ شيئًا: ما ذُقْتُ أَو ما أَكَلْتُ، كما تَقَدَّم.
وقد حَتَّرَ لهم تَحْتِيرًا: اتَّخَذَ لهم حَتِيرَةً؛ أَي وَكِيرَةً، ويقال: حَتِّرْ لنا؛ أَي وَكِّرْ لنا.
وحَتَّرَ البيتَ تَحْتِيرًا: جَعَلَ لَهُ حِتْرًا، بالكسر. أَو حُتْرَةً.
وأَبو عبدِ الله الحُتْرِيّ ـ بالضمّ ـ رَوَى عنه محمّد بنُ عبدِ الملِكِ الوَزِيرُ. قاله ابن ماكُولا.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
65-تاج العروس (قدر)
[قدر]: القَدَرُ، محرّكةً: القَضَاءُ المُوَفَّق، نقله الأَزهرِيُّ عن اللَّيْث، وفي المُحْكَم: القَدَرُ: القَضَاءُ والحُكْمُ، وهو ما يُقدِّرُه الله عَزَّ وجَلَّ من القَضَاءِ ويَحْكُمُ به من الأُمورِ.والقَدَرُ أَيضًا: مَبْلَغُ الشَّيْءِ. ويُضَمُّ، نقله الصاغانيّ عن الفرّاءِ، كالمِقْدَارِ، بالكَسْر. والقَدَر أَيضًا: الطَّاقَة، كالقَدْرِ، بفَتْح فسُكُون فِيهما، أَمّا في معنَى مَبْلَغِ الشَّيْءِ فقد نَقَلَه اللَّيْث، وبه فَسَّرَ قَولَه تَعَالَى: {وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} قال: أَي ما وَصَفوهُ حَقَّ صِفَتِه. وقال: والقَدْر والقَدَر ها هنا: بمعنًى واحِدٍ. وقَدَرُ الله وقَدْرُهُ بمَعْنًى، وهو في الأَصلِ مَصْدرٌ. وقال أَيضًا: والمِقُدَارُ: اسمُ القَدَرِ.
وأَمّا في مَعْنَى الطَّاقَةِ فقَدْ نُقِلَ الوَجْهَانِ عن الأَخْفَشِ؛ ذَكَرَه الصاغَانيّ، وذَكَرَه الأَزهرِيّ عنه وعن الفَرّاءِ. وبِهِمَا قُرِئ قولُه تَعَالَى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} قال الأَزهريُّ: وأَخبَرَنِي المُنْذِرِيّ عن أَبي العَبّاس في قوله تعالَى: {عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}. وقَدْرُه قال: التَّثْقِيلُ أَعْلَى اللُّغَتَيْنِ وأَكْثَرُ، ولِذلك اخْتِير. قال: واخْتَارَ الأَخْفَشُ التَّسْكِينَ قال: وإِنَّمَا اخترنَا التَّثْقِيل لأَنَّه اسمٌ. قال الكسائيّ؛ يُقْرَأُ بالتَّخفِيف وبالتَّثْقِيل، وكلٌّ صَوابٌ. قلتُ: وبالقَدْرِ بمعنَى الحُكْمِ فُسِّرَ قولُه تعالَى: {إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} أَي الحُكْمِ، كما قال تعالَى: {فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}، وأَنشد الأَخْفَشُ لهُدْبَةَ بنِ الخَشْرَمِ:
أَلَا يَا لَقَوْمِي للنَّوائبِ والقَدْرِ *** وللأَمْرِ يَأْتِي المَرْءَ مِنْ حَيْثُ لا يَدْرِي
فقولُ المُصَنّف «كالقَدْرِ» فيهما مَحَلُّ نَظَر، والصَّوابُ «فيها» أَي في الثَّلاثَة، فتَأَمَّلْ. والقَدْرُ، بالمَعَاني السابِقَة، كالقَدَرِ فيها، الجمع: أَقْدَارٌ؛ أَي جَمْعُهَا جَمِيعًا. وقال اللّحْيَانيّ: القَدَرُ الاسْمُ، والقَدْر المَصْدَرُ. وأَنشد:
كُلُّ شيْءٍ حَتَّى أَخِيكَ مَتَاعُ *** وبِقَدْرٍ تَفَرُّقٌ واجتماعُ
وأَنشدَ في المَفْتُوح:
قَدَرٌ أَحَلَّكَ ذا النُّخَيْلِ وقد أَرَى *** وأَبِيكَ مالَكَ ذُو النُّخَيْلِ بِدَارِ
قال ابنُ سِيدَه: هكذا أَنشدَهُ بالفَتْحِ، والوَزْنُ يَقْبَل الحَرَكَةَ والسُّكُونَ.
والقَدَرِيَّةُ، مُحَرَّكَةً: جاحِدُو القَدَرِ، مُوَلَّدةٌ. وقال الأَزهرِيّ: هم قومٌ يُنْسَبُونَ إِلى التَّكْذِيبِ بما قَدَّر الله من الأَشْيَاءِ. وقال بعضُ مُتَكَلِّمِيهمٍ: لا يَلْزَمُنَا هذا اللَّقَب، لأَنَّنَا نَنْفِي القَدَرَ عن الله عزّ وجلّ، ومَنْ أَثْبَتَهُ فهُوَ أَوْلَى بِه.
قال: وهذا تَمْوِيهٌ منهم؛ لأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ القَدَرَ لأَنْفُسِهم، ولِذلك سُمُّوا قَدَرِيَّةً. وقولُ أَهْلِ السُّنَّة إِنَّ عِلْمَ الله عَزّ وجلَّ سَبَقَ في البَشَرِ، فعَلِمَ كُفْرَ مَنْ كَفَرَ منهم كما عَلِمَ إِيمانَ من آمَنَ، فأَثْبَتَ عِلْمَه السابقَ في الخَلْق وكَتَبَه، وكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له [وكُتِبَ عليه].
ويُقَال: قَدَرَ الله تعالَى ذلك عَلَيْه يَقْدُرُهُ، بالضَّمّ، ويَقْدِرُه، بالكَسْر، قَدْرًا، بالتَّسْكِين، وقَدَرًا، بالتَّحْرِيك، وقَدَّرَهُ عليه تَقْدِيرًا، وقَدَّرَ لَهُ تَقْدِيرًا: كلُّ ذلك بمَعْنًى. قال إِياسُ بنُ مالِك:
كِلَا ثَقَلَيْنَا طامِعٌ بغَنِيمَةٍ *** وقَدْ قَدَرَ الرَّحْمنُ ما هُوَ قادِرُ
قولُه: ما هو قادِر؛ أَي مُقَدِّرٌ. وأَرادَ بالثَّقَلِ هُنَا النِّسَاءَ.
واسْتَقْدَرَ الله خَيْرًا، سَأَلَهُ أَنْ يَقْدُرَ له به، من حَدِّ نَصَرَ، كما في نُسْخَتِنَا. وفي بَعْضِها «أَنْ يُقَدِّرَ له به» بالتَّشْدِيد، وهما صَحِيحَان. قال الشاعر:
فاسْتَقْدِرِ الله خَيْرًا وارْضَيَنَّ بهِ *** فبَيْنَمَا العُسْرُ إِذ دَارَتْ مَياسِيُر
وفي حديث الاسْتِخارَة: «اللهُمَّ إِني أَسْتَقْدِرُك بقُدْرَتِك»؛ أَي أَطْلُبُ منك أَن تَجْعَلَ لي عليه قُدْرَةً.
وقَدَرَ الرِّزْقَ يَقْدُرُه ويَقْدِرُه: قَسَمَهُ، قِيلَ: وبه سُمِّيَت لَيْلَةُ القَدْرِ؛ لأَنَّهَا تُقَسَّم فيها الأَرزاقُ.
والقَدْرُ، بفتح فسُكُون؛ الغِنَى واليَسَارُ، وهُمَا مَأْخُوذان مِن القُوَّة، لأَنَّ كُلًّا منهما قُوَّةٌ، كالقُدْرَةِ، بالضّمّ، والمَقْدِرَةِ، مثلثةَ الدالِ، يُقَال: رَجُلٌ ذو قُدْرَة ومَقْدرَةٍ؛ أَي ذُو يَسَارٍ. وأَمَّا مِنَ القَضَاءِ والقَدَرِ فالمَقْدَرَةُ، بالفَتْح لا غَيْرُ.
قال الهُذَليّ:
وما يَبْقَى على الأَيّامِ شَيْءٌ *** فيا عَجَبًا لمَقْدَرَةِ الكِتَابِ
والمِقْدَارُ والقَدْرُ: القُوَّة. وأَمّا القَدَارَةُ، بالفَتْح، والقَدَرُ، محرَّكَةً، والقُدُورَةُ والقُدُورُ، بضَمِّهما، فمِنْ قَدِرَ، بالكَسْر، كالقُدْرَة، والقِدْرَانِ، بالكَسْر، وفي التهذيب بالتَّحْرِيك ضَبْطَ القَلَم، والقَدَارُ، بالفَتْح ذَكره الصاغانيّ، ويُكْسَرُ، وهذه عن اللّحيانيّ، والاقْتِدار على الشَّيْءِ: القُدْرَةُ عَلَيه والفِعْلُ كَضَرب، وهي اللُّغة المشهورةُ ونَصَرَ، نَقَلَهَا الكسائيُّ عن قوم من العَرَبِ، وفَرِحَ، نقلها الصّاغَانيّ عن ثَعْلَب، ونَسَبَهَا ابنُ القَطّاع لِبَنِي مُرَّةَ من غَطَفَانَ، واقْتَدَرَ. وهُوَ قادرٌ وقَديرٌ ومُقْتَدِرٌ.
وأَقْدَرَه الله تعالَى على كذا؛ أَي جَعَلَه، قادِرًا عليه.
والاسْمُ من كُلِّ ذلك المَقْدرَةُ، بتثليث الدّال.
والقَدْر: التَّضْييق، كالتَّقْدِير. والقَدْر: الطَّبْخُ. وفِعْلُهُمَا كضَرَبَ ونَصَر، يُقَال: قَدَرَ عليه الشَّيْءَ يَقْدِرُه ويَقْدُرُه قَدْرًا وقَدَرًا، وقَدَّرَه: ضَيَّقَه، عن اللّحيانيّ. وتَرْكُ المُصَنِّف القَدَرَ بالتَّحْرِيك هنا قُصُورٌ.
وقولُه تَعَالَى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أَي لَنْ نُضَيِّق عليه؛ قاله الفَرّاءُ وأَبو الهَيْثَم. وقال الزَّجّاج: أَي لَنْ نُقدِّر عليه ما قَدَّرنا من كوْنِه في بَطْنِ الحُوتِ. قال: ونَقْدِرُ: بمعنَى نُقدِّر. قال: وقد جَاءَ هذا في التَّفْسِير. قال الأَزهريّ: وهذا الذي قالَهُ صحيحٌ، والمعنى ما قَدّرَهُ الله عَلَيْه من التَّضْيِيقِ في بَطْنِ الحُوت... وكُلُّ ذلك سائغٌ في اللُّغَة، والله أَعلم بما أَراد. وأَمّا أَنْ يكونَ من القُدْرَة فلا يَجُوز، لأَنَّ من ظَنَّ هذا كَفَر، والظَّنُّ شَكٌّ، والشَّكُّ في قُدْرَةِ الله تعالَى كُفْرٌ. وقد عَصَمَ الله أَنْبِيَاءَه عن ذلك، ولا يَتَأَوَّل مِثْلَه إِلّا جاهلٌ بكلامِ العَرَب ولُغَاتِهَا. قال: ولَمْ يَدْرِ الأَخْفَشُ ما مَعْنَى نَقْدِر، وذَهَب إِلى مَوضع القَدْرَة، إِلى مَعْنَى فظَنَّ أَن لا يَفُوتَنا، ولم يَعْلَمْ كلامَ العرب حتى قال: إِنّ بعض المفسّرين قال: أَرادَ الاسْتِفْهَام: أَفَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْه؟ ولو عَلِمَ أَنّ معنَى نَقْدِر: نُضَيِّق، لم يَخْبِطْ هذا الخَبْطَ. قال ولَمْ يَكُنْ عالِمًا بكلام العَرَب، وكان عالِمًا بقياسِ النَّحْو.
وقال: وقولُه تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أَي ضُيِّقَ.
وَقَدَر عَلَى عِيَالِه قَدْرًا: مِثْل قَتَرَ. وقُدِرَ على الإِنْسَانِ رِزْقُه: مثل قُتِرَ.
وأَمّا القَدْرُ بمعنَى الطَّبْخِ الّذِي ذكرَهُ المُصَنّف فإِنّه يُقال: قَدَرَ القِدْرَ يَقْدُرهَا ويَقْدِرُها قَدْرًا: طَبَخَهَا. ومنهحَدِيثُ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ: «أَمَرنِي مَوْلايَ أَنْ أَقْدُرَ لَحْمًا» أَي أَطْبُخَ قِدْرًا من لَحْم. واقْتَدَرَ: أَيضًا: بمَعْنَى قَدَرَ، مثلُ طَبَخَ واطَّبَخَ، وقد تَرَكَه المصنّف هُنَا قُصورًا، ولَمْ يَذْكُرُهْ فيما بَعْد، ولهذا لَوْ قَالَ: والقَدْرُ: التَّضْيِيقُ كالتَّقْدِيرِ، والقَدْرُ: الطَّبْخُ كالاقْتِدار، لكانَ أَحْسَنَ.
والقَدْرُ: التَّعْظِيمُ، وبه فُسِّر قولُه تَعَالَى: {وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أَي ما عَظَّمُوا الله حَقَّ تَعْظِيمِه.
والقَدْرُ؛ تَدْبِيرُ الأَمْرِ، يُقَالُ: قَدَرَهُ يَقْدِرُه، بالكَسْرِ أَي دَبَّرَه.
والقَدْرُ: قِياسُ الشَّيْءِ بالشَّيْءِ يُقَالُ: قَدَرَه بِهِ قَدْرًا، وقَدَّرَهُ، إِذا قاسَهُ. ويُقَالُ أَيضًا: قَدَرْتُ لِأَمْرِ كذا أَقْدِرُ لَهُ، بهذا المعنَى. ومنهحَدِيث عائشةَ رَضي الله عنها: «فَاقْدِرُوا قَدْرَ الجَارِيَةِ الحَدِيثَةِ السِّنِّ المُشْتَهِيَة للنّظَر»؛ أَي قَدِّرُوا وقايِسوا وانظُرُوه وأَفْكِرُوا فيه.
والقَدْرُ: الوَسَطُ من الرِّحالِ والسُّرُوجِ يقال: رَحْلٌ قَدْرٌ، وسَرْجٌ قَدْرٌ؛ ذكره الزمخشري في الأَساس. وزادَ في اللسان: يُخَفَّف ويُثقَّل. وفي عبارة المُصَنّف قُصُورٌ ظاهِرٌ.
ولم يذكر أَبو عُبَيْدَة في كِتَابِ «السَّرْجِ واللجَام» إِلَّا: سَرْجٌ قاتِرٌ، وقد تقدّم، وكَأَنّ الدالَ لُغَةٌ في التاءِ. وفي التَّهْذِيب: سَرْجٌ قادرٌ: قاترٌ، وهو الواقِي الذي لا يَعْقِرُ. وقيل: هو بَيْنَ الصَّغِيرِ والكَبير.
والقَدْرُ: رَأْسُ الكَتِف.
والقَدَرُ، بالتَّحْرِيك: قِصَرُ العُنُقِ، قدِرَ، كفَرِحَ يَقْدَرُ قَدَرًا فهُوَ أَقْدَرُ: قَصِيرُ العُنُقِ. وقِيل: الأَقْدَر: القَصِيرُ من الرَّجَالِ، وبه فُسِّر قولُ صخْرِ الغَيِّ يصفُ صائدًا، ويَذْكُر وُعُولًا، وقد وَرَدتْ لِتَشْرَبَ الماءَ:
أَرَى الأَيّامَ لا تُبْقِي كَرِيمًا *** ولا الوَحْشَ الأَوابِدَ والنَّعَامَا
ولا عُصْمًا أَوَابِدَ في صُخُورٍ *** كُسِينَ عَلَى فَرَاسِنِها خِدَامَا
أُتِيحَ لَهَا أُقَيْدِرُ ذُو حَشِيفٍ *** إِذا سَامَتْ على المَلَقَاتِ سَامَا
العُصْمُ: الوُعولُ. والخِدَامُ: الخَلْخَالُ، وأَراد بِها الخُطُوطَ السُّودَ التي في يَدَيْه. والأُقَيْدِرُ: أَراد به الصائدَ.
والحَشِيفُ: الثَّوْبُ الخَلَقُ. وسامَتْ: مَرَّتْ ومَضَتْ.
والمَلَقَاتُ: جمع مَلَقَة، وهي الصَّخْرَةُ المَلْسَاءُ.
وقال أَبو عَمْرو: الأَقْدَرُ: فَرَسٌ إِذا سارَ وَقَعَتْ رِجْلاه مَواقِعَ يَدَيْهِ قال عَدِيُّ بن خَرَشَةَ الخَطْمِيُّ:
وأَقْدَرُ مُشْرِفُ الصَّهَواتِ ساطٍ *** كُمَيْتٌ لا أَحَقُّ ولا شَئِيتُ
وقد قَدِرَتْ، بالكَسْر، أَو الأَقْدَر: هو الذي يَضَعُ رِجْلَيْه، وفي بعض النسخ: «يَدَيْه» وهو غلطٌ، حَيْثُ يَنْبَغِي، وقال أَبو عُبَيْد: الأَقْدَرُ: هو الّذي يُجَاوِزُ حافِرَا رِجْلَيْه مَواقِعَ حافِرَيْ يَدَيْه. والشَّئيت: خِلافُه. والأَحَقُّ: الَّذِي يُطَبِّق حافِرَا رِجْلَيْه حافِرَيْ يَدَيْهِ.
والقِدْر، بالكَسرِ: م، معروفَةٌ أُنْثَى، بلا هاءٍ عند جِميع العَرَب، وتَصْغِيرُهَا قُدَيْرَةٌ، وقُدَيْرٌ، الأَخيرة على غَيْرِ قِيَاسٍ؛ قاله الأَزهريّ أَو يُذَكَّر، ويُؤَنَّث. ومن قال بتذَكِيرِهَا غَرَّهُ قَوْلُ ثَعْلَب. قال أَبو مَنْصُورٍ: وأَمّا ما حَكَاهُ ثَعْلَبٌ من قَوْلِ العَرَب: ما رَأَيْتُ قِدْرًا غَلَا أَسْرَعَ مِنْهَا فإِنّه لَيْس على تَذْكِير القِدْر، ولكِنَّهم أَرادُوا: ما رَأَيْتُ شَيْئًا غَلَا. قال: ونَظِيرُه قولُ الله تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ} قال ذَكَّرَ الفِعْلَ لأَنّ مَعْنَاه مَعْنَى شَيْءٍ، كأَنَّه قال: لا يَحِلُّ لك شيءٌ من النّسَاءِ. ولابْنِ سِيدَه هُنَا في المُحْكم كلامٌ نَفِيسٌ، فراجِعْه.
قلتُ: وعلى قَوْلِ من قَالَ بالتَّذْكِير يُؤَوَّل
قولُ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه، فِيمَا يُرْوَى عنه: «غَلَا قِدْرِي، عَلَا قَدْرِي» كذا أَوْرَدَه بعضُ أَئمّة التَّصْحِيف.
الجمع: قُدُورٌ، لا يُكَسَّر على غَيْر ذلك.
والقَدِيرُ والقادِرُ: ما يُطْبَخْ في القِدْر، هكذا في سائر النُّسَخ. وفي اللّسَانِ: مَرَقٌ مَقْدُورٌ وقَدِيرٌ أَي مَطْبُوخ.
والقَدِيرُ: ما يُطْبَخُ في القِدْر. وقال اللَّيْث: القَدِيرُ: ما طُبِخَ من اللَّحْمِ بَتَوَابِلَ، فإِنْ لم يكن ذا تَوابلَ فهو طَبِيخٌ. وما رأَيتُ أَحَدًا من الأَئمّة ذكرَ القادِرَ بهذا المَعْنَى. ثم إِنَّنِي تَنَبَّهْتُ بعدَ زَمان أَنَّه أَخَذَه من عِبَارَة الصاغانيّ: «والقَدِيرُ: القَادِرُ» فوَهِمَ، فإِنَّه إِنّمَا عَنَى به صِفَةَ الله تعالَى لا بمَعْنَى ما يُطْبَخُ في القِدْر، فتَدبَّر. ويُمكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنّ الصّواب في عِبارَته: «والقَدِيرُ: القادِرُ، وما يُطْبَخُ في القِدْرِ» فيَرْتَفِعُ الوَهَمُ حينئذٍ، ويكونُ تَوْسِيطُ الوَاوِ بَيْنَهما من تَحْرِيفِ النُّسّاخ، فافْهَمْه.
والقُدَارُ، كهُمَامٍ: الرَّبْعَةُ من الناسِ ليس بالطَّوِيلِ ولا بالقَصِيرِ. والقُدَارُ: الطَّبّاخُ، أَو هو الجَزّارُ، على التَّشْبِيه بالطَّبّاخِ، وقِيلَ الجَزّارُ هو الّذِي يَلِي جَزْرَ الجَزُورِ وطَبْخَها. قال مُهَلْهِلٌ:
إِنَّا لَنَضْرِبُ بالصَّوارِمِ هَامَها *** ضَرْبَ القُدَارِ نَقِيعَةَ القُدّامِ
ومن سَجَعاتِ الأَساس: ودَعَوْا بالقُدَارِ فنَحَرَ فاقْتَدَرُوا، وأَكَلُوا القَدِيرَ؛ أَي بالجَزّار وطَبَخُوا اللَّحْمَ في القِدْر وأَكَلُوه.
والقُدَارُ الطابِخُ في القِدْرِ، كالمُقْتَدِرِ يقال: اقْتَدَرَ وقَدَرَ، مثل طَبَخَ واطَّبَخَ، ومنه قولُهُم: أَتَقْتَدِرُون أَم تَشْتَوُونَ.
وقُدَارُ بنُ سالِفٍ الذي يُقَالُ له أُحَيْمِرُ ثَمُودَ: عاقِرُ الناقَةِ ناقَةِ صالحٍ عليهالسلام.
والقُدَار بنُ عَمْرِو بن ضُبَيْعَة رَئِيسُ رَبِيعَةَ، كانَ يَلِي العِزَّ والشَّرَف فيهم.
والقُدَارُ، الثُّعْبَانُ العَظِيمُ، وقِيلَ الحَيَّة.
وقَدَارٌ، كَسَحَابِ: موضع، قال امرُؤ القَيْس:
ولا مِثْلَ يَومٍ في قَدَارٍ ظَلِلْتُه *** كَأَنِّي وأَصْحَابِي بقُلَّةِ عَنْدَرَا
قال الصاغانيّ: ورَوَى ابنُ حَبِيب وأَبو حاتِمٍ: «في قَدَارَانَ ظَلْتُه» وقد تَقَدَّم في «ع بلد ر».
والمُقْتَدِرُ: الوَسَطُ من كُلِّ شَيْءٍ، هذه عبارةُ المُحْكَم.
وقال غَيْرُه: وكُلَّ شيْءٍ مُقْتدِرٌ: فهو الوَسَطُ. وقال ابنُ سِيدَه أَيضًا: ورَجُلٌ مُقْتَدِرُ الخَلْقِ؛ أَي وَسَطُه ليس بالطَّوِيلِ والقَصِيرِ، وكذلك الوَعِلُ والظَّبْيُ وغيرُهما. وفي الأَساس: رَجُلٌ مُقْتَدِرُ الطُّول: رَبْعَةٌ.
وبَنُو قَدْراءَ: المَيَاسِيرُ؛ أَي الأَغْنِيَاءُ، وهو كِنَايَةٌ.
والقَدَرَةُ، بالتَّحرْيِك: القَارُورَةُ الصَّغِيرَةُ، نقله الصاغانيّ. وقادَرْتُه مُقَادَرَةً: قايَسْتُه، وفَعَلْتُ مِثْلَ فِعْلِه، وفي الأَساس: قاوَيْتُه.
وفي التَّهْذِيب: التَّقْدِيرُ، على وُجوه من المَعَانِي: أَحدُها: التَّرْوِيَةُ والتَّفْكِيرُ في تَسْوِيَةِ أَمرٍ وتَهْيئَتِه، زادَ في البَصَائِر: بحَسَبِ نَظَر العَقْل وبناءِ الأَمْرِ عليه، وذلك مَحْمُودٌ. ثم قال: والثّاني: [تَقْدِيرُه] بعلاماتٍ يُقطِّعُه عليها. والثالث: أَنْ تَنْوِيَ أَمرًا بعَقْدِك، تقولُ: قَدَّرْتُ أَمرَ كذا وكذا؛ أَي نَوَيْتُه وعَقَدْتُ عليه. وذكر الصاغانيّ الأَوّلَ والثالِثَ، وأَما المصنّف في البصائر فذَكَر بعد الأَوّل ما نَصُّه: والثانِي: أَنْ يكونَ بحَسَبِ التَّهَيُّؤِ والشَّهْوَة. قال: وذلك مَذْمُومٌ، كقوله تعالى: {فَكَّرَ وَقَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} وقال: إِنَّ كِلَيْهِمَا من الإِنْسَان. وقال أَيضًا: وأَمَّا تَقْدِيرُ الله الأُمورَ فعَلَى نَوْعَيْن: أَحدُهما بالحُكْم منه أَنْ يَكُونَ كذا أَو لا يَكُون كذا، إِمَّا وُجُوبًا وإِمّا إِمْكَانًا وعَلَى ذلك قولُه تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.
والثاني: بإِعْطَاءِ القُدْرَة عليهِ، ومنه قولُه تعالَى: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى} أَي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ ما فيه مَصْلَحَةٌ، وهَداهُ لِما فيه خَلاصٌ، إِمّا بالتَّسْخِير وإِمّا بالتَّعْلِيم، كما قال: {أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى}.
وتَقَدَّر له الشيءُ: تَهَيَّأَ.
وَقَدَرَهُ وقدَّرَه: هَيَّأَه.
وقولُه تعالَى و {ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، قِيلَ: أَي ما عَظَّمُوه حَقَّ تَعْظِيمِه، وقال اللَّيْث: ما وَصَفُوه حَقَّ صِفَتِه.
وفي البصائر: أَي ما عَرَفُوا كُنْهَه، تَنْبِيهًا أَنه كَيْفَ يُمْكِنُهم أَنْ يُدْرِكُوا كُنْهَه وهذا وَصْفُه، وهو قوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ}.
ويُقَالُ: قَدَرْتُ الثَّوْبَ عليه قَدْرًا، فانْقَدَرَ؛ أَي جاءَ على المِقْدَارِ.
وفي الأَساسِ: تَقَدَّرَ الثَّوْبُ عليه: جاءَ على مِقْدَارِه.
ومن المَجَازِ: قولُهُم: بَيْنَنَا ـ ونصُّ يَعْقُوبَ: بَيْنَ أَرضِك وأَرْضِ فلان ـ لَيْلَةٌ قادِرَةٌ؛ أَي هَيِّنَة، ونَصُّ يَعْقُوبَ والزَّمَخْشَرِيّ: لَيِّنَةُ السَّيْرِ لا تَعَبَ فيها، زادَ يعقُوبُ: مِثْل قاصِدَةٍ ورَافِهَة.
وقَيْدَارُ: اسمٌ، قال ابنُ دُرَيْد: فإِنْ كان عرَبِيًّا فاليَاءُ زائدَة، وهو فَيْعَالٌ من القُدْرَة.
والقَدْرَاءُ من الآذانِ: الّتي لَيْسَتْ بصَغِيرةٍ ولا كَبِيرةٍ، نقله الصَّاغانِيّ.
وقال ابنُ القَطّاع قَدِرَت الأُذُنُ قَدَرًا: حَسُنَتْ.
ويُقَال كَمْ قَدَرَةُ نَخْلِك؟ محرَّكَةً. ويُقَال أَيضًا: غُرِسَ نخْلُك على القَدَرَة، مُحَرّكةً أَيضًا، وهي ـ ونَصُّ الصاغانِيّ: وهُوَ ـ أَنْ يُغْرَسَ على حَدٍّ مَعْلُومٍ بَيْنَ كُلِّ نَخْلَتَيْن، هذا نَصّ الصاغانِيّ.
وقَدَّرَه تَقْدِيرًا: جَعَلَهُ قَدَرِيًّا، نقله الصاغانيّ عن الفَرّاءِ، وهي مُوَلَّدَةٌ.
ودَارٌ مُقَادَرَةٌ، بفتح الدال: ضَيِّقَةٌ، سُمّيَ بالمَصْدَر، من قادَرَ الرَّجُلَ.
وعن شَمِرٍ: قَدَرْتُه أَقْدِرُه، من حَدِّ ضَرَبَ، قَدَارَةً، بالفَتْح: هَيَّأْتُ. وقَدَرْتُ: وَقَّتُّ، قال الأَعْشى:
فاقْدِرْ بذَرْعِك بَيْنَنَا *** إِنْ كُنْتَ بَوّأْتَ القَدَارَهْ
بَوَّأْت: هَيَّأْت. وقَال أَبو عُبَيْدَةَ: اقْدِرْ بذَرْعِك بَيْنَنا؛ أَي أَبْصِرْ واعْرِفْ قَدْرَكَ. وقال لَبِيدٌ:
فقَدَرْتُ للوِرْدِ المُغَلِّس غُدْوَةً *** فَوَرَدْتُ قَبْلَ تَبَيُّنِ الأَلْوَانِ
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ: القَدِيرُ، والقَادِرُ: من صِفَاتِ الله عَزَّ وجَلَّ، يكونَان من القُدْرَة، ويَكُونانِ من التَّقْدِير. قال ابنُ الأَثِير: القَادِرُ: اسمُ فاعِل من قَدَرَ يَقْدِرُ؛ والقَدِيرُ فَعِيلٌ منه، وهو للمُبَالَغَةِ، والمُقْتَدِرُ مُفْتَعِلٌ من اقْتَدر، وهو أَبْلغُ. وفي البَصائر للمُصَنِّف: القَدِيرُ: هو الفَاعِلُ لِمَا يَشَاءُ على قَدْرِ ما تقْضِي الحِكْمَة، لا زائدًا عليه ولا ناقِصًا عنه، ولذلك لا يَصِحُّ أَنُ يُوصَفَ به إِلَّا الله تعالى، والمُقْتَدِرُ يُقَارِبُه إِلّا أَنَّهُ قد يُوصَفُ به البَشَرُ، ويكونُ مَعْنَاهُ المُتَكَلِّف والمُكْتَسِبُ للقُدْرَةِ، ولا أَحَدَ يُوصَفُ بالقُدْرَة من وَجْهٍ إِلّا ويَصِحّ أَنْ يُوصَفَ بالعَجْز من وَجْهٍ، غَيْرَ الله تعالَى، فهُوَ الَّذِي يَنْتَفِي عنه العَجْزُ من كلّ وَجْهٍ، تعالَى شَأْنُه.
وفي الأَساس: صانِعٌ مُقْتَدِرٌ: رَفِيقٌ بالعَمَل. قال [امرؤ القيس].
لَهَا جَبْهَةٌ كسَرَاةِ المِجَنِّ *** حَذَّقَه الصانِعُ المُقْتَدِرْ
والأُمورُ تَجْرِي بقَدَرِ الله ومِقْدَارِه وتَقْدِيرِه وأَقْدَارِه ومَقَادِيرِه.
وفَرَسٌ بَعِيدُ القَدْرِ: بَعِيدُ الخَطْوِ. قال:
بِبَعِيدٍ قَدْرُهُ ذِي جُبَبٍ *** سَبِطِ السُّنْبُكِ في رُسْغٍ عَجُرْ
وهو مَجاز:
والقَدْرُ: الشَّرَف، والعَظَمةُ، والتَّزيِينُ، وتَحْسِينُ الصُّورَة. وبه فُسِّر قولُه تعالَى: {فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ} أَي صَوّرْنَا فنِعْمَ المُصَوِّرُونَ.
قال الفَرّاءُ: قَرَأَهَا عليٌّ كرَّمَ الله وَجْهَه «فَقدَّرْنا» بالتَّشْدِيدِ وخَفَّفها عاصِمٌ. قال: ولا يَبْعُدُ أَنْ يكونَ المعنَى في التَّخْفِيفِ والتَّشْدِيدِ وَاحِدًا، لأَنَّ العَرَب تقولُ: قُدِّرَ عليه وقُدِرَ عَلَيْه. واحتجَّ الّذِين خَفَّفُوا فقالوا: لو كانَتْ كذلك لَقَالَ: فنِعْمَ المُقَدِّرُون. وقد تَجْمَع العربُ بَيْنَ اللُّغَتَيْن، قال الله تَعَالَى: {فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}. والتَّقْدِيرُ: الجَعْلُ والصُّنْع، ومنه قولُه تعالى: {وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ} أَي جعلَ له، وكذا قولُه تعالى: {وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها}. والتَّقْدِيرُ أَيضًا: العِلْمُ والحِكْمَة، ومنه قولُه تعالى: {وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ} أَي يَعْلَم؛ كذا في البصائر. قلتُ: ومنه أَيضًا قولُه تعالَى: (قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ)، قال الزَّجَّاج: المَعْنَى عَلِمْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الغابِرين. وقيل: دَبَّرْنَا. وقَدَّرْتُ عليه الشَّيءَ: وَصَفْتُه.
ورَوَى أَبو تُرَاب عن شُجَاع «غُلامٌ قُدُرٌّ، كعُتُلٍّ: وهو التامُّ الشديدُ المُكْتَنِزُ.
واقْتَدَرَ الشيءَ: جَعَلَه قَدْرًا.
ومن أَمثالِهم: «المَقْدرَةُ تُذْهِبُ الحَفِيظة».
ومِقْدَارُ كلّ شيْءٍ: مِقْيَاسُه، كالقَدْرِ والتَّقْدِير.
وقال شَمِرٌ: قَدَرْتُ: مَلَكْتُ.
وقال الأَزْهَرِيّ: قَدَّرْتُ أَمرَ كذا وكذا تَقْدِيرًا: نَوَيْتُه وعَقَدْتُ عَلَيْه.
والقَدَرُ، بالتَّحْرِيك: المَوْعِدُ.
وقَدَرَ الشَّيْءَ: دَنَا لَهُ، قال لَبِيدٌ:
قُلْتُ: هَجِّدْنا فَقَد طالَ السُّرَى *** وقَدَرْنَا إِنْ خَنَى اللَّيْلِ غَفَلْ
قال الكسائيّ: قَدَرْتُ الشَّيءَ فأَنَا أَقْدِرُه، لم أَسْمَعْه إِلّا مَكْسُورًا.
وقولُه تعالى: {وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} خفيفٌ، ولو ثُقِّلَ كانَ صَوَابًا.
وقوله تعالى: {إِنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ} مُثَقَّلٌ.
وقولُه: {فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها} مُثَقَّل، ولو خُفِّف كان صَوابًا.
وقال ابنُ القَطّاع: وقَدَرَ الشَّيْءَ: جعله بقَدَرٍ، وقَدَرَ الإِنْسَانُ الشَّيْءَ: حَزَرَه لِيَعْرِف مَبْلَغَه؛ كذا في التَّهْذيب له. والمِقْدَارُ: الهِنْدازُ؛ والمَوْت. وقالوا: إِذا بَلَغَ العَبْدُ المِقْدَارَ ماتَ. وأَنشد اللَّيْث:
لو كَانَ خَلْفَكَ أَو أَمَامَكَ هائِبًا *** بَشَرًا سِوَاكَ لَهَابَكَ المِقْدَارُ
يَعنِي المَوْتَ. وجَمْعُ المِقْدَارِ المَقَادِيرُ.
وسَرْجٌ قادِرٌ: قاتِرٌ.
والقُدَارُ، كغُرَاب: الغُلام الخَفِيفُ الرُّوحِ الثَّقِفُ اللَّقِفُ.
وفي الحديث: «كانَ يَتَقَدَّرُ في مَرَضِه: أَينَ أَنا اليَوْمَ»: أَي يُقَدِّر أَيامَ أَزْوَاجِه في الدَّوْرِ عليهنّ.
وقال اللّحْيَانيّ: يقال: أَقَمْت عندَه قَدْرَ أَنْ يَفْعَلَ ذلك.
قال: ولم أَسْمَعْهُمْ يَطْرَحُونَ «أَنْ» في المَوَاقِيت إِلا حَرْفًا حكاه هو والأَصمعيّ، وهو قولهم: ما قَعَدْت عندَه إِلا رَيْثَ أَعْقِدُ شِسْعِي.
وفي الحَدِيث: «فإِنْ غُمَّ عليكُمْ فاقْدُرُوا له» وفي حديث آخر: «فأَكْمِلُوا العِدَّة» قولُه فاقْدُرُوا له؛ أَي قَدِّرُوا له عَدَدَ الشَّهْرِ حتَى تُكْمِلُوه ثَلاثِينَ يَوْمًا، واللَّفْظَانِ وإِنِ اخْتَلَفَا يَرْجِعَانِ إِلى مَعْنًى واحِدٍ. ولابْنِ سُرَيْج هُنَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، ذكرَه الأَزْهَرِيُّ في التَّهْذِيب، والصَّاغَانيّ في التكملة، فراجِعْهما.
وعبدُ الله بنُ عُثْمانَ بنِ قُدَيرَة، كجُهَيْنَةَ: سَمِعَ من أَبي البَدْرِ الكَرْخِيِّ، وأَخُوه يُوسُفُ سَمِعَ من سَعِيدِ بنِ البَنّاءِ، وماتا مَعًا سنة 612.
وبَيْتُ القُدَارَى، بالضَّمّ: قَرْيَةٌ باليَمَن. ومنها في المتأَخِّرِين سَعِيدُ بنُ عَطّافِ بنِ قحليل القداريّ، سَمِع الحديثَ عن عبد الرَّحْمن بن حُسَيْنٍ النَّزِيلِيّ وغيره، وتُوُفِّيَ بها سنة 1023.
وقَدُّورَةُ، كسَفُّودَةَ: لَقَبُ أَبي عُثْمَانَ سَعِيدِ بنِ إِبرَاهِيمَ التُّونُسِيّ الجَزَائريّ الإِمَام مُسْنِد المَغْرِبِ، رَوَى بتِلِمْسَانَ عن المُسْنِدِ المُعَمَّر أَبي عُثْمَانَ سَعِيدِ بن أَحْمَد المَقَّرِيّ التِّلِمْسَانِيْ، وجالَ في البِلاد إِلى أَنْ أَلقَى عَصَا التَّسْيارِ بثَغْر الجَزَائِرِ، وبها تُوُفِّيَ سنة 1026 وقد تَرْجَمَه تلميذُه الإِمامُ أَبو مَهْديّ عِيسَى الثَّعَالِبِيّ في «مَقَالِيد الأَسَانِيد».
وقَدَرَانُ بالفَتْح: مَوْضِعٌ في شعر امرئِ القَيْس، على رِوَايَة ابنِ حَبِيب وأَبِي حاتم، كما تقدّمت الإِشَارَةُ إِليه.
وابنُ قِدْرَانَ، بالكَسْرِ: رجلٌ أَظنّه من جُذامَ، إِلَيْه نُسِبَت الكُبَيْشَة القِدْرَانِيّة، إِحدَى الأَفْراسِ المَخْبُورَةِ المَشْهُورَةِ بالشّأْم.
ومِقْدَارُ بنُ مُخْتَارٍ المَطَامِيريّ، له دِيَوانُ شِعْر.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
66-تاج العروس (عكرش)
[عكرش]: العِكْرِشُ، بالكَسْرِ: نَبَاتٌ مِنَ الحَمْضِ، يُشْبِهُ الثِّيلَ، ولكِنَّهُ أَشَدُّ خُشُونَةً، قالَ أَبُو نَصْر: وأَخْبَرِنِي بَعْضُ البَصْرِيِّين أَنّه آفَةٌ للنَّخْلِ، يَنْبُتُ في أَصْلِهِ فَيُهْلِكُه، أَوْ هُوَ الثِّيلُ بعَيْنِهِ، كما نَقَلَهُ أَبو حَنِيفَةَ عن بَعْضِ الأَعْرَابِ، ويُسَمَّى نَجْمَةً، بَارِدٌ يَابِسٌ، وقِيلَ: مُعْتَدِلٌ، وأَصْلُه وبَزْرُه يَقْطَعَانِ القَيْءَ، وطَبِيخُه يَمْنَعُ من قُرُوحِ المَثَانَةِ، أَو هو نَوْعٌ من الحَرْشَفِ، أَوْ هِيَ العُشْبَةُ المُقَدَّسَةُ، أَو هُوَ البَلْسَكَى، أَوْ نَبَاتٌ مُنْبَسِطٌ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، لَهُ زَهْرٌ دَقِيقٌ، وبَزْرٌ كالجَاوَرْسِ، وطَعْمٌ كالبَقْلِ، قال الأَزهريُّ: العِكْرِشُ مَنْبِتُه نُزُوزُ الأَرَضِينَ الرَّقِيقة، في أَطْرَافِ وَرَقَهِ شَوْكٌ إِذا تَوَطَّأَه الإِنْسَانُ بقَدَمَيْهِ شَاكَهُما حَتَّى أَدْمَاهُمَا، وأَنْشَد أَعْرَابِيٌّ من بَنِي سَعْدٍ، يُكْنَى أَبا صَبِرَةَ:اعْلِفْ حِمَارَكَ عِكْرِشَا *** حَتّى يَجِدَّ ويَكْمُشَا
والعِكْرِشَةُ، بِهَاءٍ: الأَرْنَبَةُ الضَّخْمَةُ، والذَّكَرُ مِنْهَا خُزَزٌ، قالَ ابنُ سِيدَه: سُمِّيَت بِذلِكَ لأَنَّهَا تَأْكُلُ هذِه البَقْلَةَ، وقالَ الأَزْهَرِيُّ: هذا غَلَطٌ؛ الأَرانِبُ تَسْكُنُ البِلَادَ النائِيَةَ مِنَ الرِّيفِ والماءِ، ولا تَشْرَبُ الماءَ، ومَرَاعِيهَا الحَلَمَةُ والنَّصِيُّ وقَمِيمُ الرُّطَبِ إِذا هَاجَ، والصَّوَابُ أَنّهَا سُمِّيَت عِكْرَشَةً لِكَثْرَةِ وَبَرِهَا والْتِفَافه، شُبِّهَتْ بِالْعِكْرِشِ لالْتِفَافِه في مَنَابِتِه.
والعِكْرِشَةُ: مَاءٌ لِبَني عَدِيّ بنِ عَبْدِ مَناةَ باليَمَامَةِ، نَقَلَهُ الصّاغَانِيّ.
والعِكْرِشَةُ: قرية، بالحِلَّةِ المَزْيَدِيَّةِ مِنْ سَوادِ العِرَاقِ.
والعِكْرِشَةُ: العَجُوزُ المُتَشَنِّجَةُ، وقال الأَزْهَرِيُّ: عَجُوزٌ عِكْرِشَةٌ وعِجْرِمَةٌ، أَيْ لَئِيمَة قَصِيرَة.
وعِكْرِشَةُ بِنْتُ عَدْوَانَ القَيْسِيَّةُ، واسمُ عَدْوَانَ الحَارِثُ، وهُوَ ابنُ عَمْرِو بنِ قَيْسِ عَيْلانَ، وقَال ابنُ الأَثِيرِ: هِيَ عاتِكَةُ بِنْتُ عَدْوَانَ، ولَقَبُهَا عِكْرِشَةُ، وهِيَ أُمُّ مَالِكٍ ومَخْلَدٍ، هكذا في النُّسَخ، وكَذا في العُبَاب، والصَّوَابُ يَخْلُد؛ كيَنْصُر ابْنَيِ النَّضْرِ بنِ كِنَانَةَ، والنّضْرُ اسمُه قَيْسٌ، وهُوَ الجَدُّ الثالِثَ عَشَرَ لِسَيِّدنا رَسُولِ الله ص، ووَلَدُه مَالِكٌ ويُكْنَى أَبا الحارِثِ، وهُوَ جَدُّ قُرَيْشٍ، ولا فَخِذَ لَهُ إِلاَّ فِهْرٌ لا غَيْرُ؛ إِذْ لَمْ يَلِدْ غَيْرَه، وأَمَّا يَخْلُدُ فلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ باقٍ، وكَانَ مِنْهُ بَدْرُ ابنُ الحَارِثِ بنِ يَخْلُدَ الَّذِي سُمِّيَتْ بَدْرٌ به، ولَمْ يُعْقِبْ، ولا عَقِبَ للنَّضْرِ إِلاَّ من مالِك لا غَيْرُ، كَمَا حَقَّقَهُ الشَّرِيفُ بنُ الجَوَّانِيّ النَّسَّابَة.
وأَبُو الصَّهْبَاءِ عِكْراشُ بنُ ذُؤَيْب بنِ حُرْقُوصِ بنِ جَعْدَةَ بنِ عَمْرِو بنِ النَّزَّالِ بنِ مُرَّةَ بنِ عُبَيْدِ بن مُقَاعِسٍ، التَّمِيمِيُّ، المِنْقَرِيُّ، الصَّحابِيُّ، رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْه، أَتَى النَّبِيَّ، صَلى الله عليه وسلّم، بِصَدقَاتِ قَوْمِهِ بَنِي مُرَّةَ، وكَانَ أَرْمَى أَهْلِ زَمَانِهِ، صاحِبَ فِقَارٍ وقِفَافٍ، رَوَى عَنْهُ ابْنُه عُبَيْدُ الله، ولَهُ يَقُولُ نَهْشَلُ بنُ عَبْدِ الله العَنْبَرِيّ:
إِذْ كانَ عِكْرَاشٌ فَتَىً حُدْرِيَّا *** سمح وأحسَاب فلاة قِيَّا
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
67-تاج العروس (عض عضض عضعض)
[عضض]: عَضَضْتُهُ، مُتعدّيًا بنَفْسه، وعَضِضْتُ عَلَيْه، مُتَعَدِّيًا بعَلَى، وكَذَا عَضضْتُ بِهِ، مُتَعَدِّيًا بالبَاءِ، صَرَّح به الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيُّ، كسَمِعَ ومَنَعَ. قال شيخُنا: وَزْنُه بمَنَع وَهَمٌ إِذِ الشَّرْطُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، كما في النَّاموس، إِلاَّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَدَاخُلِ اللُّغَات. انتهى. قُلْتُ: الفَتْحُ نَقَلَه الجَوْهَرِيّ ونَصُّه: ابنُ السِّكِّيت: عَضَضْتُ باللُّقْمَة فأَنَا أَعَضُّ. وقال أَبو عُبيْدٍ: عَضَضْتُ بالفَتْحِ لُغةٌ في الرِّبابِ.قال ابنُ بَرّيّ: هذا تَصْحِيفٌ على ابنِ السِّكِّيتِ، والَّذِي ذَكَرَهُ ابن السِّكِّيت في كِتاب الإِصلاح: غَصِصْتُ باللُّقْمَةِ، فأَنا أَغَصُّ بها غَصَصًا، قال أَبو عُبَيْدَة: وغَصَصْتُ لُغَةٌ في الرِّباب، بالصَّاد المُهْمَلَة لا بالضَّاد المُعْجَمَة. قلتُ: وهكَذا وُجِدَ بخَطِّ أَبي زَكَريّا وابْن الجَوَاليقيّ في الإِصْلاح لابْن السِّكّيت، في باب ما نُطِقَ به بفَعِلْتُ وفَعَلْتُ، بالغين والصاد المُهْمَلَة على الصَّواب، وصَرَّحُوا بأَنَّ مَا في الصّحاح تَصْحيفٌ، وقد تَبِعَهُ المُصَنِّف هُنَا حَيْثُ وَزَنَهُ بمَنَع إِشَارَةً إِلى قَوْل أَبي عُبَيْدَةَ المَذْكُورَ، من غَيْر تَنْبيهٍ عليه.
وذَكَرَهُ أَيْضًا في الصَّاد على الصّواب، وقد وَقَعَ في هذَا الوَهَمِ أَيْضًا الصّاغَانيُّ في العُبَاب، حَيْثُ نَقَلَ قَوْلَ أَبي عُبَيْدةَ السَّابقَ، وكأَنَّ المُصَنِّفَ حَذَا حَذْوَهُ على عَادَته مع أَنَّه نَبَّهَ على تَوْهيمِ الجَوْهَريّ، في كتَابه التَّكْملَة. فَقَالَ ما نَصُّه: وقَال الجَوْهَريُّ: عَضِضْتُ باللُّقْمَة، والصَّوابُ غَصِصْتُ، بالغَيْن المُعْجَمَةِ وبصَادَيْن مُهْمَلَتَيْن، ولم يَذْكُرْ قَوْلَ أَبي عُبَيْدَةَ، وكَأَن عنده الوَهَمَ في غَصصْت باللُقْمَة فَقَط، والصَّواب ما نَقَلَهُ ابنْ بَرّيّ فيما تَقَدَّمَ من القَوْل، فَتَأَمّلْ تَرْشُدْ، فالصَّوابُ الَّذي لا مَحِيدَ عَنْهُ أَنَّهُ من باب سَمِع فَقَط. يُقَال: عَضِضْتُهُ أَعَضُّ وعَضِضْت عَلَيْه عَضًّا وعِضَاضًا وعَضِيضًا: مَسَكْتُهُ، وفي بَعْض النُّسَخ، أَمْسَكْتُهُ بأَسْنَانِي وشَدَدْتُهُ بهَا أَو بلِسَانِي، وكَذلك عَضُّ الحَيَّةِ، ولا يُقَال للعَقْرَبِ، لِأَنَّ لَدْغَهَا إِنَّمَا هو بزُبَانَاها وشَوْلَتِهَا، والأَمْرُ منه عَضَّ واعْضَضْ. قال الله تَعالَى: عَضُّوا {عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} أَخْبَرَ أَنَّه لشِدَّة إِبْغاضهم المُؤْمنينَ يَأْكُلُون أَيْدِيَهُم غَيْظًا.
وفي حَديث العِرْبَاض: «وعَضُّوا عليها بالنَّوَاجِذ» هذا مَثَلٌ في شِدَّةِ الإِمساكِ بأَمْرِ الدِّينِ، لِأَنَّ العَضَّ بالنَّوَاجِذ عَضٌّ بجَميع الفَمِ والأَسْنَانِ، وهي أَواخرُ الأَسْنَان.
وعَضِضْتُ بصَاحِبِي عَضِيضًا وعَضًّا: لَزِمْتُهُ ولَزِقْتُ به.
وفي حَديثِ يَعْلَى: «يَنْطَلِقُ أَحَدُكُم إِلى أَخِيهِ فيَعَضُّهُ كَعَضِيضِ الفَحْلِ» أَصْلُ العَضِيضِ اللُّزُومُ. وقال ابنُ الأَثير: المُراد به هُنَا العَضُّ نَفْسُهُ، لِأَنَّهُ بعَضِّه له يَلْزَمُهُ.
والعَضِيضُ، كأَميرٍ: العَضُّ الشَّديدُ، هكَذا في سَائر الأُصُول، وهو غَلَطٌ والَّذي نَقَلَه الصّاغَانيُّ في كِتَابَيْه عن ابْن الأَعْرَابيّ: العَضْعَضُ، مَثَالُ سَبْسَبٍ: العَضُّ الشَّدِيدُ، هكذا بِفَتْحِ العَيْنِ في العَضِّ وهو غَلَطٌ أَيْضًا، والصَّوَابُ كما في التَّهْذيبِ عن ابن الأَعْرَابيّ: العَضْعَضُ هو العِضُّ الشَّدِيدُ، هكذا بكَسْر العَيْن. قال: ومنهم مَنْ قَيَّدَهُ بالرِّجَال، والدَّليلُ على ذلكَ أَنَّه قالَ بَعْدُ: والضَّعْضَعُ: الضَّعيفُ، وسَيَأْتي العِضُّ، بالكَسْر، بمَعْنَى الدَّاهِيَةِ، فتَأَمَّلْ فيمَا وَهِمَ فيه المُصَنِّف والصَّاغَانيّ، وقَد قَيَّدَه على الصَّواب صاحبُ اللِّسَان وابنُ حامدٍ الأُرْمَويّ وغَيْرُهما من أَئمَّة اللُّغَة، ويَدُلُّ له أَيْضًا قَولُ ابن القَطَّاع: عَضَّ يَعَضُّ عَضيضًا: اشْتَدَّ وصَلُبَ. وقَوْلُ صَاحب الأَساسِ: والعَضِيض والعِضُّ: الشَّديدُ، غَيْرَ أَنّ قوْلَه: والعَضِيضُ، تَحْريفٌ من النُّسَّاخ، والصَّواب العَضْعَضُ كما ذَكَرْنَا.
والعَضِيضُ: القَرِينُ يُقَالُ: هو عَضِيضُ فُلانٍ، أَيْ قَرِينُهُ.
ومن المَجَاز: عَضُّ الزَّمَان والحَرْب: شِدَّتُهُمَا، يُقَال: عَضَّهُ الزَّمَانُ، وعَضَّتْه الحَرْبُ، إِذَا اشْتَدَّا عَلَيْه، وهي عَضُوضٌ. مُسْتَعَارٌ من عَضِّ النّابِ. قال المُخَبَّلُ السَّعْديّ:
لَعَمْرُ أَبِيكَ لا أَلْقَى ابنَ عَمٍّ *** عَلَى الحدثَانِ خَيْرًا من بَغِيضِ
غَدَاةَ جَنَى عَلَيَّ بَنِيَّ حَرْبًا *** وكَيْفَ يَدَايَ بالحَرْبِ العَضُوضِ
وأَنْشَدَ ابنُ بَرّيّ لعَبْد الله بن الحَجّاج:
وإِنّي ذُو غِنَى وكَرِيمُ قَوْمٍ *** وفي الأَكْفَاءِ ذُو وَجْهٍ عَرِيضِ
غَلَبْتُ بَنِي أَبِي العاصي سَمَاحًا *** وفي الحَرْبِ المُنَكَّرَةِ العَضُوضِ
أَو هُمَا بالظَّاءِ المُشالَة. وعَضُّ الأَسْنَان، بالضّاد، كما صَرَّحَ به بَعْضُ فُقَهَاءِ اللُّغَةِ. والَّذي صَرَّحَ به ابنُ القَطَّاع وغَيْرُه أَنَّهما لُغَتَان، كما سَيَأْتِي.
والعَضُوضُ، كصَبُورٍ: ما يُعَضُّ عَلَيْه ويُؤْكَلُ. وفي الصّحاح فيُؤْكَل، كَالْعَضَاضِ بالفَتْحِ. قال ابنُ بُزُرجِ: ما أَتَانَا مِنْ عَضَاضٍ وعَضُوضٍ ومَعْضُوضٍ، أَيْ ما أَتَانَا شَيْءٌ نَعَضُّهُ. وقَال غَيْرُهُ: يُقَالُ، مَا ذَاقَ عَضَاضًا. ويُقَال: ما عنْدَنَا أَكَالٌ ولا عَضَاضٌ. قال الجَوْهَريُّ والصّاغَانيّ: وأَنْشدَ الفَرَّاءُ:
كَأَنَّ تَحْتِي بَازِيًا رَكَّاضَا *** أَخْدَرَ خَمْسًا لم يَذُقْ عَضَاضَا
وفي اللسان: أَخْدَرَ: أَقامَ في خِدْرِهِ يُريدُ أَنَّ هذَا البَازِيَ أَقامَ في وَكْره خَمْسَ لَيالٍ مع أَيّامهنّ لَمْ يَذُقْ طَعَامًا، ثمّ خَرَجَ بعدَ ذلك يَطْلُبُ الصَّيْدَ وهُو قَرِمٌ إِلى اللَّحْم، شَدِيدُ الطَّيَرَان، فشَبَّه نَاقَتَهُ به.
ومن المَجَاز، العَضُوضُ: القَوْسُ لَصِقَ وَتَرُهَا بكَبِدهَا.
نَقَله صاحبُ اللِّسَان والأَسَاس والصّاغَانيّ في كِتَابَيْه.
ومن المَجَاز: العَضُوضُ: المَرْأَةُ الضَّيِّقَةُ الفَرْجِ، لا يَنْفُذ فيها الذَّكَرُ من ضِيقِهَا، كَالتَّعْضُوضَة. قال في نَوَادر الإعْرَاب: امْرَأَةٌ تَعْضُوضَةٌ. قال الأَزْهَريّ: أُراهَا الضَّيِّقَةَ.
والعَضُوضُ: الدَّاهِيَةُ، كما في العُبَاب، وفي اللّسَان، من أَسْمَاءِ الدَّوَاهِي، وهو مَجَازٌ.
ومن المَجَازِ: العَضُوضُ: الزَّمَنُ الشَّديدُ، الكَلِبُ. وفي الصّحاح: زَمَنٌ عَضُوضٌ: كَلِبٌ، وزادَ في العُبَاب: شَديدٌ، وأَنْشَدَ:
إِلَيْكَ أَشْكُو زَمَنًا عَضُوضَا *** مَنْ يَنْجُ منه يَنْقَلِبُ جَرِيضَا
ومن المَجَاز: مُلْكٌ عَضُوضٌ: شَدِيدٌ، فيه عَسْفٌ وظُلْمٌ للرَّعِيَّة وعُنْفٌ. ومنه الحَديثُ: «أَنْتُمُ الْيَوْمَ في نُبُوَّة ورَحْمَةٍ، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةٌ ورَحْمَةٌ، ثمّ يَكُونُ كَذَا وكَذَا، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكٌ عَضُوضٌ».
وفي حَديث أَبي بَكْرٍ، رَضيَ الله عنه: «وسَتَرَوْنَ بَعْدِي مُلْكًا عَضُوضًا» أَيْ يُصِيبُ الرَّعِيَّةَ فيه عَسْفٌ وظُلْمٌ، كَأَنَّهُمْ يُعَضُّونَ فيه عَضًّا. والعَضُوضُ من أَبْنِيَة المُبَالَغَةِ.
وومن المَجَاز: العَضُوضُ: البِئْرُ البَعيدَةُ القَعْرِ الضَّيِّقَةُ، يُسْتَقَى فيها بالسَّانِيَةِ، كما في الصّحاح، قال:
أَوْرَدَهَا سَعْدٌ عَلَيَّ مُخمِسَا *** بِئْرًا عَضُوضًا وشِنَانًا يُبَسَّا
وقيلَ: هي من الآبَار: الشّاقَّةُ عَلَى السَّاقِي. قال الزّمَخْشَريُّ: كأَنَّهَا تَعَضُّ المَاتِحَ ممَّا يَشُقّ عَلَيْه. وفي اللّسَان: تَقُولُ العَرَبُ: بِئْرٌ عَضُوضٌ، ومَاءٌ عَضُوضٌ: إِذا كان بَعيدَ القَعْرِ يُسْتَقَى منه بالسّانِيَة، أَو هيَ الكَثِيرَةُ المَاءِ، عن أَبي عَمْرٍو، في نَوَادره، الجمع: عُضُضٌ، بضَمَّتَيْنِ، وعِضَاضٌ، بالكَسْر. وفي الصّحاح: ومِيَاهُ بَني تَميمٍ عضُضٌ.
والتَّعْضُوضُ، بالفَتْحِ: تَمْرٌ أَسْوَدُ حُلْوٌ، ومَعْدِنُه هَجَرُ، كَما في الصّحاح. قال الأَزْهَريُّ: تَاؤُه زائِدَةٌ، وَاحدَتُه بهَاءٍ، وفي الحَديث: «أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ القَيْس قَدِمُوا على النَّبيِّ صَلى الله عليه وسَلّم، فكَانَ فيمَا أَهْدُوا له قُرُبٌ مِنْ تَعْضُوضِ هَجَرَ» ويُرْوَى: أَهْدَوْا لَهُ نَوْطًا مِنْ تَعْضُوضِ هَجَرَ. النَّوْطُ: الجُلَّةُ الصَّغيرَةُ.
قال الأَزْهَريّ: أَكَلْتُ التَّعْضُوضَ بالبَحْرَيْن فما عَلِمْتُني أَكَلْتُ تَمْرًا أَحْمَتَ حَلَاوَةً منْهُ، ومَنْبِتُهُ هَجَرُ وقُرَاهَا. وأَنْشد الرِّياشيّ في صِفَة نَخْلٍ:
أَسْوَد كاللَّيْل تَدَجَّى أَخْضَرُهُ *** مُخالِطٌ تَعْضُوضُهُ وعُمُرُه
بَرْنِيَّ عَيْدَانٍ قَليلٍ قِشَرُهُ
العُمُر: نَخْلُ السُّكَّر، وقد تَقَدَّم.
وقال أَبو حَنِيفَةَ: التَّعْضُوضَةُ: تَمْرَةٌ طَحْلَاءُ، كَبيرَةٌ رَطْبَةٌ صَقِرَةٌ لَذِيذَةٌ، مِنْ جَيِّدِ التَّمْرِ وشَهِيِّهِ، قال وأَخْبَرَني أَعْرَابِيُّ مِنْ رَبِيعَةَ أَنَّ التَّعْضُوضَةَ تَحْمِلُ بهَجَرَ أَلْفَ رِطْلٍ بالْعِرَاقِيّ.
والعَضَاضُ كسَحَاب: ما غَلُظَ مِنَ الشَّجَرِ، نَقَلَهُ أَبو حَنِيفَةَ عن أَبِي عَمْرٍو. يُقَال: ما بَقِيَ فِي الْأَرْضِ إِلاّ العَضَاضُ. وقال غَيْرُهُ: الْعَضَاضُ: مَا غَلُظَ من النَّبْت وعَسَا.
والعِضَاضُ، كَكِتَابٍ: عَضُّ الفَرَسِ. يُقَالُ: بَرِئْتُ إِلَيْكَ من العِضَاضِ، والعَضِيض أَيْضًا، عن يَعْقُوبَ، كما في الصّحاح، يَعْنِي به عَضَّ الفَرَسِ، يَقُولُه إِذا بَاعَ دَابَّةً وبَرِئَ إِلى مُشْتَريها من عَضِّهَا النّاسَ والعُيُوبُ تَجيءُ على فِعَالٍ، بالكَسْر. ويُقَال: دَابَّةٌ ذَاتُ عَضِيضٍ وعِضَاضٍ. قال سيبَوَيْه: العِضَاضُ اسْمٌ كالسِّبَاب، لَيْسَ على: فَعَلَهُ فَعْلًا.
وقال المُفَضَّلُ: العُضُّ بالضَّمِّ: العَجينُ، زاد أَبو حَنيفَةَ: الَّذي تُعْلَفُهُ الإِبلُ. قالَ: والعُضُّ: القَتُّ، وهو الفِصْفِصَةُ ورَطْبَةُ القَدَّاحِ. قال الأَعْشَى:
مِنْ سَرَاةِ الهِجَانِ صَلَّبَها العُضّ *** ي ورَعْيُ الحِمَى وطُولُ الحِيَالِ
وقال امْرُؤُ القَيْس:
تَقْدُمُنِي نَهْدَةٌ سَبُوحٌ *** صَلَّبَهَا العُضُّ والحِيَالُ
وقال أَبو عَمْرٍو: العُضُّ: الشَّعيرُ، والحِنْطَةُ لا يَشْركُهُمَا شَيْءٌ، أَو هو النَّوَى المَرْضُوخُ، والقَتُّ تُعْلَفُه الإِبلُ، وهو عَلَفُ أَهْلِ الأَمْصَار، أَو هو النَّوَى والكُسْبُ، كما في اللِّسَان والصّحاح والعُبَاب.
والعُضُّ: الشَّجَرُ الغَلِيظُ يَبْقَى في الأَرْض، كالعَضَاض، نَقَلَه أَبو حَنيفَةَ عن أَبي عَمْرٍو. أَو النَّوَى المَرْضُوخُ.
والعَجِينُ. وقيلَ: هو الشَّعِيرُ مع أَحَدِهما. قال ابنُ بَرِّيّ: وقد أَنْكَرَ عَليُّ بنُ حَمْزَةَ أَنْ يَكُونَ العُضُّ النَّوَى لقَوْل امرئ القَيْس السَّابق.
والعُضُّ أَيْضًا: الخَشَبُ الجَزْلُ الكَبيرُ يُجْمَعُ. وقيلَ: هو اليَابِسُ من الحَشِيش تُعْلَفُه الدَّوَابُّ.
والْعِضُّ، بِالْكَسْرِ: السَّيِّءُ الخُلُق، عن اللَّيْث، وأَنْشَدَ:
ولَمْ أَكُ عِضًّا في النَّدَامَى مُلَوَّمَا
والجَمع أَعْضَاضٌ، وهو مَجَازٌ.
وفي الصّحاح: الْعِضُّ هو البَلِيغُ المُنْكَرُ، وقد عَضِضْتَ يا رَجُلُ؛ أَي صِرْتَ عِضًّا، زَادَ الصّاغَانيّ: ومَصْدَرُهُ العَضَاضَةُ.
وفي الأَسَاسِ: ومن المَجَازِ: يُقَالُ للمُنْكَر الخَصمِ: إِنَّهُ لَعِضٌّ، وهو بمَعْنَى فاعِلٍ لِأَنَّهُ يَعَضُّ الناسَ بلِسَانِهِ. وتَقُولُ: مَا كُنْتَ عِضًّا ولَقَدْ عَضِضْتَ. كقَولهم: نِكْلٌ للَّذي يُنَكِّلُ أَقْرَانَه.
والعِضُّ: القِرْنُ يُقَالُ: فُلانٌ عِضُّ فُلانٍ، كعَضِيضة؛ أَي قِرْنُهُ.
والعِضُّ: القَوِيُّ عَلَى الشَّيْءِ. يُقَال: إِنَّه لَعِضُّ سَفَرٍ، وعِضُّ قِتَالٍ، أَيْ قَوِيٌّ عَلَيْهِمَا. زادَ الزَّمَخْشَرِيّ: قد عَضَّتْهُ الأَسْفَارُ وجَرَّسَتْه، فِعْلٌ بمَعْنَى مَفْعُولٍ، وهو مَجَاز.
ومن المَجَاز: العِضُّ: القَيِّمُ للْمَال، يُقَال: هو عِضُّ مالٍ، إِذا كَانَ شَدِيدَ القِيَامِ عَلَيْه، كما في الصّحاح والعُبَاب. وفي اللِّسَان: رَجُلٌ عِضٌّ: مُصْلِحٌ لمَعِيشَتِه ومالهِ ولازِمٌ له، حَسَنُ القِيَام عليه. وعَضِضْتُ بمَالِي عُضُوضَةً وعَضَاضَةً: لَزِمْتُه. قلتُ: ومنه العِضُّ: البَخِيلُ فإِنَّ لُزُومَهُ مَالَهُ يُوقِعُهُ في البُخْل غَالِبًا، أَوْ هُوَ مُشَبَّهٌ بالغَلَقِ الَّذي لا يَنْفَتِحُ، كما سَيَأْتِي.
والعِضُّ: الرَّجُلُ الشَّدِيدُ، كالعَضْعَض، عن ابن الأَعْرَابيّ، وقد تَقَدَّمَ البَحْثُ فيه قَريبًا.
والعِضُّ: الدَّاهِيَةُ، وفي الصّحاح: الدَّاهِي من الرِّجَال، ج عُضُوضٌ، بالضّمّ، وأَعْضَاضٌ.
ومنْهُ الرِّوَايَةُ الأُخْرَى «ثمّ تَكُونُ مُلُوكٌ عُضُوضٌ يَشْرَبُون الخَمْرَ ويَلْبَسُون الحَريرَ، وفي ذلك يُنْصَرُون على مَنْ ناوَأَهُمْ».
وأَنْشَدَ الأَصْمَعيُّ لرُؤْبة:
إِنَّا إِذَا قُدْنَا لقَوْمٍ عَرْضَا *** لم نُبْقِ مِن بَغْيِ الأَعَادِي عِضَّا
وفي الصّحاح والعُبَاب: العِضُّ أَيضًا الشِّرْسُ، وهو ما صَغُرَ من شَجَرِ الشَّوْكِ، كالشُّبْرُم، والحَاجِ، والشِّبْرِقِ، واللَّصَفِ، والعِتْر، والقَتَادِ الأَصْغَرِ. انْتَهَى. ويُضَمُّ، عن أَبي حَنيفَةَ، أَوْ هي الطَّلْحُ، والعَوْسَجُ، والسَّلَمُ، والسَّيَالُ، والسَّرْحُ، والعُرْفُطُ، والسَّمُرُ، والشَّبَهَانُ، والكَنَهْبَلُ. قال أَبو زَيْدٍ في أَوَّل كِتَاب الكَلَإِ والشَّجَر ما نَصُّهُ: العِضَاهُ، اسمٌ يَقَعُ على شَجَر منْ شَجَرِ الشَّوْكِ، له أَسْمَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ يَجْمَعُهَا العِضَاهُ، وَاحِدُها عِضَاهَةٌ. وإِنَّمَا العِضَاهُ، الخَالِصُ منْهُ ما عَظُم واشْتَدَّ شَوْكُه. ومَا صَغُرَ من شَجَرِ الشَّوْكِ فإِنَّه يُقَال له العِضّ والشِّرْسُ. وإِذا اجتَمَعَتْ جُمُوعُ ذلكَ، فما لَهُ شَوْكٌ مِن صغَاره عِضٌّ، وشِرْسٌ، ولا يُدْعَيان عِضَاهًا، فمن العِضَاه السَّمُرُ، والعُرْفُطُ، والسَّيَالُ، والقَرَظُ، والقَتَادُ الأَعْظَمُ، والكَنَهْبَلُ، والعَوْسَجُ، والسِّدْرُ، والغَافُ، والغَرَبُ، فهذه عِضَاهٌ أَجْمَعُ. ومن عِضَاهِ القِيَاسِ ولَيْسَ بالعِضَاهِ الخَالِص: الشَّوْحَطُ، والنَّبْعُ، والشَّرْيانُ، والسَّرَاءُ، والنَّشَمُ، والعُجْرُمُ، والتَّأْلَبُ، والغَرَفُ، فهذه تُدْعَى كُلُّها عِضَاهَ القِيَاسِ، يَعْنِي القِسِيَّ ولَيْسَتْ بالعِضَاه الخَالِصِ، ولا بالعِضِّ.
ومن العِضِّ والشِّرْسِ القَتادُ الأَصْغَرُ، وهي الَّتي ثَمَرَتُهَا نُفَّاخَةٌ كنُفَّاخَةِ العُشَرِ إِذا حُرِّكَت انفَقَأَتْ، ومنها الشُّبْرُمُ، والشِّبْرِقُ، والحَاجُ، واللَّصَفُ، والكَلْبَةُ، والعِتْرُ، والتُّغْرُ، فهذه عِضٌّ ولَيْسَت بعِضَاهٍ. ومن شَجَرِ الشِّوْكِ الَّذي لَيْسَ بعِضٍّ ولا عِضَاهٍ: الشُّكَاعَى، والحُلَاوَى، والحَاذُ، والكُبُّ، والسُّلَّحُ.
والعِضُّ: ما لا يَكَادُ يَنْفَتِحُ مِن الأَغَاليقِ. نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ والصّاغَانيُّ، وهو مَجَازٌ.
وفي الأَساس: من المَجَاز يُقَال للفَهِم العالِمِ بمُغَمَّضَاتِ الأُمُورِ: إِنَّهُ لَعِضٌّ. وأَنشد الجَوْهَرِيّ للْقُطاميّ:
أَحاديثُ منْ أَنْبَاءِ عاد وجُرْهُم *** يُثَوِّرُهَا العِضَّانِ زَيْدٌ ودَغْفَلُ
وفي العُبَاب:
أَحاديثُ من عادٍ وجُرْهُمَ جَمَّةٌ
ووُجِدَ بخَطِّ الجَوْهَرِيّ: من أَبْنَاءِ عادٍ، بتَقْديم المُوَحَّدَة على النُّونِ. وفي الحاشيَة بخَطّه أَيضًا: من أَنْبَاءِ. بتَقْديم النُّون، ويُرْوَى: يُنَوِّرها. بالنُّون. وهُمَا: زَيْدُ بنُ الحَارث بن حارثَةَ بن زَيْدِ مَنَاةَ بن هِلَالٍ النَّمَرِيُّ، المَعْرُوف بالكَيِّس، النَّسّابةُ، وقد تَقَدَّم ذِكْرُهُ في السِّين، ودَغْفَلُ بْنُ حَنْظَلَةَ بن يَزيدَ بن عَبدَة بن عَبْد الله بن رَبيعَةَ بن عَمْرو بن شَيْبَانَ بن ذُهْلٍ الذُّهْليُّ، النَّسَّابَةُ، عَالِمَا العَرَبِ بحِكَمِهَا وأَيَّامِهَا وأَنْسَابها، وحَديثُ دَغْفَل مع سَيِّدنا أَبي بَكْر الصِّدِّيق، رَضيَ الله عنه، مَشْهُورٌ. يَدُلُّ على عِلْمهما بأَيّام العَرَب وأَنْسَابهَا، وإِنَّمَا قيلَ لَهُمَا العِضَّانِ لمَا قَدَّمناهُ، عن الأَساس.
والعُضَاضُ، كغُرَابٍ كما ضَبَطَهُ أَبو عُمَرَ الزّاهدُ، ونَقَلَهُ ابنُ بَرِّيّ، وقال ابنُ دُرَيْدٍ: هو بالغَيْن المُعْجَمَة، وقال أَبو عَمْرٍو: هو العُضَّاض، مثْلُ رُمَّانٍ، وعَلَى الأَوَّل اقْتَصَرَ الصَّاغَانيّ: عِرْنينُ الأَنْف، كما في التَّهْذيب، وأَنْشَد:
لَمَّا رَأَيْتُ العَبْدَ مُشْرَحِفَّا *** للشَّرِّ لا يُعْطِي الرِّجالَ النِّصْفَا
أَعْدَمْتُهُ عُضَاضَهُ والكَفَّا
وقيلَ: هو الأَنْفُ كُلُّه، قاله أَبُو عُمَر الزاهدُ، وقيلَ: هو ما بَيْنَ رَوْثَةِ الأَنْفِ إِلى أَصْله. وأَمَّا شاهدُ التَّشْديدِ. أَنْشَدَ أَبو عَمْرٍو لِعيَاضِ بن دُرّةَ:
وأَلْجَمَهُ فَأْسَ الهَوَانِ فلَاكَهُ *** فَأَغْضَى على عُضَّاضِ أَنْفٍ مُصَلَّمِ
وقال الفَرَّاءُ: العُضَاضِيُّ: الرَّجُلُ النَّاعمُ اللَّيِّنُ، مَأْخُوذٌ من العُضَاض، وهو مَا لَانَ من الأَنْفِ.
والعُضَاضِيُّ: البَعيرُ السَّمِينُ، قال الجَوْهَرِيُّ: كَأَنَّه مَنْسُوبٌ إِلى العُضِّ، قال الصّاغَانيّ: على التَّغْيِير.
ويُقَال: أَعْضَضْتُهُ الشَّيْءَ، إِذا جَعَلْتَه يَعَضُّه فعَضَّه، نَقَلَه الجَوْهَرِيّ، وأَعْضَضْتُهُ سَيفي، أَيْ ضَرَبْتُه به، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ أَيْضًا.
وأَعَضُّوا: أَكَلَتْ إِبلُهُم العُضَّ، بالضَّمّ، أَو العَضَاضَ كما في اللِّسَان. وأَعَضُّوا أَيْضًا، إِذا رَعَتْ إِبِلُهُمُ العِضَّ؛ أَي بالكَسْر. وأَنْشَدَ ابنُ فَارسٍ:
أَقُولُ وأَهْلِي مُؤْرِكُون وأَهْلُهَا *** مُعِضُّونَ: إِنْ سَارَت فكَيْفَ أَسَيرُ؟
كما في العُبَاب. والمُعِضّ: الَّذي تَأْكُلُ إِبلُهُ العُضَّ.
والمُؤْرِكُ: الَّذي تَأْكُل إِبلُه الأَرَاكَ. وقال أَبو حَنيفَةَ في تَفْسير البَيْت: إِبلٌ مُعِضَّةٌ: تَرْعَى العِضَاهَ، فجَعَلَها ـ إِذْ كانَ منَ الشَّجَر لا منَ العُشْب ـ بمَنْزِلَةِ المَعْلُوفَةِ في أَهْلهَا النَّوَى وشِبْهَهُ، وذلكَ أَنَّ العُضَّ هو عَلَفُ الرِّيف من النَّوَى والقَتِّ وما أَشْبَهَ ذلكَ، ولا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مِنَ العِضَاه: مُعِضٌّ، إِلاَّ على هذَا التَّأْويل. قال ابنُ سِيدَه: وقد غَلِطَ أَبو حَنيفَةَ فيما قالَهُ، وأَسَاءَ تَخْريجَ وَجْهِ كَلامِ الشَّاعر، لأَنَّه قال: إِذَا رَعَى القَوْمُ العِضَاهُ قِيلَ: القَوْمُ مُعِضُّون، فَمَا لذِكْرِه العُضّ، وهو عَلَفُ الأَمْصَار مَع قَوْلِ الرَّجلِ العِضَاه:
وأَيْنَ سُهَيْلٌ من الفَرْقَدِ
وقَوْلُه: لا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ من العِضَاه، مُعِضٌّ إِلاّ عَلَى هذا التَّأْويل، شَرْطٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ منه، فقد قالَ ابنُ السِّكِّيت في الإِصْلاح: بَعِيرٌ عاضٌّ، إِذا كان يَأْكلُ العِضُّ، وهو في مَعْنَى عَضِهٍ، وعَلَى هذا التَّفْصيل قَوْلُ مَنْ قال: مُعِضُّون يَكُونُ من العِضِّ الَّذي هو نَفْسُ العِضَاه، وتَصِحُّ رِوَايَتُه. فتَأَمَّل.
وأَعَضَّت البِئْرُ: صَارَتْ عَضُوضًا. وفي الصّحاح: وما كانَت البئْرُ عَضُوضًا ولَقَدْ أَعَضَّتْ، وما كَانَتْ جَرُورًا ولقَد أَجَرَّت. قُلْتُ: وكَذَا: وما كانَتْ جُدًّا ولَقَدْ أَجَدَّتْ.
وأَعَضَّت الأَرْضُ: كَثُرَ عُضُّهَا، بالضَّم وبالكَسْر.
وفي الحَديث: «مَنْ تَعَزَّى بعَزَاءِ الجَاهلِيَّةِ فأَعِضُّوهُ بهَنِ أَبِيه ولَا تَكْنُوا»، واقْتَصَرَ في الصّحاح على هذه الجُمْلَة، أَيْ قُولُوا لَهُ: اعْضَضْ أَيْرَ. وفي العُبَاب واللِّسَان: بأَيْر أَبِيكَ، ولا تَكْنُوا عَنْهُ؛ أَي عن الأَيْر بالهَنِ، تَنْكيلًا وتَأْديبًا لمَنْ دَعَا دَعْوَى الجاهليَّة. ومنه الحَديثُ أَيْضًا: «مَن اتَّصَلَ فَأَعِضُّوهُ» أَيْ مَن انْتَسَبَ نِسْبَةَ الجاهليَّة، وقال يا لفُلان.
وفي حَديث أُبَيٍّ: «أَنَّه أَعَضَّ إِنْسَانًا اتَّصَلَ» وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للأَعْشَى:
عَضَّ بمَا أَبْقَى المَوَاسِي لَهُ *** مِنْ أُمِّه في الزَّمَنِ الغَابِرِ
وعَضَّضَ تَعْضِيضًا: عَلَفَ إِبِلَهُ العُضَّ، عن ابن الأَعْرَابيّ.
وعَضَّضَ، إِذا اسْتَقَى منَ البِئْر العَضُوضِ. عنه أَيْضًا.
وعَضَّضَ، إِذا مَازَحَ جَارِيَتَهُ، عنه أَيْضًا.
وحِمَارٌ مُعَضَّضٌ، كمُعَظَّم: عَضَّضَتْهُ الحُمُرُ، وكَدَمَتْه بأَسْنَانِهَا، وكَدَحَتْه. كما في العُبَاب.
والعِضَاضُ في الدَّوَابّ، بالكَسْر: أَنْ يَعَضَّ بَعْضُهَا بَعْضًا، مَصْدَرُ عَاضَّتْ تَعَاضُّ مُعَاضَّةً وعِضَاضًا.
ويُقَال: هو عِضَاضُ عَيْشٍ؛ أَي صَبُورٌ على الشِّدَّة وعَاضَّ القَوْمُ العَيْشُ مُنْذُ العام فاشْتَدَّ عِضَاضُهُم، أَيْ عَيْشُهُمْ. كما في الصّحاح.
* وممّا يُسْتَدْرَك عَلَيْه:
عَضَّضَهُ تَعْضيضًا، لُغَةٌ تَمِيمِيَّةٌ، ولم يُسْمَعْ لها بآتٍ على لُغَتِهِمْ، وهُمَا يَتَعَاضَّانِ، إِذَا عَضَّ كُلُّ وَاحدٍ منْهُمَا صَاحِبَهُ، وكذلك الْمُعَاضَّة والعِضَاضُ.
وما لَنَا في هذَا الأَمْرِ مَعَضٌّ؛ أَي مُسْتَمْسَكٌ، نَقَلَه الجَوْهَريُّ، وهو مَجَازٌ. وكَذَا: ما لَنَا في الأَرْض مَعَضٌّ.
كما في الأَسَاس.
والعَضُّ باللِّسَان: التَّنَاوُلُ بمَا لا يَنْبَغِي. وهو مَجَازٌ.
وفُلانٌ يُعَضِّضُ شَفَتَيْه، أَيْ يَعَضُّ ويُكْثِرُ ذلك من الغَضَب، نَقَلَه الجَوْهَريّ.
والعَضِيضُ في الدَّابَّة كالعِضَاض، عن ابْن السِّكِّيت.
وعَضَّ فُلانٌ بالشَّرِّ: لَزِمَه فلم يُخَلِّه. وهو مَجَازٌ.
وفَرَسٌ عَضُوضٌ؛ أَي يَعَضُّ. كما في الصّحاح، وزِيدَ في بَعض النُّسَخ: الحَيَوان. والمَعْضُوضُ: ما يُعَضُّ، كالعَضُوض.
وعَضَّ الثِّقَافُ بأَنَابيبِ الرُّمْحِ عَضًّا، وعَضَّ عَلَيْهَا: لَزِمَها. وهُوَ مَجازٌ. يقال: هو أَعْوَجُ ما يُصَلِّبُهُ عَضُّ الثِّقَافِ، وكَذَا أَعَضَّ المَحَاجمَ قَفَاه: أَلْزَمَهَا إِيّاه، عن اللّحْيَانيّ.
والعِضُّ، بالكَسْر، العِضَاهُ، وقد سَبَقَ تَفْصيلُه في قَوْل المُصَنِّف. وأَرْضٌ مُعِضَّةٌ: كَثيرَةُ العِضَاه.
ومنَ المَجَاز: عَضَّ عَلَى يَدِه غَيْظًا، إِذَا بَالَغَ في عَدَاوَتِه. ومنه قَوْلُه تَعَالى: {وَيَوْمَ} يَعَضُّ {الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ} يَعْني نَدَمًا وتَحَسُّرًا، قال الشّاعر:
كمَغْبُون يَعَضُّ عَلَى يَدَيْه *** تَبَيَّنَ غَبْنُهُ بَعْدَ البِيَاعِ
وفي المَثَل: «عَضَّ على شِبْدِعه» أَي لِسَانِه، يُضْرَبُ للْحَلِيم، قال:
عَضَّ عَلَى شِبْدِعِه الأَرِيبُ *** فآضَ لا يَلْحَى ولا يَحُوبُ
وفي الحَديث: «مَنْ عَضَّ على شِبْدعِه سَلِمَ مِن الآثَام» وسَيَأْتِي في العَيْن.
وعَضَّهُ الأَمْرُ: اشتَدَّ عَلَيْه، وهو مَجَاز، وكَذَا عَضَّهُمُ السِّلَاحُ.
والعَضُوضُ، كصَبُورٍ: فَرَسُ عَامرِ بن الحَارِث بن سُبَيْع، نَقَلَه الصّاغَانيّ. وهذا بَلَدٌ به عِضٌّ وأَعْضَاضٌ، نَقَلَهُ الجَوْهَريُّ، وهو في النَّوَادر، ونَصُّه: هذا بَلَدٌ عِضٌّ وأَعْضَاضٍ وعَضَاضٍ. أَيْ شَجَرٍ ذي شَوْكٍ.
وبَعِيرٌ عَاضٌّ: يَرْعَى العِضَّ. نَقَلَه الجَوْهَريّ، وهو في كتَاب الإِصْلاح.
والعَضَاضُ، كسَحَابٍ: ما غَلُظَ من النَّبْت وعَسَا.
والعُضُوض، بالضَّمِّ، والعَضَاضَةُ، بالفَتْح: اللُّزُومُ.
والعَضِيضُ من الميَاه: العَضُوضُ. كَذَا في نَوَادِر أَبي عَمْرو.
وعَضَّهُ القَتَبُ عَضًّا، على المَثَلِ، نَقَلَهُ ابنُ بَرّيّ.
والعِضُّ، بالكَسْر: الخَبِيثُ الشَّرِسُ. وأَعَضَّ السَّيْفَ بسَاقِ البَعيرِ. وهو مَجازٌ.
وبَعِيرٌ عَضَّاضٌ، كشَدَّادٍ: عَضُوضٌ.
ومن أَمْثَالهم في فِرارِ الجَبَانِ وخُضُوعِهِ:
دَرْدَبَ لَمَّا عَضَّه الثِّقَافُ
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
68-تاج العروس (فرض)
[فرض]: الفَرْضُ، كالضَّرْبِ: التَّوْقِيتُ، قالَهُ ابنُ عَرَفَةَ، ومنه قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فكُلُّ وَاجبٍ مُؤَقَّتٍ فهو مَفْرُوضٌ، وكَذَا قَوْلُه تَعَالَى: {ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما} فَرَضَ {اللهُ لَهُ} أَي وَقَّتَ الله لَهُ وكَذلكَ قَوْلُه تَعَالَى: {نَصِيبًا} مَفْرُوضًا؛ أَي مُؤَقَّتًا، كُلُّ ذلكَ من تَفْسِير ابْنِ عَرَفَةَ، وكَذلكَ قَوْلُ الزَّجَّاجِ في مَعْنَى قَوْلِهِ مَفْرُوضًا. وقال غَيْرُهُ: {فَمَنْ} فَرَضَ (فِيهِنَّ الْحَجَّ) أَي أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِه بإِحْرَامِه.والفَرْضُ: الحَزُّ في الشَّيْءِ، يُقَالُ: فَرَضْتُ الزَّنْدَ والسِّوَاكَ. وفَرْضُ الزَّنْدِ حَيْث يُقْدَحُ مِنْهُ، كما في الصّحاح، وهو قَولُ ابْنِ الأَعْرَابيّ. وقال الأَصْمَعِيّ: فَرَضَ مِسْوَاكَهُ فهو يَفْرِضُهُ فَرْضًا، إِذَا حَزَّهُ بأَسْنَانِهِ.
وفي حَدِيث عُمَرَ، رَضيَ الله عنه: «أَنَّهُ اتَّخَذَ عَامَ الجَدْبِ قِدْحًا فيه فَرْضٌ»، القِدْحُ: السَّهْمُ قَبْلَ أَنْ يُعْمَلَ فيه الرِّيشُ والنَّصْلُ. والفَرْضُ: الحَزُّ في الشَّيْءِ والقَطْعُ، كالتَّفْرِيضِ، وهو التَّحْزِيزُ، وقد صَحَّفَهُ اللَّيْثُ في قَوْل الشَّمَّاخ:
إِذَا طَرَحَا شَأْوًا بأَرْضٍ هَوَى لَهُ *** مُفَرِّضُ أَطْرَافِ الذِّرَاعَيْن أَفْلَجُ
فَرَوَاهُ مُقَرِّض، بالقَافِ، وهو بالفَاءِ كما رَوَاه الثَّقَات.
قال الباهِلِيُّ: أَرَادَ الشَّمَّاخُ بالمُفَرَّضِ المُحَزَّزَ، يَعْنِي الجُعَلَ، نَبَّهَ عَلَيْه الأَزْهَرِيّ. قال: وأَرَادَ بالشَّأْوِ: ما يُلْقِيهِ العَيْرُ والأَتَانُ من أَرْوَاثِهِمَا. وقالُوا: الجُعْلَانُ مُفَرَّضَةٌ، كأَنَّ فِيها حُزُوزًا.
والفَرْضُ من القَوْس: مَوْقِعُ الوَتَرِ. وفي الصّحاح: فَرْضُ القَوْسِ: الحَزُّ الَّذي يَقَعُ عليه الوَتَرُ. الجمع: فِرَاضٌ وفُرُوضٌ أَيْضًا. قال الشّاعِر:
مِنَ الرَّضَمَاتِ البِيضِ غَيَّرَ لَوْنَهَا *** بَنَاتُ فِرَاضِ المَرْخِ واليَابسُ الجَزْلُ
هكذا أَنْشَدَهُ ابنُ دُرَيْدٍ في فِرَاضٍ جَمْعِ فَرْضٍ بمَعْنَى الحَزِّ.
والفَرْضُ: ما أَوْجَبَهُ الله تَعَالَى، كالمَفْرُوض، هكَذَا في سائر النُّسَخِ، ولَوْ قَالَ، كالتَّفْرِيضِ، كَانَ أَحْسَنَ، كَمَا في اللّسَان. قال: والتَّشْدِيدُ للتَّكْثِيرِ. قال الجَوْهَرِيُّ. سُمِّيَ بذلكَ لِأَنَّ له مَعَالِمَ وحُدُودًا. وفي العُبَاب: وقيلَ: لِأَنَّهُ لازِمٌ للعَبْدِ كلُزُومِ الفَرْضِ للقَدْحِ، وهو الحَزُّ فيه.
وفي البَصَائِر: الفَرْضُ كالإِيجابِ، لكِن الإِيجاب اعْتِبَارًا بوُقُوعِهِ، والفَرْض اعْتبَارًا بقَطْعِ الحُكْمِ فيه. وفي اللّسَان: وهما سِيَّان عنْدَ الشَّافِعِيّ، رَحِمَهُ الله. قُلْتُ: وعنْدَ أَبِي حَنيفَةَ: الفَرْقُ بَيْنَ الوَاجِب والفَرْضِ، كالفَرْق بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ. وقيلَ: كُلُّ مَوْضِعٍ وَرَدَ: فَرَضَ الله عَلَيْه، فبمَعْنَى الإِيجابِ، وَمَا وَرَدَ من: فَرَضَ الله له، فَهُوَ أَن لا يَحْظَرَهَا عَلَى نَفْسِه.
والفَرْضُ: القِرَاءَةُ، عن ابن الأَعْرَابِيّ. يُقَالُ: فَرَضْتُ جُزْئِي؛ أَي قَرَأْتُهُ.
والفَرْضُ: السُّنَّةُ. يُقَالُ: فَرَضَ رَسُولُ الله صَلّى الله عليِه وسلّم، أَيْ سَنَّ، تَفَرَّد به ابنُ الأَعْرَابِيّ. وقال غَيْرُه: فَرَضَ رَسُولُ الله صَلّى الله عليِه وسلّم، أَيْ أَوْجَبَ وُجُوبًا لَازِمًا. قال الأَزْهَرِيّ: وهذَا هو الظَّاهِر.
والفَرْضُ: نَوْعٌ، وفي الصّحاح: جِنْسٌ مِنَ التَّمْرِ. قال الأَصْمَعِيُّ: أَجْوَدُ تَمْرِ عُمَانَ الفَرْضُ، والبَلْعَقُ، قال شاعِرُهُم:
إِذَا أَكَلْتُ سَمَكًا وفَرْضَا *** ذَهَبْتُ طُولًا وذَهَبْتُ عَرْضَا
كَذَا في الصّحاح، وفي العُبَاب: وزَعَم أَبُو النَّدَى أَنَّهُ من مُدَاعَبَاتِ الأَعْرَابِ. قال: والإِنْشَادُ الصَّحيح:
لو اصْطَبَحْتُ قارِصًا ومَحْضَا *** ثُمَّ أَكَلْتُ رائِبًا وفَرْضا
والزُّبْدَ يَعْلُو بَعْضَ ذَاكَ بَعْضا *** ثمّ شَرِبْتُ بَعْدَهُ المُرِضَّا
سَمَقْتُ طُولًا وذَهَبْتُ عَرْضَا *** كَأَنَّمَا آكُلُ مَالًا قَرْضَا
وفي اللّسَان: قال أَبُو حَنِيفَةَ: وأَخْبَرَني بَعْضُ أَعْرَابِ عُمَانَ قال: إِذا أَرْطَبَتْ نَخْلَتُه فتُؤَخِّرَ عن اخْتِرَافِهَا تَسَاقَطَ عن نَوَاهُ فبَقِيت الكِبَاسَةُ لَيْسَ فيها إِلاّ نَوًى مُعَلَّقٌ بالتَّفَارِيق.
وقال اللَّيْثُ: الفَرْضُ: الجُنْدُ يَفْتَرِضُون؛ أَي يَأْخُذُون عَطَايَاهُمْ، والجَمْعُ الفُرُوضُ، هكَذَا رَوَاهُ الأَزْهَرِيّ عنه.
قال الصّاغَانِيّ. ولم أَجِدْهُ في كتَابِ الَّليْثِ.
والفَرْضُ: التُرْسُ. نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ عن أَبي عُبَيدٍ. قال: وأَنْشَدَ لصَخْرِ الغَيِّ يَصِف بَرْقًا، كما في العُبَاب:
أَرِقْتُ لَهُ مِثْل لَمْعِ البَشيرِ *** يُقَلِّبُ بالكَفِّ فَرْضًا خَفِيفَا
قلت: ويُرْوَى «قَلَّبَ بالكَفِّ». وقرأَتُ في شَرْحِ الدِّيوَان: الفَرْضُ: تُرَيْسٌ خَفِيفٌ، وإِنَّمَا سُمِّيَ به لأَنَّهُ فُرِضَ؛ أَي قُدَّ وأُدِيرَ. شَبَّهَ البَرْقَ بتُرْسٍ خَفِيف يُقَلِّبه بَشِيرٌ بيَدِه ليَرَاهُ قَوْمٌ فيَتَبَشَّرُوا، شُبِّهَ بالفَرْضِ لِسُرْعَتِه. وفي الصّحاح: ولا تَقُلْ: قُرْصًا خَفيفًا، وهو قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ. وفي العُبَابِ هو قَوْل أَبِي عَمْرو.
وقِيلَ: الفَرْضُ: عُودٌ منْ أَعْوَادِ البَيْتِ هكَذَا في سَائِر النُّسَخِ وهو غَلَطٌ، والصَّوابُ: الفَرْضُ في البَيْتِ. عُودٌ كما في العُبَابِ، وهو قَوْلُ الجُمْحِيّ. ولَمَّا رَأَى المُصَنِّف لَفْظَ البَيْتِ في العُبَابِ ظَنَّ أَنَّ العُودَ من أَعْوَادِهِ، وإِنَّمَا المُرَادُ من البَيْت بَيْتُ صَخْرِ الغَيِّ السَّابِق، فتَأَمَّلْ. وقال الجُمَحِيّ أَيْضًا: وسَمِعْتُ القِدْحَ، وسَمعْتُ الخِرْقَةَ، والعُودُ أَجْوَدُ.
ويقال: هو الثَّوْبُ، أَعْنِي الفَرْضَ في البَيْتِ، رَوَاهُ الأَصْمَعيّ عن بَعْض أَعْرَابِ هُذَيْلٍ. وفي شَرْح الدِّيوان: قال الأَخْفَشُ: يُقَالُ: هو القِدْحُ، ويُقَال هو الثَّوْبُ. وفي العُبَاب: وقيلَ: الفَرْضُ: العَطِيَّةُ المَوْسُومَةُ. كَذَا في النُّسَخِ بالوَاوِ. وفي الصّحاح والعُبَاب: المَرْسُومَةُ، بالرَّاءِ، وهو الصَّوابُ. يُقَالُ: ما أَصَبْتُ منْهُ فَرْضًا ولا قَرْضًا.
وقال ابنُ دُرَيْدٍ: الفَرْضُ: مَا فَرَضْتَهُ عَلَى نَفْسِكَ فوَهَبْتَهُ أَوْ جُدْتَ بهِ لغَيْرِ ثَوَابٍ. والقَرْضُ بالقَاف. ما أَعْطَيْتَ منْ شَيْءٍ لِتُكَافَأَ عَلَيْهِ أَوْ لِتَأْخُذَهُ بِعَيْنِهِ. وأَنْشَدَ ابنُ فَارِسٍ للحَكَمِ بنِ عَبْدَل:
وما نَالَهَا حَتَّى تَجَلَّتْ وأَسْفَرتْ *** أَخُو ثِقَةٍ مِنِّي بقَرْضٍ ولا فَرْضِ
والفَرْضُ منَ الزَّنْدِ حَيْثُ يُقْدَحُ منْه. أَو هو الحَزُّ الَّذي فيه، وبه فَسَّرَ بَعْضُهم قَولَ صَخْرِ الغَيِّ السّابق، كالفُرْضَةِ بالضَّمِّ.
وقولُه تَعَالَى: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها أَيْ جَعَلْنَا فِيهَا فَرَائِضَ الأَحْكَامِ، أَوْ أَلْزَمْنَاكُمُ العَمَل بما فُرِضَ فيها. وقَرَأَ ابنُ كَثِيرٍ وأَبُو عَمْرٍو: وفَرَّضْنَاهَا، بالتَّشْدِيدِ، ومَعْنَاهُ حِينَئذٍ على وَجْهَيْنِ: أَحَدهما على مَعْنَى التَّكْثير؛ أَي جَعَلْنَا فيهَا فَرِيضَةً بَعْدَ فَريضَةٍ كما في العُبَاب، وفي اللّسَان: أَي إِنَّا فَرَضْنَا فيها فُرُوضًا، أَو فَصَّلْنَاهَا، وعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيّ نَقْلًا عن أَبِي عَمرٍو، وزادَ الأَزْهَرِيّ: وبَيَّنَّاها، والَّذي في التَّهْذِيبِ: أَي بَيَّنَّا وفَصَّلْنَا ما فِيها من الحَلَالِ والحَرَام.
والفِرَاضُ، ككِتَابٍ: اللِّبَاسُ يُقَال: ما عَلَيْه فِرَاضٌ؛ أَي شَيْءٌ منْ لِبَاسٍ، كما في الصّحاح. ويُقَالُ: ما عَلَيْهِ فِرَاضٌ، أَيْ ثَوْبٌ. وقال أَبُو الهَيْثَمِ: ما عَلَيْه سِتْرٌ.
والفِرَاضُ: فُوَّهَةُ النَّهْرِ. قال لَبيدٌ، رَضيَ الله عنه، يَذْكُر المُلُوكَ المَاضِيَةَ:
والحَارِثُ الحَرَّابُ خَلَّى عَاقِلًا *** دَارًا أَقَامَ بهَا ولم يَتَنَقَّلِ
تَجْرِي خَزَائِنُه عَلَى مَنْ نَابَهُ *** جَرْيَ الفُرَاتِ على فِرَاضِ الجَدْوَلِ
والفِرَاضُ: موضع بَيْنَ البَصْرَةِ واليَمَامَةِ قُرْبَ فُلَيْجٍ منْ ديارِ بَكْرِ بن وَائلٍ، قال القَعْقَاعُ:
لَقِينَا بالفِرَاضِ جُمُوعَ رُومٍ *** وفُرْسٍ غَمُّهَا طُولُ السَّلَامِ
وقال ابنُ أَحْمَرَ:
جَزَى اللهُ قَوْمِي بالأُبُلَّةِ نُصْرَةً *** ومَبْدًى لَهُمْ حَوْلَ الفِرَاضِ ومَحْضَرَا
والفِرَاضُ: الطُّرُقُ، عن اللَّيْثِ. قال عَمْرُو بنُ مَعْدِيكَرِبَ، رَضِيَ الله عنه:
سَدَدْتُ فِرَاضَهَا لَهُمْ ببَيْتِي *** وبَعْضُهُمُ بقُنَّتِه يُغَدِّي
يُرِيد أَنَّه نَزَلَ بَيْنَ الطُّرُقِ لِيَقْرِيَ.
وفَرضَتِ البَقَرَةُ، كضَرَبَ، وكَرُمَ، فُرُوضًا، وفَرَاضَةً، فيه لَفٌّ ونَشْرٌ مُرَتَّبٌ، نَقَلَهُمَا الجَوْهَرِيّ والصّاغَانِيُّ، وقالَ الأَزْهَرِيّ: يُقَالُ من الْفَارِضِ: فَرَضَتْ، وفَرُضَتْ، ولم نَسمَعْ بفَرِضَ؛ أَي كَبِرَتْ وطَعَنَتْ في السِّنِّ، ومنه قَوْلُه تعالَى: {لا} فارِضٌ {وَلا بِكْرٌ} قال الفَرّاءُ وقَتَادَةُ: الفَارِضُ: الهَرِمَةُ. والبِكْرُ: الشَّابَّةُ. قال عَلْقَمَةُ بنُ عَوْفٍ، وقد عَنَى بَقَرَةً هَرِمَةً:
لَعَمْرِي لَقَد أَعْطَيْتَ ضَيْفَكَ فَارِضًا *** تُجَرُّ إِلَيْه مَا تَقُومُ عَلَى رِجْلِ
ولَمْ تُعْطِه بِكْرًا فيَرْضَى سَمِينَةً *** فكَيْفَ يُجَازِي بالمَودَّةِ والفِعْلِ
وقال أُميَّةُ في الْفَارِضِ أَيْضًا:
كُمَيْتٌ بَهِيمُ اللَّوْنِ لَيْسَ بفَارِضٍ *** ولا بخَصِيفٍ ذاتِ لَوْنٍ مُرَّقّم
وقال أَبو الهَيْثَم: الفَارِضُ هي المُسِنَّةُ. وقال أَبُو زَيْدٍ: بَقَرَةٌ فَارِضٌ، وهي العَظِيمَةُ السَّمِينَةُ، والجَمْعُ: فَوَارِضُ.
وقد يُسْتَعْمَلُ الفَارِضُ في المُسِنِّ الضَّخْم مِنَ الرِّجَال.
وفي الصّحاح: الضّخْم من كُلِّ شَيْءٍ، فيَكُونُ للمُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ، قالَهُ الأَصْمَعِيّ؛ أَي فَلَا يُقَالُ فَارِضَةٌ. يُقَال: رَجُلٌ فَارِضٌ وقَوْمٌ فُرَّضٌ، وهو مَجَازٌ. قال رَجُلٌ مِن فُقَيْمٍ، كما في اللِّسَان، وفي العُبَاب: قال ضَبٌّ العَدَوِيُّ:
شَيَّبَ أَصْدَاغِي فرَأْسِي أَبْيَضُ *** مَحَامِلٌ فيها رِجَالٌ فُرَّضُ
ويُرْوَى:
شَيَّبَنِي فالرَّأْسُ مِنّي أَبْيَضُ
ورَوَى ابنُ الأَعْرَابِيّ:
مَحَامِلٌ بِيضٌ وَقَوْمٌ فُرَّضُ
قال: يُرِيد أَنَّهُم ثِقَالٌ كالمَحَامِلِ.
قال ابنُ بَرّيّ: ومِثْلُه قَولُ العَجّاجِ:
في شَعْشَعَانِ عُنُقٍ يَمَخُورِ *** حَابِي الحُيُودِ فَارضِ الحُنْجُورِ
ورِجالٌ فُرَّضٌ؛ أَي ضِخَامٌ، وقيل مَسَانُّ. ومن الفَارِضِ بمَعْنَى الكَبْشِ المُسِنِّ قَوْلُ الشّاعر:
شَوْلاءَ مسْكُ فَارِضٍ نَهِيّ *** من الكِبَاشِ زَامِرٍ خَصِيّ
ويُقَال: لِحْيَةٌ فَارِضٌ، كما في العُبَابِ، وفَارِضَةٌ، كما في الصّحاح نَقْلًا عن الأَخْفَشِ، وجَمَعَ بَيْنَهُمَا صاحِبُ اللِّسَان؛ أَي ضَخْمَةٌ عَظيمةٌ، وهو مَجازٌ.
ومن سَجَعَاتِ الأَسَاسِ: قَلَّت السَّعَادَة على اللِّحْيَةِ الفارِضُ، الثَّقِيلَةِ على العَوَارِض.
وكَذا شِقْشِقَةٌ فَارِضٌ، ولَهَاةٌ فَارِضٌ، وسِقَاءٌ فَارِضٌ. قال الفَقْعَسِيّ يَذْكُرُ غَرْبًا وَاسِعًا:
والغَرْبُ غَرْبٌ بَقَرِيٌّ فَارِضُ
نَقَلَه ابنُ بَرّيّ. وأَنْشَدَ الصَّاغَانِيّ له أَيْضًا يَصِف فَحْلًا:
لَهُ زِجَاجٌ ولَهَاةٌ فَارِضُ *** جَدْلاءُ كالوَطْبِ نَحَاهُ المَاخِضُ
الجمع: فُرَّضٌ، كرُكَّعٍ، وقد تَقَدَّم شَاهِدُه.
ويُقَالُ للشَّيءِ القَدِيمِ فَارِضٌ، قال:
يا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عَلَيَّ فَارِضِ *** له قُروءٌ كقُروءِ الحَائِضِ
هكَذَا أَنْشَدَه الصَّاغَانِيّ وقال: أَي قَدِيم.
وفي اللّسَان. ويُقَال: أَضْمَرَ عَلَيَّ ضِغْنًا فَارِضًا وضَغِينَةً فَارِضًا، بغَيْرِ هَاءٍ؛ أَي عَظِيمًا كأَنَّهُ ذُو فَرْضٍ؛ أَي ذُو حَزٍّ وقال:
يا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عَلَيَّ فَارِضِ
أَيّ عَظِيمٍ. وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيّ:
يا رُبَّ مَوْلَى حاسِدٍ مُبَاغِضِ *** عَلَيَّ ذِي ضِغْنٍ وضَبٍّ فارِضِ
لَهُ قُرُوءٌ كَقُروءِ الحَائِضِ
قال: عَنَى بضَبٍّ فَارِضٍ عَدَاوَةً عَظِيمَةً كَبِيرَةً، من الفَارِضِ الَّتِي هي المُسِنَّةُ. وقَوله: له قُرُوءٌ، إِلخ، يَقولُ: لعَدَاوَته أَوْقَاتٌ تَهِيجُ فِيها مِثْل وَقْتِ الحائضِ.
والفَارِضُ: العَارِفُ بالفَرَائِض، وهو عِلْمُ قِسْمَةِ المَوَارِيثِ، كالفَرِيضِ، وهذِهِ عن ابنِ عَبَّادٍ كما نَقلَهُ الصَّاغَانِيّ. وفي اللّسَان: رَجُلٌ فَارِضٌ وفَرِيضٌ: عالِمٌ بالفَرَائِض كعَالِم وعَلِيم، عن ابْنِ الأَعْرَابِيّ، والفَرَضِيِّ، بِيَاءِ النِّسْبةِ، وقد فَرُضَ، ككَرُمَ، فَرَاضَةً. قال شَيْخُنا: فِيهِ أَيْضًا ككَتَبَ، حَكَاهُ ابْنُ القَطّاع. قُلْتُ: الَّذِي رَأَيْتُه في كِتَابِ الأَبْنِيَةِ لَهُ، ذَكَرَ الوَجْهَيْنِ في فَرَضَتِ البقَرَةُ لا في فَرَضَ الرَّجُلُ، بل لَمْ يَذْكُر في كِتَابِه هذَا الحَرْف، فتَأَمَّلْ.
ويُقَالُ: هو أَفْرَضُ النَّاسِ؛ أَي أَعْلَمُهُم بقِسْمَةِ المَوَارِيثِ. ومنه الحَدِيثُ «وأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ» وفي الصّحاح: أَفْرَضُكُمْ.
والفَرِيضَةُ: ما فُرِضَ في السَّائمَةِ من الصَّدَقَة، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ.
ووَجَّهَ أَبُو بَكْرٍ أَنَسًا، رَضيَ الله عَنْهُمَا، إِلى البَحرَيْنِ، وكَتَبَ له كِتَابًا صَدْرُه: « {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، هذِه فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتي فَرَضَ رَسُولُ الله صَلى الله عليه وآله وسلّم عَلَى المُسْلِمِينَ، فَمَنْ سُئلَهَا من المُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِها، ومَنْ سُئلَ فَوْقَهَا فَلا يُعْطِ».
والفَرِيضَةُ: الهَرِمَةُ المُسِنَّةُ، ومنه الحديثُ: «لَكُمْ يا بَنِي نَهْدٍ في الوَظِيفَة الفَرِيضَةُ».
وهي الفَارِضُ أَيْضًا، كالفَرِيضِ، بغَير هَاءٍ، وقد فَرَضَتْ فَهي فَارِضٌ، وفَارِضَةٌ، وفَرِيضَةٌ، ومِثْلُهُ في التَّقْدِيرِ: طَلَقَتْ فهي طَالِقَةٌ وطَلِيقَةٌ.
والفَرِيضَةُ: الحِصَّةُ المَفْرُوضَةُ، اسْمٌ من فَرَضَ الشَّيْءَ يَفْرِضُهُ فَرْضًا: أَوْجَبَهُ عَلَى إِنْسَانٍ بقَدْرٍ مَعْلُومٍ.
وسَهْمٌ فَرِيضٌ: مَفْرُوضٌ فُوقُهُ، وقد فَرَضَ فُوقَهُ فهو مَفْرُوضٌ وفَرِيضٌ؛ أَي حَزَّه.
والفَرِيضَتانِ: الجَذَعَةُ من الغَنَمِ والحِقَّةُ منَ الإِبلِ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ، وهُو قَولُ ابْن السِّكِّيت.
وفي حَدِيث حُنَيْنٍ: «فإِنَّ له عَلَيْنَا سِتَّ فَرَائِضَ» جَمْعُ فَرِيضَةٍ، وهو البَعِيرُ المَأْخُوذُ في الزَّكَاةِ، سُمِّيَ فَرِيضَةً لِأَنَّهُ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى ذِي المَالِ، ثمّ اتُّسِعَ فيه حَتَّى سُمِّيَ البَعِيرُ فَرِيضَةً في غَيرِ الزَّكَاةِ.
وقال أَبُو الهَيْثَمِ: فَرَائِضُ الإِبِلِ الَّتِي تَحْتَ الثَّنِيِّ والرُّبعِ. يُقَال للقَلُوصِ الَّتي تَكُونُ بِنْتَ سَنَةٍ وهي تُؤْخَذُ في خَمْس وعِشْرِين: فَرِيضَةٌ. والَّتي تُؤْخَذ في سِتٍّ وثَلاثينَ، وهيَ بنْتُ لَبُونٍ وهِيَ بنْتُ سَنَتَيْنِ: فَرِيضَةٌ، والَّتي تُؤْخَذُ في سِتٍّ وأَرْبَعِينَ، وهيَ حِقَّةُ وهي ابْنَةُ ثَلاثِ سِنين: فَريضَةٌ.
والَّتِي تُؤْخَذُ في إِحْدَى وسِتّين: جَذَعَةٌ وهِيَ فَرِيضَتُهَا، وهي ابْنَةُ أَرْبَعِ سِنِينَ. فَهذِهِ فَرَائِض الإِبِلِ وقال غَيْرُهُ: سُمِّيَتْ فَرِيضَةً لِأَنَّها فُرِضَتْ؛ أَي أُوجِبَتْ في عَدَدٍ مَعْلُومٍ من الإِبِلِ، فهي مَفْرُوضَةٌ وفَرِيضَةٌ، وأُدْخِلَتْ فيهَا الهاءُ لأَنَّهَا جُعِلَت اسْمًا لا نَعْتًا: وفي الحَدِيثِ: «في الفَرِيضَةِ تَجِبُ عَلَيْه ولا تُوجَدُ عِنْدَهُ» يَعْنِي السِّنَّ المُعَيَّنَ لِلإِخْرَاجِ في الزَّكَاةِ. وقِيلَ: هو عامٌّ في كُلِّ فَرْضٍ مَشْرُوعٍ مِنْ فَرَائضِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ.
والفِرْضُ، بالكَسْر: ثَمَرُ الدَّوْمِ ما دَامَ أَحْمَرَ، نَقَلَهُ الصّاغَانيّ عن أَبِي عَمْرو.
والفِرْيَاضُ، كجِرْيَالٍ: الوَاسِعُ، قال العَجّاجُ:
نَهْرُ سَعِيدٍ خَالِصُ البَيَاضِ *** مُنْحَدِرُ الجِرْيَةِ في اعْترَاضِ
يَجْرِي عَلى ذِي ثَبَجٍ فِرْيَاضِ *** خَلَّفَ قِرْقِيسَاءَ في الغِيَاضِ
كَأَنَّ صَوْتَ مَائهِ الخَضْخَاضِ *** أَجْلَابُ جِنٍّ بنَقًا مُنْقاضِ
وقال ابنُ دُرَيْدٍ: فِرْيَاض، بلَا لَامٍ: موضع. وقال الأَزْهَرِيّ: رأَيتُ بالسِّتَارِ الأَغْبَرِ عَيْنًا يُقَالُ له فِرْيَاضُ تَسْقِي نَخْلًا، وكان مَاؤُهَا عَذْبًا. قال رُؤْبةُ:
يَغْزُونَ من فِرْيَاضَ سَيْحًا دَيْسَقَا
والمِفْرَضُ، كمِنْبَرٍ: حَدِيدَةٌ يُحَزُّ بهَا، نَقَلَهُ الجَوْهَريّ والصّاغَانىّ.
والفُرْضَةُ بالضَّمِّ من النَّهْرِ: ثُلْمَةٌ يُسْتَقَى مِنْهَا.
والفُرْضَةُ من البَحْرِ: مَحَطُّ السُّفُنِ، كَذَا في نُسَخِ الصّحاح، وفي بَعْضِها: مَرْفَأُ السُّفُنِ.
والفُرْضَةُ منَ الدَّوَاةِ: مَحَلُّ النِّقْسِ مِنْهَا.
والفُرْضَةُ: نَجْرَانُ البَابِ: يُقَالُ: وَسَّعَ فُرْضَةَ البَابِ، وفُرْضَةَ الدَّوَاةِ. وجَمْعُ الكُلِّ فُرَضٌ وفِرَاضٌ، وفُرَضُ النَهْرِ وفِرَاضُهُ: مَشَارِعُهُ. وقال الأَصْمَعِيُّ: الفُرْضَةُ: المَشْرَعَةُ.
يُقَال: سَقَاهَا بالفِرَاضِ، أَيْ من فُرْضَةِ النَّهْرِ.
وفي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: «فاجعَلُوا السُّيُوفَ لِلْمَنَايَا فُرَضًا» أَيْ اجْعَلُوها مَشَارِعَ للْمَنَايَا، وتَعَرَّضُوا للشَّهَادَةِ.
والفُرْضَةُ: قرية، بالبَحْرَيْنِ لِبَنِي عامِر بن الحارِثِ بنِ عَبْدِ القَيْسِ، كما في العُبَابِ، ويُقَال هيَ بهَجَرَ، وبها التَّعْضُوضُ الَّذي تَقَدَّم ذِكْرُهُ.
والفُرْضَةُ: موضع بشَطِّ الفُراتِ، يُقَال له: فُرْضَةُ نُعْمَ. قال ابنُ الكَلْبِيّ: أُضِيفَت إِلى نُعْمَ أُمِّ وَلَدٍ لِتُبَّعٍ ذِي مُعَاهِرٍ، حَسّانٍ، وكَانَتْ بَنَتْ ثَمَّ قَصْرًا.
وقال ابنُ عَبّادٍ: الفَوَارِضُ الصِّحَاحُ العِظَام، لَيْسَتْ بالصِّغَار ولا بالمِرَاضِ، وهي المِرَاضُ أَيْضًا، ضِدّ، هذَا نَصُّ العُبَاب والتَّكْمِلَةِ. وقد تَوَهَّمَ فيه بَعْضُ المُحَشِّينَ وأَوَّلَهُ على غَيْرِ مَا قَالَهُ الصَّاغَانيُّ وادَّعَىَ عَدَمَ التَّضَادِّ.
وأَفْرَضَهُ: أَعْطَاهُ وكَذلكَ فَرَضَهُ، كما هو نَصُّ الصّحاح.
وأَفْرَضَ لَهُ: جَعَلَ لَهُ فَرِيضَةً، كما في اللِّسَان، والعُبَاب، كفَرَضَ لَهُ فَرْضًا، وهذه نَقَلَهَا الجَوْهَرِيّ. يُقَالُ: فَرَضَ له في العَطَاءِ، وفَرَضَ له في الدِّيوَانِ، أَيْ أَثْبَتَ رِزْقَهُ. كما في الأَسَاسِ. قُلْتُ: وهو قَوْلُ الأَصْمَعِيّ كما قَبْلَهُ.
وأَفْرَضَت الماشِيَةُ: وَجَبَتْ فيها الفَرِيضَةُ، وذلكَ إِذا بَلَغَت النِّصَابَ، فهي مُفْرِضَةٌ.
وفَرَّضَ الرَّجلُ تَفْرِيضًا، إِذا صارَتْ في إِبِله الفَرِيضَةُ نَقَلَهُ الصّاغَانِيّ.
وافْتَرَضَ الله: أَوْجَبَ، كَفَرَضَ، والاسْمُ الفَرِيضَةُ. وهذا أَمْرٌ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِم كفَرْضٍ ومَفْرُوضٍ.
والافْتِرَاضُ: الانْقِراضُ. يُقَالُ: ذَهَبَ القَوْمُ فافْتَرَضُوا أَي انْقَرَضُوا. وافْتَرَضَ الجُنْدُ: أَخَذُوا عَطَايَاهُم، وبه سُمُّوا الْفَرْضَ. وفي الأَساسِ: افْتَرَضَ الجُنْدُ: ارْتَزَقُوا، وهو بمَعْنَاهُ. وفي العُبَابِ: التَّرْكِيبُ يَدُلُّ على تَأْثِيرٍ في شَيءٍ من حَزٍّ أَوْ غَيْرِه. وقد شَذَّ: الفَارِضُ: المُسِنَّةُ.
والفَرْضُ: نَوْعٌ من التَّمْرِ. والفِرْيَاضُ: الوَاسعُ. انْتَهَى.
قُلْتُ: وكُلُّ ما ذَكَرَهُ فعِنْدَ التَّأَمُّلِ لا يَشِذُّ عَنِ التَّرْكِيبِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ إِذا حُزَّ أَسَنَّ واتَّسَعَ. وأَمّا الفَرْضُ لنَوعٍ من التَّمْرِ فإِنَّكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ ما ذَكَرْنَاهُ عن أَبِي حَنِيفَةَ فِيه ظَهَر لَكَ عَدَمُ شَذُوذِهِ عن التَّرْكِيبِ.
* وممّا يُسْتَدْرَك عليه:
الفَرِيضَةُ العَادِلَةُ، في حَدِيث ابْنِ عُمَرَ: مَا اتَّفَقَ عليه المُسْلِمُون. وقِيلَ: هي المُسْتَنْبَطَةُ من الكِتَابِ والسُّنَّةِ، وإِنْ لَمْ يَرِدْ بهَا نَصٌّ فِيهِمَا فَتَكُونُ مُعَادلَةً للنَّصِّ. وقيلَ: المُرَادُ بِهَا العَدْلُ في القِسْمَةِ، بحَيْثُ تَكُونُ على السِّهَام والأَنْصِبَاءِ المَذْكُورَةِ في الكِتَابِ والسُّنَّةِ.
المَفْرُوضُ: المُقْتَطَعُ المَحْدُودُ. وبه فَسَّرَ الجَوْهَرِيُّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {نَصِيبًا} مَفْرُوضًا.
والفَرْضَتَانِ أَيْضًا، هُمَا الفَرِيضَتَانِ، نَقَلَهُ ابنُ بَرِّيّ، عن ابْنِ السِّكِّيتِ أَيْضًا.
والفَرْضُ: القَطعُ والتَّقْديرُ. ويُقَال: أَصْلُ الفَرْضِ: قَطْعُ الشَّيْءِ الصُّلْبِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ في التَّقْدِيرِ لِكَوْنِ المَفْرُوضِ مُقْتَطَعًا من الشَّيءِ الَّذي يُقَدَّرُ منه.
وفَرَضَ الشَّيْءُ فُرُوضًا: اتَّسَعَ.
وأَضْمَرَ عَلَيَّ ضَغِينَةً فَارِضًا، بلَا هَاءٍ: أَيْ عَظِيمَةً، وهو مَجَازٌ، وقَدْ تَقَدَّمَ.
والفَرِيضُ، كأَمِيرٍ جِرَّةُ البَعِيرِ، عن كُرَاع، ورَوَاهُ غَيْرُه بالقَافِ.
وفي الحَدِيث في صِفَة مَرْيَمَ عليهاالسلامُ: «لَمْ يَفْتَرِضْهَا وَلَدٌ» أَيْ لم يُؤَثِّر فيها، ولَمْ يَحُزَّهَا، يَعْنِي قَبْلَ المَسيحِ عَلَيه السَّلامُ. ومنه الفَرْضُ: العَلَامَةُ، قِيلَ: ومنه فَرْضُ الصَّلاةِ وغَيْرِها إِنَّمَا هُوَ اللازِمُ للْعَبدِ كلُزُم العَلَامَةِ.
وقال أَبو حَنِيفَةَ: الفِرَاضُ، ما تُظْهِرُه الزَّنْدَةُ من النّارِ إِذا اقْتُدِحَتْ. قال: والفِرَاضُ إِنَّمَا يَكُون في الأُنْثَى من الزَّنْدَيْنِ خاصّةً.
وقال الفَرّاءُ: يُقَالُ: خَرَجَتْ ثَنَايَاهُ مُفَرَّضَةً، أَيْ مُؤَشَّرَةً.
والفَرْضُ: الشَّقُّ عَامَّةً. ويُقَالُ: هو الشَّقُّ في وَسَطِ القَبْرِ. وفَرَضْتُ للْمَيِّت: ضَرَحْتُ.
والفُرْضَة، بالضَّمّ، في القَوْسِ، كالفَرْضِ فيهَا، والجَمْعُ فُرَضٌ.
والفَرْضُ: القِدْحُ، وهو السَّهْمُ قَبْلَ أَنْ يُعْمَلَ فيه الرِّيشُ والنَّصْلُ. وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لعَبِيدِ بنِ الأَبْرَصِ يَصِفُ بَرْقًا.
فَهْوَ كنِبْرَاسِ النَّبِيطِ أَو ال *** فَرْضِ بكَفِّ اللاَّعِبِ المُسْمِر
قال الصّاغَانِيّ في التَّكْمِلَةِ: ولَمْ أَجِدْهُ في شِعْرِ عَبِيدٍ: وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: يُقَالُ: لذَكَرِ الخَنافِسِ: المُفَرَّضُ، وأَبُو سَلْمَانَ، والحَوَّازُ، والكَبَرْتَلُ.
والفِرَاضُ: الثُّغُورُ، تَشْبيهًا بمَشَارعِ المِيَاهِ، وبه فُسِّرَ ما أَنْشَدَه ابنُ الأَعْرابِيّ:
كأَنْ لَمْ يَكُن مِنَّا الفِرَاضُ مَظِنَّةً *** ولَمْ يُمْسِ يَوْمًا مِلْكُهَا بيَمينِي
وقد يَجوزُ أَن يَعْنِيَ المَوْضِعَ بعَيْنِه.
وفُرْضَةُ الجَبَلِ: ما انْحَدَرَ من وَسَطهِ وجَانِبهِ.
من المَجَاز: بُسْرَةٌ فَارِضٌ، وأَبْسَرَتِ النَّخْلَةُ بُسْرًا فَوَارِضَ، كما في الأَسَاس.
والمُفْتَرَضُ: مَوْضِعٌ عَنْ يَمِين سَمِيرَاءَ للقَاصِدِ مَكَّةَ، حَرَسَهَا الله تَعَالَى، نَقَلَه الصّاغانِيّ.
ورَجُلٌ فَرّاضٌ، كشَدَّادٍ: مَعَهُ عِلْمُ الْفَرَائضِ، نَقَلَهُ المُصَنِّفُ في البَصَائِر.
وفَرَّاضُ بنُ عُتْبَةَ الأَزْدِيّ، كشَدّادٍ أَيْضًا: شاعِرٌ، نَقَلَه المَرْزُبَانِيّ في مُعْجَمِ الشُّعَرَاءِ.
وشَرَفُ الدِّين أَبُو القَاسِم، عُمَرُ بنُ عَليِّ بنِ المُرْشِدِ بنِ عَليٍّ الحَمَوِيُّ المِصْريُّ بنِ الفَارضِ السَّعْدِيّ: سُلطانُ العُشَّاقِ، أَحدُ الصُّوفِيَّة المَشْهُورِينَ، ولَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ، جَمَعَهُ وَلَدُه سَعْدُ الدِّينِ، سَمِعَ من الحَافِظِ أَبي مُحَمَّدِ بنِ الحَافِظِ أَبِي القَاسِمِ بنِ عَساكِر، وُلِدَ سَنَةَ 576 وتوفِّيَ سنة 633 واخْتُلِفَ في شأْنِه وحَالِه. وهو المَدْفُون تَحْتَ جَبَل العَارِضِ بمِصْرَ، نَفَعَنَا الله بِهِ، وقد زُرْتُهُ مِرَارًا.
وأَبو أَحْمَدَ عُبَيْدُ الله بنُ أَبِي مُسْلِمٍ الفَرَضِيُّ المُقْرِئ، شَيْخُ بَغْدَادَ بَعْد الأَرْبَعِمائَةِ.
والإِمَامُ أَبُو الوَلِيد بنُ الفَرَضِيّ عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوسُفَ، الحافِظُ مُؤَرِّخُ الأَنْدَلُسِ، اسْتُشْهِدَ بَعْدَ الأَرْبعمائة وابْنُهُ مُصعَبٌ أَدْرَكَهُ الحُمَيْديّ. وأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحسَيْنِ الميورقيّ الفَرَضِيّ مات سنة 528.
والحَافِظُ أَبُو العَلاءِ مُحْمُودُ بنُ أَبَي بَكْرٍ الكَلَابَاذِيّ البُخَارِيّ الفَرَضِيّ، وَاسِعُ الرِّحْلَةِ، رَأْسٌ في الْفَرَائِضِ والحَدِيثِ والرِّجَالِ، ماتَ سَنَةَ سَبْعِمائَةٍ عن سِتٍّ وخَمْسِين بمَارِدِينَ. سَوَّدَ كِتَابًا كَبِيرًا في مُشْتَبهِ النِّسْبَةِ. قال الحافِظُ: ونَقَلْتُ مِنْهُ كَثِيرًا.
والمُفَرِّضُ، كمُحَدِّثٍ: لَقَبُ زَهْدَمِ بنِ مَعْبَدٍ العِجْلِيَّ الشّاعِر.
وكمُحْسِنٍ، مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عِيَاضِ بنِ أَبِي طيبَةَ المُفْرِضُ، مِصْريّ مَشْهُورٌ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
69-تاج العروس (أرط)
[أرط]: الأَرْطَى: شَجَرٌ يَنْبُتُ بالرَّمْلِ، قال أَبُو حَنِيفَةَ: هو شَبِيهٌ بالغَضَى يَنْبُتُ عِصِيًّا من أَصْلٍ وَاحِدٍ، يطولُ قَدْرَ قَامَةٍ، ووَرَقُه هَدَبٌ، ونَوْرهُ كنَوْرِ الخِلَافِ غير أَنَّه أَصْغَر منه. واللَّوْنُ وَاحِدٌ، ورَائِحَتُه طَيِّبَةٌ، ومَنْبِتُه الرَّمْلُ، ولذلِكَ أَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ من ذِكْرِ تَعَوُّذِ بَقَر الوَحْشِ بالأَرْطَى ونَحْوِها من شَجَر الرَّمْل، واحْتِفَارِ أُصُولِهَا للكُنُوسِ فيها، والتَّبَرُّدِ بها من الحَرِّ، والانْكِرَاسِ فيهَا من البَرْدِ والمَطَرِ دُونَ شَجَر الجَلَدِ.والرَّمْلُ احْتِفَارُه سَهْلٌ. وثَمَرُه كالعُنَّابِ مُرَّةٌ تَأْكُلُها الإِبِلُ غَضَّةٌ، وعُرُوقُه حُمْرٌ شَدِيدَةُ الحُمْرَة، قال: وأَخْبَرَنِي رَجُلٌ من بَنِي أَسَدٍ أَنّ هَدَبَ الأَرْطَى حُمْرٌ كأَنَّه الرُّمّانُ الأَحْمر.
قال أَبُو النَّجْمِ يَصِفُ حُمْرَةَ ثَمَرِهَا:
يَحُتُّ رَوْقَاهَا على تَحْوِيرِهَا *** من ذَابِلِ الأَرْطَى ومن غَضِيرِهَا
في مُوضِعٍ كالبُسْر من تَثْمِيرها
الوَاحِدَةُ أَرْطاةٌ، قال الرَّاجز:
لَمّا رَأَى أَنْ لادَعَهْ ولا شِبَعْ *** مالَ إِلى أَرْطاةِ حِقْفٍ فاضْطَجَعْ
ولِذَا قالُوا: إِنَّ أَلِفهُ للإِلْحَاقِ لا للتَّأْنِيثِ، ووَزْنُه فَعْلَى، فَيُنَوَّنُ حِينَئِذٍ نَكِرَةً لا مَعْرِفَةً، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ لأَعْرَابِيٍّ. وقَد مَرِضَ بالشَّأْمِ:
أَلَا أَيُّهَا المُكّاءُ مَالَكَ هَاهُنَا *** أَلَاءٌ ولا أَرْطًى فأَيْن تَبِيضُ
فأَصْعِدْ إِلى أَرْضِ المَكَاكِيِّ واجْتَنِبْ *** قُرى الشّامِ لا تُصْبِحْ وأَنْتَ مَرِيضُ
أَوْ أَلفُه أَصْلِيَّةٌ فيُنَوَّن دائمًا، وعِبَارَةُ الصّحاحِ: فإِن جَعَلْتَ أَلِفَهُ أَصْلِيًّا نَوَّنْتَهُ في المَعْرِفَةِ والنَّكِرَةِ جَمِيعًا. قال ابنُ بَرِّيّ: إِذا جَعَلْتَ أَلِفَ أَرْطى أَصْلِيًّا، أَعْنِي لامَ الكَلِمَةِ، كان وَزْنُهَا أَفْعَل، وأَفْعَلُ إِذا كانَ اسْمًا لم يَنْصَرِف في المَعْرِفةِ، وانْصَرَفَ في النَّكِرَةِ، أَوْ وَزْنُهُ أَفْعَلُ لأَنَّهُ يُقَال: أَدِيمٌ مَرْطِيٌّ، وهذا مَوْضِعُهُ المُعْتَلّ، كما في الصّحاحِ. قال أَبُو حَنِيفَةَ: وبه سُمِّيَ الرَّجُلُ أَرْطاةَ، وكُنِيَ أَبا أَرْطَاةَ، ويُثَنَّى أَرْطَيَانِ، وج: أَرْطَيَاتٌ، قال أَبُو حَنِيفَةَ: ويُجْمَع أَيْضًا على أَرَاطَى، كعَذَارَى، وأَنشدَ لذِي الرُّمَّة:
ومِثْلُ الحَمَام الوُرْقِ مِمَّا تَوَقَّرتْ *** به مِنْ أَرَاطِي حَبْلِ حُزْوى أَرِينُهَا
قال الصّاغَانِيُّ: ولم أَجِدْه فِي شِعْرِه، قال: ويُجْمَع أَيْضًا على أَرَاطٍ، وأَنْشَد للعَجّاجِ يَصِفُ ثورًا:
أَلْجَأَه لَفْحُ الصَّبَا وأَدْمَسَا *** والطَّلُّ في خِيسِ أَرَاطٍ أَخْيَسَا
والمَأْرُوطُ: الأَدِيمُ المَدْبُوغُ بِهِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وهو قولُ أَبِي زَيْدٍ. وهذا يُؤَيِّدُ أَنَّ أَلِف أَرْطَى للإِلْحاقِ، وليسَتْ للتَّأْنِيثِ، ومن قَالَ: أَدِيمٌ مَرْطِيٌّ جَعَلَ وَزْنَهُ أَفْعل، وسيأْتِي في المُعْتَلِّ إِن شَاءَ الله تَعَالى.
وقال المُبَرِّدُ: أَرْطَى، على بِنَاءِ فَعْلَى، مثل عَلْقَى، إِلاّ أَنَّ الأَلِفَ التي في آخِرِهِمَا ليست للتَّأْنِيث؛ لأَنَّ الوَاحِدَةَ أَرْطاةٌ وعَلْقَاةٌ، قال: والأَلِفُ الأُولَى أَصْلِيَّة. وقد اخْتُلِفَ فيها: فقِيلَ: هي أَصْلِيَّةٌ، لقَولِهِم: أَدِيمٌ مَأْرُوطٌ، وقِيل: هي زائِدَةٌ؛ لقولِهِم: أَدِيمٌ مَرْطِيٌّ.
والمَأْرُوطُ من الإِبِلِ: الَّذِي يَشْتَكِي منه؛ أَي من أَكْلِه، كمَا في اللِّسَانِ، والَّذِي يَأْكُلُهُ ويُلازِمُه مَأْرُوطٌ أَيضًا، كالأَرْطَوِيِّ والأَرْطَاوِيّ، والَّذِي حكاهُ أَبو زَيْد: بَعِيرٌ مَأْرُوطٌ وأَرْطَوِيٌّ. والأَرْطَاوِيُّ نَقَلَه الصّاغَانِيُّ عن ابنِ عَبّادٍ، وهو في اللّسَان أَيْضًا.
وأَرْطَاةُ: ماءٌ لِبَنِي الضِّبَابِ يَصدُرُ في دارةَ الخَنْزَرَيْن، قال أَبو زَيْد: تَخْرُج مِنَ الحِمَى حِمَى ضَرِيَّةَ، فتَسِيرُ ثَلَاثَ لَيَالٍ مُسْتَقْبِلًا مَهَبَّ الجَنُوبِ من خارِجِ الحِمى، ثمّ تَرِدُ مِيَاهَ الضِّبَابِ، فمِنْ مِيَاهِهمُ الأَرْطاةُ.
والْأُرَاطَةُ، كثُمَامَةَ: ماءٌ لبَنِي عُمَيْلَةَ شَرْقِيَّ سَمِيْرَاءَ، وقَال نَصْرٌ: هو من مِيَاهِ غَنِيٍّ، بَيْنَهَا وبينَ أُضاخ لَيْلَةٌ.
وأَرْطَةُ اللَّيْثِ: حِصْنٌ بالأَنْدَلُسِ، من أَعْمالِ رَيَّة.
والأَرِطُ، ككَتِفٍ: لَوْنٌ كلَوْنِ الأَرْطَى، نَقَلَه الصّاغَانِيّ.
وآرَطَتِ الأَرْضُ، على أَفْعَلَت بأَلِفَيْنِ: أَخْرَجَتْهُ؛ أَي الأَرْطَى، كأَرْطَت، إِرْطَاءً وهذِه نَقَلَهَا الجَوْهَرِيُّ، أَوْ هذِه لَحْنٌ لِلْجَوْهَرِيّ قال شَيْخُنَا: قلتُ: لا لَحْنَ، بل كَذلِكَ ذَكَرَهَا أَربابُ الأَفْعَالِ وابنُ سِيده وغيرُهُم. انتهى.
قلتُ: وقدْ ذَكَرَهَا كذلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ في كِتَابِ النَّبَاتِ، وابنُ فارِس في المُجْمَل، ونَصُّهُما: يُقَالُ: أَرْطَتِ الأَرْضُ؛ أَي أَنْبَتَت الأَرْطَى، فهي مُرْطِيَةٌ، قال الصّاغَانَيُّ: قد جَعَلَا هَمْزَةَ الأَرْطَى زائِدَةً، وعلى هذا مَوْضِعُ ذِكْرِ الأَرْطَى عِنْدَهُمَا بابُ الحُرُوفِ اللَّيِّنة، ثُمّ ما ذَكَرَه المُصنِّفُ من تَلْحِينِ الجَوْهَرِيِّ فقد سَبَقَهُ أَبُو الهَيْثَمِ حيثُ قال: وأَرْطَتْ لَحْنٌ؛ لأَنَّ أَلِفَ أَرْطَى أَصْلِيَّةٌ، ثمّ إِنَّه وُجِدَ في بعضِ نُسَخِ الصّحاحِ آرَطَتْ، هكَذَا بالمَدِّ، ومِثْلُه في نُسْخَةِ الصّحاحِ بخطِّ ياقُوت مَضْبُوطًا بالقَلَم، ولكِنّه تَصْلِيحٌ، ويَشْهَدُ لذلِكَ أَنَّه كَتَبَ في الهامِش تِجاهَه: بخَطِّه: «وأَرْطَت»؛ أَي بخطِّ الجَوْهَرِيّ، كما نَقَلَه المُصَنِّفُ. ووُجِدَ بِخَطِّ بعضِ الأُدَباءِ أَرَّطَتْ مُشَدَّدَةَ الراءِ؛ أَي في نُسَخِ الصّحاحِ، وهِيَ لَحْنٌ أَيْضًا. قَال شيخُنَا: هي على تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُها بنَوْعٍ من العِنَايةِ. قلتُ: اللّغَةُ لا يَدْخُل فيها القِيَاسُ، والَّذِي ذَكَرهُ أَبو الهَيْثمِ: آرَطَتْ، وغَيْرُه: أَرْطَتْ، مشدّدةً، فهو تَصْحِيحٌ عَقْلِيٌّ لا يَنْبَغِي أَنْ يُوثَقَ به ويُعْتَمَدَ عليه.
فتأَمَّل.
والأَرِيطُ، كأَمِيرٍ: الرَّجُلُ العاقِرُ، نَقَله الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ للرّاجِزِ:
ما ذا تُرَجِّينَ من الأَرِيطِ *** لَيْسَ بذي حزْمٍ ولا سَفِيط
قلتُ: الرَّجزُ لحُمَيْدٍ الأَرْقَطِ. وفي العُبَابِ لجَسَّاسِ بن قُطبة يَصِفُ إبلًا. وبَيْنَهُمَا مشطورٌ ساقط:
حَزَنْبَلٍ يَأْتِيكِ بالبَطِيطِ
قالَ ابنُ فارس: الأَصْلُ فيه الهاءُ، من قوْلِهِم: نَعْجَةٌ هَرِطَةٌ، وهي المَهْزُولَةُ الَّتِي لا يُنْتَفَع بلَحْمِهَا غُثُوثَةً.
وأُرَاطَى، بالضَّمّ: د، قالَ ياقُوت: ويُقَال: أُرَاطٌ أَيْضًا، وهو: ماءٌ على سِتَّةِ أَمْيَالٍ من الهاشِمِيَّةِ شَرْقِيَّ الخُزَيْمِيَّةِ من طَرِيقِ الحاجِّ، ويُنْشَدُ بيتُ عَمْرِو بنِ كُلْثُوم على الرِّوَايَتَيْن:
ونَحْنُ الحابِسُون بذِي أُرَاطَى *** تَسَفُّ الجِلَّةُ الخُورُ الدَّرِينَا
ويَوْمُ أُرَاطَى: من أَيّامِ العَرَبِ. قال ظَالِمُ بنُ البَراءِ الفُقَيْمِيُّ:
فأَشْبَعْنَا ضِباعَ ذَوِي أُرَاطَى *** من القَتْلَى وأُلْجِئَتِ الغُنُومُ
وفي العُبَابِ: قال رُؤْبَةُ:
شُبَّتْ لِعَيْنَيْ غَزِلٍ مَيّاطِ *** سَعْدِيّةٌ حَلَّت بذِي أُرَاطَ
قال الأَصْمَعِيُّ: أَرَاد أُرَاطَى، وهُوَ: بلدٌ، ورواه بعضُهُم بفَتْح الهَمْزَةِ أَرَاطِ.
وأُرَيْطٌ، كزُبَيْرٍ، وذُو أُرَاطٍ كغُرَابٍ: مَوْضِعان، أَمَّا أُرَيْط فقد جاءَ في شِعْرِ الأَخْطَلِ:
وتَجَاوَزَتْ خَشَبَ الأُرَيْطِ ودُونَه *** عَرَبٌ تَرُدُّ ذَوِي الهُمُومِ ورُومُ
وأَهْمَلَه ياقُوت في مُعْجَمِه، وأَمّا ذُو أُرَاطِ فمِنْ مِيَاهِ بني نُمَيْرٍ، عن أَبِي زِيَادٍ [وأَنْشَد بعضهم]:
أَنَّى لكَ اليَوْمَ بذِي أُرَاطِ *** وهُنَّ أَمْثالُ السِّرَى الأَمْراطِ
وفي العُبَابِ:
فلو تَراهُنَّ بذِي أُرَاطِ
قال: والسِّرَى: جمعُ سِرْوَةٍ، وهي سَهْمٌ. قلتُ: وهكَذا أَنْشَدَه ثَعْلَبٌ.
وفي كِتَابِ نَصْرٍ: ذُو أُرَاطٍ: وَادٍ في دِيارِ جَعْفَرِ بنِ كِلابٍ في حِمَى ضَرِيَّة، ويُفْتَح.
وذُو أُرَاطٍ أَيضًا: وَادٍ لبَنِي أَسَدٍ عندَ عُكاظَ.
وأَيضًا: وَادٍ يُنْبِتُ الثُّمَامَ والعَلَجَانَ بالوَضَح، وَضَحِ الشَّطُون، بينَ قُطَيَّاتٍ وبين حَفِيرَةِ خَالِد.
وأَيضًا: وَادٍ في بِلَادِ بَنِي أَسَدٍ.
وأُرَاطٍ: مَوْضِعٌ باليَمَامَةِ، كَذَا في مُعْجَمِ يَاقُوت.
* وممَّا يُسْتَدْرَك عليه:
أَدِيمٌ مُؤَرْطَى: مَدْبُوغٌ بالأَرْطَى.
ويُجْمَعُ أَرْطَى أَيضًا عَلَى أَراطٍ على فَعَالٍ فقال الشّاعِرُ يَصِفُ ثَوْرَ وَحْشٍ:
فضَافَ أَراطِيَ فاجْتافَها *** لهُ مِنْ ذَوائِبِهَا كالحَظِرْ
وذُو الأَرْطَى: موضعٌ، قال طَرَفَهُ:
ظَلِلْتُ بذي الأَرْطَى فُوَيْقَ مُثَقَّبٍ *** بِبِيئَةِ سُوءٍ هَالِكًا أَو كَهَالِكِ
وأَبُو أَرْطَاةَ: حَجّاجُ بنُ أَرْطَاةَ بنِ ثَوْرِ بنِ هُبَيْرَةَ بنِ شَراحِيلَ اليَمَنيُّ الكُوفِيُّ القَاضِي، مَشْهُورٌ.
وعَطِيَّةُ بنُ الملِيح الأَرْطَوِيُّ: شاعِرٌ ذَكَرَه أَبُو عليٍّ الهَجَرِيُّ، منسوبٌ إِلى جَدٍّ له يُقال له: أَرْطَاةُ، قالَ ابنُ الكَلْبِيِّ: اسمُه حَبْتَر.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
70-تاج العروس (حمط)
[حمط]: حَمَطَهُ يَحْمِطُهُ: قَشَرهُ، عن ابنِ دُرَيْدٍ: وهو فِعْلٌ مُماتٌ، وأَنْكَره الأَزْهَرِيُّ.والحَمَاطَةُ: حُرْقَةٌ وخُشُونَةٌ يَجِدُها الرَّجُلُ في الحَلْقِ، حكاه أَبو عُبَيْدٍ.
والحَمَاطَةُ: شَجَرٌ شَبيهٌ بالتِّين خَشَبه وجَناهُ ورِيحه، إِلاّ أَنَّ جَناهُ هو أَصْغَرُ وأَشَدُّ حُمْرَةً من التِّينِ، ومَنَابِتُه في أَجْوَاف الجِبَالِ، وقد يُسْتَوْقَدُ بحَطَبِه، ويُتَّخَذُ خَشَبُه لما يَنْتَفِعُ به النَّاسُ يَبْنُونَ عليه البُيوتَ والخِيامَ، قاله أَبو زِيادٍ، وقِيل: هو في مِثْلِ نَباتِ التِّينِ غيرَ أَنَّهُ أَصْغَرُ وَرَقًا، وله تِينٌ كثيرٌ صِغارٌ من كُلِّ لَونٍ: أَسْود وأَمْلح وأَصْفر. وهو شَدِيدُ الحَلاوةِ يُحْرِقُ الفَمَ إِذا كَانَ رَطْبًا، فإِذَا جَفَّ ذهَبَ ذلِكَ عنه، وعُلُوكَةٌ. قالهُ أَبو حَنِيفَةَ نَقْلًا عن بعضِ الأَعْرَابِ. وهو أَحَبُّ شَجَر إِلى الحَيَّاتِ؛ أَي أَنَّهَا تَأْلَفُه كَثِيرًا، يُقَال.
شَيْطَانُ حَمَاطٍ، ويُقَالُ: هو بلُغَةِ هُذَيْلٍ وقد رأَيتُ هذَا الشَّجَرَ كثيرًا بالطّائِفِ. أَو هو شَجرُ التِّين الجَبَلِيّ، كذا في المُحْكَم، وهو قولُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا، أَو هو: الأَسْوَدُ الصَّغِيرُ المُسْتَدِيرُ منه، أَو هو: شَجَرُ الجُمَّيْز، وهذَا قولُ غيرِ أَبِي حَنِيفَة، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ، وفيه تَجوُّز.
ج: حَمَاطٌ.
ومِنَ المَجَازِ قَوْلُهم: أَصَبْتُ حَمَاطَةَ قَلْبِه. قِيل: هو سَوَادُ القَلْبِ. وفي الصّحاحِ والأَسَاسِ: حَبَّتُه أَودَمُه، وهو خَالِصُه وصَمِيمُهُ، وهذَا قولُ ابْنِ دُرَيْدٍ، وأَنْشَدَ:
لَيْتَ الغُرابَ رَمَى حَمَاطَةَ قَلْبِه *** عمْرٌو بأَسْهُمِه الَّتي لم تُلْغَبِ
ومن المَجازِ: قولُهم: وَجَدْتُ الحَمَاقَةَ جَاثِمَةً في حَمَاطَةِ قَلْبِه.
والحماطَةُ: تِبْنُ الذُّرَةِ خاصَّةً، عن أَبِي حنِيفَةَ.
وقال أَبو حَنِيفَةَ: من الشَّجَرِ حَمَاطٌ، ومن العُشْبِ حَمَاطٌ، أَمَّا الحَمَاطُ من الشَّجَرِ فقد ذُكِر، وأَمّا من العُشْبِ فإِنّ أَبا عَمْرٍو قال: يُقَال ليَبِيسِ الأَفَانِي: حَمَاطٌ وقالَ الأَصْمَعِيُّ: الحَمَاطُ عند العَرَب الحَلَمَة، والحَلَمَة: نَبْتٌ فيه غُبُرَةٌ، وله مَسٌّ خَشِنٌ، أَحْمَرُ الثَّمَرَةِ. وقال أَبُو نَصْرٍ: إِذا يَبِسَت الحَلَمَةُ فهي حَمَاطَةٌ، وقَوْلُ أَبي عَمْرٍو أَعْرَفُ. قال: وأَخْبَرَنِي أَعْرَابِيٌّ من بَنِي أَسَدٍ قال: الحَمَاطُ: عُشْبٌ كالصِّلِّيَانُ، إِلاَّ أَنّه خَشِنُ المَسِّ والصِّلِّيَانُ لَيِّنٌ. والَّذِي عليه العُلَماءُ ما قَالَهُ الأَصْمَعِيُّ وأَبو عَمْرٍو، ولا أَعْلَمُ أَحَدًا منهم وَافَق أَبا نَصْرٍ على ما قالَه، وأَحْسبه سَهْوًا، لأَنّ الحَلمَة لَيْسَتْ من جِنْسِ الأَفَانِي والصِّلِّيَانِ، ولا مِنْ شَبَهِهما في شَيْءٍ وقولُه: خاصَّةً إِنما هُو في تِيْنِ الذُّرَةِ؛ أَي عن أَبي حَنِيفَةَ وَحْدَه، وليس هُنَا مَحلُّ ذِكْرِه، فإِنَّ هذَا قَوْلُ أعرابِيٍّ من بنِي أَسَدٍ ولم يَخْتَصَّ به أَبُو حَنيفة، فالأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِه هُنَا. فتَأَمَّل.
والحَمَطِيطُ، بفَتْحِ الحاءِ والمِيمُ: نَبْتٌ، والجَمْعُ حَمَاطِيطُ، وقيل: هو كالحَمَاطِ، قال اللَّيْثُ. قال الأَزْهَرِيُّ: لم أَسْمَع الحَمْطَ بِمَعْنَى القَشْرِ لغَيْرِ ابنِ دُرَيْدٍ، ولا الحَمَطِيط في بَابِ النَّبَاتِ لغَيْرِ اللَّيْثِ.
وقِيلَ: الحَمَطِيطُ: الحَيَّةُ، والجَمْعُ كالجَمْع، وبه فَسِّر قول المتلَمِّس:
إِنّي كَسَانِي أَبُو قابُوسَ مُرْفلَةً *** كأَنَّهَا ظَرْفُ أَطْلاءِ الحَمَاطِيط
أَطْلاء: صِغَار، ويُرْوَى: «سِلْخُ أَوْلادِ المخَارِيط» والمَخَارِيط: الحَيَّات.
وقال أَبو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ: الحَمطِيطُ: دُودةٌ تكونُ في البَقْلِ أَيَّامَ الرَّبِيعِ، مُفصَّلَةٌ بحُمْرَةٍ، ويُشَبَّه بها تَفْصيلُ البَنَانِ بالحِنّاءِ، وبه فُسِّر قولُ الشاعِر، وهو المُتَلَمِّسُ:
كأَنَّمَا لَوْنُها والصُّبْحُ مُنْقَشِعٌ *** قَبْلَ الغَزالَةِ أَلْوَانُ الحَماطِيطِ
قال: شَبَّه وَشْيَ الحُلَلِ بأَلْوَانِ الحَمَاطِيطِ.
وحَمَاطَانُ: موضع، عن الجَرْمِيِّ، أَوْ أَرْضٌ، عن ابنِ دُرَيْدٍ، أَو جَبَلٌ بالدَّهْناءِ، عن غَيْرِهما، قال:
يا دارَ سَلْمَى من حَمَاطَانَ اسْلَمِي
وقد فُسِّر بكُلِّ ما ذُكِر هكذا على الصَّوابِ في العُبَابِ، وقد خالَفَهُ في التَّكْمِلَةِ فقال: حَماطانُ مثلُ سَلَامَانَ قال الجَرْميُّ: أَرضٌ، وقال ابنُ دُرَيْدٍ: نَبْت فتأَمَّلْ.
وحَمَاطٌ، كسَحَابٍ: موضع، جاءَ ذِكْرُه في شِعْرِ ذِي الرُّمَّةِ:
فلَمَّا لَحِقْنا بالحُدُوجِ وقد عَلَتْ *** حَمَاطًا وحِرْبَاءُ الضُّحَى مُتَشَاوِسُ
والحِمَاطُ، بالكَسْرِ، هكذا في النُّسَخِ، وهو غَلَطٌ، والصَّوابُ الحِمْطَاطُ، كسِرْبَالٍ، وكذلِك الحُمْطُوطُ، بالضَّمِّ: دُوَيْبَّةٌ في العُشْبِ منقوشةٌ بأَلْوَانٍ شَتَّى. كلاهُما عن ابنِ دُرَيْدٍ. وقال أَبو عَمْرٍو: هي الحَمَطِيطُ، مثل حَمَصِيصٍ، الجمع: حَمَاطِيطُ.
وقال كَعْبُ الأَحْبَارِ: حِمْيَاطَى، بالكَسْرِ: من أَسماءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في الكُتُبِ السَالِفَة، قال ابنُ الأَعْرَابِيُّ: أَي حامِي الحُرَمِ، وقال ابنُ الأَثِيرِ: قال أَبو عَمْرو: سَأَلْتُ بعضَ من أَسْلَم من اليَهُودِ عن حِمْيَاطَى فقال: معناه: يَحْمِي الحُرَمَ، ويَمْنَع من الحَرَامِ، ويُوطِئُ الحَلال.
وحُمَطِّيطٌ: تَصْغِيرُ حُمَيْطٍ كزُبَيْر: رَمْلَةٌ بالدَّهْناءِ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.
والتَّحْمِيطُ على الكَرْمِ: أَن يُجْعَلَ عليه شَجَرٌ يُكِنُّه من الشَّمْسِ، عن أَبِي عَمْرٍو، وقال يُونُس: التَّحْمِيطُ: التَّصْغِيرُ، وهو أَنْ تَضْرِبَ إِنْسانًا فلا تُبالِغَ؛ أَي يقولُ: ما أَوْجَعَنِي ضَرْبُه، فكأَنَّه صَغَّره، قال: ومنه المَثَلُ: إِذا ضرَبْت فلا تُحَمِّطْ بلْ أَوْجِعْ، فإِنَّ التَّحْمِيطَ ليسَ بشَيْءٍ.
وقال ابنُ فارِسٍ: الحاءُ والمِيمُ والطّاءُ ليس أَصْلًا، ولا فَرْعًا، ولا فيه لُغَةٌ صَحِيحةٌ إِلاّ شَيءٌ من النَّبْتِ والشَّجَر.
* ومّما يُسْتَدْرَكُ عليه:
حَمَاطَانِ، بالفَتْحِ: شَجَرٌ.
والحَمْطَةُ، بالفَتْحِ: الكَنَّةُ عن أَبِي عَمْرٍو.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
71-تاج العروس (رمط)
[رمط]: رَمَطَهُ يَرْمِطُهُ رَمْطًا، أَهْمَلَه الجَوْهَرِيُّ، وقال ابنُ دُرَيْدٍ: أَيْ عَابَهُ وطَعَنَ عَلَيْهِ، وفي اللِّسَانِ: طَعَنَ فيه.وقالَ اللَّيْثُ: الرَّمْطُ: مَجْمَعُ العُرْفُطِ ونَحْوِه من العِضَاهِ، كالغَيْضَة، أَو الصَّوابُ: الرَّهْطَةُ، بالهَاءِ، والمِيمُ تَصْحِيفٌ، قالَهُ الأَزْهَرِيُّ ونَصُّه: سَمِعْتُ العَربَ تَقُول للحَرَجَةِ المُلْتَفَّةِ من السِّدْرِ: عِيصُ سِدْرٍ، ورَهْطُ سِدْرٍ، قال: وأَخبَرَني الإِيَادِيّ عن شَمِرٍ عن ابنِ الأَعْرَابِيّ قال: يُقال: فَرْشٌ من عُرْفُطٍ، وأَيْكَةٌ من أَثْلٍ، ورَهْطٌ من عُشَرٍ، وجَفْجَفٌ من رِمْثٍ. وهو بالهَاءِ لا غَيْر، ومَنْ رَواهُ بالمِيمِ فقد صَحَّف، وفي العُبَابِ: وتَبِعَ اللَّيْثَ عى التَّصْحِيف ابنُ عَبّادٍ والعُزَيْزِيُّ.
* ومّما يُسْتَدْرَكُ عليه:
رَمْطهُ، بالفَتْحِ: قرية بجَزِيرَةِ صِقِلِّيَة، كَذا في التَّكْمِلَة.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
72-تاج العروس (رهط)
[رهط]: الرَّهْطُ، بالفَتْحِ ويُحَرَّكُ نَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ، وقال اللَّيْثُ: تَخْفِيفُ الرَّهْطِ أَحْسَنُ من تثْقِيلِه: قَوْمُ الرَّجُلِ وقَبِيلَتُهُ، يُقال: هُمْ رَهْطُهُ دِنْيَةٌ، قالَه الجَوْهَرِيُّ.وقيل: الرَّهْطُ: عَدَدٌ يَجْمَع مِنْ ثَلاثَةٍ إِلى عَشَرَةٍ أَو من سَبْعَةٍ إِلى عَشَرَةٍ، قال ابنُ دُرَيْدٍ: ورُبَّما جَاوَزَ ذلِكَ قَلِيلًا، وما دُونَ السَّبْعَةِ إِلى الثَّلاثَة: النَّفَرُ، أَو الرَّهْطُ: ما دُوَن العَشرَةِ من الرِّجالِ وما فِيهِم امْرأَةٌ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وهو قولُ أَبِي زَيْدٍ، وقال غَيْرُه: إِلى الأَرْبَعِينَ، ولا تَكُونُ فيهم امْرَأَةٌ. ورَوَى الأَزْهَرِيُّ عن أَبِي العَبّاسِ: الرَّهْط مَعناه: الجَمْعُ، ولا وَاحِدَ له من لَفْظِهِ، وكذلِكَ المَعْشَر، والنَّفَرُ، والقَوْمُ، وهو للرِّجالِ دُونَ النِّساءِ. قال والعَشِيرَةُ أَيْضًا للرِّجالِ. وقال ابنُ السِّكِّيتِ: العِتْرَةُ: الرَّهْطُ، وفي التَّنْزِيلِ العَزِيزِ: {وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ} رَهْطٍ فجَمَعَ، وهو مثل ذَوْدٍ، كما في الصّحاحِ، وزادَ في اللِّسَانِ: ولذلِكَ إِذا نُسِبَ إِليه نُسِبَ على لَفْظِه، فقِيل: رَهْطِيٌّ، ج: أَرْهُطٌ، كفَلْسٍ وأَفْلُس، وأَنْشَدَ الأَصْمَعِيُّ:
وفَاضِحٍ مُفْتَضِحٍ في أَرْهُطِهْ
وقال رُؤْبَةُ:
هو الذَّلِيلُ نَفَرًا في أَرْهُطِهْ
وأَرَاهِطُ، قال الجَوْهَرِيُّ: كأَنَّه جَمْعُ أَرْهُطٍ، وقال ابنُ سِيدَه: والسّابق إِليَّ من أَوَّل وَهْلَةٍ أَنَّ أَرَاهِطَ جَمْعُ أَرْهُطٍ؛ لضِيقِه عن أَنْ يكُونَ جَمْعِ رَهْطٍ، ولكِنّ سِيبَويْه جَعَلَه جَمْع رَهْطٍ، قال: وهي إِحْدَى الحُرُوف الّتِي جاءَ بِناءُ جَمْعِهَا على غَيْرِ ما يَكُونُ في مِثِلْهِ، ولم تُكَسَّرْ هيَ على بِنَائِها في الوَاحِدِ، قال: وإِنَّما حَمَل سِيبَوَيْه على ذلِكَ عِلْمُه بعِزَّةِ جَمْعِ الجَمْعِ؛ لِأَنَّ الجُمُوعَ إِنَّمَا هِيَ للآحادِ، وأَمّا جَمْعُ الجَمْعِ ففَرْعٌ دَاخِلٌ على فَرْعٍ، ولذلِكَ حَمَلَ الفَارِسيُّ قولَه تعالَى: فرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ فيمن قرأَ به على بَابِ سَحْلٍ وسُحُل وإِن قَلَّ، ولم يَحْمِله على أَنَّه جمعُ رِهَانٍ الذَي هو تَكْسِيرُ رَهْنٍ، لعزّة هذا في كلامهم.
ويُجمع الرَّهْطُ أَيْضًا علىَ أَرْهَاط، يحْتَمل أَن يكونَ جمْعَ الرَّهَطِ المحرّك مثل: سَببٍ. وأَسْبابٍ، أَو جمع الرَّهْطِ، بالفَتْح، مثل: فَرْدٍ وأَفْرادٍ. ويجمع أَيْضًا على أَرَاهِيط، وهو في الصّحاح. وقال اللَّيْثُ: يجمع الرَّهْطُ من الرِّجال أَرْهُطًا، والعدد أَرْهِطَة، ثم أَرَاهِطُ، قال الشَّاعر، وهو سعدُ بن مالِكِ بنِ ضُبَيْعة بن قَيْسِ بن ثَعْلَبَةَ:
يا بُؤْسَ للحَرْبِ الَّتِي *** وَضَعَتْ أَرَاهِطَ فاسْتَراحُوا
وأَنْشَدَ ابنُ دُرَيْدٍ:
أَراهِطُ من بَنِي عَمْرِو بنِ جَرْمٍ *** لَهُمْ نَسَبٌ إِذا نُسِبُوا كَرِيمُ
والرَّهْطُ: العَدُوُّ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ عن ابنِ عبّادٍ.
ورَهْطٌ: موضع، قال أَبُو قِلابَةَ الهُذَلِيُّ:
يا دَارُ أَعْرِفُهَا وَحْشًا مَنَازِلُهَا *** بَيْنَ القَوَائِمِ من رَهْطٍ فأَلْبانِ
القَوائِم: موضعٌ. وأَلْبان: بَلَدٌ.
والرَّهْطُ: جِلْدٌ، وفي الجَمْهَرَةِ: إِزَارٌ يُتَّخَذُ من أَدَمٍ، وتُشَقَّقُ جَوانِبُه من أَسافِلِه لِيُمْكِنَ المَشْيُ فيه، وقال أَبو طالِبِ النَّحْوِيُّ: الرَّهْطُ يَكُون من جِلْدٍ ومِن صُوفٍ يَلْبَسَهُ الصِّغَارُ، وفي المُحْكَمِ: الرَّهْطُ: جِلْدٌ طَائِفِيّ تُشَقَّق جَوَانِبُه، يَلْبَسُه الصِّبْيانُ، والنِّساءُ الحُيَّضُ. وفي الصّحاحِ: الرَّهْطُ: جِلْدٌ قَدْر ما بيْنَ السُرَّةِ إِلى الرُّكْبَةِ، تَلْبَسه الحائِضُ، قال أَبُو المُثَلَّمِ الهُذَلِيُّ:
مَتَى ما أَشَأْ غَيْرَ زَهْوِ المُلُو *** كِ أَجْعَلْكَ رَهْطًا على حُيَّضِ
وقال غيرُه: الرَّهْطُ: مِئْزَرُ الحائضِ يُجْعَل جَلودًا مُشَقَّقَة إِلاّ مَوضع الفَلْهَمِ. أَو الرَّهْطُ جِلْدٌ يُشَقَّقُ سُيُورًا، والَّذِي نقلَه الجَوهَرِيّ عن النَّضْر بن شُمَيْلٍ: الرِّهَاطُ: جُلودٌ تُشقّق سُيُورًا، وَاحِدُها رَهْطٌ. وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: الرَّهْط: جِلْد يُقَدّ سُيُورًا عِرَضُ الشِّبر أَرْبَعُ أَصَابِعَ تَلْبَسُه الجَارِيَةُ الصَّغِيرَة قبل أَنْ تُدْرِك، وتَلْبَسه أَيْضًا وهي حائضٌ، قال: وهي نَجْدِيّة، وج: رِهَاطٌ وقال المُتَنَخِّلُ الهُذَلِيّ:
بضَرْبٍ في الجَمَاجِم ذِي فُروغٍ *** وطَعْنٍ مثلِ تَعْطِيطِ الرِّهَاطِ
أَو هو؛ أَي الرِّهَاطُ وَاحدٌ أَيضًا، وهو أَدِيم [يُقطعُ] كقَدْرِ ما بَيْنَ الحُجْزَةِ إِلى الرُّكْبَةِ ثُمَّ يُشَقَّق كأَمْثَالِ الشُّرُك تَلْبَسه الجَارِيَةُ بنتُ السَّبْعَة، وج: أَرْهِطَة، ويقال: هو ثَوبٌ يَلْبَسه غِلْمَانُ الأَعْرَابِ، أَطْبَاقٌ بَعضُها فوقَ بَعْضٍ أَمثالُ المَراوِيحِ.
وقال أَبُو عَمْرٍو: الرِّهَاطُ، بالكَسْر: مَتاعُ البَيْتِ: الطَّنَافِسُ، والأَنْمَاطُ، والوَسائدُ، والفُرُشُ، والبُسُط.
والرَّهْطُ، والتَّرْهِيطُ: عِظَمُ اللَّقْمِ، وشِدَّةُ الأَكْلِ، والدَّهْوَرَة، الأُولَى عن أَبِي الهَيْثَمِ، والثّانِيَةُ عن اللّيْث.
وأَنْشَدَ اللَّيْثُ:
يا أَيُّهَا الآكِلُ ذو التَّرْهِيطِ
ورَجلٌ تُرْهُوطٌ، بالضَّمِّ كَثِيرُ الأَكْلِ، عن ابْنِ عَبّاد.
والرَّاهِطَاءُ، والرُّهَطَاءُ، كخُيَلَاءَ، والرُّهَطَةُ، كهُمَزَةٍ، نَقَلَ الجَوْهَريُّ الأُولى والثّالِثَةَ: مِنْ جِحَرَةِ اليَرْبُوعِ الّتي يُخْرِجُ مِنْهَا التُّرَابَ ويَجْمَعُه، كذا في الصّحاحِ، وهي أَوَّلُ حَفِيرَةٍ يَحْتَفِرُهَا. زاد الأَزْهَرِيُّ: بينَ القاصِعاءِ والنّافِقَاءِ يَخْبَأُ فيه أَوْلادَه. وقال أَبو الهَيْثَمِ: الرَّاهِطَاءُ: التُّرَابُ الَّذي يَجْعَلُه اليَرْبُوعُ على فَمِ القَاصِعَاءِ وما وراءَ ذلِكَ، وإِنَّمَا يُغَطِّي جُحْرَه حَتّى لا يَبْقَى إِلاّ على قَدْرِ ما يَدْخُلُ الضَّوءُ منه.
قال: وأَصْلُه من الرَّهْطِ: الجِلْدِ الَّذِي يُقَطّعُ سُيُورًا يَصِيرُ بعضُها فوقَ بَعْض. تَتَوَقَّى به الحَائِضُ. قال: وفي الرَّهْطِ فُرَجٌ، وكذلِكَ في القَاصِعَاءِ مع الرّاهِطَاءِ فُرْجَةٌ يَصِلُ بها إِليه الضَّوْءُ.
قال: والرَّهْطُ أَيضًا عِظَمُ اللَّقْمِ، سُمِّيَتْ رَاهِطَاءَ لأَنَّهَا في دَاخِلِ فَمِ الحُجْر، كما أَنّ اللُّقْمَةَ في دَاخِلِ الفَمِ.
والرَّهْطَى، كسَكْرَى: طائرٌ يَأْكُلُ التِّينَ عندَ خُرُوجهِ من وَرَقِه صَغِيرًا، ويَأْكُل زَمَعَ عَنَاقِيدِ العِنَبِ، ويَكُونُ ببَعضِ سَرَوَاتِ الطّائِفِ، وهُوَ الذِي يُسَمَّى عَيْرَ السَّرَاةِ، والجَمْعُ: رَهَاطَى.
وذُو مَرَاهِطَ: موضع، قال الرّاجِزُ يَصِفُ إِبِلًا.
كَمْ خَلَّفَتْ بِلَيْلِهَا مِن حائطِ *** وذَعْذَعَتْ أَخْفافُهَا من غائِطِ
مُنْذُ قَطَعْنَا بَطْنَ ذِي مَرَاهِطِ
ورُهَاط، كغُرَابٍ: موضع بالحِجَازِ، وهو على ثَلاثِ لَيَالٍ من مَكَّةَ المُشَرَّفةِ، لثَقِيفٍ، وهو نَجْدِيٌّ مِنْ بِلادِ بَنِي هِلالٍ، ويقال: وَادِي رُهَاطٍ ببِلَادِ هُذَيْلٍ، قال أَبُو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ الحُمُولَ:
هَبَطْنَ بَطْنَ رُهَاطٍ واعْتَصَبْنَ كمَا *** يَسْقِي الجُذُوعَ خِلَالَ الدّارِ نَضَّاحُ
وفي شَرْحِ الدِّيوَانِ: هو على ثَلاثِ أَمْيالٍ من مَكَّةَ.
قلتُ: وهذا هو الصَّوابُ.
ومَرْجُ رَاهِطٍ: مَوضعٌ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، كانَتْ به وَقْعَةٌ، كما في الصّحاحِ؛ أَي بين قَيْسٍ وتَغْلِبَ قال زُفَرُ بنُ الحارِثِ الكِلابِيّ:
لعَمْرِي لَقَد أَبْقَت وَقِيعَةُ راهِطٍ *** لِمرْوَانَ صَدْعًا بَيْنَنَا مُتَنائيا
وقال ابنُ هَرْمَةَ يَمدح عبدَ الوَاحِد ابن سُلَيْمَان:
أَبُوكَ غَدَاةَ المَرْجِ أَوْرَثَكَ العُلَا *** وخَاضَ الوَغَى إِذْ سَالَ بالمَوْتِ رَاهِطُ
ورَجُلٌ مُرَهَّطُ الوَجْهِ، كمُعَظَّمٍ: مُهَبَّجُه، عن ابنِ عَبّادٍ.
ويُقَالُ: نحنُ ذَوُو ارْتِهَاطٍ وذَوُو رَهْطٍ؛ أَي مُجْتَمِعُونَ، عن ابْنِ عَبّادٍ أَيْضًا.
* ومّما يُسْتَدْرَكُ عليه:
يُقَال في الرَّهْطِ: أُرْهُوطٌ، يقال: جَاءَنَا أُرْهُوطٌ، مِثَال أُرْكُوبٍ، عن النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ.
وفي الحَدِيث: «فأَيْقَظَنا ونحن ارْتِهَاطٌ»؛ أَي فِرَقٌ مُرْتَهِطُونَ، وهو مَصْدَرٌ أَقَامَهُ مُقَامَ الفِعْلِ، كقولِ الخَنْساءِ:
فإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وإِدْبارُ
أَي مُقْبِلَةٌ ومُدْبِرَة.
والأَرْهاطُ: جمعُ الرَّهْط: الإِزارُ الَّذِي تَلْبَسُه الحَائِضُ.
وقال ابنُ عَبّادٍ: رَهَّطَ الرَّجُلُ تَرْهِيطًا، إِذا لَزِمَ ظَهْرَ المَطِيَّةِ فلم يَنْزِل، وكذلِكَ إِذا لَزِمَ جَوْفَ مَنْزِله فلم يَخْرُج.
قال الأَزْهَرِيُّ: وأَخْبَرَنِي الإِيَادِيُّ عن شَمِرٍ عن ابْنِ الأَعْرَابِيّ قال: يُقِال فَرْشٌ من عُرْفُط، وأَيْكَةٌ من أَثْلٍ، ورَهْطٌ من عُشَرٍ، وجَفْجَفٌ من رِمْثٍ.
وقال اللَّيْثُ: رَهْطَةُ: رَكَايَا بالهِنْدِ، مُعَرَّبة، يُسْتَقَى مِنْهَا بالثِّيرانِ. قال الصّاغَانِيُّ: أَمّا أَرضُ الهِنْد فأَنَا ابنُ بَجْدَتِهَا، وطَلاّع أَنْجِدَتِهَا، ولَيْسَتْ بها هذِه الرَّكايَا، وإِنّمَا الدُّولابُ يسمَّى بالهِنْدِيّة «أَرْهَتْ» فسَمِعَ بعضُ السَّفْر المُسْتَعْرِبِينَ المُتَرَدِّدِينَ إِلى تِلْكَ البِلَادِ يَقُولُون: «أَرْهَتْ»، فقال «أَرْهَط»، بالطّاءِ فغَيَّرَهَا، ولَيْسَ في كلامِهِم طاءٌ {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
73-تاج العروس (سبط)
[سبط]: السَّبْطُ، بالفَتْح ويُحَرَّكُ، وككَتِفٍ، الأَخِيرُ لُغَةُ الحِجَازِ: نَقِيضُ الجَعْدِ من الشَّعرِ: المُسْتَرْسِلُ الَّذِي لا حُجْنَةَ فيه، «وكان شَعَرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا جَعْدًا ولا سَبْطًا»؛ أَي كان وَسَطًا بَيْنَهُمَا.وقد سَبُطَ الرَّجُلُ، ككَرُمَ، وسَبِطَ شَعرُه، مثل فَرِحَ، سَبْطًا، بالفَتْحِ كما هُوَ مَضْبُوطٌ عِنْدَنَا، أَو هو بالتَّحْرِيك كما في الصّحاحِ، وسُبُوطًا وسُبُوطَةً، بضَمِّهما، وسَبَاطَةً، بالفَتْحِ، وهو لَفٌّ ونَشْرٌ غيرُ مُرَتَّبٍ.
والسَّبِطُ، ككَتِفٍ: الطَّوِيلُ الأَلْواحِ من الرِّجالِ المُسْتَوِيها، بَيِّنُ السَّبَاطَةِ، وكذلِكَ السَّبْطُ بالفَتْح، مثل فَخِذٍ وفَخْذٍ، قال:
أَرْسَلَ فيها سَبِطًا لم يَخْطَلِ
أَي هو في خِلْقَتِه الَّتِي خَلَقه الله تعالَى فِيها لم يَزِدْ طُولًا.
ومن المَجَاز: رَجُلٌ سَبْطُ اليَدَيْنِ؛ أَي سَخِيٌّ سَمْحُ الكَفَّيْنِ بَيِّن السُّبُوطَةِ، وكذلِكَ سَبِطُ اليَدَيْنِ ككَتِفٍ، قال حَسّان رَضِيَ الله عنه:
رُبَّ خَالٍ لِيَ لَوْ أَبْصَرْتِهِ *** سَبِطِ الكَفَّيْنِ في اليَوْمِ الخَصِرْ
وكذلِكَ: رَجُلٌ سَبْطٌ بالمَعْرُوفِ: إِذا كانَ سَهْلًا، وقد سَبُطَ سَبَاطَةً.
ورَجُلٌ سَبِطُ الجِسْمِ، بالفَتْحِ، وككَتِفٍ: حَسَنُ القَدِّ والاسْتِوَاءِ، من قَوْمٍ سِبَاطٍ، بالكَسْرِ قالَ الشّاعِرُ:
فجَاءَتْ بهِ سَبْطَ العِظَامِ كَأَنَّما *** عِمامَتُه بَيْنَ الرِّجالِ لِواءُ
كذا في الصّحاحِ، والشّاعِرُ هو أَبُو حُنْدُج.
وفي صِفَتهِ صلى الله عليه وسلم «سَبِطُ القَصَبِ» رُوِيَ بسكُون الباءِ وبكَسْرهَا، وهو المُمْتَدُّ الَّذِي ليسَ فيه تَعَقُّدٌ ولا نُتُوءٌ، والقَصَبُ يُرِيدُ بها سَاعِدَيْهِ وسَاقَيْهِ.
وفي حَدِيثِ المُلاعَنَةِ: «إِنْ جاءَتْ به سَبْطًا فهو لِزَوْجِهَا»؛ أَي مُمْتَدَّ الأَعضاءِ تامَّ الخَلْقِ. ويُقَال للرَّجُلِ الطَّوِيلِ الأَصَابعِ: إِنَّه لَسَبْطُ البَنَانِ، وهو مَجَازٌ.
ومن المجاز: مَطَرٌ سَبْطٌ وسَبِطٌ؛ أَي مُتَدارِكٌ سَحٌّ، قالَهُ شَمِرٌ. قال: وسَباطَتُه: كَثْرَتُه وسَعَتُه، قال القَطامِيُّ:
ضَاقَتْ تَعَمَّجُ أَعْنَاقُ السُّيُولِ بهِ *** من بَاكِرٍ سَبِطٍ أَو رَائحٍ تَبِلُ
أَرادَ بالسبِط: المَطَرَ الوَاسِعَ الكَثِيرَ.
والسَّبَطُ، محرّكةً: نَبَاتٌ كالثِّيل إِلاّ أَنَّه يَطُولُ ويَنْبُتُ في الرِّمال، الوَاحِدَةُ سَبَطةٌ، قالَهُ اللَّيْثُ. وقال أَبو عُبَيْدٍ: السَّبَطُ الرَّطْبُ من النَّصِيّ، فإِذا يَبِسَ فهو الحَلِيُّ، وقال ابنُ سِيدَه: السَّبَط: الرَّطْبُ من الحَلِيِّ، وهو من نَبَاتِ الرَّمْلِ، وقال أَبُو حَنِيفَةَ: وأَخْبَرَنِي أَعْرَابِيٌّ من عَنَزَةَ أَنَّ السَّبَطَ نَبَاتُه كالدُّخْنِ الكِبَارِ دُونَ الذُّرَةِ، وله حَبٌّ كحَبِّ البَزْرِ لا يَخْرُجُ من أَكِمَّتِهِ إِلاَّ بالدَّقِّ، والنّاسُ يَسْتَخْرِجُونَهُ ويَأْكُلُونَهُ خَبْزًا وطَبْخًا، وهو مَرْعًى جَيِّدٌ. قالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وزَعَمَ بعضُ الرُّوَاةِ أَنَّ العَرَبَ تَقُول: الصِّلِّيَانُ خُبْزُ الإِبِلِ، والسَّبَطُ: خَبِيصُها. وقال أَبو زِيَادٍ: من الشَّجَرِ السَّبَطُ ومَنْبِتُه الرِّمَالُ، سُلُبٌ طِوَالٌ في السَّمَاءِ، دِقَاقُ العِيدَانِ يَأْكُلُه الغَنَم والإِبِلُ، وتَحتَشُّه النّاسُ فيَبِيعُونَه على الطُّرُقِ، وليس له زَهْرَةٌ ولا شَوْكَةٌ، وله وَرَقٌ دِقَاقٌ على قَدْرِ الكُرّاثِ أَوَّل ما يَخْرُج الكُرّاثُ. قال الصاغَانِيُ: والسَّبَطُ مِمّا إِذا جَفَّ ابْيَضَّ، وأَشْبَه الشَّيْبَ بمَنْزِلَةِ الثَّغَامِ، ولِذَا قال ابنُ هَرْمَةَ:
رَأَتْ شَمَطًا تَخُصُّ به المَنَايَا *** شَوَاةَ الرَّأْسِ كالسَّبَطِ المُحِيلِ
وقالَ الأَزْهَرِيُّ: السَّبَط: الشَّجَرَةُ لها أَغصانٌ كَثِيرَةٌ وأَصْلُهَا وَاحِدٌ. قالَ ومِنْهُ اشْتِقَاقُ الأَسْبَاطِ، كأَنَّ الوَالِدَ بمَنْزِلَة الشَّجَرَةِ، والأَولادَ. بمَنْزِلَة أَغْصانِهَا.
والسِّبْطُ، بالكَسْرِ: وَلَدُ الوَلَدِ، وفي المُحْكَمِ: وَلَدُ الابْنِ والابْنَةِ، وفي الحَدِيث: «الحَسَنُ والحُسَيْنُ سِبْطَا رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ورَضِيَ عَنْهُما.
والسِّبْط: القَبِيلَةُ من اليَهُودِ وهُمُ الَّذِينَ يَرْجِعُونَ إِلى أَبٍ وَاحِدٍ، سُمِّيَ سِبْطًا لِيُفْرَقَ بينَ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ووَلَدِ إِسحاق عليهِما السَّلامُ، الجمع: أَسْبَاطٌ.
وقال أَبُو العَبّاسِ: سأَلْتُ ابنَ الأَعْرَابِيِّ: ما مَعْنَى السِّبْطِ في كَلامِ العَرَب؟ قال: السِّبْطُ والسِّبْطَانُ والأَسْباطُ: خاصَّةُ الأَوْلادِ والمُصَاصُ مِنْهُم. وقال غَيْرُه: الأَسْباط: أَولادُ الأَوْلادِ وقِيل: أَوْلادُ البَناتِ.
قلْت: وهذا القَوْلُ الأَخِيرُ هو المَشْهُورُ عندَ العامَّة، وبه فَرَّقُوا بَيْنَهَا وبينَ الأَحْفادِ، ولكِنّ كلامَ الأَئمَّةِ صَرِيحٌ في أَنَّه يَشْمَلُ وَلَدَ الابْنِ والابْنَة، كما صَرَّحَ به ابنُ سِيدَه.
وقال الأَزْهَرِيُّ: الأَسْبَاطُ في بَنِي إِسحاقَ بمَنْزِلَةِ القَبَائِلِ في بَنِي إِسْمَاعِيلَ، صَلَوَات الله عليهِمَا. يُقَال: سُمُّوا بذلِكَ ليُفْصَلَ بينَ أَوْلَادِهِمَا. قال: ومَعْنَى القَبِيلَةِ مَعْنَى الجَمَاعَة، يُقَال لِكُلِّ جَماعَةٍ من أَبٍ وأُمٍّ: قَبِيلَةٌ، ويقال لكلّ جمعٍ من آباءٍ شَتَّى: قَبيلٌ، بِلا هاءٍ. وقولُه تعالى: وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطًا {أُمَمًا} أَسْبَاطٌ: بَدَلٌ من قَوْلهِ {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ}، لا تَمْيِيزٌ، لأَنَّ المُمَيِّز إِنّما يَكُون وَاحِدًا. وقال الزَّجّاجُ: المَعْنَى: وقَطَّعْنَاهُم اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً أَسْبَاطًا، فأَسباطًا من نَعْتِ فِرْقة، كأَنَّهُ قال: وجَعَلْناهُم أَسْبَاطًا. قالَ: وهو الوَجْه.
وفي الصّحاحِ: وإِنَّمَا أَنَّث لأَنَّه أَرادَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً، ثمّ أَخْبَرَ أَنَّ الفِرَقَ أَسْبَاطٌ، وليس الأَسْبَاطُ بتَفْسِيرٍ، ولكِنَّه بَدَلٌ من اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، لأَنَّ التَّفْسِيرَ لا يَكُونُ إِلاّ وَاحِدًا مَنْكُورًا، كقَوْلِكَ: اثْنَا عَشَر دِرْهَمًا، ولا يَجُوز دَرَاهِمَ.
قلتُ: وهذا الَّذِي نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ هو قولُ الأَخْفَشِ، غيرَ أَنَّه قالَ بعد قَولِه: ثم أَخْبَرَ أَنَّ الفِرَقَ أَسْبَاطٌ، ولم يَجْعَل العَدَدَ وَاقِعًا على الأَسْبَاطِ. قال أَبُو العَبّاسِ: هذَا غَلَطٌ، لا يَخْرُج العَدَدُ على غَيْرِ الثّاني، ولكِنّ الفِرَقَ قبل اثْنَتَيْ عَشَرَةَ، حَتّى يَكونَ {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ} مُؤَنَّثَةً على ما فِيها، كَأَنَّه قال: وقَطَّعْنَاهُم فِرَقًا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، فيَصِحُّ التَّأْنِيثُ لمّا تَقَدَّم.
وقال قُطْربٌ: وَاحدٌ الأَسْبَاط سِبْط، يُقَال: هذا سِبْطٌ وهذِه سِبْطٌ، وهؤُلاءِ سِبْطٌ، جَمْعٌ، وهي الفِرْقَةُ.
وفي الحَدِيثِ: «حُسَيْنٌ مِنِّي وأَنا منْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأَسْبَاطِ». قلتُ: رَواه يَعْلَى بنُ مُرَّةَ الثَّقَفِيُّ رَضِيَ الله عنه، أَخْرَجَهُ التِّرمِذِيُّ عن الحَسَنِ عن ابْنِ عَيّاشٍ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ من سَعِيدِ بن رَاشِدٍ عن يَعْلَى، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ، رواه ابنُ ماجَةَ من حَدِيثِ يَحْيَى بن سُلَيْم ووَهْب عن ابن خُثَيْم
وأَخْرَجَهُ البَغَوِيُّ عن إِسماعِيلَ بن عَيّاشٍ الحِمْصِيِّ عن ابنِ خُثَيْمٍ، ولَفْظُه: «حُسَيْنٌ سِبْطٌ من الأَسْبَاط، مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ حُسَيْنًا»، قال أَبُو بَكْرٍ: أَي أُمَّةٌ من الأُمَمِ في الخَيْر، فهو وَاقِعٌ على الأُمَّةِ، والأُمَّةُ، واقِعَةٌ عليهِ، ومنه حَدِيثُ الضِّبَابِ: «إِنَّ الله غَضِبَ على سِبْطٍ من بَنِي إِسْرَائِيلَ فمَسَخَهُم دَوَابَّ».
وسَبَّطَتِ النَّاقَةُ والنَّعْجَةُ تَسْبِيطًا، وهي مُسَبِّطٌ: أَلْقَتْ وَلَدَها لِغَيْرِ تَمَامٍ، والَّذِي في الصّحاحِ: التَّسْبِيطُ في النّاقَةِ كالرِّجَاعِ. ويُقَال أَيْضًا: سَبَّطَتِ النَّعْجَةُ، إِذا أَسْقَطَت، وفي العُبَابِ: أَو سَبَّطت النَّاقةُ، إِذا أَلْقَت وَلَدَها قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ خَلْقُه، هكَذا نَقَلَه الصّاغَانِيُّ، قال: وكذلِكَ قالَهُ الأَصْمَعِيُّ، وأَوْرَدَه في التَّكْمِلَة مُسْتَدْرِكًا به على الجَوْهَرِيِّ، مع أَنَّ قولَ الجَوْهَرِيِّ: «كالرِّجاع» إِشارَةٌ إِلى قولِ أَبِي زَيْدٍ هذا، فإِنَّ نَصَّه في نَوَادِرِه: يُقَال للنَّاقَةِ إِذا أَلْقَت وَلَدَها قَبلَ أَنْ يَسْتَبِينَ خَلْقُه: قَدْ سَبَّطت، وأَجْهَضَتْ ورَجَعَت رِجَاعًا. وقولُه: وكذلِكَ قالَه الأَصْمَعِيُّ، ونَصُّه: سَبَّطَتِ النّاقَةُ [بولَدِها] وسَبَّغَت، بالغَيْنِ المُعْجَمَة، إِذا أَلْقَتْه وقد نَبَتَ وَبَرُهُ قبلَ التَّمَامِ.
وأَسْبَطَ الرَّجُلُ فهو مُسْبِطٌ: سَكَتَ. هكَذَا هو في النُّسَخِ بالتَّاءِ، فِرَقًا؛ أَي من الفَرَقِ ومثلُه في اللِّسَان، وفي العُبابِ: أَطْرَقَ وَسَكَن.
وأَسْبَطَ بالأَرْضِ: لَصِقَ بها عن ابن جَبَلَةَ.
وأَسْبَطَ الرَّجُلُ، إِذا وَقَعَ على الأَرْضِ وامْتَدَّ وانْبَسَطَ من الضَّرْبِ أَو مِنَ المَرَضِ، وكذلِكَ من شُرْبِ الدَّواءِ، قاله أَبُو زَيْدٍ، ومنه قولُهم: ما لِي أَراكَ مُسْبِطًا؛ أَي مُدَلِّيًا رَأْسَك كالمُهْتَمِّ مُسْتَرْخِيَ البَدَنِ، وفي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عنها: أَنَّهَا «كانت تَضْرِبُ اليَتِيمَ يَكُونُ في حَجْرِها حتى يُسْبِطَ» أَي يَمْتَدَّ على وَجْهِ الأَرْضِ.
ويُقَال: دَخَلْتُ على المَرِيضِ فتَرَكْتُه مُسْبِطًا، لا يَتَحَرَّكُ ولا يَتَكَلَّم. قِيلَ: ومِنْهُ: اسْبَطَرَّ؛ أَي امْتَدَّ، وقد تَقَدَّم في الرّاءِ. وقال الشّاعِرُ:
قد لَبثَتْ مِنْ لَذَّةِ الخِلَاطِ *** قد أَسْبَطَتْ وأَيّما إِسْبَاطِ
يَعْنِي امْرَأَةً أُتِيَتْ فلمّا ذاقَتْ العُسَيْلَةَ مَدَّت نَفْسَهَا على الأَرْضِ، وبه يُعْرفُ أَنَّ تَقْيِيدَ المُصَنِّفِ الإِسْباطَ بقَوْلِه «من الضَّرْبِ» فيه قُصُورٌ.
وأَسْبَط في نَوْمِهِ: غَمَّضَ.
وأَسْبَطَ عن الأَمْرِ: تَغَابَى، نَقَلَهُمَا الصّاغَانِيُّ.
ويُقَالُ: ضَرَبْتُه حتَّى أَسْبَطَ؛ أَي انْبَسَطَ وامْتَدَّ على وَجْهِ الأَرْضِ وَوَقَعَ عَلَيْهَا فلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَحَرَّكَ، مِنَ الضَّعْفِ.
وقالَ اللَّيْثُ: السَّبَطَانَةُ، محرَّكةً: قَنَاةٌ جَوْفَاءُ مَضْرُوبَةٌ بالعَقَبِ يُرْمَى بِهَا الطَّيْرُ، وقيل: يُرْمَى فيها بسِهَامٍ صِغَارٍ يُنْفَخُ فيها نَفْخًا فلا تَكَادُ تُخْطِئُ. وقد ذُكِر في «ز ب ط» أَيْضًا.
والسَّابَاطُ: سَقِيفَةٌ بَيْنَ دَارَينِ، كَما في المُحْكَمِ، وفي الصّحاحِ: بينَ حَائِطَيْنِ تَحْتَها طَرِيقٌ نافِذٌ ج: سَوَابِيطُ، وسَابَاطَاتٌ.
وسَابَاطُ: د، بما وَرَاءَ النَّهْرِ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.
وسَابَطُ: موضع بالمَدَائِنِ لِكِسْرَى أَبْرَوِيزَ. قال الأَصْمَعِيُّ: هو مُعَرَّب بَلاس آبادْ، قال: وبَلاس: اسمُ رَجُلٍ. قلتُ: وهكَذَا وَقَعَ في المَعَارِفِ لابْنِ قُتَيْبَةَ، وقد تَقَدَّمَ في السِّينِ، قالَ الجَوْهَرِيُّ، ومنه قَوْلُ الأَعْشَى:
فذَاكَ ومَا أَنْجَى من المَوْتِ رَبَّه *** بسَابَاطَ حَتّى ماتَ وَهْوَ مُحَرْزَقُ
يذكرُ النُّعْمَانَ بنَ المُنْذِرِ وكان أَبْرَوِيزُ قد حَبَسَه بسَابَاطَ، ثم أَلْقَاهُ تحتَ أَرْجُلِ الفِيَلَةِ. قلتُ: ويُرْوَى:
فأَصْبَح لم يَمْنَعْه كَيْدٌ وحِيلَةٌ *** بساباطَ..
إِلخ.
ويُرْوَى: «مُحَزْرَق» ومِنْهُ المَثَل: أَفْرَغُ من حَجَّامِ سَابَاطَ، قيل: لِأَنَّهُ حَجَمَ كِسْرَى أَبَرْوِيْزَ مَرَّةً في سَفَرِه، فأَغْنَاهُ فلم يَعُدْ للْحِجَامَةِ ثانِيًا، أَو لأَنَّهُ كانَ مُلازِمًا سَابَاط المَدَائِنِ، وكان يَحْجِمُ مَنْ مَرَّ عليه من الجَيْشِ الَّذِي ضُرِبَ عليهُم البَعْثُ بدَانِقٍ وَاحِدٍ نَسِيئَةً إِلى وَقْتِ قُفُولِهِم، وكانَ مَعَ ذلِكَ يَمُرُّ عليه الأُسْبُوعُ والأُسْبُوعَانِ ولا يَقْرَبُه أَحَدٌ، فحِينَئِذٍ كان يُخْرِجُ أُمَّهُ فيَحْجُمُهَا ليُرِيَ النّاسَ أَنَّهُ غيرُ فارِغٍ، ولِئلاَّ يُقَرَّعَ بالبَطَالَة. فما زالَ ذلِكَ دَأْبَه حَتَّى أَنْزَفَ دَمَها وماتَتْ فَجْأَةً. فصار مَثَلًا قال:
مَطْبَخُهُ قَفْرٌ وطَبَّاخُه *** أَفْرَغُ من حَجّامِ سَابَاطِ
وسَبَاطِ، كقَطَامِ: من أَسْمَاءِ الحُمَّى، مَبْنِيُّ على الكَسْرِ، قالَ المُتَنَخِّلُ الهُذَلِيُّ:
أَجَزْتُ بِفْتَيةٍ بِيضٍ كِرَامٍ *** كَأَنَّهُمُ تَمُلُّهُمْ سَبَاطِ
قال السُّكَّرِيُّ: وإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِسَبَاطِ لِأَنَّهَا إِذا أَخَذَت الإِنْسَانَ امْتَدَّ واسْتَرْخَى، قال الصّاغَانِيُّ: ويُقَال: سَبَاطِ: حُمَّى نافِضٌ.
وقد سُبِطَ الرَّجُلُ، كعُنِيَ، إِذا حُمَّ.
ومن المَجَازِ: وُلِدَ فُلانٌ في سُبَاطٍ، كغُرَابٍ، بالسِّين والشِّين قال أَبو عُمَرَ: يُصْرَفُ ولا يُصْرَفُ: اسمُ شَهْرٍ بالرُّومِيَّة قَبْلَ آذَارَ يَكُونُ بينَ الشِّتَاءِ والرَّبِيع، قال الأَزْهَرِيُّ: هو من فُصُولِ الشِّتَاءِ، وفيه يَكُونُ تَمَامُ اليَوْمِ الَّذِي تَدُورُ كُسُورُه في السِّنِين، فإِذَا تَمَّ ذلِكَ اليَوْمُ في ذلِكَ الشَّهْرِ سَمَّى أَهلُ الشَّامِ تِلْكَ السَّنَةَ عامَ الكَبِيسِ، وهو الَّذِي يُتَيَمَّنُ به إِذا وُلِدَ مَوْلُودٌ في تِلْكَ السَّنَةِ، أَو قَدِمَ قَادِمٌ من بَلَدٍ.
والسُّبَاطَةُ، بالضَّمِّ: الكُنَاسَةُ الَّتِي تُطْرَحُ كُلَّ يَوْمٍ بأَفْنِيَةِ البُيُوتِ، وأَمَّا الَّذِي في حَدِيثِ المُغِيرَةِ: «أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فبَالَ قائِمًا» فهو المَوْضِع الَّذِي يُرْمَى فِيه الأَوْسَاخُ وما يُكْنَسُ مِنَ المَنَازِلِ. وقِيلَ: هي الكُنَاسَةُ نَفْسُهَا، وإِضَافَتُهَا إِلى القَوْمِ إِضَافَةُ تَخْصِيصٍ لا مِلْك؛ لأَنَّهَا كانَتْ مَوَاتًا مُبَاحَةً.
وأَمّا قولُه: قائِمًا، فقِيل: لأَنَّهُ لم يَجِدْ مَوْضِعًا لِلْقُعُودِ؛ لأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ السُّبَاطَة أَن لا يَكُونَ مَوْضِعُهَا مُسْتَوِيًا. وقِيلَ: لِمَرَضٍ مَنَعَه عن القُعُودِ. وقد جاءَ في بَعْضِ الرِّوَايَات: لِعِلَّةٍ بمَأْبِضِه. وقِيلَ: فَعَلَه للتَّدَاوِي من وَجَعِ الصُّلْبِ؛ لأَنَّهُمْ كانُوا يَتَدَاوَوْنَ بذلِكَ. وفِيه أَنَّ مُدَافَعَةَ البَوْلِ مَكْرُوهَةٌ؛ لِأَنَّهُ بَالَ قائِمًا في السُّبَاطَةِ ولم يُؤَخِّرْه.
وسَابِطٌ وسُبَيْطٌ، كزُبَيْرٍ: اسْمَان، فمن الأَوّل: سَابِطُ بنُ أَبِي حُمَيْضَة بن عَمْرِو بن وَهْبِ بن حُذَافَةَ الجُمَحِيّ، له صُحبةٌ، رَوَى عنه ابنُه عبدُ الرَّحمن، وله صُحْبَة أَيضًا. وعبد الرَّحمن بن سَابِطٍ الشَّامِيّ تابعيُّ وقيل: هو الجُمَحِيّ.
وسَبْسَطِيَّة كأَحْمَدِيَّة ويُقَال: سَبَطْيَة، بفَتْحِ السِّينِ والباءِ وسُكُونِ الطّاءِ وتَخْفِيفِ الياءِ، وهكذا وُجِدَ مَضْبُوطًا في التَّكْمِلَة؛ د، من عَمَلِ نَابُلُسَ، من أَعْمَالِ فِلَسْطِينَ، فيه قَبْر زَكَرِيَّا ويَحْيَى عليهِمَا الصَّلاةُ والسَّلام.
وسَابُوطُ: دَابَّةٌ بَحْرِيَّة، كما في اللِّسَانِ.
* وممّا يُسْتَدْرَك عليه:
جمعُ السَّبْطِ من الشِّعرِ سِبَاطٌ، بالكَسْرِ، قال سِيبَوَيْه: هو الأَكْثَرُ فيما كانَ على فَعْلٍ صِفَةً، والسِّبَاطُ أَيضًا: ذَوُو الشَّعرِ المُسْتَرْسِل قال:
قالَتْ سُلَيْمَى لا أُحِبُّ الجَعْدِينْ *** ولا السِّبَاطَ إِنّهم مَنَاتِينْ
ويُكْنَى بالسَّبِطِ عن العَجَمِيِّ، كما يُكْنَى عن العَرَبِيِّ بالجَعْدِ، قال:
هَلْ يُرْوِيَنْ ذَوْدَك نَزْعٌ مَعْدُ *** وسَاقِيانِ سَبِطٌ وجَعْدُ
وجَمْع السَّبَطِ، مُحَرَّكةً، للنَّبَاتِ: أَسْبَاطٌ، قال ذو الرُّمَّةِ يَصِف رَمْلًا:
بَيْنَ النَّهَارِ وبَيْنَ اللَّيْلِ من عَقَدٍ *** على جَوَانِبِهِ الأَسْبَاطُ والهَدَبُ
وأَرْضٌ مَسْبَطَةٌ، بالفتح: كثيرةُ السَّبَط، نقله الجَوهَرِيُّ، وفي بعض النُّسَخ مُسْبَطَة، بالضّمّ.
وسَبَطَ عليه العَطَاءَ، إِذا تَابَعَه وأَكْثَرَه، وهو مجاز، قيل: ومنه اشتقاقُ السَّبَاطَةِ. نقله الصَّاغَانِيّ وقال ابنُ دريدٍ: غَلِطَ العَجّاجُ أَو رؤْبة فقال:
كأَنَّهُ سِبْطٌ من الأَسْباطِ
أَراد رَجُلًا، وهذا غَلَطٌ، كما في المُحْكم قال الصّاغَانِيّ: لرُؤْبَةَ أُرْجُوزَةٌ أَوَّلُهَا:
شُبَّت لِعَيْنيْ غَزِلٍ مَيّاطِ *** سَعْدِيَّةٌ حَلَّتْ بذِي أَرَاطِ
وللعَجَّاج أُرْجُوزةٌ أَولها:
وبَلْدَةٍ بَعِيدَةِ النِّيَاطِ *** مَجْهُولَةٍ تَغْتَالُ خَطْوَ الخاطِي
والمَشْطُور الَّذِي شَكَّ ابنُ دُرَيْدٍ في قائِلِه من هذِه الأُرْجُوزَةِ.
وامْرَأَةٌ سَبْطَةُ الخَلْقِ، وسَبِطَتُه: رَخْصَتُه لَيِّنَتُه، وهو مَجازٌ، نَقَلَه الزَّمَخْشَرِيُّ.
والسُّبَاطَةُ، بالضَّمّ: ما سَقَطَ من الشَّعرِ إِذا سُرِّحَ.
والسُّبَاطَةُ أَيْضًا: عِذْقُ النَّخْلَةِ بعَرَاجِينِها ورُطَبِهَا. مِصْرِيَّةٌ.
والسِّبْطُ، بالكَسْرِ: القَرْنُ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَ القَرْنِ، نقَلَه الزَّجَّاجُ عن بَعْضِهِم.
والسِّبْطُ الرِّبْعِيُّ: نَخْلَةٌ تُدْرِك آخِرَ القَيْظِ.
ويُقَال: سَبَطَ فُلانٌ على ذلِكَ الأَمْرِ يَمِينًا، وسَمَطَ عليهِ، بِالباءِ والمِيمِ؛ أَي حَلَفَ عَلَيْه.
ونَعْجَةٌ مَسْبُوطَةٌ إِذا كَانَتْ مَسْمُوطَةً مَحْلُوقَةً.
وسبطَةُ بنُ المُنْذِرِ السَّلِيحيّ كان يَلِي جِبَاياتِ بَنِي سَلِيحٍ.
وسُوَيْبِطُ بنُ حَرْمَلَة القُرَشِيّ العَبْدَرِيّ، بَدْرِيُّ هاجَرَ إِلى الحَبَشَة.
وقد سَمَّوْا سِبْطًا، بالكَسْر.
وكأَمِيرٍ: المُنْذِرُ بنُ سَبِيطِ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ. أَوْرَدَه الحافِظُ في التَّبْصِير.
ومَنْ عُرِفَ بالسِّبْطِ: جَمَاعَةٌ من المُحَدِّثِينَ.
وجَرَادُ بن سَبِيط بن طَارِق، رَوَى عنه قَيْلُ بنُ عَرَادَةَ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
74-تاج العروس (نكع)
[نكع]: نَكَعَهُ عنِ الأَمْرِ، كمَنَعَ: أَعْجَلَه عَنْهُ، كما في الصِّحاحِ، كأَنْكَعَهُ، أَو نَكَعَهُ عنه: رَدَّهُ ومَنَعَه، عن ابْنِ دُرَيْدٍ، وَدَفَعَه بالسَّيْفِ وغَيْرِه، كأَنْكَعَه، وبكُلِّ ذلِكَ فُسِّرَ قَوْلُ عَدِيِّ بنِ زَيْدٍ العِبادِيِّ:تَقْنِصُكَ الخَيْلُ وتَصْطادُكَ الطَّيْ *** رُ ولا تُنْكَعُ لَهْوَ القَنِيصِ
وأَنْشَدَ أَبُو حاتِمٍ:
أَرَى إِبِلِي لا تُنْكَعُ الوِرْدَ شُرَّدًا *** إِذا شُلَّ قَوْمٌ عَنْ وُرُودٍ وكُعْكِعُوا
أَي تَصِيدُ لكَ الخَيْل، ولا تُنْكَعُ، أَي: لا تُعْجَلُ، أَو لا تُرَدُّ ولا تُمْنَعُ.
وِقيل: نَكَعَه: نَغَّصَهُ بالإِعْجالِ، كنَكَّعَهُ تَنْكِيعًا.
وِقالَ اللَّيْثُ: نَكَعَهُ وكَسَعَه: ضَرَبَ بظَهْرِ قَدَمِه عَلَى دُبُرِه، وكَذلِكَ بَكَعَهُ، بالمُوَحَّدَةِ، كما تَقَدَّمَ، وأَنْشَدَ:
بَنِي ثُعَلٍ لا تَنْكَعُوا العَنْزَ شُرْبَها *** بَنِي ثُعَلٍ، مَنْ يَنْكَعِ العَنْزَ ظالِمُ
وأَنْشَدَه سِيبَوَيْهٌ هكَذَا، وفَسَّرَه فقالَ: نَكَعَه الوِرْدَ، ومِنْهُ: مَنَعَه إِيّاه.
وِنَكَعَ فُلانًا حَقَّه: حَبَسَه عَنْهُ، كَما فِي اللِّسَانِ.
أَو نَكَعَه نَكْعًا: أَعْطَاهُ، عن ابْنِ عَبّادٍ، فهُوَ ضِدٌّ.
وِنَكَعَ الماشِيَةَ يَنْكَعُهَا نَكْعًا، وتَنْكَاعًا بفَتْحِهِما: جَهَدَهَا حَلْبًا وهُوَ أَنْ يَضْرِبَ ضَرْعَها لتَدِرَّ، وكَذلِكَ نَكَّعَهَا، كما تَقَدَّمَ.
وِنَكَعَ عَن الحاجَةِ: إِذا نَكَلَ عَنْهَا، كما فِي المُحِيطِ.
قالَ: وما نَكَعَ يَفْعَلُه، أَي: ما زالَ.
وِقالَ أَبُو عُبَيْدٍ: النَّكُوعُ كصَبُورٍ: المَرْأَةُ القَصِيرَةُ، قالَ ابنُ فارِسٍ: كأَنَّهَا حُبِسَتْ عَنْ أَنْ تَطُولَ، ج: نُكُعٌ بضَمَّتَيْنِ، قالَ ابنُ مُقْبِلٍ:
بِيضٌ مَلاوِيحُ يَوْمَ الصَّيْفِ لا صُبُرٌ *** عَلَى الهَوَانِ، ولا سُودٌ ولا نُكُعُ
وِرَجُلٌ هُكَعَةٌ نُكَعَةٌ، كهُمَزَةٍ، أَي: أَحْمَقُ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، أَو الّذِي إِذا جَلَسَ يَثْبُتُ مَكَانَه، فلا يَبْرَحُ.
وِالنَّكْعَةُ، بالفَتْحِ: نَبْتٌ كالطُّرْثُوثِ.
وِقالَ أَبُو عُبَيْدٍ: النَّكِعَةُ، بكَسْرِ الكافِ: المَرْأَةُ الحَمْرَاءُ اللَّوْنِ.
وِالنَّكِعَةُ مِنَ الشِّفَاهِ: الشَّدِيدَةُ الحُمْرَةِ؛ لَكَثْرَةِ دَمِ باطِنِها، يُقَال: امْرَأَةٌ نَكِعَةٌ، وشَفَةٌ نَكِعَةٌ.
وَرَجُلٌ نُكَعَةٌ، كهُمَزَةٍ: أَحْمَرُ أَقْشَرُ، عن ابْنِ دُرَيْدٍ.
وِقالَ الجَوْهَرِيُّ: رَجُلٌ أَنْكَعُ بَيِّنُ النَّكَعِ، وهو الأَحْمَرُ الَّذِي يَتَقَشَّرُ أَنْفُه، وقَدْ نَكِعَ، كفَرِحَ.
وِنَكَعَةُ الطُّرْثُوثِ، مُحَرَّكَةً، وعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ، قالَ أَبُو حَنِيفَةَ: ويُقَالُ: نُكَعَةٌ كهُمَزَةٍ: زَهْرَةٌ حَمْرَاءُ فِي رَأْسِهَا، قالَ: وأَخْبَرَنِي أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي أَسَد قالَ: تُشْبِهُ البُسْتَانَ أَفْرُوز الّذِي أَراهُ عِنْدَكُم، الكَثِيفَةُ مِنْهَا المُجْتَمِعَةُ يُصْبَغُ بِهَا التِّبْنُ الّذِي تُتَّخَذُ مِنْهُ هذِه القلائِدُ الَّتِي تَشْتَرِيها الحُجّاجُ. وقالَ الجَوْهَرِيُّ: نَكَعَةُ الطُّرْثُوثِ: رَأْسُه، وهو مِنْ أَعْلاهُ إِلى قَدْرِ أُصْبُعٍ، [عليه] قِشْرَةٌ حَمْرَاءُ، وفي التَّهْذِيبِ: رَأَيْتُهَا كأَنَّهَا ثُومَةُ ذَكَرِ الرَّجُلِ، مُشْرَبَةً حُمْرَةً.
وِالنُّكَعُ، كصُرَدٍ: اللَّوْنُ الأَحْمَر.
وِالمُنْكَعُ، كمُكْرَمٍ: الرّاجِعُ إِلى وَرائِه وقَدْ أَنْكَعَهُ، قالَهُ ابنُ شُمَيْلٍ.
وِقالَ ابنُ عَبّادٍ: أَنْفٌ مُنْكَعٌ أي: أفْطَسُ.
قال: والإِنْكَاعُ: الإِعْياءُ.
ويُقَال: هُوَ أَحْمَرُ كالنَّكَعَةِ، النَّكَعَةُ، مُحَرَّكَةً: صَمْغَةُ القَتادِ هكَذا رَوَاهُ الأَزْهَرِيُّ سَماعًا عن العَرَبِ وضَبَطَهُ ابنُ الأَعْرَابِيِّ بضَمِّ النُّونِ، وقالَ: هِيَ ثَمَرُ النُّقَاوَى وهُوَ نَبْتٌ أَحْمَرُ، قالَ: ومِنْهُ الحَدِيثُ: «كانَ عَيْنَاهُ أَشَدَّ حُمْرَةً مِنَ النَّكَعَةِ» وحَكَى عَنْ بَعْضِهِم أَنّه قالَ: «فكانَتْ عَيْنَاهُ أَشَدَّ حُمْرَةً مِنَ النُّكْعَةِ» هكذا رَوَاهُ بضَمِّ النّونِ، وأَبَى الأَزْهَرِيُّ إِلّا التَّحْرِيكَ. والنَّكَعَةُ: طَرفُ الأَنْفِ ومِنْهُ الخَبَرُ: «قَبَّحَ اللهُ نَكَعَةَ أَنْفِه، كأَنَّهَا نَكَعةُ الطُّرْثُوثِ».
وِالنَّكَعَةُ: ثَمَرُ شَجَرٍ أَحْمَرَ كالنَّبِقِ في اسْتِدارتَهِ، هُوَ شَجَر النُّقاوَى الَّذِي ذَكَرَه قَرِيبًا، فهُوَ تَكْرارٌ.
وِالنَّكَعَةُ: الاسْمُ مِنَ الرَّجُلِ النُّكَعِ كصُرَدٍ للَّذِي يُخَالِطُ سَوادَهُ حُمْرَةٌ ويُقَالُ أَيْضًا في اسْمِهِ: النُّكَعَةُ، كهُمَزَةٍ، كما في اللِّسَانِ.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:
النَّكِعُ، ككَتِفٍ، والنّاكِعُ: الأَحْمَر مِنْ كُلِّ شَيءٍ.
وأَحْمَرُ نَكِعٌ: شَدِيدُ الحُمْرَةِ.
وِأَنْكَعَتْهُ بُغْيَتُه: طَلَبَها ففاتَتْهُ.
وتَكَلَّمَ فأَنْكَعَه: أَسْكَتَه.
وشَرِبَ فأَنْكَعَه: نَغَّصَ عليه.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
75-تاج العروس (طلغ)
[طلغ]: الطَّلَغانُ، مُحَرَّكَةً، أَهْمَلَه الجَوْهَرِيُّ، وقال الأَزْهَرِيُّ: أَهْمَلَهُ اللَّيْثُ، وأَخْبَرَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَصْحابِنَا عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عِيسَى بنِ جَبَلَةَ عَنْ شَمِرٍ، عَنْ أَبِي صاعِدٍ الكِلابِيِّ، قال: هو أَنْ يَعْيَا فيَعْمَلَ عَلَى الكَلالِ وقال غَيْرُهُ: هُوَ التَّلَغُّبُ، قال الأَزْهَرِيُّ: لَم يَكُنْ هذا الحَرْفُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا عَنْ شَمِرٍ، فأَفَادَنِيهِ أَبُو طاهِرِ بنُ الفَضْلِ، وهو ثِقَةٌ، عن مُحَمَّدِ بنِ عِيسَى.ويُقَالُ: هُوَ يَطْلَغُ المِهْنَةَ، كَيَمْنَعُ، أي: عَجَزَ نَقَلَهُ أَبو عَدْنَانَ عَنِ الغِتْرِيفيّ، ونَقَلَه الأَزْهَرِيُّ عَنْهُ، وعَنْ الكِلابِيِّ أَيْضًا.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
76-تاج العروس (برق)
[برق]: البَرْقُ: فَرَسُ ابن العَرَقَة قاله أَبو النَّدَى.والبَرْقُ: واحدُ بُروقِ السَّحاب وهو الذي يَلْمَع في الغَيْمِ، جمعُه بُرُوقٌ.
أَو هو: ضَرْبُ مَلَكِ السَّحابِ، وتَحْرِيكُه إِيَّاه ليَنْساقَ، فتُرَى النِّيرانُ نَقَل ذلِك عن مُجاهِدٍ، والذي رُوِيَ عن ابن عَبّاسٍ: أَنَّه سَوْطٌ من نُورٍ يَزْجُر به المَلَكُ السَّحابَ.
وبَرَقَت السَّماءُ تَبْرُقُ، بَرْقًا، وبُرُوقًا بالضمِّ وبَرَقَانًا محرَّكَةً، وهذِه عن الأَصْمَعيِّ: لَمَعَتْ، أَو جاءَت بَبَرْقٍ.
وبَرَقَ البَرْقُ: إِذا بَدَا.
ومن المجاز: بَرَقَ الرَّجُلُ ورَعَدَ: إِذا تَهَدَّدَ وتَوعَّدَ، كأَبْرَقَ قال ابنُ أَحمرَ:
يا جَلَّ ما بَعُدَتْ عليكَ بلادُنا *** وطِلابُنا فابْرُقْ بأَرْضِكَ وارْعُدِ
كأَنّه أَراه مَخِيلَةَ الأَذَى، كما يُرِي البَرْقُ مَخِيلةَ المَطَرِ. وكان الأَصْمَعيُّ يُنْكِر أَبْرَقَ وأَرْعَدَ، ولم يكُ يَرَى ذَا الرُّمَّةِ حُجَّةً، يُشِيرُ بذلِك إِلى قولِه:
إِذا خَشِيَتْ منه الصَّريمَةَ أَبْرَقَتْ *** له بَرْقَةً مِن خُلَّبٍ غيرِ ماطِرِ
وكذلك أَنْشدَ بيتَ الكُمَيْتِ:
أَبْرِقْ وأَرْعِدْ يا يَزي *** دُ فما وَعِيدُكَ لي بضائِرْ
فقال: هو جُرْمُقانيُّ، إِنّما الحُجَّةُ قولُ عَمْرِو بن أَحْمَرَ الباهليِّ:
يا جَلَّ ما بَعُدَتْ عليكَ بلادُنا *** وطِلابُنا فابْرُقْ بأَرضِكَ وارْعُدِ
وقد تقدَّم البحثُ في ذلِك في «ر موضع د».
وبَرَقَ الشيءُ كالسَّيْفِ، وغيرِه، يَبْرُق بَرْقًا، وبَرِيقًا، وبَرَقانًا الأَخِيرة مُحرَّكَة: لَمَعَ وتَلأْلَأَ، وفي الصِّحاح: بَرَق السيفُ وغيرُه يَبْرُقُ بُروقًا، أَي: تَلأْلَأَ، والاسمُ البَرِيقُ.
وبَرَقَ طَعامَه بزَيْتٍ، أَو سَمْنٍ بَرْقًا: جَعَلَ فيه مِنْه قَلِيلًا ولم يُسَغْسِغْهُ، أَي: لم يُكْثِرْ دُهْنَه، وهي التَّبارِيقُ.
ويُقال: لا أَفْعَلُه ما بَرَقَ النَّجْمُ في السَّماءِ، أَي: ما طَلَعَ عن اللِّحْيانيَّ.
ومن المَجاز: رَعَدَت المَرْأَةُ رَعْدًا، وبَرَقَت بَرْقًا. إِذا تَعَرَّضَت وتَحَسَّنَتْ وقيل: أَظْهَرَتْه على عَمْدٍ وفي الصِّحاحِ: تَزَيَّنَتْ، كبَرَّقَتْ تَبْريقًا، وهذِه عن اللِّحْيانيِّ، ومنه قولُ رُؤْبَةَ.
يَخْدَعْنَ بالتَّبْرِيقِ والتَّأَنُّثِ
وبَرَقَت النّاقَةُ فهي بارِقٌ: تَشَذَّرَت بذَنَبِها من غيرِ لَقْحٍ، عن ابن الأَعْرابِيِّ، وقال اللِّحْيانيُّ: هو إِذا شالَتْ بذَنَبِها وتَلَقَّحَتْ وليسَتْ بلاقِحٍ.
كأَبْرَقَت فِيهمَا أَي: في المَرْأَةِ والنّاقَةِ، يُقال: أَبْرَقَت المرأَةُ بوَجْهِها وسائِرِ جِسْمِها، وأَبْرَقَت الناقة بذَنَبِها فهي بَرُوقٌ وهذِه شاذَّةٌ، ومُبْرِقٌ على القِياسِ مِن نُوقٍ مَبارِيقَ: شالَتْ به عندَ اللِّقاحِ، وتقولُ العَرَب: دَعْنِي من تَكْذابِكَ وتَأْثامِكَ شَوَلانَ البَرُوقِ، نَصَبَ شَوَلان على المَصْدرِ، أَي: إِنَّك بمَنْزِلَةِ النّاقَةِ التي تَبْرِقُ بذَنَبِها، أَي: تَشُولُ به، فتُوهِمُك أَنَّها لاقِحٌ، وهي غيرُ لاقِحٍ، وجمعُ البَرُوقِ: بُرْقٌ بالضم، ومنه قولُ ابنِ الأَعرابيِّ وقد ذَكَر شَهْرَزُورَ ـ: «قَبَّحَها اللهُ! إِنّ رِجالَها لنُزْقٌ، وإِنّ عَقارِبَها لبُرْقٌ» أَي: أَنَّها تَشُولُ بأَذْنابِها، كما تَشُولُ الناقةُ البَرُوق.
وبَرَقَ بَصَرُه: تلَأْلأَ ومنه حَدِيثُ الدُّعاءِ: «إِذا بَرَقَت الأَبْصارُ» أَي: لَمَعَت، هذا على الفَتْحِ، وإِذا كَسَرْتَ الراءَ فبمَعْنَى الحَيْرَةِ.
و {بَرِقَ الْبَصَرُ} كفَرِحَ وعليه اقتَصَر الجَوْهريُّ، قال الفَرّاء: وهي قراءَةُ عاصِمٍ وأَهْلِ المَدِينة في قَوْلِه تَعالى: {فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ} ومثل نَصَرَ أَيضًا، قال الجوهريُّ: يعنِي بَرِيقَه إِذا شَخَصَ، قال الفَرّاءُ: فَقَرَأَها نافعٌ وحدَه من البَرِيقِ، أَي: شَخَص، وقالَ غيرُه: أَي فَتَح عَيْنَه من الفَزَعِ. قلتُ: وقَرأَها أَيضًا أَبو جَعْفَرٍ هكذا.
بَرْقًا ظاهِرُه أَنَّه بالفَتْحِ، والصوابُ أَنّه بالتَّحْرِيكِ، وبُرُوقًا كقُعُودٍ، وهذِه عن اللِّحْيانِيِّ، ففيه لَفُّ ونَشْرٌ مُرَتَّبٌ، أَي: تَحَيَّرَ حَتَّى لا يَطْرفَ كما في الصِّحاحِ، أَو دَهِشَ فلَمْ يُبْصِرْ وأَنْشَدُوا لِذِي الرُّمَّةِ:
ولو أَنَّ لُقمانَ الحَكِيمَ تَعَرَّضَتْ *** لعَيْنَيْهِ مَيٌّ سافِرًا كادَ يَبْرَقُ
أَي: يَتَحَيَّرُ، أَو يَدْهَش.
وأَنشدَ الفَرّاءُ شاهِدًا لمَنْ قَرأَ بَرِقَ ـ بالكسرِ بمعنى فَزعَ ـ قولَ طَرَفَةَ:
فنَفْسَكَ فانْعَ ولا تَنْعَنِي *** وداوِ الكُلُومَ ولا تَبْرَقِ
يَقُول: لا تَفْزَعْ من هَوْلِ الجِراحِ التي بِكَ.
وقال الأَصمَعِيُّ: بَرَقَ السِّقاءُ يَبْرُقُ بَرْقًا، وذلِك إِذَا أَصابَه الحَرُّ، فذابَ زُبْدُه، وتَقَطَّعَ فلم يَجْتَمعْ، ويُقال: سِقاءٌ بَرِقُ، ككَتِفٍ كذا في العُبابِ، والَّذِي في اللِّسانِ: بَرَق السِّقاءُ بَرْقًا وبُروقًا، فهذا يدُلُّ على أَنَّه من بابِ نَصَرَ، وقَوْلُهم: سِقاءٌ بَرِقٌ، يَدُلُّ على أَنَّه من بابِ فَرِحَ.
وبَرِقَت الإِبِلُ والغَنَمُ، كفَرِحَ تَبْرَقُ بَرَقًا: إِذا اشْتَكَتْ بُطونَها مِنْ أَكْلِ البَرْوَقِ وسيأْتي البَرْوقَ قريبًا.
والبُرْقانُ، بالضّمِّ: الرَّجُل البَرَّاقُ البَدَنِ.
والبُرْقانُ: الجَرادُ المُتَلَوِّنُ ببياضٍ وسَوادٍ الواحِدَةُ بُرْقانَةٌ وقد خالَفَ هنا اصْطِلاحَه سَهْوًا.
وبِرْقانُ بالكسرِ: قرية، بخَوارَزْمَ قال ياقُوت في المُعْجَم: بَرْقان، بفتح أَوّلِه، وبعضُهم يكْسِرُه: من قُرى كاث شَرْقيَّ جَيْحُونَ على شاطِئِه، بينَها وبينَ الجُرْجانِيَّةِ ـ مدينةِ خُوارَزْمَ ـ يَومان، وقد خَرِبَتْ بَرْقانُ، ونُسِبَ إِليها الحافِظُ أَبو بكرٍ أَحمدُ بنُ محمَّدِ بنِ غالِبٍ الخُوارَزْمِيُّ البَرْقانِيُّ، استَوْطَنَ بَغدادَ، وكتَبَ عنه أَبُو بَكْرٍ الخَطِيبُ، وكانَ ثِقَةً ورِعًا، تُوفِّيَ سنة 425.
وبَرْقانُ أَيْضًا: قرية، بجُرْجانَ نُسِب إِليها حَمْزَةُ بنُ يوسفَ السَّهْمِيُّ، وبَعْضُ الرُّواةِ، قال ياقوت: ولستُ منها على ثِقَةٍ.
ويُقال: جاءَ عِنْدَ مَبْرَقِ الصُّبْحِ، كمَقْعَدٍ أَي: حينَ بَرَقَ وتَلَأْلَأَ، مصدرٌ ميمِيٌّ.
وبَرَقَ نَحْرُه: لَقَبُ رَجُلٍ كَتأَبَّطَ شَرًّا، ونَحْوِه.
وذُو البَرْقَةِ: لقبُ أَميرِ المُؤْمنينَ عَلِيّ بنِ أَبي طالِب ـ رضِيَ الله تَعالَى عنه ـ لقَّبَه به عَمُّه العَبّاسُ بنُ عبدِ المُطَّلِبِ رضيَ اللهُ تَعالَى عنه يومَ حُنَيْنٍ.
والبَرْقَةُ: الدَّهْشَةُ والحَيْرةُ.
و: قرية، بقُمَّ.
و: قرية، تُجاهَ واسِطِ القَصَبِ.
و: قَلْعَةٌ حَصِينَةٌ بنواحِي دُوانَ.
وبَرْقَةُ: إِقْلِيمٌ مُشتَمِلٌ على قُرًى ومُدُنٍ أَو ناحِيَةٌ بينَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ وإِفْرِيقِيَّةَ مَدِينَتُها أَنْطابُلُسُ، وبينَ الإِسكَنْدَرِيَّةِ وبَرْقَةَ مَسِيرةُ شَهْرٍ، وهي مِمّا افْتُتِحَ صُلْحًا، صالَحَهُم عَلَيها عَمْرُو بنُ العاصِ، وقد نُسِبَ إِليها جَماعةٌ من أَهلِ العِلْمِ.
وكجُهَيْنَةَ اسمٌ للعَنْزِ تُدْعَى به للحَلَبِ وذُو بارِقٍ الهَمْدانِيُّ جَعْوَنَةُ بنُ مالِكٍ والبارِقُ سَحابٌ ذُوا بَرْقٍ وع بالكُوفَةِ ولَقَبُ سَعْدِ بنِ عَدِيٍّ أَبِي قَبِيلَةٍ باليَمَنِ.
ومن المَجَازِ: البارِقَةَ: السُّيُوفُ سُمِّيَتْ لبَرِيقِها، ومنه حَدِيثُ عَمّارٍ: «الجَنَّةُ تَحْتَ البارِقَةِ» وهو مُقْتَبَسٌ من قولِه صلى الله عليه وسلم: «الجَنَّةُ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ».
وقالَ اللِّحْيانِيُّ: رَأَيْتُ البارِقةَ، أَي: بَرِيقَ السِّلاحِ.
والبَرْوَقُ، كجَرْوَلٍ: شُجَيْرَةٌ ضَعِيفةٌ إِذا غامَتِ السَّماءُ اخْضَرَّتْ قالهُ ابنُ حَبِيبٍ، الواحدةُ بهاءٍ، ومنه قولُهم: «أَشْكَرُ من بَرْوَقَةٍ» وكَذا: «أَضْعَفُ مِنْ بَرْوَقَةٍ» قال أَبُو حَنِيفَةَ: وأَخْبَرَنِي أَعْرابِيُّ أَنَّ البَرْوَقَ نبتٌ ضَعِيفٌ رَيّان، له خِطَرَةٌ دِقاقٌ في رُؤُوسِها قَماعِيلُ صِغارٌ مثلُ الحِمَّصِ، فيها حَبُّ أَسودُ، قال: ومِن ضَعْفِها إِذا حَمِيَتْ عليها الشَّمْسُ ذَبُلَت على المَكانِ، قالَ: ولا يَرْعاها شَيْءٌ، غير أَنَّ الناسَ إِذا أَسْنَتُوا سَلَقُوها، ثم عَصَرُوها من عَلْقَمَةٍ فيها، ثم عالَجُوها مع الهَبِيدِ أَو غَيْرِه، وأَكَلُوها، ولا تُؤْكَلُ وَحْدَها لأَنَّها تُورِثُ التَّهَيُّجَ، قالَ: وهي ممّا يُمْرِعُ في الجَدْبِ، ويَقِلُّ في الخِصْبِ، فإِذا أَصابَها المَطرُ الغَزِيرُ هَلَكَت، قال: وإِذا رَأَيناها قد كَثُرتْ وخَشُنَت خِفْنا السَّنَةَ.
وقال غَيرُه من الأَعْراب: البَرْوَقَةُ: بقلةُ سَوْءٍ، تَنْبُتُ في أَوّلِ البَقْلِ، لها قَصَبَةٌ مثلُ السِّياطِ، وثَمَرةٌ سوداءُ.
وفي ضَعْفِ البَرْوَقِ قالَ الشّاعِرُ:
تَطِيحُ أَكُفُّ القومِ فيها كأَنَّما *** يَطِيحُ بها في الرَّوعِ عِيدانُ بَرْوَقِ
ويَقُولون أَيضًا: «أَشْكَرُ مِنْ بَرْوَقٍ» لأَنه يَعِيشُ بأَدْنَى نَدًى يَقعُ من السَّماءِ، وقيل: لأَنّه يَخْضَرُّ إِذا رَأَى السَّحابَ.
والبَرْواقُ، بزِيادَةِ أَلِفٍ: نَباتٌ يُعْرَفُ بالخُنْثَى، وأَكْلُ ساقِه الغَضِّ مَسْلُوقًا بزيتٍ وخَلٍّ تِرْياقُ اليَرَقانِ، وأَصلُه يُطْلَى به البَهَقانِ فُيزِيلُهُما.
والإِبْرِيقُ: إِناءٌ مَعْرُوفٌ، فارِسِيٌّ مُعَرَّب: آبْ رِي قال ابنُ بَرِّيّ: شاهِدُه قولُ عَدِيِّ بنِ زَيْدٍ:
ودعَا بالصَّبُوحِ يَوْمًا فقامَتْ *** قَيْنَةٌ في يَمِينِها إِبْرِيقُ
وقال كُراع: هو الكُوز، وقالَ أَبو حَنِيفَةَ مَرَّةً: هو الكُوزُ، وقال مرَّةً: هو مِثْلُ الكُوزِ، وهو في كُلِّ ذلك فارِسِيٌّ ج: أَبارِيقُ وفي التَّنْزِيلِ: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ} وأَنْشدَ أَبُو حَنِيفَةَ لشُبْرُمَةَ الضَّبِّيّ:
كأَنَّ أَبارِيقَ الشَّمُولِ عَشِيَّةً *** إِوَزٌّ بأَعْلَى الطَّفِّ عُوجُ الحَناجِرِ
والعَرَبُ تُشَبِّهُ أَبارِيقَ الخَمْرِ برِقابِ طَيْرِ الماءِ، قال أَبو الهِنْدِيّ:
مُفَدَّمَةٌ قَزًّا كأَنَّ رِقابَها *** رِقابُ بَناتِ الماءِ تَفْزَعُ للرَّعْدِ
وقالَ عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ:
بأَبارِيقَ شِبْهِ أَعْناقِ طَيْرِ الْم *** اءِ قَدْ جِيبَ فَوْقَهُنَّ خَنِيفُ
ويُشَبِّهُونَ الأَبارِيقَ أَيضًا بالظَّبْيِ، قال عَلْقَمةُ بنُ عَبَدَةَ:
كأَنَّ إِبْرِيقَهُم ظَبْيٌ على شَرَفٍ *** مُفَدَّمٌ بِسَبا الكَتّانِ مَلْثُومُ
وقالَ آخرُ:
كأَنَّ أَبارِيقَ المُدامِ لَدَيْهِمُ *** ظِباءٌ بأَعْلَى الرَّقْمَتَيْنِ قِيامُ
وشَبَّه بعضُ بني أَسَدٍ أُذُنَ الكُوزِ بياء «حُطِّي» فقالَ أَبو الهِنْدِيّ اليَرْبُوعِيُّ:
وصُبِّي فِي أُبَيْرِيقٍ مَلِيحٍ *** كأَنَّ الأُذْنَ مِنْهُ رَجْعُ حُطِّي
والإِبْرِيقُ أَيضًا: السَّيْفُ البَرّاقُ أَي: الشَّديدُ البَرِيقِ، عن كُراع، وقال غيرُه: سَيْفٌ إِبْرِيقٌ: كَثِيرُ اللَّمَعانِ والماءِ.
والإِبْرِيقُ في قَوْلِ عَمْرِو بنِ أَحْمَرَ:
تَقَلَّدْتَ إِبْرِيقًا، وأَظْهَرْت جَعْبَةً *** لتُهْلِكَ حَيًّا ذا زُهاءٍ وجامِلِ
قِيلَ: هي القَوْسُ فِيها تلامِيعُ هكَذا ذَكَرَه الأَزْهَرِيُّ، قالَ الصاغانِيُّ: والصَّوابُ أَنّه السَّيفُ البَرّاقُ.
والإِبْرِيقُ: المَرْأَةُ الحَسْناءُ البَرّاقَةُ اللَّوْنِ، قاله اللِّحْيانِيُّ، وقِيلَ: هي التي تُظْهِرُ حُسْنَها على عَمْدٍ.
والأَبْرَقُ: غِلَظٌ فيه حِجارَةٌ ورَمْلٌ وطِينٌ مُخْتَلِطَةٌ، ج: أَبارِقُ كَسَّرَه تَكْسِيرَ الأَسْماءِ لغَلَبَتِه.
كالبَرْقاءِ، ج: بَرْقاواتٌ هذا قولُ الأَصْمَعِيِّ وابنِ الأَعرابِيِّ.
والأَبْرَقُ: جَبَلٌ فيه لَوْنان من سَوادٍ وبَياضٍ.
وقال ابنُ الأَعْرابِيِّ: الأَبْرَقُ: الجَبَل مَخْلُوطًا برَمْلِ، وهي البُرْقَةُ، وفي العُباب والصِّحاح: الأَبْرَقُ: الجَبْلُ الّذِي فيه لَونان، ومنه الحَدِيث: «انَّه رأَى رَجُلًا مُحْتَجِزًا بحَبْلٍ أَبْرَقَ وهو مُحْرِمٌ، فقالَ: وَيْحَكَ أَلْقِه، وَيْحَكَ أَلْقِه، مَرَّتينِ». أَو كُلُّ شَيْءٍ اجْتَمَع فيه سَوادٌ وبَياضٌ فهُوَ أَبْرَقُ، يُقالُ: تَيْسٌ أَبْرَقُ، وعَنْزٌ بَرْقاءُ وقالَ اللِّحْيانيُّ: من الغَنَمِ أَبْرَقُ، وبَرْقاءُ للأُنْثَى، وهو من الدَّوابِّ أَبْلَقُ وبَلْقاءُ، ومن الكِلابِ أَبْقعُ وبَقْعاءُ.
والأَبْرَقُ: دَواءٌ فارِسِيٌّ جَيِّدٌ للحِفْظِ نَقَلَهُ الصّاغانِيُّ.
والأَبْرقُ: طائرٌ كما في التَّكْمِلة.
وأَبْرقَا زِيادٍ: تَثْنِيةُ أَبْرَقَ، وزيادٌ: اسمُ رَجُلٍ: موضع جاءَ في رَجزِ العَجّاجِ:
عَرَفْتُ بينَ أَبْرَقَيْ زِيادِ *** مَغانِيًا كالوَشْيِ في الأَبْرادِ
والأَبْرقانِ، إِذا ثَنَّوْا، فالمُرادُ به غالبًا: أَبْرقا حِجْرِ اليَمامةِ، وهو مَنْزِلٌ بينَ هكَذا في النُّسخِ، والصوابُ بعدَ رُمَيْلَةِ اللِّوَى بطَرِيقِ البَصْرَةِ للقاصِدِ إِلى مَكَّةَ زِيدَتْ شَرَفًا، ومنها إِلى فَلْجَةَ.
والأَبْرَقانِ: ماءٌ لبَنِي جَعْفَرٍ قالَ أَعْرابِيٌّ:
أَلِموا بأَهْل الأَبْرَقَيْنِ فسَلِّمُوا *** وذاكَ لأَهْلِ الأَبْرَقَيْنِ قَلِيلُ
وقالَ آخَرُ:
سُقْيًا لأَيْامٍ مَضَيْنَ مِنَ الصِّبا *** وعَيْشٍ لنا بالأَبْرَقَيْنِ قَصِيرِ
والأَبْرَقُ البادِي: من الأَبارِقِ المَعْرُوفَةِ، قال المَرّارُ بنُ سَعِيدٍ:
قِفا واسْأَلا مِن مَنْزِلِ الحَيِّ دِمْنَةً *** وبالأَبْرَقِ البادِي أَلِمّا عَلَى رَسْمِ
وأَبْرَقُ ذِي الجُموعِ بناحِيةِ الكُلابِ، قال عُمَرُ بنُ لَجَأَ:
بأَبْرَقِ ذي الجُموعِ غداةَ تَيْمٌ *** تَقُودُكَ بالخِشاشَةِ والجَدِيلِ
وأَبْرَقُ الحَنّانِ ماءٌ لبَني فَزارَةَ، قالُوا: سُمِّيَ بذلِكَ لأَنَّه يُسْمَعُ فيه الحَنِينُ، ويُقالُ: إِنَّ الجِنَّ فيه تَحِنُّ إِلى مَنْ قَفَلَ عنها، قالِ كُثِّيرٌ:
لِمَنِ الدِّيارُ بأَبْرَقِ الحَنّانِ *** فالبُرْقِ فالهَضَباتِ من أُدْمانِ
وأَبْرَقُ الدَّآثَى بوزن دَعاثَى، قال كُثَيِّرٌ:
إِذا حَلَّ أَهْلِيَ بالأَبْرَقَيْ *** نِ أَبْرَقِ ذِي جُدَدٍ أَو دَآثَى
وجَعَله عَمْرُو بنُ أَحْمَرَ الباهِلِيُّ الأَدْأَثِينَ للضَّرُورةِ، فقال:
بحَيْثُ هَراقَ في نَعْمَانَ مَيْثٌ *** دوافِعُ في بِراقِ الأَدْأَثِينَا
وأَبْرَقُ ذِي جُدَدٍ بوزن صُرَدٍ، هو بالجيمِ، وقد مَرَّ شاهدُه في قولِ كُثَيِّرٍ.
وأَبرَقُ الرَّبَذَةِ مُحَرَّكةً، كانت به وَقْعَةٌ بينَ أَهْلِ الرِّدَّةِ وأَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ـ رضي الله عنه ـ ذُكِرت في كِتابِ الفُتُوحِ، كانَ من مَنازلِ بني ذُبْيانَ، فغَلَبَهُمْ عليهِ أَبو بَكْرٍ رضي الله عنه لَمَّا ارْتَدُّوا، وجَعَلَه حِمىً لخُيولِ المُسْلِمين، وإِيَّاهُ عَنىَ زِيادُ بنُ حَنْظَلَة بقَوْلِه:
ويَوْمٍ بالأَبارِقِ قد شَهِدْنا *** عَلَى ذُبْيانَ يَلْتَهِبُ الْتِهابَا
أَتَيْناهُم بداهِيَةٍ ونارٍ *** مع الصِّدِّيقِ إِذ تَرَكَ العِتابَا
وأَبْرَقُ الرَّوْحان قال جَرِيرٌ:
لمَن الدِّيارُ بأَبْرَقِ الرَّوْحانِ *** إِذا لا نَبِيعُ زمانَنا بزَمانِ
وأَبْرَقُ ضَحْيانَ كذا في النُّسَخ، ومثلُه في العُبابِ، والَّذِي في المُعْجَم: ضَيْحانَ، بتقدِيم الياءِ على الحاء، هكَذا ضَبَطه، وأَنشَد لجَرِيرٍ:
وبأَبْرَقَيْ ضَيْحانَ لاقَوْا خِزْيَةً *** تلكَ المَذَلَّةُ والرِّقابُ الخُضَّعُ
وأَبْرَقُ الأَجْدَلِ، وأَبْرقُ الأَعْشاشِ وقَدْ ذُكِر في الشِّينِ بما أَغْنَى عن إِعادَتِه هنا.
وأَبْرَقُ أَلْيَةَ بفَتْحٍ فسُكُون وأَبْرَقُ الثُّوَيْرِ مُصَغَّرًا وأَبْرَقُ الحَزْنِ بالفَتْح، قال:
هَلْ تُؤْنِسانِ بأَبْرَقِ الحَزْنِ *** والأَنْعَمَيْنِ بَواكِرَ الظُّعْنِ
وأَبْرَقُ ذات سلاسِل هكذا في النُّسخِ، وصوابُه ذاتُ مَأْسَلٍ، قال الشَّمَرْدَلُ بنُ شَرِيكٍ اليَرْبُوعِيّ:
سَقَيْناه بعدَ الرِّيِّ حتى كأَنّما *** يُرَى حِينَ أَمْسَى أَبْرَقَيْ ذاتِ مَأْسَلِ
وأَبْرَقُ مازِن والمازِنُ: بَيْضُ النَّمْلِ، قالَ الأَرْقَطُ:
إِنّي ونَجْمًا يومَ أَبْرَقِ مازِنٍ *** عَلَى كَثْرةِ الأَيْدي لمُؤْتَسِيانِ
وأَبْرَقُ العَزّافِ كشَدّادٍ؛ لأَنّهم يَسْمَعُونَ فيه عَزِيفَ الجِنِّ، وهو ماءٌ لبَني أَسدِ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ مُدْرِكَةَ، له ذِكْرٌ في أَخْبارِهم، وقد ذُكِر فِي «ع ز ف» قال ابنُ كَيْسانَ: أَنْشَدَنا المُبَرِّد لرَجُلٍ يهجُو بَنِي سَعِيدِ بنِ قُتَيْبَةَ الباهِليّ:
وكأَنَّني لما حَطَطْتُ إِلَيْهمُ *** رَحْلِي نَزَلْتُ بأَبْرَقِ العَزّافِ
وأَبْرقُ عَمْرانَ بفتح العَيْنِ كما ضَبَطه ياقوت، وأَنشَد لدَوْسِ بنِ أُمِّ غَسّانَ اليَرْبُوعِيِّ:
تَبَيَّنْتُ من بينِ العِراقِ وواسِطٍ *** وأَبْرَقِ عَمْرانَ الحُدُوجَ التَّوالِيَا
وأَبْرَقُ العَيْشُوم قال السَّريُّ بنُ مُعتِّبٍ الكِلابِيُّ:
وَدِدْتُ بأَبْرقِ العَيْشُوم أَنَّي *** وإِيّاها، جمِيعًا، في رِداءِ
أُباشِرُهُ، وقَدْ نَدِيَتْ رُباهُ، *** فأُلْصِقُ صِحَّةً منه بدائِي
والأَبْرَقُ الفَرْدُ قال:
خَلِيلَيَّ مُرّا بِي على الأَبْرَقِ الفَرْدِ *** عُهُودًا لِلَيْلي حَبَّذا ذاكَ مِن عَهْدِ
وأَبْرقُ الكِبْرِيتِ وكانَتْ فيه وقْعَةٌ، قال:
على أَبْرَقِ الكِبْرِيتِ قَيْسُ بنُ عاصِمٍ *** أَسرْتُ وأَطرافُ القَنا قِصَدٌ حُمْرُ
وأَبْرَقُ المُدَى جمع مُدْيَةٍ، قال الفَقْعَسِيُّ:
بذاتِ فَرْقَينِ فأَبْرَقِ المُدَى
وأَبْرقُ النَّعّارِ كشَدّادٍ، وهو ماءٌ لطَيِّئٍ وغَسّانَ قُرْبَ طَرِيقِ الحاجِّ، قال:
حيِّ الدِّيارَ فقد تقادمَ عَهْدُها *** بينَ الهَبِيرِ وأَبْرَقِ النَّعّارِ
وأَبْرَقُ الوَضّاحِ قالَ الهُذَلِيُّ:
لِمن الدِّيارُ بأَبْرَقِ الوَضّاحِ *** أَقْوَيْنَ من نُجْل العُيُونِ مِلاحِ
وأَبْرقُ الهَيْجِ قال ظُهَيْرُ بنُ عامِرٍ الأَسَدِيُّ:
عَفا أَبْرقُ الهَيْجِ الَّذِي شَحنَتْ بهِ *** نواصِفُ من أَعْلَى عَمايَةَ تَدْفعُ
وهي أَسماءُ مَواضِع في دِيار العَرَب.
ومما فاته: أَبْرَقُ الخَرْجاءِ، قال:
حَيِّ الدِّيارَ عَفاها القَطْرُ والمُورُ *** حيثُ ارْتَقى أَبرقُ الخَرْجاءِ فالدُّورُ
والأَبْرَقُ، غيرَ مُضافٍ: من مَنازِل عمرِو بنِ رَبِيعةَ. وأَبْراقٌ: جَبَلٌ بنَجْدٍ لبَنِي نَصْرِ بنِ هَوازِنَ، وقال الشَّرِيفُ عُلَيُّ بنُ عِيسَى الحَسَنِيُّ: أَبراقٌ: جَبَلٌ في شَرْقِيِّ رَحْرَحانَ، وإِيَّاه عَنَى سَلامةُ بنُ رِزْقٍ الهِلالِيُّ:
فإِنْ تَكُ عَلْيَا يومَ أَبْراقِ عارِضٍ *** بَكَتْنا وعَزَّتْها العَذارَى الكَواعِبُ
والأَبْرَقَةُ: ماءٌ من مِياهِ نَمْلَةَ هكذا في النُّسَخ، وصوابُه نَمَلَى، قُرْبَ المَدِينة، نقله الزَّمَخْشَرِيُّ وضَبَطه.
والأُبْرُوقُ، كأُظْفُورٍ وضبَطَه ياقُوت بفَتْحِ الهَمْزَة: موضع، بِبلادِ الرُّوم، يَزورُه المُسْلِمُونَ والنَّصارَى من الآفاقِ، قال أَبو بَكْرٍ الهَرَوِيُّ: بَلغَنِي أَمرُهُ فقَصَدْتُه، فوَجَدْتُه في لِحْفِ جَبَلٍ يُدْخَلُ إِليه من بابِ بُرْجٍ، ويَمْشِي الدَّاخِلُ تحتَ الأَرضِ إِلى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلى موضعٍ واسِعٍ، وهو جبلٌ مَخْسُوفٌ، تَبِينُ منه السَّماءُ من فَوْقِه، وفي وسَطِه بُحَيْرةٌ، وفي دائِرَها بُيوتٌ للفَلّاحِين مِنَ الرُّوم، وزَرْعُهم ظاهِرُ الموضع، وهُناكَ كَنِيسَةٌ لطيفةٌ، ومَسْجِدٌ، فإِنْ كانَ الزائرُ مُسْلِمًا أَتَوْا به إِلى المَسْجِدِ، وإِن كانَ نَصْرانِيًّا أَتوْا به إِلى الكَنِيسةِ، ثُمَّ يَدْخُلُ إِلى بَهْوٍ فيه جَماعةٌ مَقْتُولون، فيهم آثار طَعَناتِ الأَسِنّةِ، وضَرَباتِ السُّيوفِ، ومِنْهُم من فُقِدَت بعضُ أَعضائِه، وعليهم ثِيابُ القُطْنِ لم تَتَغَيَّرْ، إِلى آخِرِ ما ذكَره من العَجائِب، انْظُرْه في المعجم.
وأَبارِقُ غير مُضافٍ: موضع، بكِرْمانَ عن مُحَمَّدِ بنِ بَحْرٍ الرُّعَيْنِيّ الكِرْمانِيِّ.
وأَبارِقُ الثَّمَدَيْنِ مُثَنَّى الثَّمَدِ، وهو الماءُ القَلِيلُ، وقد ذُكِر الثَّمَدُ في مَوْضِعِه، قال القَتّالُ الكِلابِيُّ:
سَرَى بدِيارِ تَغْلِبَ بينَ حَوْضَى *** وبينَ أَبارِقِ الثَّمَدَيْنِ سارِ
سِماكِيٌّ تَلَأْلَأَ فِي ذُراهُ *** هَزِيمُ الرَّعْدِ رَيّانُ القَرارِ
وأَبارِقُ طِلْخامٍ بكسرِ الطّاءِ، والخاءُ معجمةٌ، ويُرْوَى بالمُهْملةِ أَيضًا، وسَيُذْكَرُ في موضِعه، قال ابنُ مقبِلٍ:
بَيْضُ الأَنُوقِ برَعْنٍ دُونَ مَسْكَنِها *** وبالأَبارِقِ من طِلْخامَ مَرْكُومُ
وأَبارِقُ النَّسْرِ قالَ العِتْرِيفُ:
وأَهْوَى دِماثَ النَّسْرِ أَنْ حَلَّ بَيْتُها *** بحيثُ الْتَقَتْ سُلّانُه وأَبارِقُه
وأبارِقُ اللِّكاكِ ككِتابٍ، قال:
إذا جاوَزَتْ بطْنَ اللِّكاكِ تجاوَبَتْ *** به ودَعاها رَوْضُه وأبارِقُه
وهَضْبُ الأَبارِقِ في قولِ عَمْرِو بنِ مَعْدِيكَرِبَ:
أَأَغْزُو رجالَ بني مازِنٍ *** بهَضْبِ الأَبارِقِ، أَمْ أَقْعُدُ؟
مواضِعُ وقد فاتَه: أَبارِقُ بُسْيانَ، كعُثْمانَ، قالَ جَبّارُ بنُ مالِكٍ الفَزارِيّ:
ويلُ امِّ قومٍ صَبَحْناهم مُسَوَّمَةً *** بين الأَبارِق من بُسْيانَ فالأَكَمِ؟
الأَقْرَبِينَ فلم تَنْفَعْ قرابَتُهم *** والمُوجَعِينَ فلم يَشْكُوا من الأَلَمِ
وأَبارِقُ حَقِيلٍ، كأَمِيرٍ، قال عُمَرُ بنُ لَجَأَ:
أَلَمْ تَرْبَعْ على الطَّلَلِ المُحِيلِ *** بغَرْبِيِّ الأَبارِقِ مِنْ حَقِيلِ
وأَبارِقُ قَنا، بالفَتْحِ مَقْصورًا، قالَ الأَشْجَعِيُّ:
أَحِنُّ إِلى تِلْك الأَبَارِقِ مِنْ قَنا *** كأَنَّ امْرَأً لم يَجْلُ عن دارِه قَبْلِي
والبَرَقُ، مُحرَّكَةً: الحَمَلُ، معرَّبُ بَرَهْ بالفارِسِيَّةِ، ومنه الحَدِيثَ: «تَسُوقُهم النّارُ سَوْقَ البَرَقِ الكَسِير». أَي: المَكْسُورِ القَوائِم، يَعْنِي تَسُوقُهم النّارُ سَوْقًا رَفِيقًا، كما يُساقُ الحَمَلُ الظالِعُ ج: أَبْراقٌ، وبِرْقانٌ، بالكسرِ والضَّمِّ الأَوّلُ كسَبَبٍ وأَسْبابٍ، وعلى الأَخِير اقتصرَ الجَوْهَرِيُّ.
وقالَ الفَرَّاءُ: البَرَقُ: الفَزَعُ زادَ غَيْرُه: والدَّهَشُ والحَيْرَةُ وقد بَرِقَ الرجُلُ بَرَقًا، وتَقدَّم شاهِدُه، ومنه أَيضًا حديثُ عَمْرِو بنِ العاصِ: «إِنَّ البَحْرَ خَلْقٌ عَظِيم، يَرْكَبُه خَلْقٌ ضَعِيفٌ، دُودٌ على عُودٍ، بينَ غَرَقٍ وبَرَقٍ».
وبَرّاقٌ، كشَدّادٍ: ظَرِبٌ، أَو جَبَلٌ بينَ سَمِيراءَ وحاجِرٍ عنده المَشْرَفة.
وعَمْرُو بنُ بَرّاقٍ: من العَدّائِينَ وإِيّاهُ عَنَى تأَبَّطَ شَرًّا بقولهِ:
ليلَةَ صاحُوا وأَغْرَوْا بي كِلابَهُمُ *** بالعَيْكَتَيْنِ لَدَى مَعْدَى ابنِ بَرّاقِ
أَي: لَدَى مَوْضِعِ عَدْوِه، ويُقالُ: لَدَى عَدْوِه نَفْسِه، فيكونُ مَوْضِعًا، ويكونُ مَصْدَرًا.
والبَرّاقَةُ: المرأَةُ لها بَهْجَةٌ وبَرِيقٌ أَي: لَمَعانٌ، وقِيلَ: هي التي تُظْهِر حُسْنَها عَلَى عَمْدٍ، وقالَ ذُو الرُّمَّةِ:
بَرّاقَةُ الجِيدِ واللَّبّاتِ واضِحَةٌ *** كأَنَّها ظَبْيَةٌ أَفْضَى بها لَبَبُ
وأَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ بنُ بُرْقان الجَزَرِيُّ بالكسرِ والضَّمِّ الأَخيرُ هو المَشْهُور: مُحَدِّثٌ كِلابِيٌّ من شُيُوخِ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ، ووَكِيعِ بنِ الجَرّاحِ، وقد حَدَّثَ عن زِيادِ بنِ الجَرّاحِ الجَزَرِيِّ.
والبُراقُ كغُرابٍ: اسم دابَّة رَكِبَها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ليلَةَ المِعْراجِ، وكانَتْ دُونَ البَغْلِ وفَوْقَ الحِمارِ سُمِّيَ بذلِكَ لنُصُوع لَوْنِه، وشِدَّةِ بَرِيقِه، وقِيلَ: لسُرْعَةِ حَرَكَتِها، شَبَّهه فيهِما بالبَرْقِ.
وبُراق: قرية بحَلَبَ بينَهُما نحو فَرْسَخٍ، وبها مَعْبَدٌ يقصِدُه المَرْضَى والزَّمْنَى فيَبِيتُونَ فيه، فيَرَى المَريضُ مَنْ يَقُولُ له: شِفاؤُك في كَذَا وكَذَا، ويَرَى شَخْصًا يَمْسَحُ بيَدِه على رَأْسِه أَو جَسَدِه فيَبْرَأُ، وهذا مُسْتَفاضٌ في أَهْلِ حَلَبَ، ولعَلَّ الأَخْطَلَ إِيّاه عَنَى بقولِه:
وماءٍ تُصْبِحُ القَلَصاتُ منه *** كخَمْرِ بُراقَ قد فَرَطَ الأُجُونا
والبُرْقَةُ، بالضّمِّ: غِلَظٌ فيه حِجارَةٌ ورَمْلٌ وطِينٌ مختَلِطٌ بعضُها ببعض كالأَبْرَقِ وحِجارَتُها الغالبُ عليها البياض، وفيها حجارةٌ حُمرٌ وسُودٌ، والتُّرابُ أَبيضُ وأَعْفَرُ، يكونُ إِلى جَنْبِها الرَّوْضُ أَحيانًا، والجمعُ بُرَقٌ.
وبُرَقُ دِيارِ العَربِ تُنِيفُ على مائةٍ وقد سُقْتُ في شَرْحِها ما أَمْكَنَنِي الآن منها: بُرْقَةُ الأَثْمادِ قال رُدَيْحُ بن الحارِثِ التَّمِيمِيُّ:
لِمَن الدِّيارُ ببُرْقَةِ الأَثْمادِ *** فالجَلْهَتَيْنِ إِلى قِلاتِ الوادِي؟
وبُرْقَةُ الأَجاوِلِ جمعُ الأَجْوالِ، والأَجْوالُ: جَمْعُ جَوْلٍ، لجِدارِ البِئْرِ، قال كُثَيِّرٌ:
عَفا مَيْثُ كُلْفَى بعَدَنا فالأَجاوِل *** فأَثْمادُ حَسْنَى فالبِراقُ القَوابِلُ
وقال نُصَيْبٌ:
عَفا الحُبُجُ الأَعْلَى فبُرْقُ الأَجاوِلِ
وبُرْقَةُ الأَجْدادِ جمع جَدٍّ، أَو جَدَدٍ، قال:
لمَنِ الدِّيارُ ببُرْقَةِ الأَجْدادِ *** عَفَّتْ سَوارٍ رَسْمَها وغَوادِي
وبُرْقَةُ الأَجْوَلِ أَفْعَلُ، من الجَوَلانِ، قال المُتَنَخِّلُ الهُذَليُّ:
فالْتَطَّ بالبُرْقَةِ شُؤْبُوبُه *** والرَّعْدُ حَتّى بُرْقَةِ الأَجْوَلِ
وبُرْقَةُ أَحجارٍ قال:
ذَكَرْتُكِ والعِيسُ العِتاقُ كأَنّها *** ببُرْقَةِ أَحْجارٍ قِياسٌ من القُضْبِ
وبُرْقَةُ أَحْدَب قالَ زَبّانُ بنُ سَيّارٍ:
تَنَحَّ إِلَيْكُم يا ابْنَ كُرْزٍ فإِنَّه *** وإِن دِنْتَنا راعُونَ بُرْقَةَ أَحْدَبَا
وبُرْقَةُ أَحْواذٍ جمع حاذَةٍ: شَجَرٌ يَأْلفُه بقرُ الوَحْشِ، قال ابنُ مُقْبِلٍ:
طَرِبْتَ إِلى الحَيِّ الّذِينَ تَحَمَّلُوا *** ببُرْقَةِ أَحْواذٍ وأَنْتَ طَرُوبُ
وبُرْقَةُ أَخْرَم قالَ ابنُ هَرْمَة:
بلِوَى كُفافةَ أَو ببُرْقَةِ أَخْرَمٍ *** خِيَمٌ على آلائِهِنَّ وَشِيعُ
ويُرْوَى «بلِوَى سُوَيْقَةَ» وهكذا أَنْشَدَه ابنُ بَرِّيّ.
وبُرْقَةُ أَرْمامٍ قال النَّمِرُ بنُ تَوْلَبٍ رضي الله عنه:
فبُرْقَةُ أَرْمامٍ فجَنْبا مُتالِعٍ *** فوادِي المِياهِ، فالبَدِيُّ فأَنْجَلُ
وبُرْقَةُ أَرْوَى من بلادِ تَمِيم، وهو جَبَلٌ، قال حامِيَةُ بنُ نَصْرٍ الفُقَيْمِيُّ:
ببُرْقَةِ أَرْوَى والمَطِىُّ كأَنَّها *** قِداحٌ نَحاهَا باليَدَيْنِ مُفِيضُها
وبُرْقة أَعيار قالَ عُمَرُ بنُ أَبي رَبِيعَةَ المَخْزُومِيُّ:
أَلَمْ تَسْأَلِ الأَطْلالَ والمَنْزِلَ الخلَقْ *** ببُرْقَةِ أَعْيارٍ فَيُخْبِرَ إِنْ نَطَقْ؟
وبُرْقَةُ أَفْعَى قال زَيْدُ الخَيْلِ الطّائِيُّ ـ رضي الله عنه ـ:
فبُرْقَة أَفْعَى قد تَقادَمَ عَهْدُها *** فما إِنْ بِها إِلا النِّعاجُ المَطافِلُ
وبُرْقَةُ الأَمالِح قال كُثَيِّرٌ يذكُر رسمَ الدّارِ:
وَقَفْتُ بهِ مُسْتَعْجِمًا لبَيانِها *** سِفاهًا كحَبْسِي يومَ بُرْقِ الأَمالِحِ
وبُرْقَةُ الأَمْهارِ قال ابنُ مُقْبِلٍ:
ولاحَ ببُرْقَةِ الأَمْهارِ مِنْها *** لعَيْنِك ساطِعٌ من ضَوْءِ نارِ
وبُرْقَةُ أَنْقَذ بالذّالِ والدّالِ، ومن الأَخِيرِ قولُ الأَعْشَى:
إِنّ الغَوانِي لا يُواصِلْنَ امْرَأً *** فقَدَ الشَّبابَ وقد تُواصِلُ أَمْرَدَا
يا ليتَ شِعْرِي هَلْ أَعُودَنْ ثانيًا *** مِثْلِي زُمَيْنَ هُنا ببُرْقَةِ أَنْقَدَا
ويُرْوَى: «زُمَيْنَ أَحُلُّ بُرْقَةَ أَنْقَدَا» وزُمَيْنَ هنا أَي: يومَ الْتَقَيا، وقِيلَ: هُنا بمَعْنَى أَنا، وزَعَم أَبو عُبَيْدَةَ أَنّه أَرادَ بُرْقَةَ القُنْفُذِ الذي يَدْرُجُ، فكَنَى عنه للقافِيَةِ؛ إِذْ كان مَعْناهُما واحِدًا، والقُنْفُذُ لا يَنامُ اللّيلَ، بل يَرْعَى. وبُرْقَةُ الأَوْجَر قال:
بالشِّعْبِ من نَعْمانَ مَبْدًى لنا *** والبُرْقِ من خُضْرَةِ ذِي الأَوْجَرِ
وبَرْقَةُ ذي الأَوْداتِ جمع أَوْدَة، وهي الثِّقَلُ، قال جَرِيرٌ:
عَرَفْتُ ببُرْقَةِ الأَوْداتِ رَسْمًا *** مُحِيلًا طالَ عَهْدُكَ من رُسُومِ
هكذا أَنْشَدَه ابنُ فارِسٍ في كِتاب الدّاراتِ والبُرَقِ، وفي شِعْرِ جَرِيرٍ ببُرْقَةِ الوَدّاءِ، وسيأْتِي ذكرُها قَرِيبًا.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
77-تاج العروس (طلق)
[طلق]: طَلُقَ كَكَرُمَ طُلوقةً وطُلوقًا وهو طَلْق الوَجْه مُثَلَّثَة الطاء، الأَخِيرَتان عن ابنِ الأَعرابيّ، وجمع الطَّلْق طَلْقات. قال ابنُ الأَعرابيّ: ولا يُقالُ: أَوجهٌ طَوالِقُ إِلّا في الشِّعرِ.وطَلِقُ الوَجْه، كَكَتِفٍ، وأَمِيرٍ أَي: ضاحِكُه مُشْرِقُه وهو مَجاز. قال رُؤْبة:
وارِي الزِّنادِ مُسفِرُ البَشِيشِ *** طَلْقٌ إِذا استَكْرَشَ ذو التَّكْريشِ
وفي الحديث: «أَن تَلْقاه بوَجْه طَلِق».
وفي حَديثٍ آخر: «أَفضلُ الإِيمانِ أَن تُكَلِّم أَخاكَ وأَنتَ طَلِيقٌ» أَي مُستَبْشِر مُنْبَسِط الوَجْه. وقال أَبو زَيْد: رجل طَلِيقُ الوَجْه: ذو بِشْرٍ حَسَن. وطَلْق الوَجْه: إِذا كان سَخِيًّا.
ورجلٌ طَلْق اليَدَيْن، بالفَتْحِ وعليه اقتصرَ الجوهَرِيّ.
وطُلْق اليَدَيْن بالضم، نقله الصّاغانيّ وأَغفَله المُصنِّف قُصورًا.
وطُلُق اليَدَيْن بضَمَّتَيْن نقله الصاغانِيّ أَيضًا، وكذا طَلِيقُهما، نقله صاحِبُ اللِّسان، أَي: سَمْحُهُما، وكذلك المَرأَة، وقال حَفْصُ بنُ الأَخْيَف الكِنانيُّ:
نَفَرَت قَلُوصِي من حجارةِ حَرَّةٍ *** بُنِيَت على طَلْقِ اليَدَيْن وَهُوبِ
يَعنِي قَبرَ رَبِيعةَ بنِ مُكَدَّمٍ. وليس الشّعرُ لحسَّان رضي الله عنه، كما وَقَع في الحَماسةً والعَيْن.
قال الصاغانِيّ ورجل طَلِقْ اللِّسانِ، بالفَتْح، والكَسْر، وطَلِيقُه كأَمِير أَي: فَصِيحُه وهو مَجازٌ، وكذلك طُلَق، كصُرَدٍ.
ولِسانٌ طَلِقٌ ذَلِقٌ، فيه أَربعُ لُغات ذَكَرهُنّ الجوهريُّ، بالفَتْح، وطَلِيقٌ ذَلِيقٌ كأَمِير، وطُلُقٌ ذُلُقٌ، بضَمَّتَيْن، وطُلَق ذُلَق كصُرَد وأَنكره ابنُ الأَعرابي. وقالَ الكِسائيُّ: يُقالُ ذلكَ. وقالَ أَبو حاتِمٍ: وسُئل الأَصمعيُّ في طُلُقَ أَو طُلَقٍ، فقال: لا أَدْرِي لِسانٌ طُلُقٌ أَو طُلَقٌ.
وزاد الصاغانيُّ: لِسان طَلِقٌ ذَلِقٌ، مثل كَتِف أَي: ذُو انْطِلاق وحِدَّة منه حديثُ الرَّحم: «تتكَلَّمُ بلِسان طَلِقٍ ذَلِقٍ» رُوِي بكلِّ ما ذُكِر من اللُّغاتِ، وفي رواية: «بأَلْسِنَةٍ طُلُقٍ ذُلُقٍ.
ومن المَجاز: فَرسٌ طَلْقُ اليَدِ اليُمْنَى أَي: مُطْلَقُها ليس فيها تَحجِيل. ومنه الحَدِيث: «خَيرُ الخَيْل الأَدهَم الأَقرحُ المُحَجَلُ الأَرثَمُ طَلْقُ اليَدِ اليُمْنَى». فإِن لم يَكُنْ أَدْهَم فكُمَيْت على هذه الصِّفَة، وضَبَطه الجَوْهَرِيُّ بضَمَّتَين.
وتَقْيِيدُ المُصَنِّفِ اليدَ اليُمنى ليس بِشَرط بل أَيّ قائمةٍ من قوائِمها كانت، وكأَنّه أَرادَ بَيانَ لَفْظِ الحديثِ، فتَأَمّل.
وقالَ ابنُ عَبَّادٍ: الطَّلْقُ بالفتح: الظَّبْيُ، سُمِّيت لسُرعة عَدوِها ج: أَطلاقٌ.
والطَّلْق أَيضًا: كَلْبُ الصَّيْدِ لكونِه مُطْلقًا، أَو لسُرعة عَدْوه على الصيدِ.
والطَّلْقُ: النَّاقَةُ الغَيْر المُقَيَّدةِ، وكذا البَعِيرُ، والمَحْبوسُ كذا في العُبابِ. والذي في الصِّحاح: بَعِيرٌ طُلُق، ونَاقَةٌ طُلُق «بضَمِّ الطَّاءِ واللام» أَي: غير مُقَيَّدٍ. والجمعُ أَطْلاق.
وهكذا ضَبَطه الصاغانِيّ أَيضًا فَفِي سياقِ المُصَنِّف مَحلُّ نَظَر، ويَشْهَد لذلِك أَيضًا قولُ أَبي نَصْر: ناقَةٌ طَالِقٌ وطُلُق: لا قَيْدَ عليها، وطُلُقٌ أَكثرُ مما سيأْتي.
ومن المَجازِ: يومٌ طَلْقٌ بَيِّنُ الطَّلاقَةِ: مُشْرِق لا حَرَّ فيه ولا قُرَّ يُؤْذِيانِ، وقِيلَ: لا مَطَرَ، وقيلَ: لا رِيحَ، وقِيلَ: هو اللَّيِّنُ القُرِّ، من أَيّام طَلْقاتٍ، بسُكُون الَّلامِ أَيضًا. قال رُؤبَةُ:
أَلَّا نُبالِي إِذْ بَدَرْنا الشَّرْقَا *** أَيَومُ نَحْسٍ أَمْ يكونُ طَلْقَا
وقالَ أَبو عَمْروٍ: ليلة طلْقٌ لا بَرْدَ فيها. قال أَوسُ بنُ حَجَرٍ:
خُذِلْتُ على ليلةٍ ساهِرَهْ *** بصحراءِ شَرْجٍ إِلى ناظِرَهْ
تُزادُ لَياليَّ في طُولِها *** فلَيْسَتْ بطَلْقٍ ولا سَاكِرَهْ
أَي: ساكنة الريح. وقال ابن دِرَيد: ليلة طَلْقَة، قالَ: وربما سُمِّيت الَّليْلَةُ القَمْراءُ طَلْقة.
وقِيلَ: ليلَةٌ طَلْقَةٌ، وطَالِقَةٌ أَي: ساكِنةٌ مُضِيئةٌ.
وليالٍ طَوَالِقُ: طَيِّبَةٌ لا حَرَّ فيها ولا بَرْد. قال كُثَيِّر:
يُرشِّحُ نَبْتًا ناضِرًا ويَزِينُه *** ندىً وليالٍ بعد ذاكَ طَوالِقُ
وزَعَمَ أَبو حَنِيفةَ أَنَّ واحدةَ الطّوالِق طَلْقة، وقد غَلِط لأَنّ فَعْلة لا تُكسَّر على فَواعِلَ إِلَّا أَنْ يَشِذَّ شَيْءٌ. وقد طَلُق فِيهِما أَي: في اليَوْمِ واللَّيْلةِ كَكَرُم طُلوقَةً بالضَّم وطَلاقةً بالفتح.
وطَلْقُ بنُ علِيّ بنِ طَلْق بنِ عمرو، ويُقال: ابنُ قَيْس الرَّبَعِيّ الحَنفِيّ السُّحَيْميّ: والد قَيْسِ بنِ طَلْق، له وفادة وعِدَّةُ أَحادِيثَ، وعنه وَلَداه: قَيْس وخَلْدةُ وغَيْرهما.
وطَلْقُ بنُ خُشَّافٍ قاله مُسلِمُ بنُ إِبراهيم، قال: حدَّثنا سَوادَةُ بنُ أَبِي الأَسودِ القَيْسِيُّ عن أَبيه أَنه سَمِعَ طَلْقًا، وخُشَّاف، كرُمّانٍ: تقدَّم ذِكرُه في مَحَلِّه، وذكَره ابنُ حِبّان في ثِقاتِ التّابِعينَ، وقالَ: إِنه من بَنِي بكرِ بنِ وَائِل بنِ قَيْسِ بنِ ثَعْلَبةَ، يَروِي عن عُثْمانَ، وعائِشةَ، وعنْه سَوادُ بنُ مُسلِم بنِ أَبِي الأَسودِ، فتَأَمَّل ذلك.
وطَلْقُ بنُ يَزِيد أَو يَزِيدُ بن طَلْق، روى عنه مُسلِمُ بنُ سلام في مسند أَحمد.
وطُلَيْق، كَزُبَيْر، ابن سُفْيانَ بنِ أُمَيَّة بنِ عَبْد شَمْس: صحابِيُّون رضي الله عنهم. والأَخِيرُ من المُؤَلَّفةِ قُلُوبُهم، كما قالَه الذَّهَبِيُّ وابنُ فَهْدٍ، وكذلك ابنُه حَكِيمُ بنُ طُلَيْق.
وقد أَغْفَلَ المُصَنِّفُ ذكرَ طُلَيقٍ في المُؤَلَّفةِ قلوبُهم في «أ ل ف» وذكر ابنَه حَكِيمًا فقط، وقد نَبَّهْنا على ذلك هناك.
وفاته: عليُّ بنُ طَلْقِ بنِ حَبيبٍ العَنَزِيُّ يَروِي عن جابِرٍ وابْنِ الزُّبير وأَنَس، وعنه عَمْرُو بنُ دِينار. وطُلَيقُ بنُ مُحَمّدٍ، وطُلَيْقُ بن قَيْسَ: تابِعِيّان.
وطَلْقَة: فَرَسُ صَخْرِ بنِ عَمْروِ بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ.
ويُقال: طُلِقَت المرأَة كعُنِي تُطْلَقُ في المَخاضِ طَلْقًا، وكذلك طَلُقَت بضم اللام، وهي لُغَيَّة: أَصابَها وَجَعُ الوِلادَةِ. والطَّلْقةُ: المَرَّة الواحِدَة، ومنه الحَدِيثُ: «أَنَّ رَجُلًا حَجَّ بأُمِّه، فحَمَلَها على عاتِقِه، فسأَله: هل قَضَى حَقَّها؟ قالَ: ولا طَلْقة واحِدَة».
وامْرأَة مَطْلُوقة: ضَرَبَها الطَّلْقُ.
ومن المَجاز: طَلَقت المَرْأَةُ من زَوْجِها، كنَصَر، وكَرُم، طَلاقًا: بانَتْ قالَ ابنُ الأَعرابيّ: طَلُقت من الطَّلاق أَجوَدُ، وطَلَقَتْ، بفَتْحِ اللَّام جائِزٌ، ومن الطَّلْقِ طُلِقَتْ بالضَّمّ.
وقال ثَعْلب: طَلَقت بالفَتْح تَطلُق طَلاقًا، وطَلُقت، والضَّم أَكثرُ.
وقال الأَخفشُ: لا يُقال: طَلُقت بالضَّمّ. قالَ ابنُ الأَعرابِيِّ: وكُلُّهم يَقولُ: فهي طالِقٌ بغيرِ هاءٍ ج: طُلَّق كَرُكَّع وقالَ الأَخْفَشُ: طالِقٌ وطَالِقَةٌ غدًا. قال اللَّيْثُ: وكذلك كُلُّ فاعِلَةٍ تُسْتَأْنَفُ لَزِمَتْها الهاءُ. قال الأَعْشَى:
أَيا جارَتِي بِينِي فإِنَّكِ طالِقَهْ *** كَذاكِ أُمورُ النّاسِ غادٍ وطارِقَهْ
وقال غيرُه: قال: طَالِقَةٌ على الفِعْل؛ لأَنّها يُقال لها: قد طَلَقَتْ، فبَنَى النَّعْتَ على الفِعْل، ج: طَوَالِقُ.
وفي العُبابِ: طَلاقُ المَرْأَة يكونُ بمَعْنَيَيْن: أَحدُهما: حَلُّ عُقْدةِ النِّكاح، والآخر: بمَعْنَى التِّركِ والإِرسال. وفي اللِّسانِ: في حَدِيثِ عُثْمان وزَيْد: «الطَّلاقُ بالرِجالِ، والعِدَّةُ بالنّساءِ» هذا مُتَعَلِّقٌ بهؤُلاءِ، وهذِه مُتَعلِّقَةٌ بهؤُلاءِ، فالرَّجلُ يُطلِّقُ، والمَرأَةُ تَعْتَدُّ. وقيل: أَرادَ أَنَّ الطَّلاقَ يتعَلَّقُ بالزَّواجِ في حُرِّيَّته ورِقِّه، وكذلك العِدَّةُ بالمَرْأَةِ في الحالَتَيْنِ. وفيه بَيْنَ الفُقَهاءِ خِلافٌ، فمِنْهم مَنْ يقولُ: إِن الحُرَّة إِذا كانت تَحْتَ العَبْدِ لا تَبِين إِلا بِثَلاثٍ، وتَبِينُ الأَمةُ تَحْتَ الحُرِّ باثْنَتَينِ. ومنهم مَنْ يَقُولُ: إِن الحُرَّة تَبِينُ تَحتَ العَبْدِ بإثْنَتَين، ولا تَبِينُ الأَمَةُ تحتَ الحُرِّ بأَقَلَّ من ثَلاثٍ.
ومنهم مَنْ يَقُولُ: إِذا كانَ الزَّوْجُ عَبْدًا وهي حُرَّة، أَو بالعَكْس، أَو كانا عَبْدَينِ فإِنَّها تَبِين باثْنَتَين. وأَمَّا العِدَّةُ فإِنَّ المرأَةَ إِن كانت حُرَّةً اعتدَّت للوفَاةِ أَربعةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا، وبالطَّلاقِ ثَلاثَة أَطْهار، او ثَلاثَ حِيَضٍ، تحت حُرٍّ كانت أَو عَبْدٍ، فإِن كانت أَمةً اعتدَّتْ شَهْرَينِ وخَمْسًا، أَو طُهْرَينِ، أَو حَيْضَتَيْنِ تحتَ عَبْدٍ كانَتْ أَو حُرٍّ.
وأَطْلَقَها بَعْلُها وطَلَّقها إِطْلاقًا وتَطْلِيقًا فهو مِطْلَاقٌ ومِطْلِيقٌ كمُحْراب ومِسْكِينٍ. ومنه حدِيثُ عليٍّ رضي الله عنه: «إِنَّ الحَسَنَ مِطْلاقٌ فلا تُزَوِّجُوه؟».
ورجل طُلَقَةٌ وطِلِّيقٌ كهُمَزَة وسِكِّيتٍ: كَثِيرٌ التَّطْلِيقِ للنِّساءِ، وقد رُوِي في حَدِيثِ الحَسَن: «إِنَّكَ رَجُلٌ طِلِّيقٌ».
والطالِقَةُ من الإِبِل: ناقَةٌ تُرْسَلُ في المرعَى، قاله ابنُ الأَعرابيّ. وقال اللَّيْثُ: تُرسَلُ في الحَيِّ تَرْعَى من جَنابِهم حَيْثُ شَاءَت لا تُعْقَلُ إِذا راحَتْ، ولا تُنَحَّى في المَسْرحِ.
وأَنشدَ لأَبِي ذُؤَيْب الهُذَلِيّ:
غَدَتْ وهي مَحْشُوكَةٌ طالِقٌ
وأَنْشَدَ في تَرْكِيبِ «ح ش ك»:
غَدَتْ وهي مَحْشُوكَةٌ حافِلٌ *** فَراحَ الذِّئارُ عليها صَحِيحَا
قال الصّاغانِيُّ: لم أَجِدِ البيتَ في قَصِيدَته المَذْكورة في دِيوانِ الهُذَلِيّين، وهي ثلاثة وعِشْرُون بيتًا.
أَو هي التي يتْرُكُها الرَّاعِي لِنَفْسِه، فلا يَحْتَلِبُها على الماءِ، كما في العُبابِ. وقال الشَّيْبانيُّ: هي التي يتْركها الرَّاعي بصِرارِها، وأَنْشَد للحُطَيْئةِ:
أَقِيمُوا على المِعْزَى بدارِ أَبِيكُمُ *** تَسُوفُ الشِّمالَ بين صَبْحَى وطَالِقِ
قالَ: الصَّبْحَى: التي يَحْتَلِبُها في مَبْرَكِها يَصْطَبِحُها.
والطَّالِقُ: التي يتْرُكُها بصِرارِها فلا يَحْتَلِبُها في مَبْرَكها.
ومن المجاز: طَلَق يده بِخَيْر وبمالٍ، وكَذَا في خَيْر، وفي مال يطْلِقُها بالكسرِ طَلْقًا: فَتَحها كأَطْلَقَها. قال الشاعر:
اطْلُق يَديْك تَنْفَعاكَ يا رجُلْ *** بالرَّيْثِ ما أَروَيْتَها لا بالعَجَلْ
ويروى: أَطْلِقْ، وهكذا أَنشدَه ثَعلَبٌ. نقَلَه أَبو عُبَيد، ورواه الكِسائيُّ في باب فَعَلْتُ وأَفْعَلْتُ. ويدُه مَطْلوقة ومُطْلَقة، أَي: مَفْتُوحة، ثم إِنَّ ظاهِر سِياقِه أَنه من بابِ ضَرَب؛ لأَنَّه ذَكَرَ الآتِي على ما هو اصْطِلاحه. والجَوهَرِيُّ جَعلَه من باب نَصَر، فإِنَّه قال ـ بَعْدَ ما أَوْرَدَ البَيْت ـ: يُرْوَى بالضَّمِّ والفَتْحِ، فتأَمَّل.
وقالَ ابنُ عبّادٍ: طَلَق الشيءَ، أَي: أَعطاه.
قال: وطَلِق كسَمِع: إِذا تَباعَدَ.
والطَّلِيقُ كأَمِيرٍ: الأَسِيرُ الذي أُطْلِقَ عنه إِسارُه وخُلِّي سَبِيلُه. قال يَزِيدُ بنُ مُفَزِّعٍ:
عَدَس ما لِعَبَّادٍ عَليكِ إِمارةٌ *** نَجوْتِ وهذا تَحْمَلِين طَلِيقُ
وقد تقدمت قصته في «ع بلد س».
وطَلِيقُ الإِله: الرِّيحُ، نَقَله الصّاغانِيُّ. وهو مَجازٌ، وأَنشَدَ سِيبَوَيْهُ:
طَلِيق الله لم يَمْنُنْ عليه *** أَبو دَاودَ وابنُ أَبي كَبِيرِ
ومن المَجاز: الطِّلْقُ، بالكَسْرِ: الحَلالُ وهو المُطْلَق الذي لا حَصْر عليه. يُقالُ: أَعطيتُه من طِلْقِ مالِي، أَي: من صَفْوِه وَطَيِّبه. وَهُو لَكَ طِلْقًا. ويُقال: هذا حَلالٌ طِلْقٌ، وحَرامٌ غِلْقٌ. وفي الحَدِيث: «الخَيْلُ طِلْق» يَعنِي أَنَّ الرِّهانَ على الخَيْلِ حَلالٌ.
ويُقالُ: أَنتَ طِلْقٌ منه أَي: خارِجٌ منه. وقيل: بَرِيءٌ.
وطِلْقُ الإِبِل. ظاهِرُ سِياقه أَنَّه بالكَسْر، والذي في الصحاح والعُباب بالتَّحْرِيك، ونصُّهما ـ بعدَ ذِكْرِ قوله: عدا طَلَقا أَو طَلَقَيْن ـ: والطَّلَق أَيضًا: سَيْرُ اللَّيل لوِرْد الغِبِّ؛ وهو أَن يَكُون بَيْنَها أَي: الإِبِل وبَيْنَ المَاءِ لَيْلَتَان. فاللَّيلةُ الأُولَى الطَّلَقُ هكذا ضَبَطاه بالتَّحْرِيك، قالا: لأَنَّ الرَّاعيَ يُخَلِّيها إِلى الماءِ، ويَتْرُكُها مع ذلِك تَرْعَى في سَيْرِها، فالإِبلُ بعدَ التَّحْوِيزِ طَوالِقُ، وفي اللَّيلةِ الثَّانِيَة قَوارِبُ.
ونقل أَبو عُبَيْدٍ عن أَبِي زَيْدٍ: أَطلَقْتُ الإِبلَ إِلى الماءِ حتى طَلَقَتْ طَلْقًا وطُلُوقًا، والاسْمُ الطَّلَقُ بفَتْح اللام.
وقال الأَصمَعِيُّ: طَلَقَت الإِبِلُ فهي تَطلُق طَلْقًا، وذلِك إِذا كانَ بينَها وبَيْنَ الماءِ يَوْمان، فاليومُ الأَول الطَّلَقُ، والثَّانِي القَرَب. وقالَ: إِذا خَلَّى وُجوهَ الإِبِلِ إِلى الماءِ، وتَرَكَها في ذلك تَرْعَى ليلَتَه فهي لَيْلَةُ الطَّلَقِ، وإِن كانَت اللَّيلة الثّانِية فهي لَيْلَة القَرَبِ، وهو السَّوقُ الشَّدِيدُ.
وقالَ غيرُه: ليلةُ الطَّلَقِ: اللَّيْلَةُ الثّانِية من لَيالِي تَوجُّهِها إِلى الماءِ.
وقال ثَعْلَبٌ: إِذا كان بَيْنَ الإِبلِ والماءِ يَوْمان، فأَوَّلُ يومٍ يُطْلَبُ فيه الماءُ هو القَرَبُ. والثانِي هو الطَّلَقُ.
وقِيلَ: لَيْلَة الطَّلَقِ: أَنْ يُخلِّيَ وُجوهَها إِلى الماءِ، عَبَّر عن الزّمانِ بالحَدَثِ. قال ابنُ سِيدَه: ولا يُعجِبُني.
والطَّلَقُ بالتَّحْرِيك: المِعَى. وقالُوا: الطَّلَقُ: القِتْبُ في بَعْضِ اللُّغات ج: أَطْلاقٌ كسَبَبٍ وأَسْبابٍ قاله ابنُ دُرَيْدٍ. وقال أَبو عُبَيدَةَ: في البَطْنِ أَطْلاقٌ، واحِدُها طَلَقٌ، بالتحريكِ وهو طَرائِقُ البَطْنِ، وقالَ غَيرُه: طَلَقُ البَطْنِ: جُدَّتُه، والجَمْعُ أَطْلاقٌ، وأَنْشَد:
تَقاذَفْن أَطْلاقًا وقارَبَ خَطْوَه *** عن الذَّوْدِ تَقْرِيبٌ وهُنَّ حَبائِبُه
قُلتُ: وهذا أَيضًا يُخالِفُ سِياقَ المُصنِّف، فإِنَّ ظاهِرَه أَن يَكونَ بالكَسْرِ، وهذا يَدُلُّكَ على أَنَّ طَلَق الإِبل بالتَّحْرِيك كما صَوَّبْناه، فتَأَمَّل.
والطَّلْق: الشُّبْرُمُ، نقله ابنُ عَبَّاد، وضَبَطَه بالفَتْح، أَو نَبْتٌ يُسْتَعْمَل في الأَصبَاغِ نَقلَه ابنُ عَبَّادٍ أَيضًا: وقالَ الأَصمَعِيُّ: يُقالُ لضَرْبٍ من الدَّواءِ، أَو نَبْتٍ: طَلَقٌ، مُحرَّك اللّام، نقله الأَزهرِيّ. وقال غيرُه: هو نَبت تُسْتَخرَج عُصارَتُه فيتَطَلَّى به الذين يَدْخُلُون النّارَ أَو هذَا وَهَمٌ أَي ما نَقَلَهُ ابنُ عَبّاد والأَصمَعِيُّ. وقال في ابنِ عَبَّاد: لم يَعْمَل شَيْئًا، وهو لَيْس بنَبْت، إِنَّما هو من جِنْسِ الأَحْجار واللِّخافِ، ولعلَّه سَمِع أَنَّ الطَّلْقَ يُسَمَّى كَوْكَب الأَرْض، فتَوَهَّم أَنه نَبْت، ولو كان نَبْتًا لأَحرقَتْه النّار، وهي لا تَحرقُه إِلا بحِيَل، وهو مُعَرَّب «تَلْك».
والطِّلْق: النَّصِيبُ نَقَله ابنُ عبّادٍ، وضَبَطَه بالتَّحْرِيكِ.
وفي الأَساسِ: أَصبتُ من مالِه طَلَقًا، أَي: نَصِيبًا، وهو مَجاز، وأَصْلُه من طَلَقِ الفَرَس.
والطِّلْق أَيضًا: الشَّوْطُ الواحدُ في جَرْيِ الخَيْلِ، ضَبَطه الجوهريّ والصّاغانيّ وابنُ الأَثِير بالتَّحْرِيك.
وقد عَدَا الفَرسُ طِلْقًا أَو طِلْقَيْن أَي: شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ.
ولم يُخَصِّصْ في التَّهذِيبِ بفَرَسٍ ولا غَيْرِه. وفي الحَدِيثِ: «فَرَفعْتُ فَرَسِي طَلَقًا أَو طَلَقَيْنِ». قال ابنُ الأَثِير: هو بالتَّحْرِيك: الشَّوط والغَايةُ التي يَجْري إِليها الفَرَسُ.
والطَّلَق، بالتَّحْرِيك: قَيْدٌ من جُلُودٍ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
وفي المُحْكَمِ: قَيْدٌ من أَدَمٍ، قالَ رُؤْبةُ يَصِفُ حِمارًا:
مُحَمْلَجٌ أُدرِجَ إِدراجَ الطَّلَقْ
وفُسِّر بالحَبْل الشَّدِيد الفَتْل حتى يَقُومَ. وقالَ الراجِزُ:
عَوْدٌ على عَوْدٍ على عَوْدٍ خَلَقْ
كأَنَّها واللَّيلُ يَرْمِي بالغَسَقْ *** مَشاجِبٌ وفِلْقُ سَقْبٍ وطَلَقْ
شَبَّه الرّجُلَ بالمِشْجَبِ؛ ليُبْسه وقِلّة لَحْمِه، وشَبَّه الجَمَل بفِلْقِ سَقْب. والسَّقْب: خشبةٌ من خَشَبات البيت. وشَبَّه الطَّرِيقَ بالطَّلَقِ، وهو قَيْدٌ من أَدَمٍ. وفي حَدِيث حُنَيْنٍ: «ثُمّ انتَزَعَ طَلَقًا من حَقَبِه فقيَّدَ به الجَمَل». وفي حَدِيثِ ابنِ عَبّاسٍ: «الحَياءُ والإِيمانُ مَقْرونانِ في طَلَقٍ» وهو حَبْل مَفْتولٌ شَدِيدُ الفَتْلِ، أَي: هما مُجْتَمِعان لا يَفتَرِقان، كأَنَّهما قد شُدَّا في حَبْلٍ أَو قَيْدٍ.
والطَّلَق: النَّصِيبُ عن ابنِ عَبَّاد، وهو أَصابَ في ذِكْره هُنَا، وقد أَخْطَأَ المُصنِّفُ حيث ذَكَره مَرَّتَين.
والطَّلَقُ: سَيْرُ اللَّيْل لوِرْدِ الغِبِّ نقله الجوهَرِيُّ والصاغانِيُّ، وهو طَلَقُ الإِبل الذي تقدَّم، وهو تَفْسِيرٌ عن هذا، وقد أَخْطَأَ المُصنِّف في التَّفرِيق بينهما.
ويُقالُ: حُبِسَ فُلانٌ في السِّجْن طَلْقًا، ويُضَمُّ، والصَّوابُ بضَمَّتَيْن أَي: بلا قَيْد ولا وَثاقٍ ولا كَبْلٍ.
والطَّلَقُ: دَواءٌ إِذا طُلِيَ به أَي بعُصارَتِه بعد ما تُسْتَخْرَجُ منه مَنعَ من حَرْق النَّار كما تَقَدَّم، والمَشْهُورُ فيه سُكُونُ اللَّام نقلَه الصاغانِيُّ، أَو هو لَحْنٌ والصوابُ التَّحْرِيك، كما نقله الأَزهرِيُّ وغيرُه. قال الصاغانيُّ: وهو مُعرَّب تَلْك.
وحَكَى أَبُو حَاتِم عن الأَصمعيِّ: طِلْق بالكسرِ، كمِثْل. قالَ الصّاغانِيُّ: وَهُوَ من جِنْس الأَحْجارِ واللِّخافِ، وليس بنَبْتٍ.
وقال الرَّئيسُ: هو حَجَرٌ بَرّاقٌ يَتَشظَّى إِذا دُقَّ صَفائِحَ وشَظَايَا، يُتَّخَذُ منها مَضاوِيَ للحَمَّامَاتِ بَدَلًا عن الزُّجَاجِ، وأَجوَدُه اليَمَانِيُّ، ثم الهِنْدِيُّ، ثم الأَنْدَلُسِيُّ. وقالُوا: مَنْ عَرَف حَلَّ الطِّلْقِ استَغْنَى عن الخلْق. والحِيلَةُ في حَلِّه: أَنْ يُجْعَلَ في خِرْقَة مع حَصَواتٍ، ويُدْخَلَ في المَاءِ الفَاتِر، ثم يُحَرَّكَ برِفْقٍ حتى يَنْحَلَّ، ويَخْرُجَ من الخِرْقَةِ في الماءِ، ثم يُصَفَّى عنه الماءُ، ويُشَمَّس لِيَجِفَّ.
وناقَةٌ طالِقٌ: أَي بلا خِطامٍ عن ابنِ دُرَيْدٍ. وقالَ غيرُه: بلا عِقالٍ، وأَنْشَدَ:
مُعقَّلات العِيسِ أَو طَوالِق
أَي قد طَلَقت عن العِقال، فَهي طالِقٌ: لا تُحْبَسُ عن الإِبِل.
أَو طالِقٌ: مُتَوَجِّهَةٌ إِلى الماءِ، وقال أَبو نَصْر: الطّالِقُ، هي التي تَنْطَلِقُ إِلى الماءِ كالمِطْلاقِ والجَمْع أَطْلاقٌ، ومَطالِيقُ، كصاحِبٍ وأَصْحاب، ومِحْرابٍ ومَحارِيبَ.
أَو هي الَّتِي تُتْرَك يَوْمًا ولَيْلةً ثم تُحْلَبُ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ لابنِ هَرْمةَ:
تُشْلَى كَبِيرتُها فتُحلَبُ طالِقًا *** ويُرمِّقُونَ صِغارَها تَرْمِيقَا
والجَمْع: طَلَقة، ككَاتِبٍ وكَتَبةٍ. وقالَ أَبو عَمْروٍ: الطَّلَقَةُ من الإِبِلِ: التي تُحْلَبُ في المَرْعَى.
وأَطْلَق الأَسِيرَ: إِذا خَلَّاهُ وسَرَّحهُ، فهو مُطلَقٌ، وفي الحَدِيث: «أَطْلِقُوا ثُمامَة»، وكذلك أَطْلَقَ عنهُ. قالَ عَبْدُ يَغُوثَ بنُ وقّاص الحارِثيُّ:
أَقولُ وقَدْ شَدُّوا لِسانِي بنِسْعَةٍ: *** أَمَعْشَر تَيْمٍ أَطْلِقُوا عن لِسانِيَا
وقالَ ابنُ الأَعْرابِيِّ: أَطْلَقَ عَدُوَّه: إِذا سَقاه سَمًّا.
قالَ: وأَطلَقَ نَخْلَه وذلك إِذا كانَ طَوِيلًا فأَ لقحه فهو مُطلَق، أَي: مُلْقَحٌ، قالَ: كطَلَّقَهُ تَطْلِيقًا وهو مَجازٌ.
وأَطْلَقَ القَوْمُ فهم مُطْلِقُون: طَلَقَت إِبِلُهم، وفي المُحْكَم: إِذا كانَت إِبلُهم طوَالِقَ في طَلَب الماءِ.
وطُلِّقَ السَّلِيمُ، بالضَّمّ تَطْلِيقًا: إِذا رَجَعَتْ إِليه نَفْسُه، وسَكَنَ وَجَعَهُ بعد العِدَادِ، وفي المُفْرداتِ: طُلِّقَ السَّلِيم: خَلّاهُ الوَجَعُ، قال النابِغَةُ الذُّبيانِيّ:
تَناذَرَها الرَّاقُونَ من سُوءِ سُمِّها *** تُطلِّقُهُ طَوْرًا وطَوْرا تُراجِعُ
وقالَ رَجلٌ من رَبِيعَةَ:
تَبِيتُ الهُمومُ الطّارِقاتُ يَعُدْنَنِي *** كما تَعْتَرِي الأَهْوالُ رأْسَ المُطَلَّقِ
أَرادَ تَعْتَرِيه.
والمُطَلِّقُ كمُحَدِّث: مَنْ يُرِيدُ يُسابِقُ بِفَرَسِه سُمِّيَ به لأَنَّه لا يَدْرِي: أَيَسْبِقُ أَم يُسْبَقُ؟ ومن المَجازِ قَوْلُهم: انْطَلَق يَفعَلُ كَذا، مثلُ قولِكَ: ذَهَبَ يقدم. وقال الراغِبُ: انطَلَق فُلانٌ إِذا مَرَّ مُنْخَلِعًا.
ومنه قَولُه تعالى: {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ}، {انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}، وقالَ ابنُ الأَثير: الانْطِلاقُ: سُرْعَةُ الذَّهابِ في أَصْلِ المِحْنَةِ.
ومن المَجازِ: انْطلَق وَجْهُه أَي: انْبَسَط.
وانطُلِقَ به مبنِيًّا للمَفْعول: إِذا ذُهِب به قالَ الجوهَرِيُّ: كما يُقال انقُطِع به.
قالَ: وتَصْغِير مُنْطَلِق مُطَيْلِق، وإِن شِئتَ عَوَّضْتَ من النُّونِ وقُلتَ: مُطَيْلِيقٌ.
وتَصْغِيرُ الانْطِلاق نُطَيْلِيق؛ لأنك حَذَفْتَ ألِفَ الوَصْلِ لأَنَّ أَولَ الاسْمِ يَلْزَمُ تَحرِيكُه بالضَّمّ للتَّحْقِير، فتسقُط الهَمْزة لِزَوالِ السُّكونِ الذي كانَت الهَمْزَة اجْتُلِبَتْ له، فبَقِي نُطْلاق، ووقَعَتْ الأَلفُ رابِعَةً، فلِذلك وَجَب فيه التَّعْويض، كما تَقُولُ: دُنَيْنِير؛ لأَنَّ حرفَ اللِّينِ إِذا كانَ رابِعًا ثَبَتَ البَدَلُ منه، فلم يَسْقُطْ إِلّا في ضَرُورةِ الشِّعرِ، أَو يكونُ بعدَه ياءٌ، كقَوْلِهم في جَمع أُثْفِيَّة: أَثافٍ، فقِسْ على ذلِك، هكذا هو نَصُّ الجَوْهري والصاغانِيّ. وسَوْقُ هذه العِبارَة الكثيِرةِ الفائدة أَوْلَى من سَوْق الأَمثال والقِصَص مِمَّا حَشَى بها كِتابَه وأَخرجَه من حدِّ الاخْتِصار. وسَيأْتِيك قريبًا بعدَ هذا التَّركيب في الطَّوق ما لم يَحْتَج إِليه من التَّطْويل، والكَمال لله سبحانه.
ثم إِنَّ قولَ الجَوْهرِيِّ، فبَقي نَطلاق هكذا هو مَضْبوطٌ بالفَتْح، والصَّواب كَسْرُ نُونِه؛ لأَنّه لَيْسَ في الكلامِ نَفعال.
واستِطْلاقُ البَطْنِ: مَشْيُهُ وخُروجُ ما فيه، وهو الإِسْهال، ومنه الحَدِيثُ: «إِنّ رَجُلًا اسْتَطْلَقَ بَطنُه».
وتَصْغِيرُ الاسْتِطْلاق: تُطَيْلِيق.
وتَطَلَّقَ الظَّبْيُ: إِذا استَنَّ في عَدْوِه فمَضَى ومَرَّ لا يَلْوِي عَلَى شَيْءٍ وهو تَفعَّل، قاله الجوهَرِيّ.
وقالَ أَبو عُبَيد: تَطَلَّق الفَرسُ: إِذا بَالَ بعدَ الجَرْيِ وهو مَجازٌ. وأَنْشد:
فصادَ ثَلاثًا كَجِزع النِّظا *** مِ لم يَتَطَلَّقْ ولم يُغْسَلِ
معنى لم يُغْسَلِ: لم يَعْرَقْ.
ويُقال: ما تَطَّلِقُ نَفسُه لهذا الأَمر، كتَفْتَعِل أي: لا تَنْشَرِحُ نَقَلَهُ الجَوهرِيُّ، قالَ: وتصغيرُ الاطِّلاق طُتَيْلِيق بقَلْب الطّاءِ تاءً؛ لتَحَرُّك الطَّاء الأُولى، كما تَقُول في تَصْغِير اضْطِراب: ضُتَيْرِيب، تَقْلِبُ الطاءَ تاءً، لتَحَرُّك الضّاد.
وطَالَقانُ، كخَابَران: د، بين بَلْخَ ومَرْوِ الرُّوذِ مما يَلِي الجَبَلَ، منه أَبو مُحَمَّدٍ مَحْمودُ بنُ خِداشٍ الطَالَقَانِيُّ سَكَن بِبَغْدادَ، ورَوَى عن يَزِيدَ بنِ هَارون، وابنِ المُبارَك، والفَضْل، وعنه إِبراهيمُ الحَرْبيُّ وأَبو يَعْلَى المَوْصِليّ، ماتَ في شعبان سنة 250 عن تِسْعِين سنة.
وطَالَقانُ أَيضًا: د، أَو كُورَةٌ بَيْن قَزْوِين وأَبْهَر، منه الصاحِبُ إِسماعيلُ بنُ أَبي الحَسَنِ بنِ عَبّاد بنِ العَبّاسِ بن عَبَّادٍ، مُؤَلِّف كتابِ المُحِيطِ في اللُّغَةِ، وقد جَمَعَ فيهِ فأَوعَى، ووالِدُه كانَ من المُحَدِّثِينَ، سَمِعَ عن جَعْفَرٍ الفِرْيابِيّ، وعنه أَبو الشيخ، وتوفي سنة 335 وكان وَزِيرًا لِدَوْلَةِ آل بُوَيْهِ.
ومن طَالَقانَ هذه أَيضًا: أَبو الخَيْرِ أَحمدُ بنُ إِسماعِيلَ بنِ يُوسُف الطَّالَقانِيُّ القَزْوِينِيُّ الشافعيّ، أَحد المُدَرِّسينَ في النِّظامِيَّة ببغداد، سمع بنَيْسابُورَ أَبا عَبْدِ الله الفَزارِيِّ، وماتَ بقَزْوِينَ سنة 550.
* ومما يُسْتَدْرَكُ عليه:
رَجُلٌ طَلَّاق، كشَدَّادٍ: كَثِيرُ الطَّلاق نقله الزَّمَخْشَرِيُّ.
وطَلَّق البِلاد: تَركَها، عن ابنِ الأَعرابِيِّ وهو مجاز، وأَنشد:
مُراجِعُ نَجْدٍ بعدَ فِرْكٍ وبِغْضَةٍ *** مُطلِّقُ بُصْرَى أَشعثُ الرّأْسِ جافِلُه
قال: وقالَ العُقَيْليّ، وسأَله الكِسائيُّ فقالَ: أَطَلَّقْتَ امرأَتَك؟ فقال: نَعَم والأَرضَ من وَرائِها.
وطَلَّقْتُ القومَ: تَرَكتُهم، وأَنْشَد لابنِ أَحْمرَ:
غَطارِفَةٌ يَرَوْنَ المَجْدَ غُنْمًا *** إِذا ما طَلَّقَ البَرِمُ العِيالا
أَي: تَرَكَهم كما يَتْرُكُ الرجلُ المَرْأَةَ.
ويُقالُ للإِنسانِ إِذا عَتَق: طَلِيق، أَي: صارَ حُرًّا.
وأَطْلَقَ النَّاقةَ من عِقالِها، وطَلَّقها فطَلَقَت هي، بالفَتْح.
ونَعْجَةٌ طَالِق: مُخَلّاةٌ تَرْعَى وَحْدَها.
وفي الحَدِيث: «الطُّلَقاءُ من قُرَيْش، والعُتَقاءُ من ثَقِيف». كأَنَّه مَيَّزَ قُرَيْشًا بهذا الاسْمِ، حَيْث هو أَحْسَنُ من العُتَقاءِ.
وقالَ ثَعْلَبٌ: الطُّلَقاءُ: الذين أُدْخِلُوا في الإِسلامِ كُرْهًا.
واسْتَطْلقَ الرَّاعِي ناقَةً لنَفْسِه: حَبَسَها.
والإِطْلاقُ: الحَلُّ والإِرْسال.
والمُطْلَقُ من الأَحْكام: ما لا يَقَع فيه اسْتِثْناء.
والماءُ المُطْلَق: ما سَقَطَ عنه القَيْد.
وأَطلقَ النّاقةَ، فهو مُطلِقْ: ساقَها إِلى الماءِ. قال ذُو الرُّمَّة:
قِرانًا وأَشْتاتًا وحادٍ يَسُوقُها *** إِلى الماءِ من حَوْرِ التَّنُوفَة مُطلِقُ
وإِذا خَلَّى الرّجلُ عن ناقَته قِيلَ: طَلَّقَها، والعَيْرُ إِذا جازَ عانَتَه، ثم خَلَّى عَنْها قِيلَ: طَلَّقَها، وإِذا استَعْصَتِ العَانَةُ عليه ثُم انْقَدْنَ له قِيلَ: طَلَّقْنه، قال رُؤْبَةُ:
طلَّقْنَهُ فاستَوْرَدَ العَدامِلَا
والإِطْلاقُ في القَائِمة: أَنْ لا يَكون فيها وَضَحٌ. وقومٌ يَجْعَلُونَ الإِطْلاقَ: أَنْ يَكونَ يَدٌ ورِجْلٌ في شِقٍّ مُحَجَّلَتَيْن، ويَجْعَلُونَ الإِمْساكَ أَن يَكُون يَدٌ ورِجْلٌ ليس بِهِما تَحْجِيلٌ.
وبَعِيرٌ طَلْقُ اليَدَيْنِ: غيرُ مُقَيَّد.
وقالَ الكسائيُّ: رَجُلٌ طَلْق: ليسَ عليه شيءٌ.
وقولُ الرَّاعِي:
فلمَّا عَلَتْه الشَّمسُ في يومِ طَلْقَةٍ
يُرِيد: يَوْمَ ليلةٍ طلْقَةٍ ليسَ فيها قُرٌّ ولا رِيحٌ، يُرِيدُ يومَها الَّذِي بَعْدَها والعَرَبُ تَبْدأُ باللَّيْلِ قبلَ اليَوْمِ.
قال الأَزهَرِيُّ: وأَخْبَرَني المُنْذِريُّ عن أَبي الهَيْثَمِ أَنه قالَ ـ في بَيْتِ الرَّاعي وبَيْتٍ آخَرَ أَنْشَدَه لِذِي الرُّمَّةِ:
لها سُنَّةٌ كالشَّمْسِ في يَوْمِ طَلْقَةٍ
قال: والعَرَب تُضِيفُ الاسْمَ إِلى نَعْتِه، قال: وزَادُوا الهاءَ في الطَّلْقِ للمُبالَغة في الوَصْفِ، كما قالُوا: رَجُلٌ دَاهِيَةٌ.
وقالَ ابنُ الأَعرابِيِّ: يُقالُ: هو طَلِيقٌ، وطَلْق، ومُطْلَقٌ: إِذا خَلَّى عنه، وأَطْلَقَ رِجْلَه.
واستَطْلَقه: اسْتَعْجَله.
وأَطْلَقَ الدَّواءُ بَطْنَه: مَشّاه.
واسْتَطْلَق الظَّبيُ: مثلُ تَطَلَّق.
وتَطَلَّقَت الخَيْلُ: مَضَتْ طَلْقًا لم تَحْتَبِسْ إِلى الغايَةِ.
وأَطْلَقَ خَيْلَه في الحَلْبَةِ: أَجْراها.
ورجُلٌ مُنْطَلِقُ اللِّسانِ، ومُتَطَلِّقُه: فَصِيحٌ، وهو مَجازٌ.
وشَرَفُ الدِّين بن المُطَلِّقِ، كمُحدِّث من شُيُوخِ أَبِي الفُتوح الطّاوسي، وكانَ في عَصْرِ المُصَنِّف.
وطَالق: من مُدن أَشبِيلِيَّةَ، منها أَبُو القَاسِم عَبْدس بنُ محمد بن عبد العَظِيم السُّلَيْجِيّ الأَشْبِيليُّ الطّالِقِي، رَوَى عن بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ توفي سنة 325 ذكره ابن الفَرَضِيِّ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
78-تاج العروس (عشرق)
[عشرق]: العِشْرِق، كزِبْرِج: شَجَر، وقيل: نَبْت. وقال أَبو حَنِيفَةَ: العِشْرق من الأَغْلاثِ يَنْفَرِشُ على وَجْه الأَرض، عَرِيضُ الوَرَق، وليس له شَوْكٌ، ولا يَكادُ يَأْكُلُه شَيْءٌ إِلَّا أَن يُصِيبَ المِعْزَى منه شَيْئًا قليلًا. قال الأَعْشَى:تَسْمَعُ للحَلْي وَسْواسًا إِذا انْصَرَفَت *** كما اسْتَعَانَ برِيحٍ عِشْرِقٌ زَجِلُ
قالَ أَبُو زِيادٍ: وأَخْبَرني أَعرابِيٌّ من رَبِيعَةَ أَنَّ العِشْرِقَة تَرْتَفِعُ على سَاق قَصِيرة، ثم تَنْتَشِرُ شُعَبًا كَثِيرة، وتُثْمِر ثَمَرًا كَثِيرًا، وثمره سِنْفَةٌ، وهي خرائِطُ طوالٌ عِراضٌ، في كل سِفْنَةٍ سَطْران من حَبٍّ مِثْل عَجْمِ الزَّبِيبِ سَواء. فيُؤْكَلُ ما دَام رَطْبًا، وإِذا هَبَّت الريحُ فَلَقَت تلك السِّنْفَةَ، وهي مُعَلَّقة بالشَّجَر بعَلائِق دِقاق، فَتخَشْخَشَت، فسَمِعْتَ للوادِي الذي يكونُ به زَجَلا ولَجّة تُفْزِعُ الإِبل، قال: ولا تَأْوِي الحَيَّاتُ بَوادِي العِشْرِق، تَهْرَبُ من زَجَلِه. وحَبُّه أَبيضُ طَيِّبٌ هَشٌّ دَسِمٌ حارٌّ نافِعٌ للبَواسِير، زاد غَيرُه: وتَوْلِيد اللَّبَن، وورقُه مِثلُ وَرَق العِظْلِم شَدِيدُ الخُضْرةِ يُسَوِّدُ الشَّعَر ويُنبِتُه إِذا امْتُشِطَ به. ومثله قَولُ أَبِي عَمْرو.
وقال الأَزهريُّ: العِشْرقُ من الحَشِيشِ ورقُه شَبِيهٌ بوَرَقِ الغَارِ، إِلَّا أَنَّه أَعْظَمُ منه وأَكْبَر، وله حَمْلٌ كحَمْلِ الغارِ، إِلا أَنَّه أَعظَمُ منه، وحكَى عن ابن الأَعرابي: العِشْرِقُ: نَباتٌ أَحْمَر طَيِّب الرّائِحة، يَسْتَعْمِله العَرائِسُ.
وحَكَى ابنُ بَرِّيّ عن الأَصْمَعِيّ، العِشْرِقُ: شَجَرة قَدْرَ ذِراعٍ لها حَبٌّ صِغار، إِذا جَفّ صَوَّتَت بمَرِّ الرِّيحِ. قال أَبو زِيادٍ: وزَعَم بَعضُ الرُّواةِ أَنَّ مَنابِتَ العِشْرِق الغِلَظ.
وقال أَبو حَنِيفة: واحِدَتُه بهِاءٍ.
وأَما قَوْلِ الرَّاجِز:
كأَنَّ صوتَ حَلْيِها المُناطِقِ *** تَهَزُّجُ الرِّياحِ بالعَشارِقِ
إِمَّا أَنْ يكونَ جَمْعَ عِشْرِقَةٍ، وإِمّا أَن يكونَ جَمْع الجِنْسِ الذي هو العِشْرِق وهذا لا يَطَّرِدُ.
وقال ابنُ عَبَّاد: عَشْرَقَ النَّبْتُ والأَرضُ أَي: اخْضَرَّا.
وعُشارِقُ بالضَّمِّ: اسمٌ، أَو: موضع، الأَخِيرُ عن ابنِ دُرَيْدٍ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
79-تاج العروس (يسق)
وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:[يسق]: الأَياسِقُ: القَلائِدُ، قال ابنُ سِيْدَه والأَزْهَرِيُّ لم نَسْمَع لها بواحِدٍ وأَنْشَدَ اللّيْثُ:
وقُصِرْنَ في حِلَق الأَياسِقِ عِنْدهُمْ *** فجَعَلْنَ رَجْع نُباحِهنَّ حَرِيرا
أَوْرَدَه الصَّاغانيُّ وصاحِبُ اللسَانِ، والعَجَبُ مِنَ المُصَنِّفِ كيفَ أَغْفَلَه.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
يساق كسَحَابٍ ورُبَّما قِيلَ: يَسِقُ بحذْفِ الأَلِفِ والأَصْل فيه يُسَاغُ بالغَيْنِ المُعْجَمَة، ورُبَّما خُفِّفَ فحُذِفَ ورُبَّما قُلِبَ قافًا وهي كَلِمَة تُرْكِيَّة يُعَبَّرُ بها عَنْ وَضْعِ قانونِ المُعَامَلَةِ كذَا ذَكَرَه غَيْر واحِدٍ، وقَرَأْتُ في كِتابِ الخُطَطِ للمَقْرِيزِي: أَنَّ جنكِزْخَان القائِم بدَوْلَةِ التَّتَرِ في بِلَادُ المَشْرِقِ لمَّا غَلَبَ عَلَى الملكِ قَرَّرَ قَوَاعِدَ وعُقُوباتٍ أَثْبَتَها بكِتابٍ سَمَّاه يَاسَا، وهو الذي يُسَمَّى يسق، ولمَّا تَمَّ وَضْعَه كَتَبَ ذلِكَ نَقْشًا في صَفَائِحَ الفُولَاذِ وجَعَلَه شرِيْعَةً لقَوْمِه فالتَزَمُوه بَعْدَه قالَ: وأَخْبَرني العَبْدُ الصَّالحُ أبو الهَاشِم أَحْمَد بن البرهان أَنَّه رَأَى نسْخَةً مِنَ اليَاسَا بِخِزَانَةِ المَدْرَسةِ المُسْتَنْصِريَّة بِبغْدَادَ قالَ: ومِنْ جُمْلَةِ شَرْعِه في اليَاسَا أَنَّ مَنْ زَنَى قُتِلَ، ولم يُفَرِّقْ بَيْن المُحْصِن وغَيْر المُحْصِن ومَنْ لَاطَ قُتِلَ ومَنْ تَعَمَّدَ الكَذِبَ أَو سَحَرَ أَحَدًا أَو دَخَلَ بَيْنَ اثنينِ وهُمَا يتخاصَمَانِ وأَعَانَ أَحَدَهما عَلَى الآخَرِ قُتِل؛ ومَنْ بَالَ في المَاءِ أو الرَّمادِ قُتِلَ؛ ومَنْ أُعْطِيَ بضَاعةً فخسِرَ فيها فإِنَّه يُقْتَل بَعْد الثالِثَةِ؛ ومَنْ أَطْعَمَ أَسِيْر قَوْمٍ أو كَسَاه بغَيْرِ إِذْنِهم قُتِلَ؛ ومَنْ وَجَدَ عَبْدًا هارِبًا أَو أَسِيْرًا قَدْ هَرَبَ ولم يَرُدّه عَلَى مَنْ كانَ بيدِه قُتِلَ، وإِنَّ الحَيَوانَ تُكْتَفُ قَوَائِمُه ويُشَقُّ بَطْنُه ويُمْرسُ قَلْبه إِلى أن يموتَ ثم يُؤْكَلُ لَحْمهُ؛ وإِنَّ مَنْ ذَبَحَ حَيَوانًا كذَبِيْحَةِ المُسْلِمِين ذُبح وشَرَط تَعْظِيم جَمِيْع المِلَل مِنْ غَيْرِ تَعَصُّبٍ لمِلَّةٍ عَلَى أُخْرَى، وأَلْزَمَ أَنْ لا يأْكُلَ مِنْ أَحَدٍ حتى يأْكُلَ المُنَاوِل مِنْه أَوَّلًا ولو أَنَّه أَمِيْرٌ ومَنْ تَنَاوَلَه أَسِيْر وأن لا يَتَخَصَّص أَحَد بأَكْلِ شَيْءٍ وغَيْره يَرَاه بَلْ يَشْرِكه مَعَه في أَكْلِه ولا يَتَمَيَّز أَحَد مِنْهم بالشَبَعِ عَلَى صاحِبِه ولا يَتَخَطَّى أَحَدٌ نارًا ولا مائِدَةً ولا الطَّبَق الذي يُؤْكَلُ عَلَيه، وإنْ مَرَّ بقَوْمٍ وهُمْ يأْكِلُون فَلَه أنْ يَنْزِل ويَأْكلَ مَعَهم مِنْ غَيْرِ إِذْنِهم ولَيْسَ لأَحَدِ مَنْعه؛ وأَنْ لا يُدْخِل أَحَدٌ مِنْهم يَدَه في الماءِ حتَّى يَتَنَاوَل بشَيْءٍ يَغْتَرِفه به، ومنعَهم مِنْ غَسْلِ ثيَابِهم بَلْ يَلْبسُونَها حتَّى تَبْلَى. ومَنَع أَنْ يُقالَ لشَيْءٍ أَنَّه نَجَسٌ، وقالَ: جَمِيْع الأَشْيَاءِ طاهِرَة، ومَنَعَهم مِنْ تَفْخِيم الأَلْفَاظِ ووَضْعِ الأَلْقابِ وإِنَّما يُخاطَبُ السُّلْطانُ ومن دُوْنِه باسْمِه فَقَطْ؛ وأَمَرَ القَائِم مَعَه بَعْرضِ العَسَاكرِ إذا أَرَادَ الخُرُوجَ للقِتَالِ وينظُرُ حتَّى الإِبْرَةِ والخَيْطِ فمَنْ وَجَدَه قَدْ قصر في شيْءٍ ممَّا يحتَاجُ إِليه عِنْد عَرْضِه إِيَّاه عاقَبه، وأَلزَمَهم عَلَى رَأْسِ كُلِّ سَنَةٍ بعَرْضِ بنَاتِهم الأَبْكارِ عَلَى السُّلْطَانِ ليَخْتارَ منهنَّ لنَفْسِه ولِاؤَلَادِه؛ وشَرَّعَ: أَنَّ أَكْبَر الأُمَراءِ إِذا أَذْنَبَ وبَعَثَ إِليه المَلِك بأَحْسَن مَنْ عِنْده حتَّى يعاقِبَه يَرْمِي نَفْسَه إلى الأَرْضِ بَيْن يَدَي المَرْسُول له، وهو ذَلِيْل خاضِعٌ حتَّى يمضِي فيمَا أَمَرَ به المَلِك مِنَ العُقُوبةِ ولو بذهابِ نَفْسِه؛ وأَمَرَهم أنْ لا يَتَرَدَّد الأُمَراءُ لغَيْر المَلِك فمَنْ تَرَدَّد لغَيْره قُتِلَ، ومَنْ تَغَيَّر عَنْ مَوْضِعِه الذي رُسِمَ له مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ قُتِلَ؛ وأُلْزِمَ بإِقَامةِ البَرِيدِ حتَّى يَعْرِفَ خَبَر المَمْلَكةِ. هذا آخر ما اخْتَصَرْته مِنْ قَبَائِحِه ومُخْزياتهِ قَبَّحَه اللهُ تعالَى، وكان لا يَتَدَيَّنُ بشَيْءٍ مِنْ أَدْيانِ أَهْلِ الأَرْضِ. وفِيْه أنَّه جَعَلَ حُكْمَ اليَاسَا لوَلَدِه جَفْتَاي خَان، فلمَّا مَاتَ التَزَمَه مِنْ بَعْدِه أَولادُهُ وتمسَّكُوا به.
قُلْتُ: وجَفْتَاي هذا هو جَدُّ مُلُوكِ الهِنْدِ الآن.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
80-تاج العروس (تمل)
[تمل]: التُّمْلُولُ كعُصْفُورٍ نَبْتٌ نَبَطِيُّهُ قُنا بِرِيٌّ وفارِسِيَّتُهُ بَرْغَسْت نَقَلَه أَبُو حَنِيْفة عن بعضِ الرُّوَاةِ وزَعَمَ أنَّه يقالُ له أَيْضًا الغُمْلُولُ وهو يُؤكَلُ، ويُبَكِّرُ في أَوَّلِ الرَّبيعِ وأَيام الدّفءِ أنْفَعُ شيءٍ للبَهَقِ والوَضَحِ أَكْلًا وضِمادًا بدهنِه في أَيامٍ يَسِيرةٍ مُطْلِقٌ للبَطْنِ صالِحٌ للمَعِدَةِ والكَبِدِ مُلائِمٌ للمَحْرورِ والمَبْرودِ ومَكْبوسُهُ مُشَهَّ للطَّعامِ ولكنه يولِّدُ السَّودَاءَ خاصَّةً ما كُبِسَ منه بالملحِ والضمادُ بورَقِه يَنْفَعَ من القُروحِ الخَبيثةِ، ويَنْفَعُ من لسعةِ الهَوَامِ كلّها.والتامولُ التانَبولُ اسمٌ أَعْجَمِيُّ دَخَلَ في كلامِ العربِ وهوَ ضَرْبُ من اليَقْطين كما قالَهُ أَبُو حَنِيْفة قالَ: وأَخْبَرَنِي بعضُ الأَعْرَابِ أَن طَعْمَ ورَقِه كالقَرْنْفُلِ وريحَه طَيِّبَةٌ وهم يَمْضَغُونَه، زَادَ غيرُه: بقَليلٍ من كِلْسٍ وفوفل فيَنْتَفِعُون به في أَفْواهِهِم ويصْبَغُ الأَسْنانِ صَبِغًا أَحْمر وهو مُشَةٍ للطَّعامِ مُطْرِبٌ باهِيُّ مُقَوِّ للَّثَةِ والمَعِدَةِ والكَبِدِ ويكسر الرياح ويطيب الجشاء وهو خَمْرُ الهِندِ يُمازِجُ العَقْلَ قليلًا وهم يُحِبُّون تَنَاوله في أَكْثرِ أَوْقاتِهِم ويَفْتَخِرُون بذلِكَ وعصَارَة ورَقِه مع الشَّرَابِ يَجْلُو البَهَق وهو يَنْبُتُ كاللُّوبياءِ ويَرْتَقِي في الشَّجَرِ وما يُنْصَبُ له وهو ممَّا يُزْدَرِع ازْدِرَاعًا بأَطْرَافِ بلادِ العجمِ من نَواحِي عُمَانَ قالَهُ أَبُو حَنِيْفة. وقالَ ابنُ سِيْنا: هي أَوْراقُ شجرةٍ تَنْبتُ في الهندِ، وفي موضِعٍ يقالُ له النَّغْر ورَقُه شَبِيهٌ بورَقِ الليمونِ. والتُّمَيْلَةُ: كجُهَيْنَةَ دابَّةٌ حِجازِيَّة كالهِرَّةِ عن اللَّيْثِ، أو هي عَناقُ الأَرْضِ وهي التفة عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ: ويقالُ لذِكْرِها الفُنْجُلُ الجمع: تِمْلانٌ بالكسرِ وتُمَيْلَاتٌ وهذه عن اللَّيْثِ، وأَبُو تُمِيْلَةَ يَحْيَى بنُ واضِح الأَنْصارِيُّ محدِّثٌ مَرُوزيُّ رَوَى عن الحُسَيْنِ بنِ وَاقدٍ وعنه يَعْقُوب بنُ إبْرَاهيم الدورقي كذا في الكُنَى للمزي وفي الكاشِفِ للذَّهبيِّ: هو مَوْلَى الأَنْصَار حافِظٌ صَدُوقٌ رَوَى عن ابنِ إسْحق، وعنه أَحْمد وابنُ أَبي شِيْبَة.
وفَاتَه محمَّد بن أَبي تميْلَة عَبْد رَبّه بن سُلَيْمن بن أَبي تميْلَةَ المَرُوزِيّ عن محمّدِ بنِ شُجَاع، وعنه عَبْدُ الله بن مَحْمُود مَاتَ سنة 250.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
81-تاج العروس (ختل)
[ختل]: خَتَلَه يَخْتِلُهُ ويَخْتُلُهُ من حَدَّي نَصَرَ وضَرَبَ، كما في المُحْكَمِ، واقْتَصَرَ الصَّاغانيُّ على الأَخِيْرَةِ، خَتْلًا بالفتحِ وخَتَلانًا محرَّكةً خَدَعَه عن عَقْلِه.وخَتَلَ الذِّئْبُ الصَّيْدَ خَتْلًا تَخَفَّى له، وكلُّ خادِعٍ فهو خاتِلٌ وخَتولُ كصَبُورٍ.
والخَوْتَلُ: كجَوْهَرٍ الظَّريفُ الكَيِّسُ من الرجالِ وبه فُسِّرَ قَوْلُ تَأَبَّطَ شرًّا:
ولا حَوْقَل خَطَّارة حَوْلَ بيتِه *** إذا العِرْسُ آوى بَيْتُها كلّ خَوْتَلِ
قالَ ابنُ سِيْدَه: ويجوزُ عنْدِي كَوْنه من الخَتْلِ الذي هو الخَدِيعَة بُنِيَ منه فَوْعَلٌ.
ويقالُ: هو يمْشِي الخَوْتَلَى كجَوْزَلَى وهي مِشْيَةٌ في سُتْرَةٍ كما في العُبَابِ، وفي التَّهْذِيبِ: مَشِيَ في شِقَّة، ومنه يقالُ: هو يَخْلِجُنِي بعينِه ويمْشِي لي الخَوْتَلَى.
وخَتْلانٌ كسَحبانٍ بلد وَرَاء بلخٍ كما في لبِّ اللبابِ، وفي العُبَابِ: قُرْبَ سَمَرْقَنْد، وهو خَتْلِيُّ على غيرِ قياسٍ كما في العُبَابِ: أي لأَنَّ القِياسَ خَتْلانيُّ.
قلْتُ: وقد نُسِبَ هكذا أَيْضًا جماعَةٌ من قُدماءِ المشَايخِ وممَّنْ نُسِبَ إليها كالأَوَّلِ أَبُو مالِكٍ نَصْرانُ بنُ نَصْرٍ الخَتْلِيُّ رَوَى الفقْهَ الأَكْبر لأَبي حَنِيفَةَ عن عليِّ بنِ الحَسَنِ الغَزَّال، وعنه أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنيّ الكَاشْغريّ؛ قال الحافِظُ: وفي أَنْسَابِ السمْعَانيّ: نَصْرُ بنُ محمَّدٍ الفَقِيْه الخَتْلِيُّ الحَنَفِيُّ شَرَحَ القدوري فما أَدْرِي هو ذا أَمْ آخَرَ.
قلْتُ: الأَشْبَه أَنْ يكونَ أَبَاه فتأمَّلْ.
والخِتْلُ: بالكسرِ كلُّ مَوْضِعٍ يُخْتَتَلُ فيه مِثْلُ الكِنّ وأَيْضًا: جُحْرُ الأَرْنَبِ.
وخُتَّلٌ كسُكَّرٍ كورَةٌ عظيمةٌ واسعةٌ بما وراءَ النَّهْرِ؛ وفي لبِّ اللبابِ: خَلْفَ جِيحُون؛ وضَبَطَه نَصْرٌ بضمِ التاءِ المُشَدَّدَةِ، وقالَ: هو صقْعٌ واسِعٌ بخَرَاسان، منها اسحقُ بنُ إبراهيمَ بنِ سنين مُصَنِّفُ الدِّيباجِ؛ قالَ الحاكِمُ: ليسَ بالقَويِّ، وقالَ في موضِعٍ آخَرَ: ضَعِيفٌ؛ ومِثْلُه قَوْل الدَّارقطْنِيّ، كذا في تَكْمِلَةِ الدِّيوانِ للذَّهَبيِّ. وابراهيمُ بنُ عبدِ الله بنِ الجُنَيْدِ مؤَلِّفُ كتابِ المَحَبَّةِ؛ وعَبَّادٌ ومُجاهِدٌ ابنا مُوسَى، رَوَى عن مُجاهِدٍ أَبُو يَعْلى الموصليُّ، ولعَبَّادٍ وَلَدٌ اسْمُه إسْحق حدَّثَ أَيْضًا؛ ومحمدُ بنُ علِيِّ بنِ طَوْقٍ عن عبدِ الله بنِ صالِحٍ العجْلِيُّ؛ وأَبُو عِيْسَى موسَى بنُ علِيٍّ عن دَاوُد بنَ رَشِيدٍ وعنه أَبُو علي بنُ الصوَّافِ، والعَبَّاسُ بنُ أَحمدَ بنُ أَبي شَحْمَة عن أَبي همامٍ السَّكُونيِّ؛ وأَبُو بَكْرٍ أَحمدُ بنُ عبدِ الله بنِ زَيْدٍ عن ابْنى أَبي شِيْبَةَ، وابْنُه الحافِظُ أَبُو عبدِ الله عبدُ الرحمنِ بنُ أحمدَ عن تَمْتَامٍ وطَبَقتِه؛ وعليُّ بنُ أَحمدَ بنِ الأَزْرَقِ شيْخٌ لعبدِ الغَنِيِّ بنِ سَعِيدٍ، وعُمَرُ وأَحمدُ ابنا جعفرٍ بنِ أَحمدَ بنِ سَلْمٍ مَشْهُوران؛ وعلِيُّ بنُ عُمَرَ عن قاسِمٍ المطرز؛ ومحمدُ بنُ ابراهيمَ بنِ أَبي الحَكَمِ عن أَبي مُسْلمٍ الكَجَيّ وعنه محمدُ بنُ طَلْحَةَ النعاليُّ؛ ومحمدُ بنُ خالِدٍ، وحَسَنُ بنُ محمدِ بنِ الجُنَيْدِ شيْخٌ لأَحمدَ بنِ خزَيْمةَ المحدِّثونَ؛ وعليُّ بنُ حازِمِ أَبُو الحَسَنِ اللِّحْيانِيُّ اللَّغَوِيُّ الخُتَلِيَّونَ.
قالَ سَلَمَةُ بنُ عاصِمٍ: كانَ اللِّحْيَانيُّ من أَحْفظِ الناسِ للنَّوادرِ عن الكِسَائيِّ والفرَّاءِ والأَحْمرِ، وأَخْبَرَني أَنَّه كانَ يدَرِّسُها باللَّيلِ والنَّهارِ حتى في الخَلاءِ.
قالَ الأَزْهَرِيُّ في ديباجةِ كتابِهِ: قَرَأْتُها على أَبي بَكْرٍ الإِيادِيّ كما قَرَأَها على أَبي الهَيْثمِ.
قلْتُ: وفي التَّبْصيرِ للحافِظِ: وأَبُو الرَّبيعِ سُلَيمانُ بنُ دَاوُد الزّهْرانيُّ الخُتَّليُّ شيْخُ مُسْلمٍ مَشْهورٌ.
قالَ ابنُ نقْطَةَ: ذَكَرَ غيرُ واحِدٍ أَنَّ أَبَا الرَّبيعِ الخُتَّليَّ غَيْرُ أَبي الرَّبيعِ الزَّهْرانيّ وهو غَلَطٌ وهو هو.
قلْتُ: ومُقْتَضَى سِيَاقُ الذَّهَبيّ في الكَاشِفِ أَنَّهما اثْنانِ فانه قالَ شيْخُ مُسْلم وأَبي يَعْلَى أَبُو الرَّبيعِ الختليُّ الأَحْولُ عن الأَبارِ ومحمدِ بنِ حَرْبٍ ثِقَة تُوفي سَنَة 231؛ وقالَ في أَبي الرَّبيعِ الزّهْرانيّ: هو المهريُّ المِصْريّ عن ابنِ وَهَبٍ وعنه أَبُو دَاوُد النِّسائيّ، وابنُ أَبي دَاوُد ثِقَةٌ فَقِيهٌ تُوفي سَنَة 253 عن خَمْسٍ وثَمَانِين سَنَةٍ، وأَبُو جعفرٍ محمدُ بنُ أَبي الحَكَمِ الخُتَّليُّ البَزَّاز، قالَ ابنُ مخلدٍ: مَاتَ سَنَة 266؛ ومحمدُ بنُ القاسِمِ بنِ عبدِ الله الختليُّ عن أَيُّوب بنِ مَعْمرٍ الأَنْصارِيّ، والحَسَنُ بنُ عبدِ الله بنِ الحَسَنِ الختليُّ إمامُ جامِعِ دِمَشْق حدَّثَ عنه أَبُو محمدِ بنِ السَّمَرْ قَنْديّ في مَشَيْخَتِه وضَبَطَه.
وخاتَلَه مُخَاتَلَةً: خادَعَهُ ورَاوَغَهُ.
وتَخَاتَلُوا: تَخادَعُوا، ويقالُ: تَخاتَل عن غَفْلةٍ.
واخْتَتَلَ الرَّجُلُ تَسَمَّعَ لِسِرِّ القومِ، نَقَلَه الأَزْهَرِيُّ، قالَ الأَعْشَى.
لَيْسَتْ كَمَنْ يَكْرهُ الجيرانُ طَلْعَتَها *** ولا تَرَاها لِسِرِّ الجارِ تَخْتَتِلُ
* وممَّا يُسْتَدْرَكُ عليه:
خُتلُّ: بضمِ الخاءِ وتشديدِ اللامِ قَرْيةٌ بِطَريقِ خَرَاسَان، كذا في لبِّ اللبابِ.
والخَتَّالُ: كشَدَّادٍ الخَدَّاعُ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
82-تاج العروس (زجل)
[زجل]: الزُّجْلَةُ: بالضمِّ، الجِلْدَةُ التي بَينَ العَيْنَيْنِ، قالَهُ ابنُ السِّكِّيِت في كتابِ المَعَاني؛ وأَنْشَدَ لأَبي وَجْزَةَ:كأَنَّ زُجْلَةَ صَوْبٍ صابَ من بَرَدٍ *** شُنَّت شَآبِيْبُه من رائحٍ لَجِبِ
نَواصِحٌ بَيْنَ حَمَّاوَيْن أَحْصَنَتَا *** مُمَنَّعًا كهُمَام الثَّلْج بالضَّرَب
وقالَ ابنُ عَبَّادٍ: الزُّجْلَةُ: الحالَةُ، ونَصّ المُحِيطِ: الحالُ يقالُ: هو على زُجْلَةٍ واحِدَةٍ، وإنَّه لحَسَن الزُّجْلَةِ.
والزَّجْلَةُ: صَوْتُ النَّاسِ، ويُفْتَحُ وبهما رُوِي ما أَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ:
شديدة أَزِّ الآخِرَيْنِ كأَنَّها *** إذا ابْتَدَّها العِلْجانِ زَجْلةُ قافِل
وقالَ ابنُ السِّكِّيت: الزُّجْلَةُ: البِلَّةُ من الشَّيْءِ والهُنَيْهَةُ منه، يقالُ: زُجْلة من ماءٍ أَو بَرَدٍ. ونَصّ كتابِ المَعَاني: له من الشّيء الهُنَيْهَة منه بَغْيرِ الواوِ.
والزُّجْلَةُ: القِطْعَةُ من كلِّ شَيْءٍ والجَمْعُ زُجَلٌ.
والزُّجْلَةُ: الجَماعَةُ أَو من الناسِ خاصَّةً، والجَمْعُ زَجَلٌ؛ قالَ لَبِيدَ، رَضِيَ الله تعالَى عنه:
زُجَلًا كأَنَّ نِعَاجَ تُوضِحَ فَوْقَهَا *** وظباءَ وَجْرَةَ عُطَّفًا آرامُهَا
ويُفْتَحُ وزجْلَةُ بِنْتُ مَنْظورٍ بنِ زبانِ بنِ سَيَّارٍ الفَزَاريّ زَوْجَةُ الزُّبَيْرِ، هكذا في النسخِ، والصَّوابُ: زَوْجُ ابنِ الزُّبَيْرِ، رَضِيَ الله تعالى عنهما، كما هو نَصّ العُبَابِ والتَّبْصيرِ، أَو مَوْلاةٌ، هكذا في النسخِ، والصَّوابُ: ومَوْلاةٌ لمُعاوِيَةَ، رَضِيَ الله تعالى عنه من التَّابعِيات؛ رَوَتْ عن أُمِّ الدَّرْدَاءِ، أَو هي مَوْلاةٌ لِابْنَتِهِ عاتِكَةَ، كذا في التّبْصيرِ.
وزَجَلَهُ يَزْجُلُه زَجْلًا، وزَجَلَ به زَجْلًا رَمَاهُ ودَفَعَهُ. ومنه حدِيثُ عَبْد اللهِ بنِ سَلام: «فأَخَذَ بيَدِي فَزَجَلَ بي أَي فرَمَاني ودَفَعَ بي.
وزَجَلَتِ الناقَةُ بمَا في بَطْنِها زَجْلًا: رَمَتْ به كزَحَرَتْ به زَحْرًا.
ويقالُ: لَعَنَ الله أُمًّا زَجَلَتْ به.
وزَجَلَهُ بالرُّمْحِ يَزْجُلُه زَجْلًا: زَجَّهُ، وقيلَ: رَمَاهُ.
وزَجَلَ الحَمامَ يَزْجُلُها زَجْلًا: أَرْسَلَها على بُعْدٍ.
والزَّجْلُ: إِرْسَالُ الحمامِ الهادِي من مَزْجَل بَعِيدٍ؛ وهي حَمامُ الزَّاجِلِ والزَّجَّالِ، كشَدَّادٍ، وهذه عن الفارِسِيِّ، قالَ الشاعِرُ:
يا لَيْتَنا كُنَّا حَمَامَيْ زَاجِل
وزَجَلَ الفَحْلُ الماءَ في رَحِمِها يَزْجُلُه زَجْلًا: صَبَّهُ صَبًّا.
والزَّاجَلُ: كعالَمٍ، ماءُ الفَحْلِ؛ قالَ الأَزْهَرِيُّ: هكذا سَمِعْتُها بفتحِ الجيمِ بغَيْرِ هَمْزٍ، أَو هو مَنِيُّ الظَّليمِ خاصَّةً، نَقَلَه أَبُو عُبَيْدَةَ وأَبُو عَمْرٍو وأَبُو سَعِيدٍ عن أَصْحابِهِ؛ وقد يُهْمَزُ لُغَةٌ فيه، وأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ لابنِ أَحْمر:
وما بَيْضاتُ ذي لِبَدٍ هِجَفٍّ *** سُقِينَ بزاجَلٍ حتى رَوِينا
رُوِي بالوَجْهَيْن. قالَ أَبُو سَعِيدٍ: وأَخْبَرَني مَنْ سَمِعَ العَرَبَ تقُولُ إنَّ الزَّاجَلَ هنا مُزَاجَلة النَّعامَةِ والهَيْقِ في أَيامِ حِضَانهما، وهو التَّقْليبُ، لأَنّها إِنْ لم تُزَاجِلْ مَذِر البَيْضُ فهي تُقَلِّبه ليَسْلَم من المَذَر.
أَو الزَّاجَلُ ما يَسِيل من دُبُرِ الظَّليمِ أَيَّامَ تَحْضِينِها بَيْضَها، هكذا في النسخِ، والصَّوابُ تَحْضِينه بَيْضَه، ومِثْلُه في المُحْكَمِ، لأَنَّ الضَّميرَ رَاجِعٌ إلى الظَّليمِ، وهو ذَكَرُ النَّعامِ فلا بَيْضَ له، فالمُرادُ بَيْض أُنْثَاهُ فيَتَعَيَّنُ تَذْكِيْر الضَّميرِ، وصَرَّحِ به أَرْبابُ الحَوَاشِي وإنْ كان يَحْتَمِلُ التأْوِيل فإِنَّه في غايَةٍ من البُعْدِ نَبَّه عليه شيْخُنا.
والزَّاجَلُ: وَسْمٌ يكونُ في الأَعْناقِ، عن أَبي حَنِيفَة؛ وقالَ ابنُ عَبَّادٍ: سِمَةٌ في أَعْناقِ الإِبِلِ؛ قالَ الراجِزُ:
إِنَّ أَحَقَّ إِبِلٍ أَن تُؤْكَلَ *** حَمْضِيَّةٌ جاءَتْ عليها الزَّاجَلْ
قالَ ابنُ سِيْدَه: قياسُ هذا الشِّعْر أَنْ يكونَ فيه الزَّاجَل مَهْموزًا.
والزَّاجِلُ: كصاحِبٍ وهاجَرَ، عودٌ يكونُ في طَرَفِ الحَبْلِ يُشَدُّ به الوَطْبُ، الفتحُ عن أَبي عُبَيْدٍ، والجَمْعُ زَوَاجِلُ، قالَ الأَعْشَى:
فَهَانَ عليه أَنْ تَخِفَّ وِطابُكم *** إذا ثُنِيَتْ فيما لَدَيْه الزَّواجِلُ
والزَّاجَلُ: الحَلْقَةُ في زُجِّ الرُّمْحِ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ.
قالَ: والزَّاجِلُ: قائدُ العَسْكَرِ.
وزَاجِلٌ: فَرَسُ زيدِ الخَيْلِ الطَّائيِّ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه.
والمِزْجَلُ: كمِنْبَرٍ، السِّنانُ أَو المِزْراقُ، أَو الرُّمْحُ الصَّغيرُ.
والمِزْجَالُ: كمِحْرَابٍ، القِدْحُ قَبْلَ أَنْ يُنْصَلَ ويُراشَ، وهو النَّيْزَكُ شِبْه المِزْراقِ، وقد زَجَلَه زَجْلًا بالمِزْجالِ.
والزَّجَلُ: محرَّكةً، اللَّعِبُ والجَلَبَةُ، وخُصّ به التَّطْرِيبُ، وأَنْشَدَ سِيْبَوَيْه:
له زَجَلٌ كأَنّه صوتُ حادٍ *** إذا طَلَب الوَسِيقةَ أَو زَمِير
والزَّجَلُ أَيْضًا: رَفْعُ الصّوْتِ، وللمَلائِكَةِ ازَجَلٌ بالتَّسْبيحِ والتَّهْليلِ أَي صوتٌ رَفيعٌ عالٍ.
وقد زَجِلَ كفَرِحَ زَجَلًا فهو زَجِلٌ وزَاجِلٌ ورُبَّما أُوقِعَ الزَّاجِل على الغِنَاءِ قالَ:
وهو يُغَنِّيها غِناءً زاجِلًا
ونَبْتٌ زَجِلٌ: صَوَّتَ، كذا في النسخِ، والصَّوابُ: صَوَّتَتْ، فيه الرِيحُ، قالَ الأَعْشَى:
تَسمَعُ للحلي وَسْواسًا إذا انْصَرَفَتْ *** كما استعانَ برِيحٍ عِشْرِقٌ زَجِلُ
والزُّؤَاجِلُ: بالضمِّ، والزِئْجيلُ مكسورًا بالهَمْزِ فيهما كِلَاهما عن الفرَّاءِ، ويقالُ: الزنْجيلُ بالنُّونِ، قالَ ابنُ بَرِّي: وكذلِكَ قالَهُ الأُمويُّ بالنُّونِ، وهو الذي اخْتارَهُ عليُّ بنُ حَمْزَةَ، قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: والذي قالَهُ الفرَّاءُ هو المَحْفوظُ عنْدَنا، الضَّعيفُ البَدَنِ من الرِّجالِ؛ وأَنْشَدَ أَبُو عبدِ اللهِ وأَبُو محمدٍ الأَعْرَابِيان والأُمَويُّ:
لما رأَتْ زُوَيْجها زِئْجِيلا *** طَفَيْشَأ لا يَمْلك الفَصِيلا
قالَتْ له مقالةً تَفْصِيلا *** لَيْتَكَ كُنْتَ حَيْضة تمْصِيلا
وقد مَرَّ في «ر ول».
والزَّجَنْجَلُ: المِرْآةُ لُغَةٌ رُومِيَّةٌ دَخَلَت في كَلامِ العَرَبِ كالسَّجَنْجَلِ بالسِّينِ وسَيَأْتي، نَقَلَه الأَزْهَرِيُّ.
وعُقْبَةٌ زَجولٌ أَي بعيدَةٌ، يُرْوَى بالجيمِ وبالحاءِ.
وناقَةً زَجْلاءُ سَريعَةٌ، عن الفرَّاءِ.
* وممَّا يُسْتَدْرَكُ عليه:
الزَّجَّالُ: اللَّاعِبُ بالحَمامِ كالزَّاجِلِ.
والزَّجَلُ: محرَّكةً، نَوْعٌ من الشِّعْرِ مَعْروفٌ مُحْدَثٌ.
والزَّاجَلُ: حَلْقَةٌ من الخَشَبَة تكونُ مع المُكَارِيّ في الحِزامِ.
وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: الزواجلُ في الحوية رُؤُوسٌ يثْنَى بعضَهُنَّ على بعضٍ يلزمن الابن لِئَلّا يستقدمُ الهَوْدَج أَو يَتَأخرُ.
وسَحَابٌ ذُو زَجَلٍ أي ذُو رَعْدٍ.
وغَيْثٌ زَجِلٌ: لرَعْدِه صَوْتٌ. والزَّاجِلُ: كصَاحِبٍ الرَّامي، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ؛ وأَيْضًا بَيَاضُ البَيْضَةِ عن أَبي عَمْرٍو.
وزجل الجنّ: عَزِيْفها؛ قالَ الأَعْشَى:
وَبَلدَةٍ مثلِ ظهرِ التُّرْسِ مُوحِشَةٍ *** للجنّ بالليلِ في حَافَاتِها زَجَلُ
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
83-تاج العروس (عبل)
[عبل]: العَبْلُ الضَّخْمُ من كلِّ شيءٍ، ومنه الحديثُ في صفةِ سعْدِ بنِ معاذٍ كان عَبْلًا من الرِّجالِ.ورجُلٌ عَبْلُ الذِّراعَيْن أَيْ ضَخْمُهما.
وفَرَسٌ عَبْلُ الشَّوَى أَي غليظُ القوائِم، قالَ امْرُؤ القَيْسِ:
سُليمُ الشظى عبلِ الشَّوَى شَنِجِ النَّسا *** لَهُ حَجَبَاتٌ مُشرِفَاتٌ على الفَالِي
وهي بهاءٍ الجمع: عِبَالٌ كجِبالٍ وضِخامٍ، وجَمْعُ عَبْلَة عَبْلاتٌ لأَنَّه نعت، وقد عَبُلَ كَكَرُمَ عَبَالَةً، وكذا عَبَلَ مِثْلُ نَصَرَ: أَي ضَخُمَ فهو أَعْبَلٌ وعَبِلَ كفَرِحَ، عَبْلًا فهو عَبِلٌ، ككَتِفٍ وأَعْبَلَ أَي غَلُظَ وابْيَضَّ وأَصْلُه في الذِّراعَيْن.
والعَبْلاءُ الصَّخْرَةُ من غير أَنَّ تُخصَّ بصفَة، أَوْ البَيْضاءُ منها كما في الصِّحاحِ، وهكذا قيَّدَه ثَعْلَب، زادَ غيرُه الصُّلْبَةُ، وجَمْعُها عِبالٌ كبَطْحاء وبِطَاحٍ.
والعَبَنْبَلُ، كسَمَنْدَلٍ: الضَّخْمُ الشَّديدُ العَظيمُ عن أَبِي عَمْرٍو، وأَنْشَدَ:
سَمَّيْتُ عَوْدِي الخَيْطَفَ الهَمَرْجَلا *** الهَوْزَبَ الدِّلْهاثَةَ العَبَنْبَلا
كُنْتُ أُحِبُّ ناشِئًا عَبَنْبَلا *** يَهْوَى النِّساءَ يُحِبُّ الغَزَلا
وقالت امْرَأَةٌ: والعَبَلُ مُحرَّكةً: الهَدَبُ، وهو كلُّ وَرَقٍ مَفْتولٍ، وفي العُبَابِ: مُنْفَتِل، غيرُ مُنْبَسِطٍ كوَرَقِ الطَّرْفاء والأَرْطَى والأَثْل ونَحْو ذلِكَ، كما في الصِّحاح، ومنه قولُ الرَّاجِزِ:
أَوْدَى بلَيْلِي كُلُّ نَيَّافٍ شَوِل *** صاحِب عَلْقى ومُصاصٍ وعَبَل
وقيلَ: هو ثَمَرُ الأَرْطَى، وقيلَ: هُدْبُه إذا غَلُظَ في القيظِ واحْمَرَّ وصَلُحَ أَن يُدْبَغَ به، أَو هو الوَرَقُ الدَّقيقُ، أَو هو مِثْلُ الوَرَقِ وليسَ بوَرَقٍ، أَو هو السَّاقِطُ منه؛ أَي من الوَرَقِ، وأَيْضًا الطَّالِعُ منه، فهو ضِدٌّ، وقد أَعْبَلَ الشَّجَرُ فيهما أي في السَّاقِطِ والطَّالِع.
قالَ الَأزْهريُّ: سَمِعْتُ غيرَ واحِدٍ من العَرَبِ يقولُ: غَضًى مُعْبِلٌ وأَرْطَى مُعْبِلٌ إذا طَلَعَ وَرَقُه، قالَ: وهذا هو الصَّحيحُ، ومنه قولُ ذي الرُّمَّةِ:
إذا ذابَتِ الشَّمْس اتَّقى صقَراتِها *** بأَفنانِ مَرْبوعِ الصَّريمة مُعْبِل
وإنَّما يتَّقي الوَحْشيُّ حَرَّ الشمسِ بأَفْنانِ الأَرْطاةِ التي طَلَع وَرَقُها، وذلِكَ حِيْن يَكْنِس في حَمْراء القَيْظِ، وإنَّما يسقُطُ وَرَقُها إذا بَرَدَ الزمانُ ولا يَكْنِس الوَحشُ حينئذٍ ولا يتَّقي حَرَّ الشمسِ.
وقالَ النَّضْرُ أَعْبَلَت الَأرطاةُ إذا نَبَتَ ورَقُها، وأَعْبَلَت إذا سَقَطَ ورَقُها، فهي مُعْبِلٌ.
قالَ الأَزْهَرِيُّ جَعَلَ ابنُ شُمَيْل أَعْبَلَت الشَّجَرَةُ من الَأضْدادِ، ولو لم يحْفَظْه عن العَرَبِ ما قالَهُ لأَنَّه ثقةٌ مأْمونٌ.
وحَكَى ابنُ سِيْدَه عن أبي حَنِيفَةَ أَعْبَلَ الشجرُ إذا خَرَجَ ثمرُه، قالَ وقالَ لم أَجِدْ ذلِكَ مَعْروفًا.
وفي الصِّحاحِ: قالَ الأَصْمَعِيُّ أَعْبَلَت الشَّجَرَةُ سَقَطَ ورَقُها، ومنه الحدِيثُ: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه، قالَ لرجُلٍ: إذا أَتَيْت مِنًى فانْتَهَيْت إلى موْضِعِ كذا وكذا فإنَّ هناك سَرْحةً لم تُعْبَل ولم تُجْرَد ولم تُسْرَف سُرَّ تحْتَها سَبْعون نبيًّا فانزِلْ تَحْتَها.
قالَ أَبو عُبَيْد: أَي لم يَسْقُط ورقُها ولم يأْكُلْها الجَرَادُ ولا السرفة، قالَ: والسَّرْو والنَّخْل لا يُعْبَلان، وكُلُّ شجرٍ نَبَتَ ورَقُه صيفًا وشتاءً فهو لا يُعْبَل.
ورَوَاه الحربيُّ: لم تعْبِل بكسرِ الباءِ؛ أَي لم يسْقُط ورَقُها.
وَعَبَلَ الشَّجَرَةَ يَعْبِلُها عَبْلًا حَثَّ وَرَقَها عنها، ومنه الحديثُ المَذْكُور، لم تُعْبَل أَي لم يحتَّ ورَقُها، وهكذا هو مَضْبُوط في الصِّحاح.
وعَبَلَ السَّهْمَ يَعْبِلُه عَبْلًا: جَعَلَ فيه معْبَلَةً، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ عن الكِسائِيِّ، وهو كمِكْنَسَةٍ أَي نَصْلًا عَريضًا طَويلًا.
وقالَ الأَصْمَعِيُّ: من النِّصال المِعْبَلةُ وهو أَن يُعَرَّض النَّصْل ويُطَوَّل.
وقالَ أَبو حَنيفَة: هي حَديدَةٌ مُصَفَّحة لا عَيْن لها، قالَ عَنْتَرةُ:
وفي البَجْلِيّ مِعْبَلةٌ وَقِيعُ
والجَمْعُ المَعابِلُ، ومنه حدِيثُ عليٍّ، رَضِيَ الله تعالى عنه: «تَكَنَّفَتْكم غَوائِلُه وأَقصَدَتْكم مَعَابِلُه»، وأَنْشَدَ الجوْهَرِيُّ لعاصِم بنِ ثابتٍ الأَنْصَارِيّ:
والقوسُ فيها وَتَرٌ عُنَابِلُ *** تَزِلُّ عن صفحته المَعَابِلُ
وعَبَلَ الشيءَ يَعْبِلُه عبلًا رَدَّهُ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ، وأَنْشَدَ:
ها إنَّ رَمْيي عَنْهُمُ لَمعْبُولْ *** فلا صَريخَ اليومَ إلَّا المَصْقولْ
كان يَرْمِي عَدُوَّه فلا يُغْني الرَّمْيُ شيئًا فقاتَلَ بالسَّيْفِ، والمَعْبُول: المَرْدُود.
وعَبَلَه: حَبَسَه، يقالُ: ما عَبَلَك أَي ما شَغَلَك وحَبَسَك وعَبَلَه عَبْلًا قَطَعَه قَطْعًا مُسْتأصَلًا نَقَلَه الأَزْهَرِيُّ.
وعَبَلَ به: ذَهَبَ به، نَقَلَه الصَّاغانيُّ.
وأَلْقَى عليه عَبالَّتَه، مُشَدَّدَةَ اللَّامِ. وعليه اقْتَصَرَ الجوْهَرِيُّ، وتُخَفَّفُ حَكَاه اللّحْيانيُّ لُغَة: أَي ثِقْلَهُ. وقالَ ابنُ الكَلْبِي: ذو العابِلِ بنُ رَحيبٍ بنِ ينحض بن تزايد بنِ العبْلِ بنِ عَمْرو بنِ مالكِ بنِ زَيْدِ بن رُعَيْن الرُّعَيْنيّ، قَيلٌ من الأَقيالِ، من وُلدِه: حميدُ بنُ هشامِ بنِ حميدِ بنِ خليفَةَ بنِ زرعَةَ بنِ مرَّةَ أبو خليفَةَ مَصْرِيٌّ شَهِدَ أَخُوه نمران وجَدُّه زرْعَة فَتْحَ مِصْرَ، عن لَيْثٍ وابنِ لهيعَةَ، وعَمَّرَ طَويلٍا.
قالَ: وبَنو عَبيلِ بنِ عوصِ بنِ إرمَ بنِ سامٍ بن نُوحْ عليهالسلام، كأَمِيرٍ قَبيلةٌ من العَرَب العارِبَةِ قد انْقَرَضوا وهو أَخُو عَاد بنِ عَوْص، والذي في الرَّوْض للسهيليّ: عَبِيلُ بنُ مهلائيل بن عَوْص بن عملاقِ بن لاوذُ بن إرمَ، وفي بعضِ هذه الأسْماء اخْتِلافٌ، قالَ: وبَنُو عَبِيلٍ هم الذين سَكَنوا الجحفَةَ فأَجْحَفَت بهم السُّيول فسُمِّيَت الجحفَةُ.
وعَبُولُ كصَبُورٍ المَنِيَّةُ، ويقالُ عَبَلَتْهُ عَبُولٌ أَي اشْتَعَبَتْه شَعوبٌ يقالُ ذلِكَ للرَّجُلِ إذا مَاتَ وكذلِكَ قولُهم: غالَتْه غُولٌ.
قال الأَزْهَرِيُّ: وأَصْلُ العَبْلِ القَطْعُ المستأْصلُ، وأَنْشَدَ للمَرَّارِ:
وإنَّ المالَ مُقْتَسَمٌ وإنِّي *** ببَعْضِ الأَرْضِ عابِلَتي عَبُولِ
والعَبالُ، كسَحابٍ: الوَرْدُ الجَبَلِيُّ، كما في الصِّحاحِ، وهو عن أَبي حَنِيفَةَ قالَ: وأَخْبرني أَعْرَابيٌّ أَنَّ منه الأَبْيض ومنه الأَحْمَر ومنه الَأصْفَر، وله شَوكٌ قصَارٌ حجن ووَرْدُه طَيِّبُ الرِّيح، قالَ: وهو ينْبتُ غياضًا، ويَغْلُظُ حتى تُقْتَطّ أَي تُقْطَعَ منه العِصِيُّ الغِلاظُ الجيادُ، قالَ: قيلَ ومنه كان عَصَا موسى، عليهالسلام، هكذا في النسخ، والصَّوابُ: ومنه كانَتْ.
قالَ شيْخُنا: وبه جَزَمَ كثيرٌ من أَهْلِ التفْسِيرِ، وقيلَ: بل كانَتْ من آسِ الجنَّةِ وَقيلَ: من العنَّابِ، وقيلَ: من العَوْسَجِ، وقيلَ: غيرُ ذلك.
وعَوْبَلٌ، كجَوْهَرٍ: اسمٌ.
والعَبْلاءُ: ثلاثَةُ مَواضِعَ، وفي العُبَابِ: مَوْضِعٌ ومِثْلُه في اللّسَانِ.
وقالَ أَبو عَمْرو: العَبْلاءُ: مَعْدِنُ الصُّفْرِ بِبِلادِ قَيْس.
والأَعْبَلُ: الجَبَلُ الأَبْيضُ الحِجارَةِ، ومنه قولُ أَبي كبيرٍ الهُذليّ.
صَدْيانَ أُجْري الطَّرْفَ في مَلمومةٍ *** لَوْنُ السَّحابِ بِها كلَوْن الأَعْبَلِ
أَو حَجَرٌ أَخْشَنُ غَليظٌ يكونُ أَحْمَرَ ويكونُ أَبيضَ ويكونُ أَسودَ، وبه فُسِّرَ قولُ أَبي كبيرٍ أَيْضًا.
ووَقَعَ في الصِّحاحِ: الأَعْبَلُ: حِجَارَةٌ بيضٌ.
قالَ ابنُ بَرِّي: وصَوَابُه الَأعْبَلُ حَجَرٌ أَبْيضُ لأنَّ أَفْعَلَ من صفةِ الواحِدِ المُذَكَّرِ.
وعُبْلَةُ بنُ أَنْمارٍ بنِ مُبَشّرِ، بالضم، فِي عَميرَةَ، بنِ أَسَدِ بن ربيعَةَ بن نِزارِ، وعَميرَةُ جَدُّ أَبِيهِ، ومنهم طريفُ بنُ أَبان بن سَلَمَةَ بنِ جارِيَةَ بنِ فهمِ بنِ بكْرِ بنِ عُبْلَةَ، له وِفادَةٌ وله أَقارِبٌ.
وعَبْلَةُ، بالفتحِ: اسمُ جارِيَةٍ، كما في الصِّحاحِ، وقوْلُه من قُرَيْشٍ خَطَأٌ، والصَّوابُ أَنَّها من تَمِيمٍ.
قالَ الدَّارْقطْنِي: هي عَبْلَةُ بِنْتُ عُبَيْد بنِ جادل بنِ قَيْسِ بنِ حَنْظَلَةَ بنِ مالِكِ بنِ زيدِ مَناةَ بنِ تميمٍ.
وقالَ غيرُه: هي عَبْلَةُ بنْتُ نافذِ بنِ قَيْسِ بن حَنْظَلَةَ.
وهي أُمُّ قَبيلَةٍ من قُرَيْش يقالُ لهم: العَبَلاتُ، محرَّكةً.
قالَ أبو الفَرَج الأَصْبَهانيّ: كانَتْ عَبْلَةُ عنْدَ رجُلٍ فَبَعَثَها بانحاءِ سَمْنٍ تَبيعُها بِسُوقِ عُكَاظ فبَاعَتْ وَشِربَتْ بالثَّمنِ خَمْرًا ورَهَنَتْ ابنَ أَخيهِ وهَرَبَتْ فطَلَّقَها فتزوَّجَها عبدُ شمسِ بنُ عبدِ مَنَاف فوَلَدَتْ له أُمَيَّةً الأصْغَر وعبد أُمَيَّة ونَوْفَلًا وهم العَبَلَاتُ، والنِّسْبَةُ إليهم عَبْلِيُّ بالفتحِ على ما يَجِبُ في الجَمْعِ الذي له واحِدٌ من لَفْظِه قالَهُ سِيْبَوَيْه. وفي الصِّحاحِ: تردُّه إلى الواحِدِ لأنَّ أُمَّهم اسْمُها عَبْلة. وبالتحريكِ عن ابنِ ماكولا الأمِيْر والحافِظِ عَبْد الغني بن سَعِيدٍ وهو خَطَأٌ، كذا حَقَّقه البَلْبِيْسِي في الأَنْسابِ، ومنهم أَبو عديِّ العَبْلِيُّ رَوَى عن كعبِ بنِ مالِكِ غير الصَّحابيّ شِعْرًا.
وعَبْلَةُ البِيرَة: موضع بِالمَغْرِبِ وهو فحصٌ بَيْن نَظَرَي غرْنَاطَةَ والمَرِيَّةِ، كما في العُبَابِ.
والعَبِيلَةُ الغَلِيظَةُ الضَّخْمَةُ من النِّساءِ، عن ابنِ عَبَّادٍ.
وعَبِيلَةُ بنُ قِسْميلٍ: له ذِكْر، ذَكَرَه ابنُ الكَلْبيّ في كتابِ الأنْسابِ.
والعُنْبُلُ والعُنْبُلَةُ، بضَمِّهما: البَظْرُ، كما في الصِّحاحِ.
والعُنابِلُ، كعُلابِطٍ: الغَليظُ وأَنْشَدَ الجوْهَرِيُّ لعاصِمِ بنِ ثابِتٍ الأَنْصَارِيّ.
والقوسُ فيها وَتَرٌ عُنابِل
والعُنْبُليُّ بالضمِ وتَشْدِيدِ الباءِ الزَّنْجِيُّ لغِلَظِهِ، عن ابنِ دُرَيْدٍ وسَيَأْتي له في «ع ن ب ل».
والمعَابِلُ: موضع، نَقَلَه الصَّاغانِيُّ.
والمُعَبِّلُ، كمُحَدِّثٍ: مَنْ معهُ مَعابِلُ من السِّهامِ عن ابنِ عَبَّادٍ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
العَبْلاءُ الطَّريدَةُ في سَواء الأَرْض حِجارَتها بيضٌ كأَنَّها حجارَةُ القَدَّاحِ، ورُبَّما قَدَحوا ببعضِها ولَيس بالمَرْوِ كأَنَّها البِلَّوْر.
والأَعْبِلَةُ جَمْعُ الأَعْبَلِ على غيرِ الواحِدِ، ومنه الحدِيثُ: أنَّ المُسْلمينَ وَجَدوا أَعْبِلةً في الخَنْدَق.
وأَكْمةٌ عَبْلاء: بَيْضاء.
وامْرَأَةٌ عَبْلَةٌ: تامَّةُ الخَلْقِ.
وعَبْلَةُ اسمُ امْرَأَةٍ، ومنه قَوْلُ عَنْتَرَة:
يا دَار عَبْلَةَ بالجوَاءِ تَكَلَّمِي *** وعِمِي صَبَاحًا دَارَ عَبْلَةَ واسْلَمِي
وعَبَلْت الحَبْلَ عَبْلًا فَتَلْته، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.
وغُلامٌ عابِلٌ سَمِينٌ والجَمْعُ عُبَّلٌ.
وامْرَأَةٌ عَبُولٌ، والجَمْعُ عُبُلٌ.
وعَبَلَ الشجرُ إذا طَلَعَ وَرَقُه، عن الأَزْهَرِيِّ.
والعَبَلُ بنُ عَمْرٍو بنِ مالِكِ بنِ زيْدِ بنِ رُعَيْن، بالتَحْريكِ: قَبيلَةٌ وهو جَدُّ ذي العابِل المَذْكُور، منهم: عبدُ الله بنُ عمْرٍو العَبلِيُّ رَوَى عنه ابنُ إسحقَ، وحجَّاجُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ حَمْزة الرُّعَينيّ العَبلِيُّ أَميرُ زويلَةَ عن بُكَيْر بنِ الأَشجِّ وعنه ابنُ وَهَب.
والمِعْبَلُ، بالكسرِ: ما يُعْبَلُ به الشجرُ أَي يُقْطَعُ.
وبَنُو العُبالى، بالضمِ: بَطْنٌ من العلَويِّيْن باليَمَنِ جَدُّهم إسمعيلُ بنُ عبدِ الله بنِ محمدِ القاسِم الرسي الحسني منهم السَّيِّدُ عزُّ الدِّيْنِ بنُ عليٍّ العُباليُّ من المُبْرزِيْن، وابنُ أَخيهِ السَّيِّدُ إبراهيمُ بنُ أَحْمَد بنِ عليٍّ العُباليُّ له حاشِيَةٌ على المغْنِي لابن هِشَام، تُوفي سَنَة 1071.
وعِبِلّيْنِ، بكَسْرَتَيْن مَعَ تَشْديدِ اللام: قَرْيةٌ من أَعْمالِ صَفَدَ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
84-تاج العروس (تين)
[تين]: التِّيْنُ، بالكسْرِ، معروف مَعْروفٌ يُطْلَقُ على الشَّجَرِ المعْروفِ وعلى ثَمَرِه، ورَطْبُه النَّضيجُ: أَحْمدُ الفاكِهَةِ وأكْثَرُها غِذاءً وأَقَلُّها نَفْخًا، جاذِبٌ مُحَلِّلٌ مُفَتِّحٌ سُدَدَ الكَبِدِ والطِّحالِ مُلَيِّنٌ، والإكْثارُ منه مُقْمِلٌ.قالَ أَبو حَنيفَةَ: أَجْناسُه كَثِيرَةٌ بَرِّيَّة ورِيفِيَّة وسَهْليَّة وجَبَليَّة، وهو كَثيرٌ بأرْضِ العَرَبِ، قالَ: وأَخْبَرني رجُلٌ مِن أَعْرابِ السَّراةِ، وهُم أَهْلُ تِيْنٍ قالَ: التِّيْنُ بالسَّراةِ كَثيرٌ مُباحٌ، وتَأْكُلُه رَطبًا وتُزَبِّبُه وتَدَّخِرُه، وقد يُجْمَعُ على التِّيْن.
والتِّيْنُ: جَبَلٌ بالشَّامِ، وبه فَسَّر بعضٌ قَوْلَه تعالَى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}.
وقالَ الفرَّاءُ: سَمِعْتُ رَجلًا مِن أَهْلِ الشامِ وكانَ صاحِبَ تفْسِيرٍ قالَ: التِّيْنُ جِبالٌ ما بينَ حُلوانَ إلى هَمَدان والزَّيتون جَبَلٌ بالشامِ.
وقيلَ: بل هو مَسْجِدٌ بها.
وأَيْضًا: جَبَلٌ لغَطَفانَ في نَجْدٍ.
قالَ أَبو حنيفَةَ: وليسَ قَوْلُ مَنْ قالَ بالشامِ بشيءٍ، وأَيْن الشام مِن بِلادِ غَطَفانَ. والتِّيْنُ: اسْمُ دِمَشْقَ.
وطُورُ تَيْناء*، بالفتحِ والكسْرِ والمدِّ والقَصْرِ: بمعْنَى طُور سَيْناء.
والتِّينَةُ، بالكسْرِ: الدُّبُرُ؛ عن أَبي حَنيفَةَ، رَحِمَه اللهُ.
وأَيْضًا: ماءَةٌ في لحفِ جَبَلٍ لغَطَفانَ.
وأَيْضًا: لَقَبُ عيسَى بنِ إسْماعيلَ البَصْريّ المُحَدِّثِ، رَوَى عن إسْماعيلَ الأصْمَعيّ وغيرِهِ.
وأَبو غالِبٍ تَمَّامُ بنُ غالِبِ بنِ عَمْرٍو المُرْسِيّ التَّيّانيُّ لُغَويٌّ أَدِيبٌ صاحِبُ المُوعَبِ وشارِحُ الفَصِيحِ.
والتِّينانِ، بالكسْرِ، مثنى التِّيْن: جَبَلانِ بنَجْدٍ في دِيارِ بَني أَسَدٍ لبَني نَعامَةَ، بينهُمَا وادٍ يقالُ له: خَوٌّ.
والتِّينانُ: الذِّئْبُ، وقد ذُكِرَ أَيْضًا في ت ن ن.
وتِيناتُ، بالكسْرِ كأنَّه جَمْعُ تِينَةٍ: فُرْضَةٌ على بَحْرِ الشَّامِ على أَمْيالٍ مِن المَصِيصَة، منها أَبو الخَيْرِ حمَّادُ بنُ عبدِ اللهِ الأقْطَع، أَصْلُه مِن الغَرْب نَزلَ تِيناتَ وسَكَنَ بها مُرابِطًا، وسَكَنَ أَيْضًا بجَبَلِ لُبْنان، وله آياتٌ وكَراماتٌ.
قالَ القُشَيْريُّ، رَحِمَه اللهُ تعالَى: ماتَ سَنَة نَيِّف وأَرْبَعِين وثلثمائة.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
أَرضٌ مَتانَةٌ: كَثيرَةُ التِّينِ.
وتَيَّانُ، ككتَّان: ماءٌ في دِيارِ هَوازِن.
وتِيْنٌ، بالكسْرِ: شعْبٌ بمكَّةَ، شرَّفَها اللهُ، يفرغُ مَسِيله في تلوح.
وأَيْضًا: جَبَلٌ نَجْدِي في دِيارِ بَني أَسَدٍ. وهُناك جَبَلٌ آخَرُ أَيْضًا؛ قالَهُ نَصْر.
وقالَ النَّابغَةُ يَصِفُ سَحابًا لا ماءَ فيها:
صُهْبٌ خفافٌ أَتَينَ التِّينَ عن عُرُضٍ *** يُزْجِينَ غَيْمًا قليلًا ماؤُهُ شَيِما
وعبْدُ الرَّحْمن السَّفاقِسِيُّ المَالِكِيُّ المَعْروفُ بابنِ التِّيْن شارِحُ البُخارِي مَعْروفٌ.
ورجُلٌ تيناء: عذيوط؛ وقد ذَكَرَه المصنِّفُ، رَحِمَه اللهُ تعالَى في تيتأ اسْتِطْرَادًا وأَغْفَلَه هنا.
وغالِبُ بنُ عُمَرَ التيانيُّ صاحِبُ أَبي عليِّ القالِي.
والتَّيَّانُ: مَنْ يَبِيعُ التِّيْن.
والقاضِي محمدُ بنُ عبْدِ الواحِدِ بنِ التيَّان الفَقِيهُ المُرْسِيُّ يَرْوِي عن أَبي عليِّ الغسَّاني وابنِ الطَّلاع، وعنه السّلَفيُّ وهو ضبطه.
وبراقُ التِّيْن: مَوْضِعٌ؛ قالَ الحَذْلميُّ:
تَرْعَى إلى جُدِّلها مَكِين *** أَكْنافَ خَوِّ فبِراقِ التِّين
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
85-تاج العروس (كون)
[كون]: الكَوْنُ: الحَدَثُ كالكَيْنُونَةِ، وقد كانَ كَوْنًا وكَيْنُونَةً؛ عن اللَّحْيانيِّ وكُراعٍ؛ والكَيْنُونَةُ في مَصْدرِ كانَ يكونُ أَحْسَنُ.وقالَ الفرَّاءُ: العَرَبُ تقولُ في ذواتِ الياءِ: طِرْتُ طَيْرُورَةً، وحِدْتُ حَيْدُودَةً فيما لا يُحْصَى مِن هذا الضَّرْبِ، فأَمَّا ذَوَات الواو فإنَّهم لا يقُولُونَ ذلكَ، وقد أَتى عنهم في أَرْبعةِ أَحْرف؛ منها الكَيْنُونَةُ مَن كُنْتُ، والدَّيْمومَةُ مِن دُمْتُ، والهَيْعُوعَةُ من الهُواعِ، والسَّيْدُودَةُ مِن سُدْتُ، وكانَ يَنْبَغي أَنْ يكونَ كَوْكُونَة، ولكنَّها لمَّا قَلَّتْ في مَصادِرِ الواوِ وكَثُرَتْ في مَصادِرِ الياءِ أَلْحقُوها بالذي هو أَكْثَر مَجِيئًا منها، إذا كانتِ الياءُ والواوُ مُتَقارِبي المَخْرج.
قالَ: وكانَ الخَليلُ يقولُ كَيْنونَةَ فَيْعولَة هي في الأَصْلِ كَيْوَنُونة، الْتَقَتْ منها ياءٌ وواوٌ، الأُولى منهما ساكِنَةٌ فصيرتا ياءً مُشَدَّدَة مثْلَ ما قالوا الهَيِّنُ من هُنْتُ، ثم خَفَّفُوها كَيْنُونَة كما قالوا هَيْنٌ لَيْنٌ.
قالَ الفرَّاء: وقد ذُهِبَ مَذْهَبًا إلَّا أَنَّ القولَ عنْدِي هو الأَوَّل.
ونَقَلَ المَناوِي في التَّوْقِيف: أَنَّ الكَوْنَ اسمٌ لمَا حَدَثَ دفْعَةً كانْقِلابِ الماءِ عن الهَواءِ، لأنَّ الصُّورَةَ الكُلِّيةَ كانتْ للماءِ بالقوَّةِ فخَرَجَتْ منها إلى الفِعْلِ، فإذا كانَ على التَّدْريجِ فهو الحركَةُ، وقيلَ: الكَوْنُ حُصُولُ الصُّورةِ في المادَّةِ بعْدَ أَنْ لم تكنْ فيها؛ ذَكَرَه ابنُ الكَمالِ.
وقالَ الرَّاغبُ: الكَوْنُ يَسْتَعْملُه بعضُهم في اسْتِحالَةِ جَوْهرٍ ما إلى ما هو أَشْرَف منه، والفَسَاد في اسْتِحالَة جَوْهرٍ إلى ما هو دُونَه؛ والمُتَكَلِّمونَ يَسْتَعْملُونَه في معْنى الإبْدَاعِ.
* قلْتُ: وهو عنْدَ أَهْلِ التَّحْقِيقِ عِبارَةٌ عن وُجودِ العالمِ مِن حيثُ هو أنَّه حقٌّ وإن كانَ مُرادُنا الوُجُود المُطْلَق العامُّ عنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ.
والكائنَةُ: الحادِثَةُ، والجَمْعُ الكَوائِنُ.
وكَوَّنَهُ تَكْوينًا: أَحْدَثَهُ؛ وقيلَ: التّكْوِينُ إيجادُ شيءٍ مَسْبُوقٍ بمادَّةٍ.
وكَوَّنَ اللهُ الأَشْيَاءَ تَكْوينًا: أَوْجَدَها؛ أَي أَخْرجَها مِنَ العَدَمِ إلى الوُجودِ.
والمَكانُ: المَوْضِعُ، كالمَكانَةِ؛ ومنه قَوْلُه تعالى: {وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ}؛ الجمع: أَمْكِنَةٌ وأَماكِنُ، تَوَهَّمُوا المِيمَ أَصْلًا حتى قالوا: تَمَكَّنَ في المَكَانِ، وهذا كما قالوا في تَكْسِيرِ المَسِيل أَمْسِلَة؛ وقيلَ: المِيمُ في المَكانِ أَصْلٌ كأَنَّه مِن التَّمَكُّنِ دُونَ الكَوْنِ، وهذا يُقَوِّيه ما ذَكَرْناه مِن تَكْسِيرِه على أَفْعِلةٍ.
وقالَ اللّيْثُ: المَكانُ اشْتقاقُه مِن كانَ يكونُ، ولكنَّه لمَّا كَثُرَ في الكلامِ صارَتِ المِيمُ كأَنَّها أَصْليّةٌ.
وذَكَرَ الجوْهرِيُّ في هذه التَّرْجمةِ مِثْلَ ذلكَ، قالَ: المَكانَةُ المَنْزِلَةُ، فلانٌ مَكِينٌ عنْدَ فلانٍ بَيِّنُ المَكانَةِ ولمَّا كَثُرَ لُزُوم المِيم تُوُهِّمَتْ أَصْليَّة فقالوا: تَمَكَّن كما قالوا في المِسْكِين تَمَسْكَنَ.
قالَ ابنُ بَرِّي: مَكِينٌ فَعِيلٌ، ومَكانٌ فَعالٌ، ومَكانَةٌ فَعالَةٌ، ليسَ شيءٌ منها مِن الكَوْنِ فهذا سَهْوٌ، وأَمْكِنَةٌ أَفْعِلَةٌ، وأمَّا تَمَسْكَنَ فهو تفعل كتَمَدْرَعَ مُشْتَقّ من المِدْرَعةِ بزِيادَتِه، فعلى قِياسِه يجبُ في تمكَّنَ تمَكْوَنَ لأنَّه تفعل على اشْتقِاقِه لا تمكَّنَ، وتمَكَّنَ وَزْنُه تَفَعَّلَ، وهذا كلُّه سَهْوٌ ومَوْضِعُه فَصْلُ المِيمِ مِنْ بابِ النونِ.
ومَضَيْتُ مَكانَتِي ومَكِينَتِي: أي على طِيَّتِي، وهذا أَيْضًا صَوابُ ذِكْرِه في مكن كما سَيَأْتي.
وكانَ: مِنَ الأفْعالِ التي تَرْفَعُ الاسمَ وتَنْصِبُ الخَبَر، كقوْلِكَ؛ كانَ زَيْدٌ قائِمًا، ويكونُ عَمْرو ذاهِبًا، كاكْتَانَ، والمَصْدَرُ الكَوْنُ والكِيانُ، ككِتابٍ، والكَيْنُونَةُ. ويقالُ: كُنَّاهُمْ؛ أَي كُنَّا لَهُم، عن سِيبَوَيْهِ مَثَّلَه بالفِعْلِ المُتَعدِّي.
وقالَ أَيْضًا: إذا لم تَكُنْهم فمَنْ ذا يَكُونُهم، كما تقولُ إذا لم تَضْربْهم فمَنْ ذا يَضْرِبهم. قالَ. وتقولُ هو كائِنٌ ومَكُونٌ، كما تقولُ ضارِبٌ ومَضْروبٌ.
وكُنْتُ الغَزْلَ كنونًا: غَزَلْتُه.
والكُنْتِيُّ والكُنْتُنِيُّ، بزِيادَةِ النُّونِ نسْبَة إلى كُنْتُ. وزَعَمَ سِيبَوَيْه أَنَّ إخْراجَه على الأَصْلِ أَقْيَس فتقولُ الكُونِيُّ، على حَدِّ ما يُوجِبُ النَّسَبَ إلى الحِكايَةِ، وهو الكَبيرُ العُمُرِ؛ وقد جَمَعَ الشاعِرُ بَيْنهما في بيتٍ:
وما كُنْتُ كُنْتِيًّا وما كُنْتُ عاجِنًا *** وشَرُّ الرِّجالِ الكُنْتِنِيُّ وعاجِنُ
قالَ الجوْهرِيُّ: يقالُ للرَّجُلِ إذا شاخَ: هو كُنْتِيٌّ، كأنَّه نُسِبَ إلى قَوْلِ كُنْتُ في شبَابي كذا؛ وأَنْشَدَ:
فأَصْبَحْتُ كُنْيتا وأَصْبَحْتُ عاجِنًا *** وشَرُّ خِصالِ المَرْءِ كُنْتُ وعاجِنُ
وهكذا أَنْشَدَه الجُرْجاني في كتابِ الكِنايَاتِ.
وقالَ ابنُ بُزُرْج: الكُنْتِيُّ القَوِيُّ الشَّديدُ؛ وأَنْشَدَ:
قد كُنْتُ كُنْيتا فأصْبَحْتُ عاجِنًا *** وشَرُّ خِصالِ الناسِ كُنْتُ وعاجِنُ
وقالَ أبو زَيْدٍ: الكُنْتِيُّ الكَبيرُ؛ وأنْشَدَ:
إذا ما كُنْتَ مُلْتَمِسًا لغَوْثٍ *** فلا تَصْرُخْ بكُنْتِيِّ كبِيرِ
فَلَيْسَ بمُدْرِكٍ شيئًا بِسَعْيٍ *** ولا سَمْعٍ ولا نَظَرٍ بَصِيرِ
وفي الحديثِ: أَنَّه دَخَلَ المَسْجِدَ وعامَّةُ أَهْلِه الكُنْتِيُّونَ؛ هم الشُّيوخُ الذين يقُولونَ كُنَّا كذا، وكان كذا، وكُنْتُ كذا.
ونَقَلَ ثَعْلَب عن ابنِ الأعْرابيِّ: قيلَ لصَبِيَّةٍ مِن العَرَبِ ما بَلَغَ الكِبَرُ من أَبِيكِ؟ قالتْ: قد عَجَنَ وخَبَزَ وثَنَّى وثَلَّثَ وأَلْصَقَ وأَوْرَصَ وكانَ وكَنَتَ.
وتكونُ كانَ زَائِدَةً ولا تُزادُ أَوّلًا، وإنَّما تُزادُ حَشْوًا، ولا يكونُ لها اسمٌ ولا خَبَرٌ ولا عَمَل لها، كقوْلِ الشاعِرِ:
باللهُ قُولُوا بأَجْمَعِكُمْ *** يا لَيْتَ ما كانَ كان لم يَكُنْ
وكقوْلِهِ:
سَراةُ بَني أَبي بَكْرٍ تَسامَوْا *** على كانَ المُسَوَّمةِ العِرابِ
ورَوَى الكِسائي عن العَرَب: نَزَلَ فلانٌ على كانَ خَتَنِه؛ أَي على خَتَنِه؛ وأَنْشَدَ الفرَّاءُ:
جادَتْ بكَفَّيْ كانَ من أَرْمى البَشَرْ
أَي جادَتْ بكَفَّيْ مَنْ هو مِن أَرْمى البَشَرِ؛ قالَ: والعَرَبُ تُدْخِلُ كانَ في الكَلامِ لَغْوًا فتقولُ: مُرَّ على كانَ زيدٍ، يُريدُونَ مُرَّ على زَيْدٍ.
قالَ الجوْهرِيُّ: وقد تَقَعُ زائِدَةً للتَّوْكيدِ كقَوْلِكَ: زيْدٌ كانَ مُنْطَلقٌ، ومَعْناه: زَيْدٌ مُنْطلِقٌ؛ وأمَّا قوْلُ الفَرَزْدقِ:
فكيفَ إذا مَرَرْتَ بدارِ قَوْمٍ *** وجيرانٍ لنا كانُوا كِرامِ؟
فزَعَمَ سِيبَوَيْه أَنَّ كانَ هنا زائِدَةٌ.
وقالَ أَبو العبَّاس: إنَّ تَقْديرَهُ: وجِيرانٍ كِرامٍ كانُوا لنا.
قالَ ابنُ سِيدَه: وهذا أَسْوغُ لأنَّ كانَ قد عَمِلَتْ ههنا في مَوْضِعِ الضَّميرِ وفي مَوْضِع لنا، فلا معْنَى لمَا ذَهَبَ إليه سِيبَوَيْه مِن أَنَّها زائِدَةٌ هنا.
وكانَ عليه كَوْنًا وكِيانًا، ككِتابٍ، واكْتَانَ: تَكَفَّل به.
قالَ الكِسائي: اكْتَنْتُ به اكْتِنانًا والاسمُ منه الكِيانَةُ، وكُنْتُ عليه أَكُونُ كَوْنًا: تَكَفَّلْتُ به. وقيلَ: الكِيانَةُ المَصْدَرُ كما شرَّحَ به شُرَّاحُ التَّسْهيل. ويقالُ: كُنْتُ الكُوفَةَ: أَي كُنْتُ بها ومَنازِلُ أَقْفَرَتْ كأَنْ لم يَكُنْها أَحدٌ؛ أَي لم يَكُنْ بها أَحدٌ.
وتقولُ: إذا سَمِعْتَ بخَبَرٍ فكُنْه، أَو بمكانِ خَيْرٍ فاسْكُنْه.
وتقولُ: كُنْتُكَ وكُنْتُ إيَّاكَ كما تقولُ طَنَنْتُكَ زيْدًا وظَنَنْتُ زَيْدًا إيَّاك، تَضَعُ المُنْفَصِلَ في مَوْضِعِ المُتَّصِلِ في الكِنايَةِ عن الاسمِ والخبَرِ، لأنَّهما مُنْفَصِلان في الأَصْلِ، لأنَّهما مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ؛ قالَ أَبو الأَسْود الدُّؤلي:
دعِ الخمْرَ تَشْريْها الغُواةُ فإنَّني *** رأَيْتُ أَخَاها مُجزِيًا بمَكَانِها
فإنْ لا يَكُنْها أَو تَكُنْه فإنَّه *** أَخُوها غَذَتْهُ أُمُّهُ بلِبانِها
يعْنِي الزَّبيبَ.
وتكونُ كانَ تامَّةً:
بمَعْنَى ثَبَتَ وثُبوتُ كلِّ شيءٍ بحَسَبِه، فمنه الأَزَليَّة كقَوْلِهم: كانَ اللهُ ولا شيءَ معه.
وبمَعْنَى حَدَثَ: كقَوْلِ الشاعِرِ:
إذا كانَ الشِّتاءُ فأَدْفِئُوني *** فإنَّ الشَّيْخَ يُهْرِمُه الشِّتاءُ
وقيلَ: كانَ هنا بمعْنَى جاءَ.
وبمَعْنَى حَضَرَ: كقَوْلِهِ تعالَى: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ {فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ} وبمَعْنَى وَقَعَ: كقَوْلِهِ: ما شاءَ اللهُ كانَ وما لم يَشَأْ لم يَكُنْ: وحينَئِذٍ تأْتي باسمٍ واحِدٍ وهو خَبَرُ؛ ومنه قَوْلُهم: كانَ الأَمْرُ القصَّةُ؛ أَي وَقَعَ الأمْرُ ووَقَعَتِ القصَّةُ، وهذه تُسَمَّى التامَّة المُكْتَفِيَة.
وقالَ الجوْهرِيُّ: كانَ إذا جَعَلْتَه عِبارَة عمَّا مَضَى مِن الزَّمانِ احْتاجَ إلى خَبَرٍ لأنَّه دَلَّ على الزَّمانِ فقط، تقولُ: كانَ زَيْدٌ عالمًا؛ وإذا جَعَلْتَه عِبارَةً عن حُدُوثِ الشيءِ ووُقُوعِه اسْتَغْنَى عن الخبَرِ لأنَّه دَلَّ على معْنًى وزَمانٍ، تقولُ: كانَ الأَمْرُ وأَنا أَعْرِفُه مُذْ كانَ أَي مُذْ خُلِقَ، قالَ مُقَّاسٌ العائِذِيُّ:
فِدًى لبَني ذُهْلِ بنِ شَيْبانَ ناقَتِي *** إذا كانَ يومٌ ذو كواكبَ شَهْبُ
وبمَعْنَى أَقامَ: كقَوْلِ عبدِ اللهِ بنِ عبْدِ الأَعْلَى:
كُنّا وكانُوا فما نَدرِي على وَهَمٍ *** أَنَحْنُ فيما لَبِثْنا أَمْ هُمُ عَجِلُوا؟
وكانَ يَقْتَضِي التّكْرَار، والصَّحيحُ عنْدَ الأُصُولِيِّين أَنَّ لَفْظَه لا يَقْتَضِي تِكْرارًا لا لُغَةً ولا عُرْفًا وإنْ صَحَّحَ ابنُ الحاجِبِ خِلافَه، وابنُ دَقيقِ العيدِ اقْتِضاءَها عُرْفًا كما في شرْحِ الدَّلائِل للفاسِي، رحِمَه اللهُ تعالى عنْدَ قوْلِه: كانَ إذا مَشَى تَعَلَّقَتِ الوُحوشُ بأَذْيالِهِ.
ومِن أَقْسامِ كانَ الناقِصَة أَنْ تأْتي بمَعْنَى صارَ: كقَوْلِه تعالَى: وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ.
قالَ ابنُ بَرِّي: ومنه قَوْلُه تعالى أَيْضًا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} ومنه قَوْلُه تعالى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ}؛ وقَوْلُه تعالى: {وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيبًا مَهِيلًا}؛ وقَوْلُه تعالى: {وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها}؛ أَي صِرْتَ إليها: وقَوْلُه تعالى: (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا)؛ وقالَ شَمْعَلَةُ بنُ الأَخْضَر:
فَخَرَّ على الأَلأَةِ لم يُوَسَّدْ *** وقد كانَ الدِّماءُ له خِمارَا
* قلْتُ: ومنه أَيْضًا في حدِيثِ كَعْبٍ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه: «كُنْ أَبا خَيْثَمَة»، أي صِرْهُ؛ يقالُ للرَّجُلِ يُرَى مِن بُعْد: كُنْ فُلانًا؛ أَي أَنْتَ فلانٌ، أَو هو فُلانٌ.
وقالَ أَبو العبَّاسِ: اخْتَلَفَ الناسُ في قوْلِهِ تعالىَ: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}، فقالَ بعضُهم: كانَ هنا صِلَة، ومَعْناه كيفَ نُكَلِّمُ مَنْ هو في المَهْدِ صَبِيًّا؛ وقالَ الفرَّاءُ: كانَ هنا شَرْطٌ وفي الكَلامِ تَعجُّبٌ، ومَعْناه: مَنْ يَكُنْ في المَهْدِ صَبِيًّا فكيفَ يُكَلَّمُ؟.
وبمَعْنَى الاسْتِقْبالِ: كقَوْلِه تعالَى: يَخافُونَ يَوْمًا كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا، ومنه قَوْلُ الطرمَّاحِ:
وإنّي لآتِيكُم تَشَكُّرَ ما مَضَى *** من الأَمْرِ واسْتِنْجاز ما كانَ في غَدِ
وقَوْلُ سَلَمَة الجُعْفِيّ:
وكُنْتُ أَرَى كالمَوْتِ من بَيْنِ سَاعَةٍ *** فكيفَ بِبَيْنٍ كانَ مِيعادُه الحَشْرَا؟
وبمَعْنَى المُضِيِّ المُنْقَطِعِ وهي التَّامَّةُ كقَوْلِه تعالَى: وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ {يُفْسِدُونَ}، ومنه قَوْلُ أَبي الغول:
عَسَى الأَيامُ أَن يَرْجِعْ *** نَ قَومًا كالذي كانوا
أَي مَضَوْا وانْقَضَوا: وقَوْلُ أَبي زُبَيْدٍ:
ثم أَضْحَوْا كأَنَّهُم لم يَكُونوا *** ومُلُوكًا كانوا وأَهْلَ عَلاءِ
وبمَعْنَى الحالِ: كقَوْلِهِ تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ {أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ}؛ ورُوِي عن ابنِ الأَعْرابيِّ في تَفْسيرِ هذه الآيَة قالَ: أَي أَنْتُم خَيْر أُمَّةٍ، قالَ: ويقالُ مَعْناه {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} في عِلْمِ اللهِ.
وعليه خَرَّجَ بعضٌ قَوْلَه تعالى: {وَكانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، لأنَّ كانَ بمَنْزلَةِ ما في الحالِ، والمعْنَى: واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ إلَّا أَنْ كَوْنَ الماضِي بمعْنَى الحالِ قَلِيلٌ. واحْتَجّ صاحِبُ هذا القَوْلِ بقَوْلِهم: غَفَرَ اللهُ لفلانٍ، بمعْنَى لِيَغْفِر اللهُ، فلمَّا كانَ في الحالِ دَليلٌ على الاسْتِقْبالِ وَقَعَ الماضِي مُؤَدِّيًا عنها اسْتِخْفافًا لأنَّ اخْتِلافَ أَلْفاظِ الأَفْعالِ إنَّما وَقَعَ لاخْتِلافِ الأَوْقاتِ؛ ومنه قَوْلُ أَبي جُنْدبٍ الهُذَليِّ:
وكنتُ إذا جارِي دعا لمَضُوفةٍ *** أُشَمِّرُ حتى يَنْصُفَ الساقَ مِئْزَرِي
وإنَّما يخبر عن حالِهِ لا عمَّا مَضَى مِن فِعْلِه.
وكَيْوانُ زُحَلُ مَمْنُوعٌ مِن الصَّرْفِ، والقَوْلُ فيه كالقَوْلِ في خَيْوانَ، والمانِعُ له مِن الصَّرْفِ العُجْمة، كما أنَّ المانِعَ لخَيْوان مِن الصَّرفِ إنَّما هو التّأْنِيثُ وإرادَةُ البُقْعَة أَو الأَرْض أَو القَرْجيَةِ، وسَيَأْتي.
وسَمْعُ الكِيانِ: كتابٌ للعَجَمِ.
قالَ ابنُ بَرِّي: هو بمَعْنَى سَماعِ الكِيانِ، وهو كتابٌ أَلَّفَه أَرَسْطو.
والاسْتِكانَةُ: الخُضوعُ والذّلُّ. جَعَلَهُ بعضُهم اسْتَفْعَلَ من الكَوْنِ، وجَعَلَهُ أَبو عليِّ مِنَ الكَيْنِ وهو الأشْبَهُ.
وقالَ ابنُ الأنْبارِي: فيه قَوْلان: أَحَدُهما: أَنَّه مِن السَّكِينَةِ وأَصْلُه اسْتَكَن افْتَعَلَ من سَكَنَ، فمُدَّتْ فتحةُ الكافِ بأَلفٍ؛ والثاني: أَنَّه اسْتِفْعالٌ من كانَ يكونُ.
والمَكانَةُ: المَنْزِلَةُ؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وتقدَّمَ كَلامُ ابنُ بَرِّي قَرِيبًا في الرَّدِّ عليه.
وقال الفناري في شرْحِ دِيباجَةِ المُطوَّلِ: إنَّ مِنَ العَجَبِ إيرادَ الجوْهرِيِّ المَكانَة في فصْلِ الكافِ مِن بابِ النونِ مع أَصالَةِ مِيمِها.
والتَّكَوُّنُ: التَّحَرُّكُ؛ عن ابنِ الأَعْرابيِّ، قالَ: وتَقُولُ العَرَبُ للبَغِيضِ: لا كانَ ولا تَكَوَّنَ؛ أَي لا خُلِقَ ولا تَحَرَّكَ؛ أَي ماتَ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
الكَوْنُ: واحِدُ الأكْوانِ مَصْدَرٌ بمعْنَى المَفْعول.
ولم يَكُ أَصْلُه يكونُ حُذِفَتِ الواوُ لالْتِقاءِ الساكِنَيْنِ، فلمَّا كَثُر اسْتِعمالُه حَذَفُوا النونَ تَخْفيفًا، فإذا تحرَّكَتْ أَثْبتُوها، قالوا: لم يَكُنِ الرَّجُلُ؛ وأَجازَ يونُسُ حذْفَها مع الحرَكَةِ، وأَنْشَدَ:
إذا لم تَكُ الحاجاتُ من همَّةِ الفَتى *** فليس بمُغْنٍ عنكَ عَقْدُ الرَّتائِمِ
ومِثْلُه ما حكَاه قُطْرُب: أنَّ يونُسَ أَجازَ لم يَكُ الرَّجُل مُنْطلقًا؛ وأَنْشَدَ للحَسَنِ بنِ عُرْفُطة:
لم يَكُ لحق سوى أَنْ هَاجَهُ *** رَسْمُ دارٍ قد تَعَفَّى بالسَّرَرْ
وحَكَى سِيبَوَيْه: أَنا أَعْرِفُكَ مُذْ كُنْتَ؛ أَي مُذْ خُلِقْتَ، والسَّكَوُّنُ؛ الحُدُوثُ، وهو مُطاوعُ كَوَّنَه اللهُ تعالى؛ وفي الحدِيثِ: «فإنَّ الشَّيْطانَ لا يَتَكَوَّنُني»؛ وفي رِوايَةٍ: لا يَتَكَوَّنُ على صُورَتِي.
وحَكَى سِيبَوَيْه في جَمْع مَكانٍ أَمْكُنٌ، وهذا زائِدٌ في الدَّلالَةِ على أَنَّ وَزْنَ الكَلِمةِ فَعَال دُونَ مَفْعَل.
وحَكَى الأَخْفَش في كتابِ القَوافِي: ويقُولُونَ أَزَيْدًا كُنْتَ له.
قالَ ابنُ جنِّي: إن سُمِعَ عنهم ذلِكَ ففيه دَلالَةٌ على جَوَازِ تقْدِيمِ خَبَر كانَ عليها.
وفي الحدِيثِ: «أَعُوذُ بكَ مِن الحَوْرِ بعْدَ الكَوْنِ»؛ قالَ ابنُ الأثيرِ: هو مَصْدَرُ كانَ التامَّةِ؛ والمعْنَى أَعُوذُ بكَ مِن النَّقْص بَعْدَ الوُجُودِ والثَّباتِ، ويُرْوَى: بَعْد الكَوْرِ، بالراءِ وقد تقدَّمَ.
قالَ ابنُ بَرِّي: وتأْتي كانَ بمَعْنَى اتِّصال الزَّمانِ مِن غَيْرِ انْقِطاعٍ، وهي الناقِصَةُ ويُعَبَّرُ عنها بالزائِدَةِ أَيْضًا، كقَوْلِه تعالى: {وَكانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا}؛ أَي لم يَزَلْ على ذلِكَ؛ وقَوْله تعالى: {إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا}؛ وقَوْله تعالى: {كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا}؛ ومنه قَوْلُ المُتَلَمس:
وكُنَّا إذا الجبَّارُ صَعَّرَ خَدَّه *** أَقَمْنا له من صَعْرِه فتَقَوَّما
قالَ: ومِن أَقْسام كانَ الناقِصَة: أَن يكونَ فيها ضَميرُ الشأْنِ والقِصَّةِ، وتُفارِقُها في اثني عَشَرَ وَجْهًا لأنَّ اسْمَها لا يكونُ إلَّا مُضْمرًا غَيْرُ ظاهِرٍ، ولا يَرْجع إلى مَذْكُورٍ، ولا يُقْصَدُ به شيءٌ بعَيْنِه، ولا يُؤكَّدُ به، ولا يُعْطفُ عليه، ولا يُبْدلُ منه، ولا يُسْتَعْمل إلَّا في التَّفْخيمِ، ولا يُخَبَّر عنه إلّا بجُمْلةٍ، ولا يكونُ في الجمْلةِ ضَميرٌ، ولا يتقدَّمُ على كانَ.
قالَ: وقد تأْتي تكونُ بمَعْنَى كانَ، ومنه قَوْلُ جريرٍ:
ولقد يَكُونُ على الشَّبابِ بَصِيرَا
وقالَ ابنُ الأَعْرابيِّ: يقالُ كَنَتَ فُلانٌ في خَلْقِه وكانَ في خَلْقِه، فهو كُنْتِيٌّ وكانِيٌّ.
قالَ أَبو العبَّاسِ: وأَخْبَرني سَلَمَةُ عن الفرَّاء قالَ: الكُنْتِيُّ في الجِسْمِ والكَانِيُّ في الخُلُقِ.
وقالَ ابنُ الأعْرابيِّ: إذا قالَ كُنْتُ شابًّا وشُجاعًا فهو كُنْتِيٌّ، وإذا قالَ كانَ لي مالٌ فكُنْتُ أُعْطِي منه فهو كانِيٌّ. ورَجُلٌ كِنْتَأْوٌ: كثيرُ شَعَرِ اللّحْيةِ؛ عن ابنِ بُزُرْج، وقد تقدَّمَ ذلِكَ في الهَمْزَةِ.
وقالَ شَمِرٌ: تقولُ العَرَبُ: كأَنَّكَ واللهُ قدمُتَّ وصِرْتَ إلى كانَ، وكأَنَّكما مُتُّما وصِرْتُما إلى كانَ، وللثلاثَةِ كانوا: المعْنَى صِرْتَ إلى أَنْ يقالَ كانَ وأَنْتَ ميتٌ لا وأَنْتَ حَيٌّ؛ قالَ: والمعْنَى الحِكايَةُ على كُنْت مَرَّةً للمُواجَهَةِ ومَرَّةً للغائِبِ؛ ومنه قَوْلُه: وكلُّ امْرئٍ يومًا يَصِيرُ كانَ. وتقولُ للرَّجُلِ: كأَنِّي بكَ وقد، صِرْتَ كانِيًّا؛ أَي يقالُ كانَ والمرْأَة كانِيَّة، ولا يكونُ مِن حُرُوفِ الاسْتِثناءِ، تقولُ: جاءَ القَوْمُ لا يكونُ زَيْدًا، ولا تُسْتَعْمل إلَّا مُضْمرًا فيها، وكأنَّه قالَ: لا يكونُ الآتي زَيْدًا.
والكانونُ: إنَّ جعلْته من الكِنِّ فهو فاعُولٌ، وإنْ جعلْته فَعَلُولًا على تَقْديرِ قَرَبُوس فالأَلِفُ فيه أَصْلِيّة، وهي مِن الواوِ.
والمُكاوَنَةُ: الحَرْبُ والقِتالُ. وقَوْلُ العامَّة: كاني ماني اتباعٌ وهو على الحِكايَةِ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
86-تاج العروس (غذو)
[غذو]: وكالغَذِيِّ، كغَنِيِّ، والغَذَوِيِّ، محرَّكةٌ، في الكلِّ ممَّا ذُكِرَ من المَعانِي؛ أَي من عِنْدَ قوْلِه والغَدَوِيّ كعَرَبيِّ إلى آخِرِه. وهنا ذَكَرَه الجَوْهرِي وغيرُهُ مِن الأئِمَّة.قالَ ابنُ الأعرابي: الغَذَوِيُّ البَهْمُ الذي يُغْذَى، قالَ: وأَخْبَرني أعرابيٌّ من بَلْهُجَيْم أَنَّ الغَذَوِيَّ الحَمَلُ أَو الجَدْيُ لا يُغَذَّى بلَبَنِ أُمِّه، بل يُعاجَى بلَبَنِ غيرِها أَو بشيءٍ آخرٍ، وروى بَيْت الفَرَزْدق بمعْجمةٍ.
وفي الصِّحاح: قالَ خَلَف الأَحْمر: غَذِيُّ المالِ وغَذَوِيُّه: صِغارُه كالسِّخالِ ونحْوِها. ويقالُ: الغَذَوِيُّ أن يُباعَ بنِتاج ما نَزَا به الكَبْشُ ذلكَ العامَ، وأَنْشَدَ بَيْتَ الفَرَزْدق.
والغَذِيُّ، كغنِيِّ: السَّخْلَةُ، الجمع: غِذاءٌ، كفَصِيل وفِصالٍ، ومنه قولُ عُمَر، رضي الله عنه: «احْتَسِبْ عليهم بالغِذاءِ»، كما في الصِّحاح؛ أَي قالَهُ لعامِلِ الصَّدَقاتِ.
وقالَ ابنُ فارِسَ: غَذِيُّ المالِ صِغارُه كالسِّخالِ ونحْوها.
قالَ صاحِبُ المِصْباح: فعلى هذا يكونُ الغَذِيُّ مِن الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَم، قالَ: ويقالُ: غَذِيُّ المالِ وغَذَوِيُّه، ثم نَقَلَ قولَ أَعْرابيٍّ مِن بَلْهُجَيم الذي ذَكَرَه الجَوْهري، وقالَ: فعلى هذا الغَذَوِيُّ غَيْر الغَذِيِّ، وعليه كَلام الأزْهرِي.
قالَ ابنُ فارِسَ: وقد يَتَوهَّمُ المُتَوَهِّم أنَّ الغَذَوِيَّ من الغَذِيِّ، وهو السَّخْلَةُ. وكَلامُ العَرَبِ المَعْرُوف عِنْدهم أَوْلى مِن مَقايِيسِ المُولّدِين.
والغِذاءُ، ككِساءٍ: ما به نَماءُ الجِسْمِ وقِوامُه.
وفي الصِّحاح والمِصْباح: ما يُغْتَذَى به مِن الطَّعامِ والشَّرابِ، يقالُ: غَذاهُ؛ أَي الصَّبيَّ، باللَّبَنِ غَذْوًا، بالفَتْح، رَبَّاهُ به وغَذَّاهُ تَغْذِيَةً، مُبالغَةً، واسْتَعْمل أَيُّوبُ بنُ عبايَةَ الغِذاءَ في سَقْي النَّخْل فقالَ:
فجاءَتْ يَدًا مَعَ حُسْنِ الغِذَا *** إذ غَرْسُ قوْمٍ طَوِيلٌ قَصِيرُ
واغْتَذَى وتَغَذَّى، مُطاوِعَانِ، والغَذا، مَقْصورَةٌ، كذا هو في النُّسخِ بالألِفِ والصَّوابُ رَسْمه بالياءِ، بَوْلُ الجَمَلِ، وقد غَذاهُ وغَذَا به يَغْذُوه غَذْوًا: قَطَعَهُ، كغَذَّاهُ تَغْذِيَةً.
وغَذَا البَوْلُ نَفْسُه: انْقَطَعَ، كما في الصّحاح.
وفي المُحْكم: يَغْذُو غَذْوًا وغَذَوانًا: سَالَ، فهو لازِمٌ متعدٍّ.
وقالَ ابنُ القطَّاع: هو مِن الأضْدادِ.
وغَذَا الفَرَسُ يَغْذُو غَذْوًا وغَذَوانًا: أَسْرَعَ، نقلَهُ الجَوْهرِي.
وفي المُحْكم: مَرَّ مَرَّا سَرِيعًا.
وغَذَا العِرْقُ يَغْذُو غَذْوًا: سَالَ دَمًا، وقيلَ: كلُّ ما سَالَ فقد غَذَا ماءً أَو دَمًا أَو عَرَقًا، كَغَذَّى تَغْذِيَةً في العِرْقِ، عن الجَوْهرِي.
والغَذَوانُ، محرَّكةَ: الفَرَسُ النَّشِيطُ المُسْرِعُ، أَو الذي يغذي ببَوْله إذا جَرَى، وبهما فُسِّر قولُ الشاعِرِ:
وصَخْر بن عَمْرِو بنِ الشَّريدِ كأَنَّه *** أَخُو الحَرْبِ فَوْقَ القارِح الغَذَوانِ
ورُوي بيتُ امْرئِ القَيْسِ:
كَتَيْسِ ظِباءِ الحُلَّبِ الغَذَوانِ
وفُسِّرَ بالمُسْرِعِ.
والغَذَوانُ مِن الرِّجالِ: السَّلِيطُ الفاحِشُ، وهي بهاءٍ.
قالَ الفرَّاءُ: امرأَةٌ غَذَوانَةٌ فاحِشَةٌ.
والغَذَوانُ: اسمُ ماءٍ بينَ البَصْرَةِ والمَدِينَةِ، كأَنَّهُ مُثَنَّى غذا، وضَبَطَه نَصْر بالفَتْح.
واسْتَغْذاهُ: صَرَعَهُ فشَدَّ صَرْعَهُ.
والغاذِيَةُ: عِرْقٌ سُمِّيَت به لأنَّها تَغْذو دَمًا.
وهو غاذِي مالِ: أَي مُصْلِحُه وسائِسُه، كأَنَّه يَغْذُوه أَي يُرَبِّيه.
والتَّغْذِيَةُ: التَّرْبِيَةُ، التَّثْقِيلُ للمُبالغَةِ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
غَذَا الجُرْحُ يَغْذُو: دَامَ سَيَلانُه.
وغَذَّى الكَلْبُ ببَوْلِه يُغَذَّي: أَلْقاهُ دَفْعَةً دَفْعَةً.
والغاذِي: الجُرْحُ لا يَرْقأُ.
وفلانٌ خَيْرُه يتَغَذَّى كلَّ يَوْمٍ: أَي يَنْمُو ويَزِيدُ.
والنارُ تُغَذَّى بالحَطَبِ.
وغذوا بِلبانِ الكرم، والثلاثَةُ مِن المجازِ.
وغُذَيٌّ، كسُمَيٍّ: تَصْغيرُ الغَذِيِّ للسَّخْلَةِ عن خَلَفِ الأحْمر وقيلَ غُذَيّي بَهْمٍ لَقَبُ رجُلٍ، عن شَمِرٍ وغُذَيُّ جد أبي هالَةَ زَوْج خَدِيجَة والغاذِيَةُ من الصَّبيِّ الرَّمَّاعَةُ ما دامَتْ رَطْبَةً، فإذا صَلُبَتْ وصارَتْ عَظْمًا فهي يافُوخٌ، والجَمْعُ الغَواذِي، عن أَبي زيْدٍ.
والمغذيَةُ والمغذاةُ: من أَسْماءِ بئْرِ زَمْزَم.
والغَيْذَاءُ، فَيْعَلٌ مِن غَذَا يَغْذُو إذا سَالَ، اسْمٌ للسَّحابِ، جاءَ ذِكْرُه في الحديثِ.
قالَ الزَّمَخْشري: ولم أُسْمَعْ بفَيْعَلٍ في مُعْتَل اللامِ غَيْر هذا والكَيْهاء للناقَةِ الضَّخْمَةِ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
87-تاج العروس (وي)
[وَيْ]: وَيْ: كلمةُ تَعَجُّبٍ تقولُ: وَيْكَ ووَيْ لزيدٍ؛ كما في الصِّحاح.وفي المُحْكم: وَيْ حَرْفٌ مَعْناهُ التَّعَجُّب؛ وأنْشَدَ الأزْهري:
وَيْ لامِّها من دوِيٍّ الجَوِّ طالِبة *** ولا كهذا الذي في الأرضِ مَطْلُوبُ
قالَ: إنَّما أَرادَ وَيْ مَفْصولَة من اللامِ، ولذلكَ كَسَر اللامَ.
قالَ الجَوْهري: وقد تَدْخُلُ وَيْ على كأَنْ المُخَفَّفَةِ والمُشَدَّدةِ تقولُ: وَيْ ثم تَبْتَدِئُ فتقولُ كأَنْ؛ قالَهُ الخَليلُ.
وقالَ اللَّيْثُ: وَيْ يُكَنَّى بها عن الوَيْلِ، فيقالُ وَيْكَ اسْتَمِع قَوْلي؛ قالَ عَنْترةُ:
ولقد شَفَى نَفْسي وأَذْهَبَ سُقْمَها *** قِيلُ الفَوراس وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْدِمِ!
وقد تقدَّمَ ذلكَ في الكافِ.
وقولهُ تعالى: وَيْك أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ {لِمَنْ يَشاءُ}، زَعَمَ سِيبَوَيْه أَنَّها وَيْ مَفْصولة مِن كأنَّ، قالَ: والمعْنى وَقَعَ على أنَّ القَوْمَ انْتَبَهُوا فتَكَلَّموا على قَدْرِ عِلْمِهِم أَو نُبِّهُوا، فقيلَ لهم إنَّما يشبه أَن يكونَ عنْدَكُم هذا هكذا؛ وأنْشَدَ لزيد بنِ عَمرِو بنِ نُفَيْل، وقيلَ: لنَبِيه بنِ الحجَّاج:
وَيْ كأَنْ مَنْ يَكُنْ له نَشَبٌ يُحْ *** بَبْ ومَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ
وقيلَ: مَعْناهُ أَلَمْ تَرَ؟ عَزَاهُ سِيبَوَيْه إلى بعضِ المُفَسِّرين.
وقال الفرَّاء في تَفْسِيرِ الآيةِ: وَيْكأَنَّ في كلامِ العَرَبِ تَقْرِير كقَوْلِ الرَّجُل أَما تَرَى إلى صُنْع الله وإحْسانِه؛ قالَ: وأَخْبَرني شيخٌ مِن أَهْلِ البَصْرةِ أَنَّه سَمِعَ أَعْرابيَّةً تقولُ لزَوْجِها: أَيْنَ ابنُكَ وَيْلَك! فقالَ: ويْكَأَنه وَراءَ البَيْتِ؛ مَعْناهُ أَما تَرينَّه وَراء البَيْتِ.
وقيلَ: مَعْناهُ وَيْلَكَ، حَكَاهُ ثَعْلَب عن بعضِهم؛ وَحَكَاهُ أَبو زيْدٍ عن العَرَبِ.
وقال الفرَّاء: وقد يَذْهَبُ بعضُ النَّحويِّين إلى أَنَّها كَلِمتانِ يُريدُونَ وَيْكَ كأَنَّهم، أَرادُوا وَيْلَكَ فحذَفُوا اللامَ، ويَجْعَلُ أَن مَفْتوحة بفِعْل مُضْمَر.
وقيلَ: اعْلَمْ، حكَاهُ ثَعْلَب أيْضًا عن بعضِهم.
وقال الفرَّاء: تَقْديرُه وَيْلَكَ أعْلَمُ أَنَّه فأضْمَر اعْلَم.
قال الفرَّاء: ولم نَجِدِ العَرَب تُعْمِلُ الظنَّ مُضْمرًا ولا العِلْم ولا أشْبَاهه في ذلكَ، وأَمَّا حَذْف اللام مِن وَيْلَكَ حتى يَصِيرَ وَيْكَ فقد تَقولهُ العَرَبُ لكثْرتِها.
قال أَبو إِسْحق: الصَّحيحُ في هذا ما ذَكَرَه سِيبَوَيْه عن الخليلِ ويونس، قالَ. سأَلْتُ الخَليلَ عنها فزَعَمَ أَنَّ وَيْ مَفْصولة مِن كأَنَّ، وأَنَّ القوْمَ تَنَبَّهُوا فقالوا: وَيْ مُتَندِّمِين على ما سَلَفَ منهم، وكُلُّ مَن تَنَدَّم أَو نَدِمَ فإظْهارُ نَدامَتِه أَو تَنَدُّمُه أَنْ يقولُ وَيْ، كما يُعاتَب الرَّجُل على ما سَلَفَ فيقول: كأنَّك قَصَدْت مَكْر وهي، فحقِيقَة الوُقُوف عليها وَيْ وهو أَجْوَد وفي كلامِ العَرَبِ: وَيْ مَعْناه التَّنْبِيه والتَّندُّمُ، قالَ: وتَفْسيرُ الخَليلِ مُشاكِلٌ لمَا جاءَ في التَّفْسيرِ لأنَّ قولَ المُفَسِّرين أَما تَرى هو تَنْبِيه.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
88-المصباح المنير (خبر)
خَبَرْتُ الشَّيْءَ أَخْبُرُ مِنْ بَابِ قَتَلَ خُبْرًا عَلِمْتُهُ فَأَنَا خَبِيرٌ بِهِ وَاسْمُ مَا يُنْقَلُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ خَبَرٌ وَالْجَمْعُ أَخْبَارٌ وَأَخْبَرَنِي فُلَانٌ بِالشَّيْءِ فَخَبَرْتُهُ وَخَبَرْتُ الْأَرْضَ شَقَقْتُهَا لِلزِّرَاعَةِ فَأَنَا خَبِيرٌ وَمِنْهُ الْمُخَابَرَةُ وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ عَلَى بَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ وَاخْتَبَرْتُهُ بِمَعْنَى امْتَحَنْتُهُ وَالْخِبْرَةُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْهُ وَخَبْرٌ مِثَالُ فَلْسٍ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْيَمَنِ وَقَرْيَةٌ مِنْ قُرَى شِيرَازَ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا خَبْرِيٌّ عَلَى لَفْظِهَا وَخَيْبَرُ بِلَادُ بَنِي عَنَزَةَ عَنْ مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِي جِهَةِ الشَّأْمِ نَحْوُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م
89-المصباح المنير (غذو)
الْغَذِيُّ عَلَى فَعِيلٍ السَّخْلَةُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُالْغَذِيُّ الْحَمَلُ وَالْجَمْعُ غِذَاءٌ مِثْلُ كَرِيمٍ وَكِرَامٍ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ غذي الْمَالِ صِغَارُهُ كَالسِّخَالِ وَنَحْوِهَا وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْغَذِيُّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ قَالَ وَيُقَالُ غَذِيُّ الْمَالِ وَغَذَوِيُّ الْمَالِ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْغَذَوِيُّ الْبَهْمُ الَّذِي يُغْذَى قَالَ وَأَخْبَرَنِي أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَلْهُجَيْمٍ أَنَّ الْغَذَوِيَّ الْحَمَلُ أَوْ الْجَدْيُ لَا يُغْذَى بِلَبَنِ أُمِّهِ بَلْ بِلَبَنِ غَيْرِهَا أَوْ بِشَيْءٍ آخَرَ وَعَلَى هَذَا فَالْغَذَوِيُّ غَيْرُ الْغَذِيِّ وَعَلَيْهِ كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ قَالَ وَقَدْ يَتَوَهَّمُ الْمُتَوَهِّمُ أَنَّ الْغَذَوِيَّ مِنْ الْغَذِيِّ وَهُوَ السَّخْلَةُ وَكَلَامُ الْعَرَبِ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ أَوْلَى مِنْ مَقَايِيسِ الْمُوَلَّدِينَ وَالْغِذَاءُ مِثْلُ كِتَابٍ مَا يُغْتَذَى بِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَيُقَالُ غَذَا الطَّعَامُ الصَّبِيَّ يَغْذُوهُ مِنْ بَابِ عَلَا إذَا نَجَعَ فِيهِ وَكَفَاهُ وَغَذَوْتُهُ بِاللَّبَنِ أَغْذُوهُ أَيْضًا فَاغْتَذَى بِهِ وَغَذَّيْتُهُ بِالتَّثْقِيلِ مُبَالَغَةٌ فَتَغَذَّى.
المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م
90-لسان العرب (كفأ)
كفأ: كافَأَهُ عَلَى الشَّيْءِ مُكافأَةً وكِفَاءً: جَازَاهُ.تَقُولُ: مَا لِي بهِ قِبَلٌ وَلَا كِفاءٌ أَي مَا لِي بِهِ طاقةٌ عَلَى أَن أُكَافِئَهُ.
وَقَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: وَرُوحُ القُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ أَي جبريلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَيْسَ لَهُ نَظِير وَلَا مَثيل.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فَنَظَر إِلَيْهِمْ فَقَالَ: مَن يَكافِئُ هَؤُلَاءِ».
وَفِي حَدِيثِ الأَحنف: «لَا أُقاوِمُ مَن لَا كِفَاء لَهُ»، يَعْنِي الشيطانَ.
وَيُرْوَى: لَا أُقاوِلُ.
والكَفِيءُ: النَّظِيرُ، وَكَذَلِكَ الكُفْءُ والكُفُوءُ، عَلَى فُعْلٍ وفُعُولٍ.
وَالْمَصْدَرُ الكَفَاءةُ، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ.
وَتَقُولُ: لَا كِفَاء لَهُ، بِالْكَسْرِ، وَهُوَ فِي الأَصل مَصْدَرٌ، أَي لَا نَظِيرَ لَهُ.
والكُفْءُ: النَّظِيرُ والمُساوِي.
وَمِنْهُ الكفَاءةُ فِي النِّكاح، وَهُوَ أَن يَكُونَ الزَّوْجُ مُساويًا للمرأَة فِي حَسَبِها ودِينِها ونَسَبِها وبَيْتِها وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وتَكافَأَ الشَّيْئانِ: تَماثَلا.
وَكافَأَه مُكافَأَةً وكِفَاءً: ماثَلَه.
وَمِنْ كَلَامِهِمْ: الحمدُ لِلَّهِ كِفاء الْوَاجِبِ أَي قَدْرَ مَا يَكُونُ مُكافِئًا لَهُ.
وَالِاسْمُ: الكَفاءَةُ والكَفَاءُ.
قَالَ:
فَأَنْكَحَها، لَا فِي كَفَاءٍ وَلَا غِنىً، ***زِيادٌ، أَضَلَّ اللهُ سَعْيَ زِيادِ
وَهَذَا كِفَاءُ هَذَا وكِفْأَتُه وكَفِيئُه وكُفْؤُه وكُفُؤُه وكَفْؤُه، بِالْفَتْحِ عَنْ كُرَاعٍ، أَي مِثْلُهُ، يَكُونُ هَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ.
قَالَ أَبو زَيْدٍ: سَمِعْتُ امرأَة مِنْ عُقَيْل وزَوجَها يَقْرآن: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفىً أَحَدٌ، فأَلقى الْهَمْزَةَ وحَوَّل حَرَكَتَهَا عَلَى الْفَاءِ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}؛ أَربعةُ أَوجه الْقِرَاءَةِ، منها ثلاثة: كُفُوًا، بِضَمِّ الْكَافِ وَالْفَاءِ، وكُفْأً، بِضَمِّ الْكَافِ وإِسكان الْفَاءِ، وكِفْأً، بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ، وَقَدْ قُرئ بِهَا، وكِفاءً، بِكَسْرِ الْكَافِ وَالْمَدِّ، وَلَمْ يُقْرَأْ بِهَا.
وَمَعْنَاهُ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِثْلًا لِلَّهِ، تَعَالَى ذِكْرُه.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ كَفِيءُ فُلَانٍ وكُفُؤُ فُلَانٍ.
وَقَدْ قرأَ ابْنُ كَثِيرٍ وأَبو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَعَاصِمٌ كُفُؤًا، مُثْقَلًا مَهْمُوزًا.
وقرأَ حَمْزَةُ كُفْأً، بِسُكُونِ الْفَاءِ مَهْمُوزًا، وَإِذَا وَقَفَ قرأَ كُفَا، بِغَيْرِ هَمْزٍ.
وَاخْتَلَفَ عَنْ نَافِعٍ فَرُوِيَ عَنْهُ: كُفُؤًا، مِثْلَ أَبي عَمْرو، وَرُوِيَ: كُفْأً، مِثْلَ حَمْزَةَ.
والتَّكافُؤُ: الاسْتِواء.
وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المُسْلِمُونَ تَتَكافَأُ دِماؤُهم».
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يُرِيدُ تَتساوَى فِي الدِّياتِ والقِصاصِ، فَلَيْسَ لشَرِيف عَلَى وَضِيعٍ فَضْلٌ فِي ذَلِكَ.
وَفُلَانٌ كُفْءُ فلانةَ إِذَا كَانَ يَصْلُح لَهَا بَعْلًا، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ: أَكْفَاء.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعرف للكَفْءِ جَمْعًا عَلَى أَفْعُلٍ وَلَا فُعُولٍ.
وحَرِيٌّ أَن يَسَعَه ذَلِكَ، أَعني أَن يَكُونَ أَكْفَاء جمعَ كَفْءٍ، المفتوحِ الأَول أَيضًا.
وَشَاتَانِ مُكافَأَتانِ: مُشْتَبِهتانِ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي.
وَفِي حَدِيثِ العَقِيقةِ عَنِ الْغُلَامِ: «شاتانِ مُكافِئَتانِ»أَي مُتَساوِيَتانِ فِي السِّنِّ؛ أي لَا يُعَقُّ عَنْهُ إِلَّا بمُسِنَّةٍ، وأَقلُّه أَن يَكُونَ جَذَعًا، كَمَا يُجْزِئُ فِي الضَحايا.
وَقِيلَ: مُكافِئَتانِ أَي مُسْتوِيتانِ أَو مُتقارِبتانِ.
وَاخْتَارَ الخَطَّابِيُّ الأَوَّلَ، قَالَ: وَاللَّفْظَةُ مُكافِئَتانِ، بِكَسْرِ الْفَاءِ، يُقَالُ: كافَأَه يُكافِئهُ فَهُوَ مُكافِئهُ أَي مُساوِيه.
قَالَ: والمحدِّثون يَقُولُونَ مُكافَأَتَانِ، بِالْفَتْحِ.
قَالَ: وأَرى الْفَتْحَ أَولى لإِنه يُرِيدُ شَاتَيْنِ قَدْ سُوِّيَ بَيْنَهُمَا أَي مُساوًى بَيْنَهُمَا.
قَالَ: وأَما بِالْكَسْرِ فَمَعْنَاهُ أَنهما مُساوِيتَان، فيُحتاجُ أَن يَذْكُرَ أَيَّ شَيْءٍ ساوَيَا، وإِنما لَوْ قَالَ مُتكافِئتان كَانَ الْكَسْرُ أَولى.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَا فَرْق بَيْنَ المكافِئَتيْنِ والمُكافَأَتَيْنِ، لأَن كُلَّ وَاحِدَةٍ إِذَا كافَأَتْ أُختَها فَقَدْ كُوفِئَتْ، فَهِيَ مُكافِئة ومُكافَأَة، أَو يَكُونُ مَعْنَاهُ: مُعَادَلَتانِ، لِما يَجِبُ فِي الزَّكَاةِ والأُضْحِيَّة مِنَ الأَسنان.
قَالَ: وَيَحْتَمِلُ مَعَ الْفَتْحِ أَن يُرَادَ مَذْبُوحَتان، مَنْ كافَأَ الرجلُ بَيْنَ الْبَعِيرَيْنِ إِذَا نَحَرَ هَذَا ثُمَّ هَذَا مَعًا مِنْ غَيْرِ تَفْريق؛ كأَنه يُرِيدُ شَاتَيْنِ يَذْبحهما فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
وَقِيلَ: تُذْبَحُ إِحداهما مُقابلة الأُخرى، وكلُّ شيءٍ ساوَى شَيْئًا، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَهُ، فَهُوَ مُكافِئٌ لَهُ.
والمكافَأَةُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ هَذَا.
يُقَالُ: كافَأْتُ الرجلَ أَي فَعَلْتُ بِهِ مثلَ مَا فَعَلَ بِي.
وَمِنْهُ الكُفْءُ مِنَ الرِّجال للمرأَة، تَقُولُ: إِنه مِثْلُهَا فِي حَسَبها.
وأَما قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَسْأَلِ المرأَةُ طَلاقَ أُختها لتَكْتَفِئَ مَا فِي صَحْفَتها فإِنما لَهَا مَا كُتِبَ لَهَا.
فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لِتَكْتَفِئَ: تَفتَعِلُ، مِنْ كَفَأْتُ القِدْرَ وَغَيْرَهَا إِذَا كَبَبْتها لتُفْرِغَ مَا فِيهَا؛ والصَّحْفةُ: القَصْعةُ.
وَهَذَا مَثَلٌ لإِمالةِ الضَّرَّةِ حَقَّ صاحِبَتها مِنْ زَوْجِهَا إِلَى نَفْسِها إِذَا سأَلت طلاقَها ليَصِير حَقُّ الأُخرى كلُّه مِنْ زوجِها لَهَا.
وَيُقَالُ: كافَأَ الرجلُ بَيْنَ فَارِسَيْنِ برُمْحِه إِذَا والَى بَيْنَهُمَا فَطَعَنَ هَذَا ثُمَّ هَذَا.
قَالَ الْكُمَيْتُ:
نَحْر المُكافِئِ، والمَكْثُورُ يَهْتَبِلُ والمَكْثُورُ: الَّذِي غَلَبه الأَقْرانُ بِكَثْرَتِهِمْ.
يهْتَبلُ: يَحْتالُ لِلْخَلَاصِ.
وَيُقَالُ: بَنَى فُلَانٌ ظُلَّةً يُكافِئُ بِهَا عينَ الشمسِ ليَتَّقيَ حَرَّها.
قَالَ أَبو ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي حَدِيثِهِ: «وَلَنَا عَباءَتانِ نُكافِئُ بِهِمَا عَنَّا عَيْنَ الشمسِ» أَي نُقابِلُ بِهِمَا الشمسَ ونُدافِعُ، مِنَ المُكافَأَة: المُقاوَمة، وإنِّي لأَخشَى فَضْلَ الحِساب.
وكَفَأَ الشيءَ والإِنَاءَ يَكْفَؤُه كَفْأً وكَفَّأَهُ فَتَكَفَّأَ، وَهُوَ مَكْفُوءٌ، واكْتَفَأَه مِثْلُ كَفَأَه: قَلَبَه.
قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:
وكأَنَّ ظُعْنَهُم، غَداةَ تَحَمَّلُوا، ***سُفُنٌ تَكَفَّأُ فِي خَلِيجٍ مُغْرَبِ
وَهَذَا الْبَيْتُ بِعَيْنِهِ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى تَكَفَّأَتِ المرأَةُ فِي مِشْيَتِها: تَرَهْيَأَتْ ومادَتْ، كَمَا تَتَكَفَّأُ النَّخْلَةُ العَيْدانَةُ.
الْكِسَائِيُّ: كَفَأْتُ الإِناءَ إِذَا كَبَبْتَه، وأَكْفَأَ الشيءَ: أَمَاله، لُغَيّة، وأَباها الأَصمعي.
ومُكْفِئُ الظُعْنِ: آخِرُ أَيام العَجُوزِ.
والكَفَأُ: أَيْسَرُ المَيَلِ فِي السَّنام وَنَحْوِهِ؛ جملٌ أَكْفَأُ وَنَاقَةٌ كَفْآءُ.
ابْنُ شُمَيْلٍ: سَنامٌ أَكْفَأُ وَهُوَ الَّذِي مالَ عَلَى أَحَدِ جَنْبَي البَعِير، وَنَاقَةٌ كَفْآءُ وجَمَل أَكْفَأُ، وَهُوَ مِنْ أَهْوَنِ عِيوب الْبَعِيرِ لأَنه إِذَا سَمِنَ اسْتَقامَ سَنامُه.
وكَفَأْتُ الإِناءَ: كَبَبْته.
وأَكْفَأَ الشيءَ: أَمالَه، وَلِهَذَا قِيلَ: أَكْفَأْتُ القَوْسَ إِذَا أَملْتَ رأَسَها وَلَمْ تَنْصِبْها نَصْبًا حَتَّى تَرْمِيَ عَنْهَا.
غَيْرُهُ: وأَكْفَأَ القَوْسَ: أَمَالَ رأَسَها وَلَمْ يَنْصِبْها نَصْبًا حِينَ يَرْمِي عَلَيْهَا.
قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
قَطَعْتُ بِهَا أَرْضًا، تَرَى وَجْهَ رَكْبِها، ***إِذَا مَا عَلَوْها، مُكْفَأً، غيرَ ساجِعِ
أَي مُمالًا غيرَ مُستَقِيمٍ.
والساجِعُ: القاصِدُ المُسْتَوِي المُسْتَقِيمُ.
والمُكْفَأُ: الْجَائِرُ، يَعْنِي جَائِرًا غَيْرَ قاصِدٍ؛ وَمِنْهُ السَّجْعُ فِي الْقَوْلِ.
وَفِي حَدِيثِ الهِرّة: «أَنه كَانَ يُكْفِئُ لَهَا الإِناءَ»؛ أي يُمِيلُه لتَشْرَب مِنْهُ بسُهولة.
وَفِي حَدِيثِ الفَرَعَة: «خيرٌ مِنْ أَن تَذْبَحَه يَلْصَقُ لَحْمُهُ بوَبَرِه»، وتُكْفِئُ إِناءَك، وتُولِهُ ناقَتَكَ أَي تَكُبُّ إِناءَكَ لأَنه لَا يَبْقَى لَكَ لَبن تحْلُبه فِيهِ.
وتُولِهُ ناقَتَكَ أَي تَجْعَلُها والِهَةً بِذبْحِك ولَدَها.
وَفِي حَدِيثِ الصِّرَاطِ: «آخِرُ مَن يَمرُّ رجلٌ يَتَكَفَّأُ بِهِ الصراطُ»، أَي يَتَميَّل ويَتَقَلَّبُ.
وَفِي حَدِيثِ دُعاء الطَّعَامِ: «غيرَ مُكْفَإٍ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنىً عَنْهُ رَبَّنا»، أَي غَيْرَ مَرْدُودٍ وَلَا مَقْلُوبٍ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الطَّعَامِ.
وَفِي رِوَايَةٍ غيرَ مَكْفِيٍّ، مِنِ الْكِفَايَةِ، فَيَكُونُ مِنَ المعتلِّ.
يَعْنِي: أنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ المُطْعِم وَالْكَافِي، وَهُوَ غَيْرُ مُطْعَم وَلَا مَكْفِيٍّ، فَيَكُونُ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَوْلُهُ: وَلَا مُوَدَّعٍ أَي غيرَ مَتْرُوكِ الطَّلَبِ إِلَيْهِ والرَّغْبةِ فِيمَا عِنْدَهُ.
وأَما قَوْلُهُ: رَبَّنا، فَيَكُونُ عَلَى الأَول مَنْصُوبًا عَلَى النِّدَاءِ الْمُضَافِ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ، وَعَلَى الثَّانِي مَرْفُوعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ المؤَخَّر أَي ربُّنا غيرُ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ الْكَلَامُ رَاجِعًا إِلَى الْحَمْدِ كأَنه قَالَ: حَمْدًا كَثِيرًا مَبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مكفيٍّ وَلَا مُودَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنىً عَنْهُ أَي عَنِ الْحَمْدِ.
وَفِي حَدِيثِ الضَّحِيَّةِ: «ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا»، أَي مالَ وَرَجَعَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فأَضَعُ السيفَ فِي بطنِه ثُمَّ أَنْكَفِئُ عَلَيْهِ».
وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ: «وَتَكُونُ الأَرضُ خُبْزةً وَاحِدَةً يَكْفَؤُها الجَبَّار بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحدُكم خُبْزَته فِي السَّفَر».
وَفِي رِوَايَةٍ: يَتَكَفَّؤُها، يُرِيدُ الخُبْزة الَّتِي يَصْنَعُها المُسافِر ويَضَعُها فِي المَلَّة، فإِنها لَا تُبْسَط كالرُّقاقة، وإِنما تُقَلَّب عَلَى الأَيدي حَتَّى تَسْتَوِيَ.
وَفِي حَدِيثِ صِفَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنه كَانَ إِذَا مشَى تَكَفَّى تَكَفِّيًا».
التَّكَفِّي: التَّمايُلُ إِلَى قُدَّام كَمَا تَتَكَفَّأُ السَّفِينةُ فِي جَرْيها.
قَالَ ابْنُ الأَثير: رُوِيَ مَهْمُوزًا وَغَيْرَ مَهْمُوزٍ.
قَالَ: والأَصل الْهَمْزُ لأَن مَصْدَرَ تَفَعَّلَ مِنَ الصَّحِيحِ تَفَعُّلٌ كَتَقَدَّمَ تَقَدُّمًا، وتَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا، وَالْهَمْزَةُ حَرْفٌ صَحِيحٌ، فأَما إِذَا اعْتَلَّ انْكَسَرَتْ عَيْنُ الْمُسْتَقْبَلِ مِنْهُ نَحْوَ تَحَفَّى تَحَفِّيًا، وتَسَمَّى تَسَمِّيًا، فإِذا خُفِّفت الهمزةُ الْتَحَقَتْ بِالْمُعْتَلِّ وَصَارَ تَكَفِّيًا بِالْكَسْرِ.
وكلُّ شيءٍ أَمَلْته فَقَدْ كَفَأْتَه، وَهَذَا كَمَا جاءَ أَيضًا أَنه كَانَ إِذَا مَشَى كأَنَّه يَنْحَطُّ فِي صَبَبٍ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِذَا مَشَى تَقَلَّع، وبعضُه مُوافِقٌ بَعْضًا وَمُفَسِّرُهُ.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: كأَنما يَنْحَطُّ فِي صَبَبٍ: أَراد أَنه قَوِيُّ البَدَن، فَإِذَا مَشَى فكأَنما يَمْشِي عَلَى صُدُور قَدَمَيْه مِنَ القوَّة، وأَنشد:
الواطِئِينَ عَلَى صُدُورِ نِعالِهِمْ، ***يَمْشُونَ فِي الدَّفَئِيِّ والأَبْرادِ
والتَّكَفِّي فِي الأَصل مَهْمُوزٌ فتُرِك هَمْزُهُ، وَلِذَلِكَ جُعِل الْمَصْدَرُ تَكَفِّيًا.
وأَكْفَأَ فِي سَيره: جارَ عَنِ القَصْدِ.
وأَكْفَأَ فِي الشِّعْرِ: خالَف بَيْنَ ضُروبِ إِعْرابِ قَوافِيه، وقيل: هي المُخالَفةُ بَيْنَ هِجاءِ قَوافِيهِ، إِذَا تَقارَبَتْ مَخارِجُ الحُروفِ أَو تَباعَدَتْ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الإِكْفَاءُ فِي الشِّعْرِ هُوَ المُعاقَبَةُ بَيْنَ الرَّاءِ وَاللَّامِ، وَالنُّونِ وَالْمِيمِ.
قَالَ الأَخفش: زَعَمَ الْخَلِيلُ أَنَّ الإِكْفَاءَ هُوَ الإِقْواءُ، وَسَمِعْتُهُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهل الْعِلْمِ.
قَالَ: وسَأَلتُ العَربَ الفُصَحاءَ عَنِ الإِكْفَاءِ، فَإِذَا هُمْ يَجْعَلُونَهُ الفَسادَ فِي آخِر الْبَيْتِ والاخْتِلافَ مِنْ غَيْرِ أَن يَحُدُّوا فِي ذَلِكَ شَيْئًا، إلَّا أَني رأَيت بَعْضَهُمْ يَجْعَلُهُ اخْتِلَافَ الحُروف، فأَنشدته:
كأَنَّ فَا قارُورةٍ لَمْ تُعْفَصِ، ***مِنْهَا، حِجاجا مُقْلةٍ لَمْ تُلْخَصِ،
كأَنَّ صِيرانَ المَها المُنَقِّزِ فَقَالَ: هَذَا هُوَ الإِكْفَاءُ.
قَالَ: وأَنشد آخَرُ قوافِيَ عَلَى حُرُوفٍ مُخْتَلِفَةٍ، فعابَه، وَلَا أَعلمه إلَّا قَالَ لَهُ: قَدْ أَكْفَأْتَ.
وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ عَنِ الفرَّاءِ: أَكْفَأَ الشَّاعِرُ إِذَا خالَف بَيْنَ حَركات الرَّوِيّ، وَهُوَ مِثْلُ الإِقْواءِ.
قَالَ ابْنُ جِنِّي: إِذَا كَانَ الإِكْفَاءُ فِي الشِّعْر مَحْمُولًا عَلَى الإِكْفاءِ فِي غَيْرِهِ، وَكَانَ وَضْعُ الإِكْفَاءِ إِنما هُوَ للخلافِ ووقُوعِ الشيءِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ، لَمْ يُنْكَر أَن يُسَمُّوا بِهِ الإِقْواءَ فِي اخْتلاف حُروف الرَّوِيِّ جَمِيعًا، لأَنَّ كلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا واقِعٌ عَلَى غَيْرِ اسْتِواءٍ.
قَالَ الأَخفش: إِلَّا أَنِّي رأَيتهم، إِذَا قَرُبت مَخارِجُ الحُروف، أَو كَانَتْ مِنْ مَخْرَج وَاحِدٍ، ثُمَّ اشْتَدَّ تَشابُهُها، لَمْ تَفْطُنْ لَهَا عامَّتُهم، يَعْنِي عامَّةَ الْعَرَبِ.
وَقَدْ عَابَ الشَّيْخُ أَبو مُحَمَّدِ بْنُ بَرِّيٍّ عَلَى الْجَوْهَرِيِّ قَوْلَهُ: الإِكْفاءُ فِي الشِّعْرِ أَن يُخالَف بَيْنَ قَوافِيه، فيُجْعَلَ بعضُها مِيمًا وَبَعْضُهَا طَاءً، فَقَالَ: صَوَابُ هَذَا أَن يَقُولَ وَبَعْضُهَا نُونًا لأَن الإِكْفَاءَ إِنما يَكُونُ فِي الْحُرُوفِ المُتقارِبة فِي الْمَخْرَجِ، وأَما الطَّاءُ فَلَيْسَتْ مِنْ مَخْرَجِ الْمِيمِ.
والمُكْفَأُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ المَقْلُوب، وَإِلَى هَذَا يَذْهَبُونَ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
ولَمَّا أَصابَتْنِي، مِنَ الدَّهْرِ، نَزْلةٌ، ***شُغِلْتُ، وأَلْهَى الناسَ عَنِّي شُؤُونُها
إِذَا الفارِغَ المَكْفِيَّ مِنهم دَعَوْتُه، ***أَبَرَّ، وكانَتْ دَعْوةً يَسْتَدِيمُها
فَجَمَعَ الْمِيمَ مَعَ النُّونِ لِشِبْهِهَا بِهَا لأَنهما يَخْرُجَانِ مِنَ الخَياشِيم.
قَالَ وأَخبرني مَنْ أَثق بِهِ مِنْ أَهل الْعِلْمِ أَن ابْنَةَ أَبِي مُسافِعٍ قَالَتْ تَرْثِي أَباها، وقُتِلَ، وَهُوَ يَحْمِي جِيفةَ أَبي جَهْل بْنِ هِشام:
وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ، ذُو ***أَظافِيرَ، وإقْدامْ
كَحِبِّي، إذْ تَلَاقَوْا، وَ ***وُجُوهُ القَوْمِ أَقْرانْ
وأَنتَ الطَّاعِنُ النَّجلاءَ، ***مِنْها مُزْبِدٌ آنْ
وبالكَفِّ حُسامٌ صارِمٌ، ***أَبْيَضُ، خَدّامْ
وقَدْ تَرْحَلُ بالرَّكْبِ، ***فَمَا تُخْنِي بِصُحْبانْ
قَالَ: جَمَعُوا بَيْنَ الْمِيمِ وَالنُّونِ لقُرْبهما، وَهُوَ كَثِيرٌ.
قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ مِنَ الْعَرَبِ مثلَ هَذَا مَا لَا أُحْصِي.
قَالَ الأَخفش: وَبِالْجُمْلَةِ فإِنَّ الإِكْفاءَ المُخالَفةُ.
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: مُكْفَأً غير ساجِعِ: المُكْفَأُ ههنا: الَّذِي لَيْسَ بِمُوافِقٍ.
وَفِي حَدِيثِ النَّابِغَةِ أَنه كَانَ يُكْفِئُ فِي شِعْرِه: «هُوَ أَن يُخالَفَ بَيْنَ حَرَكَاتِ الرَّويّ رَفْعًا ونَصبًا وَجَرًّا».
قَالَ: وَهُوَ كالإِقْواء، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُخالَف بَيْنَ قَوافِيه، فَلَا يَلْزَمَ حَرْفًا وَاحِدًا.
وكَفَأَ القومُ: انْصَرَفُوا عَنِ الشيءِ.
وكَفَأَهُم عَنْهُ كَفْأً: صَرَفَهم.
وَقِيلَ: كَفَأْتُهُم كَفْأً إِذَا أَرادوا وَجْهًا فَصَرَفْتَهم عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، فانْكَفَؤُوا أَي رَجَعُوا.
وَيُقَالُ: كَانَ الناسُ مُجْتَمِعِينَ فانْكَفَؤُوا وانْكَفَتُوا، إِذَا انْهَزَمُوا.
وانْكَفَأَ القومُ: انْهَزَمُوا.
وكَفَأَ الإِبلَ: طَرَدَها.
واكْتَفَأَها: أَغارَ عَلَيْهَا، فَذَهَبَ بِهَا.
وَفِي حَدِيثِ السُّلَيْكِ بْنِ السُّلَكةِ: «أَصابَ أَهْلِيهم وأَموالَهم»، فاكْتَفَأَها.
والكَفْأَةُ والكُفْأَةُ فِي النَّخل: حَمْل سَنَتِها، وَهُوَ فِي الأَرض زِراعةُ سنةٍ.
قَالَ:
غُلْبٌ، مَجالِيحُ، عنْدَ المَحْلِ كُفْأَتُها، ***أَشْطانُها، فِي عِذابِ البَحْرِ، تَسْتَبِقُ
أَراد بِهِ النخيلَ، وأَرادَ بأَشْطانِها عُرُوقَها؛ والبحرُ ههنا: الماءُ الكَثِير، لأَن النَّخِيلَ لَا تَشْرَبُ فِي الْبَحْرِ.
أَبو زَيْدٍ يُقَالُ: اسْتَكْفَأْتُ فُلَانًا نَخْلَةً إِذَا سأَلته ثَمَرَهَا سَنَةً، فَجَعَلَ لِلنَّخْلِ كَفْأَةً، وَهُوَ ثَمَرُ سَنَتِها، شُبِّهت بكَفْأَةِ الإِبل.
واسْتَكْفَأْتُ فُلَانًا إِبِلَه أَي سأَلتُه نِتاجَ إِبِلِه سَنةً، فَأَكْفَأَنِيها أَي أَعْطاني لَبَنها ووبرَها وأَولادَها مِنْهُ.
وَالِاسْمُ: الكَفْأَة والكُفْأَة، تَضُمُّ وَتَفْتَحُ.
تَقُولُ: أَعْطِني كَفْأَةَ ناقَتِك وكُفْأَةَ ناقَتِك.
غَيْرُهُ: كَفْأَةُ الإِبل وكُفْأَتُها: نِتاجُ عامٍ.
ونَتَجَ الإِبلَ كُفْأَتَيْنِ.
وأَكْفأَها إِذَا جَعَلَها كَفْأَتين، وَهُوَ أَن يَجْعَلَها نِصْفَيْنِ يَنْتِجُ كُلَّ عَامٍ نِصْفًا، ويَدَعُ نِصْفًا، كَمَا يَصْنَعُ بالأَرض بِالزِّرَاعَةِ، فَإِذَا كَانَ الْعَامُ المُقْبِل أَرْسَلَ الفحْل فِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يُرْسِله فِيهِ مِنَ العامِ الفارِطِ، لأَنَّ أَجْوَدَ الأَوقاتِ، عِنْدَ الْعَرَبِ فِي نِتاجِ الإِبل، أَن تُتْرَكَ الناقةُ بَعْدَ نِتاجِها سَنَةً لَا يُحْمَل عَلَيْهَا الفَحْل ثُمَّ تُضْرَبُ إِذَا أَرادت الْفَحْلَ.
وَفِي الصِّحَاحِ: لأَنّ أَفضل النِّتاج أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الإِبل الفُحولةُ عامًا،
وتُتْرَكَ عَامًا، كَمَا يُصْنَع بالأَرض فِي الزِّرَاعَةِ، وأَنشد قَوْلَ ذِي الرُّمَّةِ:
تَرَى كُفْأَتَيْها تُنْفِضَانِ، ولَم يَجِدْ ***لَها ثِيلَ سَقْبٍ، فِي النِّتاجَيْنِ، لامِسُ
وَفِي الصِّحَاحِ: كِلا كَفْأَتَيْها، يَعْنِي: أَنها نُتِجَتْ كُلُّهَا إِناثًا، وَهُوَ مَحْمُودٌ عِنْدَهُمْ.
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
إِذَا مَا نَتَجْنا أَرْبَعًا، عامَ كُفْأَةٍ، ***بَغاها خَناسِيرًا، فأَهْلَكَ أَرْبَعا
الخَناسِيرُ: الهَلاكُ.
وَقِيلَ: الكَفْأَةُ والكُفْأَةُ: نِتاجُ الإِبل بَعْدَ حِيالِ سَنةٍ.
وَقِيلَ: بعدَ حِيالِ سنةٍ وأَكثرَ.
يُقَالُ مِنْ ذَلِكَ: نَتَجَ فُلَانٌ إِبِلَهُ كَفْأَةً وكُفْأَةً، وأَكْفَأْتُ فِي الشاءِ: مِثلُه فِي الإِبل.
وأَكْفَأَتِ الإِبل: كَثُر نِتاجُها.
وأَكْفَأَ إبلَه وغَنَمَهُ فُلَانًا: جَعل لَهُ أَوبارَها وأصْوافَها وأَشْعارَها وأَلْبانَها وأَوْلادَها.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنَحَه كَفْأَةَ غَنَمِه وكُفْأَتَها: وَهَب لَهُ أَلبانَها وأَولادها وأصوافَها سَنَةً ورَدَّ عَلَيْهِ الأُمَّهاتِ.
ووَهَبْتُ لَهُ كَفْأَةَ ناقتِي وكُفْأَتها، تُضَمُّ وَتُفْتَحُ، إِذَا وَهَبْتَ لَهُ ولدَهَا ولبنَها وَوَبَرَهَا سَنَةً.
واسْتَكْفَأَه، فأَكْفَأَه: سَأَلَه أَن يَجْعَلَ لَهُ ذَلِكَ.
أَبو زَيْدٍ: اسْتَكْفَأَ زيدٌ عَمرًا ناقَتَه إِذَا سأَله أَن يَهَبَها لَهُ وَوَلَدَهَا وَوَبَرَهَا سَنَةً.
وَرُوِيَ عَنِ """"الحرث بن أَبي الحَرِث الأَزْدِيِّ مِنْ أَهل نَصِيبِينَ: أَن أَباه اشْتَرَى مَعْدِنًا بمائةِ شَاةٍ مُتْبِع، فأَتَى أُمَّه، فاسْتَأْمَرَها، فَقَالَتْ: إِنَّكَ اشْتَرَيْتَهُ بِثَلَثِمِائَةِ شَاةٍ: أُمُّها مائةٌ، وأَولادُها مِائَةُ شَاةٍ، وكُفْأَتُها مِائَةُ شَاةٍ، فَنَدِمَ، فاسْتَقالَ صاحِبَه، فأَبَى أنْ يُقِيلَه، فَقَبَضَ المَعْدِنَ، فأَذابَه وأَخرج مِنْهُ ثَمَنَ أَلْفِ شاةٍ، فأَثَى بِهِ صاحِبُه إِلَى عَلِيٍّ، كَرُّم اللَّهُ وَجْهَهُ، فَقَالَ: إِنَّ أَبا الحرث أَصابَ رِكازًا؛ فسأَله عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، فأَخبره أَنه اشْتَرَاهُ بِمِائَةِ شَاةٍ مُتْبِع.
فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا أَرَى الخُمُسَ إِلَّا عَلَى البائِعِ، فأَخذَ الخُمُس مِنَ الْغَنَمِ؛ أَراد بالمُتْبِع: الَّتِي يَتْبَعُها أَولادُها.
وَقَوْلُهُ أَثَى بِهِ أَي وَشَى بِهِ وسَعَى بِهِ، يَأْثُوا أَثْوًا.
والكُفْأَةُ أَصلها فِي الإِبل: وَهُوَ أَن تُجْعَلَ الإِبل قَطْعَتَيْن يُراوَحُ بَيْنَهُمَا فِي النِّتاجِ، وأَنشد شَمِرٌ:
قَطَعْتُ إبْلي كُفْأَتَيْنِ ثِنْتَيْن، ***قَسَمْتُها بقِطْعَتَيْنِ نِصْفَيْن
أَنْتِجُ كُفْأَتَيْهِما فِي عامَيْن، ***أَنْتِجُ عَامًا ذِي، وهذِي يُعْفَيْن
وأَنْتِجُ المُعْفَى مِنَ القَطِيعَيْن، ***مِنْ عامِنا الجَائي، وتِيكَ يَبْقَيْن
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لمْ يَزِدْ شَمِرٌ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ أُمَّ الرَّجُلِ جعلَت كُفْأَةَ مائةِ شاةٍ فِي كُلِّ نِتاجٍ مِائَةً.
وَلَوْ كَانَتْ إِبِلًا كَانَ كُفْأَةُ مائةٍ مِنَ الإِبلِ خَمْسين، لأَن الغنمَ يُرْسَلُ الفَحْلُ فِيهَا وَقْتَ ضِرابِها أَجْمَعَ، وتَحْمِلُ أَجْمَع، وليستْ مِثلَ الإِبلِ يُحْمَلُ عَلَيْهَا سَنةً، وَسَنَةً لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا.
وأَرادتْ أُمُّ الرَّجُلِ تَكْثِيرَ مَا اشْتَرى بِهِ ابنُها، وإعلامَه أَنه غُبِنَ فِيمَا ابْتاعَ، فَفَطَّنَتْه أَنه كأَنه اشْتَرَى المَعْدِنَ بِثَلَثِمِائَةِ شاةٍ، فَنَدِمَ الابنُ واسْتَقالَ بائعَه، فأَبَى، وبارَكَ اللهُ لَهُ فِي المَعْدِن، فَحَسَده الْبَائِعُ عَلَى كَثْرَةِ الرِّبح، وسَعَى بِهِ إِلَى عَليٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِيَأْخُذَ مِنْهُ الْخُمُسَ، فَأَلْزَمَ الخُمُسَ البائِعَ، وأَضرَّ السَّاعِي بِنَفْسِه فِي سِعايَته بصاحِبِه إِلَيْهِ.
والكِفاءُ، بِالْكَسْرِ والمَدّ: سُتْرةٌ فِي الْبَيْتِ مِنْ أَعْلاه إِلَى أَسْفَلِه مِنْ مُؤَخَّرِه.
وَقِيلَ: الكِفاءُ الشُّقَّة الَّتِي تَكُونُ فِي مُؤَخَّرِ الخِبَاءِ.
وَقِيلَ: هُوَ شُقَّةٌ أَو شُقَّتان يُنْصَحُ إِحْدَاهُمَا بالأُخرى ثُمَّ يُحْمَلُ بِهِ مُؤَخَّر الخِبَاء.
وَقِيلَ: هُوَ كِساءٌ يُلْقَى عَلَى الخِبَاءِ كالإِزارِ حَتَّى يَبْلُغَ الأَرضَ.
وَقَدْ أَكْفَأَ البيتَ إكْفاءً، وَهُوَ مُكْفَأٌ، إِذَا عَمِلْتَ لَهُ كِفَاءً.
وكِفَاءُ البيتِ: مؤَخَّرُه.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ: «رأَى شَاةً فِي كِفَاءِ الْبَيْتِ»، هُوَ مِنْ ذَلِكَ، والجمعُ أَكْفِئةٌ، كَحِمارٍ وأَحْمِرَةٍ.
ورجُلٌ مُكْفَأُ الوجهِ: مُتَغَيِّرُه ساهِمُه.
ورأَيت فُلَانًا مُكْفَأَ الوَجْهِ إِذَا رأَيتَه كاسِفَ اللَّوْنِ ساهِمًا.
وَيُقَالُ: رأَيته مُتَكَفِّئَ اللَّوْنِ ومُنْكَفِتَ اللّوْنِ أَي مُتَغَيِّرَ اللّوْنِ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنه انْكَفَأَ لونُه عامَ الرَّمادة»؛ أي تَغَيّر لونُه عَنْ حَالِهِ.
وَيُقَالُ: أَصْبَحَ فُلَانٌ كَفِيءَ اللّونِ مُتَغَيِّرَه، كأَنه كُفِئَ، فَهُوَ مَكْفُوءٌ وكَفِيءٌ.
قَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّة:
وأَسْمَرَ، مِنْ قِداحِ النَّبْعِ، فَرْعٍ، ***كَفِيءِ اللّوْنِ مِنْ مَسٍّ وضَرْسِ
أَي مُتَغَيِّرِ اللونِ مِنْ كَثْرَةِ مَا مُسِحَ وعُضَّ.
وَفِي حَدِيثِ الأَنصاريِّ: «مَا لِي أَرى لَوْنَك مُنْكَفِئًا؟ قَالَ: مِنَ الجُوعِ».
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «كَانَ لَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكافِئٍ».
قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: مَعْنَاهُ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى رَجُلٍ نِعْمةً فكافَأَه بالثَّنَاءِ عَلَيْهِ قَبِلَ ثَنَاءَه، وَإِذَا أَثْنَى قَبْلَ أَن يُنْعِمَ عَلَيْهِ لَمْ يَقْبَلْها.
قَالَ ابْنُ الأَثير، وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: هَذَا غلط، إذ كَانَ أَحد لَا يَنْفَكُّ مِنْ إِنْعام النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، بَعَثَه رَحْمةً لِلنَّاسِ كافَّةً، فَلَا يَخرج مِنْهَا مُكافِئٌ وَلَا غَيْرُ مُكافِئٍ، والثَّنَاءُ عَلَيْهِ فَرْضٌ لَا يَتِمُّ الإِسلام إِلَّا بِهِ.
وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: أَنه لَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ رَجُلٍ يَعْرِفُ حَقِيقَةَ إِسْلَامِهِ، وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُ فِي جُمْلة المُنافِقين الَّذِينَ يَقولون بأَلسنتهم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ.
قَالَ: وَقَالَ الأَزهريّ: وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: إِلَّا مِنْ مُكافِئٍ أَي مُقارِبٍ غَيْرِ مُجاوِزٍ حَدَّ مثلِه، وَلَا مُقصِّر عَمَّا رَفَعَه اللَّهُ إليه.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
91-لسان العرب (بوت)
بوت: البُوتُ، بِضَمِّ الْبَاءِ: مِنْ شَجَرِ الْجِبَالِ، جَمْعُ بُوتَةٍ، ونَباتُه نَباتُ الزُّعْرور، وَكَذَلِكَ ثَمَرَتُهُ، إِلّا أَنها إِذا أَيْنَعَت اسْوَدَّت سَوَادًا شَدِيدًا، وحَلَتْ حَلاوةً شَدِيدَةً، وَلَهَا عَجَمة صغيرةٌ مُدَوَّرة، وَهِيَ تُسَوِّدُ فَمَ آكِلِهَا ويَدَ مُجْتَنِيها، وثمرتُها عناقيدُ كعناقيدِ الكَبَاثِ، وَالنَّاسُ يأْكلونها؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ، قَالَ: وأَخبرني بذلك الأَعراب.لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
92-لسان العرب (رمث)
رمث: الرِّمْثُ، واحدتُه رِمْثةٌ: شَجَرَةٌ مِنَ الحَمْضِ؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: شجرٌ يُشْبِه الغَضا، لَا يَطُولُ، وَلَكِنَّهُ يَنْبَسِطُ ورقُه، وَهُوَ شَبِيهٌ بالأُشْنانِ، والإِبل تُحَمِّضُ بِهَا إِذا شَبِعَتْ مِنَ الخُلَّة، ومَلَّتْها.الْجَوْهَرِيُّ: الرِّمْثُ، بِالْكَسْرِ، مَرْعًى مِنْ مَراعي الإِبل، وَهُوَ مِنَ الحَمْض؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَلَهُ هُدْبٌ طُوالٌ دُقاقٌ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ كَلأٌ تَعِيشُ فِيهِ الإِبل وَالْغَنَمُ، وإِن لَمْ يَكُنْ مَعَهَا غَيْرُهُ، وَرُبَّمَا خَرَجَ فِيهِ عسلٌ أَبيضُ، كأَنه الجُمان، وَهُوَ شَدِيدُ الْحَلَاوَةِ، وَلَهُ حَطَبٌ وخَشَبٌ، ووَقُودُه حارٌّ، ويُنْتَفَعُ بدُخانه مِنَ الزُّكام.
وَقَالَ مُرَّةُ قَالَ بعضُ الْبَصْرِيِّينَ: يَكُونُ الرِّمْثُ مَعَ قِعْدةِ الرَّجُل، يَنْبُتُ نَباتَ الشِّيحِ، قَالَ: وأَخبرني بعضُ بَنِي أَسَد أَن الرِّمْثَ يرْتَفِعُ دونَ الْقَامَةِ، فيُحْتَطَبُ، واحدتُه: رِمْثةٌ، وَبِهَا سُمِّي الرجلُ رِمْثَةُ، وكُني أَبا رِمْثةَ، بِالْكَسْرِ.
والرَّمَثُ أَن تأْكلَ الإِبلُ الرِّمْثَ، فَتشْتكي عَنْهُ.
ورَمِثَتِ الإِبلُ، بِالْكَسْرِ، تَرْمَثُ رَمَثًا، فَهِيَ رَمِثَةٌ ورَمْثى، وإِبلٌ رَماثَى: أَكَلَتِ الرِّمْثَ، فاشْتَكَتْ بطونَها.
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هُوَ سُلاحٌ يأْخذها إِذا أَكلتِ الرِّمْثَ، وَهِيَ جَائِعَةٌ، فيُخاف عَلَيْهَا حِينَئِذٍ.
الأَزهري: الرِّمْثُ والغَضَا، إِذا باحَتَتْها الإِبلُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عُقْبة مِنْ غَيْرِهَا، يُقَالُ: رَمِثَتْ وغَضِيَتْ، فَهِيَ رَمِثَة وغَضِيَة، ذُكِرَ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ طَلَح.
وأَرضٌ مَرْمثَة: تُنْبِتُ الرِّمْثَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَا شجرةٌ أَعْلَمَ لِجَبلٍ، وَلَا أَضْيَعَ لِسَابِلَةٍ، وَلَا أَبْدَن وَلَا أَرْتَعَ، مِنَ الرِّمْثةِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَذَلِكَ أَن الإِبل إِذا مَلَّتِ الخُلَّة، اشْتَهَتِ الحَمْضَ، فإِن أَصابتْ طَيِّبَ المَرْعَى مِثْلَ الرُّغْلِ والرِّمْثِ، مَشَقَتْ مِنْهَا حاجَتَها، ثُمَّ عَادَتْ إِلى الخُلَّة، فَحَسُنَ رَتْعُها، واسْتَمْرَأَتْ رَعْيَها، فإِن فَقَدَتِ الحَمْضَ، ساءَ رَعْيُها وهُزِلَتْ.
والرَّمَثُ: الحَلَبُ.
يُقَالُ: رَمِّثْ ناقَتَك أَي أَبْقِ فِي ضَرْعِها شَيْئًا.
ابْنُ سِيدَهْ: والرَّمَثُ الْبَقِيَّةُ مِنَ اللَّبَنِ تَبْقَى بالضَّرْع، بَعْدَ الحَلَبِ، وَالْجَمْعُ أَرْماثٌ.
والرَّمَثة: كالرَّمَثِ، وَقَدْ أَرْمَثَها، ورَمَّثَها.
وَيُقَالُ: رَمَّثْتُ فِي الضَّرْع تَرْمِيثًا، وأَرْمَثْتُ أَيضًا إِذا أَبْقَيْتَ بِهَا شَيْئًا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وشارَكَ أَهلُ الفَصِيلِ ***الفَصِيلَ فِي الأُمِّ، وامْتَكَّها المُرْمِثُ
ورَمَثْتُ الشيءَ أَصْلَحْتُه ومَسَحْتُه بِيَدِي؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وأَخٍ رَمَثْتُ رُوَيْسَه، ***ونَصَحْتُه فِي الحَرْب نَصْحا
ورَمَّثَ عَلَى الْخَمْسِينَ وَغَيْرِهَا: زَادَ؛ وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ الْخَمْسِينَ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ، لأَنه أَوسط الأَعمار، وَلِذَلِكَ اسْتَعْمَلَهَا أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ الأَسنان وَزِيَادَةِ النَّاسِ، فِيمَا دُونَ سَائِرِ الْعُقُودِ.
ورَمَّثَتْ غنَمُه عَلَى الْمِائَةِ: زَادَتْ.
ورَمَّثَتِ الناقةُ عَلَى مِحْلَبها، كَذَلِكَ.
وَفِي حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَديج، وسُئل عَنْ كِراءِ الأَرض البيضاءِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَقَالَ: «لَا بأْسَ»، إِنما نُهِيَ عَنِ الإِرماثِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا يُرْوَى، فإِن كَانَ صَحِيحًا، فَيَكُونُ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَمَثْتُ الشيءَ بالشيءِ إِذا خَلَطْتَه، أَو مِنْ قَوْلِهِمْ: رَمَّثَ عَلَيْهِ وأَرْمَثَ إِذا زَادَ، أَو مِنَ الرَّمَث: وَهُوَ بَقِيَّةُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْع، قَالَ: فكأَنه نَهَى عَنْهُ مِنْ أَجل اخْتِلَاطِ نَصِيبِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، أَو لِزِيَادَةٍ يأْخذها بعضُهم مِنْ بَعْضٍ، أَو لإِبقاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى الْبَعْضِ شَيْئًا مِنَ الزَّرْع.
والرَّمَثُ، بِفَتْحِ الراءِ وَالْمِيمِ: خَشَبٌ يُشَدُّ بعضُه إِلى بَعْضٍ كالطَّوْف، ثُمَّ يُرْكَبُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ؛ قَالَ أَبو صَخْر الهُذَلي:
تَمَنَّيْتُ، مِنْ حُبِّي عُلَيَّةَ، أَننا ***عَلَى رَمَثٍ، فِي الشَّرْمِ، لَيْسَ لَنَا وَفْرُ
الشَّرْمُ: مَوْضِعٌ فِي الْبَحْرِ.
وَالْجَمْعُ أَرْماثٌ؛ وَمِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ:
أَمَا وَالَّذِي أَبْكَى وأَضْحَكَ، وَالَّذِي ***أَماتَ وأَحيا، وَالَّذِي أَمْرُه الأَمْرُ
لَقَدْ تَرَكَتْنِي أَغْبِطُ الوَحْشَ، أَن أَرى ***أَلِيفَيْنِ مِنْهَا، لَا يَرُوعُهما الزَّجْرُ
إِذا ذُكِرَتْ يَرْتاحُ قَلْبي لِذِكْرِها، ***كَمَا انْتَفَضَ العُصْفُور، بَلَّلَه القَطْرُ
تَكادُ يَدِي تَنْدَى، إِذا مَا لَمسْتُها، ***وتَنْبُتُ، فِي أَطْرافِها، الوَرَقُ الخُضْرُ
وصَلْتُكِ حَتَّى قِيلَ: لَا يَعْرِفُ القِلَى ***وزُرْتُكِ حَتَّى قِيلَ: لَيْسَ لَهُ صَبْرُ
فَيَا حُبَّها زِدْني هَوًى كلَّ ليلةٍ ***وَيَا سَلْوةَ الأَيامِ مَوْعِدُكِ الحَشْرُ
عَجِبْتُ لِسَعْيِ الدَّهْرِ بَيْنِي وبينَها ***فَلَمَّا انْقَضَى مَا بَيْنَنَا، سَكَنَ الدَّهْرُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَعْنَاهُ أَن الدَّهْرَ كَانَ يَسْعَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي إِفساد الْوَصْلِ، فَلَمَّا انقضَى مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الوَصْل، وعادَ إِلى الهَجْر، سَكَنَ الدهرُ عَنْهُمَا؛ وإِنما يُرِيدُ بِذَلِكَ: سَعْيَ الوُشاةِ، فنسَبَ الفعلَ إِلى الدهْر، مَجَازًا لِوُقُوعِ ذَلِكَ فِيهِ، وجَرْيًا عَلَى عَوَائِدِ النَّاسِ فِي نِسْبَةِ الْحَوَادِثِ إِلى الزَّمَانِ؛ قَالَ الْمُسْتَمْلِي مِنَ الشَّيْخِ أَبي مُحَمَّدِ بْنِ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ قَالَ: لَمَّا أَملانا الشَّيْخُ قَوْلَهُ:
وتَنْبُتُ، فِي أَطْرافِها، الوَرَقُ الخُضْرُ
ضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا البيتُ كَانَ السببَ فِي تَعَلُّمي الْعَرَبِيَّةَ فَقُلْنَا لَهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: ذَكَرَ لِي أَبي، برِّيٌّ، أَنه رأَى فِي الْمَنَامِ قَبْلَ أَن يُرْزَقَني، كأَنَّ فِي يَدِهِ رُمْحًا طَوِيلًا، فِي رأْسه قِنْديلٌ، وَقَدْ عَلَّقه عَلَى صَخْرَةِ بيتِ المَقْدس، فعُبِّرَ لَهُ بأَن يُرْزَقَ ابْنًا يَرْفَعُ ذِكْرَه بعِلم يَتَعلَّمه، فَلَمَّا رُزِقَني، وبَلَغْتُ خمسَ عَشْرَةَ سَنَةً، حَضَر إِلى دُكَّانه، وَكَانَ كُتْبِيًّا، ظافرٌ الحدادُ وابنُ أَبي حَصِينة، وَكِلَاهُمَا مشهورٌ بالأَدب؛ فأَنشد أَبي هَذَا الْبَيْتَ:
تَكادُ يَدِي تَنْدَى، إِذا مَا لمَسْتُها، ***وتَنْبُتُ، فِي أَطْرافِها، الوَرَقُ الخُضْرُ
وَقَالَ: الورقُ الخُضْرِ، بِكَسْرِ الرَّاءِ، فضحِكا مِنْهُ لِلَحْنه؛ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، أَنا مُنْتَظِرٌ تَفْسِيرَ مَنَامِي، لعلَّ اللهَ يَرْفَعُ ذِكْرِي بِكَ، فقلتُ لَهُ أَيَّ العُلوم تَرَى أَن أَقرأَ؟ فَقَالَ لِي اقرإِ النحوَ حَتَّى تُعَلِّمني، فَكُنْتُ أَقرأُ عَلَى الشَّيْخِ أَبي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِ السَّرَّاج، رَحِمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَجيء فأُعلمه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن رَجُلًا أَتى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّا نَرْكَبُ أَرْماثًا لَنَا، فِي الْبَحْرِ، وَلَا ماءَ مَعَنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ: هُوَ الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيْتَتُه»؛ قَالَ الأَصمعي: الأَرْماثُ جَمْعُ رَمَثٍ، بِفَتْحِ الْمِيمِ: خَشَب يُضَمُّ بعضُه إِلى بَعْضٍ، ويُشَدُّ، ثُمَّ يُرْكَبُ فِي الْبَحْرِ.
والرَّمَثُ: الطَّوْفُ، وَهُوَ هَذَا الخَشَبُ، فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، مِنَ رَمَثْتُ الشيءَ إِذا لمَمْتَه وأَصْلَحته.
والرَّمَثُ: الحَبْلُ الخَلَق، وَجَمْعُهُ أَرماثٌ ورِماثٌ.
وحبْلٌ أَرماثٌ أَي أَرمام؛ كَمَا قَالُوا: ثَوْب أَخلاقٌ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «نَهَيْتُكم عَنْ شُرْب مَا فِي الرِّماثِ والنَّقير»؛ قَالَ أَبو مُوسَى: إِن كَانَ اللَّفْظُ مَحْفُوظًا، فَلَعَلَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَبْلٌ أَرماثٌ؛ أي أَرمام، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الإِناء الَّذِي قَدْ قَدُمَ وعَتُقَ، فَصَارَتْ فِيهِ ضَراوةٌ بِمَا يُنْبَذُ فِيهِ، فإِنَّ الْفَسَادَ يَكُونُ إِليه أَسْرَعَ.
ابْنُ الأَعرابي: الرَّمَثُ الحَبْلُ المُنْتَكِثُ.
والرَّمْثُ: السَّرِقة؛ يُقَالُ: رَمَثَ يَرْمِثُ رَمْثًا إِذا سَرَق.
وَفِي نَوادر الأَعراب: لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ رَمَثٌ ورَمَلٌ أَي مَزِيَّة؛ وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ فَوَر ومُهْلة ونَفَلٌ.
والرَّمَّاثة: الزَّمَّارة.
والرُّمَيْثةُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
إِنَّ الرُّمَيْثةَ مانعٌ أَرْماحُنا ***مَا كانَ مِنْ سَحَمٍ بِهَا، وصَفارِ
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
93-لسان العرب (عرفج)
عرفج: العَرْفَج والعِرْفج: نَبْتٌ، وَقِيلَ: هُوَ ضَرْبٌ مِنَ النَّبَاتِ سُهْلِيٌّ سَرِيعُ الِانْقِيَادِ، وَاحِدَتُهُ عَرْفَجَة، وَمِنْهُ سُمِّيَ الرَّجُلُ؛ وَقِيلَ: هُوَ مِنْ شَجَرِ الصَّيْفِ وَهُوَ لَيِّن أَغبرُ لَهُ ثَمَرَةٌ خَشناء كالحَسَك؛ وَقَالَ أَبو زِيَادٍ: العَرْفَجُ طَيِّب الرِّيح أَغبرُ إِلى الْخُضْرَةِ، وَلَهُ زَهْرة صَفْرَاءُ وَلَيْسَ لَهُ حَبٌّ وَلَا شَوْك؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وأَخبرني بَعْضُ الأَعراب أَن العَرْفَجة أَصلها وَاسِعٌ، يأْخذ قِطْعَةً مِنَ الأَرض تَنْبت لَهَا قُضْبان كَثِيرَةٌ بِقَدْرِ الأَصل، وَلَيْسَ لَهَا ورَق لَهُ بَالٍ، إِنما هِيَ عِيدَانٌ دِقاق، وَفِي أَطرافها زُمَعٌ يَظْهَرُ فِي رُؤُوسِهَا شَيْءٌ كالشعَر أَصفر؛ قَالَ: وَعَنِ الأَعراب القُدُم العَرْفَجُ مِثْلَ قِعْدة الإِنسان يبيضُّ إِذا يَبِس، وَلَهُ ثَمَرَةٌ صَفْرَاءُ، والإِبلُ وَالْغَنَمُ تأْكله رَطْبًا وَيَابِسًا، ولَهَبُه شَدِيدُ الْحُمْرَةِ ويبالَغ بِحُمْرَتِهِ، فَيُقَالُ: كأَن لِحيته ضِرام عَرْفَجة؛ وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «خَرَجَ كأَن لِحيته ضِرام عَرْفَج»، فُسِّر بأَنه شَجَرٌ مَعْرُوفٌ صَغِيرٌ سَرِيعُ الِاشْتِعَالِ بِالنَّارِ، وَهُوَ مِنْ نَبات الصَّيْفِ.وَمِنْ أَمثالهم: كَمَنِّ الغيثِ عَلَى العَرْفَجة أَي أَصابها وَهِيَ يَابِسَةٌ فَاخْضَرَّتْ؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ ذَلِكَ لِمَنْ أَحسنتَ إِليه، فَقَالَ لَكَ: أَتمنُّ عليَّ؟ الأَزهري: العَرْفَج مِنَ الجَنْبَةِ وَلَهُ خوصَة؛ وَيُقَالُ: رَعَيْنا رِقَة العَرْفَج وَهُوَ ورقُه فِي الشِّتَاءِ.
قَالَ أَبو عَمْرٍو: إِذا مُطِر العَرْفَج ولانَ عُوده، قِيلَ: قَدْ ثَقَب عُوده، فإِذا اسودَّ شَيْئًا، قِيلَ: قَدْ قَمِلَ، فإِذا ازْدَادَ قَلِيلًا، قِيلَ: قدِ ارْقاطَّ، فإِذا ازْدَادَ شَيْئًا، قِيلَ: قَدْ أَدْبَى، فإِذا تَمَّت خُوصته، قِيلَ: قَدْ أَخْوَصَ.
قَالَ الأَزهري: ونارُ العَرْفَج تسَمّيها الْعَرَبُ نَارَ الزَّحْفَتَيْن، لأَن الَّذِي يُوقدها يزحَف إِليها، فإِذا اتَّقَدَت زحَف عنها.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
94-لسان العرب (سرح)
سرح: السَّرْحُ: المالُ السَّائِمُ.اللَّيْثُ: السَّرْحُ المالُ يُسامُ فِي الْمَرْعَى مِنَ الأَنعام.
سَرَحَتِ الماشيةُ تَسْرَحُ سَرْحًا وسُرُوحًا: سامتْ.
وسَرَحها هُوَ: أَسامَها، يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى؛ قَالَ أَبو ذؤَيب:
وكانَ مِثْلَيْنِ: أَن لَا يَسْرَحُوا نَعَمًا، ***حيثُ اسْتراحَتْ مَواشِيهم، وتَسْرِيحُ
تَقُولُ: أَرَحْتُ الماشيةَ وأَنْفَشْتُها وأَسَمْتُها وأَهْمَلْتُها وسَرَحْتُها سَرْحًا، هَذِهِ وَحْدَهَا بِلَا أَلف.
وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ فِي قَوْلِهِ تعالى: {حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ}؛ قَالَ: يُقَالُ سَرَحْتُ الماشيةَ أَي أَخرجتها بالغَداةِ إِلَى الْمَرْعَى.
وسَرَحَ المالُ نَفْسُهُ إِذا رَعَى بالغَداةِ إِلى الضُّحَى.
والسَّرْحُ: المالُ السارحُ، وَلَا يُسَمَّى مِنَ الْمَالِ سَرْحًا إِلَّا مَا يُغْدَى بِهِ ويُراحُ؛ وَقِيلَ: السَّرْحُ مِنَ الْمَالِ مَا سَرَحَ عَلَيْكَ.
يُقَالُ: سَرَحَتْ بِالْغَدَاةِ وراحتْ بالعَشِيِّ، وَيُقَالُ: سَرَحْتُ أَنا أَسْرَحُ سُرُوحًا أَي غَدَوْتُ؛ وأَنشد لِجَرِيرٍ:
وإِذا غَدَوْتَ فَصَبَّحَتْك تحِيَّةٌ، ***سَبَقَتْ سُرُوحَ الشَّاحِجاتِ الحُجَّلِ
قَالَ: والسَّرْحُ الْمَالُ الرَّاعِي.
وَقَوْلُ أَبي المُجِيبِ وَوَصَفَ أَرضًا جَدْبَةً: وقُضِمَ شَجرُها والتَقى سَرْحاها؛ يَقُولُ: انْقَطَعَ مَرْعاها حَتَّى الْتَقَيَا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ سُرُوحٌ.
والمَسْرَحُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ: مَرْعَى السَّرْح، وَجَمْعُهُ المَسارِحُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
إِذا عَادَ المَسارِحُ كالسِّباحِ وَفِي حَدِيثِ أُم زَرْعٍ: «لَهُ إِبلٌ قليلاتُ المسارِحِ»؛ هُوَ جَمْعُ مَسْرَح، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَسْرَحُ إِليه الماشيةُ بالغَداة للرَّعْيِ؛ قِيلَ: تَصِفُهُ بِكَثْرَةِ الإِطْعامِ وسَقْيِ الأَلبان؛ أي أَن إِبله عَلَى كَثْرَتِهَا لَا تَغِيبُ عَنِ الحيِّ وَلَا تَسْرَحُ فِي الْمَرَاعِي الْبَعِيدَةِ، وَلَكِنَّهَا بَارِكَةٌ بفِنائه ليُقَرِّب للضِّيفان مِنْ لَبَنِهَا وَلَحْمِهَا، خَوْفًا مِنْ أَن يَنْزِلَ بِهِ ضيفٌ، وَهِيَ بَعِيدَةٌ عَازِبَةٌ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَن إَبله كَثِيرَةٌ فِي حَالِ بُرُوكِهَا، فإِذا سَرَحت كَانَتْ قَلِيلَةً لِكَثْرَةِ مَا نُحِرَ مِنْهَا فِي مَباركها للأَضياف؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ جَرِيرٍ: لَا يَعْزُب سارِحُها
أَي لَا يَبْعُدُ مَا يَسْرَحُ مِنْهَا إِذا غَدَت لِلْمَرْعَى.
والسارحُ: يَكُونُ اسْمًا لِلرَّاعِي الَّذِي يَسْرَحُ الإِبل، وَيَكُونُ اسْمًا لِلْقَوْمِ الَّذِينَ لَهُمُ السَّرْحُ كالحاضِرِ والسَّامِر وَهُمَا جميعٌ.
وَمَا لَهُ سارحةٌ وَلَا رَائِحَةٌ أَي مَا لَهُ شيءٌ يَرُوحُ وَلَا يَسْرَحُ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَقَدْ يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا لَهُ قومٌ.
وَفِي كِتَابٍ كَتَبَهُ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأُكَيْدِر دُومةِ الجَنْدَلِ: لَا تُعْدَلُ سارِحَتُكم وَلَا تُعَدُّ فارِدَتُكم.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَراد أَن مَاشِيَتَهُمْ لَا تُصْرَفُ عَنْ مَرْعًى تُرِيدُهُ.
يُقَالُ عَدَلْتُه أَي صَرَفْتُهُ، فَعَدَلَ أَي انْصَرَفَ.
وَالسَّارِحَةُ: هِيَ الْمَاشِيَةُ الَّتِي تَسْرَحُ بِالْغَدَاةِ إِلى مَرَاعِيهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: وَلَا يُمْنَعُ سَرْحُكم؛ السَّرْحُ والسارحُ وَالسَّارِحَةُ سَوَاءٌ: الْمَاشِيَةُ؛ قَالَ خَالِدُ بْنُ جَنْبَةَ: السَّارِحَةُ الإِبل وَالْغَنَمُ.
قَالَ: وَالسَّارِحَةُ الدَّابَّةُ الْوَاحِدَةُ، قَالَ: وَهِيَ أَيضًا الْجَمَاعَةُ.
والسَّرْحُ: انْفِجَارُ الْبَوْلِ بَعْدَ احْتِبَاسِهِ.
وسَرَّحَ عَنْهُ فانْسَرَحَ وتَسَرَّحَ: فَرَّجَ.
وإِذا ضَاقَ شيءٌ فَفَرَّجْتَ عَنْهُ، قُلْتُ: سَرَّحْتُ عَنْهُ تَسْرِيحًا؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
وسَرَّحَتْ عَنْهُ، إِذا تَحَوَّبا، ***رَواجِبُ الجَوْفِ الصَّهِيلَ الصُّلَّبا
ووَلَدَتْه سُرُحًا أَي فِي سُهولة.
وَفِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ اجعَلْه سَهْلًا سُرُحًا.
وَفِي حَدِيثِ الْفَارِعَةِ: «أَنها رأَت إِبليس سَاجِدًا تَسِيلُ دُمُوعَهُ كسُرُحِ الجَنِينِ»؛ السُّرُحُ: السَّهْلُ.
وإِذا سَهُلت وِلَادَةُ المرأَة، قِيلَ: وَلَدَتْ سُرُحًا.
والسُّرُحُ والسَّرِيحُ: إِدْرارُ الْبَوْلِ بَعْدَ احْتِبَاسِهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ: يَا لَهَا نِعْمَةً، يَعْنِي الشَّرْبة مِنَ الْمَاءِ، تُشْرَبُ لَذَّةً وَتُخْرَجُ سُرُحًا
أَي سَهْلًا سَرِيعًا.
والتسريحُ: التَّسْهِيلُ.
وشيءٌ سَرِيحٌ: سَهْلٌ.
وافْعَل ذَلِكَ فِي سَراحٍ وَرواحٍ أَي فِي سُهُولَةٍ.
وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِي سَريح أَي فِي عَجَلة.
وأَمرٌ سَرِيحٌ: مُعَجَّلٌ وَالِاسْمُ مِنْهُ السَّراحُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: إِن خَيْرَك لَفِي سَرِيح، وإِن خَيْرَك لَسَريحٌ؛ وَهُوَ ضِدُّ الْبَطِيءِ.
وَيُقَالُ: تَسَرَّحَ فلانٌ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ إِذا ذَهَبَ وَخَرَجَ.
وسَرَحْتُ مَا فِي صَدْرِي سَرْحًا أَي أَخرجته.
وَسُمِّيَ السَّرْحُ سَرْحًا لأَنه يُسْرَحُ فيخرُجُ؛ وأَنشد:
وسَرَحْنا كلَّ ضَبٍّ مُكْتَمِنْ والتسريحُ: إِرسالك رَسُولًا في حاجة سَراحًا.
وسَرَّحْتُ فُلَانًا إِلى مَوْضِعِ كَذَا إِذا أَرْسلته.
وتَسْرِيحُ المرأَة: تطليقُها.
وَالِاسْمُ السَّراحُ، مِثْلُ التَّبْلِيغِ وَالْبَلَاغُ.
وتَسْرِيحُ دَمِ العِرْقِ المفصود: إِرساله بعد ما يَسِيلُ مِنْهُ حِينَ يُفْصَد مَرَّةً ثَانِيَةً.
وَسَمَّى اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، الطَّلَاقَ سَراحًا، فَقَالَ: وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحًا جَمِيلًا؛ كَمَا سَمَّاهُ طَلَاقًا مِنْ طَلَّقَ المرأَة، وَسَمَّاهُ الفِرَاقَ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَلفاظ تَجْمَعُ صَرِيحَ الطَّلَاقِ الَّذِي لَا يُدَيَّنُ فِيهَا المُطَلِّقُ بِهَا إِذا أَنكر أَن يَكُونَ عَنَى بِهَا طَلَاقًا، وأَما الْكِنَايَاتُ عَنْهَا بِغَيْرِهَا مِثْلَ الْبَائِنَةِ والبتَّةِ وَالْحَرَامِ وَمَا أَشبهها، فإِنه يُصَدَّق فِيهَا مَعَ الْيَمِينِ أَنه لَمْ يُرِدْ بِهَا طَلَاقًا.
وَفِي الْمَثَلِ: السَّراحُ مِنَ النَّجاح؛ إِذا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى قَضَاءِ حَاجَةِ الرَّجُلِ فأَيِّسْه فإِن ذَلِكَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الإِسعاف.
وتَسْرِيحُ الشَّعر: إِرساله قَبْلَ المَشْطِ؛ قَالَ الأَزهري: تَسْرِيحُ الشَّعْرِ تَرْجِيلُهُ وَتَخْلِيصُ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ بِالْمُشْطِ؛ وَالْمُشْطِ يُقَالُ لَهُ: المِرجل والمِسرح، بِكَسْرِ الْمِيمِ.
والمَسْرَحُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ: الْمَرْعَى الَّذِي تَسْرَحُ فِيهِ الدَّوَابُّ لِلرَّعْيِ.
وفرسٌ سَريح أَي عُرْيٌ، وَخَيْلٌ سُرُحٌ وناقةٌ سُرُحٌ ومُنْسَرِحة فِي سَيْرِهَا أَي سَرِيعَةٌ؛ قَالَ الأَعشى:
بجُلالةٍ سُرُحٍ، كأَنَّ بغَرْزِها ***هِرًّا، إِذا انتَعَل المَطِيُّ ظِلالَها
ومِشْيَةٌ سُرُحُ مِثْلُ سُجُح أَي سَهْلَةٌ.
وانْسَرَحَ الرجلُ إِذا اسْتَلْقَى وفَرَّجَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ: وأَما قَوْلُ حُمَيْد بْنِ ثَوْرٍ:
أَبى اللهُ إِلَّا أَنَّ سَرْحَةَ مالكٍ، ***عَلَى كلِّ أَفْنانِ العِضاهِ، تَرُوقُ
فإِنما كَنَّى بِهَا عَنِ امرأَة.
قَالَ الأَزهري: الْعَرَبُ تَكْنِي عَنِ المرأَة بالسَّرْحةِ النَّابِتَةِ عَلَى الْمَاءِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
يَا سَرْحةَ الماءِ قَدْ سُدَّتْ موارِدُه، ***أَما إِليكِ طريقٌ غيرُ مسْدُودِ
لحائمٍ حامَ حَتَّى لَا حَراكَ بِهِ، ***مُحَلَّإٍ عَنْ طريقِ الوِرْدِ، مَرْدودِ
كَنَّى بالسَّرْحةِ النابتة على الماء عَنِ المرأَة لأَنها حينئذٍ
أَحسن مَا تَكُونُ؛ وسَرْحةٌ فِي قَوْلِ لَبِيدٌ:
لِمَنْ طَلَلٌ تَضَمَّنهُ أُثالُ، ***فَسَرْحةُ فالمَرانَةُ فالخَيالُ؟
هُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ.
والسَّرُوحُ والسُّرُحُ مِنَ الإِبل: السريعةُ الْمَشْيِ.
وَرَجُلٌ مُنْسَرِحٌ: متجرِّد؛ وَقِيلَ: قَلِيلُ الثِّيَابِ خَفِيفٌ فِيهَا، وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ ثِيَابِهِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
مُنْسَرِحٌ إِلَّا ذَعاليب الخِرَقْ
والمُنْسَرِحُ: الَّذِي انْسَرَحَ عَنْهُ وَبَرُه.
والمُنْسَرِحُ: ضربٌ مِنَ الشِّعْر لِخِفَّتِهِ، وَهُوَ جِنْسٌ مِنَ الْعُرُوضِ تَفْعِيلُهُ: مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولَاتْ مُسْتَفْعِلُنْ سِتَّ مَرَّاتٍ.
ومِلاطٌ سُرُحُ الجَنْبِ: مُنْسَرِحٌ لِلذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ؛ يَعْنِي بِالْمِلَاطِ الكَتِفَ، وَفِي التَّهْذِيبِ: العَضُد؛ وَقَالَ كُرَاعٌ: هُوَ الطِّينُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري مَا هَذَا.
ابْنُ شُمَيْلٍ: ابْنَا مِلاطَي الْبَعِيرِ هُمَا العَضُدانِ، قَالَ: وَالْمِلَاطَانِ مَا عَنْ يَمِينِ الكِرْكِرَةِ وَشَمَالِهَا.
والمِسْرَحةُ: مَا يُسَرَّحُ بِهِ الشعَر والكَتَّان وَنَحْوُهُمَا.
وَكُلُّ قِطْعَةٍ مِنْ خِرْقَةٍ مُتَمَزِّقَةٍ أَو دَمٍ سَائِلٍ مستطيل يابس، فهو وما أَشبهه سَرِيحة، وَالْجَمْعُ سَرِيحٌ وسَرائِحُ.
والسَّريحة: الطَّرِيقَةُ مِنَ الدَّمِ إِذا كَانَتْ مُسْتَطِيلَةً؛ وَقَالَ لَبِيدٌ:
بلَبَّته سَرائِحُ كالعَصيمِ
قَالَ: والسَّريحُ السيرُ الَّذِي تُشَدُّ بِهِ الخَدَمَةُ فَوْقَ الرُّسْغ.
والسَّرائح والسُّرُح: نِعالُ الإِبل؛ وَقِيلَ: سُيُورُ نِعالها، كلُّ سَيرٍ مِنْهَا سَريحة؛ وَقِيلَ: السُّيُورُ الَّتِي يُخْصَفُ بِهَا، وَاحِدَتُهَا سَرِيحة، والخِدامُ سُيُورٌ تُشَدُّ فِي الأَرْساغ، والسَّرائِحُ: تُشَدُّ إِلى الخَدَم.
والسَّرْحُ: فِناءُ الْبَابِ.
والسَّرْحُ: كُلُّ شَجَرٍ لَا شَوْكَ فِيهِ، وَالْوَاحِدَةُ سَرْحة؛ وَقِيلَ: السَّرْحُ كلُّ شَجَرٍ طَالَ.
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: السَّرْحةُ دَوْحة مِحْلالٌ واسِعةٌ يَحُلُّ تَحْتَهَا الناسُ فِي الصَّيْفِ، ويَبْتَنُون تَحْتَهَا الْبُيُوتَ، وَظِلُّهَا صَالِحٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَيَا سَرْحةَ الرُّكْبانِ، ظِلُّك بارِدٌ، ***وماؤُكِ عَذْب، لَا يَحِلُّ لوارِدِ
والسَّرْحُ: شَجَرٌ كِبَارٌ عِظَامٌ طِوالٌ لَا يُرْعَى وإِنما يَسْتَظِلُّ فِيهِ.
وَيَنْبُتُ بنَجدٍ فِي السَّهْل والغَلْظ، وَلَا يَنْبُتُ فِي رَمْلٍ وَلَا جَبَلٍ، وَلَا يأْكله المالُ إِلَّا قَلِيلًا، لَهُ ثَمَرٌ أَصفر، وَاحِدَتُهُ سَرْحة، وَيُقَالُ: هُوَ الآءُ، عَلَى وَزْنِ العاعِ، يُشْبِهُ الزَّيْتُونَ، والآءُ ثمرةُ السَّرْح؛ قَالَ: وأَخبرني أَعرابي قَالَ: فِي السَّرْحة غُبْرَةٌ وَهِيَ دُونَ الأَثْلِ فِي الطُّولِ، ووَرَقُها صِغَارٌ، وَهِيَ سَبْطَة الأَفْنان.
قَالَ: وَهِيَ مَائِلَةُ النِّبتة أَبدًا ومَيلُها مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشَّجَرِ فِي شِقّ الْيَمِينِ، قَالَ: وَلَمْ أَبْلُ عَلَى هَذَا الأَعرابي كَذِبًا.
الأَزهري عَنِ اللَّيْثُ: السَّرْحُ شَجَرٌ لَهُ حَمْل وَهِيَ الأَلاءَة، وَالْوَاحِدَةُ سَرْحَةٌ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا غَلَطٌ لَيْسَ السَّرْحُ مِنَ الأَلاءَة فِي شَيْءٌ.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: السَّرْحة ضَرْبٌ مِنَ الشَّجَرِ، مَعْرُوفَةٌ؛ وأَنشد قَوْلَ عَنْتَرَةُ:
بَطَلٌ، كأَنَّ ثِيابَه فِي سَرْحةٍ، ***يُحْذَى نِعالَ السِّبْتِ، لَيْسَ بتَوْأَمِ
يَصِفُهُ بِطُولِ الْقَامَةِ، فَقَدْ بيَّن لَكَ أَن السَّرْحَة مِنْ كِبَارِ الشَّجَرِ، أَلا تَرَى أَنه شَبَّهَ بِهِ الرَّجُلَ لِطُولِهِ، والأَلاء لَا سَاقَ لَهُ وَلَا طُولَ؟ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنه قال: «إِنَّ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا سَرْحةً لَمْ تُجْرَدْ وَلَمْ تُعْبَلْ، سُرَّ تَحْتَهَا سَبْعُونَ نَبِيًّا»؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن السَّرْحةَ مِنْ عِظَامِ الشجر؛ ورواه ابن الأَثير: لم تُجْرَدْ وَلَمْ تُسْرَحْ، قَالَ: وَلَمْ تُسْرَحْ لَمْ يُصِبْهَا السَّرْحُ فيأْكل أَغصانها وَوَرَقِهَا، قَالَ: وَقِيلَ هُوَ مأْخوذ مَنْ لَفْظِ السَّرْحة، أَراد: لَمْ يؤْخذ مِنْهَا شَيْءٌ، كما يقال: شَجَرْتُ الشجرةَ إِذا أَخذتُ بعضَها.
وَفِي حَدِيثِ ظَبْيانَ: «يأْكلون مُلَّاحها ويَرْعَوْنَ سِراحَها».
ابْنُ الأَعرابي: السَّرْحُ كِبارُ الذَّكْوانِ، والذَّكْوانُ شجرٌ حَسَنُ العَساليح.
أَبو سَعِيدٍ: سَرَحَ السيلُ يَسْرَحُ سُرُوحًا وسَرْحًا إِذا جَرَى جَرْيًا سَهْلًا، فَهُوَ سيلٌ سارحٌ؛ وأَنشد:
ورُبَّ كلِّ شَوْذَبِيٍّ مُنْسَرِحْ، ***مِنَ اللباسِ، غيرَ جَرْدٍ مَا نُصِحْ
والجَرْدُ: الخَلَقُ مِنَ الثِّيَابِ.
وما نُصِحَ أَي مَا خِيطَ.
والسَّرِيحةُ مِنَ الأَرض: الطَّرِيقَةُ الظَّاهِرَةُ الْمُسْتَوِيَةُ فِي الأَرض ضَيِّقةً؛ قَالَ الأَزهري: وَهِيَ أَكثر نبْتًا وَشَجَرًا مِمَّا حَوْلُهَا وَهِيَ مُشرفة عَلَى مَا حَوْلَهَا، وَالْجَمْعُ السَّرائح، فَتَرَاهَا مُسْتَطِيلَةً شَجِيرة وَمَا حَوْلَهَا قَلِيلُ الشَّجَرِ، وَرُبَّمَا كَانَتْ عَقَبة.
وسَرائحُ السَّهْمِ: العَقَبُ الَّذِي عُقِبَ بِهِ؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هِيَ العَقَبُ الَّذِي يُدْرَجُ عَلَى اللِّيطِ، وَاحِدَتُهُ سَرِيحة.
والسَّرائحُ أَيضًا: آثَارٌ فِيهِ كَآثَارِ النَّارِ.
وسُرُحٌ: ماءٌ لَبَنِي عَجْلَانَ ذَكَرَهُ ابْنُ مُقْبِلٍ فَقَالَ:
قَالَتْ سُلَيْمَى ببَطْن القاعِ مِنْ سُرُحٍ
وسَرَحَه اللهُ وسَرَّحه أَي وَفَّقه اللَّهُ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا حَرْفٌ غَرِيبٌ سَمِعْتُهُ بِالْحَاءِ فِي الْمُؤَلِّفِ عَنِ الإِيادي.
والمَسْرَحانِ: خشبتانِ تُشَدَّانِ فِي عُنُق الثَّوْرُ الَّذِي يُحْرَثُ بِهِ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.
وسَرْحٌ: اسمٌ؛ قَالَ الرَّاعِي:
فَلَوْ أَنَّ حَقَّ الْيَوْمِ مِنْكُمْ أَقامَه، ***وإِن كَانَ سَرْحٌ قَدْ مَضَى فَتَسَرَّعا
ومَسْرُوحٌ: قَبِيلَةٌ.
والمَسْرُوحُ: الشرابُ، حُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ وَلَيْسَ مِنْهُ على ثقة.
وسِرْحانُ الحَوْضِ: وَسَطُه.
والسِّرْحانُ: الذِّئبُ، والجمع سَراحٍ وسَراحِينُ وسَراحِي، بِغَيْرِ نونٍ، كَمَا يقالُ: ثَعَالِبٌ وثَعَالِي.
قَالَ الأَزهري: وأَما السِّراحُ فِي جَمْعِ السِّرْحان فَغَيْرُ مَحْفُوظٍ عِنْدِي.
وسِرْحانٌ: مُجْرًى مِنْ أَسماء الذِّئْبِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
وغارةُ سِرْحانٍ وتقريبُ تَتْفُلِ
والأُنثى بِالْهَاءِ وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ، وَقَدْ تُجْمَعُ هَذِهِ بالأَلف وَالتَّاءِ.
والسِّرْحانُ والسِّيدُ الأَسدُ بِلُغَةِ هُذَيْلٍ؛ قَالَ أَبو المُثَلَّمِ يَرْثي صَخْر الغَيّ:
هَبَّاطُ أَوْدِيَةٍ، حَمَّالُ أَلْوِيَةٍ، ***شَهَّادُ أَنْدِيَةٍ، سِرْحانُ فِتْيانِ
وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ؛ وأَنشد أَبو الْهَيْثَمِ لطُفَيْلٍ:
وخَيْلٍ كأَمْثَالِ السِّراحِ مَصُونَةٍ، ***ذَخائِرَ مَا أَبقى الغُرابُ ومُذْهَبُ
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَدْ جَاءَ فِي شِعْرِ مالك بن الحرث الكاهلي:
ويومًا نَقْتُلُ الآثارَ شَفْعًا، ***فنَتْرُكُهمْ تَنُوبُهمُ السِّراحُ
شَفْعًا أَي ضِعف مَا قَتَلُوا وقِيسَ عَلَى ضِبْعانٍ وضِباعٍ؛ قَالَ الأَزهري: وَلَا أَعرف لَهُمَا نَظِيرًا.
والسِّرْحانُ: فِعْلانٌ مَنْ سَرَحَ يَسْرَحُ؛ وَفِي حَدِيثِ الْفَجْرِ الأَول: «كأَنه ذَنَبُ السِّرْحانِ»؛ هُوَ الذِّئْبُ، وَقِيلَ: الأَسد.
وَفِي الْمَثَلِ: سَقَط العَشاءُبِهِ عَلَى سِرْحانٍ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: النُّونُ زَائِدَةٌ، وَهُوَ فِعْلانٌ وَالْجَمْعُ سَراحينُ؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: الأُنثى سِرْحانة.
والسِّرْحالُ: السِّرْحانُ، عَلَى الْبَدَلِ عِنْدَ يَعْقُوبَ؛ وأَنشد:
تَرَى رَذايا الكُومِ فوقَ الخالِ ***عِيدًا لكلِّ شَيْهمٍ طِمْلالِ،
والأَعْوَرِ العينِ مَعَ السِّرحالِ وَفَرَسٌ سِرْياحٌ: سَرِيعٌ: قَالَ ابْنُ مُقْبل يَصِفُ الْخَيْلَ:
مِنْ كلِّ أَهْوَجَ سِرْياحٍ ومُقْرَبةٍ، ***نَفَّاتُ يَوْمَ لكال الورْدِ فِي الغُمَرِ
قَالُوا: وإِنما خَصَّ الغُمَرَ وسَقْيَها فِيهِ لأَنه وَصَفَهَا بالعِتْق وسُبُوطة الخَدِّ وَلَطَافَةِ الأَفواه، كَمَا قَالَ:
وتَشْرَبُ فِي القَعْب الصَّغِيرِ، وإِن فُقِدْ، ***لمِشْفَرِها يَوْمًا إِلى الْمَاءِ تَنْقَدْ
والسِّرْياحُ مِنَ الرِّجَالِ: الطويلُ.
والسِّرياح: الجرادُ.
وأُم سِرْياحٍ: امرأَةٌ، مُشْتَقٌّ مِنْهُ؛ قَالَ بَعْضُ أُمراء مَكَّةَ، وَقِيلَ هُوَ لدرَّاج بْنِ زُرْعة:
إِذا أُمُّ سِرياحٍ غَدَتْ فِي ظَعائِنٍ ***جَوَالِسَ نَجْدًا، فاضتِ العينُ تَدْمَعُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَذَكَرَ أَبو عُمَرَ الزَّاهِدُ أَن أُم سِرْياح فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ كُنْيَةُ الْجَرَادَةِ.
والسِّرياحُ: اسْمُ الْجَرَادِ.
والجالسُ: الْآتِي نَجْدًا.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
95-لسان العرب (كشملخ)
كشملخ: الكُشْمَلَخُ بِصرية: المُلَّاحُ، حَكَاهَا أَبو حَنِيفَةَ قَالَ: وأَحسبها نَبَطِيَّةً، قَالَ: وأَخبرني بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ أَن الكُشْمَلَخ اليَنَمَةُ.لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
96-لسان العرب (لبخ)
لبخ: اللبْخُ الِاحْتِيَالُ للأَخذ.واللبْخ: الضَّرْبُ وَالْقَتْلُ.
واللُّبوخ: كَثْرَةُ اللَّحْمِ فِي الْجَسَدِ.
رَجُلٌ لَبيخٌ وامرأَة لُباخيَّة: كَثِيرَةُ اللَّحْمِ ضَخْمَةُ الرَّبلة تامَّة كأَنها مَنْسُوبَةٌ إِلى اللُّباخ.
وَيُقَالُ للمرأَة الطَّوِيلَةِ الْعَظِيمَةِ الْجِسْمِ: خرْباقٌ ولُباخيَّة.
واللّبَاخ: اللِّطَامُ وَالضِّرَابُ.
واللبَخَة: شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ مِثْلُ الأَثابَة أَو أَعظم، وَرَقُهَا شَبِيهٌ بِوَرَقِ الْجَوْزِ، وَلَهَا أَيضًا جَنًى كجَنى الحَماطِ مُرٌّ إِذا أُكل أَعطش، وإِذا شُرِبَ عَلَيْهِ الماءُ نَفَخَ الْبَطْنَ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ وأَنشد:
مَن يَشْرَبُ الماءَ، ويأْكل اللَّبخْ، ***تَرِمْ عروقُ بطنِه ويَنتَفِخْ
قَالَ: وَهُوَ مِنْ شَجَرِ الْجِبَالِ؛ قَالَ: وأَخبرني العالِم بِهِ أَن بانْصنا مِنْ صَعِيدِ مِصْرَ، وَهِيَ مَدِينَةُ السَّحَرَةِ فِي الدَّوْرِ، الشَّجَرَةُ بَعْدَ الشَّجَرَةِ تُسَمَّى اللَّبَخَ؛ قَالَ: وَهُوَ بِالْفَتْحِ؛ قَالَ: وَهُوَ شَجَرٌ عِظَامٌ أَمْثَالُ الدُّلْب وَلَهُ ثَمَرٌ أَخضر يُشْبِهُ التَّمْرَ حُلْوٌ جِدًّا، إِلا أَنه كَرِيهٌ وَهُوَ جَيِّدٌ لِوَجَعِ الأَضراس، وإِذا نُشِرَ شَجَرُهُ أَرعف نَاشِرَهُ؛ قَالَ: وَيُنْشَرُ أَلواحًا فَيَبْلُغُ اللَّوْحُ مِنْهَا خَمْسِينَ دِينَارًا، يَجْعَلُهُ أَصْحَابُ الْمَرَاكِبِ فِي بناءِ السُّفُنِ، وَزُعِمَ أَنه إِذا ضُمَّ مِنْهُ لَوْحَانِ ضَمًّا شَدِيدًا وَجُعِلَا فِي الْمَاءِ سَنَةً الْتَحَمَا فَصَارَا لَوْحًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّهْذِيبِ أَن يُجْعَلَا فِي الماءِ سَنَةً وَلَا أَقل وَلَا أَكثر؛ وَهَذِهِ الشَّجَرَةُ رأَيتها أَنا بِجَزِيرَةِ مِصْرَ وَهِيَ مِنْ كِبَارِ الشَّجَرِ، وأَعجب مَا فِيهَا أَن قَوْمًا زَعَمُوا أَن هَذِهِ الشَّجَرَةَ كَانَتْ تَقتل فِي بِلَادِ الْفُرْسِ، فَلَمَّا نُقِلَتْ إِلَى مِصْرَ صَارَتْ تُؤْكَلُ وَلَا تَضُرُّ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَيْطَارِ الْعَشَّابُ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ.
واللَّبيخة: نَافِجَةُ الْمِسْكِ.
وتَلبَّخ بِالْمِسْكِ: تَطَيَّبَ بِهِ؛ كِلَاهُمَا عَنِ الْهَجَرِيِّ؛ وأَنشد:
هَداني إِليها ريحُ مسكٍ تَلَبَّخَتْ ***بِهِ فِي دُخانِ المَنْدَليّ المُقَصَّدِ
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
97-لسان العرب (حتر)
حتر: حَتارُ كُلِّ شَيْءٍ: كِفَافُه وَحَرْفُهُ وَمَا اسْتَدَارَ بِهِ كَحَتَارِ الأُذن وَهُوَ كِفافُ حُرُوفِ غَراضِيفِها.وحَتارُ الْعَيْنِ: وَهِيَ حُرُوفُ أَجفانها الَّتِي تَلْتَقِي عِنْدَ التَّغْمِيضِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الحَتارُ مَا اسْتَدَارَ بِالْعَيْنِ مِنْ زِيقِ الجَفْنِ مِنْ بَاطِنٍ.
وحَتارُ الظُّفْر: وَهُوَ مَا يُحِيطُ بِهِ مِنَ اللَّحْمِ، وَكَذَلِكَ مَا يُحِيطُ بالخِباء، وَكَذَلِكَ حَتارُ الغِربالِ والمُنْخُلِ.
وحَتارُ الاسْتِ: أَطراف جِلْدَتِهَا، وَهُوَ مُلْتَقَى الْجِلْدَةِ الظَّاهِرَةِ وأَطرَاف الخَوْرانِ، وَقِيلَ: هِيَ حُرُوفُ الدُّبُرِ؛ وأَراد أَعرابيّ امرأَته فَقَالَتْ لَهُ: إِني حَائِضٌ، قَالَ: فأَين الهَنَةُ الأُخرَى؟ قَالَتْ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ فَقَالَ:
كلَّا وَرَبِّ البَيْتِ ذِي الأَستارِ، ***لأَهْتِكَنَّ حَلَقَ الحَتَارِ،
قَدْ يُؤْخَذُ الجَارُ بِجُرْمِ الجَارِ "وحَتَارُ الدُّبُرِ: حَلْقَتُه.
والحَتارُ: مَعْقِدُ الطُّنُبِ فِي الطَّرِيقة، وَقِيلَ: هُوَ خَيْطٌ يُشَدُّ بِهِ الطِّرافُ، وَالْجَمْعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ حُتُرٌ.
والحَتارُ والحِتْرُ: مَا يُوصَلُ بأَسفل الْخِبَاءِ إِذا ارْتَفَعَ مِنَ الأَرض وقَلَصَ لِيَكُونَ سِتْرًا؛ وَهِيَ الحُتْرَةُ أَيضًا.
وحَتَر البيتَ حَتْرًا: جَعَلَ لَهُ حَتارًا أَو حُتْرَةً.
الأَزهري عَنِ الأَصمعي قَالَ: الحُتُرُ أَكِفَّةُ الشِّقاقِ، كلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا حَتارٌ، يَعْنِي شِقاقَ الْبَيْتِ.
الْجَوْهَرِيُّ: الحَتارُ الكِفافُ وَكُلُّ مَا أَحاط بِالشَّيْءِ وَاسْتَدَارَ بِهِ فَهُوَ حَتارُه وكِفافُه.
وحَتَرَ الشيءَ وأَحْتَرَه: أَحكمه.
الأَزهري: أَحْتَرْتُ العُقْدَةَ إِحْتارًا إِذا أَحكمتها فَهِيَ مُحْتَرَةٌ.
وَبَيْنَهُمْ عَقْدٌ مُحْتَرٌ: قَدِ اسْتُوثِقَ مِنْهُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
وبالسَّفْحِ مِنْ شَرْقِيِّ سَلْمَى مُحاربٌ ***شُجاعٌ، وذُو عَقْدٍ مِنَ القومِ مُحْتَرِ
وحَتَرَ العُقْدَة أَيضًا: أَحكم عَقْدَها.
وكلُّ شَدٍّ: حَتْرٌ؛ وَاسْتَعَارَهُ أَبو كَبِيرٍ للدَّيْنِ فَقَالَ:
هَابوا لِقَوْمِهِمُ السَّلامَ كَأَنَّهُمْ، ***لَمَّا أُصيِبُوا، أَهْلُ دَيْنٍ مُحْتَرِ
وحَتَره يَحْتِرُه ويَحْتُرُه حَتْرًا: أَحَدَّ النَّظَرَ إِليه.
والحَتْر: الأَكلُ الشديدُ.
وَمَا حَتَرَ شَيْئًا أَي مَا أَكل.
وحَتَرَ أَهله يَحْتِرُهُم ويَحْتُرُهُم حَتْرًا وحُتُورًا: قَتَّرَ عَلَيْهِمُ النَّفقة، وَقِيلَ: كَساهم ومانَهُمْ.
والحِتْرُ: الشَّيْءُ الْقَلِيلُ.
وحَتَرَ الرجلَ حَتْرًا: أَعطاه وأَطعمه، وَقِيلَ: قَلَّلَ عطاءَه أَو إِطعامه.
وحَتَرَ لَهُ شَيْئًا: أَعطاه يَسِيرًا.
وَمَا حَتَرَهُ شَيْئًا أَي مَا أَعطاه قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا.
وأَحْتَرَ الرجلُ: قلَّ عَطَاؤُهُ.
وأَحْتَرَ: قَلَّ خَيْرُهُ؛ حَكَاهُ أَبو زَيْدٍ، وأَنشد:
إِذا مَا كنتَ مُلْتَمِسًا أَيامَى، ***فَنَكِّبْ كُلَّ مُحْتِرَةٍ صَناعِ
أَي تَنَكَّبْ، وَالِاسْمُ الحِتْرُ.
الأَصمعي عَنْ أَبي زَيْدٍ: حَتَرْتُ لَهُ شَيْئًا، بِغَيْرِ أَلف، فإِذا قَالَ: أَقَلَّ الرجلُ وأَحْتَرَ، قَالَهُ بالأَلف؛ قَالَ: وَالِاسْمُ مِنْهُ الحِتْرُ؛ وأَنشد للأَعْلَمِ الهُذَلِيِّ:
إِذا النُّفَساءُ لَمْ تُخَرَّسْ بِبِكْرِها ***غُلامًا، وَلَمْ يُسْكَتْ بِحِتْرٍ فَطِيمُها
قَالَ: وأَخبرني الإِيادِيُّ عَنْ شَمِرٍ: الحَاتِرُ المُعْطي؛ وأَنشد:
إِذ لَا تَبِضُّ، إِلى الترائِكِ ***والضَّرَائِكِ، كَفُّ حاتِرْ
قَالَ: وحَتَرْتُ أَعطيت.
وَيُقَالُ: كَانَ عَطَاؤُكَ إِياه حَقْرًا حَتْرًا أَي قَلِيلًا؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ: " إِلَّا قَليلًا مِنْ قَليلٍ حَتْرِ "وأَحْتَرَ عَلَيْنَا رِزْقَنا أَي أَقَلَّه وحَبَسَهُ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: حَتَرَهُ يَحْتِرُه ويَحْتُرُه إِذا كَسَاهُ وأَعطاه؛ قَالَ الشَّنْفَرَى:
وأُمَّ عِيالٍ قَدْ شَهِدْتُ تَقُوتُهم، ***إِذا حَتَرَتْهُمْ أَتْفَهَتْ وأَقَلَّتِ
والمُحْتِرُ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي لَا يُعْطِي خَيْرًا وَلَا يُفْضِل عَلَى أَحد، إِنما هُوَ كَفَافٌ بكَفافٍ لَا يَنْفَلِتُ مِنْهُ شَيْءٌ.
وأَحْتَرَ عَلَى نَفْسِهِ وأَهله أَي ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ وَمَنَعَهُمْ.
غَيْرُهُ: وأَحْتَرَ القومَ فَوَّتَ عَلَيْهِمْ طَعَامُهُمْ.
والحِتْرُ، بِالْكَسْرِ: العَطِيَّةُ الْيَسِيرَةُ، وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ.
تَقُولُ: حَتَرْتُ لَهُ شَيْئًا أَحْتِرُ حَتْرًا، فإِذا قَالُوا: أَقلّ وأَحْتَرَ، قَالُوهُ بالأَلف؛ قَالَ الشَّنْفَرَى:
وأُم عِيَالٍ قَدْ شهدتُ تَقُوتُهُمْ، ***إِذا أَطْعَمَتْهُمْ أَحْتَرَتْ وأَقَلَّتِ
تَخافُ عَلَيْنَا العَيْلَ، إِن هِيَ أَكْثَرَتْ، ***ونَحْنُ جِيَاعٌ، أَيَّ أَوْلٍ تأَلَّتِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْمَشْهُورُ فِي شِعْرِ الشَّنْفَرَى: وأُمَّ عِيَالٍ، بِالنَّصْبِ، وَالنَّاصِبُ لَهُ شَهِدْتُ؛ وَيُرْوَى: وأُمِّ، بِالْخَفْضِ، عَلَى وَاوِ رُبَّ، وأَراد بأُم عِيَالٍ تأَبط شَرًّا، وَكَانَ طَعَامُهُمْ عَلَى يَدِهِ، وإِنما قَتَّرَ عَلَيْهِمْ خَوْفًا أَن تَطُولَ بِهِمُ الغَزاة فَيَفْنَى زَادُهُمْ، فَصَارَ لَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الأُم وَصَارُوا لَهُ بِمَنْزِلَةِ الأَولاد.
وَالْعَيْلُ: الْفَقْرُ وَكَذَلِكَ الْعَيْلَةُ.
والأَوْلُ: السِّيَاسَةُ.
وتأَلت: تَفَعَّلَتْ مِنَ الأَوْلِ إِلا أَنه قُلِبَ فَصُيِّرَتِ الْوَاوُ فِي مَوْضِعِ اللَّامِ.
والحُتْرَةُ والحَتِيرَةُ؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ: الوكِيرَةُ، وَهُوَ طَعَامٌ يُصْنَعُ عِنْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ، وَقَدْ حَتَّرَ لَهُمْ.
قَالَ الأَزهري: وأَنا وَاقِفٌ فِي هَذَا الْحَرْفِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ حَثيرَةٌ، بِالثَّاءِ.
وَيُقَالُ: حَتِّرْ لَنا أَي وَكِّرْ لَنَا، وَمَا حَتَرْتُ الْيَوْمَ شَيْئًا أَي مَا ذُقْتُ.
والحَتْرَةُ، بِالْفَتْحِ: الرَّضْعَةُ الْوَاحِدَةُ.
والحَتْرُ: الذَّكَرُ مِنَ الثَّعَالِبِ؛ قَالَ الأَزهري: لَمْ أَسمع الحَتْرَ بِهَذَا الْمَعْنَى لِغَيْرِ اللَّيْثِ وَهُوَ منكر.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
98-لسان العرب (حسر)
حسر: الحَسْرُ: كَشْطُكَ الشَّيْءَ عَنِ الشَّيْءِ.حَسَرَ الشيءَ عَنِ الشَّيْءِ يَحْسُرُه ويَحْسِرُه حَسْرًا وحُسُورًا فانْحَسَرَ: كَشَطَهُ، وَقَدْ يَجِيءُ فِي الشِّعْرِ حَسَرَ لَازِمًا مِثْلُ انْحَسَر عَلَى الْمُضَارَعَةِ.
والحاسِرُ: خِلَافُ الدَّارِع.
والحاسِرُ: الَّذِي لَا بَيْضَةَ عَلَى رأْسه؛ قَالَ الأَعشى:
فِي فَيْلَقٍ جَأْواءَ مَلْمُومَةٍ، ***تَقْذِفُ بالدَّارِعِ والحاسِرِ
وَيُرْوَى: تَعْصِفُ؛ وَالْجَمْعُ حُسَّرٌ، وَجَمْعُ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ حُسَّرًا عَلَى حُسَّرِينَ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
بِشَهْباءَ تَنْفِي الحُسَّرِينَ كأَنَّها ***إِذا مَا بَدَتْ، قَرْنٌ مِنَ الشمسِ طالِعُ
وَيُقَالُ للرَّجَّالَةِ فِي الْحَرْبِ: الحُسَّرُ، وَذَلِكَ أَنهم يَحْسِرُون [يَحْسُرُون] عَنْ أَيديهم وأَرجلهم، وَقِيلَ: سُمُّوا حُسَّرًا لأَنه لَا دُرُوعَ عَلَيْهِمْ وَلَا بَيْضَ.
وَفِي حَدِيثِ فَتْحِ مَكَّةَ: «أَن أَبا عُبَيْدَةَ كَانَ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى الحُسَّرِ»؛ هُمُ الرَّجَّالَةُ، وَقِيلَ هُمُ الَّذِينَ لَا دُرُوعَ لَهُمْ.
وَرَجُلٌ حاسِرٌ: لَا عِمَامَةَ عَلَى رأْسه.
وامرأَة حاسِرٌ، بِغَيْرِ هَاءٍ، إِذا حَسَرَتْ عَنْهَا ثِيَابَهَا.
وَرَجُلٌ حَاسِرٌ: لَا دِرْعَ عَلَيْهِ وَلَا بَيْضَةَ عَلَى رأْسه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فَحَسَر عَنْ ذِرَاعَيْهِ» أَي أَخرجهما مِنْ كُمَّيْهِ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «وسئلتْ عَنِ امرأَة طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ فَتَحَسَّرَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ»أَي قَعَدَتْ حَاسِرَةً مَكْشُوفَةَ الْوَجْهِ.
ابْنُ سِيدَهْ: امرأَة حاسِرٌ حَسَرَتْ عَنْهَا دِرْعَهَا.
وكلُّ مَكْشُوفَةِ الرأْس وَالذِّرَاعَيْنِ: حاسِرٌ، وَالْجَمْعُ حُسَّرٌ وحَواسِر؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
وقامَ بَناتي بالنّعالِ حَواسِرًا، ***فأَلْصَقْنَ وَقْعَ السِّبْتِ تحتَ القَلائدِ
وَيُقَالُ: حَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، وحَسَرَ البَيْضَةَ عَنْ رأْسه، وحَسَرَتِ الريحُ السحابَ حَسْرًا.
الْجَوْهَرِيُّ: الِانْحِسَارُ الِانْكِشَافُ.
حَسَرْتُ كُمِّي عَنْ ذِرَاعِي أَحْسِرُه حَسْرًا: كَشَفْتُ.
والحَسْرُ والحَسَرُ والحُسُورُ: الإِعْياءُ والتَّعَبُ.
حَسَرَتِ الدابةُ وَالنَّاقَةُ حَسْرًا واسْتَحْسَرَتْ: أَعْيَتْ وكَلَّتْ، يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى؛ وحَسَرَها السَّيْرُ يَحْسِرُها ويَحْسُرها حَسْرًا وحُسُورًا وأَحْسَرَها وحَسَّرَها؛ قَالَ:
إِلَّا كَمُعْرِضِ المُحَسِّر بَكْرَهُ، ***عَمْدًا يُسَيِّبُنِي عَلَى الظُّلْمِ
أَراد إِلَّا مُعرضًا فَزَادَ الكاف؛ ودابة حاسِرٌ حاسِرَةٌ وحَسِيرٌ، الذَّكَرُ والأُنثى سَوَاءٌ، وَالْجَمْعُ حَسْرَى مِثْلُ قَتِيلٍ وقَتْلَى.
وأَحْسَرَ القومُ: نَزَلَ بِهِمُ الحَسَرُ.
أَبو الْهَيْثَمِ: حَسِرَتِ الدَّابَّةُ حَسَرًا إِذا تَعِبَتْ حَتَّى تُنْقَى، واسْتَحْسَرَتْ إِذا أَعْيَتْ.
قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَلا يَسْتَحْسِرُونَ}.
وَفِي الْحَدِيثِ: «ادْعُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَسْتَخْسِرُوا»؛ أَي لَا تَمَلُّوا؛ قَالَ: وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ حَسَرَ [حَسِرَ] إِذا أَعيا وَتَعِبَ.
وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: «وَلَا يَحْسِرُ [يَحْسَرُ] صَائِحُهَا»؛ أي لَا يَتْعَبُ سَائِقُهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «الحَسِيرُ لَا يُعْقَرُ»؛ أَي لَا يَجُوزُ لِلْغَازِي إِذا حَسِرَتْ دَابَّتُهُ وأَعيت أَن يَعْقِرَها، مَخَافَةَ أَن يأْخذها الْعَدُوُّ وَلَكِنْ يُسَيِّبُهَا، قَالَ: وَيَكُونُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «حَسَرَ أَخي فَرَسًا لَهُ»؛ يَعْنِي النَّمِرَ وَهُوَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.
وَيُقَالُ فِيهِ: أَحْسَرَ أَيضًا.
وحَسِرَتِ الْعَيْنُ: كَلَّتْ.
وحَسَرَها بُعْدُ مَا حَدَّقَتْ إِليه أَو خفاؤُه يَحْسُرُها: أَكَلَّها؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " يَحْسُرُ طَرْفَ عَيْنِه فَضاؤُه "وحَسَرَ بَصَرُه يَحْسِرُ حُسُورًا أَي كَلَّ وَانْقَطَعَ نَظَرُهُ مِنْ طُولِ مَدًى وَمَا أَشبه ذَلِكَ، فَهُوَ حَسِير ومَحْسُورٌ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيُّ يَصِفُ نَاقَةً:
إِنَّ العَسِيرَ بِهَا دَاءٌ مُخامِرُها، ***فَشَطْرَها نَظَرُ العينينِ مَحْسُورُ
الْعَسِيرُ: النَّاقَةُ الَّتِي لَمْ تُرَضْ، وَنَصَبَ شَطْرَهَا عَلَى الظَّرْفِ أَي نَحْوَها.
وبَصَرٌ حَسير: كَلِيلٌ.
وَفِي التَّنْزِيلِ: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: يُرِيدُ يَنْقَلِبُ صَاغِرًا وَهُوَ حَسِيرٌ أَي كَلِيلٌ كَمَا تَحْسِرُ الإِبلُ إِذا قُوِّمَتْ عَنْ هُزال وكَلالٍ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}؛ قَالَ: نَهَاهُ أَن يُعْطِيَ كُلَّ مَا عِنْدَهُ حَتَّى يَبْقَى مَحْسُورًا لَا شَيْءَ عِنْدَهُ؛ قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ حَسَرْتُ الدَّابَّةَ إِذا سَيَّرتها حَتَّى يَنْقَطِعَ سَيْرُها؛ وأَما الْبَصَرُ فإِنه يَحْسِرُ [يَحْسَرُ] عِنْدَ أَقصى بُلُوغِ النَّظَرِ؛ وحَسِرَ يَحْسَرُ حَسَرًا وحَسْرَةً وحَسَرانًا، فَهُوَ حَسِيرٌ وحَسْرانُ إِذا اشْتَدَّتْ نَدَامَتُهُ عَلَى أَمرٍ فَاتَهُ؛ وَقَالَ الْمَرَّارُ:
مَا أَنا اليومَ عَلَى شَيْءٍ خَلا، ***يَا ابْنَة القَيْن، تَوَلَّى بِحَسِرْ
والتَّحَسُّر: التَّلَهُّفُ.
وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ فِي قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ}؛ قَالَ: هَذَا أَصعب مسأَلة فِي الْقُرْآنِ إِذا قَالَ الْقَائِلُ: مَا الْفَائِدَةُ فِي مُنَادَاةِ الْحَسْرَةِ، وَالْحَسْرَةُ مِمَّا لَا يُجِيبُ؟ قَالَ: وَالْفَائِدَةُ فِي مُنَادَاتِهَا كَالْفَائِدَةِ فِي مُنَادَاةِ مَا يَعْقِلُ لأَن النِّدَاءَ بَابُ تَنْبِيهٍ، إِذا قُلْتَ يَا زَيْدُ فإِن لَمْ تَكُنْ دَعَوْتَهُ لِتُخَاطِبَهُ بِغَيْرِ النِّدَاءِ فَلَا مَعْنَى لِلْكَلَامِ، وإِنما تَقُولُ يَا زَيْدُ لِتُنَبِّهَهُ بِالنِّدَاءِ، ثُمَّ تَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا، أَلا تَرَى أَنك إِذا قُلْتَ لِمَنْ هُوَ مُقْبِلٌ عَلَيْكَ: يَا زَيْدُ، مَا أَحسن مَا صَنَعْتَ؛ فَهُوَ أَوكد مِنْ أَن تَقُولَ لَهُ: مَا أَحسن مَا صَنَعْتَ، بِغَيْرِ نِدَاءٍ؛ وَكَذَلِكَ إِذا قُلْتَ للمخاطَب: أَنا أَعجب مِمَّا فَعَلْتَ، فَقَدْ أَفدته أَنك مُتَعَجِّبٌ، وَلَوْ قُلْتَ: وا عجباه مِمَّا فَعَلْتَ، وَيَا عَجَبَاهُ أَن تَفْعَلَ كَذَا كَانَ دعاؤُك العَجَبَ أَبلغ فِي الْفَائِدَةِ، وَالْمَعْنَى يَا عَجَبًا أَقبل فإِنه مِنْ أَوقاتك، وإِنما النِّدَاءُ تَنْبِيهٌ للمتعجَّب مِنْهُ لَا لِلْعَجَبِ.
والحَسْرَةُ: أَشدَّ النَّدَمِ حَتَّى يَبْقَى النَّادِمُ كالحَسِيرِ مِنَ الدَّوَابِّ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ.
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ}؛ أَي حَسْرَةً وَتَحَسُّرًا.
وحَسَرَ البحرُ عَنِ العِراقِ والساحلِ يَحْسُرُ [يَحْسِرُ]: نَضَبَ عَنْهُ حَتَّى بَدَا مَا تَحْتَ الْمَاءِ مِنَ الأَرض.
قَالَ الأَزهري: وَلَا يُقَالُ انْحَسَرَ البحرُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَقُومُ الساعة حتى يَحْسُرُ [يَحْسِرُ] الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ»؛ أَي يَكْشِفَ.
يُقَالُ: حَسَرْتُ الْعِمَامَةَ عَنْ رأْسي وَالثَّوْبَ عَنْ بَدَنِي أَي كَشَفْتُهُمَا؛ وأَنشد: " حَتَّى يقالَ حاسِرٌ وَمَا حَسَرْ "وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: حَسَرَ الماءُ ونَضَبَ وجَزَرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ فِي الحُسُورِ بِمَعْنَى الِانْكِشَافِ:
إِذا مَا القَلاسِي والعَمائِمُ أُخْنِسَتْ، ***فَفِيهنَّ عَنْ صُلْعِ الرجالِ حُسُورُ
قَالَ الأَزهري: وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ:
كَجَمَلِ الْبَحْرِ، إِذا خاضَ جَسَرْ ***غَوارِبَ اليَمِّ إِذا اليَمُّ هَدَرْ،
حَتَّى يقالَ: حاسِرٌ وَمَا حَسَرْ.
يَعْنِي الْيَمَّ.
يُقَالُ: حاسِرٌ إِذا جَزَرَ، وَقَوْلُهُ إِذا خَاضَ جَسَرَ، بِالْجِيمِ، أَي اجترأَ وَخَاضَ مُعْظَمَ الْبَحْرِ وَلَمْ تَهُلْهُ اللُّجَجُ.
وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ: «مَا مِنْ لَيْلَةٍ إِلَّا مَلَكٌ يَحْسِرُ عَنْ دوابِّ الغُزاةِ الكَلالَ» أَي يَكْشِفُ، وَيُرْوَى: يَحُسُّ، وسيأْتي ذِكْرُهُ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: «ابْنُوا المساجدَ حُسَّرًا فإِن ذَلِكَ سِيَّمَا الْمُسْلِمِينَ»؛ أي مَكْشُوفَةَ الجُدُرِ لَا شُرَفَ لَهَا؛ وَمِثْلُهُ حَدِيثِ أَنس، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ابْنُوا الْمَسَاجِدَ جُمًّا.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «فأَخذتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وحَسَرْتُه»؛ يُرِيدُ غُصْنًا مِنْ أَغصان الشَّجَرَةِ؛ أي قَشَرْتُهُ بِالْحَجَرِ.
وَقَالَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ عرا، عِنْدَ قَوْلِهِ جَارِيَةٌ حَسَنَةُ المُعَرَّى وَالْجَمْعُ المَعارِي، قَالَ: والمَحاسِرُ مِنَ المرأَة مِثْلُ المَعارِي.
قَالَ: وَفَلَاةٌ عَارِيَةُ الْمَحَاسِرِ إِذا لَمْ يَكُنْ فِيهَا كِنٌّ مِنْ شَجَرٍ، ومَحاسِرُها: مُتُونُها الَّتِي تَنْحَسِرُ عَنِ النَّبَاتِ.
وانْحَسَرتِ الطَّيْرُ: خَرَجَتْ مِنَ الرِّيشِ الْعَتِيقِ إِلى الْحَدِيثِ.
وحَسَّرَها إِبَّانُ ذَلِكَ: ثَقَّلَها، لأَنه فُعِلَ فِي مُهْلَةٍ.
قَالَ الأَزهري: وَالْبَازِي يَكْرِزُ للتَّحْسِيرِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْجَوَارِحِ تَتَحَسَّرُ.
وتَحَسَّر الوَبَرُ عَنِ الْبَعِيرِ والشعرُ عَنِ الْحِمَارِ إِذا سَقَطَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
تَحَسَّرَتْ عِقَّةٌ عَنْهُ فَأَنْسَلَها، ***واجْتَابَ أُخْرَى حَدِيدًا بعدَ ما ابْتَقَلا
وتَحَسَّرَتِ النَّاقَةُ وَالْجَارِيَةُ إِذا صَارَ لَحْمُهَا فِي مواضعه؛ " قَالَ لَبِيدٌ:
فإِذا تَغالى لَحْمُها وتَحَسَّرَتْ، ***وتَقَطَّعَتْ، بَعْدَ الكَلالِ، خِدامُها
قَالَ الأَزهري: وتَحَسُّرُ لحمِ الْبَعِيرِ أَن يَكُونَ لِلْبَعِيرِ سِمْنَةٌ حَتَّى كَثُرَ شَحْمُهُ وتَمَكَ سَنامُه، فإِذا رُكب أَيامًا فَذَهَبَ رَهَلُ لحمه واشتدّ بعد ما تَزَيَّمَ مِنْهُ فِي مَوَاضِعِهِ، فَقَدْ تَحَسَّرَ.
وَرَجُلٌ مُحَسَّر: مُؤْذًى محتقر.
وفي الْحَدِيثُ: يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رجلٌ يُسَمَّى أَمِيرَ العُصَبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُسَمَّى أَمير الغَضَبِ.
أَصحابه مُحَسَّرُونَ مُحَقَّرُونَ مُقْصَوْنَ عَنْ أَبواب السُّلْطَانِ وَمَجَالِسِ الْمُلُوكِ، يأْتونه مِنْ كُلِّ أَوْبٍ كأَنهم قَزَعُ الْخَرِيفِ يُوَرِّثُهُم اللَّهُ مشارقَ الأَرض ومغاربَها "؛ مُحَسَّرُونَ مُحَقَّرُونَ أَي مؤْذون مَحْمُولُونَ عَلَى الْحَسْرَةِ أَو مَطْرُودُونَ مُتْعَبُونَ مِنْ حَسَرَ الدَّابَّةَ إِذا أَتعبها.
أَبو زَيْدٍ: فَحْلٌ حاسِرٌ وفادرٌ وجافِرٌ إِذا أَلْقَحَ شَوْلَه فَعَدَل عَنْهَا وَتَرَكَهَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: رُوِيَ هَذَا الْحَرْفُ فَحْلٌ جَاسِرٌ، بِالْجِيمِ، أَي فَادِرٌ، قَالَ: وأَظنه الصَّوَابَ.
والمِحْسَرَة: المِكْنَسَةُ.
وحَسَرُوه يَحْسِرُونَه حَسْرًا وحُسْرًا: سأَلوه فأَعطاهم حَتَّى لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ شَيْءٌ.
والحَسارُ: نَبَاتٌ يَنْبُتُ فِي الْقِيعَانِ والجَلَد وَلَهُ سُنْبُل وَهُوَ مِنْ دِقّ المُرَّيْقِ وقُفُّهُ خَيْرٌ مِنْ رَطْبِه، وَهُوَ يَسْتَقِلُّ عَنِ الأَرض شَيْئًا قَلِيلًا يُشْبِهُ الزُّبَّادَ إِلَّا أَنه أَضخم مِنْهُ وَرَقًا؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الحَسارُ عُشْبَةٌ خَضْرَاءُ تُسَطَّحُ عَلَى الأَرض وتأْكلها الْمَاشِيَةُ أَكلًا شَدِيدًا؛ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ حِمَارًا وأُتنه:
يأْكلنَ مِنْ بُهْمَى وَمِنْ حَسارِ، ***ونَفَلًا لَيْسَ بِذِي آثارِ
يَقُولُ: هَذَا الْمَكَانُ قَفْرٌ لَيْسَ بِهِ آثَارٌ مِنَ النَّاسِ وَلَا الْمَوَاشِي.
قَالَ: وأَخبرني بَعْضُ أَعراب كَلْبٍ أَن الحَسَار شَبِيهٌ بالحُرْفِ فِي نَبَاتِهِ وَطَعْمِهِ يَنْبُتُ حِبَالًا عَلَى الأَرض؛ قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُ الرُّوَاةِ أَنه شَبِيهٌ بِنَبَاتِ الجَزَرِ.
اللَّيْثُ: الحَسار ضَرْبٌ مِنَ النَّبَاتِ يُسْلِحُ الإِبلَ.
الأَزهري: الحَسَارُ مِنَ الْعُشْبِ يَنْبُتُ فِي الرِّيَاضِ، الْوَاحِدَةُ حَسَارَةٌ.
قَالَ: ورجْلُ الْغُرَابِ نَبْتٌ آخَرُ، والتَّأْوِيلُ عُشْبٌ آخَرُ.
وَفُلَانٌ كَرِيمُ المَحْسَرِ أَي كِرِيمُ المَخْبَرِ.
وَبَطْنٌ مُحَسِّر، بِكَسْرِ السِّينِ: مَوْضِعٌ بِمِنَى وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُهُ، وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ، وَقِيلَ: هُوَ وَادٍ بَيْنَ عرفات ومنى.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
99-لسان العرب (غور)
غور: غَوْرُ كلِّ شَيْءٍ: قَعْرُه.يُقَالُ: فُلَانٌ بَعِيدُ الغَوْر.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه سَمِع نَاسًا يَذْكُرُونَ القَدَرَ فَقَالَ: إِنَّكُمْ قَدْ أُخذتم فِي شِعْبَين بَعيدَي الغَوْرِ»؛ غَوْرُ كُلِّ شَيْءٍ: عُمْقه وبُعْده، أَي يَبْعُدأَن تُدْرِكُوا حقيقةَ عِلْمِهِ كَالْمَاءِ الغائرِ الَّذِي لَا يُقْدَر عَلَيْهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ: " وَمَنْ أَبْعَدُ غَوْرًا فِي الْبَاطِلِ مِنِّي.
وغَوْرُ تهامةَ: مَا بَيْنَ ذَاتِ عرْق والبحرِ وَهُوَ الغَوْرُ، وَقِيلَ: الغَوْرُ تهامةُ وَمَا يَلِي اليمنَ.
قَالَ الأَصمعي: مَا بَيْنَ ذَاتِ عِرْقٍ إِلَى الْبَحْرِ غَوْرٌ وَتِهَامَةُ.
وَقَالَ الْبَاهِلِيُّ: كُلُّ مَا انْحَدَرَ مَسِيلُهُ، فَهُوَ غَوْرٌ.
وغارَ القومُ غَوْرًا وغُؤُورًا وأَغارُوا وغَوَّرُوا وتَغَوَّرُوا: أَتَوا الغَوْرَ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
يَا أُمَّ حزْرة، مَا رأَينا مِثْلَكم ***فِي المُنْجدِينَ، وَلَا بِغَوْرِ الغائِرِ
وَقَالَ الأَعشى:
نَبيّ يَرَى مَا لَا تَرَون، وذِكْرُه ***أَغارَ، لَعَمْري، فِي الْبِلَادِ وأَنْجدا
وَقِيلَ: غارُوا وأَغاروا أَخذوا نَحْوَ الغَوْر.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَغارَ لُغَةٌ بِمَعْنَى غارَ، وَاحْتَجَّ بِبَيْتِ الأَعشى.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: وَقَدْ رُوِيَ بيتُ الأَعشى مخروم النِّصْفِ: غارَ، لَعَمْرِي، فِي الْبِلَادِ وأَنْجَدا "وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: غارَ يَغُورُ غَوْرًا أَي أَتى الغَور، فَهُوَ غائِرٌ.
قَالَ: وَلَا يُقَالُ أَغارَ؛ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: " أَغار، لعمرِي، فِي الْبِلَادِ وأَنجدا "فَقَالَ الأَصمعي: أَغارَ بِمَعْنَى أَسرع وأَنجد أَي ارْتَفَعَ وَلَمْ يُرِدْ أَتى الغَوْرَ وَلَا نَجْدًا؛ قَالَ: وَلَيْسَ عِنْدَهُ فِي إِتْيَانِ الغَوْر إِلَّا غارَ؛ وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنها لُغَةٌ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْبَيْتِ، قَالَ: وناسٌ يَقُولُونَ أَغارَ وأَنجد، فإِذا أَفْرَدُوا قَالُوا: غارَ، كَمَا قَالُوا: هَنَأَني الطعامُ ومَرَأَني، فإِذا أَفردوا قَالُوا: أَمْرَأَنِي.
ابْنُ الأَعرابي: تَقُولُ مَا أَدري أَغارَ فلانٌ أَم مَارَ؛ أَغارَ: أَتَى الغَوْرَ، ومارَ: أَتَى نَجْدًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه أَقطع بلالَ بنَ الْحَرْثِ مَعادِنَ القَبَلِيَّة جَلْسِيَّها وغَوْرِيَّها»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الغَورُ مَا انْخَفَضَ مِنَ الأَرض، والجَلْسُ مَا ارْتَفَعَ مِنْهَا.
يُقَالُ: غارَ إِذَا أَتى الغَوْرَ، وأَغارَ أَيضًا، وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ؛ وَقَالَ جَمِيلٌ:
وأَنتَ امرؤٌ مِنْ أَهل نَجْدٍ، وأَهْلُنا ***تِهامٌ، وَمَا النَّجْدِيّ والمُتَغَوّرُ؟
والتَّغْوِيرُ: إِتْيَانُ الغَوْر.
يُقَالُ: غَوَّرْنا وغُرْنا بِمَعْنًى.
الأَصمعي: غارَ الرجلُ يَغُورُ إِذَا سارَ فِي بِلَادِ الغَورِ؛ هَكَذَا قَالَ الْكِسَائِيُّ؛ وأَنشد بَيْتَ جَرِيرٍ أَيضًا: " فِي المنْجِدينَ وَلَا بِغَوْر الْغَائِرِ "وغارَ فِي الشيء غَوْرًا وغُؤورًا وغِيارًا، عَنْ سِيبَوَيْهِ: دَخَلَ.
وَيُقَالُ: إِنَّكَ غُرْتَ فِي غَيْرِ مَغارٍ؛ مَعْنَاهُ طَلَبْتَ فِي غَيْرِ مطْلَبٍ.
وَرَجُلٌ بَعِيدُ الغَوْرِ أَي قَعِيرُ الرأْي جيّدُه.
وأَغارَ عَيْنَه وغارَت عينُه تَغُورُ غَوْرًا وغُؤورًا وغَوَّرَتْ: دَخَلَتْ فِي الرأْس، وغَارت تَغارُ لُغَةٌ فِيهِ؛ وَقَالَ الأَحمر:
وَسَائِلَةٍ بظَهْر الغَيْبِ عَنِّي: ***أَغارَت عينُه أَم لَمْ تَغارا؟
وَيُرْوَى:
ورُبَّتَ سائلٍ عنِّي خَفِيٍّ: ***أَغارت عينهُ أَمْ لَمْ تَغارا؟
وَغَارَ الماءُ غَوْرًا وغُؤورًا وغَوَّرَ: ذَهَبَ فِي الأَرض وسَفَلَ فِيهَا.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: غارَ الماءُ وغَوَّرَ ذَهَبَ فِي الْعُيُونِ.
وماءٌ غَوْرٌ: غَائِرٌ، وُصِفَ بِالْمَصْدَرِ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْرًا}؛ سُمِّيَ بِالْمَصْدَرِ، كَمَا يُقَالُ: ماءٌ سَكْبٌ وأُذُنٌ حَشْرٌوَدِرْهَمٌ ضَرْبٌ أَي ضُرب ضَرْبًا.
وغارَت الشمسُ تَغُور غِيارًا وغُؤورًا وغَوَّرت: غَرَبَتْ، وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ وَالنُّجُومُ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
هَلِ الدَّهْرُ إِلَّا لَيْلةٌ ونَهارُها، ***وَإِلَّا طلُوع الشَّمْسِ ثُمَّ غِيارُها؟
والغارُ: مَغارةٌ فِي الْجَبَلِ كالسَّرْب، وَقِيلَ: الغارُ كالكَهْف فِي الْجَبَلِ، وَالْجَمْعُ الغِيرانُ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ شِبْهُ الْبَيْتِ فِيهِ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ الْمُنْخَفِضُ فِي الْجَبَلِ.
وَكُلُّ مُطْمَئِنٍ مِنَ الأَرض: غارٌ؛ قَالَ:
تؤمُّ سِنانًا، وَكَمْ دُونه ***مِنَ الأَرض مُحْدَوْدِبًا غارُها
والغَوْرُ: الْمُطْمَئِنُ مِنَ الأَرض.
والغارُ: الجُحْرُ الَّذِي يأْوي إِلَيْهِ الْوَحْشِيُّ، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، الْقَلِيلُ: أَغوارٌ؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي، والكثيرُ: غِيرانُ.
والغَوْرُ: كَالْغَارِ فِي الْجَبَلِ.
والمَغارُ والمَغارةُ: كالغارِ؛ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا}؛ وَرُبَّمَا سَمَّوْا مكانِسَ الظِّبَاءِ مَغارًا؛ قَالَ بِشْرٌ:
كأَنَّ ظِباءَ أَسْنُمةٍ عَلَيْهَا ***كَوانِس، قَالِصًا عَنْهَا المَغارُ
وَتَصْغِيرُ الغارِ غُوَيْرٌ.
وغارَ فِي الأَرض يَغُورُ غَوْرًا وغُؤورًا: دَخَلَ.
والغارُ: مَا خَلْفَ الفَراشة مِنْ أَعلى الْفَمِ، وَقِيلَ: هُوَ الأُخدود الَّذِي بَيْنَ اللَّحْيين، وَقِيلَ: هُوَ دَاخِلُ الْفَمِ، وَقِيلَ: غارُ الْفَمِ نِطْعاه فِي الْحَنَكَيْنِ.
ابْنُ سِيدَهْ: الغارانِ العَظْمان اللَّذَانِ فِيهِمَا الْعَيْنَانِ، والغارانِ فمُ الإِنسان وفرجُه، وَقِيلَ: هُمَا الْبَطْنُ وَالْفَرْجُ؛ وَمِنْهُ قِيلَ: الْمَرْءُ يَسْعَى لِغارَيْه؛ وَقَالَ:
أَلم تَرَ أَنَّ الدهْرَ يومٌ وَلَيْلَةٌ، ***وأَنَّ الفتَى يَسْعَىْ لِغارَيْهِ دَائِبَا؟
والغارُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ.
ابْنُ سِيدَهْ: الغارُ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ، وَقِيلَ: الْجَيْشُ الْكَثِيرُ؛ يُقَالُ: الْتَقَى الْغَارَانِ أَي الْجَيْشَانِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَحْنَفِ فِي انْصِرَافِ الزُّبَيْرِ عَنْ وَقْعَةِ الْجَمَلِ: وَمَا أَصْنَعُ بِهِ إِنْ كَانَ جَمَعَ بَيْنَ غارَيْنِ مِنَ النَّاسِ ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَذَهَبَ؟ والغارُ: وَرَقُ الكَرْمِ؛ وَبِهِ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الأَخطل:
آلَتْ إِلَى النِّصف مِنْ كَلفاءَ أَترَعَها ***عِلْجٌ، ولَثَّمها بالجَفْنِ والغارِ
والغارُ: ضَرْبٌ مِنَ الشَّجَرِ، وَقِيلَ: شَجَرٌ عِظَامٌ لَهُ وَرَقٌ طِوَالٌ أَطول مِنْ وَرَقِ الخِلاف وحَمْلٌ أَصغر مِنَ الْبُنْدُقِ، أَسود يُقَشَّرُ لَهُ لُبٌّ يَقَعُ فِي الدَّوَاءِ، ورقُه طَيِّبُ الرِّيحِ يَقَعُ فِي العِطر، يُقَالُ لِثَمَرِهِ الدَّهْمَشْتُ، وَاحِدَتُهُ غارةٌ، وَمِنْهُ دُهْنُ الغارِ؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
رُبَّ نارٍ بِتُّ أَرْمُقُها، ***تَقْضَمُ الهِنْدِيَّ وَالْغَارَا
اللَّيْثُ: الغارُ نَبَاتٌ طَيِّبُ الرِّيحِ عَلَى الوُقود، وَمِنْهُ السُّوس.
وَالْغَارُ: الْغُبَارُ؛ عَنْ كُرَاعٍ.
وأَغارَ الرجلُ: عَجِلَ فِي الشَّيْءِ وَغَيَّرَهُ.
وأَغار فِي الأَرض: ذَهَبُ، وَالِاسْمُ الْغَارَةُ.
وعَدَا الرجلُ غارةَ الثَّعْلَبِ أَي مِثْلَ عَدْوِه فَهُوَ مَصْدَرٌ كالصَّماء، مِنْ قَوْلِهِمُ اشْتَملَ الصَّماءَ؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:
فَعَدِّ طِلابَها، وتَعَدَّ عَنْهَا ***بِحَرْفٍ، قَدْ تُغِيرُ إِذَا تَبُوعُ
وَالِاسْمُ الغَويِرُ؛ قال ساعدة يبن جُؤَيَّةَ:
بَساقٍ إِذَا أُولى العَديِّ تَبَدَّدُوا، ***يُخَفِّضُ رَيْعانَ السُّعاةِ غَوِيرُها
والغارُ: الخَيْل المُغِيرة؛ قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ مَعْرُوفٍ:
ونحنُ صَبَحْنا آلَ نَجْرانَ غَارَةً: ***تَمِيمَ بنَ مُرٍّ والرِّماحَ النَّوادِسا
يَقُولُ: سَقَيْنَاهُمْ خَيْلًا مُغِيرة، وَنَصَبَ تَمِيمَ بْنَ مُرٍّ عَلَى أَنه بَدَلٌ مِنْ غَارَةٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَلَا يَصِحُّ أَن يَكُونَ بَدَلًا مِنْ آلِ نَجْرَانَ لِفَسَادِ الْمَعْنَى، إِذ الْمَعْنَى أَنهم صَبَحُوا أَهلَ نَجْرَانَ بِتَمِيمِ بْنِ مُرٍّ وَبِرِمَاحِ أَصحابه، فأَهل نَجْرَانَ هُمُ الْمَطْعُونُونَ بِالرِّمَاحِ، وَالطَّاعِنُ لَهُمْ تَمِيمٌ وأَصحابه، فَلَوْ جَعَلْتَهُ بَدَلًا مِنْ آلِ نَجْران لَانْقَلَبَ الْمَعْنَى فَثَبَتَ أَنها بَدَلٌ مِنْ غَارَةَ.
وأَغار عَلَى الْقَوْمِ إِغارَةً وغارَةً: دَفَعَ عَلَيْهِمُ الْخَيْلَ، وَقِيلَ: الإِغارة الْمَصْدَرُ وَالْغَارَةُ الِاسْمُ مِنَ الإِغارة عَلَى الْعَدُوِّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وتغاوَرَ الْقَوْمُ: أَغار بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
وغاوَرَهم مُغاورة، وأَغار عَلَى الْعَدُوِّ يُغير إِغارة ومُغارًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ دَخَلَ إِلَى طعامٍ لَمْ يُدْعَ إِليه دَخل سَارِقًا وَخَرَجَ مُغيرًا»؛ المُغير اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَغار يُغير إِذا نَهَب، شبَّه دُخوله عَلَيْهِمْ بدُخول السَّارِقِ وخروجَه بمَن أَغارَ عَلَى قَوْمٍ ونَهَبَهُم.
وَفِي حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: «كُنْتُ أُغاوِرُهم فِي الْجَاهِلِيَّةِ»أَي أُغِير عَلَيْهِمْ ويُغِيرُون عَلَيَّ، والمُغاورَة مُفاعلة؛ وَفِي قَوْلِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ: " وَبَيْضٌ تَلالا فِي أَكُفِّ المَغاوِرِ المَغاوِرُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ: جمعُ مُغاوِر بِالضَّمِّ، أَو جَمْعُ مِغْوار بِحَذْفِ الأَلف أَو حذْفِ الْيَاءِ مِنَ المَغاوِير.
والمِغْوارُ: المبالِغُ فِي الْغَارَةِ.
وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «بَعثَنا رسولُ اللَّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غَزارةٍ فَلَمَّا بَلَغْنا المُغارَ اسْتَحْثَثْتُ فرَسِي، قَالَ ابْنُ الأَثير: المُغارُ، بِالضَّمِّ، مَوْضِعُ الغارةِ كالمُقامِ مَوْضِعُ الإِقامة، وَهِيَ الإِغارةُ نَفْسُهَا أَيضًا.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «قَالَ يومَ الْجَمَلِ: مَا ظَنُّكَ بامرئٍ جمعَ بَيْنَ هَذَيْنِ الغارَيْنِ؟»أَي الجَيشين؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا أَخرجه أَبو مُوسَى فِي الْغَيْنِ وَالْوَاوِ؛ وَذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَيْنِ وَالْيَاءِ، وَذَكَرَ حَدِيثَ الأَحْنَف وَقَوْلَهُ فِي الزُّبَيْرِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: والجوهري ذَكَرَهُ فِي الْوَاوِ، قَالَ: والواوُ والياءُ مُتَقَارِبَانِ فِي الِانْقِلَابِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ فِتْنة الأَزْدِ: " ليَجْمعا بَيْنَ هَذَيْنِ الغارَيْن.
والغَارَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ الْخَيْلِ إِذا أَغارَتْ.
وَرَجُلٌ مِغْوار بَيِّنُ الغِوار: مُقَاتِلٌ كَثِيرُ الغاراتِ عَلَى أَعدائِه، ومُغاورٌ كَذَلِكَ؛ وقومٌ مَغاوِيرُ وَخَيْلٌ مغيرةٌ.
وفرسٌ مِغْوارٌ: سَرِيعٌ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: فرسٌ مِغوارٌ شَدِيدُ العَدْوِ؛ قَالَ طُفَيْلٌ:
عَناجِيج مِنْ آلِ الوَجِيه، ولاحِقٍ، ***مَغاويرُ فِيهَا للأَريب مُعَقَّبُ
اللَّيْثُ: فَرَسٌ مُغارٌ شَدِيدُ الْمَفَاصِلِ.
قَالَ الأَزهري: مَعْنَاهُ شدَّة الأَسْر كأَنه فُتِل فَتْلًا.
الْجَوْهَرِيُّ: أَغارَ أَي شدَّ العَدْوَ وأَسرع.
وأَغارَ الفرسُ إِغارةً وَغَارَةً: اشْتدّ عَدْوُه وأَسرع فِي الغارةِ وَغَيْرِهَا، والمُغِيرة والمِغيرة: الْخَيْلُ الَّتِي تُغِير.
وَقَالُوا فِي حَدِيثِ الْحَجِّ: «أَشْرِقْ ثَبِير كَيْما نُغِير» أَي نَنْفِر ونُسْرِع لِلنَّحْرِ وَنُدْفَعُ لِلْحِجَارَةِ؛ وَقَالَ يَعْقُوبُ: الإِغارةُ هُنَا الدَّفْعُ أَي نَدْفَعُ لِلنَّفْرِ، وَقِيلَ: أَرادَ نُغِير عَلَى لُحوم الأَضاحي، مِنَ الإِغارة: النهبِ، وَقِيلَ: نَدْخل فِي الغَوْرِ، وَهُوَ الْمُنْخَفِضُ مِنَ الأَرض عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ أَغارَ إِذا أَتى الغَوْرَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَغارَ إِغارَة الثعلبِ إِذا أَسْرع وَدَفَعَ فِي عَدْوِه.
وَيُقَالُ لِلْخَيْلِ المُغِيرة: غارةٌ.
وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ لِلْخَيْلِ إِذَا شُنَّت عَلَى حيٍّ نَازِلِينَ: فِيحِي فَياحِ أَي اتَّسِعي وَتَفَرَّقِي أَيتُها الْخَيْلُ بِالْحَيِّ، ثُمَّ قِيلَ لِلنَّهْبِ غَارَةٌ، وأَصلها الْخَيْلُ المُغيرة؛ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: " وغارةُ سِرْحانٍ وتقرِيبُ تَتْفُل والسِّرحان: الذِّئْبُ، وغارتهُ: شدَّةُ عَدْوِه.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَالْمُغِيراتِ صُبْحًا}.
وغارَني الرجلُ يَغيرُني ويَغُورُني إِذَا أَعطاه الدِّيَةَ؛ رَوَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي بَابِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ.
وأَغارَ فلانٌ بَنِي فُلَانٍ: جَاءَهُمْ لِيَنْصُرُوهُ، وَقَدْ تُعَدَّى بِإِلَى.
وغارَهُ بِخَيْرٍ يَغُورُه ويَغِيرُه أَي نَفَعَهُ.
وَيُقَالُ: اللَّهُمَّ غُرْنا غِرْنا مِنْكَ بِغَيْثٍ وَبِخَيْرٍ أَي أَغِثْنا بِهِ.
وغارَهم اللَّهُ بِخَيْرٍ يَغُورُهم ويَغِيرُهم: أَصابهم بِخصْب وَمَطَرٍ وَسَقَاهُمْ.
وغارَهم يَغُورُهم غَوْرًا ويَغِيرُهم: مارَهُم.
واسْتَغْوَرَ اللهَ: سأَله الغِيرةَ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
فَلَا تَعْجلا، واسْتَغْوِرا اللهَ، إِنّه ***إِذَا اللَّهُ سَنَّى عقْد شَيْءٍ تَيَسَّرا
ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: اسْتَغْوِرا مِنَ الميرَةِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَن مَعْنَاهُ اسأَلوه الخِصْبَ إِذ هُوَ مَيْرُ اللَّهِ خَلْقَه وَالِاسْمُ الغِيرةُ، وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْيَاءِ أَيضًا لأَن غَارَ هَذِهِ يَائِيَّةٌ وَوَاوِيَّةٌ.
وَغَارَ النَّهَارُ أَي اشْتَدَّ حَرُّهُ.
والتَّغْوِير: القَيْلولة.
يُقَالُ: غوِّروا أَي انْزِلُوا لِلْقَائِلَةِ.
وَالْغَائِرَةُ: نِصْفُ النَّهَارِ.
وَالْغَائِرَةُ: الْقَائِلَةُ.
وغَوَّر الْقَوْمُ تَغْويرًا: دَخَلُوا فِي الْقَائِلَةِ.
وَقَالُوا: وغَوَّروا نَزَلُوا فِي الْقَائِلَةِ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ الْكِلَابَ وَالثَّوْرَ:
وغَوَّرْنَ فِي ظِلِّ الْغَضَا، وتَرَكْنَه ***كقَرْم الهِجان الفادِرِ المُتَشَمِّس
وغَوَّروا: سَارُوا فِي الْقَائِلَةِ.
وَالتَّغْوِيرُ: نَوْمُ ذَلِكَ الْوَقْتِ.
وَيُقَالُ: غَوِّروا بِنَا فَقَدَ أَرْمَضْتُمونا أَي انْزِلُوا وَقْتَ الْهَاجِرَةِ حَتَّى تَبْرُد ثُمَّ تَرَوّحوا.
وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: التَّغْوِيرُ أَن يَسِيرَ الرَّاكِبُ إِلَى الزَّوَالِ ثُمَّ يَنْزِلَ.
ابْنُ الأَعرابي: المُغَوِّر النَّازِلُ نِصْفَ النَّهَارِ هُنَيْهة ثُمَّ يَرْحَلُ.
ابْنُ بُزُرْجَ: غَوَّر النَّهَارُ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ.
وَفِي حَدِيثِ السَّائِبِ: «لَمَّا وَرَدَ عَلَى عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِفَتْحِ نَهاوَنْدَ قَالَ: وَيْحَك ما وراءك؟ فو الله مَا بِتُّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ إِلَّا تَغْوِيرًا»؛ يُرِيدُ النَّوْمَةَ الْقَلِيلَةَ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ الْقَائِلَةِ.
يُقَالُ: غَوَّر الْقَوْمُ إِذَا قَالُوا، وَمَنْ رَوَاهُ تَغْرِيرًا جَعَلَهُ مِنَ الغِرار، وَهُوَ النَّوْمُ الْقَلِيلُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الإِفْك: " فأَتينا الْجَيْشَ مُغَوِّرِين "؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي روايةٍ، أَي وَقَدْ نَزَلُوا لِلْقَائِلَةِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: التَّغْوِير يَكُونُ نُزولًا لِلْقَائِلَةِ وَيَكُونُ سَيْرًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ والحجةُ لِلنُّزُولِ قولُ الرَّاعِي:
ونحْن إِلَى دُفُوفِ مُغَوِّراتٍ، ***يَقِسْنَ عَلَى الحَصى نُطَفًا لَقِينَا
وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ فِي التَّغْوير فَجَعَلَهُ سَيْرًا:
بَرَاهُنَّ تَغْوِيري، إِذَا الآلُ أَرْفَلَتْ ***بِهِ الشمسُ أَزْرَ الحَزْوَراتِ العَوانِكِ
وَرَوَاهُ أَبو عَمْرٍو: أَرْقَلَت، وَمَعْنَاهُ حَرَّكَتْ.
وأَرفلَت: بَلَغَتْ بِهِ الشَّمْسُ أَوساط الحَزْوَراتِ؛ وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
نَزَلْنَا وَقَدْ غَارَ النهارُ، وأَوْقَدَتْ، ***عَلَيْنَا حَصَى المَعزاءِ، شمسٌ تَنالُها
أَي مِنْ قُرْبِهَا كأَنك تَنَالُهَا.
ابْنُ الأَعرابي: الغَوْرَة هِيَ الشَّمْسُ.
وَقَالَتِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ لِبِنْتٍ لَهَا: هِيَ تَشْفِينِي مِنَ الصَّوْرَة، وَتَسْتُرُنِي مِنَ الغَوْرة؛ والصَّوْرة: الْحَكَّةُ.
اللَّيْثُ: يُقَالُ غارَتِ الشَّمْسُ غِيارًا؛ وأَنشد: " فلمَّا أَجَنَّ الشَّمْسَ عَنِي غيارُها "والإِغارَة: شِدَّةُ الفَتْل.
وَحَبْلٌ مُغارٌ: مُحْكَمُ الفَتْل، وَشَدِيدُ الغَارَةِ أَي شَدِيدُ الْفَتْلِ.
وأَغَرْتُ الحبلَ أَي فَتَلْتُهُ، فَهُوَ مُغارٌ؛ وَمَا أَشد غارَتَه والإِغارَةُ مَصْدَرٌ حَقِيقِيٌّ، والغَارَة اسْمٌ يَقُومُ مَقَامَ الْمَصْدَرِ؛ وَمِثْلُهُ أَغَرْتُ الشَّيْءَ إِغارَةً وغارَة وأَطعت اللَّهَ إِطاعةً وَطَاعَةً.
وَفَرَسٌ مُغارٌ: شَدِيدُ الْمَفَاصِلِ.
واسْتَغار فِيهِ الشَّحْم: اسْتَطَارَ وَسَمِنَ.
واسْتغارت الجَرْحَةُ والقَرْحَةُ: تورَّمت؛ وأَنشد لِلرَّاعِي:
رَعَتْهُ أَشهرًا وحَلا عَلَيْهَا، ***فطارَ النِّيُّ فِيهَا واسْتَغارا
وَيُرْوَى: فَسَارَ النِّيُّ فِيهَا أَي ارْتَفَعَ، وَاسْتَغَارَ أَي هَبَطَ؛ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: " تَصَوَّبَ الحسنُ عَلَيْهَا وارْتَقَى "قَالَ الأَزهري: مَعْنَى اسْتَغار فِي بَيْتِ الرَّاعِي هَذَا أَي اشْتَدَّ وصَلُب، يَعْنِي شَحْمَ النَّاقَةِ وَلَحَمَهَا إِذَا اكْتَنَز، كَمَا يَسْتَغير الحبلُ إِذَا أُغِيرَ أَي شدَّ فَتْلُهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اسْتَغار شَحْمُ الْبَعِيرِ إِذا دَخَلَ جَوْفَهُ، قَالَ: وَالْقَوْلُ الأَول.
الْجَوْهَرِيُّ: اسْتغار أَيْ سَمِنَ وَدَخَلَ فِيهِ الشحمُ.
ومُغِيرة: اسْمٌ.
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: مِغِيرَةُ، فَلَيْسَ اتباعُه لأَجل حَرْفِ الْحَلْقِ كشِعِيرٍ وبِعِيرٍ؛ إِنما هُوَ مِنْ بَابِ مِنْتِن، وَمِنْ قَوْلِهِمْ: أَنا أُخْؤُوك وابنؤُوك والقُرُفُصاء والسُّلُطان وَهُوَ مُنْحُدُر مِنَ الْجَبَلِ.
وَالْمُغِيرِيَّةُ: صِنْفٌ مِنَ السَّبَائِيَّةِ نُسِبُوا إِلَى مُغِيرَةَ بْنِ سَعِيدٍ مَوْلَى بَجِيلَةَ.
وَالْغَارُ: لُغَةٌ فِي الغَيْرَة؛ وَقَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يُشَّبِهُ غَلَيان الْقُدُورِ بِصَخَبِ الضَّرَائِرِ:
لَهُنّ نَشِيجٌ بالنَّشِيل كأَنها ***ضَرائر حِرْميٍّ، تَفَاحشَ غارُها
قَوْلُهُ لَهُنَّ، هُوَ ضَمِيرُ قُدورٍ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا.
ونَشِيجٌ غَلَيانٌ أَي تَنْشِج بِاللَّحْمِ.
وحِرْميّ: يَعْنِي مِنْ أَهل الحَرَم؛ شَبَّهَ غَلَيَانَ القُدُور وارتفاعَ صَوْتِهَا باصْطِخاب الضَّرَائِرِ، وَإِنَّمَا نَسَبَهُنَّ إِلَى الحَرم لأَن أَهل الحَرم أَول مَنِ اتَّخَذَ الضَّرَائِرَ.
وأَغار فلانٌ أَهلَه أَي تَزَوَّجَ عَلَيْهَا؛ حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ شَدِيدُ الغَارِ عَلَى أَهله، مِنَ الغَيْرَة.
وَيُقَالُ: أَغار الحبْلَ إِغَارَةً وغارَة إِذَا شدَّ فَتْله.
والغارُ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ، والغَوْرة والغوَيْر: مَاءٌ لِكَلْبٍ فِي نَاحِيَةِ السَّماوَة مَعْروف.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أُتِيَ عُمَرُ بمَنْبُوذٍ؛ فَقَالَ: " عَسَى الغُوَيْر أَبْؤُسَا "أَي عَسَى الرِّيبَةُ مِنْ قَبَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا لَا يُوَافِقُ مَذْهَبَ سِيبَوَيْهِ.
قَالَ الأَزهري: وَذَلِكَ أَن عُمَرَ اتَّهَمَه أَن يَكُونَ صَاحِبَ المَنْبوذ حَتَّى أَثْنَى عَلَى الرجُل عَرِيفُهُ خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ حينئذٍ: هُوَ حُرٌّ وَوَلاؤه لَكَ.
وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: كأَنه أَراد عَسَى الغُوَيْر أَن يُحْدِث أَبؤُسًا وأَن يأْتي بأَبؤُس؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
قَالُوا: أَساءَ بَنُو كُرْزٍ، فقلتُ لَهُمْ: ***عَسَى الغُوَيْرُ بِإِبْآسٍ وإِغْوارِ
وَقِيلَ: إِن الغُوَير تَصْغِيرُ غارٍ.
وَفِي الْمَثَلِ: عَسَى الغُوَيْر أَبؤُسا؛ قَالَ الأَصمعي: وأَصله أَنه كَانَ غارٌ فِيهِ نَاسٌ فانهارَ عَلَيْهِمْ أَو أَتاهم فِيهِ عَدُوٌّ فَقَتَلُوهُمْ فِيهِ، فَصَارَ مَثَلًا لِكُلِّ شيءٍ يُخاف أَن يأْتي مِنْهُ شَرٌّ ثُمَّ صغِّر الغارُ فَقِيلَ غُوَير؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وأَخبرني الْكَلْبِيُّ بِغَيْرِ هَذَا، زَعَمَ أَن الغُوَيْر مَاءٌ لِكَلْبٍ مَعْرُوفٌ بِنَاحِيَةِ السَّماوَة، وَهَذَا الْمَثَلُ إِنما تكلَّمت بِهِ الزِّباء لَمَّا وجَّهَت قَصِيرًا اللَّخْمِيَّ بالعِير إِلَى العِراق ليَحْمل لَهَا مِنْ بَزِّه، وَكَانَ قَصِير يطلُبها بثأْر جذِيمَة الأَبْرَش فحمَّل الأَجْمال صناديقَ فِيهَا الرجالُ وَالسِّلَاحُ، ثُمَّ" عدَل عَنِ الجادَّة المأْلوفة وتَنَكَّب بالأَجْمال الطَّريقَ المَنْهَج، وأَخذ عَلَى الغُوَيْر فأَحسَّت الشرَّ وَقَالَتْ: عَسَى الغُوَيْر أَبؤُسا، جَمْعُ بأْس، أَي عَساه أَن يأْتي بالبأْس والشرِّ، وَمَعْنَى عَسَى هَاهُنَا مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الأَثير فِي المَنْبُوذ الَّذِي قَالَ لَهُ عُمَرُ: عَسَى الغُوَيْر أَبؤُسا، قَالَ: هَذَا مثَل قَدِيمٌ يُقَالُ عِنْدَ التُّهَمة، والغُوَيْر تَصْغِيرُ غَارٍ، وَمَعْنَى المثَل: رُبَّمَا جَاءَ الشَّرُّ مِنْ مَعْدن الْخَيْرِ، وأَراد عُمَرُ بالمثَل لعلَّك زَنَيت بأُمِّه وَادَّعَيْتَهُ لَقِيطًا، فَشَهِدَ لَهُ جَمَاعَةٌ بالسَّتْر فَتَرَكَهُ.
وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: «فَسَاحَ ولَزِم أَطراف الأَرض وغِيرانَ الشِّعاب»؛ الغِيران جَمْعُ غارٍ وَهُوَ الكَهْف، وَانْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ الْغَيْنِ.
وأَما مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَهاهنا غُرْت»، فَمَعْنَاهُ إِلى هَذَا ذَهَبْتَ، واللَّه أَعلم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
100-لسان العرب (قدر)
قدر: القَدِيرُ والقادِرُ: مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَكُونَانِ مِنَ القُدْرَة وَيَكُونَانِ مِنَ التَّقْدِيرِ.وَقَوْلُهُ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}؛ مِنَ القُدْرة، فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مُقَدِّرُ كُلِّ شَيْءٍ وَقَاضِيهِ.
ابْنُ الأَثير: فِي أَسماء اللَّهِ تَعَالَى القادِرُ والمُقْتَدِرُ والقَدِيرُ، فَالْقَادِرُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ قَدَرَ يَقْدِرُ [يَقْدُرُ]، والقَدِير فَعِيلٌ مِنْهُ، وَهُوَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَالْمُقْتَدِرُ مُفْتَعِلٌ مِنِ اقْتَدَرَ، وَهُوَ أَبلغ.
التَّهْذِيبِ: اللَّيْثُ: القَدَرُ القَضاء المُوَفَّقُ.
يُقَالُ: قَدَّرَ الإِله كَذَا تَقْدِيرًا، وإِذا وَافَقَ الشيءُ الشيءَ قُلْتَ: جَاءَهُ قَدَرُه.
ابْنُ سِيدَهْ: القَدْرُ والقَدَرُ الْقَضَاءُ والحُكْم، وَهُوَ مَا يُقَدِّره اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ الْقَضَاءِ وَيَحْكُمُ بِهِ مِنَ الأُمور.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}؛ أَي الحُكْمِ، كَمَا قَالَ تعالى: {فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}؛ وأَنشد الأَخفش لهُدْبَة بنِ خَشْرَمٍ:
أَلا يَا لَقَوْمي للنوائبِ والقَدْرِ ***وللأَمْرِ يأْتي المَرءَ مِنْ حيثُ لَا يَدْري
وللأَرْض كَمْ مِنْ صَالِحٍ قَدْ تَوَدَّأَتْ ***عَلَيْهِ، فَوَارَتْهُ بلَمَّاعَةٍ قَفْرِ
فَلَا ذَا جَلالٍ هِبْنَهُ لجَلالِه، ***وَلَا ذَا ضَياعٍ هُنَّ يَتْرُكْنَ للفَقْرِ
تودّأَت عَلَيْهِ أَي اسْتَوَتْ عَلَيْهِ.
وَاللَّمَّاعَةُ: الأَرض الَّتِي يَلْمع فِيهَا السَّرابُ.
وَقَوْلُهُ: فَلَا ذَا جَلال انْتَصَبَ ذَا بإِضمار فِعْلٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ أَي فَلَا هِبْنَ ذَا جَلال، وَقَوْلُهُ: وَلَا ذَا ضَياع مَنْصُوبٌ بِقَوْلِهِ يَتْرُكْنَ.
والضَّياعُ، بِفَتْحِ الضَّادِ: الضَّيْعَةُ، وَالْمَعْنَى أَن الْمَنَايَا لَا تَغْفُلُ عَنْ أَحد، غَنِيًّا كَانَ أَو فَقِيرًا، جَليلَ القَدْر كَانَ أَو وَضِيعًا.
وَقَوْلُهُ تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}؛ أَي أَلف شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ؛ وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وَمَا صَبَّ رِجْلي فِي حديدِ مُجاشِعٍ، ***مَعَ القَدْرِ، إِلا حاجَةٌ لِي أُرِيدُها
والقَدَرُ: كالقَدْرِ، وجَمْعُهما جَمِيعَا أَقْدار.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: القَدَرُ الِاسْمُ، والقَدْرُ الْمَصَدْرُ؛ وأَنشد
كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى أَخِيكَ مَتاعُ؛ ***وبِقَدْرٍ تَفَرُّقٌ واجْتِماعُ
وأَنشد فِي الْمَفْتُوحِ:
قَدَرٌ أَحَلَّكَ ذَا النخيلِ، وَقَدْ أَرى، ***وأَبيكَ، مَا لَكَ، ذُو النَّخيلِ بدارِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا أَنشده بِالْفَتْحِ وَالْوَزْنُ يَقْبَلُ الْحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ.
وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي تُقَدَّر فِيهَا الأَرزاقُ وتُقْضى.
والقَدَرِيَّةُ: قَوْمٌ يَجْحَدُون القَدَرَ، مُوَلَّدةٌ.
التَّهْذِيبِ: والقَدَرِيَّة قَوْمٌ يُنْسَبُونَ إِلى التَّكَذِيبِ بِمَا قَدَّرَ اللهُ مِنَ الأَشياء، وَقَالَ بَعْضُ مُتَكَلِّمِيهِمْ: لَا يَلْزَمُنَا هَذَا اللَّقَبُ لأَنا نَنْفِي القَدَرَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ أَثبته فَهُوَ أَولى بِهِ، قَالَ: وَهَذَا تَمْوِيهٌ مِنْهُمْ لأَنهم يُثْبِتُونَ القَدَرَ لأَنفسهم وَلِذَلِكَ سُمُّوا؛ وَقَوْلُ أَهل السنَّة إِن علم الله سَبَقَ فِي الْبَشَرِ فَعَلِم كفْرَ مَن كَفَر مِنْهُمْ كَمَا عَلِم إِيمان مَن آمَنَ، فأَثبت عِلْمَهُ السَّابِقَ فِي الْخَلْقِ وَكَتَبَهُ، وكلُّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَكُتِبَ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَتَقْدِيرُ اللَّهِ الْخَلْقَ تَيْسِيرُهُ كُلًّا مِنْهُمْ لِمَا عَلِمَ أَنهم صَائِرُونَ إِليه مِنَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ، وَذَلِكَ أَنه عَلِمَ مِنْهُمْ قَبْلَ خَلْقِهِ إِياهم، فَكَتَبَ عِلْمَهُ الأَزليّ السَّابِقَ فِيهِمْ وقَدَّره تَقْدِيرًا؛ وقَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ يَقْدُرُه ويَقْدِرُه قَدْرًا وقَدَرًا، وقَدَّره عَلَيْهِ وَلَهُ؛ وَقَوْلُهُ:
مِنْ أَيّ يَوْمَيَّ مِنَ الموتِ أَفِرّ: ***أَيَومَ لَمْ يُقْدَرَ أَمْ يومَ قُدِرْ؟
فإِنه أَراد النُّونَ الْخَفِيفَةَ ثُمَّ حَذَفَهَا ضَرُورَةً فَبَقِيَتِ الرَّاءُ مَفْتُوحَةً كأَنه أَراد: يُقْدَرَنْ، وأَنكر بَعْضُهُمْ هَذَا فَقَالَ: هَذِهِ النُّونُ لَا تُحْذَفُ إِلا لِسُكُونٍ مَا بَعْدَهَا وَلَا سُكُونَ هَاهُنَا بَعْدَهَا؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَالَّذِي أَراه أَنا فِي هَذَا وَمَا عَلِمْتُ أَن أَحدًا مِنْ أَصحابنا وَلَا غَيْرِهِمْ ذَكَرَهُ، وَيُشْبِهِ أَن يَكُونُوا لَمْ يَذْكُرُوهُ للُطْفِه، هُوَ أَنْ يَكُونَ أَصله أَيوم لَمْ يُقْدَرْ أَم بِسُكُونِ الرَّاءِ لِلْجَزْمِ، ثُمَّ إِنها جاوَرَتِ الْهَمْزَةَ الْمَفْتُوحَةَ وَهِيَ سَاكِنَةٌ، وَقَدْ أَجرت الْعَرَبُ الْحَرْفَ السَّاكِنَ إِذا جَاوَرَ الْحَرْفَ الْمُتَحَرِّكَ مُجْرَى الْمُتَحَرِّكِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِيمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْعَرَبِ: الكَماةُ والمَراة، يُرِيدُونَ الكَمْأَةَ والمَرْأَةَ وَلَكِنَّ الْمِيمَ وَالرَّاءَ لَمَّا كَانَتَا سَاكِنَتَيْنِ، وَالْهَمْزَتَانِ بِعْدَهُمَا مَفْتُوحَتَانِ، صَارَتِ الْفَتْحَتَانِ اللَّتَانِ فِي الْهَمْزَتَيْنِ كأَنهما فِي الرَّاءِ وَالْمِيمِ، وَصَارَتِ الْمِيمُ وَالرَّاءُ كأَنهما مَفْتُوحَتَانِ، وَصَارَتِ الْهَمْزَتَانِ لَمَّا قُدِّرَتْ حَرَكَاتُهُمَا فِي غَيْرِهِمَا كأَنهما سَاكِنَتَانِ، فَصَارَ التَّقْدِيرُ فِيهِمَا مَرَأْةٌ وكَمَأْةٌ، ثُمَّ خُفِّفَتَا فأُبدلت الْهَمْزَتَانِ أَلفين لِسُكُونِهِمَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهُمَا، فَقَالُوا: مَرَاةٌ وكَماةٌ، كَمَا قَالُوا فِي رأْس وفأْس لَمَّا خُفِّفَتَا: رَاسٌ وَفَاسٌ، وَعَلَى هَذَا حَمَلَ أَبو عَلِيٍّ قَوْلَ عَبْدِ يَغُوثَ:
وتَضْحَكُ مِنّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ، ***كَأَنْ لَمْ تَرَا قَبْلي أَسيرًا يمَانِيا
قَالَ: جَاءَ بِهِ عَلَى أَن تَقْدِيرَهُ مُخَفَّفًا كأَن لَمْ تَرْأَ، ثُمَّ إِن الرَّاءَ السَّاكِنَةَ لَمَّا جَاوَرَتِ الْهَمْزَةَ وَالْهَمْزَةُ مُتَحَرِّكَةٌ صَارَتِ الْحَرَكَةُ كأَنها فِي التَّقْدِيرِ قَبْلَ الْهَمْزَةِ واللفظُ بِهَا لَمْ تَرَأْ، ثُمَّ أَبدل الْهَمْزَةَ أَلفًا لِسُكُونِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا فَصَارَتْ تَرا، فالأَلف عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بَدَلٌ مِنَ الْهَمْزَةِ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ، وَاللَّامُ مَحْذُوفَةٌ لِلْجَزْمِ عَلَى مَذْهَبِ التَّحْقِيقِ، وقَوْلِ مَنْ قَالَ: رَأَى يَرْأَى، وَقَدْ قِيلَ: إِن قَوْلَهُ تَرَا، عَلَى التَّخْفِيفِ السَّائِغِ، إِلا أَنه أَثبت الأَلف فِي مَوْضِعِ الْجَزْمِ تَشْبِيهًا بِالْيَاءِ فِي قَوْلُ الْآخَرِ:
أَلم يأْتيك، والأَنباءُ تَنْمِي، ***بِمَا لاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيادِ؟
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ أَلم يأْتك عَلَى ظَاهِرِ الجزْم؛ وأَنشده أَبو الْعَبَّاسِ عَنْ أَبي عُثْمَانَ عَنِ الأَصمعي: " أَلا هَل أَتاكَ والأَنباءُ تَنْمِي وَقَوْلُهُ تعالى: {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى عَلِمْنَا أَنها لَمِنَ الْغَابِرِينَ، وَقِيلَ: دَبَّرنا أَنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ أَي الْبَاقِينَ فِي الْعَذَابِ.
وَيُقَالُ: اسْتَقْدِرِ اللهَ خَيْرًا، واسْتَقْدَرَ اللهَ خَيْرًا سأَله أَنيَقْدُرَ لَهُ بِهِ؛ قَالَ:
فاسْتَقْدِرِ اللهَ خَيْرًا وارضَيَنَّ بِهِ، ***فبَيْنَما العُسْرُ إِذ دارتْ مَياسِيرُ
وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِخَارَةِ: «اللَّهُمَّ إِني أَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتك»أَي أَطلب مِنْكَ أَن تَجْعَلَ لِي عَلَيْهِ قُدْرَةً.
وقَدَرَ الرزقَ يَقْدِرُهُ [يَقْدُرُهُ]: قَسَمه.
والقَدْرُ والقُدْرَةُ والمِقْدارُ: القُوَّةُ؛ وقَدَرَ عَلَيْهِ يَقْدِرُ ويَقْدُرُ وقَدِرَ، بِالْكَسْرِ، قُدْرَةً وقَدارَةً وقُدُورَةً وقُدُورًا وقِدْرانًا وقِدارًا؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَفِي التَّهْذِيبِ: قَدَرانًا، واقْتَدَرَ وَهُوَ قادِرٌ وقَدِيرٌ وأَقْدَرَه اللهُ عَلَيْهِ، وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ المَقْدَرَة والمَقْدُرَة والمَقْدِرَةُ.
وَيُقَالُ: مَا لِي عَلَيْكَ مَقْدُرَة ومَقْدَرَة ومَقْدِرَة أَي قُدْرَة.
وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّ الذَّكاة فِي الحَلْقِ واللَّبَّة لِمَنْ قَدَرَ»؛ أي لِمَنْ أَمكنه الذبْحُ فِيهِمَا، فأَما النَّادُّ والمُتَرَدِّي فأَيْنَ اتَّفَقَ مِنْ جِسْمِهِمَا؛ ومنه قولهم: المَقْدِرَةُ [المَقْدُرَةُ] تُذْهِبُ الحَفِيظَةَ.
والاقتدارُ عَلَى الشَّيْءِ: القُدْرَةُ عَلَيْهِ، والقُدْرَةُ مَصْدَرُ قَوْلِكَ قَدَرَ عَلَى الشَّيْءِ قُدْرَة أَي مَلَكه، فَهُوَ قادِرٌ وقَدِيرٌ.
واقْتَدَرَ الشيءَ: جَعَلَهُ قَدْرًا.
وَقَوْلُهُ: عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ؛ أَي قادِرٍ.
والقَدْرُ: الغِنى واليَسارُ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ لأَنه كُلَّه قُوَّةٌ.
وَبَنُو قَدْراء: المَياسيرُ.
وَرَجُلٌ ذُو قُدْرَةٍ أَي ذُو يَسارٍ.
وَرَجُلٌ ذو مَقْدُرَة [مَقْدِرَة] أَي ذُو يَسَارٍ أَيضًا؛ وأَما مِنَ القَضاء والقَدَرِ فالمَقدَرَةُ، بِالْفَتْحِ، لَا غَيْرُ؛ قَالَ الهُذَليّ:
وَمَا يَبْقَى عَلَى الأَيّامِ شَيءٌ، ***فَيَا عَجَبًا لمَقْدَرَةِ الكتابِ
وقدْرُ كُلِّ شَيْءٍ ومِقْدارُه: مِقْياسُه.
وقَدَرَ الشيءَ بِالشَّيْءِ يَقْدُرُه قَدْرًا وقَدَّرَه: قاسَه.
وقادَرْتُ الرَّجُلَ مُقادَرَةً إِذا قَايَسْتَهُ وَفَعَلْتَ مِثْلَ فِعْلِهِ.
التَّهْذِيبِ: وَالتَّقْدِيرُ عَلَى وَجُوهٍ مِنَ الْمَعَانِي: أَحدها التَّرْوِيَةُ وَالتَّفْكِيرُ فِي تَسْوِيَةِ أَمر وَتَهْيِئَتِهِ، وَالثَّانِي تَقْدِيرُهُ بِعَلَامَاتٍ يَقْطَعُهُ عَلَيْهَا، وَالثَّالِثُ أَن تَنْوِيَ أَمرًا بِعَقْدِك تَقُولُ: قَدَّرْتُ أَمر كَذَا وَكَذَا أَي نويتُه وعَقَدْتُ عَلَيْهِ.
وَيُقَالُ: قَدَرْتُ لأَمْرِ كَذَا أَقْدِرُ لَهُ وأَقْدُرُ قَدْرًا إِذا نَظَرْتَ فِيهِ ودَبَّرْتَه وَقَايَسْتَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ" عَائِشَةَ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا: فاقْدُرُوا قَدْرَ الجاريةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْمُسْتَهْيِئَةِ لِلنَّظَرِ "أَي قَدِّرُوا وَقَايِسُوا وَانْظُرُوهُ وافْكِرُوا فِيهِ.
شَمِرٌ: يُقَالُ قَدَرْتُ أَي هيأْت وقَدَرْتُ أَي أَطَقْتُ وقَدَرْتُ أَي مَلَكْتُ وقَدَرْتُ أَي وَقَّتُّ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فَقَدَرْتُ للوِرْدِ المُغَلِّسَ غُدْوَةً، ***فَوَرَدْتُ قَبْلَ تَبَيُّنِ الأَلْوانِ
وَقَالَ الأَعشى:
فاقْدُرْ بذَرْعِكَ بينَنا، ***إِن كنتَ بَوَّأْتَ القَدارَهْ
بَوَّأْتَ: هَيَّأْتَ.
قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: اقْدُر بذَرْعِك بَيْنَنَا أَي أَبْصِرْ واعْرِفْ قَدْرَك.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يَا مُوسى}؛ قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: عَلَى مَوْعدٍ، وَقِيلَ: عَلَى قَدَرٍ مِنْ تَكْلِيمِي إِياك؛ هَذَا عَنِ الزَّجَّاجِ.
وقَدَرَ الشيءَ: دَنا لَهُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
قلتُ: هَجِّدْنا، فَقَدْ طَالَ السُّرَى، ***وقَدَرْنا إِنْ خَنى الليل غَفَلْ
وقَدَر القومُ أَمرهم يَقْدِرُونه قَدْرًا: دَبَّروه وقَدَرْتُ عَلَيْهِ الثوبَ قَدْرًا فانْقَدَر أَي جاءَ عَلَى المِقْدار.
وَيُقَالُ: بَيْنَ أَرضك وأَرض فُلَانٍ لَيْلَةٌ قَادِرَةٌ إِذا كَانَتْ لَيِّنَةَ السَّيْرِ مِثْلَ قاصدةٍ ورافِهةٍ؛ عَنْ يَعْقُوبَ.
وقَدَرَ عَلَيْهِ الشيءَ يَقْدِرُه ويَقْدُره قَدْرًا وقَدَرًا وقَدَّرَه: ضَيَّقه؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: قُرِئَ قَدَرُه وقَدْرُه، قَالَ: وَلَوْ نَصَبَ كَانَ صَوَابًا عَلَى تَكَرُّرِ الْفِعْلِ فِي النِيَّةِ، أَي ليُعْطِ المُوسِعُ قَدْرَه والمُقْتِرُ قَدْرَه؛ وَقَالَ الأَخفش: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ أَي طَاقَتُهُ؛ قَالَ الأَزهري: وأَخبرني الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ في قوله عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ" وقَدَرُهُ "، قَالَ: التَّثْقِيلُ أَعلى اللُّغَتَيْنِ وأَكثر، وَلِذَلِكَ اخْتِيرَ؛ قَالَ: وَاخْتَارَ الأَخفش التَّسْكِينَ، قَالَ: وإِنما اخْتَرْنَا التَّثْقِيلَ لأَنه اسْمٌ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: يقرأُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ وكلٌّ صَوَابٌ، وَقَالَ: قَدَرَ وَهُوَ يَقْدِر مَقْدِرة ومَقْدُرة ومَقْدَرَة وقِدْرانًا وقَدَارًا وقُدْرةً، قَالَ: كُلُّ هَذَا سَمِعْنَاهُ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ: ويَقْدُر لُغَةٌ أُخرى لِقَوْمٍ يَضُمُّونَ الدَّالَ فِيهَا، قَالَ: وأَما قَدَرْتُ الشَّيْءَ فأَنا أَقْدِرُه، خَفِيفٌ، فَلَمْ أَسمعه إِلا مَكْسُورًا، قَالَ: وَقَوْلُهُ: {وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}؛ خفيفٌ وَلَوْ ثُقِّلَ كَانَ صَوَابًا، وَقَوْلُهُ: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ"، مُثَقَّلٌ، وَقَوْلُهُ: فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها "؛ مُثَقَّلٌ وَلَوْ خَفَّفَ كَانَ صَوَابًا؛ وأَنشد بَيْتَ الْفَرَزْدَقِ أَيضًا:
وَمَا صَبَّ رِجْلِي فِي حَدِيدِ مُجاشِعٍ، ***مَعَ القَدْر، إِلا حاجةٌ لِي أُرِيدُها
وَقَوْلُهُ تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}؛ يُفَسَّرُ بالقُدرة وَيُفَسَّرُ بالضِّيق، قَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى فَظَنَّ أَن لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا قَدَرْنا.
وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: رُوِيَ أَنه ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ، وَرُوِيَ أَنه ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ، فأَما مَنِ اعْتَقَدَ أَن يُونَسَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ظَنَّ أَن لَنْ يَقْدِرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَافِرٌ لأَن مَنْ ظَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُؤْمِنٍ، وَيُونَسُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، رَسُولٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ الظَّنُّ عَلَيْهِ.
فَآلَ الْمَعْنَى: فَظَنَّ أَن لن نَقْدِرَ عليه الْعُقُوبَةِ، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ تَفْسِيرُهُ: فَظَنَّ أَن لَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْهِ، مِنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ}؛ أَي ضُيِّقَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ؛ مَعْنَى فَقَدَر عَلَيْهِ فَضَيَّقَ عَلَيْهِ، وَقَدْ ضَيَّقَ اللَّهُ عَلَى يُونُسَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَشدَّ تَضْيِيق ضَيَّقَه عَلَى مُعَذَّب فِي الدُّنِيَا لأَنه سَجَنَهُ فِي بَطْنِ حُوتٍ فَصَارَ مَكْظُومًا أُخِذَ فِي بَطْنِه بكَظَمِهِ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ؛ أَي لَنْ نُقَدِّرَ عَلَيْهِ مَا قَدَّرنا مِنْ كَوْنِهِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، قَالَ: ونَقْدِرُ بِمَعْنَى نُقَدِّرُ، قَالَ: وَقَدْ جَاءَ هَذَا فِي التَّفْسِيرِ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبو إِسحق صَحِيحٌ، وَالْمَعْنَى مَا قَدَّرَه اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ التَّضْيِيقِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ الْمَعْنَى لَنْ نُضَيِّق عَلَيْهِ؛ قَالَ: وَكُلُّ ذَلِكَ شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ، وَاللَّهُ أَعلم بِمَا أَراد.
فأَما أَن يَكُونَ قَوْلُهُ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِمِنَ الْقُدْرَةِ فَلَا يَجُوزُ، لأَن مَنْ ظَنَّ هَذَا كَفَرَ، وَالظَّنُّ شَكٌ وَالشَّكُّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرٌ، وَقَدْ عَصَمَ اللَّهُ أَنبياءه عَنْ مِثْلِ مَا ذَهَبَ إِليه هَذَا المُتَأَوِّلُ، وَلَا يَتَأَوَّلُ مثلَه إِلا الجاهلُ بِكَلَامِ الْعَرَبِ وَلُغَاتِهَا؛ قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ" المُنْذِرِيَّ يَقُولُ: أَفادني ابْنُ اليَزيديّ عَنْ أَبي حَاتِمٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}؛ أَي لَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَلَمْ يَدْرِ الأَخفش مَا مَعْنَى نَقْدِر وَذَهَبَ إِلى مَوْضِعِ الْقُدْرَةِ إِلى مَعْنَى فَظَنَّ أَن يَفُوتَنَا وَلَمْ يَعْلَمْ كَلَامَ الْعَرَبِ حَتَّى قَالَ: إِن بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ قَالَ أَراد الِاسْتِفْهَامَ، أَفَظَنَّ أَن لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَلِمَ أَن مَعْنَى نَقْدِر نُضَيِّق لَمْ يَخْبِطْ هَذَا الْخَبْطَ، قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِكَلَامِ الْعَرَبِ، وَكَانَ عَالِمًا بِقِيَاسِ النَّحْوِ؛ قَالَ: وَقَوْلُهُ: مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ؛ أَي ضُيِّقَ عَلَيْهِ عِلْمُه، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ؛ أَي ضَيَّقَ.
وأَما قَوْلُهُ تعالى: {فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ}، فإِن الْفَرَّاءَ قَالَ: قرأَها عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، فَقَدَرْنا، وَخَفَّفَهَا عَاصِمٌ، قَالَ: وَلَا يَبْعُدُ أَن يَكُونَ الْمَعْنَى فِي التَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَاحِدًا لأَن الْعَرَبَ تَقُولُ: قُدِّرَ عَلَيْهِ الموتُ وقُدِرَ عليه الموتُ، وقُدِّر عليه وقُدِرَ، وَاحْتَجَّ الَّذِينَ خَفَّفُوا فَقَالُوا: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَقَالَ: فَنِعْمَ المُقَدِّرون، وَقَدْ تَجْمَعُ العربُ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ.
قَالَ اللَّهُ تعالى: {فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}.
وقَدَرَ عَلَى عِيَالِهِ قَدْرًا: مِثْلَ قَتَرَ.
وقُدِرَ عَلَى الإِنسان رِزْقُه قَدْرًا: مِثْلَ قُتِرَ؛ وقَدَّرْتُ الشَّيْءَ تَقْدِيرًا وقَدَرْتُ الشَّيْءَ أَقْدُرُه وأَقْدِرُه قَدْرًا مِنَ التَّقْدِيرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ: " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفطروا لِرُؤْيَتِهِ فإِن غُمَّ عَلَيْكُمْ فاقْدُرُوا لَهُ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: فإِن غُمَّ عَلَيْكُمْ فأَكملوا العِدَّة "؛ قوله: فاقْدُرُوا له أَي قَدِّرُوا لَهُ عَدَدَ الشَّهْرِ حَتَّى تُكْمِلُوهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَاللَّفْظَانِ وَإِنِ اخْتَلَفَا يَرْجِعَانِ إِلى مَعْنًى وَاحِدٍ؛ وَرُوِيَ عن ابن شريح أَنه فَسَّرَ قَوْلَهُ فاقْدُرُوا لَهُ أَي قَدِّرُوا لَهُ منازلَ الْقَمَرِ فإِنها تَدُلُّكُمْ وَتُبَيِّنُ لَكُمْ أَن الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَو ثَلَاثُونَ، قَالَ: وَهَذَا خِطَابٌ لِمَنْ خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الْعِلْمِ؛ قَالَ: وَقَوْلُهُ فأَكْمِلُوا العِدَّة خِطَابُ العامَّة الَّتِي لَا تُحْسِنُ تَقْدِيرَ الْمَنَازِلِ، وَهَذَا نَظِيرُ النَّازِلَةِ تَنْزِلُ بالعالِمِ الَّذِي أَمر بِالِاجْتِهَادِ فِيهَا وأَن لَا يُقَلِّدَ الْعُلَمَاءَ أَشكال النَّازِلَةِ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ كَمَا بَانَ لَهُمْ، وأَما الْعَامَّةُ الَّتِي لَا اجْتِهَادَ لَهَا فَلَهَا تَقْلِيدُ أَهل الْعِلْمِ؛ قَالَ: وَالْقَوْلُ الأَول أَصح؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ إِياس بْنُ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المُعَنَّى:
كِلا ثَقَلَيْنا طامعٌ بغنِيمةٍ، ***وَقَدْ قَدَر الرحمنُ مَا هُوَ قادِرُ
فَلَمْ أَرَ يَوْمًا كانَ أَكثَرَ سالِبًا ***ومُسْتَلَبًا سِرْبالَه لَا يُناكِرُ
وأَكثَرَ مِنَّا يافِعًا يَبْتَغِي العُلى، ***يُضارِبُ قِرْنًا دارِعًا، وَهُوَ حاسِرُ
قَوْلُهُ: مَا هُوَ قادرُ أَي مُقَدِّرٌ، وثَقَلُ الرَّجُلِ، بِالثَّاءِ: حَشَمه وَمَتَاعُ بَيْتِهِ، وأَراد بالثَّقَل هَاهُنَا النِّسَاءَ أَي نِسَاؤُنَا وَنَسَاؤُهُمْ طَامِعَاتٌ فِي ظُهُورِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الحَيَّيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ والأَمر فِي ذَلِكَ جَارٍ عَلَى قَدَرِ الرَّحْمَنِ.
وقوله: ومُسْتَلَبًا سِرْبالَه لَا يُناكِرُ أَي يُسْتَلَبُ سِرْبالَه وَهُوَ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ لأَنه مَصْرُوعٌ قَدْ قُتِلَ، وَانْتَصَبَ سِرْبَالَهُ بأَنه مَفْعُولٌ ثَانٍ لمُسْتَلَب، وَفِي مُسْتَلَب ضَمِيرٌ مَرْفُوعٌ بِهِ، وَمَنْ رَفَعَ سِرْبَالَهُ جَعَلَهُ مُرْتَفِعًا بِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهِ ضَمِيرًا.
وَالْيَافِعُ: المُتَرَعْرِعُ الداخلُ فِي عَصْرِ شَبَابِهِ.
وَالدَّارِعُ: اللَّابِسُ الدِّرْعِ.
وَالْحَاسِرُ: الَّذِي لَا دِرْعَ عَلَيْهِ.
وتَقَدَّر لَهُ الشيءُ أَي تهيأَ.
وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِخَارَةِ: «فاقْدُرْه لِي ويَسِّرْه عَلَيَّ»؛ أي اقْضِ لِي بِهِ وَهَيِّئْهُ.
وقَدَرْتُ الشَّيْءَ أَي هيأْته.
وقَدْرُ كُلِّ شَيْءٍ ومِقْداره: مَبْلَغُه.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}؛ أَي مَا عَظَّمُوا اللَّهَحَقَّ تَعْظِيمِهِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: مَا وَصَفوه حَقَّ صِفَتِه، والقَدَرُ والقَدْرُ هَاهُنَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وقَدَرُ اللَّهِ وقَدْرُه بِمَعْنًى، وَهُوَ فِي الأَصل مَصْدَرٌ.
والمِقْدارُ: الموتُ.
قَالَ اللَّيْثُ: المِقْدارُ اسْمُ القَدْر إِذا بَلَغَ العبدُ المِقْدارَ مَاتَ؛ وأَنشد:
لَوْ كَانَ خَلْفَك أَو أَمامَك هائِبًا ***بَشَرًا سِواكَ، لَهابَك المِقْدارُ
يَعْنِي الْمَوْتَ.
وَيُقَالُ: إِنما الأَشياء مقاديرُ لِكُلِّ شَيْءٍ مِقْدارٌ دَاخِلٌ.
والمِقْدار أَيضًا: هُوَ الهِنْداز، تَقُولُ: يَنْزِلُ الْمَطَرُ بمِقْدار أَي بقَدَرٍ وقَدْرٍ، وَهُوَ مَبْلَغُ الشَّيْءِ.
وَكُلُّ شَيْءٍ مُقْتَدِرٌ، فَهُوَ الوَسَطُ.
ابْنُ سِيدَهْ: والمُقْتَدِر الْوَسَطُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
وَرَجُلٌ مُقْتَدِرُ الخَلْق أَي وَسَطُه لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، وَكَذَلِكَ الوَعِلُ وَالظَّبْيُ وَنَحْوُهُمَا.
والقَدْرُ: الْوَسَطُ مِنَ الرِّحَالِ وَالسُّرُوجِ وَنَحْوِهِمَا؛ تَقُولُ: هَذَا سرجٌ قَدْرٌ، يُخَفَّفُ وَيُثَقَّلُ.
التَّهْذِيبِ: سَرْجٌ قادرٌ قاترٌ، وَهُوَ الْوَاقِي الَّذِي لَا يَعْقِرُ، وَقِيلَ: هُوَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ.
والقَدَرُ: قِصَرُ العُنُق، قَدِرَ قَدَرًا، وَهُوَ أَقدرُ؛ والأَقْدَر: الْقَصِيرُ مِنَ الرِّجَالِ؛ قَالَ صَخْرُ الغَيّ يَصِفُ صَائِدًا وَيَذْكُرُ وُعُولًا قَدْ وَرَدَتْ لِتَشْرَبَ الْمَاءَ:
أَرَى الأَيامَ لَا تُبْقِي كَرِيمًا، ***وَلَا الوَحْشَ الأَوابِدَ والنَّعاما
وَلَا عُصْمًا أَوابِدَ فِي صُخُورٍ، ***كُسِينَ عَلَى فَراسِنِها خِداما
أُتِيحَ لَهَا أُقَيْدِرُ ذُو حَشِيفٍ، ***إِذا سامتْ عَلَى المَلَقاتِ سَامَا
مَعْنَى أُتيح: قُدّر، وَالضَّمِيرُ فِي لَهَا يَعُودُ عَلَى العُصْم.
والأُقَيْدِرُ: أَراد بِهِ الصَّائِدَ.
والحَشيف: الثَّوْبُ الخَلَقُ.
وَسَامَتْ: مَرَّتْ وَمَضَتْ.
والمُلَقات: جَمْعُ مَلَقَةٍ، وَهِيَ الصَّخْرَةُ الْمَلْسَاءُ.
والأَوابد: الْوُحُوشُ الَّتِي تأَبَّدَتْ أَي تَوَحَّشَتْ.
والعُصْمُ: جَمْعُ أَعْصَمَ وعَصْماء: الوَعِلُ يَكُونُ بِذِرَاعَيْهِ بَيَاضٌ.
والخِدَام: الخَلاخِيلُ، وأَراد الخطوطَ السُّودَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ: " رأَوْكَ أُقَيْدِرَ حِنْزَقْرَةً "وَقِيلَ: الأَقْدَر مِنَ الرِّجَالِ الْقَصِيرُ الْعُنُقِ.
والقُدَارُ: الرَّبْعَةُ مِنَ النَّاسِ.
أَبو عَمْرٍو: الأَقْدَرُ مِنَ الخَيل الَّذِي إِذا سَارَ وَقَعَتْ رِجْلَاهُ مَوَاقِعَ يَدَيْهِ؛ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصار، وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ عَدِيُّ بْنُ خَرَشَةَ الخَطْمِيُّ:
ويَكْشِفُ نَخْوَةَ المُخْتالِ عَنِّي ***جُرَازٌ، كالعَقِيقَةِ، إِن لَقِيتُ
وأَقْدَرُ مُشْرِفُ الصَّهَوَاتِ ساطٍ ***كُمَيْتٌ، لَا أَحَقُّ وَلَا شَئِيتُ
النَّخْوَةُ: الْكِبَرُ.
وَالْمُخْتَالُ: ذُو الْخُيَلَاءِ.
وَالْجُرَازُ: السَّيْفُ الْمَاضِي فِي الضَّرِيبة؛ شَبَّهَهُ بِالْعَقِيقَةِ مِنَ الْبَرْقِ فِي لَمَعانه.
وَالصَّهَوَاتُ: جَمْعُ صَهْوَة، وَهُوَ مَوْضِعُ اللِّبْدِ مِنْ ظَهْرِ الْفَرَسِ.
والشئيب: الَّذِي يَقْصُرُ حَافِرَا رِجْلَيْهِ عَنْ حافِرَي يَدَيْهِ بِخِلَافِ الأَقْدَرِ.
والأَحَقُّ: الَّذِي يُطَبِّقُ حافِرا رِجْلَيْهِ حافِرَيْ يَدَيْهِ، وَذَكَرَ أَبو عُبَيْدٍ أَن الأَحَقَّ الَّذِي لَا يَعْرَقُ، والشَّئيتُ العَثُور، وَقِيلَ: الأَقدر الَّذِي يُجاوِزُ حَافِرَا رِجْلَيْهِ مَواقعَ حافِرَيْ يَدَيْهِ؛ ذَكَرَهُ أَبو عُبَيْدٍ، وَقِيلَ: الأَقْدَرُ الَّذِي يَضَعُ رِجْلَيْهِ حَيْثُ يَنْبَغِي.
والقِدْرُ: مَعْرُوفَةٌ أُنْثَى وَتَصْغِيرُهَا قُدَيْرٌ، بِلَا هَاءٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ.
الأَزهري: القِدْرُ مُؤَنَّثَةٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعَرَبِ، بِلَا هَاءٍ، فإِذا صُغِّرَتْ قُلْتَ لَهَا قُدَيرةوقُدَيْر، بِالْهَاءِ وَغَيْرِ الْهَاءِ، وأَما مَا حَكَاهُ ثَعْلَبٌ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ مَا رأَيت قِدْرًا غَلَا أَسْرَعَ مِنْهَا فإِنه لَيْسَ عَلَى تَذْكِيرِ القِدْرِ وَلَكَنَّهُمْ أَرادوا مَا رأَيت شَيْئًا غَلَا؛ قَالَ: وَنَظِيرُهُ قَوْلُ اللَّهِ تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ}؛ قَالَ: ذَكَّرَ الْفِعْلَ لأَن مَعْنَاهُ مَعْنَى شَيْءٍ، كأَنه قَالَ: لَا يَحِلُّ لَكَ شَيْءٌ مِنَ النِّسَاءِ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما قِرَاءَةُ مَنْ قرأَ: فَنَادَاهُ الْمَلَائِكَةُ، فإِنما بَنَاهُ عَلَى الْوَاحِدِ عِنْدِي كَقَوْلِ الْعَرَبِ مَا رأَيت قِدْرًا غَلَا أَسْرَعَ مِنْهَا، وَلَا كَقَوْلِهِ تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ}، لأَن قوله تعالى: {فَنَادَاهُ الْمَلَائِكَةُ}، لَيْسَ بِجَحْدٍ فيكون شيء مُقَدَّر فِيهِ كَمَا قُدِّرَ فِي مَا رأَيت قِدْرًا غَلا أَسْرَعَ، وَفِي قَوْلِهِ: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ، وإِنما اسْتَعْمَلَ تَقْدِيرَ شَيْءٍ فِي النَّفِي دُونَ الإِيجاب لأَن قَوْلَنَا شَيْءٌ عَامٌ لِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، وَكَذَلِكَ النَّفْيُ فِي مِثْلِ هَذَا أَعم مِنَ الإِيجاب، أَلا تَرَى أَن قَوْلَكَ: ضَرَبْتُ كُلَّ رَجُلٍ، كَذِبٌ لَا مَحَالَةَ وَقَوْلُكَ: مَا ضَرَبْتُ رَجُلًا قَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ صِدْقَا وَكَذِبًا، فَعَلَى هَذَا وَنَحْوِهِ يُوجَدُ النَّفْيُ أَعم مِنَ الإِيجاب، وَمِنَ النَّفْيِ قَوْلُهُ تعالى: {لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها}، إِنما أَراد لَنْ ينالَ اللهَ شيءٌ مِنْ لُحُومِهَا وَلَا شَيْءٌ مِنْ دِمَائِهَا؛ وجَمْعُ القِدْرِ قُدورٌ، لَا يُكَسَّرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وقَدَرَ القِدْرَ يَقْدِرُها ويَقْدُرُها قَدْرًا: طَبَخَها، واقْتَدَر أَيضًا بِمَعْنَى قَدَرَ مِثْلَ طَبَخَ واطَّبَخَ.
ومَرَقٌ مَقْدُور وقَدِيرُ أَي مَطْبُوخٌ.
والقَدِيرُ: مَا يُطْبَخُ فِي القِدْرِ، والاقتدارُ: الطَّبْخُ فِيهَا، وَيُقَالُ: أَتَقْتَدِرُون أَم تَشْتَوُون.
اللَّيْثُ: القديرُ مَا طُبِخَ مِنَ اللَّحْمِ بتَوابِلَ، فإِن لَمْ يَكُنْ ذَا تَوابِلَ فَهُوَ طبيخ.
واقْتَدَرَ القومُ: طَبَخوا فِي قِدْرٍ.
والقُدارُ: الطَّبَّاخُ، وَقِيلَ: الجَزَّارُ، وَقِيلَ الجَزَّار هُوَ الَّذِي يَلِي جَزْرَ الجَزُور وطَبْخَها؛ قَالَ مُهَلْهِلٌ:
إِنَّا لنَضْرِبُ بالصَّوارِم هامَها، ***ضَرْبَ القُدارِ نَقِيعةَ القُدَّامِ
القُدَّام: جَمْعُ قَادِمٍ، وَقِيلَ هُوَ المَلِكُ.
وَفِي حَدِيثُ عُمَيْر مَوْلَى أَبِي اللَّحْمِ: أَمرني مَوْلَايَ أَن أَقْدُرَ لَحْمَا أَي أَطْبُخَ قِدْرًا مِنْ لَحْمٍ.
والقُدارُ: الْغُلَامُ الْخَفِيفُ الرُّوحِ الثَّقِفُ اللَّقِفُ.
والقُدارُ: الْحَيَّةُ، كُلُّ ذَلِكَ بِتَخْفِيفِ الدَّالِّ.
والقُدارُ: الثُّعْبَانُ الْعَظِيمُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «كَانَ يَتَقَدَّرُ فِي مَرَضِهِ أَين أَنا اليومَ»؛ أَي يُقَدِّرُ أَيامَ أَزواجه فِي الدَّوْرِ عَلَيْهِنَّ.
والقَدَرةُ: القارورةُ الصَّغِيرَةُ.
وقُدارُ بْنُ سالِفٍ: الَّذِي يُقَالُ لَهُ أَحْمَرُ ثَمُودَ عَاقِرُ نَاقَةِ صَالِحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ قَالَ الأَزهري: وَقَالَتِ الْعَرَبُ للجَزَّارِ قُدارٌ تَشْبِيهًا بِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ مُهَلْهِل: " ضَرْبَ القُدارِ نَقِيعةَ القُدَّامِ اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ أَقمت عِنْدَهُ قَدْرَ أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ، قَالَ: وَلَمْ أَسمعهم يَطْرَحُونَ أَن فِي الْمُواقِيتِ إِلا حَرْفًا حَكَاهُ هُوَ والأَصمعي، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: مَا قَعَدْتُ عِنْدَهُ إلَّا رَيْثَ أَعْقِد شِسْعي.
وقَيْدارٌ: اسم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
101-لسان العرب (ميس)
ميس: المَيْس: التَبَخْتُر، ماسَ يَمِيسُ مَيْسًا ومَيَسانًا: تَبَخْتَر واخْتالَ.وَغُصْنٌ ميَّاسٌ: مائِلٌ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: المَيْسُ ضَرْب مِنَ المَيَسانِ فِي تَبَخْتُرٍ وتَهادٍ كَمَا تَمِيس العَروس والجمَل، وَرُبَّمَا مَاسَ بهَوْدَجِه فِي مَشْيِه، فَهُوَ يَمِيسُ مَيَسَانًا، وتَمَيَّسَ مِثْلُهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وإِني لَمِن قُنْعانِها حِينَ أَعْتَزِي، ***وأَمْشي بِهَا نحْوَ الوَغَى أَتَمَيَّسُ
ورجلٌ مَيَّاسٌ وجارِية مَيَّاسَة إِذا كَانَا يَتَبختران فِي مِشْيَتِهِما.
وَفِي حَدِيثِ أَبي الدَّرْدَاءِ: «تَدْخل قَيْسًا وتَخْرج مَيْسًا»؛ ماسَ يَمِيسُ مَيْسًا إِذا تَبَخْتَرَ فِي مَشْيِه وتَثَنَّى.
وامرأَة مُومِس ومُومِسَة: فاجِرَةٌ جِهارًا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما اخْتَرْتُ وَضْعَهُ فِي مَيَسَ بِالْيَاءِ، وَخَالَفْتُ تَرْتِيبَ اللُّغَوِيِّينَ فِي ذَلِكَ لأَنها صِيغَةُ فاعِل، قَالَ: وَلَمْ أَجد لَهَا فِعْلًا البَتَّة يَجُوزُ أَن يَكُونَ هَذَا الِاسْمُ عَلَيْهِ إِلا أَن يَكُونَ مِنَ قَوْلِهِمْ أَمَاسَتْ جِلْدها، كَمَا قَالُوا: فِيهَا خَريعٌ، مِنَ التَخرُّع، وَهُوَ التَّثَنِّي، قَالَ: فَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا مُمِيسٌ ومُمِيسَة لَكِنَّهُمْ قَلَبُوا مَوْضِعَ الْعَيْنِ إِلى الْفَاءِ فكأَنه أَيْمَسَتْ، ثُمَّ صِيغ اسْمُ الْفَاعِلِ عَلَى هَذَا، وَقَدْ يَكُونُ مُفْعِلًا مِنْ قَوْلِهِمْ أَوْمَسَ العنبُ إِذا لانَ، قَالَ: وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْوَاوِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَرُبَّمَا سمَّوا الإِمَاءَ اللَّواتي لِلْخِدْمَةِ مومِسات.
والمَيْسُونُ: الميَّاسة مِنَ النِّسَاءِ، وَهِيَ المُخْتالة، قَالَ: وَهَذَا الْبِنَاءُ عَلَى هَذَا الِاشْتِقَاقِ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَهُوَ مِنَ الْمِثْلِ الَّذِي لَمْ يَحْكِهِ سِيبَوَيْهِ كَزَيْتُونٍ، وَحَكَاهُ كُرَاعٌ فِي بَابِ فَيْعُول وَاشْتَقَّهُ مِنَ المَيْس، قَالَ: وَلَا أَدري كَيْفَ ذَلِكَ لأَنه لَا يَنْبَغِي كَوْنُهُ فَيْعُولًا وَكَوْنُهُ مُشْتَقًّا مِنَ المَيْسِ.
ومَيْسُونُ: اسْمُ امرأَة، مِنْهُ؛ قَالَ الْحَرِثُ بْنُ حِلِّزَة:
إِذْ أَحَلَّ العَلاةَ قُبَّةَ مَيْسُونَ، ***فأَدْنى دِيارِها العَوصاءُ
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةٍ مَسَنَ، فَهُوَ عَلَى هَذَا فَيْعُولٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَبَابُ مَيَسَ أَولى بِهِ لِمَا جَاءَ مِنْ قَوْلِهِمْ مَيْسُونُ تَمِيسُ فِي مِشيتها.
ابْنُ الأَعرابي: مَيسانُ كَوْكَبٌ يَكُونُ بَيْنَ المَعَرَّةِ والمَجَرَّةِ.
أَبو عَمْرٍو: المَياسِينُ النُّجُومُ الزَّاهِرَةُ.
قَالَ: والمَيْسُونُ مِنَ الْغِلْمَانِ الحسَنُ الوجْهِ وَالْحَسَنُ القدِّ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَما مَيْسانُ اسْمُ الْكَوْكَبِ، فَهُوَ فَعْلانُ، مِنْ ماسَ يَمِيسُ إِذا تَبَخْتَرَ.
والمَيْس: شَجَرٌ تُعمل مِنْهُ الرَّحَالُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ: " وشُعْبَتَا مَيسٍ بَراها إِسْكاف قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: المَيْسُ شَجَرٌ عِظَامٌ شَبِيهٌ فِي نَبَاتِهِ وَوَرَقِهِ بالغَرَبِ، وإِذا كَانَ شَابًّا فَهُوَ أَبيض الجَوْف، فإِذا تَقَادَمَ اسْوَدَّ فَصَارَ كالآبِنُوس ويَغْلُظُ حَتَّى "تُتَّخذ مِنْهُ الْمَوَائِدُ الْوَاسِعَةُ وَتُتَّخَذَ مِنْهُ الرَّحَالُ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ وَوَصَفَ المَطايا:
يَنْتُقْنَ بالقَوْمِ، مِنَ التَّزَعُّلِ، ***مَيْسَ عُمانَ ورِحالَ الإِسْحِلِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَخبرني أَعرابي أَنه رَآهُ بِالطَّائِفِ، قَالَ: وإِليه يُنْسَبُ الزَّبِيبُ الَّذِي يُسَمَّى المَيْسَ.
والمَيْسُ أَيضا: ضَرْبٌ مِنَ الكَرْمِ يَنْهَضُ عَلَى سَاقِ بَعْضِ النُّهُوضِ لَمْ يَتَفَرَّع كلُّه؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.
وَفِي حَدِيثِ طَهْفَةَ: «بأَكْوارِ المَيْسِ»، هُوَ شَجَرٌ صُلْب تُعْمَلُ مِنْهُ أَكوار الإِبل وَرِحَالُهَا.
والمَيْسُ أَيضًا: الْخَشَبَةُ الطَّوِيلَةُ الَّتِي بَيْنَ الثَّوْرَيْنِ؛ قَالَ: هَذِهِ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.
ومَيَّاسٌ: فَرَسُ شَقِيقِ بنِ جَزْءٍ.
ومَيْسانُ: لَيْلَةُ أَرْبَعَ عَشرَةَ.
ومَيْسانُ: بَلَدٌ مِنْ كُوَرِ دَجْلَةَ أَو كُورَةٌ بسَواد الْعِرَاقِ، النَّسَبُ إِليه مَيْسانيٌّ، ومَيْسَنانيٌّ، الأَخيرة نادرة؛ وقال الْعَجَّاجُ:
خَوْدٌ تخالُ رَيْطَها المُدَقْمَسا، ***ومَيْسَنانيًّا لَهَا مُمَيَّسَا
يَعْنِي ثِيَابًا تُنسج بِمَيْسانَ.
مُمَيَّسٌ: مُذَيَّل لَهُ ذَيْل؛ وَقَوْلُ الْعَبْدِ:
ومَا قَرْيَةٌ، مِنْ قُرَى مَيْسَنانَ، ***مُعْجِبَةٌ نَظَرًا واتِّصافَا
إِنما أَراد مَيْسانَ فَاضْطَرَّ فَزَادَ النُّونَ.
النَّضِرُ: يُسَمَّى الْوِشْبُ المَيْس، شَجَرَةٌ مُدَوَّرَةٌ تَكُونُ عِنْدَنَا بِبَلْخَ فِيهَا الْبَعُوضُ، وَقِيلَ: المَيْسُ شَجَرَةٌ وَهُوَ مِنْ أَجود الشَّجَرِ وأَصْلبِه وأَصْلحِه لِصَنْعَةِ الرَّحَالِ وَمِنْهَا تُتَّخَذُ رَحَالُ الشأْم، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ قَالَتِ الْعَرَبُ: المَيْسُ الرَّحْلُ.
وَفِي النَّوَادِرِ: ماسَ اللَّه فِيهِمُ الْمَرَضَ يَمِيسُه وأَمَاسَه، فَهُوَ يُمِيسُه، وبَسَّه وثَنَّه أَي كثَّره فِيهِمَا.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
102-لسان العرب (همش)
همش: الهَمْشةُ: الكلامُ والحركةُ، هَمَشَ وهَمِشَ القومُ فَهُمْ يَهْمَشُون ويَهْمِشُون وتَهامَشُوا.وامرأَة هَمَشى الحديثِ، بِالتَّحْرِيكِ: تُكْثِرُ الكلامَ وتُجَلِّبُ.
والهَمِشُ: السريعُ العملِ بأَصابِعه.
وهَمَشَ الجرادُ: تحرَّك ليَثُور.
والهَمْشُ: العَضُّ، وَقِيلَ: هُوَ سُرْعَة الأَكلِ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الَّذِي قَالَهُ اللَّيْثُ فِي الهَمْش أَنه العَضُّ غيرُ صَحِيحٍ، وَصَوَابُهُ الهَمْس، بِالسِّينِ، فصحَّفه، قَالَ: وأَخبرني الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ: إِذا مضَغَ الرجلُ الطعامَ وفُوهُ مُنْضَمٌّ قِيلَ: هَمَشَ يَهمِشُ هَمْشًا.
وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي قَالَ: يُقَالُ لِلْجَرَادِ إِذا طُبِخَ فِي المِرْجَل الهَمِيشةُ، وإِذا سُوّيَ عَلَى النَّارِ فَهُوَ المَحْسُوسُ.
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: قَالَتِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ لامرأَة ابْنِهَا طَفَّ حَجْرُكِ وطابَ نَشْرُك وَقَالَتْ لِابْنَتِهَا: أَكَلْتِ هَمْشًا، وحَطَبْتِ قَمْشًا دعَتْ عَلَى امرأَة ابْنِهَا أَن لَا يَكُونَ لَهَا ولَد ودَعَت لابْنَتِها أَن تَلِدَ حَتَّى تُهامِشَ أَولادَها فِي الأَكْل أَي تُعاجِلَهم، وقولُها حَطَبْتِ قَمْشًا أَي حطَبَ لَكِ ولدُكِ مِنْ دِقِّ الحَطَبِ وجلِّه.
وَيُقَالُ لِلنَّاسِ إِذا كَثُرُوا بِمَكَانٍ فأَقبلوا وأَدْبَرُوا وَاخْتَلَطُوا: رأَيتهم يَهْتَمِشُون وَلَهُمْ هَمْشةٌ، وَكَذَلِكَ الْجَرَادُ إِذا كَانَ فِي وِعاء فغَلى بعضُهُ فِي بَعْضٍ وسمعتَ لَهُ حَرَكَةً تَقُولُ: لَهُ هَمْشةٌ فِي الْوِعَاءِ.
وَيُقَالُ: إِن الْبَرَاغِيثَ لتَهْتَمِشُ تحْت جَنْبي فتُؤْذيني باهْتِماشها.
ابْنُ الأَعرابي: الهَمْشُ والهَمَشُ كثرةُ الْكَلَامِ والخَطَل فِي غَيْرِ صَوَابٍ؛ وأَنشد: " وهَمِشُوا بكَلِمٍ غَيْرِ حَسَنْ قَالَ الأَزهري: وأَنشدَنِيه المنذريُّ وهَمَشُوا، بِفَتْحِ الْمِيمِ، ذَكَرَهُ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ.
واهْتَمَشَت الدابةُ إِذا دبَّت دَبِيبًا.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
103-لسان العرب (فرض)
فرض: فرَضْت الشَّيْءَ أَفْرِضه فَرْضًا وفَرَّضْتُه لِلتَّكْثِيرِ: أَوْجَبْتُه.وَقَوْلُهُ تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها}، وَيُقْرَأُ: وفرَّضْناها، فَمَنْ قرأَ بِالتَّخْفِيفِ فَمَعْنَاهُ أَلزَمْناكم العَمل بِمَا فُرِضَ فِيهَا، وَمَنْ قرأَ بِالتَّشْدِيدِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما عَلَى مَعْنَى التَّكْثِيرِ عَلَى مَعْنَى إِنا فَرَضْنَا فِيهَا فُرُوضًا، وَعَلَى مَعْنَى بَيَّنَّا وفَصَّلْنا مَا فِيهَا مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ والحدُود.
وَقَوْلُهُ تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ}؛ أَي بيَّنها.
وافْتَرَضَه: كفَرَضَه، وَالِاسْمُ الفَرِيضةُ.
وفَرائضُ اللهِ: حُدودُه الَّتِي أَمرَ بِهَا ونهَى عَنْهَا، وَكَذَلِكَ الفَرائضُ بالمِيراثِ.
والفارِضُ والفَرَضِيُّ: الَّذِي يَعْرِف الفرائضَ وَيُسَمَّى العِلْمُ بقِسْمةِ المَوارِيث فَرائضَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَفْرَضُكم زَيْدٌ».
والفَرْضُ: السُّنةُ، فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللّ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَي سَنَّ، وَقِيلَ: فَرَضَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَي أَوْجَبَ وُجُوبًا لَازِمًا، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.
والفَرْضُ: مَا أَوْجَبه اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنَّ لَهُ مَعالِمَ وَحُدُودًا.
وفرَض اللَّهُ عَلَيْنَا كَذَا وَكَذَا وافْتَرَضَ أَي أَوْجَب.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ}؛ أَي أَوْجَبه عَلَى نَفْسِهِ بإِحرامه.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الفَرْضُ التوْقِيتُ.
وكلُّ واجِبٍ مؤقَّتٍ، فَهُوَ مَفْرُوضٌ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «العِلْمُ ثلاثةٌ مِنْهَا فرِيضةٌ عادلةٌ»؛ يُرِيدُ العَدْل فِي القِسْمة بِحَيْثُ تَكُونُ عَلَى السِّهام والأَنْصِباء الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ والسنَّة، وَقِيلَ: أَراد أَنها تَكُونُ" مُسْتَنْبَطَةً مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وإِن لَمْ يَرِد بِهَا نَصٌّ فِيهِمَا فَتَكُونُ مُعادِلةً لِلنَّصِّ، وَقِيلَ: الفَرِيضةُ العادِلةُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ مُؤَقَّتًا.
والفَرْضُ: القِراءة.
يُقَالُ: فَرَضْتُ جُزْئي أَي قرأْته، والفَرِيضةُ مِنَ الإِبل وَالْبَقَرِ: مَا بَلَغَ عَدَدُه الزكاةَ.
وأَفْرَضَتِ الماشِيةُ: وَجَبَتْ فِيهَا الفَرِيضة، وَذَلِكَ إِذا بَلَغَتْ نِصابًا.
والفَرِيضةُ: مَا فُرِضَ فِي السائمةِ مِنَ الصَّدَقَةِ.
أَبو الْهَيْثَمِ: فَرائضُ الإِبل الَّتِي تحتَ الثَّنيّ والرُّبُعِ.
يُقَالُ للقَلُوصِ الَّتِي تَكُونُ بِنْتَ سَنَةٍ وَهِيَ تُؤْخَذُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ: فَرِيضةٌ، وَالَّتِي تُؤْخَذُ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَهِيَ بِنْتُ لَبُونٍ وَهِيَ بِنْتُ سَنَتَيْنِ: فريضةٌ، وَالَّتِي تُؤْخَذُ فِي سِتٍّ وأَربعين وَهِيَ حِقّة وَهِيَ ابْنَةُ ثلاثِ سِنِينَ: فَرِيضَةٌ، وَالَّتِي تُؤْخَذُ فِي إِحدى وَسِتِّينَ جَذَعةٌ وَهِيَ فَرِيضَتُهَا وَهِيَ ابْنَةُ أَربع سِنِينَ فَهَذِهِ فرائضُ الإِبلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: سُمِّيَتْ فَرِيضَةً لأَنها فُرِضَتْ أَي أُوجِبَتْ فِي عَدَدٍ مَعْلُومٍ مِنَ الإِبل، فَهِيَ مَفْروضةٌ وفَريضة، فأُدخلت فِيهَا الْهَاءُ لأَنها جُعِلَتِ اسْمًا لَا نَعْتًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فِي الْفَرِيضَةِ تجبُ عَلَيْهِ وَلَا توجَدُ عِنْدَهُ»، يَعْنِي السِّنَّ الْمُعَيَّنِ للإِخراج فِي الزَّكَاةِ، وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ فرْضٍ مَشْروعٍ مِنْ فرائضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ مَا لَهُمْ إِلا الفَرِيضتانِ، وَهُمَا الجَذَعةُ مِنَ الْغَنَمِ والحِقّةُ مِنَ الإِبل.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ لَهُمَا الفرْضتانِ أَيضًا؛ عَنِ ابْنُ السِّكِّيتِ.
وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ: «هَذِهِ فَرِيضةُ الصدقةِ الَّتِي فَرَضَها رسولُ اللَّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَي أَوجَبها عَلَيْهِمْ بأَمر اللَّهِ.
وأَصلُ الْفَرْضِ القطْعُ.
والفَرْضُ والواجِبُ سِيّانِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، والفَرْضُ آكَدُ مِنَ الْوَاجِبِ عِنْدَ أَبي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: الفرْضُ هَاهُنَا بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ أَي قَدّرَ صدَقةَ كلِّ شَيْءٍ وبَيَّنَها عَنْ أَمر اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي حَدِيثِ حُنَيْنٍ: «فإِن لَهُ عَلَيْنَا سِتَّ فَرائضَ»؛ الفرائضُ: جَمْعُ فَرِيضةٍ، وَهُوَ الْبَعِيرُ المأْخوذ فِي الزَّكَاةِ، سُمِّيَ فَرِيضَةً لأَنه فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، ثُمَّ اتُّسِع فِيهِ حَتَّى سُمِّيَ البعيرُ فَرِيضَةً فِي غَيْرِ الزَّكَاةِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «مَن مَنَعَ فَرِيضةً مِنْ فَرائضِ اللَّهِ».
وَرَجُلٌ فارِضٌ وفَرِيضٌ: عالِمٌ بالفَرائضِ كَقَوْلِكَ عالِمٌ وعَلِيمٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعْرابي.
والفَرْضُ: الهِبةُ.
يُقَالُ: مَا أَعطاني فَرْضًا وَلَا قَرْضًا.
والفرْضُ: العَطيّةُ المَرْسُومةُ، وَقِيلَ: مَا أَعْطَيْتَه بِغَيْرِ قَرْضٍ.
وأَفْرَضْتُ الرَّجل وفَرَضْتُ الرَّجل وافْتَرَضْتُه إِذا أَعطيته.
وَقَدْ أَفْرَضْتُه إِفْراضًا.
والفرْضُ: جُنْدٌ يَفْتَرِضُون، وَالْجَمْعُ الفُروضُ.
الأَصمعي: يُقَالُ فَرَضَ لَهُ فِي العَطاء وفرَض لَهُ فِي الدِّيوانِ يَفْرِضُ فَرْضًا، قَالَ: وأَفْرَضَ لَهُ إِذا جَعَلَ لَهُ فَرِيضَةً.
وَفِي حَدِيثِ عَدِيّ: «أَتيت عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ»، رَضِيَ الله عَنْهُمَا، فِي أُناسٍ مِنْ قَوْمِي فَجَعَلَ يَفْرِضُ لِلرَّجُلِ من طَيِء فِي أَلفين أَلفين ويُعْرِضُ عَنِّي أَي يَقْطَعُ ويُوجِبُ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي العَطاء أَلفين مِنَ الْمَالِ.
والفرْضُ: مَصْدَرُ كُلِّ شَيْءٍ تَفْرِضُه فتُوجِبه عَلَى إِنسان بقَدْر مَعْلُومٍ، وَالِاسْمُ الفَرِيضةُ.
والفارِضُ: الضخْمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، الذَّكَرُ والأُنثى فِيهِ سَوَاءٌ، وَلَا يُقَالُ فارِضةٌ.
ولِحْيةٌ فارضٌ وفارِضةٌ: ضَخْمةٌ عظيمة، وشِقْشِقةٌ فارِضٌ وسِقاء فارضٌ كَذَلِكَ، وبَقَرة فارضٌ: مُسِنّة.
وَفِي التَّنْزِيلِ: {إِنَّها بَقَرَةٌ لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: الفارِض الهَرِمةُ والبِكْرُ الشَّابَّةُ.
وَقَدْ فَرَضَتِ البقرةُ تَفْرِضُ فُروضًا أَي كَبِرَتْ وطَعَنَت فِي السِّنّ، وَكَذَلِكَ فَرُضَتِ الْبَقَرَةُ، بِالضَّمِّ، فَراضةً؛ " قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَوْفٍ وَقَدْ عَنى بَقَرَةً هَرِمَةً:
لَعَمْرِي، لَقَدْ أَعْطَيْتَ ضَيْفَكَ فارِضًا ***تُجَرُّ إِليه، مَا تَقُوم عَلَى رِجْلِ
وَلَمْ تُعْطِه بِكْرًا، فَيَرْضَى، سَمِينةً، ***فَكَيْفَ يُجازِي بالمَوَدَّةِ والفِعْلِ؟
وَقَالَ أُمية فِي الْفَارِضِ أَيضًا:
كُمَيْت بَهِيم اللَّوْنِ لَيْسَ بِفارِضٍ، ***وَلَا بخَصِيفٍ ذاتِ لَوْنٍ مُرَقَّمِ
وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الفارِضُ فِي المُسِنّ مِنْ غَيْرِ الْبَقَرِ فَيَكُونُ لِلْمُذَكَّرِ وَلِلْمُؤَنَّثِ؛ قَالَ:
شَوْلاء مِسْكٌ فَارِضٌ نَهِيٌّ، ***مِنَ الكِباشِ، زامِر خَصيّ
وقومٌ فُرَّضٌ: ضِخامٌ، وَقِيلَ مَسانُّ؛ قَالَ رَجُلٌ مِنْ فُقَيْم:
شَيَّبَ أَصْداغِي، فرَأْسِي أَبْيَضُ، ***مَحامِلٌ فِيهَا رجالٌ فُرَّضُ
مِثْلُ البَراذِينِ، إِذا تأَرَّضُوا، ***أَو كالمِراضِ غَيْرَ أَنْ لَمْ يَمْرَضُوا
لَوْ يَهْجَعُونَ سَنةً لَمْ يَعْرِضُوا، ***إِنْ قلْتَ يَوْمًا: للغَداء، أَعْرَضُوا
نَوْمًا، وأَطْرافُ السِّبالِ تَنْبِضُ، ***وخُبِئَ المَلْتُوتُ والمُحَمَّضُ
وَاحِدُهُمْ فارِضٌ؛ وَرَوَى ابْنُ الأَعرابي: " مَحامِلٌ بِيضٌ وقَوْمٌ فُرَّضُ "قَالَ: يُرِيدُ أَنهم ثِقالٌ كالمَحاملِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْعَجَّاجِ:
فِي شَعْشعانٍ عُنُق يَمْخُور، ***حَابِي الحُيُودِ فارِضِ الحُنْجُور
قَالَ: وَقَالَ الْفَقْعَسِيُّ يَذْكُرُ غَرْبًا واسِعًا: والغَرْبُ غَرْبٌ بَقَرِيٌّ فارِضُ التَّهْذِيبُ: وَيُقَالُ مِنَ الْفَارِضِ فَرَضَتْ وفرُضَت، قَالَ: وَلَمْ نَسْمَعْ بِفَرِضَ.
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: الفارِضُ الْكَبِيرَةُ الْعَظِيمَةُ، وَقَدْ فَرَضَت تَفْرِضُ فُرُوضًا.
ابْنُ الأَعرابي: الْفَارِضُ الْكَبِيرَةُ، وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الفارِضُ المُسِنّةُ.
أَبو زَيْدٍ: بَقَرَةٌ فارِضٌ وَهِيَ العظيمةُ السَّمِينَةُ، وَالْجَمْعُ فَوارِضُ.
وبقرةٌ عَوانٌ: مِنْ بَقَرٍ عُونٍ، وَهِيَ الَّتِي نُتجَت بَعْدَ بَطْنها البِكْر، قَالَ قَتَادَةُ: لَا، فارِضٌ هِيَ الهَرِمةُ.
وَفِي حَدِيثِ طَهْفةَ: «لَكُمْ فِي الوَظِيفةِ الفَريضةُ»؛ الفَريضةُ الهرمةُ المُسِنّةُ، وَهِيَ الفارِضُ أَيضًا، يَعْنِي هِيَ لَكُمْ لَا تُؤْخذُ مِنْكُمْ فِي الزَّكَاةِ، وَيُرْوَى: عَلَيْكُمْ فِي الوَظِيفةِ الفَرِيضةُ؛ أي فِي كُلِّ نِصابٍ مَا فُرِضَ فِيهِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «لَكُمُ الفارِضُ والفرِيضُ»؛ الفَرِيضُ والفارِضُ: المُسِنّةُ مِنَ الإِبل، وَقَدْ فَرَضَت، فَهِيَ فارِضٌ وفارِضةٌ وفَرِيضةٌ، وَمِثْلُهُ فِي التَّقْدِيرِ طَلَقَتْ فَهِيَ طَالِقٌ وطالِقةٌ وطَلِيقةٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
نَهْرُ سَعِيدٍ خالِصُ البياضِ، ***مُنْحَدِرُ الجِرْية فِي اعْتِراضِ
هَوْلٌ يَدُقُّ بِكُمُ العِراضِ، ***يَجْرِي عَلَى ذِي ثَبَجٍ فِرْياضِ
كأَنَّ صَوْت مائِه الخَضْخاضِ ***أَجْلابُ جِنٍّ بنَقًا مِغْياضِ
قَالَ: ورأَيت بالسِّتارِ الأَغْبَرِ عَيْنًا يُقَالُ لَهَا فِرْياضٌ تَسْقي نَخْلًا كَثِيرَةً وَكَانَ مَاؤُهَا عَذْبًا؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
يا رُبَّ مَوْلًى حاسِدٍ مُباغِضِ، ***عليَّ ذِي ضِغْنٍ وضَبٍّ فارِضِ،
لَهُ قُروء كقُروء الحائِضِ "عَنَى بِضَبٍّ فارضٍ عَداوةً عَظِيمَةً كَبِيرَةً مِنَ الْفَارِضِ الَّتِي هِيَ الْمُسِنَّةُ؛ وَقَوْلُهُ: " لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ "يَقُولُ: لِعَدَاوَتِهِ أَوقات تَهِيجُ فِيهَا مِثْلَ وَقْتِ الْحَائِضِ.
وَيُقَالُ: أَضمر عَلَيَّ ضِغْنًا فَارِضًا وضِغْنةً فَارِضًا، بِغَيْرِ هَاءٍ، أَي عَظِيمًا، كأَنه ذُو فَرْض أَي ذُو حَزٍّ؛ وَقَالَ: " يَا رُبّ ذِي ضِغن عَلَيَّ فارِض "والفَرِيضُ: جِرّةُ الْبَعِيرِ؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَهِيَ عِنْدَ غَيْرِهِ القَريضُ بِالْقَافِ، وسيأْتي ذِكْرُهُ.
ابْنُ الأَعرابي: الفَرْضُ الحَزُّ فِي القِدْحِ والزَّنْدِ وَفِي السَّير وَغَيْرِهِ، وفُرْضةُ الزَّنْدِ الْحَزُّ الَّذِي فِيهِ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «اتَّخَذَ عَامَ الْجَدْبِ قِدْحًا فِيهِ فَرْض»؛ الْفَرْضُ: الحَزُّ فِي الشَّيْءِ والقطعُ، والقِدْحُ: السهْمُ قَبْلَ أَن يُعْمل فِيهِ الرِّيشُ والنَّصْلُ.
وَفِي صِفَةِ" مَرْيَمَ، عَلَيْهَا السَّلَامُ: لَمْ يَفْتَرِضْها ولَد أَي لَمْ يؤثِّر فِيهَا وَلَمْ يَحُزّها يَعْنِي قَبْلَ الْمَسِيحِ.
قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}؛ أَي مُؤَقَّتًا، وَفِي الصِّحَاحِ: أَي مُقْتَطَعًا مَحْدودًا.
وفَرْضُ الزَّنْد: حَيْثُ يُقْدَحُ مِنْهُ.
وفَرَضْتُ العُودَ والزَّندَ والمِسْواكَ وفرَضْتُ فِيهِمَا أَفْرِضُ فَرْضًا: حَزَزْتُ فِيهِمَا حَزًّا.
وَقَالَ الأَصمعي: فرَض مِسْواكَه فَهُوَ يَفْرِضُه فَرْضًا إِذا حَزَّه بأَسنانِه.
والفَرْضُ: اسْمُ الْحَزِّ، وَالْجَمْعُ فُروضٌ وفِراضٌ؛ قَالَ:
منَ الرَّصَفاتِ البِيضِ، غيَّرَ لَوْنَها ***بَناتُ فِراضِ المَرْخِ، واليابسِ الجَزْلِ
التَّهْذِيبُ فِي تَرْجَمَةٍ فَرَضَ: اللَّيْثُ التقْرِيضُ فِي كُلِّ شَيْءٍ كتقْريضِ يَدَيِ الجُعَلِ؛ وأَنشد:
إِذا طَرَحا شَأْوًا بأَرْضٍ، هَوَى لَهُ ***مُقَرَّضُ أَطْرافِ الذِّراعَين أَفلَحُ
قَالَ الأَزهري: هَذَا تَصْحِيفٌ وإِنما هُوَ التَّفْرِيضُ، بِالْفَاءِ، مِنَ الفرْض وَهُوَ الْحَزُّ.
وَقَوْلُهُمُ الجُعْلانةُ مُفَرَّضةٌ كَأَنَّ فِيهَا حُزوزًا، قَالَ: وَهَذَا الْبَيْتُ رَوَاهُ الثِّقاتُ أَيضًا بِالْفَاءِ: مُفَرَّضُ أَطْرافِ الذِّرَاعَيْنِ، وَهُوَ فِي شِعْرِ الشَّمَّاخِ، وأَراد بالشأْو مَا يُلْقِيه العَيْرُ والأَتانُ مِنْ أَرْواثها، وَقَالَ الْبَاهِلِيُّ: أَراد الشَّمَّاخُ بالمُفَرَّضِ المُحَزَّزَ يَعْنِي الجُعَل.
والمِفْرَضُ: الْحَدِيدَةُ الَّتِي يُحَزّ بِهَا.
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: فَرَاضُ النَّحْلِ مَا تُظْهِرُهُ الزَّنْدةُ مِنَ النَّارِ إِذا اقْتُدِحَت.
قَالَ: وَالْفِرَاضُ إِنما يَكُونُ فِي الأُنثى مِنَ الزَّنْدَتَيْنِ خَاصَّةً.
وفَرَضَ فُوقَ السهْمِ، فَهُوَ مَفْروضٌ وفَريضٌ: حَزَّه.
والفَريضُ: السَّهْمُ المَفْروض فُوقُه.
والتفْريضُ: التَّحْزِيزُ.
والفَرْضُ: العَلامةُ؛ وَمِنْهُ فرْضُ الصلاةِ وَغَيْرِهَا إِنما هُوَ لَازِمٌ لِلْعَبْدِ كلُزومِ الحَزِّ للقِدْح.
الْفَرَّاءُ: يُقَالُ خَرَجَتْ ثَناياه مُفَرَّضةً أَي مؤشَّرةً، قَالَ: والغُروبُ مَاءُ الأَسنان والظَّلْمُ بياضُها كأَنه يَعْلُوهُ سَواد، وَقِيلَ: الأَشْرُ تَحْزِيزٌ فِي أَطراف الأَسنان وأَطرافُها غُروبها، وَاحِدُهَا غَرْبٌ.
والفَرْضُ: الشّقُّ فِي وسَط الْقَبْرِ.
وفَرَضْت لِلْمَيِّتِ: ضَرَحْت.
والفُرْضةُ: كالفَرْضِ.
والفَرْضُ والفُرْضةُ: الحَزّ الَّذِي فِي القوْس.
وفُرْضة الْقَوْسِ: الْحَزُّ يَقَعُ عَلَيْهِ الوتَر، وفَرْضُ القوسِ كَذَلِكَ، وَالْجَمْعُ فِراضٌ.
وفُرْضةُ النَّهْرِ: مَشْرَبُ الْمَاءِ مِنْهُ، وَالْجَمْعُ فُرَضٌ وفِراضٌ.
الأَصمعي: الفُرْضةُ المَشْرَعةُ، يُقَالُ: سَقَاهَا بالفِراضِ أَي مِنْ فُرْضةِ النَّهْرِ.
والفُرْضة: الثُّلْمة الَّتِي تَكُونُ فِي النَّهْرِ.
والفِراضُ: فُوَّهةُ النَّهْرِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
تَجْرِي خَزَائِنُهُ عَلَى مَن نابَه، ***جَرْيَ الفُراتِ عَلَى فِراضِ الجَدْوَلِ
وفُرْضةُ النَّهْرِ: ثُلْمَتُه الَّتِي مِنْهَا يُسْتقى.
وَفِي حَدِيثِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: «حَتَّى أَرْفَأ بِهِ عِنْدَ فُرْضَةِ النَّهْرِ» أَي مَشْرَعَتِه، وَجَمْعُ الْفُرْضَةِ فُرَضٌ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: «وَاجْعَلُوا السُّيُوفَ لِلْمَنَايَا فُرَضًا»أَي اجْعَلُوهَا مَشارِعَ لِلْمَنَايَا وتَعَرَّضُوا لِلشَّهَادَةِ.
وفُرْضَةُ الْبَحْرِ: مَحَطُّ السفُن.
وفُرْضةُ الدواةِ: مَوْضِعُ النِّقْس مِنْهَا.
وفُرْضة الْبَابِ: نَجْرانُه.
والفَرْضُ: القِدْحُ؛ قَالَ عبيدُ بْنُ الأَبرص يَصِفُ بَرْقًا:
فَهْوَ كَنِبْراسِ النَّبِيطِ، أَو الفَرْضِ ***بكَفِّ اللَّاعِبِ المُسْمِرِ
والمُسْمِرُ: الَّذِي دَخَلَ فِي السَّمَرِ.
والفَرْضُ: التُّرْسُ؛ قَالَ صَخْرُ الْغَيِّ الْهُذَلِيُّ:
أَرِقْتُ لَهُ مِثْلَ لَمْعِ البَشِيرِ، ***قَلَّبَ بالكفِّ فَرْضًا خَفِيفَا
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَا تَقُلْ قُرْصًا خَفِيفًا.
والفَرْضُ: ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ، وَقِيلَ: ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ صِغَارٌ لأَهل عُمان؛ قَالَ شَاعِرُهُمْ:
إِذا أَكلتُ سمَكًا وفَرْضا، ***ذهَبْتُ طُولًا وذهَبْتُ عَرْضا
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَهُوَ مِنْ أَجود تَمْرِ عُمانَ هُوَ والبَلْعَقُ، قَالَ: وأَخبرني بَعْضُ أَعرابها قَالَ: إِذا أَرْطَبَتْ نخلَتُه فتُؤُخِّرَ عَنِ اخْتِرافِها تَساقَطَ عَنْ نَوَاهُ فَبَقِيَتِ الكِباسةُ لَيْسَ فِيهَا إِلا نَوًى معلَّق بالتَّفارِيق.
ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لِذَكَرِ الْخَنَافِسِ المُفَرَّضُ وأَبو سَلْمانَ والحَوَّاز والكَبَرْتَلُ.
والفِراضُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
جزَى اللَّهُ قَوْمي بالأُبُلَّةِ نُصْرةً ***ومَبْدًى لَهُمْ، حَولَ الفِراضِ، ومَحضَرا
وأَما قَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
كأَنْ لَمْ يكُنْ مِنّا الفِراضُ مَظِنَّةً، ***وَلَمْ يُمْسِ يَوْمًا مِلْكُها بيَمِيني
فَقَدْ يَجُوزُ أَن يَعْنِيَ الْمَوْضِعَ نفْسَه، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُعْنِي الثُّغُورَ يُشَبِّهُهَا بمشارِعِ المياهِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَيِ الجبلِ»؛ فُرْضةُ الْجَبَلِ مَا انْحَدَرَ مِنْ وَسَطِهِ وَجَانِبِهِ.
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ: مَا عَلَيْهِ فِراضٌ أَي ثَوْبٌ، وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: مَا عَلَيْهِ سِتْرٌ.
وَفِي الصِّحَاحِ: يُقَالُ مَا عَلَيْهِ فِراضٌ أَي شيءٌ مِنْ لِباسٍ.
وفِرْياضٌ: موضع.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
104-لسان العرب (سبط)
سبط: السَّبْطُ والسَّبَطُ والسَّبِطُ: نَقِيضُ الجَعْد، وَالْجَمْعُ سِباطٌ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ الأَكثر فِيمَا كَانَ عَلَى فَعْلٍ صِفةً، وَقَدْ سَبُطَ سُبُوطًا وسُبُوطةً وسَباطةً وسَبْطًا؛ الأَخيرة عَنْ سِيبَوَيْهِ.والسَّبْطُ: الشَّعَرُ الَّذِي لَا جُعُودة فِيهِ.
وَشَعَرٌ سَبْطٌ وسَبِطٌ: مُسْتَرْسِلٌ غَيْرُ جَعْدٍ.
وَرَجُلٌ سبْطُ الشعر وسَبِطُه" وَقَدْ سَبِطَ شعرُه، بِالْكَسْرِ، يَسْبَطُ سَبَطًا.
وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ شَعَرِهِ: لَيْسَ بالسَّبْطِ وَلَا بالجَعْدِ القَطِطِ "؛ السَّبْطُ مِنَ الشَّعَرِ: المُنْبَسِطُ المُسْتَرْسِلُ، والقَطِطُ: الشدِيدُ الجُعُودةِ، أَي كَانَ شَعَرُهُ وسَطًا بَيْنَهُمَا.
وَرَجُلٌ سَبِطُ الجسمِ وسَبْطُه: طَويلُ الأَلواحِ مُسْتَوِيها بَيّنُ السَّباطةِ، مِثْلُ فَخِذٍ وفَخْذ، مِنْ قَوْمٍ سِباطٍ إِذا كَانَ حَسَنَ القَدِّ وَالِاسْتِوَاءِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَجاءت بِهِ سَبْطَ العِظامِ كأَنَّما ***عِمامَتُه، بَيْنَ الرِّجالِ، لِواء
وَرَجُلٌ سَبْطٌ بالمَعْروف: سَهْلٌ، وَقَدْ سَبُطَ سَباطةً وسَبِطَ سَبَطًا، وَلُغَةُ أَهل الْحِجَازِ: رَجُلٌ سَبِطُ الشعرِ وامرأَة سَبِطةٌ.
وَرَجُلٌ سَبْطُ اليَدَيْن بَيّنُ السُّبُوطة: سَخِيٌّ سَمْحُ الْكَفَّيْنِ؛ قَالَ حَسَّانُ:
رُبَّ خالٍ لِي، لَوْ أَبْصَرْتَهُ، ***سَبِطِ الكَفَّيْنِ فِي اليَوْم الخَصِرْ
شَمِرٌ: مطَر سَبْطٌ وسَبِطٌ أَي مُتدارِكٌ سَحٌّ، وسَباطَتُه سَعَتُه وَكَثْرَتُهُ؛ قَالَ القطامِيُّ:
صَاقَتْ تَعَمَّجُ أَعْرافُ السُّيُولِ بِهِ ***مِنْ باكِرٍ سَبِطٍ، أَو رائحٍ يَبِلِ
أَراد بِالسَّبِطِ المطَر الواسِع الْكَثِيرَ.
وَرَجُلٌ سَبِطٌ بيِّن السَّباطةِ: طَوِيلٌ؛ قَالَ: " أَرْسَلَ فِيهَا سَبِطًا لَمْ يَخْطَلِ أَي هُوَ فِي خِلْقته الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا لَمْ يَزِدْ طُولًا.
وامرأَة سَبْطةُ الخلقِ وسَبِطةٌ: رَخْصةٌ ليِّنَةٌ.
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الطويلِ الأَصابعِ: إِنه لسَبْطُ الأَصابع.
وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَبْط القَصَبِ "؛ السبْطُ والسِبطُ، بِسُكُونِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا: الممتدُّ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَعَقُّدٌ وَلَا نُتوء، والقَصَبُ يُرِيدُ بِهَا ساعِدَيه وساقَيْه.
وَفِي حَدِيثِ المُلاعَنةِ: «إِن جَاءَتْ بِهِ سَبطًا فَهُوَ لِزَوْجِهَا»؛ أي مُمْتَدَّ الأَعضاء تامَّ الخلْقِ.
والسُّباطةُ: مَا سقَط مِنَ الشَّعْرِ إِذا سُرِّحَ، والسُّباطةُ: الكُناسةُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتى سُباطةَ قومٍ فبالَ فِيهَا قَائِمًا ثُمَّ توضأَ ومسَح عَلَى خُفَّيْه»؛ السُّباطةُ والكُناسةُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُرْمى فِيهِ الترابُ والأَوْساخُ وَمَا يُكْنَسُ مِنَ الْمَنَازِلِ، وَقِيلَ: هِيَ الكُناسةُ نَفْسُهَا وإِضافَتُها إِلى الْقَوْمِ إِضافةُ تَخْصِيصٍ لَا مِلْكٍ لأَنها كَانَتْ مَواتًا مُباحة، وأَما قَوْلُهُ قَائِمًا فَقِيلَ: لأَنه لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا لِلْقُعُودِ لأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ السُّباطة أَن لَا يَكُونَ موضعُها مُسْتويًا، وَقِيلَ: لِمَرَضٍ مَنَعَهُ عَنِ الْقُعُودِ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: " لِعِلَّةٍ بمَأْبِضَيْهِ "، وَقِيلَ: فعَله للتَّداوِي مِنْ وَجَعِ الصُّلْبِ لأَنهم كَانُوا يتَداوَوْنَ بِذَلِكَ، وَفِيهِ أَن مُدافَعةَ البَوْلِ مَكْرُوهَةٌ لأَنه بالَ قَائِمًا فِي السُّباطة وَلَمْ يؤخِّرْه.
والسَّبَطُ، بِالتَّحْرِيكِ: نَبْتٌ، الْوَاحِدَةُ سَبَطةٌ.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: السبَطُ النَّصِيُّ مَا دَامَ رَطْبًا، فإِذا يَبِسَ فَهُوَ الحَلِيُّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ يَصِفُ رَمْلًا:
بَيْنَ النهارِ وَبَيْنَ الليْلِ مِن عَقِدٍ [عَقَدٍ]، ***عَلَى جَوانِبه الأَسْباطُ والهَدَبُ
وَقَالَ فِيهِ الْعَجَّاجُ: أَجْرَدُ يَنْفِي عُذَرَ الأَسْباطِ "ابْنُ سِيدَهْ: السبَطُ الرَّطْبُ مِنَ الحَلِيِّ وَهُوَ مِنْ نباتِ الرَّمْلِ.
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: قَالَ أَبو زِيَادٍ السبَطُ مِنَ الشَّجَرِ وَهُوَ سَلِبٌ طُوالٌ فِي السَّمَاءِ دُقاقُ العِيدان تأْكله الإِبل وَالْغَنَمُ، وَلَيْسَ لَهُ زَهْرَةٌ وَلَا شَوك، وَلَهُ وَرَقٌ دِقاق عَلَى قَدْرِ الكُرَّاثِ؛ قَالَ: وأَخبرني أَعرابي مِنْ عَنَزة أَن السبَطَ نباتُه نباتُ الدُّخْنِ الكِبار دُونَ الذُّرةِ، وَلَهُ حَبٌّ كَحَبِّ البِزْرِ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَكِمَّتِه إِلا بالدَّقِّ، وَالنَّاسُ يَسْتَخْرِجُونَهُ ويأْكلونه خَبْزًا وطَبْخًا.
وَاحِدَتُهُ سبَطةٌ، وَجَمْعُ السبَطِ أَسْباطٌ.
وأَرض مَسْبَطةٌ مِنَ السَّبَطِ: كَثِيرَةُ السبَطِ.
اللَّيْثُ: السبَطُ نَبَاتٌ كالثِّيل إِلا أَنه يَطُولُ وَيَنْبُتُ فِي الرِّمال، الْوَاحِدَةُ سبَطةٌ.
قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: سأَلت ابْنَ الأَعرابي مَا مَعْنَى السِّبْط فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؟ قَالَ: السِّبْطُ والسّبْطانُ والأَسْباطُ خَاصَّةُ الأَولاد والمُصاصُ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: السِّبْطُ وَاحِدُ الأَسْباط وَهُوَ وَلد الوَلدِ.
ابْنُ سِيدَهْ: السِّبْطُ وَلَدُ الِابْنِ وَالِابْنَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «الحسَنُ والحُسَينُ سِبْطا رسولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُمَا، وَمَعْنَاهُ» أَي طائفتانِ وقِطْعتان مِنْهُ، وَقِيلَ: الأَسباط خَاصَّةُ الأَولاد، وَقِيلَ: أَولاد الأَولاد، وَقِيلَ: أَولاد الْبَنَاتِ، وَفِي الْحَدِيثِ أَيضًا: الحسينُ سِبْطٌ مِنَ الأَسْباط أَي أُمَّةٌ مِنَ الأُمم فِي الْخَيْرِ، فَهُوَ وَاقِعٌ عَلَى الأُمَّة والأُمَّةُ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الضِّبابِ: إِنَّ اللَّهَ غَضِبَ عَلَى سِبْطٍ مِنْ بَنِي إِسرائيل فَمَسَخَهُمْ دَوابَّ.
والسِّبْطُ مِنَ الْيَهُودِ: كَالْقَبِيلَةِ مِنَ الْعَرَبِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَرْجِعُونَ إِلى أَب وَاحِدٍ، سُمِّيَ سِبْطًا ليُفْرَق بَيْنَ وَلَدِ إِسماعيل وَوَلَدِ إِسحاق، وَجَمْعُهُ أَسْباط.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطًا}؛ أُممًا لَيْسَ أَسباطًا بِتَمْيِيزٍ لأَن الْمُمَيِّزَ إِنما يَكُونُ وَاحِدًا لَكِنَّهُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ كأَنه قَالَ: جَعَلْنَاهُمْ أَسْباطًا.
والأَسْباطُ مِنْ بَنِي إِسرائيل: كَالْقَبَائِلِ مِنَ الْعَرَبِ.
وَقَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطًا، قَالَ: أَنَّث لأَنه أَراد اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقةً ثُمَّ أَخبر أَن الفِرَقَ أَسْباطٌ وَلَمْ يَجْعَلِ الْعَدَدَ وَاقِعًا عَلَى الأَسباط؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: هَذَا غَلَطٌ لَا يَخْرُجُ الْعَدَدُ عَلَى غَيْرِ الثَّانِي وَلَكِنِ الفِرَقُ قَبْلَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ حَتَّى تَكُونَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مُؤَنَّثَةً عَلَى مَا فِيهَا كأَنه قَالَ: وقطَّعناهم فِرَقًا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فَيَصِحُّ التأْنيث لِمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ قُطْرُبٌ: وَاحِدُ الأَسباط سِبْطٌ.
يُقَالُ: هَذَا سِبْط، وَهَذِهِ سِبْطٌ، وَهَؤُلَاءِ سِبْط جَمْعٌ، وَهِيَ الفِرْقة.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَوْ قَالَ اثْنَيْ عشَر سِبْطًا لِتَذْكِيرِ السِّبْطِ كَانَ جَائِزًا، وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: السِّبْطُ ذَكَرٌ وَلَكِنَّ النِّيَّةَ، وَاللَّهُ أَعلم، ذَهَبَتْ إِلى الأُمم.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى وقطَّعناهم اثْنَتَيْ عشْرةَ فِرْقة أَسباطًا، فأَسباطًا مِنْ نَعْتِ فِرْقَةٍ كأَنه قَالَ: وَجَعَلْنَاهُمْ أَسباطًا، فَيَكُونُ أَسباطًا بَدَلًا مِنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، قَالَ: وَهُوَ الْوَجْهُ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَيْسَ أَسباطًا بِتَفْسِيرٍ وَلَكِنَّهُ بَدَلٌ مِنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لأَن التَّفْسِيرَ لَا يَكُونُ إِلا وَاحِدًا مَنْكُورًا كَقَوْلِكَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَلَا يَجُوزُ دَرَاهِمُ، وَقَوْلُهُ أُممًا مِنْ نَعْتٍ أَسْباطٍ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قَالَ بَعْضُهُمْ السِّبْطُ القَرْنُ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَ قَرْنٍ، قَالُوا: وَالصَّحِيحُ أَن الأَسْباط في ولد إِسحاق بْنِ إِبراهيم بِمَنْزِلَةِ الْقَبَائِلِ فِي وَلَدِ إِسماعيل، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فولَد كلِّ ولدٍ مِنْ ولدِ إِسماعيل قبيلةٌ، وَوَلَدُ كلِّ وَلَدٍ مِنْ ولَدِ إِسحاق سِبْطٌ، وإِنما سُمِّيَ هَؤُلَاءِ بالأَسباط وَهَؤُلَاءِ بِالْقَبَائِلِ ليُفْصَلَ بَيْنَ وَلَدِ إِسماعيل وَوَلَدِ إِسحاق، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
قَالَ: وَمَعْنَى إِسماعيل فِي الْقَبِيلَةِ مَعْنَى الْجَمَاعَةِ، يُقَالُ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ مِنْ أَب وَاحِدٍ قَبِيلَةٌ، وأَما الأَسباط فَمُشْتَقٌّ مِنَ السبَطِ، والسبَطُ ضرْب مِنَ الشَّجَرِ تَرْعَاهُ الإِبل، وَيُقَالُ: الشجرةُ لَهَا قَبَائِلُ، فَكَذَلِكَ الأَسْباطُ مِنَ السبَط، كأَنه جُعل إِسحاقُ بمنزلة شجرة، وجعل إِسماعيل بِمَنْزِلَةِ شَجَرَةٍ أُخرى، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ النَّسَّابُونَ فِي النَّسَبِ يَجْعَلُونَ الْوَالِدَ بِمَنْزِلَةِ الشَّجَرَةِ، والأَولادَ بِمَنْزِلَةِ أَغْصانها، فَتَقُولُ: طُوبى لفَرْعِ فلانٍ وفلانٌ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ.
فَهَذَا، وَاللَّهُ أَعلم، مَعْنَى الأَسْباط والسِّبْطِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَما قَوْلُهُ: " كأَنه سِبْطٌ مِنَ الأَسْباطِ فإِنه ظَنَّ السبْطَ الرَّجُلَ فغَلِط.
وسَبَّطَتِ الناقةُ وَهِيَ مُسَبِّطٌ: أَلْقَتْ ولدَها لِغَيْرِ تَمَامِ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَتْ تَضْرِب اليَتيم يَكُونُ فِي حَجْرِها حَتَّى يُسْبِطَ»أَي يَمتدّ عَلَى وَجْهِ الأَرض سَاقِطًا.
يُقَالُ: أَسْبَطَ عَلَى الأَرض إِذا وَقَعَ عَلَيْهَا مُمْتَدًّا مِنْ ضَرْبٍ أَو مرَض.
وأَسْبَطَ الرجلُ إِسْباطًا إِذا انْبَسَطَ عَلَى وَجْهِ الأَرض وَامْتَدَّ مِنَ الضَّرْبِ.
واسْبَطَرَّ أَي امْتَدَّ، مِنْهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" شُرَيْحٍ: فإِن هِيَ دَرَّتْ واسْبَطَرَّت "؛ يُرِيدُ امتدَّتْ للإِرْضاع؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
ولُيِّنَتْ مِنْ لَذّةِ الخِلاطِ، ***قَدْ أَسْبَطَتْ، وأَيُّما إِسْباطِ
يَعْنِي امرأَة أُتِيَتْ، فَلَمَّا ذاقَتِ العُسَيْلةَ مَدَّتْ نفْسَها عَلَى الأَرض، وَقَوْلُهُمْ: مَا لِي أَراك مُسْبِطًا أَي مُدَلِّيًا رأْسَك كالمُهْتَمّ مُسْتَرْخِيَ البدَنِ.
أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لِلنَّاقَةِ إِذا أَلقَتْ ولدَها قُبَيْلَ أَن يَسْتَبينَ خَلْقُه: قَدْ سَبَّطَتْ وأَجْهَضَتْ ورَجَعَتْ رِجاعًا.
وَقَالَ الأَصمعي: سبَّطتِ الناقةُ بِوَلَدِهَا وسبَّغَت، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، إِذا أَلقته وَقَدْ نبَت وبَرُه قَبْلَ التَّمام.
والتَّسْبِيطُ فِي النَّاقَةِ: كالرِّجاعِ.
وسبَّطتِ النعجةُ إِذا أَسْقطت.
وأَسْبَط الرجلُ: وَقَعَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى التحرُّك مِنَ الضعْف، وَكَذَلِكَ مِنْ شُرب الدَّواء أَو غَيْرُهُ؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ.
وأَسْبَطَ بالأَرض: لَزِقَ بِهَا؛ عَنِ ابْنِ جَبلة.
وأَسْبَط الرجلُ أَيضًا: سكَت مِن فَرَقٍ.
والسَّبَطانةُ: قَناةٌ جَوْفاء مَضْروب بالعَقَبِ يُرْمى بِهَا الطيرُ، وَقِيلَ: يُرْمَى فِيهَا بِسهام صِغار يُنْفَخُ فِيهَا نَفْخًا فَلَا تَكَادُ تُخْطِئ.
والسَّاباطُ: سَقيفةٌ بَيْنَ حَائِطَيْنِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: بَيْنَ دَارَيْنِ، وَزَادَ غَيْرُهُ: مِنْ تَحْتِهَا طَرِيقٌ نَافِذٌ، وَالْجَمْعُ سَوابِيطُ وساباطاتٌ.
وَقَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ: أَفْرَغُ مِنْ حَجَّامِ ساباطٍ؛ قَالَ الأَصمعي: هُوَ ساباطُ كِسْرى بالمدائنِ وَبِالْعَجَمِيَّةِ بَلاس آبادْ، وبَلاس اسْمُ رَجُلٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَعشى:
فأَصْبَحَ لَمْ يَمْنَعْه كَيْدٌ وحِيلةٌ ***بِساباطَ حَتَّى ماتَ وَهُوَ مُحَرْزَق
يَذْكُرُ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ وَكَانَ أَبْرَويز حبَسه بِسَابَاطٍ ثُمَّ أَلقاه تَحْتَ أَرْجُل الفِيَلةِ.
وساباطُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الأَعشى:
هُنالِكَ مَا أَغْنَتْه عِزَّةُ مُلْكِه ***بِساباطَ، حَتَّى ماتَ وَهُوَ مُحَرْزَقُ
وسَباطِ: مِنْ أَسماء الحمَّى، مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ؛ قَالَ الْمُتَنَخِّلُ الْهُذَلِيُّ:
أَجَزْتُ بفِتْيةٍ بِيضٍ كِرامٍ، ***كأَنَّهُمُ تَمَلُّهُمُ سَباطِ
وسُباط: اسْمُ شَهْرٍ بِالرُّومِيَّةِ، وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذِي بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: وَهُوَ فِي فَصْلِ الشِّتَاءِ، وَفِيهِ يَكُونُ تَمَامُ الْيَوْمِ الَّذِي تَدُور كسُوره فِي السِّنِينَ، فإِذا تَمَّ ذَلِكَ اليومُ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ سَمَّى أَهلُ الشَّامِ تِلْكَ السنةَ عامَ الكَبِيسِ، وَهُمْ يَتَيَمَّنُونَ بِهِ إِذا وُلد فِيهِ مَوْلُودٌ أَوْ قَدِم قادِمٌ مِنْ سَفَرٍ.
والسِّبْطُ الرِّبْعِيُّ: نَخْلَةٌ تُدرك آخِرَ القَيْظِ.
وسابِطٌ وسُبَيْطٌ: اسْمانِ.
وسابُوطٌ: دابّةٌ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ.
وَيُقَالُ: سبَط فُلَانٌ عَلَى ذَلِكَ الأَمْرِ يَمِينًا وسَمَط عَلَيْهِ، بِالْبَاءِ وَالْمِيمِ، أَي حلَف عَلَيْهِ.
ونعْجة مَسْبُوطةٌ إِذا كَانَتْ مَسْمُوطةً مَحْلوقة.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
105-لسان العرب (سلع)
سلع: السَّلَعُ: البَرَصُ، والأَسْلَعُ: الأَبْرَصُ؛ قَالَ:هَلْ تَذْكُرون عَلَى ثَنِيّةِ أَقْرُنٍ ***أَنَسَ الفَوارِسِ، يومَ يَهْوي الأَسْلَعُ؟
وَكَانَ عمْرو بْنُ عُدَسَ أَسلعَ قَتَلَهُ أَنَسُ الفَوارِس بْنُ زِيَادٍ الْعَبْسِيُّ يَوْمَ ثَنِيّةِ أَقْرُنٍ.
والسَّلَعُ: آثَارُ النَّارِ بالجسَد.
وَرَجُلٌ أَسْلَعُ: تُصِيبُهُ النَّارُ فَيَحْتَرِقُ فَيَرَى أَثرها فِيهِ.
وسَلِعَ جِلْدُه بِالنَّارِ سَلَعًا، وتَسَلَّعَ: تَشَقَّقَ.
والسَّلْعُ: الشَّقُّ يَكُونُ فِي الْجِلْدِ، وَجَمْعُهُ سُلُوعٌ.
والسَّلْعُ أَيضًا: شَقّ فِي العَقب، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ، والسَّلْعُ: شَقّ فِي الْجَبَلِ كَهَيْئَةِ الصَّدْعِ، وَجَمْعُهُ أَسْلاعٌ وسُلُوعٌ، وَرَوَاهُ ابن الأَعرابي واللحياني سِلْعٌ، بِالْكَسْرِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
بِسِلْع صَفًا لَمْ يَبْدُ للشمسِ بَدْوةً، ***إِذا ما رآهُ راكِب ***أُرْعِدَا
وَقَوْلُهُمْ سُلُوعٌ يَدُلُّ عَلَى أَنه سَلْع.
وسَلَعَ رأْسَه يَسْلَعُه سَلْعًا فانْسَلَع: شقَّه.
وسَلِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ وتَسَلَّعَتْ تَسْلَعُ سَلَعًا مِثْلَ زَلِعَتْ وتَزَلَّعَتْ، وانْسَلَعَتا: تَشَقّقتا؛ قَالَ حكِيمُ بْنَ مُعَيّةَ الرَّبَعي:
تَرَى بِرِجْلَيْه شُقُوقًا فِي كَلَعْ ***مِنْ بارِئ حِيصَ، ودامٍ مُنْسَلِعْ
ودَلِيلٌ مِسْلَعٌ: يَشُقُّ الْفَلَاةَ؛ قَالَتْ سُعْدَى الجُهَنِيّة تَرْثي أَخاها أَسعد:
سَبَّاقُ عادِيةٍ، ورأْسُ سَرِيَّةٍ، ***ومُقاتِلٌ بَطَلٌ، وهادٍ مِسْلَعُ
والمَسْلُوعَةُ: الطَّرِيقُ لأَنها مَشْقُوقَةٌ؛ قَالَ مُلَيْحٌ:
وهُنَّ عَلَى مَسْلُوعةٍ زِيَم الحَصَى ***تُنِيرُ، وتَغْشاها هَمالِيجُ طُلَّحُ
والسَّلْعة، بِالْفَتْحِ: الشَّجّةُ فِي الرأْس كَائِنَةً مَا كَانَتْ.
يُقَالُ: فِي رأْسه سَلْعتانِ، وَالْجَمْعُ سَلْعاتٌ وسِلاعٌ، والسَّلَعُ اسْمٌ لِلْجَمْعِ كحَلْقَةٍ وحَلَق، وَرَجُلٌ مَسْلُوعٌ ومُنْسَلِعٌ.
وسَلَعَ رأْسَه بِالْعَصَا: ضَرَبَهُ فَشَقَّهُ.
والسِّلْعةُ: مَا تُجِرَ بِهِ، وأَيضًا العَلَقُ، وأَيضًا المَتاعُ، وَجَمْعُهَا السِّلَعُ.
والمُسْلِعُ: صاحبُ السِّلْعة.
والسِّلْعةُ، بِكَسْرِ السِّينِ: الضَّواةُ، وَهِيَ زِيَادَةٌ تَحْدُثُ فِي الْجَسَدِ مِثْلَ الغُدّة؛ وَقَالَ الأَزهري: هِيَ الجَدَرةُ تَخْرُجُ بالرأْس وَسَائِرِ الْجَسَدِ تَمُور بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ إِذا حَرَّكْتَهَا، وَقَدْ تَكُونُ لسائِرِ الْبَدَنِ فِي الْعُنُقِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ حِمَّصةٍ إِلى بِطِّيخةٍ.
وَفِي حَدِيثِ خاتَمِ النُّبُوّة: «فرأَيتُه مِثْلَ السِّلْعة»؛ قَالَ: هِيَ غُدَّةٌ تَظْهَرُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ إِذا غُمِزَتْ بِالْيَدِ تَحَرَّكَتْ.
وَرَجُلٌ أَسْلَعُ: أَحْدَبُ.
وإِنه لَكَرِيمُ السَّلِيعةِ أَي الْخَلِيقَةِ.
وَهُمَا سِلْعانِ وسَلْعانِ أَي مِثلان.
وأَعطاه أَسلاع إِبله أَي أَشباهَها، واحدُها سِلْع وسَلْع.
قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ: ذَهَبَتْ إِبلي فَقَالَ رَجُلٌ: لَكَ عِنْدِي أَسلاعُها أَي أَمثالُها فِي أَسنانِها وهيئاتِها.
وَهَذَا سِلْع هَذَا أَي مِثْلُهُ وشَرْواهُ.
والأَسْلاعُ: الأَشْباه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي لَمْ يَخُصَّ بِهِ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ.
والسَّلَعُ:
سَمّ؛ فأَما قَوْلُ ابْنِ ***:
يَظَلُّ يَسْقِيها السِّمامَ الأَسْلَعا فإِنه تَوهَّم مِنْهُ فِعْلًا ثُمَّ اشْتَقَّ مِنْهُ صِفَةً ثُمَّ أَفْرَدَ لأَن لَفْظَ السِّمام وَاحِدٌ، وإِن كَانَ جَمْعًا أَو حَمَلَهُ عَلَى السَّمِّ.
والسَّلَعُ: نَبَاتٌ، وَقِيلَ شَجَرٌ مُرّ؛ قَالَ بِشْرٌ:
يَسُومُونَ العِلاجَ بذاتِ كَهْفٍ، ***وَمَا فِيهَا لَهُمْ سَلَعٌ وَقارُ
ومنه المُسَلَّعةُ، كانت الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا تأْخُذُ حطَبَ السَّلَع والعُشَر فِي المَجاعاتِ وقُحُوط القَطْر فَتُوقِرُ ظُهُورَ الْبَقَرِ مِنْهَا، وَقِيلَ: يُعَلِّقون ذَلِكَ فِي أَذنابها ثُمَّ تُلْعج النار فيها يَسْتَمْطِرون بِلَهَبِ النَّارِ الْمُشَبَّهِ بِسَنى الْبَرْقِ، وَقِيلَ: يُضْرِمُون فِيهَا النَّارَ وَهُمْ يُصَعِّدُونها فِي الْجَبَلِ فيُمْطَرون زَعَمُوا؛ قَالَ الوَرَكُ الطَّائِيِّ:
لَا دَرَّ دَرُّ رِجالٍ خابَ سَعْيُهُمُ، ***يَسْتَمْطِرُون لَدى الأَزْماتِ بالعُشَر
أَجاعِلٌ أَنْتَ بَيْقُورًا مُسَلَّعةً ***ذَرِيعةً لَكَ بَيْنَ اللهِ والمَطَرِ؟
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: قَالَ أَبو زِيَادٍ السَّلَعُ سَمٌّ كُلُّهُ، وَهُوَ لفْظ قَلِيلٌ فِي الأَرض وَلَهُ وَرَقَةٌ صُفَيْراءُ شَاكَّةٌ كأَنَّ شَوْكَهَا زغَب، وَهُوَ بَقِلَةٌ تنفرش كأَنها راحة الْكَلْبِ، قَالَ: وأَخبرني أَعرابي مِنْ أَهل الشَّراة أَن السَّلَعَ شَجَرٌ مِثْلُ السَّنَعْبُق إِلا أَنه يرتقي حِبالًا خُضْرًا لَا وَرَقَ لَهَا، وَلَكِنْ لَهَا قُضْبان تَلْتَفُّ عَلَى الْغُصُونِ وتَتَشَبَّكُ، وَلَهُ ثَمَرٌ مِثْلُ عَنَاقِيدِ الْعِنَبِ صِغَارٌ، فإِذا أَينع اسوَدَّ فتأْكله القُرود فَقَطْ؛ أَنشد غَيْرَهُ لأُمية بْنِ أَبي الصَّلْتِ:
سَلَعٌ مَّا، ومِثْلُه عُشَرٌ مَّا، ***عائِلٌ مَّا، وعالَتِ البَيْقُورا
وأَورد الأَزهري هَذَا الْبَيْتَ شَاهِدًا عَلَى مَا يَفْعَلُهُ الْعَرَبُ مِنَ اسْتِمْطَارِهِمْ بإِضرام النَّارِ فِي أَذناب الْبَقَرِ.
وسَلْع: مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ، وَقِيلَ: جَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ؛ قَالَ تأَبط شَرًّا:
إِنَّ، بالشِّعْبِ الَّذِي دُون سَلْعٍ، ***لَقَتِيلًا، دَمُه مَا يُطَلُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ للشَّنْفَرى ابْنِ أُخت تأَبط شَرًّا يَرْثِيهِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي آخِرِ الْقَصِيدَةِ:
فاسْقِنِيها يَا سَوادُ بنَ عَمْرٍو، ***إِنَّ جِسْمِي بَعْدَ خَالِي لَخَلُ
يَعْنِي بِخَالِهِ تأَبط شَرًّا فَثَبَتَ أَنه لِابْنِ أُخته الشَّنْفَرَى.
والسَّوْلعُ: الصَّبِرُ المُرّ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
106-لسان العرب (طلغ)
طلغ: الأَزهري: أَهمله اللَّيْثُ، قَالَ: وأَخبرني الثِّقَةُ مِنْ أَصحابنا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ جَبَلَةَ عَنْ شمر عن "الْكِلَابِيِّ يُقَالُ: فُلَانٌ يَطْلَغُ المِهْنةَ.قَالَ: والطَّلَغانُ أَن يَعْيا فَيَعْمَلَ عَلَى الكَلالِ؛ قَالَ الأَزهري: لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَرْفُ عِنْدَ أَصحابنا عَنْ شَمِرٍ فأَفادَنِيه أَبو طَاهِرِ بْنُ الْفَضْلِ، وَهُوَ ثِقَةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى.
وَقَالَ أَبو عَدْنَانَ: قَالَ الْعَتْرِيفِيُّ إِذا عَجَزَ الرَّجُلُ قُلْنا هُوَ يَطْلَغُ المِهْنةَ، والطَّلَغانُ: أَن يَعْيا الرَّجُلُ ثُمَّ يَعْمَلَ عَلَى الإِعْياء وهو التَّلَغُّبُ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
107-لسان العرب (طلق)
طلق: الطَّلْق: طَلق الْمَخَاضِ عِنْدَ الوِلادة.ابْنُ سِيدَهْ: الطَّلْق وجَع الْوِلَادَةِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنّ رَجُلًا حَجَّ بأُمّه فَحملها عَلَى عاتِقه فسأَله: هَلْ قَضَى حَقَّها؟ قَالَ: وَلَا طَلْقَة وَاحِدَةً»؛ الطَّلْق: وَجَعُ الْوِلَادَةِ، والطَّلْقَة: الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ، وَقَدْ طُلِقَت المرأَة تُطْلَق طَلْقًا، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وطَلُقت، بِضَمِّ اللَّامِ.
ابْنُ الأَعرابي: طَلُقَت مِنَ الطَّلَاقِ أَجود، وطَلَقَت بِفَتْحِ اللَّامِ جَائِزٌ، وَمِنَ الطَّلْق طُلِقَت، وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: امرأَة طالِق بِغَيْرِ هَاءٍ؛ وأَما قَوْلُ الأَعشى: " أَيا جارَتا بِيِني، فإِنك طالِقَه فإِن اللَّيْثَ قَالَ: أَراد طالِقة غَدًا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: قَالَ طالِقة عَلَى الْفِعْلِ لأَنها يُقَالُ لَهَا قَدْ طَلَقَت فَبُنِيَ النَّعْتُ "عَلَى الْفِعْلِ، وطَلاقُ المرأَة: بَيْنُونَتُهَا عَنْ زَوْجِهَا.
وامرأَة طالِق مِنْ نِسْوَةٍ طُلَّق وطالِقة مِنْ نِسْوَةٍ طَوَالِق؛ وأَنشد قَوْلَ الأَعشى:
أَجارَتنا بِيني، فإِنك طَالِقَهْ ***كذاكِ أُمور النَّاسِ غادٍ وطارِقَه
وطَلَّق الرَّجُلُ امرأَته وطَلَقت هِيَ، بِالْفَتْحِ، تَطْلُق طَلاقًا وطَلُقَت، والضم أَكثر؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، طَلاقًا وأَطْلَقها بَعْلُها وطَلَّقها.
وَقَالَ الأَخفش: لَا يُقَالُ طَلُقت، بِالضَّمِّ.
وَرَجُلٌ مِطْلاق ومِطْليق وطلِّيق وطُلَقة، عَلَى مِثَالِ هُمَزة: كَثِيرُ التَّطْليق لِلنِّسَاءِ.
وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ: «إِنك رَجُلٌ طلِّيق»أَي كَثِيرُ طَلاق النِّسَاءِ، والأَجود أَن يُقَالَ مِطْلاق ومِطْلِيق؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِن الحَسن مِطْلاق فَلا تزوِّجُوه.
وطَلَّق البلادَ: تَرَكَهَا؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
مُرَاجعُ نَجْد بَعْدَ فِرْكٍ وبِغْضَةٍ، ***مُطَلِّقُ بُصْرَى، أَشْعثُ الرأْسِ جافِلُه
قَالَ: وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ وَسَأَلَهُ الْكِسَائِيُّ فَقَالَ: أَطَلّقْت امرأَتك؟ فَقَالَ: نَعَمْ والأَرض مِنْ وَرَائِهَا وطَلَّقت الْبِلَادَ: فارقْتها.
وطَلّقْت الْقَوْمَ: تركتُهم؛ وأَنشد لِابْنِ أَحمر:
غَطارِفَة يَرَوْن المجدَ غُنْمًا، ***إِذا مَا طَلَّقَ البَرِمُ العِيالا
أَي تَرَكَهُمْ كَمَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ المرأَة.
وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ وَزَيْدٍ: «الطَّلاقُ بِالرِّجَالِ والعِدَّة بِالنِّسَاءِ»، هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِهَؤُلَاءِ وَهَذِهِ مُتَعَلِّقَةٌ بهؤلاء، فالرجال يُطَلِّق والمرأَة تعتدُّ؛ وَقِيلَ: أَراد أَن الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِالزَّوْجِ فِي حُرِّيَّتِهِ ورقِّه، وَكَذَلِكَ الْعِدَّةُ بالمرأَة فِي الْحَالَتَيْنِ، وَفِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءُ خِلَافٌ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِن الْحُرَّةَ إِذا كَانَتْ تَحْتَ الْعَبْدِ لَا تَبين إِلا بِثَلَاثٍ وتَبِين الأَمة تَحْتَ الْحُرِّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِن الحرة تَبِين تَحْتَ الْعَبْدِ بِاثْنَتَيْنِ وَلَا تَبِينُ الأَمة تَحْتَ الْحُرِّ بأَقلّ مِنْ ثَلَاثٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِذا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا وَهِيَ حُرَّةٌ أَو بِالْعَكْسِ أَو كَانَا عبدَين فإِنها تَبِين بِاثْنَتَيْنِ، وأَما الْعِدَّةُ فإِن المرأَة إِن كَانَتْ حُرَّةً اعتدَّت لِلْوَفَاةِ أَربعة أَشهر وَعَشْرًا، وَبِالطَّلَاقِ ثَلَاثَةَ أَطهار أَو ثلاثَ حِيَض، تَحْتَ حُرٍّ كَانَتْ أَو عبدٍ، فإِن كَانَتْ أَمة اعْتَدَّتْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسًا أَو طُهْرين أَو حَيْضتين، تَحْتَ عَبْدٍ كَانَتْ أَو حُرٍّ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ وَالرَّجُلِ الَّذِي قَالَ لِزَوْجَتِهِ: «أَنتِ خليَّة طالِقٌ»؛ الطالِقُ مِنَ الإِبل: الَّتِي طُلِقت فِي المرعَى، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَا قَيْد عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الخليَّة.
وطَلاقُ النِّسَاءِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحدهما حَلُّ عُقْدة النِّكَاحِ، وَالْآخَرُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ والإِرْسال.
وَيُقَالُ للإِنسان إِذا عَتَق طَلِيقٌ أَي صَارَ حُرًّا.
وأَطْلَق النَّاقَةَ مِنْ عِقَالها وطَلَّقَها فطَلَقَت: هِيَ بِالْفَتْحِ، وَنَاقَةٌ طَلْق وطُلُق: لَا عِقال عَلَيْهَا، وَالْجَمْعُ أَطْلاق.
وَبَعِيرٌ طَلْق وطُلُق: بِغَيْرِ قَيْد.
الْجَوْهَرِيُّ: بَعِيرٌ طُلُق وناقة طُلُق، بِضَمِّ الطَّاءِ وَاللَّامِ، أَي غَيْرُ مقيَّد.
وأَطْلَقْت النَّاقَةَ مِنَ العِقال فطَلَقَت.
والطالِق مِنَ الإِبل: الَّتِي قَدْ طَلَقت فِي الْمَرْعَى.
وَقَالَ أَبو نَصْرٍ: الطَّالِقُ الَّتِي تَنْطَلق إِلى الْمَاءِ وَيُقَالُ الَّتِي لَا قَيْد عَلَيْهَا، وَهِيَ طُلُق وطالِق أَيضًا وطُلُق أَكثر؛ وأَنشد: " مُعَقَّلات الْعِيسِ أَو طَوالِقِ أَي قَدْ طَلَقَت عَنِ الْعِقَالِ فَهِيَ طالِق لَا تحبَس عَنِ الإِبل.
وَنَعْجَةٌ طالِق: مُخَلَّاة ترعَى وحْدَها، وحبَسُوه فِي السِّجْن طَلْقًا أَي بِغَيْرِ قَيْدٍ وَلَا كَبْل.
وأَطْلَقَه، "فَهُوَ مُطْلَق وطَلِيق: سَرَّحَهُ؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ:
طَلِيق اللَّهِ، لَمْ يَمْنُنْ عَلَيْهِ ***أَبُو داودَ، وابنُ أَبي كَبِير
وَالْجَمْعُ طُلقَاء، والطُّلَقاء: الأُسراء العُتَقاء.
والطَّليق: الأَسير الَّذِي أُطْلِق عَنْهُ إِسارُه وخُلِّيَ سبِيلُه.
والطَّلِيقُ: الأَسِير يُطْلَق، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وتَبْسِمُ عَنْ نَوْرِ الأَقاحِيّ أَقْفَرَتْ ***بِوَعْساء مَعْروف، تُغامُ وتُطْلَقُ
تُغامُ مرَّة أَي تُسْتر، وتُطْلَق إِذا انْجَلَى عَنْهَا الْغَيْمُ، يَعْنِي الأَقاحي إِذا طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَيْهَا فَقَدْ طُلِقَت.
وأَطْلَقْت الأَسير أَي خليَّته.
وَفِي حَدِيثِ حُنَيْنٍ: «خَرَجَ وَمَعَهُ الطُّلَقاء»؛ هُمُ الَّذِينَ خَلَّى عَنْهُمْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وأَطْلَقَهم فَلَمْ يَسْتَرِقَّهم، واحدهم طَلِيق وَهُوَ الأَسِير إِذا أُطْلِق سَبِيلُهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «الطِّلَقاءُ مِنْ قُرَيش والعُتَقاءُ مِنْ ثَقِيف»، كأَنَّه ميَّز قُرَيْشًا بِهَذَا الِاسْمِ حَيْثُ هُوَ أَحسن مِنَ العُتَقاء.
والطُّلَقاء: الَّذِينَ أُدخِلوا فِي الإِسلام كَرْهًا؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ، فإِما أَن يَكُونَ مِنْ هَذَا، وإِما أَن يَكُونَ مِنْ غيره.
وَنَاقَةٌ طالِقٌ: بِلَا خِطَامٍ، وَهِيَ أَيضًا الَّتِي تُرْسَلُ فِي الْحَيِّ فَتَرْعَى مِنْ جَنابِهم حَيْثُ شاءَت لَا تُعْقَل إِذا رَاحَتْ وَلَا تُنَحَّى فِي الْمَسْرَحِ؛ قَالَ أَبو ذؤَيب: " غَدَتْ وَهِيَ مَحْشوكةٌ طالِق "وَنَعْجَةٌ طالِق أَيضًا: مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يَحْتَبِسُ الرَّاعِي لَبَنها، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يُتْرَك لَبَنُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ يُحْلب.
والطَّالِق مِنَ الإِبل: الَّتِي يَتْرُكُهَا الرَّاعِي لِنَفْسِهِ لَا يَحْتَلِبُهَا عَلَى الْمَاءِ، يُقَالُ: اسْتَطْلق الرَّاعِي نَاقَةً لِنَفْسِهِ، والطَّالِقُ: النَّاقَةُ يُحَلُّ عَنْهَا عِقالُها؛ قَالَ: " مُعَقَّلات العِيسِ أَو طَوَالِق وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ أَيضًا لإِبراهيم بْنِ هَرْمَةَ:
تُشْلى كبيرتُها فتُحْلَبُ طالِقًا، ***ويُرمِّقُونَ صغارَها تَرْميقا
أَبو عَمْرٍو: الطَّلَقَة النُّوقُ الَّتِي تُحْلب فِي الْمَرْعَى.
ابْنُ الأَعرابي: الطالِقُ النَّاقَةُ تُرْسَلُ فِي الْمَرْعَى.
الشَّيْبَانِيُّ: الطالِقُ مِنَ النُّوقِ الَّتِي يَتْرُكُهَا بِصِرارِها؛ وأَنشد لِلْحُطَيْئَةِ:
أَقيموا عَلَى المِعْزَى بِدَارِ أَبيكُمُ، ***تَسُوفُ الشِّمالُ بَيْنَ صَبْحَى وطالِقِ
قَالَ: الصَّبْحَى الَّتِي يَحْلِبُهَا فِي مَبْرَكِهَا يَصْطَبِحُها، والطَّالِقُ الَّتِي يَتْرُكُهَا بِصِرَارِهَا فَلَا يَحْلِبُهَا فِي مَبْرَكِهَا، وَالْجَمْعِ المَطالِيق والأَطْلاق.
وَقَدْ أُطْلِقَت النَّاقَةُ فطَلَقت أَي حُلَّ عقالُها؛ وَقَالَ شَمِرٌ: سأَلت ابْنَ الأَعرابي عَنْ قَوْلِهِ:
ساهِم الوَجْه مِنْ جَدِيلةَ أَو نَبْهانَ، ***أَفْنى ضِراه للإِطْلاقِ
قَالَ: هَذَا يَكُونُ بِمَعْنَى الْحَلِّ والإِرسال، قَالَ: وإِطْلاقُه إِيَّاها إِرسالها عَلَى الصَّيْدِ أَفناها أَي بقَتْلِها.
والطَّالِقُ والمِطْلاقُ: النَّاقَةُ الْمُتَوَجِّهَةُ إِلى الْمَاءِ، طَلَقَتْ تَطْلُق طَلْقًا وطُلوقًا وأَطْلَقَها؛ قال" ذُو الرُّمَّةِ:
قِرانًا وأَشْتاتًا وحادٍ يَسُوقُها، ***إِلى الماءِ مِنْ حَوْر التَّنُوفةِ، مُطْلِق
وليلةُ الطَّلَق: اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ لَيَالِي تَوَجُّهِهَا إِلى الْمَاءِ.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: إِذا كَانَ بَيْنَ الإِبل وَالْمَاءِ يَوْمَانِ فأَول يَوْمٍ يُطْلب فِيهِ الْمَاءُ هُوَ القَرَب، وَالثَّانِي الطَّلَق؛ وَقِيلَ: لَيْلَةُ الطَّلَق أَن يُخَلِّيَ وُجوهَها إِلى الْمَاءِ، عبَّر عَنِ الزَّمَانِ بِالْحَدَثِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا يُعْجِبُنِي.
أَبو عُبَيْدٍ عَنْ أَبي زَيْدٍ: أَطْلَقْتُ الإِبل إِلى الماءِ حَتَّى طَلَقَت طَلْقًا وطُلوقًا، وَالِاسْمُ الطَّلَق، بِفَتْحِ اللَّامِ.
وَقَالَ الأَصمعي: طَلَقَت الإِبلُ فَهِيَ تَطْلُق طَلْقًا، وَذَلِكَ إِذا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَاءِ يَوْمَانِ، فَالْيَوْمُ الأَول الطَّلَق، وَالثَّانِي القَرَب، وَقَدْ أَطْلَقَها صاحُبها إِطْلاقًا، وَقَالَ: إِذا خلَّى وُجوهَ الإِبل إِلى الماءِ وَتَرَكَهَا فِي ذَلِكَ تَرْعَى لَيْلَتَئذ فَهِيَ لَيْلَةُ الطَّلَق، وإِن كَانَتِ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ فَهِيَ لَيْلَةُ القَرَب، وَهُوَ السَّوق الشَّدِيدُ؛ وإِذا خلَّى الرجلُ عَنْ نَاقَتِهِ قِيلَ طَلّقها، والعَيْرُ إِذا حازَ عانَته ثُمَّ خلَّى عَنْهَا قِيلَ طَلَّقها، وإِذا اسْتَعْصَت العانةُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْقَدْنَ لَهُ قِيلَ طَلَّقْنَه؛ وأَنشد لِرُؤْبَةَ: " طَلَّقْنَه فاسْتَوْرَدَ العَدَامِلا وأُطْلِقَ القومُ، فَهُمْ مُطْلَقون إِذا طَلَقَت إِبلُهم، وَفِي الْمُحَكَمِ إِذا كَانَتْ إِبلهم طَوالِق فِي طَلَبِ الْمَاءِ، والطَّلَق: سَيْرُ اللَّيْلِ لوِرْدِ الغِبِّ، وَهُوَ أَن يَكُونَ بَيْنَ الإِبل وَبَيْنَ الْمَاءِ لَيْلَتَانِ، فَاللَّيْلَةُ الأُولى الطَّلَق يُخَلِّي الرَّاعِي إِبلَه إِلى الْمَاءِ وَيَتْرُكُهَا مَعَ ذَلِكَ تَرْعَى وَهِيَ تَسِيرُ، فالإِبل بَعْدَ التَّحويز طَوالِقُ، وَفِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ قَوارِبُ.
والإِطْلاق فِي الْقَائِمَةِ: أَن لَا يَكُونَ فِيهَا وَضَحٌ، وَقَوْمٌ يَجْعَلُونَ الإِطْلاق أَن يَكُونَ يَدٌ وَرِجْلٌ فِي شِقّ مُحَجَّلَتين، وَيَجْعَلُونَ الإِمْساك أَن يَكُونَ يَدٌ وَرِجْلٌ لَيْسَ بِهِمَا تَحْجِيلٌ.
وَفَرَسٌ طُلُقُ إِحدى الْقَوَائِمِ إِذا كَانَتْ إِحدى قَوَائِمِهِ لَا تَحْجِيلَ فِيهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «خيرُ الحُمُر الأَقْرحُ طُلُقُ اليدِ الْيُمْنَى»أَي مُطْلَقُها لَيْسَ فِيهَا تَحْجِيلٌ؛ وطَلُقَت يدُه بِالْخَيْرِ طَلاقةً وطَلَقَت وطَلَقَها بِهِ يَطْلُقها وأَطْلَقها؛ أَنشد أَحمد بْنُ يَحْيَى:
أُطْلُقْ يَدَيْك تَنْفَعاك يَا رَجُلْ ***بالرَّيْثِ مَا أَرْوَيْتَها، لَا بالعَجَلْ
وَيُرْوَى: أَطْلِقْ.
وَيُقَالُ: طَلَقَ يَدَهُ وأَطْلقَها فِي الْمَالِ وَالْخَيْرِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ قَالَ ذَلِكَ أَبو عُبَيْدٍ وَرَوَاهُ الْكِسَائِيُّ فِي بَابِ فَعَلْت وأَفْعَلْت، ويدُه مَطْلوقة ومُطْلَقة.
وَرَجُلٌ طَلْقُ الْيَدَيْنِ وَالْوَجْهِ وطَلِيقُهما: سَمْحُهما.
وَوَجْهٌ طَلْقٌ وطِلْقٌ وطُلْقٌ؛ الأَخيرتان عَنِ ابْنِ الأَعرابي: ضَاحِكٌ مُشْرِق، وجمعُ الطَّلْقِ طَلْقات.
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَلَا يُقَالُ أَوْجُهٌ طَوالِق إِلَّا فِي الشِّعْرِ، وامرأَة طَلْقةُ الْيَدَيْنِ.
وَوَجْهٌ طَلِيقٌ كطَلْق، والاسمُ مِنْهَا وَالْمَصْدَرُ جَمِيعًا الطَّلاقةُ.
وَقَدْ طَلُق الرجلُ، بِالضَّمِّ طَلاقةً فَهُوَ طَلْقٌ وطَلِيقٌ أَي مُسْتَبْشِر مُنْبَسِطُ الْوَجْهِ مُتَهَلِّلُه.
وَوَجْهٌ مُنْطَلِق: كطَلْق، وَقَدِ انْطَلَق؛ قَالَ الأَخطل:
يَرَوْنَ قِرًى سَهْلًا وَدَارًا رَحِيبةً، ***ومُنْطَلَقًا فِي وَجْهِ غيرِ بَسُورِ
وَيُقَالُ: لَقِيتُهُ مُنْطَلِقَ الْوَجْهِ إِذا أَسفر؛ وأَنشد:
يَرْعَوْنَ وَسْمِيًّا وَصَى نَبْتُه، ***فانْطَلَقَ الوجهُ ودقَّ الكُشُوحْ
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَفْضلُ الإِيمانِ أَن تُكَلِّم أَخاك وأَنت طَلِيقٌ»أَي مُسْتَبْشِرٌ مُنْبَسِطُ الْوَجْهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «أَن تَلْقاه بِوَجْهٍ طَلِق».
وتَطَلّقَ الشيءَ: سُرَّ بِهِ فَبَدَا ذَلِكَ فِي وَجِهِهِ.
أَبو زَيْدٍ: رَجُلٌ طَلِيقُ الْوَجْهِ ذُو بِشْرٍ حَسَنٍ، وطَلْق الْوَجْهِ إِذا كَانَ سخِيًّا، وَمِثْلُهُ بَعِيرٌ طَلْقُ الْيَدَيْنِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ، وَجَمْعُهُ أَطلاق.
الْكِسَائِيُّ: رَجُلٌ طُلُقٌ، وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
وَيَوْمٌ طَلْقٌ بيِّن الطَّلاقة، وليلةٌ طَلْقٌ أَيضًا وليلة طَلْقةٌ: مُشْرِقٌ لَا بَرْدَ فِيهِ وَلَا حَرَّ وَلَا مَطَرَ وَلَا قُرّ، وَقِيلَ: وَلَا شَيْءَ يُؤْذِي، وَقِيلَ: هُوَ الليِّنُ القُرِّ مِنْ أَيام طَلْقات، بِسُكُونِ اللَّامِ أَيضًا، وَقَدْ طَلُقَ طُلوقةً وطَلاقةً.
أَبو عَمْرٍو: لَيْلَةٌ طَلْقٌ لَا بَرْدَ فِيهَا؛ قَالَ أَوس:
خَذَلْتُ عَلَى لَيْلةٍ ساهِرهْ، ***فلَيْسَتْ بِطَلْقٍ وَلَا ساكِرهْ
وليالٍ طَلْقات وطَوالِقُ.
وَقَالَ أَبو الدُّقَيْشِ: وَإِنَّهَا لطَلْقةُ السَّاعَةِ؛ وَقَالَ الرَّاعِي: " فَلَمَّا عَلَتْه الشمسُ فِي يومِ طَلْقةٍ "يُرِيدُ يومَ ليلةٍ طَلْقةٍ لَيْسَ فِيهَا قُرٌّ وَلَا رِيحٌ، يُرِيدُ يَوْمَهَا الَّذِي بَعْدَهَا، وَالْعَرَبُ تبدأُ بِاللَّيْلِ قَبْلَ الْيَوْمِ؛ قَالَ الأَزهري: وأَخبرني الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ فِي بَيْتِ الرَّاعِي وَبَيْتٍ آخَرَ أَنشده لِذِي الرُّمَّةِ: " لَهَا سُنَّةٌ كالشمسِ فِي يومِ طَلْقةٍ "قَالَ: وَالْعَرَبُ تُضِيفُ الِاسْمَ إِلى نَعْتِهِ، قَالَ: وَزَادُوا فِي الطَّلْق الْهَاءَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْوَصْفِ كَمَا قَالُوا رَجُلٌ دَاهِيَةٌ، قَالَ: وَيُقَالُ ليلةٌ طَلْقٌ وَلَيْلَةٌ طَلْقةٌ أَي سَهْلَةٌ طْيبة لَا بَرْدَ فِيهَا، وَفِي صِفَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ: ليلةٌ سَمْحةٌ طَلْقةٌ أَي سَهْلَةٌ طَيِّبَةٌ.
يُقَالُ: يَوْمٌ طَلْقٌ وَلَيْلَةٌ طَلْقٌ وطَلْقةٌ إِذا لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَرٌّ وَلَا بَرْدٌ يُؤْذِيَانِ، وَقِيلَ: لَيْلَةٌ طَلْقٌ وطَلْقةٌ وطالِقة سَاكِنَةٌ مُضِيئة، وَقِيلَ: الطَّوالِق الطيبةُ الَّتِي لَا حَرَّ فِيهَا وَلَا بَرْدَ؛ قَالَ كثيِّر:
يُرَشِّحُ نَبْتًا ناضِرًا ويَزينُه ***نَدًى، وليَالٍ بَعْد ذَاكَ طَوالِق
وَزَعَمَ أَبو حَنِيفَةَ أَن وَاحِدَةَ الطَّوالِق طَلْقة، وَقَدْ غَلِطَ لأَن فَعْلة لَا تُكسّر عَلَى فَوَاعِلَ إِلا أَن يَشِذَّ شَيْءٌ.
وَرَجُلٌ طَلْقُ اللسانِ وطُلُقٌ وطُلَقٌ وطَلِيق: فَصِيح، وَقَدْ طَلُق طُلوقةً وطُلوقًا، وَفِيهِ أَربع لُغَاتٍ: لسانٌ طَلْقٌ ذَلْقٌ، وطَلِيق ذَلِيق، وطُلُقٌ ذُلُقٌ، وطُلَقٌ ذُلَقٌ؛ وَمِنْهُ فِي حَدِيثِ الرَّحِم: «تَكلَّم بِلِسَانٍ طَلْقٍ»أَي مَاضِي الْقَوْلِ سَرِيعِ النُّطْقِ، وَهُوَ طَلِيق اللِّسَانِ وطِلْقٌ وطَلْقٌ، وَهُوَ طَلِيقُ الْوَجْهِ وطَلْقُ الْوَجْهِ.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: لَا يُقَالُ طُلَقٌ ذُلَقٌ، وَالْكِسَائِيُّ يَقُولُهُمَا، وَهُوَ طَلْقُ الْكَفِّ وطَلِيقُ الْكَفِّ قَرِيبَانِ مِنَ السَّوَاءِ.
وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: سُئِلَ الأَصمعي فِي طُلُقٍ أَو طُلَقٍ فَقَالَ: لَا أَدري لِسَانٌ طُلُقٍ أَو طُلَق؛ وقال شمر: طَلُقَت يدُه وَلِسَانُهُ طُلوقَةً وطُلوقًا.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ هُوَ طَلِيقٌ وطُلُقٌ وطالِقٌ ومُطْلَقٌ إِذا خُلِّي عَنْهُ، قَالَ: والتَّطْلِيقُ التَّخْلِيَةُ والإِرسال وحلُّ الْعَقْدُ، وَيَكُونُ الإِطلاقُ بِمَعْنَى التَّرْكِ والإِرسال، والطَّلَق الشَّأْوُ، وَقَدْ أَطْلَقَ رِجْلَه.
واسْتَطْلَقَه: اسْتَعْجَلَهُ.
واسْتَطْلَقَ بطنُه: مَشَى.
واسْتِطلاقُ الْبَطْنِ: مَشْيُه، وَتَصْغِيرُهُ تُطَيْلِيق، " وأَطْلَقَه الدَّوَاءُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن رَجُلًا اسْتَطْلَق بطنُه»أَي كَثُرَ خُرُوجُ مَا فِيهِ، يُرِيدُ الإِسهال.
وَاسْتَطْلَقَ الظبيُ وتَطلَّق: اسْتَنَّ فِي عَدْوِه فَمَضَى وَمَرَّ لَا يَلْوِي عَلَى شَيْءٍ، وَهُوَ تَفَعَّلَ، وَالظَّبْيُ إِذا خَلَّى عَنْ قَوَائِمِهِ فَمَضَى لَا يَلْوِي عَلَى شَيْءٍ قِيلَ تَطَلَّقَ.
قَالَ: والانطِلاقُ سُرْعَةُ الذَّهَابِ فِي أَصل المحْنة.
وَيُقَالُ: مَا تَطَّلِقُ نَفْسِي لِهَذَا الأَمر أَي لَا تَنْشَرِحُ وَلَا تَسْتَمِرُّ، وَهُوَ تَطَّلِقُ تَفْتَعِلُ، وَتَصْغِيرُ الاطِّلاق طُتَيْلِيق، بِقَلْبِ الطَّاءِ تَاءً لِتَحَرُّكِ الطَّاءِ الأُولى كَمَا تَقُولُ فِي تَصْغِيرِ اضْطِرَابٍ ضُتَيرِيب، تُقْلَبُ الطَّاءُ تَاءً لِتُحَرَّكَ الضَّادُ، والانطِلاقُ: الذَّهَابُ.
وَيُقَالُ: انْطُلِقَ بِهِ، عَلَى مَا لَمْ يسمَّ فَاعِلُهُ، كَمَا يُقَالُ انقُطِع بِهِ.
وَتَصْغِيرُ مُنْطَلِق مُطَيْلِق، وإَن شِئْتَ عَوَّضْتَ مِنَ النُّونِ وَقُلْتَ مُطَيْلِيق، وَتَصْغِيرُ الانطِلاق نُطَيْلِيق، لأَنك حَذَفْتَ أَلف الْوَصْلِ لأَن أَول الِاسْمِ يَلْزَمُ تَحْرِيكُهُ بِالضَّمِّ لِلتَّحْقِيرِ، فَتَسْقُطُ الْهَمْزَةُ لِزَوَالِ السُّكُونِ الَّذِي كَانَتِ الْهَمْزَةُ اجتُلِبت لَهُ، فَبَقِيَ نُطْلاق وَوَقَعَتِ الأَلف رَابِعَةً فَلِذَلِكَ وَجَبَ فِيهِ التَّعْوِيضُ، كَمَا تَقُولُ دُنَيْنِير لأَن حَرْفَ اللِّينِ إِذا كَانَ رَابِعًا ثَبَتَ الْبَدَلُ مِنْهُ فَلَمْ يَسْقُطْ إِلا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، أَو يَكُونُ بَعْدَهُ يَاءٌ كَقَوْلِهِمْ فِي جَمْعِ أُثْفِيّة أَثافٍ، فقِسْ عَلَى ذَلِكَ.
وَيُقَالُ: عَدا الفرسُ طَلَقًا أَو طَلَقَين أَي شَوْطًا أَو شَوْطين، وَلَمْ يُخصّص فِي التَّهْذِيبِ بِفَرَسٍ وَلَا غَيْرِهِ.
وَيُقَالُ: تَطلَّقَت الخيلُ إِذا مَضَتْ طَلَقًا لَمْ تُحْتبَس إِلى الْغَايَةِ، قَالَ: والطَّلَقُ الشَّوْطُ الْوَاحِدُ فِي جَرْي الْخَيْلِ.
والتَّطَلُّقُ أَن يَبُولَ الْفَرَسُ بَعْدَ الْجَرْيِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
فصادَ ثَلَاثًا كجِزْعِ النِّظامِ، ***لَمْ يَتَطَلَّقْ وَلَمْ يُغْسَل
لَمْ يُغْسَل أَي لَمْ يَعْرَقْ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فرَفَعْتُ فَرَسِي طَلَقًا أَو طَلَقَين»؛ هُوَ، بِالتَّحْرِيكِ، الشَّوْطُ وَالْغَايَةُ الَّتِي يَجْرِي إِليها الْفَرَسُ.
والطَّلَقُ، بِالتَّحْرِيكِ: قَيْدٌ مِنْ أَدَمٍ، وَفِي الصِّحَاحِ: قَيْدٌ مِنْ جُلُودٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
عَوْدٌ عَلَى عَوْدٍ عَلَى عَوْدٍ خَلَقْ ***كأَنها، والليلُ يَرْمِي بالغَسَقْ،
مَشاجِبٌ وفِلْقُ سَقْبٍ وطَلَق شَبَّهَ الرَّجُلَ بالمِشْجَبِ لِيُبْسهِ وَقِلَّةِ لَحْمِهِ، وشبَّه الْجَمَلَ بِفِلْقِ سَقْبٍ، والسَّقْب خَشَبَةٌ مِنْ خَشَبَاتِ الْبَيْتِ، وَشَبَّهَ الطَّرِيقَ بالطَّلَق وَهُوَ قَيْدٌ مِنْ أَدَمٍ.
وَفِي حَدِيثِ حُنَيْنٍ: «ثُمَّ انتزَع طَلَقًا مِنْ حَقَبه فقَيَّد بِهِ الجمَلَ»؛ الطَّلَقُ، بِالتَّحْرِيكِ: قَيْدٌ مِنْ جُلُودٍ.
والطَّلَق: الْحَبْلُ الشَّدِيدُ الْفَتْلِ حَتَّى يَقوم؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " مُحَمْلَج أُدْرِجَ إِدْراج الطَّلَقْ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «الحياءُ والإِيمانُ مَقْرونان فِي طَلَقٍ»؛ الطَّلَقُ هَاهُنَا: حَبْلٌ مَفْتُولٌ شَدِيدُ الْفَتْلِ؛ أي هُمَا مُجْتَمِعَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ كأَنهما قَدْ شُدَّا فِي حَبْلٍ أَو قَيْدٍ.
وطَلَق الْبَطْنِ: جُدَّتُه، والجمع أَطلاق؛ وأَنشد:
تَقاذَقْنَ أَطْلاقًا، وقارَبَ خَطْوَه ***عَنِ الذَّوْدِ تَقْرِيبٌ، وهُنَّ حَبائِبُه
أَبو عُبَيْدَةَ: فِي الْبَطْنِ أَطْلاق، واحدُها طَلَقٌ، مُتَحَرِّكٌ، وَهُوَ طَرَائِقُ الْبَطْنِ.
والمُطَلَّقُ: المُلَقَّح مِنَ النَّخْلِ، وَقَدْ أَطْلَقَ "نَخْلَهُ وطَلَّقها إِذا كَانَتْ طِوالًا فأَلقحها.
وأَطْلَقَ خَيْلَه فِي الحَلْبة وأَطْلَقَ عَدُوَّه إِذا سَقَاهُ سُمًّا.
قَالَ: وطَلَق أَعطى، وطَلِقَ إِذا تَبَاعَدَ.
والطِّلْقُ، بِالْكَسْرِ: الْحَلَالُ؛ يُقَالُ: هُوَ لَكَ طِلْقًا طلْقٌ أَي حَلَالٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «الخيلُ طِلْقٌ»؛ يَعْنِي أَن الرِّهان عَلَى الْخَيْلِ حَلَالٌ.
يُقَالُ: أَعطيته مِنْ طِلْقِ مالي أَي صَفْوه وطَيِّبِه.
وأَنتَ طِلْقٌ مِنْ هَذَا الأَمر أَي خارجٌ مِنْهُ.
وطُلِّقَ السليمُ، عَلَى مَا لَمْ يُسمَّ فَاعِلُهُ: رَجَعَتْ إِليه نفسهُ وَسَكَنَ وَجَعُهُ بَعْدَ العِداد، فَهُوَ مُطَلَّق؛ قَالَ الشَّاعِرَ:
تَبِيتُ الهُمُوم الطارِقاتُ يَعُدْنَني، ***كَمَا تَعْتَرِي الأَهْوالُ رأْسَ المُطَلَّقِ
وَقَالَ النَّابِغَةُ:
تَناذَرَها الراقُون مِنْ سُوءِ سمِّها، ***تُطَلِّقه طَورًْا، وطَوْرًا تُراجِعُهْ
والطَّلَقُ: ضَرْبٌ مِنَ الأَدْوية، وَقِيلَ: هُوَ نَبْتٌ تُسْتَخْرَجُ عُصَارَتُهُ فيتطلَّى بِهِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ فِي النَّارِ.
الأَصمعي: يُقَالُ لِضَرْبٍ مِنَ الدَّوَاءِ أَو نَبْتٍ طَلَقٌ، مُتَحَرِّكٌ.
وطَلْقٌ وطَلَق: اسمان.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
108-لسان العرب (عشرق)
عشرق: العِشْرِقُ: شَجَرٌ، وَقِيلَ نَبْتٌ، وَاحِدَتُهُ عِشْرِقَة.قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: العِشْرِقُ مِنَ الأَغْلاثِ وَهُوَ شَجَرٌ يَنْفَرِشُ عَلَى الأَرض عَرِيضُ الْوَرَقِ وَلَيْسَ لَهُ شَوْكٌ وَلَا يَكَادُ يأْكله شَيْءٌ إِلا أَن يصيب المِعْزى مِنْهُ شَيْئًا قَلِيلًا؛ قَالَ الأَعشى:
تَسْمَع للحَلْي وَسْواسًا إِذا انْصَرَفَتْ، ***كَمَا اسْتَعَانَ بريحٍ عِشْرِقٌ زَجلُ
قَالَ: وأَخبرني بَعْضُ أَعراب رَبِيعَةَ أَن العِشْرِقَةَ تَرْتَفِعُ عَلَى سَاقٍ قَصِيرَةٍ ثُمَّ تَنْتَشِرُ شُعَبًا كَثِيرَةً وتُثْمِر ثَمَرًا كَثِيرًا، وَثَمَرُهَا سِنْفُها، فِي كُلِّ سِنْفَةٍ سَطْرَانِ مِنْ حَبٍّ مِثْلِ عَجَمِ الزَّبِيبِ سَوَاءٌ، وَقِيلَ: هُوَ مِثْلُ حَبِّ الحِمَّصِ وَهُوَ يُؤْكَلُ مَا دَامَ رَطْبًا وَيُطْبَخُ، وَهُوَ طَيِّبٌ؛ وَقَوْلُهُ:
كأَن صَوْتَ حَلْيها المُناطِقِ ***تَهَزُّجُ الرِّياح بالعَشارِقِ
إِما أَن يَكُونَ جَمْعَ عِشْرقَة، وإِما أَن يَكُونَ جُمِعَ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ العِشْرِقُ، وَهَذَا لَا يطَّرد.
وعُشارِق: اسْمٌ، وَقِيلَ مَكَانٌ.
قَالَ الأَزهري: العِشْرِقُ مِنَ الْحَشِيشِ وَرَقه شَبِيهٌ بِوَرَقِ الغارِ إِلا أَنه أَعظم مِنْهُ وأَكبر، إِذا حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ تَسْمَعُ لَهُ زَجلًا وَلَهُ حَمْل كحَمْل الغارِ إِلا أَنه أَعظم مِنْهُ.
وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: العِشْرِقُ نَبَاتٌ أَحمر طَيِّبُ الرَّائِحَةِ يَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَائِسُ، وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ الأَصمعي: العِشْرِقُ شَجَرَةٌ قَدْرُ ذِرَاعٍ لَهَا حَبٌّ صِغَارٌ إِذا جَفَّ صوتت بمَرِّ الريح.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
109-لسان العرب (خلل)
خلل: الخَلُّ: مَعْرُوفٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الخَلُّ مَا حَمُض مِنْ عَصير الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هُوَ عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ.وَفِي الْحَدِيثِ: «نِعْمَ الإِدامُ الخَلُ»، وَاحِدَتُهُ خَلَّة، يُذهب بِذَلِكَ إِلى الطَّائِفَةِ مِنْهُ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ أَبو زِيَادٍ جاؤوا بِخَلَّة لَهُمْ، قَالَ: فَلَا أَدري أَعَنَى الطَّائِفَةَ مِنَ الخَلِّ أَم هِيَ لُغَةٌ فِيهِ كخَمْر وخَمْرة، وَيُقَالُ للخَمْر أُمُّ الخَلّ؛ قَالَ:
رَمَيْت بأُمِّ الخَلِّ حَبَّةَ قَلْبِهِ، ***فَلَمْ يَنْتَعِشْ مِنْهَا ثَلاثَ لَيَالِ
والخَلَّة: الخَمْرُ عامَّةً، وَقِيلَ: الخَلُّ الْخَمْرَةُ الْحَامِضَةُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
عُقارٌ كَمَاءِ النِّيءِ لَيْسَتْ بِخَمْطَة، ***وَلَا خَلَّة يَكوي الشَّرُوبَ شِهابُها
وَيُرْوَى: فَجَاءَ بِهَا صَفْرَاءَ لَيْسَتْ؛ يَقُولُ: هِيَ فِي لَوْنِ مَاءِ اللَّحْمِ النِّيءِ، وَلَيْسَتْ كالخَمْطَة الَّتِي لَمْ تُدْرِك بَعْدُ، وَلَا كالخَلَّة الَّتِي جاوَزَت القَدْر حَتَّى كَادَتْ تَصِيرُ خَلًّا.
اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ إِن الخَمْر لَيْسَتْ بخَمْطَة وَلَا خَلَّة أَي لَيْسَتْ بِحَامِضَةٍ، والخَمْطَة: الَّتِي قد أَخَذَت شيئا من رِيحٍ كَرِيحِ النَّبِقِ والتُّفَّاح، وَجَاءَنَا بِلَبَنٍ خامطٍ مِنْهُ، وَقِيلَ: الخَلَّة الخَمْرة القَارِصة، وَقِيلَ: الخَلَّة الخَمْرة الْمُتَغَيِّرَةُ الطَّعْمِ مِنْ غَيْرِ حُمُوضَةٍ، وَجَمْعُهَا خَلٌّ؛ قَالَ الْمُتَنَخِّلُ الهذلي:
مُشَعْشَعة كعَيْنِ الدِّيك لَيْسَتْ، ***إِذا دِيفَتْ، مِنَ الخَلِّ الخِماط
وخَلَّلَتِ الخَمْرُ وغيرُها مِنَ الأَشربة: فَسَدت وحَمُضَت.
وخَلَّلَ الخمرَ: جَعَلَهَا خَلًّا.
وخَلَّل البُسْرَ: جَعَلَهُ فِي الشَّمْسِ ثُمَّ نَضَحه بالخَلِّ ثُمَّ جَعَلَهُ فِي جَرَّة.
والخَلُّ: الَّذِي يُؤْتَدَمُ بِهِ؛ سُمِّيَ خَلًّا لأَنه اخْتَلَّ مِنْهُ طَعْمُ الحَلاوة.
والتَّخْليل: اتِّخَاذُ الخَلِّ.
أَبو عُبَيْدٍ: والخَلُّ والخَمْر الْخَيْرُ وَالشَّرُّ.
وَفِي الْمَثَلِ: مَا فُلَانٌ بخَلٍّ ولا خَمْرٍ أَي لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا شَرَّ عِنْدَهُ؛ قَالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ يُخَاطِبُ زَوْجَتَهُ:
هلَّا سأَلتِ بعادِياء وبيْتِه، ***والخَلِّ والخمرِ الَّذِي لَمْ يُمْنَع
وَيُرْوَى: الَّتِي لَمْ تُمْنَع أَي الَّتِي قَدْ أُحِلَّت؛ وَبَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ بأَبيات:
لَا تَجْزَعي إِن مُنْفِسًا أَهلكتُه، ***وإِذا هَلَكْتُ، فعندَ ذَلِكَ فاجزَعي
وَسُئِلَ الأَصمعي عَنِ الخَلِّ والخَمْر فِي هَذَا الشِّعْرِ فَقَالَ: الخَمْرُ الْخَيْرُ والخَلُّ الشَّرُّ.
وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ: الخَلُّ الْخَيْرُ وَالْخَمْرُ الشَّرُّ.
وَحَكَى ثَعْلَبٌ: مَا لَهُ خَلٌّ وَلَا خَمْرٌ أَي مَا لَهُ خَيْرٌ وَلَا شَرٌّ.
وَالِاخْتِلَالُ: اتِّخَاذُ الخَلِّ.
اللَّيْثُ: الاخْتِلال مِنَ "الخَلِّ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَمْ أَسمع لِغَيْرِهِ أَنه يُقَالُ اخْتَلَّ العصيرُ إِذا صَارَ خَلًّا، وَكَلَامُهُمُ الجيِّد: خَلَّلَ شرابُ فُلَانٍ إِذا فَسَد وَصَارَ خَلًّا.
اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ شَرابُ فُلَانٍ قَدْ خَلَّلَ يُخَلِّلُ تَخْلِيلًا، قَالَ: وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا حَمُض مِنَ الأَشربة يُقَالُ لَهُ قَدْ خَلَّلَ.
والخَلَّال: بَائِعُ الخَلِّ وصانِعُه.
وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: الخَلَّة الخُمْرة الْحَامِضَةُ، يَعْنِي بالخُمْرة الْخَمِيرَ، فرُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنما هِيَ الخَمْرة، بِفَتْحِ الْخَاءِ، يَعْنِي بِذَلِكَ الخَمْر بِعَيْنِهَا.
والخَلُّ أَيضًا: الحَمْض؛ عَنْ كُرَاعٍ؛ وأَنشد: " لَيْسَتْ مِنَ الخَلِّ وَلَا الخِمَاط "والخُلَّة: كُلُّ نَبْت حُلْو؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الخُلَّة مِنَ النَّبَاتِ مَا كَانَتْ فِيهِ حَلَاوَةٌ مِنَ المَرْعى، وَقِيلَ: الْمَرْعَى كُلُّهُ حَمْض وخُلَّة، فالحَمْض مَا كَانَتْ فِيهِ مُلُوحَةٌ، والخُلَّة مَا سِوَى ذَلِكَ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الشَّجَرِ الْعِظَامِ بحَمْض وَلَا خُلَّة، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الخُلَّة تَكُونُ مِنَ الشَّجَرِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ مِنَ الشَّجَرِ خَاصَّةً؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الأَرض إِذا لَمْ يَكُنْ بِهَا حَمْض خُلَّةً وإِن لَمْ يَكُنْ بِهَا مِنَ النَّبَاتِ شَيْءٌ يَقُولُونَ: عَلَوْنا أَرضًا خُلَّة وأَرضين خُلَلًا؛ وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الخُلَّة إِنما هِيَ الأَرض.
يُقَالُ: أَرْضٌ خُلَّة.
وخُلَلُ الأَرضِ: الَّتِي لَا حَمْض بِهَا، قَالَ: وَلَا يُقَالُ لِلشَّجَرِ خُلَّة وَلَا يُذَكَّرُ؛ وَهِيَ الأَرض الَّتِي لَا حَمْضَ بِهَا، وَرُبَّمَا كَانَ بِهَا عِضاهٌ، وَرُبَّمَا لَمْ يَكُنْ، وَلَوْ أَتيت أَرضًا لَيْسَ بِهَا شَيْءٌ مِنَ الشَّجَرِ وَهِيَ جُرُز مِنَ الأَرض قُلْتَ: إِنها لَخُلَّة؛ وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الخُلَّة مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِلْح وَلَا حُموضة، والحَمْض مَا كَانَ فِيهِ حَمَضٌ ومُلوحة؛ وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
صادَفْنَ وَادِيَهُ المغبوطَ نازلُه، ***لَا مَرْتَعًا بَعُدَتْ، مِنْ حَمْضه، الخُلَل
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: الخُلَّة خُبْز الإِبل والحَمْض لَحْمُهَا أَو فَاكِهَتُهَا أَو خَبِيصها، وَإِنَّمَا تُحَوَّل إِلى الحَمْض إِذا مَلَّتِ الخُلَّة.
وَقَوْمٌ مُخِلُّون: إِذا كَانُوا يَرْعَوْن الخُلَّة.
وبَعيرٌ خُلِّيٌّ، وإِبِل خُلِّيَّة ومُخِلَّة ومُخْتَلَّة: تَرْعى الخُلَّة.
وَفِي الْمَثَلِ: إِنك مُخْتَلٌّ فتَحَمَّضْ أَي انْتَقِل مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هُوَ مَثَل يُقَالُ للمُتَوَعِّد المتهدِّد؛ وَقَالَ أَبو عَمْرٍو فِي قَوْلِ الطِّرِمَّاحُ:
لَا يَني يُحْمِضُ العَدُوَّ، وذو الخُلْلَة ***يُشْفى صَداه بالإِحْماضِ
يَقُولُ: إِن لَمْ يَرْضَوا بالخُلَّة أَطْعَموهم الحَمْض، وَيَقُولُ: مَنْ جَاءَ مُشْتَهِيًا قتالَنا شَفَيْنا شَهْوَتَهُ بإِيقاعنا بِهِ كَمَا تُشْفى الإِبل المُخْتَلَّة بالحَمْض، وَالْعَرَبُ تَضْرِبُ الخُلَّة مَثَلًا للدَّعة والسَّعة، وَتَضْرِبُ الحَمْضَ مَثَلًا للشَّر والحَرْب.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: جَاءَتِ الإِبل مُخْتَلَّة أَي أَكلت الخُلَّة وَاشْتَهَتِ الحَمْضَ.
وأَرض مُخِلَّة: كَثِيرَةُ الخُلَّة لَيْسَ بِهَا حَمْض.
وأَخَلَّ القومُ: رَعَتْ إِبلُهم الخُلَّة.
وَقَالَتْ بَعْضُ نِسَاءِ الأَعراب وَهِيَ تَتَمَنَّى بَعْلًا: إِن ضَمَّ قَضْقَض، وإِن دَسَر أَغْمَض، وإِن أَخَلَّ أَحْمَض؛ قَالَتْ لَهَا أُمها: لَقَدْ فَرَرْتِ لِي شِرَّة الشَّباب جَذَعة؛ تَقُولُ: إِن أَخذ مِنْ قُبُل أَتبَع ذَلِكَ بأَن يأْخذ مِنْ دُبُر؛ وقول العجاج:
جاؤوا مُخِلِّين فلاقَوْا حَمْضا، ***ورَهِبوا النَّقْض فلاقَوْا نَقْضا
أَي كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ حُبُّ الْقِتَالِ وَالشَّرِّ فَلَقُوا مَنْ "شَفاهم؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: مَعْنَاهُ أَنهم لاقَوْا أَشدَّ مِمَّا كَانُوا فِيهِ؛ يُضْرب ذَلِكَ لِلرَّجُلِ يَتَوَعَّد ويَتَهَدَّد فَيَلْقَى مَنْ هُوَ أَشد مِنْهُ.
وَيُقَالُ: إِبِلٌ حَامِضَةٌ وَقَدْ حَمَضَتْ هِيَ وأَحْمَضتها أَنا، وَلَا يُقَالُ إِبل خَالَّة.
وخَلَّ الإِبلَ يَخُلُّها خَلًّا وأَخَلَّها: حَوَّلها إِلى الخُلَّة، وأَخْلَلتها أَي رَعَيْتها فِي الخُلَّة.
واخْتَلَّت الإِبلُ: احْتَبَسَتْ فِي الخُلَّة؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَنْ أَطيب الخُلَّة عِنْدَ الْعَرَبِ الحَلِيُّ والصِّلِّيان، وَلَا تَكُونُ الخُلَّة إِلا مِنَ العُرْوة، وَهُوَ كُلُّ نَبْت لَهُ أَصل فِي الأَرض يَبْقَى عِصْمةً للنَّعَم إِذا أَجْدَبَتِ السَنَةُ وَهِيَ العُلْقة عِنْدَ الْعَرَبِ.
والعَرْفَج والحِلَّة: مِنَ الخُلَّة أَيضًا.
ابْنُ سِيدَهْ: الخُلَّة شَجَرَةٌ شَاكَّةٌ، وَهِيَ الخُلة الَّتِي ذَكَرَتْهَا إِحدى الْمُتَخَاصِمَتَيْنِ إِلى ابْنَةِ الخُسِّ حِينَ قَالَتْ: مَرْعى إِبل أَبي الخُلَّة، فقالت لَهَا ابْنَةُ الخُسِّ: سَرِيعَةُ الدِّرَّة والجِرَّة.
وخُلَّة العَرْفَج: مَنْبِتُه ومُجْتَمَعُه.
والخَلَل: مُنْفَرَج مَا بَيْنَ كُلِّ شَيْئَيْنِ.
وخَلَّل بَيْنَهُمَا: فَرَّج، وَالْجَمْعُ الخِلال مِثْلُ جَبَل وَجِبَالٍ، وَقُرِئَ بِهِمَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ}، وخَلَله.
وخَلَلُ السَّحَابِ وخِلالُه: مَخَارِجُ الْمَاءِ مِنْهُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: ثُقَبه وَهِيَ مَخَارِجُ مَصَبّ القَطْر.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي قَوْلِهِ: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ}، قَالَ: قَالَ اللِّحْيَانِيُّ هَذَا هُوَ المُجْتَمع عَلَيْهِ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنه قرأَ: فَتَرَى الوَدْق يَخْرُجُ مِنْ خَلَلِه "، وَهِيَ فُرَجٌ فِي السَّحَابِ يَخْرُجُ مِنْهَا.
التَّهْذِيبُ: الخَلَّة الخَصَاصةُ فِي الوَشِيع، وَهِيَ الفُرْجة فِي الخُصِّ.
وَفِي رأْي فُلَانٍ خَلَل أَي فُرْجة.
والخَلَل: الفُرْجة بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ.
والخَلَّة: الثُّقْبة الصَّغِيرَةُ، وَقِيلَ: هِيَ الثُّقْبة مَا كَانَتْ؛ وَقَوْلُهُ يَصِفُ فَرَسًا:
أَحال عَلَيْهِ بالقَناةِ غُلامُنا، ***فأَذْرِعْ بِهِ لِخَلَّة الشَّاةِ راقِعا
مَعْنَاهُ أَن الْفَرَسَ يَعْدُو وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاةِ خَلَّة فيُدْركها فكأَنه رَقَع تِلْكَ الخَلَّة بِشَخْصِهِ، وَقِيلَ: يَعْدُو وَبَيْنَ الشَّاتَيْنِ خَلَّة فَيرْقَع مَا بَيْنَهُمَا بِنَفْسِهِ.
وَهُوَ خَلَلَهم وخِلالَهم أَي بَيْنَهُمْ.
وخِلالُ الدَّارِ: مَا حوالَيْ جُدُرها وَمَا بَيْنَ بُيُوتِهَا.
وتَخَلَّلْتُ دِيَارَهُمْ: مَشَيت خِلالها.
وتُخَلَّلتُ الرملَ أَي مَضَيت فِيهِ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ}.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: جَلَسْنا خِلالَ الحيِّ وخِلال دُور الْقَوْمِ أَي جَلَسْنَا بَيْنَ الْبُيُوتِ وَوَسَطَ الدُّوْرِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ يُقَالُ سِرْنا خِلَلَ العدُوّ وخِلالهم أَي بَيْنَهُمْ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَوْضَعْت فِي السَّيْرِ إِذا أَسرعت فِيهِ؛ الْمَعْنَى: ولأَسرعوا فِيمَا يُخِلُّ بِكُمْ، وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: أَراد ولأَوْضَعوا مَراكِبهم خِلالَكم يَبْغونكم الْفِتْنَةُ، وَجَعَلَ خِلالكم بِمَعْنَى وَسَطكم.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْأَي لأَسرعوا فِي الهَرب خِلَالَكُمْ أَي مَا تَفرق مِنَ الْجَمَاعَاتِ لِطَلب الخَلْوَة والفِرار.
وتَخَلَّل القومَ: دَخَلَ بَيْنَ خَلَلهم وخِلالهم؛ وَمِنْهُ تَخَلُّل الأَسنان.
وتَخَلَّلَ الرُّطَبَ: طَلَبَهُ خِلال السَّعَف بَعْدَ انْقِضَاءِ الصِّرام، وَاسْمُ ذَلِكَ الرُّطَب الخُلالة؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هِيَ مَا يَبْقَى فِي أُصول السَّعَف مِنَ التَّمْرِ الَّذِي يَنْتَثِرُ، وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ والأَصابع فِي الْوُضُوءِ، فإِذا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ: تَخَلَّلت.
وخَلَّل فُلَانٌ أَصابعَه بِالْمَاءِ: أَسال الْمَاءَ بَيْنَهَا فِي الْوُضُوءِ، وَكَذَلِكَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ إِذا توضأَ فأَدخل الْمَاءَ بَيْنَ شَعْرِهَا وأَوصل الْمَاءَ إِلى بَشَرَتِهِ بأَصابعه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «خَلِّلُوا أَصابعَكم لَا تُخَلِّلها نَارٌ قَلِيلٌ بُقْياها، وَفِي رِوَايَةٍ: خَلِّلوا بَيْنَ الأَصابع لَا يُخَلِّل اللهُ بَيْنَهَا بِالنَّارِ».
وَفِي الْحَدِيثِ: «رَحِم اللَّهُ المتخلِّلين مِنْ أُمتي فِي الْوُضُوءِ وَالطَّعَامِ»؛ التَّخْلِيل: تَفْرِيقُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ وأَصابع الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، وأَصله مِنْ إِدخال الشَّيْءِ فِي خِلال الشَّيْءِ، وَهُوَ وسَطُه.
وخَلَّ الشيءَ يَخُلُّه خَلًّا، فَهُوَ مَخْلول وخَلِيل، وتَخَلَّلَه: ثَقَبه ونَفَذَه، والخِلال: مَا خَلَّه بِهِ، وَالْجَمْعُ أَخِلَّة.
والخِلال: الْعُودُ الَّذِي يُتَخَلَّل بِهِ، وَمَا خُلَّ بِهِ الثَّوْبُ أَيضًا، وَالْجَمْعُ الأَخِلَّة.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذا الخِلال نُبَايِع».
والأَخِلَّة أَيضًا: الخَشَبات الصِّغَارُ اللَّوَاتِي يُخَلُّ بِهَا مَا بَيْنَ شِقَاق الْبَيْتِ.
والخِلال: عُوْدٌ يُجْعَلُ فِي لِسَانِ الفَصِيل لِئَلَّا يَرْضَع وَلَا يَقْدِرَ عَلَى المَصِّ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَكَرَّ إِليه بمِبْراتِه، ***كَمَا خَلَّ ظَهْرَ اللِّسَانِ المُجِرّ
وَقَدْ خَلَّه يَخُلُّه خَلًّا، وَقِيلَ: خَلَّه شقَّ لِسَانَهُ ثُمَّ جَعل فِيهِ ذَلِكَ الْعُودَ.
وفَصيل مَخْلُول إِذا غُرز خِلال عَلَى أَنفه لِئَلَّا يَرْضَع أُمه، وَذَلِكَ أَنها تُزْجِيهِ إِذا أَوجع ضَرْعَها الخِلال، وخَلَلْت لسانَه أَخُلُّه.
وَيُقَالُ: خَلَّ ثوبَه بخِلال يَخُلُّه خَلًّا، فَهُوَ مَخْلُولٌ إِذا شَكَّه بالخِلال.
وخَلَّ الكِساءَ وغيرَه يَخُلُّه خَلًّا: جَمَع أَطرافه بخِلال؛ وَقَوْلُهُ يَصِفُ بَقَرًا:
سَمِعْن بِمَوْتِهِ فَظَهَرْنَ نَوْحًا ***قِيَامًا، مَا يُخَلُّ لهنَّ عُود
إِنَّمَا أَراد: لَا يُخَلُّ لَهُنَّ ثَوْبٌ بِعُوْدٍ فأَوقع الخَلَّ عَلَى الْعُودِ اضْطِرَارًا؛ وَقَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ:
أَلا هَلَكَ امْرُؤٌ قَامَتْ عَلَيْهِ، ***بِجَنْبِ عُنَيْزَةَ، البَقَرُ الهُجودُ
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَيُرْوَى لَا يُحَلُّ لهنَّ عُودٌ، قَالَ: وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْنَى الَّذِي أَراده الشَّاعِرُ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَانَ لَهُ كساءٌ فَدَكِيٌّ فإِذا رَكِبَ خَلَّه عَلَيْهِ»أَي جَمَعَ بَيْنَ طَرَفيه بخِلال مِنْ عُودٍ أَو حَدِيدٍ، وَمِنْهُ: خَلَلْته بِالرُّمْحِ إِذا طَعَنْتُهُ بِهِ.
والخَلُّ: خَلُّك الكِساء عَلَى نَفْسِكَ بالخِلال؛ وَقَالَ:
سأَلتك، إِذ خِبَاؤُك فَوْقَ تَلٍّ، ***وأَنت تَخُلُّه بالخَلِّ، خَلًّا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ بالخَلّ يُرِيدُ الطَّرِيقَ فِي الرَّمْلِ، وخَلًّا، الأَخير: الَّذِي يُصْطَبَغ بِهِ، يُرِيدُ: سأَلتك خَلًّا أَصْطَبِغ بِهِ وأَنت تَخُلُّ خِباءَك فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ الرَّمْلِ.
الْجَوْهَرِيُّ: الخَلُّ طَرِيقٌ فِي الرَّمْلِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، يُقَالُ حَيَّةُ خَلٍّ كَمَا يُقَالُ أَفْعَى صَرِيمة.
ابْنُ سِيدَهْ: الخَلُّ الطَّرِيقُ النَّافِذُ بَيْنَ الرِّمَالِ الْمُتَرَاكِمَةِ؛ قَالَ:
أَقْبَلْتُها الخَلَّ مِنْ شَوْرانَ مُصْعِدةً، ***إِنِّي لأُزْرِي عَلَيْهَا، وَهِيَ تَنْطَلِقُ
قَالَ: سُمِّيَ خَلًّا لأَنه يَتَخَلَّلُ أَي يَنْفُذ.
وتَخَلَّلَ الشيءُ أَي نَفَذ، وَقِيلَ: الخَلُّ الطَّرِيقُ بَيْنَ الرَّمْلَتَيْنِ، وَقِيلَ: هُوَ طَرِيقٌ فِي الرَّمْلِ أَيًّا كَانَ؛ قَالَ: " مِنْ خَلِّ ضَمْرٍ حِينَ هَابَا وَدَجَا وَالْجَمْعُ أَخُلٌّ وخِلال.
والخَلَّة: الرَّمْلَةُ الْيَتِيمَةُ الْمُنْفَرِدَةُ مِنَ الرَّمْلِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «يَخْرُجُ الدَّجَّالُ خَلَّة بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ»أَي فِي سَبِيلٍ وَطَرِيقٍ بَيْنَهُمَا، قِيلَ لِلطَّرِيقِ وَالسَّبِيلِ خَلَّة لأَن السَّبِيلَ خَلَّ مَا بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ أَي أَخَذَ مخيطَ مَا بَيْنَهُمَا، خِطْتُ الْيَوْمَ خَيْطَة أَي سِرْت سَيْرة، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الحُلول أَي سَمْتَ ذَلِكَ وقُبَالَته.
واخْتَلَّه بِسَهْمٍ: انْتَظَمه.
واخْتَلَّه بِالرُّمْحِ: نَفَذه، يُقَالُ: طَعَنته فاخْتَلَلْت فؤَداه بالرُّمح أَي انْتَظَمْتُهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
نَبَذَ الجُؤَارَ وضَلَّ هِدْيَةَ رَوْقِهِ، ***لمَّا اخْتَلَلْتُ فُؤَادَه بالمِطْرَدِ
وتَخَلَّلَه بِهِ: طَعَنَهُ طَعْنَةً إِثر أُخرى.
وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ: «وقتِل أُمَيَّة بْنُ خَلَف فَتَخَلَّلوه بِالسُّيُوفِ مِنْ تَحْتِي»؛ أي قَتَلُوهُ بِهَا طَعْنًا حَيْثُ لَمْ يَقْدِرُوا أَن يَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبًا.
وَعَسْكَرٌ خالٌّ مُتَخَلْخِل: غَيْرُ مُتَضامّ كأَن فِيهِ مَنَافِذَ.
والخَلَل: الْفَسَادُ والوَهْن فِي الأَمر وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ كأَنه تُرك مِنْهُ مَوْضِعٌ لَمْ يُبْرَم وَلَا أُحْكِم.
وَفِي رأَيه خَلَل أَي انْتِشَارٌ وتَفَرُّق.
وَفِي حَدِيثِ الْمِقْدَامِ: «مَا هَذَا بأَول مَا أَخْلَلْتم بِي»؛ أي أَوهنتموني وَلَمْ تُعِينُونِي.
والخَلَل فِي الأَمرِ والحَرْبِ كالوَهْن وَالْفَسَادِ.
وأَمر مُخْتَلٌّ: وَاهِنٌ.
وأَخَلَّ بِالشَّيْءِ: أَجْحَف.
وأَخَلَّ بِالْمَكَانِ وبمَرْكَزه وَغَيْرِهِ: غَابَ عَنْهُ وَتَرَكَهُ.
وأَخَلَّ الْوَالِي بِالثُّغُورِ: قَلَّل الجُنْدَ بِهَا.
وأَخَلَّ بِهِ: لَمْ يَفِ لَهُ.
والخَلَل: الرِّقَّة فِي النَّاسِ.
والخَلَّة: الْحَاجَةُ وَالْفَقْرُ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: بِهِ خَلَّة شَدِيدَةٌ أَي خَصَاصة.
وَحُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ: اللَّهُمَّ اسْدُدْ خَلَّتَه.
وَيُقَالُ فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ: اللَّهُمَّ اسْدُدْ خَلَّته "أَي الثُّلْمة الَّتِي تَرَكَ، وأَصله مِنَ التَّخَلُّلِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ سَلْمَى بِنْتِ رَبِيعَةَ:
زَعَمَتْ تُماضِرُ أَنني إِمَّا أَمُتْ، ***يَسْدُدْ بُنَيُّوها الأَصاغرُ خَلَّتي
الأَصمعي: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا مَاتَ لَهُ مَيِّتٌ: اللَّهُمَّ اخْلُفْ عَلَى أَهله بِخَيْرٍ واسْدُدْ خَلَّته؛ يُرِيدُ الفُرْجة الَّتِي تَرَكَ بَعْدَهُ مِنَ الخَلَل الَّذِي أَبقاه فِي أُموره؛ وَقَالَ أَوس:
لِهُلْكِ فَضَالة لا يستوي ***الفُقُودُ، وَلَا خَلَّةُ الذَّاهِبِ
أَراد الثُّلْمة الَّتِي تَرَكَ، يَقُولُ: كَانَ سَيِّدًا فَلَمَّا مَاتَ بَقِيَتْ خَلَّته.
وَفِي حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: «فَوَاللَّهِ مَا عَدَا أَن فَقَدْناها اخْتَلَلْناها»أَي احْتَجْنَا إِليها وَطَلَبْنَاهَا.
وَفِي الْمَثَلِ: الخَلَّة تَدْعُو إِلى السَّلَّة؛ السَّلَّة: السَّرِقَةُ.
وخَلَّ الرجلُ: افْتَقَرَ وَذَهَبَ مالُه، وَكَذَلِكَ أُخِلَّ بِهِ.
وخَلَّ الرجلُ إِذا احْتَاجَ.
وَيُقَالُ: اقْسِمْ هَذَا الْمَالَ فِي الأَخَلِّ فالأَخَلِّ أَي فِي الأَفقر فالأَفقر.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ ذُو خَلَّة أَي مُحْتَاجٌ.
وَفُلَانٌ ذُو خَلَّة أَي مُشْتَهٍ لأَمر مِنَ الأُمور؛ قَالَهُ ابْنِ الأَعرابي.
وَفِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ سَادَّ الخَلَّة»؛ الخَلَّة، بِالْفَتْحِ: الْحَاجَةُ وَالْفَقْرُ، أَي جَابِرُهَا.
وَرَجُلٌ مُخَلٌّ ومُخْتَلٌّ وخَلِيل وأَخَلُّ: مُعْدِم فَقِيرٌ مُحْتَاجٌ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
وإِن أَتاه خَلِيلٌ يومَ مَسْغَبةٍ، ***يَقُولُ: لَا غائبٌ مَالِي وَلَا حَرِمُ
قَالَ: يَعْنِي بالخَلِيل الْمُحْتَاجَ الْفَقِيرَ المُخْتَلَّ الْحَالِّ، والحَرِم الْمَمْنُوعُ، وَيُقَالُ الحَرَام فَيَكُونُ حَرِم وحِرْم مِثْلَ كَبِد وكِبْد؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ أُمية:
ودَفْع الضَّعِيفِ وأَكل الْيَتِيمِ، ***ونَهْك الحُدود، فكلٌّ حَرِم
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَفِي بَعْضِ صَدَقات السَّلَفِ الأَخَلُّ الأَقرب أَي الأَحوج.
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: مَا أَخَلَّك اللَّهُ إِلى هَذَا أَي مَا أَحوجك إِليه، وَقَالَ: الْزَقْ بالأَخَلِّ فالأَخَلِّ أَي بالأَفقر فالأَفقر.
واخْتَلَّ إِلى كَذَا: احْتَاجَ إِليه.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «تَعَلَّموا الْعِلْمَ فإِن أَحدكم لَا يَدْري مَتَى يُخْتَلُّ إِليه»أَي مَتَى يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلى مَا عِنْدَهُ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
وَمَا ضَمَّ زيدٌ، مِنْ مُقيم بأَرضه، ***أَخَلَّ إِليه مِنْ أَبيه، وأَفقرا
أَخَلُّ هَاهُنَا أَفْعَل مِنْ قَوْلِكَ خَلَّ الرجلُ إِلى كَذَا احْتَاجَ، لَا مِنْ أُخِلَّ لأَن التَّعَجُّبَ إِنما هُوَ مِنَ صِيغَةِ الْفَاعِلِ لَا مِنْ صِيغَةِ الْمَفْعُولِ أَي أَشد خَلَّة إِليه وأَفقر مِنْ أَبيه.
والخَلَّة: كالخَصْلة، وَقَالَ كُرَاعٌ: الخَلَّة الْخَصْلَةُ تَكُونُ فِي الرَّجُلِ.
وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الخَلَّة الْخَصْلَةُ.
يُقَالُ: فِي فُلَانٍ خَلَّة حَسَنَةٌ، فكأَنه إِنما ذَهَبَ بالخَلَّة إِلى الْخَصْلَةِ الْحَسَنَةِ خَاصَّةً، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَثَّل بِالْحَسَنَةِ لِمَكَانِ فَضْلِهَا عَلَى السَّمِجة.
وَفِي التَّهْذِيبِ: يُقَالُ فِيهِ خَلَّة صَالِحَةٌ وخَلَّة سَيِّئَةٌ، والجمعُ خِلال.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ كَرِيمُ الخِلال وَلَئِيمُ الخِلال، وَهِيَ الخِصال.
وخَلَّ فِي دُعَائِهِ وخَلَّلَ، كِلَاهُمَا: خَصَّص؛ قَالَ:
قَدْ عَمَّ فِي دُعَائِهِ وخَلَّا، ***وخَطَّ كاتِباه واسْتَمَلَّا
وَقَالَ:
كأَنَّك لَمْ تَسمع، وَلَمْ تكُ شَاهِدًا، ***غداةَ دَعَا الدَّاعِي فعمَّ وخَلَّلا
وَقَالَ أُفْنون التَّغْلَبي:
أَبلغْ كِلابًا، وخَلِّلْ فِي سَراتهم: ***أَنَّ الْفُؤَادَ انْطَوَى مِنْهُمْ عَلَى دَخَن
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالَّذِي فِي شِعْرِهِ: أَبلغ حَبِيبًا؛ وَقَالَ لَقِيط بْنُ يَعْمَر الإِيادي:
أَبلغ إِيادًا، وخَلِّلْ فِي سَراتهم: ***أَني أَرى الرأْيَ، إِن لَمْ أُعْصَ، قَدْ نَصَعا
وَقَالَ أَوس:
فقَرَّبتُ حُرْجُوجًا ومَجَّدتُ مَعْشَرًا ***تَخَيَّرتهم فِيمَا أَطوفُ وأَسأَلُ
بَني مَالِكٍ أَعْني بسَعد بْنِ مَالِكٍ، ***أَعُمُّ بِخَيْرٍ صالحٍ وأُخَلِّل
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده: بَنِي مَالِكٍ أَعْني فسعدَ بْنُ مَالِكٍ، بِالْفَاءِ وَنَصْبِ الدَّالِ.
وخَلَّلَ، بِالتَّشْدِيدِ، أَي خَصَّص؛ وأَنشد:
عَهِدْتُ بِهَا الحَيَّ الْجَمِيعَ، فَأَصبحوا ***أَتَوْا دَاعِيًا لِلَّهِ عَمَّ وخَلَّلا
وتَخَلَّلَ المطرُ إِذا خَصَّ وَلَمْ يَكُنْ عَامًّا.
والخُلَّة: الصَّدَاقَةُ الْمُخْتَصَّةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا خَلَل تَكُونُ فِي عَفاف الحُبِّ ودَعارته، وَجَمْعُهَا خِلال، وَهِيَ الخَلالة والخِلالة والخُلولة والخُلالة؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:
أَدُوم عَلَى الْعَهْدِ مَا دَامَ لِي، ***إِذا كَذَبَتْ خُلَّة المِخْلَب
وبَعْضُ الأَخِلَّاء، عِنْدَ البَلاءِ ***والرُّزْء، أَرْوَغُ مِنْ ثَعْلَب
وَكَيْفَ تَواصُلُ مَنْ أَصبحت ***خِلالته كأَبي مَرْحَب؟
أَراد مَنْ أَصبحت خَلالته كخَلالة أَبي مَرْحَب.
وأَبو مَرْحَب: كُنْيَةُ الظِّل، وَيُقَالُ: هُوَ كُنْيَةُ عُرْقُوب الَّذِي قِيلَ عَنْهُ مَوَاعِيدُ عُرْقُوب.
والخِلال والمُخالَّة: المُصادَقة؛ وَقَدْ خَالَّ الرجلَ والمرأَةَ مُخالَّة وَخِلَالًا؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
صَرَفْتُ الهَوى عنهنَّ مِنْ خَشْيَة الرَّدى، ***ولستُ بِمَقْليِّ الخِلال وَلَا قَالِي
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ}، قَالَ الزَّجَّاجُ: يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
والخُلَّة الصَّداقة، يُقَالُ: خَالَلْت الرجلَ خِلالًا.
وَقَوْلُهُ تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ}؛ قِيلَ: هُوَ مَصْدَرُ خَالَلْت، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ خُلَّة كجُلَّة وجِلال.
والخِلُّ: الوُدُّ والصَّدِيق.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: إِنه لِكَرِيمُ الخِلِّ والخِلَّة، كِلَاهُمَا بِالْكَسْرِ، أَي كَرِيمُ المُصادَقة والمُوادَّة والإِخاءِ؛ وأَما قَوْلُ الْهُذَلِيِّ:
إنَّ سَلْمى هِيَ المُنى، لَوْ تَراني، ***حَبَّذا هِيَ مِنْ خُلَّة، لَوْ تُخَالِي
إِنما أَراد: لَوْ تُخالِل فَلَمْ يَسْتَقِمْ لَهُ ذَلِكَ فأَبدل مِنَ اللَّامِ الثَّانِيَةِ يَاءً.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِني أَبرأُ إِلى كُلِّ ذِي خُلَّة مِنْ خُلَّته»؛ الخُلَّة، بِالضَّمِّ: الصَّدَاقَةُ وَالْمَحَبَّةُ الَّتِي تخلَّلت الْقَلْبَ فَصَارَتْ خِلالَه أَي فِي بَاطِنِهِ.
والخَلِيل: الصَّدِيق، فَعِيل بِمَعْنَى مُفَاعِل، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، قَالَ: وإِنما قَالَ ذَلِكَ لأَن خُلَّتَه كَانَتْ مَقْصُورَةً عَلَى حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَيْسَ فِيهَا لِغَيْرِهِ مُتَّسَع وَلَا شَرِكة مِنْ مَحابِّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهَذِهِ حَالٌ شَرِيفَةٌ لَا يَنَالُهَا أَحد بِكَسْبٍ وَلَا اجْتِهَادٍ، فإِن الطِّبَاعَ غَالِبَةٌ، وإِنما يَخُصُّ اللَّهُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ مِثْلَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجمعين؛ وَمَنْ جَعَلَ الخَلِيل مُشْتَقًّا مِنَ الخَلَّة، وَهِيَ الْحَاجَةُ وَالْفَقْرُ، أَراد إِنني أَبرأُ مِنَ الِاعْتِمَادِ وَالِافْتِقَارِ إِلى أَحد غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِي رِوَايَةٍ: " أَبرأُ إِلى كُلِّ خَلٍّ مِنْ خلَّته "، بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا، وَهُمَا بِمَعْنَى الخُلَّة والخَليل؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «لَوْ كنتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لاتَّخَذت أَبا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ: الْمَرْءُ بخَلِيله، أَو قَالَ: عَلَى دِينِ خَلِيله، فليَنْظُر امرؤٌ مَنْ يُخَالِل»؛ وَمِنْهُ قَوْلَ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
يَا وَيْحَها خُلَّة لَوْ أَنها صَدَقَتْ ***موعودَها، أَو لَوْ انَّ النُّصْحَ مَقْبُولُ
والخُلَّة: الصَّدِيقُ، الذَّكَرُ والأُنثى وَالْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، لأَنه فِي الأَصل مَصْدَرُ قَوْلِكَ خَليل بَيِّن الخُلَّة والخُلولة؛ وَقَالَ أَوْفى بْنُ مَطَر الْمَازِنِيُّ:
أَلا أَبلغا خُلَّتي جَابِرًا: ***بأَنَّ خَلِيلكَ لَمْ يُقْتَل
تَخاطَأَتِ النَّبلُ أَحشاءه، ***وأَخَّر يَوْمِي فَلَمْ يَعْجَل
قَالَ وَمِثْلُهُ:
أَلا أَبلغا خُلَّتي رَاشِدًا ***وصِنْوِي قَدِيمًا، إِذا مَا تَصِل
وَفِي حَدِيثِ حُسْنِ الْعَهْدِ: «فيُهْديها فِي خُلَّتها»؛ أي فِي أَهل ودِّها؛ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " فيُفَرِّقها فِي خَلَائِلِهَا "، جَمْعُ خَليلة، وَقَدْ جُمِعَ عَلَى خِلال مِثْلُ قُلَّة وقِلال؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِامْرِئِ الْقَيْسِ: " لعَمْرُك مَا سَعْدٌ بخُلَّة آثِمٍ "أَي مَا سَعْد مُخالٌّ رَجُلًا آثِمًا؛ قَالَ: وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ الخُلَّة الصَّداقة، وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ مَا خُلَّة سَعْدٍ بخُلَّة رَجُلٍ آثِمٍ، وَقَدْ ثَنَّى بَعْضُهُمُ الخُلَّة.
والخُلَّة: الزَّوْجَةُ، قَالَ جِران العَوْد:
خُذا حَذَرًا يَا خُلَّتَيَّ، فإِنني ***رأَيت جِران العَوْد قَدْ كَادَ يَصْلُح
فَثَنَّى وأَوقعه عَلَى الزَّوْجَتَيْنِ لأَن التَّزَوُّجَ خُلَّة أَيضًا.
التَّهْذِيبُ: فُلَانٌ خُلَّتي وَفُلَانَةٌ خُلَّتي وخِلِّي سَوَاءٌ فِي الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ.
والخِلُّ: الْوُدُّ وَالصَّدِيقُ.
ابْنُ سِيدَهْ: الخِلُّ الصَّديق الْمُخْتَصُّ، وَالْجَمْعُ أَخْلال؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
أُولئك أَخْداني وأَخْلالُ شِيمتي، ***وأَخْدانُك اللَّائِي تَزَيَّنَّ بالكَتَمْ
وَيُرْوَى: يُزَيَّنَّ.
وَيُقَالُ: كَانَ لِي وِدًّا وخِلًّا ووُدًّا وخُلًّا؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: كَسْرُ الْخَاءِ أَكثر، والأُنثى خِلٌّ أَيضًا؛ وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْبَيْتَ هَكَذَا: " تعرَّضَتْ لِي بِمَكَانٍ خِلِّي "فخِلِّي هُنَا مَرْفُوعَةُ الْمَوْضِعِ بتعرَّضَتْ، كأَنه قَالَ: تَعَرَّضَتْ لِي خِلِّي بِمَكَانٍ خلْوٍ أَو غَيْرِ ذَلِكَ؛ وَمَنْ رَوَاهُ بِمَكَانٍ حِلٍّ، فحِلّ هَاهُنَا مِنْ نَعْتِ الْمَكَانِ كأَنه قَالَ بِمَكَانٍ حَلَالٍ.
والخَلِيل: كالخِلِّ.
وَقَوْلُهُمْ فِي إِبراهيم، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: خَلِيل اللَّهِ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الَّذِي سَمِعْتُ فِيهِ أَن مَعْنَى الخَلِيل الَّذِي أَصْفى الْمَوَدَّةَ وأَصَحَّها، قَالَ: وَلَا أَزيد فِيهَا شَيْئًا لأَنها فِي الْقُرْآنِ، يَعْنِي قَوْلَهُ: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا؛ وَالْجَمْعَ أَخِلّاء وخُلّان، والأُنثى خَلِيلة وَالْجَمْعُ خَلِيلات.
الزَّجَّاجُ: الخَلِيل المُحِبُّ الَّذِي لَيْسَ فِي مَحَبَّتِهِ خَلَل.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا}؛ أَي أَحبه مَحَبَّةً تامَّة لَا خَلَل فِيهَا؛ قَالَ: وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ مَعْنَاهُ الْفَقِيرَ أَي اتَّخَذَهُ مُحْتَاجًا فَقِيرًا إِلى رَبِّهِ، قَالَ: وَقِيلَ لِلصَّدَاقَةِ خُلَّة لأَن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسُدُّ خَلَل صَاحِبِهِ فِي الْمَوَدَّةِ وَالْحَاجَةِ إِليه.
الْجَوْهَرِيُّ: الخَلِيل الصَّدِيقُ، والأُنثى خَلِيلة؛ وَقَوْلُ سَاعِدَةَ بْنِ جُؤَيَّة:
بأَصدَقَ بأْسًا مِنْ خَلِيلِ ثَمِينةٍ، ***وأَمْضى إِذا مَا أَفْلَط القائمَ اليَدُ
إِنما جَعَلَهُ خَلِيلها لأَنه قُتِل فِيهَا كَمَا قَالَ الْآخَرُ:
لَمَّا ذَكَرْت أَخا العِمْقى تَأَوَّبَني ***هَمِّي، وأَفرد ظَهْرِي الأَغلَبُ الشِّيحُ
وخَلِيل الرَّجُلِ: قلبُه، عَنْ أَبي العَمَيْثَل، وأَنشد:
وَلَقَدْ رأَى عَمْرو سَوادَ خَلِيله، ***مِنْ بَيْنِ قَائِمِ سَيْفِهِ والمِعْصَم
قَالَ الأَزهري فِي خُطْبَةِ كِتَابِهِ: أُثبت لَنَا عَنْ إِسحق بْنِ إِبراهيم الْحَنْظَلِيِّ الْفَقِيهِ أَنه قَالَ: كَانَ اللَّيْثُ بْنُ المظفَّر رَجُلًا صَالِحًا وَمَاتَ الخَلِيل وَلَمْ يَفْرُغ مِنْ كِتَابِهِ، فأَحب اللَّيْثُ أَن يُنَفِّق الْكِتَابَ كُلَّه بِاسْمِهِ فسَمَّى لِسَانَهُ الخَلِيل، قَالَ: فإِذا رأَيت فِي الْكَلِمَاتِ سأَلت الخَلِيل بْنَ أَحمد وأَخبرني الخَلِيل بْنُ أَحمد، فإِنه يَعْنِي الخَلِيلَ نفسَه، وإِذا قَالَ: قَالَ الخَلِيل فإِنما يَعْني لسانَ نَفْسِه، قَالَ: وإِنما وَقَعَ الِاضْطِرَابُ فِي "الْكِتَابِ مِنْ قِبَل خَلِيل اللَّيْثِ.
ابْنُ الأَعرابي: الخَلِيل الْحَبِيبُ والخَلِيل الصَّادِقُ والخَلِيل النَّاصِحُ والخَلِيل الرَّفِيقُ، والخَلِيل الأَنْفُ والخَلِيل السَّيْفُ والخَلِيل الرُّمْح والخَلِيل الْفَقِيرُ والخَلِيل الضَّعِيفُ الْجِسْمِ، وَهُوَ المَخْلُول والخَلُّ أَيضًا؛ قَالَ لَبِيدٌ:
لَمَّا رأَى صُبْحٌ سَوادَ خَلِيله، ***مِنْ بَيْنَ قَائِمِ سَيْفِهِ والمِحْمَل
صُبْح: كَانَ مِنْ مُلُوكِ الْحَبَشَةِ، وخَلِيلُه: كَبِدُه، ضُرِب ضَرْبة فرأَى كَبِدَ نَفْسِهِ ظَهَر؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ أَنشده أَبو العَمَيْثَل لأَعرابي:
إِذا رَيْدةٌ مِنْ حَيثُما نَفَحَت لَهُ، ***أَتاه بِرَيَّاها خَلِيلٌ يُواصِلُه
فسَّره ثَعْلَبٌ فَقَالَ: الخَلِيل هُنَا الأَنف.
التَّهْذِيبُ: الخَلُّ الرَّجُلُ الْقَلِيلُ اللَّحْمِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: الخَلُّ الْمَهْزُولُ وَالسَّمِينُ ضِدٌّ يَكُونُ فِي النَّاسِ والإِبل.
وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الخَلُّ الْخَفِيفُ الْجِسْمِ؛ وأَنشد هَذَا الْبَيْتَ الْمَنْسُوبَ إِلى الشَّنْفَرى ابْنِ أُخت تأَبَّطَ شَرًّا:
فاسْقِنيها، يَا سَواد بنَ عَمْرٍو، ***إِنَّ جِسْمِي بَعْدَ خالِيَ خَلُ
الصِّحَاحُ: بَعْدَ خَالِيَ لَخَلُّ، والأُنثى خَلَّة.
خَلَّ لحمُه يَخِلُّ خَلًّا وخُلُولًا واخْتَلَّ أَي قَلَّ ونَحِف، وَذَلِكَ فِي الهُزال خَاصَّةً.
وَفُلَانٌ مُخْتَلُّ الْجِسْمِ أَي نَحِيفُ الْجِسْمِ.
والخَلُّ: الرَّجُلُ النَّحِيفُ المخْتَلُّ الْجِسْمِ.
واخْتَلَّ جسمُه أَي هُزِل، وأَما مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُتِي بفَصِيل مَخْلُول أَو مَحْلول»، فَقِيلَ هُوَ الْهَزِيلُ الَّذِي قَدْ خَلَّ جسمُه، وَيُقَالُ: أَصله أَنهم كَانُوا يَخُلُّون الفصيلَ لِئَلَّا يَرْتَضِعَ فيُهْزَل لِذَلِكَ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: وَقِيلَ هُوَ الفَصِيل الَّذِي خُلَّ أَنفُه لِئَلَّا يَرْضَعَ أُمه فتُهْزَل، قَالَ: وأَما الْمَهْزُولُ فَلَا يُقَالُ لَهُ مَخْلول لأَن الْمَخْلُولَ هُوَ السَّمِينُ ضِدُّ الْمَهْزُولِ.
وَالْمَهْزُولُ: هُوَ الخَلُّ والمُخْتَلُّ، والأَصح فِي الْحَدِيثِ أَنه الْمَشْقُوقُ اللِّسَانِ لِئَلَّا يَرْضَعَ، ذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ.
وَيُقَالُ لِابْنِ الْمَخَاضِ خَلٌّ لأَنه دَقِيقُ الْجِسْمِ.
ابْنُ الأَعرابي: الخَلَّة ابْنَةُ مَخاض، وَقِيلَ: الخَلَّة ابْنُ الْمَخَاضِ، الذَّكَرُ والأُنثى خَلَّة.
وَيُقَالُ: أَتى بقُرْصه كأَنه فِرْسِن خَلَّة، يَعْنِي السَّمِينَةَ.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: اللَّحْمُ المَخْلُول هُوَ الْمَهْزُولُ.
والخَلِيل والمُخْتَل: كالخَلِّ؛ كِلَاهُمَا عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.
والخَلُّ: الثَّوْبُ الْبَالِي إِذا رأَيت فِيهِ طُرُقًا.
وَثَوْبٌ خَلٌّ: بالٍ فِيهِ طَرَائِقُ.
وَيُقَالُ: ثَوْبٌ خَلْخَال وهَلْهال إِذا كَانَتْ فِيهِ رِقَّة.
ابْنُ سِيدَهْ: الخَلُّ ابْنُ الْمَخَاضِ، والأُنثى خَلَّة.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الخَلَّة الأُنثى مِنَ الإِبل.
والخَلُّ.
عِرْق فِي الْعُنُقِ مُتَّصِلٌ بالرأْس؛ أَنشد ابْنُ دُرَيْدٍ:
ثمَّ إِلى هادٍ شَدِيدِ الخَلِّ، ***وعُنُق فِي الجِذْع مُتْمَهِلِ
والخِلَل: بَقِيَّةُ الطَّعَامِ بَيْنَ الأَسنان، وَاحِدَتُهُ خِلَّة، وَقِيلَ: خِلَلة؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ، وَيُقَالُ لَهُ أَيضًا الخِلال والخُلالة، وَقَدْ تَخَلَّله.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ يأْكل خُلالته وخِلَله وخِلَلته أَي مَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ أَسنانه إِذا تَخَلَّل، وَهُوَ مَثَلٌ.
وَيُقَالُ: وَجَدْتُ فِي فَمِي خِلَّة فَتَخَلَّلت.
وَقَالَ ابْنُ بُزْرُجٍ: الخِلَل مَا دَخَلَ بَيْنَ الأَسنان مِنَ الطَّعَامِ، والخِلال مَا أَخرجته به؛ " وأَنشد:
شاحِيَ فِيهِ عَنْ لِسَانٍ كالوَرَل، ***عَلَى ثَناياه مِنَ اللَّحْمِ خِلَل
والخُلالة، بِالضَّمِّ: مَا يَقَعُ مِنَ التَّخَلُّلِ، وتَخَلَّل بالخِلال بَعْدَ الأَكل.
وَفِي الْحَدِيثِ: «التَّخَلُّل مِنَ السُّنَّة»، هُوَ اسْتِعْمَالُ الخِلال لإِخراج مَا بَيْنَ الأَسنان مِنَ الطَّعَامِ.
والمُخْتَلُّ: الشَّدِيدُ الْعَطَشِ.
والخَلال، بِالْفَتْحِ: البَلَح، وَاحِدَتُهُ خَلالة، بِالْفَتْحِ؛ قَالَ شَمِرٌ: وَهِيَ بِلُغة أَهل الْبَصْرَةِ.
واخْتَلَّت النخلةُ: أَطلعت الخَلال، وأَخَلَّت أَيضًا أَساءت الحَمْل؛ حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَنا أَظنه مِنَ الخَلال كَمَا يُقَالُ أَبْلَح النخلُ وأَرْطَب.
وَفِي حَدِيثِ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ: «إِنا نَلْتَقِطُ الخَلال»، يَعْنِي البُسْر أَوَّل إِدراكه.
والخِلَّة: جَفْنُ السَّيْفِ المُغَشَّى بالأَدَم؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الخِلَّة بِطانة يُغَشَّى بِهَا جَفْن السَّيْفِ تُنْقَشُ بِالذَّهَبِ وَغَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ خِلَل وخِلال؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: " كأَنها خِلَلٌ مَوْشِيَّة قُشُب وَقَالَ آخَرُ:
لِمَيَّةَ موحِشًا طَلَل، ***يلوحُ كأَنه خِلَل
وَقَالَ عَبِيد بْنُ الأَبرص الأَزدي:
دَارُ حَيٍّ مَضَى بِهِمْ سالفُ الدهر، ***فأَضْحَت ديارُهم كالخِلال
التَّهْذِيبُ: والخِلَل جُفُونُ السُّيُوفِ، وَاحِدَتُهَا خِلَّة.
وَقَالَ النَّضْرُ: الخِلَلُ مِنْ دَاخِلِ سَيْر الجَفْن تُرى مِنْ خَارِجٍ، وَاحِدَتُهَا خِلَّة، وَهِيَ نَقْشٌ وَزِينَةٌ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي مَنْ يَعْمَلُ جُفُونَ السُّيُوفِ خَلَّالًا.
وَفِي كِتَابِ الْوُزَرَاءِ لِابْنِ قُتَيْبَةَ فِي تَرْجَمَةِ أَبي سَلَمَةَ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ الخَلَّال فِي الِاخْتِلَافِ فِي نَسَبِهِ، فَرَوَى عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه مَنْسُوبٌ إِلى خِلَل السُّيُوفِ مِنْ ذَلِكَ؛ وأَما قَوْلُهُ:
إِن بَني سَلْمَى شيوخٌ جِلَّة، ***بِيضُ الْوُجُوهِ خُرُق الأَخِلَّه
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: زَعَمَ ابْنُ الأَعرابي أَن الأَخِلَّة جَمْعُ خِلَّة أَعني جَفْنَ السَّيْفِ، قَالَ: وَلَا أَدري كَيْفَ يُكُونُ الأَخِلَّة جَمْعَ خِلَّة، لأَن فِعْلة لَا تُكَسَّر عَلَى أَفْعِلة، هَذَا خطأٌ، قَالَ: فأَما الَّذِي أُوَجِّه أَنا عَلَيْهِ الأَخِلَّة فأَن تُكَسَّر خِلَّة عَلَى خِلال كطِبَّة وطِباب، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ مِنَ الرَّمْلِ وَالسَّحَابِ، ثُمَّ تُكَسَّر خِلال عَلَى أَخِلَّة فَيَكُونُ حِينَئِذٍ أَخِلَّة جَمْعَ جَمْعٍ؛ قَالَ: وَعَسَى أَن يَكُونَ الخِلال لُغَةً فِي خِلَّة السَّيْفِ فَيَكُونُ أَخِلَّة جَمْعَهَا المأْلوف وَقِيَاسَهَا الْمَعْرُوفَ، إِلا أَني لَا أَعرف الخِلال لُغَةً فِي الخِلَّة، وَكُلُّ جِلْدَةٍ مَنْقُوشَةٍ خِلَّة؛ وَيُقَالُ: هِيَ سُيُورٌ تُلْبَس ظَهْر سِيَتَي الْقَوْسِ.
ابْنُ سِيدَهْ: الخِلَّة السَّيْرُ الَّذِي يَكُونُ فِي ظَهْرِ سِيَة الْقَوْسِ.
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «إِن اللَّهَ يُبْغِض الْبَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي يَتَخَلَّل الْكَلَامَ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ الباقرةُ الكلأَ بِلِسَانِهَا»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الَّذِي يتشدَّق فِي الْكَلَامِ ويُفَخِّم بِهِ لِسَانَهُ ويَلُفُّه كَمَا تَلُفُّ الْبَقَرَةُ الكلأَ بِلِسَانِهَا لَفًّا.
والخَلْخَل والخُلْخُل مِنَ الحُلِيِّ: مَعْرُوفٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " بَرَّاقة الجِيد صَمُوت الخَلْخَل وَقَالَ: ملأَى البَرِيم متْأَق الخَلْخَلِ "أَراد متْأَق الخَلْخَل، فشَدَّدَ لِلضَّرُورَةِ.
والخَلْخَالُ: كالخَلْخَل.
والخَلْخَل: لُغَةٌ فِي الخَلْخال أَو مَقْصُورٌ مِنْهُ، وَاحِدُ خَلاخِيل النِّسَاءِ، والمُخَلْخَل: مَوْضِعُ الخَلْخال مِنَ السَّاقِ.
والخَلْخَال: الَّذِي تَلْبَسُهُ المرأَة.
وتَخَلْخَلَت المرأَةُ: لَبِسَتِ الخَلْخَال.
وَرَمْلٌ خَلْخَال: فِيهِ خُشُونَةٌ.
والخَلْخَال: الرمْل الجَرِيش؛ قَالَ: " مِنْ سَالِكَاتِ دُقَق الخَلْخَال "وخَلْخَل العظمَ: أَخذ مَا عَلَيْهِ مِنَ اللَّحْمِ.
وخَلِيلانُ: اسمٌ رَوَاهُ أَبو الْحَسَنِ؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: هُوَ اسْمُ مُغَنٍّ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
110-لسان العرب (دحل)
دحل: الدَّحْل: نَقْب ضيِّق فَمُه ثُمَّ يَتَّسِعُ أَسفله حَتَّى يُمْشى فِيهِ، وَرُبَّمَا أَنبت السِّدْر، وَقِيلَ: هُوَ مَدْخَل تَحْتَ الجُرُف أَو فِي عُرْض خَشَب الْبِئْرِ فِي أَسفلها وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ المَوارد والمَناهل، وَالْجَمْعُ أَدْحُل وأَدْحَالٌ ودِحَال ودُحُول ودُحْلانٌ.وَقَدْ دَحَلْت فِيهِ أَدْحَلُ أَي دَخَلت فِي الدَّحْل؛ ورُبَّ بيتٍ مِنْ بُيُوتِ الأَعراب يُجْعَلُ لَهُ دَحْل تَدْخُلُ فِيهِ المرأَة إِذا دَخَل عَلَيْهِمْ دَاخِلٌ.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «ادْحَلْ فِي كِسْر الْبَيْتِ»، أَي ادْخُل، مِنْ ذَلِكَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَن رَجُلًا سأَله فَقَالَ لَهُ إِنِّي رَجُلٌ مِصْراد أَفأُدْخِل المِبْوَلة مَعِيَ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وادْحَل فِي الكِسْر»؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الدَّحْل هُوَّة تَكُونُ فِي الأَرض وَفِي أَسافل الأَودية يَكُونُ فِي رأْسها ضِيقٌ ثُمَّ يَتَّسِعُ أَسفلها، وكِسْر الخِباء جانبُه؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: فشَبَّه أَبو هُرَيْرَةَ جَوَانِبَ الخِباء وَمَدَاخِلَهُ بالدَّحْل؛ قَالَ: هُوَ مأْخوذ مِنَ الدَّحْل؛ أي صِرْ فِي جَانِبِ الخِباء كَالَّذِي يَصِيرُ فِي الدَّحْل، وَيُرْوَى: وادْحُ لَهَا فِي الْكِسْرِ؛ أي وَسِّع لَهَا مَوْضِعًا فِي زَاوِيَةٍ مِنْهُ؛ قَالَالأَزهري: وَقَدْ رأَيت بالخَلْصاء وَنَوَاحِي الدَّهْناء دُحْلانًا كَثِيرَةً، وَقَدْ دَخَلْت غَيْرَ دَحْلٍ مِنْهَا، وَهِيَ خَلَائِقُ خَلَقها اللَّهُ تَعَالَى تَحْتَ الأَرض، يَذْهَبُ الدَّحْل مِنْهَا سَكًّا فِي الأَرض قَامَةً أَو قَامَّتَيْنِ أَو أَكثر مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يَتَلَجَّف يَمِينًا أَو شِمَالًا فمَرَّة يَضِيقُ وَمَرَّةً يَتَّسِعُ فِي صَفَاةٍ مَلْساء لَا تَحِيك فِيهَا المَعاوِلُ المحدَّدة لِصَلَابَتِهَا، وَقَدْ دَخلت مِنْهَا دَحْلًا فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلى الْمَاءِ إِذا جَوٌّ مِنَ الْمَاءِ الرَّاكِدِ فِيهِ لَمْ أَقف عَلَى سَعته وعُمْقه وَكَثْرَتِهِ لإِظلام الدَّحْل تَحْتَ الأَرض، فَاسْتَقَيْتُ أَنا مَعَ أَصحابي مِنْ مَائِهِ فإِذا هُوَ عَذْب زُلال لأَنه مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ يَسِيلُ إِليه مِنْ فَوْقُ وَيَجْتَمِعُ فِيهِ؛ قَالَ: وأَخبرني جَمَاعَةٌ مِنَ الأَعراب أَن دُحْلانَ الخَلْصاء لَا تَخْلُو مِنَ الْمَاءِ، وَلَا يُسْتَقَى مِنْهَا إِلّا للشِّفاء والخَبْل لِتَعَذُّرِ الِاسْتِقَاءِ مِنْهَا وبُعْدِ الْمَاءِ فِيهَا مِنْ فَوْهَة الدَّحْل، قَالَ: وَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ دَحَلَ فلانٌ الدَّحْلَ، بِالْحَاءِ، إِذا دَخَله؛ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما مَا يَعْتَادُهُ الشُّعَرَاءُ مِنْ ذِكْرِهِمُ الدَّحْلَ مَعَ أَسماء الْمَوَاضِعِ كَقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
إِذا شئتُ أَبكاني لجَرْعاء مالكٍ، ***إِلى الدَّحْل، مسْتَبْدًى لِمَيٍّ ومَحْضَرُ
فَقَدْ يَكُونُ سُمِّيَ الْمَوْضِعُ بِاسْمِ الْجِنْسِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ غَلَبَ عَلَيْهِ اسْمُ الْجِنْسِ كَمَا قَالُوا الزُّرْق فِي بِرَك مَعْرُوفَةٍ، وإِنما سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِبَيَاضِ مَائِهَا وَصَفَائِهَا.
والدَّحْلة: الْبِئْرُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
نَهَيْتُ عَمْرًا ويَزِيدَ والطَّمَع، ***والحِرْص يَضْطَرُّ الْكَرِيمَ فيَقَع،
فِي دَحْلةٍ فَلَا يَكاد يُنْتَزَع "وَقَوْلُهُ: والطَّمَع، أَي نَهَيْتُهُمَا فَقَلَتْ لَهُمَا إِيّاكما والطَّمَع، فَحُذِفَ لأَن قَوْلَهُ نَهَيْتُ عَمْرًا ويَزِيدَ فِي قُوَّةِ قَوْلِكَ قُلْت لَهُمَا إِيّاكما.
والدَّحُول: الرَّكِيَّة الَّتِي تُحْفَر فَيُوجَدُ ماؤُها تَحْتَ أَجْوَالها فَتُحْفَرُ حَتَّى يُسْتَنْبَط مَاؤُهَا مِنْ تَحْتِ جَالِهَا.
وبئرٌ دَحُولٌ: ذَاتُ تَلَجُّف فِي نَوَاحِيهَا، وَقِيلَ: بِئْرٌ دَحُول وَاسِعَةُ الْجَوَانِبِ.
وَبِئْرٌ دَحُول أَي ذَاتُ تَلَجُّف إِذا أَكل الْمَاءُ جَوانبها.
ودَحَلْت الْبِئْرَ أَدْحَلها إِذا حَفَرت فِي جَوَانِبِهَا.
وَنَاقَةٌ دَحُولٌ: تُعارِض الإِبل مُتَنَحِّيةً عَنْهَا.
والدَّحِل مِنَ الرِّجَالِ: الْمُسْتَرْخِي، وَقِيلَ الْعَظِيمُ الْبَطْنِ.
أَبو عَمْرٍو: الدَّحِل والدَّحِن البَطِين الْعَرِيضُ البَطن.
وَرَجُلٌ دَحِلٌ بَيِّن الدَّحَل أَي سَمِينٌ قَصِير مُنْدَلِق الْبَطْنِ.
والدَّحِل: الدَّاهِيَةُ الخَدَّاع لِلنَّاسِ الْخَبِيثُ.
الأَزهري: الدَّحِل والدَّحِن الخَبُّ الْخَبِيثُ، وَقَدْ دَحِلَ دَحَلًا، وَقِيلَ: الدَّحَل الدَّهاء فِي كَيْسٍ وحِذْق.
قَالَ أَبو حَاتِمٍ: وسأَلت الأَصمعي عَنْ قَوْلِ النَّاسِ فلانٌ دَحْلانِيٌّ، نَسَبُوهُ إِلى قَرْيَةٍ بِالْمَوْصِلِ أَهلُها أَكراد لُصُوص.
والدَّوَاحِيل: خَشَبات عَلَى رؤُوسها خِرَقٌ كأَنها طَرَّادات قِصَارٌ تُرْكَز فِي الأَرض لصَيْد الحُمُر والظِّباء، وَاحِدُهَا دَاحُول، وَقِيلَ: الدَّاحُول مَا يَنْصِبُهُ صَائِدُ الظِّبَاءِ مِنَ الخَشَب، وَيُقَالُ لِلَّذِي يَصِيدُ الظِّباء بالدَّوَاحِيل دَحَّال، وَرُبَّمَا نَصَب الدَّحَّال حِبالَه بِاللَّيْلِ للظبِّاء ورَكَز دَوَاحِيلَه وأَوقد لَهَا السُّرُج؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَذْكُرُ ذَلِكَ:
ويَشْرَبْن أَجْنًا، والنُّجومُ كأَنها ***مَصَابِيحُ دَحَّالٍ يُذَكِّي ذُبَالَها
وَيُقَالُ لِلصَّائِدِ دَحَّال، وَلَمْ يخصَّ صَائِدُ الظِّباء دُونَ غَيْرِهِ.
الأَزهري: يُقَالُ دَحَل فُلَانٌ عَنِّي وزَحَل أَي تَبَاعَدَ؛ وَرَوَى بَعْضُهُمْ قَوْلَ ذِي الرُّمَّةِ:
مِنَ العَضِّ بالأَفخاذ أَو حَجَباتها، ***إِذا رَابَهُ اسْتِعْصَاؤُهَا ودِحَالُها
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: وحِدَالها، وَهُمَا قَرِيبَا الْمَعْنَى مِنَ السَّوَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةٍ حَدَلَ.
قَالَ شَمِرٌ: سَمِعْتُ عَليَّ بْنَ مُصْعَب يَقُولُ لَا تَدْحَلْ، بالنَّبَطِيَّة، أَي لَا تَخَفْ.
الأَزهري: فُلَانٌ يَدْحَلُ عَنِّي أَي يَفِرُّ، وأَنشد:
ورَجُل يَدْحَلُ عَنِّي دَحْلا، ***كدَحَلان البَكْر لاقَى الفَحْلا
قَالَ شَمِرٌ: فكأَن مَعْنَى لَا تَدْحَلْ لَا تَهْرُب.
وَفِي حَدِيثِ أَبي وَائِلٍ قَالَ: «وَرَدَ عَلَيْنَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ بخانِقِين إِذا قَالَ الرجلُ لِلرَّجُلِ لَا تَدْحَل فَقَدْ أَمَّنه»؛ يُقَالُ: دَحَلَ يَدْحَلُ إِذا فَرَّ وهَرَب، مَعْنَاهُ إِذا قَالَ لَهُ لَا تَفِرَّ وَلَا تَهْرُبْ فَقَدْ أَعطاه بِذَلِكَ أَمانًا.
ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: الدَّاحِل الحَقُود، بِالدَّالِ.
النَّضِرُ: الدَّحِل مِنَ النَّاسِ عِنْدَ الْبَيْعِ مَنْ يُدَاحِل النَّاسَ وَيُمَاكِسُهُمْ حَتَّى يَسْتمكن مِنْ حَاجَتِهِ، وإِنَّه ليُدَاحِله أَي يخادعه.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
111-لسان العرب (زجل)
زجل: الزَّجْل: الرَّمْي بِالشَّيْءِ تأْخذه بِيَدِكَ فتَرْمِي بِهِ.زَجَلَ الشيءَ يَزْجُلُه وزَجَلَ بِهِ زَجْلًا: رَمَاهُ ودَفَعه.
وزَجَلْت بِهِ: رَمَيت؛ قَالَ:
بِتْنَا وَبَاتَتْ رِياحُ الغَوْرِ تَزْجُلُه، ***حَتَّى إِذا هَمَّ أُولاه بإِنجاد
وَالْمَصْدَرُ عَنْ ثَعْلَبٍ.
يُقَالُ: لَعَن اللَّهُ أُمًّا زَجَلَت بِهِ.
وزَجَلَت النَّاقَةُ بِمَا فِي بَطْنِهَا زَجْلًا: رمت به كزَحَرَتْ بِهِ زَحْرًا، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
وزَجَلَت بِهِ زَجْلًا: دَفَعَته.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بن سَلام: «فأَخَذَ بِيَدِي فزَجَلَ بِي»أَي رَمَانِي ودَفَع بِي.
والزَّاجَل، بِفَتْحِ الْجِيمِ يُهْمز وَلَا يُهْمَزُ: مَاءُ الْفَحْلِ.
وَقَدْ زَجَلَ الماءَ فِي رَحِمِها يَزْجُلُه زَجْلًا، وخَصَّ أَبو عُبَيْدَةَ بِهِ مَنِيَّ الظَّليم؛ وأَنشد لِابْنِ أَحمر:
وَمَا بَيْضاتُ ذِي لِبَدٍ هِجَفٍّ، ***سُقِينَ بزَاجَلٍ حَتَّى رَوِينا
قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُهَا بِفَتْحِ الْجِيمِ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَالْهَمْزُ لُغَةً؛ قَالَ أَبو سَعِيدٍ: وَكَانَ أَصحابنا يَقُولُونَ الزَّاجَلُ مَاءُ الظَّلِيم؛ قَالَ: وأَخبرني مَنْ سَمِعَ العرب تقول إِن الزَّجَل هَاهُنَا مُزَاجَلة النَّعامة والهَيْقِ فِي أَيام حِضَانهما، وَهُوَ التَّقْلِيبُ، لأَنها إِن لَمْ تُزَاجِلْ مَذِر البَيْضُ فَهِيَ تُقَلِّبه ليَسْلَم مِنَ المذَر، وَقِيلَ: الزَّاجَلُ مَا يَسِيل مِنْ دُبُر الظَّليم أَيام تَحْضِينِهِ بيضَه.
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الزَّاجَل وَسْمٌ يَكُونُ فِي الأَعناق؛ قَالَ:
إِنَّ أَحَقَّ إِبِلٍ أَن تُؤْكَلْ ***حَمْضِيَّةٌ جَاءَتْ عَلَيْهَا الزَّاجَلْ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قِيَاسُ هَذَا الشِّعْرِ أَن يَكُونَ فِيهِ الزأْجل مَهْمُوزًا.
التَّهْذِيبِ: الزَّاجَل سِمَةٌ يُوسَم بِهَا أَعناق الإِبل.
والزَّجْل: إِرسال الحَمَام الْهَادِي مِنْ مَزْجَل بَعِيدٍ، وَقَدْ زَجَلَ بِهِ يَزْجُلُ.
وزَجَلَ الحَمَام يَزْجُلُها زَجْلًا: أَرسلها عَلَى بُعْد، وَهِيَ حَمَام الزَّاجِل والزَّجَّال؛ عَنِ الْفَارِسِيِّ.
وزَجَلَه بالرُّمْح يَزْجُلُهُ زَجْلًا: زَجَّه، وَقِيلَ رَماه.
والمِزْجَلُ: السِّنان، وَقِيلَ: هُوَ رُمْحٌ صَغِيرٌ.
والمِزْجَل: المِزْراق.
والمِزْجَال، شِبْهُ المِزْراق: وَهُوَ النَّيْزَك يُرْمَى بِهِ، وَقَدْ زَجَلَهُ زَجْلًا بالمِزْجال؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ: " ورَمَى بالصَّخْر زَجْلًا زاجِلا.
أَي رَمْيًا شَدِيدًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه أَخذ الْحَرْبَةَ لأُبيِّ بْنِ خَلَف فزَجَلَهُ بِهَا»أَي رَمَاهُ بِهَا فَقَتَلَهُ.
والزَّاجِل والزَّاجَل: الحَلْقة مِنَ الخَشَبة تَكُونُ مَعَ المُكاري فِي الحِزام.
ابْنُ سِيدَهْ: الزَّاجَل الحَلْقة فِي زُجِّ الرُّمْحِ.
والزَّاجَل: خَشَبة تُعْطَف وَهِيَ رَطْبة حَتَّى تَصِيرَ كالحَلْقة ثُمَّ تُجَفَّف فُتُجْعَلُ فِي أَطراف الحُزُم والحِبال، وَقِيلَ: هُوَ الْعُودُ الَّذِي يَكُونُ فِي طَرَف الْحَبْلِ الَّذِي تُشَدُّ بِهِ القِرْبة؛ قَالَهُ أَبو عُبَيْدٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَجَمْعُهُ زَوَاجِل؛ قَالَ الأَعشى:
فَهَانَ عَلَيْهِ أَن تَجِفَّ وِطابُكم، ***إِذا ثُنِيَتْ فِيمَا لَدَيه الزَّوَاجِل
والزَّجَل، بِالتَّحْرِيكِ: اللَّعِب والجَلَبة ورَفْع الصَّوْتِ، وخُص بِهِ التَّطْرِيبُ؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ:
لَهُ زَجَلٌ كأَنْهُ صوتُ حادٍ، ***إِذا طَلَب الوَسِيقةَ، أَو زَمِير
وَقَدْ زَجِلَ زَجَلًا، فَهُوَ زَجِلٌ وزَاجِلٌ، وَرُبَّمَا أُوقِع الزَّاجِلُ عَلَى الغِناء؛ قَالَ: " وَهُوَ يُغَنِّيها غِناءً زَاجِلا "والزَّجَلُ: رَفْع الصَّوْتِ الطَّرِب؛ وَقَالَ: " يَا لَيْتَنا كُنَّا حَمَامَيْ زَاجِل وَفِي حَدِيثِ الْمَلَائِكَةِ: «لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّسْبِيحِ»أَي صوتٌ رَفِيعٌ عالٍ.
وسَحاب ذُو زَجَل أَي ذُو رَعْد.
وَغَيْثٌ زَجِلٌ: لِرَعْدِهِ صَوْتٌ.
ونَبْت زَجِلٌ: صَوَّتت فِيهِ الرِّيحُ؛ قَالَ الأَعشى: " كَمَا استعانَ بِرِيحٍ عِشْرِقٌ زَجِلٌ "والزَّجْلَة: صَوْتُ النَّاسِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
شَدِيدَةُ أَزِّ الآخِرَيْنِ كأَنَّها، ***إِذا ابْتَدَّها العِلْجانِ، زَجْلَةُ قافِل
شَبَّه حَفِيف شَخْبها بحَفيف الزَّجْلَة مِنَ النَّاسِ.
والزُّجْلَة، بِالضَّمِّ: الجماعةُ مِنَ النَّاسِ، وَقِيلَ: هِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ كُلِّ شَيْءٍ، وَجَمْعُهَا زُجَل؛ قَالَ لَبِيدٌ: " كحَزيق الحَبَشِيّين الزُّجَل ".
الْفَرَّاءُ: الزِّئْجِيل والزُّؤاجل الضَّعِيفُ مِنَ الرِّجَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
ابْنُ الأَعرابي: الزَّاجِل الرَّامِي، والزَّاجِل قَائِدُ الْعَسْكَرِ.
ابْنُ السِّكِّيتِ: الزُّجْلَة البِلَّة من الشيء الهُنَيْهة مِنْهُ.
يُقَالُ: زُجْلَة مِنْ مَاءٍ أَو بَرَد، قَالَ: والزُّجْلَة الجِلْدة الَّتِي بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ؛ وأَنشد:
كأَنَّ زُجْلةَ صَوْبٍ صابَ مِنْ بَرَدٍ، ***شُنَّت شَآبِيبُه مِنْ رائحٍ لَجِب
نَواصِحٌ بَيْنَ حَمَّاوَيْن أَحْصَنَتا ***مُمَنَّعًا، كهُمَام الثَّلْج بالضَّرَب
وَقَالَ فِي الْخُمَاسِيِّ فِي سَجَنْجَلٍ: والسَّجَنْجَل المِرآة، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: زَجَنْجَل، وَقِيلَ: هِيَ روميَّة دَخَلَتْ فِي كلام العرب.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
112-لسان العرب (عظلم)
عظلم: العِظْلِمُ: عُصارةُ بعضِ الشجرِ.قَالَ الأَزهري: عُصارةُ شَجَرٍ لونُه كالنِّيلِ أَخْضر إِلَى الكُدْرة.
والعِظْلِمُ: صِبْغٌ أَحمرُ، وَقِيلَ: هُوَ الوَسْمَةُ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: العِظْلِمُ شُجَيْرَةٌ مِنَ الرِّبَّة تَنْبُتُ أَخِيرًا وتَدُومُ خُضْرتُها؛ قَالَ: وأخبرني بعضُ الأَعراب أن العِظْلِمَ هُو الوَسْمةُ الذكَرُ، قَالَ: وبَلَغني هَذَا فِي خبَرٍ" عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ الخِضابُ الأَسْودُ فَقَالَ: وَمَا بأْسٌ بِهِ، هأَنذا أَخْضِبُ بالعِظْلِم "؛ وَقَالَ مَرَّةً: أَخْبَرَنِي أعرابيٌّ مِنْ أَهل السَّراة قَالَ العِظْلِمةُ شَجَرَةٌ تَرْتَفِعُ عَلَى ساقٍ نَحْوَ الذِّرَاعِ، وَلَهَا فُروعٌ فِي أَطْرَافِهَا كنَوْرِ الكُزْبَرةِ، وَهِيَ شجرةٌ غَبْراءُ.
ولَيْلٌ عِظْلِمٌ: مُظْلِمٌ، عَلَى التشبيهِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
ولَيْل عِظْلِم عَرَّضْتُ نَفْسِي، ***وكُنْتُ مُشَيَّعًا رَحْبَ الذِّراعِ
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
113-لسان العرب (تنن)
تنن: التِّنُّ، بِالْكَسْرِ: التِّرْبُ والحِتْنُ، وَقِيلَ: الشِّبْه، وَقِيلَ: الصَّاحِبُ، وَالْجَمْعُ أَتْنان.يُقَالُ: صِبْوةٌ أَتنانٌ.
ابْنُ الأَعرابي: هُوَ سِنُّه وتِنُّه وحِتْنُه، وَهُمْ أَسنان وأَتنان وأَتراب إِذَا كَانَ سِنُّهم وَاحِدًا، وَهُمَا تِنّان، قَالَ ابْنُ السَّكِّيتِ: هُمَا مُسْتَوَيَانِ فِي عَقْلٍ أَو ضَعْف أَو شِدّة أَو مروءَة.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: جَمْعُ تِنٍّ أَتنان وتَنِين؛ عَنِ الْفَرَّاءِ؛ وأَنشد فَقَالَ:
فأَصبح مُبْصِرًا نَهَارَهُ، ***وأَقصر مَا يَعُدُّ لَهُ التَّنِينا
وَفِي حَدِيثِ عَمَّارٍ: « إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِنِّي وتِرْبي »؛ تِنُّ الرَّجُلِ: مِثْلُهُ فِي السّنِّ.
والتَّنُّ والتِّنُّ: الصَّبِيُّ الَّذِي قصَعَه المرضُ فَلَا يَشِبّ، وَقَدْ أَتَنَّه المرضُ.
أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ أَتَنَّه المرضُ إِذَا قصَعَه فَلَمْ يَلحقْ بأَتنانِه أَي بأَقرانه، فَهُوَ لَا يَشِبّ، قَالَ: والتِّنُّ الشخصُ والمِثال.
وتَنَّ بِالْمَكَانِ: أَقام؛ عَنْ ثَعْلَبٍ.
والتِّنِّينُ: ضرْب مِنَ الْحَيَّاتِ مِنْ أَعظمها كأَكبر مَا يَكُونُ مِنْهَا، وَرُبَّمَا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سَحَابَةً فَاحْتَمَلَتْهُ، وَذَلِكَ فِيمَا يُقَالُ، وَاللَّهُ أَعلم، أَن دَوَابَّ الْبَحْرِ يَشْكُونَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فيرْفَعُه عَنْهَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَخبرني شَيْخٌ مِنْ ثِقاتِ الغُزاة أَنه كَانَ نَازِلًا عَلَى سِيف بَحْرِ الشَّامِ، فَنَظَرَ هُوَ وَجَمَاعَةُ أَهل العَسْكر إِلَى سحابةٍ انقَسَمت فِي الْبَحْرِ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ، وَنَظَرْنَا إِلَى ذَنَبِ التِّنِّين يَضطرب فِي هَيْدب السَّحَابَةِ، وهَبَّت بِهَا الريحُ وَنَحْنُ نَنظر إِلَيْهَا إِلَى أَن غَابَتِ السحابةُ عَنْ أَبصارِنا.
وَجَاءَ فِي بَعْضِ الأَخبار: " أَن السَّحَابَةَ تَحْمِلُ التِّنّين إِلَى بِلَادِ يَأْجوج ومَأْجوج فتَطرحه فِيهَا، وأَنهم يَجْتَمِعُونَ عَلَى لحمِه فيأْكلونه.
والتِّنّينُ: نجمٌ، وَهُوَ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْحَيَّةِ.
اللَّيْثُ: التِّنّين نجمٌ مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِكَوْكَبٍ، وَلَكِنَّهُ بياضٌ خفيٌّ يَكُونُ جسَده فِي سِتَّةِ بُرُوجٍ مِنَ السَّمَاءِ؛ وذنَبهُ دَقِيقٌ أَسود فِيهِ التِواء، يَكُونُ فِي الْبُرْجِ السَّابِعِ مِنْ رأْسه، وَهُوَ يَنتقل كتَنقُّل الْكَوَاكِبِ الْجَوَارِي، واسمه بالفارسيةفِي حِسَابِ النُّجُومِ هُشْتُنْبُر.
وَهُوَ مِنَ النُّحوس؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وتُسمِّيه الفُرس الْجَوْزَهَرُ، وَقَالَ: هُوَ مِمَّا يُعدُّ مِنَ النُّحُوسِ؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: الَّذِي عَلَيْهِ المُنجِّمون فِي هَذَا أَن الْجَوْزَهَرُ الَّذِي هُوَ رأْس التِّنِّين يُعدُّ مَعَ السُّعود، والذنَب يُعد مَعَ النُّحُوسِ.
الْجَوْهَرِيُّ: والتِّنّين مَوْضِعٌ فِي السَّمَاءِ.
ابْنُ الأَعرابي: تَنْتَن الرجلُ إِذَا تَرَكَ أَصدقاءه وَصَاحَبَ غَيْرَهَمْ.
أَبو الْهَيْثَمِ فِيمَا قُرِئَ بِخَطِّهِ: سَيْفٌ كَهامٌ ودَدانٌ وَمَتْنُنٌ.
أَي كِليلٌ، وَسَيْفٌ كَهِيم مِثْلُهُ، وكلُّ مُتَنَّنٍ مَذْمُومٌ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
114-لسان العرب (تين)
تين: التِّينُ: الَّذِي يُؤكل، وَفِي الْمُحْكَمِ: والتينُ شَجَرُ البَلَس، وقيل: هو البَلَس نفْسُه، وَاحِدَتُهُ تِينة؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَجناسُه كَثِيرَةٌ بَرِّيّة وَرِيفِيَّةٌ وسُهْليّة وجبَلِيّة، وَهُوَ كَثِيرٌ بأَرض الْعَرَبِ، قَالَ: وأَخبرني رَجُلٌ مِنْ أَعراب السَّراة، وَهُمْ أَهلُ تينٍ، قَالَ: التِّينُ بِالسَّرَاةِ كثيرٌ جِدًّا مُباح، قَالَ: وتأْكله رَطبًا وتُزَبِّبه فتَدَّخِرُه، وَقَدْ يُكسَّر عَلَى التِّين.والتينةُ: الدُّبُرُ.
وَالتِّينُ: جبَل بالشأْم؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هُوَ جَبَلٌ فِي بِلَادِ غَطَفان، وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ هُوَ جَبَلٌ بالشأْم بِشَيْءٍ، لأَنه لَيْسَ بالشأْم جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ التِّين، ثُمَّ قَالَ: وأَين الشأْم مِنْ بِلَادِ غَطَفان؛ قَالَ النَّابِغَةُ يَصِفُ سَحائب لَا ماءَ فِيهَا فَقَالَ:
صُهْب الشَّمَالِ أَتَينَ التِّينَ عَنْ عُرُضٍ، ***يُزْجِينَ غَيْمًا قَلِيلًا ماؤُه شَبِما
وَإِيَّاهَ عَنى الحَذْلمِيُّ بِقَوْلِهِ:
تَرْعى إلى جُدٍّ لها مَكِين، ***أَكْنافَ خَوٍّ فبِراقِ التِّين
والتِّينةُ: مُوَيهة فِي أَصل هَذَا الْجَبَلِ؛ هَكَذَا حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ، مُوَيهة كأَنه تصغيرُ الْمَاءِ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}؛ قِيلَ: التِّينِ" دِمَشق، والزَّيْتُونِ بيتُ المَقْدس، وَقِيلَ: التِّينِ وَالزَّيْتُونِ جَبَلان، وَقِيلَ: جَبَلان بالشأْم، وَقِيلَ: مَسجِدان بِالشَّامِ، وَقِيلَ: التِّينِ وَالزَّيْتُونِ "هُوَ الَّذِي نَعرفه.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ تِينُكم هَذَا وزَيتونكم؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَسَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَهل الشأْم، وَكَانَ صاحبَ تَفْسِيرٍ، قَالَ: التِّينُ جبالُ مَا بَيْنَ حُلوان إِلَى هَمَذان، والزيتونُ جِبَالُ الشأْم.
وطُورُ تَيْنا وتَيْناء وتِيناء كَسِيناء.
والتِّينانُ: الذئبُ؛ قال الأَخطل:
يَعْتَفْنَه عِنْدَ تِينانٍ، يُدَمِّنُه ***بَادِي العُواءِ ضَئيل الشَّخْصِ مُكتَسِب
وَقِيلَ: جَاءَ الأَخطل بحرْفَيْن لَمْ يجئْ بِهِمَا غيرُه، وَهُمَا التِّينانُ الذئبُ والعَيْثومُ أُنْثى الفِيَلةِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: « تانِ كالمرّتانِ »؛ قَالَ أَبو مُوسَى: هَكَذَا وَرَدَ فِي الرِّوَايَةِ، وَهُوَ خطأٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ خَصْلَتانِ مَرَّتانِ، وَالصَّوَابُ أَن يُقَالَ: تانِكَ المرَّتانِ، وتَصِل الكافَ بِالنُّونِ، وَهِيَ لِلْخِطَابِ؛ أي تانِك الخَصْلَتانِ اللَّتانِ أَذْكُرُهما لكَ، ومَنْ قَرَنَها بالمرَّتيْن احْتَاجَ أَن يَجُرَّهما، وَيَقُولُ كالمرَّتَيْن، وَمَعْنَاهُ هاتانِ الخَصْلَتان كخَصْلَتَيْن مَرَّتَيْن، والكافُ فيها للتشبيه.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
115-لسان العرب (سفن)
سفن: السَّفْنُ: القَشْر.سَفَن الشيءَ يَسْفِنه سَفْنًا: قَشَّرَهُ؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
فجاءَ خَفِيًَّا يَسْفِنُ الأَرضَ بَطْنُه، ***تَرى التُّرْبَ مِنْهُ لَاصِقًا كلَّ مَلْصَق
وَإِنَّمَا جَاءَ مُتَلَبِّدًا عَلَى الأَرض لِئَلَّا يَرَاهُ الصَّيْدُ فَيَنْفِرَ مِنْهُ.
والسَّفِينة: الفُلْك لأَنها تَسْفِن وَجْهَ الْمَاءِ أَي تُقَشِّرُهُ، فَعِيلة بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، وَقِيلَ لَهَا سَفِينَةٌ لأَنها تَسْفِنُ الرَّمْلَ إِذَا قَلَّ الْمَاءُ، قَالَ: وَيَكُونُ مأْخوذًا مِنَ السَّفَنِ، وَهُوَ الفأْس الَّتِي يَنْحَت بِهَا النجارُ، فَهِيَ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَقِيلَ: سُمِّيَتِ السَّفِينَةُ سَفِينَةً لأَنها تَسْفِنُ عَلَى وَجْهِ الأَرض أَي تَلزَق بِهَا، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: سَفِينَةٌ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ كأَنها تَسْفِنُ الْمَاءَ أَي "تَقْشِره، وَالْجَمْعُ سَفائن وسُفُن وسَفِين؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
مَلأْنا البَرَّ حَتَّى ضاقَ عَنَّا، ***ومَوْجُ الْبَحْرِ نَمْلَؤُه سَفينا
وَقَالَ الْعَجَّاجُ:
وهَمَّ رَعْلُ الآلِ أَن يَكُونَا ***بحْرًا يَكُبُّ الحُوتَ والسَّفِينا
وَقَالَ المَثقَّب العَبْدي: كأَنَّ حُدوجَهُنَّ عَلَى سَفِين ".
سِيبَوَيْهِ: أَما سَفائن فَعَلَى بَابِهِ، وفُعُلٌ دَاخِلٌ عَلَيْهِ لأَن فُعُلًا فِي مِثْلِ هَذَا قَلِيلٌ، وإِنما شَبَّهُوهُ بِقَليب وقُلُب كأَنهم جَمَعُوا سَفينًا حِينَ عَلِمُوا أَن الْهَاءَ سَاقِطَةٌ، شَبَّهُوهَا بجُفرةٍ وجِفارٍ حِينَ أَجرَوْها مُجرى جُمْد وجِماد.
والسَّفَّانُ: صَانِعُ السُّفن وَسَائِسُهَا، وحِرْفَته السِّفانة.
والسَّفَنُ: الفأْس الْعَظِيمَةُ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: لأَنها تَسْفِنُ أَي تَقْشر، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ عِنْدِي بِقَوِيٍّ.
ابْنُ السِّكِّيتِ: السَّفَن والمِسْفَن والشَّفْرُ أَيضًا قَدوم تُقْشر بِهِ الأَجذاع؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ نَاقَةً أَنضاها السَّيْرُ:
تَخَوَّفَ السَّيْرُ مِنْهَا تَامِكًا قَرِدًا، ***كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعةِ السَّفَنُ
يَعْنِي تَنقَّص.
الْجَوْهَرِيُّ: السَّفَنُ مَا يُنْحَت بِهِ الشَّيْءُ، والمِسْفَن مِثْلُهُ؛ وَقَالَ: " وأَنتَ فِي كَفِّكَ المِبْراةُ والسَّفَنُ "يَقُولُ: إِنك نجَّار؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِزُهَيْرٍ: " ضَرْبًا كنَحتِ جُذوعِ الأَثْلِ بالسَّفَنِ "والسَّفَنُ: جِلدٌ أَخشَن غَلِيظٌ كَجُلُودِ التَّمَاسِيحِ يَكُونُ عَلَى قَوَائِمِ السُّيُوفِ، وَقِيلَ: هُوَ حجَرٌ يُنْحَت بِهِ ويُليَّن، وَقَدْ سَفَنَه سَفْنًا وسَفَّنَه.
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: السَّفَنُ قِطْعَةٌ خَشْنَاءُ مِنْ جِلْدِ ضَبٍّ أَو جِلْدِ سَمَكَةٍ يُسْحَج بِهَا القِدْح حَتَّى تَذْهَبَ عَنْهُ آثَارُ المِبراة، وَقِيلَ: السَّفَنُ جِلْدُ السَّمَكِ الَّذِي تُحَكُّ بِهِ السِّياط والقِدْحان والسِّهام والصِّحافُ، وَيَكُونُ عَلَى قَائِمِ السَّيْفِ؛ وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ يَصِفُ قِدْحًا:
رَمَّه البارِي، فَسوَّى دَرْأَه ***غَمْزُ كَفَّيه، وتحْليقُ السَّفَنْ
وَقَالَ الأَعشى:
وَفِي كلِّ عامٍ لَهُ غَزْوَةٌ ***تَحُكّ الدوابِرَ حَكَّ السَّفَنْ
أَي تأْكل الحجارةُ دوابرَ لَهَا مِنْ بَعْدِ الْغَزْوِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: وَقَدْ يُجْعَلُ مِنَ الْحَدِيدِ مَا يُسَفَّن بِهِ الخشبُ أَي يُحَك بِهِ حَتَّى يَلِينَ، وَقِيلَ: السَّفَنُ جِلْدُ الأَطومِ، وَهِيَ سَمَكَةٌ بَحْرِيَّةٌ تُسَوَّى قوائمُ السُّيُوفِ مِنْ جِلْدِهَا.
وسَفَنَتِ الريحُ الترابَ تَسْفِنُه سَفْنًا: جَعَلَتْهُ دُقاقًا؛ وأَنشد: " إِذَا مَساحِيجُ الرِّياحِ السُّفَّن "أَبو عُبَيْدٍ: السَّوافِنُ الرِّيَاحُ الَّتِي تَسْفِنُ وَجْهَ الأَرض كأَنها تَمْسحه، وَقَالَ غَيْرُهُ: تُقَشِّرُهُ، الْوَاحِدَةُ سافِنَة، وسَفَنَت الرِّيحُ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِ الأَرض؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: سَفَنَتِ الرِّيحُ تَسْفُنُ سُفُونًا وسَفِنَتْ إِذَا هَبَّتْ عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَهِيَ رِيحٌ سَفُونٌ إِذَا كَانَتْ أَبدًا هابَّةً؛ وأَنشد:
مَطاعِيمُ للأَضيافِ فِي كلِّ شَتْوَةٍ ***سَفُونِ الرِّياحِ، تَتْرُكُ الليطَ أَغْبرا
والسَّفِينَةُ: اسْمٌ، وَبِهِ سُمِّي عَبْدٌ أَو عَسِيف مُتكَهِّن كَانَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وأَخبرني أَبو العَلاء أَنه إِنما سُمِّيَ سفِينَة لأَنه كَانَ يَحْمِلُ الحسنَ وَالْحُسَيْنَ أَو متاعَهما، فشبِّه بالسَّفينة مِنَ الفُلْكِ.
وسَفَّانة: بنت.
حاتم طَيِءٍ، وَبِهَا كَانَ يُكنى.
وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ سَفَوانَ، بِفَتْحِ السِّينِ وَالْفَاءِ، وادٍ مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ بَلَغَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِ كُرْزٍ الفِهْرِي لَمَّا أَغار عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ، وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الأُولى، والله أَعلم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
116-لسان العرب (كون)
كون: الكَوْنُ: الحَدَثُ، وَقَدْ كَانَ كَوْنًا وكَيْنُونة؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ وَكُرَاعٍ، والكَيْنونة فِي مَصْدَرِ كانَ يكونُ أَحسنُ.قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَقُولُ فِي ذَوَاتِ الْيَاءِ مِمَّا يُشْبِهُ زِغْتُ وسِرْتُ: طِرْتُ طَيْرُورَة وحِدْتُ حَيْدُودَة فِيمَا لَا يُحْصَى مِنْ هَذَا الضَّرْبِ، فأَما ذَوَاتُ الْوَاوِ مِثْلَ قُلْتُ ورُضْتُ، فإِنهم لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَتى عَنْهُمْ فِي أَربعة أَحرف: مِنْهَا الكَيْنُونة مِنْ كُنْتُ، والدَّيْمُومة مِنْ دُمْتُ، والهَيْعُوعةُ مِنَ الهُواع، والسَّيْدُودَة مِنْ سُدْتُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَكُونَ كَوْنُونة، وَلَكِنَّهَا لَمَّا قَلَّتْ فِي مَصَادِرِ الْوَاوِ وَكَثُرَتْ فِي مَصَادِرِ الياءِ أَلحقوها بِالَّذِي هُوَ أَكثر مَجِيئًا مِنْهَا، إِذ كَانَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ مَتَقَارِبَتَيِ الْمَخْرَجِ.
قَالَ: وَكَانَ الْخَلِيلُ يَقُولُ كَيْنونة فَيْعولة هِيَ فِي الأَصل كَيْوَنونة، الْتَقَتْ مِنْهَا يَاءٌ وواوٌ والأُولى مِنْهُمَا سَاكِنَةٌ فَصَيَّرَتَا يَاءً مُشَدَّدَةً مِثْلَ مَا قَالُوا الهَيِّنُ مَنْ هُنْتُ، ثُمَّ خَفَّفُوهَا فَقَالُوا كَيْنونة كَمَا قَالُوا هَيْنٌ لَيْنٌ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَدْ ذَهَبَ مَذْهبًا إِلا أَن الْقَوْلَ عِندي هُوَ الأَول؛ وَقَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ عُرْفُطة، جَاهِلِيٌّ:
لَمْ يَكُ الحَقُّ سوَى أَنْ هاجَهُ ***رَسْمُ دارٍ قَدْ تَعَفَّى بالسَّرَرْ
إِنما أَراد: لَمْ يَكُنِ الْحَقُّ، فَحَذَفَ النُّونَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَكَانَ حُكْمُهُ إِذا وَقَعَتِ النُّونُ مَوْقِعًا تُحَرَّكُ فِيهِ فتَقْوَى بِالْحَرَكَةِ أَن لَا يَحْذِفَها لأَنها بِحَرَكَتِهَا قَدْ فَارَقَتْ شِبْهَ حُرُوفِ اللِّينِ، إِذ كُنَّ لَا يَكُنَّ إِلا سَوَاكِنَ، وحذفُ النُّونِ مِنْ يَكُنْ أَقبح مِنْ حَذْفِ التَّنْوِينِ وَنُونِ التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ، لأَن نُونَ يَكُنْ أَصل وَهِيَ لَامُ الْفِعْلِ، وَالتَّنْوِينُ وَالنُّونُ زَائِدَانِ، فَالْحَذْفُ مِنْهُمَا أَسهل مِنْهُ فِي لَامِ الْفِعْلِ، وَحَذْفُ النُّونِ أَيضًا مِنْ يَكُنْ أَقبح مِنْ حَذْفِ النُّونِ مِنْ قَوْلِهِ: غَيْرَ الَّذِي قَدْ يُقَالُ مِلْكذب، لأَن أَصله يَكُونُ قَدْ حُذِفَتْ مِنْهُ الْوَاوُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، فإِذا حَذَفْتَ مِنْهُ النُّونَ أَيضًا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ أَجحفت بِهِ لِتَوَالِيَ الْحَذْفَيْنِ، لَا سِيَّمَا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، قَالَ: وَلَكَ أَيضًا أَن تَقُولَ إِن مِنْ حرفٌ، وَالْحَذْفُ فِي الْحَرْفِ ضَعِيفٌ إِلا مَعَ التَّضْعِيفِ، نَحْوَ إِنّ وربَّ، قَالَ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ جِنِّي، قَالَ: وأَرى أَنا شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَن يَكُونَ جَاءَ بِالْحَقِّ بعد ما حَذْفِ النُّونِ مِنْ يَكُنْ، فَصَارَ يكُ مِثْلَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمْ يَكُ شَيْئًا}؛ فَلَمَّا قَدَّرَهُ يَك، جاء بالحق بعد ما جَازَ الْحَذْفُ فِي النُّونِ، وَهِيَ سَاكِنَةٌ تَخْفِيفًا، فَبَقِيَ مَحْذُوفًا بِحَالِهِ فَقَالَ: لَمْ يَكُ الحَقُّ، وَلَوْ قَدَّره يَكُنْ فَبَقِيَ مْحَذُوفًا، ثُمَّ جَاءَ بِالْحَقِّ لَوَجَبَ أَن يَكْسِرَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فيَقْوَى بِالْحَرَكَةِ، فَلَا يَجِدُ سَبِيلًا إِلى حَذْفِهَا إِلا مُسْتَكْرَهًا، فَكَانَ يَجِبُ أَن يَقُولَ لَمْ يَكُنِ الْحَقُّ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الخَنْجَر بْنُ صَخْرٍ الأَسدي:
فإِنْ لَا تَكُ المِرآةُ أَبْدَتْ وَسامةً، ***فَقَدْ أَبْدَتِ المِرآةُ جَبْهةَ ضَيْغَمِ
يُرِيدُ: فإِن لَا تَكُنِ الْمِرْآةُ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَمْ يَكْ أَصله يَكُونُ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهَا لَمْ جَزَمَتْهَا فَالْتَقَى سَاكِنَانِ فَحُذِفَتِ الْوَاوُ فَبَقِيَ لَمْ يَكُنْ، فَلَمَّا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَذَفُوا النُّونَ تَخْفِيفًا، فإِذا تَحَرَّكَتْ أَثبتوها، قَالُوا لَمْ يَكُنِ الرجلُ، وأَجاز يُونُسُ حَذْفَهَا مَعَ الْحَرَكَةِ؛ وأَنشد:
إِذا لَمْ تَكُ الحاجاتُ مِنْ همَّة الفَتى، ***فَلَيْسَ بمُغْنٍ عنكَ عَقْدُ الرَّتائِمِ
وَمِثْلُهُ مَا حَكَاهُ قُطْرُب: أَن يُونُسَ أَجاز لَمْ يكُ الرَّجُلُ مُنْطَلِقًا؛ وأَنشد بَيْتَ الْحَسَنِ بْنِ عُرْفُطة: " لَمْ يَكُ الحَقُّ سِوَى أَن هاجَه "والكائنة: الْحَادِثَةُ.
وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: أَنا أَعْرِفُكَ مُذْ كُنْتَ أَي مُذْ خُلِقْتَ، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ.
ابْنُ الأَعرابي: التَّكَوُّنُ التَّحَرُّك، تَقُولُ الْعَرَبُ لِمَنْ تَشْنَؤُه: لَا كانَ وَلَا تَكَوَّنَ؛ لَا كَانَ: لَا خُلِقَ، وَلَا تَكَوَّن: لَا تَحَرَّك أَي مَاتَ.
وَالْكَائِنَةُ: الأَمر الْحَادِثُ.
وكَوَّنَه فتَكَوَّن: أَحدَثَه فَحَدَثَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فإِن الشَّيْطَانَ لَا يتَكَوَّنُني، وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يتَكَوَّنُ عَلَى صُورَتِي».
وكَوَّنَ الشيءَ: أَحدثه.
وَاللَّهُ مُكَوِّنُ الأَشياء يُخْرِجُهَا مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ.
وَبَاتَ فُلَانٌ بكِينةِ سَوْءٍ وبجِيبةِ سَوْءٍ أَي بِحَالَةِ سَوءٍ.
وَالْمَكَانُ: الْمَوْضِعُ، وَالْجَمْعُ أَمْكِنة وأَماكِنُ، توهَّموا الْمِيمَ أَصلًا حَتَّى قَالُوا تَمَكَّن فِي الْمَكَانِ، وَهَذَا كَمَا قَالُوا فِي تَكْسِيرِ المَسِيل أَمْسِلة، وَقِيلَ: الْمِيمُ فِي الْمَكَانِ أَصل كأَنه مِنَ التَّمَكُّن دُونَ الكَوْنِ، وَهَذَا يُقَوِّيهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَكْسِيرِهِ عَلَى أَفْعِلة؛ وَقَدْ حَكَى سِيبَوَيْهِ فِي جَمْعِهِ أَمْكُنٌ، وَهَذَا زَائِدٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَن وَزْنَ الْكَلِمَةِ فَعَال دُونَ مَفْعَل، فَإِنْ قُلْتَ فَإِنَّ فَعَالًا لَا يُكْسَرُ عَلَى أَفْعُل إِلَّا أَن يَكُونَ مُؤَنَّثًا كأَتانٍ وآتُنٍ.
اللَّيْثُ: الْمَكَانُ اشتقاقُه مَنْ كَانَ يَكُونُ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَثُرَ فِي الْكَلَامِ صَارَتِ الْمِيمُ كأَنها أَصلية، والمكانُ مُذَكَّرٌ، قِيلَ: تَوَهَّمُوا.
فِيهِ طَرْحَ الزَّائِدِ كأَنهم كَسَّروا مَكَنًا وأَمْكُنٌ، عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، مِمَّا كُسِّرَ عَلَى غَيْرِ مَا يُكَسَّرُ عَلَيْهِ مثلُه، ومَضَيْتُ مَكانتي ومَكِينَتي أَيْ عَلَى طِيَّتي.
والاستِكانة: الْخُضُوعُ.
الْجَوْهَرِيُّ: والمَكانة الْمَنْزِلَةُ.
وفلانٌ مَكِينٌ عِنْدَ فُلَانٍ بَيِّنُ الْمَكَانَةِ.
وَالْمَكَانَةُ: الْمَوْضِعُ.
قَالَ تعالى: {وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ}؛ قَالَ: وَلَمَّا كَثُرَ لُزُومُ الْمِيمِ تُوُهِّمت أَصلية فَقِيلَ تَمَكَّن كَمَا قَالُوا مِنَ الْمِسْكِينِ تَمَسْكَنَ؛ ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ ذَلِكَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَكِينٌ فَعِيل ومَكان فَعال ومَكانةٌ فَعالة لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مِنَ الكَوْن فَهَذَا سهوٌ، وأَمْكِنة أَفْعِلة، وأَما تَمَسْكَنَ فَهُوَ تَمَفْعل كتَمَدْرَع مُشْتَقًّا مِنَ المِدْرَعة بِزِيَادَتِهِ، فَعَلَى قِيَاسِهِ يَجِبُ فِي تمكَّنَ تمَكْونَ لأَنه تمفْعل عَلَى اشْتِقَاقِهِ لَا تمكَّنَ، وتمكَّنَ وَزْنُهُ تفَعَّلَ، وَهَذَا كُلُّهُ سَهْوٌ وَمَوْضِعُهُ فَصْلُ الْمِيمِ مِنْ بَابِ النُّونِ، وَسَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ.
وَكَانَ وَيَكُونُ: مِنَ الأَفعال الَّتِي تَرْفَعُ الأَسماء وَتَنْصِبُ الأَخبار، كَقَوْلِكَ كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا وَيَكُونُ عَمْرٌو ذَاهِبًا، وَالْمَصْدَرُ كَوْنًا وَكَيَانًا.
قَالَ الأَخفش فِي كِتَابِهِ الْمَوْسُومِ بِالْقَوَافِي: وَيَقُولُونَ أَزَيْدًا كُنْتَ لَهُ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: ظَاهِرُهُ أَنه مَحْكِيٌّ عَنِ الْعَرَبِ لأَن الأَخفش إِنَّمَا يَحْتَجُّ بِمَسْمُوعِ الْعَرَبِ لَا بِمَقِيسِ النَّحْوِيِّينَ، وَإِذَا كَانَ قَدْ سَمِعَ عَنْهُمْ أَزيدًا كُنْتَ لَهُ، فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ خَبَرِ كَانَ عَلَيْهَا، قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُفَسِّرُ الْفِعْلَ النَّاصِبَ الْمُضْمَرَ إِلَّا بِمَا لَوْ حُذِفَ مَفْعُولُهُ لَتَسَلَّطَ عَلَى الِاسْمِ الأَول فَنَصَبَهُ، أَلا تَراكَ تَقُولُ أَزيدًا ضَرَبْتَهُ، وَلَوْ شِئْتَ لَحَذَفْتَ الْمَفْعُولَ فتسلطتْ ضَرَبْتَ هَذِهِ الظَّاهِرَةُ عَلَى زَيْدٍ نَفْسِهِ فَقُلْتَ أَزيدًا ضَرَبْتَ، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ أَزيدًا كُنْتَ لَهُ يَجُوزُ فِي قِيَاسِهِ أَن تَقُولَ أَزيدًا كُنْتَ، ومثَّل سِيبَوَيْهِ كَانَ بِالْفِعْلِ المتعدِّي فَقَالَ: وَتَقُولُ كُنّاهمْ كَمَا تَقُولُ ضَرَبْنَاهُمْ، وَقَالَ إِذَا لَمْ تَكُنْهم فَمَنْ ذَا يَكُونُهم كَمَا تَقُولُ إِذَا لَمْ تَضْرِبْهُمْ فَمَنْ ذَا يَضْرِبُهُمْ، قَالَ: وَتَقُولُ هُوَ كائِنٌ ومَكُونٌ كَمَا تَقُولُ ضَارِبٌ وَمَضْرُوبٌ.
غَيْرُهُ: وَكَانَ تَدُلُّ عَلَى خَبَرٍ ماضٍ فِي وَسَطِ الْكَلَامِ وَآخِرِهِ، وَلَا تَكُونُ صلَةً فِي أَوَّله لأَن الصِّلَةَ تَابِعَةٌ لَا مَتْبُوعَةٌ؛ وَكَانَ فِي مَعْنَى جَاءَ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
إِذَا كانَ الشِّتاءُ فأَدْفئُوني، ***فإنَّ الشَّيْخَ يُهْرِمُه الشِّتاءُ
قَالَ: وَكَانَ تأْتي بِاسْمٍ وَخَبَرٍ، وتأْتي بِاسْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ خَبَرُهَا كَقَوْلِكَ كَانَ الأَمْرُ وَكَانَتِ الْقِصَّةُ أَيْ وَقَعَ الأَمر وَوَقَعَتِ الْقِصَّةُ، وَهَذِهِ تُسَمَّى التَّامَّةَ الْمُكْتَفِيَةَ؛ وَكَانَ تَكُونُ جَزَاءً، قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: اخْتُلِفَ النَّاسُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ هَاهُنَا صِلَةٌ، وَمَعْنَاهُ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ هُوَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، قَالَ: وَقَالَ الْفَرَّاءُ كَانَ هَاهُنَا شَرْطٌ وَفِي الْكَلَامِ تعَجبٌ، وَمَعْنَاهُ مَنْ يكن" فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا فَكَيْفَ يُكَلَّمُ، وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}، وَمَا أَشبهه فَإِنَّ أَبا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ قَالَ: قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي كَانَ فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا لِعِبَادِهِ.
وَعَنْ عِبَادِهِ قَبْلَ أَن يَخْلُقَهُمْ، وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ الْبَصْرِيُّونَ: كأَنَّ الْقَوْمَ شاهَدُوا مِنَ اللَّهِ رَحْمَةً فأُعْلِمُوا أَن ذَلِكَ لَيْسَ بِحَادِثٍ وأَن اللَّهَ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، وَقَالَ قَوْمٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ: كانَ وفَعَل مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ مَا فِي الْحَالِ، فَالْمَعْنَى، وَاللَّهُ أَعلم،.
وَاللَّهُ عَفُوٌّ غَفُور؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: الَّذِي قَالَهُ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ أَدْخَلُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، وأَما الْقَوْلُ الثَّالِثُ فَمَعْنَاهُ يؤُول إِلَى مَا قَالَهُ الْحَسَنُ وَسِيبَوَيْهِ، إلَّا أَنَّ كَوْنَ الْمَاضِي بِمَعْنَى الْحَالِ يَقِلُّ، وصاحبُ هَذَا الْقَوْلِ لَهُ مِنَ الْحُجَّةِ قَوْلُنَا غَفَر اللَّهُ لِفُلَانٍ بِمَعْنَى لِيَغْفِر اللَّهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْحَالِ دَلِيلٌ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ وَقَعَ الْمَاضِي مؤدِّيًا عَنْهَا اسْتِخْفَافًا لأَن اخْتِلَافَ أَلفاظ الأَفعال إِنَّمَا وَقَعَ لِاخْتِلَافِ الأَوقات.
وَرَوِيَ عَنِ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}؛ أَي أَنتم خَيْرُ أُمة، قَالَ: وَيُقَالُ مَعْنَاهُ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمة فِي عِلْمِ اللَّهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَعوذ بِكَ مِنَ الحَوْر بَعْدَ الكَوْنِ »، قَالَ ابْنُ الأَثير: الكَوْنُ مَصْدَرُ كَانَ التامَّة؛ يُقَالُ: كَانَ يَكُونُ كَوْنًا أَي وُجِدَ واسْتَقَرَّ، يَعْنِي أَعوذ بِكَ مِنَ النَّقْصِ بَعْدَ الْوُجُودِ وَالثَّبَاتِ، وَيُرْوَى: " بَعْدَ الكَوْرِ "، بِالرَّاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ.
الْجَوْهَرِيُّ: كَانَ إِذَا جَعَلْتَهُ عِبَارَةً عَمَّا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ احْتَاجَ إِلَى خَبَرٍ لأَنه دَلَّ عَلَى الزَّمَانِ فَقَطْ، تَقُولُ: كَانَ زَيْدٌ عَالِمًا، وَإِذَا جَعَلْتَهُ عِبَارَةً عَنْ حُدُوثِ الشَّيْءِ وَوُقُوعِهِ اسْتُغْنَى عَنِ الْخَبَرِ لأَنه دَلَّ عَلَى مَعْنًى وَزَمَانٍ، تَقُولُ: كانَ الأَمْرُ وأَنا أَعْرفُه مُذْ كَانَ أَي مُذْ خُلِقَ؛ قَالَ مَقَّاسٌ الْعَائِذِيُّ:
فِدًا لبَني ذُهْلِ بْنِ شَيْبانَ ناقَتي، ***إِذَا كَانَ يومٌ ذُو كواكبَ أَشْهَبُ
قَوْلُهُ: ذُو كَوَاكِبَ أَي قَدْ أَظلم فبَدَتْ كواكبُه لأَن شَمْسَهُ كَسَفَتْ بِارْتِفَاعِ الْغُبَارِ فِي الْحَرْبِ، وَإِذَا كَسَفَتِ الشَّمْسُ ظَهَرَتِ الْكَوَاكِبُ؛ قَالَ: وَقَدْ تَقَعُ زَائِدَةً لِلتَّوْكِيدِ كَقَوْلِكَ كَانَ زَيْدٌ مُنْطَلِقًا، وَمَعْنَاهُ زِيدٌ مُنْطَلِقٌ؛ قَالَ تعالى: {وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}؛ وَقَالَ أَبو جُندب الهُذَلي:
وكنتُ، إِذَا جَارِي دَعَا لمَضُوفةٍ، ***أُشَمِّرُ حَتَّى يَنْصُفَ الساقَ مِئْزَري
وَإِنَّمَا يُخْبِرُ عَنْ حَالِهِ وَلَيْسَ يُخْبِرُ بِكُنْتُ عمَّا مَضَى مِنْ فِعْلِهِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ انْقِضَاءِ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ: كَانَ تَكُونُ بِمَعْنَى مَضَى وتَقَضَّى، وَهِيَ التَّامَّةُ، وتأْتي بِمَعْنَى اتِّصَالِ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ، وَهِيَ النَّاقِصَةُ، وَيُعَبِّرُ عَنْهَا بِالزَّائِدَةِ أَيضًا، وتأْتي زَائِدَةً، وتأَتي بِمَعْنَى يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الزَّمَانِ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ وَالْوُقُوعِ؛ فَمِنْ شَوَاهِدِهَا بِمَعْنَى مَضَى وَانْقَضَى قَوْلُ أَبي الْغُولِ:
عَسَى الأَيامُ أَن يَرْجِعنَ ***قَوْمًا كَالَّذِي كَانُوا
وَقَالَ ابْنُ الطَّثَرِيَّة:
فَلَوْ كنتُ أَدري أَنَّ مَا كانَ كائنٌ، ***وأَنَّ جَدِيدَ الوَصْلِ قَدْ جُدَّ غابِرُهْ
وَقَالَ أَبو الأَحوصِ:
كَمْ مِن ذَوِي خُلَّةٍ قبْلي وقبْلَكُمُ ***كَانُوا، فأَمْسَوْا إِلَى الهِجرانِ قَدْ صَارُوا
وَقَالَ أَبو زُبَيْدٍ:
ثُمَّ أَضْحَوْا كأَنهُم لَمْ يَكُونوا، ***ومُلُوكًا كَانُوا وأَهْلَ عَلاءِ
وَقَالَ نَصْرُ بْنُ حَجَّاجٍ وأَدخل اللَّامَ عَلَى مَا النَّافِيَةِ:
ظَنَنتَ بيَ الأَمْرَ الَّذِي لَوْ أَتَيْتُه، ***لَمَا كَانَ لِي، فِي الصَّالِحِينَ، مَقامُ
وَقَالَ أَوْسُ بْنُ حجَر:
هِجاؤُكَ إلَّا أَنَّ مَا كَانَ قَدْ مَضَى ***عَليَّ كأَثْوابِ الْحَرَامِ المُهَيْنِم
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدٍ الأَعلى:
يَا لَيْتَ ذَا خَبَرٍ عَنْهُمْ يُخَبِّرُنا، ***بَلْ لَيْتَ شِعْرِيَ، مَاذَا بَعْدَنا فَعَلُوا؟
كُنَّا وَكَانُوا فَمَا نَدْرِي عَلَى وَهَمٍ، ***أَنَحْنُ فِيمَا لَبِثْنا أَم هُمُ عَجِلُوا؟
أَي نَحْنُ أَبطأْنا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
فَكَيْفَ إِذَا مَرَرْتَ بدارِ قَوْمٍ، ***وجيرانٍ لَنَا كانُوا كرامِ
وَتَقْدِيرُهُ: وجيرانٍ لَنَا كرامٍ انْقَضَوْا وَذَهَبَ جُودُهم؛ وَمِنْهُ مَا أَنشده ثَعْلَبٌ:
فَلَوْ كنتُ أَدري أَنَّ مَا كَانَ كائنٌ، ***حَذِرْتُكِ أَيامَ الفُؤادُ سَلِيمُ
ولكنْ حَسِبْتُ الصَّرْمَ شَيْئًا أُطِيقُه، ***إِذَا رُمْتُ أَو حاوَلْتُ أَمْرَ غَرِيمِ
وَمِنْهُ مَا أَنشده الْخَلِيلُ لِنَفْسِهِ:
بَلِّغا عنِّيَ المُنَجِّمَ أَني ***كافِرٌ بِالَّذِي قَضَتْه الكَواكِبْ،
عالِمٌ أَنَّ مَا يكُونُ وَمَا كانَ ***قَضاءٌ مِنَ المُهَيْمِنِ واجِبْ
وَمِنْ شَوَاهِدِهَا بِمَعْنَى اتصالِ الزمانِ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ قولُه سُبْحَانَهُ وَتعالى: {وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}؛ أَيْ لَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ؛ وَقَالَ الْمُتَلَمِّسُ:
وكُنَّا إِذَا الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّه، ***أَقَمْنا لَهُ مِنْ مَيْلِهِ فتَقَوَّما
وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
وَكُنَّا إِذَا الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّه، ***ضَرَبْناه تحتَ الأُنْثَيَينِ عَلَى الكَرْدِ
وَقَوْلُ قَيْسِ بْنِ الخَطِيم:
وكنتُ امْرَأً لَا أَسْمَعُ الدَّهْرَ سُبَّةً ***أُسَبُّ بِهَا، إلَّا كَشَفْتُ غِطاءَها
وَفِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ أَيضًا: إِنَّ هَذَا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا "؛ وَفِيهِ: إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيدًا؛ وَفِيهِ: كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا".
وَمِنْ أَقسام كَانَ النَّاقِصَةِ أَيضًا أَن تأْتي بِمَعْنَى صَارَ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ "؛ وَقَوْلِهِ تعالى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ}؛ وَفِيهِ: فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا؛ وَفِيهِ: وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيبًا مَهِيلًا؛ وَفِيهِ: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا؛ وَفِيهِ: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها؛ أَي صِرْتَ إِلَيْهَا؛ وَقَالَ ابْنُ أَحمر:
بتَيْهاءَ قَفْرٍ، والمَطِيُّ كأَنَّها ***قَطا الحَزْنِ، قَدْ كانَتْ فِراخًا بُيوضُها
وَقَالَ شَمْعَلَةُ بْنُ الأَخْضَر يَصِفُ قَتْلَ بِسْطامِ بْنِ قَيْسٍ:
فَخَرَّ عَلَى الأَلاءَة لَمْ يُوَسَّدْ، ***وَقَدْ كانَ الدِّماءُ لَهُ خِمارَا
وَمِنْ أَقسام كَانَ النَّاقِصَةِ أَيضًا أَنْ يَكُونَ فِيهَا ضميرُ الشأْن والقِصَّة، وَتُفَارِقُهَا مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ وجهًا لأَن "اسْمَهَا لَا يَكُونُ إِلَّا مُضْمَرًا غَيْرَ ظَاهِرٍ، وَلَا يَرْجِعُ إِلَى مَذْكُورٍ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ، وَلَا يؤَكد بِهِ، وَلَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ، وَلَا يُبْدَلُ مِنْهُ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي التَّفْخِيمِ، وَلَا يُخْبَرُ عَنْهُ إِلَّا بِجُمْلَةٍ، وَلَا يَكُونُ فِي الْجُمْلَةِ ضَمِيرٌ، وَلَا يتقدَّم عَلَى كَانَ؛ وَمِنْ شَوَاهِدِ كَانَ الزَّائِدَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
باللهِ قُولُوا بأَجْمَعِكُمْ: ***يَا لَيْتَ مَا كانَ لَمْ يَكُنِ
وَكَانَ الزائدةُ لَا تُزادُ أَوَّلًا، وَإِنَّمَا تُزادُ حَشْوًا، وَلَا يَكُونُ لَهَا اسْمٌ وَلَا خَبَرٌ، وَلَا عَمَلَ لَهَا؛ وَمِنْ شَوَاهِدِهَا بِمَعْنَى يَكُونُ لِلْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الزَّمَانِ قَوْلُ الطِّرمَّاح بْنِ حَكِيمٍ:
وَإِنِّي لآتِيكُمْ تَشَكُّرَ مَا مَضَى ***مِنَ الأَمْرِ، واسْتِنْجازَ مَا كانَ فِي غَدِ
وَقَالَ سَلَمَةُ الجُعْفِيُّ:
وكُنْتُ أَرَى كالمَوْتِ مِنْ بَيْنِ سَاعَةٍ، ***فكيفَ بِبَيْنٍ كانَ مِيعادُه الحَشْرَا؟
وَقَدْ تأْتي تَكُونُ بِمَعْنَى كَانَ كقولِ زيادٍ الأَعْجَمِ:
وانْضَخْ جَوانِبَ قَبْرِهِ بدِمائها، ***ولَقَدْ يَكُونُ أَخا دَمٍ وذَبائِح
وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِير: وَلَقَدْ يَكُونُ عَلَى الشَّبابِ بَصِيرَا قَالَ: وَقَدْ يَجِيءُ خَبَرُ كَانَ فِعْلًا مَاضِيًّا كَقَوْلِ حُمَيْدٍ الأَرْقَطِ:
وكُنْتُ خِلْتُ الشَّيْبَ والتَّبْدِينَا ***والهَمَّ مِمَّا يُذْهِلُ القَرِينَا
وَكَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:
وكُنَّا وَرِثْناه عَلَى عَهْدِ تُبَّعٍ، ***طَوِيلًا سَوارِيه، شَديدًا دَعائِمُهْ
وَقَالَ عَبْدَةُ بنُ الطَّبِيبِ:
وكانَ طَوَى كَشْحًا عَلَى مُسْتَكِنَّةٍ، ***فَلا هُوَ أَبْداها وَلَمْ يَتَجَمْجَمِ
وَهَذَا الْبَيْتُ أَنشده فِي تَرْجَمَةِ كَنَنَ وَنَسَبَهُ لِزُهَيْرٍ، قَالَ: وَتَقُولُ كانَ كَوْنًا وكَيْنُونة أَيضًا، شَبَّهُوهُ بالحَيْدُودَة والطَّيْرُورة مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ، قَالَ: ولم يجيء مِنَ الْوَاوِ عَلَى هَذَا إِلَّا أَحرف: كَيْنُونة وهَيْعُوعة ودَيْمُومة وقَيْدُودَة، وأَصله كَيّنُونة، بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، فَحَذَفُوا كَمَا حَذَفُوا مِنْ هَيِّنٍ ومَيِّتٍ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالُوا كَوْنُونة لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعْلُول، وأَما الْحَيْدُودَةُ فأَصله فَعَلُولة بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَسَكَنَتْ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: "أَصل كَيّنُونة كَيْوَنُونة، وَوَزْنُهَا فَيْعَلُولة، ثُمَّ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً فَصَارَ كَيّنُونة، ثُمَّ حُذِفَتِ الْيَاءُ تَخْفِيفًا فَصَارَ كَيْنُونة، وَقَدْ جَاءَتْ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى الأَصل؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ أَنشدني النَّهْشَلِيُّ:
قَدْ فارَقَتْ قَرِينَها القَرِينَه، ***وشَحَطَتْ عَنْ دارِها الظَّعِينه
يَا ليتَ أَنَّا ضَمَّنَا سَفِينه، ***حَتَّى يَعُودَ الوَصْل كَيّنُونه
قَالَ: والحَيْدُودَة أَصل وَزْنِهَا فَيْعَلُولة، وَهُوَ حَيْوَدُودَة، ثُمَّ فَعَلَ بِهَا مَا فَعَلَ بكَيْنونة.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَاعْلَمْ أَنه يُلْحَقُ بِبَابِ كَانَ وأَخواتها كُلُّ فِعْلٍ سُلِبَ الدِّلالةَ عَلَى الحَدَث، وجُرِّدَ لِلزَّمَانِ وَجَازَ فِي الْخَبَرِ عَنْهُ أَن يَكُونَ مَعْرِفَةً وَنَكِرَةً، وَلَا يَتِمُّ الْكَلَامُ دُونَهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ عادَ ورَجَعَ وآضَ وأَتى وَجَاءَ وأَشباهها كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأْتِ بَصِيرًا}؛ وَكَقَوْلِ الخوارج لابن عَبَّاسٍ: مَا جَاءَتْ حاجَتُك أَي مَا صَارَتْ؛ يُقَالُ لِكُلِّ طَالِبِ أَمر يَجُوزُ أَن يَبْلُغَه وأَن لَا يَبْلُغَهُ.
وَتَقُولُ: جَاءَ زيدٌ الشريفَ أَي صَارَزيدٌ الشريفَ؛ وَمِنْهَا: طَفِق يَفْعَلُ، وأَخَذ يَكْتُب، وأَنشأَ يَقُولُ، وجَعَلَ يَقُولُ.
وَفِي حَدِيثِ تَوْبةِ كَعْبٍ: « رأَى رَجُلًا لَا يَزُول بِهِ السَّرابُ فَقَالَ كُنْ أَبا خَيْثَمة»؛ أي صِرْهُ.
يُقَالُ لِلرَّجُلِ يُرَى مِنْ بُعْدٍ: كُن فُلَانًا أَي أَنت فُلَانٌ أَو هُوَ فُلَانٌ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: « أَنه دَخَلَ الْمَسْجِدَ فرأَى رَجَلًا بَذَّ الْهَيْئَةِ، فَقَالَ: كُنْ أَبا مُسْلِمٍ »، يَعْنِي الخَوْلانِيَّ.
وَرَجُلٌ كُنْتِيٌّ: كَبِيرٌ، نُسِبَ إِلَى كُنْتُ.
وَقَدْ قَالُوا كُنْتُنِيٌّ، نُسِبَ إِلَى كُنْتُ أَيضًا، وَالنُّونُ الأَخيرة زَائِدَةٌ؛ قَالَ:
وَمَا أَنا كُنْتِيٌّ، وَلَا أَنا عاجِنُ، ***وشَرُّ الرِّجال الكُنْتُنِيُّ وعاجِنُ
وَزَعَمَ سِيبَوَيْهِ أَن إِخْرَاجَهُ عَلَى الأَصل أَقيس فَتَقُولُ كُونِيٌّ، عَلَى حَدِّ مَا يُوجِبُ النَّسَبَ إِلَى الْحِكَايَةِ.
الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا شَاخَ هُوَ كُنْتِيٌّ، كأَنه نُسِبَ إِلَى قَوْلِهِ كُنْتُ فِي شَبَابِي كَذَا؛ وأَنشد:
فأَصْبَحْتُ كُنْتِيًّا، وأَصْبَحْتُ عاجِنًا، ***وشَرُّ خِصَالِ المَرْءِ كُنْتُ وعاجِنُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِذَا مَا كُنْتَ مُلْتَمِسًا لِغَوْثٍ، ***فَلَا تَصْرُخْ بكُنْتِيٍّ كبيرِ
فَلَيْسَ بِمُدْرِكٍ شَيْئًا بَسَعْيٍ، ***وَلَا سَمْعٍ، وَلَا نَظَرٍ بَصِيرِ
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه دَخَلَ المسجدَ وعامَّةُ أَهله الكُنْتِيُّونَ »؛ هُمُ الشُّيوخُ الَّذِينَ يَقُولُونَ كُنَّا كَذَا، وكانَ كَذَا، وَكُنْتُ كَذَا، فكأَنه مَنْسُوبٌ إِلَى كُنْتُ.
يُقَالُ: كأَنك وَاللَّهِ قَدْ كُنْتَ وصِرْتَ إِلَى كانَ وكُنْتَ أَي صرتَ إِلَى أَن يُقَالَ عَنْكَ: كانَ فُلَانٌ، أَو يُقَالُ لك في حال الهَرَم: كُنْتَ مَرَّةً كَذَا، وَكُنْتَ مَرَّةً كَذَا.
الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ كَنَتَ: ابْنُ الأَعرابي كَنَتَ فلانٌ فِي خَلْقِه وَكَانَ فِي خَلْقِه، فَهُوَ كُنْتِيٌّ وكانِيٌّ.
ابْنُ بُزُرْج: الكُنْتِيُّ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ؛ وأَنشد:
قَدْ كُنْتُ كُنْتِيًّا، فأَصْبَحْتُ عاجِنًا، ***وشَرُّ رِجال الناسِ كُنْتُ وعاجِنُ
يَقُولُ: إِذَا قَامَ اعْتَجَن أَي عَمَدَ عَلَى كُرْسُوعه، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: الكُنْتِيُّ الْكَبِيرُ؛ وأَنشد: " فَلَا تَصْرُخْ بكُنْتِيٍّ كَبِيرِ وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
فاكتَنِتْ، لَا تَكُ عَبْدًا طائِرًا، ***واحْذَرِ الأَقْتالَ مِنَّا والثُّؤَرْ
قَالَ أَبو نَصْرٍ: اكْتَنِتْ ارْضَ بِمَا أَنت فِيهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الاكْتناتُ الْخُضُوعُ؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ:
مُسْتَضْرِعٌ مَا دَنَا منهنَّ مُكْتَنِتٌ ***للعَظْمِ مُجْتَلِمٌ مَا فَوْقَهُ فَنَعُ
قَالَ الأَزهري: وأَخبرني الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ لَا يُقَالُ فَعَلْتُني إِلَّا مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي يتعدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، مِثْلَ ظَنَنْتُني ورأَيْتُني، ومُحالٌ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُني وصَبَرْتُني لأَنه يُشْبِهُ إِضَافَةَ الْفِعْلِ إِلَى نِي، وَلَكِنْ تَقُولُ صَبَرْتُ نَفْسِي وضَرَبْتُ نَفْسِي، وَلَيْسَ يُضَافُ مِنَ الْفِعْلِ إِلَى نِي إِلَّا حَرْفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلُهُمْ كُنْتي وكُنْتُني؛ وأَنشد:
وَمَا كُنْتُ كُنْتِيًّا، وَمَا كُنْت عاجِنًا، ***وشَرُّ الرجالِ الكُنْتُنِيُّ وعاجِنُ
فَجَمَعَ كُنْتِيًّا وكُنْتُنيًّا فِي الْبَيْتِ.
ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: قِيلَ لصَبِيَّةٍ مِنَ الْعَرَبِ مَا بَلَغَ الكِبَرُ مِنْ أَبيك؟ قَالَتْ: قَدْ عَجَنَ وخَبَزَ وثَنَّى وثَلَّثَ "وأَلْصَقَ وأَوْرَصَ وكانَ وكَنَتَ.
قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: وأَخبرني سَلَمَةُ عَنِ الْفَرَّاءِ قَالَ: الكُنْتُنِيُّ فِي الْجِسْمِ، والكَانِيُّ فِي الخُلُقِ.
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي إِذَا قَالَ كُنْتُ شَابًّا وَشُجَاعًا فَهُوَ كُنْتِيٌّ، وَإِذَا قَالَ كانَ لِي مَالٌ فكُنْتُ أُعطي مِنْهُ فَهُوَ كانِيٌّ.
وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ فِي بَابِ الْمَجْمُوعِ مُثَلَّثًا: رَجُلٌ كِنْتَأْوٌ وَرَجُلَانِ كِنْتَأْوان وَرِجَالٌ كِنْتَأْوُونَ، وَهُوَ الْكَثِيرُ شَعَرِ اللِّحْيَةِ الكَثُّها؛ وَمِنْهُ: جَمَلٌ سِنْدَأْوٌ وسِنْدَأْوان وسِندَأْوُونَ، وَهُوَ الْفَسِيحُ مِنَ الإِبل فِي مِشْيَتِه، وَرَجُلٌ قِنْدَأْوٌ وَرَجُلَانِ قِنْدَأْوان وَرِجَالٌ قِنْدَأْوُون، مَهْمُوزَاتٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ المسجدَ وَعَامَّةُ أَهله الكُنْتِيُّون، فقلتُ: مَا الكُنْتِيُّون؟ فَقَالَ: الشُّيُوخُ الَّذِينَ يَقُولُونَ كانَ كَذَا وَكَذَا وكُنْتُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: دارَتْ رَحَى الإِسلام عليَّ خَمْسَةً وثَلاثين، ولأَنْ تَمُوتَ أَهلُ دارِي أَحَبُّ إليَّ مِنْ عِدَّتِهم مِنَ الذِّبَّان والجِعْلانِ».
قَالَ شَمِرٌ: قَالَ الْفَرَّاءُ تَقُولُ كأَنَّك وَاللَّهِ قَدْ مُتَّ وصِرْتَ إِلَى كانَ، وكأَنكما مُتُّمَا وَصِرْتُمَا إِلَى كَانَا، وَالثَّلَاثَةُ كَانُوا؛ الْمَعْنَى صِرْتَ إِلَى أَن يُقَالَ كانَ وأَنت مَيِّتٌ لَا وأَنت حَيٌّ، قَالَ: وَالْمَعْنَى لَهُ الْحِكَايَةُ عَلَى كُنْت مَرَّةً للمُواجهة وَمَرَّةً لِلْغَائِبِ، كَمَا قَالَ عَزَّ مِنْ قائلٍ: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وسَيُغْلَبُون؛ هَذَا عَلَى مَعْنَى كُنْتَ وكُنْتَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وكُلُّ أَمْرٍ يَوْمًا يَصِيرُ كَانَ.
وَتَقُولُ لِلرَّجُلِ: كأَنِّي بِكَ وَقَدْ صِرْتَ كانِيًّا أَي يُقَالُ كَانَ وللمرأَة كانِيَّة، وَإِنْ أَردت أَنك صِرْتَ مِنَ الهَرَم إِلَى أَن يُقَالَ كُنْت مَرَّةً وكُنْت مَرَّةً، قِيلَ: أَصبحتَ كُنْتِيًّا وكُنْتُنِيًّا، وَإِنَّمَا قَالَ كُنْتُنِيًّا لأَنه أَحْدَثَ نُونًا مَعَ الْيَاءِ فِي النِّسْبَةِ لِيَتَبَيَّنَ الرَّفْعُ، كَمَا أَرادوا تَبين النَّصبِ فِي ضَرَبني، وَلَا يَكُونُ مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِثْنَاءِ، تَقُولُ: جَاءَ الْقَوْمُ لَا يَكُونُ زيدًا، ولا تستعمل إلى مُضْمَرًا فِيهَا، وكأَنه قَالَ لَا يَكُونُ الْآتِي زَيْدًا؛ وَتَجِيءُ كَانَ زَائِدَةً كَقَوْلِهِ:
سَراةُ بَني أَبي بَكْرٍ تَسامَوْا ***عَلَى كانَ المُسَوَّمةِ العِرابِ
أَي عَلَى المُسوَّمة العِراب.
وَرَوَى الْكِسَائِيُّ عَنِ الْعَرَبِ: نَزَلَ فُلَانٌ عَلَى كَانَ خَتَنِه أَي نزَل عَلَى خَتَنِه؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ: " جادَتْ بكَفَّيْ كانَ مِنْ أَرمى البَشَرْ "أَي جَادَتْ بكفَّي مَنْ هُوَ مِنْ أَرمى الْبَشَرِ؛ قَالَ: وَالْعَرَبُ تُدْخِلُ كَانَ فِي الْكَلَامِ لَغْوًا فَتَقُولُ مُرَّ عَلَى كَانَ زيدٍ؛ يُرِيدُونَ مُرَّ عَلَى زيدٍ فأَدخل كَانَ لَغْوًا؛ وأَما قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
فكيفَ وَلَوْ مَرَرْت بدارِ قومٍ، ***وجِيرانٍ لَنَا كَانُوا كِرامِ؟
ابْنُ سِيدَهْ: فَزَعَمَ سِيبَوَيْهِ أَن كَانَ هُنَا زائدة، وقال أَبو العباس: إِنَّ تَقْدِيرَهُ وجِيرانٍ كِرامٍ كَانُوا لَنَا، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا أَسوغ لأَن كَانَ قَدْ عَمِلَتْ هَاهُنَا فِي مَوْضِعِ الضَّمِيرِ وَفِي مَوْضِعٍ لَنَا، فَلَا مَعْنًى لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ سِيبَوَيْهِ مِنْ أَنها زَائِدَةٌ هُنَا، وَكَانَ عَلَيْهِ كَوْنًا وكِيانًا واكْتانَ: وَهُوَ مِنَ الكَفالة.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ أَبو زَيْدٍ اكْتَنْتُ بِهِ اكْتِيانًا وَالِاسْمُ مِنْهُ الكِيانةُ، وكنتُ عَلَيْهِمْ أَكُون كَوْنًا مِثْلُهُ مِنَ الْكَفَالَةِ أَيضًا ابْنُ الأَعرابي: كَانَ إِذَا كَفَل.
والكِيانةُ: الكَفالة، كُنْتُ عَلَى فلانٍ أكُونُ كَوْنًا أَي تَكَفَّلْتُ بِهِ.
وَتَقُولُ: كُنْتُكَ وكُنْتُ إِيَّاكَ كَمَا تَقُولُ ظَنَنْتُكَ زَيْدًا وظَنْنتُ زَيْدًا إِياك، تَضَعُ الْمُنْفَصِلَ مَوْضِعَ الْمُتَّصِلَ فِي الْكِنَايَةِ عَنْ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ، لأَنهما مُنْفَصِلَانِ فِي الأَصل، لأَنهما مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ؛ قَالَ" أَبو الأَسود الدُّؤَلِيِّ:
دَعِ الخمرَ تَشربْها الغُواةُ، فَإِنَّنِي ***رأيتُ أَخاها مُجْزِيًا لمَكانِها
فَإِنْ لَا يَكُنها أَو تَكُنْه، فَإِنَّهُ ***أَخوها، غَذَتْهُ أُمُّهُ بلِبانِها
يَعْنِي الزَّبِيبَ.
والكَوْنُ: وَاحِدُ الأَكْوان.
وسَمْعُ الْكِيَانِ: كتابٌ لِلْعَجَمِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: سَمْعُ الْكِيَانِ بِمَعْنَى سَماعِ الكِيان، وسَمْعُ بِمَعْنَى ذِكْرُ الْكِيَانِ، وَهُوَ كِتَابٌ أَلفه أَرَسْطو.
وكِيوانُ زُحَلُ: القولُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي خَيْوان، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْمَانِعُ لَهُ مِنَ الصَّرْفِ الْعُجْمَةُ، كَمَا أَن الْمَانِعَ لخَيْوان مِنَ الصَّرْفِ إِنَّمَا هُوَ التأْنيث وَإِرَادَةُ البُقْعة أَو الأَرض أَو القَرْية.
والكانونُ: إِنْ جَعَلْتَهُ مِنَ الكِنِّ فَهُوَ فاعُول، وَإِنْ جَعَلْتَهُ فَعَلُولًا عَلَى تَقْدِيرِ قَرَبُوس فالأَلف فِيهِ أَصلية، وَهِيَ مِنَ الْوَاوِ، سُمِّيَ بِهِ مَوْقِدُ النار.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
117-لسان العرب (غذا)
غذا: الغِذاءُ: مَا يُتَغَذّى بِهِ، وَقِيلَ: مَا يكونُ بِهِ نَماءُ الجِسْمِ وقِوامُه مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ واللَّبن، وَقِيلَ: اللَّبَنُ غِذاء الصَّغِيرِ وتُحْفَةُ الكَبيرِ، وغَذاهُ يَغْذُوهُ غِذاء.قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ غَذَوْتُه غِذاءً حَسَنًا، وَلَا تَقُلْ غَذَيْتُه؛ واستَعْمله أَيوبُ بنُ عَبايةَ فِي سَقْيِ النَّخل فَقَالَ:
فجاءَتْ يَدًا مَعَ حُسْنِ الغِذَاءِ، ***إِذْ غَرْسُ قَوْمٍ قَصِيرٌ طويلُ
غَذاهُ غَذْوًا وغَذَّاه فاغْتَذى وتغَذَّى.
وَيُقَالُ: غَذَوْتُ الصبيَّ باللَّبَنِ فاغْتذَى أَي رَبَّيْته بِهِ، وَلَا يُقَالُ غَذَيْته، بِالْيَاءِ.
والتَّغْذِيَة أَيضًا: التَّرْبية.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: غَذَيتُ الصبِيَّ لُغَةٌ فِي غَذَوْتُه إِذا غَذَّيْتَه؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « لَا تُغَذُّوا أَولادَ الْمُشْرِكِينَ »؛ أَرادَ وَطْءَ الحَبالى مِنَ السَّبْيِ فجَعَلَ ماءَ الرَّجُلِ لِلْحَمْل كالغذَاء.
والغَذِيُّ: السَّخْلَةُ؛ أَنشد أَبو عَمْرِو بنُ الْعَلَاءِ:
لَوْ أَنَّني كُنْتُ مِنْ عادٍ وَمِنْ إِرَمِ ***غَذِيَّ بَهْمٍ، ولُقْمانًا وَذَا جَدَنِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ لأُفْنُونٍ التَّغْلِبِيُّ، وَاسْمُهُ صُرَيم بْنُ مَعْشر، قَالَ: وغَذِيُّ بَهْمٍ فِي الْبَيْتِ هُوَ أَحد أَملاكِ حِمْيَرَ، وسُمِّي بِذَلِكَ لأَنه كَانَ يُغَذَّى بلُحُوم البَهْمِ؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُ سَلْمَى بْنِ رَبِيعَةَ الضَّبّي:
مِنْ لَذَّة العَيْشِ، والفَتَى ***لِلدَّهْرِ، والدَّهْرُ ذُو فُنُونِ
أَهْلَكْنَ طَسْمًا، وبَعْدَهمْ ***غَذِيَّ بَهْمٍ وَذَا جُدُونِ
قَالَ: ويَدُلُّك عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ عَطْفُه لُقْمَانًا وَذَا جَدَنٍ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: لَوْ أَنني كنتُ مِنْ عادٍ وَمِنْ إرَمِ "قَالَ: وَهُوَ أَيضًا خَبَرُ كُنتُ وَلَا يَصِحُّ كنتُ سِخالًا.
قَالَ الأَصمعي: أَخْبرَني خَلَف الأَحْمر أَنه سمِع الْعَرَبَ تُنْشِدُ الْبَيْتَ غُذَيَّ بَهْمٍ، بِالتَّصْغِيرِ، لقبُ رجلٍ.
قَالَ شَمِرٌ: وَبَلَغَنِي عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ الغَذَوِيُّ البَهْمُ الَّذِي يُغْذَى.
قَالَ: وأَخبرني أَعرابي مِنْ بَلْهُجَيم قَالَ الغَذَوِيُّ الحَمَلُ أَو الجَدْيُ لَا يُغَذَّى بلَبَنِ أُمِّه، وَلَكِنْ يُعاجَى، وَجَمْعُ غَذِيّ غِذاءٌ مثلُ فَصِيلٍ وفِصالٍ؛ وَمِنْهُ" قَوْلُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمُحْتَسِبٌ عَلَيْهِمْ بالغِذاءِ "؛ هَكَذَا رَوَاهُ الْجَوْهَرِيُّ؛ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الصَّوَابُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنه قَالَ احْتَسِبْ عَلَيْهِمْ بالغِذَاءِ وَلَا تَأْخُذْها مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ وَرَدَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ لِعَامِلِ الصَّدَقات: « احْتَسِبْ عَلَيْهِمْ بالغِذَاءِ وَلَا تأْخذها مِنْهُمْ».
قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: الغِذَاءُ السِّخالُ الصِّغارُ، واحِدُها غَذِيٌّ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: « شَكا إِليه أَهلُ الماشِيَة تَصْديقَ الغِذَاء وَقَالُوا إِن كنتَ مُعْتَدًّا عَلَيْنَا بالغِذَاءِ فخُذْ مِنْهُ صَدَقَته»، فَقَالَ: إِنا نَعْتَدُّ بالغِذَاءِ حَتَّى السَّخْلَةَ يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي عَلَى يَدِه، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذاء المالِ وخِيارِه.
قَالَ ابْنُ الأَثير: وإِنما ذَكَّرَ الضميرَ رَدًّا إِلى لَفْظِ الغِذاء، فإِنه بوزْن كِساءٍ ورداءٍ، وَقَدْ جَاءَ السِّمامُ المُنْقَع، وَإِنْ كَانَ جَمْع سَمٍّ؛ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ أَنْ لَا يَأْخُذَ السَّاعِي خِيارَ المالِ وَلَا رَدِيَّه، وإِنما يَأْخُذُ الوسَط، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْمَالِ وخيارِه.
وغَذِيُّ الْمَالِ وغَذَوِيُّه: صِغارُه كالسِّخالِ ونحْوِها.
والغَذَوِيُّ: أَن يَبِيعَ الرجُلُ الشاةَ بِنتاجِ مَا نَزَا بِهِ الكَبْشُ ذَلِكَ العامَ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
ومُهُورُ نِسْوَتِهِمْ، إِذا مَا أَنكحوا، ***غَذَوِيُّ كلِّ هَبَنْقَعٍ تِنْبالِ
وَيُرْوَى غَدَوِيُّ، بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، مَنْسُوبٌ إِلى غَدٍ كأَنهم يُمَنُّونَه فَيَقُولُونَ: تَضَعُ إِبلُنا غَدًا فنُعْطِيك غَدًا.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَرَوَى أَبو عُبَيْدٍ هَذَا الْبَيْتَ: ومُهورُ نِسْوَتِهِم إِذا مَا أَنْكَحُوا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ.
والغَذَى، مقصورٌ: بَوْلُ الجَمَلِ.
وغَذَا بِبَوْلهِ وغَذاهُ غَذْوًا: قَطَعَه، وَفِي التَّهْذِيبِ: غَذَّى البعيرُ ببَوْلِه يُغَذِّي تَغْذِيَةً.
وَفِي الْحَدِيثِ: « حَتَّى يَدْخُلَ الكلبُ فيُغَذِّيَ عَلَى سَواري المَسْجِدِ» أَي يبولَ عَلَى السَّوارِي لعدَم سُكَّانِه وخُلُوِّه مِنَ النَّاسِ.
يُقَالُ: غَذَّى ببَوْلِه يُغَذِّي إِذا أَلقاهُ دَفْعَة دَفْعَة.
غَذَا البَوْلُ نَفْسُه يَغْذُو غَذْوًا وغَذَوانًا: سالَ، وَكَذَلِكَ العَرَقُ والماءُ والسِّقاءُ، وَقِيلَ: كلُّ مَا سالَ فَقَدْ غَذَا.
والعِرْق يَغْذُو غَذْوًا أَي يسِيلُ دَمًا، ويُغَذِّي تَغْذِيَةً مثلُه.
وَفِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ: « فإِذا جُرْحُه يَغْذُو دَمًا»؛ أي يَسِيلُ.
وغَذَا الجُرْحُ يَغْذُو إِذا دَامَ سَيَلانُه.
وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ: « مَرَّت سَحابة فَنَظَرَ إِليها النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا تُسَمُّون هَذِهِ؟ قَالُوا: السَّحابَ، قَالَ: والمُزْنَ، قَالُوا: والمُزْنَ، قَالَ: والغَيْذَى »؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كأَنَّه فَيْعَلٌ مِنْ غَذا يَغْذُو إِذا سالَ، قَالَ: وَلَمْ أَسمع بفَيْعل فِي مُعْتَلِّ اللَّامِ غَيْرَ هَذَا إِلَّا الكَيْهاةَ، وَهِيَ النَّاقَةُ الضَّخْمة؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِن كانَ مَحْفُوظًا فَلَا أُراه سُمِّي بِهِ إِلَّا لِسَيَلَانِ الْمَاءِ مِنْ غَذَا يَغْذُو.
وغَذَا البَوْلُ: انْقَطَع، وغَذَا أَي أَسْرَع.
والغَذَوَانُ: المُسْرِعُ الَّذِي يَغْذُو ببَوْلِه إِذا جَرَى؛ قَالَ:
وصَخْر بْنُ عَمْرِو بنِ الشريدِ كأَنَّه ***أَخُو الحَربِ، فَوْقَ القارِح الغَذَوانِ
هَذِهِ رِوَايَةُ الْكُوفِيِّينَ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُمُ العَدَوانِ، بِالْفَتْحِ، وَقَدْ غَذَا.
والغَذَوانُ أَيضًا: المُسْرِع.
وَفِي الصِّحَاحِ: والغَذَوَانُ مِنَ الخَيْل النَّشِيطُ المُسْرِعُ، وَقَدْ رَوَى بيتُ امْرِئِ الْقَيْسِ: كَتَيْسِ ظِباءِ الحُلَّب الغَذَوانِ "مَكَانَ العَدَوانِ.
أَبو عُبَيْدٍ: غَذَا الماءُ يَغْذُو إِذا مرَّ مَرًّا مُسرِعًا؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
تَعْنُو بمَخْرُوتٍ لَه ناضِحٌ، ***ذُو رَيِّقٍ يَغْذُو وذُو شَلْشَلِ
وعَرَقٌ غاذٍ أَي جارٍ.
والغَذَوَان: النَّشِيطُ مِنَ الْخَيْلِ.
وغَذَا الفَرسُ غَذوًا: مَرَّ مَرًّا سَريعًا.
أَبو زَيْدٍ: الغَاذِيَة يافُوخُ الرَأْسِ مَا كانَتْ جِلْدَةً رَطْبَةً، وجَمْعُها الغَوَاذِي.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والغَاذِيَةُ مِنَ الصَّبيِّ الرَّمَّاعَةُ مَا دامَتْ رَطْبَةً، فإِذا صَلُبَتْ وصارَتْ عَظمًا فهي يافُوخٌ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
118-لسان العرب (قتا)
قتا: القَتْوُ: الخِدْمة.وَقَدْ قَتَوْتُ أَقْتُو قَتْوًا ومَقْتًى أَي خَدَمْت مِثْلُ غَزَوْت أَغْزُو غَزْوًا ومَغْزًى، وَقِيلَ: القَتْو حُسْنُ خِدمة الْمُلُوكِ، وَقَدْ قَتاهم.
اللَّيْثُ: تَقُولُ هُوَ يَقْتُو الْمُلُوكَ أَي يَخْدُمُهم؛ وأَنشد:
إِني امْرُؤٌ مِنْ بَنِي خُزَيمَةَ، لَا ***أُحْسِنُ قَتْوَ المُلوكِ والخَبَبَا
قَالَ اللَّيْثُ فِي هَذَا الْبَابِ: والمَقاتِيةُ هُمُ الخُدَّام، وَالْوَاحِدُ مَقْتَوِيٌّ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ كأَنه مَنْسُوبٌ إِلى المَقْتَى، وَهُوَ مَصْدَرٌ، كَمَا قَالُوا ضَيْعةٌ عَجْزِيَّةٌ لِلَّتِي لَا تَفي غَلَّتها بخَراجها؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدُهُ قَوْلُ الْجُعْفِيِّ:
بَلِّغْ بَنِي عُصَمٍ بأَني، ***عَنْ فُتاحَتِكُمْ، غَنيُ
لَا أُسْرَتي قَلَّتْ، وَلَا ***حَالِي لحالِكَ مَقْتَوِيُ
قَالَ: وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ يَاءِ النِّسْبَةِ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
تُهَدِّدُنا وتُوعِدُنا، رُوَيْدًا ***مَتى كُنَّا لأُمِّكَ مَقْتَوِينا؟
وإِذا جُمِعَتْ بِالنُّونِ خُفِّفَتِ الْيَاءُ مَقْتَوُون، وَفِي الْخَفْضِ وَالنَّصْبِ مَقْتَوِين كَمَا قَالُوا أَشْعَرِينَ، وأَنشد بَيْتَ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ.
وَقَالَ شَمِرٌ: المَقْتَوُون الخُدَّام، وَاحِدُهُمْ مَقْتَوِيّ؛ وأَنشد:
أَرَى عَمْرَو بْنَ ضَمْرَةَ مَقْتَوِيًّا، ***لَهُ فِي كلِّ عامٍ بَكْرتانِ»
وَيُرْوَى عَنِ الْمُفَضَّلِ وأَبي زَيْدٍ أَن أَبا عَوْنٍ الحِرْمازي قَالَ: رَجُلٌ مَقْتَوِينٌ ورجلانِ مَقْتَوِينٌ وَرِجَالٌ مَقْتَوِينٌ كُلُّهُ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ المرأَة وَالنِّسَاءُ، وَهُمُ الَّذِينَ يَخْدُمُونَ النَّاسَ بِطَعَامِ بُطُونِهِمْ.
الْمُحْكَمِ: والمَقْتَوُون والمَقَاتِوَةُ والمَقَاتِيَةُ الْخُدَّامُ، وَاحِدُهُمْ مَقْتَوِيٌّ.
وَيُقَالُ: مَقْتَوِينٌ، وَكَذَلِكَ الْمُؤَنَّثُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَيْسَتِ الْوَاوُ فِي هَؤُلَاءِ مَقْتَوُون ورأَيت مَقْتَوِين وَمَرَرْتُ بمَقْتَوِين إِعرابًا أَو دَلِيلَ إِعراب، إِذ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَن يُقَالَ هؤُلاء مَقْتَوْنَ ورأَيت مَقْتَينَ وَمَرَرْتُ بمَقْتَيْن، وَيَجْرِي مَجرى مُصْطَفَيْن.
قَالَ أَبو عَلِيٍّ: جَعَلَهُ سِيبَوَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الأَشْعَرِيّ والأَشْعَرِين، قَالَ: وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي هَذَا، إِذ حُذِفَتْ يَاءُ النَّسَبِ مِنْهُ، أَن يُقَالَ مَقْتَوْن كَمَا يُقَالُ فِي الأَعْلى الأَعْلَوْن إِلا أَن اللَّامَ صَحَّتْ فِي مَقْتَوِين، لِتَكُونَ صِحَّتُهَا دَلَالَةً عَلَى إِرَادَةِ النَّسَبِ، لِيُعْلَمَ أَن هَذَا الْجَمْعَ الْمَحْذُوفَ مِنْهُ النَّسَبُ بِمَنْزِلَةِ الْمُثْبَتِ فِيهِ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ: وإِن شِئْتَ قُلْتَ جاؤوا بِهِ عَلَى الأَصل كَمَا قَالُوا مَقَاتِوَةٌ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبو الْخَطَّابِ عَنِ الْعَرَبِ، قال: وليس الْعَرَبِ يَعْرِفُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ.
قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مِذْرَوَيْنِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ يُفْرَدُ.
قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وأَخبرني أَبو بَكْرٍ عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ عَنْ أَبي عُثْمَانَ قَالَ لَمْ أَسمع مِثْلَ مَقاتِوَة إِلَّا حَرْفًا وَاحِدًا، أَخبرني أَبو عُبَيْدَةَ أَنه سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ سَواسِوةٌ فِي سَواسِيةٍ وَمَعْنَاهُ سَوَاءٌ؛ قَالَ: فأَما مَا أَنشده أَبو الْحَسَنِ عَنِ الأَحول عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ:
تَبَدَّلْ خَلِيلًا بِي كَشَكْلِك شَكْلُه، ***فإِنِّي خَلِيلًا صالِحًا بِكَ مُقْتَوِي
فإِن مُقْتَوٍ مُفْعَلِلٌ،، وَنَظِيرُهُ مُرْعَوٍ، وَنَظِيرُهُ مِنَ الصَّحِيحِ الْمُدْغَمِ مُحْمَرّ ومُخْضَرٌّ، وأَصله مُقْتَوٌّ، وَمِثْلُهُ رَجُلٌ مُغْزَوٍ ومُغْزاوٍ، وأَصلهما مُغْزَوٌّ ومُغْزاوٌّ، وَالْفِعْلُ اغْزَوَّ يَغزاوّ كَاحْمَرَّ وَاحْمَارَّ وَالْكُوفِيُّونَ يُصَحِّحُونَ وَيُدْغِمُونَ وَلَا يُعِلّون، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ مَذْهَبِهِمْ قَوْلُ الْعَرَبِ ارْعَوَى وَلَمْ يَقُولُوا ارْعَوَّ، فإِن قُلْتَ: بِمَ انْتَصَبَ خَلِيلًا ومُقْتَوٍ غَيْرُ مُتَعَدٍّ؟ فَالْقَوْلُ فِيهِ أَنه انْتَصَبَ بِمُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُظْهَرُ كأَنه قَالَ أَنا مُتَّخِذٌ ومُستعدّ، أَلا تَرَى أَن مَنْ اتَّخَذَ خَلِيلًا فَقَدِ اتَّخَذَهُ وَاسْتَعَدَّهُ؟ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: « اقْتَوَى »مُتَعَدِّيًا وَلَا نَظِيرَ لَهُ، قَالَ: وَسُئِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ امرأَة كَانَ زَوْجُهَا مَمْلُوكًا فَاشْتَرَتْهُ فَقَالَ: إِن اقْتَوتْه فُرِّقَ بِينَهُمَا، وإِن أَعتقته فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ؛ اقْتَوَتْه أَي استخدَمَتْه.
والقَتْوُ: الخِدْمة؛ قَالَ الْهَرَوِيُّ: أَي اسْتَخْدَمَتْهُ، وَهَذَا شَاذٌّ جدًّا لأَن هذا البناء غَيْرُ مُتَعَدٍّ أَلْبَتَّةَ، مِنَ الْغَرِيبَيْنِ.
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: يُقَالُ قَتَوْتُ الرَّجُلَ قَتْوًا ومَقْتًى أَي خَدَمْتُهُ، ثُمَّ نَسَبُوا إِلى المَقْتَى فَقَالُوا رَجُلٌ مَقْتَوِيٌّ، ثُمَّ خَففوا يَاءَ النِّسْبَةِ فَقَالُوا رَجُلٌ مَقْتَوٍ وَرِجَالٌ مَقْتَوُون، والأَصل مَقْتَوِيُون.
ابْنُ الأَعرابي: القَتْوَةُ النَّمِيمَة.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
119-لسان العرب (ويا)
وَيَا: وَيْ: كَلِمَةُ تعَجُّب، وَفِي الْمُحْكَمِ: وَيْ حَرْفٌ مَعْنَاهُ التَّعَجُّبُ.يُقَالُ: وَيْ كأَنه، وَيُقَالُ: وَيْ بِك يَا فلانُ، تَهْدِيدٌ، وَيُقَالُ: وَيْكَ ووَيْ لعبدِ اللَّهِ كَذَلِكَ؛ وأَنشد الأَزهريّ:
وَيْ لامِّها مِنْ دوِيِّ الجَوِّ طالِبة، ***وَلَا كَهَذَا الَّذِي فِي الأَرضِ مَطْلُوبُ
قَالَ: إِنما أَراد وَيْ مَفْصُولَةٌ مِنَ اللَّامِ وَلِذَلِكَ كَسَرَ اللَّامَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: ويْلُمِّه مَا أَشدَّه بِضَمِّ اللَّامِ، وَمَعْنَاهُ وَيْلُ أُمِّه فَحَذَفَ هَمْزَةَ أُمّ وَاتَّصَلَتِ اللَّامُ بِالْمِيمِ لَمَّا كَثُرَتْ فِي الْكَلَامِ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ إِنَّهُ لَوَيْلُمِّه من الرجال وَهُوَ القاهِرُ لقِرْنه؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَصله وَيْلُ أُمّه، يُقَالُ ذَلِكَ للعِفْرِ مِنَ الرِّجَالِ ثُمَّ جُعِلَ الكَلِمتان كَلِمةً وَاحِدَةً وَبُنِيَتَا اسْمًا وَاحِدًا.
اللَّيْثُ: وَيْ يُكْنَى بِهَا عَنِ الوَيْل، فَيُقَالُ: ويْكَ أَتَسْمَعُ قَوْلي قَالَ عَنْتَرَةُ:
وَلَقَدْ شَفَى نَفْسي وأَذْهَبَ سُقْمَها ***قِيلُ الفَوارِس: وَيْكَ عَنْتَر أَقْدِمِ
الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ تَدْخُلُ وَيْ عَلَى كأَنَّ الْمُخَفَّفَةِ وَالْمُشَدَّدَةِ تَقُولُ وَيْ كأَن، قَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ مَفْصولة، تَقُولُ وَيْ ثُمَّ تَبْتَدِئُ فَتَقُولُ كأَنَّ، وأَما قَوْلُهُ تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ}؛ فَزَعَمَ سِيبَوَيْهِ أَنها وَيْ مَفْصُولَةٌ مِنْ كأَن، قَالَ: وَالْمَعْنَى وَقَعَ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ انْتَبَهُوا فَتَكَلَّمُوا عَلَى قَدْرِ عِلْمِهِمْ أَو نُبِّهُوا، فَقِيلَ لَهُمْ إِنما يُشْبِهُ أَن يَكُونَ عِنْدَكُمْ هَذَا هَكَذَا، وَاللَّهُ أَعلم؛ قَالَ: وأَما الْمُفَسِّرُونَ فَقَالُوا أَلم تَرَ؛ وأَنشد لِزَيْدِ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَيُقَالُ لنبِيه بْنِ الحَجَّاجِ:
وَيْ كَأَنَّ مَنْ يَكُنْ له نَشَبٌ يُحْبَبْ، ***ومَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: بَعْضُهُمْ يَقُولُ مَعْنَاهُ اعْلَمْ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ مَعْنَاهُ وَيْلَك.
وَحَكَى أَبو زَيْدٍ عَنِ الْعَرَبِ: وَيْكَ بِمَعْنَى وَيْلَكَ، فَهَذَا يُقَوِّي مَا رَوَاهُ ثَعْلَبٌ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: وَيْكأَنّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَقْرِيرٌ كَقَوْلِ الرَّجُلِ أَما تَرَى إِلى صُنْع اللَّهِ وإِحسانه.
قَالَ: وأَخبرني شَيْخٌ مِنْ أَهل الْبَصْرَةِ أَنه سَمِعَ أَعرابية تَقُولُ لِزَوْجِهَا أَيْنَ ابنُكَ ويْلَك فَقَالَ: ويْكَأَنه وَرَاءَ الْبَيْتِ؛ مَعْنَاهُ أَما تَرِينَّه وَرَاءَ الْبَيْتِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَدْ يَذْهَبُ بِهَا بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إِلى أَنها كَلِمَتَانِ يُرِيدُونَ وَيْكَ أَنهم، أَرادوا وَيْلَكَ فَحَذَفُوا اللَّامَ، وَتُجْعَلُ أَن مَفْتُوحَةً بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ كأَنه قَالَ: ويْلَكَ اعْلَمْ أَنه وَرَاءَ الْبَيْتِ، فأَضمر اعْلَمْ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلَمْ نَجِدِ الْعَرَبَ تُعْمِلُ الظَّنَّ مُضْمَرًا وَلَا الْعِلْمَ وَلَا أَشباهه فِي ذَلِكَ، وأَما حَذْفُ اللَّامِ مِنْ قَوْلِهِ وَيْلَكَ حَتَّى يَصِيرَ وَيْكَ فَقَدْ تَقُولُهُ الْعَرَبُ لِكَثْرَتِهَا.
وَقَالَ" أَبو الْحَسَنِ النَّحْوِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى، وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَما تَرى أَنه لَا يُفلح الْكَافِرُونَ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ مَعْنَاهُ وَيْلَكَ أَنه لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ فَحَذَفَ اللَّامَ وَبَقِيَ ويكَ، قَالَ: وَهَذَا خَطَأٌ، لَوْ كَانَتْ كَمَا قَالَ لَكَانَتْ أَلف إِنه مَكْسُورَةً، كَمَا تَقُولُ وَيْلَك إِنه قَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا؛ قَالَ أَبو إِسحاق: وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا مَا ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ عَنِ الْخَلِيلِ وَيُونُسَ، قَالَ: سأَلت الْخَلِيلَ عَنْهَا فَزَعَمَ أَن وَيْ مَفْصُولَةٌ مِنْ كأَن، وأَن الْقَوْمَ تَنَبَّهُوا فَقَالُوا وَيْ مُتَنَدِّمِينَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ.
وكُلُّ مَنْ تَنَدَّم أَو نَدِمَ فإِظهارُ نَدَامَتِهِ أَو تَنَدُّمُه أَن يَقُولَ وَيْ، كَمَا تُعاتِب الرَّجُلَ عَلَى مَا سَلَفَ فَتَقُولُ: كأَنَّك قَصَدْتَ مَكْرُوهِي، فَحَقِيقَةُ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا وَيْ هُوَ أَجود.
وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ: وَيْ مَعْنَاهُ التَّنْبِيهُ وَالتَّنَدُّمُ، قَالَ: وَتَفْسِيرُ الْخَلِيلِ مَشَاكِلُ لِمَا جاءَ فِي التَّفْسِيرِ لأَن قَوْلَ الْمُفَسِّرِينَ أَما تَرَى هُوَ تَنْبِيهٌ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَدْ ذَكَرَ الْفَرَّاءُ فِي كِتَابِهِ قَوْلَ الْخَلِيلِ وَقَالَ: وَيْ كأَن مَفْصُولَةٌ كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ وَيْ أَما تَرَى مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ وَيْ، ثُمَّ استأْنف كأَنَّ اللَّهَ يَبْسُط الرِّزْقَ، وَهُوَ تَعْجُّبٌ، وكأَنَّ فِي الْمَعْنَى الظَّنَّ وَالْعِلْمَ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهَذَا وَجْهٌ يَسْتَقِيمُ وَلَوْ تَكْتُبُهَا الْعَرَبُ مُنْفَصِلَةً، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ كَثُرَ بِهَا الْكَلَامُ فَوُصِلَتْ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ كَمَا اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ كِتابَ يابْنَؤُمِّ، فَوَصَلُوهَا لِكَثْرَتِهَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا صحيح، والله أَعلم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
120-أساس البلاغة (جري)
جريوالشمس تجري، والريح تجري. وجرت الخيل، وأجروا الخيل. وجاراه في كذا مجاراة، وتجاروا. وفرس ذو أجاري، وغمر الجراء. وأخبرني عن مجاري أمورك. وأجرى إليه ألف دينار، وأجرى عليهم الرزق. واستجراه
في خدمته. وسميت الجارية لأنها تستجرى في الخدمة. وتقول: عمل على هجيراه، وجرى على إجرياه، وهي طريقته وعادته التي يجري عليها وفي الحديث «ولا يستجرينكم الشيطان» أي لا يستتبعنكم حتى تكونوا منه بمنزلة الوكلاء من الموكل.
أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م
121-أساس البلاغة (صحر)
صحرأصحروا: برزوا إلى الصحراء، ورأيتهم مصحرين. وأخبرني بالأمر صحرة بحرة، «ولقيته صحرة بحرة»: بغير سترة. وسقوه صحيرة: حليبًا سخن حتى احترق. وصحرته الشمس مثل صهرته، وقد صحروه. وحمار أصحر، وفيه صحرة وهي غبرة في حمرة، ولحمارك صحير: صوت شديد.
ومن المجاز: أصحر بالأمر وأصحره: أظهره، ولا تصحر أمرك. وأصحر بما في قلبك. وألقى زوره بصحراء التمرد. وفي مثل «مالي ذنب إلا ذنب صحر» وهي بنت لقمان بن عاد.
أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م
122-أساس البلاغة (جلي)
جليجليت فلانة على زوجها أحسن جلوة، فاجتلاها وتجلاّها، وأعطى العروس جلوتها وجلوتها وهي ما يعطيها عند الزفاف. ويقال: ما جلوتك؟ فتقول: وصيف. ونظرت إلى مجاليها. وجلا الصقل السيف والمرآة جلاء. ومرآة مجلوة. وسيفي عند الجلاء. وهذا دواء يجلو البصر. وجلا لي الشيء وانجلى وتجلّى، وجلاّه لي فلان. وجلوا عن بلادهم جلاءً. ووقع عليهم الجلاء. وأجليناهم عنها وجلوناهم. ويقال للقوم إذا كانوا مقبلين على شيء محدقين به ثم انكشفوا عنه: قد أفرجوا عنه وأجلوا عنه. يقال: أجلوا عن قتيل. ورجل أجلى الجبين، وبه جلًا.
ومن المجاز: هو ابن جلا: للرجل المشهور أي ابن رجل قد وضح أمره وشهر. وما جلاؤك؟ أي ما اسمك. وما أقمت عنده إلا جلاء يوم واحد أي
بياضه. وانجلت عنه الهموم. وقد أجلوا الهموم بكذا. وجلا الله عنك المرض. وهذا أمر جلي غير خفيّ. وأخبرني عن جلية الأمر وهي ما ظهر من حقيقته.
أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م
123-أساس البلاغة (كون)
كونكانت الكائنة والكوائن. وقال سويد:
فلما التقينا وكان الجلاد *** أحبّوا الحياة فولّوا شلالا
وأخبرني بالكائن عندك. وكوّن الله العالم: أحدثه
فتكوّن. وتقول: أقفرت الديار كأن لم يكنها أحد أي لم يكن بها. قال ذو الرمة:
كأن لم يكنها الحيّ إذ أنت مرّةً *** بها ميت الأهواء مجتمع الشّمل
وتقول: إذا سمعت بخيرٍ فكنه، أو بمكان خير فاسكنه.
أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م
124-مجمل اللغة (بكر)
بكر: بكرت إليه وبكرت، إذا أسرعت أي وقتٍ كان.وأبكرتُ (الشيء)، إذا فعلتهُ بكرةً.
وقال قوم: كل من (باكر) إلى الشيء (وبادر) فقد أبكر إليه.
وبكر: أي وقت كان.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجمعة: من بكر وأبتكر بكَّر: أسرع.
وابتكر: سمع أوائل الخطبة كما يبتكرُ الرجل الباكورة من الفاكهة.
ويقال: نخلة بكور وبكر [جمع]، إذا كانت تثمر في أول ما يثمر.
والبكر من النساء: التي لم تطمث.
والبكر: التي ولدت واحدًا وأول ولدها بكر.
قال:
يا بكر بكرينِ ويا خلبَ الكبد
وضربة بكر: قاطعة لا تثنى.
وأخبرني أحمد بن
علي قال: حدثنا أبو إسحق الحربي قال: حدثنا ابن عائشة عن أبيه عن جده قال: كانت ضربات علي بن أبي طالب - عليه السلام - أبكارا، (كان) إذا اعتلى قد وإذا أعترض قط.
والبكرُ من النوق: كهي من النساء.
قال [الهذلي]:
مطافيل أبكارٍ حديث نتاجُها
قال ابن السكيت: البكرُ: الناقة حملت بطنًا واحدًا وبكرها ولدها.
[والبكرُ: الفتي من الإبل،: والأنثى بكرةٌ].
مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
125-مجمل اللغة (خر)
خر: الخرير: صوت الماء، و (هذه) عين خرارة.وقد خرت تخر.
ويقال الرجل إذا اضطرب بطنه: قد تخرخر،.
وخرَّ: إذا سقط.
والخريرُ والخرخرة عند النوم.
و (تقول): خر الماء الأرض، (وإذ) شقها.
والأخرةُ: واحدُها خرير: وهي أماكن مطمئنة بين الربوين تنقادُ.
واخبرني القطان عن علي عن أبى عبيد قال: أخبرني خلف الأحمر أنه سمع العرب تنشد بيت لبيد:
بأخرةِ الثلبوتِ
ويقال: إن الخر من الرحى: الموضع الذي تلقى فيه الحنطة.
مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
126-مقاييس اللغة (أفق)
(أَفَقَ) الْهَمْزَةُ وَالْفَاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى تَبَاعُدِ مَا بَيْنَ أَطْرَافِ الشَّيْءِ وَاتِّسَاعِهِ، وَعَلَى بُلُوغِ النِّهَايَةِ.وَمِنْ ذَلِكَ الْآفَاقُ: النَّوَاحِي وَالْأَطْرَافُ، وَآفَاقُ الْبَيْتِ مِنْ بُيُوتِ الْأَعْرَابِ: نَوَاحِيهِ دُونَ سَمْكِهِ.
وَأَنْشَدَ يَصِفُ الْخِلَالَ:
وَأَقْصَمَ سَيَّارٍ مَعَ النَّاسِ لَمْ يَدَعْ *** تَرَاوُحُ آفَاقِ السَّمَاءِ لَهُ صَدَرَا
وَلِذَلِكَ يُقَالُ: أَفَقَ الرَّجُلُ: إِذَا ذَهَبَ فِي الْأَرْضِ.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الدِّينَوَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُسَبِّحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: لِلسَّمَاءِ آفَاقٌ وَلِلْأَرْضِ آفَاقٌ،.
فَأَمَّا آفَاقُ السَّمَاءِ فَمَا انْتَهَى إِلَيْهِ الْبَصَرُ مِنْهَا مَعَ وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِيهَا، وَهُوَ الْحَدُّ بَيْنَ مَا بَطَنَ مِنَ الْفَلَكِ وَبَيْنَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ الرَّاجِزُ:
قَبْلَ دُنُوِّ الْأُفْقِ مِنْ جَوْزَائِهِ.
"يُرِيدُ: قَبْلَ طُلُوعِ الْجَوْزَاءِ; لِأَنَّ الطُّلُوعَ وَالْغُرُوبَ هُمَا عَلَى الْأُفُقِ."
وَقَالَ يَصِفُ الشَّمْسَ:
فَهِيَ عَلَى الْأُفْقِ كَعْينِ الْأَحْوَلِ.
وَقَالَ آخَرُ:
حَتَّى إِذَا مَنْظَرُ الْغَرْبِيِّ حَارَ دَمًا *** مِنْ حُمْرَةِ الشَّمْسِ لَمَّا اغْتَالَهَا الْأُفُقُ
وَاغْتِيَالُهُ إِيَّاهَا تَغْيِيبُهُ لَهَا.
قَالَ: وَأَمَّا آفَاقُ الْأَرْضِ فَأَطْرَافُهَا مِنْ حَيْثُ أَحَاطَتْ بِكَ.
قَالَ الرَّاجِزُ:
تَكْفِيكَ مِنْ بَعْضِ ازْدِيارِ الْآفَاقْ *** سَمْرَاءُ مِمَّا دَرَسَ ابْنُ مِخْرَاقْ
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ مِنْ أُفُقٍ مِنَ الْآفَاقِ أُفُقِيٌّ وَأَفَقِيٌّ، وَكَذَلِكَ الْكَوْكَبُ إِذَا كَانَ قَرِيبًا مَجْرَاهُ مِنَ الْأُفُقِ لَا يُكَبِّدُ السَّمَاءَ، فَهُوَ أُفُقِيٌّ وَأَفَقِيٌّ.
إِلَى هَاهُنَا كَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَيُقَالُ: الرَّجُلُ الْآفِقُ الَّذِي بَلَغَ النِّهَايَةَ فِي الْكَرَمِ.
وَامْرَأَةٌ آفِقَةٌ.
قَالَ الْأَعْشَى:
آفِقًا يُجْبَى إِلَيْهِ خَرْجُهُ *** كُلُّ مَا بَيْنَ عُمَانٍ فَمَلَحْ
أَبُو عَمْرٍو: الْآفِقُ: مِثْلُ الْفَائِقِ، يُقَالُ: أَفَقَ يَأْفِقُ أَفْقًا: إِذَا غَلَبَ، وَالْأُفُقُ الْغَلَبَةُ.
وَيُقَالُ: فَرَسٌ أُفُقٌ عَلَى فُعُلٍ، أَيْ: رَائِعَةٌ.
فَأَمَّا قَوْلُ الْأَعْشَى:
وَلَا الْمَلِكُ النُّعْمَانُ يَوْمَ لَقِيتُهُ *** [بِغِبْطَتِهِ] يُعْطِي الْقُطُوطَ وَيَأْفِقُ
فَقَالَ الْخَلِيلُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنَ الْآفَاقِ.
قَالَ: وَاحِدُ الْآفَاقِ أُفُقٌ، وَهِيَ النَّاحِيَةُ مِنْ نَوَاحِي الْأَرْضِ.
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: رَجُلٌ أَفَقِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ، جَاءَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ.
وَقَدْ قِيلَ أُفُقِيٌّ.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: أَفَقُ الطَّرِيقِ مِنْهَاجُهُ، يُقَالُ: قَعَدْتُ عَلَى أَفَقِ الطَّرِيقِ وَنَهْجِهِ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: الْأَفَقَةُ الْخَاصِرَةُ، وَالْجَمَاعَةُ الْأَفَقُ.
قَالَ:
يَشْقَى بِهِ صَفْحُ الْفَرِيصِ والْأَفَقْ.
وَيُقَالُ: شَرِبْتُ حَتَّى مَلَأْتُ أَفَقَتَيَّ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو وَغَيْرُهُ: دَلْوٌ أَفِيقٌ: إِذَا كَانَتْ فَاضِلَةً عَلَى الدِّلَاءِ.
قَالَ:
لَيْسَتْ بِدَلْوٍ بَلْ هِيَ الْأَفِيقُ.
وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْجِلْدُ بَعْدَ الدَّبْغِ الْأَفِيقُ، وَجَمْعُهُ أَفَقٌ، وَيَجُوزُ أُفُقٌ.
فَهَذَا مَا فِي اللُّغَةِ وَاشْتِقَاقِهَا.
وَأَمَّا يَوْمُ الْأُفَاقَةِ فَمِنْ أَيَّامِ الْعَرَبِ، وَهُوَ يَوْمٌ الْعَُظَالَى، وَيَوْمُ أَعْشَاشٍ، وَيَوْمُ مُلَيْحَةَ - وَأُفَاقَةُ مَوْضِعٌ - وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّ بِسْطَامَ بْنَ قَيْسٍ أَقْبَلَ فِي ثلَاثِمِائَةِ فَارِسٍ يَتَوَكَّفُ انْحِدَارَ بَنِي يَرْبُوعٍ فِي الْحَزْنِ، فَأَوَّلُ مَنْ طَلَعَ مِنْهُمْ بَنُو زُبَيْدٍ حَتَّى حَلُّوا الْحَدِيقَةَ بالْأُفَاقَةِ، وَأَقْبَلَ بِسْطَامٌ يَرْتَبِئُ، فَرَأَى السَّوَادَ بِحَدِيقَةِ الْأُفَاقَةِ، وَرَأَى مِنْهُمْ غُلَامًا فَقَالَ لَهُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: بَنُو زُبَيْدٍ.
قَالَ: فَأَيْنَ بَنُو عُبَيْدٍ وَبَنُو أَزْنَمَ؟ قَالَ: بِرَوْضَةِ الثَّمَدِ.
قَالَ بِسْطَامٌ لِقَوْمِهِ: أَطِيعُونِي وَاقْبِضُوا عَلَى هَذَا الْحَيِّ الْحَرِيدِ مِنْ زُبَيْدٍ، فَإِنَّ السَّلَامَةَ إِحْدَى الْغَنِيمَتَيْنِ.
قَالُوا: انْتَفَخَ سَحْرُكَ، بَلْ نَتَلَقَّطُ بَنِي زُبَيْدٍ ثُمَّ نَتَلَقَّطُ سَائِرَهُمْ كَمَا تُتَلَقَّطُ الْكَمْأَةُ.
قَالَ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَلَقَّاكُمْ غَدًا طَعْنٌ يُنْسِيكُمُ الْغَنِيمَةَ! وَأَحَسَّتْ فَرَسٌ لِأُسِيدِ بْنِ حِنَّاءَةَ بِالْخَيْلِ فَبَحَثَتْ بِيَدِهَا، فَرَكِبَ أُسَيدٌ وَتَوَجَّهَ نَحْوَ بَنِي يَرْبُوعٍ، وَنَادَى: يَا صَبَاحَاهُ، يَا آلَ يَرْبُوعٍ! فَلَمْ يَرْتَفِعِ الضَّحَاءُ حَتَّى تَلَاحَقُوا بِالْغَبِيطِ، وَجَاءَ الْأُحَيْمِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَرَمَى بِسْطَامًا بِفَرَسِهِ الشَّقْرَاءِ - وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْأُحَيْمِرَ لَمْ يَطْعَنْ بِرُمْحٍ قَطُّ إِلَّا انْكَسَرَ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ مُكَسِّرُ الرِّمَاحِ - فَلَمَّا أَهْوَى لِيَطْعَنَ بِسْطَامًا انْهَزَمَ بِسْطَامٌ وَمَنْ مَعَهُ بَعْدَ قَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ شَاعِرٌ:
فَإِنْ يَكُ فِي جَيْشِ الْغَبِيطِ مَلَامَةٌ *** فَجَيْشُ الْعَُظَالَى كَانَ أَخْزَى وَأَلْوَمَا
وَفَرَّ أَبُو الصَّهْبَاءِ إِذْ حَمِسَ الْوَغَى *** وَأَلْقَى بِأَبْدَانِ السِّلَاحِ وَسَلَّمَا
فَلَوْ أَنَّهَا عُصْفُورَةٌ لَحَسَبْتَهَا *** مُسَوَّمَةً تَدْعُو عُبَيْدًا وَأَزْنَمَا
وَهَذَا الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ الْإِيَادِ، الَّذِي يَقُولُ فِيهِ جَرِيرٌ:
وَمَا شَهِدَتْ يَوْمَ الْإِيَادِ مُجَاشِعٌ *** وَذَا نَجَبٍ يَوْمَ الْأَسِنَّةُ تَرْعَُفُ
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
127-صحاح العربية (لطى)
[لطى] اللَطاةُ: الجبهة.ودائرةُ اللَطاةِ: التي في وسط جبهة الدابَّة.
ويقال: ألقى بلَطاتِهِ، أي بثقله.
قال ابن أحمر
فألقى التهامى منهما بلَطاتِهِ *** وأَحْلَطَ هذا لا أَريمُ مَكانيا والمِلْطى، على مِفْعَلٍ: السِمْحاق من الشِجاج، وهي التي بينها وبين العظم القِشرة الرقيقة.
قال أبو عبيد: وأخبرني الواقديُّ أنَّ السمحاق في لغة أهل الحجاز: المِلْطاءُ.
قال أبو عبيد: ويقال لها الملطاة بالهاء.
فإذا كانت على هذا فهى في التقدير مقصورة.
قال: وتفسير الحديث الذى جاء " أن الملطى بدمها " يقول: معناه أنه حين يشج صاحبها يؤخذ مقدارها تلك الساعة ثم يقضى فيها بالقصاص أو الارش، لا ينظر إلى ما يحدث فيها بعد ذلك من زيادة أو نقصان.
قال: وهذا قولهم وليس هو قول أهل العراق.
صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
128-منتخب الصحاح (لطى)
اللَطاةُ: الجبهة.ودائرةُ اللَطاةِ: التي في وسط جبهة الدابَّة.
ويقال: ألقى بلَطاتِهِ، أي بثقله.
قال ابن أحمر:
فأَلقى التِهامي منهما بلَطاتِهِ *** وأَحْلَطَ هذا لا أَريمُ مَكانيا
والمِلْطى، على مِفْعَلٍ: السِمْحاق من الشِجاج، وهي التي بينها وبين العظم القِشرة الرقيقة.
قال أبو عبيد: وأخبرني الواقديُّ أنَّ السمحاق في لغة أهل الحجاز: المِلْطاءُ.
قال أبو عبيد: ويقال لها المِلْطاةُ بالهاء.
منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
129-تهذيب اللغة (عق)
عق: روت أم كُرْزٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة «عن الغلام شاتان مثلان، وعن الجارية شاة».وروى عنه سليمان بن عامر أنه قال صلى الله عليه وسلم: «مع الغلام عقيقتُه فأهريقوا عنه دمًا، وأميطوا عنه الأذى».
قال أبو عبيد فيما أخبرني به عبد الله بن محمد بن هاجك عن أحمد بن عبد الله بن جَبَلة عنه أنه قال: قال الأصمعيّ وغيره: العقيقة أصلها الشَّعر الذي يكون على رأس الصبيّ حين يُولَد.
وإنَّما سُمِّيت الشاةُ التي تُذبَح عنه في تلك الحال عقيقةً لأنّه يحلَق عنه ذلك الشعرُ عند الذَّبح.
ولهذا قال في الحديث: «أميطوا عنه الأذى» يعني
بالأذى ذلك الشعر الذي يُحلق عنه.
قال: وهذا مما قلتُ لك إنّهم ربّما سمَّوا الشيء باسم غيره إذا كان معه أو من سببه، فسمِّيت الشاة عقيقة لعقيقة الشَعَر.
قال أبو عبيد: وكذلك كل مولود من البهائم فإنَّ الشعر الذي يكون عليه حين يولد عقيقة وعِقّة.
وأنشد لزهير:
أذلك أم أقبُّ البطن جأبٌ *** عليه من عقيقته عفاءُ
فجعل العقيقةَ الشعر لا الشاةَ.
وقال الآخر يصف العَيْر:
تحسَّرت عِقَّةٌ عنه فأنسلها *** واجتاب أخْرى جديدًا بعدما ابتقلا
يقول: لما تربّع ورَعى الربيعِ وبُقُولَه أنسَلَ الشعر المولود معه، وأنبت آخر فاجتابه، أي لبسه فاكتساه.
قلت: ويقال لهذا الشعر عقيق، بغير هاء، ومنه قول الشّماخ:
أطار عقيقَهُ عنه نُسالًا *** وأُدمجَ دَمْجَ ذي شطن بديع
أراد شعره الذي ولد وهو عليه، أنه أنسله عنه، أي أسقطه.
قلت: وأصل العَقّ الشَّق والقطع، وسمِّيت الشعرةُ التي يخرج المولود من بطن أمّه وهي عليه عقيقة، لأنها إنْ كانت على رأس الإنسيّ حُلقت عنه فقطعت، وإن كانت على بهيمة فإنّها تُنسلها.
وقيل للذبيحة عقيقة لأنها تذبح ويشق حلقومها ومريُّها ووَدَجاها قطعًا، كما سمّيت ذبيحة بالذَّبح وهو الشق.
وأخبرني أبو الفضل المنذري عن الحرَّاني عن ابن السكيت أنه قال: يقال عقّ فلانٌ عن ولده، إذا ذبح عَنْه يوم أسبوعه.
قال: وعقّ فلانٌ أباه يعقُّه عقًا.
وأعقّ الرجلُ، أي جاء بالعُقوق.
وقال الأعشى:
فإنّي وما كلّفتموني وربّكم *** ليعلَمُ من أمسى أعقَ وأحربا
أي: جاء بالحَرَب.
قال: ويقال أعقَّت الفرسُ فهي عَقُوق، ولا يقال مُعِقّ.
وهي فرس عقوق، إذا انفتَقَ بطنُها واتَّسَع للوَلَد.
قال: وكلُّ انشقاقٍ فهو انعقاق، وكل شق وَخرْقٍ فهو عَقٌ، ومنه قيل للبرق إذا انشقّ: عقيقة.
وقال غيره: عقّ فلانٌ والديه يعقُّهما عقوقًا، إذا قطعهما ولم يصل رحمه منهما.
وقال أبو سفيان بن حرب لحمزةَ سيّد الشهداء رَضي الله عنه يوم أحد حين مرَّ به وهو مقتولٌ: «ذُقْ عُقَق»، معناه ذق القتل يا عاقّ كما قتلت، يعني من قتلتَ يوم بدر.
وجمع العاقّ القاطع لرحمه عَقَقةٌ.
ويقال أيضًا رجلٌ عَقٌ.
وقال الزَّفَيانُ الراجز:
أنا أبو المِرقالِ عقًّا فَظَّ *** لمن أعادي مَحِكا مِلظّا
وقيل: أراد بالعَقّ المُرَّ، من الماء العُقاق، وهو القُعاع.
وأخبرني المنذري عن محمد بن يزيد الثُّمالي أنه قال في قول الجعدي:
بَحرُكَ عذبُ الماء ما أعقّهُ
سَيبُك والمحروم مَنْ لم يُسقَهُ
قال: أراد ما أقعَّه.
يقال ماء قُعاع وعُقَاقٌ إذا كان مُرًا غليظًا.
وقد أقعَّه الله وأعقَّه.
وقال ابن الأعرابي فيما رَوَى عنه أحمد بن يحيى البغدادي: العُقُق: البعداء الأعداء.
قال: والعُقُق أيضًا: قاطعو الأرحام.
وقال أبو زيد في «نوادره»: يقال عاققتُ فلانًا أعاقُّه عِقاقًا، إذا خالفته.
قال: والعُقَّة: الحفرة في الأرض، وجمعها عُقّات.
وقال أبو عبيد: قال الأصمعي في باب السحاب: الانعقاق تشقُّق البرق.
ومنه قيل للسيف: كالعقيقة، شبِّه بعقيقة البرق.
قال: ومنه التَّبوُّج وهو تكشُّف البرق.
وقال غيره: يقال عقّت الريحُ المُزْنَ تعُقُّه عَقًّا، إذا استدرّته كأنّها تشُقُّه شقًا.
وقال الهذليُّ يصف غيثًا:
حار وعقَّت مُزنَهُ الريح وانْ *** قارَ به العَرْضُ ولم يُشمَلِ
حار، أي تحيّر وتردد، يعني السحاب، واستدرته ريح الجنوب ولم تهب به الشمال فتقشعه.
وقوله «وانقار به العرض» أي كأنّ عرض السحاب انقار، أي وقعت منه قطعة، وأصله من قُرت جيبَ القميص فانقار، وقرتُ عينَه إذا قلعتَها.
ويقال سحابةٌ معقوقة، إذا عُقّت فانعقّت، أي تبعّجت بالماء.
وسحابة عقّاقة، إذا دَفقَت ماءها.
وقد عَقَّت.
وقال عبد بني الحسحاس يصف غيثًا:
فمرَّ على الأنهاءِ فانثجَّ مُزْنُه *** فعقَ طويلًا يسكب الماء ساجيا
ويقال اعتقَّت السحابة بمعنى عَقَّتْ.
وقال أبو وَجْزة:
واعتقَ منبعجٌ بالوبل مبقُورُ
ويقال للمعتذر إذا أفرط في اعتذاره: قد اعتقَ اعتقاقًا.
وروى شمر عن بعض أصحابه أن معقِّر بن حمارٍ البارقي كُفَّ بصره، فسمع يومًا صوت راعدةٍ، ومعه بنتٌ له تَقُوده، فقال لها: ماذا ترين؟ فقالت: أرى سَحماء عَقَّاقة، كأنها حُوَلاءُ ناقة.
فقال لها: وائِلى بي إلى جانب قَفْلة، فإنَّها لا تنبت إلَّا بمنجاةٍ من السيل.
والقَفْلة: نبتة معروفة.
قلت: والعرب تقول لكل مسيلِ ماءٍ شقّه ماءُ السيل في الأرض فأنهره ووسَّعه: عقيق.
وفي بلاد العرب أربعة أعِقَّة، وهي أودية عاديَّة شقَّتها السُّيول.
فمنها عقيق عارض اليمامة، وهو وادٍ واسع مما يلي العَرَمة تندفق فيه شعاب العارض، وفيه عيونٌ عذبة الماء.
ومنها عقيق بناحية المدينة فيه عيونٌ ونخيل ومنها عقيق آخر يدفُق سيله في غوريّ تِهامة، وهو الذي ذكره الشافعي فقال: «ولو أهلوا من العقيق كان أحبَّ إليَّ».
ومنها عقيق القَنَان، تجري إليه مياهُ قُللِ نجد وجباله.
وذكر الباهليّ عن الأصمعيّ أنه قال: الأعقّة الأودية.
ويقال للصبي إذا نشأ في حَيٍّ من أحياء العرب حتى شبَّ وقويَ فيهم: عُقّت تميمة
فلانٍ في بني فلان.
والأصل في ذلك أن الصبيَّ ما دام طِفلًا تعلِّق عليه أمُّه التمائمَ، وهي الخَرزُ تعوِّذه بها من العين، فإذا كبِر قُطعتْ عنه.
ومنه قول الشاعر:
بلاد بها عَقَ الشباب تميمتي *** وأوَّلُ أرضٍ مسَّ جلدي ترابُها
وروى أبو عُمر عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابيّ أنه قال: العقيقة: المزادة.
والعقيقة: النَّهر.
والعقيقة.
العِصابةُ ساعة تشَقُّ من الثوب.
والعقيقة: خَرزة حمراء.
والعقيقة: نواة رخوة من نوى العجوة تؤكل.
قال: والعقيقة: سهم الاعتذار.
قال أبو العباس: قلت لابن الأعرابي: وما سهم الاعتذار؟ فقال: قالت الأعراب: إنَّ أصل هذا أن يُقتل رجلٌ من القبيلة فيطالَب القاتل بدمه، فيجتمع جماعةٌ من الرؤساء إلى أولياء القتيل ويعرضون عليهم الدية ويسألونهم العفو عن الدم.
قالت الأعراب: فإن كان وليُّه أبيًّا حميًا أبى أخذ الدية، وإن كان ضعيفًا شاورَ أهلَ قبيلته، فيقولون للطالبين: إنَّ بيننا وبين خالقنا علامةً للأمر والنهي.
قال: فيقول الآخرون: ما علامتكم؟ فيقولون: نأخذ سهمًا فنركِّبه على قوس ثم نرمي به نحو السماء، فإن رجَعَ إلينا ملطَّخًا بالدم فقد نُهينا عن أخذ الدية، وإن رجع إلينا كما صعد فقد أمرنا بأخذ الدية.
قال ابن الأعرابي: قال أبو المكارم وغيره: فما رجَع هذا السهمُ قَطْ إلا نقِيًّا، ولكن لهم بهذا عُذرٌ عند جُهالهم.
قال: وقال الأسعر الجعفيّ من أهل القتيل وكان غائبًا عن هذا الصلح:
عقُّوا بسهم ثمَّ قالوا سالموا *** يا ليتني في القوم إذْ مَسحوا اللِّحى
قال: وعلامة الصُّلح مَسْحُ اللحى.
قُلت: وأخبرني عبد الملك البغوي عن الربيع عن الشافعي أنه أنشده:
عقُّوا بسهم ولم يشعُر به أحد *** ثم استفاءوا وقالوا حَبَّذا الوَضحُ
أخبر أنهم آثروا إبلَ الدية وألبانها على دم قاتلِ صاحبهم.
والوضح: اللبنُ هاهنا.
ويقال للدلو إذا طلعت من الركيّة ملأى: قد عَقّت عقًّا.
ومن العرب من يقول عقتْ تعقِيَة، وأصلها عقّقت، فلمّا توالى ثلاث قافات قلبوا إحداها ياء كما قالوا تظنَّيت من الظن.
وأنشد ابنُ الأعرابي فيما أخبرني المنذرّي عن ثعلب عنه:
عَقتْ كما عقت دَلوف العِقْبان
شبّه الدلو إذا نزعت من البئر وهي تعُّق هواء البئر طالعةً بسرعةٍ بالعقاب إذا انقضَّتْ على الصَّيدِ مسرعة.
وروى الحرّاني عن ابن السكيت أنه قال: العقيقة: صُوف الجَذَع.
والجنيبة: صوف الثَّنِيّ.
وقال أبو عبيد: العِقاق: الحوامل من كل ذات حافر.
والواحدة عَقوق.
وقال ابن المظفّر: يقال أعقت الفرَسُ والأتانُ فهي مُعِقٌ وعَقوق، وذلك إذا نبتت العقيقة في بطنها على الولد الذي حملتْه.
وأنشد لرؤبة:
قد عتق الأجدعُ بعد رقِ *** بقارحٍ أو زولةٍ مُعِقِ
وأنشد له أيضًا في لغة من يقول أعقّت فهي عقوق وجمعها عُقُق:
سرا وقد أوّنَ تأوين العُقُق
والعقاق والعَقَق: الحَمْل.
قال عديّ:
وتركت العَيْر يدمي نحره *** ونحوصًا سَمْحجًا فيها عَقَقْ
وقال أبو خِرَاش:
أبَنَ عَقاقًا ثم يَرْمَحْنَ ظَلْمَه *** إباءً وفيه صَولةٌ وذَمِيل
وقال أبو عمرو: أظهرت الأتان عَقاقًا بفتح العين، إذا تبيَّن حملها قلت: وهكذا قال الشافعي العَقاق بهذا المعنى في آخر كتاب الصَّرف.
وأما الأصمعيّ فإنه يقول: العقاق مصدر العَقُوق ورُوي عن أبي عمرو أنه كان يقول: عقّت فهي عقوق، وأعقّت فهي مُعِقّ.
قلت: واللَّغة الفصيحة أعقَّتْ فهي عقوق، قاله ابن السكِّيت وغيره.
وقال أبو حاتم في كتاب «الأضداد»: زعم بعض شيوخنا أنه يقال للفرس الحامل عقوق.
قال: ويقال للحائل أيضًا عَقوق.
قال أبو حاتم: وأظنُّ هذا على التفاؤل.
قلت: وهذا يروَى عن أبي زيد.
وقال أبو عبيدة: عقيقة الصبيّ: غُرْلته إذا خُتِن.
وقال الليث: نوى العَقوقِ نوًى هشٌّ رِخوٌ ليِّن المَمْضَغْة تأكله العجوز وتلوكه، وتُعلفُه العَقوقُ إلطافًا بها، ولذلك أضيفَ إليها، وهو من كلام أهل البصرة ولا تعرفه الأعرابُ في باديتها.
وقال ابن الأعرابيّ: العقيقة: نواةٌ رِخوةٌ ليِّنة كالعجوة تؤكل.
وقال شمر: عِقان الكروم والنخيل: ما يخرج من أصولها.
وإذا لم تقطع العِقَّان فسدت الأصول.
وقد أعقَّت النخلةُ والكَرْمة، إذا أخرجت عِقَّانَها.
والعَقْعَق: طائر معروف، وصوته العَقْعقة.
ومن أمثال العرب السائرة في الرجل يسأل ما لا يكون وما لا يُقدر عليه: «كلَّفْتَني الأبلق العقوق»، ومثلهُ: «كلَّفتني بيضَ الأنوق».
والأبلق ذكر، والعقوق الحامل، ولا يحمل الذكر.
وأنشد اللحياني:
طلب الأبلقَ العقوقَ فلما *** لم يجده أراد بيض الأنوق
وفي «نوادر الأعراب»: اهتلبَ السيف من غمده، وامترقه، واعتقَّه، واجتلطه، إذا استّله.
وأما قول الفرزدق:
قفي ودِّعينا يا هنيد فإنني *** أرى الحيَّ قد شاموا العقيق اليمانيا
فإن بعضهم قال: أراد شاموا البرق من ناحية اليمن.
والعَقُوق: موضع.
وأنشد ابن السكيت:
ولو طلبوني بالعَقُوق أتيتهم *** بألفٍ أؤدِّيه إلى القومِ أقرعا
يريد: ألف بعير.
وأنشد لكثيِّر يصف امرأة:
إذا خرجت من بيتها راقَ عَينها *** مُعَوِّذها وأعجبتها العقائق
يعني إنَّ هذه المرأة إذا خرجت من بيتها راقها معوّذ النبت حوالَي بيتها.
والمعوّذ من النبت: ما ينبت في أصل شجرٍ أو حجر يستره.
وقيل العقائق: الغُدْران، وقيل: هي الرِّمال الحمر.
وعَقّه: بطن من النَّمِر بن قاسط.
قال الأخطل:
وموقَّعِ أَثَرُ السِّفار بخَطْمه *** من سُود عَقّة أو بني الجوّالِ
وبنو الجَوَّال في بني تغلب.
وقال الليث: انعقَ البرق، إذا انسرَب في السحاب.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
130-تهذيب اللغة (عك)
عك: أبو عبيد عن الفراء: يقال عككتُه أعكُّه عكًّا، إذا حبسته عن حاجته.وكذلك يقال عجسته عن حاجته.
ويقال عكته الحمى عكًّا، إذا لزمته حتى تُضْنيَه.
قال: وقال أبو زيد: عككته أعكه عكًا، إذا استعدته الحديثَ كي يكرره مرتين.
وروى ابن حبيب عن ابن الأعرابي: أعكّت العُشَراء من الإبل تُعِكَ.
والاسم العِكَّة، وهي أن تستبدل لَونًا غير لونها، وكذلك إذا سمنت فأخصبت.
وقال في قول رؤبة:
ما ذا ترى رَأْي أخٍ قد عَكَّا
قال: عك الرجل، إذا احتبس وأقام.
قال الأصمعي: عكَّني بالقول عكًّا، إذا ردهُ عليك متعنّتًا.
ورجلٌ مِعَكٌ، إذا كان ذا لدَدٍ والتواء وخُصومة.
وقال ابن الأعرابي: العرب تقول: ائتزر فلان إزرةَ عكَ وَكَّ؛ وهو أن يُسبل طرَفيْ إزاره.
وأنشد:
إن زرته تجده عَكَ ركا *** مشيته في الدار هاكَ ركَّا
قال: هاك ركّ: حكاية تبختره.
أبو عُبيد الله عن أبي زيد: إذا سكنت الريح مع شدة الحر قيل: يوم عكِيك، ويقال يومٌ عكٌ أكٌّ، وقد عكَ يومنا.
قال: وقال غيره: العُكَّة والعكيك: شدّة الحر.
وقال ساجع العرب: «إذا طلعت العُذْرة، لم يبق بعُمان بُسْرة، ولا لأكَار بُرَّة، وكانت عكة نُكْرة، على أهل البصرة».
والمِعَكّ من الخيل: الذي يجري قليلًا ثم يحتاج إلى الضرب، قاله الليث.
وقال أبو عبيد: العَكَوّك السمين، وقال غيره: هو القصير المقتدر الخَلق.
وقال الراجز:
عكوَّك إذا مَشى دِرحايه
والعُكة: زُقيق صغير يُجعَل فيه السمن.
ويُجمَع عُكَكا وعِكاكًا.
وأخبرني المنذريُّ عن الغَسَّانيّ عن سلمة، أنه قال: سمعت أبا القمقام الأعرابي يقول: غبت غيبة عن أهلي فقدِمت، فقدَّمَتْ إليَّ امرأتي عكّتين صغيرتين من سمن، ثم قالت: حلِّني اكسُني، فقلت:
تسلأ كلّ حُرَّةٍ نِحْيين
وإنما سَلأتِ عُكَّتَينِ *** ثم تقول اشترِلي قرطين
وقال الليث: عكُ بن عَدنان هم اليومَ في اليمن، وقال بعض النسَّابين، إنما هو معدّ بن عدنان، فأمّا عَكّ فهو ابن عُدثان بالثاء، وهم من ولد قحطان، وعدنان من ولد إسماعيل عَلَيه السَّلام.
ثعلب عن ابن الأعرابي: يقال عُكَ إذا حُمَّ، وعَكَ إذا غَلى من الحرّ.
وقال أبو زيد: العَكَّة: رملة حميت عليها الشمس.
وأما قول العجاج:
عكٌ شديدُ الأَسْر قُسبُريُ
قال أبو زيد؛ العَكُ: الصُّلب الشديد المجتمع.
وقال الليث: العَكَّة من الحرّ: فَورةٌ شديدة في القيظ، وهو الوقت الذي تركد فيه الريح؛ وفي لغةٍ: أكَّة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
131-تهذيب اللغة (عج)
عج: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أفضل الحجّ العَجّ والثَّجّ».وقال أبو عبيد: العجّ: رفع الصوت بالتلبية، والثّجّ: سيلان دِماء الهدي.
ويقال عج القوم يَعِجّون، وضجُّوا يَضِجُّون، إذا رفعوا أصواتهم بالدُّعاء والاستغاثة.
وقال الليث: سمِّي العجّاج الرّجاز عجَّاجًا بقوله:
حتى يعج ثخنًا من عجعجعا
قال الليث: لما لم يستقم له في القافية عجَّا ولم يصحَّ معنى عجَّجا ضاعفه فقال: عجعجا وهو فُعَلاء لذلك.
قال: والتعجيج: إثارة الغبار، وهو العَجَاج.
ويقال عجَّجت البيت دخانًا حتى تعجَّج.
والعَجَاج: غبار تثور به الريح، الواحدة عَجاجة.
وفعله التعجيج.
وفي «النوادر»: عجّ القوم وأعجُّوا، وأَهجُّوا، وخجُّوا وأخجُّوا، إذا أكثروا في فنونِهِ الركوبَ.
اللحياني: رجل عجْعاجٌ بجباج، إذا كان صيَّاحًا.
وقال أبو زيد: أعجَّت الريح، إذا اشتد هبوبها وأثارت الغبار.
قال: والعجعجة في قضاعة كالعنعنة في تميم، يحولون الياء جيمًا كقوله:
المطعمون اللحم بالعَشجِ *** وبالغداة كِسَر البَرْنجِ
يُقلَع بالودِّ وبالصِّيصجِ
أراد: بالعشيّ، والبرنيّ، والصِّيصيّ.
وأخبرني المنذريّ عن ابن الأعرابي قال: النُّكب من الرياح أربع: فنكباء الصبا والجَنوب مهياف ملواح، ونكباء الصَّبا والشمال مَعجاجٌ مِصراد لا مَطر فيها ولا خير، ونكباء الشمال والدَّبور قَرّة، ونكباء الدَّبور والجنوب حارّة.
قال: والمَعجاج هي التي تثير الغبار.
ويقال: عجّ البعير في هديره يعجّ، فإن كرَّر هديره قيل عجعج.
ويقال للناقة إذا زجرتها عاجْ.
وقد عجعجت بها.
أبو عبيد عن الفراء: العجَاجة: الإبل الكثيرة.
وقال شمر: لا أعرف العجاجة بهذا المعنى.
قال ابن حبيب: العَجَاج من الخيل: النجيب المسنّ.
وروى شمر بإسناد له عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض، فيبقى عَجَاجٌ لا يعرفون معروفًا ولا يُنكرون مُنكَرًا».
قال شمر: العَجَاج من الناس نحو الرَّجَاج والرَّعاع.
وأنشد:
يرضى إذا رضي النساء عجاجةٌ *** وإذا تُعُمّدَ عَمْدُه لم يَغضَبِ
عمرو عن أبيه: عجّ، إذا صاح.
وجَعّ، إذا أكل الطين.
وقال غيره: طريق عاجٌ زاجٌّ، إذا امتلأ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
132-تهذيب اللغة (عس)
عس: قال الله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ} [التّكوير: 17، 18] قال ابن جُريج: قال مجاهد في قوله: {وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ} قال: هو إقباله.وقال قتادة: هو إدباره وإليه ذهب الكلبيّ.
قال الفراء: اجتمع المفسِّرون على أن معنى عَسْعَسَ أدبَر.
قال: وكان بعض أصحابنا يزعم أن عَسْعَسَ معناه دنا من أوّله وأظلم.
وكان أبو البلاد النحويّ ينشد بيتًا:
عسعسَ حتَّى لو يشاء ادَّنا *** كان له من ضَوئِه مَقْبِسُ
قال: ادَّنا: إذْ دنا، فأدغم.
قال الفراء: وكانوا يُرَون أنّ هذا البيت مصنوع.
وكان أبو حاتم وقطرب يذهبان إلى أنَّ هذا الحرف من الأضداد.
وكان أبو عبيدة يقول ذلك أيضًا: عسعس الليلُ أي أقبل، وعسعسَ إذا أدبر.
وأنشد:
مدّرعات اللّيل لمّا عسعَسا
أي: أقبلَ.
وقال الزِّبرقان:
وردتُ بأفراس عتاقٍ وفتيةٍ *** فوارِطَ في أعجازِ ليل معسعسِ
أي: مدبر.
وقال أبو إسحاق بن السريّ: عسعس الليلُ إذا أقبل، وعسعس إذا أدبر.
قال: والمعنيان يرجعان إلى أصلٍ واحد، وهو ابتداء الظلام في أوّله وإدباره في آخره.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: العسعسة: ظلمة الليل كلّه، ويقال إدباره وإقباله.
قال أبو العباس: وهذا هو الاختيار.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: العَسوس الناقة التي إذا ثارت طوفت ثم دَرَّت.
ونحوَ ذلك قال أبو عبيد.
وقال آخرون: ناقة عسوس، إذا ضجرت وساء خلقُها عند الحلب.
وأنشد أبو عبيدٍ لابن أحمرَ الباهلي:
وراحت الشَّولُ ولم يحبُها *** فحلٌ ولم يعتسَ فيها مُدِرّ
قال شمِر: قال الهُجَيمي: لم يعتسَّها: لم يطلب لبنها.
وقال الليث: المَعَسُ، المطلب.
وأنشد قولَ الأخطل:
مُعقَّرة لا تنكرُ السيفَ وسْطَها *** إذا لم يكن فيها مَعَسٌ لحالبِ
أبو زيد: عسست القوم أعُسُّهم، إذا أطعمتَهم شيئًا قليلًا، ومنه أخذ العَسوس
من الإبل.
وقال الفراء: العَسُوس من الناس: التي لا تُبالي أن تدنُوَ من الرجال.
وقال أبو عمرو: إنّه لعسوسُ من الرّجال إذا قلَّ خَيره.
وقد عَسَ عليّ بخيره، وإنَّ فيه لعُسُسًا قال: والاعتساس والاعتسام: الاكتساب.
وقال ابن المظفر: العَسُ: نَفض اللَّيل عن أهل الرِّيبة؛ يقال عسّ يعُسُ عَسًّا فهو عاسّ.
قال: والعاسّ اسمٌ يقع على الواحد والجمع.
قلت: العاسّ واحد وجمعه العَسَس، كما يقال خادم وخدَم، وحارس وحرس.
ثعلب عن ابن الأعرابي: العُسُ: القَدح الذي يعبّ فيه الاثنان والثلاثة والعِدّة.
قال: والرِّفد أكبر منه.
وقال أيضًا: العُسُس: التُّجار الحُرصاء، والعُسُس: الآنية الكبار.
قال: والعَسِيس: الذئب الكثير الحركة.
أبو عبيد: من أمثالهم في الحثّ على الكسب قولهم: «كلبٌ عَسَ خيرٌ من كلبٍ ربَضَ»، وبعضهم يقول: «كلبٌ عاسٌ خير من كلب رابضٍ».
والعاسُ: الطالب، يقال عَسّ يعُسُ إذا طلب.
والذِّئب العَسوس: الطالب للصَّيد.
وقال الأصمعيّ: يقال للذِّئب العَسعَسُ لأنّه يعُسّ بالليل ويَطلُب، وقال له العسعاس.
والقنافذ يقال لها العَساعِس؛ لكثرةِ تردُّدها بالليل.
ويقال: عسعس فلانٌ الأمرَ، إذا لبَّسه وعمّاه، وأصله من عسعسة الليل.
ويقال: جاء بالمال من عَسِّهِ وبَسِّه، أي من طلبه وجهده.
قال: وعَسْعَسُ: موضعٌ معروف في بلاد العرب.
وعسعسٌ: اسم رجل.
وقال الليث: عسعست السحابةُ، إذا دنت من الأرض، لا يقال ذلك إلّا بالليل في ظلمة وبَرق.
وقال أبو الوازع: العُسُ: الذّكر.
وأنشد:
لاقت غلامًا قد تشظّى عُسُّهُ *** ما كان إلّا مَسُّه فدسُّهُ
قال: عُسُّه: ذكَره.
ويقال: اعتسستُ الشيء، واجتسستُهُ، واقتسستُه، واشتممته، واهتممته، واختششته.
والأصل في هذا أن تقول: شمِمتُ بلد كذا وخَشَشته، إذَا وطئته فعَرفتَ خِبرته.
ويقال: عسَ عليَّ خَبَرُ فلان، أي أبطأ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
133-تهذيب اللغة (عزّ)
عزّ: (الْعَزِيزُ) من صفات الله جلّ وعزّ وأسمائه الحسنى.وقال أبو إسحاق بن السريّ: (الْعَزِيزُ) في صفة الله تعالى: الممتنع، فلا يغلبه شيء.
وقال غيره: هو القويّ الغالب على كلّ شيء، وقيل: هو الذي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).
ويقال مَلكٌ أعزّ وعزيزٌ، بمعنًى واحد.
وقال الله جلّ وعزّ: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ} [ص: 23] معناه غلبني.
وقرأ بعضهم: {وعازني في الخطاب} أي غالبني.
وأخبرني المنذريّ عن الحراني عن ابن السكيت قال: يقال عزّه يعزُّه، إذا غلبه وقهره.
وأنشد في صفة جمل:
يَعُزُّ على الطريق بمنكِبَيْهِ *** كما ابتركَ الخليعُ على القِداح
يقول: يغلب هذا الجملُ الإبلَ على لزوم الطريق، فشبَّه حرصَه على لزوم الطَّريقِ وإلحاحَه على السَّير، بحِرص هذا الخليعِ على الضَّرب بالقداح، لعلَّه أن يسترجعَ بعضَ ما ذهبَ من ماله.
والخليع: المخلوع المقمور ماله.
وأما قول الله عزّ وجلّ: {فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ} [يس: 14] فمعناه قوّيناه وشدّدناه.
وقال الفراء: ويجوز {عزَزنا} مخفّفًا بهذا المعنى، كقولك شدَدنا قال: ويقال عَزَّ يَعَزّ، بفتح العين من يَعزّ، إذا اشتدّ.
ويقال عزّ كذا وكذا، جامعٌ في كل شيء، إذا قلّ حتَّى لا يكاد يوجد.
وهو يَعِزُّ بكسر العين عِزَّةً فهو عزيز.
أبو عبيد عن أبي زيد: يقال عزّ الرجل يعِزّ عِزًّا وعِزّة إذا قوىَ بعد ذلّة.
وعززت عليه
أعِزّ عِزًّا وعَزَازة.
قال: وعَزَّت الناقة تعُزُّ عُزوزًا فهي عَزُوزٌ، إذا كانت ضيّقة الإحليل.
قال: وأعززتُ الرجل: جعلتُه عزيزًا.
وأعززته: أكرمته وأحببته.
وأخبرني الإياديّ أنه وجد شمرًا يضعِّف قول أبي زيد في قوله أعززته أي أحببته.
وقال ابن شميل: شاة عَزوز: ضيّقة الإحليل لا تُدرّ حتَّى تحلب بجهد.
وقد أعزّت، إذا كانت عَزُوزًا.
وقال الليث: يقال تعزَّزَتْ، لهذا المعنى.
أبو عبيد عن أبي زيد: إذا استبانَ حملُ الشاة وعظُم ضرعُها قيل رمّدت، وأعزّت وأضرعَت، بمعنى واحد.
وقول الله عزّ وجلّ: {لَيُخْرِجَنَ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ} [المنَافِقون: 8] وقرىء: {لَيَخرُجَنَ الأعز منها الأذل} أي ليخرجن العزيز منها ذليلا، فأدخل الألف واللام على الحال.
وقال: جلّ وعزّ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ} [المَائدة: 54] يقول: يتذللون للمؤمنين وإن كانوا أعزة، ويتعززون على الكافرين وإن كانوا في شرف الأحساب دونهم.
والعرب تقول: «إذا عزّ أخوك فهُنْ»، المعنى إذا غلبك وقهرَك فلم تقاومْه فتواضعْ له؛ فإن اضطرابك عليه يزيدك ذُلًّا.
ومن كلام العرب: «مَن عَزّ بَزّ» ومعناه من غَلَب سَلب.
والعَزَاز: الأرض الضُّلبة.
ويقال للمطر الوابل إذا ضربَ الأرضَ السهلةَ بغيبتها فشدّدها حتَّى لا تسوخ فيها القوائم ويذهب وعوثتها: قد شدّد منها وعزّزَ منها.
وقال
عزّزَ منه وهو معطي الإسهالْ *** ضربُ السوارى متْنَه بالتَّهتال
ويقال أعززنا: أي وقَعنا في الأرض العَزاز، كما يقال أسهلنا، أي وقعنا في أرض سهلة.
وفي الحديث أنّه «استُعِزَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه».
قال أبو عمرو: واستُعِزَّ بفلان، أي غُلِب، يقال ذلك في كل شيءٍ من مرضٍ أو عاهة.
قال: واستعزَّ الله بفلانٍ.
واستَعزَّ فلانٌ بحقّي، أي غلبني.
وفلانٌ مِعزازُ المرض، إذا كان شديدَ المرض.
ويقال له أيضًا إذا مات: استُعِزَّ به.
وفي حديث ابن عمر «أنّ قومًا اشتركوا في لحم صيدٍ وهم مُحرمون، فسألوا بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمّا يجب عليهم، فأمر كلّ واحدٍ منهم بكفّارة ثم سألوا عمر وَأخبروه بفتيا الذي أفتاهم، فقال: إنكم معزَّزٌ بكم»، أي مشدّد بكم، ومثقَّل عليكم الأمر.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: العِزُّ: المطر الشديد الوابل.
قال: والعَزَّاء: الشدّة.
وقال الفراء: يقال للأرض العَزَاز عَزّاءُ أيضًا.
وقال ابن شميل: العَزَاز: ما غلظ من الأرض وأسرع سيلُ مطره، يكون من القِيعان والصَّحاصح وأسناد الجبال والآكام وظهور القِفاف.
وقال العجّاج:
من الصَّفا العاسي ويَدهَسْنَ الغَدَرْ *** عَزَازَه ويهتمِرْن ما انْهمَرْ
وتعزَّز لحمُ الناقة، إذا اشتدّ وصلُب.
وقال أبو عمرو في مسائل الوادي: أبعدها سيلا الرَّحَبة، ثم الشُّعبة، ثم التَّلْعة، ثم المِذْنب، ثم العَزَازة.
وقال الفرّاء: العَزَّة: بنت الظَّبية، وبها سمِّيت المرأة عَزّة.
وقال أبو عبيدةَ في كتاب «الخيل»: العزيزاء وهما عُزَيزاوا الفرس: ما بين جاعرتيه.
وقال أبو مالك: العُزَيزاء: عصبة رقيقة مركّبة في عظم الخَوْران إلى الورك.
وأنشد في صفة الفرس:
أمِرَّت عُزيزاهُ ونيطت كُرومهُ *** إلى كفلٍ رابٍ وصُلْبٍ موثِّقِ
قال: والكرمة: رأس الفخذ المستديرُ كأنّه جَوْزة، وموضعها الذي تدور فيه من الورك القَلْت.
وقال ابنُ شميل: يقال للعنز إذا زُجرتْ: عَزْ عَزْ، وعزعزتُ بها فلم تَعَزعَز، أي لم تتنحَّ.
ثعلبٌ عن ابن الأعرابي: العَزعزُ الغلبة.
قال: والزَّعزع الفالوذ.
قال: وعزّ الماء يعزّ، وعزّت القَرحة تَعِزّ، إذا سال ما فيها وكذلك مَذَع وبَذَعَ، وصَهَى، وهمى، وفزّ، إذا سال ويقال عَزُزت الناقة، إذا ضاق إحليلُها ولها لبنٌ كثير.
قلت: أظهر التضعيف في عَزُزت، وليس ذلك بقياس.
وقول الله جلّ وعزّ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النّجْم: 19] جاء في التفسير أن اللاتَ صنَم كان لثقيف، وأن العُزَّى سمُرةٌ كانت لغطَفانَ يعبدونها، وكانوا بنَوْا عليها بيتًا وأقاموا لها سَدَنة، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إليها، فهدم البيت وأحْرق السَّمُرة.
والعُزَّى: تأنيث الأعزّ، مثل الكبرى والأكبر.
والأعزُّ بمعنى العزيز، والعُزَّى بمعنى العزيزة.
وقال أبو زيد: يقال: إنّما فلانٌ عنزٌ عَزُوزٌ لها دَرٌّ جَمٌّ، إذا كان كثير المال شحيحًا والعزوز: الضيّقة الإحليل.
وقال ابن شُميل: شاةٌ عَزوزٌ بيِّنة العِزاز.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
134-تهذيب اللغة (عث)
عث: أبو عبيد: العَثعَث: الكثيب من السهل، وجمعه العثاعث.وقال رؤبة:
أقفرت الوعساءُ والعَثاعِثُ
وقال غيره: يقال عثعثَ فلانٌ متاعَه وحثحثَه وبثبثه، إذا بذَّره وفرَّقه.
وأخبرني المنذريّ عن أحمد بن يحيى أنه قال: العثعث الفساد.
قال: وعثعثَ متاعَه، إذا حرَّكه.
قال وذُكر لعليٍّ زمانٌ فقال: «ذاك زمن العَثَاعث»، أي الشدائد.
وفي «نوادر الأعراب»: عثعثَ بالمكان وغثغث به، إذا أقام به، بالعين والغين.
ويقال: أطعمني سَوِيقًا حُثًّا وعُثًّا، إذا كان غير ملتوت بدسم.
والعُثُ: السُّوس، الواحدة عُثّة.
وقد عُثَ الصُّوف، إذا أكله العُثّ.
ويقال للمرأة الزَّريّة: ما هي إلّا عُثَّة.
وقال ابن حبيب: العِثاث: رفع الصَّوت بالغِناء والترنُّمُ فيه.
يقال عَثَّثَ وعاثَ عِثاثًا.
وقال كثيّر يصف قوسًا:
هتوفًا إذا ذاقها النازعون *** سَمِعتَ لها بعد حَبضٍ عِثاثًا
وقال بعضُهم: هو شبه ترنُّم الطَّست إذا ضُرِب.
عمرو عن أبيه قال: العِثَاث: الأفاعي التي يأكل بعضُها بعضًا في الجدب.
ويقال للحيّة: العَثَّاء والنكْزاء.
وفي «النوادر»: تعاثثت فلانًا وتعاللته.
ويقال اعتثه عِقُ سَوء واغتثَّه عِرقُ سَوء، إذا تعقّله عن بلوغ الخير والشّرف.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
135-تهذيب اللغة (عر)
عر: قال الله جلّ وعزّ: {وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحَجّ: 36] قال أهل اللُّغة ـ وهو قول أهل التفسير ـ القانع: الذي يسأل.والمعترُّ: الذي يُطيف بك يطلب ما عندك سألك أو سكت عن السؤال.
وقال أبو العباس: قال ابنُ الأعرابي: يقال عَرَوت فلانًا واعتريته، وعَررته واعتررته، إذا أتيتَه تطلب معروفَه.
وقال: وقال الله جلّ وعزّ: {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الفَتْح: 25] قال شَمِر: قال عبد الله بن محم بن هانىء: المَعَرَّة: الجناية كجناية العَرّ، وهو الجرب.
وأنشد:
قل للفوارسِ من غَزِيّة إنّهم *** عند اللقاء مَعرَّةُ الأبطالِ
قال: وقال ابن شُميل: يقال عَرَّه بشَرٍّ، أي ظَلمه وسَبَّه وأخذَ ماله.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار: المَعَرَّة في تفسير الآية الغُرْم.
يقول: لو لا أن تصيبوا منهم مؤمنًا بغير علم فتغرموا ديتَه، فأمّا إثمُه فإنّه لم يَخْشَه عليهم.
وقال شمر: المَعَرَّة: الأذى.
ومَعرَّة الحبيش: أن ينزلوا بقوم فيأكلوا من زروعهم شيئًا بغير علم، وهو الذًي أراده عمر بقوله: «اللهم إنّي أبرأ إليك من مَعرَّة الجيش».
فأمّا قول الله جلّ وعزّ: {وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الفَتْح: 25] فالمعرة التي كانت تصيب المؤمنين أنهم لو كبسوا أهل مكّة، وبين ظهرانيهم قومٌ مؤمنون لم يتميَّزوا من الكفار، لم يأمنوا أن يطؤوا المؤمنين بغير علم فيقتلوهم فتلزمهم دياتهم، وتلحقهم سُبَّةٌ بأنَّهم قتلوا مَن هم على دينهم إذا كانوا مختلطين بهم.
يقول الله: لو تميَّز المؤمنون من الكفار لسلَّطناكم عليهم وعذّبناهم عذابًا أليمًا.
فهذه المعرّة التي صانَ الله المؤمنين عنها، وهي غُرم الدِّيات ومَسَبّة الكُفّار إياهم.
وأما مَعرَّة الجيش التي تبرَّأ عمر منها، فهي وطأتهم مَن مَرُّوا به من مسلم أو مُعاهَد، وإصابتهم إياهم في حريمهم وأموالهم ومزارعهم بما لم يؤذَنْ لهم فيه.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنّه قال: المعَرَّة الشدّة.
والمعرّة: كوكبٌ في السماء دون المجرَّة.
والمعرَّة: الدية.
والمَعرَّة: قتال الجيش دون إذن الأمير.
والمعرّة: تلوُّن الوجه من الغضب.
قلت: روى أبو العبّاس هذا الحرف بتشديد الراء.
فإن كان من تمعَّر وجهُه أي تغيّرَ فلا تشديد فيه.
وإن كان مفعلة من العَرّ فهي مشدّدة كأخواتها.
وفي حديث حاطب بن أبي بَلتَعة أنّه لمَّا كتب إلى أهل مكة كتابَه يُنذرهم أمْرَ النبي صلى الله عليه وسلم، أطلعَ الله عزوجل رسولَه على الكتاب، فلما عُوتِب حاطبٌ فيما كتب قال: «كنتُ رجلًا عريرًا في أهل مكة،
فأحببتُ أن أتقرّب إليهم ليحفظوني في عيالاتي عندهم».
أراد بقوله «كنت فيهم عريرًا» أي غريبًا مجاورًا لهم، ولم أك من صميمهم ولا لي فيهم شُبكة رحم.
والعرير فعيل بمعنى فاعل، وأصله من قولك عررته عَرًّا فأنا عارٌّ وعرير، إذا أتيتَه تطلب معروفه.
واعتررته بمعناه.
وفي حديث سَلمان الفارسيّ أنه «كان إذا تعارَّ من الليل قال: سبحانَ ربِّ النبيِّين» قال أبو عبيد: قال الكسائيّ: تعارّ، إذا استيقظ.
يقال تعارّ يتَعارُّ تَعَارًّا، إذا استيقظ من نومه.
قال: ولا أحسب يكون ذلك إلا مع كلام.
قال أبو عبيد: وكان بعض أهل العلم يجعله مأخوذًا من عِرار الظليم، وهو صوته.
ولا أدري أهو من ذلك أم لا.
وقال أبو عمرو: يقال عَرَّ الظَّليم يَعِرُّ عِرارًا.
وقال أبو الجرَّاح: عارّ الظليم يُعارّ عِرارًا، وزمرت النعامة زِمارًا.
وفي حديث أبي بكر أنه أعطي سيفًا محلًّى، فنزع عمرُ الحليةَ وأتاه بها وقال: «أتيتك بهذا لما يَعْرُرُك من أمور الناس».
قال أبو عبيد: أُراه: لما يَعرُوك، أي لما يأتيك.
ولو كان من العَرّ لقال: لما يعرُّك.
قلت: عرّه وعَرَاه بمعنًى واحد، إذا أتاه.
وقال ابن أحمر:
ترعى القطاةُ الخمِسَ قَفُّورَها *** ثم تعرُّ الماءَ فيمن يعُرّ
أي: تأتي الماءَ وتَردُه.
وفي حديث سعد أنه «كان يدمُل أرضَه بالعُرَّة ويقول: مِكتَل عُرّةٍ مِكتَل بُر».
قال أبو عبيد: قال الأصمعيّ: أراد بالعُرّة عذِرَةَ الناس.
قال: ومنه قيل: عرَّ فلانٌ قومَه بشَرٍّ إذا لطَخهم به.
قال أبو عبيدِ: وقد يكون عرَّهم بشرٍّ من العَرّ، وهو الجرب، أي أعداهم شرُّه.
وقال الأخطل:
ونَعررْ بقومٍ عَرّةً يكرهونها *** ونحيا جميعًا أو نموت فنقتلُ
ويقال: لقيتُ منه شَرًّا وعَرًّا، وأنت شرٌّ منه وأعرّ.
أَبو عبيد عن الأمويّ: العَرّ: الجرَب.
يقال عَرَّت الإبلُ تَعِرُّ عرًّا فهي عارّة.
قال: والعَرُّ: قَرح يخرج مِن أعناق الفُصلان، يقال قد عُرَّتْ فهي معرورة.
قال أبو عبيد: وقال أبو عبيدة: كلُّ شيءٍ باء بشيءٍ فهو له عَرار.
وأنشد قول الأعشَى:
فقد كان لهم عَرار
ومن أمثال العرب: «باءت عَرارِ بكَحْلٍ» و «عَرَارِ بكَحْلَ» غير مُجْرًى.
وأنشد ابن حبيب فيمن أَجْرى:
باءت عرار بكحلٍ والرِّفاقُ معًا *** فلا تمنَّوْا أمانيَّ الأضاليلِ
قال: وكحل وعرار: ثور وبقرة كانا في سِبْطينِ من بني إسرائيل فعُقِر كحل وعقرت به عرارِ، فوقعتْ حربٌ بينهما حتَّى تفانَوا، فضُرِبا مثلًا في التساوي.
وقال الآخر:
باءت عرارِ بكَحْلَ فيما بيننا *** والحقُّ يعرفُه ذَوُو الألباب
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ: يقال تزوّج فلانٌ في عرارة نساءٍ يلدن الذُّكور وفي شَرِيّةِ نساءٍ يلدن الإناث.
وقال أبو عبيد: العَرارة: الشدّة.
وأنشد قولَ الأخطل:
إنّ العرارةَ والنُّبوحَ لدارمٍ *** والمستخِفُّ أخوهم الأثقالا
قال: وقال الأصمعيّ: العَرار: بهَار البَرّ.
قلت: الواحدة عَرارة، وهي الحَنْوة التي يتيمَّن العجم من الفُرس بها.
وأُرى أنّ فرس كلحبة اليربوعيّ سمِّيت العرارة بها.
وهو القائل:
يسائلني بنو جُشَمَ بنِ بكر *** أغرَّاء العرَارةُ أم بهيمُ
وقال بعضُهم: العرارة: الجرادة، وبها سمِّيت الفرس.
وقال بشر:
عرارةَ هَبْوةٍ فيها اصفرار
والعُرَّة: الأُبْنة في العصا، وجمعها عُرَر.
وقال الليث: حمارٌ أعرُّ، إذا كان السِّمَن منه في صدره وعنقه أكثرَ منه في سائر خَلْقه.
قال: والعَرّ والعَرَّة، والعَرار والعَرارة: الغلام والجاريةُ المُعْجَلانِ عن الفطام.
والمعرور: المقرور.
ورجلٌ معرور: أتاه ما لا قِوام له معه.
وعُرعرة الجبل: أعلاه.
وعُرعُرة السَّنام: غاربه.
وعُراعر القوم: ساداتهم، أُخِذ من عُرعرة الجبل وقال المهَلهِل:
خَلَعَ الملوكَ وسار تحت لوائه *** شجرُ العُرَى وعَراعرُ الأقوامِ
وقال أبو عبيد: قال الأصمعيّ: عُرعرة الجبل: غلظه ومعظمه.
قال: وكتب يحيى بن يعمر إلى الحجّاج: «إنا نزلنا بعُرعرة الجبل والعدوُّ بحضيضه».
فعرعرته: غِلظه وحَضيضُه: أصلُه.
قال أبو عبيد: ومن عُيوب الإبل العَرَر، وهو قِصَر السَّنام يقال بعيرٌ أعرّ وناقة عرّاء.
وقال ابن الأعرابي: العَرعَر: شجرٌ يقال له السَّاسَم، ويقال له الشَّيزَى.
ويقال هو شجرٌ يُعمَل منه القطران.
وقال أبو عُبيد: عَرعارِ: لُعبةٌ لصبيان الأعراب.
قال الكميت:
وبلدةٍ لا ينال الذئبُ أفرخَها *** ولا وَحَى الوِلْدِة الداعِينَ عَرعارِ
أي: ليس بها ذئبٌ لبُعدها عن الناسِ.
وقال ابن الأعرابي: يقال عرعرت القارورةَ، إذا نزعتَ منها سِدَادَها.
ويقال ذلك إذا سددتها.
ويقال عَرعَرَتُها: سِدادها.
قال: وعُرعُرتها: وكاؤها.
وعُرعُرة الإنسان: جلد رأسه.
قال الأصمعيّ: يقال للجارية العذراء عرّاء.
وقال أبو عمرو في قول الشاعر يذكر امرأةً:
وركبَتْ صَومَها وعُرعُرَها
أي: ساء خلقها وقال غيره: معناه أنّها ركبت القَذِر من أفعالها.
وأراد بعرعرتها
عُرّتها.
وكذلك الصَّوم عُرَّة النعام.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: يقال في مثل: «عُرَّ فقرَه بفيه لعلَّه يُلهيه».
يقول: خَلِّه وغَيَّه إذا لم يُطِعْك في الإرشاد فلعلَّه أن يقع في هَلكة تُلهيه عنك وتشغله.
وقال قيس بن زهير:
يا قومنا لا تعرُّونا بداهية *** يا قومنا واذكروا الآباء والقُدَما
وقال ابنُ الأعرابيّ: يقال عُرّ فلانٌ، إذا لقّب بلقبٍ يعرُّه.
قال: وعَرَّ، إذا نقصَ، وعَرَّه يعُرُّه، إذا لقَّبه بما يَشينُه.
وعَرّ يعُرُّ، إذا صادفَ نوبتَه من الماء وغيره.
وقال أبو عمرو: العُرَّى: المَعِيهة من النساء.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: العَرَّة: الخَلَّة القبيحة.
وقال أبو عمرو: العِرار القتال، يقال عاررتُه إذا قاتلتَه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
136-تهذيب اللغة (عل)
عل: قال أبو زيد في كتاب «النوادر»: يقال هما أخوان من عَلّة، وهما ابنا عَلّةٍ، إذا كانت أُمَّاتهما شتّى والأب واحد وهم بنو العَلَّات، وهم من عَلَّات، وهم إخوةٌ من عَلَّةٍ وعَلَّاتٍ.كلُّ هذا من كلامهم.
ونحن أخَوَانِ من عَلّة، وهو أخي من عَلّة: من ضَرّتين، ولم يقولوا من ضَرّة.
والعَلّة: الرابَّة.
وبنو العَلَّات: بنو رجلٍ واحدٍ من أُمَّهاتٍ شتّى.
وقال ابن شميل: هو بنو عَلّةٍ وأولاد عَلّة.
وقال أوس بن حَجَر:
وهمْ لمقلِّ المال أولادُ عَلّةٍ *** وإن كان محضًا في العمومة مُخْوَلا
أبو عبيد عن الأصمعيّ: تعلَّلتُ بالمرأة تعلُّلًا، أي لهوتُ بها.
ويقال علَّلَنا فلانٌ بأغانيهِ، إذا غنّاهم بأغنيّة بعد أخرى.
وقال أبو عمرو: العليلة: المرأة المطيَّبة
طيبًا بعد طِيب.
قال: ومنه قول امرىء القيس:
ولا تُبعِدِيني من جَنَاكِ المُعلَّلِ
أي: المطيَّب مرة بعد أخرى.
ومن رواه «المعلِّل» فهو الذي يعلِّل مُترشِّفه بالريق.
وقال ابن الأعرابي: المعلِّل: المُعِين بالبرّ بعد البرّ.
قال: والمعلِّل: دافع جابي الخَراج بالعِلل.
وفي الحديث: «يتوارث بنو الأعيان من الأخوات دون بني العَلّات»، أي يتوارث بنو الإخوة للأب والأمّ دون الإخوة للأب.
والعِلال هو الحلب قبل استيجاب الضرع للحلب بكثرة اللبن.
وقال بعض الأعراب فيه:
العَنز تعلم أنّى لا أكرّمها *** عن العِلالِ ولا عن قِدر أضيافي
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: العُلالة والعُراكة والدُّلاكة: ما حلبتَه قبل الفِيقة الأولى وقبل أن تجتمع الثانية.
ويقال لأوّل جري الفرس بُداهتُه، وللذي يكون بعده عُلالته.
وقال الأعشى:
إلّا عُلالةَ أو بُدا *** هةَ سابحٍ نهد الجُزاره
علَ ولعلَ حرفان وُضِعا للترجّي في قول النحويّين.
وأثبِتَ عن ابن الأنباريّ أنه قال: لعلّ يكون ترجيًا، ويكون بمعنى كي، ويكون ظنًّا كقولك: لعلّي أحجّ العامَ، معناه أظنُّني سأحجّ.
ويكون بمعنى عَسَى لعل عبد الله يقوم معناه عسى عبد الله.
ويكون بمعنى الاستفهام كقولك: لعلَّك تشتمني فأعاقبَك، معناه هل تشتمني؟
وأخبرني المنذريّ عن الحسين بن فهم أنّ محمد بن سلّام أخبره عن يونس أنه سأله عن قول الله تعالى: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ} [الكهف: 6]، و {فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ} [هود: 12] قال: معناه كأنّك فاعل ذلك إن لم يؤمنوا.
قال: ولعلّ لها مواضع في كلام العرب، من ذلك قوله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النُّور: 27] و {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [طه: 113] و {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} [طه: 44] قال: معناه كي تذكروا، وكي يتقوا، كقولك: ابعثْ إليّ بدابّتك لعلّي أركبها، بمعنى كي.
قال: وتقول انطلقْ بنا لعلّنا نتحدّث، أي كي نتحدّث.
الحرّاني عن ابن السكيت: في لعلّ لغات، يقول بعض العرب لعلّي، وبعضهم لعلّني، وبعضهم لعَنِّي، وبعضهم عَلِّي، وبعضهم علِّني، وبعضهم لأنّي، وبعضهم لأنّني، وبعضهم لوَنَّني.
وقال العجاج حاكيًا قول ابنته:
يا أبتا عَلَّكَ أو عساكا
ويقال: تعاللتُ نفسي وتلوَّمْتها، أي استزدتها.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: إذا وردت الإبلُ الماءَ فالسَّقْية الأولى النَّهَل، والثانية العَلَل.
قلت: وسمعتُ العرب تقول: عَلَّت الإبل تَعِلّ، إذا شربت الشربة الثانية، وقد عللتُها أنا أعُلُّها، بضم العين.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ: علّ الرجلُ يَعِلُ من المرض، وعلّ يعِلّ ويَعُلُ من عَلَل الشَّراب.
وقد اعتلَ العليل عِلَّةً صعبة.
وقال أبو عبيد: يقال عرضَ عليَ سَومَ عالَّةٍ، إذا عرضَ عليك الطّعامَ وأنت مُستغنٍ عنه، وهو كقولهم: عَرْضَ سابِرِيٍّ.
أبو عبيد: العَلُ: الكبير المُسِنّ.
والعَلُ: القُراد.
والجمع أعلال.
قاله الأصمعيّ، قال: وبه شبِّه الرجل الضعيف، فيقال كأنّه عَلّ.
أبو عبيد عن أبي عبيدة: اليعلول: المطر بعد المطر، وجمعه اليعاليل.
قال: واليعاليل أيضًا: حَباب الماء.
قال: وقال الأصمعي: اليعلول: غدير أبيض مطّرد.
قال: وهو السَّحاب المطَّرد أيضًا.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: العُلعُل: اسم ذكر الرجُل.
والعُلعل: ذكر القَنَابر.
والعُلعُل: طرف الضِّلع التي تُشرف على الرَّهابة وهي طرف المعدة.
قال: ويُجمع العلعلُ منها كلها على عُلُل وعَلالل.
قال: والعُلُل أيضًا: جمع العَلول، وهو ما يعلَّل به المريض من الطعام الخفيف، فإذا قوِيَ أكله فهو الغُلُل جمع غَلول.
وقال اللِّحياني: عاللت الناقةَ عِلالًا، إذا حلبتَها صباحًا ومساءً ونصف النهار وقال أبو زيد: العُلالة: أن تحلب الناقة أوّلَ النهار وآخرَه وتحلب وسط النهار، فتلك الحلبة الوسطى هي العُلالة، وقد يُدعَى كلُّهن عُلالة.
وقال الفراء: يقال إنه لفي عُلعُولِ شرٍّ وزُلزُول شَرّ، أي في قتال واضطراب.
وقال أبو سعيد: تقول العرب: أنا عَلَّانُ بأرضِ كذا كذا، أي جاهل.
قال: وامرأة علّانة: جاهلة.
قال: وهي لغة معروفة.
قلت: لا أعرف هذا الحرف ولا أدري من رواه عن أبي سعيد.
وقال الفراء: العرب تقول للعاثر: لعًا لك وتقول عَلْ ولَعَلْ، وعَلَّك ولعلَّك واحد.
وقال الفرزدق:
إذا عثَرت بي قلت عَلّكِ وانتهى *** إلى باب أبواب الوليد كلالُها
وأنشد أيضًا:
فهنّ على أكتافهم ورماحهم *** يقلن لمن أدركن تَعْسًا ولا لَعَلْ
قلت: شُدِّدت اللام في قولهم عَلَّكِ لأنهم أرادوا عَلْ لك.
وكذلك لعلَّك إنما هو لَعَلْ لك.
ثعلب عن ابن الأعرابي: يقال للبعير ذي السَّنامين: يَعلول، وقِرعَوْس، وعُصفوريّ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
137-تهذيب اللغة (لع)
لع: أبو عبيد عن أبي زيد: لعلع فلانٌ عظمَ فلانٍ، إذا كسره.قال: وقال أبو عمرو: فلان يتلعلع من الجوع والعطش، أي يتضوّر.
واللَّعلَع: السراب.
ولعلعتُه: بصيصُه.
ولَعلَعٌ: ماء في البادية معروف، وقد وردتُه.
أبو عبيد عن الفراء: اللُّعَاع: أوّل النبت، وقد ألعَّتْ الأرضُ.
سلمةُ عن الفرّاء: خرجنا نتلعَّى، أي نأكل اللُّعاع.
كان ذلك في الأصل نتلعَّع فكثرت العَيناتُ فقلبت إحداهَا ياء، كما قالوا تظنّيت من الظنّ.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: عسلٌ متلعِّع، وهو الذي إذا رفعتَه امتدَّ معك فلم يتقطَّع للزُوجته.
قال: واللُّعاعة: كل نباتٍ ليّن من أحرار البقول فيه ماء كثير لزِج.
ويقال له النّعاعة أيضًا.
وأنشد:
كادَ اللُّعاع من الحَوذانِ يَسحَطُها *** ورِجرِجٌ بين لَحييها خَناطيلُ
وقال الليث: امرأةٌ لَعَّة: مليحة عفيفة.
ورجلٌ لعَّاعة يتكلَّف الألحانَ من غير صواب.
وروي عن المؤرِّج أنه قال: اللعلاع: الجبان.
وقال أبو الحسن اللِّحياني: في الإناء لُعاعة، أي جِزعة من الشراب.
وقال الأصمعي: ببلدِ بني فلانٍ لُعاعةٌ حسنة، ونُعاعةٌ حسنة، وهو نبتٌ ناعم في أوّل ما ينبت.
ومنه قيل: «إنّما الدُّنيا لُعاعة».
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: اللُّعَاعة: الهندِبَاء، يمدّ ويقصر.
وقال أبو عمرو: اللُّعاعة: الكلأ الخفيف، رُعي أو لم يُرْعَ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
138-تهذيب اللغة (عن)
عن: أخبرني المنذري عن أبي العباس عن سلمة عن الفراء أنه قال: العَنّة والعُنّة: الاعتراض بالفضول.قال: وشاركه شِركة عنان، أي في شيءٍ عنّ لهما، أي عرض.
الحرانيّ عن ابن السكيت: يقال شاركه شِركة عنان، وذلك إذا اشتركا في مالٍ معلوم وبانَ كلُّ واحدٍ منهما بسائر ماله دونَ صاحبه، وكأنّ أصله أنَّه عنّ لهما شيءٌ فاشتركا فيه، أي عَرَض.
قال: وشاركه شِركة مفاوضة، وذلك أن يكون مالُهما جميعًا من كلّ شيءٍ يملكانه بينهما.
وقال غيره: سمِّيت شركة العنان عنانًا لمعارضة كل واحدٍ منهما صاحبه بمالٍ مثل مال صاحبه، وعَملٍ فيه مثلِ عمله بيعًا وشراء.
يقال عانّه عِنانًا ومُعانّةً، كما يقال عارضه يعارضه عِراضًا ومعارضة.
والعَنن: الاعتراض، اسمٌ من عَنّ.
قال ابن حلِّزة:
عَننًا باطلًا وظلمًا كما تُع *** تر عن حَجرة الربيض الظباءُ
وسمِّي عِنانُ اللجام عنانًا لاعتراض سَيْرَيه على صفحتي عنق الدّابة عن يمينه وشماله.
قلت: والشِّركة شركتان: شركة العنان وشركة المفاوضة.
فأمّا شِركة العِنَان فهو أن يُحضر كلُّ واحدٍ من الشريكين دنانير أو دراهم مثل ما يُخرج الآخر وَيخلطانها ويأذن كلُّ واحدٍ منهما لصاحبه بأنْ يتّجر فيه، ولم يختلف الفقهاء في جواز هذه الشركة وأنهما إنْ ربحا فيما تجَرا فيه
فالربح بينهما، وإن وُضِعا فعلى رؤوس أموالهما.
وأما شركة المفاوضة فأن يشتركا في كل شيءٍ يملكانه أو يستفيدانه من بعد.
وهذه الشركة عند الشافعية باطلة.
أبو عبيد عن الكسائي: أعننت اللجامَ، إذا علمتَ له عِنانًا.
وقال يعقوب بن السكيت: قال الأصمعي: أعننت الفرس وعَنَنته، بالألف وغير الألف، إذا عمِلت له عنانًا، وأهل العراق يقولون: أعَنَ الفارسُ، إذا شدَّ عنانَ دابّته إليه ليَثنِيَه عن السير، فهو مُعِنَ وعَنَ دابّته عَنًّا: جعل لها عِنانا.
وجمع العِنان أعِنّة.
والعَنُون من الدوابّ: التي تُباري في سيرها الدوابَّ فتقدُمها.
قال النابغة
كأنّ الرحلَ شُدَّ به خَذوفٌ *** من الجَونات هاديةٌ عَنونُ
والخَذوف: السَّمينة من حُمر الوحش.
وفي حديث عبد الله بن مسعود أنه قال: «وكان رجلٌ في أرضٍ له إذْ مرّت به عَنَانةٌ تَرَهْيَأُ».
قال أبو عبيد: العَنانة: السحابة، وجمعها عَنانٌ.
قال: وفي بعض الحديث: «لو بلغَتْ خطيئتُه عَنَان السَّحاب».
ورواه بعضهم: «أعنانَ السماء».
فإن كان المحفوظ أعنانَ السماء فهي النَّواحي.
وأعنان كلّ شيءٍ: نواحيه، قاله يونس النحويّ، الواحدُ عَنٌ ومنه يقال: أخذَ في كلِ عَنّ وسَنٍّ وفَنٍّ.
وقال الليث: عَنان السماء: ما عنَ لك منها إذا نظرتَ إليها، أي ما بدا لك منها.
وأما قوله:
جَرَى في عَنانِ الشِّعريينِ الأماعزُ
فمعناه جرى في عِراضها سَرابُ الأماعز حين يشتدُّ الحرُّ.
وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال: يقال عَنَ الرجلُ يعِنُ عَنًّا وعننًا، إذا اعترضَ لك من أحد جانبيك من عنْ يمينك أو من عن شمالك بمكروه.
قال: والعَنّ المصدَر، والعَنَن اسم، وهو الموضع الذي يَعِنّ فيه العانّ.
قال: وسمِّي العِنان من اللجام عِنانًا لأنه يعترضُه من ناحيتيه ولا يدخل فمَه منه شيء.
قال: وسمِّي عُنوان الكتاب عنوانًا لأنه يعِنُ له من ناحيتيه.
قال: وأصله عُنَّان، فلما كثرت النونات قلبت إحداها واوًا.
قال: ومن قال عُلوان جعل النونَ لامًا؛ لأنّها أخفّ وأظهر من النون.
قال: ويقال للرجل الذي لا يصرِّح بالشيء بل يعرِّض: قد جعل كذا وكذا عنوانًا لحاجته.
ومنه قول الشاعر:
وتعرف في عنوانها بعضَ لحنها *** وفي جوفها صمعاء تحكي الدَّواهيا
قال: وكلَّما استدللت بشيء تُظْهِره على غيره فهو عنوانٌ له.
وقال حسان بن ثابت يرثي عثمان رَحِمه الله:
ضحَّوا بأشمطَ عُنوانُ السُّجودِ به *** يقطِّع الليل تسبيحًا وقرآنا
قال: ويقال للحظيرة من الشجر يحظَّر بها على الغنم والإبل في الشتاء للتتذرى بها
من برد الشَّمَال عُنّة.
وجمعها عُنَنٌ وعِنان، مثل قُبّة وقباب.
قال: وسمِّي العِنِّينُ عِنّينًا لأنه يعنّ ذكرهُ لقبل المرأةِ من عن يمينه وعن شماله فلا يقصده.
قال: وعَنَنتُ الكتابَ، وعَنَّنته، وعلونتُه بمعنًى واحد.
أبو عبيد عن الأمويّ: امرأة عِنّينة، وهي التي لا تريد الرجال.
قال أبو عبيد: وقال الأحمر: عنونت الكتاب وعنّنته.
وقال اللِّحياني: عنّنت الكتاب تعنينًا، وعنَّيتُه تعنيةً، إذا عنونته.
وقال غيره: فلانٌ عَنّانٌ على آنف القوم، إذا كان سباقًا لهم.
وفلانٌ عنّانٌ عن الخير وخَنَّاسٌ وكزَّام، أي بطيءٌ عنه.
وعنعنة بني تميم: إبدالهم الهمزة عينًا، كما قال ذو الرمَّة:
أعَنْ توسَّمتَ مِن خَرقاء منزِلةً *** ماءُ الصبابة من عينيكَ مسجُومُ
وقال جرانُ العود:
فما أُبن حتّى قُلْنَ يا ليت عَنَّنا *** ترابٌ وعَنَ الأرضَ بالناس تخْسَفُ
وقال الفراء: لغة قريش ومن جاورهم أنَّ، وتميم وقيس وأسدٌ ومن جاورَهم يجعلون ألف أنَّ إذا كانت مفتوحة عينًا، يقولون: أشهد عَنَّك رسولُ الله، فإذا كسروا رجَعوا إلى الألف.
قال: العرب تقول: لأَنَّك تقول ذاك، ولَعَنَّك تقول ذاك، معناهما لعلَّك.
ويقال ملأ فلانٌ عِنَان دابّته، إذا أعداه وحَمَله على الحُضْر الشديد.
وأنشد ابن السكيت:
حرف بعيد من الحادي إذا ملأت *** شمسُ النهار عِنانَ الأبْرَقِ الصَّخِبِ
قال: أراد بالأبرق الصَّخِب الجندب.
وعِنانه: جَهده.
يقول: يَرمَضُ فيستغيث بالطيران فتقع رجلُه في جناحيه فتسمع لهما صوتًا.
وليس صوته من فيه؛ ولذلك يقال صرَّ الجندب.
وللعرب في العِنان أمثال سائرة.
يقال: ذَلّ عنانُ فلان، إذا انقاد.
وفلانٌ أبيُ العِنان، إذا كان ممتنِعا.
ويقال أَرْخِ من عِنانه، أي رفِّه عنه.
وهما يجريانَ في عِنانٍ إذا استَويا في فضلٍ أو غيره.
وقال الطرمَّاح:
سيعلم كلُّهم أني مُسِنٌ *** إذا رفَعوا عنانًا عن عِنانِ
المعنى سيعلم الشعراء كلُّهم أني قارِح.
وجرى الفرسُ عِنانًا، إذا جرى شوطًا.
ويقال: اثنِ عليَ عنانَه، أي رُدَّه عليّ وثنيت على الفرس عِنانَه، إذا ألجمتَه.
وقال ابن مُقبل يذكر فرسًا:
وحاوطني حتَّى ثنيتُ عنانَه *** على مُدبر العِلْباء ريانَ كاهلُه
حاوَطني، أي داورني وعالجني.
ومدبِر عِلبائه: عنقه.
أراد أنّه طويل العنق، في علبائه إدبار.
ويقال للرجل الشريف العظيم السُّودَد: إنه لطويل العنان.
وفرسٌ طويل العنان، إذا ذُمَّ بقصر عنقه.
فإذا قالوا قصير العِذار فهو
مدحٌ، لأنه وصف حينئذٍ بسعة جَحفلته.
ويقال امرأة معنَّنة، إذا كانت مجدولةً جدلَ العنان، غيرَ مسترخية البطن.
ورجل مِعَنٌ، إذا كان عِرِّيضًا مِتْيَحا.
وامرأة مِعَنّة: تعتَنُ وتعترض في كل شيء.
وروي عن بعض العرب أنه قال:
إنَّ لنا لكَنَّهْ *** مِعَنَّةً مِفَنَّهْ
سِمعنَّةً نِظرَنَّه
أي: تعتنُ وتفتنُّ في كل شيء.
ويقال: إنّه ليأخذ في كل عَنٍ وفنٍّ، بمعنًى واحد.
وسمِعتُ العربَ تقول: كُنَّا في عُنَّةٍ من الكلأ وفُنّة، وثُنة، وعانكة من الكلأ، بمعنًى واحد، أي كنا في كلأ كثير وخِصب.
ابن شميل: العانُ، من صفة الجبال: الذي يعتَنُّ لك في صَوبِك ويقطع عليك طريقك.
يقال: بموضِع كذا عانٌ يعتنُّ للسالك.
ثعلبٌ عن ابن الأعرابي قال: العُنُن: المعترضون بالفضول، الواحد عانٌ وعَنُون.
قال: والعُنُن جمع العِنِّين وجمع المعنون أيضًا.
ويقال عُنَ الرجل وعُنِّن وعُنِنَ وأُعْنِنَ، فهو عَنِين مَعنونٌ مُعَنٌ مُعَنّن.
قال والتعنين: الحبس في المطبق الطويل.
عمرو عن أبيه: يقال للمجنون: معنون ومهروع، ومخفوع، ومعتوه، وممتوه، ومُمَتّهٌ، إذا كان مجنونًا.
قال ابن الأعرابي: لعنّك لبني تميم.
قال: وبنو تيم الله بن ثعلبة يقولون: رَعَنَّك تقول ذاكَ ولغَنَّك، بمعنى لعلَّك، بالغين.
وقال الليث: العُلوان لغة في العنوان غير جيّدة.
قال: ويقال عننت الكتابَ عنًّا.
قال: وعَنْونته.
قال: وهو فيما ذُكر مشتقٌ من المعنى.
قال: وعَنّيتُه تعنيةً، كلُّها لغات.
وقال النحويون: «عن» حرفُ صفةٍ، وهو اسم.
و «مِن» من الحروف الخافضة.
والدليل على ذلك أنك تقول أتيته من عن يمينه ومن عن شماله، ولا تقدم «عَنْ» على «مِن».
وقال الشاعر:
من عن يمين الحُبَيَّا نظرةٌ عَجَل
وتقول: أخذت الشيء منه، وحدّثني فلان عن فلان.
ويقال تنحَّ عني وانصرفْ عنّي، وخذ منه كذا وكذا.
وقال أبو زيد: العرب تزيد عنك في كلامها، يقال: خذ ذا عنك، المعنى خذ ذا، و «عنك» زيادة.
وقال الجعديّ يخاطب ليلى:
دَعي عنكِ تَشتامَ الرجال وأقبلي *** علَى أذلغيّ يملأ استكِ فيشلا
أراد يملأ استَك فيشلةً، فخرج فيشلًا نصبًا على التفسير.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
139-تهذيب اللغة (عف)
عف: أبو عبيد: العُفافة: بقيّة اللبن في الضرع بعدما يُمتَكُّ أكثره.قال: وهي العُفّة أيضًا.
وقال الأعشى:
وتَعادَى عنه النهارَ فما تع *** جوه إلّا عُفافةٌ أو فُواقُ
وقال غيره العُفافة: القليل من اللبن في الضَّرع قبل نزول الدِّرّة.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن سلمة عن الفراء قال: العُفافة: أن تأخذ الشيء بعد الشيء، فأنت تعتفُّه.
وروى عمرو عن أبيه: العَفْعَف: ثمر الطَّلح.
وقال أبو زيد: العُفافة: الرَّمث يرضعه الفصيل في قول بعضهم.
قال: وبعضهم يقول: العُفافة أن تترك الناقةُ على الفصيل بعد ما ينفض ما في ضرعها فتجمع له اللبنَ فُواقًا خفيفًا.
وقال ابن الفرج: يقال للعجوز عُفّة وعُثّة.
قال: والعُفّة: سمكة جرداء بيضاء صغيرة إذا طُبخت فهي كالأرُزّ في طعمها.
ويقال عفّ الإنسان عن المحارم يَعِفُ عِفّةً وعَفافًا، فهو عَفيفٌ وجمعه أعِفّاء، وامرأة عفيفة الفرج ونسوةٌ عفائف.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
140-تهذيب اللغة (عب)
وروى أبو العباس عن عمرو عن أبيه أنه قال: العبُ أن يشرب الماء دغرقة بلا غَنْث.والدغرقة: أن يصبَّ الماءَ مرةً واحدة.
والغَنْث: أن يقطّع الجَرْع.
وقال الشافعيّ: الحَمَام من الطَّير: ما عبّ وهدَر.
وذلك أنّ الحمام يعُبُ الماء عبًّا ولا يشرب كما يشرب سائر الطير نقرًا.
أبو عبيدة: فرسٌ يعبوب: جوادٌ بعيد القَدْر في الجري.
قال: وقال المنتجع: هو الطويل.
وقال ابن الأعرابيّ: اليعبوب: كلُّ جدول ماءٍ سريع الجري، وبه شبّه الفرس اليعبوب.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عنه أنه قال: العُنْبَب: كثرة الماء.
وأنشد:
فصبّحتْ والشَّمس لم تَقضَّبِ *** عينا بغضيانَ ثجوجَ العُنْبَبِ
قلت: عُنبَب فُنْعَل من العبّ، والنون ليست بأصلية، وهي كنون عُنْصَل وجندب.
عمرو عن أبيه: العَبعَبة: الصُّوفة الحمراء.
وقال ابن الأعرابي: العَبعَب: كساءٌ مخطَّط.
وأنشد:
تخلُّجَ المجنونِ جَرَّ العَبعَبا
وقال أبو عمرو فيما روى أبو عبيد عنه: العَبْعَب الشابّ التَّامْ وروى عمرو عن أبيه: العَبعَب: نَعْمة الشّباب.
وأخبرني الإيادي عن شِمر أنه قال: العَبعَب والعَبعاب: الطويل من الرجال.
وقال الليث: العَبعَب من الأكسية: الناعم الرقيق.
قلت: ورأيت في البادية ضربًا من الثُّمام يُلْثِي صمغًا حلوًا يُؤخَذ من قضبانه ويؤكل، يقال له لَثَى الثُّمام، فإن أتى عليه الزمانُ تناثرَ في أصول الثُّمام، فيؤخذ بترابه ويجعل في ثوب ويصبُّ عليه الماء ويُشْخَل به ـ أي يصفّى ثم يُغلَى بالنار حتى يخثُر ثم يؤكل.
وما سال منه فهو العبيبة.
وقد تعبَّبتُها أي شربتها.
ويقال: هو يتعبّب النبيذ، أي يتجرَّعه.
وروى محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي أنه قال: العُبَب: عنب الثعلب.
قال: وشجرُهُ يقال له الراء، ممدود.
وقال ابن حبيب: هو العُبَب، ومن قال عِنَب الثعلب فقد أخطأ.
وروى أبو عبيد عن الأصمعي أنه قال: الفَنا مقصور: عنب الثعلب.
فقال عنبٌ ولم يقلْ عُبَب.
وقد وجدتُ بيتًا لأبي وجزة السعديّ يدلُّ على قول ابن الأعرابيّ، وهو قوله:
إذا تربَّعتِ ما بينَ الشُّريف إلى *** أرض الفَلَاح أولاتِ السَّرح والعُبَبِ
وفي حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّ الله عزوجل وضَعَ عنكم عُبِّيَّة الجاهلية وتعظُّمَها بآبائها».
أبو عبيد: العُبِّيَّة والمِبِّيّة: الكِبْر.
قلت: ولا أدري أهو فعليّة من العَبّ، أم هو من العَبْوِ وهو الضوء.
أبو عبيد: العُباب: معظَم السيل وارتفاعه وكثرته.
عمرو عن أبيه: عبعَبَ، إذا انهزم.
قال: وعُبَ الشيء، إذا شُرِب.
وعَبَ، إذا حسُن وجهُه بعد تغيُّر.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: عُبْ عُب، إذا أمرتَه أن يستتر.
وفي «نوادر الأعراب»: رجلٌ عَبعابٌ قبقاب، إذا كان واسعَ الحلق والجوف جليلَ الكلام.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: العُبُب: المياه المتدفّقة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
141-تهذيب اللغة (عم)
قال أبو عبيد: العُمُ: التامّة في طولها والتفافها، واحدتها عميمة.قال: ومنه قيل للمرأة عميمة إذا كانت وثيرة.
وأنشد للبيد في صفة نخيل طالت:
سُحُق يمتِّعها الصَّفا وسَرِيُّه *** عُمٌ نواعم بينهنَّ كروم
الصَّفا: نهر بالبحرَين.
والسريّ: خليجٌ ينخلج منه.
ويقال: اعتمَّ النبتُ اعتمامًا، إذا التفّ وطال.
ونبتٌ عميم.
وقال الأعشى:
مؤزَّرٌ بعَميمِ النبت مُكتهِلُ
وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت قال: العَمُّ الجماعة من الحيّ.
والعمّ: أخ الأب.
والعَمَم: الجِسم التامّ، يقال: إنّ جسمَه لعَممٌ، وإنّه لعَمَمُ الجِسم.
ويقال استوى شبابُ فلانٍ على عَمَمه وعُمُمِه، أي على طوله وتمامه.
أبو عبيد عن أبي عمر قال: العماعم: الجماعات، واحدها عَمٌّ على غير قياس.
قال أبو عبيد: وقال الكسائيّ: استعمَّ الرجلُ عَمًّا، إذا اتخذَ عَمًّا.
قال: وقال أبو زيد: يقال تعمَّمتُ الرجل، إذا دعوته عَمًّا.
ومثله تخوَّلتُ خالًا.
ويجمع العمّ أعمامًا وعُمومًا وعُمومة.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشدَهُ:
عَلَامَ بنَتْ أختُ اليرابيع بيتَها *** عليَّ وقالت لي بليلٍ تعمَّمِ
معناه أنّه لما رأت الشيبَ برأسه قالت له: لا تأتنا خِلْمًا ولكن ائتِنا عَمًّا
الحرّاني عن ابن السكيت: يقال هما ابنا عَم ولا يقال هما ابنا خال، ويقال هما ابنًا خالة ولا يقال ابنا عمة.
وفي حديث عروة بن الزُّبير أنه ذكر أُحَيحةَ بن الجُلَاح وقولَ أخواله فيه: «كنّا أهلَ ثُمِّهِ ورُمِّه، حتى استوى على عُمُمِّه» قال: قال أبو عبيد: قوله «حتى استوى على عُممِّه» أراد على طوله واعتدال شبابه، يقال للنبات إذا طال: قد اعتمّ.
وقال شمر: قال أبو منجوف: يقال قد عَمَّمناك أمرنا، أي ألزمناك.
قال شمر: والمعمَّم: السيّد الذي يقلّده القومُ أمورَهم، ويلجأ إليه عوامُّهم.
وقال أبو ذؤيب الهذليّ:
ومن خير ما جمع الناشىء ال *** معمَّم خِيرٌ وزندٌ وَرِيُ
قال: والعَمَمُ من الرجال: الكافي الذي يعمُّهم بالخير.
وقال الكميت:
بحر جريرُ [بن شقٍ] من أرومته *** وخالدٌ من بنيه المِدره العممُ
قال: والعمم أيضًا في الطُّول والتمام.
وقال أبو النجم:
وقَصَب رؤد الشبابِ عَمَمُه
وقال ابن الأعرابيّ: خَلْق عَمَمٌ، أي تامّ.
وفي حديث عطاء: «إذا توضَأتَ فلم تعمُمْ فتيمَّم»، قال شمر: قوله «فلم تعمُمْ»، يقول: إذا لم يكن في الماء وضوءٌ تامٌّ فتيمَّم.
وأصله من العموم.
ثعلب عن ابن الأعرابي: عُمَّ، إذا طُوّل.
وعَمَّ، إذا طال.
قال: وعمعم الرجُل، إذا كثُر جيشُه بعد قلّة.
ومن أمثالهم: «عَمَّ ثؤباءُ الناعسِ»، يضرب للحدَث يحدُث ببلدة ثم يتعدّاه إلى سائر البُلدان.
وأصله أن الناعسَ يتثاءب في المجلس فيُعدى ثؤباؤه أهلَ مجلسِه.
ويقال رجل عُمِّيّ ورجلٌ قُصريّ.
فالعُمّيّ:
العامّ، والقُصريّ: الخاصّ.
والعِمامة من لباس الرأس معروفة، وجمعها العمائم.
وقد تعممّها الرجل واعتمّ بها.
وإنه لحسَن العِمَّة.
وقال ذو الرمة:
واعتمَّ بالزَّبد الجَعْد الخراطيمُ
والعرب تقول للرجل إذا سُوِّد: قد عُمِّم.
وذلك أنَّ العمائم تيجانُ العرب.
وكانوا إذا سوّدوا رجلًا عمَّموه عمامةً حمراء.
ومنه قول الشاعر:
رأيتُك هرَّيتَ العمامةَ بعدما *** رأيتكَ دهرًا فاصعًا لم تعصَّبِ
وكانت الفرسُ إذا ملّكت رجلًا توّجوه، فكانوا يقولون للملك مَتوّج.
وقال أبو عبيدة: فرسٌ معمَّم، إذا انحدرَ بياض ناصيته إلى منبتها، وما حولها من الرأس والناصية معمَّم أيضًا.
قال: ومن شيات الخيل: أدرعُ معمَّم، وهو الذي يكون بياضُه في هامته دون عنقه.
والعرب تقول رجلٌ مُعَمٌّ مُخْوَلٌ، إذا كان كريم الأعمام والأخوال، ومنه قول امرىء القيس:
بجيدِ مُعَمٍّ في العشيرة مُخْوَلِ
وقال الليث: يقال فيه مُعِمٌّ مُخْوِل أيضًا.
قلت: ولم أسمعه لغيره، ولكن يقال رجل مِعَمٌّ مِلَمٌّ، إذا كان يعمُّ الناسَ فضلُه ومعروفُه ويَلُمّهم، أي يجمعهم ويصلح أمورَهم.
وقال الليث: العامّة: عيدانٌ يُشَدُّ بعضُها إلى بعض ويُعبَر عليها.
قلت: خفّف ابنُ الأعرابي الميم من العامَة بمعنى المِعْبَر، وجعله مثل هامة الرأس وقامَة العَلَق، في حروفٍ مخفّفة الميم، وهو الصواب.
وقوله الله عزوجل: {عَمَّ يَتَساءَلُونَ} [النّبَإِ: 1] أصله عن ما يتساءلون، فأدغمت النون من عن في الميم من ما وشُدِّدتَا ميمًا، وحذفت الألف فرقًا بين الاستفهام والخبر في هذا الباب.
والخبرُ كقولك: عما أمرتك به، المعنى عن الذي أمرتك به.
وأما قول ذي الرّمّة:
بَراهنّ عما هنّ إما بَوادىءٌ *** لحاجٍ وإما راجعاتٌ عوائدُ
فإن الفراء قال: ما صلة، والعين مبدلة من ألف أنْ.
المعنى براهنّ يعني الركاب أنْ هن إمّا بَوادىءُ لحاجة في سفر مبتدأ، وإما أن عُدْن راجعات من السفر، وهي لغة تميم، يقولون عن هُنّ.
وأما قول الآخر يخاطب امرأة اسمها عَمَّى:
فقِعدَكِ عَمَّى الله هلَّا نعيتِهِ *** إلى أهل حيٍّ بالقنافذ أوردوا
فإنّ عَمَّى اسم امرأة، أراد يا عَمَّى.
وقِعدَكِ والله يمينان.
وقال المسيّب بن علَس يصف ناقة:
ولها إذا لحِقتْ ثمائلها *** جَوزٌ أعمُّ ومِشفَرٌ خَفِقُ
قال أبو عمرو: الجَوز الأعمّ: الغليظ التامّ.
والجوز: الوسط.
قال: ومِشفَرٌ خَفِق: أهدَلُ، فهو يضطرب إذا عَدَتْ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
142-تهذيب اللغة (عهق)
عهق: قال الليث: العهيقة: النشاط.وأنشد:
إنّ لرَيعان الشباب عَيهقا
قلت: الذي سمعناه من الثقات الغَيْهقة بالغين معجمة، بمعنى النشاط.
وأخبرني أبو الفضل المنذريّ عن أبي الحسن الصَّيداويّ عن الرياشيّ عن أبي عبيدة قال: الغَيهق: النشاط، بالغين.
وأنشد:
كأنّما بي مِن إرانِي أَولَقُ *** وللشَّباب شِرَّةٌ وغيهق
قال: فالغَيهق بالغين محفوظ صحيح، وأما العيهقة بالعين فإني لا أحفظها لغير الليث، ولا أدري أهي لغةٌ حفظت عن العرب، أم العين تصحيف.
والله أعلم.
ورُوي عن أبي عمرو أنه قال: العِيهاقُ: الضَّلال.
ولا أدري ما الذي عوهقَك، أي الذي رمَى بك في العِيهاق.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: العَوهق: الخُطّاف.
والعَوهق: الغراب الجبليّ، ويقال هو الشِّقِرّاق.
وقال أبو عبيدة: العوهق: اللازَوَرْد الذي يُصبغ به.
والعوهق من شجر النَّبْع الذي يتخذ منه القسيُّ أجودُه.
وأنشد لبعض الرجاز يصف قوسًا:
وكلّ صفراءَ طَروحٍ عَوهقِ
والطَّروح من القسي: التي تُبعِد السهمَ إذا رُمِي به عليها.
وقال الليث: العوهق: الغراب الأسود الجسيم.
والعوهق: اسم جمل للعرب نُسبت إليه النجائب.
وقال رؤبة:
قوراء فيها من بنات العَوْهَق
قال: والعوهق لونٌ كلون السماء مُشرَبٌ سوادًا.
قال: والعوهقانِ: كوكبان بحذاء الفرقدين على نسقٍ طريقتهما مما يلي القطب.
وأنشد:
بحيث باري الفرقدانِ العوهقا *** عند مَسَكِّ القطبِ حيث استوسقا
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ في موضعٍ آخر قال: الغَقَقَة العواهق.
قال: وهي الخطاطيف الجبلية.
والعوهق أيضًا: اللازورد.
والعوهق: لون الرماد.
قلت: وكلُّ ما ذكرت في العوهق من الوجوه صحيح بلا شكّ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
143-تهذيب اللغة (عضه)
عضه: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا أنبئكم ما العِضَهُ؟».قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: «هي النَّميمة».
قال أبو عبيد: وكذلك هي في العربية.
وأنشد قوله:
أعوذُ بربي من النافثا *** ت في عُقَد العاضه المُعْضِه
وفي حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إياكم والعِضَهَ، أتدرون ما العِضَه؟ هي النميمة».
وروى الليث في كتابه «لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم العاضهة والمستعضهة»، وفسره: الساحرة والمستسحرة.
وروى أبو عبيد عن الكسائيّ أنه قال: العِضَهُ الكذب، وجمعه عِضُونَ، وهو من العضيهة.
قال: ويقال: يا لِلعضيهة،
وياللأَفيكة، ويا لِلْبَهِيتة.
قال شمر وغيره من النحويِّين: كسرت هذه اللام على معنى اعجبوا لهذه العضيهة.
وإذا نُصِبت اللام فمعناها الاستغاثة، يقال ذلك عند التعجُّب من الإفك العظِيم.
وأما قول الله جلّ وعزّ: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحِجر: 91] فقد اختلف أهل العربية في اشتقاق أصله وتفسيره: فمنهم من قال واحدها عِضَة، وأصلها عِضْوة، من عضَّيتُ الشيء، إذا فرَّقتَه، جعلوا النُّقصانَ الواو.
المعنى أنَّهم فرَّقوا ـ يُعنَى المشركون ـ أقاويلَهم في القرآن، أي فجعلوه مرّةً كَذِبًا، ومرّة سِحرًا، ومرّةً شعرًا، ومرة كِهَانة.
ومنهم من قال: أصل العِضَة عِضْهة، فاستثقلوا الجمعَ بين هاءين فقالوا عِضَة، كما قالوا شَفَة والأصل شَفْهة، وكذلك سَنَة وأصلها سَنْهة.
وقال الفراء: العِضُون في كلام العرب السِّحر، وذلك أنّه جعله من العِضْه.
وروي عن عكرمة أنه قال: العِضْهُ السِّحر بلسان قريش.
وهم يقولون للساحر عاضه.
والكسائي ذهب إلى هذا.
وروى أبو عبيد عن أبي عبيدة أنه قال: الحيّة العاضِهُ والعاضهة: التي تقتُل إذا نهست من ساعتها.
وقال ابن السكيت: العضيهة: أن تعضه الإنسانَ وتقولَ فيه ما ليس فيه.
قال: وإذا كان البعير يرعى العِضاهَ قلت بعيرٌ عَضِهٌ.
وإذا نسبت إلى العضاه قلت عِضاهيٌ.
قال: وأرضٌ مُعضِهة: كثيرة العِضاه.
وأنشد:
وقرَّبوا كلَّ جُماليٍ عَضِهْ
قلت: واختلفوا في عضاه الشجر.
فأمّا النحويون فإنهم يقولون: العضاهُ من الشجر: ما فيه شوك.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: العضاه واحدها عِضَة، ويقال عِضَهٌ، ويقال عِضْهة.
قال: وهي كل شجرة جازت البقول كان لها شوك أو لم يكن.
قال: والزَّيتون من العِضاه.
أبو عبيد عن الأصمعيّ أنه قال: العِضاه كلُّ شجرٍ له شوك.
قال: ومِن أعرفِ ذلك الطَّلح، والسَّلَم، والعُرفُط.
وروى ابن هانىء عن أبي زيد أنه قال: العِضَاهُ اسمٌ يقع على شجرٍ من شجر الشوك له أسماءٌ مختلفة يجمعها العِضاه.
قال: وواحد العِضاه عضاهة وعِضْهة وعِضَة.
قال: وإنّما العضاه الخالصُ منه ما عظُم واشتدَّ شوكه.
قال: وما صغُر من الشوك فإنّه يقال له العِضُّ والشِّرس.
قال: والعِضُّ والشِّرس لا يُدعَيانِ عِضاهًا.
قلت: وقد مرَّ هذا في باب العض بأكثر من هذا الشرح.
ومن أمثال العرب: «فلان ينتجب عِضاهَ فلان»، معناه أنّه ينتحل شِعره والانتجاب: أخذ النَّجَب من الشجر، وهو قِشره.
ومن أمثالهم السائرة:
ومن عِضَةٍ ما يَنْبُتنَّ شَكيرُها
وهو كقولهم.
«العصا من العُصَيّة» وقال الشاعر:
إذا مات منهم ميِّتٌ سُرِق ابنُه *** ومن عِضَةٍ ما يَنبتنَّ شكيرها
يريد أنّ الابنَ يشبه الأبَ، فمن رأى هذا ظنّه هذا، فكأنَّ الابن مسروق.
والشَّكير: ما ينبُت في أصل الشجرة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
144-تهذيب اللغة (عهد)
عهد: وفي الحديث أن عجوزًا زارت النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فأقبل عليها وتخفَّى بها، فعاتّبتْهُ عائشةُ في إقباله عليها فقال: «إنها كانت تأتينا أزمانَ خديجة، وإنَّ حُسْنَ العهد من الإيمان».قال أبو عبيد: العهد في أشياء مختلفة: فمنها الحِفاظ ورعاية الحرمة، وهو هذا الذي في هذا الحديث.
قال: ومنها الوصيّة، كقول سعد حين خاصم عَبْدَ بنَ زَمْعة في ابن أمَة زمْعة فقال: «هو ابن أخي، عَهِدَ إلىَّ فيه أخي»، أي أوصى.
قال: ومنه قول الله جلّ وعزّ: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ} [يس: 60] يعني الوصيّة.
قال: والعَهد: الأمان، قال الله جلّ وعزّ: {لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البَقَرَة: 124]، وقال: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ} [التّوبَة: 4].
قال: ومن العهد أيضًا اليمين يحلفُ بها الرجل يقول: عليّ عهدُ الله.
قال: ومن العهد أيضًا أن تَعهد الرجلَ على حالٍ أو في مكان فتقول: عَهدي به في مكانٍ كذا وكذا، وبحالِ كذا وكذا.
قال: وأما قول الناس: أخذتُ عليه عَهد الله وميثاقَه، فإن العهدَ هاهنا اليمين، وقد ذكرناه.
قلت: والعهد: الميثاق، ومنه قول الله جلّ وعزّ: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ} [النّحل: 91].
وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال: العَهْد: جمع العَهْدة، وهو الميثاق واليمين التي تستوثق بها ممّن يعاهدك؛ وإنَّما سمّي اليهودُ والنصارى أهل العهد للذمّة التي أُعطُوها والعُهْدة المشترطة عليهم ولهم.
قال: والعهد والعهدة واحد.
تقول: برئتُ إليك من عُهدة هذا العبد، أي مما يدركك فيه من عيبٍ كان معهودًا فيه عندي قال: ويقال استعهَدَ فلانٌ من فلان، أي كتب عليه عُهدة وأنشد لجرير يهجو الفرزدقَ حين تزوّجَ بنتَ زِيق:
وما استعهدَ الأقوامُ من ذي خُتونةٍ *** من الناس إلّا منك أو من مُحاربِ
قال: وإنّما قيل «وليّ العهد» لأنه وليّ الميثاق الذي يؤخذ على مَن بايَعَ الخليفة.
قال: والعَهدة، بفتح العين: أوّل مطرٍ، وجمعُها العِهاد.
والوَلِيّ: الذي يليها من الأمطار، أي يتّصل بها من الأمطار.
قال: والعَهْد: ما عهدتَه فثافنتَه.
تقول: عهدي بفلانٍ وهو شابٌّ، أي أدركته فرأيته كذلك.
وكذلك المَعْهَد.
وقال الليث: المعهَد: الموضع الذي كنتَ عهِدتَه أو عهِدتَ به هوًى لك.
والجميع المعاهد.
قال: والمعاهَدة والاعتهاد والتَّعاهُد والتعهُّد واحد، وهو إحداث العهد بما عهِدته.
شمر عن ابن الأعرابي قال: العِهاد: أوائِلُ الوسميّ، واحدها عَهد.
وقال أبو زيد: العَهْد المطر الأوّل، وجمعها العِهاد.
يقال أرضٌ معهودة، إذا عمَّها المطر.
قال: والأرض المعهَّدة تعهيدًا: التي تصيبها النُّفضة من المطر.
والنُّفضة: المَطْرة تصيب القطعة من الأرض وتخطىء القطعة.
يقال أرض منفّضة تنفيضًا.
وقال ابن شُميل: يقال متى عهدُك بفلان؟ أي متى رؤيتك إيّاه؟ وعَهده: رؤيته ويقال
أنا أُعهِدُك من هذا الأمر، أي أنا كفيلك وأنا أُعهدك من إباقِه، أي أُبرِّئك من إباقه.
وقال أبو عبيد: قال الأحمر: يقال في كراهة المعايب: «المَلَسَى لا عُهدة له»، قال أبو عبيد: معناه أنّه خرجَ من الأمر سالمًا وانقصَى عنه، لا له ولا عليه.
قلت: وفسّره غيره فقال: المَلَسَى أن يبيع الرجلُ سلعةً يكون قد سرقَها فيمَّلِسُ ويغيب عن مشتريها ساعةَ يقبض ثمنها، فإن استُحقّت في يدَي المشتري لم يتهيَّأ له أن يتبع البائع بضمان عهدتها، لأنه امَّلسَ هاربًا واستخفى.
وعُهدتها: أن يبيعَها وبها عيبٌ تُردُّ من مثله، أو يكون فيها استحقاقٌ لمالكها، والمَلَسَى ذَهابٌ في خُفية، كأنها صفةٌ لفَعْلته.
وقال اللِّحياني: يقال في عقله عُهدةٌ، أي ضعف.
وفي خطِّه عُهدة، إذا لم يُقِم حروفَه.
وقال أبو سعيد: العَهِد: الذي يحبُّ الولايات والعهود.
وقال الكميت:
نامَ المهلَّب عنها في إمارته *** حتى مضَت سَنَةٌ لم يَقْضِها العَهِدُ
قال: وكان المهلَّب يحبُ العهود.
وأنشد أبو زيد:
فهنَّ مُناخاتٌ يُجلَّلنَ زينةً *** كما اقتانَ بالنَّبت العِهادُ المحوَّف
قال أبو مالك: المحوَّف الذي قد نبتت حافاتُه، واستدار به النبات.
والعِهاد: مواقع الوسميّ من الأرض.
وقال النضر بن شميل: قال الخليل بن أحمد: فَعَلَ له معهود ومشهود وليس له موعُود.
قال: مشهود يقول هو الساعةَ، والمعهود ما كان من أمس، والموعود ما يكون غدًا.
أبو حاتم عن أبي زيد: تعهدّت ضيعتي وكلّ شيء، ولا يقال تعاهدت.
قلت: وقد أجاز الفرّاء تعاهدت، رواه عنه ابن السكيت.
ويقال: عاهدتُ الله ألّا أفعل كذا وكذا.
ومنه الذميُ المعاهَد الذي أُومنَ على شُروط استُوثِقَ منه بها، وعلى جزيةٍ يؤدِّيها، فإن لم يفِ بها حلَّ سفكُ دمه.
وقال أبو زيد: من أمثالهم: «متى عهدُك بأسفلِ فيك»، وذلك إذا سألتَه عن أمرٍ قديم لا عهدَ له به.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُقتل مؤمنٌ بكافر، ولا ذو عهدٍ في عَهْدِه»، معناه لا يقتل مؤمنٌ بكافرٍ بتّةً لأنهما غير متكافىء الدم، وإنّما يتكافأ دماء المؤمنين.
ثم قال: ولا يقتل ذو العهد من الكفّار، أي ذو الذمّة والأمان، ما دامَ على عهده الذي عُوهِد عليه، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل المؤمن بالكافر، أيَّ كافر كان.
ونهى عن قتل الذمّي المعاهَد الثابت على عهده.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
145-تهذيب اللغة (عهر)
عهر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الولد للفِراش وللعاهر الحجر»، العاهر: الزاني.قال أبو زيد: ويقال للمرأة الفاجرة عاهرة، ومُعاهِرة، ومسافحة.
وقال أبو عبيد: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «وللعاهر الحجر»، أي لا حقّ له في النسب؛ وهو كقولك: له التُّراب، وبِفيه الأثلَب، أي لا شيء له.
وروى أبو عُمر عن أحمد بن يحيى ومحمد بن يزيد أنهما قالا: يقال للمرأة
الفاجرة العَيهَرَةُ.
قالا: والياء فيها زائدة، والأصل عَهَرة مثل ثمرة.
وأخبرني المنذريّ عن المفضّل بن سلمة أنه قال: لقي عبدُ الله بن صفوان بن أمية أبا حاضرٍ الأسيِّديّ ـ أسيّد بن عمرو بن تميم ـ فراعَه جمالُه فقال له: ممن أنت؟ قال: من بني أسيِّد بن عمرو، وأنا أبو حاضر.
فقال: أُفَّةً لك: عُهيرَةٌ تيّاس.
قال أبو طالب: والعُهَيرة: تصغير العَهِر.
قال: والعَهر: العاهر، وهو الزّاني.
وقال ابن شُميل: قال رؤبة: العاهر: الذي يتبع الشرَّ، زانيًا كان أو سارقا.
وقال الليث: العَيْهرة من النساء: التي لا تستقرُّ نَزَقًا في مكانٍ في غير عِفّة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
146-تهذيب اللغة (خضع)
استعمل من وجوهه: خضع: قال الله جلّ وعزّ: {فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ} [الشُّعَرَاء: 4].أخبرني المنذري عن أبي جعفر الغسّاني عن سَلَمة عن أبي عبيدة، أن يونس أخبره عن أبي عمرو أنه قال: خاضِعِينَ ليس من صفة الأعناق، إنما هو من صفة الكناية عن القوم الذين في آخر الأعناق، فكأنه في التمثيل: فظلَّت أعناق القوم خاضعين، فالقومُ في موضع هم.
وقال الكسائيّ: أراد فظلت أعناقُهم خاضِعِيها هم، كما تقول: يدُك باسطها، تريد أنت، فاكتفيتَ بما ابتدأتَ من الاسم أن تكُرَّه.
قلت: وهذا غير ما قال أبو عمرو.
وقال الفراء: الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون.
فجعلَ الفعلَ أوّلًا للأعناق ثم جعل خاضعين للرجال.
قال: وهذا كما تقول: خضعت لك، فتكتفي من قولك خضعَتْ لك رقبتي.
وقال أبو إسحاق: قال خاضعين وذكّر الأعناق، لأن معنى خضوع الأعناق هو خضوع أصحاب الأعناق، لمَّا لم يكن الخضوع إلّا بخضوع الأعناق جاز أن يخبر عن المضاف إليه، كما قال الشاعر:
رأت مَرَّ السِّنينَ أخذْنَ منّي *** كما أخذَ السِّرارُ من الهلالِ
لمّا كانت السنون لا تكون إلا بمرّ أخبر عن السنين وإن كان أضافَ إليها المرور.
قال: وذكر بعضُهم وجهًا آخر، قالوا: معناه فظلت أعناقهم لها خاضعين هم، وأضمر «هُمْ» وأنشد:
ترى أرباقَهم متقلِّدِيها *** كما صَدِىء الحديدُ على الكُماةِ
قال: وهذا لا يجوز مثلُه في القرآن.
فهذا على بدلِ الغلَط يجوز في الشعر، كأنه قال ترى أرباقهم ترى متقلّديها، كأنه قال: ترى قومًا متقلّدي أرباقهم.
وقلت: وهذا الذي قاله الزجاج مذهب الخليل.
ومذهب سيبويه أنّ بدل الغلط لا يجوز في كتاب الله عزوجل.
قلت: وخضَع في كلام العرب يكون لازمًا وواقعًا، تقول خضعتُه فخضَع ومنه قول جرير:
أعدّ الله للشعراء منّي *** صواعقَ يَخضَعون لها الرقابا
فجعله واقعًا متعديًا.
ويقال خضع الرجلُ رقبتَه فاختضعَتْ وخضَعت.
وقال ذو الرمّة:
يظلُ مختضِعًا يبدو فتنكرهُ *** حالًا ويسطع أحيانًا فينتسبُ
مختضعًا: مطأطىء الرأس.
والسُّطوع: الانتصاب، ومنه قيل للرجلِ الأَعنَق: أسطع.
وفي حديث عمر أن رجلًا في زمانه مرّ برجلٍ وامرأة قد خَضَعا بينهما حديثا، فضربَ الرجلَ حتّى شجَّه، فرُفِع إلى عُمرَ فأهدرَه.
شِمر عن ابن الأعرابي قال: العرب تقول: اللهم إني أعوذ بك من الخُنوع والخضوع.
فالخانع: الذي يدعو إلى السَّوءة، والخاضع نحوه.
وقال رؤبة:
مِن خالباتٍ يختلبن الخُضعا
قال ابن الأعرابي: الخُضَّع: اللواتي قد خضَعن بالقول ومِلْن.
قال: والرجل يخاضع المرأة وهي تخاضعه، إذا خضَع لها بكلام وخضعتْ له فيطمع فيها.
ومن هذا قول الله عزوجل: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزَاب: 32].
وقال الكميت يصف نساءً ذواتِ عفاف:
إذْ هُنّ لا خُضُع الحدي *** ث ولا تكشَّفت المَفاضِل
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الاختضاع: المرّ السريع.
وأنشد في صفة فرسٍ جواد:
إذا اختلط المسيحُ بها تولّت *** بسَومٍ بين جَرْيٍ واختضاعِ
المسيح: العَرق يقول: إذا عرقت أخرجت أفانينَ جَريها.
أبو عبيد: الخَيضَعة: البيضة.
وروى أبو العباس عن الأثرم عن أبي عبيدة قال: يقال لبيضة الحديد الخَيضَعَة، والرّبيعة.
وأنشد:
والضاربون الهامَ فوق الخيضَعَهْ
وقال شمر: قال ابن الأعرابيّ: الخيضعة: الغُبار.
قال: وقال أبو عمرو: هو صوت القتال.
قال: وقال الليث: الخيضعة حيث يخضع الأقرانُ بعضُهم لبعض.
قال: ويقال «للسّيوف خَضَعة»، وهو صوت وقعها.
أبو عبيد عن أبي زيد قال: الخَضِيعة: صَوتٌ يخرج من قنْب الفرس الحِصانِ، وهو الوقيب.
وأنشد:
كأن خَضِيعةَ بطن الجوا *** دِ وعوعةُ الذئب في الفدفدِ
والأخضع من الرجال: الذي فيه جَنَأٌ، وقد خَضِع يخضَع خَضَعًا، فهو أخضَع.
وخضَعت أيدي الكواكب، إذا مالت لتغيب.
وقال ابن أحمر:
تكاد الشمس تخضع حين تبدو *** لهنَّ وما وَبِدنَ وما لُحِينا
وقال ذو الرمة:
إذا جعلت أيدي الكواكب تخضعُ
وخضعت الإبل، إذا جَدَّت في سيرها.
وقال الكُميت:
خواضع في كلِّ ديمومة *** يكاد الظليم بها ينحَلُ
وإنَّما قيل ذلك لأنّها خضعت أعناقَها حين جدّ بها السَّير.
ومنه قول جرير:
ولقد ذكرتكِ والمطيُ خواضعٌ *** وكأنهنّ قطا فلاةٍ مَجهلِ
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
147-تهذيب اللغة (خدع)
استعمل من وجوهه: خدع: قال أبو عبيد: قال أبو زيد: يقال خدعته خدعًا وخديعة.وأنشد قول رؤبة:
فقد أُداهي خِدْعَ مَن تخدَّعا
وأجاز غيره خَدْعًا بالفتح.
وقال أبو الحسن اللحياني: يقال خدعَتِ السوقُ وانخدعت، أي كسدت.
قال: وقال أبو الدِّينار في حديثه: والسُّوق خادعةٌ، أي كاسدة.
قال: ويقال رجل
خدّاع وخَدُوع وخُدَعة، إذا كان خَبًّا.
والخُدْعة: ما يُخدَع به.
وقال أبو عبيد: سمعتُ الكسائيّ يقول الحربُ خُدَعة.
قال: وقال أبو زيد مثلَه خُدَعة.
قال: ورجلٌ خُدْعة، إذا كان يُخدَع.
وروى في الحديث: «الحربُ خَدْعةٌ»، أي ينقضي أمرُها بخَدْعةٍ واحدة وقيل «الحربُ خُدْعة»، ثلاث لغات، وأجودها ما قال الكسائيّ وأبو زيد «خُدَعة».
ويقال: خدَعَتْ عينُ الرجل، إذا غارت.
وخدعَ خَيرُ الرجل، أي قلّ.
وخدعت الضبعُ في وِجارها.
وقال أبو العميثل: خَدَعَ الضبُّ إذا دخَلَ في وجارِه ملتويًا.
وخدَع الثعلب، إذا أخذَ في الرَّوَغان.
ورفعَ رجلٌ إلى عمر ابن الخطّاب ما أهمَّه من قُحوط المطر، فقال له: «خدَعَتِ الضِّباب وجاعت الأعراب».
والخَدُوع من النُّوق: التي تدُرُّ مرَّةً وترفع لبنَها مرّة.
وطريقٌ خَدوع، إذا كان يَبين مرّةً ويخفى أخرى وقال الشاعر:
ومستكرهٌ من دارس الدَّعس داثرٌ *** إذا غفلت عنه العيون خَدوعُ
وقال اللِّحياني: خدعتُ ثوبي خَدْعًا وثنيتُه ثَنْيًا، بمعنى واحد.
وخادعت الرجلَ بمعنى خدعته، وعلى هذا يوجَّه قول الله جلّ وعزّ:
{يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ} [النِّساء: 142] معناه أنهم يقدِّرون في أنفسهم أنهم يخدعون الله والله هو الخادعُ لهم، أي المجازي لهم جزاءَ خداعهم
وقال شمر: روى الأصمعيُّ بيتَ الراعي:
وخادعَ المجدَ أقوامٌ لهم وَرَقٌ *** راحَ العضاهُ به والعرقُ مدخولُ
قال: خادعَ: ترك.
قال شِمر: ورواه أبو عمرو: «وخادعَ الحمد»، قال: وفسَّره أنهم تركوا الحمد، أي أنهم ليسوا من أهله.
وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابيّ قال: الخِداع: المنْع.
والخِداع: الحيلة.
وقال الليث: خادعتُه مخادعةً وخداعًا.
ورجلٌ مخدَّع: خُدِع مرارًا.
قال: والخَيْدع: الرجل الخدوع.
وطريقٌ خَيدعٌ وخادع، وغَوْلٌ خيدع: جائر عن القصد ولا يُفطَن له.
والأخدعان: عِرْقان في صفحتي العنق قد خفيا وبَطَنا.
والأخادعُ الجميعُ.
ورجلٌ مخدوع: قد أصيب أخدعُه.
والمُخْدَع والمِخدع: الخِزَانة.
وأخدعتُ الشيء، إذا أخفيتَه.
ومن أمثال العرب: «أخدع من ضبٍّ حَرشْتَه»، وهو من قولك خدَع منّي فلان، إذا توارى ولم يظهر.
وروى ابن الأنباريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: الخادع: الفاسد من الطعام وغيره.
وأنشد قوله:
إذا الرِّيقُ خَدَعْ
قال أبو بكر: فتأويل قوله جلّ وعزّ: {يُخادِعُونَ اللهَ} [البَقَرَة: 9]: يفسدون ما يُظهرون من الإيمان بما يُضمِرون من
الكفر، كما أفسَد الله نِعَمهم في الدنيا بأن أصارَهم إلى عذاب النار.
وفي حديثٍ مرفوع: «يكون قبل خروج الدجّال سنونَ خَدّاعة»، قال شِمر: السنون الخوادع: القليلة الخير الفواسد.
قال: ويقال السوق خادعةٌ.
إذا لم يُقدَر على الشيء إلّا بغلاء.
قال: وكان فلانٌ يُعطِي فخَدَعَ، أي أمسك ومَنَعَ.
وقال ابن الأعرابيّ: خدع الريقُ أي فسد.
وقال غيره: نقصَ فتغيَّر.
وماءٌ خادعٌ: لا يُهتدى له.
أبو عبيد عن الأحمر: خدعتِ السُّوق، إذا قامت.
وقال الفراء: بنو أسد يقولون: إنَّ السُّوق لخادع، وإن السِّعر لخادع.
وقد خدعَ إذا ارتفع وغلا.
وقال الأصمعي في قوله «سنون خدّاعة»، قال: سنون يقلُّ فيها المطر.
يقال خدعَ المطرُ إذا قلّ، وخدع الرِّيقُ في فمه إذا قلّ.
وقال غيره: الخدّاعة التي يكثُر فيها المطر، ويقلُّ النباتُ والرَّيع.
كأنّه من الخديعة: والتفسير هو الأول.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: الخَدْع: منع الحقّ.
والختم: منع القلب من الإيمان.
قال: والخُدَعة هم ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
ابنُ شميل: رجلٌ مخدَّع، أي مجرَّس صاحب دهاء ومَكْر، وقد خُدِّع.
وأنشد:
أبايع بَيْعًا من أريب مخدّعِ
وإنه لذو خُدْعة، وذو خُدَعاتٍ: أي ذو تجريب للأمور.
وبعيرٌ به خادع وخالع، وهو أن يَزول عَصَبُهُ في وظيف رجله إذا برك.
وبه خُويدِع وخُوَيلع والخادع أقلّ من الخالع.
وفلانٌ خادعُ الرأي، إذا كان متلوِّنًا لا يثبت على رأي واحد.
وقد خدَعَ الدهرُ، إذا تلوَّن.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
148-تهذيب اللغة (خنع)
خنع: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّ أنخعَ الأسماء عند الله أن يتسمَّى الرجلُ باسم مَلِكِ الأملاك»، وبعضهم يرويه: «إن أخنع الأسماء».قال أبو عبيد: فمن رواه أنخع أراد: إن أفتلَ الأسماء وأهلكَها له.
والنَّخْع هو القتل الشديد، ومنه النَّخْع للذبيحة، وهو أن يجوز بالذبح إلى النخاع.
ومن روى «إن أخنعَ الأسماء»، أراد أن أشدَّ الأسماء ذلًّا وأوضعَها عند الله.
والخانع: الذليل الخاضع.
أبو العباس عن سلمة عن الفراء عن الدُّبيرية: يقال للجمل المتَنوِّق مخنَّع وموضَّع.
وأخبرني المنذري عن الصيداويّ عن الرياشيّ: رجل ذو خُنُعات، إذا كان فيه فساد.
وقد خنع فلانٌ إلى الأمر السيّء، إذا مالَ إليه.
ويقال: لقيت فلانًا بخَنْعةٍ فقهرته، أي لقيتُه بخلاء.
ويقال لئن لقيتك بخَنْعة لا تُفلتْ منّي.
وأنشد:
تمنّيت أن ألقى فلانًا بخَنْعةٍ *** معي صارمٌ قد أحدثَتْه صياقلُه
وقال الليث: الخانع: الفاجر.
يقال خَنَع إليها، إذا مال إليها للفجور.
واطّلعتُ منه على خَنْعة، أي على فَجْرة.
وقال الأعشى:
ولا يُرَونَ إلى جارَتهم خُنُعا
وخُنَاعة: قبيلة من هُذيل.
والنَّخَع: قبيلة من الأزد.
وقال أبو زيد: خنَع له وإليه، فهو يَخنع خُنوعًا، إذا ضَرَعَ له وطلب إليه وليس بأهل أن يَطلُب إليه.
وأخنعتْه إليه الحاجةُ، أي اضطرَّتْه، والاسم الخُنْعَةُ.
واطّلعتُ منه على خُنْعة، أي فَجْرة.
قلت: يقال خَنَعةٌ وخُنْعة للفجرة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
149-تهذيب اللغة (قصع)
قصع: في حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه «خطب على ناقة وهي تَقصَع بجِرّتها» قال أبو عبيد: القَصْع: ضمُّك الشيء على الشيء حتّى تقتله أو تهشمه.قال: ومنه قَصْع القملة.
وإنّما قيل للصبيّ إذا كان بطيء الشباب قَصِيع يريدون أنّه مردّد الخلق بعضه إلى بعضٍ فليس يَطُول.
قال:
وقَصْع الجِرَّة: شدّة المضْغ وضمّ بعض الأسنان إلى بعض.
وأخبرني المنذريُّ عن ثعلبٍ عن ابن الأعرابيّ قال: قُصَعة اليربوع وقاصعاؤه: أن يحفر حُفيرةً ثم يسدُّ بابَها بترابها.
وقال الفرزدَق يهجو جريرًا
وإذا أخذتُ بقاصعائك لم تَجِدْ *** أحدًا يُعِينُك غيرَ من يتقصَّعُ
يقول: أنت في ضعفك إذا قصدتُ لك كبني يربوع لا يُعينك إلا ضعيفٌ مثلك.
وإنّما شبههم بهذا لأنّه عنى جريرًا، وهو من بني يربوع.
وقال أبو الهيثم: القاصعاء والقُصَعة: فم حُجر اليربوع أوّلَ ما يبتدىء في حَفره.
قال: ومأخذه من القَصْع، وهو ضمُّ الشيء إلى الشيء.
أبو عبيد: قَصَع العطشانُ غُلَّته بالماء، إذا سكّنها.
ومنه قول ذي الرمة يصف الوحش:
فانصاعت الحُقْبُ لم تقصَعْ جرائرَها *** وقد نَشَحْنَ فلا ريٌّ ولا هِيمُ
وقال أبو سعيدٍ الضَّرير: قَصْع الناقةِ الجرَّةَ: استقامة خروجها من الجوف إلى الشِّدق غير منقطعةٍ ولا نَزْرة، ومتابعةُ بعضها بعضًا.
وإنّما تفعل الناقةُ ذلك إذا كانت مطمئنّةً ساكنة لا تسير، فإذا خافت شيئًا قطعت الجِرّة.
قال: وأصل هذا من تقصيع اليربوع، وهو إخراجُه ترابَ جحره وقاصعائه.
فجعلَ هذه الجرَّةَ إذا دَسَعتْ بها الناقة بمنزلة التُّراب الذي يُخرجه اليربوع من قاصعائه.
وقال أبو زيد: قصعت الناقةُ بجِرتها قَصْعًا، وهو المضغ، وهو بعد الدّسْع.
والدسْع: أن تنزع الجِرّة من كَرشها، ثم القَصْع بعد ذلك، والمضْغ، والإفاضة.
وقال ابن شميل: قصّع الزرعُ تقصيعًا، إذا خرجَ من الأرض قال: وإذا صار له شُعَبٌ قيل: قد شعّبَ.
وقال غيره: قصَّع أوّلُ القوم من نَقْب الجبل، إذا طلعوا.
وسيفٌ مِقْصَعٌ ومِقصَلٌ: قطّاع.
وقال أبو سعيد: القَصِيع: الرَّحَى.
ويقال تقصَّع الدُّمّل بالصَّديد، إذا امتلأ منه.
وقَصَّع مثلُه.
ويقال قصعتُه قصعًا وقمعتُه قمعًا بمعنى واحدٍ.
وقصَّع الرجل في بيته، إذا لزمه ولم يبرحه.
وقال ابن الرُّقيات:
إنِّي لأُخلي لها الفراشَ إذا *** قَصَّع في حِضْنِ عِرْسِه الفَرِقُ
وجمع القَصْعة قِصاع.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
150-تهذيب اللغة (قطع)
قطع: قال الله جلّ وعز: {قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا} [يُونس: 27] و {قِطْعًا}: والقِطْع: اسم ما قُطِع.يقال قطعتُ الشيء قَطْعا، واسم ما قُطِع فسقَطَ قِطْع.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب أنه قال: من قرأ {قِطْعًا} جعل المظلم من نعته، ومن قرأ {قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ} [يُونس: 27] فهو الذي له يقول البصريُّون الحال.
وأخبرني عن الحرَّانيّ عن ابن السكيت قال: القَطْع: مصدر قطعتُ.
والقِطْع: الطائفة من الليل.
قال: والقِطْع: طِنْفسة تكون تحت الرحل على كتفَي البعير.
والجميع قُطوع.
وأنشد:
أتتك العِيسُ تنفُخُ في بُراها *** تَكَشَّفُ عن مناكبها القُطوعُ
قال: والقِطْع: نصلٌ قصير، وجمعه أقطاع.
وقال الله جلّ وعزّ: {وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا} [الأعرَاف: 168] أي فرَّقناهم فرقًا.
قال: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ} [البَقَرَة: 166] أي انقطعت أسبابُهم ووُصَلهم.
وأما قوله: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا} [المؤمنون: 53] فإنه واقعٌ، كقولك: قطَّعوا أمرَهم.
وقال لبيدٌ بمعنى اللازم:
وتقطّعَتْ أسبابُها ورِمامُها
أي: انقطعت حبالُ مودّتها.
وقوله: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ} [يُوسُف: 31] أي قطعنها قَطْعًا بعد قطع، وخدشْنَ فيها خدوشًا كثيرة، ولذلك ثُقِّل.
وقال جلّ وعزّ: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَ لْيَقْطَعْ} [الحَجّ: 15] أجمع المفسّرون على أنّ تأويل قوله «ثُمَ لْيَقْطَعْ»: ثم ليختنق.
وهو محتاجٌ إلى شرحٍ يزيد في بيانه، والمعنى ـ والله أعلمُ ـ من كان يظنُّ من الكفّار أنّ الله لا ينصُر محمدًا حتّى يُظْهره على المِلل كلّها فليمُتْ غيظًا، وهو تفسير قوله {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ} والسَّبب: الحبل يشدُّه المختنقُ إلى سَقْف بيته.
وسماءُ كلِّ شيءٍ: سقفُه.
{ثُمَ لْيَقْطَعْ}، أي ليمدَّ الحبل مشدودًا على حَلْقه مدًّا شديدًا يوتِّره حتَّى يقطع حياتَه ونَفْسَه خَنْقًا.
وقال الفراء: أراد ثم ليجعل في سماء بيته حبلًا ثم ليختنقْ به، فذلك قوله (ثُمَ لْيَقْطَعْ) اختناقًا.
قال: وفي قراءة عبد الله: (ثم ليقطعه) يعني السبب، وهو الحبْلُ المشدودُ في عنقه حتى تنقطع نفسُه فيموت.
وقال جلّ ذكره: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ} [الحَجّ: 19] أي خِيطَتْ وسُوِّيت وجُعِلتْ لَبُوسًا لهم.
وفي حديث ابن عبَّاسٍ قال: «نخل الجنّة سَعَفُها كِسوةٌ لأهل الجنّة، منها مقطّعاتُهم وحُلَلُهم».
وفي حديث آخر «أنَّ رجلًا أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم وعليه مقطَّعات له»، وفي حديث ثالثٍ «وقت الضحى إذا تقطَّعت الظّلال» أي قَصُرت.
قال أبو عبيد: قال الكسائيّ: المقطَّعات: الثِّياب القصار.
قال: وسمِّيت الأراجيزُ مقطَّعاتٍ لقِصَرها.
وقال شَمِر في كتابه في «غريب الحديث»: المقطَّعات من الثياب: كل ثوبٍ يقطَع من قميص وغيره.
أراد أن من الثياب الأردية والمطارف، والأكسيةَ والرِّياط التي لم تقطع وإنّما يتعطَّف بها مَرَّةً ويُتَلفَّع بها أخرى؛ ومنها القُمُص والجِبَاب والسَّراويلات التي تقطع ثم تخاط؛ فهذه هي المقطَّعات.
وأنشد شمر لرؤبة يصف ثورًا وحشيًا:
كأنَّ نصِعًا فوقه مقطَّعا *** مخالطَ التقليص إذْ تدرَّعا
قال: وقال ابنُ الأعرابي: يقول: كأن عليه نِصعًا مقلِّصا عنه.
يقول: تخال أنه ألبس ثوبًا أبيض مقلِّصا عنه لم يَبلُغْ كُراعَه، لأنَّها سُودٌ ليست على لونه.
قال: والمقَطَّعات: برودٌ عليها وشيٌ مقطَّع.
قال: ولا يقال للثياب القصار مقطَّعات.
قال شمر: وممّا يقوّي قوله حديث ابن عباس في وصف سَعَف نخل الجنة: «منها مقطَّعاتهم».
ولم يكن ليصف ثيابَهم بالقصَر، لأنه ذمٌّ وعيب.
وأمّا قوله «إذا
تقطَّعت الظلال» فإنّ أبا عبيد قال: الظِّلال تكون ممتدَّةً في أول النهار، فكلَّما ارتفعت الشمسُ قصُرت الظلال؛ فذلك تقطُّعها.
وفي حديث الأبيَض بن حَمّال المأرِبيّ أنه «استقطع» النبي صلى الله عليه وسلم المِلْح الذي بمأرب فأقطعَه إيّاه».
يقال استَقطع فلانٌ الإمامَ قَطيعةً من عفو البلاد فأقطعه إياها، إذا سأله أن يُقطعها له مفروزةً محدودة يملّكه إياها، فإذا أعطاه إياها كذلك فقد أقطعه إياها.
والقطائع من السُّلطان إنما تجوز في عَفو البلاد التي لا ملك لأحدٍ عليها ولا عمارةَ توجب مِلْكًا لأحد، فيُقْطع الإمامُ المستقطِعَ منها قدرَ ما يتهيّأ له عِمارته بإجراء الماء إليه، أو باستخراج عينٍ فيه، أو بتحجيرٍ عليه ببناءٍ أو حائطٍ يُحرزه.
وقال ابن السكيت: قال أبو عمرو: قِطاع النخل وقَطاعه، مثل الصِّرام والصَّرام، والجِداد والجَدَاد.
قال: وأقطع النخلُ إقطاعًا، إذا أصرمَ وحانَ قِطافُه.
ومقاطع القرآن: مواضع الوقوف، ومبادئه: مواضع الابتداء.
وعَودٌ مُقْطَع، إذا انقطع عن الضِّراب.
قال النَّمر بن تولب يصف امرأته
قامت تَبَاكَى أن سَبأتُ لفتيةٍ *** زِقًّا وخابيةً بعَودٍ مُقْطَعِ
وقد أُقطِعَ، إذا جَفَر.
وناقةٌ قَطُوع: ينقطع لبنُها سريعًا.
ويقال هذا فرسٌ يقطِّع الجري، أي يَجري ضروبًا من الجري لمرحِهِ ونشاطه.
وقطّعت الخمرَ بالماء، إذا مَزَجتَها.
وقد تقطّع فيها الماء.
وقال ذو الرمة:
تقطُّعَ ماء المُزْن في نُطف الخمرِ
ويقال أقطعَ القومُ، إذا انقطعت مياه السماءِ المزنِ فرجعوا إلى أعداد المياه.
وقال أبو وَجْزة السعدي:
تَزُور بي القَرْمَ الحَواريَّ إنّهم *** مناهلُ أعدادٌ إذا الناسُ أَقطعوا
وبئر مِقطاع: ينقطع ماؤها سريعًا.
وأقطعت الدجاجةُ، إذا انقطعَ بيضُها.
أبو عبيد في «الشيات»: ومن الغُر المتقطِّة، وهي التي ارتفع بياضها من المنخرين حتَّى تبلغ الغُرَّةُ عينَيه دون جبهته.
وقال غيره: المقطع من الحَلْي هو الشيء اليسير منه القليل.
وفي الحديث: «نُهي عن لُبْس الذهب إلَّا مقطَّعًا»، وهو مثل الحَلْقَة والخُرْص وما أشبهه.
والقُطَيعاء ممدود: التَّمْر الشِّهريز.
وقال الشاعر:
باتوا يعشُّون القُطَيعاءَ ضيفَهم *** وعندهم البَرنيُّ في جُلَل دُسْمِ
ويقال: مدَّ فلانٌ إلى فلانٍ بثدي غير أقطعَ، ومَتَّ بالتَّاء مثلُه، إذا توسَّلَ إليه بقرابةٍ.
ومنه قول الشاعر:
دعاني فلم أُورَأ به فأجبتُه *** فمدَّ بثدي بيننا غيرِ أقطعا
ويقال قطَّع فلانٌ على فلانٍ العذابَ، إذا لَوَّن عليه ضروبًا من العذاب.
ويقال قَطَعَ فلانٌ رحِمَه قَطْعًا، إذا لم يَصِلْها، والاسم القَطِيعة.
وجاء في
الحديث: «مَن زَوّج كريمتَه من فاسق فقد قَطَع رحِمَها».
وذلك أنّ الفاسق يطلِّقها ثم لا يُبالي أن يَغشاها.
ويقال قطعت الحبل قَطْعًا فانقطع، وقطعت النهر قَطعًا وقُطوعًا.
وقطعَتِ الطير تقطع قُطوعًا، إذا جاءت من بلد إلى بلد في وقتِ حرٍّ أو برد؛ وهي قواطع الطير.
وقال أبو زيد: قطعت الغِربانُ إلينا في الشتاء قُطوعًا.
ورجعت في الصيف رُجوعًا.
والطَّير المقيمة ببلد شتاءَها وصيفَها هي الأوابد.
وقُطِع بالرجُل، إذا انقطع رجاؤه.
ورجلٌ منقَطَعٌ به، إذا كان مسافرًا فأُبدع به وعَطِبتْ راحلتُه وذهب زادُه ومالُه.
ومنقطَع كلِّ شيءٍ: حيث ينقطع، مثل منقطَع الرَّمل والحَرَّة وما أشبههما.
والمنْقطِع الشيءُ نفسُه.
الحراني عن ابن السكيت قال: ما كان من شيءٍ قُطِع من شيءٍ فإنْ كان المقطوع قد يبقى منه الشيء ويقطع قلت أعطني قِطعة.
ومثله الخرقة.
وإذا أردت أن تجمع الشيء بأسره حتَّى تسمي به قلت: أعطني قُطعة.
قال: وأما المرَّة من الفعل فبالفتح قطعت قَطْعة.
وقال الفراء: سمعتُ بعضَ العرب يقول: غلبني فلانٌ على قُطعةٍ من أرضٍ، يريد أرضًا مفروزة مثل القطيعة.
فإذا أردتَ بها قِطعةً من شيء قُطِع منه قلت قِطعة.
وقال غيره: القَطَعة موضع القطع من يد الأقطع، يقال ضربَه بقطَعَتِه.
وقال الليث: يقولون قُطِع الرجل، ولا يقولون قَطِع الأقطع لأنّ الأقطع لا يكون أقطعَ حتَّى يقطعه غيره.
ولو لزمه ذلك من قِبَل نفسه لقيل قَطِع أو قَطُع.
ويجمع الأقطع قُطعانًا.
وامرأة قطيع الكلام، إذا لم تكن سليطة.
ورجلٌ قطيع القيام، إذا كان ضعيفًا.
وقد قطعت المرأةُ، إذا صارت قطيعًا.
ويقال أقطعَني فلانٌ نهرًا، إذا أذِن له في حفره.
وأقطعَني قُضبانًا.
من كرمه، إذا أذن له في قطعها.
وقال الليث: القِطْع: القضيب الذي يُقطع لِبَرْي السِّهام، وجمعه قُطعانٌ وأَقطُع.
قال الهذليّ:
في كفِّه جَشْءٌ أجَشُّ وأقطُعُ
أراد بالأقطُع السِّهام.
قلت: هذا غلط، قال أبو عبيد: قال الأصمعيّ: القِطع من النِّصال: القصير العريض.
وكذلك قال غيره، وسواءٌ كان النصل مركَّبًا في السهم أو لم يكن مركَّبًا.
وسمِّي النَّصل قِطْعًا لأنّه مقطوع من الحديد، وربَّما سمَّوه مقطوعًا وجمعه المقاطيع.
وقال الشاعر:
أشفَّتْ مقاطيع الرُّماةِ فؤادَها *** إذا سمعَتْ صوتَ المغرِّد تَصلِدُ
قال: المقاطيع: النصال هاهنا.
وقال الليث: يقال هذا الثوبُ يُقْطِعك قميصًا، ويقطِّع لك تقطيعًا، إذا صلح أن يقطع قميصًا.
وروى أبو حاتم عن الأصمعي أنه قال: لا أعرف هذا ثوبٌ يُقْطِع ولا يُقطِّع، ولا يقطِّعني ولا يَقْطعني، هذا كلُّه من كلام المولَّدين.
قال أبو حاتم: وقد حكاها أبو عبيدة عن العرب.
وقال الليث: يقال قاطعتُ فلانًا على كذا وكذا من الأجر والعمل مقاطعَةً.
وقال: ومقطَّعة الشَّعَر: هَناتٌ صغارٌ مثل شعر الأرانب.
قلت: هذا ليس بشيء، وأُراه أراد ما قاله ابن شُميل في كتاب «الصفات»: يقال للأرنب السَّريعة مقطِّعة النِّياط، ومقطِّعة الأسحار، ومقطِّعة السُّحور، لشدّة عَدْوها، أنَّها تقطّع رئاتِ مَن يعدو على إثرها ليصيدَها فلا يلحقها.
ويقال للفرس الجواد: إنّه ليقطِّع الخَيْل تقطيعًا، إذا كان يسبقهنَّ فلا يلحقنه.
ومنه قولُ الجعديّ يصف فرسًا:
يقطّعهنّ بتقريبه *** ويأوي إلى حُضُرٍ مُلْهِبِ
ومن هذا قول عُمر في أبي بكر: «وليس فيكم من تَقَطَّعُ عليه الأعناقُ مثلُ أبي بكر» معناه ليس فيكم سابقٌ إلى الخيرات تَقَطَّعُ أعناقُ مسابقيه سبقًا إلى كلّ خير حتى يلحق شأوَه أحدٌ مثل أبي بكر، رضياللهعنهما.
عمرو عن أبيه: يقال فلانٌ قطيعُ فلانٍ، أي شبيهُه في قدِّه وخَلْقه، وجمعه أقطعاء.
والتقطيع: مَغْص يجده الإنسان في بطنه وأمعائه.
ويقال جاءت الطَّيرَ مُقْطَوطِعاتٍ وقواطعَ، بمعنًى واحد.
وفلانٌ منقطع القرين، إذا لم يكن له مِثْلٌ في سخاءٍ أو فضل.
ويقال قاطع فلانٌ فلانًا بسيفيهما، إذا نظرا أيُّهما أقطع.
وسيفٌ قاطعٌ وقطّاع ومِقطَع.
وكل شيءٍ يُقطع به فهو مِقطَع قال: والمَقطَع: موضع القَطْع.
والمَقْطع: مصدر كالقَطع.
والمَقْطَع: غاية ما قُطِع.
ويقال مَقْطع الثَّوب، ومَقطع الرمل إلى حيث لا رمل وراءه.
والمقطع: الموضع الذي يُقطع فيه النهرُ من المعابر.
ورجل قَطُوعٌ لإخوانه ومِقطاع: لا يثبتُ على مؤاخاةٍ.
وشيء حسنُ التقطيع، إذا كان حسنَ القَدّ.
ويقال لقاطع رحمه: إنّه لقُطَعةٌ قُطَعٌ.
وبنو قُطَيعة: حيٌّ من العرب، والنسبة إليهم قُطَعيّ.
وقال الليث: القَطِيع: السَّوط المتقطّع.
قلت: سمِّي السَّوط قَطِيعًا لأنَّهم يأخذون القِدَّ المحرَّم فيقطّعونه أربعة سيور، ثم يفتلونه ويلوونه ويعلِّقونه حتّى يجفَّ، فيقوم قائمًا كأنه عصًا.
سمِّي قطيعًا لأنه يقطع أربعَ طاقاتٍ ثم يلوي.
ومَقطَع الحق: حيث يُفصَل بين الخصوم بنصِّ الحكم.
وقال زهير:
فإنّ الحقَ مقطَعُه ثلاثٌ *** يمينٌ أو نفارٌ أو جِلاءُ
وقُطَّاع الطُّرق: الذين يُعارضون أبناء السبيل فيقطعون بهم الطريق.
وقال الليث: القاطع: مِثالٌ كالمِقْطَع يُقطَع عليه الأديمُ والثوبُ ونحوه.
وقال أبو الهيثم: إنما هو القِطاع لا القاطع.
قال: وهو مثل لِحاف ومِلحف، وسراد ومِسرد وقِرام ومِقرم، وإزار ومئزر، ونِطاق ومِنطَق.
وقَطَعات الشجر: أطراف أُبَنها التي تخرج منها إذا قُطِعت، الواحدة قَطَعة.
والقُطع: البُهر.
يقال قُطع الرجلُ فهو مقطوع.
والفرس أيضًا يأخُذه القُطْع.
ويقال للفرس إذا انقطع عِرقٌ في بطنه أو شحمٌ: مقطوعٌ، وقد قُطِع.
وقال الليث: الأُقطوعة: شيء تبعث به الجاريةُ إلى صاحبِها علامة أنَّها صارَمته.
وأنشد:
قالت لجاريتيها اذهبا *** إليه بأُقطوعةٍ إذْ هَجَرْ
وتقطيع البيت في بيوت الشعر: تجزئته بالأفعال.
قال أبو ذؤيب:
كأنّ ابنةَ السَّهميّ دُرَّةُ قامسٍ *** لها بعد تقطيع النُّبوح وهيجُ
أراد بعد هَدْءِ من الليل، والأصل فيه القِطع وهو طائفةٌ من الليل.
والنُّبُوح: الجماعات.
ويقال قطعتُ الحوضَ قَطْعًا، إذا ملأته إلى نصفه أو ثلثه ثم قطعتَ الماءَ منه.
ومنه قول ابن مُقْبل، يذكر إبلًا سقى لها في الحوض على عَجَلةٍ ولم يُروها:
قطعنا لهنَّ الحوضَ فابتلَّ شَطرُه *** بشُربٍ غِشاشٍ وهو ظمآنُ سائرُه
وأقطعت السماءُ بموضع كذا وكذا، إذا انقطع المطرُ هناك وأقلعت.
ويقال: مَطرت السماء ببلد كذا وأقطعتْ ببلد كذا.
ورجلٌ مُقْطَعٌ: لا ديوانَ له.
وقال شمر: القَطْع: مَغَسٌ يجده الإنسان في بطنه.
يقال قُطِّع فلانٌ في بطنه تقطيعًا، وهو مَغَس يجده في أمعائه.
قال: ويقال للقوم إذا جفّتْ مياه ركاياهم: أصابتهم قُطعة منكرة.
وقد قَطَع ماء قليبكم، إذا ذهب ماؤُها.
وقال ابن شميل: تقول العربُ: اتَّقُوا القُطَيعاءَ، أي أن ينقطع بعضُكم من بعضٍ في الحرب.
ويقال للرجل القصير: إنّه لمقطَّع مجذَّر.
أبو زيد: أقطعَ الرجلُ إقطاعًا فهو مُقطِعٌ، إذا لم يُرد النساء ولم ينقشر عُجارِمُه.
قال: وقُطع بفلانٍ قَطعًا، إذا قطع به الطريق وإذا عجَز عن سفره لنفقةٍ هلكت أو راحلة عَطِبتْ، فقد انقُطِع به.
ويقال للرجل الغريب بالبلد: قد أُقطِع عن أهله إقطاعًا فهو مُقْطَعٌ عنهم.
وأَقطعَ كلام الرجل إقطاعًا فهو مُقْطِع، إذا بكتوه بالحقّ فلم يقدر على الجواب.
وقَطَع ماء قليبكم قُطوعًا، إذا قل ماؤها وذهب.
وروى ابن شُميل حديثًا مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه «نَهى عن لُبْس الذَّهَب إلّا مقطَّعًا».
قال النضر: المقطَّع: الخاتَم، والقُرطُ، والشَّنْف.
وقال أبو عُبيد: المقطَّع هو الشيء اليسير منه: مثل الحَلْقة والشَّذرة ونحوها.
وقال أبو سعيد: يقال: لأقطِّعن عُنق دابّتي، أي لأبيعنَّه.
وأنشد لأعرابيٍّ تزوّجَ امرأةً وساق إليها مهرها إبلًا فقال:
أقول والعَيساءُ تمشي والفُضُلْ
في جِلّةٍ منها عَراميسَ عُطُلْ
قطّعْتُ بالأحراحِ أعناقَ الإبلْ
يقول: اشتريتُ الأحراحَ بإبلي.
أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الأقطع: الأصمّ.
قال: وأنشدني أبو المكارم:
إنَّ الأحيمِر حين أرجو رِفده *** غَمْرًا لأَقطَعُ سيِّىءٌ الإصْرَانِ
قال: والإصران: جمع إصْر، وهو الخِنّابة، وهو سَم الأنف.
قال: والخنّابتان: مَجرَيَا النفَس في المنخرين.
أراد أنه يتصامم عليَّ ولا مَشَمَّ له مع ذلك، فهو أخشَمُ أصمّ.
وقال أبو تراب: القُطْعة في طيِّىءٍ كالعنعنة في تميم، وهو أن يقول يا أبا الحَكَا، يريد يا أبا الحكم، فيقطع كلامَه.
قلت: وكلُّ ما مرَّ في الباب من هذه الألفاظ واختلاف معانيها فالأصل واحدٌ والمعاني متقاربة وإن اختلفت الألفاظ.
وكلام العرب آخذٌ بعضُه برقاب بعض، وهذا يدلُّك على أنَّ لسانَ العرب أوسع الألسنة نطقًا وكلامًا.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
151-تهذيب اللغة (عقد)
عقد: قال الله جلّ وعزّ {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المَائدة: 1] قيل العُقود العهود، وقيل الفرائض التي أُلزموها.وقال الزَّجاج في قوله: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}: خاطب الله جلّ وعزّ المؤمنين بالوفاء بالعقود التي عقدها عليهم والعقود التي يَعقدها بعضُهم على بعضٍ على ما يوجبه الدِّين.
قال: والعُقود: العهود، واحدُها عَقْد، وهي أوكدُ العهود.
يقال: عهِدتُ إلى فلانٍ في كذا وكذا، فتأويله ألزمتُه ذلك، فإذا قلت عاقدتُه أو عَقَدتُ عليه، فتأويله أنك ألزمته ذلك باستيثاق.
ويقال: عقدتُ الحبلَ فهو معقود، وكذلك العهد.
وأعقدت العسل ونحوه فهو مُعْقَدٌ وعَقيد.
وروى بعضهم: عقدت العسل والكلامَ: أعقدت.
وأنشد:
وكأنَّ رُبًّا أو كُحَيلًا مُعْقدًا
ويقال عقَد فلانٌ اليمين، إذا وكَّدها.
وأخبرني المنذريّ عن ابن اليزيديّ عن أبي زيد في قوله عزوجل: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ} [النِّساء: 33] و {عاقدت أيمانكم} وقرىء: {عَقَّدت} بالتشديد، معناه التوكيد كقوله: {وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها} [النّحل: 91] في الحلف أيضًا.
قال: فأما الحرف في سورة المائدة: {وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ} [المَائدة: 89] بالتشديد في القاف قراءة الأعمش وغيره، وقد قرىء بالتخفيف: {عَقَدتم}.
وقال الحطيئة:
أولئك قومي إنْ بَنوْا أَحسنوا البنا *** وإن عاهدوا أوفَوْا وإن عاقدوا شدُّوا
وقال في عَقَد:
قومٌ إذا عَقدوا عَقْدًا لجارهم
فقال في بيتٍ: عقدوا، وفي بيتٍ: عاقدوا.
والحرف قرىء بالوجهين.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: عُقدة الكلب: قضيبه.
وإنّما قيل له عُقدة إذا عَقَدت عليه
الكلبة فانتفخ طرَفه.
قال: والعَقَد: تشبُّث ظَبية اللَّعوة ببُسرة قضيب الثَّمثَم.
والثَّمثَم: كلب الصيد.
واللَّعوة: الأنثى.
وظَبيتُها: حياؤها.
وقال الأصمعيّ: العُقدة من الأرض: البُقعة الكثيرة الشجر، ذكره أبو عبيد عنه.
وقال غيره: كلُّ ما يعتقده الإنسان من العَقَار فهو عُقْدَةٌ له.
ويقال: في أرض بني فلان عُقدةٌ تكفيهم سنَتَهم.
معناه البلد ذو الشجر والكلأ والمرتع.
وقال أبو عبيد: العَقِدة من الرمل والعَقَدة: المتعقِّد بعضُه على بعض، والجميع عَقِدٌ وعَقَد.
وقال هميان:
يفتُق طُرْقَ العَقدِ الرَّواتجا
قال: وقال الأحمر: التعقُّد في البئر: أن يخرُج أسفل الطيّ ويدخل أعلاه إلى جِراب البئر.
وجرابُها: اتساعها.
ثعلب عن ابن الأعرابي: الذّنَب الأعقَد: المعْوَجّ.
وفحلٌ أعقدُ، إذا رفعَ ذنبَه، وإنما يفعل ذلك من النشاط.
والعرب تقول: عَقد فلانٌ ناصيته، إذا غضِب وتهيّأ للشرّ.
وقال ابنُ مُقْبل:
أثابوا أخاهم إذْ أرادوا زياله *** بأسواط قِدٍّ عاقدين النواصيا
والعَقْد: عَقد طاق البناء، وجمعه عُقود، وقد عقَّده البنَّاءُ تعقيدًا.
وموضع العَقْد من الحبل عُقْدة، ومنه عُقدة النكاح.
والأعقد من التيوس: الذي في قرْنه التواء.
ورجلٌ أعقد، إذا كان في لسانه رَتَج.
وأعقدت العسل فعَقَد وانعقَد، وعسلٌ عقيد، وكذلك عقيد عصير العنب.
وتعقَّد القوسُ في السماء، إذا صار كأنّه عَقْدٌ مبنّي.
والعاقد من الظباء: الذي ثنى عنقَه، والجميع العواقد.
وقال النابغة الذبياني:
حسانِ الوُجوهِ كالظِّباء العواقدِ
وهي العواطف أيضًا.
واليعقيد: طعام يُعقَد بالعسل.
والعِقْد: القلادة، وجمعُه العقود.
وإذا أَرتَجَت الناقةُ على ماء الفحل فهي عاقدٌ، وذلك أنها تَعقِد بذنبها فيعلم أنها قد حَمَلت وعَقَدت فمَ الرحم على الماء فارتتج.
والحاسب يعقد بأصابعه إذا حَسَب.
والعَقَد: قبيلة من العرب ينسب إليهم فلانٌ العَقَديّ.
وناقة معقودة القَرَا، إذا كانت وثيقة الظَّهر.
وانعقَد النكاحُ بين الزَّوجين، والبيع بين البيِّعين.
وانعقد عَقدُ الحبل انعقادًا.
ومَوضع العقد من الحبل مَعقِد، وجمعه مَعاقد.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: العَقَد: ترطُّب الرمل من كثرة المطر.
وروضة عَقِدةٌ، إذا اتَّصلَ نبتُها.
والعَقْد: الجمل القصير الصَّبور على العمل.
وقال عرّام: عَقدَ فلانٌ عنقَه إلى فلانٍ وعكَدها، إذا لجأ إليه.
شمر عن ابن الأعرابيّ: العُقدة من المرعى هي الجنْبة ما كان فيها من مَرعَى
عامٍ أوّل فهو عُقدةٌ وعُروة، فهذا من الجَنْبة.
وقد يُضطرُّ المالُ إلى الشجر فيسمَّى عُقدةً وعروة.
فإذا كانت الجنبة لم يقل للشجر عقدة ولا عروة.
قال: ومنه سمِّيت العُقدة.
وأنشد:
خضَبَتْ لها عُقَدُ البِراق جَبينَها *** من عَركها عَلجانَها وعرادَها
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
152-تهذيب اللغة (قعد)
قعد: قال الله عزوجل: {وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحًا} [النُّور: 60].أخبرني المنذريّ عن الحرّانيّ عن ابن السكيت قال: امرأةٌ قاعدٌ، إذا قعدَتْ عن المَحيض.
فإذا أردتَ القُعود قلتَ قاعدة.
قال: ويقولون: امرأةٌ واضعٌ، إذا لم يكن عليها خِمار.
وأتانٌ جامع، إذا حملتْ.
قال: وقال أبو الهيثم: القواعد من صفات الإناث، لا يقال رجالٌ قواعد.
قال: ويقال رجلٌ قاعدٌ عن الغَزْو، ويقوم قُعَّادٌ وقاعدون.
قال: وقعيدة الرجُل: امرأته، والجمع قعائد، سمِّيت قعيدةً لأنها تقاعده.
أبو عبيد عن الكسائي: يقول قِعْدَك الله مثل نشدتك الله.
وقال أيضًا قِعدَك الله، أي الله معك.
وأنشد:
قَعيدَكما الله الذي أنتما له *** ألم تسمعا بالبيضَتَين المناديا
قال وأنشد غيره عَن قُرَيبة الأعرابية:
قعيدَكِ عَمرَ الله يا بنت مالكٍ *** ألم تعلمينا نعِمَ مأوَى المعصِّبِ
قال: ولم أسمعْ بيتًا اجتمع فيه العَمْر والقَعِيد إلّا هذا.
قال: وقال الأصمعيّ: قِعدَك لا أفعلُ ذاك وقعيدَك.
وقال متمِّم:
قَعيدَكِ ألا تُسمِعيني مَلامةً *** ولا تنكئي قَرْحَ الفؤاد فييجَعا
وقال أبو عبيدٍ أيضًا في كتابه في «النحو»: عُليا مُضَر تقول: قَعيدَك لتفعلنَّ كذا.
قال: القَعيد: الأب.
وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم قال: القَعيد: المُقاعد.
وأنشد:
قعيدَكما الله الذي أنتما له *** ألم تسمعا بالبيضتين المناديا
يقول: أينما قَعدت فأنت مُقاعِد لله، أي هو معك.
قال: ويقال قعيدَك الله لا تفعل كذا، وقَعدك الله بفتح القاف، وأما قِعْدَكَ فلا أعرفه.
ويقال قَعَدَ قَعْدًا وقُعودًا.
وأنشد:
فقَعْدكِ ألا تُسمعيني مَلامةً
قال: ويقال قعّدت الرجلَ وأقعدته، أي خدمته، فأنا مُقْعِدٌ له ومقعّد له.
وأنشد:
تَخِذها سُرِّيّةً تقعِّده
أي: تخدمه.
وقال الآخر:
وليس لي مُقعِدٌ في البيت يُقْعدني *** ولا سَوامٌ ولا مِن فضّةٍ كيسُ
وأما قول الله عزوجل: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ} [ق: 17] فإن النحويين قالوا: معناه عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فاكتفى بذكر الواحد عن صاحبه، كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما *** عندك راضٍ والرأي مختلفُ
أراد: نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راضٍ.
وقال الفرزدق:
إنّي ضمنت لمن أتاني ما جنى *** وأبى وكان وكنت غير غَدُورِ
ولم يقل غدورين.
سلمة عن الفراء: تقول العرب: قعد فلانٌ يشتُمني وقام يشتُمني، بمعنى طفِق.
وأنشد لبعض بني عامر:
لا يُقنِع الجاريةَ الخِضابُ *** لا الوشاحانِ ولا الجلبابُ
من دون أن تلتقي الأركابُ *** يَقعُدَ الأير له لعابُ
كقولك يصير.
وقول الله جلّ وعزّ {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البَقَرَة: 127] القواعد: الآساس، واحدتها قاعدة.
وقال أبو عبيد: قواعد السَّحاب: أصولُها المعترِضة في آفاق السَّماء، شبِّهت بقواعد البِناء، قاله في تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين سأل عن سحابةٍ: «كيف ترون قواعدها وبواسقَها؟».
فالقواعد: أسافلها.
والبواسق: أعاليها.
ومن أمثال العرب السائرة: «إذا قام بك الشَّرُّ فاقعُدْ» يفسَّر على وجهين: أحدهما أنّ الشرَّ إذا غلبَك فذِلّ له ولا تضطربْ فيه.
والوجه الثاني أنَّ معناه إذا انتصبَ لك الشرُّ ولم تجدْ منه بدًّا فانتصبْ وجاهدْه.
وهذا يُروَى عن الفراء.
أبو عبيد عن أبي عُبيدة قال: القعيد: الذي يجيء مِن ورائك من الظباء التي يُتطيَّر منها.
قال: ومنه قول عَبِيد بن الأبرص:
تَيسٌ قعيدٌ كالوشيجة أعضبُ
ذكره في باب السانح والبارح.
ومن دُعاء الأعراب على الرجل بالشرّ يقول أحدُهم للرجل: «حلبت قاعدًا وشربتَ قائمًا»، يقول: لا ملكتَ غير الشاء التي تُحلب مِن قُعود، ولا ملكت إبلًا تحلبها قائمًا.
والشاءُ مال الضَّعْفَى والذُّلّان، والإبل مال الأشراف والأقوياء.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: إذا صارت الفسيلة لها جِذع قيل قد قَعَدت، وفي أرض فلانٌ من القاعِدِ كذا وكذا أصلًا.
وقال: فلانٌ مُقْعَد الحسب، إذا لم يكن شرفٌ.
وقد أقعَدَه آباؤه وتقعَّدوه.
ومنه قول الطرِماح يهجو رجلًا:
ولكنَّه عبدٌ تقَعَّد رأيَه *** لئامُ الفحول وارتخاصُ المناكح
أي: أقعدَ حسبَه عن الكرم لؤمُ آبائه.
وقال الخليل: إذا كان بيتٌ فيه زحافٌ قيل له مُقْعَد.
قلتُ: وأما قولهم رجلٌ قُعدُدٌ وقُعدَدٌ إذا كان لئيمًا، فهو من الحسب المُقْعَد.
وقال أبو عبيد: قال أبو عبيدة: الإقواء: نُقصان الحرف من الفاصلة، كقوله:
أفبعدَ مقتلِ مالك بن زُهَيرٍ *** ترجو النساءُ عواقبَ الأطهارِ
فنقَص من عروضه قوّة.
قال: وكان يسمِّي هذا المُقْعَد.
قلت: وهذا هو الصحيح عن الخليل، وهذا غير الزِّحاف، وهو عيبٌ في الشعر، والزحاف ليس بعيب.
قلت: ويقال رجلٌ قعيدُ النسب ذو قُعدُد، إذا كان قليل الآباء إلى الجدّ الأكبر.
وفلانٌ أقعدُ بني فلانٍ، إذا كان أقربَهم إلى الجدّ الأكبر.
وكان عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العبّاس الهاشميّ أقعدَ بني العباس نسبًا في زمانه.
وليس هذا ذمًّا عندهم، وأما القعدد المذموم فهو اللئيم في حسبه.
وروى أبو العباس عن عمرٍو عن أبيه قال: القُعدُد القريب النسب من الجدّ الأكبر.
والقُعدُد: البعيد النسب من الجدّ الأكبر، وهو من الأضداد.
وقال ابن السكيت في قول البعيث:
لقىً مُقعَد الأنساب منقَطَعٌ به
قال معناه أنّه قصير النَّسب، من القُعدد.
وقوله «منقطَع به» أي لا سَعْيَ به، إن أراد أن يسعى لم يكن به على ذلك قُوّةُ بُلْغةٍ، أي شيء يَتَبلّغ به.
وقال ابن شُميل: رجل مُقعَد الأنف، وهو الذي في منخريه سَعةٌ وقصر.
وأما قول عاصم بن ثابت الأنصاريّ:
أبو سليمان وريشُ المقعَدِ *** ومُجْنأ من مَسْكِ ثَورٍ أجردِ
فإنّ أبا العباس قال: قال ابنُ الأعرابيّ: المُقْعَد: فَرخ النَّسر، وريشُه أجودُ الرِّيش.
قال: ومن رواه «المُعقد» فهو اسم رجلٍ كان يَريشُ السِّهام.
وقيل: المقعَد: النَّسر الذي قُشِّب له حتّى صِيدَ فأُخِذ ريشُه.
ورجلٌ مُقعَدٌ، إذا أزمَنَه داءٌ في جَسَده حتّى لا حَرَاكَ به والإقعاد والقُعاد: داءٌ يأخذ النجائبَ في أوراكها، وهو شِبهُ ميل العجُز إلى الأرض.
يقال أُقعِدَ البعيرُ فهو مُقعَد.
والمقعَدة من الآبار: التي احتفِرت فلم يُنبَط ماؤها فتُركت.
وهي المُسهَبة عندهم.
ويقال: اقتعَد فلانًا عن السَّخاء لؤمُ جِنْثِه.
ومنه قول الشاعر:
فاز قِدْحُ الكلبيِّ واقتعدت مَغْ *** راءً عن سعيه عروقُ لئيم
وقال الليث: القُعْدة من الدوابّ: الذي يقتعده الرجلُ للركوب خاصّة.
قال: والقَعُود والقَعودة من الإبل خاصّةً: ما اقتعده الراعي فركبه وحمل عليه زادَه ومتاعَه.
والجميع قِعدان.
وقال النضر بن شميل: القَعود من الذكور، والقَلوص من
الإناث.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: هي قَلوصٌ للبكْرة الأنثى، والبكر قَعودٌ مثل القلوص، إلى أن يُثْنِيا، ثم هو جَمَلٌ.
قلت: وعلى هذا التفسير قولُ من شاهدتُ من العرب: لا يكون القَعودُ إلّا البكرَ الذّكَر، وجمعه قِعدانٌ، ثم القَعَادين جمع الجمع.
ولم أسمعْ قعودة بالهاء لغير الليث.
وأخبرني المنذريّ أنه قرأ بخطّ أبي الهيثم للكسائي أنه سمع من يقول قَعودةٌ للقلوص، وللذكر قَعود.
قلت: وهذا للكسائي من نوادر الكلام الذي سمِعه من بعضهم، وكلام أكثر العرب على غيره.
وقال النضْر: القُعدة: أن يقتعد الراعي قَعودًا من إبله فيركبه.
فجعل القُعدة والقَعودَ شيئًا واحدًا.
وقال الليث: القعيدة الجراد الذي لم يستوِ جناحاه.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: القَعَد: الشُّراة الذين يحكِّمون ولا يحاربون.
قال: والقَعَد النَّخْلُ الصغار.
قلت: القَعَد جمع قاعدٍ في المعنيين، كما يقال خادمٌ وخَدَم، وحارسٌ وحَرَس.
والقَعَديّ من الخوارج: الذي يرى رأي القَعَد الذين يَرَون التحكيم حقًّا غير أنَّهم قعدوا عن الخروج على الناس.
وجعل ذو الرمّة فِراخ القَطَا قبل نهوضها للطَّيرَان مُقْعَدات، فقال:
إلى مُقعَداتٍ تطرُد الريحُ بالضَّحى *** عليهنَّ رَفْضًا من حَصاد القلاقلِ
والمقعَدات: الضَّفادع أيضًا.
وثَديٌ مقعَد، إذا كان ناهدًا.
والقِعدة: ضربٌ من القعود كالجِلسَة.
والقَعْدة: جلسة واحدة.
وذو القَعْدة: الشَّهر الذي يلي شوالًا.
وقواعد الهودج: خشَبات معْترضاتٌ في أسفله يركّب عِيدان الهَودج فيها.
أبو عبيد عن أبي عمرو: القعيدة من الرمال: التي ليست بمستطيلة.
وقال ابن دريد: القُعُدات: الرحال والسُّروج.
عمرو عن أبيه قال: المُقعَدة: الدَّوخلة من الخوص.
قال: ورجلٌ قُعدَد: لئيم الأصل.
وقال: الإقعاد: قلّة الأجداد، والإطراف كثرة الأجداد؛ وكلاهما مدحٌ.
وقال النضر: القُعدة: أن يقتعد الراعي قَعُودًا من إبله فيركبه.
والاقتعاد: الركوب.
يقول الرجل للراعي: نستأجرك بكذا وعلينا قُعدتك، أي علينا مركبك، تركب من الإبل ما شئت ومتى ما شئت.
وأنشد أبو عبيد للكميت:
لم يقتعدها المعجِّلون ولم *** يَمسخْ مطاها الوُسوقُ والحَقَبُ
وقال ابن بُزْرُج: قالوا: أقْعَدَ بذلك المكان، كما يقال أقامَ.
وأنشد:
أقعدَ حتّى لم يجد مُقْعندَدا
ولا غدًا ولا الذي يلي غدا
وقال ابن الأعرابي في قول الراجز:
تُعجِل إضجاعَ الجَشير القاعدِ
قال: القاعد: الجوالق الممتلىء حبًّا، كأنّه من امتلائه قاعد.
والجشير: الجُوالق.
ورحًى قاعدة: بطحن الطاحن بها بالرائد بيده.
وقال ابن السكيت: يقال: ما تقعَّدني عن ذلك الأمر إلّا شُغل، أي ما حبسني.
وقال ابن دريد: رجلٌ قُعدُد: قريب من الجدّ الأكبر، ورجلٌ قُعدُد إذا كان خاملًا.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
153-تهذيب اللغة (عتق)
عتق: قال الله جلّ وعزّ: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحَجّ: 29] قال الحسن: هو البيت القديم؛ ودليله قول الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكًا} [آل عِمرَان: 96].وقال غيره: البيت العتيق أُعتِق من الغرقِ أيام الطُّوفان، ودليله قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ} [الحَجّ: 26]، وهذا دليلٌ على أن البيت رفع وبقي مكانه.
وقيل إنه أُعتِق من الجبابرة ولم يدَّعه منهم أحدٌ.
أبو عبيدٍ عن الأصمعي: عَتَقَت الفرسُ، إذا سبقت الخيلَ فنجَتْ.
ويقال فلانٌ مِعتاق الوَسِيقة، إذا أنجاها وسبقَ بها.
ويقال عَتَّق بفيه يعتِّق، إذا بزَمَ، أي عضَّ.
وعتَق التمرُ وغيره وعَتُق يعتق، إذا صار قديمًا.
وعتُق فلانٌ بعد استعلاج، إذا صار عتيقًا، وهو رقّة الجلد.
ورجلٌ عتيق وامرأة عتيقة، إذا عَتَقا من الرِّقّة.
ويقال هذا فرخ قطاةٍ عاتقٌ، إذا كان قد استقلّ وطار، ونُرى أنه من السَّبْق.
وقال غيره: عَتَق من الرقّ يَعتق عِتقًا، وعَتاقًا، وعَتاقة.
أبو عبيد عن الفراء قال: العِتْق: صلاحُ المال.
يقال عتقتُ المالَ فَعَتَق.
أي أصلحتُه فصَلَح.
وأخبرني الإيادي عن شمِر أنه قال: العاتق: الجارية التي قد أدركتْ وبلغَتْ ولم تتزوَّج بعدُ.
وأنشد:
أقيدي دَمًا يا أمَّ عمرٍو هرقتِهِ *** بكفَّيك يوم السِّتْر إذ أنت عاتقُ
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: العاتق: الجارية التي قد بلغت أن تدَّرع وعتَقَت من الصِّبا والاستعانة بها في مِهْنةِ أهلها، سمِّيت عاتقًا بهذا.
وقال شمر: يقال لجيِّد الشراب عاتق.
وقال الأصمعي: عتَقت منّي يمينٌ، أي سبَقَتْ.
وقال أوس:
عليَّ ألِيَّةٌ عَتَقَتْ قديما
وقال أبو زيد: أعتق يمينَه، أي ليس لها كفّارة.
قال: وقوله:
«عليّ أليّةٌ عتقت قديمًا»
، أي لزمَتْني.
وقال الليث: فرسٌ عتيقٌ: رائعٌ بيِّن العِتْق.
قال: والعاتقان: ما بين المنكبِين والعُتق، والجميع العواتق.
قال: والعاتق من الزِّقاق: الجيِّد الواسع.
وقال لبيد:
أُغلِي السِّباءَ بكلِّ أدكنَ عاتقٍ *** أو جَونةٍ قُدِحَتْ وفُتَّ خِتامُها
قلت: جعلَ العاتق تبعًا للأدكن، لأنه أراد بكلّ أدكن عاتقٍ خمره التي فيه، وهو كقوله «أو جونة قُدحت» وهي الخابية، وإنما يُقدح ما فيها.
والقَدْح: الغَرْف.
والمعتَّقة: ضرب من العِطْر.
وأما قول عنترة:
كذَب العتيقُ وماءُ شَنٍ باردٌ
فإنه أراد بالعتيق التمرَ الذي قد عَتَق.
خاطب امرأته حين عاتبتْه على إيثاره فرسَه بألبان إبله فقال لها: عليك بالتمر والماء البارد، وذَرِي اللبن لفرسي الذي أحميكِ
بركوبي ظهره.
وعتِيق الطَّير هو البازي، في قول لبيد:
كعتيق الطَّيرِ يُغْضي ويُجَلّ
وقال أبو عبيد: العاتق: الخمر القديمة.
قال: ويقال هي التي لم يفُضَّ ختامَها أحدٌ.
وقال حسَّان:
أو عاتقٍ كدم الذَّبيح مُدامِ
وقال الليث: المعتَّقة من أسماء الطِّلَا والخمر.
وقال الأعشى:
وسَبِيّةٍ ممّا تعتِّق بابلٌ *** كدم الذَّبيح سلبتُها جريالَها
وبَكْرةٌ عتيقة، إذا كانت نجيبةً كريمة.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: كل شيء بلغ النهاية في جودةٍ أو رداءةٍ، أو حُسْنٍ أو قُبحٍ، فهو عتيق وجمعه عُتُقٌ.
قال: والعتيق: التَّمر السِّهريز.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
154-تهذيب اللغة (عقر)
عقر: أبو عبيد عن أبي عبيدة: العاقر العظيم من الرمل.وعنه عن الأصمعيّ: العاقر من الرمال: الرَّملة التي لا تنبِتُ شيئًا.
وقال ابن شُمَيل: يقال ناقة عقير وجملٌ عَقير.
قال: والعَقْر لا يكون إلّا في القوائم.
عَقَره، إذا قطع قائمةً من قوائمه.
وقال الله في قصّة ثمود: {فَتَعاطى فَعَقَرَ} [القَمَر: 29]، أي تعاطَى الشقيُ عَقر الناقة فبلغَ ما أراد.
قلت: والعَقْر عند العرب: كَسْف عرقوب البعير، ثم جُعِل النَّحر عقرًا لأنّ العَقْر سببٌ لنحره، وناحِرُ البعير يَعقِره ثم ينحره.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قيل له يومَ النَّفْر في أمر صفيّة: إنها حائض، فقال: «عَقْرى حَلْقَى، ما أُراها إلّا حابستَنا».
قال أبو عبيد: معنى عَقْرَى عقَرها الله، وحَلْقَى: حَلَقَها.
وفقوله عقَرها يعني عقر جسَدها.
وحَلَقَها: أصابها الله بوجعٍ في حَلْقها.
قال أبو عبيد: أصحابُ الحديث يروونه «عَقْرَى حَلْقَى»، وإنما هو «عَقْرًا حَلْقًا».
قال: وهذا على مذهب العرب في الدعاء على الشيء من غير إرادةٍ لوقوعه، لا يراد به الوقوع.
وقال شمر: قلتُ لأبي عبيد: لم لا تجيز عَقْرَى؟ فقال: لأن فعَلَى تجيء نعتًا، ولم تجىء في الدعاء.
فقلتُ: روى ابن شُميل عن العرب: «مُطَّيرَى» وعَقرى أخفُّ منها؟ فلم ينكره وقال: صيِّروه على وجهين.
وفي حديث عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا مات قرأ أبو بكر حين صعِد إلى منبره فخطب: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزُّمَر: 30] قال عمر: «فعَقِرتُ حتّى خَرَرتُ إلى الأرض» قال أبو عبيد: يقال عَقِر وبَعِل، وهو مثل الدَّهَش.
وأخبرني المنذريّ عن إبراهيم الحربيّ عن محمود بن غيلان عن النضر بن شميل عن الهرماس بن حبيبٍ عن أبيه عن جدِّه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عُيينةَ بن بدر حين أسلّمَ الناسُ ودجَا الإسلام، فهجَم على بني عديّ بن جُندَب بذات الشُّقوق، فأغاروا عليهم وأخذوا أموالهم حتّى أحضروها المدينةَ عند نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم،
فقالت وفود بني العنبر أُخِذنا يا رسولَ الله مسلمين غيرَ مشْركين حين خَضْرَمنا النَّعَم.
فردَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذراريَّهم وعَقارَ بيوتهم.
قال أبو الفضل: قال الحربيّ: ردّ النبي صلى الله عليه وسلم ذراريَّهم لأنه لم يَرَ أن يَسبيَهم إلَّا على أمرٍ صحيح، ووجَدَهم مُقِرّين بالإسلام.
قال إبراهيم: أراد بعَقار بيوتهم أرَضِيهم.
قلت: غلط أبو إسحاق في تفسير العَقَار هاهنا، وإنما أراد بعقار بيوتهم أمتعةَ بيوتهم من الثياب والأدوات.
أخبرني المنذري عن أبي العباس عن ابن الأعرابيّ أنه قال: أنشدني أبو مَحْضَة قصيدةً وأنشدَني منها أبياتًا، فقال: هذه الأبياتُ عَقَار هذه القصيدة، أي خيارُها.
قال: وعَقارُ البيت ونَضَده: متاعُه الذي لا يبتذَل إلا في الأعياد والحقوقِ الكبار.
قال: ومنه قيل: البُهْمَى عُقْر الكلأ، أي خير ما رعَت الإبل.
وقال: بيتٌ حسنُ الأهَرة، والظَّهَرَة، والعَقار.
قلت: والقول ما قال ابنُ الأعرابيّ: وعَقار كلّ شيءٍ: خياره.
وقال أبو عبيد: سمعتُ الأصمعيّ يقول: عُقر الدار: أصلُها في لغة أهل الحجاز، فأمّا أهل نجدٍ فيقولون عَقْر.
قال: ومنه قيل العَقَار، وهو المنزل، والأرضُ، والضِّياع.
قال: وقال أبو عبيدة: العُقْر والعُقُر، يخفّف ويثقّل: مؤخّر الحوض.
قال: ويقال للناقة التي تشرب من عُقر الحوض عَقِرة.
وقال ابن الأعرابي: مَفْرغ الدلو من مؤخّره عُقْره، ومن مقدَّمه إزاؤه.
قال أبو عبيد: العَقَاراء: اسم موضع.
وأنشد لحميد بن ثور يصف الخمر:
ركودُ الحُميَّا طَلَّةٌ شابَ ماءَها *** لها من عَقاراء الكروم زَبيبُ
قال شمر: ويروى هذا البيت لحميد:
«لها من عُقارات الكروم رَبيبُ»
.
قال: والعُقارات: الخمور.
رَبيب، من يربُّها ويملكها.
أبو عبيد عن الأصمعي: العُقار: اسم للخمر.
وروى شمرٌ عن ابن الأعرابيّ: سمّيت الخمر عُقارًا لأنها تَعقِر العقل.
وقال غيره: سمِّيت عُقارًا لأنها تلزم الدَّنَّ.
يقال عاقَره، إذا لازمَه وداومَ عليه.
والمعاقرة: الإدمان.
وقيل: سمِّيت عقارًا لمعاقرتها الدنَّ، أي ملازمتها إياه.
أبو عبيد عن الأصمعي قال: المِعقَر من الرِّحال: الذي ليس بواقٍ.
قال أبو عبيد: لا يقال مِعقَرٌ إلّا لما كانت تلك عادتَه.
فأمّا ما عَقَر مَرَّةً فلا يكون إلّا عاقرًا.
قال أبو عبيد: وقال أبو زيد: سَرج عُقر.
وأنشد قول البَعيث:
ألحَّ على أكتافهم قَتَب عُقَرْ
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خَمسٌ مَن قتلهنَّ وهو حرامٌ فلا جُناح عليه: العقرب، والفأرة، والغراب، والحِدأ، والكلب العقور».
قال أبو عبيد: بلغني عن سفيان بن عيينة أنه قال: معناه كل سبع عَقور ولم يخصّ به الكلب.
قال أبو
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
155-تهذيب اللغة (عبيد)
عبيد: ولهذا يقال لكل جارح أو عاقر من السباع: كلب عَقور، مثل الأسد والفهد والنمر والذئب وما أشببهَا.قلت: ولنساء الأعراب خَرزة يقال لها العُقَرَة، يزعمن أنَّها إذا علِّقت على حَقْو المرأة لم تحمل إذا وطئت.
وروي عن ابن بزرج أنه قال: يقال امرأة عاقر، ولقد عَقُرت أشدَّ العُقْر، وأعقر الله رحمها فهي مُعقَرة، وقد عَقُر الرجل مثل المرأة، ورجال عُقُر ونساء عُقر.
وقالوا: امرأة عُقَرة مثل هُمَزة، وهو داء في الرحم.
وأنشد ابن بزرج:
سقَى الكلابيُّ العُقيليَ العُقُرْ
قال: والعُقُر: كلُّ ما شربه إنسانٌ فلم يُولَد له، فهو عُقُر له.
قال: ويقال أيضًا عَقَرَ وعَقِر، إذا عَقُر فلم يحمَل له.
قال: وعُقَرة العلم النِّسيان.
ويقال عَقرتُ ظهر الدابة، إذا أدبرتَه فانعقر، ومنه قوله:
عقرتَ بعيري يا امرأ القيسِ فانزلِ
وأما قوله:
ويوم عقرتُ للعذارى مطيّتي
فمعناه أنّه نحرها لهنَّ.
والعُقْر للمغتَصَبة من الإماء كمهر المثل للحُرَّة.
وبَيْضة العُقْر يقال هي بيضة الديك، يقال إنه يبيض في السنة بيضة واحدة ثم لا يعود، يضرب مثلًا للعطِية النَّزْرة التي لا يربُّها مُولِيها ببرٍّ يتلوها.
وقال الليث: بيضة العقر: بيضة الديك، تُنسب إلى العُقر لأنَّ الجارية العذراء يُبلَى ذلك منها بيضة الديك، فيعلم شأنها، فتضرب بيضة الديك مثلًا لكلِّ شيء لا يستطاع مَسُّه رخاوةً وضعفًا.
وخلَّط الليث في تفسير عَقْر الدار وعُقْر الحوض، فخالف بما قال الأئمةَ، وقد أمضيت تفسيرهما على الصحة، ولذلك أضربت عن ذكر ما قال الليث.
قال: وقال الخليل: سمعتُ أعرابيًّا من أهل الصَّمَّان يقول: كلُّ فُرجة تكون بين شيئين فهو عَقْر وعُقْر لغتان.
قال: ووضع يديه على قائمتي المائدة ونحن نتغدَّى فقال: ما بينهما عُقْر.
قال والعَقْر: القصر الذي يكون معتمدًا لأهل القرية.
وقال لبيد:
كعَقْر الهاجريّ إذا ابتناه *** بأشباهٍ حُذِينَ على مثالِ
وقال غيره: العَقْر: القصر على أيّ حال كان.
وقال الليث: العقر: غيم ينشأ من قِبَل العين فيغشى عين الشمس وما حواليها.
قال: وقال بعضهم: العقر غيمٌ ينشأ في عُرض السماء ثم يقصِدُ على حياله من غير أن تبصره إذا مرَّ بك، ولكن تسمع رعدَه من بعيد.
وأنشد لحميد بن ثور يصف ناقة:
وإذا احزألَّت في المُنَاخ رأيتَها *** كالعَقْر أفرده العَماءُ الممطرُ
قال: وقال بعضُهم: العَقْر في هذا البيت: القصر، أفردَه العماء فلم يظَلِّلْه وأضاء لعين الناظر لإشراق نور الشمس عليه من
خلال السَّحاب.
وقال بعضهم: العَقْر: القطعة من الغمام.
ولكلٍّ مقال؛ لأنَّ قطع السحاب تشبه بالقصور.
وأمّا قول لبيد:
لما رأى لُبَدُ النُّسورَ تطايرتْ *** رفَعَ القوادمَ كالعقير الأعزلِ
من رواه «العقير» قال: شبَّه النَّسر لمَّا تساقطَ ريشُه فلم يَطِرْ بفرَسٍ كُسِف عرقوباهُ فلم يُحضِر.
والأعزل: المائل الذنَب.
وقال بعضهم: عَقْر النخلة: أن يُكشَط ليفُها عن قُلْبها ويُستخرج جَذَبُها، وهو جُمَّارُها، فإذا فُعِل بها ذلك يبست ولم تصلح إلا للحطَب.
يقال عَقر فلانٌ النخلةَ، فهي معقورة وعقير.
ومعاقرة الخمر: إدمانُ شُربها، أُخذ من عُقر الحوض، وهو مقام الواردة، فكأنَّ شاربَها يلازم شربها ملازمةَ الإبل الواردة عُقرَ الحوض حتّى تَروَى.
ويقال رفع فلانٌ عقِيرتَه يتغنّى، إذا رفع صوتَه بالغِناء.
وأصله أن رجلًا أصيب عضوٌ من أعضائه وله إبلٌ اعتادت حُداءَه، فانتشرت عليه إبلُه فرفَع صوته بالأنين لما أصابه من العقر في بدنه، فتسمَّت له إبلُه فخُيِّلَ إليها أنَّه يحدو بها فاجتمعت وراعَتْ إلى صوته، فقيل لكلِّ مَن رفع صوتَه بالغناء: قد رفَع عقيرتَه.
وأما قول طُفيل يصف هوادج الظعائن:
عَقارًا يظلُّ الطَّيرُ يخطف زهوَه *** وعالَيْنَ أعلاقًا على كلِّ مُفْأمِ
فإن الأصمعيّ رفع العين من قوله «عُقارا»، وقال: هو متاع البيت.
وأما أبو زيد وابنُ الأعرابيّ فروياه «عَقارا» بالفتح، وقد مرَّ تفسيره في حديث الهِرماس.
وقال أبو زيد: عَقار البيت: مَتاعُه الحَسَن.
قال: ويقال للنَّخل خاصّة من بين المال عَقَار.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: العُقَرة: خَرزةٌ تعلَّق على العاقر لتلد.
قال: والقُرَرة: خرزة للعَين.
والسُّلْوانة: خرزة للإبغاض بعد المحبّة.
وقال الأصمعيّ: العَقَر: أن يُسلّم الرجل قوائمه فلا يقدر أن يمشيَ من الفَرَق.
ويقال رجَعت الحربُ إلى عُقْرٍ، إذا سكنت وعَقْر النَّوى: صرفها حالًا بعد حال.
وقال أبو وَجْزةَ:
حلّت به حَلّةً أسماءُ ناجعة *** ثم استمرت بِعقرٍ من نَوًى قَذَفِ
والعَقْر: موضع.
والعُقير: قرية على شاطىء البحر بحذاء هَجَر.
وقال أبو سعيد: المعاقَرة: المُلاعَنة، وبه سمَّى أبو عبيدةَ كتاب «المعاقرات».
وكلأٌ عُقار: يَعقِر الإبلَ ويقتلُها.
قال: ومنه سمِّي الخمر عُقارًا لأنها تعقر العقل.
وقد قاله ابن الأعرابيّ.
وعُقْر النار: مُعظَمها ووسطها، ومنه قول الهذلي:
كأنَّ ظُباتِها عُقُرٌ بعيجُ
شبّه النصالَ وحدَّها بالجمرِ إذا سُخِيَ.
وتعقَّر شحم الناقة، إذا اكتنز كلُّ موضع منها شحمًا.
ويقال عُقِر كلأُ هذه الأرض،
إذا أُكل.
وقد أعقرتك كلأَ موضع كذا فاعقِره، أي ارعَهُ.
وأخبرني المنذريُّ عن أبي الهيثم أنه قال: العَقَّار والعقاقير: كل نبتٍ ينبُت ممّا فيه شفاء يُستَمشى به.
قال: ولا يسمَّى شيءٌ من العقاقير فُوهًا، يعني واحد أفواه الطِّيب إلَّا التي لها رائحةٌ تُشَمُّ.
ورُوى عن الشعبيّ أنه قال: ليس على زانٍ عُقرٌ.
قال ابن شميل: عُقر المرأة: مَهرها، وجمعه أَعقار.
وقال أحمد بن حنبل: العُقر: المهر.
وقال ابن المظفَّر: عُقر المرأة: دية فرجها إذا غُصِبت فَرجَها.
وقال أبو عبيدة: عُقر المرأة: ثوابٌ تُثابُه المرأةُ من نكاحها.
ويقال عُقِرت ركيّتهم، إذا هُدمت.
وقال أبو عبيد في باب البخيل يُعطى مَرّةً ثمّ لا يعود: «كانت بيضةَ الدِّيك».
قال: فإن كان يُعطى شيئًا ثم يقطعه آخر الدهر قيل للمرة الأخيرة: «كانت بيضة العُقْر».
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
156-تهذيب اللغة (عرق)
عرق: شمر: قال أبو عمرو: العِراق مياه بني سعد بن مالك، وبني مازن بن عمرو بن تميم.ويقال: هذه إبلٌ عراقية.
قال: وسمِّيت العِراق عِراقًا لقُربها من البحر.
قال: وأهل الحجاز يسمُّون ما كان قريبًا من البحر عِراقًا.
ويقال أعرق الرجلُ فهو مُعرِقٌ، إذا أخَذَ في بلد العراقِ.
وقال أبو سعيد: المُعْرِقة: طريقٌ كانت قريش تسلكه إذا سارت إلى الشام تأخذ على ساحل البحر، وفيه سلكت عيرُ قريش حين كانت وقعةُ بدر.
ومن هذا قول عمر لسَلْمان: «أين تأخذ إذا صَدَرت، أعلَى المُعْرِقة أم عَلى المدينة».
وأخبرني المنذري عن إبراهيم الحربي أنه قال في تفسير الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه «وقّتَ لأهل العراق ذات عِرق» قال: العِراق شاطىء البحر أو النهر، فقيل العراق لأنّه على شاطىء دجلة والفرات حتى يتّصل البحر، وهو اسمٌ للموضع.
وعَلِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنهم سيُسلمون ويحجُّون، فبيَّن ميقاتهم.
وقال الليث: العراق: شاطىء البحر على طوله، وقيل لبلد العراق عِراقٌ لأنه على شاطىء دجلة والفرات عِدَاءً حتى يتَّصل بالبحر.
وقال أبو عبيد: قال الكسائي والأصمعي: أعرقنا، أي أخذنا في العراق.
وقال بعضهم: العراق مُعَرَّبٌ، وأصله إيران فعرّبته العرب فقالت: عراق.
قلت: والقول هو الأوّل.
وقال أبو زيد: استعرقت الإبل، إذا رعَت قُرب البحر، وكلُّ ما اتَّصل بالبحر من مَرعًى فهو عِراق.
وقال أبو عبيد: قال أبو زيد: إذا كان الجِلد في أسافل الإداوة مثْنيًّا ثم خُرِزَ عليه فهو عِراق، فإذا سُوِّي ثُمَّ خُرِزَ عليه غير مَثنيٍّ فهو طِباب.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ، قال: العُرُق: أهل الشرف، واحدهم عَريق وعَرُوق.
قال: والعُرُق: أهل السَّلامة في الدين.
وغلامٌ عَريق: نحيف الجسم
خفيف الرُّوح.
والمِعْرق: حديدة يُبرَى بها العُراق من العِظام.
يقال عَرقت ما عليه من اللحم بمِعرق، أي بشفرة.
وفي حديثٍ مرفوع أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بعَرَقٍ من تَمْر.
هكذا رواه ابن جَبَلة وغيره عن أبي عُبيد، وأصحاب الحديث يخفّفون فيقولون عَرْق.
وقال أبو عبيد: قال الأصمعيّ: العَرَق: السَّفيفة المنسوجة من الخُوص قبل أن يسوَّى منها زَبيلٌ، فسمِّي الزَّبيل عَرَقًا لذلك، ويقال له عَرَقَةٌ أيضًا.
قال: وكذلك كلُّ شيء يصطفُّ، مثل الطَّير إذا اصطفَّتْ في السماء، فهو عَرَقة.
وقال غيره: وكذلك كلُّ شيء مضفورٍ عَرْضًا فهو عَرَق.
وقال أبو كبير الهذليّ:
نغدو فنترك في المزاحف مَن ثَوى *** ونُمِرُّ في العَرقات من لم نقتلِ
يعني نأسرهم فنشُدُّهم في العَرَقات، وهي النُّسوع.
وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم: «قال مَن أحيا أرضًا مَيْتةً فهي له، وليس لعرقٍ ظالم حقّ».
قال أبو عبيد: قال هشام بن عروةً ـ وهو الذي روى الحديث ـ العِرق الظالم: أين يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجلٌ قبلَه فيَغرِس فيها غَرسًا، أو يُحدث فيها شيئًا ليستوجب به الأرض.
فلم يجعل له النبي صلى الله عليه وسلم به شيئًا، وأمره بقلع غِراسه ونقض بنائه، وتفريغه لمالكه.
وفي حديث آخر رُوي عن عِكراش بن ذؤيب أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بإبلٍ من صَدَقات قومه كأنها عُروق الأرطَى.
قلت: عُروق الأرطى طِوالٌ ذاهبةٌ في ثرى الرمال الممطورة في الشتاء، تراها إذا استُخرِجت من الثَّرى حُمرًا تقطر ماءً وفيها اكتناز.
فشبَّه الإبل في ألوانها وسمنها وحسنها واكتناز لحومها وشحومها، بعُروق الأرطى.
وعُروق الأرطى يقطُر منها الماءُ لانسرابها في رِيّ الثَّرى الذي انسابت فيه.
والظِّباء وبقر الوحش تجيء إليها في حمراء القيظ فتستثيرها من مساربها وتترشّف ماءها، فتَجزأ به عن ورود الماء.
وقال ذو الرّمة يصف ثورًا حفر أصل أرطاة ليكنس فيه من الحَر فقال:
تَوخّاه بالأظلاف حتّى كأنّما *** يُثير الكُبابَ الجعدَ عن مَتنِ مِحمَلِ
الكُباب: ما تكبَّب من الثرى وجَعُد لرطوبته.
والمِحْمَل: حِمالة السَّيف من السُّيور.
شبّه حمرةَ عروقِ الأرطى بحمرتها.
وفي حديث آخر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم «دخل على أمِّ سلمة وتناول عَرْقًا ثم صلَّى ولم يتوضأ».
العَرْق جمعُه عُراق، وهي العظام التي اعترِق منها هَبْر اللحم وبقيَ عليها لحومٌ رقيقة طيّبة، فتكسَّر وتُطبَخ، ويؤخذ إهالتها من طُفاحتها، ويؤكل ما على العظام من عُوَّذ اللحم الرقيق، ويُتمَشش مُشاشُها.
ولحمُها من أمرأ اللُّحمان وأطيبها.
يقال عرقت العظم وتعرَّقته واعترقتُه، إذا أخذت اللحمَ عنه نَهْسًا بأسنانك.
وعظمٌ معروق، إذا نُفِيَ عنه لحمُه.
وأنشد أبو عبيد لبعض الشُّعراء:
ولا تُهدِي الأمرَّ وما يليه *** ولا تُهدِنَ معروقَ العظامِ
والعُرام مثل العُراق، قاله الرياشيّ.
يقال عَرَمت العظم أعرُمه.
قال: والعِظامُ إذا كان عليها شيء من اللحم تسمَّى عُراقًا.
وإذا جرِّدت من اللحم تسمَّى عُراقًا أيضًا، وهو قول أبي زيد.
وفرسٌ معروق ومُعتَرق، إذا لم يكن على قصبه لحْمٌ.
وقال الشاعر:
قد أشهد الغارةَ الشَّعواءَ تَحملني *** جرداءُ معروقة اللَّحيينِ سُرحُوبُ
وإذا عرِي لَحْياها من اللحم فهو من علامات العِتْق.
وفرس معرَّق، إذا كان مضمَّرًا، يقال عرّق فرسَه تعريقًا، إذا أجراه حتى سال عَرقُه وضَمَر وذهب رَهَلُ لحمه.
والعريق من الخيل: الذي له عِرْقٌ كريم.
وقد أعرقَ الفرسُ، إذا صار عريقًا كريمًا.
والعرب تقول: إنَّ فلانًا لمُعرَقٌ له في الكرم، وفي اللؤم أيضًا.
ويقال أعرق في أعمامه وأخواله وعرَّقُوا فيه.
وقال عمر بن عبد العزيز: إن امرأ ليس بينه وبين آدم أبٌ حَيٌ لمُعْرَق له في الموت.
ويقال أعرقتِ الشجرةُ، إذا انساب عروقُها في الأرض.
وتعرّقَتْ مثله.
والعروق: عُروق نباتٍ فيها صُفرة يصبغ بها.
ومنها عروق حُمر يصبَغ بها أيضًا.
أبو عبيد عن الأصمعي: العَرَقة: الطُّرَّة.
تنسج على جوانب الفُسطاط.
والعَرَقة: خشبة تُعرض على الحائط بين اللَّبِن.
وجَرَى الفرس عَرَقًا أو عَرَقين، أي طَلَقًا أو طَلَقين.
والمُعْرَق من الشراب: الذي قُلِّل مِزاجُه، كأنّه جُعل فيه عِرقٌ من الماء.
والعَرَق: السَّطْر من الخيل، وهو الصفّ.
وقال طُفيلٌ الغَنَوَيُّ يصف الخيل:
كأنّهنَّ وقد صَدَّرن مِن عَرَقٍ *** سيدٌ تمَطَّرُ جُنْحَ اللَّيلُ مبلولُ
قال شمِر: صدَّرن، أي أخرجن صدورهنَّ من الصفّ، زعم ذلك أبو نصر.
قال: وخالفه ابنُ الأعرابي فرواه «صُدِّرنَ من عَرَق»، أي صُدِّرن بعد ما عَرِقْن، يذهب إلى العَرَق الذي يخرج منهنَّ إذا أُجرِينَ.
وقال ابن الأعرابيّ: أعرقت الكأس وعرّقتها، إذا أقللتَ ماءها.
وأنشد قول القطامي:
ومصرَّعِينَ من الكَلالِ كأنَّما *** شرِبوا الطِّلاءَ من الغبوقِ المُعْرَقِ
قال: وعرَّقت في الدَّلو وأعرقت فيها، إذا جعلتَ فيها ماءً قليلًا وأنشد هو أو غيره:
لا تملأ الدَّلوَ وعرِّقْ فيها *** ألَا تَرَى حَبارَ من يسقيها
وفي حديث عمر أنه قال: «ألَا لا تُغالوا صُدُقَ النِّساء فإنّ الرجل يغالي بصداقها حتى يقول جَشِمتُ إليكِ عَرَق القِربة».
قال أبو عبيد: قال الكسائي: عَرَق القِربة: أن يقول نَصِبتُ لكِ وتكلَّفتُ حتى عرِقتُ كعرَق القِربة.
وعَرَقَها: سيلان مائها.
قال: وقال أبو عبيدة: عَرَق القِربة: أن يقول تكلَّفتُ إليك ما لم يبلغه أحدٌ حتّى جَشِمتُ ما لا يكون؛ لأن القربة لا تعرق.
وهذا مثلُ قولهم: «حتّى يَشيب الغُرابُ ويبيضَّ القار» وقال شمر: قال ابن الأعرابي: عَرَق القِربة وعلَقها واحد، وهو مِعلاقٌ تُحمَل به القِربة.
قال: ويقال فلانٌ عِلْق مَضِنَّةٍ وعِرقُ مَضَنَّةٍ، بمعنى واحد، سمِّي عِلْقًا لأنّه عَلِق به لحبِّه إياه.
يقال ذلك لكلِّ ما أحبَّه.
وقال أبو عبيد: وقال الأصمعيّ: عَرَق القربة كلمة معناها الشدَّة.
قال: ولا أدري ما أصلها.
وأنشد قول ابن الأحمر:
ليست بمَشْتَمةٍ تُعدُّ وعَفوُها *** عَرَق السِّقاء على القَعود اللاغبِ
قال أبو عبيد: أراد أنّه يسمع الكلمةَ تغيظه وليست بمشتمةٍ فيأخذ بها صاحبها وقد أُبلِغَتْ إليه كعَرَق السِّقاء على القَعود اللاغب وأراد بالسِّقاء القربة.
وقال شمر: والعَرَق: النَّفْع والثَّواب.
تقول العرب: اتَّخذْت عند فلانٍ يدًا بيضاء وأخرى خضراءَ فما نِلتُ منه عَرَقًا.
وأنشد:
سأجعلُه مكانَ النُّون منِّي *** وما أُعطِيتُه عَرَقَ الخلالِ
يقول: لم أُعطَه للمخالَّة والموادَّة كما يُعطى الخليلُ خليلَه، ولكنّي أخذتُه قَسرًا.
أبو عبيد عن أبي زيد: يقال لقيتُ منه ذاتَ العَرَاقِي، وهي الداهية.
قال: وقال الأصمعيّ: يقال للخشبتين اللتين تُعرَضان على الدَّلو كالصَّليب: العَرْقُوَتان، وهي العَراقي.
وقال الكسائيّ: يقال إذا شددتهما عليها: قد عَرقَيتُ الدَّلوَ عَرقاةً.
وقال الأصمعيّ أيضًا: العَرقوتان: الخشبتان اللتان تضُمّان ما بين واسط الرّحل والمؤخّرة.
والعرب تقول في الدُّعاء على الرجُل: استأصل الله عِرقاتَهُ، ينصبون التاء لأنهم يجعلونها واحدة مؤنثة.
وقال الليث: العِرقاة من الشجر أرومُه الأوسط، ومنه تنشعب العروقُ، وهي على تقدير فِعلاة.
قلت: ومن كسر التاء في موضع النصب وجعلها جمع عِرْقةٍ فقد أخطأ.
وقال شمر: قال ابن شميل: العَرقُوة أكَمة تنقاد ليست بطويلة في السَّماء، وهي على ذلك تُشرِف على ما حولها، وهي قريبٌ من الرَّوض أو غير قريب من الرّوض.
قال: وهي مختلفة، مكانٌ منها ليِّن ومكانٌ منها غليظ، وإنما هي جانبٌ من أرضٍ مستوية، مشرفٌ على ما حوله.
والعَرَاقي: ما اتَّصل من الإكام وآضَ كأنّه حَرفٌ واحدٌ طويل على وجه الأرض.
وأما الأكمة فإنها تكون ملمومة.
وأما العَرقُوةُ فتطول على وجه الأرض وظهرِها، قليلة العرض، لها سَنَدٌ، وقُبْلها نِجافٌ وبِرَاقٌ، ليس بسهلٍ ولا غليظ جدًا، يُنبت، فأمّا ظهره فغليظٌ خَشِنٌ لا يُنبت خيرًا.
وقال أبو خيرة: العَرقُوة والعَراقي: ما غلُظ منه فمنعَكَ من عُلوِّه.
قلت: وبها سمِّيت الدَّاهيةُ العظيمة ذاتَ العراقي، ومنه قول عوفِ بن الأحوص:
لقِينا من تدرُّئكم علينا *** وقَتْلِ سَراتنا ذاتَ العَرَاقي
ويقال: إنّ بغنَمك لعِرْقًا من لبن، قليلًا كان أو كثيرًا.
وقال أبو عمرو: العِراق تقارب الخَرْز، يضرب مثلًا للأمر فيقال: لأمره عِرَاقٌ، إذا استوى.
وإذا لم يستو قيل: ليس لأمره عِراق.
ويقال عَرَقْت القربةَ فهي معروقة من العِراق.
وقال أبو زيد: يقال ما أكثَرَ عَرَقَ غنمِه، إذا كثُر لبنُها عند ولادِها.
وقال الليث: اللبَن: عَرَق: بتحلَّب في العروق حتَّى ينتهيَ إلى الضَّرْع.
وقال الشمّاخ يصف إبلًا:
تُضحي وقد ضَمِنَتْ ضَرّاتُها عَرَقًا *** من ناصع اللَّون حُلو الطَّعم مجهودِ
قلت: ورواه الرواةُ «غُرَقًا»، وهو جمع الغُرقة، وهي الجُرعة من اللَّبَن.
وقال الليث: لبَن عَرِقٌ، وهو الذي يُخضُّ في السِّقاء ويعلَّق على البعير ليس بينه وبين جنب البعير وِقاء، فيعرق ويفسد طعمُه من عَرَقه.
قال: والعِرق: الحَبْل الصغير.
وقال الشماخ:
ما إنْ يزال لها شأوٌ يقدِّمها *** مُحرَّبٌ مثلُ طوطِ العِرق مجدولُ
وفي «النوادر»: يقال تركتُ الحقَ مُعْرِقًا وصادحًا، وسائحًا، أي لائحًا بيّنًا.
أبو عبيد عن الكسائيّ: عَرَق في الأرض عُروقًا، إذا ذهبَ فيها.
وقال غيره: العِرْق الواحد من أعراق الحائط؛ يقال رفَع الحائط بعِرقٍ أو عِرْقين.
ورجلٌ عُرَقةٌ: كثير العَرَق.
وقد تعرَّقَ في الحمّام.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
157-تهذيب اللغة (قعر)
قعر: قال الله جلّ وعزّ: {كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القَمَر: 20] معنى المنقعر المنقلع من أصله.وقال ابن السكّيت: يقال قعرتُ النخلةَ، إذا قلعتَها من أصلها حتّى تسقُط.
وقد انقعرت هي.
وقال لبيد يرثي أخاه:
وأربَدُ فارسُ الهيجا إذا ما *** تقعّرت المَشاجر بالفئامِ
وأخبرني الإياديّ عن شمر عن ابن الأعرابيّ أنّه قال: صحّف أبو عبيدة في مجلسٍ واحدٍ في ثلاثة أحرف فقال: ضربته فانعقر، وإنما هو فانقعر.
وقال: في صدره حَشك والصحيح حَسَك.
وقال: شُلَّت يدُه، والصواب شَلَّت يده.
أبو عبيدٍ عن الكسائيّ: إناءٌ نَصْفانُ وشَطْرانُ: بلغ ما فيه شَطرَه، وهو النِّصف.
وإناءٌ قَعرَانُ: في قعره شيء.
ونَهْدَانُ، وهو الذي علا وأشرفَ.
والمؤنّث من هذا كلِّه فَعْلَى.
وقال الكسائيّ: قَعَرْتُ الإِناءَ، إذا شربتَ ما فيه حتّى تنتهي إلى قَعْرهِ.
وأقعرْت البئر، إذا جعلتَ لها قعرًا.
ويقال بئر قَعِيرة، وقد قَعُرتْ قَعارةً.
وقَعَرتُ شجرةً من أَرومتها فانقعرت.
وامرأة قعيرةٌ وقَعِرةٌ، نَعتُ سَوءٍ في الجماع.
وقَعر كلِّ شيءٍ: أقصاه.
وقعَّر الرجلُ، إذا روّى فنظر فيما يَغمُضُ من الرأي حتَّى يستخرجه.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: القَعَر: العقل التامّ.
ويقال هو يتقعَّر في كلامه، إذا كان يتنحَّى وهو لحَّانة، ويتعاقل وهو هِلباجة.
وقال أبو زيد: يقال ما خرجَ من أهل هذا القعر أحَدٌ مثله، كقولك: من أهل هذا
الغائط، مثل البصرة والكوفة.
وقال ابن الأعرابيّ: قالت الدُّبيرية: القَعْر: الجَفْنة، وكذلك المِعجَن، والشِّيزى والدَّسيعة.
روى ذلك الفراء عن الدُّبيريّة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
158-تهذيب اللغة (قرع)
قرع: يقال أقرعت بين الشُّركاء في شيء يقتسمونه فاقترعوا عليه وتقارعوا فقرعَهم فلان وهي القُرعة.ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ رجلًا أَعتق ستّةَ أعبدٍ له عند موته لا مال له غيرهم، فأقرعَ بينهم وأعتق اثنين وأرَقَّ أربعة.
ثعلبٌ عن ابن الأعرابي.
قال القَرَع والسَّبَق والنَّدَب: الخَطَر الذي يُستَبَقُ عليه.
أبو عبيد عن الأصمعي قال: القَرَع: بثْرٌ يخرج بأعناق الفُصلان وقوائمها، فإذا أرادوا أن يعالجوها نَضَحوها بالماء ثم جرُّوها في التُّراب.
يقال قرَّعت الفصيلَ تقريعًا.
وقال أوس بن حجَر يذكر الخيل:
لدى كلِّ أخدود يغادرنَ دارِعًا *** يُجَرُّ كما جُرَّ الفصيلُ المُقَرَّعُ
ومن أمثالهم السائرة: «استنَّتِ الفِصالُ حتَّى القَرْعَى»، يُضرب مثلًا لمن تعدَّى طورَهُ وادّعى ما ليس له.
وقال شمر: العوامُّ يقولون: «هو أحَرُّ من القَرْع»، وإنما هو من القَرَع.
والقَرَع: قَرَعُ الفِناء من المرعى، وقَرَعُ مأوى المال ومُراحها من المال.
ويقال أيضًا قَرِعَ فِناءُ فلانٍ، إذا لم تكن له غاشيةٌ يَغْشَونه.
وقال الهذليّ:
وخذَّالٌ لمولاه إذا ما *** أتاه عائلًا قَرِع المُراحِ
والقَرَع: قرَع الكرش، وهو أن يذهب زئبُره ويرقّ في شدّة الحرّ.
والقَرَع: قَرَع الرأس، وهو أن يَصلَع فلا يبقى على رأسه شعر، يقال رجلٌ أقرع وامرأة قرعاء.
وقال ابن الأعرابيّ: قرعاء الدار: ساحتها.
وقال النضر: أرض قرِعة: لا تنبت شيئًا.
والقرعاء: مَنْهَلة من مناهل طريق مَكَّة بين العَقَبة والعُذَيب.
وجاء فلانٌ بالسَّوءَة القرعاء والسَّوءة الصَّلعاء، وهي المنكشفة.
وأصبحت الرياضُ قُرْعًا: قد جَرَدتها المواشي فلم تَدَع بها شيئًا من الكلأ.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «يجيء كنز أحدهم يوم القيامة شجاعًا أقرعَ له زَبيبتان» قال أبو عمرو: هو الذي لا شعرَ على رأسه.
وقال أبو عبيد: والشُّجاع: الحيّة، وسمي أقرعَ لأنَّه يَقرِي السّمَّ ويجمعه في رأسه حتَّى يتمعَّط منه فروةُ رأسه.
وقال ذو الرمّة يصف حيّة:
قرى السمَّ حتّى انمازَ فروةُ رأسِه *** عن العظم صِلٌّ فاتك اللَّسعِ ماردُه
وقال أبو عمرو: أمّا قولهم ألفٌ أقرعُ فهو التَّامّ.
وقال ابن السكيت: تُرسٌ أقرعُ، إذا كان صُلبًا، وهو القَرَّاع أيضًا.
وقال أبو قيس ابن الأسلت:
ومُجْنأ أسمرَ قرّاعِ
وقال آخر:
فلما فَنَى ما في الكتائب ضاربوا *** إلى القُرْع من جِلد الهِجانِ المجوَّبِ
أي: ضَربوا بأيديهم إلى التِّرَسةِ لمّا فنيت سهامُهم.
وفَنَى بمعنى فَنِيَ في لغة طيِّىء.
وقِدْح أقرع، وهو الذي حُكَّ بِالحصى حتّى بدت سَفاسِقُه، أي طرائقه.
وعُودٌ أقرع، إذا قَرِع من لحائه.
والقريع: الفحل الذي يُصَوَّى للضِّراب.
ويقال فلانٌ قَرِيعُ الكتِيبة وقِرِّيعها، أي رئيسها.
وقال ابن السكيت: قريعةُ البيت: خير موضع فيه، إن كان في حَرٍّ فخيارُ ظِلِّه، وإن كان في برد فخيار كِنِّه.
وقُرعة كلِّ شيء خيارُه.
ويقال إنّ ناقتك لقريعة، أي مؤخرة للضَّبَعة.
وقد قَرَع الفحل الناقةَ، إذا ضربَها.
واستقرعت الناقة، إذا اشتهت الضراب، وكذلك البقرة.
والقُرعة: الجِرابُ الواسع يُلقَى فيه الطّعام.
وقال أبو عمرو: القُرعة: الجرابُ الصغير، وجمعها قُرَعٌ، رواه ثعلب عن عمرو عن أبيه.
وأخبرني المنذريّ عن الحربي أنه قال في حديث عمّار قال: قال عمرو بن أسد بن عبد العُزَّى حين قيل له: محمد يخطب خديجة، قال: نِعم البُضْع لا يُقرَع أنفه.
قال أبو إسحاق: قوله «لا يُقرَع أنفه» كان الرجل يأتي بناقة كريمة إلى رجل له فحلٌ يسأله أن يُطرقَها فحلَه، فإنْ أخرجَ إليه فحلًا ليس بكريمٍ قرعَ أنفه وقال: لا أريده.
وهو مَثلٌ للخاطب الكفيء الذي لا يُرَدُّ إذا خطبَ كريمةَ قوم.
وفي حديث آخر: «قَرِع المسجدُ حين أصيبَ أصحابُ النَّهْر».
قال الحربي: معنى قوله «قَرِع المسجدُ» أي قلّ أهله، كما يَقرع الرأسُ إذا قلَّ شعره.
وفي حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه لما أتى على مُحَسِّر «قَرَع راحلتَه»، أي ضربها بسوطه.
قال: وحدّثني أبو نصر عن الأصمعي، يقال «العَصَا قُرِعتْ لذي الحلم»، يقول:
إذا نُبِّه انتبَه.
وأنشد:
لذِي الحلمِ قبلَ اليوم ما تُقرَعُ العصا *** وما عُلِّم الإنسانُ إلّا ليعلما
قال: وقال الأصمعيّ: يقال فلانٌ لا يُقرع، أي لا يرتدع.
قال: وقَرَع فلانٌ سِنَّهُ ندمًا.
وأنشدنا أبو نصر:
ولو أنّي أطعتُك في أمورٍ *** قَرعتُ ندامةً من ذاك سِنّي
قال.
وأخبرني أبو نصر عن الأصمعيّ قال: قارعة الطريق: ساحتُها.
وقَرِع المُراح، إذا لم يكن فيه إبل.
وقارعة الطريق: أعلاه.
وأنشد لبعضهم، ويقال إنه لعمر بن الخطَّاب:
متى ألقَ زِنباعَ بن رَوحٍ ببلدة *** لي النِّصف منها يَقرع السنَّ مِن نَدَم
وكان زنباع بن رَوْح في الجاهلية ينزلُ مَشارفَ الشام، وكان يَعْشُر من مَرَّ به، فخرجَ في تجارة إلى الشام ومعه ذَهَبَة قد
جعلها في دَبِيل وألقَمَها شارفًا له، فنظر إليها زنباعٌ تَذرِف عيناها فقال: إنّ لها لشأنًا.
فنحرها ووجد الذهبةَ، فعَشَرها، فقال عمر هذا البيت.
وفي حديث آخر أن عُمر أخذ قَدَحَ سَويقٍ فشرِبَه حتى قرعَ القدحُ جبينَه.
قال إبراهيم: يقال قرعَ الإناء جبهةَ الشارِبِ، إذا استوفَى ما فيه.
وأنشد:
كأنَّ الشُّهبَ في الآذان منها *** إذا قَرَعوا بحافتها الجبينا
قال: وفي حديث أبي أمامة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن لم يغْزُ أو يجهِّزْ غازيًا أصابه الله بقارعة».
قال: وأخبرني أبو نصر عن الأصمعي: يقال أصابته قارعة، يعني أمرًا عظيمًا يقرعُه.
وقال الكسائيّ: القارِعةُ: القيامة.
وقاله الفراء.
وقال أبو إسحاق: والقرَّاع: طائر له منقارٌ غليظ أعقف، يأتي العُودَ اليابسَ فلا يزال يَقرعُه حتى يدخُلَ فيه.
قال: واقتُرِع فلانٌ، إذا اختير، ومنه قيل للفحل قريع.
وقال أبو عمرو: القِراع: أن يأخذ الرجل الناقة الصَّعبةَ فيُربِضَها للفحل فيبسُرها.
يقال قرِّع لجملِك.
وقريعة الإبل: كريمتها.
والمُقْرَع: الفحل يُعقَل فلا يُترك أن يضرب في الإبل، رغبةً عنه.
قال: وتميمٌ تقول: خُفَّانِ مُقْرَعانِ، أي مُنقلان.
وأقرعت نعلي وخُفِّي، إذا جعلتَ عليها رُقعةً كثيفة.
قال: والقريع من الإبل: الذي يأخذ بذراع الناقة فينيخها.
وأخبرني أبو نصرٍ عن الأصمعيّ قال: إذا أسرعت الناقةُ اللَّقَح فهي مِقراع.
وأنشد:
ترى كلَ مِقراعٍ سريعٍ لقاحُها *** تُسِرُّ لِقاحَ الفحل ساعةَ تُقرَعُ
وقرعَ التَّيْسُ العَنْز، إذا قفطَها.
أبو عبيد عن الأمويّ: يقال للضأن قد استوبلت، وللمعزى استدَرَّت.
وللبقر: استقرعت، وللكلبة: استحرمت.
وقال النضر: القَرْعة: سِمَةُ على أيبَسِ الساق، وهي رَكزَةٌ بطرف المِيسَم، وربَّما قُرعَ قرعةً أو قرعتين.
وبعير مقروع وإبل مقرّعة.
أبو عبيد عن الأصمعي: يقال فلان لا يُقرَع، أي لا يرتدِع.
فإذا كان يرتدع قيل رجلٌ قَرِع ويقال أقرعته، إذا كففتَه.
وقال رؤبة:
دَعني فقد يُقرِع للأضزِّ *** صكَّى حجاجَيْ رأسِه وبَهزي
وقال أبو سعيد: يقال فلانٌ مُقْرِعٌ له ومُقْرِن له، أي مطيق، وأنشد بيت رؤبة هذا.
فقد يكون الإقراع كفًّا، ويكون إطاقةً.
وقال رؤبة في الكفّ:
أقرعَه عنّي لجامٌ يُلجمُه
أبو عبيد عن الفراء: أقرعتُ إلى الحقِ إقراعًا، إذا رجعتَ إليه.
وقال ابنُ السكيت: قرَّع الرجلُ مكانَ يده من المائدة فارغًا، أي جعله فارغًا.
أبو عبيد عن الفراء: بتُ أتقرَّعُ البارحةَ، أي أتقلَّب.
قال: وقرّعتُ القوم، أي أقلقتُهم.
وأنشد الفراء:
يقرِّع للرجال إذا أتَوه *** ولِلنِّسوان إن جئن السَّلامُ
وقال غيره: قرّعتُ الرجلُ إذا وبَّختَه وعذَلته.
ومرجعه إلى ما قال الفراء.
واستقرعَ حافرُ الدابة، إذا اشتدَّ.
واستقرع الكرِشُ، إذا استوكَعَ.
والأكراش يقال لها القُرْع.
وقال الراعي:
رعَينَ الحَمْضَ حَمضَ خُناصراتٍ *** بما في القُرع من سَبَل الغوَادِي
قيل: أراد بالقُرع غُدرانًا في صلابة من الأرض.
والأكراش يقال لها قُرعٌ، إذا ذهب خَملُها.
ومكان أقرع: شديدٌ صلب، وجمعه الأقارع.
وقال ذو الرّمة:
كَسا الأكمَ بُهَمَى غَضَّةً حبشيّةً *** تؤامًا ونُقعانَ الظهور الأقارعِ
ويقال أقرع المسافر، إذا دنا من منزله.
وأقرعَ دَارَه آجُرًّا، إذا فرشَها بالآجرّ.
وأقرعَ الشَّرُّ، إذا دام.
وأقرعَ الرجلُ عن صاحبه وانقرعَ، إذا كفّ.
وفي حديث علقمة أنه كان يقرِّع غنمَه، أي يُنْزِي التَّيسَ عليها.
أبو عمرو: القَروع من الركايا: التي تُحفَر في الجبل من أعلاها إلى أسفلها.
وقال الفرّاء: هي القليلة الماء.
وأقرعَ الغائص والمائح، إذا انتهى إلى الأرض.
والقرّاعة والقدّاحة: التي يُقتدح بها النار.
والقِراع والمقارعة: المضاربة بالسُّيوف.
والقَرْع: حَمْل اليقطين.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبُ القَرْع.
ويقال قوارعُ القرآن: الآيات التي من قرأها أمِنَ، مثل آية الكرسيّ وآيات آخر سورة البقرة.
وقول الله سبحانه: {وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ} [الرّعد: 31] وقيل في التفسير: سِرّيةٌ من سَرايا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
ومعنى القارعة في اللغة: النازلة الشديدة تنزِل عليهم بأمرٍ عظيم؛ ولذلك قيل ليوم القيامة القارعة.
ويقال أنزلَ الله قَرعاءَ وقارعة ومُقْرِعة، وأنزلَ به بيضاء ومبيضة، وهي المصيبة التي لا تدَعُ مالًا ولا غيره.
والمِقْرعة: التي يُضرَب بها الدابّة.
والإقراع: صكُّ الحمير بعضِها بعضًا بحوافرها.
وقال رؤبة:
أو مُقْرَعٌ من ركضها دامى الزَّنَقْ
عمرو عن أبيه: القريع: المقروع.
والقريع: الغالب.
ثعلب عن ابن الأعرابي: يقال: قَرَعَ فلانٌ في مِقْرعهِ، وقَلَد في مِقْلده، وكَرص في مِكرصه، وصَربَ في مِصربه، كلُّه السِّقاء والزِّقّ.
قال: والمِقْرع: وعاءٌ يُجبَى فيه التَّمر، أي يجمع.
وقال أبو عمرو الشيباني: يقال إنما قَرَعناك واقترعناك، وقَرحناك واقترحناك، ومَخَرْناك وامتَخَرْناك، وانتضلناك، أي اخترناك.
ثعلب عن ابن الأعرابي: قَرِع الرجل إذا قُمِر في النضال.
وقَرِع، إذا افتقرَ.
وقرِع، إذا اتَّعظ.
ابن السكيت: القَرِيعة والقُرعة: خيار المال.
ويقال قد أقرعوه، إذا أعطوه خيرَ النَّهب.
ويقال ناقة قريعة، إذا كان الفحل يكثر ضرابها ويبطىء لقاحها.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
159-تهذيب اللغة (علق)
علق: أبو عبيد عن الفراء قال: القامة هي العَلَق، وجمعه أعلاقٌ.وأنشد:
عيونها خُزرٌ لصوت الأعلاقْ
قلت: العَلق: اسمٌ جامع لجميع آلات الاستقاء بالبكَرة، ويدخل فيه الخشبتانِ اللَّتان تُنصَبان على رأس البئر، ويُلاقَى بين طرفيهما العاليين بحبلٍ، ثم يوتَّدان على الأرض بحبل آخر يمدُّ طرفاه إلى الأرض، ويمدّان إلى وتدين أُثبتا في الأرض، وتعلَّق القامة ـ وهي البَكَرة ـ مِن شُعبتي طرفي الخشبتين، ويستقي عليها بدلوين ينزِع بهما ساقيان.
ولا يكون العَلَق للسَّانية.
وجملة الأداة من الخطَّاف والمِحور والبكرة والنعامتين وحِبالها عَلقَ هكذا خفظتُه عن العرب.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَلَق: الحبل المعلَّق بالبكرة.
وأنشد:
بئس مَقام الشيخ ذي الكرامهْ *** مَحالةٌ صرَّارةٌ وقامه
وعَلَقٌ يزقو زُقاء الهامه
قال: لما كانت البكرة معلَّقة في الحبل جعل الزُّقاءُ له، وإنّما هو للبكرة.
قال: والعَلَق: الحبل الذي في أعلى البكرة.
قال: وقوله «كَلِفْتُ إليكَ عَلَق القِربة» و «عَرَق القِربة».
فأمّا علقها فالذي تشدُّ به ثم تعلَّق.
وأمّا عَرَقها فأنْ تَعرقَ من جَهدها.
قال: وإنما قال: كلِفتُ إليك عَلَق القربة لأنّ أشدّ العمل عندهم السَّقي.
وفي الحديث أنّ امرأةً جاءت بابنٍ لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أعلقت عنه من العُذْرة، فقال: «عَلامَ تَدْغَرن أولادكنَّ بهذه العُلَق، عليكم بكذا».
وقال عثمان بن سعيد في حديث أمِّ قيس: «دخلتُ على النبي صلى الله عليه وسلم بابنٍ لي وقد أعلقْتُ عنه».
قال: قال علي بن المديني: قال سفيان: حفظتُه من في الزُّهري: «وقد أعلَقتُ عنه».
قلت: والإعلاقُ: معالجة عُذْرة الصبيّ ورفْعُها بالإصبع.
يقال أعلقَتْ عنه أمُّه، إذا فعلَتْ ذلك به وغمزَتْ ذلك الموضع بإصبعيها ودفعتْه.
وقال ابن الأعرابيّ فيما روَى عنه أبو العباس: أعلقَ، إذا غَمَزَ حلْقَ الصبيِّ المعذور؛ وكذلك دَغَرَ.
قال: والعُلُق: الدواهي.
والعُلقُ: المنايا أيضًا.
والعُلُق أيضًا: الأشغال.
وقال الله عزوجل: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} [المؤمنون: 14]، العَلَقة: الدم الجامد الغليظ، ومنه قيل لهذه الدابَّة التي تكون في الماء عَلَقة، لأنّها حمراء كالدم.
وكلُّ دمٍ غليظٍ عَلقٌ.
ويقال عَلِق العَلَق بِحنَك الدابّة يَعْلَق عَلَقًا، إذا عضَّ على مَوضع العُذرة من حلقه يشربُ
الدم.
وقد يُشرَط موضعُ المحاجم من الإنسان ويرسَل عليه العَلَق حتى يمصَّ دمَه.
قال: والمعلوق من الدوابّ والناس: الذي أخذَ العلقُ بحَلْقه عند شُربه الماء من عينٍ أو غيره.
ويقال عَلِق فلانٌ فُلانةَ، إذا أحبَّها؛ وقد عُلِّقها تعليقًا، وهو معلَّق القلبِ بها.
والعَلَاقة: الهوى اللازمُ للقلب.
والعِلاقة بالكسر: عِلاقة السيف والسَّوط.
ويقال: عَلِق فلانٌ يفعل كذا، كقولك: طفِق يفعل كذا.
ويقال جاء بعُلَقَ فُلَقَ.
وقد أعلقَ وأفلقَ، إذا جاء بالداهية.
وعُلَق فُلَق لا ينصرف.
حكاه أبو عبيد عن الكسائي.
الحرّانيُّ عن ابن السكِّيت: ناقة عَلوقٌ، إذا رئمت بأنفها ومنعَتْ دِرّتها.
وأنشد للجعْديّ:
وما نَحَنِي كمِناح العَلُو *** قِ ما تَرَ من غِرّةٍ تضربِ
يقول: أعطاني من نفسه غير ما في قلبه، كالناقة التي تُظهِر بشمِّها الرأمَ والعطف، ولم ترأمْه.
أبو عبيد عن الكسائي: المَعَالق من الإبل مثل العَلوق.
وأنشد غيره:
أم كيف ينفع ما تعطي العَلوقُ به *** رئمانَ أنفٍ إذا ما ضُنَّ باللَّبنِ
وقال ابن السكيت: العَلِيقة: الناقة يعطيها الرجلُ القومَ يمتارون، ويعطيهم دراهمَ ليمتاروا له عليها.
وأنشد:
أرسلَها عليقةً وقد علِمْ *** أنَ العَليقاتِ يُلاقين الرَّقِمْ
يعني أنَّهم يودّعون رِكابهم ويخفِّفون عنها بهذه العليقة يركبونها.
وقال غيره: يقال للدابّة عَلوقٌ.
والعَلوق:
المَغْرة أيضًا.
والعَلوق: نبت.
وقال الأعشى:
هو الواهب المائة المصطفا *** ة لاطَ العَلوقُ بهنَّ احمرارا
أي: حسَّن هذا النبتُ ألوانَها.
وقال أبو الهيثم: العَلوق: ماء الفحل، لأنَّ الإبلَ إذا عَلِقَتْ وعقَدت على الماء انقلبت ألوانُها واحمرَّت، فكانت أنفَسَ لها في نفْس صاحبها.
وفي الحديث: «أرواح الشُّهداء في أجواف طَيرٍ خُضْرٍ تَعلُق من ثمار الجنّة»، قال أبو عبيد: قال الأصمعيّ: تعلُق يعني تَنَاوَلُ بأفواهها.
يقال علقَتْ تعلُق عُلوقًا.
وأنشد:
إنْ تدنُ من فَنَنِ الألاءة تعلُقِ
الأصمعيّ: المِعْلق: قَدَحٌ يعلِّقه الراكب منه، وجمعه مَعَالق.
أبو عبيد عن الأحمر: حديثٌ طويل العَوْلق، أي طويل الذَّنَب.
ويقال فلانٌ عِلْقُ علمٍ، وطِلبُ علمٍ، وتِبعُ علم.
والعُلْقة من الطعام والمركب: ما يُتبلَّغ به وإن لم يكن تامًّا.
ومنه قولهم: «ارضَ من
المركب بالتعليق»، يضرب مثلًا لرجلٍ يؤمر بأن يقنعَ ببعض حاجته دون تمامها، كالراكب عليقةً من الإبل ساعةً بعد ساعة.
ويقال: هذا الكلأ لنا فيه عُلقة أي بُلْغة.
وعندهم عُلقةٌ من متاعهم، أي بقيّة.
والعُلْقة من الطعام: القليل الذي يُتَبَلَّغ به.
وقال ابن السكيت: العَلْقَى: نبت.
وبعيرٌ عالقٌ: يَرَعَى العَلْقَى.
قال: ويقال ما في الأرض عَلَاق، وما فيها لَبَاقٌ، أي ما فيها مُرتَقَع، ويقال ما فيها ما يتبلَّغ به.
وقال:
ليسَ إلّا الرّجيعَ فيها عَلَاقُ
الرَّجيع: الجِرَّة.
وقال الله عزوجل في صفة المرأة التي لا يُنصِفها زوجُها ولا يُحسِن مُعاشرتَها ولا يخلِّي سبيلَها: {فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ} [النِّساء: 129].
وامرأةٌ معلَّقةٌ، إذا لم يُنفقْ عليها زوجُها ولم يطلِّقْها، فهي لا أيِّمٌ ولا ذاتُ بعل.
ويقال علّق فلانٌ لراحلته، إذا فسخَ خِطامها عن خَطْمها وألقاه على غاربها فيكون أهنأ لرعيها.
والعِلْقة: الإتْب، يلبسها نساء الأعراب وقال ابن السكيت: العِلْق: الشيء النفيس.
قال: والعَلْق في الثَّوب: ما عَلِق به.
يقال هذا الشيء عِلْق مَضَنّةً، أي يُضَنَّ به، وجمعه أعلاق.
ويقال ما عليه عِلقة، إذا لم يكن عليه ثوب له أدنى قيمة.
وقال أبو العباس العِلقة: الصُّدرَة تلبسها الجارية تتبذَّل به.
ويقال فلانٌ ذو معلاقٍ وفلان مِفلاقٌ، إذا كان شديدَ الخصومة، ومنه قول مهلهِل يرثي كليبًا:
إنّ تحتَ الأحجار حزمًا وعزمًا *** وخصيمًا ألدَّ ذا مِعلاقِ
ومِعلاق الرجُل: لسانه إذا كان جَدِلًا.
ويقال للمِعلاق مُعلوق، وهو ما يعلَّق عليه الشيء.
وقال الليث: أدخَلوا على المعلوق الضمة والمدّة، كأنّهم أرادوا حدَّ المُدهُن والمنخُل ثم أدخلوا عليه المدَّة.
وكلُّ شيء عُلِّق به شيء فهو مِعلاقُه.
قال: وفرقُ ما بين المعلاق والمِغْلاق أنَّ المغلاق يفتح بالمفتاح، والمعلاق يعلَّق به الباب ثم يدفع المعلاق من غير مفتاح فينفتح.
يقال علِّق البابَ وأزلجْه.
قال: ويكون تعليق الباب تركيبه ونصبه.
وقال الليث: والعَولَق: الغُول.
وكلبة عَولقةٌ: حريصة.
وقال الطرِمّاح:
عَوْلَقُ الحِرصِ إذا أمشَرَتْ *** ساوَرَتْ فيه سُؤورَ المَسَامْ
والعَليق: القَضيم يعلق على الدابّة.
قال: ويقال للشراب عليق.
وأنشد لبعض الشعراء وأظنه شعرًا مصنوعًا:
اسقِ هذا وذا وذاك وعلِّقْ *** لا تسمِّ الشرابَ إلّا عليقا
ويقال للشيخ: لقد عَلِقَ الكِبَرُ منه مَعالِقَه، جمع مَعلق.
ومعاليق العقود والشُّنوف: ما يُجعل فيها من كل ما يحسُن فيها.
والعُلَّيق: نبات معروف يتعلَّق بالشجر ويلتوي عليه.
وقال ابن السكيت: العَلوق: ما يعلق بالإنسانِ.
قال: والمنيّةُ عَلوق.
وقال
المفضَّل النُّكري:
وسائلةٍ بثعلبةَ بنِ سَيرٍ *** وقد علقتْ بثعلبةَ العَلوقُ
ومَعاليقُ: ضربٌ من النَّخل معروف.
وقال الراجز يصفه:
لئن نجوتُ ونَجتْ معاليقْ *** من الدَّبا إنّي إذا لمرزوقْ
أبو الحسن اللحياني: سلق فلانٌ فلانًا بلسانِه وعَلَقه، إذا تناولَه.
وقال ابن شميل: يقال لفلان في هذه الدار عِلاقة، أي بقيّةُ نصيبٍ.
والدَّعوى يقال لها عِلاقة.
وقال ابن السكيت: بعيرٌ عالق: يرعى العَلَقى.
وبعير عالقٌ: يعلُق العضاهَ، أي ينتِف منها، سمِّي عالقًا لأنه يعلُق العضاهَ لطُوله.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
160-تهذيب اللغة (قلع)
قلع: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يدخلالجنةَ قَلَّاعٌ ولا دَيْبوب».
قال أبو العباس: سمعت ابن نجدة يقول: قال أبو زيد: القَلَّاع: الساعي بالرجل إلى السُّلطان بالباطل.
قال: والقَلّاع: القوّاد.
والقلَّاع: النّباش.
والقلّاع: الكذاب.
قال: وقال ابن الأعرابيّ: القَلَّاع: الذي يقع في الناس عند الأمراء، سمِّي قلَّاعًا لأنه يأتي الرجل المتمكّن عند الأمير، فلا يزال يقع فيه ويَشِي به حتَّى يقلعَه ويُزيلَه عن مرتبته.
والدّيبوب: النّمام القَتَّات.
وقال الليث: يقال: قد أقلعوا بهذه البلاد قِلاعًا، إذا ابتَنوها.
وأنشد في صفة السُّفن:
مَواخرٌ في سَواءِ اليمِ مُقْلَعةٌ *** إذا علَوْا ظهرَ قُفٍّ ثُمّت انحدروا
قال: شبَّهها بالقلعة.
أُقلِعتْ: جُعِلت كأنَّها قلعة.
قلت: أخطأ الليث في تفسير قوله مُقْلَعة أنّها جُعِلت كالقلعة وهي الحِصن في الجبل.
والسُّفن المُقلَعة: التي سوِّيت عليها القِلاع، وهي الشِّراع والجِلال التي إذا رُفعت ساقت الريحُ السفينةَ بها.
وأخبرني أبو الفضل عن أبي العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: القِلاع: شِراع السفينة، والجميع: القُلُع.
قال: والقُلَاع والخُرَاع واحد، وهو أن يكون صحيحًا فيقعَ ميتًا، يقال انقلع وانخرعَ.
قال: والقَلْع: الكِنْف تكون فيه الأدوات.
قال: ومن أمثالهم: «شحمِي في قَلْعي»، والجميع قلعة وقلاع.
قال: ومعنى قولهم «شحمي في قلعي» مثلٌ لمن حصَّل ما يريد قال: وقول عمر في ابن مسعود: «كُنَيْفٌ مليء عِلمًا» شبّه عمر قلب ابن مسعود بكِنْف الراعي، لأنَّ فيه مِبراتَه ومِقَصَّيْه وشَغِيزته ونُصُحَه، ففيه كلُّ ما يريد.
هكذا قلْبُ ابن مسعود قد جمع فيه كلّ ما يحتاج إليه الناسُ من العلوم.
وقال ابن الأعرابي: القَلَعة: السَّحابة الضخمَة، والجميع قَلَع.
والحجارة الضَّخمة هي القَلَع أيضًا.
قال: والقَلْعة: الحصن، وجمعه قُلوع قال: والقُلَّاع: الحجارة والقِلْع: الرجل البليد الذي لا يفهم.
والقِلْع: الذي لا يثبت على الخيل.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم وصفته، أنه «كان إذا مشى تَقَلَّع»، وفي حديث ابن أبي هالة: «إذا زال زال قَلِعًا» ويروى «قُلْعًا» والمعنى واحد، أراد أنَّه كان يُقلُّ قَدَمَه على الأرض إقلالًا بائنًا ويباعد بين خُطاه، لا كمن يمشي اختيالًا وتنعُّمًا.
أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: القَلُوع: القوس التي إذا نُزِع فيها انقلبت وقال غيره: القَلوع: النَّاقة الضَّخمة الثَّقيلة، ولا يقال للجمل؛ وهي الدَّلوح أيضًا.
والقَيلع: المرأة الضخمة الجافية.
قلت: وهذا كلُّه مأخوذٌ من القَلَعة وهي السَّحابة الضخمة.
وكذلك قَلَعة الجبل والحجارة.
وقال الفراء: يقال مَرْج القَلَعة: للقرية التي دون حُلوانِ العراق، ولا يقال مرج القَلْعة.
وقال أبو عبيد: قال الأصمعي: القَلَع:
الوقت الذي تُقلِع فيه الحمَّى.
والقُلُوع: من الإقلاع.
وأنشد:
كأنّ نَطاة خَيبرَ زوّدَتْه *** بَكورَ الوِرد ريِّثةَ القُلوعِ
ونَطاة خَيبر: قرية منها على عين ماء مُؤبٍ، وهي كثيرة الحمّى.
أبو عبيد عن الفراء قال: القُلّاعة والقُلَاعة، يشدّد ويخفّف، هما قِشْر الأرض الذي يرتفع من الكمأة فيدلُّ عليها، وهي القِلْفِعة.
وقال الليث: القُلَّاع: الطين الذي يتشقق إذا نضَب عنه الماء، كلُّ قطعة منها قُلّاعة.
وقال ابن الأعرابي: القُلّاع: نبتٌ من الجَنْبة، ونِعم المرعى هو رطبًا كان أو يابسًا.
رواه ابن حبيب عنه.
والقُلَاع بالتخفيف من أدواء الفم والحلق.
ويقال أقلعَ الرجلُ عن عمله، إذا كفَّ عنه.
وأقلعت السماء بعدما مَطَرت، إذا أمسكت.
وقال أبو عبيدة: دائرة القالع هي التي تكون تحت اللِّبْد، وهي لا تُستَحبّ.
الحرّاني عن ابن السكيت قال: القَلْعان هما من بني نُمير، وهما صَلَاءةُ وشُريحٌ ابنا عمرو بن خَوَيلفة بن عبد الله بن الحارث بن نُمير.
وأنشد:
رغبنا عن دماء بني قُريعٍ *** إلى القَلْعَينِ إنّهما اللُّبابُ
وقلنا للدَّليل أقِمْ إليهم *** فلا تلغَنى بغيرهم كلابُ
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
161-تهذيب اللغة (عنق)
عنق: قال الله جلّ وعز: {فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ} [الشُّعَرَاء: 4] أكثر المفسِّرين ذهبوا بمعنى الأعناق في هذه الآية إلى الجماعات، يقال جاء القوم عُنُقًا عنقًا، إذا جاءوا فرقًا، كلُّ جماعةٍ منهم عُنق.ومنه قوله:
إن العراقَ وأهلهُ *** عنقٌ إليك فهَيْتَ هَيتا
أراد أنّهم مالوا إليك جميعًا.
ويقال هم عُنُق واحدٌ عليه، وإلبٌ واحد.
وقيل في تفسير الآية: (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ)، أي رقابهم، كقولك: ذلّت له رقاب القوم وأعناقهم.
وقد مرَّ تفسير قوله (خاضِعِينَ) على ما قال فيه النحويون.
والعُنُق مؤنّثة، وقد ذكّره بعضهم، قالهُ الفراء وغيره.
يقالُ ضُرِبَتْ عنقه.
وقال رؤبة يصف السَّراب أو الآل:
تبدو لنا أعلامُه بعد الغَرَقْ *** خارجةً أعناقُها من مُعتَنَقْ
ذكر السرابَ وانقماس الجبال فيه إلى ما دون ذُراها.
والمعتنق: مخرج أعناق الجبال من السَّراب، أي اعتنقت فأخرجت أعناقَها.
ويقال عانق الرجلُ جاريته، وقد تعانقا.
فأما الاعتناق فأكثر ما يستعمل في الحرب، ومنه قول زهير:
إذا ما ضاربوا اعتنقا
وقد يجوز الاعتناق في غير الحرب بمعنى التعانق، وكلٌّ في كلٍّ جائز.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: العُنُق: الجمع الكثير من الناس.
قال: والعُنق: القطعة من المال.
قال: والعنق أيضًا: القطعة من العمل، خيرًا كان أو شرًا.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤذّنون أطولُ الناسِ أعناقًا يومَ القيامة».
قال ابن الأعرابيّ: يقال لفلانٍ عنقٌ من الخير، أي قطعة، فمعناه أنهم أكثر الناس أعمالًا.
وقال غيره: هو من طول الأعناق؛ لأن الناس يومئذٍ في الكرب وهم في الرَّوح والنشاط مشرئبّون لما أُعِدَّ لهم من النعيم.
وفي حديث آخر: يخرج عُنُق من النار».
وقد تخفّف العُنُق فيقال عُنْق
والعانقاء: جُحرٌ من جِحَرة اليربوع يملؤه ترابًا، فإذا خاف اندسَّ فيه إلى عنقه فيقال: تعنَّق.
قال: وأخبرني المفضّل أنه يقال لجِحَرة اليربوع: الناعقاء والعانقاء، والقاصعاء، والنافقاء، والراهطاء، والدَّامَاء.
أبو عبيد: من أمثال العرب: «طارت بهم العَنْقاء المُغْرِب» ولم يفسِّره، وقال الليث: العنقاء: اسم مَلِك، والتأنيث عنده للفظ العنقاء.
وقال غيره: العنقاء من أسماء الداهية.
وقيل العنقاء طائر لم يَبقَ في أيدي الناس من صفتها غير اسمها؛ يقال: «ألوَى به العُنْقاء المُغْرب».
وقال أبو زيد: العنقاء: أكمة فوق جبل مُشْرف.
وقال الزجاج: العنقاءُ المُغْرب: طائر لم يره
أحد.
وقال عِكرمة في قول الله جلّ وعزّ: {طَيْرًا أَبابِيلَ} [الفِيل: 3] قال: هي عنقاءُ مُغْرِبة.
فهذا جميع ما جاء في العنقاء المغرب.
وقال ابن شميل: إذا خرجَ من النهر ماءٌ فجرى فقد خرجَ عُنُق.
قال: والعُنُق من الناس الجماعة.
وجاء القوم عُنقًا عُنقًا، إذا جاءوا أرسالًا.
وقال الأخطل:
وإذا المِئونُ تواكَلتْ أعناقُها *** فاحملْ هناكَ على فتًى حَمَّالِ
قال ابنُ الأعرابيّ: أعناقها: جماعاتها.
وقال غيره: ساداتها.
وقال: المِعْنَقة: القلادة.
والمَعنَّقة: دويْبَّة.
والعَنَق والعَنيق: ضربٌ من السَّير، وقد أعنقت الدابّة.
وقال أبو زيد: كان ذلك على عُنُق الدهر، أي على قديم الدَّهر.
والعَناق: الأنثى من أولاد المِعزَى إذا أتت عليها السنة، وجمعها عُنُوق، وهذا جمعٌ نادر.
ويقولون في العدد الأقل: ثلاث أعنُقٍ وأربعُ أعنُق.
وقال الفرزدق:
دعدِعْ بأعنُقِك التوائِم إنّني *** في باذخٍ يا ابنَ المراغة عالِي
وقال أوس بن حجر في العُنوق:
يَصُوع عُنوقَها أحوَى زنيمٌ *** له ظَأبٌ كما صَخِب الغريمُ
ومن أمثال العرب: «هذه العُنُوق بعد النُّوق»؛ يضرب مثلًا للذي يُحَطُّ عن مرتبته بعد الرفعة، أنَّه صار يرعى العُنوق بعد ما كان يرعى الإبل.
وراعي الشاء عند العرب مَهين ذليل، وراعي الإبل قويٌّ ممتنع.
وعَنَاق الأرض: دابّة فُويق الكلب الصِّيني يصيد كما يصيد الفهدُ ويأكل اللَّحمَ، وهو من السِّباع، يقال إنّه ليس شيءٌ من الدوابّ يوَبِّر ـ أي يعفِّي أثره إذا عدا ـ غيره وغير الأرنب؛ وجمعه عُنوقٌ أيضًا، والفُرْسُ تسمِّيه «سياه قُوشْ»، وقد رأيته في البادية أسودَ الرأس أبيض سائِره.
ورأيت بالدَّهناء شبه منارةٍ عاديّة مبنيَّة بالحجارَة، ورأيتُ غلامًا من بني كليب بن يربوع يقول: هذه عَنَاقُ ذي الرمة، لأنه ذكرها في شعره.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال: لقيتُ منه أذُنَيْ عَنَاقٍ، أي داهية وأمرًا شديدًا.
قال: ويقال جاء فلانٌ بأذنَيْ عناق، أي جاء بالكذب الفاحش.
ويقال رجَع فلانٌ بالعَناق، إذا رجَع خائبًا؛ يوضع العَناقُ موضع الخيبة.
وأنشد ابنُ الأعرابيّ:
أمِن ترجيعِ قاريَةٍ تركتمْ *** سَباياكم وأبتُمْ بالعَنَاقِ
وصفهم بالجُبْن والأعنَق: فحلٌ من خيل العرب معروف، إليه تنسب بناتُ أعنقَ من الخيل الجياد.
وأنشد ابنُ الأعرابي:
تظلُّ بناتُ أعنَقَ مُسْرَجاتٍ
ويروى: «مُسرِجات».
قال أبو العباس: اختلفوا في أعنَقَ، فقال قائل: هو اسمُ
فرَس.
وقال آخرون: هو دِهقانٌ كثير المال من الدَّهاقين.
فمن جعله رجلًا رواهُ: «مُسرَجات»، ومن جعله فرسًا رواه «مُسرَجات».
وفي حديث مُعاذٍ وأبي موسى أنهما كانا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ ومعه أصحابُه فأناخوا ليلةً مُعرِّسين، وتوسَّد كلٌّ ذراعَ راحلته.
قالا: فانتبهْنَا ولم نَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عند راحلته، فاتَّبعناه فأخبرنا عَلَيه السَّلام أنّه خُيِّر بين أن يدخل نصفُ أمته الجنّةَ وبين الشفاعة، وأنَّه اختار الشفاعة.
قال:
«فانطلقْنا إلى الناس مَعانِيقَ نبشِّرهم»، قال شمر: قوله معانيقَ أي مُسرعين، يقال أعنقْتُ إليه أُعْنِقُ إعناقًا.
ورجلٌ مُعْنِقٌ وقومٌ مُعْنِقون ومعانيق.
وقال القُطامي:
طرقَتْ جَنوبُ رِحالَنا من مَطْرَقِ *** ما كنت أحسبها قريب المُعنَقِ
وقال ذو الرمّة:
أشاقتك أخلاقُ الرُّسوم الدَّوائِرِ *** بأدعاص حَوضَى المُعنِقات النوادرِ
قال شمر: قال أبو حاتم: المُعْنِقات: المتقدّمات فيها.
قال: والعَنَق والعَنيق من السَّير معروف، وهما اسمان مِن أعنقَ إعناقًا.
وفي «النوادر»: أعلقْتُ في الأرض وأعنقت، وبلادٌ مُعْلِقة ومُعْنِقة، أي بعيدة.
ووادي العَنَاق بالحِمَى في أرض غني.
وقال أبو حاتم: المعَانق هي مُقَرِّضات الأساقي، لها أطواقٌ في أعناقها ببياضٍ ويقال عَنَّقت السحابةُ، إذا خرجت من معظم الغَيم، تراها بيضاء لإشراق الشمس عليها.
وأنشد شمر:
ما الشُّرب إلّا نَغَباتٌ فالصَّدَرْ *** في يوم غَيمٍ عنَّقَتْ فيه الصُّبُر
وقال ابن شميل: معانيق الرمال: حِبالٌ صغار بين أيدي الرِّمال، الواحدة مُعْنِقة.
ويقال: أعنقت الثريا، إذا غابت.
وأنشد:
كأنّي حين أعنقَتِ الثريّا *** سُقِيتُ الراحَ أو سُمًّا مَدُوفا
وأعنقت النُّجومُ، إذا تقدّمت للمغيب.
والمُعْنِق: السابق؛ يقال جاء الفرسُ مُعْنِقًا.
ودابةٌ مِعناقٌ: قد أعْنَقَ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
162-تهذيب اللغة (نعق)
نعق: قال الله عزوجل: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً} [البَقَرَة: 171] قال أهل اللُّغة الفراءُ وغيره النعيق: دعاء الراعي الشاء.يقال انعِق بضأنك، أي ادعُها.
وقد نَعَقَ بها ينعق نعيقًا.
وأخبرني المنذريّ عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء في قول الله عزوجل: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} [البَقَرَة: 171] الآية قال: أضاف المَثَل إلى الذين كفروا ثم شبههم بالراعي ولم يقل كالغَنَم.
والمعنى والله أعلم: مثل الذين كفروا كالبهائم التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصَّوت، فأضاف التشبيه إلى الراعي والمعنى في المرعى.
قال: ومثله في الكلام: فلانٌ يخافك كخوف الأسد، المعنى كخوفه الأسدَ، لأن الأسد معروف أنّه المخوف.
قلت: ونحوَ ذلك قال أبو عبيدة فيما أخبرني المنذريّ عن الغسّاني عن سلمة عن أبي عبيده:
وقال الزّجاج: ضرب الله لهم هذا المثَل وشبَّههم بالغنم المنعوق بها بما لا تسمع منه إلّا الصَّوتَ، فالمعنى مثلك يا محمد ومثلهم كمثل الناعق والمنعوق به بما لا يسمع، لأنّ سمعهم لم يكن ينفعهم، فكانوا في تركهم قبولَ ما يسمعون بمنزلة من لم يسمع.
وقال الليث: يقال نَغَق الغراب ونَعَق، بالعين والغَين.
قلت: كلام العرب نَغَق بالغين، ونعق الراعي بالشاء بالعين، ولم أسمعهم يقولون في الغراب نَعَق، ولكنَّهم يقولون نَعَب بالعين.
والناعقان: كوكبانِ من كواكب الجوزاء، وهما أضوأ كوكبينِ فيها، يقال إن أحدهما رجلُها اليسرى والآخر منكبها الأيمن الذي يسمى الهَنْعة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
163-تهذيب اللغة (قنع)
قنع: أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: أقنَعَ الرجلُ، إذا صادفَ القِنْعَ، وهو الرَّمل المجتمع.وقال أبو عبيد: القِنْعُ: أسفل الرمل وأعلاه.
وقال الأصمعيّ: القِنْع: متَّسَع الحَزْن حيث يُسهِل.
وقال ذو الرّمة:
وأبصرنَ أنَ القِنعَ صارت نِطافُه *** فَرَاشًا وأنّ البقل ذاوٍ ويابسُ
قال: ويُجمَع القِنع قِنَعةً وقِنْعانًا.
وقال ابن شميل: القَنَعة من الرمل: ما استوى أسفلُه من الأرض إلى جَنبه، وهو اللَّبَبُ وما استرقَّ من الرمل.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال: قَنِعتُ بما رزقتُ، مكسورة، وهي القَناعة.
وقَنَعت إلى فلان، يريد خَضَعت له والتزقْت به وانقطعت إليه.
وقال الله جلّ وعزّ: {وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحَجّ: 36].
وأفادني المنذريّ عن ابن اليزيدي لأبي زيد النحويّ قال: قال بعضُهم: القانع
السائل، وقال بعضهم: المتعفِّف؛ وكلٌّ يصلُح.
وقال الفراء: القانع: الذي يسألك، فإذا أعطيتَه شيئًا قَبِله.
وقال أبو عبيد في تفسير حديثٍ رواه: «لا يجوز شهادة كذا وكذا، ولا شهادة القانع مع أهل البيت لهم».
قال: القانع الرجل يكون مع الرجل يطلب فضلَه ويسأل معروفه.
قال: ويقال قَنَعَ يقنَع قُنوعًا، إذا سأل، وقَنِع يقنَع قناعةً، إذا رضي، الأول بفتح النون من قنَع، والآخر بكسرها من قِنع.
وأنشد أبو عبيد قول الشماخ:
لمَالُ المرء يُصلِحه فيُغِني *** مفاقرَه أعفُّ من القُنوع
أي: من المسألة.
وهكذا قال ابن السكيت.
ومن العرب مَن أجاز القُنوع بمعنى القِناعة، وكلام العرب الجيّدُ هو الأوّل.
وقول الله جلّ وعزّ: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ} [إبراهيم: 43] قال لي أبو الفضل: سمعت أحمد بن يحيى يقول: المُقنِع: الذي يرفع رأسَه ينظر في ذلّ.
قال: والإقناع: رفعُ الرأس والنَّظرُ في ذُل وخُشوع.
ويُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الدُّعاء: «تُقْنِع يديكَ في الدُّعاء» تقنع يديك في الدعاء: أي ترفعهما.
وقال ابن السكيت: يقال أقنعَ رأسَه، إذا رفَعه.
قال: وأقنعَني كذا وكذا، أي أرضاني.
قال: وقَنعت الإبل والغنمُ للمرتع، إذا مالت إليه؛ وأقنعتُها أنا.
وقال القتيبيّ: المُقْنِع رأسَه: الذي رفَعَه وأقبل بطَرْفه إلى ما بين يديه.
قال: والإقناع في الصلاة من تمامها.
وقال الليث: الإقناع: أن يُقْنع البعير رأسَه إلى الحوض ليشربَ منه، وهو مده رأسَه.
قال: والرجل يُقنع الإناء للماء الذي يسيل من شِعْبٍ، ويُقنِع رأسَه نحو الشيء إذا أقبل به إليه لا يصرفه عنه.
وقال العجاج:
أشرف رَوقاه صَليفًا مُقْنِعَا
يعني عنق الثَّور فيه كالانتصاب أمامه.
وأقنع الإناء في النهر، إذا استقبلَ به جِريةَ الماء.
قال: والمُقْنَعة من الشَّاء: المرتفعة الضَّرع ليس في ضَرعها تصوُّب.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلبٍ عن سلمة عن الفراء: ناقة مقنَعة الضَّرع: التي أخلافُها ترتفعُ إلى بطنها.
قال: والمقْنَع من الإبل: الذي يرفع رأسه خِلقة.
وأنشد:
بمُقنَعِ من رأسه جُحاشِرِ
وقال ابن شميل: أقنع فلانٌ رأسَه، وهو أن يرفعَ بصرَه ووجهَه إلى ما حيالَ رأسِه من السماء.
قال: والمقْنِع: الرافع رأسه إلى السماء.
وقال شِمر: قال الغنويّ: الإقناع: أن تضعَ الناقة عُثنونَها في الماء وترفع من رأسِها قليلًا إلى الماء، تجتذبه اجتذابًا.
وقال الأصمعي: المُقنَع: الفم الذي يكون عطفُ أسنانه إلى داخل الفم، وذلك القويّ الذي يقطع به كلَّ شيء؛ فإذا كان انصبابُها إلى خارج فهو أَدْفَق، وذلك ضعيفٌ لا خيرَ فيه.
وقال الشماخ يصف الإبل:
يُباكرنَ العِضاهَ بمُقْنَعَاتٍ *** نواجذُهنَّ كالحَدَأ الوَقيعِ
وقال ابن ميّادة يصف الإبل أيضًا:
تباكر العضاهَ قبل الإشراقْ *** بمقنَعاتٍ كقعاب الأوراق
قال: قوله كقعاب الأوراق، يقول: هي أفتاءٌ فأسنانها بيض.
وأما قول الراعي:
زَجِل الحُداء كأنَّ في حيزومه *** قَصَبًا ومُقنَعةَ الحنينِ عَجولا
فإنّ عُمارة بن عقيل زعمَ أنه عنى بمقْنَعة الحنين النأيَ؛ لأنّ الزامر إذا زمر أقنعَ رأسه.
فقيل له: قد ذكر القصَب مَرَّةً، فقال: هي ضروب.
وقال غيره: أراد وصوت مُقْنَعة الحنين، فحذف الصَّوت وأقام مقنَعة مقامه.
ومن رواه «ومُقْنِعةَ الحنين» أراد ناقةً رفعت حنينها.
وروى الحديث أن الرُّبيِّعَ بنتَ معوِّذ قالت: «أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم بقناع من رُطبٍ وأَجْرٍ زُغْب» قال أبو عبيد: قال أبو زيد: القُنْع والقناع: الطبَق الذي يؤكَل عليه الطعام.
وقال غيره: وتجعَل فيه الفاكهة.
وقوله «وأجرٍ زُغْب» جمع جَرو، وأراد بها صِغَار القِثَّاء، شبّهها بأجْرِي الكلابِ لطراءتها.
ويقال رجلٌ مَقْنَع وقُنْعانٌ، ورجال مَقانع وقُنعان، إذا كانوا مرضيِّين.
وأنشد أبو عبيد:
فقلتُ له بُؤْ بامرىءٍ لستَ مثلَه *** وإن كنتَ قُنعانًا لمن يطلُب الدَّما
والقِناع والمِقْنعة: ما تتقنَّع به المرأة من ثوبٍ يغطِّي محاسنَها ورأسَها.
وقنّع فلانٌ فلانًا بالسَّوط، إذا علا به رأسَه.
وقنَّعه الشيبُ خِمارَه، إذا علا رأسَه الشَّيب.
وقال الأعشى:
وقنّعه الشيبُ منه خِمارا
وقال الليث: القَنوع بمنزلة الهَبوط بلغة هذيلٍ، مؤنّثة.
وقال المفضّل: إنّه للئيمُ القِنْع بكسر القاف، إذا كان لئيمَ الأصل.
ويقال أقنعَ فلانٌ الصبيّ فقَبَّله، وذلك إذا وضَعَ إحدى يديه على فأس قفاه وجعل الأخرى تحت ذَقَنه وأماله إليه فقبَّله.
وقَنَعةُ الجبل والسَّنام: أعلاهما؛ وكذلك قَمَعتُهما.
ويقال قنَّعت رأس الجبل وقَنَعته، إذا علوته.
وقال الليث: المِقنَعة: ما تقنّع به المرأةُ رأسَها.
قال: والقِناع أوسع منها.
قلت: ولا فرق بينهما عند العرب، وهما مثل لِحافٍ ومِلحفة، وقِرامٍ ومِقرمة.
أبو عبيد عن الكسائيّ: القِنعان: العظيم من الوعول.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
164-تهذيب اللغة (عقف)
عقف: أبو العباس عن عمرو عن أبيه قال: قال النسّابة البكري: للنَّمل جدّان: فازرٌ وعُقْفان.ففازرٌ: جدّ السُّود.
وعُقفان: جدّ الحُمر.
وأخبرني المنذريّ عن إبراهيم الحربيّ أنه قال: النمل ثلاثة أصناف: النمل، والفازر، والعُقيفان.
قال: والعُقيفان الطويلة القوائم تكون في المقابر والخرابات.
وأنشد:
سُلِّط الذرُّ فازرٌ أو *** ن.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
قال: والذرّ: الذي يكون في البيوت يؤذي الناس.
قال: والفازر: المدوَّر الأسود يكون في التَّمر.
وقال الليث: يقال للفقير المحتاج أعقَف، والجمع عُقفان.
وأنشد:
يا أيُّها الأعقف المُزْجى مطيَّتَه *** لا نعمةً تَبتغِي عندي ولا نَشَبا
قال: والعَقْفاء: ضرب من البقول معروف.
قلت: الذي أعرفه في بُقول البادية القَفعاء، ولا أعرف العقفاء.
وقال الليث: العُقَاف: داء يأخذ الشاة في قوائمها حتّى تعوجّ.
يقال عُقفت الشاة فهي معقوفة.
والعُقّافة: خشبة في رأسها جُحنةٌ يحتجَن بها الشيء.
والعقفاء: حديدةٌ قد لُوِي طرفُها.
والعقْفُ والعَطف واحد.
وعقفت الشيء أعْقِفُه عقفًا فانعقَف، أي عطفتُه فانعطف.
قال: وعُقْفانُ: حيٌّ من خُزاعة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
165-تهذيب اللغة (عقب)
عقب: قال أبو العباس: قال ابن الأعرابيّ: العاقب والعَقُوب: الذي يَخْلُف من كان قبلَه في الخير.وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، والماحي يمحو الله بيَ الكفر، والحاشر أحشُر الناس على قدميَّ، والعاقب».
قال أبو عبيد: العاقب: آخر الأنبياء.
قال: وكل شيء خَلفَ بعد شيء فهو عاقب له، وقد عَقَب يَعقِب عَقْبًا وعُقوبًا.
ولهذا قيل لولد الرجل عَقِبه وعَقْبه، وكذلك آخر كل شيءٍ عَقِبه.
وفي حديث عمر أنه سافر عَقِبَ رمضان، أي في آخره.
قال: وقال أبو زيد: جاء فلانٌ على عُقْب رمضان وفي عُقْبه بالضم والتخفيف، إذا جاء وقد ذهب الشهر كلُّه.
وجاء فلانٌ على عَقِب رمضانَ وفي عَقِبه، إذا جاءَ وقد بقيتْ في آخره أيام.
قال: وقال الأصمعي: فرسٌ ذو عَقْبٍ، أي جري بعد جري.
ومن العرب من يقول ذو عَقِبٍ فيه.
الحراني عن ابن السكيت قال: إبلٌ مُعاقِبَةٌ: ترعى مرّةً في حَمضٍ ومرّةً في خُلَّة.
ويقال عاقبتُ الرّجل من العُقْبة، إلى راوحتَه فكانت لك عُقْبةٌ وله عُقْبة.
وكذلك
أعقبته.
ويقول الرجلُ لزميله: أعقِبْ وعاقِبْ، أي انزِلْ حتّى أركبَ عُقبتي.
وكذلك كلُّ عمل.
وقال الله جلّ وعزّ: {لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ} [الرّعد: 11] قال الفراء: المعقِّبات: الملائكةُ ملائكةُ الليل تعقِّب ملائكة النهار.
قلت: جعل الفراءُ عقَّبَ بمعنى عاقب، كما يقال ضاعَفَ وضعَّف وعاقد وعَقَّد بمعنى واحد، فكأنَّ ملائكة النهار تحفظ العبادَ فإذا جاء الليلُ جاء معه ملائكةُ الليل وصَعِد ملائكةُ النهار، فإذا أقبلَ النهار عادَ من صعِد وصعِد ملائكةُ الليل، كأنَّما جَعَلوا حفظهُ عُقَبًا أي نُوَبًا.
وقال أبو الهيثم: كلُّ مَن عمِل عملًا ثم عاد إليه فقد عقَّب؛ ومنه قيل للذي يَغْزُو غزْوًا بعد غَزْوٍ، وللذي يتقاضى الدَّينَ فيعود إلى غريمه في تقاضيه: مُعَقِّب.
وقال لبيد:
حتَّى تهجَّرَ في الرَّواحِ وهاجَه *** طلبَ المعقِّب حقَّه المظلومُ
وقال سلامة بن جندل:
إذا لم يُصِبْ في أوّل الغَزْو عَقَّبا
أي: غزا غزوةً أخرى.
قال: وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «معَقِّباتٌ لا يَخِيب قائلُهنّ، وهو أن يسبّح في دُبر صلاته ثلاثًا وثلاثين تسبيحة، ويكبّر أربعًا وثلاثين تكبيرة، ويحمِّد الله ثلاثًا وثلاثين تحميدة».
فسمِّين معقِّباتٍ لأنّها عادت مرّةً بعد مرّة.
وقال شمر: أراد بقوله: معقِّبات لا يخيب قائلهن: تسبيحات تَخْلُف بأعقاب الناس.
قال: والمُعقِّب من كل شيء: ما خَلَفَ يُعقِّب ما قبله.
وأنشد: ولكنْ فتًى من صالح القوم عقّبا يقول: عُمِّر بعدهم وبقيَ.
ويقال عقَّب في الشَّيب بأخلاق حسنة.
وأخبرني المنذريّ عن أحمد بن يحيى قال: قال الأخفش في قوله: {لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} [الرّعد: 11]: إنَّما أنثت لكثرة ذلك منها نحو نسّابة وعلّامة؛ وهو ذكَر.
وقال أبو العباس: قال الفراء: ملائكة مُعَقِّبةٌ، ومعقِّبات جمع الجمع.
وقال أبو سعيد في قول لبيد:
طلب المعقِّب حقَّه المظلومُ
قال: المعقِّب: الغريم الماطل في قول لبيد.
قال: والمعقِّب: الذي أُغِير عليه فحُرِبَ فأغار على الذي كان أغارَ عليه فاسترجعَ مالَه.
وأما قوله عزوجل: {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرّعد: 41] فإنَّ الفراء قال: معناه لا رادَّ لحكمه.
قال: والمعقِّب: الذي يكُرُّ على الشيء؛ ولا يكرُّ أحدٌ على ما أحكمه الله.
وروى شمر عن عبد الصمد عن سفيان أنه قال في قول الله: {وَلَمْ يُعَقِّبْ} [النَّمل: 10]: لم يلتفت.
وقال مجاهد: لم يرجع.
قال شمر: وكلُّ راجعٍ معَقِّبٌ.
وقال الطرمّاح:
وإن تونَّى التّالياتُ عقَّبا
أي: رجَع.
وأخبرني المنذرِيّ عن ثعلب عن ابن
الأعرابيّ أنه أنشده في صفة الفرس:
يملأ عينَيك بالفِناءِ ويُرْ *** ضيك عِقابًا إن شئتَ أو نَزَقا
قال: عِقابًا: يعقِّب عليه صاحبُه، أي يغزو عليه مرّة بعد أخرى.
قال: وقالوا عِقابًا أي جريًا بعد جَري.
قلت: هو جميع عَقِب.
قال: وقال الحارث بن بدر: «كنت مرّةً نُشْبةً وأنا اليوم عُقْبة».
قال: معناه كنتُ إذا نَشِبتُ بإنسانٍ وعَلِقتُ به لقي منّى شّرًا، فقد أعقبتُ اليوم ورجعتُ.
قلت: ولما حوّل الله الخلافةَ من بني أمية إلى بني هاشم قال سُدَيف، شاعر ولد العبّاس، لبني أمية في قصيدة له:
أعقبى آل هاشمٍ يا أمَيَّا
يقول: انزلي عن الخلافة حتّى يعلوَها بنو هاشم فإنّ العُقبة لهم اليوم عليكم.
أبو عبيد: قال الأصمعي: عَقَّبتُ الخَوْقَ، وهو حَلْقة القُرط، وهو أن يُشَدَّ بعَقبٍ إذا خَشُوا أن يَزِيغ.
وأنشدنا:
كأنَّ خَوقَ قُرطها المعقوبِ *** على دَباةٍ أو على يعسُوبِ
وعقَبت القِدح بالعَقَب مثلُه.
وعقَبَ فلانٌ مكان أبيه عَقبًا.
وعقَبتُ الرجل في أهله، إذا بغيتَه بشرٍّ وخلفتَه.
وعَقبت الرجل: ضربت عقبه وعقبت الرجُل: إذا ركِبتَ عُقبة وركِب عُقبة.
ويقال أكلَ فلانٌ أكلةً أعقبتْه سَقَمًا.
وعقِب القدم: مؤخّرها، ويقال عَقْبٌ، وجمعه أعقاب.
ومنه قوله: «ويلٌ للأعقاب من النار».
وقال الله جلّ وعزّ: {وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ} [المُمتَحنَة: 11] هكذا قرأها مسروق وفسَّرها: فغنِمتُم، وقرأها حُميدٌ: {فعقَّبتم} قال الفراء: وهو بمعنى عاقبتم.
قال: وهي كقوله: {ولا تصاعر} {وَلا تُصَعِّرْ} [لقمَان: 18].
وقرىء {فَعَقَبْتُم} خفيفة.
وقال أبو إسحاق: من قرأ فَعاقَبْتُمْ [المُمتَحنَة: 11] فمعناه أصبتموهم في القتال بالعقوبة حتى غنمتم قال: ومن قرأ {فعقبتم} فمعناه: فغنمتم.
قال: وأجودها في اللغة فعقَّبتم وعَقَبتم جيّد أيضًا، أي صارت لكم عُقْبى.
إلّا أنَّ التشديد أبلغ.
وقال طرفة:
فعقَبتُم بذَنُوبٍ غَيْرَ مَرّ
قال: والمعنى أنّ من مضت امرأته منكم إلى مَنْ لا عهد بينكم وبينه، أو إلى مَن بينكم وبينَه عهدٌ فنكثَ في إعطاء المهر فغَلبتم عليهم فالذي ذهبت امرأته يُعطَى من الغنيمة المهرَ من غير أن يُنقَص من حقِّه في الغنائم شيء، يُعطَى حقَّه كَمَلًا بعد إخراج مهور النساء.
أبو عبيد عن أبي زيد: تعقّبت الرجلَ، إذا أخذتَه بذنبٍ كان منه.
وفي حديث: «المُعْتَقِبُ ضامنٌ لما اعتَقَب».
وهذا يُروى عن إبراهيم النَّخعيّ.
يقال اعتقبت الشيء، إذا حبستَه عندك.
ومعناه أنّ البائعَ إذا باع الشيءَ ثم منعه المشتريَ حتَّى تَلِف عند البائع هلك من ماله، وضمانُه منه.
شمر عن أبي عمرو الشيباني: المِعقب: الخِمار.
وأنشد:
كمِعقَب الرَّيْط إذْ نَشَّرتَ هُدَّابَه
قال: وسمِّي الخِمار مِعقبًا لأنّه يعقُب المُلاءةَ يكون خلفًا منها.
وقال أبو العباس: قال ابنُ الأعرابي: المِعقَب: القُرط.
والمِعقَب: السائق الحاذق بالسَّوق.
والمِعقب: بَعير العُقَب.
والمِعقَب: الذي يرشَّح للخلافة بعد الإمام.
والمِعْقَب: النجم الذي يطلُع فيركب بطلوعه الزميلُ المعاقب.
ومنه قول الراجز:
كأنَّها بين السُّجوف مِعقَبُ
وقال شمر: العُقبة: الشيء من المرق يردُّه مستعير القدر إذا ردَّها.
وقال الكميت:
وحاردتِ النُّكْدُ الجلادُ ولم يكن *** لعُقبةِ قِدر المستعيرينَ مُعْقِبُ
وقال الأخفش في قول الله: {هُوَ خَيْرٌ ثَوابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} [الكهف: 44] أي عاقبة.
وقال أبو سعيد: يقال رأيت عاقبةً من طير، إذا رأيتَ طيرًا يعقُب بعضُها بعضًا، تقع هذه فتطير ثم تقع هذه موقعَ الأولى.
وقال الفراء: يقال عاقبَه عاقبةً بمعنى العقاب والمعاقبة، جعله مصدرًا على فاعلة كالعافية وما أشبهها.
وقال الليث: عاقبة كل شيءٍ: آخره؛ وَكذلك عاقِبُه، والجميع العواقب والعُقُب.
قال: والعُقبانُ والعُقْبى كالعاقبة والعُقُب.
قال: ويقال أتَى فلانٌ إليَّ خيرًا فعَقَبَ بخير منه.
وأنشد:
فعقَبتم بذَنوب غير مَرّ
قال: والفرق بين العَقَب والعَصَب أنَّ العصَب يضرب إلى الصُّفرة والعَقَب يضرب إلى البياض، وهو أصلبُها وأمتنُها.
وأمّا العَقِب مؤخّر القدم فهو من العَصَب لا من العَقَب.
قال: والعَقِب مؤنّثة، وثلاث أعقب، وتجمع على الأعقاب.
وفي الحديث: «ويلٌ للأعقاب من النار» وهذا يدلُّ على أن المسحَ على القدمين غير جائز، وأنه لا بدّ من غَسل الرجلين إلى الكعبين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُوعِد بالنارِ إلّا في ترك العَبد ما فُرض عليه.
وهو قول أكثر أهل العلم.
والليلُ والنهار يتعاقبان، وهما عَقيبانِ كلُّ واحدٍ منهما عَقِيبُ صاحبه.
ويقال تعقّبت الخبرَ، إذا سألتَ غير من كنتَ سألتَه أوّلَ مرة.
ويقال أُعقِبَ عِزُّ فلانٍ ذُلًّا، أي أُبدِل.
أبو عبيدٍ عن الأحمر قال: الأعقاب هي الخَزَف التي تُجعَل بين الآجر في الطيّ لكي يشتدَّ.
وقال شمر: أعقاب الطيّ: دوائره إلى مؤخره.
وقد عقَّبنا الركيّة، أي طويناها بحجَرٍ من وراء حجر.
قال: والعُقاب: حجرٌ يستَنْتِل على الطيّ في البئر، أي يَفْضُل.
وقال الليث: العُقاب: صخرة ناتئة ناشزة في البئر في جُولها، وربَّما كانت من قِبَل الطيّ، وذلك أن تزول الصَّخرةُ عن موضعها.
قال: والرجل الذي ينزل في البئر فيرفعها يقال له المعقِّب.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: القبيلة:
صخرة على رأس البئر، والعقابانِ من جنبتيها يَعْضدانها.
وقال الليث: العُقاب هذا الطائر يؤنّث، والجميع العِقْبان وثلاث أعقب، إلّا أن يقولوا: هذا عُقابٌ ذكَر.
قال: والعُقاب: العَلَم الضَّخم.
والعُقاب: اللِّواء الذي يُعقَد للوُلاة، شُبِّه بالعقاب الطائر.
قال: والعُقاب: الصَّخرة العظيمة في عُرض الجَبَل.
والعِقاب والمعاقبة: أن تجزي الرجلَ بما فعل سُوءًا، والاسم العُقوبة.
ويقال أعقبته بمعنى عاقبته.
ويقال استعقبَ فلانٌ من فعله ندمًا.
ويقال أعقبَه الله خيرًا بإحسانه، بمعنى عوَّضَه وأبدله، وهو معنى قوله:
ومن أطاع فأعقِبْه بطاعته *** كما أطاعك وادلُلْه على الرَّشَدِ
واليعقوب: ذكر الحجَل، وجمعه يعاقيب.
وقال الليث: يعقوب بن إسحاق اسمُه إسرائيل، سمِّي بهذا الاسم لأنه وُلد مع عِيصُو في بطن واحد، وُلِد عيصو قبله ويعقوبُ متعلِّق بعَقِبه، خرجا معًا، فعِيصو أبو الرُّوم.
وتسمَّى الخيل يعاقيبَ تشبيهًا بيعاقيب الحجَل، ومنه قول سلامة بن جندل:
ولَّى حثيثًا وهذا الشيبُ يطلبُه *** لو كان يُدركُه ركضُ اليعاقيبِ
وقال الله جلّ وعزّ في قصّة إبراهيم وامرأته: {فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ} [هُود: 71] قرىء {يعقوبُ} بالرفع وقرىء يَعْقُوبَ بفتح الباء.
فمن رفَعَ فالمعنى ومن وراء إسحاق يعقوبُ مبشَّر به.
ومن فتح يَعْقُوبَ فإن أبا زيد والأخفش زعما أنه منصوب وهو موضع الخفض، عطفًا على قوله {بِإِسْحاقَ}.
المعنى فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق بِيعقوبَ.
قلت: وهذا غير جائز عند حذاق النحويين من البَصريين والكوفيين.
فأما أبو العباس أحمد بن يحيى فإنه قال: نصب يَعْقُوبَ بإضمار فعل آخر، قال: كأنه قال فبشرناها بإسحاق ووهبنا لها من وراء إسحاق يعقوبَ.
ويعقوب عنده في موضع النصب لا في موضع الخفض بالفِعلِ المضمَر.
وقال أبو إسحاق الزجاج: عطف {يَعْقُوبَ} على المعنى الذي في قوله: {فَبَشَّرْناها} [هُود: 71] كأنه قال: وهبنا لها إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، أي وهبناهُ لها أيضًا.
وهكذا قال ابن الأنباري.
وقول الفراء قريبٌ منه.
وقول الأخفش وأبي زيد عندهم، خطأ.
وقال الليث: المِعقاب من النساء: التي تلد ذكرًا بعد أنثى.
قال: والعُقَب: نُوَب الواردة تَرِدُ قطعةٌ فتشرب، فإذا وردت قطعةٌ بعدها فشربت فذاك عُقبتها.
وعُقبة الماشية في المرعى: أن ترعى الخُلّةَ عُقبةً ثم تُحوَّل إلى الحمض، فالحَمضُ عُقبتُها.
وكذلك إذا حوِّلت من الحمض إلى الخُلّة فالخُلّة عُقبتها.
وهذا المعنى أراد ذو الرمة:
من لائح المَرْو والمرعَى له عُقَب
وأوله:
ألهاه آءٌ وتَنُّومٌ وعُقْبتُه *** من لائح المَرْو.
.
.
ويقال فلانٌ عُقبةٌ من بني فلان، أي آخر مَن بقيَ منهم.
أبو عبيد: يقال على فلانٍ عِقْبة السَّرْو والجمال، إذا كان عليه أثَر ذلك.
وقال الفراء في الجَمَال: عِقبةٌ، بكسر العين أيضًا، أي بقيّة.
وأما عُقبة القِدر فإنّ الأصمعيَّ والبصريِّين جعلوها بضم العين، وكان الفراء يجيزها بالكسر أيضًا بمعنى البقية.
ومن قال عُقبة القدر جعلها من الاعتقاب.
وقال اللِّحيانيُّ: العِقبة والعِقمة: ضربٌ من ثياب الهَودج مَوْشِيّ، ومنهم من يقول عَقْمة وعَقْبة بالفتح.
وقال: عُقبة القمر: عودته، ويقال عَقْبة بالفتح، وذلك إذا غابَ ثم طلع.
ونخل مُعاقِبة: تحمل عامًا وتُخلِف آخَر وقال ابن السكيت: إبلٌ مُعاقِبة: ترعَى مرَّةً في حَمض ومرة في خُلَّة.
وجاء فلانٌ مُعْقِبًا، إذا جاء في آخر النهار.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: عَقَب فلانٌ على فلانة، إذا تزوّجها بعد زَوْجِها الأوّل، فهو عاقبٌ لها، أي آخر أزواجها.
وعقّب فلان في الصلاة تعقيبًا، إذا صلَّى فأقام في موضعه ينتظر صلاةً أخرى.
وفي الحديث: «مَن عَقَّب في صلاةٍ فهو في الصلاة».
وقُرارة القِدْر: عُقبته.
وعَقيبك: الذي يعاقبك في العمل، يعمل مرّة وتعمل أنت مرّة.
وقال أبو سعيد: قِدحٌ معقَّبٌ، وهو المعاد في الرِّبابة مرّةً بعد مرةٍ تيمُّنًا بفوزه.
وأنشد:
بمثنَى الأيادي والمَنيح المعَقَّبِ
وقال أبو زيد: جَزورٌ سَحُوف المعقَّب، إذا كان سمينًا.
وأنشد:
بجلمةِ عِليانٍ سَحوفِ المعقَّبِ
أبو عبيدة: المِعْقَب: نجم يتعاقب به الزميلان في السَّفَر، إذا غاب نجم وطلعَ نجمٌ آخر ركب الذي كان يمشي.
وأنشد:
كأنّها بينَ السُّحوفِ مِعقَبُ
وقال اللحياني: عقَبتُ في إثر الرجُل أعقُبُ عَقْبًا، إذا تناولته بما يكره ووقعتَ فيه.
وأعقب الرجلُ إعقابًا، إذا رجعَ من شرٍّ إلى خير.
ويقال: لم أجد عن قولك متعقَّبًا، أي رجوعًا أنظر فيه، أي لم أرخِّص لنفسي التعقُّبَ فيه لأنظرَ آتِيهِ أم أدعُه.
وقال أبو عمرو: العرب تسمِّي الناقة السوداء عُقابًا، على التشبيه.
وقال اللِّحيانيّ: عَقَبونا مِن خَلفنا وعقَّبونا، أي نزلوا بعد ما ارتحلنا.
ويقال عقَبت الإبل تَعقُبُ عَقْبًا، إذا تحوّلت من مكان إلى مكانٍ ترعى فيه.
وعقَب فلان يعقُب عَقْبًا، إذا طلب مالًا أو شيئًا.
وقال الأصمعي: العَقْب: العِقاب.
وأنشد:
لَيْنٌ لأهل الحق ذو عَقْبٍ ذكَرْ
والعَقْب: الرجوع.
وأنشد لذي الرمّة:
كأنّ صياحَ الكُدرِ ينظرنَ عَقْبنا *** تراطُنُ أنباطٍ عليهِ طَغامِ
معناه ينتظر صَدَرنا ليرِدْنَ بعدنا.
وقال ابن الأعرابي: إبلٌ عاقبة: تَعقُب في مرتعٍ بعد الحَمْض؛ ولا تكون عاقبة إلّا في سنةٍ شديدة، تأكل الشجر ثم الحمض.
قال: ولا تكون عاقبة في العُشْب.
والمعقّب: الرجل يخرج من حانة الخمّار إذا دخَلها من هو أعظمُ قدرًا منه.
ومنه قوله:
وإن تلتمِسني في الحوانيت تصطدِ
أي: أكون معقِّبًا.
وفي حديث أنس بن مالك أنه سئل عن التعقيب في رمضان فقال: «إنهم لا يرجعون إلّا لخير يرجونه أو شرٍّ يخافونه».
قال شمر: قال إسحاق بن راهويه: إذا صلى الإمام في شهر رمضان بالناس ترويحةً أو ترويحتين ثم قام الإمام من آخر الليل فأرسل إلى قوم فاجتمعوا فصلَّى بهم بعد ما ناموا فإن ذلك جائز إذا أراد به قيامَ ما أُمر أن يصلَّى من الترويح.
وأقلُّ ذلك خمسُ ترويحات، وأهل العراق عليه.
قال: فأمّا أن يكون إمامٌ صلّى بهم أوّلَ الليل الترويحات ثم رجع آخر اليل ليصلّي بهم جماعةً فإن ذلك مكروه؛ لما روي عن أنس وسعيد بن جُبير في كراهيتهما التعقيب.
وكان أنس يأمرهم أن يصلُّوا في بيوتهم.
وقال شمر: والتعقيب: أن يعمل عملًا من صلاةٍ أو غيرها ثم يعود فيه من يومه.
يقال: عقَّبَ بصلاةٍ بعد صلاةٍ، وغزوة بعد غزوة.
قال: وسمعتُ ابن الأعرابي يقول: هو الذي يفعل الشيء ثم يعود ثانية.
يقال صلّى من الليل ثم عقَّب، أي عادَ في تلك الصلاة.
وفي حديث عمر أنه «كان يعقِّب الجيوشَ في كل عام»، قال شمر: معناه أنّه يردُّ قومًا ويبعث آخرين يعاقبونهم.
يقال قد عُقِّبَ الغازيةُ بأمثالهم وأُعقِبوا، إذا وُجِّه مكانَهم غيرُهم.
قال: ويقال عقَّبت الأمر، إذا تدبَّرتَه.
قال: والتعقُّب: التدبُّر والنظر ثانيةً.
قال طفيلٌ الغنوي:
فلن يجد الأقوامُ فينا مَسَبَّةً *** إذا استُدبرتْ أيَّامنا بالتعقُّبِ
يقول: إذا تعقَّبوا أيامنا لم يجدوا مَسَبَّةً.
واستعقبتُ الرجلَ وتعقّبتُه، إذا طلبتَ عورَتَهُ وعثرته.
ويقال استعقبَ فلانٌ من كذا وكذا خيرًا وشرًا.
ويقال هما يعتقبان ويتعقّبان: إذا ذهبَ أحدهما جاء الآخر مكانَه.
ابن شميل: يقال باعني فلان سِلعةً وعليه تعقِبَةٌ إن كانت فيها، وقد أدركتني في تلك السلعة تعقِبة.
ويقال: ما عَقَب فيها فعليك في مالك، أي ما أدركني فيها من دَرَكٍ فعليكَ ضمانُه.
وقال شمر: العَقَبة: الجبل الطويل يَعرِض للطَّريق فيأخُذُ فيه، وهو طويلٌ صعبٌ شديد وإن كانت خُرمت بعد أن تشتدَّ، وتطول في
السماء في صعود وهبوط، أطْوَلُ من النَّقْب وأصعب مرتقًى، وقد يكون طولهما واحدًا.
سَنَد النَّقْب فيه شيء من اسلِنْقاء، وسَنَد العَقبة مستوٍ كهيئة الجدار.
قلت: وتجمع العقبة عِقابًا وعَقَبات.
وقال أبو زيد: يقال من أين كان عَقِبُك أي من أين أقبلت؟ ويقال لقي فلانٌ من فلانٍ عُقْبةَ الضَّبُع، أي شِدَّة.
وهو كقولك: لقي منه استَ الكلبة.
قال: والعِقاب: الخيط الذي يشدُّ به طرفا حَلقة القُرْط.
ثعلب عن ابن الأعرابي: عَقِب النبتُ يَعقَب عَقَبًا أشدَّ العَقَب، إذا دَقّ عودُه واصفرَّ ورقُه.
وكلُّ شيء كانَ بعد شيءٍ فقد عَقَبه.
وقال جرير
عقَبَ الرّذاذُ خِلافَهم فكأنّما *** بسَطَ الشواطبُ بينهنَّ حصيرا
وقال ابن السكيت: فلانٌ يَسقِي على عَقِب آل فلانٍ، أي بعدهم.
وذهب فلانٌ وعَقَبَه فلانٌ: يتلو عَقِبه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
166-تهذيب اللغة (كسع)
كسع: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس في الكُسْعة صَدَقة»، قال أبو عبيد: قال أبو عبيدة: الكُسْعة: الحمير.وأخبرني المنذري عن الطوسيّ عن الخرّاز قال: قال ابن الأعرابي: الكُسْعة: الرَّقيق، سمِّيت كُسْعة لأنّك تكسعها إلى حاجتك.
قال: والنُّخّة: الحمير.
والجَبْهة: الخيل قلت: سمِّيت الحمير كُسعةً لأنّها تُكسَعُ في أدبارها إذا سِيقَت وعليها أحمالُها.
وفي «النوادر»: كسعَ فلانٌ فلانًا وكسَحه، وثَفَنَه، ولَظَّه ولاظَه ولأظه، يلُوظُه ويلُظُّه ويَلأَظُه، إذا طرده.
والكَسع أيضًا: أن يؤخذ ماء بارد فيضرب به ضروع الحلائب إذا أرادوا تغريزها ليبقى لها طِرقُها ويكون أقوى لأولادها التي تُنتجُها فيما تقتبل.
وقال ابن حلّزة:
لا تكسَع الشُّولَ يأغبارها *** إنك لا تدري مَن الناتجُ
واحلُبْ لأضيافك ألبانَها *** فإنَّ شرَّ اللبنِ الوالجُ
والأغبار: جمع غُبْر، وهو بقية اللبن في الضرع.
يقول: لا تغرِّز إبلك وأنت تُريغُ بذلك قوَّةَ نسلها، واحلبْها لأضيافك فلعلَّ عدوّك يُغير عليها فيكون الناتجَ دونك.
وقال ابنُ الأعرابي: قال أعرابي: ضِفتُ قومًا فأتوني بكُسَعٍ جَبِيزاتٍ معشِّشات.
قال: الكُسَع: الكِسَر.
والجَبيزات: اليابسات.
ويقال: كَسَعَ فلانٌ فلانًا بما ساءه، إذا همَزه من ورائه بكلامٍ قبيح.
ويقال: ولَّى القومُ أدبارَهم فكسَعَوهم بسيوفهم، أي ضربوا دوابرهم.
وكُسَع: حيٌّ من العرب رُماة، وكان فيهم رجلٌ رامٍ، فرمَى بعدما أسدفَ الليلُ عيرًا فأصابه، فظنَّ أنّه أخطأه فكسر قوسَه، ثم ندم من الغد حين نظر إلى العَير قد اسبَطرَّ
ميتًا وسهمُه فيه.
فصار مثلًا لكلِّ نادمٍ على فعلٍ فعَلَه.
وفيه يقول الفرزدقُ وقد ضربه مثلًا لنفسه حين طلّق امرأته نوار:
ندمتُ ندامةَ الكُسَعيِ لمّا *** غدت مني مطلَّقةً نَوارُ
وقال الليث: الكُسْعة: الرِّيش المجتمع الأبيض تحت ذنَب العُقاب، وجمعها الكُسَع.
وكَسَعتِ الظَّبية والناقةُ، إذا أدخلت ذنَبها بين رجليها.
وناقة كاسع بغيرهاء.
والكَسَع في «شِيات الخيل» من وضح القوائم: أن يكون البياض في طرف الثُّنّة في الرِّجل.
قاله أبو عبيدة.
وقال أبو سعيد: إذا خطَرَ الفحلُ فضربَ بين فخذيه فذلك الاكتساع، فإن شالَ به ثمّ طَواه فقد عَقْرَبه.
وقال أبو سعيد: الكُسْعة تقع على الإبل العوامل، والبقر الحوامل، والحمير، والرَّقيق.
وإنما كَسْعُها أنّها تُكْسَع بالعِصِيِّ إذا سِيقتْ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
167-تهذيب اللغة (عكد)
عكد: أبو عبيدة: القلب عَكَدته، وهو أصل القلب بين الرئتين.وقال الليث: العكَدة: أصل اللسان وعُقْدته.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال حَبَابُك وشَبَابُك، وأمّ معكودِك، ومَعكودُك، ومجهودُك أن تفعل كذا وكذا، معناه كلِّه غايتك وآخر أمرك.
ويقال استعكد الضبُّ بحجرٍ أو شجر، إذا تعصَّم به مخافة عُقابٍ أو باز.
وأنشد ابنُ الأعرابيّ في صفة الضبّ:
إذا استعكَدَتْ منه بكلِّ كُداية *** من الصَّخر وافاها لدى كلِّ مَسرحِ
وقال الليث: عَكِد الضبُ يعكَد عَكَدًا، إذا سمِنَ وصلُب.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
168-تهذيب اللغة (كعت)
كعت: أهمله الليث.وأخبرني المنذرِي عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الكُعَيت: البُلبُل جاء مصغَّرًا كما ترى.
وقال أبو زيد: رجلٌ كَعْتٌ وامرأةٌ كَعْتة، وهما القصيران.
لم أسمعه لغيره.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
169-تهذيب اللغة (لكع)
لكع: في الحديث: «أسعد الناس في آخر الزَّمان لُكَعٌ ابن لُكَع» قال أبو عبيد: اللُّكع عند العرب: العبد اللئيم.وقال غيره: اللُّكَع: الأحمق.
وامرأة لَكَاع ولكيعة.
وقال الليث: يقال لكِعَ الرجلُ يَلكَع لكَعًا، فهو ألكَع لُكَعٌ مَلْكعان، وامرأة لَكَاعِ مَلْكعانة.
ورجلٌ لكيع وامرأة لكيعة، كلُّ ذلك يوصَف به الحُمق والمُوق.
ثعلب عن ابن الأعرابي: الملاكيع: ما يخرج مع الولد من سُخْدٍ وصاءةٍ وغيرها، ومن ذلك قيل للعبد ومَن لا أصل له لُكَع.
وقال الليث: ويقال لَكوع.
وأنشد:
أنت الفتى ما دام في الزَّهَر الندى *** وأنت إذا اشتدَّ الزمانُ لَكُوعُ
أبو عبيدة: إذا سقطت أضراس الفَرَس فهو لُكَعٌ والأنثى لُكَعة.
وإذا سقط فمُه فهو الألكع.
ورجلٌ وكيع لكيع، وَوَكوع لَكوع: لئيم.
وقال أبو تراب: سمعتُ شجاعًا السُّلميّ يقول: لكَع الرجلُ الشاةَ، إذا نَهَزَها.
ونكعها، إذا فعل بها ذلك عند حَلْبِها، وهو أن يضرب ضرعَها لتدرّ.
قال: وعبد ألكعُ أوكَع، وامرأة لكعاء ووَكْعاء، وهي الحمقاء.
قال البكري: هذا شتمٌ للعبد واللئيم.
شمر عن أبي نهشل: يقال هو لُكَعٌ لاكع.
قال: وهو الضيِّق الصدر، القليل الغَناء الذي تؤخّرهُ الرجال عن أمورها فلا يكون له موقع، فذلك اللُّكَع.
وقال ابن شميل: يقال للرجل إذا كان خبيثَ الفَعالِ شحيحًا قليل الخير: إنه للَكُوع.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الخِثْي للثَّور، والكَعْل لكلِّ شيءٍ، إذا وضَعَه.
وقال غيره: الكَعْل من الرجال: القصير الأسود.
وقال جَندلٌ الطُّهويّ:
وأصبحتْ ليلى لها زَوجٌ قَذِرْ *** كَعْلٌ تَغشَّاهُ سَوادٌ وقِصَرْ
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
170-تهذيب اللغة (عنك)
عنك: ابن شميل: جاء من السَّمَك بعِنْكٍ، أي شيء كثير منه.وجاءنا من الطَّعام بعِنْكٍ، أي بشيء كثير منه.
أبو عبيد عن الأصمعي قال العانك: الرَّملة التي فيها تعقُّد حتَّى يبقى فيها البعير لا يقدر على السَّير فيها.
يقال قد اعتنك.
وقال الليث: العانك: لونٌ من الحمرة.
دم عانكٌ، إذا كان في لونه صُفرة.
وأنشد:
أو عانكٍ كدم الذبيح مُدامِ
قال: والعانك من الرَّمل في لونه حُمرة.
قلت: كلُّ ما قاله الليث في العانك، فهو خطأٌ وتصحيف.
والذي أراده الليث من صفة الحُمرة فهو عاتك بالتاء، وقد مرَّ تفسيره في بابه.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: سمعتُ أعرابيًّا يقول:
أتانا فلانٌ بنبيذ عاتكٍ *** يصيِّر الناسكَ مثل الفاتك
وأما العانك من الرمال فهو الذي فسَّره الأصمعي، لا ما فيه حُمرة.
وأما ما استشهد به من قوله:
أو عانكٍ كدم الذَّبيح مُدامِ
فإنِّي سمعت الإياديَّ يروي عن شمر أنَّ أبا عبيدٍ أنشده:
أو عاتقٍ كدم الذبيح.
.
.
فإنْ كان وقع لليث بالكاف فهو عاتك بالتاء، كما روى ابن الأعرابي عن من قال من الأعراب: أتانا بنبيذ عاتك، أي بنبيذ أحمر.
وقال الليث: العِنْك: سُدفة من الليل.
وقال الأصمعيّ وغيره: أتانا فلانٌ بعد عِنكٍ من الليل، أي بعد ساعة وبعد هُدْء.
ويقال مكث عِنكًا، أي عصرًا وزمانًا.
ثعلب عن عمرو عن أبيه: أعنكَ الرجلُ، إذا تَجَر في العُنوك، وهي الأبواب.
وأعنكَ: وقَعَ في العِنْكة، واحدها عِنْك، وهو الرَّمل الكثير.
وقال ابن دريد: عنكْتُ البابَ وأعنكتُه، إذا أغلقتَه، لغة يمانية.
أبو تراب عن الأصمعي: العِنْك: الثلث الباقي من اللَّيل.
وقال أبو عمرو: العِنْك ثلثُه الثاني.
وقال ابن الأعرابيّ: يقال للباب العِنْك، ولصانِعه الفَيْتَق.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
171-تهذيب اللغة (نكع)
نكع: أبو عبيد عن أبي عمرو: النَّكِعة من النساء: الحمراء اللون.قال: والنَّكوع: القصيرة من النساء، وجمعها نُكُع.
وأنشد لابن مقبل:
لا سُودٌ ولا نُكُعُ
وأخبرني المنذريّ عن الحرَّاني عن ابن السكِّيت قال: سمعت ابن الأعرابي يقول: أحمر كالنَّكَعة، قال: وهي ثمرة النُّقاوَى، وهو نبتٌ أحمر.
قال: ويقال هو أحمر مثل نَكَعة الطُّرثوث.
قال: وأخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابيّ حكى عن بعضهم أنه قال: «فكانت عيناه أشدَّ حمرةً من النُّكعة» هكذا رواه بضم النون لنا ـ قلت: وسماعي من الأعراب نَكَعة ـ قال: وهي جَنَاةُ ثمرِ شجرة حمراءُ كالنَّبق في استدارته.
وقال اللحياني: أحمر نكِعٌ وأحمر عاتك.
وقال الليث: الأنكع: المتقشِّر الأنف، وقد نَكِع ينكَع نكَعًا مع حمرة لونٍ شديدة.
قلت: وقد رأيت نكَعة الطُّرثوث في أعلاها كأنها ثُومة ذكرِ الرجل مشربة حُمرة.
وقال الليث: يقال كسعه ونكَعه، إذا ضربَ دبرَه بظهر قدمهِ.
وأنشد:
بنِي ثُعَلٍ لا تَنكَعوا العنزَ إنّه *** بنِي ثُعَلٍ من ينكَع العنزَ ظالمُ
وقال الأصمعيّ: النَّكْع: الإعجال عن الأمر؛ يقال نكعته عن ذلك الأمر، إذا أعجلتَه.
وقال عديّ بن زيد:
تُقْنصك الخيل وتصطادك ال *** طَّير ولا تُنكَع لَهْوَ القَنِيصْ
وقال ابن الأعرابي: لا تُنكَع: لا تُمنَع.
وقال ابن شميل: المنكَع: الراجع وراءه، وقد أنكعَه.
وروى أبو ترابٍ عن واقعٍ السُّلميّ: نكَع عن الأمر ونَكلَ بمعنًى واحد.
وأنشد أبو حاتم في الإنكاع بمعنى الإعجال:
أرى إبلي لا تُنكَعُ الوِردَ شُرَّدًا *** إذا شُلَّ قومٌ عن وُرودٍ وكُعْكِعوا
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
172-تهذيب اللغة (جعش)
جعش: أبو عبيد عن الأصمعي: الجُعشوش: الرجل الطويل.وقال شمر: الجُعشوش: الرجلُ الدقيقُ النحيف، وكذلك الجعسوس.
وقال غيره: رجلٌ جُعشوش وجُعسوسٌ، إذا كان قميًا زريًّا.
وقيل: الجُعشوش اللئيم.
وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال: الجُعشوش: النَّحيف الضامر.
وأنشد:
يا ربَّ قَرْم سَرِسٍ عَنَطنَطِ *** ليس بجعسُوسٍ ولا بأذْوَط
وقال ابن حِلِّزة:
بنو لُجيم وجَعَاسيسُ مُضَرْ
كل ذلك يقال بالسين والشين.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
173-تهذيب اللغة (ضجع)
أهملت وجوهها غير حرف وهو: ضجع: قال النحويون: أصل بناء الفعل من الاضطجاع، ضجع يضجَع فهو ضاجع.وقلّما تستعمل.
والافتعال منه اضطجع يضطجع اضطجاعًا فهو مضطجع.
وقال ابن المظفر: وكانت هذه الطاء في الأصل تاء، ولكنَّه قَبُح عندهم أن يقولوا اضتجع فأبدلوا التاء طاء.
وله نظائر أذكرها في مواضعها.
قلت: وقال الفراء: من العرب من يقول اضَّجَعَ بتشديد الضاد، في موضع اضطجع.
وأنشد:
لمّا رأى أن لا دَعَه ولا شِبَعْ *** مالَ إلى أرطاةِ حِقْفٍ فاضَّجَعْ
وقال: أدغمَ الضاد في التاء فجعلها ضادًا شديدة.
وقال ابن الفرج: قال الفراء: يقال أضجعتُه فاضطجع.
قال: وبعضهم يقول: «فالْضَجَعْ» بإظهار اللام، وهو نادر.
قال: وربّما أبدلوا اللام ضادًا كما أبدلوا الضاد لامًا، قال بعضهم: الطراد واضْطِرادُ، لطرادِ الخيل.
قال: وروى إسحاق عن المعتمر بن سليمان عن ليث عن مجاهد والحكم قالا: إذا كان عند اضطرادِ وعند ظلّ السيوف أجزَى الرجلَ أن تكون صلاته تكبيرًا، قال: وفسَّره ابن إسحاق الطِّراد.
ويقال ضاجعَ الرجلُ امرأتَه مضاجعةً، إذا نام معَها في شعارٍ واحد، وهو ضَجِيعها وهي ضجيعَتُه.
وقال الليث: يقال أضجعتُ فلانًا، إذا وضعتَ جنبَه بالأرض، وضَجَعَ، وهو يَضجَع نَفْسُه.
قال: وكلُّ شيء تَخفضه فقد
أضجعته.
والإضجاع في باب الحركات مثلُ الإمالة والخفض.
قال: والإضجاع في القوافي.
وأنشد:
والأعوج الضاجع من إكفائها
وهو أن يختلف إعراب القوافي، يقال: أكفأ وأضجعَ بمعنًى واحد.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس عن ابن الأعرابيّ: رجلٌ ضاجع أي أحمق، ودلوٌ ضاجعة أي ممتلئة.
وغنم ضاجعة: كثيرة لازمة للحَمْض.
ورَجلٌ ضُجْعيٌ، ضِجْعِيٌ وقُعديٌ وقِعديّ: كثير الاضطجاع في بيته.
وقال الأصمعيّ: ضَجَعت الشمسُ للغروب وضَجَع النجمُ فهو ضاجع، إذا مالَ للمغيب؛ ونجومٌ ضواجع.
ويقال أراك ضاجعًا إلى فلانٍ: مائلًا إليه.
ويقال ضِجْع فلانٍ إلى فلان، كقولك: صِغْوه إليه.
ومضاجع الغيث: مساقطه.
ورجلٌ أضجع الثنايا: مائلُها؛ والجميع الضُّجْع.
ويقال تضاجعَ فلانٌ عن أمرِ كذا وكذا، إذا تغافلَ عنه.
أبو عمرو: الضواجع: مصَابُّ الأودية، واحدها ضاجعة، كأنَ الضاجعة رَحْبةٌ ثم تستقيم بعدُ فتصير واديًا.
وسحابة ضَجوع: بطيئة من كثرة مائها.
والضَّجوع: رملة بعينها معروفة.
والضُّجوع: بضم الضاد: حيٌّ في بني عامر.
والمَضاجع: اسم موضع.
والمضاجع: جمع المَضْجَع أيضًا.
قال الله جلّ وعزّ: {تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ} [السَّجدَة: 16] أي تتجافى عن مضاجعها التي اضطجعت فيها.
والاضطجاع في السجود: أن يتضامَّ ويُلصِقَ صدره بالأرض.
وإذا قالوا: صلَّى مضطجعًا فمعناه أن يضطجع على شقِّه الأيمن مستقبلًا القبلة.
وقال ابن السكيت: الضَّجوع: موضع.
قال: ودلوٌ ضاجعة: ملأى ماءً، تمِيل في ارتفاعها من البئر، لثقلها.
وأنشد لبعض الرجاز:
إن لم تجىء كالأجْدَل المسِفِ *** ضاجعةً تَعدِلُ مَيل الدَّفّ
إذَنْ فلا آبَتْ إليَّ كفِّي *** أوْ يُقطعَ العِرقُ من الألَفِ
قال: والألفُّ: عِرقٌ في العضُد.
وقال أبو عبيد: الضَّجوع: الناقة التي ترعى ناحيةً.
والعَنود مثلُها.
قال: وقال الفراء: إذا كثرت الغنم فهي الضاجعةُ والضَّجْعاء.
ويقال أضجعَ فلانٌ جُوالقَه، إذا كان ممتلئًا ففرَّغه.
ومنه قول الراجز:
تُعجِلُ إضجاعَ الجَشيرِ القاعدِ
والجشير: الجُوالق.
والقاعد: الممتلىء.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
174-تهذيب اللغة (عجز)
عجز: قال الله جلّ وعزّ: {وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ} [العَنكبوت: 22] قال الفراء: يقول القائل كيف وصَفَهم الله أنّهم لا يُعجِزون في الأرض ولا في السماء وليسوا في أهل السماء؟ فالمعنى ما أنتم بمعجزين في الأرض ولا من في السماء بمعجز.وقال أبو إسحاق: معناه ما أنتم بمعجزين في الأرض ولا لو كنتم في السماء.
وقال أبو العباس: قال الأخفش: معناه ما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء، أي لا تعجزوننا هربًا في الأرض ولا في السماء.
قال أبو العباس: وقول الفراء أشهر في المعنى، ولو كان قال ولا أنتم لو كنتم في السماء بمعجزين لكان جائزًا.
قلت: ومعنى الإعجاز الفوت والسبق.
يقال أعجزني فلانٌ، أي فاتني.
وقال الليث: أعجزَني فلانٌ، إذا عَجزتَ عن طلبه وإدراكه.
وقال الله في سورة سبأ [5]: (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) وقرأه بعضهم:
(معجِّزين) وقال الفراء: من قرأ مُعاجِزِينَ فتفسيره معاندين.
وقال بعضهم: مسابقين، وهو قول الزجاج.
ومن قرأ معجِّزين فالمعنى مثبِّطين عن الإيمان بها، من العجز وهو نقيض الحَزْم.
وأما الإعجاز فهو الفوت، ومنه قول الأعشى:
فذاك ولم يُعجِزْ من الموت رَبَّه *** ولكن أتاه الموتُ لا يتأبّقُ
أبو عبيد عن أبي زيد: إنّه ليُعاجِز إلى ثقةٍ، إذا مالَ إليه.
ويقال فلانٌ يُعاجز عن الحقِّ إلى الباطل، أي يلجأ إليه.
ويقال هو يُكارز إلى ثقةٍ مُكارَزةً، إذا مال إليه.
وروي عن علي رَضي الله عنهُ أنه قال: «لنا حقٌ إنْ نُعْطَهُ نأخذْه، وإن نُمنَعْه نركبْ أعجاز الإبل وإن طال السُّرى».
القتيبيُّ: أعجاز الإبل: مآخيرها، جمع عَجُز، وهو مركب شاقّ.
قال: ومعناه إن مُنِعنا حَقَّنا ركبْنا المشقَّة وصَبَرنا عليه وإن طال، ولم نَضجَرْ منه مُخِلِّين بحقِّنا.
قلت: لم يُرد عليّ رحمهالله بقوله هذا ركوبَ المشقَّة، ولكنّه ضربَ أعجازَ الإبل مثلًا لتقدُّم غيره عليه وتأخيره إياه عن حقِّه، فيقول: إن قُدِّمنا للإمامة تقدّمنا، وإن مُنِعْنا حقَّنا منها وأخِّرنا عنها صبرنا على الأثَرة علينا وإن طالت الأيام.
وفي كلام بعض الحكماء: «لا تَدَبَّروا أعجازَ أمورٍ قد ولَّت صُدورها»، يقول: إذا فاتك الأمر فلا تُتبعْه نفسَك متحسِّرًا على ما فات، وتعزَّ عنه متوكِّلًا على الله.
وقال الليث: العجوز: المرأة الشيخة، والفعل عَجُزت تعجُز عَجْزًا.
قلت: وروى أبو عبيد عن الكسائيّ: عجَّزت المرأةُ فهي معجِّز.
قال: وبعضهم عَجَزَتْ بالتخفيف.
وقال ابن السكيت: عجَزت عن الأمر أعجِز عنه عَجْزًا ومَعجَزة.
قال: وقد يقال عَجِزَتِ المرأة تَعْجَز، إذا عظُمت عجيزتها.
وعجَّزت تعجّز تعجيزًا، إذا صارت عجوزًا.
قال: وامرأةٌ معجَّزَة: ضخمة العجيزة.
قال يونس: امرأة معجِّزة: طعنت في السنّ.
وامرأة معجَّزة: ضخمة العجيزة.
وقال ابن السكيت: تعجّزت البعيرَ، إذا ركبت عَجُزَه.
وأخبرني أبو الفضل عن أبي العباس عن ابن الأعرابيّ، قال رجل من بني ربيعة بن مالك: «إنْ الحقَّ بقَبَلٍ فمن تعدَّاه ظَلَم، ومن قَصَّر عنه عَجَز، ومن انتهى إليه اكتفى» قال: لا أقول عَجِزَ إلّا من العجيزة، ومن العجز عَجَز.
وقوله «بقَبَلٍ» أي يَضِحُ لك حيث تراه.
وهو مثل قولهم «إنّ الحقَّ عارِي».
قلت: والعرب تقول لامرأة الرجل وإن كانت شابّة: هي عَجوزُهُ، وللزوج وإن كان حدثًا: هو شَيْخُها.
وقلت لامرأةٍ من العرب: حالِبِي زوجَكِ.
فتذَّمَّرتْ وقالت: هلّا قلت: حالبي شَيخكِ؟ويقال للخمر إذا عَتُقت عجوز.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: الكلب: مسمار مَقبِض السيف.
قال: ومعه آخرُ يقال له العَجوز.
وقال الليث: العجوز: نصل السيف.
قلت: والقول ما قال ابن الأعرابي.
قال: والعجوز: القِبْلة.
والعجوز: البقرة.
والعجوز: الخمر.
ويقال للرجل عجوز وللمرأة عجوز.
قال: ويقال للمرأة عجوزَةٌ بالهاء أيضًا.
وأخبرني المنذري عن ثعلب أنه قال: رجلٌ معجوز، ومشفوه، ومعروك، ومنكود، إذا ألِحَّ عليه في المسألة.
وقال ابن دريد: فحلٌ عَجِيز وعجيس، إذا عَجَز عن الضراب.
قلت: وقال أبو عبيد في باب العنِّين: هو العَجِير بالراء، للذي لا يأتي النساء.
قلت: وهذا هو الصحيح.
وقال الليث: العجيزة: عجيزةُ المرأة خاصّةً.
وامرأة عجزاء، وقد عَجِزَتْ عَجَزًا.
قال: والجميع عجيزات، ولا يقولون عجائز مخافة الالتباس.
وقال ابن السكيت: عَجُز الرجلُ: مؤخَّره، والجميع الأعجاز؛ ويصلح للرَّجل والمرأة.
وأما العجيزة فعجيزة المرأة خاصة.
أبو عبيد عن أبي زيد: العُجْز والعَجُز والعَجْز، وكذلك العُضْد والعضُد والعَضْد، ثلاثُ لغات.
قال: وتعجّزت البعيرَ: ركبت عَجُزه.
وقال الليث: العجزاء من الرمال: حبل مرتفعٌ كأنّه جَلَد، ليس برُكام رمل، وهو مكرُمةٌ للنبت، والجميع العُجْز لأنه نعتٌ لتلك الرَّملة.
وقال غيره: عُقابٌ عَجْزاء، إذا كان في ذنبها ريشة بيضاء أو ريشتان.
وقال الشاعر:
عَجْزاءَ ترزُق بالسُّلَيِّ عيالَها
ويقال لِدابرة الطائر: العِجازة.
والعِجازةُ أيضًا: ما تعظِّم به المرأة عجيزتها.
ويقال إعجازة، مثل العِظامة والإعظامة.
قاله ابن دريد.
أبو عبيد عن الكسائي: فلانٌ عِجزة ولد أبويه، أي آخرهم، وكَذلك كِبْرَة ولد أبويه.
قال: والمذكر والمؤنث والجمع والواحد في ذلك سواء.
قال: وقال أبو زيد في العِجزة مثله.
قلت: أراد بِكبرة ولد أبويه أكبرهم.
وقال الليث: العِجزة ابنُ العجزة، هو آخر ولدِ الشيخ.
ويقال وُلد لعِجزة، أي بعدما كبِر أبواه.
قال: ويقال اتَّقِي الله في شيبتكِ وعَجْزكِ، أي بعد ما تصيرين عجوزًا.
وعجّز فلانٌ رأيَ فلان، إذا نسبه إلى خلاف الحزم، كأنه نسبه إلى العجز.
وأعجزتُ فلانًا، إذا ألفيتَه عاجزًا.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
175-تهذيب اللغة (جزع)
جزع: قال الله جلّ وعزّ: {إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا}.{1} [المعارج: 19 ـ 20] والجَزوع ضدّ الصّبور على الشرّ.
والجَزَع: نقيض الصبر.
وقد جزِع يجزَع جزَعًا فهو جازع، فإذا كثُر (page/) منه الجزع فهو جَزُوع.
وأخبرني المنذري عن الحرّاني عن ابن السكيت قال: الجَزْع بفتح الجيم: الخَرَز اليماني.
والجِزْع، بكسر الجيم: جِزع الوادي، وهو منعطَفهُ.
وقال الأصمعي: هو مُنحَناهُ.
وقال أبو عبيدة: هو إذا قطعتَه إلى الجانب الآخر.
والجميع أجزاع.
وقال غيره: الجَزْع أيضًا قطعك واديًا أو مفازة أو موضعًا تقطعه عَرضًا.
وناحيتاه جِزعاه.
وقال الأعشى:
جازعاتٍ بَطنَ العقيق كما تَم *** ضِي رِفاقٌ أمامهنّ رِفاقُ
قال الليث: لا يسمَّى جِزعُ الوادي جِزعًا حتى تكون له سعةٌ تُنب الشجر وغيره.
قال: والجازع: الخشبة التي ترفع بين خشبتين عرضًا منصوبتين ليوضع عليه سُروغ الكروم وقضبانها، لترفعَها عن الأرض.
وقال ابن شُمَيل نحوًا منه.
أبو عبيد عن الأصمعي قال: المجزِّع من الرُّطَب: الذي بَلغَ الإرطابُ نصفه.
قال شمر: قال المِسعريُّ: المجزِّع بالكسر.
وهو عندي بنصب الزاي على وزن مخطَّم.
وقلت: وسماعي من الهجريِّين رُطَبٌ مجزِّع بكسر الزاي كما رواه المسعريّ عن أبي عبيد.
يقال جزَّع فهو مجزِّع.
ويقال: في القِرْبة جِزعةٌ من الماء، وفي الوَطْب جِزْعة من اللبن، إذا كان فيه شيء قليل.
وقال الليث: الجِزْعة من اللبن في السِّقاء ما كان أقلَّ من نِصْفه، وكذلك الماء.
وكذلك الماء في الحوض.
الأصمعي: مضَتْ جِزعة من الليل، أي ساعةٌ من أوّلها وبقيت جزعة من آخرها.
أبو زيد: كلأ جُزَاع، وهو الذي يقتُل الدوابّ.
ولحمٌ مجزَّع: فيه بياضٌ وحمرة.
ونوًى مجزَّع، إذا كان محكوكًا.
وقال غيره: تجزّع السهمُ، إذا تكسر.
وقال الشاعر:
إذا رُمحُه في الدَّارعينَ تجزَّعا
وقال ابن دريد: انجزعَ الحبلُ بنصفين، إذا انقطع.
وانجزعت العصا.
قال: والجُزَع: المحور الذي تدور فيه المَحالة، لغة يمانية.
قال: والجُزَع أيضًا: الصِّبغ الأصفر الذي يسمَّى العُرُوق.
وقال ابن شميل: يقال في الحوض جِزعة، وهو الثلث أو قريبٌ منه، وهي الجِزَعُ.
وقد جزَّع الحوضُ، إذا لم يبق فيه إلّا جِزْعة.
ويقال: في الغدير جِزعة، ولا يقال: في الركيّة جزعة.
وقال ابن الأعرابي: الجِزعة، والكُثبة، والغُرقة، والخَمْطة: البقيَّة من اللبن.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
176-تهذيب اللغة (جعد)
جعد: قال الليث: الجَعْدة: حشيشة تنبُتُ على شاطىء الأنهار خضراء، لها رَعْثة كرعثة الديك طيِّبة الريح تنبت في الربيع وتيبس في الشتاء؛ وهي من البقول.قلت: الجعدة بقلة بِرّيّة لا تنبت على شطوط الأنهار، وليس لها رَعْثة.
وقال النضر بن شُميل: الجَعْدة: شجرة طيّبة الريح خضراء، لها قُضُب في أطرافها ثمر أبيض، يُحشَى بها الوسائد لطيب ريحها، إلى المرارة ما هي، وهي جهيدةٌ يصلُح عليها المال، واحدتها وجَماعتها جَعدة.
وأجاد النضر في صفة الجعدة.
وقال النضر أيضًا: الجعاديد والصعارير أوّل ما ينفتح الإحليل باللبأ، فيخرج شيءٌ أصفر غليظ يابس، وفيه رخاوة وبلل كأنّه جُبْن، فيندُصُ من الطُّبْي مُصَعْرَرًا، أي يخرج مدحرجًا.
ونحو ذلك قال أبو حاتم في الصَّعارير والجعاديد.
وقال: يخرج اللبأ أولَ ما يخرج مصمِّغًا.
وقال في كتابه في «الأضداد»: قال الأصمعي: زعموا أن الجعدَ السّخيُّ.
قال: ولا أعرف ذلك، والجعد: البخيل، وهو معروف.
قال: وقال كثيِّر في السخيّ كما زعموا يمدح بعض الخلفاء:
إلى الأبيض الجعد ابن عاتكة الذي *** له فضل مُلكٍ في البرية غالبُ
قلت: وفي أشعار الأنصار ذِكرُ الجعدِ وُضِعَ موضعَ المدح، أبياتٌ كثيرة، وهم من أكثر الشعراء مدحًا بالجعد.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أحمد بن يحيى أنه قال: الجَعْد من الرجال: المجتمع بعضه إلى بعض.
والسَّبِط: الذي ليس بمجتمع.
وأنشد:
قالت سُلَيمى لا أحبُ الجَعْدِينْ *** ولا السِّباطَ إنهمْ مَناتِينْ
وأنشد أبو عبيد:
يا ربَ جعدٍ فيهمُ لو تدرينْ *** يَضرب ضَر السُّبُط المقاديمْ
قلت: وإذا كان الرجل مداخَلًا مُدمَج الخلْقِ معصوبًا فهو أشدُّ لأسْرِه، وأخفُّ له إلى منازلة الأقران، فإذا اضطرب خَلْقُه وأفرط في طوله فهو إلى الاسترخاء ما هو.
والجَعْدُ إذا ذُهب به مذهبَ المدح فله معنيان مستحبان: أحدهما أن يكون معصوب الجوارح شديدَ الأسر غير مُسترخٍ ولا مضطرب.
والثاني أن يكون شعره جعدًا غير سَبِط؛ لأنَّ سبوطة الشعر هي الغالبة على شعور العجم من الروم والفرس، وجُعودةَ الشعر هي الغالبة على شُعور العرب.
فإذا مُدِح الرجل بالجعد لم يَخرُج من هذين المعنَيين.
وأما الجعد المذموم فله أيضًا معنيان كلاهما منفيٌّ عمَّن يُمدح: أحدهما أن يقالُ رجلٌ جَعْدٌ، إذا كان قصيرًا متردّد الخلف.
والثاني أن يقال رجلٌ جعدٌ، إذا كان بخيلًا لئيمًا لا يَبِضُّ حَجَرُه.
وإذا قالوا رجل جَعْد اليدين، وجعد الأنامل، لم يكن إلّا ذمًّا محضًا.
والجُعودة في الخدَّين: ضدُّ الأَسالة، وهو ذَمٌّ أيضًا.
والجعودة ضدُّ السُّبوطة مدحٌ، إلّا أن يكون قَطَطًا مُفلفَلًا كشعر الزنج والنُّوبة، فهو حينئذٍ ذم.
وقال الراجز:
قد تيَّمتْني طَفلةٌ أُملودُ *** بفاحمٍ زيَّنَه التجعيدُ
وثرًى جَعْد، إذا ابتلّ فتعقَّد.
وزَبَدٌ جَعد: مجتمع.
ومنه قول ذي الرمة:
واعتمَّ بالزَّبَدِ الجعدِ الخراطيمُ
والعرب تسمِّي الذِّئب أبا جَعدة، ومنه قول عَبيد بن الأبرص:
هي الخمرُ صِرفًا وتُكْنَى الطِلاءَ *** كما الذِّئبُ يكنى أبا جَعدةِ
قال أبو عبيد: يقول: الذئب وإن كنّي أبا جعدة ونُوِّه بهذه الكنية فإنَّ فعلَه غير حَسَن، وكذلك الطِّلاءُ وإن كان خائرًا فإنّ فعلَه فِعلُ الخمر لإسكاره شاربَه.
كلامٌ هذا معناه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
177-تهذيب اللغة (عذج)
عذج: أهمله الليث.وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال: يقال رجل مِعْذَجٌ، إذا كان كثير اللَّوم.
وأنشد:
فعاجت علينا من طُوالٍ سَرعرعٍ *** على خوف زَوج سيِّىء الظن مِعذَجٍ
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
178-تهذيب اللغة (جذع)
جذع: أخبرني أبو الفضل عن أبي الحسن الصيداويّ عن الرياشي أنه قال: المجذوع: الذي يُحبَس على غير مرعى.وهو الجَذْع.
وأنشد:
كأنه من طول جَذْع العَفْس *** ورَمَلان الخِمْسِ بعد الخِمسِ
وقال شمر: قال ابن الأعرابي: جذَع الرجل عيالَه، إذا حبسَ عنهم خيرًا.
وقال ابن السكيت في الجَذْع نحوًا مما قالا.
وأما الجذَع فطنه يختلف في أسنان الإبل والخيل والبقر والشاء.
وينبغي أن يفسَّر قولُ العرب فيه تفسيرًا مُشْبَعًا، لحاجة الناس إلى معرفته في أضاحيهم وصَدقاتهم وغيرها.
فأمَّا البعير فإنّه يُجذِع لاستكماله أربعة أعوام ودخوله في السنة الخامسة، وهو قبل ذلك حِقٌّ.
والذكر جَذَع والأنثى جَذَعة، وهي التي أوجبها النبي صلى الله عليه وسلم في صدقة الإبل إذا جاوزتْ سِتِّين.
وليس في صدقات الإبل سنٌّ فوق الجَذعة.
ولا يَجزِي الجذع من الإبل في الأضاحي.
وأمّا الجَذَع من الخيل فإنّ المنذريّ أخبرني عن أبي العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: إذا استتمَّ الفرس سنتين ودخل في الثالثة فهو جَذَع، وإذا استتمَّ الثالثة ودخل في الرابعة فهو ثَنِيّ.
وأما الْجذَع من البقر فإن أبا حاتم روى عن الأصمعي أنه قال: إذا طلعَ قرن العجل وقُبِضَ عليه فهو عَضْب.
ثم بعد ذلك جَذَع، وبعده ثَنِيٌّ وبعده رَبَاع وقال عتبة بن أبي حكيم: لا يكونُ الْجذَع من البقر حتّى
يكون له سنتان وأول يوم من الثالث.
قلت: ولا يَجزِي الجَذَع من البقر في الأضاحي.
وأما الجَذَع من الضأن فإنه يَجزِي في الضحيّة، وقد اختلفوا في وقت إجذاعه، فروى أبو عبيد عن أبي زيد في أسنَان الغنمِ فقال في المِعزَى خاصّةً: إذا أتى عليها الحولُ فالذكر تَيْسٌ والأنثى عَنْز، ثم يكون جَذَعًا في السنة الثانية والأنثى جَذَعة، ثم ثنيًّا في الثالثة، ثمّ رباعيًا في الرابعة.
ولم يذكر الضأن.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: الإجذاع وقتٌ وليس بسنٍّ.
قال: والجَذَع من الغنم لسنة، ومن الخيل لسنتين، ومن الإبل لأربع سنين.
قال: والعَنَاق تُجذِع لسنة، وربّما أجذعت العَناقُ قبل تمام السنة للخصب، وتَسمَن فيُسرع إجذاعها، فهي جَذَعة لسنة، وثنيّة لتمام سنتين.
وسمعت المنذرِي يقول: سمعت إبراهيم الحربي يقول في الْجَذَع من الضأن قال: إذا كان ابن شابَّين أجذع لستة أشهر إلى سبعة أشهر، وإذا كان ابن هَرِمَين أجذعَ لثمانية أشهر إلى عشرة أشهر.
قلت: فابن الأعرابيّ فرَّق بين المعزى والضأن في الإجذاع، فجعلَ الضأنَ أسرعَ إجذاعًا.
قلت: وهذا الذي قاله ابن الأعرابيّ إنما يكون مع خِصب السنة وكثرة اللبن والعُشْب.
قال المنذري: وقال الحربي: قال يحيى بن آدم: إنما يَجزي الْجذع من الضَّأن في الأضاحي لأنه ينزو فيُلقح، فإذا كان من المعزى لم يُلقح حتى يثنَى.
وذكر أبو حاتم عن الأصمعي قال: الجَذَع من المعز لسنة، ومن الضأن لثمانية أشهر أو تسعة.
وقال الليث: الجَذَع من الدوابّ والأنعام قبل أن يُثْنِيَ بسنة، وهو أوّلُ ما يُسطاع ركوبُه والانتفاعُ به، والجمع جُذْع وجِذْعان.
قال: والدهر يسمَّى جَذَعًا لأنه جديد الدهر.
ويقال: فلانٌ في هذا الأمر جَذَع، إذا أخذَ فيه حديثًا.
وإذا طَفِئَتْ حرب بين قوم فقال بعضهم: إن شئتم أعدناها جَذَعة، أي أولَ ما يبْتَدأ فيها.
وقال غيره: الأزلم الجذَع هو الدَّهر؛ يقال: لا آتيك الأزلم الجذَع: أي لا آتيك أبدًا، لأنَّ الدَّهرَ أبدًا جديدٌ، كأنه فَتِيٌّ لم يُسِنّ.
والجِذْع: جِذْع النخلة، ولا يتبيَّن لها جذعٌ حتّى يتبيَّن ساقها.
والجِذاع: أحياءٌ من بني سَعْدٍ معروفون بهذا اللقب.
وجُذعان الجِبال: صغارُها.
وقال ذو الرمّة:
جَواريه جُذعانَ القِضاف النَّوابكِ
والقَضَفَة: ما ارتفع من الأرض.
وروي عن علي رضياللهعنه أنه قال: «أسلم أبو بكر وأنا جَذَعمة»، أراد: وأنا جَذَع، أي حَدَث السنّ غير مدرك، فزاد في آخرها ميمًا كما زادوها في سُتْهُم للعظيم
الاست، وزُرقُم للأزرق، وكما قالوا للابن ابنُمٌ.
وقال ابن شميل: يقال: ذهب القومُ جِذَعَ مِذَعَ، إذا تفرَّقوا في كلّ وجه.
وفي «النوادر»: جَذَعت بين البعيرين، إذا قرنتهما في قَرَن، أي حبل.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
179-تهذيب اللغة (عرج)
عرج: قال الله جلّ وعزّ: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعَارج: 4] أي تصعد.يقال: عَرَج يَعرُج عُروجًا.
وقوله جلّ وعزّ: {مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ} [المعَارج: 3] قال قتادة: ذي المعارج ذي الفواضل والنِّعَم.
وقيل مَعارجُ الملائكة، وهي مَصاعدُها التي تصعَد فيها وتَعرُج فيها، ذكر ذلك أبو إسحاق.
وقال الفراء: {ذِي الْمَعارِجِ} من نعت {اللهِ}، لأنَّ الملائكة تعرُج إلى الله، فوصَف نفسَه بذلك.
والقُرَّاء كلُّهم على التاء في قوله تَعْرُجُ [المعَارج: 4] إلّا ما ذُكِر عن
عبد الله، وهو قول الكسائي.
وقال الليث: عَرَج يعرُج عُروجًا ومَعْرَجًا.
قال: والمَعْرج: المصعد.
والمَعرَج: الطَّريق الذي تصعَد فيه الملائكة.
قال: والمِعراجُ يقال: شبه سُلَّم أو درجة تعْرُج فيه الأرواح إذا قُبِضَتْ.
يقال ليس شيء أحسَنُ منه، إذا رآه الرُّوح لم يتمالك أن يَخرج.
قال: ولو جمع على المعاريج لكان صوابًا.
فأمّا المعارج فجمع المعرَج.
قلت: ويجوز أن يجمع المعراج مَعارج.
الحراني عن ابن السكيت قال: العَرَج: مصدر عرِج الرجلُ يَعرَج، إذا صار أعرج.
قال: وحكى لنا أبو عمرو: العَرَج: غَيبوبة الشمس.
وأنشد:
حتى إذا ما الشمسُ همَّتْ بعرَجْ
وقال الأصمعيّ: عرَج يعرُج، إذا مشَى مِشيةَ العُرجان.
وقال الليث: عرِج يَعرَج، وقد أعرجَه الله.
قال: والتعريج: أن تحبِسَ مطيَّتَك مقيمًا على رُفقتك أو لحاجةٍ.
ويقال للطَّريق إذا مال: قد انعرَج.
وانعرج الوادي، ومنعرَجهُ: حيث يميل يَمنةً ويَسرة.
قال: وانعرج القوم عن الطريق، إذا مالُوا عنه.
قال: وعرَّجنا النهر، أي أملناه يَمنة ويَسْرة.
والعَرْجاء: الضَّبُع، والجميع عُرْج.
وقال شمر: العرب تجعل عُرْج معرفةً لا تنصرف، تجعلها ـ يعني الضباعَ ـ بمنزلة قبيلة.
وقال أبو مكعِّت الأسدي:
أفكانَ أول ما أُثِبْتَ تهارشت *** أبناءُ عُرْجَ عليك عند وِجارِ
قال: أولاد عُرجَ، لم يُجرِها بمنزلة قبيلة.
أبو عبيد عن أبي زيد: العَرْج: الكثير من الإبل.
وقال أبو حاتم: إذا جاوزت الإبل المائتين وقاربت الألف فهي عَرْجٌ وعُروجٌ وأعراج.
وقال ابن السكيت: العَرْج من الإبل نحوٌ من الثمانين.
وقال ابن الأعرابي: أعرجَ الرجلُ إذا كان له عَرْجٌ من الإبل.
وأمرٌ عَرِيجٌ مَرِيجٌ: ملتبس.
قال أبو ذؤيب:
كما نوَّر المِصباحُ للعُجْم، أمرُهم *** بُعَيدَ رقاد النائمين عَريجُ
والعَرْج: منزل بين مكة والمدينة.
وجمع الأعرج عُرج وعُرجان.
والأعَيرج من الحيات، قال أبو خَيْرة: هي حيّةٌ صَمَّاء لا تَقبل الرُّقية، وتَطفِر كما يطفر الأفعى، والجميع الأُعيرجات.
وقال أبو زيد مثلَه.
شمر عن ابن شميل قال: الأعيرج: حيّةٌ عريض له قائمة واحدة، عريضٌ مثل النَّبْث والترابِ تَنْبِثُه من ركيّة أو ما كانَ، فهو نَبْثٌ.
وهو نحو الأصَلَة.
ثعلبٌ عن ابن الأعرابي: الأعيرج أخبثُ الحيات، يقفز على الفارس حتَّى يصير معَه في سَرجه.
قال: والعارج: الغائب.
وقال الليث: ولا يؤنّث الأعيرج.
قال: والعَرَج في الإبل كالحقَب، وهو ألّا يستقيم مخرجُ بَوله، فيقال حَقِبَ البعيرُ وعَرِج، حَقَبًا وعَرَجًا، ولا يكون ذلك إلّا
للجمل إذا شُدَّ عليه الحقَب.
يقال أخلِفْ عنه لئلَّا يحقَب.
أبو عبيد عن الأصمعي: إذا وردت الإبلُ يومًا نصفَ النهار ويومًا غُدوة فتلك العُرَيجاء.
وقال ابن الأعرابي فيما روى عنه أبو العبّاس وأخبرني به المنذري عنه: العُرَيجاء: أن تردَ غَدوةً وتصدُر عن الماء فتكون سائرَ يومها في الكلأ وليلتَها ويومَها من غدِها، ثم ترد ليلًا الماء، ثم تصدر عن الماء، تكون بقية ليلتها في الكلأ ويومها من الغد وليلتها ثم تصبِّح الماء غدوة، فهذه العُريجاء.
قال: وفي الرِّفْه الظاهرةُ، والضاحية، والآيِبة، والعُريجاء.
وقال الكسائيّ: يقال إن فلانًا ليأكل العُريجاء، إذا أكلَ كلَّ يومٍ مرةً واحدة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
180-تهذيب اللغة (عجر)
عجر: روي عن علي رضياللهعنه أنه طاف ليلةَ وقعةِ الجمل على القتلى مع مولاه قَنْبَر، فوقَف على طلحة بن عبيد الله وهو صريع، فبكى ثم قال: «عَزَّ عليَّ، أبا محمد أن أراك معفَّرًا تحت نجوم السَّماء! إلى الله أشكو عُجَري وبُجَرِي».قال أبو العباس محمد بن يزيد: معناه إلى الله أشكو همومي وأحزاني التي أُسِرُّها.
وأخبرني المنذري عن الكُدَيمي قال: سألت الأصمعيّ قلت: يا أبا سعيد، ما عُجَري وبُجري؟ فقال: غمومي وأحزاني.
وقال أبو عبيد: يقال أفضيتُ إليه بعُجَرى وبُجَري، أي أطلعْتُه من ثقتي به على معايبي.
قال: وأصل العُجَر العُروقُ المتعقِّدة في الجسد.
والبُجَر العروق المتعقّدة في البطن خاصّة.
وقال أبو حاتم: قال الأصمعي في قولهم: حدَّثته بعُجَري وبُجَري، فالعُجْرَةُ: الشيء يجتمع في الجسد كالسِّلْعة، والبُجْرةُ نحوها.
فيراد أخبرتُه بكلّ شيء عندي لم أستُرْ عنه شيئًا من أمري.
وقال الأصمعي: عَجَر الفرسُ يعجرُ، إذا مدَّ ذنبَه يعدو.
وقال أبو زُبَيد:
مِن بينِ مُودٍ بالبسيطة يعجُر
أي: هالكٍ قد مدَّ ذنبه.
وقال أبو عبيد: فرسٌ عاجر، وهو الذي يعجُر برجليه كقُماص الحمار.
والمصدر العَجَران.
وأما قول تميم بن أبيّ بن مقبل:
جُردٌ عواجرُ بالألبادِ واللُّحُمِ
فإنه يقول: عليها ألبادها ولحمها، يصفها بالسِّمَن، وهي رافعةٌ أذنابَها من نشاطها.
ورواه شمر:
أما الأداة ففينا ضُمَّر صُنُعٌ *** جُردٌ عواجر بالألباد واللجُمِ
بالجيم.
قال: ويقال الخيل عواجر بلُجمها وألبادها، إذا عَدَتْ وعليها سُروجُها وألبادُها وأداتُها.
ورواه أبو الهيثم بالحاء.
قال شمر: ويقال عَجَر الريقُ على أنيابه، إذا عَصَب به ولزِق، كما يَعجِر الرجلُ بثوبه على رأسه.
وقال مزرِّد بن ضرار أخو الشماخ:
إذ لا يزال نائسًا لعابُه *** بالطَّلَوَان عاجزًا أنيابُه
قال: وقال الأصمعيّ: عَجَر الفرسُ يَعجِر عجرًا، إذا مرّ مرًّا سريعًا.
وعَجَر عجرًا، إذا مدّ ذنبَه.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَجَر: القُوّة مع عِظَم الجسَد.
قال: والعَجير بالراء غير معجمة، والقَحول، والحَرِيك، والضعيف، والحصُور: العِنِّين.
سلمة عن الفراء قال: الأعجر: الأحدب، وهو الأفزر، والأفرص، والأفرس، والأدنُّ، والأثبج قال: والعجّار الذي يأكل العجاجير، وهي كُتَل العجين تُلقى على النار ثم تؤكل.
والعَجَّار: الصِّرِّيع الذي لا يُطاق جَنْبُهُ في الصِّراع المُشَغزِبُ لصَرِيعه.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: إذا قُطع العجيم كُتَلًا على الخوان قبل أن يُبسَط فهو المُشنَّق والعجاجير.
سلمة عن الفراء قال: العَجْر: ليُّكَ عُنقَ الرجل.
وفي «نوادر الأعراب»: عجر عنقَه إلى كذا وكذا يَعجِره، إذا كان على وجهٍ فأرادَ أن يرجعَ عنه إلى شيءٍ خلفَه وهو يُنهى عنه، أو أمرته بالشيء فعَجر عنقَه ولم يرد أن يذهب إليه لأمرك.
وقال أبو سعيد في قول الشاعر:
فلو كنتَ سيفًا كان أَثْرك عُجرة *** وكنَت دَدانًا لا يؤيِّسه الصَّقْلُ
يقول: لو كنت سيفًا كنت كَهامًا بمنزلة عُجْرة التِّكَّة لا تقطع شيئًا.
وقال شمر: يقال عَجَرتُ عليه، وحَظَرت عليه، وحَجَرتُ عليه، بمعنًى واحد.
وقال الفراء: جاء فلان بالعُجَر والبُجَر، أي جاء بالكذب.
وقال أبو سعيد: هو الأمر العظيم.
وجاء بالعَجَارِيّ والبَجاريّ، وهي الدَّواهي.
وقال أبو عبيدة: عَجَره بالعصا وبَجره، إذا ضرَبه بها فانتفخَ موضعُ الضَّرب منه.
والعَجاريُ: رؤوس العِظام.
وقال رؤبة:
ومن عَجَاريهنَ كلَّ جنجنِ
فخفّف ياء العجاريّ وهو مشدّد وقال أبو عبيد: العَجِير: الذي لا يأتي النساء.
وقال شمر: يقال عَجِير وعِجِّير.
وقال غيره: المِعجَر والعِجار: ثوبٌ تلفُّه المرأة على استدارة رأسها ثم تجلبِب فوقه بجلبابها.
وجمع المِعجر المعاجر.
قال شمر: ومنه أُخِذ الاعتجار، وهو ليُّ الثوب على الرأس من غير إدارةٍ تحت الحنَك.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «دخل مكةَ يوم الفتح معتجرًا بعمامةٍ سوداء» المعنى أنه لفَّها على رأسه ولم يتَلحَّ بها.
وقال الراجز:
جاءت به معتجرًا ببُردهِ *** سَفْواء تَخدِي بنسيجِ وَحدِهِ
وقال الليث: المعاجر من ثياب اليَمن.
قال: ومِعْجَر المرأة أصغر من الرِّداء وأكبر من المِقْنعة.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: العجراء: العصا الي فيها أُبَنٌ؛ يقال ضربَه بعَجْراءَ من سَلَم.
وقال الليث: حافرٌ عَجِرٌ: صُلب شديد.
وقال المرَّار:
سَلِطُ السُّنْبُكِ ذو رُسغٍ عَجِرْ
قال: والأعجر: كلُّ شيء ترى فيه عُقدًا.
قال: وكيسٌ أعجر، وهو الممتلىء.
وبطنٌ أعجرُ: ملآنُ، وجمعه عُجْر.
وقال عنترة:
أبَنِي زَبِيبةَ ما لمُهركمُ *** متجرّدًا وبطونُكم عُجْرُ
قال: والعُجْرة: كلُّ عقدةٍ في الخشبة.
والخَلنْجُ في وشيِه عُجَر.
قال: والسيف في فرِندِه عُجَر.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
181-تهذيب اللغة (جرع)
جرع: الحراني عن ابن السكيت قال: الجَرْع مصدر جَرِع الماءَ يَجرَع جَرْعًا.والجَرْع: جمع جَرْعة، وهي دِعصٌ من الرمل لا تنبت شيئًا.
قلت: الذي سمعته من العرب في الجرع غير ما قاله.
والجَرَع عندهم: الرَّملة العَذاة الطيِّبة المَنبِت التي لا وُعوثةَ فيها، ويقال لها الجَرْعاء والأجرع، ويجمع أجارع وجَرْعاوات.
وتُجمع الجَرَعة جَرَعًا، غير أنَ الجرعاء والأجرع أكبر من الجَرَعة.
وقال ذو الرمّة في الأجرع فجعله يُنبِت النبات:
بأجرعَ مِرباعٍ مَرَبٍّ مُحلَّلِ
ولا يكون مَرَبًّا محلَّلًا إلّا وهو يُنبِت النبات.
وقال غير ابن السكيت في الأجرَعِ والجَرَع نحوًا مما قلته.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: الجَرِع من الأوتار: أن يكون مستقيمًا ويكون في مواضعَ منه نُتوٌّ، فيمسَح بقطعة كساء حتّى يذهب.
وقال ابن شُميل: من الأوتار المجرَّع، وهو الذي اختلف فتلُه وفيه عُجَر لم يُجَدْ فتلُه ولا إغارته، فظهرَ بعضُ قُواه على بعض.
يقال وترٌ مجرَّع وجَرِع.
ويقال جَرِع الماء يَجرَعُه جَرْعًا واجترعه، فإذا تابعَ الجرعَ مرةً بعد أخرى كالمتكاره قِيلَ: تجرَّعه.
قال تعالى: {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم: 17].
والجُرعة: ملء الفم يبتلعُه.
والجَرعة المرّة الواحدة.
وجمع الجُرعة جُرَع.
ويقال ما من جُرعة أحمد عُقبانًا من جُرعةِ غيظ تكظمها.
ومن أمثال العرب: «أفلتَ فلانٌ جُرَيعةَ الذَّقَن» و «بجُريعة الذَّقَن»، يريدون أن نفسه صارت في فيه فكاد يَهلِك فأفلتَ وتخلَّصَ.
أبو عبيد عن أبي زيد: من أمثالهم في إفلات الجبان: «أفلَتَني جُريعةَ الذَّقَن»، إذا كان منه قريبًا كقُرب الجُرعة من الذَّقَن ثم أفلتَه.
ورَوَى غيره عن أبي زيد يقال «أفلتَني فلانٌ جَريضًا» إذا أفلتَك ولم يكَدْ و «أفلتَني فلانٌ جُريعةَ الرِّيق»، إذا سبقَك فابتلعتَ عليه ريقَك غيظًا.
قلت: وما رواه أبو عبيد عن أبي زيد صحيحٌ لا شكَّ فيه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
182-تهذيب اللغة (جعر)
جعر: أبو عبيد عن أبي الجراح العقيليّ والأصمعي: الجِعار: الحبل يُشَدُّ به وسطُ الرجُل إذا نزل في البئر وطرفُه في يدرجل، فإن سقَطَ مدَّه به.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده:
ليس الجِعارُ مُنْجيًا من القِدرْ *** وإنْ تجعَّرتَ بمحبوكٍ مُمَرّ
وفسّر ابن الأعرابي الجِعار كما فسّراه
أبو عبيد عن أبي زيد: من أمثالهم في فِرار الجبان وخضوعه:
روغِي جَعارِ وانظري أين المفَرّ
قال: وجَعَارِ هي الضّبُع: وقال الليث: يقال لها أمُ جَعَارِ لكثرة جعرها.
وأنشد غيره:
عَشْنزَرةٌ جواعرُها ثمانٍ *** فُويقَ زَماعِها خَدَم حُجُولُ
تراها الضَّبُع أعظمَهنَّ رأسًا *** جُراهِمةً لها حِرَةٌ وثِيلُ
قال بعضهم: إنّما قال جواعرُها ثمانٍ لأنّ للضّبُع خروقًا كثيرة.
والجُراهمة: المغتلِمة.
وجعلها خُنثَى لها حِرَةٌ وثِيلٌ قلت أنا: والذي عندي في تفسير قوله «جواعرها ثمان» أراد كثرة جعرها.
والجواعر: جمع الجاعرة، وهو الجَعْر، أخرجه على فاعلة وفواعل ومعناها المصدر، كقول العرب: سمعت رواغي الإبل أي رُغاءَها، وسمعت ثواغي الشاء أي ثُغاءها.
وكذلك العافية مصدر وجمعها عَوافٍ.
وقال الله جلّ وعزّ: {لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ} [النّجْم: 58]، أي ليس لها دونه جلَّ وعزّ كشْفٌ وظهور.
وقال: {لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً} [الغَاشِيَة: 11] أي لَغْوًا.
ومثله كثيرٌ في كلام العرب.
ولم يُرد عددًا محصورًا بقوله «جواعرها ثمان»، ولكنه وصفها بكثرة الأكل والجعر وهي آكَلُ الدوابّ.
وأما الجاعرتان اللتان تكتنفان الذَنَب والذنبُ بينهما فليستا من قول الهذلي في شيء.
وقال أبو زيد: والجاعرتان من البعير: العظمان المتكنّفان أصلَ الذنب والذنبُ بينهما.
وقال الليث: الجاعرتان حيث يكوى من الحمار في مؤخّره على كاذَتَيه.
ويقال للدُّبُر الجاعرة والجعراء.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: الجَعْر يُبْس الطبيعة.
ورجل مِجعارٌ إذا كان كذلك.
وقال الليث: الْجَعر: ما يَبِس في الدُّبر من العَذِرة، أو خرجَ يابسًا.
قال: ولا يقال للكلب إلّا جَعَر يَجعَر جَعْرًا.
قال: وبنو الجَعْراء: حيٌّ من العرب يعيَّرون بهذا اللقب.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: الْجَعُور: خَبْراءُ لبني نهشَل.
والجَعُور الأخرى: خَبْراء لبني عبد الله بن دارِم، يملأ الغيث الواحد كلتَيهما، فإذا امتلأتا وثِقوا بكَرع شتائهم.
وأنشد:
إذا أردت الجَفْر بالجَعور *** فاعمل بكلِّ مارنٍ صَبورِ
وروى مالك بن أنس بإسنادٍ له أن النبي صلى الله عليه وسلم «نَهَى عن لونين في الصَّدقة من التَّمر:
الْجُعرور، ولون الحُبَيْق».
وقال الأصمعيّ: الْجُعرور: ضربٌ من الدَّقَل يحمل شيئًا صغارًا لا خيرَ فيه.
ولون الحُبَيق من أردأ التُّمرانِ أيضًا.
ولصبيان الأعراب لعبةٌ يقال لها الْجِعِرَّى، الراء شديدة، وذلك أن يُحمل الصبيُّ بين اثنين على أيديهما.
ولُعبةٌ أخرى يقال لها سَفْد اللِّقاح، وذلك انتظامُ الصِّبيان بعضهم في إثر بعض، كلُّ ذلك آخِذٌ بحُجزة صاحبِه من خلفه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
183-تهذيب اللغة (رجع)
رجع: قال الله جلّ وعزّ: {إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ} [الطّارق: 8] قال مجاهد: إنه على ردّ الماء إلى الإحليل لقادر.وقال غيره: إنّه على بَعثِهِ يومَ القيامة لقادر، واعتبار هذا بقوله جلّ وعزّ: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ} [الطّارق: 9] المعنى إنّه على بعثه لقادرٌ يوم القيامة.
وقيل {عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ}، أي على ردِّه إلى صلب الرجل وتَرِيبةِ المرأة.
والله أعلم بما أراد.
وأما قوله تبارك وتعالى: {وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ} [الطّارق: 11] فإنَّ الفراء قال: تبتدىء بالمطر ثم ترجع به كلَّ عام.
وقال غيره: {ذاتِ الرَّجْعِ}، أي ذات المطر؛ لأنه يجيءُ ويرجع ويتكرَّر.
وقال أبو عبيدة: الرَّجْع في كلام العرب الماء.
وأنشد قولَ الهذلي يصف السيف وجعلَه كالماء:
أبيضُ كالرَّجع رسوبٌ إذا *** ما ثاخَ في مُحتَفَل يَختَلي
وقرأت بخط أبي الهيثم لابن بزرج، حكاه عن الأسدي قال: يقولون للرّعد رَجْع.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «نَهى أن يُستنجَى بَرجيعٍ أو عظْم» قال أبو عبيد: الرَّجيع يكون الروثَ والعذِرة جميعًا، وإنّما سمّي رجيعًا لأنَّه رجَع عن حاله الأولى بعد أن كان طعامًا أو علفًا إلى غير ذلك.
وكذلك كلُّ شيء يكون من قولٍ أو فعل تردَّدَ فهو رجيع لأنّ معناه مرجوع مردود.
وقال الله جلّ وعزّ {إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى} [العَلق: 8] أي الرُّجوع والمرجع، مصدرٌ على فُعلَى.
وقال الأصمعيّ: يقال هذا رجيع السبُع ورَجعهُ.
يعني نحوه.
وقال الليث: رَجْع الجواب، ورجْع الرَّشْق في الرمي: ما يُردُّ عليه.
والمرجوعة والمرجوع: جَواب الرِّسالة.
قال: ويقال ليس لهذا البيع مرجوع، أي لا يُرجَع فيه.
قال: ورجَع إليَّ فلانٌ من مرجوعِه كذا، يعني ردَّه الجواب.
قال: والرَّجْع: نبات الربيع، وقيل الرَّجْع: الغدير، وجمعه رُجْعان والرَّجِيع: العرق، سمِّي رجيعًا لأنه كان ماءً فعاد عَرَقًا.
وقال لبيد:
رجيعًا في المغابن كالعصيم
أراد العرقَ الأصفَر، شبَّهه بعَصيم الحِنّاء وهو أثَره.
ويقال للجِرّة رجيعٌ أيضًا.
وكلُّ طعامٍ بَرَد فأُعيد على النار فهو رجيع.
ويقال سيفٌ نجيح الرَّجْع ونجيح الرجيع، إذا كان ماضيًا في الضريبة.
وقال لبيدٌ يصف السيف:
بأخلقَ محمودٍ نجيحٍ رجيعهُ
وقال الله جلّ وعزّ: {قالَ رَبِ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحًا} [المؤمنون: 99 ـ 100] يعني العبدَ إذا بُعِث يومَ القيامة فأبصر وعرفَ ما كان يُنكره في الدنيا يقول لربه ارجعوني، أي رُدُّوني إلى الدُّنيا، وقوله {ارجعوني} واقعٌ هاهنا، ويكون لازمًا كقوله: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ} [الأعرَاف: 150] ومصدره لازمًا الرُّجوعُ، ومصدرهُ واقعًا الرَّجْع.
يقال رجعتُه رجْعًا فرجَع رجوعًا، يستوي فيه لفظ اللازم والواقع.
وقال الليث: الرَّجيع من الكلام: المردود إلى صاحبه.
والرجيع من الدوابّ والإبل: ما رجَعْتَه من سفر إلى سفَر، والأنثى رجيعة.
وقال ذو الرمّة يصف ناقة:
رجيعةُ أسفارٍ كأن زمامَها *** شُجاعٌ لدى يُسرَى الذارعين مطرقُ
قال: والرجْع: الخَطْو، قال الهذليّ:
نَهْدٌ سليمٌ رجْعُه لا يظلعُ
أبو عبيد عن الأصمعيّ قال: إذا ضُرِبت الناقةُ مِرارًا فلم تَلقَح فهي مُمارِنٌ، فإنْ ظهر لهم أنّها قد لقِحتْ ثم لم يكن بها حملٌ فهي راجعٌ ومُخْلفة.
وقال أبو زيد: إذا ألقت الناقةُ حملَها قبل أن يستبِين خَلْقُه قيل قد رجَعت تَرجِع رِجاعًا.
وأنشد أبو الهيثم للقِطاميّ يصف نجيبة لنجيبين:
ومن عَيرانةٍ عَقدت عليها *** لَقاحًا ثمَّ ما كَسَرتْ رِجاعا
قال: أراد أن الناقةَ عقدت عليها لقاحًا ثم ما رمَتْ بماء الفحل وكسرت ذنبها بعد ما شالت به.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ أنه أنشده للمرَّار يصف إبلًا:
مَتابيعُ بُسْطٌ مُتْئماتٌ رواجعٌ *** كما رجَعتُ في ليلها أمُّ حائلِ
قال: بُسْط: مخلَّاةٌ على أولادها بُسِطتْ عليها لا تُقبَض عنها.
مُتئمات: معها ابن مَخاضٍ وحُوار.
رواجع: رجَعتْ على أولادها.
ويقال رواجع: نُزَّع.
أمُّ حائل: أمّ ولدها الأنثى.
أبو عبيد عن الأصمعي: أرجعَ الرجلُ يَده، إذا أهوَى بها إلى كنانته ليأخذ سهمًا.
قال: ويقال هذا متاعٌ مُرجِع، أي له مرجوع.
وروى أبو عبيد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، أنه «رأى في إبل الصَّدقة ناقةً كَوماء، فسأل عنها فقال المُصَدِّق: إنّي ارتجعتُها بإبل.
فسكَتَ».
قال أبو عبيد: قال أبو عبيدة: الارتجاع: أن يَقدَمَ الرجلُ المصرَ بإبله فيبيعها ثم يشتري بثمها مثلَها أو غيرها،
فتلك الرِّجْعة.
وقال الكميت يصف الأثافيّ:
جُردٌ جلادٌ معطَّفات على ال *** أورَقِ لا رِجعةٌ ولا جَلَبُ
قال: فإنْ ردَّ أثمانَها إلى منزله من غير أن يشتري بها شيئًا فليست برِجْعة.
قال أبو عبيد: وكذلك هذا في الصَّدقة، إذا وجَب على ربِّ المال سِنٌّ من الإبل فأخذ المصدِّق مكانها سِنًّا آخرَ فوقَها أو دونَها، فتلك التي أخذ رِجعةٌ، لأنه ارتجعها من التي وجبتْ له.
وقال الأصمعيّ: يقال باعَ فلانٌ إبلَه فارتجعَ منها رِجعةً صالحة.
قال: وشكت بنو تَغلِب إلى معاوية السنةَ فقال: كيف تَشْكون الحاجة مع اجتلاب المِهارة وارتجاع البِكارة؟ أي تجلبون أولاد الخيل فترتجعون بأثمانها البكارة للقِنْية.
وحكى ابنُ الأعرابيّ عن بعض العرب أنه قال: «أوصانا أبونا بالرِّجَع والنُّجَع»، أي أوصانا بأن نبيع النِّيب والأكائل، ونرتجع بأثمانها القُلُص للقِنية.
وقال ابن السكيت: الرَّجيعة: بعير ارتجعتَه، أي اشتريتَه من أجلاب الناس، ليس من البلد الذي هو به.
وهي الرجائع.
وأنشد قوله:
وبرَّحَ بي إنقاضُهنَ الرجائعُ
وقال غيره: أرجعَ الله همَّه سُرورًا، أي أبدلَ همَّه سرورًا.
وقال الكسائيّ: أرجعَت الناقةُ فهي مُرجِعٌ، إذا حسُنتْ بعد هُزال.
وأرجَعَ من الرَّجيع، إذا أنجى من النَّجْو.
وراجعت الناقةُ رجاعًا، إذا كانت في ضربٍ من السَّير فرجَعَتْ إلى سيرٍ سواه.
وقال البعيث يصف ناقته:
وطول ارتماء البِيد بالبِيدِ تغتلي *** بها ناقتي تختبُّ ثم تراجعُ
ويقال: رجَع فلانٌ على أنْف بعيره، إذا انفسخ خطمُه فردَّه عليه.
ثم يسمَّى الخِطام رِجاعًا.
والمُراجع من النساء: التي يموتُ زوجُها أو يطلِّقها فترجع إلى أهلها.
ويقال لها أيضًا راجع.
ويقال للمريض إذا ثابت إليه نفسُه بعد تهوُّكٍ من العلّة: راجع.
ويقال طَعنه في مَرجِع كتفيه.
ابن شميل: الراجعة: الناشغة من نواشغ الوادي.
والرُّجْعان: أعالي التلاع قبل أن يجتمع ماء التلعة.
وقال الليث: هي مثل الحُجْران.
ويقال: هذا أرجَعُ في يدي من هذا، أي أنفع.
وقال ابن الفرج: سمعت بعض بني سُليم يقول: قد رجَع كلامي في الرجُل ونجَع فيه بمعنًى واحد.
قال: ورجع في الدّابّةِ العَلَفُ ونَجَع، إذا تبيَّن أثره.
قال: والتَّرجيع في الأذان: أن يكرِّر قوله: أشهد أن لا إله إلّا الله أشهد أن محمدًا رسولُ الله.
ورجْع الوشم والنُّقوش وترجيعه: أن يُعاد عليه السَّوادُ مرَّةً بعد أخرى.
ويقال: هل جاءتك رِجعةُ كتابك ورُجْعانُه، أي جوابه.
وكذلك الرِّجعة بعد الطلاق بالكسر.
وأمّا قولهم: فلانٌ يؤمِن بالرَّجْعة فهو بالفتح.
قلت: ويجوز الفتح في رِجعة الكتاب ورِجعة الطَّلاق.
يقال طلّق فلانٌ فلانةَ طلاقًا يملك فيه الرَّجعة.
وأمّا قول ذي الرمة يصف نساءً تجلَّلْن بجلابيبهنَّ
كأنَّ الرِّقاقَ المُلحَماتِ ارتجعنَها *** على حَنوة القُريان ذات الهمائِم
أراد أنهنَّ رددنَها على وُجوهٍ ناضرة ناعمة كالرياض.
وقال الليث: الترجيع: تقارب ضروب الحركات في الصَّوت.
قال: وترجيع وشْي النقش والوشم: خطوطه.
وقال زهير:
مراجيع وشم في نَواشر مِعصَمِ
جمع المرجوع، وهو الذي أعيد عليه سواده.
ويقال: جعلها الله سَفرةً مُرجِعة والمُرجعة: التي لها ثوابٌ وعاقبةٌ حسنة.
ويقال الشيخ يمرض يومينِ فلان يُرجِع شهرًا، أي لا يثوب إليه جسمه وقوّته شهرًا.
واسترجع فلانٌ عن مصيبةٍ نزلت به، إذا قال: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).
فهو مسترجِعٌ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
184-تهذيب اللغة (جلع)
جلع: أبو عبيد عن الأحمر: امرأة جالعٌ، إذا كانت متبرِّجة، بغير هاء.قال: وقال الأصمعيّ: امرأةٌ جَلِعة، وهي التي قد ألقَتْ قِناع الحياء؛ والاسم منه الجَلاعة.
وقال الليث: المجالعة: تنازُع القوم عند شُربٍ أو قِمار.
وأنشد:
أيدِي مُجالِعةٍ تكفُّ وتَنْهَدُ
قلت: ورواه غيره: «أيدي مُخالِعة»، وهم المقامرون.
ورُوي في الحديث أنَّ الزُّبير بن العَوَّام «كان أجْلَعْ فَرِجًا»، قال القتيبي: الأجلع من الرجال: الذي لا يزال يبدو فَرجُه.
قال: والأجلع: الذي لا تنضمُّ شَفَتاه على أسنانه.
قال: وكان الأخفش أجلعَ لا تنضمُّ شَفتاه.
وروَى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: الجَلِع المنقلب الشفة.
قلت: أصل الجَلْع: الكشْف، يقال جَلعت المرأةُ خِمَارَها، إذا كشفَتْه عن رأسها.
وقال الراجز:
جالعة نصيفَها وتَجتَلحْ
أي: تتكشَّف ولا تسَتَّر.
وروى ابنُ الفَرَج: أبو تراب عن خليفة الحُصَينيّ أنه قال: الجَلَعة والجَلَقة: مَضحَك الإنسان.
وقال الأصمعيّ: انجلع الشيء، إذا انكشَفَ.
قال الحكم بن مُعَيّة:
ونسَّعتْ أسنانَ عَونٍ فانجلعْ *** عُمورُها عن ناصلاتٍ لم تَدَعْ
ويقال للرجل إذا انحسرت لِثاتُه عن أسنانه: قد نسَّع فوه.
وقال ابن شميل: جَلَع الغلامُ غُرلتَه وفَصعها، إذا حَسَرها عن الحَشَفَة جَلْعًا وفَصْعًا.
وقال ابن الأعرابي: الجَلعَم: القليل الحياء، الميم زائدة.
وأخبرني الإياديُّ عن شمر أنه قال: الجُلَعلَعة: الخُنْفَسَاءة.
قال: ويروى عن الأصمعي أنه قال: كان عندنا رجلٌ يأكل الطين، فامتخَط فخرجت من أنفه جُلَعلَعة نصفُها طين ونصفها خُنْفُساء قَد خُلِق.
قال شمر: وليس في الكلام فُعَلعِل.
وقال الليث: الجَلَعلَع من الإبل: الحديد النَّفْس.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
185-تهذيب اللغة (عجب)
عجب: قال الله جلّ وعزّ: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصَّافات: 12] قرأ حمزة والكسائي: {بل عجبتُ ويسخرون} بضم التاء، وهكذا قرأ عليّ وابن عباس.وقرأ ابن كَثِير، ونافع، وابن عامر، وعاصم، وأبو عمرو: {بَلْ عَجِبْتَ} بنصب التاء.
وقال الفراء: والعجب وإن أسند إلى الله تعالى فليس معناه من الله كمعناه من العباد؛ ألا ترى أنه قيل {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ} [التّوبَة: 79] وليس السُّخْريُّ من الله كمعناه من العباد.
وقال الزجاج: أصل العجب في اللُّغة أن الإنسان إذا رأى ما ينكرُه ويَقِلُّ مثله قال: قد عجبتُ من كذا.
وعلى هذا معنى قراءة من قرأ (بل عجبتُ)، لأنّ الآدمي إذا فَعَل ما ينكره الله جاز أن يقول فيه عجبتُ.
والله قد عَلِم ما أنكره قبل كونه، ولكن الإنكار والعَجَب الذي تلزم به الحجّةُ عند وقوع الشيء.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَجَب: النَّظر إلى شيء غير مألوف ولا معتاد.
وقال: العِجْب: الذي يحبُّ محادثة النساء ولا يأتي الرِّيبة.
والعُجْب: فَضلةٌ من الْحُمْق صَرَفَها إلى العُجْب.
وروى أبو العباس عن عمرو عن أبيه قال: العَجْب والعِجْب والعُجْب: الرجل الذي يُعجِبه القُعود مع النِّساء.
قال: والعَجْب: عَجْب الذَّنب، وهو العُصعُص.
وقال الليث: عَجِبَ يَعجَب عَجَبًا، وأمرٌ عجيب وعُجاب.
قال: والاستعجاب: شدّة التعجُّب.
وقصّةٌ عَجَب.
ويقال أعجبني هذا الشيء وأُعجِبتُ به، وهو شيءٌ معجِبٌ، إذا كان حسنًا جدًّا.
والمُعجَب: الإنسان المُعجَب بنفسه أو بالشيء تقول: عجَّبت فلانًا بشيء تعجيبًا فعجِب منه.
قال: وعُجوب الكُثبان: أواخرها المستدِقّة.
وقال لبيد:
بعُجوب أنقاء يَمل هَيَامُها
وناقة عَجْباء بيِّنة العَجَب، إذا دقَّ أعلى مؤخَّرها وأشرفت جاعرتاها، وهي خِلقة قبيحة فيمن كانت.
قال: والعَجْب من كل دابَّة: ما ضُمَّت عليه الوركانِ من أصل الذنب المغروز في مؤخر العَجُز.
ويقال لشَدَّ ما عجُبت الناقة، إذا دقَّ أعلى
مؤخّرها وأشرفت جاعرتُها.
وقال الله تعالى: (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) خفيف، وقرأ أبو عبد الرحمن السُّلَميُّ: إنّ هذا لشيء عجّاب [ص: 5] بالتشديد.
قال الفراء: هو مثل قولهم رجل كريم وكُرَامٌ وكُرَّام، وكبير وكُبَار وكُبَّار.
وفي «النوادر»: تعجَّبني فلانٌ وتفتَّنني، أي تَصَبّاني.
وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس أنه قال: التعجُّب: أن تَرَى الشيء يُعجِبُك تظنُّ أنّك لم تر مثلَه.
قال: وقولهم لله زيد! كأنَّه أي جاء به الله من أمر عجيب، وكذلك قولهم: لله درُّه، أي جاء بدرِّه من أمر عجيب لكثرته.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
186-تهذيب اللغة (عجم)
عجم: قال الله جلّ وعزّ: {لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌ وَعَرَبِيٌ} [فُصّلَت: 44].قال الفراء: قرىء {أأعْجَميٌ وعربيٌّ} بالاستفهام، وجاء في التفسير: أيكونُ هذا الرسول عربيًّا والكتابُ أعجَميٌ.
قلت: ومعناه أن الله قال: ولو جعلناه قرآنًا أعجميًا لقالوا هلّا فصّلت آياته عربيَّةَ مفصَّلَةَ الآي.
كأنّ التَّفصيل للسان العرب، ثم ابتدأ فقال: {أَعْجَمِيٌ وَعَرَبِيٌ} ؟ حكايةً عنهم، كأنهم يعجبون فيقولون كتاب أعجميٌ ونبيٌّ عربي، كيف يكون هذا؟ فكان أشدَّ لتكذيبهم.
وقال الفراء: وقراءة الحسن بغير استفهام، كأنّه جعله من قبل الكفرة.
والأعجم والأعجمي: الذي لا يُفصِح وإن كانَ عربيَّ النَّسب.
والعَجَميّ: الذي نسبته إلى العجم وإن كان يفصح.
وقال أبو إسحاق: يُقرأ (ءَ أَعْجَمِيٌ) بهمزتين، ويقرأ (أعْجميٌ) بهمزة واحدة بعدها همزة خفيفة تشبه الألف، ولا يجوز أن تكون ألفًا خالصةً لأن بعدها عينًا وهي ساكنة.
ويقرأ: (أَعَجميٌ) بهمزة واحدة والعين مفتوحة.
قال: وقرأ الحسن: (أَعْجَميٌ وعربيٌّ) بهمزة واحدة وسكون العين.
قال: وجاء في التفسير أن المعنى لو جعلناه قرآنًا أعجميًا لقالوا هلّا بُيِّنت آياته أقرآن أعجميٌ ونبيٌّ عربيّ.
ومن قرأ (ءَ أَعْجَمِيٌ) بهمزة وألف فإنه منسوب إلى اللِّسان الأعجميّ.
تقول: هذا رجلٌ أعجميٌ، إذا كان لا يُفصح، كان من العجم أو من العرب.
ورجُلٌ عَجَميٌ، إذا كان من الأعاجم، فصيحًا كان أو غير فصيح.
قال: والأجود
في القراءة: {ءَ أَعْجَمِيٌ} بهمزة وألف على جهة النسبة إلى الأعجم.
ألا ترى قوله: {وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا} [فُصّلَت: 44] ولم يقرأهُ أحد عَجميًا.
وأما قراءة الحسن {أعجمي وعربي} فعلى معنى هلَّا بيِّنت آياته فجعل بعضُه بيانًا للعجم، وبعضه بيانًا للعرب.
قال: وكلُّ هذه الأوجه الأربعة سائغة في العربيّةِ والتفسير.
وأخبرني أبو الفضل عن أبي العباس أنه سئل عن حروف المعجم: لم سمِّيتْ مُعجمًا؟ فقال: أمّا أبو عمرو الشيبانيّ فيقول: أَعْجَمت أبْهَمت.
قال: والعَجَميّ مُبهَم الكلام لا يتبيَّن كلامه.
قال: وأما الفراء فيقول: هو من أعجمت الحروف.
قال: ويقال قُفل مُعجَم، وأمرٌ معجَمٌ، إذا اعتاص.
قال: وسمِعتُ أبا الهيْثم يقول: مُعجَم الخطّ هو الذي أعجمَه كاتبه بالنُّقط.
تقول: أعجمتُ الكتابَ أُعجِمُه إعجامًا.
ولا يقال عجَمتُه، إنَّما يقال عَجَمتُ العود، إذا عَضِضتَه لتعرف صلابتَه من رَخاوته.
قال: والعَجْم: عضٌّ شديد بالأضراس دونَ الثنايا.
قال: وكانوا يعجمُون القِدحَ بين الضِّرسين إذا كان معروفًا بالفَوز ليؤثروا فيه أثرًا يعرفونه به.
وفي الحديث: «العَجْماءُ جُرْحُها جُبَار»، قال أبو عبيد: أراد بالعجْماء البهيمةَ، سمِّيت عجماءَ لأنَّها لا تتكلَّم.
قال: وكلُّ من لا يقدر على الكلام فهو أعجمُ ومُستعجِم.
قال: ويقال قرأ فلانٌ فاستَعجم عليه ما يقرؤه، إذا التبس عليه فلم يتهيَّأ له أن يمضيَ فيه.
وقال الحسن: «صلاة النَّهار عَجْماء» معناه أنه لا يُسمَعُ فيها قراءة.
قال: ومعنى قوله: «العَجْماء جُرحُها جُبارٌ» البهيمة تنفلت فتصيب إنسانًا في انفلاتها، فذلك هَدَرٌ، وهو معنى الجُبَار.
وقال غيره: العَجَم جمع العجَميّ، وكذلك العرب جمع العربيّ.
ونحو هذا من جمعهم اليهوديَّ والمجوسي اليهودَ والمجوسَ.
والعُجْم جمع الأعجم الذي لا يُفصِح، ويجوز أن يكون جمعَ العَجَم، فكأنه جمع الجَمْع.
وكذلك العُرْب جمع العرب، يقال هؤلاء العرب والعَجَم، وهؤلاء العُرب والعُجم.
قال ذو الرمّة:
ولا يرى مثلَها عُجْمٌ ولا عَرَبُ
فأراد بالعُجْم جمع العَجَم، لأنه عطف عليه العَرَب.
وقال الليث: المُعْجَم: الحروف المقطَّعة، سمِّيت معجَمًا لأنها أعجمية.
قال: وإذا قلت كتابٌ معجَّم فإنّ تعجيمَه تنقيطه لكي تستبين عُجمتُه وتَضِحَ.
قلت: والذي قاله أبو العباس وأبو الهيثم أبْيَن وأوضَح.
وقال ابن السكيت وغيره: العَجَم: نَوى التمر والنَّبِق، الواحدة عَجَمة.
والعَجَم.
صِغار الإبل، ويجمع عُجومًا.
والعَجْم: العَضّ.
وقال في قول علقمة:
سُلّاءةٌ كعصا النَّهديِّ غُلَّ لها *** ذو فَيئةٍ من نَوى قُرَّانَ معجومُ
قال ابن السكيت: معنى قوله «غُلّ»، أي أُدخِل لها إدخالًا في باطن الحافر في موضع النُّسور.
وشبَّه النسور بنوى قُرّانَ
لأنَّها صِلاب.
قال: وقوله «ذو فيئة» يقول: له مَرجوع.
ولا يكون ذلك إلّا من صلابته؛ وهو أن يُطعم البعير النَّوى، ثم يفتّ بعره فيخرج منه النوى يُعلَفه مرة أخرى، ولا يكون ذلك إلّا من صلابته.
قال: وقوله «معجوم» يريد أنه نوى الفم، وهو أجود ما يكون من النوى؛ لأنَه أصلب من نوى النبيذ المطبوخ.
قال: وخطب الحجاج يومًا فقال: «إنّ أمير المؤمنين نكب كنانتَه فعَجَم عيدانها عُودًا عُودًا، فوجدني أمرَّها عودًا»، يريد أنه قد رازَها بأضراسه ليمتحنَ صلابتها.
وقال النابغة:
فضلَ يَعجُم أعلى الرَّوقِ منقبضًا
أي: يعضّ أعْلى قَرنه وهو يقاتله.
ويقال فلانٌ صُلب المَعْجمة، وهو الذي إذا جرّستْه الأمورُ وُجِد صلبًا.
شمر عن ابن الأعرابي: ناقة ذات مَعْجَمة، أي ذات صلابة وشِدّة.
وأنشد بيت المرّار:
جمالٌ ذات معجمةٍ ونوقٌ *** عَواقدُ أمسَكتْ لَقحًا وحُولُ
وقال غيره: ذات معجمة، أي ذات سِمَن.
وأنكره شمر.
وقال الليث: يقول الرجل للرجل: طال عهدي بك، ما عجمَتْك عيني منذ كذا وكذا، أي ما أخذَتْك.
وقال اللحياني: رأيت فلانًا فجعلَتْ عيني تَعجمُه، أي كأنّها لا تعرفه ولا تمضي في معرفته كأنّها لا تُثبته.
وقال أبو داود السِّنْجيّ: رآني أعرابيٌّ فقال لي: تعجُمك عيني، أي يتخيَّل إليّ أنِّي رأيتك.
قال: ونظرت في الكتاب فعجَمتُ، أي لم أقفْ على حروفه.
وأنشد:
على أنّ البصير بها إذا ما *** أعار الطرفَ يَعجُم أو يَفِيلُ
واستعجَمتْ على المصلِّي قراءَتُه، إذا لم تَحضُره.
والإبل تسمَّى عواجمَ وعاجماتٍ لأنها تعجُم العظام.
ومنه قوله:
وكنتُ كعظم العاجمات اكتَنفْنَهُ
وقال أبو عبيدة: فحلٌ أعجم: يهدر في شِقشقةٍ لا ثُقْب لها، فهي في شدقه لا يَخْرجُ الصَّوتُ منها.
وهم يستحبّون إرسالَ الأخرس في الشَّول؛ لأنه لا يكاد يكون إلّا مئناثًا.
قال: والعَجَمات: صخور تنبت في الأودية.
وقال أبو دُوَاد:
عذبٌ كماء المُزْنِ أن *** زلَه من العَجماتِ باردْ
يصف ريقَ جاريةٍ بالعُذوبة.
ورُوي عن أمّ سلمة أنها قالت: «نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نَعجُم النَّوى طَبْخًا»، وهو أن يُبالغَ في طبخه وإنضاجه حتّى يتفتّت النوى ويفسد.
قال القتيبيّ: معناه أنه أن يبالغ في طبخه وإنضاجه.
قال: ورأى أن تؤخذ حلاوته عفوًا، يعني حلاوة التمر ولا يبلغ في ذلك النوى، إمّا لأنه قوتٌ للدواجن فيذهب قوّته إذا أنضج، أو لأنّه يُفْسِد طعم السُّلَافة.
وقال ابن الأعرابيّ فيما روى عنه أبو
العباس: العَجْميّ من الرجال: المميِّز العاقل.
قال: والعَجوم: الناقة القويّة على السَّفر.
وقال أبو عمرو: ناقة عَجَمجمةٌ: شديدة.
وأنشد:
باتت تُباري ورِشاتٍ كالقطا *** عجمجماتٍ خُشفًا تحت السُّرَى
الورِشات: الخِفاف.
والخُشُف: الماضية في سيرها بالليل.
ومن باب عجم: قال أبو زيد: يقال إنه لتعجُمك عيني، أي كأنّي أعرفُك.
ويقال: لقد عجموني ولفَظوني، إذا عرفوك.
وقال أبو العباس: أنشدنا ابنُ الأعرابيّ لجُبيهاء:
فلو أنَّها طافت بظِنْبٍ معجَّمٍ *** نفَى الرقَّ عنه جَدبُه فهو كالحُ
قال: المعجّم: الذي قد أُكلَ حتّى لم يَبقَ منه إلّا قليل.
والظِّنْب: أصل العرفج إذا انسلخَ من ورقه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
187-تهذيب اللغة (جمع)
جمع: قال الله عزوجل: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ} [يُونس: 71] قال الفرّاء: الإجماع: الإعداد والعزيمة على الأمر.قال: ونصب (شُرَكاءَكُمْ) بفعل مضمر كأنك قلت: فأجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم.
قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله.
وأنشد في الإجماع:
يا ليت شعري والمُنى لا تنفعُ *** هل أغدُوَنْ يومًا وأمري مُجمَعُ
قال الفراء: فإذا أردت جمع المتفرِّق قلت: جمعت القومَ فهم مجموعون، كما قال الله تعالى: {ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} [هُود: 103].
قال: وإذا أردت كسبَ المال قلت جمَّعت المال، كقول الله تعالى: الّذي جمّع مالا وعدّده.
وقد يجوز {جَمَعَ مالًا} [الهُمَزة: 2] بالتخفيف.
وقال الزجاج: الذي قاله الفراء غلطٌ في إضماره وادعوا شركاءكم؛ لأنَّ الكلام لا فائدة فيه، لأنهم كانوا يَدْعون شركاءهم لأن يُجمعوا أمرهم.
قال: والمعنى فأجمعوا أمركم مع شركائكم.
وإذا كان الدُّعاء لغير شيءٍ فلا فائدة فيه.
قال: والواو بمعنى مع كقولك: لو تُركت الناقةُ
وفصيلَها لرضيعها.
المعنى لو تُركت مع فصيلها.
قال: ومن قرأ: {فاجمعوا أمركم وشركاءكم} بألف موصولة فإنه يعطف {وَشُرَكاءَكُمْ} [يونس: 71] مع {أَمْرَكُمْ}.
قال: ويجوز فاجمعوا أمركم على شركائكم.
وقال الأصمعيّ: جمعتُ الشيء، إذا جئتَ به من هاهنا وهاهنا.
قال: وأجمعتُه، إذا صيَّرتَه جميعًا.
وقال أبو ذؤيب:
وأولاتِ ذي العَرْجاء نَهبٌ مُجمَعُ
وقال الفراء في قوله جلّ وعزّ: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} [طه: 64] قال: الإجماع: الإحكام والعزيمة على الشيء، تقول: أجمعتُ الخروجَ وأجمعتُ على الخروج.
قال: ومن قرأ: فاجمعوا كيدكم فمعناه لا تدَعوا من كيدكم شيئًا إلا جئتم به.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: أجمع أمرَه، أي جعله جميعًا بعد ما كان متفرِّقًا.
قال: وتفرُّقه أنه جعل يدبِّره فيقول مرّةً أفعل كذا ومرة أفعل كذا، فلما عزمَ على أمرٍ محكم أجمعَه، أي جعله جميعًا.
قال: وكذلك يقال أجمعتُ النَّهب.
والنَّهب: إبلُ القومِ التي أغار عليها اللُّصوص فكانت متفرِّقةً في مراعيها فجمعوها من كلّ ناحيةٍ حتّى اجتمعتْ لهم ثمَّ طردوها وساقوها، فإذا اجتمعت قيل أجمعوها.
وأنشد:
نهبٌ مُجمَعُ
وقال بعضهم: جمعت أمري.
والجمع: أن تجمع شيئًا إلى شيء.
والإجماع: أن تجعل المتفرّقَ جميعًا، فإذا جعلته جميعًا بقي جميعًا ولم يكد يتفرَّق، كالرأي المعزوم عليه المُمضَى.
وقال غيره في قول أبي وَجْزة السعديّ:
وأجمعتِ الهواجرُ كلَّ رَجعٍ *** من الأجماد والدَّمِث البَثاءِ
أجمعت: أيبسَتْ.
والرَّجع: الغدير.
والبَثاء: السهل.
وقال بعضهم: أجمعْتُ الإبل: سقتُها جميعًا.
وأجمعَتِ الأرضُ سائلةً وأجمع المطر الأرض، إذا سال رَغابُها وجَهادُها كلُّها.
وقال الله جلّ وعزّ: {إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجُمُعَة: 9] قال الفراء: خفّفها الأعمش وثقَّلها عاصمٌ وأهل الحجاز.
قال: وفيها لغة: الجُمْعة، وهي لبني عُقيل.
قال: ولو قرىء بها لكان صوابًا.
قال: والذين قالوا الجُمعَةَ ذهبوا بها إلى صفة اليوم أنّه يجمع الناس، كما يقال رجلٌ هُمَزة لمُزَة: ضُحَكة.
وقال الليث: الجمْعة يوم خُصَّ به لاجتماع الناس في ذلك اليوم، وتجمع على الجُمُعات والجُمَع، والفعل منه جمَّع الناسُ، أي شهِدوا الجمعة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
188-تهذيب اللغة (لت)
لت: الجمعة تثقَّل والأصل فيها التخفيف جُمْعة.فمن ثقل أتبع الضمّةَ، ومن خفّف فعلى الأصل.
والقراء قرءوها بالتثقيل.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الشهداء
فقال: «ومنهم أن تموت المرأة بجُمْع»، قال أبو عبيد: قال أبو زيد والكسائيّ: يعني أن تموت وفي بطنها ولد.
وقال الكسائيّ: ويقال بجَمْعٍ أيضًا.
قال أبو عبيد: وقال غيرهما: وقد تكون التي تموت بجُمع أن تموت لم يمسَّها رجل.
قال: وروي ذلك في الحديث: «أيُّما امرأةٍ ماتت بجُمْع لم تُطمثْ دخلت الجنّة».
وأنشد أبو عبيد:
وردْناه في مجرى سُهيل يمانيًا *** بصُعرِ البُرَى من بين جُمعٍ وخادِجِ
قال: والجُمْع: الناقة التي في بطنها ولدٌ.
والخادج: التي ألقت ولدَها.
أبو العباس: الجُمَّاع: الضُّروب من الناس المتفرّقون.
وأنشد قول ابن الأسلت:
من بين جَمع غيرِ جُمّاعِ
والجمع: اسم لجماعة الناس.
ويُجمَع جموعًا.
وقال الليث: جُمَّاع كلّ شيء: مجتمع خَلْقِه.
من ذلك جُمّاع جسَدِ الإنسان.
قال: وجُمَّاع الثَّمرة ونحوها، إذا اجتمعت براعيم في موضعٍ واحدٍ على حملها.
وقال ذو الرمّة:
ورأس كجُمَّاع الثّريا ومِشفرٌ *** كسِبْتِ اليَمَاني قَدُّه لم يُحَرَّدِ
وروى ابن هانىء عن أبي زيد: ماتت النساءُ بأجماع، والواحدة بجُمْع، وذلك إذا ماتت وولدُها في بطنها، ماخضًا كانت أو غير ماخض.
قال: وإذا طلّق الرجلُ امرأته وهي عذراء لم يدخلْ بها قيل طُلِّقَتْ بجُمْع، أي طُلّقتْ وهي عذراء لم يدخل بها؛ وكذلك إذا ماتت وهي عذراء قيل: ماتت بجمع.
ويقال ضربوه بأجماعهم، إذا ضَربوه بأيديهم.
وضربه بِجُمْعِ كفِّه.
ويقال: أمركم بجُمْع فلا تُفشوه، أي أمركم مجتمع فلا تفرّقوه بالإظهار.
وقال أبو سعيد: يقال أدام الله جُمَعةَ بينكما، كقولك أدام الله ألفة ما بينكما.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه أُتي بتمرٍ جنيبٍ فقال: من أين لكم هذا؟ قالوا: إنا لنأخُذ الصَّاعَ من هذا بالصاعين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلا تفعلوا، بع الجَمْع بالدراهم وابتعْ بالدَّراهم جنيبًا».
قال أبو عبيد: قال الأصمعيّ: كلُّ لونٍ من النخل لا يُعرف اسمه فهو جَمْع.
يقال قد كثُر الجَمْع في أرض فلانٍ، لنخلٍ يخرج من النوى.
ومزدلفة يقال لها جَمْع.
وقال ابن عباس: «بعثَني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثَّقَل من جَمع بلَيْل».
وقال الليث: يقال: ضربت فلانًا بجُمْع كفّي، ومنهم من يكسر فيقول بِجِمْع كفي.
وتقول أعطيتُك من الدراهم جُمْعَ الكفّ كما تقول مِلْء الكفّ.
وقال الليث: يقال المسجد الجامعُ نعتٌ له لأنه علامة للاجتماع يَجمع أهله.
قال: ولا يقال مسجد الجامع.
قلت: النحويون أجازوا جميعًا ما أنكره الليث.
والعرب تضيف الشيء إلى نفسه
وإلى نعته إذا اختلف اللفظان، كما قال الله جلّ وعزّ: {وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البَيّنَة: 5] ومعنى الدين المِلّة كأنه قال: وذلك دينُ الملّة القيِّمة.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: العرب تضيف الاسم إلى نعته كقوله جلّ وعزّ: {وَعْدَ الصِّدْقِ} [الأحقاف: 16] و {وَعْدَ الْحَقِّ} [إبراهيم: 22] وصلاةُ الأولى، ومسجد الجامعِ.
قلت: وما علمت أحدًا من النحويِّين أبَى إجازتَه، وإنما هو الوعد الصِّدقُ، والمسجدُ الجامعُ، والصلاة الأولى.
وقال الليث: المَجمَع يكون اسمًا للناس، وللموضع الذي يجتمعون فيه.
قال: والجماعة: عددُ كلِّ شيءٍ وكثرته.
والجِماع: ما جَمَع عددًا، كما تقول: جِماع الخباء أخبية.
وقال الحسن: «اتَّقوا هذه الأهواء التي جماعها الضلالة ومعادها النار».
وكذلك الجميع، لأنه اسم لازم.
وقال الليث: رجل جميع، أي مجتمع في خَلْقه.
وأما المُجتمِع فالذي استوت لحيتُه وبلغ غايةَ شبابه، ولا يقال للنساء.
وأنشد أبو عبيد:
قد سادَ وهو فتًى حتى إذا بلغَتْ *** أَشدُّهُ وغلا في الأمر واجتمعا
ويقال للرجل إذا استوت لحيته: مُجتمِع، ثم كَهْلٌ بعد ذلك.
وقال الليث: يقال: لك هذا المال أجمعُ، ولك هذه الحِنطة جمعاءُ، وهؤلاء نسوةٌ هنَ جُمَعُ لك، غير منوَّن ولا مصروف.
قال: وتقول: استجمعَ السَّيلُ، واستجمَعَتْ للمرء أمورُه، واستجمعَ الفرسُ جَرْيًا.
وأنشد:
ومستجمع جريًا وليس ببارحٍ *** تُباريه في ضاحي المِتانِ سواعدُه
يعني السَّراب.
وسواعده: مجاري الماء.
والمجامعة والجِماع: كناية عن النِّكاح.
وقال ابن الأعرابي: الجمعاء: الناقة الكافَّة الهرمة.
ابن بزرج: يقال أقمت عنده قَيظةً جمعاء وليلةً جمعاء.
وقال الأصمعي: قِدرٌ جِماعٌ وجامعة، وهي العظيمة.
وقال الكسائيّ: أكبر البِرام الجماع، ثم التي تَليها المِئكلة.
ويقال فلانٌ جماعٌ لبني فلان، إذا كانوا يأوُون إلى رأيه وسُودده، كما يقال مَرَبٌّ لهم.
واشترى دابّةً جامعًا: تصلُح للسَّرج والإكاف.
وأتان جامع: أوّلَ ما تحمل.
وقال اللحياني: ذهب الشهر بجُمْعٍ وبجمْع، أي أجمع.
وفلانٌ جميع الرأي، أي ليس بمنتشر الرأي.
وقال أبو عمرو: المَجمعة: الأرض القَفْر.
والمَجمَعة: ما اجتَمع من الرمال، وهي المَجامع.
وأنشد:
بات إلى نَيْسبِ خَلٍّ خادعِ *** وَعْثِ النِّهاض قاطعِ المجامع
بالأَمِّ أحيانًا وبالمُشايِعِ
المشايع: الدليل الذي ينادي إلى الطريق يدعو إليه.
وقال ابن السكيت: أجمع الرجلُ بناقته، إذا صَرَّ أخلافَها أجمع.
وكذلك أكمشَ بها.
وجمَّعتِ الدجاجةُ تجميعًا، إذا جَمعت بيضها في بطنها ويقال للجارية إذا شبّت؛ قد جمَعت، أي لبست الدِّرع والخمار.
ويقال استأجرته مشاهرةً ومجامَعة، أي كلَ جُمعةٍ بكذا.
واستجمع البقلُ: إذا يبس كلُّه.
واستجمع الوادي، إذا لم يبق منه موضعٌ إلّا سالَ.
واستجمع القومُ، إذا ذهبوا كلَّهم لم يبقَ منهم أحد، كما يستجمع الوادي بالسَّيل.
وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: «عجبتُ لمن لاحَنَ الناسَ كيف لا يعرف جوامعَ الكلم» يقول: كيف لا يقتصر على الإيجاز ويترك الفضولَ من الكلام.
وهو من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أوتيتُ جوامعَ الكَلِم» يعني القرآن وما جَمَع الله عزوجل بلطفه من المعاني الجَمَّة في الألفاظ القليلة، كقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ} [الأعرَاف: 199].
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
189-تهذيب اللغة (عشر)
عشر: قال الليث: العَشْر عدد المؤنّث، والعشرة عدد المذكّر، فإذا جاوزت العشرة أنَّثت المذكر وذكَّرتَ المؤنث، تقول عشر نسوة وعشرة رجال، فإذا جاوزْت العشر فإنّ ابن السكيت حكَى عن الفراء تقول في المذكر أحد عشَر.قال: ومن العرب من يسكِّن العين فيقول أَحَدَ عْشَر، وكذلك يسكّنها إلى تسعةَ عشَر، إلّا اثني عشر فإنَ
العين منه لا تسكّن لسكون الألف والياء قبلها.
قال: والعدد منصوبٌ ما بين أحدَ عشرَ إلى تسعةَ عشرَ في النصب والرفع والخفض، إلَّا اثني عشر فإن اثنَيْ واثنتي يعربان لأنهما على هجاءين.
قال: وإنما نُصب أحد عشر وأخواتها لأنَّ الأصل أحدٌ وعَشَرة، فأسقطت الواو وصيِّرا جميعًا اسمًا واحدًا، كما تقول: هو جاري بيتَ بيتَ، ولقيتُه كِفَّةَ كِفَّة، والأصل بيتٌ لبيتٍ، وكِفَّةٌ لِكفَّة، فصُيِّرتا اسمًا واحدًا.
وتقول في المؤنث إحدى عَشَرة، ومن العرب من يكسر الشين فيقول عَشِرة، ومنهم من يسكّن الشين فيقول إحدى عَشْرة، وكذلك اثنتي عَشَرة، واثنتي عَشِرة واثنتي عَشْرة، وثِنتيْ عَشَرة وعَشِرة وعَشْرة.
قال: وتسقط الهاء من النيِّف فيما بين ثلاث عشرة إلى تسع عشرة من المؤنث.
وإذا جُزتَ إلى العشرين استوى المذكّر والمؤنّث فقلت عشرون رجلًا وعشرون امرأة.
قال: وتقول: هذا الواحد والثاني والثالث إلى العاشر في المذكر، وفي المؤنث: هذه الواحدة والثانية والثالثة والعاشرة.
وتقول: هو عاشر عَشَرةٍ وهي عاشِرةُ عَشْرٍ.
فإذا كان فيهنَّ مذكر قلت: هي عاشرة عَشَرةٍ، غلَّبتَ المذكر على المؤنث.
وتقول: هو ثالثُ ثلاثةَ عشرَ، أي هو أحدهم.
وفي المؤنث: ثالثةُ ثلاثَ عشرةَ لا غير بالرفع في الأول.
وتقول: هو ثالثُ عَشَرَ وهو ثالثَ عشرَ، يا هذا، بالرفع والنصب، وكذلك إلى تسعة عشر.
فمن رفَع قال: أردت هو ثالثُ ثلاثةَ عشرَ، فألقيتُ الثلاثةَ وتركتُ ثالثَ على إعرابه.
ومن نصبَ قال: أردت هو ثالثُ ثلاثةَ عَشَر، فلما أسقطت الثلاثةَ ألزمْتُ إعرابَها الأوّلَ ليُعلَم أنّ هاهنا شيئًا محذوفًا.
وتقول في المؤنث: هي ثالثةُ عَشْرة وهي ثالثةَ عَشْرة.
وتفسير المؤنث مثل تفسير المذكر.
وتقول: هو الحادي عَشرَ وهو الثاني عشر والثالث عَشَرَ إلى العشرين، مفتوح كلُّه.
وفي المؤنث: هذه الحاديةَ عشرةَ والثانيةَ عشرةَ إلى العشرين، تدخل الهاء فيها جميعًا.
وقال الكسائيّ: إذا أدخلتَ في العدد الألف واللام فأدخِلْهُما في العدد كلِّه، فتقول: ما فعَلَت الأحدَ عَشَرَ الألفَ الدرهم.
والبصريون يدخلون الألفَ واللام في أوّله فيقولون: ما فعلت الأحد عشرَ ألف درهم.
وقال الليث: تقول: عشرتُ القومَ: صرتُ عاشرَهم، وكنت عاشرَ عَشْرة.
قال: وعشرت القومَ وعَشَرتُ أموالهم، إذا أخذتَ منهم العُشْر، وبه سمِّي العَشَّار.
والعُشْر: جزء من العشَرة، وهو العَشِير والمِعشار.
قال: وتقول: جاءَ القوم عُشَار عُشَارَ، ومعشر مَعشر، أي عشرة عشرة، كما تقول: جاءوا أُحاد أُحاد، وثُناء ثُناءَ، ومَثنى مَثني.
قال: والعِشْر: ورد الإبل يوم العاشر.
وفي حسابهم: العِشْر التاسع.
وإبلٌ عواشر: ترِد الماء عِشرًا، وكذلك الثوامن
والسوابع والخوامس.
أبو عبيد عن الأصمعي قال: إذا وردت الإبل كلَّ يوم قيل: وردَتْ رِفْهًا، فإن وردَتْ يومًا ويومًا لا قيل: وردتْ غِبًّا، فإذا ارتفعتْ عن الغِبِّ فالظِّمْء الرِّبع، وليس في الورد ثِلثٌ، ثم الخِمس إلى العِشْر.
فإن زادت فليس لها تسميةُ وِردٍ، ولكن يقال: هي ترِدُ عشرًا وغِبًّا وعِشْرًا ورِبعًا إلى العشرين، فيقال حينئذٍ ظِمؤها عِشرانِ.
فإذا جاوزَت العشرين فهي جوازىء.
وقال الليث: إذا زادت على العشرة قالوا: وردنا رِفهًا بعد عِشر.
قال: وعشّرتُ الشيءَ تعشيرًا، إذا كان تسعةً فزدت واحدًا حتّى تَمَ عَشرة.
قال: وعَشَرْتُ، خفيفةً: أخذتُ واحدًا من عشرة فصار تسعة.
فالعشور نُقصان والتعشير زيادة وتمام.
وقال الليث: قلتُ للخليل: ما معنى العشرين؟ قال: جماعة عِشْر قلت: فالعِشْر كم يكون؟ قال: تسعة.
قلت: فعشرون ليس بتمام إنَّما هو عِشْران ويومان.
قال: لمّا كان من العِشْر الثالث يومانِ جمعتَه بالعشرين.
قلت: وإن لم يستوعب الجزء الثالث؟ قال: نعم، ألا ترى قول أبي حنيفة إذا طلقَّها تطليقتين وعُشر تطليقة فإنه يجعلها ثلاثًا، وإنما من الطلقة الثالثة فيه جزء.
فالعشرون هذا قياسُه.
قلت: لا يُشبه العِشْرُ التطليقة، لأنّ بعض التطليقة تطليقة تامّة، ولا يكون بعض العِشْر عِشرًا كاملًا.
ألا تَرى أنّه لو قال لامرأته: أنت طالقٌ نصفَ تطليقة أو جزءًا من مائة تطليقةٍ كان تطليقة تامّة، ولا يكون نصف العِشر وثلث العِشْر عِشرًا كاملًا.
وقال الليث: ويوم عاشُوراء هو اليوم العاشر من المحرَّم.
قلت: ولم أسمع في أمثلة الأسماء اسمًا على فاعولاء إلّا أحرفًا قليلة.
قال ابن بزرج: الضَّاروراء: الضَّراء، والسّاروراءُ: السّرّاء، والدَّالولاءُ: الدَّالّة.
وقال ابنُ الأعرابيّ: الخابوراءُ: موضع.
وروي عن ابن عبّاس أنه قال في صوم عاشوراء: «لئن سَلِمْتُ إلى قابل لأصومنَّ اليوم التاسع».
وروي عنه أنه قال: رعَت الإبل عشرًا، وإنما هي تسعةُ أيّام.
قلت: ولقول ابن عباسٍ وجوهٌ من التأويلات: أحدها أنّه كره موافقةَ اليهود لأنَّهم يصومون اليومَ العاشر.
وروى ابن عيينة عن عُبيد الله بن أبي يزيد قال: سمعتُ ابن عباسٍ يقول: «صوموا التاسع والعاشر ولا تشبَّهوا باليهود».
والوجه الثاني ما قال إسماعيل بن يحيى المزَني: يحتمل أن يكون التاسع هو العاشر.
قلت: كأنه تأوّلَ فيه عِشر الورد أنّها تسعة أيام، وهو الذي حكاه الليث عن الخليل، وليس ببعيدٍ من الصواب.
وقال الليث: المعشِّر: الحمارُ الشديد النَّهيق الذي لا يزال يوالي بين عشرِ ترجيعات في نهيقِهِ، ونهيقُه يقال له التعشير.
ويقال عشّر يعشّر تعشيرًا.
وقال الله تعالى: {وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ} [التّكوير: 4].
قال الفراء: العِشار لُقَّحُ
الإبل، عطّلَها أهلُها لاشتغالهم بأنفسهم.
وقال أبو إسحاق: العِشار النُّوقُ التي في بطونها أولادُها إذا أتت عليها عشرة أشهر.
قال: وأحسن ما تكون الإبل وأنْفَسُها عند أهلها إذا كانت عِشارًا.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: إذا بلغت الناقةُ في حملها عشرةَ أشهرٍ فهي عُشَراء، ثم لا يزال ذلك اسمَها حتَّى تَضَعَ وبعدما تضعُ لا يزايلُها؛ وجمعها عِشار.
وقال غيره: إذا وضعَتْ فهي عائذٌ وجمعُها عُوذٌ.
قلت: العرب يسمُّونها عِشارًا بعد ما تضع ما في بطونها، للزومِ الاسمِ لها بعد الوضع، كما يسمُّونها لِقاحًا.
وقال الليث: يقال عَشَّرَتْ فهي عُشَرَاء، والعدد عُشَرَاوات، والجميع العِشَار.
قال: ويقال يقع اسمُ العِشار على النُّوق التي نُتِج بعضُها وبعضها مَقاريب.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال للنساء: «إنّكنَّ أكثر أهل النار، لأنكنَّ تُكْثِرنَ اللَّعنَ وتَكفُرنَ العشير»، قال أبو عبيد: أراد بالعشير الزَّوج، سمِّي عشيرًا لأنَّه يعاشِرها وتُعاشِره.
وقال الله جلّ وعزّ: {لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} [الحَجّ: 13]، أي لبئس المعاشر.
وأخبرني المنذرِيّ عن أبي العباس أحمد بن يحيى قال: المَعْشَر والنَّفَر والقوم والرّهط، هؤلاء معناهم الجمع؛ لا واحدَ لهم من لفظهم، للرجال دون النساء.
قال: والعشيرة أيضًا للرجال.
قال: والعالَم أيضًا للرجال.
وقال أبو عبيد: العشيرة تكون للقبيلة ولمن هو أقربُ إليه من العشيرة، ولمن دونهم.
وقال ابن شميل: العشيرة العامّة؛ مثل بني تميم وبني عمرو بن تميم.
وقال الليث: المَعشَر: كلُّ جماعةٍ أمرُهم واحد، نحو معشر المسلمين ومعشر المشركين.
وقال الليث: العاشرة: حلْقة التعشير من عواشر المصحف، وهي لفظةٌ مولَّدة.
والعرب تقول: بُرمةٌ أعشار، أي متكسِّرة، ومنه قول امرىء القيس في عشيقتِهِ:
وما ذَرفت عيناكِ إلا لتضربي *** بسهميكِ في أعشار قلبٍ مقتَّلِ
وفيه قولٌ آخر أعجَبُ إلىَّ من هذا القول، قال أبو العباس أحمد بن يحيى: أراد بقوله «بسهميك» هاهنا سهْمَي قِداح الميسر، وهما المعلَّى والرَّقيب، فللمعَلّى سبعة أنصباء، وللرقيب ثلاثة، فإذا فاز الرجلُ بهما غَلب على جزور الميسِر كلِّها فلا يطمع غيرُه في شيء منها.
قال: فالمعنى أنها ضربت بسهامها على قلبِهِ فخرجَ لها السَّهمانِ، فغلبتْه على قلبِه كلِّه وفتنتْه فملكتْه.
قال: ويقال أراد بسهميها عينيها.
قلت: وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم في تفسير هذا البيت بنحوٍ مما فسَّره أبو العباس، إلا أنّه جعل اسمَ السَّهم الذي له ثلاثة أنصباء الضَّريبَ، وجعله ثعلبٌ الرَّقيب.
ونظرت في باب الميسر للِّحياني في «نوادره» فذكر أن بعض العرب يسمِّيه
الرقيب، وبعضهم يسميه الضَّريب.
وهذا التفسير في هذا البيت هو الصحيح.
وقال الليث: يقال عشَّرت القَدَح تعشيرًا، إذا كسَّرتَه فصيّرته أعشارًا.
قال وعَشر الحبُّ قلبَه، إذا أضناه.
وأعشَرْنا منذ لم نلتق، أي أتى علينا عشر ليال.
وأما قول لبيد يصف مَرتعًا:
هَمَلٍ عشائرُه على أولادها *** من راشحٍ متقوِّب وفَطِيمِ
فإنّ شمرًا روى لأبي عمرو الشيبانيّ أنه قال: العشائر: الظِّباء الحديثات العهد بالنتاج.
قلت: كأنّ العشائر في بيت لبيدٍ بهذا المعنى جمع عِشارٍ، وعشائرُ هو جمع الجمع، كما يقال جمالٌ وجمائلُ، وحبال وحبائل.
وقال ابن السكيت: يقال ذهبَ القومُ عُشارَياتٍ وعُسَارَياتٍ، إذا ذهبوا أيَادي سَبا متفرِّقين في كل وجه.
وواحد العُشارَيات عُشارَى، مثل حُبارى وحُبارَيات.
والعُشارة: القطعة من كلِّ شيء، قومٌ عُشارة وعشارات.
وقال حاتم طيء يذكر طيّئًا وتفرُّقَهم:
فصاروا عُشاراتٍ بكلِّ مكانِ
وروي عن ابن شميلٍ أنه قال: رجلٌ أعْشَر، أي أحمق.
قلت: لم يَروه لي ثقةٌ أعتمده، ولم أسمعه لغيره، ولعله رجل أعسَر، ولا أحقُّ واحدًا منهما.
وجمع العَشِير أعشراء.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تسعة أعشراء الرِّزق في التجارة، وجزءٌ منها في السابِياء».
أراد تسعة أعشار الرزق.
والعَشير والعُشر واحد، مثل الثَّمين والثُّمن، والسَّديس والسُّدس.
والعَشير في حساب مساحة الأرض: عُشر القَفِيز، والقفيز: عُشر الجريب.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أن أعرابيًا ذكر ناقةً فقال: «إنها لمِعشارٌ مِشْكار»، قال: معشار: غزيرةٌ ليلةَ تُنتَج، ومشكار: تغزر في أوَّل نبت الربيع.
وذو العُشيرة: موضع بالصَّمَّان معروف، نسب إلى عُشَرة نابتة فيه.
والعُشَر من كبار الشَّجر، وله صمغٌ حلو يقال له سُكّر العُشَر.
وتِعْشار: موضع بالدهناء، وقيل وهو ماء.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
190-تهذيب اللغة (شعر)
شعر: قال الله تبارك وتعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ} [المَائدة: 2] قال الفراء: كانت العربُ عامّةً لا يرون الصّفا والمروةَ من الشعائر، ولا يطوفون بينهما، فأنزل الله جلّ وعزّ: {لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ} [المَائدة: 2]، أي لا تستحلُّوا تَركَ ذلك وقال أبو عبيدة: شعائر الله واحدها شعيرة، وهي ما أُشعرَ ليُهدَى إلى بيت الله وقال الزجاج: شعائر الله يُعنَى بها جميع متعبَّدات الله التي أشعرَها الله، أي جعلها أعلامًا لنا، وهي كلُّ ما كان من موقفٍ أو مسعًى أو ذِبْح.وإنّما قيل شعائر الله لكلِّ عَلَمٍ مما تُعُبِّد به لأنَّ قولهم شَعَرت به: علمتُه، فلهذا سمِّيت الأعلام التي هي متعبَّداتُ الله شعائر.
وأما إشعار الهَدْي فإنّ أبا عبيدٍ روى عن الأصمعي أنّه قال: إشعار الهَدْي هو أن يُطعَن في أسنمتها في أحد الجانبين بمبضعٍ أو نحوه بقدر ما يسيل الدم، وهو الذي كان أبو حنيفة يكرهه، وزعَمَ أنّه مُثْلة وسنّة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاتِّباع.
وقال الأصمعي: الإشعار: الإعلام.
والشِّعار: العَلَامة.
قال: ولا أرى مشاعر الحجّ إلّا من هذا لأنَّها علاماتٌ له.
وفي حديث آخر أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «مُرْ أمَّتَك أن يرفعوا أصواتَهم بالتلبية فإنَّها من شِعار الحجّ».
ومنه شِعار العَساكر، إنّما يَسِمُون لها علامة ينصبونها ليعرف بها الرجل رُفقَتَه.
وفي حديث آخر أن شعار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان: يا منصورُ أمِتْ أَمِتْ! وروي عن عمر بن الخطاب أنَّ رجلًا رمى الجمرةَ فأصاب صَلَعَتَه بحجرِ فسال الدم فقال رجل: أُشعِر أميرُ المؤمنين! ونادى رجل آخر: يا خليفة، وهو اسم رجلٍ، فقال رجل من بني لِهْبٍ: ليُقتَلَنَّ أمير المؤمنين.
فرجَع فقُتِل في تلك السَّنة.
ولِهْبٌ: قبيلة من اليمن فيهم عِيافةٌ وزَجْر، وتشاءم هذا اللِّهبي بِقول أُشعِرَ أميرُ المؤمنين فقال ليقتلن.
وكان مُراد الرجل أنه أُعلِمَ بسيلان الدمِ عليه من الشُّجّة، كما يُشعَر الهدي، وذهب به اللِّهبيُّ إلى القتل؛ لأنّ العرب كانت تقول للملوك إذا قُتلوا: أُشعِروا.
وكانوا يقولون في الجاهلية: دية المُشعَرة ألفُ بعير، يريدون دية الملوك.
فلمّا قال الرجل أُشعِر أمير المؤمنين جعله اللِّهبيُّ قتلًا فيما توجَّه له من علم العيافة، وإن كان مُراد الرجل أنه دُمِّيَ كما يدمَّى الهديُ إذا أُشعِر.
وروى شمر بإسنادٍ له عن بعضهم أنه قال: «لا سَلَبَ إلّا لمن أشعَرَ عِلْجًا، فأمّا من لم يُشعِرْ فلا سَلَبَ له»: قال شمر: قوله إلّا لمن أشعرَ عِلجًا، أي طعنه حتّى دخَل السنانُ جَوفَه.
قال: والإشعار: الإدماء بطعن أو رمي أو وَجْءٍ بحديدة.
وأنشد لكثيِّر:
عليها ولمّا يبلغا كلَّ جهدها *** وقد أشعرَاها في أظل ومَدْمَعِ
أشعراها: أدمياها وطعناها وقال الآخر:
يقول للمُهْر والنُّشَّابُ يُشعره *** لا تَجزعَنَّ فشرُّ الشَّيمة الجزُع
قال: ومنه إشعار الهدي.
ودخل التَّجُوبيُ
على عُثمان فأشعره مِشقَصًا.
وأنشد أبو عبيدة:
نقتِّلهم جيلًا فجِيلًا تراهُمُ *** شعائر قُربان بها يُتقرَّبُ
وقال الله جلّ وعزّ: {فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ} [البَقَرَة: 198] هو مُزدلِفة، وهي جَمْع، تسمَّى بهما جميعًا.
والمَشْعَر: المَعْلَم المتعبِّد من متعبّداته.
وأمّا قول النبي صلى الله عليه وسلم لغَسَلةِ ابنته حين طرحَ إليهنَّ حَقوَه فقال: «أشعِرْنَها إيّاه» فإنَّ أبا عبيد قال: معناه اجعلْنَه شِعارها الذي يلي جسَدها.
وجمع الشِّعار شُعُر.
والدِّثار: الذي فوقه، وجمعه دُثُر.
وقال الليث: الشِّعار: ما استشعرتَ من الثِّياب تحتها.
قال: وسمِّي شعارًا لأنّه يلي شعَر الجسد دون ما سواه من اللِّباس.
قال: والشِّعار: ما ينادِي به القومُ في الحروب ليعرفَ بعضُهم بعضًا.
وقال في قول الأعشى:
في حيثُ وارَى الأديمُ الشِّعارا
أراد في حيث وارَى الشعار الأديم، فقلَبه.
قال: وقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: «أنتم الشِّعار وغيركم الدِّثار»، أراد أنَّهم أخصُّ أصحابه، كما سمّاهم عيبتَه وكَرِشَه.
وروى عمرو عن أبيه أنه قال: الشِّعار: الرَّعد.
وأنشد:
وقطار غادية بغير شعارِ
الغادية: السحابة التي تجيء غدوة.
وقال شمر: قال ابن شميل: الشِّعار: ما كان من شجرٍ في لينٍ ووَطاء من الأرض يحلُّه الناس، نحو الدَّهناء وما أشبهها، يستدفئون بها في الشتاء، ويستظلُّون بها في القيظ، فهو الشِّعار.
يقال أرضٌ ذاتُ شِعار.
وأنشد:
تعدَّى الجانبَ الوحشي يأدو *** مَدِبَّ السَّيل واجتنبَ الشِّعارا
قلت: قيّده شمر بخطِّه شِعار بكسر الشين، وهكذا رواه أبو حاتم عن الأصمعي بكسر الشين مثل شعار المرأة.
وأما ابن السكيت فرواه عن أبي عمرو الشيباني «شَعار» بفتح الشين في الشجر.
وأخبرني المنذري عن الصيداويّ عن الرياشيّ قال: قال أبو زيد: الشَّعار كله مكسور إلّا شَعار الشجر.
قال: والشِّعار: كثرة الشجر.
قلت: فيها لغتان: شِعار وشَعار، في كثرة الشجر.
وقال ابن دريد: روضةٌ شَعْراء: كثيرة الشَّجر.
ورملة شَعْراء: تُنبت النَّصِيَّ.
وروى شمر عن ابن الأعرابي وأبي عمرو أنهما قالا: استشعر القومُ، إذا تداعَوا بالشِّعار في الحرب.
وقال النابغة الذبياني فيه:
مستشعِرين قد الفَوْا في ديارهم *** دُعاء سُوعٍ ودُعْميٍّ وأيوبِ
يقول: غزاهم هؤلاء فتداعَوْا بينهم في بيوتهم بشِعارهم.
أبو عبيد: أشعرتُ السِّكِّينَ: جعلتُ لها شَعيرة.
ثعلب عن ابن الأعرابي: الشَّعْراء: ذُبابٌ يلسَع الحمار فيدور.
قال: وشَعَر لكذا، أي فطِن له.
وشَعِر، إذا ملك عبيدًا.
وقال الليث: الشَّعيرة: البَدَنة التي تُهدَى، وجمعها الشَّعائر.
قال: وشعائر الله: مناسك الحجّ، أي علاماته.
والمشعَر: مَوضع المَنْسَك من مَناسك الحج.
قال: والشَّعَر: ما ليس بصوفٍ ولا وبَر، والوَاحدة شَعَرة، ويُجمع على الشعور والأشعار.
ورجلٌ أشعَرُ شَعْرانيٌ: طويل الشعر.
وقال ابن السكيت: رجل أشعرُ: طويل الشَّعر.
ورجلٌ أظفَر: طويل الأظفار.
ورجل أعنَقُ: طويل العنُق.
ويقال رجلٌ رأَى الشعرة، إذا رأى الشَّيبَ في رأسه.
وقال الليث: الأشعر: ما استدار بالحافر من منتهى الجلد حيثُ ينبت الشُّعَيرات حوالَي الحافر، وجمعه الأشاعر.
وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم عن نُصير الرازيّ قال: يقال لناحيتَي فرج المرأة الأَسْكَتانِ، ولطرفيهما الشُّفْران، وللذي يليهما الأشعران.
وقال اللحياني: أشعَرُ خفِّ البعير حيث ينقطع، وأشعر الحافرِ مثله، وأشعر الحياءِ حيث ينقطع الشَّعَر.
قال: والأشعر: شيء يخرج بين ظِلفي الشاة كأنّه ثؤلول تُكوَى منه.
وقال الليث: شعَرت بكذا أشعُر، أي فطِنتُ له وعلمته.
وليت شِعري: ليت علمي.
وما يُشعِرك: ما يُدريك.
قال: والشِّعر: القريض المحدود بعلامات لا يُجاوزها، وقائله شاعرٌ لأنه يَشعُر ما لا يشعُر غيره، أي يعلم.
وجمعُه الشُّعراء.
ويقال شَعَرتُ لفلانٍ، أي قلتُ له شِعرًا.
وأنشد
شَعَرت لكم لما تبيَّنتُ فضلكم *** على غيركم ما سائر الناس يَشْعُر
وقال اللحياني: يقال من الشِّعر شَعَر فلان، وشعُر يشعُر شَعرًا وشِعرًا، وهو الاسم.
قال: وشعرت بفلانٍ شِعرة وشِعرًا ومشعورة ومشعورًا وشِعْرَى ـ وقال أبو الهيثم: لا أعرف شِعْرَى ـ قال: ويقال ما شعرت لفلان، حكاه عن الكسائي.
قال: وهو كلامُ العرب.
ويقال ليتَ شعري لفلانٍ ما صنَعَ، وليتَ شِعري عن فلان ما صنع، وليتَ شعري فلانًا ما صنع.
وأنشد بيت أبي طالب بن عبد المطَّلب:
ليتَ شِعري مُسافرَ بنَ أبي عم *** رٍو وليتٌ يقولُها المحزونُ
وأنشد في ليت شعري عَنْ:
يا ليت شعري عن فلانٍ ما صنَع *** وعن أبي زيد وكم كان اضطجع
وقال آخر:
يا ليت شعري عنكم حنيفا *** وقد جَدَعنا منكم الأنوفا
وقال الليث: الشَّعير: جنسٌ من الحبوب، الواحدة شعيرة.
قال: والشَّعارير: صغار القِثَّاء، واحدُها شُعرور.
وفي حديثٍ رُوي، أنّه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم شعارير.
قال: والشَّعارير: لُعبةٌ للصِّبيان، لا يُفردُ.
يقال لَعبْنا الشَّعارير.
والشَّعراء: فاكهة، جمعُه وواحده سواء.
والشَّعِيرة في الحُليّ: هَنَةٌ تُتَّخذ على خِلْقة الشَّعِيرة.
وبنو الشُّعيراء: قبيلة معروفة.
وقال الله: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُ الشِّعْرى} [النّجْم: 49].
الشِّعرى: كوكبٌ نيِّر يقال له المِرزَم، وهما شِعريَانِ أحدهما تسمَّى الغُميصاء، والأخرى يقال لها العَبُور.
وقد عبَدَ الشِّعرى العَبورَ طائفةٌ من العرب في الجالية وقالوا إنها عَبَرت السماء عَرْضًا، ولم يَعْبُرها عَرْضًا غيرُها.
قال الله: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُ الشِّعْرى} [النّجْم: 49] أي ربُ الشِّعرى التي تَعبُدون.
وسمِّيت الأخرى الغُمَيصاء لأنَّ العرب قالت في أحاديثها إنها بكت على إثْر العَبور حتَّى غَمِصَتْ.
وشَعْر: جبل لبني سليم.
والشَّعرانُ: ضربٌ من الرِّمث أخضر يضرب إلى الغبرة.
والشِّعْرة: الشعَر على عانة الرَّجُل ورَكَب المرأة وعلى ما وراءهما.
قال اللحيانيّ: يقال تيسٌ أشعرُ وعَنْزة شعراء، وقد شَعِر يَشعَر شَعَرًا.
وكذلك كلّ ما كثُر شعره.
قال: وسألت أبا زيادٍ عن تصغير الشُّعور فقال: أُشَيعار، رجع إلى أشعار.
وهكذا جاء في الحديث: «على أشعارهم وأبشارهم».
ويقال استشعرت الشِّعار وأشعَرْتُه غيري.
ويقال أُشعِرتُ بفلانٍ، أي أُطلِعت عليه.
وأشعَرتُ به، أي أطْلَعْتُ عليه.
وتقول للرجل: استشعِرْ خشيةَ الله، أي اجعله شعارَ قلبك.
ويقال: أشعرتُ الخُفَّ والقَلَنْسُوَةَ وما أشبههما.
وشعَّرته وشَعَرته.
وخفٌ مُشعَر ومَشعور.
وقال الكسائي: يقال أشعَرَ لفلانٍ ما عمِله، وأشعَرَ فلانًا ما عمله.
وأخبرني المنذريّ عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء يقال الشّماطيط والعَبادِيد والشّعارير والأبابيل، كل هذا لا يُفْرَد له واحد.
وقال أبو عبيد عن الفراء: ذهبوا شعاليلَ مِثل شعارير ـ بقِردَحْمةٍ، أي تفرّقوا.
ويقال أُشعِر الجنينُ في بطن الأمّ، إذا نبت شعره.
وأنشد ابن السكيت في ذلك:
كلَّ جنينٍ مُشعَرٍ في الغِرسِ
واستشعر فلانٌ الخوفَ، إذا أضمرَه.
وأشعَرَ فلانٌ جُبَّتَه، إذا بطّنها بالشّعَر، وكذلك أشعَرَ مِيثَرةَ سَرْجه.
وقال ابن السكيت: أرضٌ ذاتُ شِعارٍ، أي ذاتُ شَجَر.
وقيل الشِّعار: مكانٌ ذو شجر.
قال: وقال أبو عمرو: بالموصل جبلٌ يقال له شَعْران، سمِّي به لكثرة شجرِه قال: وأرضٌ شَعْراء: كثيرة الشجر.
وقال الطرمّاح:
شُمّ الأعالي شابك حولها *** شَعْرَانُ مبيضٌّ ذرى هامها
أراد شَمٌ أعاليها، فحذف الهاء وأدخل الألفَ واللام، كما قال زهير:
حُجْنُ المخالبِ لا يَغْتاله الشِّبَعُ
أي: حُجن مخالبه.
قال والمشاعر: كلُّ موضعٍ فيه خَمَر وأشجار.
وقال ذو الرمّة
يصف ثورًا وحشيًا:
يلوح إذا أفضى ويُخفِي بريقه *** إذا ما أجنّتْه غُيوبُ المشاعرِ
وأمّا قول الشاعر:
على شَعْراء تُنقِضُ بالبِهامِ
فإنّه أرادَ بالشّعراء خصيةً كثيرة الشعَر النابت عليها.
وقوله «تُنقِض بالبهام» عَنَى أُدرةً فيها إذا فُشّتْ خرجَ لها صَوتٌ كصوت المُنْقِض بالبَهْم إذا دعاها.
ويقال شاعَرْتُ فلانةَ، إذا ضاجعتَها في ثوبٍ واحدٍ فكنتَ لها شِعارًا وكانت لك شِعارًا.
ويقول الرجل لامرأته: شاعِرِيني.
أبو عبيد عن الأحمر قال: الشَّعِرة من المِعزَى: التي ينبُت الشّعر بين ظِلفَيْها فتَدمَى.
ويقال للرجل الشديد: فلانٌ أشعرَ الرقبة، شبِّه بالأسد وإن لم يكن ثَمَ شَعَر.
وكان زياد بن أبيه يقال له أشعَرُ بَرْكًا، أي أنّه كثير شعر الصدر.
وأشعَر: قبيلة من العرب، منهم أبو موسى الأشعريُ.
ويُجْمَعون الأشعرِينَ بتخفيف يا النسبة كما يقال قوم يمانون.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
191-تهذيب اللغة (شفع)
شفع: قال الله تعالى جدّه: {مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً} [النِّساء: 85] يقول: أي من يكتسب حسنةً يكن له نصيبٌ منها، {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها}.وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قرأ: (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً) ؟! [النِّساء: 85] أي يزداد عملًا إلى عمل.
قال: والشَّفْع: الزيادة.
وعينٌ شافعة: تنظُر نظَرين.
وأنشد:
ولم أكُ خلت في بصري شفُوعا
وأنشد ابنُ الأعرابي:
ما كان أبصرَني بِغرّاتِ الصِّبا *** فاليوم قد شُفِعَتْ ليَ الأشباحُ
أي: أرى الشخص الواحد شخصين لضعف بصري.
قال المنذري: وسمعتُ أبا العباس وسئل عن اشتقاق الشُّفعة في اللغة فقال: الشُّفعة: الزيادة، وهو أن يشفِّعك فيما تطلب حتّى تضمَّه إلى ما عندك فتزيده وتشفعه بها، أي تزِيدُه بها، أي إنه كان وِترًا واحدًا فضمَّ إليه ما زاده وشفعَه به.
وروى أبو عُمر عن المبرد وثعلبٍ أنهما قالا في قول الله تبارك وتعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البَقَرَة: 255] قالوا: الشفاعة: الدُّعاء هاهنا.
والشفاعة: كلام الشَّفيع للملِكِ في حاجةٍ يسألها لغيره.
وقال القتيبيّ في تفسير الشُّفعة: كان الرجلُ في الجاهلية إذا أراد بيعَ منزلٍ أتاه جارُه فشَفَع إليه فيما باع فشفّعه وجعَلَه أولى ممَّن بَعُدَ سببُه، فسمِّيتْ شُفعةً وسمِّي طالبُها شفيعًا.
قلتُ: جعلَ القتيبيُ شفع إليه بمعنى طَلبَ إليه.
وأصلُ الشُّفعة ما فسَّره أبو الهيثم وأبو العبَّاس أحمد بن يحيى.
وقال الله جلّ وعزّ: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ* وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ} [الفَجر: 3، 4] قال الأسود بن يزيد: الشَّفْع: يوم الأضحى؛ والوَتْر: يوم عرفة.
وقال عطاء: الوتر هو الله تعالى: والشَّفْع: خَلْقُه.
وروى ابن عباس أنه قال: الوَتْر آدمُ شُفِع بزوجته.
وقال في (الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ): إن الأعدادَ كلَّها شفعٌ ووتْر.
وقال الليث: الشَّفع من العدد: ما كان زوجًا، تقول: كان وِترًا فشفعته بآخر.
قال: والشافع: الطالبُ لغيره يستشفِع به إلى المطلوب.
وتقول: تشفّعت لفلانٍ إلى فلان فشفّعني فيه، واسم الطالب شفِيع.
وقال الأعشى:
واستشفعتْ من سَراة الحيّ ذا ثقةٍ *** فقد عَصاها أبوها والذي شَفَعا
قال: وتقول: إنّ فلانًا ليَشفَعُ لي بعداوةٍ، أي يُضادُّني.
قال الأحوص:
كأنَّ من لامَنِي لأصرمَها *** كانوا علينا بلومهمْ شفعوا
معناه أنَّهم كأنّهم أغرَوْني بها حين لامُوني في هواها، وهو كقوله:
.
.
.
إنّ اللّومَ إغراءُ
عمرو عن أبيه: الشُّفْعة: الجنون، وجمعها شُفَع.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي: يقال في وجهه شَفْعة وسَفْعةٌ، وشُنْعة، ورَدَّةٌ ونَظْرَةٌ، بمعنى واحد.
وقال أبو عمرو: يقال للمجنون: مشفوع ومسفوع.
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مصدِّقًا فأتاه بشاةٍ شافع فردَّها وقال: «ائتني بمُعتاط».
قال أبو عبيد: الشافع: التي معها ولدها، سمِّيت شافعًا لأنّ ولدها شَفَعها وشفعَتْه هي.
وقال شمر: قال الفراء: ناقة شافعٌ، إذا كان في بطنها ولدٌ، يتلوها آخر.
ونحوَ ذلك قال أبو عبيدة، وأنشد:
وشافع في بطنها لها ولدْ *** ومَعَها من خلفها له وَلَدْ
وقال:
ما كان في البطن طلاها شافعُ *** ومعها لها وليدٌ تابعُ
الأصمعيّ: ناقة شَفوع: تجمع بين مِحلبين في حَلْبة، وهي القَرون.
وشُفعة الضُّحى: ركعتا الضُّحى؛ جاء في الحديث.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
192-تهذيب اللغة (شعب)
شعب: قال الله جلّ وعزّ: {وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا} [الحُجرَات: 13] قال الفراء: الشُّعوب أكبر من القبائل، والقبائل أكبر من الأفخاذ.أبو عبيد عن ابن الكلبيّ أنه قال: الشَّعْب أكبر من القبيلة، ثم القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفَخِذ.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب قال: أُخِذت القبائل من قبائل الرأس لاجتماعها.
قال: ومنها الشَّعب والشُّعوب، والقبائل دونها.
وقال الليث: الشَّعب: ما تشعَّب من قبائل العرب والعجم.
والجميع الشُّعوب.
قال: والشُّعوبيُ: الذي يصغِّر شأنَ العرب ولا يرى لهم فضلًا على غيرهم.
وروَى أبو عبيدٍ بإسنادٍ له حديثًا عن مسروق أنّ رجلًا من الشُّعوب أسلمَ فكانت تؤخذ منه الجزية، فأمر عُمر بألّا تؤخَذ منه.
قال أبو عبيد: والشُّعوب هاهنا: العجم، وفي غير هذا الموضع أكثر من القبائل.
وأخبرني المنذريُّ عن أبي الهيثم أنه قال: الشَّعب شَعْب الرأس: يعني شأنَه الذي يضُمُّ قبائله.
قال: وفي الرأس أربعُ قبائل.
وأنشد:
فإنْ أودَى معاويةُ بن صخرٍ *** فبشِّر شَعبَ رأسك بانصداعِ
قال: والشَّعب: أبو القبائل الذي ينتسبون إليه، يعني يجمعهم ويضمُّهم.
قال: ويقال شَعَبتُه، أي فرّقته.
وشعَبتُه، أي أصلحته.
قال: والشَّعيب: المزادة، سمِّيت شعيبًا لأنها من قطعتين شُعِبتْ إحداهما إلى الأخرى، أي ضُمَّتْ.
وأنشد أبو عبيدٍ لعليّ بن الغدير الغَنَويّ في الشَّعب بمعنى التفريق:
وإذا رأيت المرءَ يشعَبُ أمره *** شَعْبَ العصا ويَلجُّ في العِصيانِ
قال: معناه يفرِّق في أمرَه.
وروي عن ابن عبّاس أنّ رجلًا قال له: ما هذه الفُتيا التي شعَبت الناس.
قال أبو عبيد: معنى شَعَبَتْ فرّقت الناسَ.
وقال الأصمعيّ: شعبَ الرجلُ أمرَه، إذا فرَّقَه وشتَّته.
قال أبو عبيد: ويكون الشَّعب
بمعنى الإصلاح.
وهذا الحرف من الأضداد.
وأنشد للطِرمّاح:
شَتَ شَعبُ الحيِّ بعد التئامْ *** وشجاكَ اليومَ رَبعُ المُقَامْ
إنّما هو شَتَّ الجميع ومنه شَعْب الصَّدع في الإناء، إنّما هو إصلاحُه وملاءمته ونحو ذلك.
وقال ابن السكيت في الشعب إنه يكون بمعنيين: يكون إصلاحًا، ويكون تفريقًا.
وقال أبو عبيد: قال أبو زيد: يقال أقَصَّته شَعوبُ إقصاصًا، إذا أشرف على المنية ثم نجا، وشَعوبُ: اسم المنيّة معرفةٌ لا تنصرف.
أخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم: يقال شعَبتْه شَعوبُ فأشعَبَ، أراد بشعوب المنية.
فأشعَبَ، أي مات.
وقال ابن السكيت: أشعبَ الرجلُ، إذا ماتَ أو فارقَ فِراقًا لا يرجع.
وقال غيره: انشعبَ الرجلُ، إذا مات.
وأنشد:
لاقَى التي تشعَبُ الأحياء فانشعبا
وقال الليث: الشَّعْب: الصَّدْع الذي يشعبه الشَّعَّاب.
والمِشْعَب: مِثقَبُه.
والشُّعْبة: القطعة التي يُوصَل بها الشَّعب من القَدَح.
قال ويقال أشعبَه فما يَنْشعِب، أي ما يلتئم.
قال: والتأم شَعب بني فلانٍ، إذا كانوا متفرِّقين فاجتمعوا.
قال: ويقال تفرَّق شَعبُهم.
وهذا من عجائب كلامهم.
قال: وانشعبَ الطريقُ، إذا تفرَّق.
وانشعَبَ النَّهر، وانشعبت أغصانُ الشجرة.
قال: ويقال هذه عَصًا في رأسها شُعبتانِ.
قلت: وسماعي من العرب عصًا في رأسها شُعبان بغير تاء.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا قَعَد الرجلُ من المرأة بين شُعَبها الأربع اغتسلَ»، وقال بعضُهم: شُعَبها الأربع: يداها ورجلاها، كُنِي به عن الإيلاج.
وقال غيره: شُعَبها الأربع: رجلاها وشُفْرا فرجها كنَّى بذلك عن تغييبه الحشفة في فرجها.
وقال الليث: شُعَب الجبال رؤوسها.
وأقطارُ الفرس: شُعَبُه، وهي عُنقُه ومَنْسِجهُ وما أشرف منه.
وأنشد:
أشمُّ خنذيذٌ منيفٌ شُعَبُه
وشُعَب الدهر: حالاته.
وأنشد قول ذي الرمّة:
ولا تَقَسَّمَ شَعبًا واحدًا شُعَبُ
أي: ظننتُ ألّا يتقسَّم الأمر الواحدَ أمورٌ كثيرة.
قلت: لم يجوِّد الليثُ في تفسير البيت.
ومعناه أنّه وصف أحياءً كانوا مجتمعين في الرَّبيع، فلمَّا قَصَدوا المَحاضرَ تقسَّمتهم المياه.
وشُعَب القوم: نِيَّاتُهم في هذا البيت، وكانت لكلّ فرقةٍ منهم نيَّةٌ غير نيَّة الآخرين، فقال: ما كنت أظنُّ أنّ نيّات مختلفةً تفرِّق نيّةً مجتمعة.
وذلك أنَّهم كانوا في منتواهم ومنتجعهم مجتمعين على نيّة واحدة، فلمَّا هاجَ العُشبُ ونَشَّت الغُدرانُ توزَّعتْهم المحاضر، فهذا معنى قوله:
ولا تَقَسَّم شعبًا واحدًا شُعَبُ
وأوَّلُه:
لا أحسب الدهرَ يُبلِي جِدَّةً أبدًا *** ولا تَقسَّمَ شعبًا واحدًا شُعَبُ
وقال الليث: مَشعَب الحقّ: طريق الحق.
وقال الكميت:
وما ليَ إلّا مَشعَبَ الحقِ مَشْعَبُ
قال: وظبْيٌ أشعبُ، إذا انفرقَ قرناه فتباينا بينونةً شديدة.
وقال ابن شميل: تَيسٌ أشعبُ، إذا انكسر قرنُه.
وعنزٌ شَعْباء.
وقال أبو عمرو: الأشعب: الظَّبْي الذي قد انشعَبَ قرناه، أي تباعد ما بينهما.
وقال الليث: والشَّعب: ما انفرج بين جبلين.
وقال ابن شميل: الشعب: مسيل الماء في بطن من الأرض له حرفان مشرفان، وعرضُه بطحةُ رجلٍ إذا انبطح.
وقد يكون بين سندَيْ جبلين.
وقال الليث: الشُّعَب: الأصابع قال: والزرع يكون على ورقةٍ ثمّ يشعِّب.
قال: ويقال للميت: قد انشعَبَ.
وأنشد لسهمٍ الغنويّ:
حتّى يصادفَ مالًا أو يقالَ فتًى *** لاقَى التي تَشعَبُ الفِتيانَ فانشعبا
قال: والشِّعب: سِمَةٌ لبني مِنقَر كهيئة المِحجَن وصورته.
وجَمَلٌ مشعوب.
وشَعبان: اسم شهر.
وشَعبانُ: حيٌّ من اليمن.
وقال غيره: إليهم نُسِب الشَّعْبيّ.
والشُّعبة: صَدْعٌ في الجبل تأوي إليه الطُّيور.
وشَعَبعَب: موضع.
وقال الأصمعيّ: شَعَبه يَشعَبه شعبًا، إذا صَرَفَه.
وشعَبَ اللجامُ الفرسَ، إذا كفَّه.
وأنشد:
شاحِيَ فيه واللجامُ يشعَبُه
وقال ابن شميل: الشِّعاب: سِمةٌ في الفخذ في طولها، خَطَّان يُلاقَى بين طرفيهما الأعليين، والأسفلان متفرّقان.
وأنشد:
نارٌ عليها سِمَةٌ الغواضرْ *** الحَلْقتان والشِّعابُ الفاجرْ
يقال بعير مشعوب وإبل مشعَّبة.
وقال غيره: شُعَبَى: اسم موضع في جبل طيّىء.
وقال الكسائيّ: العرب تقول: أبي لك وشعبي لك، معناه فديتك.
وأنشد:
قالت رأيت رجلًا شَعْبِي لكِ *** مُرَجّلًا حسبتُه ترجيلَك
قال: ومعناه رأيت رجلًا فديتك شبَّهتُه إياك.
وقال الأصمعيّ: يسمَّى الرَّحْلُ شَعِيبًا.
ومنه قول المرّار يصف ناقةً:
إذا هي خَرَّت خَرَّ مِن عَن شِمالها *** شَعِيبٌ به إجمامُها ولُغوبها
يعني الرَّحْلَ لأنّه مشعوبٌ بعضُه إلى بعض، أي مضموم، وكذلك المزادَة سميت شَعيبًا لأنَّه ضُمَّ بعضُها إلى بعض.
وقال شمر عن ابن الأعرابيّ: الشَّعِيب: المزادة من أديمَين يُقابَلان ليس فيهما فئام في زواياهما.
وقال الراعي يصف إبلًا ترعى في العَزيب:
إذا لم تَرُح أدَّى إليها معجِّلٌ *** شعيبَ أديم ذا فِراغَينِ مُترعا
يعني: ذا أديمين قُوبِل بينهما.
قال: والشَّعيب مثل السَّطيحة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
193-تهذيب اللغة (عرض)
عرض: قال الله جلَّ وعزَّ: {وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا} [البَقَرَة: 224] قال سلمة عن الفراء: يقول: لا تجعلوا الحلف بالله معترضًا مانعًا لكم أن تَبرُّوا، فجعل العُرضة بمعنى المعترض.ونحوَ ذلك قال أبو إسحاق الزجّاج.
وقال ابن دريد: يقال جعلتُ فلانًا عُرضةً لكذا وكذا، أي نصبتُه له.
قلت: وهذا قريبٌ مما قاله النحويون، لأنه إذا نُصِب فقد صار معترضًا مانعًا.
قلت: وقوله عُرضَة: فُعلة مِن عَرضَ يَعرِض.
وكلُّ مانعٍ منعَكَ من شُغل وغيره من الأمراض فهو عارضٌ، وقد عَرضَ عارضٌ، أي حال حائلٌ ومنع مانع.
ومنه قيل لا تَعرِضْ لفلانٍ، أي لا تعترضْ له فتمنعَه باعتراضك أن يقصد مُرادَه ويذهب مذهبَه.
ويقال سلكتُ طريقَ كذا فعرض لي في الطَّريق عارضٌ، أي جبلٌ شامخ قطع عليَّ مذهبِي على صَوْبي.
وقال أبو عبيد عن الأصمعيّ: فلانٌ عُرضة للشَّرّ، أي قويٌّ عليه.
وفلانة عُرضةٌ للأزواج، أي قويَّة على الزَّوْج.
قلت: وللعُرضة معنًى آخر، وهو الذي يَعرِض له الناسُ بالمكروه ويقَعون فيه.
ومنه قول الشاعر:
وإنْ يَتركوا رهط الفَدَوْكسِ عُصبةً *** يتامَى أيامَى عُرضةً للقبائل
أي: نَصبًا للقبائل يعترضهم بالمكروه مَن شاء.
وقال الليث: فلانٌ عُرضَةٌ للناس: لا يزالون يَقعون فيه.
وقول الله جلّ وعزّ: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا} [الأعرَاف: 169] قال أبو عبيد: جميع متاع الدُّنيَا عَرَضٌ، بفتح الراء.
يقال: إنّ الدُّنيا عَرضٌ حاضر، يأكل منها البَرُّ والفاجر.
وأما العَرْض بسكون الراء فما خالفَ الثمنَين: الدَّنانيرَ والدراهم، من متاع الدُّنيا وأثاثها، وجمعه عُروض.
فكل عَرْضٍ داخلٌ في العَرَض، وليس كلُ عَرَضٍ عَرْضًا.
وقال الأصمعي: يقال عَرَضْتُ لفلانٍ من حقِّه ثوبًا فأنا أعرِضه عَرضًا، إذا أعطيتَه ثوبًا أو متاعًا مكانَ حقِّه.
و «من» في قولك عرضت له من حقّه بمعنى البدل، كقول الله عزوجل: {وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزّخرُف: 60] يقول: لو نشاء لجعلنا بدلكم في الأرض ملائكة.
وقال الليث: عَرضَ فلانٌ من سِلعته، إذا عارضَ بها: أعطى واحدةً وأخذَ أخرى.
وأنشد قول الراجز:
هل لكِ والعارِضُ منكِ عائضُ *** في مائة يُسْئِر منها القابضُ
قلت: وهذا الرجز لأبي محمد الفقعسيّ يخاطب امرأةً خطبَها إلى نفسها ورغّبها في أن تنكحه بمائة من الإبل يَجعلها لها مهرًا.
وفيه تقديم وتأخير، والمعنى: هل لكِ في مائة من الإبل يُسئر منها قابضُها الذي يسوقها لكثرتها.
ثم قال: والعارض منك عائض، أي المعطِي بدل بُضْعكِ عَرْضًا عائض، أي آخذ عِوضًا يكون كِفاءً لما عَرَضَ منك.
يقال عِضْتُ أَعاضُ، إذا اعتضتَ عوضًا، وعُضْتُ أعوض، إذا عوَّضت عوضًا، أي دفعت.
فقوله عائض من عِضْت لا من عُضْت.
وقال الليث: العَرَض من أحداث الدهر من الموت والمرض ونحو ذلك.
وقال أبو عبيد: قال الأصمعي: العَرَض: الأمر يَعرِضُ للرجل يُبتَلَى به.
قال: وقال أبو زيد: يقال أصابه سهمُ عَرَضٍ، مضاف، وَحَجَر عَرَض، إذا تُعُمِّد به غيرُه فأصابه.
فإن سقَطَ عليه حجرٌ من غير أن يَرمِيَ به أحدٌ فليس بعَرَض.
ونحوَ ذلك قال النضر.
ويقال: ما جاءك من الرأي عَرَضًا خيرٌ مما جاءك مُستكرَهًا، أي ما جاءك من غير تروية ولا فكر.
ويقال: عُلِّق فلانٌ فلانةَ عَرَضًا، إذا رآها بغتةً من غير أنْ قصَدَ لرؤيتها فَعَلِقَها.
وقال ابن السكيت في قوله: «عُلِّقْتُها عرضًا»: أي كانت عَرَضًا من الأعراض اعترضَني من غير أن أطلبه.
وأنشد:
وإمّا حُبّها عَرَضٌ وإمّا *** بشاشة كلّ علقٍ مستفادِ
يقول: إما أن يكون الذي بي من حبِّها عَرَضًا لم أطلبه، أو يكون عِلْقًا.
وقال اللِّحياني: العَرَض: ما عَرَضَ للإنسان من أمرٍ يحبِسُه، من مرضٍ أو لُصوص.
قال: وسألته عُراضةَ مالٍ، وعَرْض مالٍ، وعَرَض مالٍ فلم يُعطِنيهِ.
وقال ابن السكيت: عرضْت الجُندَ عَرْضًا.
قال: وقال يونس: فاتَه العَرَض بفتح الراء، كما يقال قبضَ الشيء قَبْضًا، وقد ألقاه ودخَلَ في القَبَض.
أبو عبيد عن الأصمعي: العَرْضَ: خِلاف الطُّول.
ويقال عَرَضتُ العُودَ على الإناء أَعرُضُه.
وقال غير الأصمعيّ: أعرِضُه.
وفي الحديث: «ولو بعودٍ تَعرُضُه عليه»، أي تضعه معروضًا عليه.
وقال الأصمعي: العَرْض: الجبل.
وأنشد:
كما تَدَهْدَى من العَرْض الجلاميدُ
ويشبّه الجيش الكثيف به فيقال: ما هو إلّا عَرْضٌ، أي جبل.
وأنشد:
إنّا إذا قُدنا لقومٍ عَرْضا *** لم نُبقِ من بَغْي الأعادي عِضّا
والعَرْض: السَّحاب أيضًا، يقال له عَرْض إذا استكثَفَ.
قاله ابن السكيت وغيره.
يقال عرضتُ المتاعَ وغيره على البيع عَرْضًا.
وكذلك عَرْض الجُنْدِ والكِتاب.
ويقال لا تَعرِضَ عَرْض فلان، أي لا تذكرهُ بسوء.
ويقال عَرضَ الفرسُ يَعرِض عرضًا، إذا مرَّ عارضًا في عَدْوه.
وقال رؤبة:
يَعرِض حتَّى يَنصِبَ الخيشوما
وذلك إذا عدَا عارضًا صدرَه ورأسَه مائلًا.
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه ذكر أهل الجنّة فقال: «لا يُبولُون ولا يتغوَّطون، إنما هو عَرَق يَجرِي في أعراضهم مثل ريح المِسْك» قال أبو عبيد: قال الأمويّ: واحد الأعراضِ عِرْض، وهو كل موضع يعرق من الجسد.
يقال فلان طيّب العِرْض، أي طيّب الريح.
قال أبو عبيد: المعنى هاهنا في العِرْض أنه كل شيء في الجسد من المَغَابن، وهي الأعراض.
قال: وليس العِرض في النسب من هذا بشيء.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: العِرض: بدن كلِّ الحيوان.
والعِرضُ: النَّفْس.
قلت: فقوله «عَرَق يجري من أعراضهم»، معناه من أبدانهم على قول ابن الأعرابيّ، وهو أحْسَنُ من أن يُذهب به إلى أعراض المغابن.
وقال الأصمعيّ: رجل خبيث العِرض، إذا
كان مُنتِن الرِّيح.
وسِقاءٌ خبيثُ العِرض، أي مُنْتن الريح.
وقال اللحياني: لبَن طيِّب العِرض، وامرأة طيّبة العرض، أي الرِّيح.
قال: والعِرْض: عِرض الإنسان ذُمَّ أو مُدِحَ، وهو الجَسد.
قال: ورجلٌ عِرضٌ وامرأةٌ عِرضة، وعِرَضْنٌ وعِرَضْنَة، إذا كان يعترض الناسَ بالباطل.
وأخبرنا السعديّ عن الحسين بن الفرج عن علي بن عبد الله قال: قال سفيان في قول النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لَيُّ الواجد يُحِلُ عِرضَه وعقوبته» قال: عِرضُه أن يُغَلَّظ له.
وعقوبته الحَبْس.
قلت: معنى قوله «يُحلُ عِرضه» أن يُحِلّ ذمّ عِرضه لأنّه ظالم، بعدما كان محرَّمًا منه لا يحلّ له اقتراضه والطعن عليه.
وقال الليث: عِرض الرجل: حَسَبه.
وقال غيره: العِرْض: وادي اليمامة.
ويقال لكلِّ وادٍ فيه قُرًى ومياهٌ: عِرْض.
وقال الراجز:
ألا ترى في كل عِرضٍ مُعْرِضِ *** كلَّ رَدَاحٍ دَوْحة المحوَّضِ
وقال الأصمعيّ: أخصبَ ذلك العِرض، وأخصبت أعراضُ المدينة، وهي قُراها التي في أوديتها.
وقال شمر: أعراض اليمامة هي بطونُ سوادِها حيث الزّرعُ والنخل.
وعَرَضَ الجيشَ عَرْضًا.
وقد فاته العَرَض، وهو العطاء والطمع.
وقال عديّ بن زيد:
وما هذا بأول ما ألاقي *** من الحَدَثان والعَرَض القريبِ
أي: الطَّمع القريب.
يقال أخذ القومُ أطماعَهم، أي أرزاقهم.
وأمَّا العُرْض فهو ناحيةُ الشيء من أي جهةٍ جئتَه.
يقال استعرض الخوارجُ الناس، إذا قتلوهم من أيّ وجهٍ أمكنَهم.
وقيل: استعرضوهم أي قتلوا من قدَروا عليه أو ظفِروا به ويقال اضربْ بهذا عُرضَ الحائط، أي ناحيته وقال أبو عبيدة: عُرْضا أنفِ الفرس: مبتدأ ما انحدرَ من قصبة الأنف في حافتيه جميعًا.
وروي عن محمد بن علي أنه قال: «كُلِ الجُبُنَ عُرْضًا» قال أبو عبيدة: معناه اعترضْه واشترِه ممَّن وجدتَه، ولا تسأل عن عَمَلِه، أعمِلَه مسلمٌ أو غيره.
وهو مأخوذ من عُرض الشيء، وهو ناحيته.
وقال اللِّحياني: ألقِهِ في أيّ أعراض الدار شئتَ.
الواحد عُرْضٌ وعَرْض وقال: خُذْهُ من عُرض الناس وعَرْضهم، أي من أيّ شقٍّ شئتَ.
وكلُّ شيء أمكنكَ من عُرضِه فهو مُعْرِض لك، يقال أعرضَ لك الظَّبيُ فارمِه، أي ولّاك عُرضَه، أي ناحيته.
ثعلبٌ عن ابن الأعرابي: العُرض: الجانب من كل شيء.
والعُرُض مثقَّل: السَّير في جانب، وهو محمودٌ في الخيل مذموم في الإبل.
ومنه قوله
معترضاتٍ غيرَ عُرضيَّاتِ
أي: يَلزَمْن المَحَجّة.
قال: والعَرَض: ما يَعرِض للإنسان من الهموم والأشغال.
يقال عَرَض لي يَعرِض، وعَرِضَ يَعرَض، لغتان.
قال:
والعِرْض: بدن كلّ الحيوان.
وقال الليث: العَروض: طريقٌ في عُرض الجبل، والجميع عُرُضٌ، وهو ما اعترضَ في عُرض الجبل.
قال: وعُرض البحر والنهر كذلك.
ويقال جَرَى في عُرض الحديث، ويقال في عُرض الناس، كلُّ ذلك يُوصَف به الوسَط.
قال لبيد:
فتوسَّطَا عُرضَ السَّرِيّ وصدّعا *** مَسجورةً متجاورًا قُلَّامُهَا
قال: ويقال نظرتُ إليه عن عُرُض، أي جانب.
وأنشد:
ترَى الريشَ عن عُرضِهِ طاميًا *** كعَرضك فوقَ نِصالٍ نصالا
يصف ماءً صار ريشُ الطائر فوقَه بعضُه فوق بعض، كما تعرِضُ نصلًا فوق نصل.
وفي حديث عمر أنه خطب فقال: «ألَا إنَّ الأُسَيفِعَ أُسَيفِعَ جُهينة رضيَ عن دينه وأمانته بأن يقال سابِقُ الحاجّ، فادّانَ مُعرِضًا قد رِينَ به».
قال أبو عبيد: قال أبو زيد في قوله «فادّانَ مُعرِضًا» يعني استدانَ مُعرضًا، وهو الذي يعترضُ الناس فيستدِين ممَّن أمكنَه.
وروى أبو حاتم عن الأصمعيّ في قوله «فادّانَ مُعْرِضًا»، أي أخذ الدَّينَ ولم يُبالِ ألّا يؤدّيَه.
وقال شمر في مؤلَّفه: المُعرِض هاهنا بمعنى المعترض الذي يعترض لكل من يُقْرضه.
قال: والعرب تقول: عَرَض لي الشيءُ وأعرض وتعرَّضَ واعترضَ بمعنًى واحد.
قال شمر: ومن جَعَل المُعرِضَ مُعرضًا هاهنا بمعنى الممكن فهو وجْهٌ بعيد، لأنَ معرِضًا منصوب على الحال لقولك ادّان، فإذا فسَّرته أنه يأخذ ممن يمكنُه فالمُعْرِض هو الذي يُقرِضه، لأنّه هو الممكن.
قال شمر: ويكون المُعْرِضُ من قولك أعرضَ ثَوبُ المُلْبِس، أي اتّسَعَ وعَرُض.
وأنشد لطائي في أعرض بمعنى اعترض:
إذا أعرضَتْ للناظرِينَ بدا لهمْ *** غِفارٌ بأعلى خدِّها وغِفارُ
قال: وغِفارٌ: مِيسمٌ يكون على الخدّ.
قال: ويقال أعرضَ لك الشيءُ، أي بدا وظهَرَ.
وأنشد:
إذا أعْرَضَتْ داويّةٌ مُدلهمَّةٌ *** وغرّدَ حاديها فَرَيْنَ بها فِلْقَا
أي: بدت.
وقال الفرَّاء في قول الله جلّ وعزّ: {وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضًا} [الكهف: 100] أي أبرزْناهَا حتّى رأوها.
قال: ولو جعلتَ الفعل لها زدتَ ألفًا فقلتَ أعرضَتْ، أي استبانتْ وظهرتْ.
وأخبرني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ أنه قال في بيت ابن كلثوم:
وأعرضتِ اليمامةُ واشمخرَّتْ
أي: أبدتْ عُرضَها.
ويقال ذلك لجَبَلها وهو عارضُها.
وقال ابن قتيبة في قوله «فادّان مُعْرِضًا» أي استدانَ مُعْرِضًا عن الأداء مولِّيًا عنه.
قال: ولم نجدْ أعرضَ بمعنى اعترض في
كلام العرب.
وقال ابن شميل في قوله «فادّانَ مُعْرِضًا» قال: يعرِض إذا قيل له لا تستدِنْ فلا يَقبَل.
أبو عبيد عن الأصمعيّ يقال عَرّضْتُ أهلي عُراضةً؛ وهي الهديّةُ تُهديها لهم إذا قدِمتَ من سفَر.
وأنشد للراجز:
يَقدُمُها كلُّ عَلاةٍ عِلْيانْ *** حَمراء من مُعَرَّضات الغِربانْ
يعني أنها تَقْدُم الإبل فيسقُط الغرابُ على حِملها إن كان تمرًا فيأكله، فكأنّها أهدته له.
قال: ويقال قوسٌ عُرَاضة، أي عريضة.
ويقال للإبل: إنّها العُراضاتُ أثرًا.
وقال ساجعهم: «وأرْسِل العُراضاتِ أثرًا، يَبغينك في الأرض مَعْمرًا»، أي أرسل الإبلَ العريضة الآثار عليها رُكبانُها ليرتادوا لك منزلًا تنتجعه.
وقال ابن شميل: يقال تعرَّضَ لي فلانٌ، وعَرَض لي يَعرِض، واعترض لي يشتُمني ويؤذيني، وما يُعْرِضك لفلان.
ويقال عَتودٌ عَروض، وهو الذي يأكل الشجرَ بعُرْضِ شِدقه.
قال: ويقال للماعز إذا نَبَّ وأراد السِّفاد عَريض، وجمعه عِرْضان.
ويقال عريض عَروض، إذا اعترضَ المرعَى بشِدقه فأكله.
ويقال تعرَّضَ فلانٌ في الجبل، إذا أخذَ في عَرُوضٍ منه فاحتاجَ أن يأخذ فيه يمينًا وشمالًا.
ومنه
قول عبد الله ذي البِجادين المزَنيّ يخاطب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقودها على ثنّيةٍ رَكوبة، فقال:
تعرَّضي مَدَارجًا وسُومِي
تعرُّضَ الجوزاءِ للنجوم *** وهو أبو القاسم فاستقيمي
ويقال: تعرَّضتُ الرِّفاقَ أسألهم، أي تصدَّيت لهم أسألهم.
وقال اللِّحياني: يقال تعرَّضت معروفَهم ولمعروفهم، أي تصدَّيت.
ويقال استُعمل فلانٌ على العَروض، يُعنَى مكةُ والمدينةُ واليمن.
ويقال أخذ في عَروضٍ منكرة، يعني طريقًا في هَبوط.
وقال الليث: يقال تعرَّضَ فلانٌ بما أكره.
ويقال تعرَّضَ وصلُ فلانٍ، أي دخَلَه فساد.
وأنشد:
فاقطعْ لُبانةَ مَن تَعرَّضَ وصلُه
وقيل: معنى «مَنْ تعَرَّضَ وصلُه»: أي زاغَ ولم يستَقِمْ، كما يتعرَّض الرجل في عَروض الجبل يمينًا وشمالًا.
وقال امرؤ القيس يصف الثريا:
إذا ما الثريَّا في السماء تعرَّضَتْ *** تعرُّضَ أثناءِ الوشاحِ المفصَّلِ
أي: لم تستقم في سيرها ومالت كالوشاح المعوَّج أثناؤه على جارية توشَّحت به.
ويقال اعترضَ الشيءُ، إذا مَنَع، كالخشبة المعترضة في الطريق تمنع السالكين سلوكَها.
واعترضَ فلانٌ عِرضَ فلانٍ، إذا وقع فيه وتنقَّصه في عِرضه وحَسَبه.
ويقال اعترض له بسهمٍ، إذا أقبلَ به قُبْلَه فأصابه.
واعترضَ الفرسُ في رَسَنه، إذا لم يستقمْ لقائده.
وقال الطرمّاح:
وأماني المليك رُشدي وقد كن *** تُ أخَا عُنجهيّةٍ واعتراضِ
ويقال اعترضَ الجندُ على قائدهم.
واعتَرَضَهم القائد، إذا عرضَهم واحدًا واحدًا، وقول الراجز:
معترضاتٍ غيرَ عُرضيّات
يقول: اعترَاضهنَ من النشاط، ليس اعترَاضَ صعوبة.
وقال ابن الأعرابي: العُرُض ـ محرّك ـ: السَّير في جانب.
قال: وهو محمودٌ في الخيل مذمومٌ في الإبل.
قال: ومنه قوله:
معترضاتٍ غيرَ عُرضيّات
أي: يلزَمن المحَجَّة.
وقال الليث: يقال عارضَ فلانٌ فلانًا: إذا أخذَ في طريقٍ وأخذ في غيره فالتقيا.
وعارضَ فلانٌ فلانًا، إذا فعلَ مثلَ فعله وأتى إليه مثل الذي أتَى إليه.
ويقال عارضتُ فلانًا في السَّير، إذا سِرْت حيالَه وحاذيتَه.
وعارضتُه بمتاعٍ أو دابّةٍ أو شيءٍ مُعارضةً، إذا بادلتَه به.
وعارضتُ كتابي بِكتابه.
وفلانٌ يُعارضني، أي يباريني.
ويقال سِرنا في عِراض القوم، إذا لم تستقبلهم ولكن جئتهم من عُرضهم.
وقال أبو عبيد: أُلقحتْ ناقة فلانٍ عِراضًا، وذلك أن يُعارضها الفحل معارضةً فيضربها من غير أن تكون في الإبل التي كان الفحلُ رسيلًا فيها.
وقال الراعي:
فلائص لا يُلقَحن إلَّا يَعارةً *** عِراضًا ولا يُشرَينَ إلَّا غواليا
وقال ابن السكيت في قول البَعِيث:
مَدحنا لها رَوقَ الشَّباب فعارضَتْ *** جَنَاب الصِّبا في كاتم السرِّ أعجما
قال: عارضَتْ: أخذَت في عُرضٍ، أي ناحيةٍ منه.
جَناب الصِّبا: إلى جَنْبه.
وقال اللحياني: بعير مُعارِضٌ، إذا لم يستقم في القطار.
ويقال جاءت فلانةُ بولدٍ عن عِراض ومعارضة، إذا لم يعرف أبوه ويقال للسَّفيح: هو ابن المعارَضة.
والمُعارَضة: أن يعارض الرجُلُ المرأة فيأتيهَا بلا نكاح ولا مِلْك.
أبو عبيد عن الأصمعي: يقال عرَّض لي فلانٌ تعريضًا، إذا رَحرحَ بالشيء ولم يبيِّن وقال غيره: عرّضت الشيءَ: جعلتُه عريضًا.
والمعَاريض من الكلام: ما عُرِّض به ولم يصرَّح.
والتعريض في خِطبة المرأة في عِدّتها: أن يتكلَّم بكلام يُشْبه خِطبتها ولا يصرِّح به، وهو أن يقول لها: إنّك لجميلة، وإن فيكِ لبقيّةً، وإن النساء لمِنْ حاجتي.
والتعريض قد يكون بِضرب الأمثال وذكر الألغاز، وهو خلافُ التصريح في جُملة المقال.
وعَرَّض الكاتب تعريضًا، إذا لم يبيِّن الحروفَ ولم يقوِّم الخطّ.
ومنه قول الشَّمَّاخ:
بتيماءَ حَبرٌ ثمَ عَرَّضَ أسطُرا
ثعلب عن ابن الأعرابي: عَرَّضَ الرجلُ: إذا صار ذا عارضة.
والعارضة: قوّة الكلام وتنقيحه، والرأي الجيِّد.
وعَرَّضَ فلانٌ، إذا دامَ على أكل العَرِيض، وهو الإمَّر.
وإبلٌ معرَّضة: سِمَتُها العِراض في عَرض الفخذ لا في طوله.
يقال منه عَرَضتُ البعير وعرّضته تعريضًا.
والعَرِيض من المِعزَى: ما فوقَ الفطيم ودون الجَذَع.
وقال بعضهم: العريض من
الظباء: الذي قارب الإثناء.
والعريض عند أهل الحجاز خاصَّةً: الخصيُّ، وجمعه عِرضان.
ويقال أعرضْتُ العِرضانَ، إذا خَصَيْتَها.
ويقال أعرضتُ العِرضانَ، إذا جعلتها للبيع ولا يكون العريض إلا ذكرًا.
أبو عبيد عن أبي زيد: إذا رعَى الجَفْرُ من أولاد المِعزَى وقَوِيَ فهو عريضٌ، وجمعه عِرضانٌ.
وروى ثعلب عن ابن الأعرابي قال: إذا أجذَع الجدْيُ والعَناق سمِّي عريضًا وعَتُودًا، وجمعه عِرضان.
قال: والعارض جانب العِراق.
والعارض: السَّحابُ المُطِلّ.
وقال الليث: أعرضْتُ الشيءَ، أي جعلتُه عَريضًا.
واعترضت عُرْضَ فلانٍ، إذا نحوتَ نحوَه.
قال: ونظرتُ إلى فلانة مُعارَضةً، إذا نظَرتَ في عُرضٍ.
ورجلٌ عِرِّيضٌ: إذا كان يتعرَّض للناس بالشرِّ.
قال: والعَروض: عروض الشعر، والجميع الأعاريض، وهو فواصل أنصاف الشعر، سمِّي عروضًا لأن الشعرَ يُعرَض عليه، فالنصف الأوّل عروض؛ لأنّ الثاني يُبنَى على الأول.
والنصف الأخير الشَّطر.
قال: ومنهم من يجعل العروض طرائقَ الشعر وعموده، مثل الطويل، تقول: هو عروضٌ واحد.
واختلاف قوافيه يسمَّى ضروبًا.
قال: ولكلٍّ مقال.
والعَروض عَرُوض الشعر مؤنثة، وكذلك عَروض الجَبل.
أبو عبيد عن الأصمعي: عَتودٌ عَروضٌ، وهو الذي يأكل الشيء بعُرض شِدقه.
وأخَذ في عَروضٍ منكَرة.
وقال ابن السكيت: عَرَفتُ ذلك في عَروض كلامه، أي فَحوى كلامه ومعنى كلامه.
وقال التغلبي:
لكلّ أناسٍ من مَعدٍّ عِمارةٌ *** عَروضٌ إليها يلجئون وجانبُ
قال: وتقول هي عَروض الشِّعر.
وأخذ فلانٌ في عَروض ما تُعجِبني، أي في ناحية.
ويقال هذه ناقةٌ فيها عُرضِيَّةٌ، إذا كانت ريِّضًا لم تُذَلَّل.
ويقال ناقةٌ عُرضيّةٌ وجَملٌ عُرْضيٌ.
وقال الشاعر:
واعرورتِ العُلُطَ العُرضيَ تركضه *** أم الفوارسِ بالدِّيداء والرَّبَعَه
وفي حديث عمر حين وصف نفسَه بالسياسة وحُسن النَّظر لرعيّته فقال: «إنّي أضمُّ العَنود، وأُلْحِقُ العَطوف، وأزجر العَروض»، قال شمر: العَروض العُرْضيّة من الإبل: الصَّعبة الرأس الذَّلول وسطُها التي يُحمل عليها ثم تساق وسطَ الإبل المحمّلة، وإن ركبها رجلٌ مضَتْ به قُدمًا ولا تَصَرَّف لراكبها.
قال: وإنّما قال: «أزجُر العَروضَ» لأنها تكون آخر الإبل.
قال: وتقول ناقةٌ عَروض وفيها عَروض، وناقة عُرْضية.
وقال ابن السكيت: ناقةٌ عَروضٌ، إذا قبِلتْ بعض الرياضة ولم تستحكم.
قال شمر: وأما في قول حميد:
فما زالَ سَوطي في قِرابي ومِحجني *** وما زلتُ منه في عَروضٍ أذودُها
أي: في ناحيةٍ أداريه وفي اعتراض.
وقال في قول ابن أحمر يصف جارية:
ومنَحتُها قولي على عُرْضيّة *** عُلُطٍ أُدارىء ضِغنَها بتودُّدِ
وقال ابنُ الأعرابيّ: شبّهها بناقةٍ صعبةٍ في كلامه إيَّاها ورفقِه بها.
وقال غيره: منحتُها: أعَرتُها وأعطيتها.
وعُرضيّة: صعوبة، كأنّ كلامَه ناقةٌ صَعبة.
ويقال إنه أراد كلَّمتها وأنا على ناقةٍ صعبة فيها اعتراض.
والعُرضيُ: الذي فيه جفاءٌ واعتراض.
والعُرضيُ: الذي فيه جفاءٌ واعتراض.
وقال العجّاج:
ذو نَخْوةٍ حُمَارسٌ عُرضيُ
وقال الليث: المِعراض: سهمٌ يُرمَى به بلا ريش يَمضِي عَرْضًا.
والمَعرَض: المكان الذي يُعرَض فيه الشيء.
وثوبٌ مِعرضٌ: تُعرَض فيه الجارية والعارضة: عارضة الباب.
وفلانٌ شديد العارضة: ذو جَلَد وصرامة.
والعوارض: سقائف المحمل.
والعوارض: الثنايا، سمِّيت عوارضَ لأنّها في عُرض الفم.
وقال الأصمعي: العوارض: الأسنان التي بعد الثَّنايا، يقال فلانة نقيّة العوارض.
وقال اللحياني: العوارض من الأضراس.
وقال غيره: العارض: ما بين الثنيّة إلى الضرس.
وقِيل: عارض الفم: ما يبدو منه عند الضحك.
وقال كعب:
تجلو عوارض ذي ظَلْم إذا ابتَسَمتْ *** كأنّه مُنهَلٌ بالراح معلولُ
يصف الثنايا وما بعدها.
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثَ أم سُلَيم لتنظرَ إلى امرأة فقال: «شمِّي عوارضَها»، قال شمر: العوارض هي الأسنان التي في عُرض الفم، وهي ما بين الثَّنايا والأضراس، واحدها عارض.
وقال جرير:
أتَذْكُر يومَ تَصقُلُ عارضَيها *** بفَرعِ بَشامةٍ سُقِيَ البَشامُ
وقال شمر: العارض أيضًا: الخدُّ.
يقال أخذَ الشَّعَرَ من عارضيه، أي خدَّيه.
وإنما أمرَ النبي بشمٍ عوارضها لتَبورَ بذلك ريحَ فمها، أطيّب أَمْ خبيث.
وقال اللِّحياني: عارضا الوجه وعَروضاه: جانباه.
وقال الأصمعيّ: يقال بنو فلان أكَّالون للعوارض، جمع العارضة، وهي الشاة أو البعير يصيبُه داءٌ أو سبُعٌ أو كسر.
وقال شمر: يقال عَرضَتْ من إبل فلان عارضةٌ، أي مرِضت.
قال: وبعضهم يقول عَرِضت.
قال شمر: وأجوده عَرَضَت.
وأنشد:
إذا عَرِضَتْ منها كَهاةٌ سمينةٌ *** فلا تُهدِ منها واتَّشِق وتَجَبجَبِ
الليث: يقال فلانٌ يعدو العِرَضْنةَ، وهو الذي يشتقُّ في عَدْوه.
وقال اللحياني: يقال اشتر بهذا عُرَاضة لأهلك، أي هديّة، مثل الحنّاء ونحوه.
وقال أبو زيد في العُراضة: الهديّة التعريض ما كان من مِيرةٍ أو زادٍ بعد أن يكون على ظهر بعير.
يقال عَرِّضونا من مِيرتكم.
وقال الأصمعي: العُراضة: ما أطعمَه الراكبُ من استطعَمَه من أهل المياه.
وقال هِميان:
وعرَّضوا المجلسَ محضًا ماهجًا
أي: سقَوهم.
ويقال: عَرَفت ذلك في
مِعراض كلامه، ومعاريض كلامه وفحواه أي في عروض كلامه.
ومنه قول عِمرانَ بن حُصَين: «إنّ في المعاريض لمَندوحةً عن الكذب».
ويقال عرضَتِ الشَّاةُ الشوكَ تعرُضه، إذا تناولتْه وأكلتْه.
ويقال رأيته عَرْضَ عين، أي ظاهرًا من قريب.
والمعَرَّضة من النساء: البكر قبل أن تُحجَب، وذلك أنها تُعرَض على أهل الحيِ عَرضةً ليرغِّبوا فيها من رَغِب، ثم يحجبونها.
وقال الكميت:
لياليَنا إذْ لا تزالُ تَروعُنا *** مُعرَّضةٌ منهنَّ بِكر وثيِّبُ
ويقال استُعرِضت الناقة باللحم، فهي مستَعرَضَة، كما يقال قُذِفت باللحم ولُدِسَت، إذا سمنتْ.
وقال ابن مقبل:
قَبَّاء قد لحقَتْ خسيسةَ سنِّها *** واستُعرِضت ببضيعها المتبتِّرِ
قال: خسيسة سِنِّها: حين بَزَلتْ، وهي أقصَى أسنانها.
ويقال: كان لي على فلانٍ نَقدٌ فأعسرته واعترضتُ منه، أي أخذتُ العَرْض.
وإذا طلب قومٌ عند قومٍ دمًا فلم يُقِيدوهم قالوا: نحن نَعْرِض منه فاعترِضوا منه، أي اقبلوا الدّيةَ عَرْضًا.
ويقال انطلق فلانٌ يتعرَّض بجَمله السوقَ، إذا عرضَه على البيع.
ويقال تَعرَّضْ به، أي أقمْه في السُّوق.
وفلانٌ معتَرَضٌ في خُلقه، إذا ساءك كلُّ شيءٍ من أمره.
وعَرضَ الرامي القوسَ، إذا أضجعها ثم رمَى عنها عَرْضًا.
وقال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا} [الأحقاف: 24] أي قالوا: الذي وُعدنا به سحابٌ فيه الغيث.
فقال الله: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} [الأحقاف: 24].
ويقال للرِّجْل العظيم من الجراد: عارض؛ يقال مرَّ بنا عارضٌ قد ملأ الأفق.
وقال أبو زيد: العارض: السحابة تراها في ناحيةِ السماء، وهو مثل الجُلْب، إلّا أنّ العارض يكون أبيضَ والجُلْبُ إلى السَّواد، والجُلب يكون أضيقَ من العارض وأبعَدَ.
والعوارض من الإبل: التي تأكل العِضاهَ عُرُضًا، أي تأكله حيثُما وَجدته.
وقول ابن مُقبل:
مهاريق فَلُّوجٍ تعرَّضْنَ تاليا
أراد: تعرّضهنّ تالٍ يقرؤهن؛ فقلب.
وقال ابن السكيت: يقال ما يَعْرُضك لفلان، ولا يقال ما يُعَرِّضك.
ويقال: هذه أرضٌ مُعْرِضة: يستعرضها المال ويعترضها، أي هي أرضٌ مُعْرِضة فيها نبتٌ يرعاه المال إذا مرَّ فيها.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
194-تهذيب اللغة (رضع)
رضع: قال الله جلّ وعزّ: {تَذْهَلُ كُلُ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحَجّ: 2] واختلف النحويون في علّة دخول الهاء في المرضِعة، فقال الفراء: المرضِعة: الأم.والمُرضِع: التي معها صبيٌ تُرضِعُه.
قال: ولو قيل في الأمّ مُرضِع لأنَ الرضاع لا يكون إلّا من الإناث، كما قالوا امرأة حائض وطامث، كانَ وجهًا.
قال: ولو قيل في التي معها صبيٌ مرضعةٌ كان صوابًا.
وقال الأخفش: أدخل الهاء في المرضعة لأنه أراد ـ والله أعلم ـ الفِعلَ.
ولو أراد الصفة لقال مُرضِع.
وقال أبو العباس: الذي قاله الأخفش ليس بخطأ.
وأخبرني المنذريّ عن ابن اليزيدي عن أبي زيد قال: المُرضعة: التي ترضع.
قال و (كُلُ مُرْضِعَةٍ): كلّ أمٍّ.
قال: والمرضع: التي قد دنا لها أن تُرضِع ولم تُرضِع بعد.
والمُرضِع: التي معها الصبيُ الرضيع.
وقال الليث: قال الخليل: امرأةٌ مرضع: ذاتُ رضيع، كما يقال امرأةٌ مُطفِل: ذات طفل، بلا هاء، لأنك لا تَصِفُها بفعلٍ منها واقعٍ أو لازم، فإذا وصفتَها بفعلٍ هي تفعله قلت مُفْعِلة، كقول الله تعالى: {تَذْهَلُ كُلُ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحَجّ: 2] وصفَها بالفعل فأدخل الهاء في نعتها.
ولو وصفَها بأنَّ معها رضيعًا قال مُرضِع.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «انظرنَ ما إخْوانكنّ، فإنّما الرضاعة من المَجَاعة»، وتفسيره أن الرَّضاعَ الذي يحرِّم رِضَاعُ الصبي؛ لأنه يُشْبِعه ويَغذوه ويسكِّن جَوعتَه، فأمّا الكبير فرضاعُه لا يحرّم؛ لأنه لا ينفعُه من جوعٍ ولا يُغنيه من طعام، ولا يَغْذوه اللبن كما يغذو الصغيرَ الذي حياتُه به.
وقال الليث: تقول رضُع الرجل يرضُع رضاعة فهو رضيع راضع، أي لئيم، والجميع الراضعون.
والعرب تقول: لئيم راضع.
ويقال نُعِتَ به لأنّه يرضَع ناقتَه من
لؤمه لئلَّا يُسمَع صوتُ الشَّخب فيطلب لبنه.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الراضع والرَّضِع: الخسيس من الأعراب، الذي إذا نزل به الضَّعيف رضِع شاتَه بفمه لئلَّا يسمعه الضَّيف.
يقال منه رَضِع يرضَع رَضْعًا وقال بعضهم: لو عيَّرتُ رجلًا بالرضع لخَشِيتُ أن يَحُور بي داؤه.
قال: والرَّضَع: صِغار النخل، واحدهُ رَضَعة.
وامرأة مُرضِع: معها رضيع.
وامرأة مرضِعةٌ: ثَديُها في فم ولدِها.
الليث: الراضعتان من السن: اللتان شرِب عليهما اللبن.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: رضَع الصبيُ يَرضِع، ورضِعَ يرضَع.
قال: وأخبرني عيسى بن عمر أنه سمع العربَ تُنشِد:
وذمُّوا لنا الدُّنيا وهم يَرضِعونها *** أفاويقَ حتّى ما يُدرُّ لها ثُعْلُ
قال: وقال الأمويّ: الرَّضوعة من الغنم: التي تُرضِع.
قال: ويقال رَضاعٌ ورِضاع، ورَضاعة ورِضاعة.
وقال الله تعالى: {وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ} [البَقَرَة: 233] اللفظ لفظ الخبر والمعنى معنى الأمر، كما تقول حسبُك درهمٌ، فاللفظ لفظ الخبر والمعنى معنى الأمر، معناه اكتفِ بدرهم.
وكذلك معنى الآية: لرتضعِ الوالداتُ.
وقوله: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ} {1} [البَقَرَة: 233] أي تطلبوا مُرضِعةً لأولادكم.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
195-تهذيب اللغة (ضلع)
ضلع: أخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال: ضلوع كلِّ إنسان أربع وعشرون ضِلعًا، وللصَّدر منها اثنتا عشرة ضِلعًا تلتقي أطرافها في الصدر، وتتّصل أطراف بعضها ببعض وتسمَّى الجوانح، وخلْفها من الظهر الكَتِفانِ، والكتفانِ بحذاء الصدر.واثنتا عشرة ضلعًا أسفل منها في الجنبين، البطنُ بينهما، لا تلتقي أطرافُها، على طرف كلّ ضلع منها شُرسُوف، وبين الصَّدر والجنبين غُضروفٌ يقال له الرَّهابة، ويقال له لسانُ الصَّدر.
وكل ضِلع من أضلاع الجنبين أقصر من التي تليها إلى أن تنتهي إلى آخرها، وهي التي في أسفل الجنب، يقال لها الضِّلع الخِلْف.
أبو عبيد عن أبي زيد: الضالع: الجائر.
وقال الكسائي مثله.
وقد ضَلِعَ يَضْلَع، إذا مال.
ومنه قيل: ضَلْعُك مع فلان.
أبو زيد: هم عليه أَلْبٌ واحد، وضَلْعٌ واحد.
يعني اجتماعهم عليه بالعداوة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اللهم إنّي أعوذ بك من الهمِّ والحزَن، والعَجْز والكسَل، والبُخْل والْجُبْن، وضَلَعِ الدَّين، وغَلَبة الرجال».
وقال ابن السكيت: الضَّلْع: الميل، ومنه قولهم: ضَلْعُك مع فلان.
قال: والضلَع: الاعوجاج.
رُمحٌ ضَلِعٌ: معوَّج.
قلت: فمعنى «ضَلَع الدَّين» ثِقَلُه حتّى يميل
بصاحبه عن حدّ الاستواء لثقله.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر امرأةً في دم الحيض يُصيب الثوب: «حُتِّيه بِضِلَع».
هكذا رواه الثقات بكسر الضاد وفتح اللام.
وأخبرني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ أنه قال: الضِّلَع: العُود هاهنا.
قلت: أصل الضِّلَع ضِلَع الجنب، وقيل للعود الذي فيه انحناء وعِرَضٌ واعوجاجٌ ضِلَع، تشبيهًا بالضِّلَع الذي هو واحد الأضلاع.
وقال الليث: هي الضِّلَع والضِّلْع، لغتان.
قال: والعرب تقول هذه ضِلَعٌ وثلاث أضلُع.
وفي حديث ثالث أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا نظر إلى المشركين يوم بدرٍ قال: «كأنّي بكم يا أعداء الله مُقتَّلينَ بهذه الضِّلَع الحمراء»، قال الأصمعيّ: الضِّلَع: جُبيل يستطيل في الأرض ليس بمرتفع في السماء، يقال: انزل بهاتيك الضِّلَع.
وقال غيره: الضِّلع جُبَيل صغيرٌ ليس بمنقاد وقال ابن شميل: الضِّلَع: خطٌّ يُخَطُّ في الأرض ثم يُخَطُّ آخر، ثم يُبْذَر ما بينهما.
ورُمْحٌ ضَلِعٌ: أعوج.
وأنشد:
بكل شعشعاعٍ كجذع المزدَرَع *** فَلِيقُه أجردُ كالرُّمح الضَّلِع
يصف الإبل تَنَاوَلُ الماءَ من الحوض بكل عُنقٍ كجِذع الزُّرنوق.
والفليق: المطمئن في عنق البعير الذي فيه الحلقوم.
وقال الليث: يقال إنّي بهذا الأمر مُضطلعٌ ومُطَّلعٌ، الضاد تدغَم في التاء فيصيران طاء مشدّدة، كما تقول اطَّنَّني أي اتّهمني، واطَّلم إذا احتمل الظُّلم.
قال: واضطلع الحِمْلَ، إذا احتملته أضلاعه.
وقال ابن السكيت: هو مضطلِع بحمله، أي قويٌّ عليه، وهو من الضَّلاعة.
قال: ولا يقال مطّلع بحمله.
وقال الليث: ورجلٌ أضلع وامرأةٌ ضَلعاءُ وقومٌ ضُلْع، إذا كانت سنُّه شبيهةَ الضِّلع.
قال: والأضلع يوصف به الشَّديد الغليظ.
وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ضليعَ الفم.
قال أبو عبيد: أراد أنه كان واسع الفم.
وقال القتيبي: ضليع الفم: عظيمُه، يقال ضليعٌ بَيِّنُ الضلاعة.
قال: ومنه قول الجنيّ الذي صارعَ عمر بنَ الخطّاب: «إنّي منهم لضليع» قال أبو عبيد: معناه إني منهم لَعظيم الخَلْق.
قال القتيبي: والعرب تذمُّ بصغر الفَمِ وتحمد سَعَته.
قال: ومنه قوله في منطَق النبي صلى الله عليه وسلم إنه «كان يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه»، وذلك لِرُحْب شِدقه.
ويقال للرَّجُل إذا كان كذلك أشْدَق، بيِّن الشّدِق.
وقال الأصمعيُ: قلت لأعرابيّ: ما الجمال؟ فقال: غُؤور العينين، وإشرافُ الحاجبَين، ورُحْب الشدقين.
وقال ابن السكيت: فرسٌ ضليع الخَلْق، إذا كان تامَّ الخَلْق مُجْفَر الجنبين غليظَ الألواح كثير العَصَب.
الضّليع: الطويل الأضلاع العريض الصدر الواسع الجنبين.
وقال الأصمعيّ: المضلوعة: القَوس.
وقال المتنخِّل الهذليّ:
واسلُ عن الحبِ بمضلوعةٍ *** تابَعَها البارِي ولم يَعجَلِ
وقال ابن شميل: المضلَّع: الثوب الذي قد نُسج بَعضُه وترك بعضه.
وقال غيره: بُردٌ مضلّع، إذا كانت خطوطه عريضةً كالأضلاع.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الضَّوْلع: المائل بالهَوَى.
هي ضِلَعٌ عليه أي جائرة عليه.
وقال ابن هَرْمة يصف امرأة:
وهي علينا في حكمها ضِلَع *** جائرة في قضائها خَنِعهْ
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
196-تهذيب اللغة (ضعف)
ضعف: قال الله جلّ وعزّ: {يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزَاب: 30] وقرأ أبو عمرو: {يُضَعَّفْ}، قال أبو عبيدة: معناه يجعل الواحد ثلاثة، أي تعذَّبُ ثلاثة أعذبة.قال: عليها أن تعذَّب مرّةً فإذا ضوعف ضعفين صار العذاب ثلاثةَ أعذِبة.
قلت: هذا الذي قاله أبو عبيدة هو ما يستعمله الناس في مجاز كلامهم، وما يتعارفونه بينهم.
وقد قال الشافعي شبيهًا بقوله في رجل أوصى فقال: أعطوا فلانًا ضِعفَ ما يصيب ولدي.
قال: يعطى مثله مرَّتين.
قال: ولو قال ضعفَيْ ما يصيب ولدي، نظرتَ، فإن أصاب مائةً أعطيتَه ثلاثمائة.
قلت: وقد قال الفراء شبيهًا بقولهما في قول الله عزوجل: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} [آل عِمرَان: 13].
قلت: والوصايا يستعمل فيها العرف الذي في خطابهم موضوع كلام العرب يذهب إليه وَهْمُ الموصِي والموصَى إليه، وإن كانت اللُّغة تحتمل غيره يتعارفه المخاطِب والمخاطب، وما يسبق إلى الأفهام من شاهد الموصي مما ذهب وهمه إليه كذلك.
وكذلك روي عن ابن عباسٍ وغيره.
فأما كتاب الله عزوجل فهو عربيٌّ مبين، ويردّ تفسيره إلى الموضع الذي هو صيغة ألسنتها، ولا يُستعمل فيه العرف إذا خالفَتْه اللغة.
والضِّعف في كلام العرب: المِثْل إلى ما زاد، وليس بمقصور على مثلين، فيكون ما قاله أبو عبيدة صوابًا، يقال هذا ضِعْف هذا أي مِثْلُه، وهذا ضعفاه أي مثلاه.
وجائز في كلام العرب أن تقول: هذا ضِعفاه أي مثلاه وثلاثة أمثاله، لأن الضعف في الأصل زيادة غير محصورة.
ألا ترى قول الله عزوجل: {فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا} [سَبَأ: 37] لم يُرِدْ به مِثْلًا ولا مثلَين، ولكنَّه أراد بالضِّعف الأضعاف، وأَولى الأشياء به أن يُجعلَ عشرةَ أمثاله، لقول الله جلّ وعزّ: {مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها} [الأنعَام: 160] فأقلُ الضعف محصور وهو المثل، وأكثره غير محصور.
وأما قول الله تعالى: {يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزَاب: 30] إنّهما ضعفانِ اثنان فإن سياق الآية والآية التي بعدها دلّ على أنّ المراد من قوله ضِعْفَيْنِ مَرَّتينِ.
ألا ترى قوله بعد ذكر العذاب: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحًا نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ} [الأحزَاب: 31].
فإذا جعل الله لأمّهات المؤمنين من الأجر مثلَيْ ما لغيرهنّ من نساء الأمَّة تفضيلًا لهنّ عليهنّ، فكذلك إذا أتت بفاحشةٍ إحداهُنَّ عُذبتْ مثلَيْ ما يعذَّب غيرها.
ولا يجوز أن تُعطَى على الطاعة أجرَين، وعلى المعصية أن تعذّبَ ثلاثة أعذبة.
وهذا الذي قلتُه قولُ حُذّاق النحويين وقولُ أهل التفسير.
وإذا قال الرجل لصاحبه: إن أعطيتني درهمًا كافأتك بضعفين، فمعناه بدرهمين.
وقال أبو إسحاق الزَّجَّاجُ في قول الله: {فَآتِهِمْ عَذابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ} [الأعرَاف: 38] قال: عذابًا مضاعفًا؛ لأنّ الضِّعف في كلام العرب على ضربين: أحدهما المثل، والآخر أن يكون في معنى تضعيف الشيء {قالَ لِكُلٍ ضِعْفٌ} [الأعرَاف: 38] أي للتابع والمتبوع؛ لأنّهم قد دخلوا في الكفر جميعًا، أي لكلٍّ عذابٌ مضاعف.
وقول الله جلّ وعزّ: {إِذًا لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ} [الإسرَاء: 75] أي أذقْناك ضِعفَ عذاب الحياة وضِعفَ عذاب الممات، ومَعناهما التضعيف.
وقول الله جلّ وعزّ: {وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الرُّوم: 39] معناه الداخلون في التضعيف، أي يُثابون الضِّعْف الذي قال الله تعالى: {فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا} [سَبَأ: 37].
والعرب تقول ضاعفت الشيء وضعّفته، بمعنًى واحد.
ومثله امرأة مُناعَمة ومنعَّمة، وصاعَر المتكبّر خَدَّه وصعّره، وعاقدت وعقّدت، وعاقبت وعقّبت، بمعنًى واحد.
أبو عبيد عن أبي عمرو قال: المضعوف من أضعفتُ الشيء وأنشد قول لبيد:
وعالَين مضعوفًا وفَردًا سُموطُه *** جُمانٌ ومَرجانٌ يشكُّ المفاصلا
وأما قول الله عزوجل: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا} [الرُّوم: 54] قال قتادة:
{خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} قال: من النُّطفة.
{ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا}، قال: الهَرَم.
وفيه لغتان: الضَّعْف والضُّعْف.
وقرأ عاصم وحمزة: {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66] و: {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} [الرُّوم: 54] بفتح الضاد فيهما.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر والكسائي: {من ضُعْفٍ} و {ضُعْفًا} بضم الضاد، وهما لغتان.
وقال الليث: يقال ضعف الرجل يضعف ضَعفًا وضُعفًا، وهو خلاف القُوّة قال:
ومنهم من يقول: الضَّعف في العقل والرأي، والضُّعف في الجسد.
قلت: هما عند جماعة أهل البصر باللغة لغتان جَيِّدتان مستعملتان في ضَعف البدن وضَعف الرأي.
وأخبرني المنذريّ عن عثمان بن سعيد عن سلّام المدائني عن أبي عمرو بن العلاء عن نافع عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها: خلقكم من ضُعْف [الروم: 54].
ويقال أضعفت فلانًا: أي وجدته ضعيفًا؛ وضعّفته، أي صيّرته ضعيفًا، واستضعفته، أي وجدته ضعيفًا أيضًا.
وقال الليث: يقال أضعفت الشيء وضاعفتُه، إذا زدتَ على أصل الشيء فجعلته مثلين أو أكثر من ذلك.
أبو عمرو: أضعاف الجسد: عِظامه، الواحد ضِعف قال: ويقال أضعاف الجسد: أعضاؤه ويقال فلانٌ ضعيف مُضْعِف، فالضّعيف في بدنه، والمضْعِف: الذي دابّته ضعيفة، كما يقال فلانٌ قويٌ مُقّوٍ، فالقويّ في بدنه، والمُقْوِي: الذي دابّته قويّة.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: رجلٌ مضعوف ومهبوتٌ، إذا كان في عقله ضَعف.
شمر: ومن الدُّروع المضاعَفة، وهي التي ضُوعِف حَلقُها.
وقال أبو زيد: يقال للرجل إذا انتشرتْ ضيعتُه وكثُرت: أضعفَ الرَّجلُ فهو مُضْعِف.
والأَضعاف: الجوف قال رؤبة:
فيه ازدهافٌ أيُّما ازدهافِ *** والله بين القلبِ والأضعافِ
فأضعاف الجسد: عِظامه، الواحد ضِعْف.
والضَّعَف: الثياب المضعَّفة، على مثال النَّفَض بمعنى المنفوض.
قال الأفوه:
تَتبعُ أسلافَنا عِينٌ مخدَّرة *** من تحت دَوْلجِهنَّ الرَّيْطُ والضَّعَفُ
وأرضٌ مُضْعَفة: أصابها مطرٌ ضعيف.
ابن بزرج: رجل مضعوف وضَعوف وضعيف قال: ورجل مغلوبٌ وغَلوب، وبعيرٌ معجوف وعَجيف وعجوف وأعجف، وناقة عجوف وعجيف، وكذلك امرأة ضعوف.
ويقال للرجل ضعيف، إذا كان ضرير البصَر.
وتضعَّفت الرجل، إذا استضعفتَه.
ثعلب عن ابن الأعرابي: رجل مضعوف ومَهْبوت ومرثوء، إذا كان في عقله ضعف.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
197-تهذيب اللغة (صدع)
صدع: قال الله جلّ وعزّ: {فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ} [الحجر: 94] قال بعض المفسّرين: اجهَر بالقرآن.وقال أبو إسحاق: {فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ}: أظهِر ما تؤمَر به، أُخِذ من الصَّدِيع
وهو الصبح.
قال: وتأويل الصَّدْع في الزُجاج: أن يَبين بعضُه من بعض.
وأخبرني المنذري عن الحَرّانيّ عن ابن السِكيت قال: الصَّدْع: الفَصْل.
وأنشد لجرير:
هو الخليفة فارضَوا ما قضاه لكم *** بالحقّ يصدع ما في قوله جَنَفُ
قال: يصدع: يفصل ويُنْفِذ.
وقال ذو الرُمَّة:
فأصبحت أرمي كلَّ شَبْح وحائل *** كأني مُسَوٍّ قِسْمةَ الأرض صادع
يقول: أصبحت أرمي بعيني كل شَبْح ـ وهو الشخص ـ وحائل: كل شيء يتحرّك.
يقول: لا يأخذني في عيني كسر ولا انثناء كأني مُسوّ، يقول: كأني أريد قِسْمة هذه الأرض بين أقوام، صادع: قاض، يصدع: يَفْرُق بين الحقّ والباطل.
وقال الفَرّاء: {فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ} [الحجر: 94] أي اصدع بالأمر، أقام {ما} مقام المصدر.
وقال ابن عَرَفة: {فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ} أي فرّق بين الحقّ والباطل، من قوله جل وعزّ: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الروم: 43] أي يتفرقون.
وقال مجاهد: {بِما تُؤْمَرُ} أي بالقرآن.
قلت: ويسمّى الصبح صَدِيعًا، كما يسمّى فَلَقًا؛ وقد انصدع وانفطر وانفلق وانفجر إذا انشقَّ.
وقال الليث: الصَّدْع: شَقّ في شيء له صلابة.
قال: وصدعْت الفلاة أي قطعتها في وسط جَوْزها.
وكذلك صَدَع النهرَ: شقَّه شَقًّا، وصدع بالحقّ: تكلّم به جِهارًا.
وقال الله تعالى: {وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ} [الطارق: 12] قال الفرّاء: ذات الصدع: تتصدع بالنبات.
وقال الليث: الصَّدْع: نبات الأرض لأنه يصدع الأرض فتصدّع به.
قال: والصَّدِيع: انصداع الصبح، والصَّدِيع: رُقعةٌ جديدة في ثوب خَلَق.
وقال لَبِيد:
دعي اللوم أو بِيني كشَقّ صَدِيع
قال بعضهم: هو الرِدَاء الذي شُقَ صِدْعتين، يضرب مثلًا لكل فُرْقة لا اجتماع بعدها.
والصِّدْعَة والصِّدِيع: قطعة من الظباء والغَنَم.
وجَبَل صادع: ذاهب في الأرض طُولًا.
وكذلك سَبِيل صادع ووادٍ صادع.
وهذا الطريق يَصْدَع في أرض كذا وكذا.
ويقال: رأيت بين القوم صَدَعات أي تفرّقًا في الرأي والهَوَى، يقال: أصلِحوا ما فيكم من الصَّدَعات أي اجتمِعوا ولا تتفرّقوا.
وقال الليث: الصُّدَاع: وَجَع الرأس، وقد صُدِّع الرجل تصديعًا.
قال: ويجوز في الشعر صُدِع فهو مصدوع بالتخفيف.
وتصدّع القومُ: تفرّقوا.
الحَرّاني عن ابن السكيت: الصَّدْع في الزُجَاجة والحائط وغيرهما.
والصَّدَع: الوَعِل بين الوَعِلين: ليس بالعظيم ولا بالشَّخْت.
وكذلك هو من الظِباء.
وأنشد:
يا رُبّ أبَّازٍ من العُفْر صَدَعْ *** تقبَّض الذئبُ إليه فاجتَمَعْ
وقال الليث: الصَّدَع: الفَتِيّ من الأوعال.
قال: ويقال: هو الرجل الشابّ المستقيم القناةِ.
عمرو عن أبيه: الصَّدِيع: الثوب المشقَّق.
والصديع: الصبح.
أبو العباس عن ابن الأعرابي في قوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أي شُقّ جماعاتهم بالتوحيد.
وقال غيره: أظهِر التوحيد ولا تَخَفْ أحدًا.
وقال غيره: فرّق القول فيهم مجتمعين وفُرَادَى.
قال ثعلب: وسمعت أعرابيًا كان يحضر مجلس ابن الأعرابيّ يقول: معنى (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أي اقصد بما تؤمر.
قال: والعرب تقول: اصدَع فلانًا أي اقصده لأنه كريم.
أبو عُبَيد عن أبي زيد: الصِرْمة والقِصْلة والحُدْرة: ما بين العشرة إلى الأربعين من الإبل، فإذا بلغتْ سِتّين فهي الصِّدْعة.
وقال ابن السِكّيت: رجل صَدَع وصَدْع وهو الضَرْب الخفيف اللحِم، وأما الوَعِل فلا يقال فيه إلا صَدَع: وَعِل بين وَعِلين.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
198-تهذيب اللغة (صعد)
صعد: قال الله جلّ وعزّ: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ} [آل عمران: 153] الآية قال الفرّاء: الإصعاد: في ابتداء الأسفار والمخارج؛ تقول أصعدنا من مكَّة وأصعدنا من الكوفة إلى خراسان، ومن بغداد إلى خراسان وأشباه ذلك، فإذا صعِدت في السُلَّم أو الدرجة وأشباهه قلت: صَعِدت ولم تقل: أصعدت.وقرأ الحسن: {إذ تَصْعَدون} جعل الصُّعود في الجبل كالصعود في السُّلّم.
وأخبرني المنذري عن الحَرّانيّ عن ابن السكيّت قال: يقال: صعِد في الجبل وأصعد في البلاد.
ويقال: ما زلنا في صَعُود، وهو المكان فيه ارتفاع.
قال: وقال أبو صخر:
يكون الناس في مباديهم، فإذا يبِس البقلُ ودخل الحَرّ أخذوا إلى مَحَاضرهم، فمن أمَّ القِبلة فهو مُصْعِد، ومن أمّ العراق فهو منحدر.
قلت: وهذا الذي قاله أبو صخر كلام عربيّ فصيح، سمعت غير واحد من العرب يقول: عارضنا الحاجّ في مَصْعدهم أي في قصدهم مكَّة، وعارضناهم في مُنْحَدرهم أي في مَرْجِعهم إلى الكوفة من مكّة.
وقال ابن السِكّيت: قال لي عُمَارة: الإصعاد إلى نَجْد والحِجاز واليمن والانحدار إلى العراق والشام وعُمَان.
قلت: وهذا يشاكل كلام أبي صخر.
وقال الأخفش: أصعد في البلاد: سار ومضى، وأصعد في الوادي: انحدر فيه، وأمَّا صعِد فهو ارتقاء.
أبو عُبَيد عن أبي زيد وأبي عمرو يقال: أصعد الرجل في البلاد حيث توجّه.
وقال غيرهم: أصعدت السفينةُ إصعادًا: إذا مدَّت شِرَاعها فذهبت بها الريح صُعُدًا.
وقال الليث: صعِد إذا ارتقى، واصَّعَّد يَصَّعَّدُ إصّعّادًا فهو مصَّعِّد إذا صار مستقبِل حَدُور أو نهر أو وادٍ أو أرض أرفع من الأخرى.
قال: وصَعّد في الوادي إذا انحدر.
قلت: والاصِّعَّاد عندي مثل الصُعُود؛ قال الله تعالى: {كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ} [الأنعام: 125] يقال: صعِد واصَّعّد واصَّاعَد بمعنى واحد.
وقال الله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النِّساء: 43] قال الفرّاء في قوله تعالى: {صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف: 8]: الصعيد: التراب، وقال غيره: هي المستوية.
وقال أبو عُبَيدة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إيّاكم والقُعود بالصُّعُدات»: قال: الصُّعُدات: الطُّرُق، مأخوذة من الصَّعيد، وهو التراب.
وجمع الصعيد صُعُد، ثم صُعُدات جمع الجمع.
وقال الشافعي فيما رُوِي لنا عن الربيع له: لا يقع اسم صَعِيد إلّا على تراب ذي
غُبار.
فأمّا البطحاء الغليظة والرقيقة والكَثِيب الغليظ فلا يقع عليه اسم صعيد وإن خالطه تراب أو صعيد أو مَدَر يكون له غُبَار كأن الذي خالطه الصعيدَ.
قال: ولا يَتيَمم بنُورة ولا كُحل ولا زِرْنيخ، وكل هذا حجارة.
وقال أبو إسحاق بن السرِيّ: الصعيد: وجه الأرض.
قال: وعلى الإنسان أن يضرب بيديه وجه الأرض، ولا يبالي أكان في الموضع تراب أو لم يكن؛ لأن الصعيد ليس هو التراب، إنما هو وجه الأرض، ترابًا كان أو غيره.
قال: ولو أن أرضًا كانت كلها صخرًا لا تراب عليه ثم ضرب المتيمِّمُ يده على ذلك الصخر لكان ذلك طَهُورًا إذا مَسَح به وجهه.
قال الله جلّ وعزّ: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] فأعلمك أن الصعيد يكون زَلَقًا.
والصُّعُدات: الطُرُق، وسمّي صَعيدًا لأنه نهاية ما يُصْعَد إليه من باطن الأرض لا أعلم بين أهل اللغة اختلافًا فيه أن الصعيد وجه الأرض.
قلت: وهذا الذي قاله أبو إسحاق أحسبه مذهب مالك ومن قال بقوله ولا أستيقنه.
فأمَّا الشافعيّ والكوفيّون فالصعيد عندهم التراب.
وقال الليث: يقال للحديقة إذا خَرِبت وذهب شَجْراؤها: قد صارت صعيدًا أي أرضًا مستوية لا شجر فيها.
شَمِر عن ابن الأعرابيّ: الصعيد: الأرضُ بعينها، وجمعها صُعُدات وصِعْدان.
وقال أبو عُبَيد: الصُّعُدات: الطُرُق في قوله: «إياكم والقعود بالصُّعُدات».
قال: وهي مأخوذة من الصَّعيد وهو التراب، وجمعه صُعُد ثم صُعُدات مثلُ طريق وطُرُق وطُرُقات قال: وقال غيره: الصعيد: وجه الأرض البارزُ قلَّ أو كثر.
تقول: عليك الصعيدَ أي اجلس على وجه الأرض.
وقال جرير:
إذا تَيْم ثوتْ بصعيد أرض *** بكت من خُبْث لؤمهم الصعيدُ
وقال في أخرى:
والأطيبين من التراب صعيدا
سَلَمة عن الفرّاء، قال: الصعيد: التراب، والصعيد: الأرض، والصعيد: الطريق يكون واسعًا وضيّقًا، والصعيد: الموضع العريض الواسع.
والصعيد: القبر.
وقال الله جلّ وعزّ: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} [المدَّثِّر: 17] قال الليث وغيره: الصَّعُود: ضِدّ الهَبُوط، وهي بمنزلة العَقَبة الكَئُود، وجمعها الأصْعِدة.
ويقال: لأُرهِقَنَّك صَعُودًا أي لأُجشِّمنَّك مشقة من الأمر.
وإنما اشتقوا ذلك لأن الارتفاع في صَعود أشقّ من الانحدار في هَبُوط.
قال في قوله: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} يعني مشقَّة من العذاب.
ويقال: بَل جبل في النار من جَمْرة واحدة يكلَّف الكافر ارتقاءه ويُضرب بالمَقَامع، فكلّما وضَعَ عليه رجله ذابت إلى أسفل وركه، ثم تعود مكانها صحيحةً.
قال: ومنه اشتُقّ تصعَّدني ذلك الأمرُ أي شقَّ عليَّ.
وقال أبو عُبَيد في قول عُمَر: ما تصعَّدتني خُطْبة، ما تصعَّدتني خُطْبة النكاح: أي ما تكاءدتني وما بَلَغت منّي وما جَهَدتني.
وأصله من الصَّعُود وهي العَقَبة
الشاقَّة.
وقال الليث: الصُّعُد شجر يذاب منه القار.
وقال غيره: التصعيد: الإذابة، ومنه قيل: خَلّ مُصَعَّد وشراب مصعَّد إذا عولج بالنار حتى يَحُول عمَّا هو عليه، لونًا وطعمًا.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: إذا وَلَدت الناقة لغير تَمَام ولكنها خَدَجت لستة أشهر أو سبعة فعُطفت على ولدِ عامِ أوَّلَ فهي صَعُود.
وقال الليث: الصَّعُود: الناقة يموت حُوارها فترجع إلى فَصِيلها فتدُرّ عليه، وقال: هو أطيب لِلبنها.
وأنشد:
لها لبن الخليَّة والصَّعُود
قلت: والقول ما قاله الأصمعيّ، سماع من العرب، ولا تكون صَعُودًا حتى تكون خادِجًا.
أبو عبيد: الصَّعْدة: الأَلَّة، وهي نحو مِن الْحَرْبة أو أصغر منها.
وقال النضر: الصَّعْدة: القَنَاة.
وقال الليث: هي القناة المستوية تنبت كذلك لا تحتاج إلى التثقيف، وكذلك من القَصَب، وجمعها الصِّعَاد.
وأنشد:
صَعْدة نابتة في حائر *** أينما الريحُ تُمَيِّلْها تمِلْ
وقال آخر:
خرير الريح في قَصَب الصِّعَاد
قال: والصَّعْدة من النساء: المستقيمة كأنها صَعْدة قَناةٍ، وجَوَارٍ صَعْدات، خفيفة لأنه نعت.
وثلاث صَعَدات لِلقنا مثقَّلة لأنه اسم.
وقال ابن شُمَيل: رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج على صَعْدة يتبعها حُذَاقِيّ.
قال: الصَّعْدة: الأتَان الطويلة، والْحُذَاقِيّ: الْجَحش.
وقال الأصمعيّ: الصُّعَداء: هو التنفّس إلى فوق، ممدود.
وقولهم: صنع أو بلغ كذا وكذا فصاعدًا أي فما فوق ذلك: وعُنُق صاعد أي طويل.
ويقال: فلان يتبع صُعُداء معناه أنه يرفع رأسه ولا يطأطئه.
وقال ابن شميل: يقال للناقة: إنها لفي صعيدة بازلَيها أي قد دنت ولَمَّا تَبْزُل، وأنشد:
سَدِيس في صَعِيدة بازلَيها *** عَبَنَّاة ولم تَسِق الْجَنِينا
زيادة من غير خطّ المصنِّف:
والصُّعْدُد: الصُّعُود وهي المشَقَّة، قال:
أغشيتَهم عَوْصاء فيها صُعْدُد
أُردِف في آخره دال، كما أُردف في دُخلل الرجل أي دخيله وبِطانته.
والصَّعُوداء: الثنِيَّة الصعبة.
وقال ابن مقبل:
وحدَّثته أن السبيل ثنِيَّة *** صعوداء يدعو كل كهل وأمردا
وفي نفسه وصدره صَعْداء أي ما يتصاعده ويتكاءده، قال الهذليّ:
وإن سيادة الأقوام فاعلم *** لها صَعْداء مَطْلَعُها طويل
والصُّعَداء: الارتفاع.
ومثاله من المصادر المُضَواء من المضيّ، والمُطَواء من التمطّي، والثُّوبَاء من التثاؤب، والغُلَواء من الغلوّ، قال ذو الرمّة:
قطعت بنهَّاض إلى صُعَدائه *** إذا شمَّرت عن ساق خِمْس ذلاذلُه
والصَّعْد: الجبل الطويل، قال:
ولقد سموتُ إليك من جبل *** دون السماء صَمَحْمَح صَعْدِ
والمَصْعَد: الْحَرّ المرتفع.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
199-تهذيب اللغة (صتع)
صتع: أبو عمرو: الصَّتَع: حِمَار الوحش.قال: والصَّتَع: الشابّ القويّ.
وأنشد:
يا بنت عَمْرو قد مُنحتِ وُدّي *** والْحَبْلَ ما لم تقطعي فمُدّي
وما وِصال الصَّتَع القُمُدّ
وقال غيره: يقال للحمار الوحشيّ: صُنْتُع.
وقال الطرمَّاح:
صُنْتع الحاجبين خَرَّطه البَقْ *** لُ بَدِيئًا قبل استكاك الرياضي
وهو فُنْعُل من الصَّتَع.
وقال الليث: جاء فلان يَتَصتَّع علينا بلا زاد ولا نفقة ولا حَقّ واجب.
وقال أبو زيد: جاء فلان يتصتَّع إلينا، وهو الذي يجيء وحده لا شيء معه.
وفي «نوادر الأعراب»: هذا بعير يتمسّح ويتصتّع إذا كان طُلُقًا.
ويقال للإنسان مثلُ ذلك إذا رأيته عُرْيانًا.
وأخبرني المنذريّ عن الطوسيّ عن الخرّاز عن ابن الأعرابيّ أنه أنشده:
وأَكَل الْخَمْسَ عيالٌ جُوّع *** وَتَلِيت واحدة تصَتَّعُ
قال: تَلِي فلان بعد قومه وغَدَر إذا بقي.
قال: وتصتّعها: تردُّدها.
وروى غيره عنْه: تصتَّع في الأمر إذا تلدَّد فيه لا يدري أين يتوجّه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
200-تهذيب اللغة (عصر)
عصر: قال الله جلّ وعَزّ: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 1، 2] قال الفرّاء: والعصر: الدهر، أقسم الله به.وروى مجاهد عن ابن عبّاس أنه قال: العَصْر: ما يلي المغربَ من النهار.
وقال قتادة: هي ساعة من ساعات النهار.
وقال أبو إسحاق: العصر: الدهر، والعصر:
اليوم، والعصر: الليلة.
وأنشد:
ولا يلبث العصران يوم وليلة *** إذَا طَلَبَا أنْ يُدْرِكا ما تيمَّما
وقال ابن السكيت في باب ما جاء مثنَّى: الليل والنهار يقال لهما: العَصْران.
قال: ويقال: العَصْران: الغداة والعَشِيّ.
وأنشد:
وأمطُلُه العَصْرين حتى يَمَلَّني *** ويرضى بنصف الدَّين والأنف راغِمٌ
وقال الليث: العصر: الدهر، ويقال له: العُصُر مثقَّل.
قال: والعَصْران: الليل والنهار.
والعَصْر العَشِيّ.
وأنشد:
تَرَوَّحْ بنا يا عمرو قد قَصُر العصر
قال: وبه سمّيت صلاة العصر.
قال: والغداة والعَشِيّ يسمّيان العصرين.
وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس قال: صلاة الوسطى: صلاة العصر.
وذلك لأنها بين صلاتي النهار وصلاتي الليل.
قال: والعصر: الحَبْس، وسُمِّيت عَصْرًا لأنها تعصَر أي تُحْبَس عن الأولى.
قال: والعَصْر: العطِيَّة.
وأنشد:
يعصر فينا كالذي تعصر
أبو عبيد عن الكسائيّ: جاء فلان عَصْرًا أي بطيئًا.
وقال الله جلّ وعزّ: {فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يُوسُف: 49] قال أكثر المفسّرين: أي يَعْصِرون الأعناب والزيت.
وقال أبو عبيدة: هو من العَصَر ـ وهو المَنجاة ـ والعُصْرة والمُعْتَصَر والمُعَصَّر.
وقال لبيد:
وما كان وقّافًا بدار مُعَصّر
وقال أبو زُبَيد:
ولقد كان عُصْرة المنجود
أي: كان مَلْجأ المكروب.
وقال الليث: قرىء: (وفيه تُعْصَرون) بضمّ التاء أي تُمطَرون.
قال: ومن قرأ: (تَعْصِرون) فهو من عَصْر العِنب.
قلت: ما علمت أحدًا من القرّاء المشهَّرين قرأ: تُعصرون، ولا أدري من أين جاء به الليث.
قال: ويقال: عصرت العِنَب وعصَّرته إذا ولِيت عَصْره بنفسك، واعتصرت إذا عُصِر لك خاصَّة.
والاعتصار: الالتجاء.
وقال عَدِيّ بن زيد:
لو بغير الماء حَلْقي شَرِق *** كنتُ كالغَصَّان بالماء اعتصاري
قال: والعُصَارة: ما تحلَّب من شيء تَعْصِره.
وأنشد:
فإن العذَاري قد خلطن لِلِمَّتى *** عُصَارة حِنّاء معًا وصَبِيب
وقال الراجز:
عُصَارة الجُزء الذي تحلّبا
ويروى تجلّبا، من تجلّب الماشية بقية العُشْب وَتلزّجته: أي أكلته، يعني: بقيَّة الرُطْب في أجواف حُمُر الوحش.
قال: وكل شيء عُصر ماؤه فهو عَصِير.
وأنشد قول الراجز:
وصار باقي الجُزْء من عصيره *** إلى سَرَار الأرض أو قُعوره
يعني بالعصير الجزء وما بقي من الرُّطْب في بطون الأرض ويبس ما سواه.
وقال الله جلَّ وعزَّ: {وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجًا} [النّبأ: 14] روي عن ابن عباس أنه قال: المُعْصِرات: هي الرياح.
قال الأزهري: سمّيت الرياح مُعْصِرات إذا كانت ذواتِ أعاصِير، واحدها إعصار، من قول الله جلّ وعزَّ: {إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ} [البقرة: 266].
والإعصار: هي الريح التي تَهُبُّ من الأرض كالعَمُود الساطع نحو السماء، وهي التي يسمّيها بعض الناس الزّوْبَعة، وهي ريح شديدة، لا يقال لها إعصار حتى تَهُبّ كذلك بشدة.
ومنه قول العرب في أمثالها:
إن كنتَ ريحًا فقد لاقيتَ إعصارا
يضرب مَثَلًا للرجل يَلْقَى قِرْنه في النَجْدة والبَسَالة.
وقال ابن الأعرابيّ يقال: إعصار وعِصَار، وهو أن تَهيج الريحُ الترابَ فترفعه.
وقال أبو زيد: الإعصار: الريح التي تَسْطَع في السماء.
وجمع الإعصار الأعاصير، وأنشد الأصمعيّ:
وبينما المرءُ في الأحياء مغتبِط *** إذا هو الرَمْس تعفوه الأعاصير
وروي عن أبي العالية أنه قال في قوله: (مِنَ الْمُعْصِراتِ): [النبأ: 17] إنها السحاب.
قلت: وهذا أشبه بما أراد الله جلَّ وعزَّ؛ لأن الأعاصير من الرياح ليست من رياح المطر، وقد ذكر الله أنه يُنزل منها (ماءً ثَجَّاجًا).
العصر: المطر، قال ذو الرمة:
وتَبْسِم لَمْع البرق عن متوضّح *** كلون الأقاحي شاف ألوانَها العَصْرُ
وقولُ النابغة:
تَنَاذرها الراقُون من سُوء سمّها *** تراسلهم عصرًا وعصرًا تراجع
عصرًا أي مرّة.
والعُصَارة: الغَلَّة.
ومنه يقرأ.
وفيه تَعْصِرون [يوسف: 49] أي تستغلون.
وعَصَر الزرع: صار في أكمامه.
والعَصْرة شجرة.
وقال الفرّاء.
السحابة المُعْصِر: التي تتحلّب بالمطر ولما تجتمع، مثل الجارية المعصر قد كادت تحيض ولما تحِضْ.
وقال أبو إسحاق: المعصِرات: السحائب، لأنها تُعْصِر الماء.
وقيل مُعْصِرات كما يقال: أجزَّ الزرعُ إذا صار إلى أن يُجَزَّ، وكذلك صار السحاب إلى أن يمطر فيعصر.
وقال البَعِيث في المعصرات فجعلها سحائب ذوات المطر فقال:
وذي أُشُر كالأُقحوان تشوفُه *** ذِهابُ الصَّبَا والمُعْصِرات الدوالحُ
والدوالح من نعت السحاب لا من نعت الرياح، وهي التي أثقلها الماء فهي تَدْلَحُ أي تمشي مشي المُثْقَل، والذِهاب الأمطار.
وقال بعضهم: المعصِرات، الرياح.
قال: و {مِنَ} في قوله: {مِنَ الْمُعْصِراتِ} [النبأ: 14] قامت مقام الباء الزائدة، كأنه قال: وأنزلنا بالمعصرات ماء ثَجَّاجًا.
قلت: والقول هو الأول.
وأمَّا ما قاله الفرّاء في المُعْصِر من الجواري: إنها التي دنت من الحيض ولمَّا تحِض فإن أهل اللغة خالفوه في تفسير المعصر، فقال أبو عُبَيد عن أصحابه: إذا أدركت الجاريةُ فهي مُعْصِر، وأنشد:
قد أعصرت أو قد دنا إعصارها
قال: وقال الكسائي: هي التي قد راهقت العشرين.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: المعصِر ساعة تَطْمُث أي تحيض، لأنها تُحبس في البيت يجعل لها عَصَرًا.
قال: وكل حِصن يتحصَّن به فهو عَصَر.
وقال غيره: قيل لها معصر لانعصار دم حيضها ونزول ماء تَريبتها للجماع، وروى أبو العبّاس عن عمرو بن عمرو عن أبيه يقال: أعصرت الجاريةُ وأشْهدت وتوضَّأت إذا أدركت.
وقال الليث: يقال للجارية إذا حرمت عليها الصلاة ورأت في نفسها زيادة الشباب: قد أعصَرت فهي مُعْصِر: بلغت عُصْرة شبابها وإدراكها.
ويقال:
بلغت عَصْرها وعُصُورها.
وأنشد:
وفنَّقها المراضع والعُصُور
وروي عن الشعبيّ أنه قال: يَعْتِصر الوالدُ على ولده في ماله.
وَرَوى أبو قِلَابة عن عمر بن الخطاب أنه قضى أن الوالد يعتصر ولده فيما أعطاه، وليس للولد أن يعتصر من والده، لفضل الوالد على الولد.
قال أبو عُبَيد: قوله: يعتصر يقول: له أن يحبسه عنه ويمنعه إيّاه.
قال: وكل شيء حَبَسته ومنعته فقد اعتصرته وقال ابن أحمر:
وإنما العَيش بربّانه *** وأنت من أفنانه معتصِر
قال: وعصرت الشيء أعصِره من هذا.
وقال طَرَفة:
لو كان في أملاكنا أحَد *** يعصر فينا كالذي تعصِرْ
وقال أبو عُبَيْد في موضع آخر: المعتصر الذي يصيب من الشيء: يأخذ منه ويحبسه.
قال: ومنه قول الله: {فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 49].
وقال أبو عُبَيدة في قوله:
يعصر فينا كالذي تَعْصِرْ
أي: يتّخذ فينا الأيادي.
وقال غيره: أي يعطينا كالذي تعطينا.
وقال شمر: قال ابن الأعرابيّ في قوله: (يعتصر الرجل مال ولده) قال: يعتصر: يسترجع.
وحكى في كلام له: قوم يعتصرون العطاء ويُعبِرون النساء، قال: يعتصرونه: يسترجعونه بثوابه.
تقول: أخذت عصرته: أي ثوابه أو الشيء نَفْسه.
وقوله: يُعْبِرون النساء أي يختِنونهنّ.
قال: والعاصر والعَصُور: هو الذي يَعتصر ويعصر من مال ولده شيئًا بغير إذنه.
شمر عن العِتريفيّ قال: الاعتصار: أن يأخذ الرجل مال ولده لنفسه، أو يبقّيه على ولده.
قال: ولا يقال: اعتصر فلان مال فلان إلّا أن يكون قريبًا له.
قال: ويقال للغلام أيضًا: اعتصر مال أبيه إذا أخذه قال: ويقال: فلان عاصر إذا كان ممسِكًا.
يقال: هو عاصرٌ قليل الخَير قال شمر وقال غيره: الاعتصار على وجهين.
يقال: اعتصرت من فلان شيئًا إذا أصبته منه.
والآخر أن تقول: أعطيت فلانًا عطيَّة فاعتصرتها أي رجعت فيها.
وأنشد:
ندِمت على شيء مضى فاعتصرته *** ولِلنحْلة الأولى أعفُّ وأكرم
فهذا ارتجاع.
قال: وأما الذي يمنع فإنما
يقال له: قد تعصّر أي تعسّر، يجعل مكان السين صادًا.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ يقال: ما عَصَرك وثَبَرك وغَصنَك وشَجَرك أي ما منعك.
والعصَّار: المَلِك المَلْجأ.
ويقال: ما بينهما عَصَر ولا يَصَر ولا أيصر ولا أعصر أي ما بينهما مودَّة ولا قرابة.
وروي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالًا أن يؤذِّن قبل الفجر ليعتصر معتصرُهم أراد الذي يريد أن يضرب الغائط.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده:
أدركت معتصري وأدركني *** حلمي ويَسّر قائدي نعلي
قال ابن الأعرابي: معتصري: عُمُري وهَرَمي.
وقال الليث: يقال هؤلاء موالينا عُصْرة أي دِنْية دون مَن سواهم.
قلت: ويقال: قُصْرة بهذا المعنى.
قال: والمِعْصَرة: التي يُعصر فيها العنب.
والمِعْصار: الذي يجعل فيه شيء ثم يعصر حتى يتحلَّب ماؤه.
وكان أبو سعيد يروي بيت طَرَفة:
لو كان في أملاكنا أحد *** يعصر فينا كالذي يُعصرْ
أي: يصاب منه وأنكر تعصر.
قال: ويقال: أعطاهم شيئًا ثم اعتصره إذا رجع فيه.
والعِصَار الحِين، يقال: جاء فلان على عِصَار من الدهر أي حِين.
وقال أبو زيد: يقال: نام فلان وما نام لعُصْر وما نام عُصْرًا، أي لم يكَدْ ينام.
وجاء ولم يجىء لعُصْر أي لم يجىء حِين المجيء.
وقال ابن أحمر:
يدعون جارهم وذِمَّته *** عَلَها وما يدعون من عُصْر
أي: يقولون: واذِمَّة جارنا، ولا يَدْعون ذلك حين ينفعه.
وقال الأصمعيّ: أراد: من عُصُر فخفَّف، وهو الملجأ.
ويقال: فلان كريم العَصير أي كريم النسب.
وقال الفرزدق:
تجرّد منها كلّ صهباء حُرَّة *** لعَوْهجِ أو للداعريّ عصيرها
والعِصَار: الفُسَاء.
وقال الفرزدق أيضًا:
إذا تعشّى عَتيق التمر قام له *** تحت الخَمِيل عِصار ذو أضاميم
وأصل العِصَار ما عصرتْ به الريح من التراب في الهواء.
والمعصور: اللسان اليابس عطشًا.
قال الطِرِمَّاح:
يَبُلّ بمعصور جَنَاحَيْ ضئيلةٍ *** أفاويق منها هَلَّة ونُقُوع
في حديث أبي هريرة أن امرأة مرَّت متطيّبة لذيلها عَسرَة، قال أبو عبيد: أراد: الغبار أنه ثار من سَحْبها، وهو الإعصار.
قال: وتكون العَصَرة من فَوْح الطيب وهَيْجه، فشبَّهه بما تثير الريح من الأعاصير.
أنشده الأصمعيّ:
[وبينما المرءُ في الأحياء مغْتَبِط *** إذا هو الرَّمسُ تعفوه الأعاصير]
قال الدينوريّ: إذا تبيَّنت أكمام السُنْبل قيل: قد عَصَّر الزَرْعُ، مأخوذ من العَصَر وهو الحِرْز أي تحرَّز في غُلْفه.
وأوعية السُنْبل أخْبِيته ولفائفه وأغْشيته وأكمته وقنابعه.
وقد قنبعت السُنْبل.
وهي ما دامت كذلك صمعاء ثم ينفقىء).
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
201-تهذيب اللغة (رصع)
رصع: أبو عبيد عن الفرّاء: الترصُّع: النشاط مثل العَرَص.قال: وقال أبو عمرو: الرَّصْعاء من النساء: الزَلَّاء.
وقال الليث: الرَّصَع مثل الرسَح، وهي رَصْعاء إذا لم تكن عجزاء.
قال: وقال بعضهم: هي التي لا إسكتين لها.
قال: وأمَّا الرَّصْع ـ بسكون الصاد ـ فشِدَّة الطعن، يقال:
رصعه بالرمح وأرصعه.
وقال العجّاج:
وَخْضًا إلى النصف وطعنًا أرصعا
وقال ابن شميل: الرصائع: سيور مضفورة في أسافل حمائل السيف، الواحدة رِصَاعة.
وقال الليث: الرَّصيعة: العُقْدة التي في اللِّجَام عند المعذَّر حتى كأنه فَلْس.
قال: وإذا أخذت سَيْرًا فعقدت فيه عُقَدًا مثلَّثة فذلك الترصيع.
وهو عَقْد التَميمة وما أشبه ذلك.
وقال الفرزدق:
وجئن بأولاد النصارى إليكُم *** حَبَالَى وفي أعناقهنَ المراصع
أي: الخَتْم في أعناقهنّ.
وقال الليث: الرَّصَع: فِراخ النَحْل.
قلت: هذا خطأ؛ قال ابن الأعرابيّ: الرَضَع: فِراخ النَحْل بالضاد، رواه أبو العباس عنه، وهو الصواب، وقد مرّ في باب الضاد والعين.
والذي قاله الليث بالصاد في هذا الباب تصحيف.
أبو عُبيدة في كتاب «الخيل»: الرصائع واحدتها رَصِيعة، وهي مَشَكّ محاني أطرافِ الضلوع من ظَهْر الفرس.
وفرس مرصَّع الثُّنَن إذا كانت ثُنَنُه بعضُها في بعض.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ: الرصيعة: البُرّ يُدَقّ بالفِهْر ويبَلّ ويُطبخ بشيء من سَمْن.
عمرو عن أبيه: الرَّصِيع: زِرّ عُرْوة المصحف، ثعلب عن ابن الأعرابيّ، الرَّصَّاع: الكثير الجِماع.
قال: والرِّصَاع: الجماع، وأصله في العصفور الكثير السفاد: وقد تراصعت العصافير.
قال أبو عبيد في باب لزوق الشيء: رصِع فهو رَصِع مثل عَسِق وعَبِق وعَتِق وعَتِك.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
202-تهذيب اللغة (صرع)
صرع: أبو عُبَيد: الصُّرُوع: الضروب في قول لَبِيد:وخَصْم كنادي الجنّ أسقطت شأوهم *** بمستحوِذٍ ذي مِرّة وصُروع
وقال غيره: صروع الحبْل: قُواه.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: هما صِرْعان وضِرْعان وحَتْنان، وهذا صِرْع هذا وضِرْعه أي مِثله، وأنشد ابن الأعرابيّ:
مثل البُرَام غدًا في أُصْدَة خَلَق *** لم يَسْتَعِنْ وحوامي الموتِ تغشاه
فرَّجْت عنه بصَرْعَينا لأرملة *** أو بائس جاء معناه كمعناه
قال يصف سائلًا شبَّهه بالبُرَام وهو القُرَاد: لم يستعِن يقول: لم يحلق عانته، وحوامي الموت وحوائمه: أسبابه، وقول: بصرعينا أراد بهما إبلًا مختلِفة المشي تجيء هذه وتذهب هذه لكثرتها، هكذا رواه بفتح الصاد وقال: الأسنان مرتصِعة إذا التصقت وتقاربت، والرصَع: قرب ما بين المنكبين، رجل أرصع، والرصَع: التقارب والتضايق، ورَصِعت عيناه: التزقتا.
ورصِع فلان بفلان فهو راصع به أي لازم، ورَصَع فلان بمكان رصُوعًا ورصِع بإستْه الأرض رَصْعًا: ألْزقها بها ورصائع القوس: سُيورها التي تُحسَّن بها القوس، قال:
صفراء كالقوس لها رصائعُ *** معطوفةٌ بالغَ فيها الصانع
والمراصيع: النحل أي صغار الولد وقال الأصمعيّ: فلان يأتينا الصِّرْعَين أي غُدوة وعشية.
وقال ابن السكيت: الصَّرْعان: الغَداة والعشيّ، وأنشد لذي الرمّة:
كأنني نازع يَثْنيه عن وطن *** صَرْعان رائحةً عَقْل وتقييدُ
أراد عقلٌ عشيَّةً وتقييد غُدوة، فاكتفى بذكر أحدهما.
ويقال للأمر: صَرْعان أي طرَفان.
الليث وغيره: الصَّرْع: الطَّرْح بالأرض للإنسان، تقول: صرعه صَرْعًا، والمصارعة والصِّراع: معالجتهما أيّهما يصرع صاحبه.
ورجل صِرِّيع إذا كان ذلك صَنعته وحاله التي يُعرف بها.
ورجل صَرَّاع إذا كان شديد الصراع وإن لم يكن معروفًا.
رجل صَرُوع للأقران: أي كثير الصَّرْع لهم.
والصَّرَعة: هم القوم الذين يَصْرَعون من صارعوا.
قلت: يقال: رجل صُرْعة وقوم صُرَعة والمِصراعان من الشِّعْر: ما كان له قافيتان في بيت واحد، ومن الأبواب: ما له بابان منصوبان ينضمَّان جميعًا، مَدْخلهما بينهما في وسط المصراعين.
ومصارع القَتْلَى: حيث قُتِلوا.
وأمّا قول لَبيد:
منها مصارع غابة وقيامها
فإن المصارع جمع مصروع من القَصَب.
يقول: منها مصروع، ومنها قائم، والقياس مصاريع.
وبيت من الشِّعر مُصَرّع: له مصراعان.
وكذلك باب مصرَّع.
وفي الحديث: «الصُّرَعة ـ بتحريك الراء ـ الرجل الحليم عند الغضب».
وقال أبو مالك: يقال: إن فلانًا ليفعل ذاك على كل صِرْعة أي يفعل ذاك على كلّ حال.
عمرو عن أبيه قال: الصَّرِيع: المجنون، والصَّرِيع: القضيب يَسقط من شجر البَشَام، وجمعه صِرْعان.
ثعلب عن ابن الأعرابي يقال: هذا صِرْعه وصَرْعه وضِرعه وضَرعه وطِبْعه وطَلعه
وطِباعه وطبيعه وشَنّه وقِرْنه وقَرْنه وشِلوه وشُلَّته أي مِثله.
وقال ابن السكيت: يقال: طلبت من فلان حاجة فانصرفت وما أدري على أي صِرْعَيْ أمرِهِ أنصرِف أي لم يبيّن لي أمره.
وأنشد:
فرُحت وما وَدَّعت ليلى وما دَرَت *** على أيّ صِرْعَيْ أمرِها أتروّح
والصريع من القِداح: ما صُنع من الشجر ينبت على وجه الأرض، وقال ابن مقبل:
وأزجر فيها قبل نمّ صحائها *** صريع القِدَاح والمَنِيح المخيَّرا
وإنما خيَّره لأنه فائز مبارك.
ويقال: الصريع: العُود يجِفّ في شجره، يتَّخذ منه قِدْح، وهو أجود ما يكون، قال:
صريع دَرِير مسّه مس بيضه *** إذا سنحت أيدي المفيضِين يبرح
أي: يُخرج فيدُرّ على صاحبه باللحم.
والصَّرْعانِ: حَلْبتا الغداةِ والعشيّ؛ قال عنترة:
ومنجوبٍ له منهن صَرْع *** يميل إذا عدلْتَ به الشِوارا
المنجوب: السِّقاء المدبوغ بالنَّجَب.
ومنهن يعني: من الإبل، أي لهذا السِّقاء من هذه الإبل صَرْع كلّ يوم، والصرع الآخر لأولادها، وأخبر أن هذا الصرع يملأ السِّقَاء حتى يميل بكل ما يُعدَل به إذا حُمِل، والشِّوار: متاع الراعي وغيره.
وقوله:
ألا ليت جَيْش العَيْر لاقى سَرِيَّة *** ثلاثين منّا صَرْع ذاتِ الحقائل
صرع ذات الحقائل أي حِذَاء ذات الحقائل وناحيتها، وهي وادٍ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
203-تهذيب اللغة (صنع)
صنع: قال الله جلّ وعزّ: {وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشُّعَرَاء: 129] المصانع في قول بعض المفسّرين: الأبنية.وقال بعضهم: هي أحباس تُتَّخذ للماء، واحدها مَصْنَعة ومَصْنَع.
قلت: وسمعت العرب تسمّي أحباس الماء: الأصناع والصُّنُوع، واحدها صِنْع.
وروى أبو عبيد عن أبي عمرو قال: الحِبْس مثل المَصْنَعة، قال: والزَّلَف: المصانع.
قلت: وهي مَسَّاكاتٌ لِماء السماء يحتفرها الناس فيملؤها ماءُ السماء يشربونها.
ويقال للقصور أيضًا مصانع.
وقال لبيد:
بَلِينا وما تَبْلى النجوم الطوالعُ *** وتَبْلى الديارُ بعدنا والمَصَانِع
وقول الله جل وعزَّ: {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النَّمل: 88] قال أبو إسحاق: القراءة بالنصب، ويجوز الرفع.
فمن نصب فعلى المصدر، لأن قوله: {وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ} [النَّمل: 88] دليل على الصنعة، كأنه قال: صَنَع الله ذلك صُنْعًا.
ومن قرأ: {صُنْعُ الله} فعلى معنى: ذلك صنع الله.
وقول الله: {وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي} [طه: 39] معناه: ولتربَّى بمرأًى منّي.
يقال: صَنَع فلان جاريته إذا رباها، وصَنَع فرسه إذا قام بعلفه وتسمينه.
وقال الليث: صنع فرسَه، بالتخفيف، وصنَّع جاريته بالتشديد؛ لأن تصنيع الجارية لا يكون إلا بأشياء كثيرة وعِلَاج.
قلت: وغير الليث يجيز صَنَع جاريته بالتخفيف، ومنه قوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي}.
وفلان صَنِيع فلان إذا ربَّاه وأدَّبه وخرَّجه، ويجوز: صنيعته.
وقال الأصمعيّ: العرب تسمّي القُرَى مصانع، واحدتها مَصْنعة.
وقال ابن مُقْبل:
أصواتُ نسوان أنباطٍ بمَصْنَعة *** بَجَّدْن للنَّوْح واجتَبْن التَبَا بينا
والمَصْنعة: الدَّعْوة يتّخذها الرجل ويدعو إخوانه إليها.
وقال الراعي:
ومصنعةٍ هُنَيدَ أعنْتُ فيها
قال الأصمعي: يعني مَدْعاة.
وفرس مُصَانِع، وهو الذي لا يعطيك جميع ما عنده من السير، له صون يصونه فهو يصانعك ببذله سَيْرَه.
ويقال: صانعت فلانًا أي رافقته.
وصانعت الوالي إذا راشيته، وصانعته إذا داهنته.
وقال الليث: التصنُّع: تكلّف حُسْن السَّمْت وإظهاره والتزيُّن به والباطن مدخول.
وقال: الصُنَّاع: الذين يعملون بأيديهم، والحِرْفة الصِّنَاعة، والواحد صانع.
وقال ابن السكيت: امرأة صَنَاع إذا كانت رقيقة اليدين تسوِّي الأساقي وتَخْرُز الدلاء وتَفْريها.
ورجل صَنَع.
وقال أبو ذؤيب:
وعليهما مَسرودَتان قضاهما *** داود أو صَنَع السوابغ تُبَّعُ
وقال ابن الأنباريّ في «الزاهر»: امرأة صَنَاع إذا كانت حاذقة بالعمل، ورجل
صَنَع.
إذا أُفردت فهي مفتوحة متحرّكة.
قال: ويقال: رجل صِنْع اليدين، مكسور الصاد إذا أضيفت.
وأنشد:
صِنْعُ اليدين بحيثُ يكوى الأصْيَدُ
وأنشد غيره:
أنبل عَدْوانَ كُلِّها صَنَعا
والصَّنِيعة: ما أعطيته وأسديته من معروف أو يد إلى إنسان تصنعه به، وجمعها صنائع، قال الشاعر:
إن الصنيعة لا تكون صنيعة *** حتى يصابَ بها طريقُ المَصْنَع
وقول الله عزوجل {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41] أي ربَّيتك لخاصَّة أمري الذي أردته في فرعون وجنوده.
وحدّثنا الحسين عن أبي بكر بن أبي شَيْبة عن يحيى بن سعيد القطَّان عن محمد بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخُدْريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا توقدوا بليل نارًا»؛ ثم قال: «أوقدوا واصطنعوا فإنه لن يدرك قوم بعدكم مُدَّكم ولا صاعَكم».
قوله: اصطنعوا أي اتّخذوا طعامًا تنفقونه في سبيل الله.
عمرو عن أبيه: الصَنِيع: الثوب الجيّد النقيّ.
وقال ابن الأعرابي: أصْنع الرجلُ إذا أعان آخر.
قال: وكل ما صُنِع فيه فهو صِنْع مثل السُّفْرة.
ويكون الصِنْع الشِّوَاء.
وقال الليث: الصَّنَّاعة: خشبة تُتّخذ في الماء ليحبس بها الماء وتُمسكه حينًا.
ورُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا لم تَسْتَح فاصنع ما شئت» رواه جَرِير بن عبد الحميد عن منصور عن رِبْعيّ بن حِرَاش عن أبي مسعود الأنصاريّ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عبيد: قال جرير: معناه: أن يريد الرجل أن يعمل الخير فيدعَه حياءً من الناس، كأنه يخاف مذهب الريَاء.
يقول: فلا يمنعْك الحياءُ من المضيّ لِمَا أردت.
قال أبو عبيد: والذي ذهب إليه جرير معنى صحيح في مذهبه، ولكن الحديث لا يدلّ سياقه ولا لفظه على هذا التفسير.
قال أبو عبيد: ووجهه عندي أنه أراد بقوله: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» إنما هو: من لم يستح صَنَع ما شاء، على جهة الذمّ لترك الحياء، ولم يرد بقوله: فاصنع ما شئت أن يأمره بذلك أمرًا، ولكنّه أمْر معناه الخبر؛ كقوله عليهالسلام: «من كذب عليّ متعمِّدًا فليتبوّأ مَقْعَده من النار»، ليس وجهه أنه أمره بذلك، إنما معناه: مَن كذب عليّ تبوَّأ مقعده من النار.
والذي يراد من الحديث أنه حَثَّ على الحياء وأمرَ به وعاب تركه.
وقال إبراهيم بن عَرَفة: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول في قوله: إذا لم تستح فاصنع ما شئت قال: هذا على الوعيد، فاصنع ما شئت فإن الله يجازيك.
وأنشد:
إذا لم تخش عاقبة الليالي *** ولم تستَحْيِ فاصنع ما تشاء
وهو كقول الله تعالى: {فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29].
الأصناع: الأسواق، جمع صِنْع.
وقال ابن مقبل يصف فرسًا:
بتُرْس أعجم لم تُنْجَر مسامره *** مما تَخَيَّرُ في أصناعها الروم
لم تُنجز مسامره أي لم تشدّ فيه المسامير.
والصِنْع: السَفُّود، قال مَرّار يصف إبلًا:
وجاءت وركبانها كالشُروب *** وسائقها مثل صِنْع الشواء
أي: هذه الإبل وركبانها يتمايلون من النُّعَاس، وسائقها ـ يعني نفسه ـ اسودّ من السَّمُوم.
ويقال: فلان صَنِيع فلان وصنيعته إذا ربّاه وأدّبه حتى خرّجه.
إذا جاء يومٌ مظلم الشمس كاسفُ
يريد: كاسف الشمس فحذفه لأنه قدَّم ذكره.
وأخبرني المنذريّ عن الحرَّاني عن ابن السكيت قال: يقال: عَصَفت الريحُ وأعصفت فهي ريح عاصف ومُعْصفة إذا اشتدَّت.
وقال الليث: وجمع العاصف عواصف.
قال: والمُعْصِفات: الرياح التي تُثير التراب والورق وعَصْفَ الزرع.
قال: والعُصافة: ما سقط من السُنْبل، مثل التبن ونحوه.
أبو عبيد عن أبي عبيدة قال: الإعصاف: الإهلاك، وأنشد للأعشى:
في فيلق شهباء ملمومة *** تُعْصِف بالدارع والحاسر
أي: تُهلكهما.
وقال الليث: تُعصف بهما أي تَذهب بهما.
قال: والنعامة العَصُوف: السريعة: والعَصْف: السرعة، وأنشد:
ومن كل مِسْحاج إذا ابتلَّ لِيتُها *** تحلَّب منها ثائب متعصّف
يعني العَرَق.
أبو عُبَيد عن أبي عمرو قال: العَصُوف: السريعة من الإبل.
وقال اللحيانيّ: أعصفت الناقةُ إذا أسرعت، فهي مُعْصِفة.
وقال النضر: إعصاف الإبل: استدارتها حول البئر حرصًا على الماء وهي تطحن التراب حوله وتثيره.
وقال المفضّل: إذا رمى الرجل غَرَضًا فصاب نَبْلُه قيل له: إن سهمك لعاصف.
قال: وكل ماء عاصف.
وقال كثيّر:
فمرّت بليل وهي شدفاء عاصف *** بمنخرَق الدوَداة مَرَّ الخَفَيْدَدِ
وقال اللحياني: هو يَعْصِف ويعتصف ويصرف ويصطرف، أي يكسِب ويطلب ويحتال.
وقال ابن الأعرابي، فيما رَوَى عنه أبو العباس: العَصْفانِ: التِبْنانِ، قال: والعُصُوف: الأتبان والعَصْف: السنْبُل، وجمعه عُصوف.
والعُصُوف: الرياح.
والعُصُوف: الكَدّ.
والعصوف الخُمُور.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
204-تهذيب اللغة (عصب)
عصب: قال الله جل وعز: {هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هُود: 77] أخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن سَلَمة عن الفرّاء قال: {يَوْمٌ عَصِيبٌ}، ويوم عَصَبصَب أي شديد.قال: وعَصَب فوه يَعْصِب عَصْبًا إذا ذَبّ ويبِس رِيقه، وفوه عاصب.
وأخبرني الحَرّانيّ عن ابن السكيتِ يقال: عصَب الريقُ بفيه يعصِب عَصْبًا إذا يبِس.
وقال: عَصَب فاه الريق.
وقال ابن أحمر:
.
.
.
حتى يعصِب الريقُ بالفم
وقال الراجز:
يعصب فاه الرِيقُ أي عَصْب *** عَصْب الجُبَاب بشفاه الوطْب
الجُبَاب: شِبْه الزُبْد في ألبان الإبل.
وروى بعض المحدِّثين «أن جبريل جاء
يوم بدر على فرس أنثى وقد عصم بثنّيتيه الغبارُ»، فإن لم يكن غلطًا من المحدِّث فهي لغة في عَصَب، والباء والميم يتعاقبان في حروف كثيرة، لقرب مخرجيهما، يقال ضَرْبَةُ لازبٍ ولازم، وسبّد رأسه وسمَّده.
وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال: رجل معصَّب أي فقير قد عصَّبه الجهد، وهو من قوله جل وعز: {يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هُود: 77].
وقال بعضهم: (يَوْمٌ عَصِيبٌ) أي شديد مأخوذ من قولك: عَصَبَ القومَ أمرٌ يعصِبهم عَصْبًا إذا ضمَّهم واشتد عليهم.
وقال ابن أحمر:
يا قومِ ما قومي على نأيهم *** إذ عَصَب الناس شَمَال وقرّ
وقوله: ما قومي على نأيهم تعجّب من كرمهم، وقال: نِعم القوم هم في المجاعة إذ عصب الناس شَمال أي أطاف بهم وشملِهم بَرْدَها.
ويقال للرجل الجائع يشتدّ عليه سَخْفة الجُوع فيعصِّب بطنه بحجر: مُعَصَّب.
ومنه قوله:
ففي هذا فنحن لُيُوث حرب *** وفي هذا غيوث مُعَصَّبينَا
وقال الأصمعيّ: العَصْب: غَيْم أحمر يكون في الأفُق الغربيّ يظهر في سِنِي الجَدْب.
وقال الفرزدق:
إذا العَصْب أمسى في السماء كأنه *** سَدَى أُرْجوان واستقلَّت عَبُورها
أبو عُبيد عن أبي عُبَيدة: المعصَّب: الذي عصَّبته السِنُون أي أكلت ماله.
وقال الله جل وعز: (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [يوسف: 8].
قال أبو عبيد: قال أبو زيد: العُصْبة من العَشَرة إلى الأربعين.
وقال الأخفش: العُصْبة والعِصابة: جماعة ليس لها واحد.
وذكر ابن المظفّر في كتابه حديثًا: إنه يكون في آخر الزمان رجل يقال له: أمير العُصَب، فوجدت تصديقه في حديث حدّثنا به محمد بن إسحاق عن الرماديّ عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عُقْبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: وجدت في بعض الكتب يوم اليرموك: أبو بكر الصديق أصبتم اسمه.
عمر الفاروق قَرْن من حديد أصبتم اسمه.
عثمان ذو النورين كِفلَيْن من الرحمة لأنه يُقتل مظلومًا، أصبتم اسمه.
قال: ثم يكون مَلِك الأرض المقدَّسة وابنه.
قال عُقبة: قلت لعبد الله سمّهما.
قال: معاوية وابنه.
ثم يكون سفَّاح، ثم يكون منصور، ثم يكون جابر، ثم مهديّ، ثم يكون الأمين، ثم يكون سين وسلام يعني صلاحًا وعافية، ثم يكون أمير العُصَب، ستة منهم من ولد كعب بن لؤيّ ورجل من قحطان كلهم صالح لا يُرَى مثله.
قال أيوب: فكان ابن سيرين إذا حَدَّث بهذا الحديث قال: يكون على الناس ملوك بأعمالهم.
قلت: وهذا حديث عجيب وإسناده صحيح والله أعلم بالغيوب.
والعَصْب من برود اليمن، معروف.
وقال الليث: سمّي عَصْبًا لأن غَزْله يُعصَب، ثم يُصبغ ثم يحاك، وليس من برود الرقْم.
ولا يجمع، يقال: بُرْد عَصْب وبرود عَصْب لأنه مضاف إلى الفعل.
وربما اكتفَوا بأن يقال: عليه العَصْب لأن البُرْد عُرِف بذلك الاسم.
أبو عبيد عن أبي عمرو: العصَّاب: الغزّال.
وقال رؤبة:
طيّ القَسَاميّ بُرودَ العَصَّاب
قال: والقَسَاميّ: الذي يَطْوي الثياب في أول طَيّها حتى تُكسّر على طيّها.
قلت: وقول أبي عمرو يحقّق ما قاله الليث من عَصْب الغَزْل وصَبْغه.
وروي عن الحجّاج بن يوسف أنه خطب الناس بالكوفة فقال: لأَعْصِبَنَّكم عَصْب السَّلَمة.
قلت: والسَّلَمة شجرة من الغَضَى ذات شوك، وورقها القَرَظ الذي يُدبغ به الأَدَم، ويعسُر خَرْط ورقها لكثرة شوكها.
ويَعْصِب الخابط أغصانها بحَبْل ثم يَهْصِرها إليه ويخبِطها بعصاه فيتناثر ورقها للماشية ولمن أراد جمعه.
وعَصْبُها: جمع أغصانها بحبل تُمدّ به وتُشَدّ شدًّا شديدًا.
وأصل العَصْب اللَيّ، ومنه عَصْب التَيْس وهو أن يُشدّ خُصْياه شدًّا شديدًا حتى تَنْدُرَا من غير أن تنتزعا نزعًا، أو تُسَلّا سلًّا.
يقال: عَصبْتُ التيس أعصِبه فهو معصوب.
قال ذلك أبو زيد فيما رَوى عنه أبو عبيد.
ومن أمثال العرب: فلان لا تُعْصَب سَلَماته يضرب مثلًا للرجل العزيز الشديد الذي لا يُقهر ولا يُستذَلّ.
ومنه قول الشاعر:
ولا سَلَماتي في بَجِيلة تُعْصَبُ
أبو عبيد عن الأصمعيّ: العَصُوب: التي لا تَدِرّ حتى يُعْصَب فخذاها بحبل، وذلك الحبل يقال له: العِصَاب.
وقد عصبها الحالب عَصْبًا وعِصَابًا.
وقال الشاعر:
فإن صَعُبَتْ عليكم فاعصِبوها *** عِصَابًا تَستدرّ به شديدا
وقال أبو زيد: العَصُوب: الناقة التي لا تَدِرّ حتى يُعْصَب أداني مَنْخِرَيها بخَيط ثم تُثَوَّر ولا تُحلّ حتى تُحلب.
وأما عَصَبة الرجل فهم أولياؤه الذُكور من ورثته، سُمُّوا عَصَبة لأنهم عَصَبوا بنسبه أي استكَفُّوا به، فالأب طَرَف والابن طَرَف والعَمّ جانب والأخ جانب، والعرب تسمّي قرابات الرجل أطرافه، ولمّا أحاطت به هذه القرابات وعَصَبتْ بنسبه سُمّوا عَصَبة.
وكل شيء استدار بشيء فقد عَصَب به.
والعمائم يقال لها: العصائب، واحدتها عِصَابة، من هذا.
وأمَّا العَصَبة فلم أسمع لهم بواحد.
والقياس أن يكون عاصبًا؛ مثل طالب وطَلَبة وظالم وظلَمة.
ويقال أيضًا: عَصَبت الإبلُ بِعَطَنها إذا استكفَّت به؛ قال أبو النجم:
إذ عَصَبت بالعَطَن المغربَل
يعني المدقَّق ترابُه.
ويقال: عَصَب الرجلُ بيتَه أي أقام في بيته لا يبرحه، لازمًا له.
ويقال: عَصَب القَيْن صَدْع الزجاجة بضبَّة من فضَّة إذا لأمها بها محيطة به.
والضبَّة عِصَابة للصَّدْع.
والعَصَبيَّة: أن يدعو الرجل إلى نُصْرة عَصَبته والتألُّب معهم على من يناوئهم، ظالمين كانوا أو مظلومين.
وقد تعصَّبوا عليهم إذا تجمّعوا.
واعصوصب القومُ إذا اجتمعوا.
فإذا تجمّعوا على فريق آخرين قيل: تعصَّبوا.
وقرأت بخطّ شمر أن الزبير بن العوّام لمّا أقبل نحو البصرة سئل عن وجهه فقال:
عَلِقتهم إني خلِقتُ عُصْبَهْ *** قَتَادةً تعلَّقت بنُشبَهْ
قال شمر: وبلغني أن بعض العرب قال:
غلبتهم إني خُلِقتُ نُشْبَهْ *** قتادة ملوِيَّة بعُصْبَهْ
قال: والعُصْبة نبات يتلوّى على الشجر، وهو اللَّبْلاب.
والنُشْبة من الرجال: الذي إذا عبِث بشيء لم يكد يفارقه.
وأنشد لكثيّر:
باديَ الربع والمعارف منها *** غير رَبْع كعُصْبة الأغيال
وروى غيره عن ابن الأعرابي عن أبي الجرّاح أنه قال: العُصْبة: هَنَة تُلَفّ على القَتَادة لا تُنزع عنها إلّا بعد جَهد، وأنشد:
تلبَّس حُبُّها بدمي ولحمي *** تلبُّسَ عُصْبة بفروع ضَالِ
ويقال للرجل إذا كان شديد أسْرِ الخَلْق غير مسترخِي اللحم: إنه لمعصوب ما حُفْضِج.
وقال ابن السكيت: العَصَب عَصَب الإنسان والدابَّة، قال: وحكى لي الكلابيّ: ذاك رجل من عَصَب القوم أي من خيارهم، ونحوَ ذلك قال ابن الأعرابي.
وقال أبو العباس عنه: العَصُوب المرأة الرسحاء، وروى أبو نصر عن الأصمعي والأثرمُ عن أبي عبيدة أنهما قالا: هي العَصُوب والرسحاء والمَسْحاء والرصعاء والمصواء والمزلاق والمزلاج والمِنْداص.
وقال الليث: العَصَب: أطناب المفاصل التي تلائم بينها وتشدُّها وليس بالعَقَب.
ولحم عَصِب: صُلْب شديد.
ويقال للرجل الذي سوّده قومه: قد عصَّبوه فهو معصَّب؛ وقد تعصّب.
ومنه قول المخبَّل في الزبْرِقان:
رأيتك هربَّتِ العِمَامة بعدما *** أراك زمانًا حاسرًا لما تُعَصَّبِ
وهذا مأخوذ من العِصَابة وهي العِمَامة وكانت التيجان للملوك، والعمائم الحمر للسادة من العرب.
ورجل معصَّب ومعمَّم: أي مسوَّد.
وقال عمرو بن كُلْثوم:
وسيد معشر قد عصَّبوه *** بتاج المُلْك يَحْمى المُحْجَرينا
فجعل الملِك معصَّبًا أيضًا لأن التاج أحاط برأسه كالعِصابة التي عَصَبت برأس لابسها.
والعِصابة تقع على الجماعة من الناس والطير والخيل.
ومنه قول النابغة:
عصائب طير تهتدي بعصائب
ويقال: اعتصب التاجُ على رأسه إذا استكَفَّ به.
ومنه قول قيس ذي الرُّقيات:
يعتصب التاجُ فوق مَفْرِقه *** على جبين كأنه الذهب
وكلّ ما عُصِب به كَسْر أو قرح من خرقة أو خَبِيبة فهو عِصاب له.
ويقال لأمعاء الشاء إذا طُوِيت وجمعت ثم جُعلت في حَوِيَّة من حوايا بطنها: عُصُب واحِدُها عَصِيب.
والعصائب: الرياح التي تعصب الشجر
فتدرج فيه؛ قال الأخطل:
مطاعيم تعذُو بالعَبِيط جِفانُهم *** إذا القُرّ ألوت بالعِصَاه عصائبُهُ
وعَصِبت الفِصالُ الإبلَ: تقدَّمتها.
والمعصوب: الكتاب المطويّ.
وقال:
أتاني عن أبي هَرِم وعيد *** ومعصوبٌ تخُبّ به الرِّكابُ
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
205-تهذيب اللغة (صبع)
صبع: أبو عبيد عن أبي عبيدة: صَبَعت بالرجل وصبعت عليه أصْبَع صَبْعًا إذا اغتبْتَه.وصبعت فلانًا على فلان: دللته.
وصبعت الإناء إذا كان فيه شراب فقابلتَ بين إصبعيك ثم أرسلت ما فيه في شيء آخر.
قلت: وصَبْع الإناء أن يُرسل الشراب الذي فيه من طَرَفي الإبهامين أو السبَّابتين لئلا ينتشر فيندفق.
قلت: وهذا كله مأخوذ من الإصبع؛ لأن الإنسان إذا اغتاب إنسانًا أشار إليه بالإصبع.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي: رجل مصبوع إذا كان متكبّرًا.
قال: والصَّبْع: الكِبْر التامّ.
والإصبع: واحدة الأصابع.
وفيها ثلاث لغات حكاها أبو عبيد عن الكسائيّ قال: هي الإصْبَع وَالإصْبِع والأُصْبُع.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دمِيتْ إصبعُه في حفر الخندق فقال:
هل أنت إلا إصبِع دَمِيتِ *** وفي سبيل الله ما لقِيتِ
وإن ذكَّر مذكِّر الإصبع جاز له؛ لأنه ليس فيها علامة التأنيث.
والإصبع: الأثر الحسَن.
يقال: فلان من الله عليه إصبع حَسَنة.
وإنما قيل للأثَر الحسن: إصبع لإشارة الناس إليه بالإصبع.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ أنه قال: إنه لحسن الإصبع في ماله، وحَسَن المَسّ في مالِه أي حسن الأثر.
وأنشد:
أوردها راع مَرِيء الإصبع *** لم تنتشر عنه ولم تَصَدّعِ
وفلان مُغِلّ الإصبع إذا كان خائنًا.
وقال الشاعر:
حدّثتَ نفسك بالوفاء ولم تكن *** للغدر خائنةً مُغِلّ الإصبع
وقيل: إصبع: اسم جبل بعينه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
206-تهذيب اللغة (عصم)
عصم: قال الله جل وعز: {لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود: 43] قال الفرّاء: {مِنَ} في موضع نصب، لأن المعصوم خلاف العاصم والمرحوم معصوم، فكان نصبه بمنزلة قوله: {ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ} [النساء: 157].قال الفرَّاء: ولو جعلت عاصمًا في تأويل معصوم أي لا معصوم اليوم من أمر الله جاز رفع {مِنَ}.
قال: ولا تنكرنّ أن يخرج المفعول على الفاعل، ألا ترى إلى قوله جلّ وعزَّ: {خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ} [الطارق: 6] معناه ـ والله أعلم ـ: مدفوق.
وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس أنه قال: قال الأخفش في قوله: {لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود: 43] يجوز أن يكون: لا ذا عاصمةٍ أي لا معصوم، ويكون {إِلَّا مَنْ رَحِمَ}
رفعًا بدلًا من {لا عاصِمَ}.
قال أبو العباس: وهذا خَلْف من الكلام، لا يكون الفاعل في تأويل المفعول إلا شاذًّا في كلامهم، والمرحوم معصوم والأول عاصم.
و {مِنَ} نَصْب باستثناء المنقطع.
وهذا الذي قاله الأخفش يجوز في الشذوذ الذي لا ينقاس.
وقال الزجَّاج في قوله تعالى: {قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ} [هود: 43] أي يمنعني من الماء.
والمعنى: من تغريق الماء.
قال: {لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} هذا استثناء ليس من الأول وموضع {مِنَ} نَصْب، المعنى: لكن من رحم اللهُ فإنه معصوم.
قال: وقالوا: يجوز أن يكون عاصم في معنى معصوم، ويكون معنى {لا عاصِمَ}: لا ذا عصمة، وتكون {مِنَ} في موضع رفع، ويكون المعنى: لا معصوم إلا المرحوم.
قلت: والحُذَّاق من النحويين اتّفقوا على أن قوله: {لا عاصِمَ} بمعنى لا مانع، وأنه فاعل لا مفعول، وأن {مَنْ} نصب على الانقطاع.
والعِصْمة في كلام العرب: المَنْع.
وعِصْمة الله عبدَه: أن يعصمه ممَّا يُوبِقه.
واعتصم فلان بالله إذا امتنع به.
واستعصم إذا امتنع وأبى، قال الله تعالى حكاية عن امرأة العزيز في أمر يوسف حين راودته عن نفسه: فَاسْتَعْصَمَ [يوسف: 32] أي تأبّى عليها ولم يجبها إلى ما طَلَبت.
قلت: والعرب تقول: أعصمت بمعنى اعتصمت.
ومنه قول أوْس بن حَجَر:
فأشرط فيها نفسه وهو مُعْصِم *** وألقى بأسبابٍ له وتوكّلا
أي: وهو معتصم بالحبل الذي دَلّاه.
ويقال للراكب إذا تقحَّم به بَعيرٌ صَعْب فامتسَك بواسط رَحْله أو بقَرَبوس سَرْجه لئلا يُصرَع: قد أعْصَم فهو مُعْصِم.
وقال الراجز:
أقول والناقةُ بي تَقَحَّمُ *** وأنا منها مُكْلئزّ مُعْصِم
وروى أبو عُبيد عن أبي عمرو: أعصم الرجل بصاحبه إعصامًا إذا لزِمه، وكذلك أخلد به إخلادًا.
وقال ابن المظفر: أعصم إذا لجأ إلى الشيء وأعصم به.
وقول الله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ} [آل عمران: 103] أي تمسَّكوا بعهد الله.
وكذلك قوله: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ} [آل عمران: 101] أي من يتمسَّك بحبله وعهده.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر النساء المختالات المتبرِّجات فقال: «لا يدخل الجنَّة منهن إلّا مِثْلُ الغراب الأعصم».
قال أبو عبيد: الغراب الأعصم: هو الأبيض اليدين.
ومنه قيل للوُعُول: عُصْم، والأنثى منهنّ عَصْماء والذكر أعصم، لبياض في أيديها.
قال: وهذا الوصف في الغربان عزيز لا يكاد يوجد، وإنما أرجلها حُمْر.
قال: وأمَّا هذا الأبيض الظهرِ والبطن فهو الأبقع، وذلك كثير، قال: فيرى أن معنى الحديث: أن من يدخل الجنَّة من النساء قليل كقِلَّة الغِربان العُصْم عند الغِربان السُود والبُقْع.
قلت: وقد ذكر ابن قتيبة
هذا الحديث فيما رَدَّ على أبي عُبَيد، وقال: اضطرب قولُ أبي عبيد، لأنه زعم أن الأعصم هو الأبيض اليدين، ثم قال: وهذا الوصف في الغِربان عزيز لا يكاد يوجد وإنما أرجلها حمر، فذكر مرّة اليدين ومرّة الأرجل.
قلت: وقد جاء الحرف مفسَّرًا في خبر أظنّ إسناده صالحًا، حدّثنَا محمد بن إسحاق قال: حدثنا الرماديّ حدَّثنا الأسود ابن عامر حدّثنا حمَّاد بن سَلَمة عن أبي جعفر الخَطْمِيّ عن عُمَارة بن خُزيمة قال: بينا نحن مع عمرو بن العاص فعدل وعدلنا معه حتى دخلنا شِعْبًا، فإذا نحن بِغربان وفيها غراب أعصم أحمر المنقار والرجلين، فقال عمرو: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنَّة من النساء إلَّا قَدْرُ هذا الغراب في هؤلاء الغربان قلت فقد بان في هذا الحديث أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إلّا مثل الغراب الأعصم» أنه أراد الأحمر الرجلين لقلّته في الغربان، لأن أكثر الغربان السُود والبُقْع.
ورُوي عن ابن شميل أنه قال: الغراب الأعصم: الأبيض الجناحين.
والصواب ما جاء في الحديث المفسَّر.
والعرب تجعل البياض حمرة فيقولون للمرأة البيضاء اللون: حمراء، ولذلك قيل للأعاجم: حُمْر لغلبة البياض على ألوانهم.
وأمَّا الأعصم من الظباء والوُعُول فهو الذي في ذراعيه بياض، قاله الأصمعيّ وغيره.
وأمَّا العُصْمة في الخيل فإن أبا عُبيدة قال: إذا كان البياض بيديه دون رجليه فهو أعصم، فإذا كان بإحدى يديه دون الأخرى قيل: أعصم اليمنى أو اليُسرى.
وقال ابن شُمَيْل: الأعصم: الذي يصيب البياضُ إحدى يديه فوق الرُسْغ.
وقال الأصمعيّ: إذا ابيضَّت اليد فهو أعصم.
وقال ابن المظفَّر: العُصْمة: بياض في الرُّسْغ.
قال: والأعصم: الوَعِل، وعُصْمته: بياض شِبْه زَمَعة الشاة في رجل الوَعِل في موضع الزَّمَعة من الشاء.
قال: ويقال للغراب: إذا كان ذلك منه أبيض، وقلَّما وجد في الغربان كذلك.
قلت: وهو الذي قاله الليث في نعت الوَعِل أنه شِبْه الزَمَعة تكون في الشاء مُحال، إنما عُصْمة الأوعال بياض في أذرعها لا في أوظفتها، والزَمَعة إنما تكون في الأوظفة.
والذي يغيّره الليث من تفسير الحروف أكثر مما يغيّره من صُوَرها، فكن على حذَر من تفسيره؛ كما تكون على حَذَر من تصحيفه.
وقال الليث: أعصام الكلاب: عَذَباتها التي في أعناقها، الواحدة عَصَمة، ويقال: عِصَام، قال لبيد:
خُضْعا دواجنَ قافلًا أعصامُها
وقال أبو عبيد: العِصَام: رِبَاط القِرْبة.
قال: وقال الكسائي: أعصمْتُ القربة إذا شددتها بالوِكَاء.
قلت: والمحفوظ من العرب في عُصُم المَزَاد أنها الحِبَال التي تُنْشَب في خُرَب الروايا وتُشدّ بها إذا عُكِمت على ظهر البعير، ثم يُرَوَّى عليها بالرِّوَاء، والواحد عِصَام.
فأمَّا الوِكاء فهو الشَرِيط الدقيق أو السَيْر الوثيق يُوكَى به فمُ القِرْبة والمَزَادة.
وهذا كلّه صحيح لا ارتياب فيه.
وقال الليث: عِصام الدَلْو:
كلّ حَبْل يعصَم به شيء فهو عِصامه.
قال: والعُصُم: طرائق طَرَف المزادة عند الكُلْية، والواحد عِصام.
قلت: وهذا من أغاليط الليث وغُدَده.
وقال الليث: العِصام: مُسْتدَقّ طرف الذَنَب والجميع الأَعْصِمة.
ووجدت لابن شُمَيل قال: الذَنَب بهُلْبه وعَسِيبه يسمى العِصَام بالصاد.
قلت: وقد قال الليث فيما تقدَّم من باب العين والضاد: العضام: عَسِيب البعير وهو ذَنَبه العَظْم لا الهُلْب.
قال: والعدد القليل أعضمة والجميع العُضُم.
قلت: وقال غيره: فيها لغتان بالضاد والصاد، والله أعلم.
وأما مِعْصما المرأة فهما موضعا السوَارين من ساعديها.
ومنه قول الأعشى:
فأرتْك كفًّا في الخِضَا *** ب ومِعْصَمًا مِلْءَ الجِبارة
ويقال: هذا طعام يَعْصِم أي يمنع من الجوع.
وروى أبو عبيد عن أبي عمرو الشيباني قال: العَصِيم: بقيَّة كل شيء وأثره، من القِطران والخِضاب ونحوه.
وأنشد الأصمعيّ:
يصفرّ لليُبْس اصفرار الوَرْسِ *** من عَرَق النَضْح عَصِيمُ الدَرْس
قال: وسمعتُ امرأة من العرب تقول لأخرى: أعطيني عُصُم حِنّائك.
تعني ما بقي منه بعد ما اختضَبَت به.
وقال ابن المظفر: العَصيم: الصَدَأ من العَرَق والهِنَاء والدرَز والوسخ والبول إذا يبس على فخذ الناقة حتى يبقى كالطريق خُثُورة.
وأنشد:
وأضحى عن مواسمهم قتيلًا *** بلَبَّته سرائحُ كالعَصِيم
وقال أبو عُبيد: قال الأصمعي: العُصْم: أثر كل شيء من وَرْس أو زعفران ونحوه.
وقال الليث: عِصَاما المِحْمَل: شِكاله وقَيْده الذي يُشَدّ في طَرَف العارضين في أعلاهما.
قلت: عِصَاما المحمل كعِصَامي المزادتين.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَيْصُوم من النساء: الكثيرة الأكل الطويلة النوم المُدَمدِمة إذا انتبهَت.
وقال أبو عمرو: رجل عَيْصوم وعَيْصام إذا كان أكولًا.
وأنشد ابن الأعرابي:
أُرجدَ رأسُ شَيْخَةٍ عيصوم
وروى بعضهم عن المؤرّج أنه قال: العِصَام: الكُحْل في بعض اللغات، وقد اعتصمت الجاريةُ إذا اكتحلتْ.
قلت: ولا أعرف روايته عن المؤرّج.
فإن صحَّت الرواية عنه فهو ثِقَة مأمون.
والعَصِيم: شعر أسود ينبت تحت الوَبَر.
والمُعْصَم: الجِلْد الذي يجِفُّ بشعره ولم يُعطن لأنه أُعسم أي أُلزم شعره.
يقال: أعصمْنا الإهابَ وإهاب عَصِيم وأُهُب عُصُم، وذلك من أجود الأساقي.
ودفَعته إليه بعُصْمته أي برُمَّته.
والعَنْز تسمَّى مِعْصَمًا لبياض في كُرَاع يدها.
قال أحمد بن يحيى: العرب تسمي الخُبْز عاصمًا وجابرًا وأنشد:
فلا تلوميني ولومي جابرا *** فجابر كلَّفني الهواجرا
ويسمّونه عامرًا.
وأنشد:
أبو مالك يعتادني في الظهائرِ *** يجيء فيُلقِي رحله عند عامر
أبو مالك: الجوع.
وفي الحديث أن جبريل عليهالسلام جاء على فرس أنثى يوم بَدْر وقد عَصَم بثنِيَّته الغُبارُ.
قال القُتَيْبِي: صوابه: عَصَب أي يبِس الغبار عليها.
وقال غيره: يقال: عَصَب الريق بفيه وعَصَم، والباء والميم يتعاقبان في كثير من الحروف.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
207-تهذيب اللغة (سعد)
سعد: رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في افتتاح الصلاة: «لبَّيك وسَعْديك، والخير في يديك، والشرّ ليس إليك».قلت: وهذا خبر صحيح، وحاجة أهل العلم إلى معرفة تفسيره ماسَّة.
فأما لبَّيك فهو مأخوذ من لَبَّ بالمكان وألَبَّ أي أقام به، لَبًّا وإلبابًا، كأنه يقول: أنا مقيم في طاعتك إقامة بعد إقامة، ومجيب لك إجابة بعد إجابة.
وأخبرني المنذريّ عن الحَرّانيّ عن ابن السكيت في قوله: «لبَّيك وسعديك»، تأويله إلبابًا بعد إلباب أي لزومًا لطاعتك بعد لزوم، وإسعادًا لأمرك بعد إسعاد.
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: سَعْدَيك أي مساعدة لك ثم مساعدة وإسعادًا لأمرك بعد إسعاد.
وقال ابن الأنباري: معنى سعديك أسعدك الله إسعادًا بعد إسعاد.
قال: وقال الفرَّاء: لا واحد للبَّيك وسعديك على صحة.
قال: وحنانيك: رحمك الله رحمة بعد رحمة.
قلت: وأصل الإسعاد والمساعدة متابعة العبد أمر ربّه.
وقال سيبويه: كلام العرب على المساعدة والإسعاد، غير أن هذا الحرف جاء مثنَّى على سَعْديك ولا فعل له على سَعَد.
قلت: وقد قرىء قول الله جلّ وعزَّ: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} [هود: 108] وهذا لا يكون إلّا من سَعَده الله لا من أسعده، وبه سُمّي الرجل مسعودًا.
ومعنى سَعَده الله وأسعده أي أعانه ووفَّقه.
وأخبرني المنذريّ عن أبي طالب النحويّ أنه قال: معنى قولك لبَّيك وسعديك أي أسعدني الله إسعادًا بعد إسعاد.
قلت: والقول ما قال أبو العباس وابن السكيت، لأن العبد يخاطب ربَّه ويذكر طاعته له ولزومه أمره، فيقول: سعديك كما يقول: لبَّيك أي مساعدة لأمرك بعد مساعدة.
وإذا قيل: أسعد الله العبدَ وسَعَده فمعناه: وفَّقه الله لما يرضيه عنه فيَسْعد بذلك سعادة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا إسعاد في الإسلام».
وتأويله أن نساء أهل الجاهلية كنّ إذا أُصيبت إحداهن بمصيبة فيمن يَعِزُّ عليها بكته حولًا، ويُسعدها على ذلك جاراتُها وذوات قراباتها، فيجتمعن معها في عِداد النياحة وأوقاتها ويتابعنها ويساعدنها ما دامت تنوح عليه وتبكيه، فإذا أصيب صواحباتها بعد ذلك بمصيبة أسعدتهنّ بعد ذلك، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الإسعاد.
والساعد ساعد الذراع وهو ما بين الزَنْدين والمِرْفَق، سمّي ساعدًا لمساعدته الكف إذا بَطَشَت شيئًا أو تناولته.
وجمع الساعد سواعد.
وساعد الدَّرّ ـ فيما أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي ـ: عِرْق ينزل الدَّر منه إلى الضرْع من الناقة.
وكذلك العِرْق الذي يؤدّي الدَرّ إلى ثَدْي امرأة يسمَّى ساعدًا.
ومنه قوله:
ألم تعلمي أن الأحاديث في غد *** وبعد غد يا لُبْنَ ألْبُ الطرائد
وكنتم كأُمٍّ لَبَّةٍ ظَعَن ابنُها *** إليها فما درّت عليه بساعد
قال: رواه المفضل: طعن ابنها بالطاء أي
شخص برأسه إلى ثَدْيها كما يقال: طعن هذا الحائط في دار فلان أي شخص فيها.
وقال أبو عبيد: قال أبو عمرو: السواعد مجاري البحر التي تَصُبّ إليه الماء، واحدها ساعد بغير هاء، وأنشد شمر:
تأبّد لَأْيٌ منهمُ فعُتائدهْ *** فذو سَلَم أنشاجُه فسواعدُهْ
والأنشاج أيضًا: مجاري الماء، واحدها نَشَج.
وساعدة من أسماء الأسد معرفة لا ينصرف، وكذلك أسامة.
وسَعِيد المزرعةِ نهرها الذي يسقيها.
وقال ابن المظفَّر: السَّعْد ضدّ النَحْس، يقال: يوم سَعْد ويومُ نَحْسٍ.
قال: وأربعة منازل من منازل القمر تسمَّى سُعُودًا، منها سعد الذابح وسعد بُلَعَ وسعد السُّعُودِ وسعد الأخبيةِ.
وهذه كلها في بُرْجَيِ الدلْو والجَدْي.
وقال ابن كُناسة: سعد الذابِح: كوكبان متقاربان سمّي أحدهما ذابحًا لأن معه كوكبًا صغيرًا غامضًا يكاد يلزَق به فكأنه مكِبّ عليه يَذبحه والذابح أنور منه قليلًا، قال: وسعد بُلَعَ: نجمان معترضان خفيّان.
قال أبو يحيى: وزعمت العرب أنه طلع حين قال الله عزوجل: {يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي} [هود: 44] ويقال: إنما سمّي بُلَع لأنه كأنه لقرب صاحبه منه يكاد أن يبلعه.
قال: وسعد السعود: كوكبان، وهو أحمد السعود ولذلك أضيف إليها.
وهو يُشْبه سعد الذابح في مطلعه.
وسعد الأخبية: ثلاثة كواكب على غير طريق السعود مائلة عنها، وفيها اختلاف وليست بخفيّة غامضة، ولا مضيئة منيرة.
سميت سعد الأخْبِية لأنها إذا طلعت خرجت حَشَرَاتُ الأرض وهَوَامُّها.
من جِحَرتها، جُعِلت لها كالأخبية.
وفيها يقول الراجز:
قد جاء سعد مقبلًا بحَرّه *** راكدة جنودُه لشرّه
فجعل هوامّ الأرض جنود السعد الأخبية وهذه السعود كلها يمانِيَة، وهي من نجوم الصيف وهي من منازل القمر تطلع في آخر الربيع وقد سكنت رياح الشتاء ولم يأت سلطانُ رياح الصيف، فأحسن ما تكون الشمس والقمر والنجوم في أيامها، لأنك لا ترى فيها غَبَرة.
وقد ذكرها الذبياني فقال:
قامت تَرَاءَى بين سِجْفَيْ كِلَّة *** كالشمس يوم طلوعها بالأسعُد
والسُّعُود مصدر كالسعادة؛ قال:
إن طول الحياة غير سُعود *** وضلالًا تأميل نَيْل الخلود
وفي المثل:
أوردها سعد وسعد مشتمل
يضرب مثلًا في إدراك الحاجة بلا مشقَّة، أي أوردها الشرِيعة ويوردها بئرًا يحتاج إلى أن يَستقي منها بالدُلِيّ.
ومثله: أهون السَّقْي التشريع.
وقال ابن المظفّر: يقال سعِد يَسْعد سَعْد أو سعادة فهو سعيد، نقيض شقِي.
وجمعه السعَداء.
ويقال: أسعده الله وأسعد جَدَّه.
قلت: وجائز أن يكون سعيد بمعنى مسعود من سَعَده الله؛
ويجوز أن يكون من سَعِد يَسْعَد فهو سعيد.
والسَّعْدانُ: نبت له شَوْك كأنه فَلْكة، يَسْلَنْقِي فتنظر إلى شوكه كالحًا إذا يبِس، ومنبتِه سهولة الأرض.
وهو من أطيب مراعي الإبل ما دام رَطْبًا.
والعرب تقول: أطيب الإبل ألبانًا ما أكل السَّعْدان والحُرْبُث.
وخلَّط الليث في تفسير السعدان، فجعل الحَلَمة ثمر السعدان، وجعل حَسَكًا كالْقُطب، وهذا كله غلط.
القُطْب: شوك غير السعدان يشبه الحَسَك والسَّعْدان مستدير شوكه في وجهه.
وأمَّا الحَلَمة فهي شجرة أخرى وليست من السَّعْدان في شيء وواحدة السَّعْدان سَعْدانة.
وسَعْدانة الثَدْي: ما أطاف به كالفَلْكة.
وقال أبو عبيد: العُقَد التي في أسفل الموازين يقال لها: السعدانات.
قال: والسَّعْدانة: عُقْدة الشسْع ممَّا يلي الأرض والقِبالُ مثل الزمام بين الإصبع الوسطى والتي تليها؛ قال ذلك كله الأصمعيّ.
وقال أبو زيد: السَّعْدانة أيضًا كِرْكِرة البعير، سمّيت سَعْدانة لاستدارتها.
والسعدانة: الحَمَامة أيضًا.
وسعدانة الإست: حِتَارها، وأمَّا قول الهذليّ يصف الظليم:
على حَتّ البُرَاية زَمْخَرِيّ الس *** واعد ظَلَّ في شَرْي طِوال
فقد قيل: سواعد الظليم: أجنحته؛ لأن جناحيه له كاليدين.
وقال الباهليّ: السواعد: مجاري المُخّ في العظام.
قال: والزمخريّ من كل شيء: الأجوف مثل القَصَب، وعظام النَعَام جُوف لا مُخَّ فيها.
والحتّ السريع، والبُرَاية، البقيَّة، يقول: هو سريع عند ذهاب بُرَايته أي عند انحسار لحمه وشحمه.
وقال غيره: الساعدة: خشبة تُنْصَب لتمسِك البَكْرة.
وجمعها السواعد.
وقال الأصمعيُّ: السواعد: قَصَب الضَرْع.
وقال أبو عمرو: هي العروق التي يجيء منها اللبن، شُبِّهت بسواعد البحر وهي مجاريها.
أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: السَّعِيد: النهر وجمعه سُعُد وأنشد:
وكأن ظُعْن الحيّ مُدْبِرة *** نخل مَوَاقرُ بينها السُّعُد
قال: السُّعُد ههنا: الأنهار واحدها سعيد قال: ويقال لِلَبْنة القميص سعيدة.
والسُّعْد: نبت له أصل تحت الأرض أسود طيّب الريح.
والسُّعادَى: نبت آخر.
وقال الليث: السُّعادى: بنت السُّعد.
ومن أمثال العرب: مَرْعًى ولا كالسَّعدان يريدون أن السعدان من أفضل مراعيهم.
والسُّعُود في قبائل العرب كثير، وأكثرها عددًا سعدُ بن زيد مَنَاة بن تميم.
ومنها بنو سعد بن بكر في قيس عَيْلان، ومنها سعد هُذَيم في قُضاعة.
ومنها سعد العَشِيرة.
وبنو ساعدة في الأنصار.
ومن أسماء الرجال سعد ومسعود وسَعِيد وأسعد وسُعَيد وسَعْدان.
ومن أسماء النساء سُعَاد وسُعْدَى وسَعِيدة وسَعْدِيَّة وسُعَيْدة.
ومن أسماء الرجال مُسْعَدة.
والسُّعْد: ضرب من التمر؛ قال أوس:
وكأن ظُعْنَ الحيّ مُدْبرة *** نخل بزارة حَمْلها السُعُد
والسَّعَادة: رُقعة تزاد في الدَلْو ليتَّسع ساعد المزادة.
وتسمَّى زيادة الخفّ وبنائق القميص سعادة.
وخرج القوم يتسعَّدون أي يطلبون مراعيَ السعدان.
والسَّعْدانة: اللّحَمات النابتات من الحلق.
قال:
جاء على سعدانة الشيخ المُكِلّ
يعني الفالوذ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
208-تهذيب اللغة (تعس)
تعس: أبو عُبَيد عن أبي عُبَيدة: تَعَسه الله وأتعسه في باب فَعَلت وأفعلت بمعنى واحد.وقال شمر ـ فيما أخبرني عنه أبو بكر الإياديّ ـ: لا أعرف تَعَسه الله، ولكن يقال: تَعِس بنفسه وأتعسَه الله.
قال: وقال الفرّاء: يقال: تَعَستَ إذا خاطبت الرجل، فإذا صرت إلى أن تقول: فَعَل قلت: تعِس بكسر العين.
قال شمر: وهكذا سمعته في حديث عائشة حين عَثَرت صاحبتها أمّ مِسْطح فقالت: تعِس مِسْطَح.
قال: وقال ابن شميل: تَعَسْت كأنه يدعو على صاحبه بالهلاك.
قال وقال بعض الكلابيّين: تعَس يتعَس تَعْسًا وهو أن يخطىء حُجَّته إن خاصم، وبُغْيَته إن طَلَب وقال: تَعِس فما انتعش، وشِيك فما انتقش، أبو دواد عن النضر قال: تَعَس: هلك، والتَّعْس: الهلاك.
ابن الأنباريّ: قال أبو العباس معناه في كلامهم: الشرّ.
وقيل: التَّعْس: البعد.
وقال الرُسْتُمي: التَّعْس: أن يخِرّ على وجهه، والنُكْس أن يخِرّ على رأسه.
والتَّعْس أيضًا: الهلاك.
وأنشد:
وأرماحهم يَنْزَهْنَهُمْ نَهْزَ جُمَّة *** يقلن لمن أدركن تَعْسًا ولا لعا
وقال الليث: التَّعْس: ألَّا ينتعش من عَثْرته، وأن يُنكس في سَفَال.
ويدعو الرجل على بعيره الجوادِ إذا عثر فيقول: تَعْسًا، فإذا كان غير جَوَاد ولا نجيب فعثَر قال له: لَعًا.
ومنه قول الأعشى:
بذات لَوث عَفَرْنَاةٍ إذا عَثَرتْ *** فالتَّعْس أدنى لها من أن أقول لَعا
وقال أبو إسحاق في قول الله جل وعز: {فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ} [محمد: 8]: يجوز أن يكون نَصْبًا على معنى: أتعسهم الله قال: والتَّعْس في اللغة: الانحطاط والعثور.
قال أبو منصور وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال: قال أبو عمرو بن العلاء: تقول العرب:
الوَقْس يُعدى فتعدّ الوَقْسا *** من يَدْنُ للوَقْس يلاقِ تَعْسا
قال: والوقْس: الجَرَب، والتَّعْس الهلاك.
وتعدَّ أي تجنَّب وتنكب.
كله سواء).
ع س ظ ـ ع س ذ ـ ع س ث:
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
209-تهذيب اللغة (عسل)
عسل: قال الله جل وعز: {وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد: 15] فالعسل الذي في الدنيا هو لُعَاب النَّحْل.وجعل الله بلطفه {فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ}.
والعرب تسمّي صَمْغ العُرْفُط عَسَلًا لحلاوته وتسمِّي صَقْر الرُّطَب ـ وهو ما سال من سُلَافته ـ عَسَلًا.
وأخبرني عبد الملك عن الربيع عن الشافعي أنه قال: عَسَل النحل هو المنفرد بالاسم دون ما سواه من الحُلْو المسمَّى به على التشبيه.
قال: والعرب تقول للحديث الحُلْو: معسول.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة سألته عن زوج تزوَّجته لترجع به إلى زوجها الأوّل الذي طلَّقها فلم ينتشر ذكره للإيلاج فقال لها: «أتريدين أن ترجعي إلى رِفَاعة؟ لا حتى تذوقي عُسَيلته ويذوق عُسَيلتك»، يعني جماعها، لأن الجماع هو المستحلَى من المرأة.
وقالوا لكل ما استحلَوْا: عَسَلٌ ومعسول، على أنه
يُسْتحلى استحلاء العَسَل.
وقال غيره في قوله: «حتى تذوقي عُسَيلته ويذوق عُسَيْلتك»: إن العُسَيلة: ماء الرجل.
قال: والنطْفة تسمَّى العُسَيلة، رَوَى ذلك شمر عن أبي عدنان عن أبي زيد الأنصاريّ: قلت: والصواب ما قاله الشافعي؛ لأن العُسَيلة في هذا الحديث كناية عن حلاوة الجماع الذي يكون بتغييب الحَشَفة في فرج المرأة، ولا يكون ذَوَاق العُسَيلتين معًا إلا بالتغييب وإن لم يُنزِلا، ولذلك اشترط عُسَيلتهما.
وأنَّت العُسَيلة لأنه شبَّهها بقطعة من العَسَل.
وهذا كما تقول: كنّا في لَحْمَة ونَبِيذة وعَسَلة أي في قطعة من كل شيء منها.
والعرب تؤنّث العَسَل وتذكّره.
قال الشمَّاخ:
كأن عيون الناظرين تشوفها *** بها عسل طابت يَدًا من يشورُها
أي: تشوف العيونُ والأبصار بها هذه المرأة.
قال ذلك ابن السكيت.
والعَسَّالة: الخليَّة التي تسَوَّى للنحل من راقود وغيره فتعسِّل فيه.
يقال: عسّل النحلُ تعسيلًا.
والذي يَشتار العسل فيأخذه من الخليَّة يسمَّى عاسلًا.
ومنه قول لبيد:
وأرْيِ دُبُورٍ شارَهُ النحلَ عاسلُ
ومن العرب من يذكّر العَسَل، لغة معروفة.
والتأنيث أكثر.
وعَسَل اللُبْنَى: صَمْغ يَسيل من شجر اللبنى لا حلاوة له: يسمَّى عَسَل اللبنى.
وحدّثنا الحسين بن إدريس حدثنا عثمان ابن أبي شَيبة عن زيد بن الحُبَاب عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جُبَيْر بن نُفَير عن أبيه قال: سمعت عمرو بن الحَمِق يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبد خيرًا عَسَله»: قيل: يا رسول الله وما عَسَله؟ قال: «يَفتح له عملًا صالحًا بين يدي موته حتى يرضى عنه مَن حوله».
ورَوَى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: العَسَل: طِيب الثناء على الرجل.
قال: ومعنى قوله: «إذا أراد الله بعبد خيرًا عَسَله» أي طيَّب ثناءه.
وقال غيره: معنى قوله: عَسَله أي جعل له من العمل الصالح ثناء طيّبًا كالعَسَل؛ كما يُعْسَل الطعام إذا جُعل فيه العَسَل.
يقال: عَسَلت الطعامَ والسَّوِيقَ أعْسِله وأعسُله إذا جعلت فيه عَسَلًا وطيَّبتْه وحلَّيته.
ويقال أيضًا: عَسَلت الرجلَ إذا جعلت أُدْمه العَسَل.
وعسَّلت القوم ـ بالتشديد ـ إذا زوّدتهم العَسَل.
وجارية معسولة الكلام إذا كانت حُلْوة المنطق مليحة اللفظ طيّبة النَّغْمة.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: العَسَل: حَبَاب الماء إذا جرى من هبوب الريح.
قال: والعُسُل: الرجال الصالحون.
قال: وهو جمع عاسل وعَسُول.
قال: وهو ممَّا جاء على لفظ فاعل وهو مفعول به.
قلت: كأنه أراد: رجل عاسل: ذو عَسَل أي ذو عمل صالحٍ، الثناءُ عليه به مستحلَى كالعسل.
وقال الفرّاء: العَسِيل: مِكْنسة الطِّيب.
والعَسِيل: الريشة التي تُقلع بها الغالية.
والعَسِيل أيضًا: قضيب الفيل وجمعه كلّه عُسُل.
وأنشد الفرّاء:
فرِشْني بخير لا أكونَنْ ومِدْحتي *** كناحتِ يومًا صخرةٍ بعَسِيل
قال: أراد: كناحتٍ صخرةً بعسيل يومًا، هكذا أنشد فيه المنذريّ عن أبي طالب عن أبيه عن الفرّاء.
ومثله قول أبي الأسود:
فألفيتُه غير مستعتِب *** ولا ذاكِر اللهَ إلا قليلًا
قال ابن الأنباريّ: أراد: ولا ذاكرٍ الله، وأنشد الفرّاء أيضًا:
ربّ ابن عم لسُلَيمى مشمعلّ *** طبّاخ ساعات الكرى زادَ الكَسِل
أبو عبيد عن أبي عبيدة قال: رُمْح عاسل وعَسَّال: مضطرِب لَدْن، وهو العاتر، وقد عَتَر وعَسَل.
وقال الليث: العَسِل: الرجل الشديد الضرب السريع رَجْعِ اليد بالضرب.
وأنشد:
تمشي موائلة والنفس تنذِرها *** مع الوبيل بكف الأهوج العسِل
فلان أخبث من أبي عِسْلة ومن أبي رِعْلة ومن أبي سِلعامة ومن أبي مُعْطة كلّه الذئب.
ويقال: عَسَل الذئب يعسِل عَسْلًا وعَسَلانًا وهو سرعة هِزّته في عَدْوه.
وقال الجعديّ:
عَسَلانَ الذئب أمسى قاربًا *** بَرَد الليلُ عليه فنسَلْ
ويقال: رجل عِسْل مال كقولك: إزَاء مال وخال مال.
ابن السكيت يقال: ما لفلان مَضْرِب عَسَلة يعني: أعراقه.
وقال غيره: أصل ذلك في سُؤر العسل ثم صار مثلًا للأصل والنسَب.
ويقال: بَسْلاله وعَسْلًا وهو اللَّحْي في الملام.
شمر عن أبي عمرو: يقال: عَسَلْت من طعامه عَسْلًا أي ذقت.
ويقال: هو على أعسال من أبيه وأعْسان أي على أثَر من أثره، الواحد عِسْل وعِسْن.
وهذا عِسْل هذا وعِسْنه أي مِثله.
والعَسْل: الحَلْب بستّين، والفَطْر: الحَلْب بثمانين.
والعواسل: الريَاح.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
210-تهذيب اللغة (علس)
علس: أخبرني عبد الملك عن الربيع عن الشافعي قال: العَلَس: ضَرْب من القمح، يكون في الكمام منه حبَّتان، يكون بناحية اليمن.ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَدَس يقال له: العَلَس: أبو عبيد عن الأصمعيّ: يقال للقُرَاد: العَلّ وقال شمر: والعَلُس مثلُه، وجمعه أعلال وأعلاس.
قال أبو عبيد: وقال الأموي: ما ذقت عَلُوسًا.
وقال الأحمر: ما ذقت عَلُوسًا ولا ألُوسًا أي ما ذقت طعامًا.
ابن السكيت عن الكِلَابيّ قال: ما عَلَسْنا عندهم عَلُوسًا.
وقال ابن هانىء، ما أكلت اليوم عَلَاسًا، وقد عَلَسَتِ الإبلُ تعلِس إذا أصابت شيئًا تأكله.
وقال الليث: العَلْس: الشُّرْب، يقال: عَلَس يَعْلِس إذا أصابت شيئًا تأكله.
وقال الليث: العَلْس: الشُّرْب، يقال: عَلَس يَعْلِس عَلْسًا.
والعَلِيس: شِوَاء مَسْمون.
قلت: العَلْس: الأكل، وقلَّما يُتَكلّمِ به بغير حرف النفي.
وأخبرني الإياديّ عن شمر قال: العَلَسيُ الحَمل الشديد.
وأنشد قول المَرّار:
إذا رآها العَلَسيّ أبلسا *** وعَلَّق القوم أداوَى يُبَّسا
وقال أبو عمرو: العَلَسِيّ: شجرة المَقْرِ.
وقال أبو وَجْزة السعديّ:
كَأَنَّ النُّقْدَ والعَلَسيَ أجنى *** ونعَّم نبته واد مطيرُ
وقال أبو عمرو: العَلِيس: الشوَاء المنضَج.
وقال ابن السكيت عن الكلابيّ: رجل مجرَّس ومُعَلَّس ومنقَّح ومقلَّح أي مجرَّب.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
211-تهذيب اللغة (عفس)
عفس: أبو عبيد: عفست الرجل عَفْسًا: إذا سجنته.وقال الرياشي ـ فيما أفادني المنذري له ـ: العَفْس: الكَدّ والإتعاب.
وقال شمر: العَفْس الإذالة والاستعمال.
وقال العجّاج:
كأنه من طول جَذْع العَفْس *** يُنحَت من أقطاره بفأس
وقال الليث: العَفْس: شدّة سَوْق الإبل.
وأنشد:
يَعفِسها السوَّاقُ كل مَعْفَس
قال: الإنسان يَعفِسُ المرأةَ برجله إذا ضربها على عَجِيزتها يعافسها وتعافسه.
وقال غيره: المعافسة: الممارسة: فلان يعافس الأمور أي يمارسها ويعالجها.
والعِفَاس: العِلاج.
والعِفَاس: اسم ناقة ذكرها الراعي في شعره فقال:
بمَحْنِية أشلى العِفَاس وبَرْوعا
وقال ابن الأعرابي: العِفَاس والمعافسة: المعالجة.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي: يقال: عَفَسته وعكسته وعَتْرسته إذا جذبته إلى الأرض فضغطته إلى الأرض ضغطًا شديدًا.
قال: وقيل لأعرابيّ: إنك لا تحسن أكل الرأس، فقال: أما والله إني لأعفس أذنيه، وأفكّ لَحْييه وأسْحَى خدَّيه وأرمي بالمخّ إلى من هو أحوج مني إليه.
قلت: أجاز ابن الأعرابي الصاد والسين في هذا الحرف.
العِيَفْس: الغليظ.
قال حُمَيد الأرقط:
وصار ترجيم الظنون الحَدْس *** وتَيَهان التائه العِيَفْس
وثوب معفَّس: صبور على البِذْلة، ومعفوس: خَلَق.
وقال رؤبة:
بَدَّل ثوبَ الجِدَّة الملبوسا *** والحُسْن منه خَلَقًا معفوسا
والمَعْفِس: المفصِل.
وقال الحميريّ:
فلم يبق إلا مَعْفِس وعِجَانها *** وشُنْتُرَة منها وإحدى الذوائب
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
212-تهذيب اللغة (سعف)
سعف: أبو العباس عن ابن الأعرابي: السُّعُوف: جِهاز العَروس، والعُسُوف: الأقداح الكبار وأخبرني المنذريّ عن الخرَّاز عن ابن الأعرابي أنه قال: كل شيء جاد وبَلَغ من عِلْق أو مملوك أو دار ملكْتها فهو سَعَف.يقال للغلام: هذا سَعَف سَوْءٍ.
وقال ابن الأعرابي: والسُّعُوف: طبائع الناس من الكَرَم وغيره
يقال: هو طيّب السُّعُوف أي الطبائع، لا واحد لها.
وفلان مسعوف بحاجته أي مُسْعَف.
قال الغنويِّ:
فلا أنا مسعوف بما أنا طالب
والسُّعَاف: شُقَاق في أسفل الظُّفُر.
وتسعف أطراف أصابعه أي تشقّقت وقال أبو عمرو: يقال للضرائب: سُعُوف.
قال: ولم أسمع لها بواحد من لفظها.
قال: والسَّعَف ـ محرّك ـ: جِهاز العروس.
الحرَّاني عن ابن السكيت: السَّعَف: داء في أفواه الإبل كالجَرَب، بعير أسعف، والسَّعَف: وَرَق جَرِيد النخل الذي يسَفَّ منه الزُبْلان والجِلال والمراوح وما أشبهها.
ويجوز السعف.
والواحدة سَعَفة.
وقال الليث: أكثر ما يقال له السَّعَف إذا يبس، وإذا كانت رَطْبة فهي الشَّطْبة.
قلت: ويقال للجَرِيد نفسه سَعَف أيضًا، وواحدة الجريد جَرِيدة.
وتجمع السَّعَفة سَعَفًا وسَعَفات.
الحرَّاني عن ابن السكيت: يقال: في رأسه سَعْفة ـ ساكنة العين ـ وهو داء يأخذ الرأس.
وقال أبو حاتم: السَعْفة يقال لها: داء الثعلب، تورِث القَرَع، والثعالب يصيبها هذا الداء، فلذلك نُسب إليها.
أبو عبيد عن الكسائي: سَعُفت يدُه وسَعِفت وهو التشعّث حول الأظفار والشُّقَاق.
قال: وقال أبو زيد: ناقة سَعْفاء وقد سَعِفت سَعَفًا، وهو داءٌ يتمعَّط منه خُرطومها ويسقط منه شعر العين قال: وهو في النوق خاصَّة دون الذكور.
قال: ومثله في الغنم الغَرَب.
وقال أبو عبيدة في كتاب «الخيل»: من شيات نواصي الخيل ناصية سعفاء وفرس أسعف إذا شابت ناصيته.
قال: وذلك ما دام فيها لون مخالف البياض.
فإذا خلصت بياضًا كلها فهي صبغاء.
وقال ابن شميل: التسعيف في المِسْك: أن يروِّح بأفاويه الطيب ويُخلط بالأدهان الطيّبة.
يقال: سعِّف لي دُهْني.
ويقال: أسعفتْ داره إسعافًا إذا دَنَت: وكل شيء دنا فقد أسعف.
ومنه قول الراعي:
وكائنْ ترى من مُسْعِف بمنيَّة
ومكان مساعِف ومنزل مساعف أي قريب.
وقال الليث: الإسعاف قضاء الحاجة.
والمساعفة: المواتاة على الأمر في حسن مصافاة ومعاونة.
وأنشد:
إذ الناس ناس والزمانُ بِغِرَّة *** وإذ أُمُّ عمَّار صديق مساعِفُ
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
213-تهذيب اللغة (فعس)
فعس: أهمل الليث هذا الحرف.وأخبرني المنذري عن أبي العباس أن ابن الأعرابي أنشده:
بالموت ما عَيَّرتِ يا لَمِيس *** قد يَهْلِك الأرقم والفاعوس
والأسد المذرَّع النَّهوسُ *** والبَطَل المستلئم الجَئُوس
واللَّعْلع المهتَبِل العَسوس *** والفِيل لا يبقى ولا الهِرميس
قال: الجئوس: القتَّال.
والفاعوس الأفعى.
والمذرَّع: على ذراعه دم فرائسه.
وقال ابن الأعرابي: يقال للداهية من الرجال: فاعوس، قال: والهِرْمس: الكَرْكَدَنّ واللعلع: الذئب.
والفاعوسة:
فرج المرأة لأنها تتفاعس أي تنفرج.
قال حُمَيد الأرقط يصف الكمرة:
كأنما ذُرَّ عليها الخَرْدَل *** تبيت فاعوستها تَأكَّلُ
والفاعوس: الكمرة، والفُعُس: الحيَّات.
والفاعوس: الوَعِل والكَرَّاز والفَدْم والمُلاعِب.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
214-تهذيب اللغة (عزم)
عزم: قال الله جلّ وعزّ: {فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ} [محمد: 21] سمعت المنذري يقول: سمعت أبا الهيثم يقول في قوله تعالى: {فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ} هو فاعل معناه المفعول، وإنما يُعْزَم الأمر ولا يَعزِم، والعزم للإنسان لا للأمر.قال: وهكذا كقولهم: هَلَك الرجلُ وإنما أُهْلِكَ.
وقال الزجّاج في قوله: {فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ}: فإذا جدّ الأمرُ ولزم فرضُ القتال.
قال: هذا معناه.
والعرب تقول: عَزَمتُ الأمر وعزمتُ عليه.
قال الله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227].
وقال الليث: العَزْمُ ما عَقَد عليه قلبُك من أمرٍ أنك فاعله.
وتقول: ما لفلان عزيمة، أي لا يثبت على أمرٍ يعزِم عليه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير الأمور عوازمها».
وله معنيان: أحدهما: خير الأمور ما وكّدت عَزْمَك ورأيك ونِيّتك عليه، ووَفَيت بعهد الله فيه.
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: إن الله عزوجل يحبّ أن تؤتى رُخَصه، كما يحبّ أن تؤتى عزائمه.
قال أبو منصور:
عزائمه: فرائضه التي أوجبها وأمرنا بها.
ورَوَى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: العَزْمِيُ من الرجال: المُوفِي بالعهد.
والمعنى الثاني في قوله «خير الأمور عوازمها» أي فرائضها التي عَزَم الله عليك بفعلها.
وأما قول الله جل وعزَّ في قصة آدم: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] فإن الفرّاء قال: لم نجد له صَرِيمة ولا حَزْمًا فيما فَعَل.
وقال أبو الهيثم: الصَرِيمة والعَزِيمة واحدة، وهي الحاجة التي قد عزمْتَ على فعلها.
يقال: طَوَى فلان فؤاده على عَزِيمة أمرٍ إذا أسَرّها في فؤاده.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: العرب تقول: ما له مَعْزِمٌ ولا مَعْزَم ولا عَزِيمة ولا عَزْمٌ ولا عُزْمَانٌ.
وقال بعضهم في قوله: (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) أي رأيًا معزومًا عليه.
والعَزِيمُ والعَزِيمة واحد، يقال: إن رأيه لذو عَزِيم.
وقال الليث: العَزِيمة من الرُقَى: التي يُعْزَمُ بها على الجنّ والأرواح.
وقال غيره: عَزَمْتُ عليك لتفعلنَّ أي أقسمتُ.
وعَزْمُ الراقِي والحَوّاء كأنه إقسام على الداء والحَيّة.
وقال الليث: الاعتزام: لزوم القَصْد في الحُضْر.
وأنشد لرؤبة:
إذا اعتزمن الرَهْو في انتهاضِ
والرحل يَعْتزِم الطريقَ: يمضي فيه ولا ينثني، وقال الأُرَيْقِط:
معتزمًا للطُرُق النواشط
وعزائم السجود: ما عُزِمَ على قارىء آيات السجود أن يسجد لله فيها.
والفَرَس إذا وُصِف بالاعتزام فمعناه تجليحُه في حُضْره غير مجيب لراكبه إذا كَبَحه.
ومنه قول رؤبة:
مُعْتَزِم التجليح ملّاخ المَلَقْ
حدثنا محمد بن مُعَاذ عن عبد الجبار عن سُفْيَان عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت قيسًا يقول: سمعت الأشعث يقول لعمرو بن معديكرب: أما والله لئن دنوتُ لأضرطنّك، قال: كلّا والله إنها لعَزُوم مُفزعة.
أراد بالعزوم اسْته.
أراد أن لها عَزْمًا وليست بواهية فتضرِط وإنما أراد نفسه.
وقوله: مفزَّعة: بها تنزل الأفزاع فتجليها.
عزوم: ذات صرامة وحَزْم.
قال شمر: العزوم الصَبور المجدّة الصحيحة العَقْد.
قال: والدُبُر يقال لها: أمّ عَزْم، يقال: كذبته أمُ عزمِهِ.
شمر: عزمت عليك أي أمرتك أمرًا جِدًا، وهي العَزْمة.
وعزائم السجود: ما أمِر السجود فيها.
قال الأصمعي: العَزُوم من الإبل التي قد أسنَّت وفيها بقية من الشباب.
وقال ابن الأعرابي: العَزْمِيُ: بيَّاع الشجِير.
قال والعُزُمُ: عَجَم الزبيب واحدها عَزْمٌ.
قال والعَزُومُ والعَرْزَمُ: الناقة الهَرِمَة الدِلْقِم.
قال والعَزْم: الصَبْرُ في لغة هُذَيل.
يقولون: ما لي عنك عَزْمٌ أي صبرٌ.
وقال جلّ وعزّ: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115].
وأخبرني ابن مَنيع عن عليّ بن الجَعْد عن شُعْبة عن قَتَادة في قوله تعالى: (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) قال: صبرًا.
وقال ابن الأعرابي: العُزُمُ: العجائز واحدتهنّ عَزُوم.
قال والعَزْمُ: شَجِير الزَبِيب.
وقال أبو زيد: عُزْمَةُ الرجل: أُسْرته وقبيلته، وجماعها العُزَمُ.
وقال أبو عمرو: العَزَمَةُ: المصحّحون للمودّة.
وقال ابن شميل في قوله: عَزْمَة من عَزَمَات الله قال: حقٌّ من حقوق الله أي واجب مما أوجبه الله.
وقال في قوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً} [البقرة: 65] هذا أمر عَزْم.
وقوله: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79] هذا فَرْضٌ وحُكْمٌ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
215-تهذيب اللغة (زعم)
زعم: أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: الزَّعْمُ يكون حقًّا ويكون باطلًا.وأنشد في الزَّعْم الذي هو حَقّ:
وإنّي أذينُ لكم أنه *** سيُنجزكم ربّكم ما زَعَمْ
قال: والبيت لأُمَيَّة.
وقال الليث: سمعت أهل العربية يقولون: إذا قيل: ذَكَر فلان كذا وكذا فإنما يقال ذلك لأمر يُسْتَيقَنُ أنه حَقّ، فإذا شُكّ فيه فلم يُدْرَ لعلّه كذِب أو باطل قيل: زعم فلان.
قال: وكذلك تفسّرُ هذه الآية: {فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ} [الأنعام: 136] أي بقولهم الكذبَ.
وسمعت المنذريّ يقول: سمعت أبا الهيثم يقول: تقول العرب قال إنه، وزَعَم أنه، فكسروا الألف مع قال، وفتحوها مع زَعم؛ لأن زعم فِعْل واقع بها أي بالألف متعدّ إليها؛ ألا ترى أنك تقول: زعمتُ عبد الله قائمًا، ولا تقول: قلتُ زيدًا خارجًا، إلا أن تُدخِل حرفًا من حروف الاستفهام فتقول: هل تقولُه فعل كذا، ومتى تقولني خارجًا؟ وأنشد:
قال الخليط غدًا تَصَدُّعُنَا *** فمتى تقول الدارَ تَجْمعُنَا
فمعناه فمتى تظنّ ومتى تزعم.
وقال ابن السكيت في قوله:
عُلِّقْتُهَا عَرَضًا وأقتُلُ قومها *** زَعْمًا لَعَمْرُ أبيك ليس بمزعَمِ
قال يقول: كان حُبّها عَرَضًا من الأعراض اعترضني من غير أن أطلبه.
فيقول: عُلِّقْتُهَا وأنا أقتل قومها، فكيف أحبّها وأنا أقتلهم أم كيف أقتلهم وأنا أحبّها! ثم رجع على نفسه مخاطِبًا لها فقال: هذا فِعل ليس بفعل مثلي.
قال: والزَّعْمُ إنما هو في الكلام.
يقال: أمرٌ فيه مُزَاعَم أي أمرٌ غير مستقيم، فيه منازعة بعدُ.
قلت: والرجل من العرب إذا حدّث عمّن لا يحقق قولَه يقول: ولا زَعَمَاتِه ومنه قوله:
لقد خَطَّ رُومِيٌّ ولا زعماتِهِ
أبو عبيد عن الأصمعي: الزَّعُوم من الغنم التي لا يُدْرَى أبها شَحم أم لا.
ومنه قيل: فلانٌ مُزَاعِم وهو الذي لا يوثَق به.
عمرو عن أبيه قال: الزَّعُوم: القليلة الشحم، وهي الكثيرة الشحم.
وهي المُزْعِمة.
قال فمن جعلها القليلة الشحم فهي المزعومة، وهي التي إذا أكلها الناس قالوا لصاحبها توبيخًا له: أزَعَمْت أنها سمينة.
وقال أبو سعيد: أمرٌ مُزْعِم أي مُطمِع وتزاعم القوم على كذا تزاعُمًا إذا تظافروا عليه.
قال: وأصله أنه صار بعضهم لبعض زعيمًا.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الدَّيْنُ مَقْضِيٌّ والزعيمُ غارِم».
وقال الله تبارك وتعالى: (وَأَنَا بِهِ)
زَعِيمٌ [يوسف: 72] قلت: وما علمت المفسّرين اختلفوا في قوله (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ).
قالوا جميعًا: معناه: وأنا به كفيل، منهم سَعِيد بن جُبَير وغيره.
أبو عبيد عن الكِسائيّ قال: زَعَمتُ به أزعمُ به زَعْمًا وزَعَامَةً أي كفَلتُ به.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: زَعَمَ يَزْعُمُ زَعَامَةً إذا كفَلَ.
وزَعِمَ يَزْعَم زَعَمًا إذا طمِع وقال لَبِيد:
تَطير عدائدُ الأشراك شَفْعًا *** ووِتْرًا والزَّعَامة للغلامِ
قال أبو العباس: الزَّعَامة يقال: الشرف والزعامة يقال الشرف والرياسة.
قال وقال غير ابن الأعرابي: الزَّعَامة: الدِرْع.
وزعيم القوم سيّدهم والمتكلِّم عنهم.
وقال الفرّاء: زعيم القوم سيّدهم ومِدْرَهُهم وقال الليث: يقال زُعْم وزَعْمٌ.
قال: والزُّعْمُ تميميّة.
والزَّعْمُ حجازية.
قال: وتقول: زعمتْ أني لا أحبّها، وزعمتْني لا أحبّها، يجيء في الشِعر.
فأمَّا في الكلام فأحسن ذلك أن تُوقِع الزَّعْم على (أن) دُون الاسم.
وأنشد:
فإن تزعُميني كنت أجهل فيكمُ *** فإني شَرَيت الحِلْم بعدكِ بالجهل
قال: ويقال: زعِم فلان في غير مَزْعَم أي طَمِعَ في غير مطمَع.
قال والتزعّم: التكذب وأنشد:
فأيّها الزاعِم ما تَزَعّمَا
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الزَّعْمِيُ الكذَّاب والزَّعْمِي الصادق.
وقال شمر: روي عن الأصمعي أنه قال: الزَّعْم الكذب.
قال الكميت:
إذا الإكام اكتست مآليها *** وكان زَعْمَ اللوامع الكَذِبُ
يريد السراب.
قال شمر: والعرب تقول أكذب من يَلْمَع.
وقال شُرَيح: زعموا كنيةُ الكذب.
وقال شمر: الزعم والتزاعم أكثر ما يقال فيما يُشَكُّ فيه ولا يُحَقَّق.
وقد يكون الزعم بمعنى القول.
ويروى للجعديّ يصف نوحًا:
نُودِيَ قُمْ واركبنْ بأهلك إنَ *** الله موْفٍ للناس ما زَعَمَا
فهذا معناه التحقيق.
والمِزْعَامَة الحيّة.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن سَلَمة عن الفرّاء قال الكسائيّ: إذا قالوا: عُزمَةٌ صادقة لأتينَّك رفعوا، وحَلْفَةٌ صادقة لأقومنَّ قال: وينصبون يمينًا صادقة لأفعلنَّ.
قال: والزَّعْم والزُّعم والزِّعم ثلاث لغات.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
216-تهذيب اللغة (معز)
معز: المَعْزُ والمعَزُ: ذوات الشعرِ من الغَنَم.ويقال للواحد مَاعِز.
ويجمع مِعْزىً ومَعيزًا وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: مِعْزى تُصْرَفُ إذا شُبِّهَتْ بمِفْعَل.
قال وأصله فِعْلَى فلا تصرف.
قال: وهو المعتمد عليه.
قال: وكذلك دُنْيَا لا تصرف: لأنها فُعْلَى.
قلت الميم في المِعْزَى أصليّة.
قال: ومن صرف دُنْيا شبَّهها بفُعْلَل، والأصل ألَّا تصرف.
ويقال: رجل ماعِز إذا كان حازمًا مانعًا ما وراءه شَهْمًا، ورجلٌ ضائن إذا كان ضعيفًا أحمق.
قال ذلك ابن حبيب.
ثعلب عن
ابن الأعرابي قال: المعْزِيّ: البخيل الذي يجمع ويَمْنَع.
وقال الليث: الرجل الماعِز: الشديد عَصْبِ الخَلْق: يقال ما أمعزه من رجل، أي ما أشدَّه وأصلبه.
والأمْعُوز: جماعة الثياثل من الأوعال.
وقال غيره: رجل مَعَّاز: صاحب مِعْزى.
وقال الأصمعي: عِظَام الرمل ضوائنه، ولِطَافه: مواعزه.
وقال: رجل ضائن: كثير اللحم.
ورجل ماعِز إذا كان معصوبًا.
وما أمعز رأيه إذا كان صُلْب الرأي.
الرياشي عن الأصمعيّ قال الأمْعَز: المكان الكثير الحَصى والمَعْزاء مثله.
وتجمع أمَاعِز ومَعْزاوات.
وربما جُمعت على مُعْزٍ وأنشد الليث:
جَمادٌ بها البَسْبَاسُ يُرْهِصُ مُعْزهَا *** بناتِ اللبون والصلاقمةَ الحمُرَا
وقال مثمر قال ابن شميل: المَعْزَاء: الصحراء فيها إشرافٌ وغلِظٌ، وهي طينٌ وحَصًى مختلطانِ غير أنها أرض صُلْبة غليظة الموطىء، وإشرافها قليل لئيم تقود أدنى من الدعوة وهي مَعِرَة من النبات.
أبو عبيد عن أبي زيد: الأُمْعُوز: الثلاثون من الظِباء إلى ما زادت.
وقال ابن شميل: المِعْزِى للذكور والإناث، والمَعْزُ مثلها والمعيز مثلها وكذلك الضِئين.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
217-تهذيب اللغة (عطر)
عطر: قال الليث: العِطْر: اسم جامع لهذه الأشياء التي تعالج للطيب.وبَيَاعه: العَطّار، وحِرْفته: العِطارة.
ورجلٌ عَطِر وامرأةٌ عَطرَة إذا تعاهدا أنفسهما بالطيب.
وقال غيره: رجلٌ عَطِر وامرأةٌ عَطِرَة إذا كانا طيّبَيْ ريح الجِرْمِ وإن لم يتعطّرا.
وقال ابن الأعرابي: رجلٌ عاطِرٌ، وجمعه عُطُر، وهو المحِبّ للطِيبِ.
وقال: رجلٌ عاطِر وعَطِر ومِعطار ومِعطِير.
والمرأة مثله.
وزاد غيره: يقال امرأة عَطِرة مَطِرة بَضّة مَضَّة.
قال: والمَطِرة: الكثيرة السِوَاك، وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: ناقة مِعْطَرة ومِعطار وعِرْمِسٌ أي كريمة.
وروى أبو العباس عن عمرو عن أبيه: تأطَّرت المرأةُ وتعطّرت إذا أقامت في بيت أبويها ولم تتزوَّج.
وقرأت في كتاب «المعاني» للباهليّ في قول الراجز:
لهْفي على عَنْزين لا أنساهُما *** كأنَّ ظِل حَجَرٍ صغراهما
وصَالِغٌ مُعْطَرة كبراهما
قال مُعطَرة: حمراء.
وجعل الأخرى ظل حجر لأنها سوداء.
قال شمر: ناقة عَطَّارة وعطِرة وتاجرة إذا كانت نافقة في السوق.
وقال أبو عبيدة: يقال: بطني أعْطِري وسائري فذري يقال ذلك لمن أتاك بما لا يحتاج إليه ويمنعك ما تحتاج إليه، كأنه في التمثيل رجل جائع أتى قومًا فطيَّبوه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
218-تهذيب اللغة (طلع)
طلع: يقال: طلعَت الشمسُ تطلُع طُلُوعًا ومَطْلعًا فهي طالِعَة.وكذلك طلع الفجر والنجم والقمر.
والمطلِع: الموضع الذي تطلع عليه الشمس وهو قوله تعالى: {حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ} [الكهف: 90].
وأمَّا قول الله جلّ وعزّ: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] فإن الكسائي قرأها {هي حتى مَطْلِعِ الفجر}
بكسر اللام.
وكذلك روى عبيد عن أبي عمرو بكسر اللام.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر واليزيديّ عن أبي عمرو وعاصم وحمزة {هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} بفتح اللام.
وقال الفرّاء: أكثر القرّاء على {مَطْلَعِ}.
قال: وهو أقوى في قياس العربية؛ لأن المطلَع بالفتح هو الطلوع، والمطلِع بالكسر هو الموضع الذي يُطْلَع منه، إلا أن العرب تقول: طلعت الشمس مطلِعًا فيكسرون وهم يريدون المصدر.
وقال: إذا كان الحرف من باب فَعَلَ يَفْعُل ـ مثل دَخَلَ يدخُل وخَرَجَ وما أشبههما ـ آثرت العرب في الاسم منه والمصدر فتح العين إلا أحرفًا من الأسماء ألزموها كسر العين في مفعِل.
من ذلك المسجِد والمطلِع والمغرِب والمشرِق والمَسْقِط والمفرِق والمَجْزِرُ والمسكِنُ والمرفِقُ والمنسِك والمنبِتُ فجعلوا الكسر علامة للاسم، والفتح علامة للمصدر.
قلت أنا: والعرب تضع الأسماء مواضع المصادر، ولذلك قرأ من قرأ {هي حتى مَطْلِعِ الفجر} لأنه ذهب بالمطلِع ـ وإن كان اسمًا ـ إلى الطلوع مثل المطلَع.
وهذا قول الكسائي والفرّاء.
وقال بعض البصريين: من قرأ {مَطْلِعِ الفجر} بكسر اللام فهو اسم لوقت الطلوع.
قال ذلك الزجّاج.
وأحسبه قول الخليل أو قول سيبويه.
وقال الليث: يقال طلع فلان علينا من بعيد.
قال: وطَلْعته: رؤيته.
يقال حيّا الله طَلْعَتَك.
قال: واطَّلَعَ فلان إذا أشرف على شيء، وأطلع غيره.
وقول الله جلّ وعزّ: {قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ} [الصافات: 54، 55] القرّاء كلهم على هذه القراءة، إلا ما رواه حسين الجُعْفِيّ عن أبي عمرو أنه قرأ {هل أنتم مُطْلِعونِ} ساكنة الطاء مكسورة النون ـ فأُطلِعَ بضم الألف وكسر اللام على فأُفْعِلْ قلت: وكسر النون في {مُطْلِعُونِ} شاذ عند النحويّين أجمعين، ووجهه ضعيف.
ووجه الكلام على هذا المعنى: هل أنتم مُطْلِعيَ وهل أنتم مُطْلِعُوه بلا نون؛ كقولك: هل أنتم آمِروه وآمِريّ.
وأما قول الشاعر:
هم القائلون الخير والآمِرُونَهُ *** إذا ما خَشُوا من محدَث الأمر مُعظَمَا
فوجه الكلام: والآمرون به.
وهذا من شواذّ اللغات.
والقراءة الجيّدة الفصيحة {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ} [الصافات: 54، 55].
ومعناها: هل تحبون أن تتطلَّعوا فتَعْلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النار فاطَّلع المسلم فرأى قَرِينَه {فِي سَواءِ الْجَحِيمِ} أي في وسط الجحيم.
وإن قرأ قارىء: {هل أنتم مُطْلِعونَ} بفتح النون فأطْلَع فهي جائزة في العربيّة، وهي بمعنى هل أنتم طَالِعُون ومطّلعُون.
يقال: طَلَعْتُ عليهم واطّلعت عليهم بمعنًى واحدٍ.
وقال ابن السكيت: يقال: نخلة مُطْلِعَة إذا طالت النخلةَ التي بحذائها فكانت أطول منها.
وقد أطْلَعْتُ من فوق الجبل واطّلَعْتُ بمعنًى واحد.
وقال أبو زيد: يقال أطْلَعَ النخلُ الطَّلْع إطْلَاعًا، وطَلَعَ الطَّلْع يَطْلُع طلوعًا، وطَلَعْتُ على أمرهم أطلُع طُلُوعًا، واطّلعتُ عليهم اطّلاعًا وطَلَعْتُ في الجبل أطلُعُ طلوعًا إذا أدبرت فيه حتى لا يراك
صاحبك وطلَعتُ على صاحبي طلوعًا إذا أقبلت عليه.
أبو عبيد في باب الحروف التي فيها اختلاف اللغات والمعاني: طلِعْت الجبل أطلَعُه، وطَلَعت على القوم أطْلُع.
قال: وقال أبو عبيدة فيهما جميعًا: طَلَعت أطْلُع وأقرأني الإيَاديّ عن شمر لأبي عبيد عن أبي زيد في باب الأضداد: طَلَعت على القوم أطْلُع طُلُوعًا إذا غِبت عنهم حتى لا يَرَوك، وطَلَعت عليهم إذا أقبلت إليهم حتى يروك.
قلت: وهكذا رَوَى الحرّاني عن ابن السكيت: طَلَعت عليهم إذا غِبْت عنهم، وهو صحيح جُعِل عَلَى فيه بمعنى عن كما قال الله جلَّ وعزّ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ} [المطففين: 1، 2] معناه إذا اكتالوا عن الناس ومن الناس، كذلك قال أهل اللغة أجمعون.
وأخبرني المنذري عن أبي الحسن الصَيْدَاوِيّ عن الرياشيّ عن الأصمعي قال: الطِّلْعُ: كل مطمئن من الأرض ذاتِ الربْوة إذا أطْلَعْتَه رأيت ما فيه.
ومن ثمّ يقال أطْلِعْنِي طِلْعَ أمرك.
ويقال: أطلَع الرجل إطلاعًا إذا قاء.
وقال الليث: طليعة القوم: الذين يبعثون ليطّلعوا طِلْع العدوّ.
ويسمّى الرجل الواحد طليعة والجميع طليعة والطلائع الجماعات.
قلت: وكذلك الرَبِيئة والشِّيفة والبَغِيَّة بمعنى الطليعة، كل لفظة منها تصلح للواحد والجماعة.
ورُوي عن عمر بن الخطاب أنه قال عند موته: لو أنَّ لي ما في الأرض جميعًا لافتديت به من هَوْل المُطّلَع.
قال أبو عبيد قال الأصمعي: المُطَّلَع هو موضع الاطّلاع من إشرافٍ إلى الانحدار، فشبّه ما أشرف عليه من أمر الآخرة بذلك.
قال: وقد يكون المُطَّلَع المَصْعَد من أسفل إلى المكان المُشْرِف.
قال: وهذا من الأضداد.
ومنه حديث عبد الله بن مسعود في ذكر القرآن: «لكل حرف حَدّ ولكل حَدّ مُطَّلَع» معناه: لكل حَد مَصْعَدٌ يُصْعد إليه، يعني: من معرفة علمه.
ومنه قول جرير:
إني إذا مُضَرٌ عَلَي تحدَّبتْ *** لاقيتُ مُطَّلَعَ الجبال وُعُورا
ويقال: مُطَّلَعُ هذا الجبل من كذا وكذا أي مَصْعَده ومأتاه.
وقد رُوي في حديث عمر هذا أنه قال: لو أن لي طِلَاعَ الأرض ذهبًا لافتديت به من هول المُطَّلَع.
قال أبوعبيد: وطِلَاع الأرض: مِلْؤها حتى يطالع أعلى الأرض فيساويه، ومنه قول أوس بن حَجَر يصف قوسًا وأن مَعْجِسها يملأ الكفّ فقال:
كَتُومٌ طِلَاع الكفّ لا دون مِلئها *** ولا عَجْسُهَا عن موضع الكفّ أفْضَلَا
وقال الليث: طِلَاع الأرض في قول عمر: ما طلعَتْ عليه الشمس من الأرض.
والقول ما قاله أبو عبيد.
وقال الليث: والطلاع هو الاطّلاع نفسه في قول حُمَيد بن ثور:
وكان طِلَاعًا من خَصاصٍ ورِقْبَةً *** بأعين أعداء وطَرْفًا مُقَسَّمَا
قلت: قوله: وكان طِلَاعًا أي مُطالعة يقال طالعته مطالعة وطِلَاعًا.
وهو أحسن من أن تجعله اطِّلَاعًا؛ لأنه القياس في العربية.
وقال الليث: يقال: إن نفسك لطُلَعَةٌ إلى هذا الأمر، وإنها لَتَطَّلِعُ إليه أي لِتُنَازِع إليه.
وامرأة طُلَعَةٌ قُبَعَةٌ: تنظر ساعة ثم تختبىء ساعة.
وقول الله جلّ وعزّ: {نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} [الهمزة: 6، 7] قال الفرّاء: يقول يبلغ ألَمُها الأفئدة.
قال والاطِّلَاع والبلوغ قد يكونان بمعنًى واحد.
والعرب تقول متى طَلَعْتَ أرضنا أي متى بلغْتَ أرضنا.
وقال غيره: {تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} توفِي عليها فتحرقها، من اطّلعت إذا أشرفت.
قلت: وقول الفرّاء أحَبّ إليّ وإليه ذهب الزجّاج.
ويقال: طَلَعْتُ الجبل إذا عَلَوته أطْلُعُهُ طُلُوعًا وفلان طَلَّاع الثَنَايا وطَلَّاع أنْجُد إذا كان يعلو الأمور فيقهرها بمعرفته وتجاربه وجَوْدة رأيه والأنجد جمع النَجْد وهو الطريق في الجبل، وكذلك الثَنِيَّة.
ومن أمثال العرب: هذه يمين قد طَلَعَتْ في المخارم وهي اليمين التي تجعل لصاحبها مَخْرَجًا.
ومن هذا قول جرير:
ولا خير في مال عليه ألِيَّة *** ولا في يمين غيرِ ذات مخارِمِ
والمخارِم: الطرق في الجبال أيضًا، واحدها مَخْرِمٌ.
والطالِعُ من السهام: الذي يقع وراء الهَدَف، ويُعْدَلُ بالمُقَرْطِس.
وقال المرّار:
لها أسهمٌ لا قاصراتٌ عن الحَشَى
ولا شاخصاتٌ عن فؤادي طوالِعُ
أخبَر أن سهامها تصيب فؤاده وليست بالتي تَقْصُر دونه أو تجاوزه فتخطئه.
وقال ابن الأعرابي: رُوي عن بعض الملوك أنه كان يسجد للطالع معناه: أنه كان يخفض رأسه إذا شخص سَهْمُه فارتفع عن الرَمِيَّة، فكان يطأطىء رأسه ليتقوّم السهمُ فيصيب الدارة.
ويقال اطَّلَعْتُ الفجرَ اطّلاعًا أي نظرت إليه حين طلع.
وقال:
نسيمُ الصَبَا من حيث يُطّلَعُ الفجرُ
وحكى أبو زيد: عافى الله رَجُلًا لم يتطّلع في فيك، أي لم يتعقب كلامك.
ويقال: فلان بِطِلْعِ الوادي، وفلان طِلْعَ الوادي، بغير الباء.
قال: واستطلَعْتُ رأي فلان إذا نظرت ما رأيه.
وطَلَعَ الزرع إذا بدا يَطلع إذا ظهر نباته.
وأطْلَعَتِ النخلةُ إذا أخرجت طَلْعَهَا.
وطَلْعُهَا: كُفُرَّاها قبل أن تنشقّ عن الغَرِيض.
والغَريض يسمّى طَلْعًا أيضًا.
وحكى ابن الأعرابي عن المفضّل الضّبيّ أنه قال: ثلاثة تؤكل ولا تُسَمِّن، فذكر الجُمَّار والطَّلْع والكَمْأة، أراد بالطَّلْع: الغَرِيض الذي ينشَقّ عنه كافوره، وهو أول ما يُرَى من عِذْق النخلة.
الواحدة: طَلْعَة.
وقال ابن الأعرابي: الطَّوْلَعُ الطُّلَعَاء وهو القيء.
عمرو عن أبيه: من أسماء الحيّة الطِّلْع والطِلّ.
وأخبرني بعض مشايخ أهل الأدب عن بعضهم أنه قال: يقال أطْلَعْت إليه معروفًا مثل أزْلَلْتُ.
وقال شمر: يقال ما لهذا الأمر مُطَّلَعٌ ولا
مَطْلَع أي ما له وجه ولا مَأْتًى يُؤْتَى منه.
ويقال مَطْلَع هذا الجبل من مكان كذا أي مَصْعَدة ومأتاه.
وأنشد أبو زيد:
ما سُدَّ من مَطْلَع ضاقت ثنِيّته *** إلّا وَجَدتُ سواء الضِّيق مُطَّلَعا
ويقال أطلعَني فلان وأرهقني وأذْلقني وأقحمني أي أعجلني.
وطُوَيْلع: رَكِيّة عادِيّة بناحية الشواجن عَذْبة الماء قريبة الرِشاء وطَلَّعْتُ كيله أي ملأته جِدًّا حتى تَطَلَّع أي فاض قال:
كنت أراها وهي توقى محلبًا *** حتى إذا ما كيلها تَطَلَّعَا
وقَدَح طِلاع: ممتلىء.
وعين طِلَاعة: ممتلئة.
قال:
أمَرُّوا أمرهم لِنَوًى شَطُونٍ *** فنفسي من ورائهم شَعَاعُ
وعيني يوم بانوا واستمرُّوا *** لنِيَّتهم وما رَبَعُوا طِلَاعُ
وطَلَعْتُ الجَبَل: علوته.
وأطْلَعْتُ منه: انحدرت نحو فَرَعتُ الجبل عَلوته وأفرعتُ انحدرتُ ومَرَّ مُطَّلِعًا لذلك الأمر أي غالبًا له ومالكًا.
وهو على مَطْلع الأكمة أي ظاهر بَيِّنٌ.
وهذا مَثَل يضرب للشيء في التقريب.
يقال: الشرّ يُلقَى مَطَالِع الأكم، أي ظاهر بارز.
قال ابن هَرْمة:
صادتك يوم المَلَا من مَصْغَرٍ عَرَضًا *** وقد تُلَاقِي المنايا مَطلِعَ الأكمِ
وطَلْعُ الشمس: طُلُوعُهَا.
قال:
باكر عَوفًا قبل طَلْعِ الشمس
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
219-تهذيب اللغة (لطع)
لطع: الليث: لَطِعَ الإنسان الشيء يَلْطَعُهُ لَطْعًا إذا لحسَه بلسانه.قال: والألطع: الرجل الذي قد ذهبت أسنانه، وبقيت أسناخها في الدُرْدُر.
قال ويقال بل اللَّطَعُ: رِقّة في شَفَة الرجل الألطع وامرأة لَطْعَاء.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن سلمة عن الفرّاء: امرأة لَطْعَاء بيّنة اللَّطَع إذا انسحقت أسنانها فلصِقت باللِثَة، وقد لَطَعت الشيء ألْطَعُهُ لَطْعًا إذا لعِقته.
قال: وقال غيره لَطِعْتُهُ بكسر الطاء.
وقيل: امرأة لطعاء: قليلة لحم الرَكَب.
وفي «نوادر الأعراب».
لَطَعتُه بالعصا.
قال والطِعْ اسمه أي أثبِتْهُ، الطَعْهُ أي امحُه.
وكذلك اطلِسْهُ.
وقال ابن دريد: اللطْع بياض الشفة واللطَع قلة لحم الفرج واللطَعُ أن تتحاتّ الأسنان.
واللطْعُ لَطْعُكَ الشيء بلسانك ولَطَعْتُه بالعصا: ضربته ولَطَعت عينَه: ضربتها ولطمتها.
ولطَعتُ الغَرَض: رَمَيته فأصبته ولَطَعت البئرُ: ذهب ماؤها.
والناقة اللطعَاء: التي ذهب فمها من الهَرَم.
ولَطِعَ إصبعه ولعِق إذا مات.
ولَطَعَ الشرابَ والتطعه: شرِبه.
قال: ولَطْعَةُ الذئب على صوته وصنعَة السُرفة والدَّبرَ.
واللطَع: الحَنَك والجميع: ألطاع.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
220-تهذيب اللغة (عطن)
عطن: رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة في أعطان الإبل.أخبرني المنذريّ عن الحرّاني عن ابن السكيت قال: العَطَن:
مَبْرَك الإبل حول الماء.
وقد عَطَنَت الإبلُ على الماء وعَطَّنَت، وأعْطَنْتُها أنا إذا سقيتها ثم أنحتها في عَطَنِهَا لتعود فتشرب.
وأخبرني عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: قومٌ عُطَّانٌ وعَطَنَةٌ وعُطُونٌ وعَاطِنُون إذا نزلوا في أعطان الإبل.
ولا يقال: إبل عُطَّان.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رأيتُني أنزِعُ على قَلِيب، فجاء أبو بكر فاستقى وفي نَزْعه ضَعْفٌ والله يغفر له، فجاء عمر فنَزَعَ فاستحالت الدَلْو في يده غَرْبًا فأروى الظَمِئة حتى ضَرَبت بعَطَن» قال ابن السكيت: قوله: «ضَرَبت بعَطَنٍ» يقال ضَرَبَت الإبلُ بعَطَنٍ إذا رَوِيَتْ ثم بَرَكَتْ على الماء.
وأخبرني عبد الملك عن الربيع عن الشافعيّ في تفسير قوله: «ثم ضَرَبَتْ بعَطَنٍ» بنحوٍ ممّا قاله ابن السكيت.
وقال الليث: كل مَبْرَك يكون مَألفًا للإبل فهو عَطَنٌ لها بمنزلة الوطن للغنم والبقر قال: ومعنى مَعَاطِن الإبل في الحديث: مواضعها.
وأنشد:
ولا تكَلِّفُنِي نفسي ولا هَلَعِي *** حِرْصًا أُقيم به في مَعْطِن الهُونِ
قلت ليس كل مُنَاخ للإبل يسمّى عَطَنًا ولا مَعْطِنًا.
وأعطان الإبل ومَعَاطنها لا تكون إلّا مَبَارِكَها على الماء.
وإنما تُعْطِن العربُ الإبلَ على الماء حين تَطْلُع الثريّا، ويرجع الناس من النُجَع إلى المحاضِر، وتُعْطَنُ يوم وِرْدها فلا يزالون كذلك إلى وقت طلوع سهيل في الخريف، ثم لا يُعْطِنُونهَا بعد ذلك، ولكنها تَرِد الماء فتشرب شَرْبتها وتَصْدُر من فَوْرها.
وفي حديث عمر أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وفي بيته أُهُبٌ عَطِنَةٌ.
قال أبو عبيد: العَطِنَة: المُنْتِنة الريح.
قلت: ويقال عَطَنْتُ الجِلْد أعْطِنُهُ عَطْنًا إذا جعلتَه في الدبَاغ وتركته فيه حتى يتمرّط شَعَرُه ويُنْتِن، فهو معطونٌ وعَطِينٌ.
وقد عَطِن الجِلد عَطَنًا إذا أنْتَنَ وأمْرَق عنه وَبَرُه أو صُوفه.
ويقال للذي يُسْتَقْذَر: ما هو إلّا عطِينة، من نَتْنه.
وقال أبو زيد: عَطِن الأديم إذا أنْتَنَ وسقط صوفه في العَطْن.
والعَطْنُ أن يُجْعَل في الدِبَاغ.
قال أبو عبيد: وقال أبو زيد: موضع العَطِن العَطَنة قال: والعَطْنُ في الجِلد: أن يؤخذ الغَلْقة وَهو ضربٌ من النبات يدبغ به أو فَرْثٌ يُلْقى فيه الجِلْد حتى يُنْتِن ثم يلقى بعد ذلك في الدِبَاغ.
وفلان واسع العَطَن والبَلَد، وهو الرَحْب الذراعِ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
221-تهذيب اللغة (عبط)
عبط: قال الليث: العَبْطُ: أن تَعْبِط ناقةً فتنحرها من غير داء ولا كَسْر.يقال: عَبَطَها يَعبِطُها عَبْطًا، واعْتَبَطَها اعتِباطًا.
وقال ابن بُزُرْجَ ـ فيما وجدت له بخط أبي الهيثم ـ: العِبِيط من كلّ اللحم وذلك ما كان سليمًا من الآفات إلا الكسر.
قال: ولا يُقال للّحم الدَوِي المدخول من آفةٍ: عَبِيط، ويقال للدابة عبيطة ومعتبَطة، واللحم نفسه عبيط أي سليم إلا من كسر.
ويقال مات فلان عَبْطَة، أي شابًّا صحيحًا.
واعتبطه الموتُ.
وقال أمَيَّة بن أبي الصَلْت:
من لم يمت عَبْطَة يَمُتْ هَرَمًا *** للموت كأسٌ فالمرء ذائقها
ويقال لحمٌ عَبيط ومعبوط إذا كان طريًّا لم يُنَيِّبْ فيه سَبُعٌ ولم تُصبه عِلة.
وقال لَبيد:
ولا أَضَنُ بمعبوطِ السَنَام إذا *** كان القُتارُ كما يُسْتَرْوَحُ القُطُرُ
وقال الليث: زعفران عبيط: يشبّه بالدم العبيط.
قال: ويقال: عَبَطَتْه الدواهي أي نالته من غير استحقاق.
وقال الأُريقط:
بمنزلِ عَفٍّ ولم يخالِط *** مُدَنّسَاتِ الرِيَبَ العَوَابِطِ
ويقال: عَبَط فلان الأرض عَبْطًا واعتبطها إذا حفر موضعًا لم يكن حُفِر قبل ذلك.
وقال المرَّار العَدَوي:
ظَلَّ في أعلى يَفَاعٍ جازلا *** يعبط الأرض اعتباط المحتَفِر
أبو عبيد: العَبْط: الشقُ.
ومنه قول القطامي:
وظلّت تعبُط الأيدي كلُومًا
وثوبٌ عبيط أي مشقوق وجمعه عُبُط.
ومنه قول أبي ذؤيب:
فتخالسا نفسيهما بنوافذٍ *** كنوافذ العُبُطِ التي لا تُرْقَعُ
وأخبرني المنذريّ أن أبا طالب النحوي أنشده في كتاب «المعاني» للفرّاء: كنوافذ العُطُب.
ثم قال ويروى كنوافذ العُبُط.
قال والعُطُب: القطن، والنوافذ: الجيوب يعني جُيُوب الأقمصة.
وأخبر أنها لا تُرقَع،
شبّه سعة الجراحات بها.
قال: ومن رواها: العُبُط أراد بها: جمع عبيط، وهو الذي يُنحر لغير علّة، وإذا كان كذلك كان خروج الدم أشدّ.
أبو عبيد عن أبي زيد: اعتبط فلان عليّ الكذبَ، وعَبَطَ يَعْبِط إذا كذب.
ورَوَى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العابط الكذّاب.
والعَبْطُ: الكذب.
والعَبْطُ: الغِيبة.
والعَبْط الشَقُّ ويقال عَبَط الحمارُ الترابَ بحوافره إذا أثاره، والترابُ عبيطٌ.
وعَبَطَتِ الريح وجهَ الأرض إذا قَشَرتْهُ.
وعَبَطْنَا عَرَق الفرس أي أجريناه حتى عَرِقَ.
وقال الجعدي:
وقد عَبَطَ الماءَ الحميمَ فأسْهَلَا
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
222-تهذيب اللغة (عتد)
عتد: قال الله جلّ وعزّ: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} [يوسف: 31] أي هيّأت وأعدّت.وقال الليث: العَتَاد: الشيء الذي تُعِدّه لأمرٍ ما وتهيئُه له.
قال: ويقال: إنّ العُدَّة إنما هي العُتْدَةُ، وأعَدّ يُعِدّ إنما هو أعتَد يُعْتِد، ولكن أدغمت التاء في الدال.
قال: وأنكر آخرون فقالوا: اشتقاق أعَدّ من عين ودالين؛ لأنهم يقولون: أعدَدْناه فيُظهرون الدالين.
وأنشد:
أعددت للحرب صارِمًا ذكرًا *** مجرَّب الوقع غير ذي عَتَبِ
ولم يقل: أعتدت.
قلت: وجائز أن يكون الأصل أعددت ثم قلبت إحدى الدالين تاء، وجائز أن يكون عتد بناء على حِدةٍ، وعَدَّ بناء مضاعفًا.
وهذا هو الأصوب عندي.
وقال الله جلّ وعزّ: {هذا ما لَدَيَ عَتِيدٌ} [ق: 23] قال بعض المفسّرين: عَتِيدٌ أي حاضر.
وقال بعضهم: قريبٌ.
ويقال: أعتَدت الشيء فهو مُعْتَدُ، وعتِيد.
وقد عَتُدَ الشيءُ عَتَادَةً فهو عتِيد: حاضر.
قاله الليث.
قال: ومن هنالك سُمِّيت العَتِيدة التي فيها طِيب الرجُل وأدهانه.
وقوله: {هذا ما لَدَيَ عَتِيدٌ} في رفعه ثلاثة أوجه عند النحويين.
أحدها أنه على إضمار التكرير، كأنه قال: هذا ما لديّ هذا عتِيد ويجوز أن ترفعه على أنه خبر بعد خبر، كما تقول: هذا حُلْو حامض.
فيكون المعنى: هذا شيء لديّ عتيد.
ويجوز أن يكون بإضمار هو، كأنه قال: هذا ما لدي هو عتيد والعَتِيدة طَبْل العرائس أُعتِدت تحتاج إليه العَرُوس من
طيب وأداة وبَخُور ومُشْط وغيره، أدخل فيها الهاء على مذهب الأسماء.
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نَدَب الناسَ إلى الصدقة.
فقيل له: قد مَنَع خالد بن الوليد والعبّاس عمّ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمّا خالد فإنهم يظلمون خالدًا، إنّ خالدًا جعل رَقيقه وأعْتُدَه حُبُسًا في سبيل الله.
وأمّا العباس فإنها عليه ومثلُها معه.
والأعتُدُ يجمع العَتَاد: وهو ما أعدّه الرجل من السلاح والدوابّ والآلة للجهاد.
ويجمع أعتِدَةً أيضًا.
ويقال: فرسٌ عَتِدٌ وعَتَدٌ وهو المُعَدّ للركوب.
ومنه قول الشاعر:
راحوا بصائرُهُم على أكتافهم *** وبصيرتي يعدو بها عَتِدٌ وَأي
وسمعت أبا بكر الإيادي يقول: سمعت شمرًا يقول: فرسٌ عَتِدٌ وعَتَدٌ: مُعَدٌّ مُعْتَدٌ؛ وهما لغتان.
وقال ابن السكيت: فرسٌ عتِد وعَتَد وهو الشديد التامّ الخَلْق المُعَدّ للجري.
قال ومثله رجل سبِطٌ وسَبَطٌ وشَعَر رَجِل ورَجَلٌ وثغْر رَتِل ورَتَل أي مفلّج.
أبو عبيد عن أبي زيد قال: العَتُود من أولاد المعز: ما رَعَى وقَوي وجمعه أعتِدَة وعِدَّان، وأصله عِتْدَان، إلّا أنه أدغم قال: وهو العَرِيض أيضًا.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: إذا أجذع الجَدْيُ أو العَنَاق سمِّي عَرِيضًا وعَتُودًا.
وقال ابن شميل: ولد المِعْزَى إذا أجذع فهو عَرِيض، فإذا أثْنَى فهو عَتُود.
وقال الليث: العَتُود: الجَدْي إذا استَكْرَش.
ويقال: بل هو إذا بلغ السِفَاد والجميع العِدان.
وثلاثة أعتِدَة.
وأصل عِدّان عِتْدَان.
وأنشد أبو زيد
واذكر غُدَانَة عِدّانًا مُزَنَّمَةً *** من الحَبَلَّقِ تُبْنَى حولها الصِّيَرُ
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَتَاد: القَدَح وهو العَسْف والصَحْن.
وقال شمر: أنشدني أبو عدنان وذكر أنّ أعرابيًا من بني العنبر أنشده هذه الأرجوزة:
يا حَمْزَ هل شَبِعْتَ من هذا الخَبَطْ *** أم أنت في شكٍّ فهذا مُنْتَقَدْ
صَقْبٌ جسيمٌ وشديدُ المعتَمَدْ *** يعلو به كل عَتُودٍ ذاتَ وَدْ
عروقها في البحر يعمى بالزَبَدْ قال العَتود السِدْرة أو الطَلْحة قال: عَتْوَد ـ على بناء جَهْور ـ: مأسدة.
قال ابن مقبل:
جلوسًا به الشمّ العجافُ كأنهم *** أسود تَبْرجٍ أو أسودٌ بعتودا
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
223-تهذيب اللغة (عرد)
عرد: الليث: العَرْدُ: الشديد من كل شيء الصُلْب المنتصب.يقال: إنه لعَرْد مَغْرِزِ العُنق.
وقال العجّاج:
عَرْدَ التراقي حَشْوَرًا مُعَقْرَبًا
ويقال: قد عَرَدَ النابُ يَعْرِدُ عُرُودًا إذا خرج كله واشتدّ وانتصب، قاله أبو عمرو.
وعَرَدَ الشجر عُرُودًا ونَجَم نُجُومًا أوّلَ ما يَطْلُع.
وقال العجّاج:
وعُنقًا عَرْدًا ورَأْسًا مِرْأَسَا
وقال الأصمعي: عَرْدًا: غليظًا، مِرْأَسًا: مِصَكًّا للرؤوس.
قال: وَعَرَدَتْ أنيابُ الجمل إذا غَلُظت واشتدّت.
قال ذو الرمة:
يُصَعِّدْنَ رُقشًا بين عُوج كأنها *** زِجَاجُ القَنَا منها نَجِيمٌ وعَارِدُ
وقال في «النوادر»: عَرَدَ الشَجَرُ وأَعْرَدَ إذا غَلُظ وكَبُر.
الفرّاء: رمحٌ متَلٌّ ورمحٌ عُرُدٌّ وَوَتَرٌ عُرُدٌّ.
وأنشد:
والقوس فيها وَتَر عُرُدٌّ *** مِثْلُ ذراع البَكْر أو أشَدُّ
ويروى: مثل ذراع البَكْر.
شبّه الوتر بذراع البعير في توتّره.
وقال ابن بُزُرْجَ: إنه لقويٌ عُرُدٌّ شديد.
قال: والعَارِد: المُنْتَبِذُ.
وأنشد:
ترى شؤون رأسه العَوَارِدَا
أي: منتبِذة بعضُها من بعض.
وقال ابن الأعرابي: العَرَادَة: شجرة صُلْبة العُود.
وجمعها عَرَاد.
وأخبرني محمد بن إسحاق السعديّ عن أبي الهيثم أنه قال: تقول العرب: قيل للضَبِّ: وِرْدًا وِرْدًا، فقال:
أصبح قلبي صَرِدًا *** لا يشتهي أن يَردا
إلَّا عِرَادًا عَرِدَا *** وَعَنْكَثًا مُلتبِدَا
وصلِّيانًا بَرِدَا
قال: وعَرَادَ: نَبْت عَرِد صُلبٌ منتصبٌ.
أبو عبيد عن الأصمعي: العَرَاد: نبت، واحدته عَرَادة.
وبه سُمّي الرجل.
وقال الليث: العَرَادَة: نَبْت طيّب الريح.
قلت: قد رأيت العَرادَة في البادية، وهي صُلْبة العُود منتشرة الأغصان ولا رائحة لها.
والذي أراد الليث العَرادة فيما أحسب، فإنها بَهَار البَرّ.
أبو عبيد: عَرَّدَ الرجل عن قِرْنه إذا أحجم ونَكَل.
قال: والتعريد: الفِرار.
وقال الليث: التعريد: سرعة الذهاب في الهزيمة.
وأنشد لبعضهم:
لما استباحُوا عَبدَ رَبَّ وَعرَّدَت *** بأبي نَعَامة أمُّ رَأْلٍ خَيْفَق
يذكر هزيمة أبي نعامة الْحَرُوريّ قطري.
وقال أبو نصر: عَرّدَ السهْمُ تعريدًا إذا نَفَذ من الرَمِيَّة.
وقال ساعدة الهُذَليّ:
فجالت وخالت أنه لم يقع بها *** وقد خَلّهَا قِدِحٌ صَويبٌ مُعَرِّدُ
مُعَرِّدٌ أي نافذ، خَلَّها أي دخل فيها، صَويبٌ: صائبٌ قاصِد.
وعَرَّدَ النجم إذا مال للغروب بعد ما يُكبّد السماء؛ قال ذو الرمّة:
وهَمَّت الجوزاء بالتعريد
وقال الليث: العَرَادَة: الجَرَادة الأنثى.
والعَرَّادَة: شِبْه مَنْجَنيق صغير.
والجميع العَرَّدَات.
ونِيقٌ مُعَرِّدٌ: مرتفع طويل.
وقال الفرزدق:
فإني وإيّاكم ومَن في حبالكم *** كمن حَبْله في رأس نِيق مُعَرِّدِ
وقال شمر في قول الراعي:
بأطيَبَ من ثوبين تأوي إليهما *** سُعَادُ إذا نجم السماكين عَرَّدَا
أي: ارتفع.
وقال أيضًا:
فجاء بأشوال إلى أهل خُبَّةٍ *** طُرُوقًا وقد أقعى سُهَيْل فَعَرَّدا
قال: أقعى: ارتفع ثم لم يبرح.
ويقال: قد عَرَّد فلان بحاجتنا إذا لم يقضها.
وقال الليث وغيره: العَرْد الذَكَر إذا انتشر واتمهَلَّ وصَلُبَ.
أبو العباس عن ابن الأعرابي عَرِد الرجل إذا هرب.
وعَرِد إذا قوِي جسمه بعد المرض.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
224-تهذيب اللغة (درع)
درع: الدِّرْع دِرْعُ المرأة مذكّر.ودِرْع الحديد تؤنّث.
وتصغيرهما معًا دُرَيْع بغير هاء.
ابن السكيت: هي دِرْع الحديد والجمع القليل أدْرُع وأدراع.
فإذا كثرتْ فهي الدروع، وهو دِرع المرأة لقميصها وجمعه أدراع.
ورجلٌ دَارِع عليه دِرْع.
وقال الليث: ادَّرَع الرجل وتَدَرَّعَ إذا لبِس الدِّرْع.
والدُّرَّاعَة: ضربٌ من الثياب التي تُلبس.
والمِدْرَعة ضربٌ آخر، ولا تكون إلّا من صوفٍ.
فرّقوا بين أسماء الدِّرع والدُّرَّاعة والمِدْرَعة لاختلافها في الصنعة؛ إرادة الإيجاز في المنطق.
قال ويقال: لصُفَّة الرَحْل إذا بدا منها رأسا الواسِط والآخِرة: مُدَرَّعَة.
أبو عبيد عن أبي زيد في شِيات الغنم من الضأن: إذا اسودّت العُنُق من النعجة فهي دَرْعَاء.
وقال الليث: الدَّرَع في الشاة: بياض في صدرها ونحرها وسواد في الفخذ.
قال: والليالي الدُّرَعُ هي التي يَطْلُع القمر فيها عند وجه الصبح وسائرها أسود مظلم.
وقال أبو سعيد: شاة دَرْعاء: مختلفة اللون.
وقال ابن شميل الدَّرْعاء: السوداء غير أن عنقها أبيض، والحمراء وعنقها أبيض فتلك الدرعاء.
قال: وإن ابيضّ رأسها مع عُنقها فهي دَرْعاء أيضًا.
قلت: والقول ما قال أبو زيد.
سُمِّيت دَرْعَاء إذا اسودّ مُقَدّمها تشبيهًا بالليالي الدُّرع، وهي ليلة سِتّ عشرة وسبع عشرة وثمانيَ عشرة اسودّتْ أوائلها وابيضّ سائرها فسُمِّينَ دُرَعًا لم يختلف فيها قول الأصمعي وأبي زيد وابن شميل.
وأخبرني المنذري عن المبرّد عن الرياشي عن الأصمعي أنه قال في ليالي الشهر بعد الليالي البيض: وثلاث دُرَع.
وكذلك قال أبو عبيد غير أنه قال: القياس: دُرْعٌ جمع دَرْعَاء.
فقال أبو الهيثم فيما أفادني عنه المنذري: ثلاث دُرَعٌ، وثلاث ظُلَم جمع دُرْعَة وظُلْمَة لا جمع دَرْعَاء وظلماء.
قلت: هذا صحيح وهو القياس.
وروى أبو حاتم عن أبي عبيدة أنه قال: الليالي الدُّرْع هي السود الصدور البيض الأعجاز من آخر الشهر، والبِيض الصدور السود الأعجاز من أول الشهر.
وكذلك غَنَم دُرْعٌ للبيض المآخير السُّود المقاديم، أو السود المآخير البيض المقاديم.
قال: والواحد من الغنم والليالي دَرْعَاء، والذكر أدرع.
وقال أبو عبيدة: ولغة أخرى: ليالٍ دُرَع بفتح الراء الواحدة دُرْعَة.
قال أبو حاتم: ولم أسمع ذلك من غير أبي
عبيدة.
ثعلب عن ابن الأعرابي: ماء مُتَدرّع إذا أُكل ما حوله من المرعى فتباعد قليلًا وهو دون المُطْلِب.
وقال الهجيمي: أدرَعَ القومُ إدرَاعًا، وهم في دُرْعَةٍ إذا حَسَر كلؤهم عن حوالَيْ مياههم.
ونحوَ ذلك قال ابن شميل.
قال وإذا جاوزْت النصف من الشهر فقد أدْرَع، وإدراعُه: سواد أوّله.
وقال ابن بُزُرْجَ: يقال للهجين إنه لمعَلهَجٌ وإنه لأدْرع.
قال شمر وقال أبو عبيدة وابن الأعرابي: يقال دَرَعَ في عنقه حبلًا ثم اختنق.
قلت: وأقرأني الإيادي لأبي عبيد عن الأموي: التذريع ـ بالذال ـ الخنقُ، وقد ذَرَّعَه إذا خنقه.
قلت: وأما شمر فإنه روى لأبي عبيدة وابن الأعرابي: ذَرَع في عنقه حبلًا ثم اختنق، بالذال.
أبو عبيد: الاندرَاع التقدم.
وأنشد للقطامي:
أمامَ الخيل تندرع اندراعَا
قال أبو زيد: ذرَّعته تذريعًا إذا جعلت عُنقه ثِنْيَ ذراعك وعضدك فخنقته، وهو الصواب.
وقال غيره: اندرأ يفعل كذا وكذا واندرع أي اندفع.
وأنشد:
واندرعت كلُّ علَاة عَنْس *** تَدَرُّعَ الليل إذا ما يُمسِي
وحكى شَمِر عن القزمُليّ قال: الدِّرع: ثوبٌ تجوب المرأة وَسَطه، وتجعل له يدين وتخيط فرجيه، فذلك الدِّرْع.
ودُرِّعَت الصبيّةُ إذا أُلبست الدِّرع.
ثعلبٌ عن ابن الأعرابي: دُرعَ الزرعُ إذا أُكل بعضه.
وقال بعض الأعراب: عُشْبٌ دَرِعٌ نَزَع ونَمِغٌ وذَمِطٌ ووَلخٌ إذا كان غَضًّا.
وادَّرَعَ فلان الليلَ إذا دخل في ظلمته ليسري والأصل فيه ادترع كأنه ليس ظلمة الليل فاستتر به.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
225-تهذيب اللغة (عدل)
عدل: قال الله جلّ وعزّ: {أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيامًا} [المَائدة: 95].قال الفراء: العَدْل: ما عَادلَ الشيء من غير جنسِه.
والعِدْل: المِثل، مثل المِحْمَل وذلك أن تقول: عندي عِدْلُ غلامك وعِدْل شاتك إذا كانت شاةٌ تعدِل شاةً أو غلام يَعدل غلامًا.
فإذا أردت قيمته من غير جنسه نصبت العين فقلت: عَدْل.
وربما قال بعض العرب: عِدلُه، وكأنه منهم غلط؛ لتقارب معنى العَدْل من العِدْل.
وقد اجتمعوا على أنّ واحد الأعدال عِدْلٌ.
قال ونُصب قوله {صِيامًا} على التفسير، كأنه: عَدلُ ذلك من الصيام، وكذلك قوله: {مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} [آل عِمرَان: 91] أخبرني بجميع ذلك المنذري عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء.
وقال الزجّاج: العَدلُ والعِدْل واحد في معنى المِثْل.
قال: والمعنى واحد، كان المِثلُ من الجنس أو من غير الجنس.
قال أبو إسحاق: ولم يقولوا: إن العرب غلِطت.
وليس إذا أخطأ مخطىء وجب أن يقول: إن بعض العرب غلِط.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَدْلُ: الاستقامة.
وقال
عَدْلُ الشيء وعِدْلُه سواء أي مثله.
قال وأخبرني ابن فهم عن محمد بن سلّام عن يونس قال: العَدْلُ: الفِدء في قوله جلّ وعزّ: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها} [الأنعام: 70].
قال وسمعت أبا الهيثم يقول: العِدْلُ: المِثل: هذا عدله: والعَدْلُ: القِيمة يقال: خذ عَدْله منه كذا وكذا أي قيمته.
قال: ويقال لكلّ من لم يكن مستقيمًا: حَدْلٌ وضدّه عَدْلٌ.
يقال: هذا قَضَاء عَدْلٌ غير حَدْلٍ.
قال والعِدْلُ: اسم حِمْل مَعدُولٍ بحمل أي مُسَوًّى به.
والعَدْل: تقويمك الشيء بالشيء من غير جنسه حتى تجعله له مِثلًا.
وقول الله جلّ وعزّ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2].
قال سعيد بن المسيّب: ذَوَيْ عقل.
وقال إبراهيم: العَدْل الذي لم تظهر منه ريبة.
وكتب عبد الملك إلى سَعيد بن جُبَير يسأله عن العَدْل، فأجابه: إن العَدْل على أربعة أنحاء: العَدْل في الحكم: قال الله تعالى: {وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] والعَدل في القول؛ قال الله تعالى: {وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام: 152].
والعَدل: الفِدْية؛ قال الله: {وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ} [البَقَرَة: 123].
والعَدْل في الإشراك قال الله جلّ وعزّ: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعَام: 1].
وأمّا قوله جلّ وعزّ: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النِّساء: 129].
قال عَبِيدة السَلْماني والضحَّاك: في الحُبّ والجماع.
وقوله سبحانه: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها} [الأنعَام: 70] كان أبو عبيدة يقول معناه وإن تُقسط كل أقساطٍ لا يُقبل منها.
قلت: وهذا خطأ فاحش وإقدام من أبي عُبِيدة على كتاب الله.
والمعنى فيه: لو تفتدي بكل فِداء لا يقبل منها الفداء يومئذ.
ومثله قوله: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ} [المعَارج: 11] الآية أي لا يقبل ذلك منه ولا يُنْجيه.
وقولهم: رجلٌ عَدْل معناه ذو عدل ألا تراه.
قال في موضعين: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، فنُعِتَ بالمصدر.
وقيل: رجل عَدْلٌ، ورجلان عَدْلٌ ورجال عَدلٌ، وامرأة عَدْلٌ، ونِسْوة عَدْلٌ، كل ذلك على معنى: رجال ذوِي عَدلٍ ونسوة ذوات عَدل.
والعَدْل: الاستقامة.
يقال: فلان يَعدِل فلانًا أي يساويه.
ويقال ما يعدِلك عندنا شيء أي ما يقع عندنا شيء مَوْقعك.
وإذا مال شيء قلت: عَدلتُه أي أقمتُه فاعَتَدَلَ أي استقام ومن قرأ قول الله جلّ وعزّ: {خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} ـ بالتخفيف ـ {فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ} [الانفِطار: 7، 8].
قال الفراء: من خفّف فوجهه ـ والله أعلم ـ فصرفك إلى أيّ صورة شاء إما حَسَن وإما قبيح وإما طويل وإما قصير.
ومن قرأ: (فَعَدَّلك) فشدد ـ وهو أعجب الوجهين إلى الفراء وأجودهما في العربية ـ ومعناه: جعلك مُعْتَدِلًا مُعْدَّلَ الخَلْق.
قال: واخترتُ (عَدّلك)؛ لأن (في) للتركيب أقوى في العربيِّة من أن تكون (في) للعَدْلِ؛ لأنك تقول: عَدَلْتُكَ إلى كذا وصَرفتُك إلى كذا.
وهذا أجود في العربية من أن تقول: عَدلتك فيه وصرفتك فيه.
قلت: وقد قال غير الفرّاء في قراءة مَن قرأ: فَعَدَلَكَ ـ بالتخفيف ـ: إنه بمعنى: فسوّاك وقوّمك، من قولك: عَدلتُ الشيء فاعتدل أي سوّيتهُ فاستوى.
ومنه قوله:
وعَدَلْنَا مَيْل بَدْرٍ فاعْتَدَل
أي: قوّمناه فاستقام.
وقرأ عاصم والأعمش بالتخفيف فَعَدَلَكَ، وقرأ نافِع وأهل الحجاز.
{فَعَدَّلَكَ} بالتشديد.
وقوله: {أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيامًا} [المائدة: 95] قرأها الكسائي وأهل المدينة بالفتح، وقرأها ابن عامر بالكسر: {أو عِدْلُ ذلك صيامًا} وقال الليث: العَدْل من الناس: المرضِيّ قولُه وحُكمه.
قال: وتقول إنه لعَدْلٌ بيّن العَدْل والعَدَالة.
قال: والعَدْلُ: الحُكم بالحقّ.
يقال هو يقضي بالحقّ ويعدل وهو حَكَم عَادلٌ: ذو مَعْدَلةٍ في حكمه وقال شمر: قال القُزْملي: سألت عن فلانٍ العُدَلَة أي الذين يُعَدُّلُونَه.
وقال أبو زيد: يقال رجل عُدَلَة وقوم عُدَلَة أيضًا وهم الذين يزكّون الشهود.
وقال يونس: جائز أن يقال: هما عَدْلَان وهم عُدُول، وامرأة عَدْلة.
وقال الكلابيون: امرأة عَدْلٌ وقومٌ عُدُل.
وقال يونس عن أبي عمرو: الجيّد امرأةٌ عَدْلٌ، وقومٌ عَدْلٌ، ورجلٌ عَدْلٌ.
وقال الباهليّ: رجلٌ عَدْل وعَادِل: جائز الشهادة.
وامرأة عَادِلة: جائزة الشهادة.
وقال الأصمعي: يقال عَدَلت الجُوَالق على البعير أعدِله عَدْلًا يُحمل على جَنْب البعير ويُعْدَل بآخر.
وفي الحديث: «مَن شرب الخمر لم يقبل الله منه صَرْفًا ولا عَدْلًا أربعين ليلة».
قال بعضهم: الصَرْف الحيلة.
والعَدل: الفِدْية.
قال يونس بن عُبَيد: الصرف الحيلة، ويقال منه فلان يتصرّف أي يحتال.
قال الله عزوجل: {فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا} [الفرقان: 19] وقال ابن عباس: الصَرْف: الدِية، والعَدْلُ: السَّوِيَّة، وقال شمر: أخبرني ابن الحَرِيش عن النضر بن شميل قال: العَدْلُ: الفريضة.
والصرف: التطوّع.
وقال مجاهد في قوله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1] أي يُشركون.
وقال الأحمر: عَدَل الكافر بربه عَدْلًا وعُدُولًا إذا سَوَّى به غيره فعَبَدَهُ.
وقال الكسائي: عَدَلت الشيء بالشيء أعدِله عُدُولًا إذا ساويته به.
وعَدل الحاكِم في الحكم عَدْلًا.
وقال شمر: أما قول الشاعر:
أفذَاكَ أم هي في النَجَا *** ء لمن يُقَاربُ أو يُعَادِلْ
يعني: يُعَادِل بين ناقته والثَوْر، قال: وقال ابن الأعرابي المعادلة: الشكّ في الأمرين وأنشد:
وذو الهمّ تُعْديه صَرَامَةُ هَمِّهِ *** إذا لم تُمَيّثْهُ الرُّقَى ويُعَادِل
يقول يعَادِل بين الأمرين أيُّهما يَركبُ، تُمَيِّثه: تُذَلِّله المَشُورَات، وقول الناس: أين تذهب، وقال المرَّار:
فلما أن صَرَمَتْ وكان أمْرِي *** قويمًا لا يميل به العُدُولُ
قال عَدَل عنِّي يَعْدِلُ عُدولًا لا يميل به عن طريقه الميْلُ.
وقال الآخر:
إذا الهَمُّ أمْسَ وَهْو داء فأَمضِهِ *** ولست بمُمْضيه وأنت تُعَادِله
قال: معناه: وأنت تشكّ فيه.
رَوى أبو عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر المدينة فقال: «من أحدث فيها حَدَثًا أو آوى مُحْدِثًا لم يقبل الله منه صَرْفًا ولا عَدْلًا»، قال أبو عبيد رُوي عن مكحول أنه قال الصرف التوبة والعدل: القدية.
وقال أبو عبيد: قوله «من أحدث فيها حَدَثًا» فإن الحدث كل حَدّ يجب لله تعالى على صاحبه أن يقام عليه.
ثعلب عن ابن الأعرابي العَدَلُ مُحرّك: تسوية الأوْنَين، وهما العِدْلان.
وقال الليث: العَدْل أن تعدِل الشيء عن وجهه، تقول، عَدَلْتُ فلانًا عن طريقه، وعَدَلْتُ الدابة إلى موضع كذا فإذا أراد الاعوجاج نفسه قال: هو يَنْعَدِل أي يعوجّ.
وقال في قوله:
وإني لأنْحِي الطَرْف من نحو أرضها *** حياءً ولو طاوعتُهُ لم يُعَادِل
قال: معناه، لم ينعَدِل قلت معنى قوله لم يعادل أي لم يَعْدِل بنحو أرضها أي بقصدها نحوًا ولا يكون يُعَادِل بمعنى ينعدل.
وقال الليث: المعتدِلة من النوق: الحسَنَة المتّفقة الأعضاء بعضُها ببعض.
وروى شمر عن محارب: قال: المُعْنَدِلة من النوق وجعله رباعيًّا من باب عَندَل.
قلت والصواب المعتدلة بالتاء.
وروى شمر عن أبي عدنان أنّ الكناني أنشده:
وعَدَل الفَحل وإن لم يُعْدلِ *** واعْتَدَلَتْ ذاتُ السَنَام الأَمْيَل
قال: اعتدال ذات السَّنَام الأميَل استقامة سَنامها من السِمَن بعدما كان مائلًا.
قلت: وهذا يدلّ على أن قول محارب: المُعْنَدِلة غير صحيح، وأن الصواب: المُعْتَدِلة، لأن الناقة إذا سمِنتْ اعتدلت أعضاؤها كلُّها من السنام وغيره.
ومُعَنْدِلة من العَنْدَل وهو الصُلب الرأس وليس هذا الباب له بموضعٍ، لأن العَنْدل رباعي خالص.
شمر العَدِيل: الذي يُعَادِلك في المحمِل والعَدْل: نقيض الجَوْر.
وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: الحمد لله الذي جعلني في قومٍ إذا مِلْتُ عَدَلُوني كما يُعْدَل السهم في الثِقاف، أي قَوَّموني.
شمر عن أبي عدنان: شرب حتى عَدَّل أي امتلأ.
قلت وكذلك عَدَّنَ وأوَّن بمعناه.
ويقال أخذ الرجل من مَعْدَل الباطل أي في طريق الباطل ومذهبه، ويقال انظروا
إلى سُوء مَعَادِلِهِ، ومذموم مداخله، أي إلى سوء مذاهبه ومسالكه، وقال زهير:
وسُدِّدَتْ.
.
.
عليه سِوَى *** قَصْد الطريق مَعَادِلُهْ
ويقال عَدَّلْتُ أمتعة البيت إذا جعلتها أعدالًا مستوِية للاعتكام يوم الظعْن.
وعَدَّل القسَّام الأنصباء للقَسْم بين الشركاء إذا سوّاها على القِيم.
وأمّا قول ذي الرمّة:
إلى ابن العامريّ إلى بلالٍ *** قطعتُ بنَعْفِ مَعقُلة العِدَالا
فالعرب تقول: قطعْتُ العِدَال في أمري، ومضيت على عزمي، وذلك إذا مَيَّلَ بين أمرين أيُّهما يأتي، ثم استقام به الرأي فعزم على أوْلَاهُما عنده، ويقال أنَا في عِدَال من هذا الأمر أي في شك منه: أأمضي عليه أم أتركه، وقد عَادَلت بين أمرين أيَّهما آتي أي ميِّلت وفرسٌ معتدل الغُرّة إذا توسّطَت غُرَّتُه جبهته، فلم نصب واحدة من العينين ولم تَمل على واحد من الخدّين، قاله أبو عبيدة.
أبو عبيد عن الأصمعي: العَدَوليّ من السفن منسوب إلى قرية بالبحرين يقال لها: عَدوْلَى.
قال وَالخُلْجُ سفنٌ دونَ العَدوْلِيَّة.
وَقال شمر: قال ابن الأعرابي قول طرَفة:
عَدَوْليَّة أو من سفين ابن نَبْتَل
قال نسبها إلى ضِخَم وقِدَم، يقول: هي قديمة أو ضخمة.
وقال الليث: العَدْوَلِيَّة نُسِبَتْ إلى موضع كان يسمى عَدَوْلَاة وهو بوزن فَعَوْلَاة.
وذكر عن الكلبي أنه قال: عَدَوْلَى ليسوا من ربيعة ولا مضر ولا ممّن يعرف من اليمن، إنما هم أمّة على حِدَة، قلت: والقول في العَدَوْليّ ما قاله الأصمعي.
ثعلب عن ابن الأعرابي: يقال لزوايا البيت: المعَدَّلات والدراقيع والمُزَوَّيات والأخصام والثَفنات.
وقال في قول الله: {فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ} [الانفطار: 7، 8] أي فقوّمك.
ومن خفّف أراد: عَدَلَك من الكفر إلى الإيمان، وهما نعمتان.
وهذا قول ابن الأعرابي.
وقال ابن السكيت عن ابن الكلبي في قول الناس للشيء الذي يُئِسَ منه: وُضِعَ على يَدَيْ عَدْلٍ قال: هو العَدْل بن جَزْء بن سعد العَشِيرة، وكان وَلي شُرَط تُبَّع، فكان تُبَّع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه فقال الناس وُضِعَ على يَدَي عَدْلٍ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
226-تهذيب اللغة (عبد)
عبد: أبو عبيد عن الفرّاء: ما عَبَّد أَن فعل ذاك وما عَتَّم وما كذّب معناه كله: ما لبَّث.قال: ويقال امتَلّ يعدو، وانكدر يعدُو، وعَبّدَ يَعدُو إذا أسرع بعض الإسراع.
وقال الله جلّ وعزّ: {قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} [الزّخرُف: 81].
قال الليث: العَبَد: الأنفُ والحمِيَّة من قول ليُستحيا منه ويُستنكف.
قال: وقوله: (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) أي الآنفين من هذا القول.
قال: ويُقرأ: (فأنا أول العَبدِين) مقصور من عَبِدَ يَعْبَدُ فهو عَبِد.
قال: وبعض المفسرين يقول: (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) أي كما أنه ليس للرحمن ولد أنا لست بأول من عبد الله.
قلت: وهذه آية مشكلة.
وأنا ذاكر أقاويل السلف فيها، ثم مُتبعها بالذي قال أهل اللغة وأُخبِر بأصَحِّها عندي والله الموفق.
فأما القول الذي ذكره الليث أوّلًا فهو قول أبي عبيدة، على أني ما عَلِمتُ أحدًا قرأ: (فأنا أول العَبِدين) ولو قرىء مقصورًا كان ما قاله أبو عبيدة محتملًا.
وإذْ لم يقرأ به قارىء مشهورٌ لم يُعبَأ به.
والقول الثاني: ما روي عن ابن عُيَيْنَة أنه سئل عن هذه الآية فقال: معناه: {إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} [الزّخرُف: 81]، يقول: فكما أني لستُ أوّل من عَبَدَ الله فكذلك ليس لله ولد.
وهذا القول يقارب ما قاله الليث آخِرًا، وأضافه إلى بعض المفسرين.
وقال السُّدي: قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: (قُلْ) لهم: (إِنْ كانَ) ـ على الشرط ـ (لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) كما تقولون لكنت أوّل من يطيعه ويعبده.
وقال الكلبي: إن كان ما كان.
وقال الحسَنُ وقتادة: (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) على معنى ما كان (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ): أوّلُ من عَبَدَ الله من هذه الأمّة.
وقال الكسائي: قال بعضهم: (إِنْ كانَ) أي ما كان (لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ): الآنفين، رجلٌ عَابِد وعَبِدٌ وآنِف وأنِفٌ.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي في قوله: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} [الزّخرُف: 81] أي الغِضاب الآنفين ويقال: فأنا أول الجاحدين لِمَا تقولون.
ويقال: أنا أول من يعبده على الوحدانية مخالَفةً لكم.
وروي عن عليّ أنه قال: عَبِدتُ فصَمَتُ أي أنِفْتُ فسَكَتُّ.
وقال ابن الأنباريّ: معناه: ما كان للرحمن ولد والوقف على الولد، ثم
يبتدىء: (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) له، على أنه لا ولد له.
والوقف على (الْعابِدِينَ) تامّ.
قلت: قد ذكرتُ أقاويل مَن قدّمنا ذكرهم، وفيه قول أحسن من جميع ما قالوا وأَسْوغ في اللغة، وأبعد من الاستكراه وأسرع إلى الفهم.
رَوَى عبد الرازق عن مَعْمَر عن ابن أبي نَجِيع عن مجاهد في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} [الزّخرُف: 81] يقول: إن كان لله ولد في قولكم فأنا أول من عَبَدَ الله وحده وكذّبكم بما تقولون.
قلت: وهذا واضح.
وممّا يزيده وضوحًا أن الله جلّ وعزّ قال لنبيّه صلى الله عليه وسلم: (قُلْ) يا محمد للكفار (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) في زعمكم (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) إلهَ الخلق أجمعين الذي (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)، وأولّ الموحِّدين للرب الخاضعين المطيعين له وحده؛ لأن من عَبَدَ الله واعترف بأنه معبوده وحده لا شريك له فقد دَفَعَ أن يكون له ولد.
والمعنى: (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) في دعواكم فالله جلّ وعزّ واحد لا شريك له، وهو معبودي الذي لا ولد له ولا والد.
قلت: وإلى هذا ذهب إبراهيم بن السَرِيّ وجماعة من ذوي المعرفة، وهو القول الذي لا يجوز عندي غيره.
وقال الله جلّ وعزّ: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ} [الشُّعراء: 22] الآية.
قلت: وهذه الآية تقارِب التي فسّرنا آنفًا في الإشكال، ونذكر ما قيل فيها ونخبر بالأصحّ الأوضح ممَّا قيل.
أخبرني المنذريّ عن أبي العباس أنه قال: قال الأخفش في قوله: (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) قال: يقال: إن هذا استفهامٌ، كأنه قال: أوَ (تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ) ! ثم فَسَّر فقال: (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) فجعله بدلًا من النعمة.
قال أبو العبّاس: وهذا غلط؛ لا يجوز أن يكون الاستفهام يُلْقى وهو يُطْلَبُ، فيكون الاستفهام كالخبر.
وقد استُقبح ومعه (أم) وهي دليل على الاستفهام.
استقبحوا قول امرىء القيس:
تروح من الحَيّ أم تَبْتَكِرْ
قال بعضهم: هو أتروح من الحيّ أم تبتكر فحذف الاستفهام أوّلًا واكتفى بأم.
وقال أكثرهم: بل الأول خبر والثاني استفهام.
فأمَّا وليس معه (أم) لم يقله إنسان.
قال أبو العباس: وقال الفرّاء: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ}، لأنه قال: {وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ} لنعمتي أي لنعمة تربيتي لك، فأجابه فقال: نعم هي نعمة {عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ} ولم تستعبدني.
يقال: عَبَّدَتُ العَبِيد وأعبدتهم أي صيّرتُهم عبيدًا، فيكون موضع {أَنْ} رفعًا ويكون نصبًا وخفضًا.
من رَفَع ردّها على النعمة، كأنه قال: وتلك نعمة تعبيدك بني إسرائيل ولَمْ تُعَبِّدْني.
ومن خفض أو نصب أضمر اللام.
قلت: والنصب أحسن الوجوه، المعنى: أن فرعون لمّا قال لموسى: {قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} [الشعراء: 18] فاعتَدّ فرعونُ على
موسى بأن ربّاه وليدًا منذ وُلِد إلى أن كَبِر، فكان من جواب موسى له: تلك نعمة تَعتدّ بها عليّ لأنك عَبّدتَ بني إسرائيل ولو لم تُعبْدهم لكفَلني أهلي ولم يُلْقوني في اليمّ، فإنما صارت نعمة لِمَا أقدمت عليه ممَّا حظره الله عليك.
وقال أبو إسحاق الزجّاج: المفسّرون أخرجوا هذه على جهة الإنكار أن تكون تلك نعمة، كأنه قال: وأيّ نعمة لك عليّ في أن عَبَّدت بني إسرائيل واللفظ لفظ خبر.
قال: والمعنى يخرج على ما قالوا على أن لفظه لفظ الخبر.
وفيه تبكيتٌ للمخاطَب كأنه قال له هذه نعمة أن اتخذتَ بني إسرائيل عَبيدًا، على جهة التهكّم بفرعون.
واللفظ يوجب أن موسى قال له: هذه نعمة لأنك اتخذت بني إسرائيل عبيدًا ولم تتخذني عَبدًا، وقال الشاعر في أعبَدت الرجل بمعنى عَبَّدته:
علام يُعْبِدُني قومي وقد كثرت *** فيهم أباعِر ما شاءوا وعُبْدانُ
وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال: المُعَبَّد: المُذَلَّل.
والمُعَبّد: البعير الجَرِبُ.
وأنشد لَطَرفة:
وأفردت إفراد البعير المعُبَّدِ
قال والمُعَبَّد: المكرَّم في بيت حاتم حيث يقول:
تقول ألا تُبقي عليك فإنني *** أرى المال عند الممسكين مُعَبَّدَا
أي: مُعَظَّمًا مخدُومًا.
قال: وأخبرني الحرّاني عن ابن السكيت: يقال اسْتَعْبَده وعَبَّدَه أي أخذه عَبْدًا وأنشد قول رؤبة:
يَرْضَوْنَ بالتعبيد والتأمِيّ
قال: ويقال: تَعَبَّدت فلانًا أي اتّخذته عَبدًا، مثل عَبَّدته سَوَاء.
وَتَأَمَّيْتُ فلانةَ أي اتخذتها أَمَةً.
وقال الفرّاء: يقال: فلان عَبْدٌ بَيِّنُ العُبُودة والعُبُودِيَّة والعَبْدِيّة.
وتَعَبَّد الله العَبْد بالطاعة أي استعبده.
وقال الله جلّ وعزّ: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: 60] قرأ أبو جعفر وشَيْبَة ونافِع وعاصِم وأبو عمرو والكسائي: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}.
قال الفرّاء: هو معطوف على قوله (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) ومن عَبَدَ الطاغوت.
وقال الزجاج: قوله (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) نَسَقٌ على (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) المعنى: من لعنه الله ومن عبد الطاغوت.
قال وتأويل (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) أي أطاعه ـ يعني الشيطان ـ فيما سوّل له وأغواه.
قال: والطاغوت هو الشيطان.
قال في قول الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفَاتِحَة: 5]: إياك نطيع الطاعة التي نخضع معها.
قال: ومعنى العبادة في اللغة: الطاعة مع الخضوع.
ويقال طريقٌ مُعَبَّدٌ إذا كان مذلَّلًا بكثرة الوطء، وبعيرٌ مُعَبَّد إذا كان مَطْليًّا بالقَطِران.
وقرأ: (وعَبُدَ الطاغوتِ)
يحيى بن وَثّابٍ والأعمش وحمزة.
قال الفرّاء: ولا أعلم له وجهًا إلا أن يكون عَبُدَ بمنزلة حذُر وعَجُل.
وقال نُصَير الرازيّ: (عَبُدٌ) وَهمٌ ممَّن قرأه، ولسنا نعرف ذلك في العربيَّة.
ورُوي عن النخعي أنه قرأ: (وعُبُدَ الطاغوتِ) وذكر الفرّاء أن أُبَيًّا وعبد الله قرءا (وعبدوا الطاغوت).
ورُوي عن بعضهم أنه قرأ: (وعُبَّاد الطاغوت) وبعضهم (وعَابِدَ الطاغوت).
ورُوي عن ابن عباس: (وعُبِّدَ الطاغوت).
ورُوي عنه أيضًا: (وعُبَّدَ الطاغوت).
قلت: والقراءة الجيّدة التي لا يجوز عندنا غيرها هي قراءة العامّة التي بها قرأ القُرّاء المشهّرون.
{وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: 60] على التفسير الذي بيّنته من قول حُذَّاق النحويين.
قلت: وأما قول أوس بن حجر:
أبَنِي لبيني أن أُمَّكُمُ *** أَمَةٌ وإن أباكم عَبُدُ
فإنه أراد: وإن أباكم عَبْد فثقَّله للضرورة، فقال: عَبُدُ.
وقال الليث: العَبد: المملوك.
وجماعتهم: العَبِيد، وهم العِبَاد أيضًا؛ إلَّا أنّ العامّة اجتمعوا على تفرقة ما بين عباد الله والمَماليك، فقالوا: هذا عَبْد من عباد الله، وهؤلاء عبيد مماليك.
قال: ولا يقال: عَبَدَ يَعْبُدُ عِبَادَةً إلّا لمن يَعْبُدُ الله.
ومن عَبَدَ مِن دونه إلهًا فهو من الخاسرين.
قال: وأما عَبْدٌ خَدَمَ مولاه فلان يقال: عَبَدَه.
قال الليث: ومن قرأ: (وَعَبُدَ الطاغوتُ) فمعناه صار الطاغوتُ يُعْبَد، كما يقال: فَقُهَ الرجل وظَرُفَ.
قلت: غَلِط الليث في القراءة والتفسير.
ما قرأ أحد من قُرَّاء الأمصار وغيرهم (وَعَبُدَ الطاغوتُ) برفع الطاغوت، إنما قرأ حمزة: (وَعَبُدَ الطاغوتِ) وهي مهجورة أيضًا.
قال الليث: ويقال للمشركين: هم عَبَدَة الطاغوتِ.
ويقال للمسلمين: عِبَاد الله يَعْبُدُون الله.
وذكر الليث أيضًا قراءة أخرى ما قرأ بها أحد وهي (وعابدو الطاغوت) جماعة.
وكان رَحِمه اللهُ قليل المعرفة بالقراءات.
وكان نَوْلُه ألّا يحكي القراءات الشاذَّة، وهو لا يحفظها القارىء قرأ بها وهذا دليل على أن إضافته كتابه إلى الخليل بن أحمد غير صحيح، لأن الخليل كان أعقل وأورع من أن يسمِّى مثل هذه الحروف قراءات في القرآن، ولا تكون محفوظة لقارىء مشهور من قُرّاء الأمصار ودليل على أن الليث كان مغفَّلًا ونسأل الله التوفيق للصواب.
وقال الليث: يقال أعبَدني فلان فلانًا أي ملّكني إيّاه.
قلت: والمعروف عند أهل اللغة: أعبَدت فلانًا أي استعبدته.
ولست أنكر جواز ما ذكره الليث إن صحَّ لثقة من الأئمة، فإن السماع في اللغات أولى بنا من القول بالحَدْس والظنّ وابتداع قياسات لا تستمرّ
ولا تطّرد.
وقال الليث: العِبِدَّى: جماعة العَبيد الذين وُلِدُوا في العُبُودَة، تعبيدةً ابنَ تعبيدة، أي في العُبُودة إلى آبائه.
قلت: هذا غَلَط.
يقال: هؤلاء عِبِدَّى الله أي عِبَادُه.
وفي الحديث الذي جاء في الاستسقاء: «وهذه عِبِدّاك بِفناء حَرَمك».
قال الليث: والعبادِيد: الخيل إذا تفرّقتْ في ذهابها ومجيئها، ولا تقع إلا على جماعة: لا يقال للواحد عِبْدِيد.
قال ويقال في بعض اللغات: عبابيد، وأنشد:
والقوم آتوك بَهزٌ دون إخوتهم *** كالسيل يركب أطراف العبَابِيد
قال: وهي الأطراف البعيدة، والأشياء المتفرقة.
وهم عَباديد أيضًا.
قلت: وقال الأصمعي: العبابيد: الطُرُق المختلفة.
ورَوَى أبو طالب عن أبيه عن الفرّاء أنه قال: العَبَاديد والشماطِيط لا يُفْرد له واحد.
قال: وقال غيره: ولا يُتكلم بهما في الإقبال، إنما يتكلم بهما في التفرق والذهاب.
قال: وقال الأصمعي: يقال صاروا عَبابِيد وعَبَادِيد أي متفرّقين.
وقول الله جلّ وعزّ: {وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ} [المؤمنون: 47] أي دائنون، وكل من دان لملكٍ فهو عَابد له.
وقال ابن الأنباري: فلان عَابِد وهو الخاضع لربّه المستسلم لقضائه المنقاد لأمره.
وقوله {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] أي أطيعوا ربّكم.
وقيل في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5]: إيّاك نوحِّد، والعابد الموحِّد.
والدراهم العَبْديَّة كانت دراهم أفضل من هذه الدراهم وأكثر وزنًا.
وأما بيت بشر:
مُعَبَّدةُ السقائف ذات دُسْرٍ *** مُضَبَّرةٌ جوانبها رَداحُ
فإن أبا عبيدة قال: المعَبَّدة: المطليَّة بالشحم أو الدُهْن أو القار.
وقيل مُعَبَّدة: مُقَيرة.
وقال شمر: يقال للعبيد مَعْبَدَة.
وأنشد للفرزدق:
وما كانت فُقَيم حيث كانت *** بيثرب غيرَ مَعْبَدَة قُعُودِ
قلت: ومثل معبَدة جمع العبْد مشيْخة جمع الشيخ، ومسْيفة جمع السيف.
أبو عبيد عن أبي زيد: أعبَدَ القوم بالرجُل إذا ضربوه، وقد أُعْبِدَ به إذا ذهبتْ راحلته، وكذلك أُبْدِعَ به.
أبو عبيد عن أبي عمرو: ناقة ذات عَبَدَة أي لها قوّة شديدة.
وقال شمر: العَبَدَة البقاء يقال ما لثوبك عَبَدَة أي بقاء سُمِّي عَلْقمة بن عَبَدَة وقال أبو دوادٍ الإياديُ:
إنْ تُبتذل تُبتذل من جندلٍ خِرسٍ *** صَلَابةٍ ذات أَسدارٍ لها عَبَدَه
وقيل أراد بالعَبَدَة: الشدّة.
وقال شمر: يُجمع العَبْدُ عَبيدًا ومَعْبُودَاء وعِبِدَّى ومَعْبَدَة وعُبْدَانًا وعِبْدَانًا وأنشد:
تركت العِبدّى يَنْقُرون عجانَهَا
وقال اللحياني: عَبَدت الله عِبَادَةً ومَعْبَدًا والمُعَبَّدُ: الطريق الموطوء في قوله:
وَظيفًا وظيفًا فوق مَوْرٍ مُعَبَّدِ
وأنشد شمر:
وَبَلد نائي الصُوَى مُعَبَّد *** قطعتُه بذاتِ لَوْثٍ جَلْعَدِ
قال: أنشدنيه أبو عدنان وذكر أن الكلابيّة أنشدته وقالت: المُعَبَّد: الذي ليس فيه أثَر ولا عَلم ولا ماء.
وقال شمر: المُعَبَّدُ من الإبل: الذي قد عُمَّ جِلدُه كلّه بالقَطران من الجَرَب.
ويقال: المُعَبَّدُ: الأجرب الذي قد تساقط وَبَره فأُفرد عن الإبل ليُهْنَأَ.
ويقال: هو الذي عَبَّده الجَرَب أي ذَلّلَهُ.
وقال ابن مقبل:
وضَمَّنتُ أرسانَ الجياد مُعَبَّدًا *** إذا ما ضربنا رأسه لا يُرَنَّحُ
قال: والمعَبَّد ههنا الوتِد ويقال أنوم من عَبّود.
قال المفضل بن سلمة: كان عبود عبدًا أسود حطابًا فَغَبَر في محتطبه أسبوعًا لم ينم ثم انصرف وبقي أسبوعًا نائمًا فضرب به المثل وقيل: نام نوم عبّود وقال أبو عدنان: سمعت الكلابيّين يقولون: بعيرٌ مُتَعَبِّدٌ ومُتَأَبِّد إذا امتنع على الناس صعوبةً فصار كآبِدة الوَحْش.
قال ويقال: عَبِدَ فلان: إذا ندِم على شيء يفوته ويلوم نفسه على تقصير كان منه.
وقال النضر: العَبَدُ طول الغضب.
وقال أبو عبيد قال الفرّاء: عَبِدَ عليه وأحِن عليه وأمِد وأبِد أي غضِب.
وقال الغَنَوِيّ: العَبَدُ: الحزَنُ والوَجْد.
وقيل في قول الفرزدق:
أولئك قوم إن هجوني هجوتهم *** وأعْبَدُ أن أهجو كُلَيبًا بدَارِمِ
أعْبَدُ: أي آنف.
وقال ابن أحمر يصف الغَوّاص:
فأرسَل نفسه عَبَدًا عليها *** وكان بنفسه أرِبًا ضَنِينَا
قيل: معنى قوله: عَبَدًا أي أنَفًا.
يقول: أنِفَ أن تفوته الدُرَّة.
وقال شمر: قيل للبعير إذا هُنِىءَ بالقَطِران: مُعَبَّدٌ لأنه يتذلَّل لشهوته للقطران وغيره، فلا يمتنع.
والتعبُّد: التذلّل.
قال: والمعَبَّد: المذلَّل.
يقال: هو الذي يُتركُ ولا يُركبُ.
ثعلب عن ابن الأعرابي يقال: ذهب القوم عَبَادِيد وعَبَابِيد إذا ذهبوا متفرّقين، ولا يقال: أقبلوا عَبَادِيد.
قال: والعَبَادِيد: الآكام.
وقال الزّجاج في قول الله جلّ وعزّ: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذّاريَات: 56] الآية، المعنى: ما خلقتهم إلّا لأدعوهم إلى عبادتي وأنا مُرِيد العِبَادَة منهم، وقد علم الله قبل أن يخلقهم من يَعْبُدُه ممّن يكفر به، ولو كان خلقهم ليُجبرهم على عبادته لكانوا كلهم عُبَّادًا مؤمنين.
قلت: وهذا قول أهل السنّة والجماعة.
وقال ابن الأعرابي: المعَابد: المسَاحِي والمُرُور، واحدها مِعْبَدٌ.
قال عَدِيّ بن زيد العِبَاديّ:
إذ يَحْرُثْنَه بالمَعَابِدِ
وقال أبو نصر: المعَابد: العَبيد.
أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العَبْدُ: نبات طيّب الرائحة.
وأنشد:
حَرَّقها العَبد بعنظوانِ *** فاليومُ منها يومُ أَرْوَنانِ
قال: والعَبْد تَكْلَف به الإبلُ؛ لأنه مَلْبَنَة مَسْمَنة، وهو حادٌّ المِزَاج، إذا رعته الإبل عطشت فطلبت الماء، وأخبرني المنذري عن ثعلب عن سَلَمة عن الفرّاء: يقال صُكّ به في أم عُبَيد، وهي الفَلَاة وهي الرّقّاصَة.
قال: وقلت للقَنَاني: ما عُبَيد؟ فقال: ابن الفلاة.
وأنشد قول النابغة:
مُنَدَّى عُبَيدان المحلِّىء باقِرَهْ
قال: يعني به الفَلَاة.
وقال أبو عمرو: عُبَيْدان: اسم وادي الحَيّة، وذكر قصَّتها واستشهد عليها بشعر النابغة.
والعِبَاد: قوم من أفناء العرب، نزلوا بالحِيرة وكانوا نصارى، منهم عَدِيّ بن زيد العِبَاديّ.
وقد سَمَّت العرب عَبَّادًا وعُبَادة وعُبَادًا وعَبِيدًا وعَبيدة وعَبَدَة ومَعْبَدًا وعُبَيْدًا وعابدًا وعَبْدان وعُبَيْدان تصغير عَبدان.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
227-تهذيب اللغة (بعد)
بعد: قال الليث: بَعْدُ كلمة دالّة على الشيء الأخير.تقول: بعدَ هذا، منصوبٌ.
فإذا قلت: أمَّا بعدُ فإنك لا تضيفه إلى شيء، ولكنك تجعله غاية نقيضًا لقَبْل.
قال الله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الرُّوم: 4] فرفعهما لأنهما غايةٌ مقصودٌ إليها، فإذا لم يكونا غاية فهما نَصْبٌ لأنهما صفة.
وقال أبو حاتم: قالوا: قَبل وَبَعد من الأضداد.
وقال في قول الله تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ} [النَّازعات: 30] أي قبل ذلك.
قلت والذي حكاه أبو حاتم عمَّن قاله خطأ، قبل وبعدُ كلّ واحد منهما نقيض صاحبه، فلا يكون أحدهما بمعنى الآخر، وهو كلام فاسد.
وأمَّا قول الله جلّ وعزّ: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} [النَّازعات: 30] فإن السائل يَسأل عنه فيقول: كيف قال: {بَعْدَ ذلِكَ} والأرض أُنشىء خَلْقها قبل السماء، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فُصّلَت: 9] فلمَّا فرغ من ذكر الأرض وما خَلَق فيها قال الله: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ} [فصلت: 11] وثُمَّ لا يكون إلا بَعد الأول الذي ذُكِر قبله.
ولم يختلف المفسّرون أن خَلْق الأرض سَبَق خَلق السماء.
والجواب فيما سأل عنه السائل أن الدَحْوَ غيرُ الخلق، وإنَّما هو البَسْط، والخَلق هو الإنشاء الأوَّل.
فالله جلّ وعزّ خلق الأرض أوَلًا غير مَدْحُوَّة.
ثم خلق السماء، ثم دَحا الأرض أي بَسَطها.
والآيات فيها مؤتلِفة ولا تناقض بحمد الله فيها عند من يفهمها.
وإنما أُتِيَ الملحِد الطاعن فيما شاكلها من الآيات من جهة غباوته وغِلظ فهمه، وقلَّة علمه بكلام العرب.
وقال الفرّاء في قوله جلّ وعزّ: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الرُّوم: 4] القراءة بالرفع بلا نونٍ لأنهما في المعنى يراد بهما الإضافة إلى شيء لا محالة، فلما أدّتا عن معنى ما أضيفتا إليه وسُميتَا بالرفع، وهما في موضع جرّ ليكون الرفع دليلًا على ما سقط.
وكذلك ما أشبههما؛
كقوله:
إن تأت من تحت أجئها من علو
وقال الآخر:
إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن *** لقاؤك إلّا مِن وراءُ وراءُ
فرفع إذ جعله غاية ولم يذكر بَعدَه الذي أضيف إليه.
قال الفرّاء: وإن نويت أن تُظهر ما أضيف إليه وأظهرته فقلت: لله الأمر من قبلِ ومن بَعدِ جاز، كأنك أظهرت المخفوض الذي أضفت إليه قَبْلَ وبَعد.
وقال الليث: البُعد على معنيين: أحدهما ضِدّ القُرب.
تقول منه: بَعُدَ يَبْعُد بُعْدًا فهو بَعيد.
وتقول: هذه القرية بَعِيدٌ، وهذه القرية قريبٌ ولا يراد به النعتُ، ولكن يراد بهما الاسم.
والدليل على أنهما اسمان قولك: قريبُه قريبٌ وبَعيده بَعيدٌ.
قال والبُعْدُ أيضًا من اللعْن كقولك: أَبْعَدَه الله أي لا يُرثَى له فيما نَزَل به.
وكذلك بُعْدًا له وسُحْقًا.
ونَصَب بُعْدًا على المصدر ولم يجعله اسمًا، وتميم ترفع فتقول: بُعْدٌ له وسُحْقٌ؛ كقولك: غلامٌ له وفرسٌ.
وقال الفرّاء: العرب إذا قالت: دارك منّا بَعِيدٌ أو قريبٌ، أو قالوا: فلانة منا قريبٌ أو بَعِيدٌ ذكَّروا القريب والبَعيد؛ لأن المعنى هي في مكان قريب أو بَعيد، فجُعل القريب والبَعِيد خَلَفًا من المكان.
قال الله جلّ وعزّ: {وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هُود: 83] وقال {وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزَاب: 63] وقال {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] قال: ولو أُنِّثَتا وبُنِيتَا على بَعُدَت منك فهي بعيدة، وقرُبَت فهي قريبة كان صوابًا.
قال: ومن قال قريبٌ وبعيدٌ وذكّرهما لم يُثَنِّ قريبًا وبعيدًا، فقال: هما منك قريبٌ وهما منك بعيدٌ.
قال: ومَن أنثهما فقال: هي منك قريبة وبعيدة ثنَّى وجمع فقال: قريبات وبعيدات.
وأنشد:
عَشِيَّةَ لا عفراء منك قريبة *** فتدنو ولا عفراء منك بعيد
قال: وإذا أردت بالقريب والبعيد قَرَابة النسب أنّثت لا غير، لم يختلف العرب فيها.
وقال الزجّاج في قول الله جلّ وعزّ: (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ): إنما قيل: قريبٌ لأن الرحمة والغفران والعفو في معنى واحدٍ.
وكذلك كلّ تأنيث ليس بحقيقيّ.
قال: وقال الأخفش: جائز أن تكون الرحمة ههنا بمعنى المَطَر.
قال: وقال بعضهم ـ يعني الفرّاء ـ: هذا ذُكِّر ليفصل بين القريب من القُرْب والقريب من القرابة.
وهذا غلط، كل ما قَرُبَ في مكان أو نسَبٍ فهو جارٍ على ما يصيبه من التأنيث والتذكير.
وقوله جلّ وعزّ: {أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ} [هُود: 95] قرأ الكسائيّ والناس: {كَما بَعِدَتْ} قال وكان أبو عبد الرحمن السُلَمِيّ يقرؤها: {بَعُدَتْ}، يجعل الهلاك والبُعد سواء، وهما قريبٌ من السواء؛ إلّا
أن العرب بعضهم يقول: بَعُدَ، وبعضهم: بَعِدَ مثل سَحِقَ وسَحُق.
ومن الناس من يقول بَعُدَ في المكان وبَعِدَ في الهلاك.
وقال يونس: العرب تقول: بَعِدَ الرجل وبَعُدَ إذا تَبَاعَدَ في غير سَبّ.
ويقال في السبّ: بَعِدَ وسَحِق لا غير.
وقال ابن عباس في قوله: {أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} [فُصّلَت: 44] بعيد قال: سألوا الردّ حين لا رَدّ.
وقال مجاهد: أراد: {مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} من قلوبهم.
وقال بعضهم: {مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} من الآخرة إلى الدنيا.
وقوله جلّ وعزّ: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} [سبأ: 53] قال: قولهم: {ساحِرٌ}، {.
.
.
كاهِنٍ.
.
.
}، {شاعِرٌ}.
وقال الزجّاج في قوله جلّ وعزّ في سورة السجدة: {أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} أي بعيد من قلوبهم يَبعد عندهم ما يتلى عليهم.
وقال الليث: يقال: هو أبْعَدُ وأَبْعَدُون وأقرب وأقربون وأباعد وأقارب.
وأنشد:
من الناس من يغشى الأباعِدَ نفعُه *** ويشقى به حتى الممات أقارِبُهْ
فإنْ يَكُ خيرًا فالبعيد يناله *** وإِنْ يَكُ شَرًّا فابن عمّك صَاحِبُهْ
وقال حُذّاق النحويين: ما كان من أفعَل وفُعلَى فإنه تدخل فيه الألف واللام كقولك: هو الأَبْعَدُ والبُعْدَى والأقرب والقُرْبَى وقال ابن شميل: قال رجل لابنه إنْ غَدوتَ على المِرْبَد ربِحْتَ عَناءً ورجعْتَ بغير أَبْعدَ أي بغير منفعة.
وقال أبو زيد: يقال: ما عندك أَبْعَد.
وإنك لَغَير أَبْعَدَ أي ما عنده طائل إذا ذمّه.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي إنه لذو بُعْدَة أي ذو رأيٍ وحَزْمٍ، وإنك لغير أبعَد أي لا خير فيك ليس لك بُعْدُ مَذهبٍ وقال صخر الغيّ:
الموْعِد ينافي أن تُقَتِّلهم *** أفناء فَهْم وبيننا بُعَدُ
أي: أفناء فهم ضروب منهم بُعَد جمع بُعْدة.
وقال الأصمعي: أتانا فلان من بُعْدَة أي من أرض بعيدة.
وأنشد ابن الأعرابي:
يكفيك عند الشّدة البئيسَا *** ويعتلي ذا البُعْدة النُحُوسا
ذا البُعدَة: الذي يُبعِد في المعاداة.
وقال ابن الأعرابي: رجل ذو بُعْدة إذا كان نافذ الرأي ذا غَوْرٍ وذا بُعْدِ رأي.
وقال النضر في قولهم: هلك الأبعد قال: يعني صاحبَه.
وهكذا يقال إذا كُنِيَ عن اسمه ويقال للمرأة هلكت البُعْدَى.
قلت: هذا مِثل قولهم: فلا مرحبًا بالآخَر إذا كنَى عن صاحبه وهو يذمّه.
أبو عبيد عن أبي زيد: لقِيته بُعَيْدات بَيْن إذا لقيته بعد حين ثم أمسكت عنه ثم أتيته.
وأنشد شمر:
وَأَشعَث مُنَقَّد القميص دعوته *** بُعَيْداتِ بَيْنٍ لا هِدانٍ ولا نِكْسِ
وقال غيره: إنها لتضحك بُعَيْدات بينٍ أي بين المرّة ثم المرّة في الحِين.
وقال الأصمعي: هم مني غيرُ بَعَدٍ أي ليسوا ببعيد.
وانطلِقْ يا فلان غير بَاعِدٍ أي لا ذهبتَ
أبو عبيد عن الكسائي: تنحّ غير باعِدٍ أي غير صاغرٍ، وتنحّ غير بعيد أي كن قريبًا.
وقول الذبياني:
فضلًا على الناس في الأدنى وفي البَعَدِ
قال أبو نصر: في القريب والبعيد.
قال: والعرب تقول: هو غير بَعَد أي غير بعيد.
ورواه ابن الأعرابي: في الأدنى وفي البُعد قال: بَعيدٌ وبُعُدٌ.
وقال الليث: البِعاد يكون من المباعدة.
ويكون من اللعْن؛ كقولك: أَبْعَدَه الله.
وقول الله جلّ وعزّ مخبرًا عن قوم سبأ: {رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا} [سَبَإ: 19].
قال الفراء: قراءة العوامّ: {باعِدْ}.
ويقرأ على الخبر: {ربُّنا باعَدَ} و {بَعَّدَ}.
و {بَعِّدْ} جَزْمٌ.
وقرىء {رَبَّنَا بَعُدَ بَيْنُ أسفارنا} و {بَيْنَ أَسْفارِنا} قال الزجّاج: من قرأ {باعِدْ} و {بَعِّدْ} فمعناهما واحد.
وهو على جهة المسألة.
ويكون المعنى: أنهم سئموا الراحة وبطِروا النعمة، كما قال قوم موسى: {فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ} [البقرة: 61] الآية.
ومن قرأ؛ {بَعُدَ بَيْنُ أسفارنا} بالرفع فالمعنى بَعُدَ ما يتصل بسفرنا.
ومن قرأ: {بَعُدَ بَيْنَ أسفارنا} فالمعنى بَعُدَ ما بين أسفارنا وبَعُدَ سَيْرنا بين أسفارنا قلت: قرأ أبو عمرو وابن كثير: {بَعِّد} بغير ألفٍ.
وروى هشام بن عمّار بإسناده عن عبد الله بن عامر: {بَعِّدْ} مثل أبي عمرو.
وقرأ يعقوب الحضرميّ: (رَبُّنَا باعَدَ) بالنصب على الخبر.
وقرأ نافع وعاصم والكسائي وحمزة: (باعِدْ) بالألف على الدُعَاء.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُبعِد في المَذْهب معناه: إمعانه في ذهابه إلى الخلاء، وأبعَدَ فلان في الأرض إذا أمْعن فيها.
وقال أبو زيد: يقال للرجل: إذا لم تكن من قُربان الأمير فكن من بُعْدانِه، يقول: إذا لم تكن ممن يقترب منه فتَبَاعَدْ عنه لا يُصِبْك شَرُّه.
وقال ابن شميل: رَاوَدَ رجل من العرب أعرابيّة عن نفسها فأبت إلّا أن يجعل لها شيئًا، فجعل لها درهمين، فلمَّا خالطها جعلت تقول: غمزًا ودرهماك لك، فإن لم تغمز فبُعْدٌ لك، رَفَعت البُعْدَ، يضرب مثلًا للرجل تراه يعمل العمل الشديد.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
228-تهذيب اللغة (عمد)
عمد: قال الله جلّ وعزّ: {إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ} [الفَجر: 7] سمعت المنذريّ يقول: سمعت المبرّد يقول: رجل طويل العِمَاد إذا كان مُعَمَّدًا أي طويلًا.قال: وقوله {إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ} أي ذات الطُول ونحوَ ذلك قال الزجّاج.
قال: وقيل: {ذاتِ الْعِمادِ}: ذات البِنَاء الرفيع.
وقال الفرّاء: {ذاتِ الْعِمادِ} أي أنهم كانوا أهل عَمَد ينتقِلون إلى الكَلأ حيث كان؛ ثم يرجعون إلى منازلهم.
وقال الليث: يقال لأصحاب الأْخْبِيَة الذين لا ينزلون غيرها: هم أهل عَمُود وأهل عماد.
والجميع منهما العُمُدُ.
قال: وقال بعضهم: كلّ خِبَاء كان طويلًا في الأرض يُضرب على أعمدة كثيرة فيقال لأهله: عليكم بأهل ذلك العَمُود، ولا يقال: أهل العَمَد.
وأنشد:
وما أهل العَمُودِ لنا بأهلٍ *** ولا النَعَمُ المُسام لنا بمال
وقال في قول النابغة:
يبنون تَدْمُرَ بالصُفّاح والعَمَد
قال: العَمَد: أساطين الرُخَام.
وأمَّا قول الله جلّ وعزّ: {إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة: 8، 9] قرئت {في عُمُد} وهو جمع عِمَاد وعَمَدٌ وعُمُدٌ، كما قالوا: إهابٌ وأَهَبٌ وأُهُبٌ.
ومعناه: أَنها في عُمُدٍ من النار.
قال ذلك أبو إسحاق الزجّاج.
وقال الفراء: العُمُد والعَمَد جميعًا جمعان للعمود مثل أديم وأَدَمٍ
وأُدُم، وقَضِيم وقَضَم وقُضُم.
وقال الله جلّ وعزّ: {خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها} [لقمَان: 10] قال الفراء: فيه قولان: أحدهما أنه خلقها مرفوعة بلا عَمَد، ولا تحتاجون مع الرؤية إلى خَبَر.
والقول الثاني أنه خلقها بعمَد، لا ترون تلك العمد.
وقيل: العمَد التي لا ترى لها قدرته.
وقال الليث: معناه: أنكم لا ترون العمد، ولها عَمَد.
واحتجّ بأن عَمدها جبل قاف المحيط بالدنيا، والسماء مثل القبّة أطرافها عَلَى قاف.
وهو من زَبَرْجَدة خضراء.
ويقال إنّ خضرة السماء من ذلك الجبل، فيصير يوم القيامة نارًا تَحْشر الناس إلى المحْشَر.
وفي حديث عمر بن الخطاب في الجالب: يأتي أحدهم به عَلَى عَمُود بطنه.
قال أبو عبيد: قال أبو عمرو: عَمُود بطنه هو ظَهْره.
يقال: إنه الذي يُمْسِك البطن ويقوّيه، فصار كالعمود له الجالب الذي يجلب المتاع إلى البلاد.
يقول: يُترك وبيعَه ولا يتعرض له حتى يبيع سِلْعته كما شاء، فإنه قد احتمل المشقّة والتعب في اجتلابه وقاسى السفر والنصب.
قال أبو عبيد: والذي عندي في عمود بطنه أنه أراد: أنه يأتي به على مشقّة وتَعب وإن لم يكن ذلك على ظهره إنما هو مَثل له.
وقال الليث: عمود البطن شِبه عِرْق ممدود من لدن الرَهابة إلى دُوَين السُرّة في وسطه يشق من بطن الشاة.
قال: وعمود الكبد: عِرْق يسقيها.
ويقال للوتين: عمود السَحْر.
قال: وعمود السنان: ما توسَّط شَفْرتيه من عَيْره الناتىء في وسطه.
وقال النضر: عمود السيف: الشَطِيبة التي في وسط مَتْنه إلى أسفله.
وربما كان للسيف ثلاثة أعمدة في ظهره، وهي الشُطَبُ والشطائب.
وعمود الأُذُنُ: مُعظمها وقِوامها.
وعمود الإعصار: ما يَسْطع منه في السماء أو يستطيل على وجه الأرض.
وفي حديث ابن مسعود أنه أتى أبا جهل يوم بدر وهو صَرِيع، فوضع رجله عَلَى مُذَمَّرِه ليجهِز عليه، فقال له أبو جهل: أعْمَدُ من سيّد قتله قومه! قال أبو عبيد: معناه: هل زاد عَلَى سيّد قتله قومه! هل كان إلا هذا؟ أي أن هذا ليس بعاد.
قال: وكان أبو عبيدة يحكي عن العرب: أعمد من كيلِ مُحِقّ أي هل زاد عَلَى هذا! وقال ابن مَيَّادة:
تُقَدَّم قيسٌ كلَّ يوم كريهة *** ويُثنى عليها في الرخاء ذنوبها
وأعمدُ من قومٍ كفاهم أخوهم *** صِدَام الأعادي حين فُلَّت نيوبها
يقول: هل زدنا عَلَى أن كَفَينا إخوتنا.
وقال شمر في قوله (أعمَدُ من سَيّد قتله قومه): هذا استفهام، أي أعجب من رجل قتله قومه.
قلت: كان في الأصل أأعمد من سَيّد فخففت إحدى الهمزتين.
وأما قولهم: أعمد من كيل محقّ فإني سمعته في رواية ابن جَبَلة ورواية عليّ عن أبي عبيد (محقّ) بالتشديد، ورأيته في كتاب قديم مسموع: أعمد من كيلٍ مُحِقَ
بالتخفيف من المَحق، وفُسِّر: هل زاد على مكيال نُقِصَ كَيْلُه أي طُفِّفَ.
وحسبت أن الصواب هذا.
وقال ابن شميل: عمود الكَبِد: عرقان ضَخْمان جَنَابتي السُّرة يمينًا وشِمالًا، يقال: إن فلانًا لخارجٌ عموده من كَبِدِه من الجوع.
أبو عبيد: عَمدتُ الشيء: أقمته، وأعمدته: جعلت تحته عَمَدًا.
الحرّاني عن ابن السكيت قال: العَمْد مصدر عمَدت للشيء أعمِد له عمْدًا إذا قصدت له.
وعَمدت الحائط أعمِده عمْدًا إذا دَعمته.
قال والعَمَد ـ مُثَقّل ـ في السنَامِ وهو أن ينشدخ انشداخًا.
وذلك إذا رُكِب وعليه شحْم كثير.
يقال بعير عَمِدٌ.
وقال لَبيد:
فبات السيل يركب جانبيه *** من البَقَّار كالعَمِد الثَقَالِ
قال: العَمِد: البعير الذي قد فسد سَنَامه.
قال: ومنه قيل: رجل عميد ومعمود أي بلغ الحُبُّ منه.
قال ويقال: عَمِد الثرى يَعمَد عَمدًا إذا كان تراكب بعضُه على بعض ونَدِيَ، فإذا قبضت منه على شيء تعقَّد واجتمع من نُدُوَّته.
قال الراعي يصف بقرة وحشيّة:
حتى غَدَت في بياض الصبح طيّبة *** ريح المباءة تخْدِي والثرى عَمِدُ
أراد: طيبةَ ريح المباءة، فلمَّا نوّن (طيّبة) نصب (ريح المباءة).
أبو عبيد عن أبي زيد: عَمِدت الأرضُ عمدًا إذا رسخ فيها المَطَر إلى الثَرَى حتى إذا قبضْت عليه في كفّك تعقّد وجَعُدَ.
وقال الليث: العَميد: الرجل المعمود الذي لا يستطيع الجلوس من مرضه، حتى يُعمَدَ من جوانبه بالوسائد.
ومنه اشتُقّ القَلْب العميد.
قال: والجُرح العَمِدُ: الذي يُعْصَر قبل أن ينضج بَيضُه فيَرِم.
والقول ما قاله ابن السكيت في العميد من الهوى: أنه شُبِّه بالسَنَام الذي انشدخ انشداخًا.
وقال الليث: العَمْدُ: نقيض الخطأ.
قلت: والقتل على ثلاثة أوجه: قتل الخطأ المحْض، وقتل العمد المحض وقتل شِبْه العَمْد فالخطأ المحض: أن يرمي الرجلُ بحجر يريد تنحيته عن موضعه.
ولا يقصد به أحدًا، فيصيب إنسانًا فيقتله.
ففيه الدِيَة على عاقلة الرامي، أخماسًا من الإبل، وهي عشرون ابنة مَخَاض وعشرون ابنة لَبُون وعشرون ابن لبون، وعشرون حِقّة، وعشرون جَذَعة.
وأما شِبه العَمْد فأن يضرب الإنسانَ بعمود لا يقتل مِثْلُه، أو بحجر لا يكاد يموت مَن أصابه، فيموت منه ففيه الدِيَة مغلَّظة.
وكذلك العَمْد المحض: فيهما ثلاثون حِقّةً، وثلاثون جَذَعة، وأربعون ما بين ثَنِيَّة إلى بازلِ عامِها، كلُّها خَلِفَة.
فأمَّا شِبْه العمد فالدِيَة فيه على عاقلة القاتل.
وأما العَمْد المحض فهو في مال القاتل.
شمر عن ابن شميل: المعمود: الحزين الشديد الحُزن.
يقال: ما عَمَدَك أي ما أحزنك.
قال ويقال للمريض أيضًا: معمود.
ويقال له: ما يَعْمِدك؟ أي ما يوجعك.
وعمدني
المرضُ أي أضناني.
وقال شمر: قال ابن الأعرابي: سأل أعرابيّ أعرابيًّا وهو مريض فقال له: كيف تجدك؟ فقال: أمَّا الذي يَعْمِدني فحُصْرٌ وأُسْرٌ.
قال: يعمده: يُسْقطه ويفْدحه ويشتدّ عليه وأنشد:
ألا مَن لهمٍّ آخِرَ الليل عَامِد
معناه: مُوجع.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده لسِماك العامليّ:
ألا من شجتْ ليلة عامدهْ *** كما أبدأ ليلة واحدهْ
وقال ما معرفة فنصب أبدًا على خروجه من المعرفة كان جائزًا.
قال الأزهري وقوله: ليلة عامدة أي مُمِضّة موجعة.
وقال النضر: عَمِدتْ أَلْيتاه من الركوب وهو أن تَرِما وتَخْلَجا.
وقال شمر: يقال إن فلانًا لعَمِدُ الثَرَى أي كثير المعروف.
وقال غيره: عَمَدت الرجل أعمِده عَمْدًا إذا ضربته بالعمود، وعَمَدته إذا ضربت عمود بَطنه.
وقال أبو زيد: يقال فلان عُمدة قومه إذا كانوا يعتمدونه فيما يَحْزُبهم.
وكذلك هم عُمْدتنا.
والعَمِيد: سيّد القوم.
ومنه قول الأعشى:
حتى يصير عميدُ القوم متَّكئًا *** يدفع بالراح عنه نِسوة عُجُلُ
ويقال: استقام القوم على عَمُود رأيهم أي على الوجه الذي يعتمدون عليه.
وقال ابن بزرْج: يقال: حَلَس به وعَرِسَ به وعَمِد به ولَزِبَ به إذا لَزِمه.
وقال الليث: العُمُدُّ: الشابّ الممتلىء شبابًا، وهو العُمُدَّانيّ والجمع العُمُدَّنِيُّون.
وامرأةٌ عُمُدَّانِيَّة: ذات جسم وعَبَالة.
ويقال عَمّدت السيل تعميدًا إذا سدَدت وجه جِرْيته حتى يجتمع في موضع بتراب أو حجارة.
شمر: يقال للقوم: أنتم عُمدّتنا أي الذين نعتمد عليهم.
وكذلك الاثنان، والمرأة والواحد والمرأتان.
وعمود الصبح هو المستطير منه.
واعتمد فلان ليلته إذا ركبها يسري فيها.
واعتمد فلان فلانًا في حاجته واعتمد عليه.
وقال أبو تراب: سمعتُ الغَنَوي يقول: العَمَدُ والضَمَدُ: الغضب.
قلت: وهو العَبَدُ والأبَدُ أيضًا.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال العَمود والعِمَاد وَالعُمْدَةُ والعُمْدَان: رئيس العسكر وهو الزُوَير.
ويقال لرِجْلي الظليم: عَمُودان.
وقال ابن المظفر: عُمْدان: اسم جبل أو موضع.
قلتُ: أُراه أراد: غُمَدان بالغين فصحّفه.
وهو حِصْن في رأس جبل باليمن معروف.
وكان لآل ذي يَزَن.
قلت: وهذا كتصحيفه يوم بُعَاث وَهو من مشاهير أيام العرب، فأخرجه في كتاب الغين وصَحَّفه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
229-تهذيب اللغة (عتر عرت)
عتر ـ [عرت]: أبو عبيد عن أبي عُبَيدة: الرُمح العاتر: المضطرب، مثل العاسِل.وقد عَتَر وعَسَل.
وقال أبو عبيد: قال الأصمعيّ: ومن الرماح العَرّات والعَرَّاص، وهو الشديد الاضطراب.
وقد عَرِت يَعْرَت وعَرِص يَعْرَص.
قلت: قد صح عَتَر وعَرَت ودلّ اختلاف بنائهما على أن كل واحد منهما غير الآخر.
وقال الليث في عَتر الرمح يَعْتِر مثله.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا فَرَعة ولا عَتِيرة.
قال أبو عبيد: العَتِيرة هي الرَجَبيّة، وهي ذَبيحة كانت تُذبح في رجب يتَقرَّب بها أهل الجاهليّة، ثم جاء الإسلام فكان على ذلك حتى نُسِخَ بعدُ.
قال: والدليل على ذلك حديث مِخْنَف بن سُلَيْم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن على كل مسلم في كلّ عام أَضْحاةً وعَتِيرة»
.
وقال أبو عبيد: الحديث الأوّل ناسخ لهذا يقال منه: عَتَرتُ أعتِر عَتْرًا.
وقال الحارث بن حِلِّزة يذكر قومًا أخذوهم بذَنْب غيرهم فقال:
عَنَنًا باطلًا وظُلمًا كما *** تُعْتَرُ عن حَجْرة الربيض الظِباءُ
قال: وقوله: كما تُعْتَر يعني العَتِيرَة في رجب، وذلك أن العرب في الجاهلية كانت إذا طلب أحدهم أمرًا نَذر: لئن ظفِر به ليذبحنّ من غَنَمه في رجب كذا وكذا، وهي العتائر، فإذا ظفِر به فربّما ضنّ بغنمه ـ وهي الربِيض ـ فيأخذ عدَدها ظباءً فيذبحها في رجب مكانَ تلك الغنم، فكانت تلك عتائره فضرب هذا مثلًا.
يقول: أخذتمونا بذنب غيرنا، كما أُخِذت الظباء مكان الغنم.
وقال الليث في العتائر نحوًا ممّا فسَّر أبو عبيد، وأنشد:
فخرّ صريعًا مثل عاتِرة النُّسْكِ
قال: وإنما هي معتورة، وهي مثل {عِيشَةٍ راضِيَةٍ} [الحَاقَّة: 21] وإنما هي مَرْضيّة.
وقال زهير في العِتْر:
كمَنْصِب العِتْر دمَّى رأسَه النُسُكُ
أراد بمنصب العِتْر صنمًا كان يقرَّبُ له عِتْرٌ أي ذِبْح فيُذبَح له ويصيب رأسُه من دم العِتْر.
الحرّاني عن ابن السكيت قال: العَتْر
مصدر عَتَر الرمح يَعْتِر عَتْرًا إذا اضطرب.
قال: والعَتَّر مصدر عَتَر يَعْتِر عَتْرًا إذا ذَبَح العَتِيرة.
وهي ذبيحة كانت تُذْبح في رجبٍ للأصنام والعتْر: المذبوح.
قال والعِتْر أيضًا: ضرْبٌ من النبت.
والعتْر: الأصل، ومنه قولهم: عادت لِعِتْرها لمِيسُ.
ثعلب عن ابن الأعرابي: العِتْرة: الرِيقة العَذْبة.
والعِتْر: القطعة من المِسْك.
والعِتْرة: شجرة تنبت عند وِجَار الضبّ، فهو يُمَرِّسها فلا تَنْمي.
ويقال: هو أذلّ من عِتْرة الضبّ.
وَرَوى شَرِيك عن الركين عن القاسم بن حسّان عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني تارك فيكم الثَقَلين خَلْفي: كتابَ الله وعِترتي، فإنهما لن يتفرقا حتى يردَا عليّ الحوض».
قال محمد بن إسحاق: وهذا حديث حسن صحيح، ورفعه نحوه زيد بن أرقم وأبو سعيد الخُدْرِيّ.
وفي بعضها: «إني تارك فيكم الثَقَلين: كتاب الله وعِتْرتي أهل بيتي.
فجعل العِترة أهل البيت وقال أبو عبيد: عِتْرة الرجل وأُسْرته وفَصِيلته: رَهْطُه الأدنَوْن.
وقال ابن السكيت: العِتْرة مثل الرَهْط.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: العِتْرة ولد الرجل وذُرّيته وعَقِبهُ من صُلْبه.
قال فعِتْرة النبي صلى الله عليه وسلم: ولد فاطمة البَتُولِ عليهمالسلام.
وروى ابن الفرج عن أبي سعيد قال: العِتْرة: ساق الشجرة.
قال: وعِترة النبي صلى الله عليه وسلم: عبد المطلب ووَلده.
قال: ومِن أمثالهم: عادت لعِتْرها لَميس ولعِكْرها أي أصلها.
وقال ابن المظفر: عِتْرة الرجل: أقرباؤه من وَلد عَمّه دِنْيا.
وقيل: عِتْرة النبي صلى الله عليه وسلم: أهل بيته، وهم آله الذين حُرّمَت عليهم الصَّدَقة المفروضة وهم ذوو القربى الذين لهم خمس الخمس المذكور في سورة الأنفال قال الأزهري وهذا القول عندي أقربها والله أعلم.
وعِترة الثغر إذا رَقّت غُرُوب الأسنان ونقِيَت وجرى عليها الماء يقال: إن ثغرها لذو أُشرة وعِتْرة قال وعِتْرة المِسْحاة: خشبتها التي تسمَّى يد المِسحاة.
واحتجّ القتيبيّ في أن عترة الرجل أهل بيته الأقربون والأبعدون بحديث رُوي عن أبي بكر أنه قال: نحن عِترة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تفقَّأَت عنه.
!
قال الأزهري: ورَوَى عمرو بن مرّة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: لما كان يوم بدرٍ وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأُسَارى قال: ما ترون في هؤلاء؟ فقال عمر: كذَّبوك وأخرجوك، ضَرِّبْ أرقابهم.
فقال أبو بكر يا رسول الله: عِترتُك وقومك، تجاوزْ عنهم يستنقذْهم الله بك من النار، في حديث طويل.
وقال أبو عبيد في غير هذا: العِتْر واحدها عِتْرة: شجر صغار.
وأخبرني المنذري عن أبي الحسن الأسَدي عن الرياشي قال: سألت الأصمعي عن العِتْر فقال: هو نبتٌ ينبت، مثلُ
المَرْزَنْجوش متفرَّقًا.
قال: وأنشدنا بيت الهذليّ:
وما كنتُ أخشى أن أعيش خلافَهم *** لستّة أبيات كما ينبت العِتْر
يقول: هذه الأبيات متفرقة مع قلَّتها كتفرّق العِتْر في منبته.
وقال ابن المظفر: العِتْر: بقلة إذا طالت قُطِعَ أصلها فيخرج منه لَبَن.
ثم ذكر بيت الهذليّ لأنه إذا قُطِع نبتت من حواليه شُعَبٌ ستّ أو ثلاث.
قلت: والقول ما قاله الأصمعي.
وقال الليث: عِتْوَارَة اسم حيّ من كَنَانَة وأنشد:
من حَيّ عِتْوَار ومن تَعَتْوَرا
وقال المبرّد: العَتْوَرَة: الشِدّة في الحرب.
وبنو عِتْوَارة سُمِّيَتْ بهذا لقوّتها.
قال وعِتْوَر: اسم وادٍ خشِن المَسْلَك.
ثعلب عن ابن الأعرابي: العَتَر: الشِّدة والقوّة في جميع الحيوان.
قال: والعُتُر: الفُرُوج المُنْعِظة واحدها عَاتِر وعَتُور.
والعَتّار: الرجل الشجاع، والفَرس القويّ على السَّير، ومن المواضع: الوحشُ الخشِن.
وقال المبرّد: جاء على فِعْوَل من الأسماء خِرْوَع وعِتْوَر وهو الوادي الخشِن التُرْبةِ.
وبنو عِتْوَارة كانوا أُولِي صَبْرٍ وخشونة في الحروب.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
230-تهذيب اللغة (رتع)
رتع: قال الله جلّ وعزّ مخبِرًا عن إخوة يوسف وقولهم لأبيهم يعقوب عليهالسلام {أَرْسِلْهُ مَعَنا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [يوسف: 12].قال الفرّاء: يَرْتَعْ، العين مجزومة لا غير؛ لأن الهاء في قوله {أَرْسِلْهُ} معرفة و {غَدًا} معرفة فليس في جواب الأمر وهو يَرْتَعْ إلّا الجزم.
قال: ولو كان بدل المعرفة نكرة كقولك: أرسِل رجلًا يرتع جاز فيه الرفع والجزم، كقول الله جلّ وعزّ {ابعث لنا ملكًا يقاتلْ في سبيل الله} [البقرة: 246] ويقاتلُ، الجزم لأنه جواب الشرط، والرفع على أنه صلة للملِك كأنه قال: ابعث لنا الذي يقاتل.
وأخبرني المنذري عن أبي طالب أنه قال: الرَّتْعُ: الرَعيُ في الخِصْب.
قال: ومنه قولهم: القَيْدُ والرَّتَعَة، ويقال: الرَّتَعة.
قال: ومعنى الرَّتْعَة: الخِصْب.
ومن ذلك قولهم هو يَرتَع أي إنه في شيء كثير لا يُمْنَع منه فهو مخصبٌ.
قلت: والعرب تقول: رَتَع المالُ إذا رَعَى ما شاء، وأرْتَعْتُها أنا.
والرَّتْع لا يكون إلا في الخِصْب والسِعَة.
وإبل رِتَاع وقوم مرتِعون وراتعون إذا كانوا مخاصيب.
وقال أبو طالب: سَمَاعي من أبي عن الفرّاء: القَيْد والرَّتَعة، مُثقّل.
قال: وهما لغتان: الرَّتْعَة والرَّتَعَة.
قال أبو طالب: وأوّل من قال القيد والرتْعة عمرو بن الصَّعِق بن خويلد بن نُفَيل بن عمرو بن كلاب، وكانت شاكرُ من هَمْدَان أسروه فأحسنوا إليه وروّحوا عنه، وقد كان يوم فارق قومه نحيفًا فهَرَب من شاكِرَ فلما وصل إلى قومه قالوا: أَيْ عمرو خرجْتَ من عندنا نحيفًا وأنت اليوم بادِنٌ، فقال: القيد والرتْعَة فأرسلها مثلًا.
ثعلب عن ابن الأعرابي: الرَّتْع: الأكل
بشَرَهِ، يقال: رَتَعَ يَرْتَع رَتْعًا ورِتَاعًا، والرَّتَّاع: الذي يتتبّع بإبله المراتع المخصِبَة.
وقال شمر: يقال أتيت على أرض مُرْتِعَة وهي التي قد طمِع ما لها من الشِبَع، وقد أرتع المالُ وأرتَعَت الأرضُ وغيثٌ مُرْتِع: ذو خِصْبٍ.
وقولهم فلان يرتع قال أبو بكر معناه: هو مُخصب لا يَعْدَم شيئًا يريده.
وقال أبو عبيدة: معنى يَرْتَعْ: يلهو.
وقال في معنى قوله: (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) أي يلهو ويَنعَم.
وقال غيره: معناه: يسعى وينبسط.
وقيل معنى قوله يَرْتَعْ: يأكل.
واحتجّ بقوله:
وحبيب لي إذا لاقيته *** وإذا يخلو له لحمي رَتَعْ
معناه: أكله.
ومن قرأ (نرتع) بالنون أراد: ترتع إبلنا:
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
231-تهذيب اللغة (عتل)
عتل: قال الله جلّ وعزّ: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ} [الدّخَان: 47] وقال في موضع آخر: {عُتُلٍ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 13] قرأ عاصم وحمزة والكسائي: فَاعْتِلُوهُ بكسر التاء، وكذلك قرأ أبو عمرو.وقرأ ابن كَثِير ونافع وابن عامر ويعقوب: {فاعتُلوه} بضمّ التاء.
قلت: هما لغتان فصيحتان، يقال: عَتَلَهُ يَعَتِله ويَعتُله.
ورَوَى الأعمش عن مجاهد في قوله (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ) أي خذوه فاقصِفوه كما يُقصَف الحَطَب.
وقال أبو مُعَاذ النحويّ: العَتْل: الدَفْع والإرهاق بالسَّوْق العنيف.
وأخبرني المنذريّ عن الحرّاني عن ابن السّكّيت: عَتَلْتُهُ إلى السجن وعَتَنْتُه فأنا أعْتِلُه وأعْتُلُه وأعْتِنُه وأعْتُنُه إذا دفعتَه دَفْعًا عنيفًا.
وقال الليث: العَتْلُ: أن تأخذ بتَلْبيب الرجل فتعتِلَه، أي تجرّه إليك وتذهب به
إلى حَبْس أو بَلِيَّة.
وأَخَذ فلان بِزِمام الناقة فعتَلها إذا قادها قَوْدًا عنيفًا.
ويقال: لا أَتَعَتَّل معك شِبْرًا أي لا أبرح مكاني ولا أجيء معك.
وأمّا قوله تعالى: {عُتُلٍ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 13] جاء في التفسير أن العُتُلّ ههنا: الشديد الخصومة، وجاء في التفسير أيضًا أنه: الجافي الخُلُقِ اللئيمُ الضَرِيبةِ، وهو في اللغة: الغليظ الجافي.
أبو عبيد عن أبي عمرو: العَتَلَة: بَيْرَم النَجّار.
وقال الليث: هي حديدة كأنها حَدّ فأسٍ عريضة في أصلها خشبة، تُحفر بها الأرض والحيطان، ليست بمُعَقَّفَةٍ كالفأس، ولكنها مستقيمة مع الخشبة.
قال: ورجل عُتُلٌ: أكول مَنُوع.
وقال أبو عبيد: العَتَلُ: القسِيّ الفارسية.
وقال أُمية:
يَرمُونَ عن عَتَل كأنها غُبُطٌ *** بزَمْخَرٍ يُعجل المَرمِيّ إعجالًا
قال: واحدتها عَتَلة.
أبو عبيد عن الكسائي: إنك لعَتِلٌ إلى الشرّ أي سريع، وقد عَتِل عتَلًا.
الحرّاني عن ابن السّكّيت: العَتِيل: الأجير بلغة طيء، وجمعه العُتَلَاء.
وقال ابن شميل: العَتَلَة: المدَرَة الكبيرة تتقلّع من الأرض إذا أثيرت.
وقال ابن الأعرابي: العَاتِل الجِلْوَاز، وجمعه عُتُلٌ.
قال: والعَتِيل: الأجير وجمعه عُتُلٌ أيضًا.
وفي «النوادر»: داءٌ عَتِيل شديد والعتيل: الخادم.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
232-تهذيب اللغة (تلع)
تلع: من أمثال العرب: فلان لا يمنَع ذنَبَ تَلْعه يضرب للرجل الذليل الحقير.والتَّلْعَة: واحدة التِّلَاع.
قال أبو عبيد: وهي مجاري الماء من أعالي الوادي.
قال: والتلاع أيضًا: ما انهبط من الأرض.
قال وهي من الأضداد.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال في مَثل: ما أخاف إلا من سَيْلِ تَلْعَتِي أي من بني عمّي وذوي قرابتي.
قال: والتَّلْعَة: مَسِيل الماء؛ لأن من نزل التَّلْعَة فهو على خَطَر: إن جاء السيل جَرف به.
قال: وقال هذا وهو نازل بالتَّلْعة فقال: لا أخاف إلا من مَأَمَنِي.
وقال شمر: التِلاع: مسايل الماء تسيل من الأسناد والنِجَاف والجبال حتى تنصبّ في الوادي.
قال وتَلْعة الجبل: أن الماء يجيء فيخُدّ فيه ويحفره حتى يخلُص منه.
قال: ولا تكون التِلَاع في الصحارى.
قال والتَّلْعة ربما جاءت من أبعد من خمسة فراسخ إلى الوادي.
قال: وإذا جَرَت من الجبال فوقعت في الصحارى حَفَرت فيها كهيئة الخنادق.
قال وإذا عظمت التَّلْعَة حتى تكون مثل نصف الوادي أو ثلثيه فهي مَيْثاء.
وقال ابن شميل: من أمثالهم في الذي لا يوثق به: إني لا أثق بسَيل تَلْعتك أي لا أثق بما تقول وما تجيء به.
قلت: فهذه ثلاثة أمثال جاءت في التَّلْعة.
وقال الليث: التَّلْعة: أرض ارتفعت وهي غليظة يتردّد فيها السيل، ثم يَدْفع منها إلى تَلْعَة أسفل
منها.
وهي مَكَرَمة من المنابت.
أبو عبيد: التَّتَلُّع: التقدّم.
وأنشد لأبي ذؤيب:
فَوَردْنَ والعَيُّوقُ مقعدَ رابىءُ الض *** رباء فوق النجم لا يتَتَلَّعُ
الأصمعي: الأتلع: الطويل.
قال أبو عبيد: وأكثر ما يراد بالأتلع: طول عُنُقه.
وقال الليث: يقال: هو أتلع وتَلِع للطويل العُنُق.
قال: ورجل تَلِعٌ: كثير التلفّت.
قال: ورجل تَلِعُ بمعنى التَرِع.
قال: ويقال: لزم فلان مكانه فما يَتَتَلَّعُ وما يَتَتَالَع أي لا يرفع رأسه للنهوض، وإنه ليَتَتَالع في مشيه إذا مَدّ عنقه ورفع رأسه.
قال: ويقال: تَلَع فلان رأسه إذا أخرجه من شيء كان فيه، وهو شبه طَلَع، إلّا أنّ طلع أعمّ.
وتَلَع الثورُ إذا أخرج رأسه من الكِنَاس.
قلت: المعروف في كلام العرب أتلع رأسه إذا أطلعه فنظر؛ وتلع الرأسُ نفسُه.
وقال الشاعر:
كما أتلعَت من تحت أَرْطى صريمةٍ *** إلى نَبْأة الصوت الظباءُ الكوانِس
ويقال: تَلَع النهار إذا ارتفع يَتْلَع تلُوعًا.
وجِيدٌ تَلِيع: طويل.
ومُتَالِع: جبل بناحية البحرين بين السَوْدة والأحساء.
وفي سفح هذا الجبل عَين يسيح ماؤها، يقال لها: عين مُتَالِع.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
233-تهذيب اللغة (عنت)
عنت: قال الله عزوجل: {لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النِّساء: 25] نزلت الآية فيمن لم يستطع طَوْلًا أي فَضْل مالٍ ينكح به حُرّة، فله أن ينكح أمَة، ثم قال: {ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ}.وهذا يوجب أن من لم يخش العَنَت ووجد طَوْلًا لحُرَّة أنه لا يحلّ له أن ينكح أَمَة.
واختلف الناس في تفسير العَنَت.
فقال بعضهم: معناه: ذلك لمن خاف أن يحمله شدّة الشَّبَق والغُلْمة على الزنى فيلقى العذاب العظيم في الآخرة، والحَدَّ في الدنيا.
وقال بعضهم: معناه: أن يعشق أَمَة، وليس في الآية ذكر عشق، ولكن ذا العِشقِ يلقى عَنَتًا.
وقال أبو العباس محمد بن يَزيد الثُمَاليّ: العَنَت ههنا: الهلاك.
وأخبرني المنذريّ عن أبي الهَيْثَم أنه قال: العَنَت في كلام العرب: الجَوْر والإِثْم والأَذَى.
قال: فقلت له: آلتعنُّت من هذا؟ قال: نعم، يقال: تعنت فلان فلانًا إذا أدخل عليه الأَذَى.
وقال أبو إسحاق الزجَّاج: العَنَت في اللغة: المَشَقَّة الشديدة؛ يقال: أكمَة عَنُوت إذا كانت شاقَّة
المَصْعَد.
قلت: وهذا الذي قاله أبو إسحاق صحيح، فإذا شَقَّ على الرجل العُزْبة وغلبته الغلْمة ولم يجد ما يتزوّج به حُرّة فله أن ينكح أَمَة؛ لأن غلبة الشهوة واجتماعَ الماء في صُلْب الرجل ربما أدّى إلى العِلَّة الصعبة، والله أعلم.
وقول الله عزوجل: {وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ} [البقرة: 220] معناه: ولو شاء الله لشدَّد عليكم وتعبَّدكم بما يَصعب عليكم أداؤه؛ كما فَعل بمن كان قبلكم.
وقد يوضع العَنَت موضع الهلاك، فيجوز أن يكون معناه: {لَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ} أي أهلككم بحكم يكون فيه غير ظالم.
وقول الله عزوجل: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ} [التّوبَة: 128] معناه: عزيز عليه عَنَتكم، وهو لقاء الشدّة والمشقّة.
وقال بعضهم: معناه: عزيز عليه أي شديد ما أعنتكم أي ما أوردكم العَنَت والمَشَقَّة.
وقوله عزوجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحُجرَات: 7] أي لو أطاع مثل المُخْبِر الذي أخبره بما لا أصل له ـ كان سعى بقوم من العرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ارتدّوا ـ لوقعتم في عَنَت أي فساد وهلاك.
وهو قوله عزوجل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهالَةٍ} [الحُجرَات: 6] الآية.
وقال الليث: يقال: أعنت فلان فلانًا إعناتًا إذا أدخل عليه عَنَتًا أي مَشَقَّة.
قال: وتعنَّته تعنُّتًا إذا سأله عن شيء أراد به اللَبْس عليه والمشَقَّة.
قال: والعَظْم المجبور يصيبه شيء فَيُعْنِته.
قلت: معناه: أنه يَهيضه، وهو كسر بعد انجبار، وذاك أشدّ من الكسر الأوّل.
وقال ابن شُمَيل: العَنَت: الكسر، وقد عنِتَت يده أو رجله أي انكسرت.
وكذلك كل عظم.
وأنشد:
فداوِ بها أضلاع جنبيك بعدما *** عَنِتن وأعيتك الجبائر من عَلُ
وقال النَضْر: الوَثْءُ ليس بعَنَت، لا يكون العَنَت إلا الكسر.
والوَثْء: الضرب حتى يَرْهَص الجلدَ واللحم ويصل الضرب إلى العظم من غير أن ينكسر.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: الإعنات: تكليف غير الطاقة.
ويقال: أعْنت الجابر الكسيرَ إذا لم يَرفُق به، فزاد الكسرَ فسادًا.
وكذلك راكب الدابَّة إذا حمله على ما لا يحتمله من العُنْف حتى يَظْلعَ فقد أعْنته.
وقد عنِتَت الدابَّة.
وجُملة العَنَت الضرر الشاقّ المؤذي.
والعُنْتُوت: العَقَبة الكَئُود الشاقَّة، وهي العَنُوت أيضًا، قاله ابن الأعرابيّ وغيره.
قال: وعُنْتُوت القوس: هو الحَزّ الذي تدخل فيه الغانة، والغانة: حَلْقة رأس الوَتَر.
وقال ابن الأنباريّ: أصل العَنَت التشديد وتعنَّته إذا ألزمه ما يصعُب عليه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
234-تهذيب اللغة (عفت)
عفت: قال الليث بن المظفّر: عَفَت فلان الكلامَ عَفْتًا، وهو أن يَلْفِته ويكسره.وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: امرأة عفتاء وعفكاء ولَفْتاء، ورجل أعفت أعفك ألْفت، وهو الأخرق.
وقال في موضع آخر: الألْفت: الأعسر، وكذلك الأَعْفت.
قال: وإنما سُمّي ألْفت لأنه يعمل بجانبه الأميل.
قال: وكلّ ما رميته إلى جانبك فقد لَفَتَّه.
أبو عُبَيد عن أبي زيد: عَفَت فلان عظم فلان، يَعْفِته عَفْتًا: إذا كسره.
قلت: العَفْت واللفت: اللَيّ الشديد وكل شيء ثَنَيتَه فقد عَفَتَّه تعفِته عَفْتًا.
وإنك لتَعْفِتني عن حاجتي أي تثَنيني عنها.
ويقال للعصِيدة: عَفِيتة ولَفيتة.
وقال الأصمعيّ: العِفَّتانيّ: الرجل الجَلْد القويّ، رواه عنه أبو نصر؛ وأنشد:
بعد أزابي العفِتَّانّي الغَلِث
قلت: ومال عفتان في كلام العرب سِلِّجان يقال ألقاه في سلجانه أي حَلْقه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
235-تهذيب اللغة (عظل)
عظل: روي عن عمر بن الخطّاب أنه قال لقوم من العرب: أشعر شعرائكم مَن لم يعاظل الكلام ولم يتّبع حُوشِيّه.قوله: لم يعاظل الكلام أي لم يَحمل بعضه على بعض، ولم يتكلّم بالرَجِيع من القول ولم يكرّر اللفظ والمعنى.
وحُوشيِّ الكلام: وَحْشِيّه وغريبه.
ومن أيّام العرب المعروفة يوم العَظَالَى وهو يوم معروف.
ويقال أيضًا: يوم العَظَالَى، سمي اليوم به لركوب الناس فيه بعضهِم بعضًا.
وقال الأصمعيّ: ركب فيه الثلاثة والاثنان الدابَّة الواحدة.
وتعظّل القوم على فلان إذا تركَّبوا عليه يضربونه.
وقال الليث: عَظَل الجراد والكلاب كل ما يلازم في السِفاد، والاسم العِظَال؛ وأنشد:
كلاب تَعَاظَلُ سودُ الفِقَا *** حِ لم تحم شيئًا ولم تصطد
قال: وجَرَاد عَظْلَى: متعاظلات؛ وأنشد:
يا أمَ عمرو أبشري بالبُشْرَى *** موتٌ ذَرِيعٌ وجَرَاد عَظْلَى
قلت: أراد أن يقول: يا أم عامر فلم يستقم البيت فقال: يا أمّ عمرو.
وأم عامر: كُنْية الضبَعُ، والعرب تضرب بها المَثَل في الحُمْق.
ويجيء الرجال إلى وِجارها فيسُدّ فمه بعد ما يدخله لئلا ترى الضوء، فتَحمل الضبْع عليه، فيقول لها: خامري أم عامر، أبشري برجال قَتْلَى، وجَرَاد عَظْلَى، فتذِلّ له، حتى يَكْعَمها، ثم يجرّها ويستخرجها.
وتعاظلت الجرادُ إذا تسافدت.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: سَفَد السَبُع وعاظل.
قال: والسِباع كلّها تُعاظل.
والجراد والعظاء تعاظل ويقال: تعاظلت السباع وتشابكت.
قال: والعُظُل: هو المجبوسون، مأخوذ من المعاظلة.
وقال ابن شميل: يقال: رأيت الجراد رُدَافَى ورُكَابَى وعُظَالَى إذا اعتظلت.
وذلك أن ترى أربعة وخمسة قد ارتدفت.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
236-تهذيب اللغة (ظلع)
ظلع: أبو عبيد عن أبي عمرو قال: الظالع: المتَّهَم.قال: ومنه قوله:
ظالم الرب ظلع
قلت: هذا بالظاء لا غير.
وأما الضالع ـ بالضاد ـ فهو المائل، وقد ضَلَع يَضْلَع.
ويقال: ضَلْعك مع فلان أي مَيْلك معه.
وأخبرني أبو الفضل المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابيّ أنه قال: يقال: ارْقَ على ظَلْعك، فيقول: رقِيت رُقِيًّا.
ويقال: ارقأ على ظَلْعك ـ بالهمزة ـ فيقول: رقأت، ومعناه: أَصلِحْ أمرك أوّلًا.
ويقال: قِ على ظَلْعك، فيجيبه: وَقَيت، أقِي، وقيًّا.
وروى ابن هانىء عن
أبي زيد: تقول العرب: اقْأ على ظَلْعك، أي كُفّ فإني عالم بمساويك.
وفي «النوادر»: فلان يرقأ على ظَلْعه أي يسكت على دائه وعيبه.
وقال ابن المظفر: الظَلْع كالغَمْز، وقد ظَلَع في مشيه، يظْلَع، ظَلْعًا وقال كثير:
وكنتُ كذات الظَلْع لمّا تحاملت *** على ظَلْعها يوم العِثَار استقلَّت
ويقال: هذه دابَّة ظالع وبِرْذون ظالع، بغير هاء فيهما.
ورَوَى أبو عُبيد عن الأصمعيّ في باب تأخير الحاجة ثم قضائها في آخر وقتها: من أمثالهم في هذا: إذا نام ظالع الكلاب، قال: وذلك أن الظالع منها لا يقدر أن يعاظِل مع صِحاحها لضعفه، فهو يؤخّر ذلك وينتظر فراغ آخرها فلا ينام، حتى إذا لم يبق منها شيء سَفَد حينئذٍ ثم ينام.
ونحو ذلك قال ابن شميل في كتاب «الحروف».
وقال ثابت بن أبي ثابت في كتاب «الفروق»: من أمثال العرب: إذا نام ظالع الكلاب، ولا أفعل ذلك حتى ينام ظالع الكلاب.
قال: والظالع من الكلاب: الصارف.
يقال صَرَفَت الكلبة وظلعت وأجعلت واستطارت إذا اشتهت الفحل.
قال: والظالع من الكلاب لا تنام، فتضرب مَثَلًا للمهتم بأمره الذي لا ينام عنه ولا يهمله.
وأنشد خالد بن يزيد قول الحطيئة يخاطب خيال امرأة طَرَقَه:
تسدّيتِنا من بعد ما نام ظالع ال *** كلاب وأخبى نارَه كلُّ موقِد
قال أبو الهيثم: قال بعضهم: ظالع الكلاب: الكلبة الصارف، يقال: ظَلَعت الكلبة وصَرَفت، لأن الذكور يتبعْنها ولا يدعْنها تنام، حكاه عن ابن الأعرابيّ.
قال: وقال غيره: ظالع الكلاب: الذي ينتظرها أن تسفِد ثم يسفد بعدها.
قال الأزهري: والقول ما قاله الأصمعيّ في ظالع الكلاب، وهو الذي أصابه ظَلْع أي غَمْز في قوائمه فضعف عن السِفَاد مع الكلاب.
قال: وقوله: ارقَأ على ظلعك أي تصعّد في الجبل وأنت تعلم أنك ظالع، لا تجهدْ نفسك.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
237-تهذيب اللغة (عذر)
عذر: قال الله عزوجل: {قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ} [الأعراف: 164] نزلت في قوم من بني إسرائيل وَعظوا الذين اعتدَوا في السبت من اليهود، فقالت طائفة منهم: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ} [الأعراف: 164]، فقالوا ـ يعني الواعظين ـ: {مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ}.المعنى: قالوا: موعظتنا إيَّاهم معذِرة إلى ربكم.
فالمعنى: أنهم قالوا: الأمر بالمعروف واجب علينا، فعلينا موعظة هؤلاء ولعلّهم يتّقون.
ويجوز النصب في مَعْذِرَةً فيكون المعنى: نعتذر معذرة بوعظنا إيّاهم إلى ربّنا.
والمَعْذِرة: اسم على مفعِلة من عَذَر، يعذِر، وأقيم مُقَام الاعتذار؛ كأنهم قالوا: موعظتنا اعتذار إلى ربّنا، فأقيم الاسم مُقام الاعتذار.
وقال الله جلّ وعزّ: {وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} [التّوبَة: 90] رَوَى الضحّاك عن ابن عباس أنه قرأ: {وجاء المُعْذِرون من الأعراب}.
وقال: لعن الله
المعذِّرين قلت: يذهب ابن عبّاس إلى أن المُعْذِرين هم الذين لهم عُذْر والمعذّرون ـ بالتشديد ـ الذين يعتذرون بلا عذر، وكأنهم المقصرون الذين لا عُذْر لهم والعرب تقول: أعذر فلان أي كان منه ما يُعذَر به.
ومنه قولهم: قد أعذر من أنذر.
ويكون أعذر بمعنى اعتذر اعتذارًا يُعذَر به.
ومنه قول لَبيد يخاطب ابنتيه:
فقوما فقولا بالذي قد علمتما *** ولا تخمِشا وجهًا ولا تحلقا الشَعَرْ
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما *** ومن يبك حولًا كاملًا فقد اعتذرْ
فجعل الاعتذار بمعنى الإعذار، والمعتذِر يكون مُحِقًا ويكون غير مُحِقّ؛ والمعاذير يشوبها الكذب.
واعتذر رجل إلى عمر بن عبد العزيز، فقال له: عَذَرتك غير معتذِر.
ويقول: عذرتك دون أن تعتذر وقرأ يعقوب الحضرميّ وحده: {وجاء المُعْذِرون} ساكنة العين، وسائر قرّاء الأمصار قرءوا: {وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ} [التوبة: 90] بفتح العين وتشديد الذال، ممن قرأ الْمُعَذِّرُونَ فهو في الأصل: المعتذرون، فأدغمت التاء في الذال لقرب المخرجين، ومعنى المعتذرين: الذين يعتذرون، كان لهم عذر أو لم يكن، وهو ههنا شبيه بأن يكون لهم عذر.
ويجوز في كلام العرب: المعِذّرون بكسر العين؛ لأن الأصل: المعتذرون فأسكنت التاء وأدغمت في الذال ونُقِلت حركتها إلى العين، فصار الفتح في العين أولى الأشياء، ومن كسر العين جرّه لالتقاء الساكنين، ولم يُقرأ بهذا.
ويجوز أن يكون الْمُعَذِّرُونَ: الذين يعذّرون يوهمون أن لهم عذرًا ولا عذر لهم.
وأخبرني المنذري عن ابن فهم عن محمد بن سَلَّام الجُمَحيّ عن يونس النحويّ أنه سأله عن قوله تعالى: {وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ} [التوبة: 90] فقال: قلت ليونس: {المُعْذرون} مخفّفة كأنها أقيس؛ لأن المُعْذِر: الذي له عُذْر، والمعذّر: الذي يعتذر ولا عذر له.
فقال يونس: قال أبو عمرو بن العلاء: كِلَا الفريقين كان مسيئًا، جاء قوم فعذَّروا، وجَلَّح آخرون فقعدوا.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال في قوله: (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ).
قال: معناه: المعتذرون.
ويقال: عذَّر الرجل يَعِذّر عِذّارًا في معنى اعتذر.
ويجوز عِذِّر يَعِذّر فهو مُعِذِّر، واللغة الأولى أجودهما.
قال: ومثله هَدّى يَهدّى هِدّاءً إذا اهتدى.
هِدَّى يهِدِّي.
قال الله جل وعزّ: {أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى} [يُونس: 35].
قلت: ويكون الْمُعَذِّرُونَ بمعنى المقصّرين على مفعِّلين من التعذير وهو التقصير.
يقال: قام فلان قيام تعذير فيما استكفيتُه إذا لم
يبالغ وقصّر فيما اعتُمد عليه.
وفي الحديث أن بني إسرائيل كانوا إذا عُمِل فيهم بالمعاصي نهاهم أحبارهم تعذيرًا، فعمَّهم الله بالعقاب، وذلك إذا لم يبالغوا في نهيهم عن المعاصي وداهنوهم ولم ينكروا أعمالَهم بالمعاصي حقّ الإنكار.
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لن يهلك الناس حتى يُعْذِروا من أنفسهم».
قال أبو عبيد: قال أبو عُبيدة: يقول حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم.
قال: وفيه لغتان، يقال أعذر الرجل إعذارًا إذا صار ذا عيب وفساد.
وكان بعضهم يقول: عَذَر يَعْذِر بمعناه، ولم يعرفه الأصمعيَّ.
قال أبو عبيد: ولا أرى أخذ هذا إلَّا من العُذْر، يعني: يعذِروا من أنفسهم باستيجابهم العقوبة فيكون لمن يعذّبهم العذرُ في ذلك.
قال: وهو كالحديث الآخر: «لن يهلِك على الله إلا هالك»، ومنه قول الأخطل:
فإن تك حَرْبُ ابنَيْ نِزَارٍ تواضعت *** فقد عَذَرْتنا في كلاب وفي كعب
ويروى: أعذرتْنا أي جعلَتْ لنا عذرًا فيما صنَعْنا.
ومنه قول الناس: من يَعْذِرني من فلان.
وقال ذو الإصبع العَدْوانيّ:
عذَيرَ الحيّ من عَدْوا *** ن كانوا حَيَّة الأرض
أي: هاتِ عَذِير الحيّ من عَدْوان أي من يَعْذِرني، كأنه قال: هات من يَعْذِرني.
ومنه قوله:
عَذِيرَك مِن خليلك من مراد
وهذا يروى عن عليّ رضي اللهُ عَنْه.
وقال الليث: يقال: مَن عَذِيري من فلان أي مَن يَعْذِرني منه، كأنه يخبر بإساءته إليه واستيجابه المجازاة، فيقول: من يَعْذِرني منه إذا جازيتُه بسوء فعله.
قال: وعذير الرجل: ما يروم وما يحاول ممَّا يُعْذَر عليه إذا فعله.
قال العجَّاج يخاطب امرأته:
جاريَ لا تستنكري عذيري *** سَعْيي وإشفاقي على بعيري
وذلك أنه عزم على السفر فكان يرُمّ رَحْل راحلتِه لسفره، فقالت له امرأته: ما هذا الذي تَرُمّ؟ فخاطبها بهذا الشعر، أي لا تنكري ما أحاول.
وقال شمر: قال أبو عبيدة: أَعْذَر فلان من نفسه أي أُتِي من قِبَل نَفْسه.
قال: وعَذّر يُعَذّر من نفسه أي أُتِي من نفسه.
قال يونس: هي لغة للعرب.
قال: وقال خالد بن جَنْبة.
يقال: أَما تُعْذِرني من هذا بمعنى: أما تُنْصفني منه، يقال: أعذِرني من هذا أي أنصِفني منه.
ويقال: لا يُعْذِرك من هذا الرجل أحد، معناه: لا يُلزِمه الذنبَ فيما تضيف إليه وتشكوه به.
ومنه قولهم: من يَعذرني من فلان أي من يقوم بعُذْري إن أنا جازيته بسُوء صنيعه فلا يُلزمني لومًا على ما يكون منّي إليه.
ويقال: اعتذر فلان اعتذارًا وعِذْرة ومَعْذِرة من ذنبه فعذَرته.
قال: وتعذَّر عليَّ هذا الأمرُ إذا لم يستقم.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: عذيري من فلان أي من يَعْذِرني.
ونصبه على إضمار هلمّ معذرتَك إيَّاي.
قال: والعذير أيضًا:
الحال، وجمعه عُذُر، وربما خُفِّفَ فقيل:
عُذْر.
وقال حاتم:
وقد عذرتْني في طِلابكم العُذْرُ
قال: والعُذْرة: الناصية، وجمعها عُذَر.
وقال طَرَفة:
وهِضَبَّاتٍ إذا ابتل العُذْر
والعُذْرة: وَجَع في الحلق، يقال منه: رجل معذور.
وقال جرير:
غَمْز الطبيب نغانغ المعذور
ويقال: فلان أبو عُذْر فلانة إذا كان افْترعها وقال الأصمعيّ: أعذرْت الغلام والجارية وعَذَرتهما، لغتان إذا خُتِنا.
وقال الراجز:
تلوية الخاتن زُبّ المُعْذَر
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العُذْرة: خاتَم البِكر، والعُذْرة: وَجَع الحَلْق، والعُذْرة: العَلَامة.
وقال أبو الحسن اللِحياني: للجارية عُذْرتان، إحداهما تخفِضها، وهو موضع الخفض من الجارية، والعُذْرة الثانية قِضَّتها، سمّيتا عُذْرة بالعَذْر وهو القطع؛ لأنها إذا خُفِضت قطعت نَوَاتها، وإذا افْتُرِعَتْ انقطع خاتم عُذْرتها.
ويقال لقُلْفة الصبيّ أيضًا عُذْرة.
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم استعذر أبا بكر من عائشة، كأنه عَتَب عليها بعض الأمر فقال لأبي بكر: «اعذِرني منها إن أدّبتُها».
وقال أبو زيد: سمعت أعرابيَّيْن تميميًّا وقيسيًّا يقولان: تعذّرت إلى الرجل تعذُّرًا في معنى اعتذرت اعتذارًا.
وقال الأحوص بن محمَّد الأنصاريّ:
طريد تلافاه يزيد برَحْمَةٍ *** فلم يُلْفَ من نَعمائه يتعذَّر
أي: يعتذر، يقول: أنعم عليه نعمة لم يحتج إلى أن يعتذر منها.
ويجوز أن يكون معنى قوله يتعذر أي يذهب عنها.
وقال ابن بُزُرْج: يقال: تعذّروا عليه أي فرّوا عنه وخَذَلوه.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: قولهم: اعتذرت إليه هو قَطْع ما في قلبه، يقال: اعتذرتِ المياهُ إذا تقطَّعت، واعتذرت المنازلُ إذا دَرَسَتْ، ومررت بمنزل معتذر: بالٍ.
وقال لَبِيد:
شهورَ الصيف واعتذرت إليه *** نِطافُ الشيطين من الشِمال
وقال ابن أحمر في الاعتذار بمعنى الدُرُوس:
قد كنتَ تعرف آيات فقد جَعَلت *** أطلالُ إلْفِك بالوَدْكاء تعتذر
وأُخِذ الاعتذار من الذنب من هذا؛ لأنّ من اعتذر شابَ اعتذارَه بكذب يعفي على ذَنْبه.
قال: وإنما سُمِّيت البِكْر عَذْراء من ضِيقها، ومنه يقال: تعذَّر عليَّ هذا الأمرُ.
قال المنذري: وقال أبو طالب المفضَّل بن سلَمَة: الاعتذار قَطْع الرجل عن حاجته، وقَطْعه عمَّا أمْسك في قلبه.
قال: والاعتذار: مَحْو أثر الموجِدة من قولهم: اعتذرتِ المنازلُ إذا دَرَسَت.
أبو عُبَيد عن الأصمعيّ يقال لأثر الجُرْح: عاذر.
وقال ابن أحمر:
وبالظهر مني من قَرَا الباب عاذر
أبو عبيد عن أبي زيد: الإعذار: ما صُنع من الطعام عند الخِتان، وقد أعذرت.
وأنشد:
كلَّ الطعام تشتهي ربيعَهْ *** الخُرْسَ والإعذارَ والنقيعَهْ
سَلَمة عن الفرّاء قال: العَذِيرة: طعام الخِتان.
قال: وعَذَرْت الغلامَ وأعذرته.
وفي حديث عليّ رضي اللهُ عنه أنه عاتب قومًا فقال: ما لكم لا تنظفون عَذِرَاتكم! قال أبو عبيد: قال الأصمعيّ: العَذِرة أصلها فِنَاء الدار، وإيّاها أراد عليّ.
قال أبو عبيد: وإنما سُمِّيت عَذِرة الناس بهذا لأنها كانت تُلْقَى بالأفنية، فكُني عنها باسم الفِناء؛ كما كني بالغائط ـ وهي الأرض المطمئنَّة ـ عنها.
وقال الحطيئة يذكر الأفنية:
لعمري لقد جرّبتكم فوجدتكم *** قِباح الوجوه سَيّئي العَذِرات
والمعاذر جمع مَعْذِرة، ومن أمثالهم: المعاذر مكاذب.
وقال الله عزوجل: {وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ} [القِيَامَة: 15] قال بعضهم: ولو أدلى بكلّ حُجَّة يَعتذِر بها.
وجاء في التفسير أيضًا: ولو ألقى ستوره، المعاذير: الستور بلغة أهل اليمن، واحدها مِعْذار.
ويقال: أعذر فلان في ظهر فلان بالسياط إعذارًا إذا ضربه فأثَّر فيه شَتَمه فبالغ في شتمه حتى أثر به فيه، وقال الأخطل:
وقد أعذرن في وَضَح العِجَانِ
وترك المَطَرُ به عاذرًا أي أثرًا، والعِذَار: سِمَة.
وقال الأحمر: من السِمَات العُذُر، وهي سِمَة في موضع العِذَار، وقد عُذِر البعير فهو معذور.
وقال ابن الأعرابيّ في قول الشاعر:
ومخاصمٍ قاومتُ في كَبَد *** مثل الدِهَان فكان لي العُذْرُ
قال: العُذْر: النُجْحُ.
ولي في هذا الأمر عُذْر وعُذْرَى ومَعْذِرة أي خروج من الذنب.
ويقال في الحرب: لمن العُذْر أي النُجْح والغَلَبة.
وقال الأصمعيّ: خلع فلان مُعَذَّره إذا لم يُطع مُرْشدًا، وأراد بالمعذَّر: الرَسَن ذا العِذارين.
والعَذْراء: الرَمْلة التي لم توطأ.
ودُرَّة عَذْراء: لم تُثْقب.
ويقال: ما عندهم عَذِيرة أي لا يَعْذرون، وما عندهم غَفِيرة أي لا يَغفرون.
وعذراء: قرية بالشام معروفة.
والعَذَارَى: هي الجوامع كالأغلال تجمع بها الأيدي إلى الأعناق، واحدتها عذراء.
وقال اللحيانيّ: هي العَذِرة والعَذِبة لِمَا سقط من الطعام إذا نُقِّي.
ويقال: اتخذ فلان في كَرْمه عِذَارًا من الشجر أي سِكَّة مصطفَّة.
وعذارا الحائط والوادي: جانباه.
وقال أبو سعيد: يقال للرجل إذا عاتبك على أمر قبل التقدّم إليك فيه: والله ما استعذرت إليّ وما استنذرت، أي لم تقدِّم إليَ المعذرة والإنذار.
والاستعذار: أن تقول له: اعذِرني منك.
وعذار اللجام: ما وقع منه على خدّي الدَّابة.
وقال النضر: عذارُ اللجام: السَّيْران اللذان يُجمعان عند القفا.
وقال الكسائي: أعذرْت الفرس: جعلت له عِذَارًا.
وقال ابن الأعرابيّ: عَذَرت الفَرَس: جعلت له
عِذَارًا.
وقال ابن المظفَّر: عَذَرت الفرس فأنا أَعْذِره بالعِذَار وأعذرته إذا جعلت له عِذَارًا، وعذَّرته تعذيرًا بالعِذار.
قال: والعِذَار: طعام البِنَاء وأن يستفيد الرجل شيئًا جديدًا يتَّخذ طعامًا يدعو عليه إخوانه.
وعذَّر فلان تعذيرًا للخِتان ونحوه.
وحِمَار عذَوَّر، وهو الواسع الجَوْف.
ومُلْك عذَوَّر: واسع عريض.
والعُذْرة: نجم إذا طلع اشتدَّ غَمّ الحَرّ، وهي تطلع بعد الشعْرى ولها وَقْدَة ولا ريح لها وتأخذ بالنَفْس ثم يطلع سهيل بعدها.
وقال المازنيّ: العواذير: جمع العاذر وهو الأَثَر.
وقال أبو وَجْزة السعديّ:
إذا الحَيّ والحَوْم المُيَسِّر وَسْطنا *** وإذ نحن في حال من العيش صالح
وذو حَلَق نُقْضَى العواذيرُ بينه *** يلوح بأخطار عظام اللقائح
وقال الأصمعيّ: الحَوْم: الإبل الكثيرة، المُيَسِّر: الذي قد جاء لَبَنه.
وذو حَلَق يعني إبلًا مِيسَمُها الْحَلَق.
والعواذير: جمع عاذور، وهو أن يكون بنو الأب ميسَمُهم واحدًا فإذا اقتسموا ما لهم قال بعضهم لبعض: أَعْذِر عنّي، فيخطّ في المِيسم خَطًا أو غيره ليعرف بذلك سِمَة بعضهم من بعض.
والعاذُور أيضًا: ما يُقطع من مَخْفِض الجارية.
وقال الله عزوجل: {فَالْمُلْقِياتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} [المرسلات: 5، 6] فيه قولان.
أحدهما: والإنذار، والقول الثاني: أنهما نصبا على البدل من قوله: {ذِكْرًا}.
وفيه وجه ثالث وهو أن تنصبهما بقوله: {ذِكْرًا} المعنى: الملقيات إن ذكرت {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا}.
وهما اسمان أُقيما مُقام الإعذار والإنذار، ويجوز تخفيفهما معًا وتثقيلهما معًا.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: العُذُر جمع العاذر وهو الأبداء يقال: قد ظهر عاذِره، وهو دَبُوقاؤه.
والعُذُر جمع عِذَار وهو المستطِيل من الأرض.
والعِذَار: استواء شَعَر الغلام، يقال: ما أحسن عِذاره أي خَطَّ لِحيتِه.
والعَذَر: العلامة، يقال: أَعْذِر على نصيبك أي أعلِم عليه.
وقال أبو مالك عمرو بن كِرْكِرة: يقال: ضربوه فأعذروه أي ضربوه فأثقلوه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
238-تهذيب اللغة (عذب)
عذب: قال الليث: عَذُب الماء يَعْذُب عُذُوبة فهو عَذْب: طيب.وأعذب القوم إذا عَذُب ماؤهم.
قال: واستعذَبوا إذا استقوا ماء عَذْبًا.
وعذب الحمار يَعذُب عُذوبًا فهو عاذب وعَذُوب إذا لم يأكل العَلَف من شدّة العطش.
قال: ويَعْذُب الرجل عن الأكل فهو عاذب: لا صائم ولا مفطر.
وأعذبته إعذابًا، وعذَّبته تعذيبًا.
كقولك فطمته عن هذا الأمر.
وكل من مَنعته شيئًا فقد أعذبته وعذّبته.
قال: وعذَّبته تعذيبًا وعذابًا من العذاب.
وعَذَبة السوط: طَرَفه، وأطراف السيور عَذَبها وعَذَباتها.
وعَذَبة قضيب الجَمَل: أسَلَته المستدِقّ في مقدَّمه.
والجميع العَذَب.
وعَذَبة شِرَاك النعل: المرسلةُ من الشراك.
والعُذَيب: ماء معروف بين القادسية ومُغِيثة.
وفي حديث عليّ أنه شَيَّع سريَّة فقال: أَعذِبوا عن النساء.
قال أبو عبيد: يقول: امنعوا أنفسكم عن ذكر النساء وشَغْل القلوب بهنّ؛ فإن ذلك يكسركم عن الغَزْو.
وكلّ مَن منعته شيئًا فقد أعذبته.
وقال عَبِيد بن الأبرص:
وتبدّلوا اليَعْبُوب بعد إلههم *** صنما فقِرّوا يا جَدِيل وأَعْذِبوا
قال والعاذب والعَذُوب سواء.
ويقال للفرس وغيره: بات عَذُوبًا إذا لم يأكل شيئًا ولم يشرب لأنه ممتنع من ذلك.
وأنشد:
فبات عَذُوبًا للسماء كأنه *** سُهَيل إذا ما أفردته الكواكب
يصف ثورًا وَحْشيًا بات فَرِدًا لا يذوق شيئًا.
قال: والعَذُوب: الذي ليس بينه وبين السماء سُترة.
وكذلك العاذب.
قلت: وقول أبي عبيد في العَذُوب والعاذب: أنه الذي لا يأكل ولا يشرب أصوب من قول الليث: إن العَذُوب: الذي يمتنع عن الأكل لعطشه.
ويقال: أعذب عن الشيء إذا امتنع، وأعذب غيره إذا منعه فيكون لازمًا وواقعًا، مثل أملق إذا افتقر، وأملق غيره.
أبو عبيد: العَذَبة: الخَيط الذي يُرفع به الميزان، وعَذَبة اللسان: طَرَفه.
وقال غيره: العَذَب: ما يخرج على أثَر الولد من الرَحِم.
وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال: العَذَابة: الرَحِم.
وأنشد:
وكنت كذاتِ الحيض لم تُبقِ ماءها *** ولا هي من ماء العَذَابة طاهر
قال: والعذابة: رَحِم المرأة.
وقال اللحياني: استعذبت عنك: أي انتهيت.
ويقال: مررت بماء ما به عَذَبة أي لا رِعْيَ فيه ولا كلأ.
ويقال: اضرب عَذَبة، الحوض حتى يظهر الماء أي اضرب عَرْمَضه.
وقال الكسائيّ: العَذَبة: الغُصْن وجمعها عَذَب.
وعَذَب النوائح هي المآلي: وهي المعاذب أيضًا واحدها معذبة.
وعَذُوبات الناقة: قوائمها.
وقال ابن الأعرابيّ: عذَّبت السوط فهو معذَّب إذا جعلت له عِلَاقة.
قال: وعَذَبة السوط: عِلَاقته.
وقال أبو زيد: يقال للجِلدة المعلَّقة خَلْف مُؤْخِرة الرحل من أعلاه عَذَبة وذوَابة.
وأنشد:
قالوا صدقت ورفَّعو لمطيّهم *** سَيْرًا يُطير ذوائبَ الأكوار
عمرو عن أبيه: يقال لخِرْقة النائحة عَذَبة ومِعْوَز.
وجمع العذبة معاذب على غير قياس.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
239-تهذيب اللغة (عذم)
عذم: قال ابن المظفّر: العَذْم: الأخذ باللسان واللومُ، وقد عَذَم يَعْذِم عَذْما إذا عَنَف في لومه.والعَذِيمة: الملامة.
وقال الراجز:
يظلّ من جاراه في عذائم *** من عُنْفُوان جَرْيه العُفاهِم
وفرس عَذُوم أي عَضُوض.
قال: والعُذّام: شجر من الْحَمْض يَنْتمىء، وانتماؤه: انشداخ ورقه إذا مسِسَتْه، وله ورق كورق القاقلّ، والواحدة عُذَّامة.
وأخبرني المنذريّ عن الصَيْداويّ عن الرياشيّ أنه قال: العَذْم: العَضُ.
وذكر عن عُمَارة بإسناد له أنه قال: العَذْم: المَنْع، يقال: لأعْذِمنَّك عن ذلك.
قال: والمرأة تَعْذِم الرجل إذا أربع لها بالكلام أي تشتمه إذا سألها المكروه، وهو الإرباع.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: العُذُم: البراغيث، واحدها عَذُوم.
والعُذُم: اللوّامون والمعاتِبون.
وفي «النوادر»: عَذَمته عن كذا وكذا وأعذمته أي منعته.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
240-تهذيب اللغة (عثر)
عثر: قال الله جلّ وعزّ: {فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} [المَائدة: 107] معناه: فإن اطُّلع على أنهما قد خانا.وقال الله جلَّ وعَزَّ {وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ} [الكهف: 21] معناه: وكذلك أَطْلعنا.
وقال الليث: عَثَر الرجل يَعْثُر عُثُورًا إذا هجم على أمر لم يهجُم عليه غيره وأعثرت فلانًا على أمر أي أطلعته.
وعَثَر الرجل يَعْثُر عَثْرة، وعَثَر الفرس عِثَارًا.
وعيوب الدوابّ تجيء على فِعَال؛ مثل العِثار والعِضَاض والخِراط والضِرَاح والرِمَاح وما شاكلها.
أبو عُبيد عن أبي عمرو: العَثَرِيّ: العِذْي، وهو ما سقته السماءُ.
قلت: العَثَرِيّ من الزروع: ما سُقِي بماء السيل والمطر وأُجرِي إليه الماءُ في المسايلِ وحُفر له عاثور أي أتيّ يُجْرى فيه الماء إليه.
وجمع العاثور عواثير.
ومن هذا يقال: وقع فلان في عاثور شرّ وعافور شرّ إذا وقع في وَرْطة لم يحتسبها ولا شَعَر بها.
وأصله الرجلُ يمشي في ظُلْمة الليل فيتعثّر بعاثور المَسِيل أو في خدّ خَدَّه سيلُ المطر فربما أصابه منه وَثْء أو عَنَت أو كسر.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن قريشًا أهل أمانة، مَن بغاها العواثر كبَّه الله لمنخره».
قوله: «من بغاها العواثر» أي بغى لها المكايد التي تَعْثُر بها كالعاثور الذي يُخَدّ في الأرض فتعثّر به الإنسان إذا مَرَّ به ليلًا وهو لا يشعر به فربما أَعْنته.
وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابيّ أنه قال: يقال: جاء فلان رائقًا عَثَّرِيًّا بتشديد الثاء إذا جاء فارغًا قال أبو العباس: وهو غير العَثَريّ الذي جاء في الحديث، لأن الذي في الحديث مخفّف الثاء، وهذا مشدّد الثاء، ونحو ذلك قال أبو الهيثم في العِذْي: إنه العَثَريّ بتخفيف الثاء، وكان شمر يشدّد الثاء فيه، والصواب تخفيفها؛ كما قال أبو العباس وأبو الهيثم.
وروى شمر عن ابن الأعرابيّ أنه قال: رجل عَثَريّ: ليس في أمر الدنيا ولا في أمر الآخرة.
وقال الليثي في قول الراجز: «وبلدة كثيرة العاثور» قال: يعني المتالِف.
أبو عبيد: العِثْيَر: الغُبَار.
قال: وأنشده الأمويّ
ترى لهم حول الصِقَعْل عِثْيره
يعني الغبار.
وقال الليث: العِثْيَر: الغبار الساطع.
وأما قولهم: ما يرى لفلان أَثَرٌ ولا عَيْثَرٌ فإنه مبنيّ على مثال فَيْعَل.
وروى الأصمعيّ عن أبي عمرو بن العَلَاء أنه قال: بُنيَتْ سَيْلَحُون: مدينة باليمن في
ثمانين أو سبعين سنة، وبنيت بَرَاقِش وَمعين بِغُسالة أيديهم، فلا يرى لسَيْلحين أَثَرٌ ولا عَيْثَرٌ، وهاتان قائمتان.
وأنشد قول عمرو بن معديكرب:
دعانا من بَرَاقِش أو مَعِين *** فأَسمع واتلأَب بنا مليع
ومَلِيع: اسم طريق.
وقال الأصمعيّ: العَيْثَر تبع لأثر.
قال: وأما العِثْيَر فهو الغبار.
وقال الرياشي: العَيْثَر: أخفى من الأَثَر، يقال: إن العَيْثَر: عَين الشيء وشخصه في قوله: ماله أثر ولا عَيْثر وأنشد:
لعمر أبيك يا صخر بن عمرو *** لقد عيثرت طيرك لو تعيفُ
يريد: لقد أبصرت وعاينت.
وقال الليث: العَيْثَر: ما قَلَبْت من تراب أو مَدَر أو طين بأطراف أصابع رجليك إذا مشيتَ ولا يرى من القَدَم أثر غيره، فيقال: ما رأيت له أثرًا ولا عَيْثرًا.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ أنه قال: العثْر: الكذِب، يقال فلان في العَثْر والبائن، يريد: في الحق والباطل.
وقال ابن الأعرابي يقال: كانت بين القوم عَيْثَرة وغَيْثَرة شديدة، وكأن العَيْثرة دون الغَيْثرَة.
وقال الأصمعي: تركت القوم في غَيْثرة وعَيْثرة أي في قتال دون القتال.
قال ويقال: ما رأيت له أثرًا ولا عَيْثرًا.
قال: والعَيْثَر: الشخص العَثَر الاطلاع على سِرِّ الرجل.
وعَثَّر: موضع وهو مأسَدة، جاء على فَعَّل مثل بَقَّمَ.
وقال أبو سعيد في قول الأعشى:
فبانت وقد أورثت في الفؤا *** د صَدْعًا يخالط عَثَّارها
قال: عثَّارها هو الأعشى عَثَر بها فابتُليَ بهواها وتزوّد منها صَدْعًا في فؤاده.
وعُثَارى: اسم واد.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
241-تهذيب اللغة (رعث)
رعث: رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحلِّي بنات فلان ـ وكنّ في حجْره ـ رِعَاثًا من ذهب.قال أبو عبيد: قال أبو عمرو: واحد الرَّعَاث رعَثَة ورَعْثة، وهو القُرْط.
قال: والرَّعْث في غير هذا: العِهْن من الصوف.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن
الأعرابيّ قال: الرَّعَثة في أسفل الأُذُن الشَنْف في أعلى الأذن.
وقال الليث: الرَّعْثة: رَعْثة الديك وهي لِحْيته قال: وَرَعثتَا المِعْزَى: زَنَمتاها.
ورَعَثَتِ العَنْزُ رَعْثًا إذا ابيضَّت أطراف زَنَميتيْها.
قال: وكلّ مِعْلاق كالقُرْط ونحوه يعلَّق من أذن أو قلادة فهو رِعَاث.
قال: والرُّعُث: ذَبَاذب من العِهْن تعلَّق من الهوادج زينةً لها، واحدها رَعْثة.
قال: والرَّعْثة التَلْتَلة تتخَّذ من جُف الطَلْعة يُشرب بها.
وحُكِي عن بعضهم أنه قال: يقال لراعوفة البئر: راعوثة.
قال: وهي الأُرْعُوفة والأُرْعُوثة.
وتفسيره في العين والراء.
وبَشَّار المُرَعَّث سمّي مُرَعثًا لِرَعَاث كانت في أذنه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
242-تهذيب اللغة (ثعب)
ثعب: أبو عبيد عن أبي عمرو: الثَّعَب: مَسِيل الوادي، وجمعه ثُعْبان.وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن سلمة عن الفرّاء قال: الثَّعْب والوَقِيعة والغَدِير كلّ ذا من مجامع الماء.
وقال الليث: الثَّعْب: الذي يجتمع في مَسِيل المَطَر من الغُثاء.
قلت: لم يجوّد الليث في تفسير الثَّعْب، وهو عندي: المسيل نفسه، لا ما يجتمع في المَسِيل من الغُثَاء.
وقال الليث: ثَعَبت الماء ثَعَبًا إذا فَجَرْته فانثعَب كانثعاب الدم من الأنف.
قال ومنه اشتُقّ مَثْعَب المَطَر.
قال والثُعْبان: الحيَّة الضخم الطويل الذكر قال: الأَثْعَبيّ: الوجه الضخم في حُسْن وبياض.
قلت: ومنهم من يقول: وجه أُثْعبانيّ.
قال: والثُّعْبة: ضَرْب من الوَزَغ يسمَّى سامَّ أبرص، غير أنها خضراء الرأس والحَلْق جاحظة العينين، لا تلقاها أبدًا إلَّا فاتحة فاها.
وهي من شرّ الدوابّ.
وجمعها ثُعَب.
أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: من أسماء الفأر البِرّ والثُّعْبة والعَرِم.
وقال ابن دريد: الثُّعْبة: دابَّة أغلظ من الوَزَغة تلسع، وربما قَتَلت.
قال: ومَثَل من أمثالهم: ما الخَوَافِي كالقِلَبة، ولا الخُنَّاز كالثُّعَبَة.
قال والخُنّاز: الوَزَغة.
وقال ابن شميل: الحيَّات كلها ثعبان، الصغير والكبير والإناث والذُكران.
وقال أبو خيرة: الثعبان الحيَّة الذكر، ونحو ذلك قال الضحاك في تفسير قوله تعالى: {فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ} [الأعرَاف: 107].
وقال قُطْرب: الثعبان: الحيَّة الذكر الأصفر الأشقر، وهو من أعظم الحيَّات.
وقال أبو تراب: قال الخليل: الثُّعْبان: ماء الواحد ثَعب.
قال: وقال غيره: هو الثغب بالغين.
وقال شمر: قال بعضهم: الثعبان من
الحيَّات ضخم عظيم أحمر يصيد الفأر.
وقال: وهي ببعض المواضع تستعار للفأر، وهي أنفع في البيت من السنانير.
وقال حُمَيد بن ثَور:
شديدًا توقّيه الإمامَ كأنما *** يَرى بتوقّيه الخِشاشة أرقما
فلما أنته أنشبت في خِشاشه *** زِمامًا كثعبان الحَمَاطة محكما
قال الأزهري: ومَثْعب الحوض: صُنْبُوره وهو ثَقْبه الذي يخرج منه الماء.
قال: وروي عن ثعلب في قوله تعالى وتشبيهه عصا موسى بثعبان مبين في موضع، وقد شبَّهها في موضع آخر بالجان فقيل الثعبان: أضخم الحَيَّات جُثّة، والجانّ: أخفُ الحيَّات وألطفها غَلْقًا فكيف شبّهت العصا مرة بالثعبان ومرَّة بالجانّ؟ فقال شبَّهها في ضخمها بالثعبان، وفي خفَّتها بالجان ونحو ذلك قال الزجاج.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
243-تهذيب اللغة (عفر)
عفر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا سجد جافي عَضُديه حتى يَرى مَنْ خَلْفه عُفرة إبطيه.قال أبو عبيد: قال أبو زيد والأصمعيّ: العُفْرة: البياض، ولكن ليس بالبياض الناصع الشديد، ولكنه لون الأرض.
ومنه قيل للظباء: عُفْر إذا كانت ألوانها كذلك، وإنما سميت بعَفَر الأرض وهو وجهها ويقال: ما على عَفَر الأرض مِثله أي ما على وجهها.
وروي عن أبي هريرة أنه قال: لدَمُ عفراء أحبّ إليّ في الأضحية من دم سوداوين.
قال: ويقال: عفَّرت فلانًا في التراب إذا مرّغته فيه، تعفيرًا.
قال أبو عبيد: والتعفير في غير هذا يقال للوحشيَّة: هي تعفّر ولدها.
وذلك إذا أرادت فطامه قطعت عنه الرضاع يومًا أو يومين.
فإن خافت أن يضرّه ذلك ردَّته إلى الرضاع أيامًا ثم أعادته إلى الفِطَام، تفعل ذلك مرات حتى يستمرّ عليه، فذلك التعْفير، والولد معفَّر.
قال أبو عبيد: والأمّ تفعل مثل ذلك بولدها الإنْسِيّ.
وأنشد بيت لَبِيد يذكر بقرة وَحْشية وولدها:
لمعفَّر قَهْد تنازع شِلْوه *** غُبْس كواسب ما يُمَنّ طعامُها
قلت: وقيل في تفسير المعفَّر في بيت لَبيد: إنه ولدها الذي افترسه الذئاب الغُبْس فعفَّرته في التراب أي مرَّغته.
وهذا عندي أشبه بمعنى البيت.
وقال الليث: يقال: عَفَرته في التراب عفرًا وأنا أعفره وهو منعفر الوجه في التراب ومعفَّر الوجه وقد عفَّرته تعفيرًا.
وقال: اعتفرته اعتفارًا إذا ضربت به الأرض فمغَثْته.
وقال الشاعر يصف شَعَر امرأة طال حتى مَسَّ الأرض:
تهلِك المِدْراة في أكنافه *** وإذا ما أرسلته يعتفِرْ
أي: يسقط شعرها على الأرض، جعله من عَفَرته فاعتفر.
وروي أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إني ما قرِبت أهلي مذ
عَفَار النخل وقد حَمَلت، فلاعن بينهما.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: عَفَار النخل: تلقيحها وإصلاحها، يقال: قد عَفَروا نخلهم يعفِرون.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: العَفَار: أن تترك النخيل بعد التلقيح أربعين يومًا لا تسقى.
قال: والعفَّار: لقّاح النخيل.
أبو حاتم عن الأصمعي: العَفر: سُقي الزرع بعد إلقاء الحَبّ.
قلت: عفر الزرع: أن يسقى سَقْية ينبت عنه، ثم يترك أيامًا لا يسقى فيها حتى يعطش، ثم يسُقى فيصلح على ذلك.
وأكثر ما يفعل ذلك بخِلْف الصيف وخضراواته.
وقيل في قول الله جَل وعز ذكره: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها} [الواقعة: 71، 72]: إنها المَرْخ والعَفَار، وهما شجرتان فيهما نار ليس في غيرهما من الشجر، ويسوَّى من أغصانهما الزِنَاد فيُقْتدح بها.
وقد رأيتهما في البادية.
والعرب تضرب المَثَل بهما في الشرف العالي فتقول: في كل الشجر نار، واستَمجَد المَرْخ والعَفَار.
استَمْجَد: استكثر.
وذلك أن هاتين الشجرتين من أكثر الشجر نارًا، وزنادهما أسرع الزناد وَرْيًا، والعُنَّاب من أقلّ الشجر نارًا، وقال المبرد: يقال: رجل مَعَافرِيّ.
ومَعَافر بن مُرّ أخو تميم بن مرّ.
قال: ونسب على الجمع لأن مَعَافر اسم لشيء واحد؛ كما تقول لرجل من بني كلاب أو من الضباب: كلابيّ وضِبابيّ.
فأَمَّا النسب إلى الجماعة فإنما توقع النسب على واحد؛ كالنسب إلى المساجد تقول: مسجديّ، وكذلك ما أشبه.
وتقول: بُرْد مَعافريّ؛ لأنه نسب إلى رجل اسمه معافر.
وقال أبو زيد: من الظباء العُفْر وهي التي تسكن القِفاف وصَلَابة الأرض وهي حُمْر.
وكذلك قال أبو زياد الكلابيّ.
أبو عبيد: اليَعْفور: ولد البقرة الوحشيَّة.
وقال الليث: اليعفور: الخِشْف سمّي يعفورًا لكثرة لزوقه بالأرض.
وقال أبو عبيد: قال أبو زيد: يقال للسَوِيق الذي لا يُلَتّ بالأُدْم عَفِير.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال: أكل فلان خبزًا قَفَارًا وعَفَارًا وعفيرًا أي بلا شيء معه.
وقال: عليه العَفَار والدبَار وسوء الدار.
أبو عبيد عن الفرّاء قال: العفير من النساء: التي لا تُهدي شيئًا؛ قال الكميت:
وإذا الخُرَّد اغْبررْن من المحْ *** ل وصارت مِهداؤهن عفيرا
أبو عُبَيد: العِفْرية ـ خفيفة ـ على مثال فِعللة، وهو من الإنسان: شَعَر الناصية، ومن الدابّة: شَعَر القَفَا.
قال وقال: الأصمعيُ: العِفْرية النِفْرية؛ الرجل الخبيث المنكَر.
ومثله العَفِر.
وامرأة عَفِرة.
قلت: ويقال: لعِفْرية الرأس: عِفْراةٌ.
وقال الله عزوجل: {قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ} [النَّمل: 39] قالوا: العفريت: النافذ في الأمر المبالغ فيه مع خُبْث ودهاء يقال: رجل عِفْر وعفريت وعِفْرية وعُفَارية بمعنى واحد.
وقال الفرّاء: من قال: عِفْرية فجمعه عفارٍ، ومن قال: عفريت جمعه عفاريت.
وجاز أن يقول: عفارٍ؛ كقولهم في جمع الطاغوت: طواغيت وطواغٍ.
وقال شمر: امرأة عِفِرَّة ورجل عِفِرّ بتشديد الراء.
وأنشد في صفة امرأة غير محمودة الصفة:
وضِبَّرة مثل الأتان عِفِرَّة *** ثجلاء ذات خواصر ما تشبع
قال الليث: ويقال للخبيث: عِفِرِّيّ أي عِفِرّ، وهم العِفِرِّيُّون.
قال: وأسد عَفَرْنى ولَبُؤة عَفَرْناة إذا كانا جريئين.
قال: وأمّا لَيْثُ عِفِرِّين فَإن العرب تسمِّي به دوَيْبة يكون مأواها التراب والسهل في أصول الحيطان تدوِّر دُوّارة، ثم تندس في جوفها: فإذا هجت رَمَت بالتراب صُعُدًا.
قال ويقال للرجل ابن الخمسين: ليثُ عِفِرين إذا كان كاملًا.
أبو عبيد عن الأصمعيّ وأبي عمرو: يقال: إنه لأشجع من ليث عفرّين هكذا قالا في حكاية المَثَل واختلفا في التفسير.
فقال أبو عمرو: هو الأسد.
وقال الأصمعيّ: هو دابَّة من الحرباء يتعرّض للراكب.
قال: وهو منسوب إلى عِفِرّين: اسم بلد ونحوَ ذلك.
رَوَى أبو حاتم عن الأصمعيّ يقال: إنه دابّة مثل الحرباء يتحدّى الراكب ويضرب بذَنَبه.
وقال الليث: العِفْر: الذكر الفحل من الخنازير.
أبو عبيد عن الأحمر: لقيته عن عُفْر أي بعد حين.
وعن أبي زيد: لقيته عن عُفْر: بعد شهر ونحوه.
وأما قول المرّار:
على عُفُر من عن تناء وإنما *** تَدانى الهوى من عن تناء وعن عفر
وكان هجر أخاه في الحبس بالمدينة فيقول: هجرت أخي على عُفْر أي على بعد من الحيّ والقرابات أي ونحن غُرَباء ولم يكن ينبغي لي أن أهجره ونحن على هذه الحالة.
قالوا: والعُفْر: البعد.
ويقال: العُفْر: قلَّة الزيارة، يقال: إلا عن عُفْر أي بعد قلَّة زيارة، ويقال: دخلْت الماء فما انعفرتْ قدماي أي لم تبلغا الأرض.
ومنه قول امرىء القيس:
وتر الضبّ حفيفًا ماهرًا *** ثانيًا بُرْثُنه ما ينْعفرْ
وبُرْد معافري: منسوب إلى مَعَافر اليمن.
ثم صار اسمًا لها بغير نسبة فيقال: مَعافر.
أبو سعيد: تعفّر الوحشيّ تعفُّرًا إذا سمن.
وأنشد:
ومجرُّ منتحر الطليْ تعفّرت *** فيه الفِرَاء بجِزع واد مُمكِن
قال: هذا سحاب يمرّ مرًّا بطيئًا لكثرة مائه.
كأنه قد انتحر لكثرة مائه وطليّه: مناتح مائه بمنزلة أطلاء الوحش وتعفّرت: سمنت.
والفِراء: حُمُر الوحش.
والممكن: الذي أمكن مرعاه.
وقال ابن الأعرابي: أراد بالطليّ نَوْء الحَمَل ونَوْء الطَلِيّ والحَمَل واحد عنده.
قال: ومنتحِر أراد أنه نحره فكان النَوْء بذلك المكان من
الحَمَل.
قال: وقوله: واد ممكن يُنْبت المَكْنان وهو نَبْت من أحرار البقول.
ويقال: رماني عن قَرْن أعفر أي رماني بداهية.
ومنه قول ابن أحمر:
وأصبح يرمي الناس عن قرن أعفرا
وذلك أنهم كانوا يتّخذون القرون مكان الأسِنَّة، فصار مثلًا عندهم في الشدَّة؛ تنزل بهم.
ويقال للرجل إذا بات ليلته في شِدّة تُقْلقه: كنت على قَرْن أعفر.
ومنه قول امرىء القيس:
كأني وأصحابي على قرن أعفرا
أبو العباس عن ابن الأعرابي: يقال للحمار الخفيف: فلْو ويَعْفور وهِنْبِر وزِهْلِق.
وعَفَارة: اسم امرأة.
ومنه قوله:
بانت لتحزننا عَفَارة
سميت عَفَارة بالعَفَار من الشجر الواحدة عَفَارة.
وعُفَير من أسماء الرجال.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
244-تهذيب اللغة (عرب)
عرب: قال ابن المظفّر: العَرَب العاربة: الصريح منهم.قال: والأعاريب: جماعة الأعراب.
وقال غيره: رجل عربيّ إذا كان نسبه في العرب ثابتًا وإن لم يكن فصيحًا.
وجمعه العَرَب؛ كما يقال: رجل مجوسيّ ويهوديّ، والجمع بحذف ياء النسبة: المجوس واليهود.
ورجل مُعْرِب إذا كان فصيحًا وإن كان عجميّ النسب.
ورجل أعرابيّ ـ بالألف ـ إذا كان بدويًّا صاحب نُجْعة وانتواء وارتياد للكلأ وتتبّع لمساقط الغيث، وسواء كان من العرب أو من مواليهم.
ويجمع الأعرابيّ على الأعراب والأعاريب.
والأعرابيّ إذا قيل له يا عربيّ فَرِح بذاك وهَشّ له.
والعربيّ إذا قيل له: يا أعرابيّ غضِب له.
فمن نزل البادية أو جاور البادين وظَعَنَ بظَعنهم وانتوى بانتوائهم فهم أعراب، ومن نزل بلاد الريف واستوطن المدن والقُرَى العربية وغيرها مما ينتمي إلى العرب فهم عرب وإن لم يكونوا فصحاء.
وقول الله جلّ وعزّ: {قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا} [الحُجرَات: 14] هؤلاء قوم من بوادي العرب قدِموا على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة طمعًا في الصدقات لا رغبة في الإسلام، فسمَّاهم الله الأعرابَ، ومثلهم الذين ذكرهم الله في سورة البَحُوث: {الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفاقًا} [التوبة: 97] الآية.
قلت: والذي لا يفرق بين العرب والأعراب والعربيّ والأعرابيّ ربما تحامل على العرب بما يتأوّله في هذه الآية، وهو لا يميز بين العرب والأعراب.
ولا يجوز أن يقال للمهاجرين والأنصار: أعراب، إنما هم عرب؛ لأنهم استوطنوا القُرَى العربية وسكنوا المُدُن، سواء منهم الناشىء بالبَدْو ثم استوطن القرى والناشىء بمكة ثم هاجر إلى المدينة.
فإن لحقت طائفةٌ منهم بأهل البَدْو بعد هجرتهم واقتَنوا نَعَمًا ورعَوا مساقط الغيث بعد ما كانوا حاضرة أو مهاجرة قيل: قد تعرّبوا أي صاروا أعرابًا بعد ما كانوا عَرَبًا.
وقال أبو زيد الأنصاريّ يقال: أعرب الأعجمي إعرابًا، وتعرّب تعرُّبًا واستعرب استعرابًا كلّ هذا للأغْتَم دون الصبيّ.
قال: وأفصح الصبِيّ في منطقه إذا فهمت ما يقول أوّلَ ما يتكلم.
وأفصح الأغتم إفصاحًا مثله.
ويقال للعربي: أفصِحْ لي إن كنت صادقًا أي أَبِنْ لي كلامك.
قال: ويقال: عرَّبت له الكلام تعريبًا وأعربته له إعرابًا إذا بيَّنته له حتى لا يكون فيه حَضْرمة.
قال: وفَصُح الرجل فَصَاحة وأفصح كلامُه إفصاحًا.
قلت: وجعل الله جلّ وعزّ القرآن المنزَّل على النبي المرسل محمد صلى الله عليه وسلم عربيًا لأنه نَسَبه إلى العرب
الذين أنزله بلسانهم، وهم النبي والمهاجرون والأنصار الذين صيغة لسانهم لغة العرب في باديتها وقراها العربيّة.
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم عربيًّا لأنه من صريح العرب.
ولو أن قومًا من الأعراب الذين يسكنون البادية حضروا القُرَى العربية وغيرها وتَناءوْا معهم فيها سُمُّوا عربًا ولم يسمُّوا أعرابًا.
ويقال: رجل عربيّ اللسان إذا كان فصيحًا.
وقال الليث: يجوز أن يقال: رجل عَرَبانيّ اللسانيّ.
قال: والعرب المستعربة هم الذين دخلوا فيهم بعد فاستعربوا.
وقلت أنا: المستعربة عندي: قوم من العجم دخلوا في العرب فتكلموا بلسانهم وحَكَوا هَيئاتهم وليسوا بُصَرحاء فيهم.
وقال الليث: تعرّبوا مثل استعربوا.
وكذلك قال أبو زيد الأنصاري.
قلت: ويكون التعرّب أن يرجع إلى البادية بعد ما كان مقيمًا بالحَضَر فيلحَق بالأعراب.
ويكون التعرّب المُقام في البادية.
ومنه قول الشاعر:
تعرَّب آبائي فهلَّا وقاهم *** من الموت رَمْلَا عالجٍ زَرُودِ
يقول: أقام آبائي بالبادية ولم يحضروا القُرَى.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الثيب يُعْرب عنها لسانُها والبكر تُستأمَر في نفسها».
وقال أبو عبيد: هذا الحرف جاء في الحديث: يُعْرِب، بالتخفيف.
وقال الفرّاء: إنما هو يُعرِّب، بالتشديد يقال: عرَّبت عن القوم إذا تكلمت عنهم واحتججت لهم.
قلت: الإعراب والتعريب معناهما واحد، وهو الإبانة.
يقال: أعرب عنه لسانُه وعَرَّب أي أبان وأفصح.
ويقال: أعرِبْ عما في ضميرك أي أبِنْ.
ومن هذا يقال للرجل إذا أفصح في الكلام: قد أَعْرب.
ومنه قول الكميت:
وجدنا لكم في آل حاميمَ آيةً *** تأوّلها مِنّا تَقِي ومُعْرِبُ
تقِيّ: يتوقّى إظهاره حِذارَ أن يناله مكروه من أعدائكم.
ومعرب أي مفصح بالحق لا يتوقّاهم.
والخطاب في هذا لبني هاشم حين ظهروا على بني أميَّة، والآية قوله جلّ وعزّ: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} [الشّورى: 23].
وأمَّا حديث عمر بن الخطاب: «ما لكم إذا رأيتم الرجل يخرق أعراض الناس ألَّا تعرِّبوا عليه» فليس هذا من التعريب الذي جاء في خبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قولك: عرَّبت على الرجل قولَه إذا قبَّحته عليه.
قال أبو عبيد: وقال الأصمعي وأبو زيد الأنصاريّ في قوله: «ألَّا تعربوا عليه» معناه: ألَّا تفسدوا عليه ولا تقبّحوه.
ومنه قول أوس بن حَجَر:
ومثل ابن عَثْم إن ذُحول تُذُكّرت *** وقتلى تِيَاسٍ عن صِلاح تعرِّب
ويروى: يعرّب.
يعني أن هؤلاء الذين
قُتِلوا منا ولم نتَّئر بهم ولم نقتل الثأر إذا ذكر دماؤهم أفسدت المصالحة ومنعتْنا عنها.
والصِلَاح: المصالحة.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: التعريب التبيين في قوله: «الثيب تُعرِب عن نفسها».
قال: والتعريب: المَنْع في قول عمر: «ألا تعربوا» أي لا تمنعوا.
وكذلك قوله: «عن صِلَاح تعرب» أي تمنع.
قال: والتعريب: الإكثار من شرب العَرَب، وهو الماء الكثير الصافي.
قال: والتعريب: أن يتَّخذ فرسًا عربيًّا.
قال: والتعريب: تمريض العَرِب، وهو الذرِب الَمعِدة.
وقال أبو عبيد: وقد يكون التعريب من الفُحْش، وهو قريب من هذا المعنى.
وقال ابن عباس في قول الله جلّ وعزّ {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البَقَرَة: 197]: وهو العرَابة في كلام العرب.
قال: والعِرَابة كأنه اسم موضوع من التعريب، وهو ما قبح من الكلام يقال منه: عرّبت وأعربت.
ومنه حديث عطاء: أنه كره الإعراب للمُحْرِم.
وقال رؤبة يصف نساء يجمعن العَفَاف عند الغرباء والإعراب عند الأزواج، وهو ما يستفحش من ألفاظ النكاح والجماع فقال:
والعُرْبُ في عفافة وإعراب
وهذا كقولهم: خير النساء المتبذِلة لزوجها، الخِفرة في قومها، والعُرُب: جمع العَرُوب من قول الله جلّ وعزّ: {عُرُبًا أَتْرابًا} [الواقعة: 37] وهن المتحبّبات إلى أزواجهنّ.
وقيل: العُرُب الغَنِجات.
وقيل: العُرُب المغتَلمات، وكلّ ذلك راجع إلى معنى واحد.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي: العَرُوب من النساء: المطيعة لزوجها المتحبّبة إليه.
قال: والعَرُوب أيضًا: العاصية لزوجها، الخائنة بفرجها، الفاسدة في نفسها.
وأنشد:
فما خلفٌ من أم عمران سَلْفَعٌ *** من السود ورهاءُ العنان عَروبُ
وقال مجاهد في قول الله جلّ وعزّ: (عُرُبًا أَتْرابًا) قال: عواشق، وقال غيره: هي الشكلات بلغة أهل مكَّة، والمَغْنوجات بلغة أهل المدينة.
وقال أبو عبيد: العَرِبة مثل العَرُوب في صفات النساء.
وقال أبو زيد الأنصاريّ: فعلت كذا وكذا فما عرَّب عليَّ أحد أي ما غيَّر عليَّ أحد.
وقال شمر: التعريب: أن يتكلم الرجل بالكلمة فيُفحش فيها أو يخطىء فيقول له الآخر: ليس كذا ولكنه كذا للذي هو أصوب، أراد معنى
حديث عمر: «ألَّا تعربوا عليه».
قال شمر: والعِرْب مثل الإعراب من الفحش في الكلام.
أبو عبيد عن أبي زيد: عرِبتْ مَعِدته عَرَبًا وذرِبت ذَربًا فهي عَرِبة وذَرِبة إذا فسدت.
قلت: ويحتمل أن يكون التعريب على من يقول بلسانه المنكر من هذا لأنه يفسد عليه كلامه كما فسدت مَعِدته.
وقال الليث: العَرَب: النشاط والأَرَن.
وأنشد:
كل طِمِرٍّ غَذَوانٍ عَرَبُهْ
ويروى: عَدَوان.
وقال الأصمعي: العِرْب: يبيس البُهْمَى والواحدة عِرْبة والتعريب: تعريب الفرس، وهو أن يُكْوَى على أشاعر حافره في مواضع ثم يُبْزغ بمبزَغ بَزْغًا رقيقًا لا يؤثّر في عَصَبه ليشتدّ أَشْعره.
قلت: وأشاعر الفرس: ما بين حافره ومنتهى شعر أرساغه.
ورجل مُعْرِب: معه فرس عربيّ.
وفرس مُعْرِب: إذا خلصت عربيَّته.
وقال الجعديّ:
ويصهل في مثل جوف الطوِيّ *** صهيلًا تبيَّنَ للمُعْرِب
أبو عبيد عن الكسائيّ: المعرب من الخيل: الذي ليس فيه عِرْق هجين، والأنثى مُعْرِبة.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: قال: العَبْرَب: السُمَّاق.
قال: وقِدْر عَرَبْرَبِيَّة وهي السُمَّاقيَّة.
والعَرُوبة: يوم الجمعة.
وكان يقال له في الجاهلية: يوم العَرُوبة، والعَرَاب: حَمْل الخَزَم، وهو شجر يُفتل من لِحَائه الحِبَال، والواحدة عَرَابة، تأكله القرود وربما أكله الناس في المجاعة.
وعرِب السَنَامُ عَرَبًا إذا ورم وتفتَّح.
ويقال: ما في الدار عرِيب أي ما بها أحد.
والعُرَيب: تصغير العرب.
ويقال: ألقى فلان عَرَبُونه إذا أحدث.
وعرِيب: حيّ من اليمن.
وقال الفرّاء: أعربت إعرابًا وعرَّبت تعريبًا إذا أعطيت العُربان.
قلت: ويقال له: العَرْبون.
ورُوي عن عطاء أنه كان ينهى عن الإعراب في البيع.
وقال شمر: الإعراب في البيع: أن يقول الرجل للرجل: إن لم آخذ هذا البيع بكذا فلك كذا وكذا من مالي.
وقال أبو زيد: عرِب الجرح عَرَبًا وحبِط حَبَطًا إذا بقيت له آثار بعد البُرْء.
والعَرَبات: طريق في جبل بطريق مصر.
واختلف الناس في العرب أنهم لِمَ سُمُّوا عربًا.
فقال بعضهم: أول من أنطق الله لسانه بلغة العرب يَعْرُب بن قَحْطان وهو أبو اليَمَن، وهم العرب العاربة.
ونشأ إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليهما معهم فتكلم بلسانهم، فهو وأولاده العرب المستعرِبة.
وقال آخرون: نشأ أولاد إسماعيل بعَرَبة وهي من تِهامة فنُسِبوا إلى بلدهم.
روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خمسة أنبياء من العرب.
وهم: إسماعيل، محمد، شعيب، صالح، هود صلّى الله عليهم»
.
وهذا يدلّ على أن لسان العرب قديم.
وهؤلاء الأنبياء كلهم كانوا يسكنون بلاد العرب.
فكان شُعيب وقومه بأرض مَدْيَن.
وكان صالح وقومه ثمود ينزلون بناحية الحِجْر.
وكان هود وقومه ـ وهم عاد ـ ينزلون الأحقاف من رمال اليمن.
وكانوا أهل عَمَد.
وكان إسماعيل بن إبراهيم والنبي
المصطفى محمد صلى الله عليهما من سُكّان الحَرَم.
وكلّ من سكن بلاد العرب وجزيرتها ونطق بلسان أهلها فهم عَرَب: يَمَنُهم ومَعَدّهم.
والأقرب عندي أنهم سُمّوا عربًا باسم بلدهم: العَرَبات.
وقال إسحاق بن الفرج: عَرَبة: باحة العرب، وباحة دار أبي الفصاحة إسماعيل بن إبراهيم عليهماالسلام.
قال: وفيهما يقول قائلهم:
وعَرْبة أرض ما يُحِلّ حرامَها *** من الناس إلّا اللوذعيُّ الحُلاحل
يعني النبي صلى الله عليه وسلم أحِلت له مكَّةُ ساعة من نهار، ثم هي حرام إلى يوم القيامة.
قال: واضطُرّ الشاعر إلى تسكين الراء من عَرَبة فسكَّنها.
وأنشد قول الآخر:
ورُجّت باحة العَرَبات رَجًا *** ترقرقُ في مناكبها الدماء
كما قال: وأقامت قريش بعرَبة فتَنَّخَتْ بها وانتشر سائر العرب في جزيرتها، فنُسبوا كلهم إلى عَرَبة؛ لأن أباهم إسماعيل صلى الله عليه وسلم بها نشأ (وربل أي كثر أولاده) فيها فكثروا.
فلمَّا لم تحتملهم البلاد انتشروا وأقامت قريش بها.
وروينا عن أبي بكر الصديق أنه قال: قريش هم أوسط العرب في العرب دارًا، وأحسنه جِوارًا وأعربه ألْسنة.
وقال قتادة: كانت قريش تجتبي ـ أي تختار ـ أفضل لغات العرب، حتى صار أفضل لغاتها لغة لها فنزل القرآن بها.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: العرَّاب: الذي يعمل العرابات، واحدتها عرابة، وهي شُمُل ضُرُوعِ الغنم.
قال: والعَرِيبة: الغريبة من الإبل وغيرها.
وروى أبو العباس عنه أيضًا أنه قال: العَرَبة: النفْس.
قال: وعَرِب الرجل إذا غرِق في الدنيا.
وعَرِب إذا فصُح بعد لُكْنة في لسانه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
245-تهذيب اللغة (عمر)
عمر: قال الله جلّ وعزّ في كتابه المنزل عليه: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحِجر: 72] رَوَى أبو الجوزاء عن ابن عباس في قوله: لَعَمْرُكَ يقول: بحياتك.قال: وما أقسم الله تعالى بحياة أحد إلّا بحياة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخبر المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال: النحويون ينكرون هذا، ويقولون: معنى لَعَمْرُكَ: لَدِينُك الذي تعمر.
وأنشد:
أيها المنكح الثريا سهيلًا *** عَمْرَكَ الله كيف يلتقيان
قال: عَمْرَك الله أي عبادتك الله، فنصب.
وأنشد:
عمركِ الله ساعة حدثينا *** وذرِينا من قول مَن يؤذينا
فأوقع الفعل على اللهَ في قوله: عَمْرَك الله.
قال: وتدخل اللام في (لعمرك)، فإذا أدخلتها رفعت بها فقلت: لَعَمْرُك، ولعمر أبيك.
قال: فإذا قلت: لعمر أبيك الخير نصبت الخير وخفضت فمن نصب أراد أن أباك عَمرَ الخير يَعْمُره عَمْرًا وعمارة، ونصب الخير بوقوع العَمْر عليه، ومَنْ خفض الخير جعله نعتًا لأبيك.
أبو عبيد عن الكسائي: عَمْرَك الله، لا أفعل ذاك نَصَب على معنى: عمَّرتك الله أي سألت الله أن يعمّرك، كأنه قال: عمَّرت الله إياك.
قال: ويقال: بأنه يمين بغير واو.
وقد يكون عَمْرَ اللهِ، وهو قبيح قال: والعَمْر والعُمر واحد.
وسمّي الرجل عَمْرًا تفاؤلًا أن يبقى.
وعَمْرَك الله مثل ناشدتك الله.
وقال أبو عبيد: سألت الفرّاء لِمَ ارتفع لَعَمْرُكَ [الحجر: 72] فقال: على إضمار قسم ثان، كأنه قال: وعَمْرِك فلعمرُك عظيم، وكذلك لحياتك مثله.
قال: وصدَّقَه الأحمر وقال: الدليل على ذلك قول الله جلّ وعزّ: {اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ} [النِّساء: 87] كأنه أراد: والله ليجمعنّكم فأضمر القَسَم.
وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: قال الأخفش في قوله: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ}: وعَيْشِك وإنما يريد به العُمْرُ.
وقال أهل البصرة: أضمر له ما يرفعه: لعمرك المحلوفُ به.
قال الفرّاء: الأَيمان يرفعها جواباتها: وقال: إذا أدخلوا اللام رفعوا.
وقال المبرّد في قولك: عَمْرَ الله: إن شئت جعلت نصبه بفعل أضمرته، وإن شئت نصبته بواو حذفته: وعَمْرِكَ الله.
وإن شئت كان على قولك: عمّرتك الله تعميرًا، ونشدتُك الله نَشْدًا، ثم وضعت عمرك في موضع التعمير وأنشد فيه:
عَمْرتُكِ الله إلّا ما ذكرتِ لنا *** هل كنتِ جارتنا أيام ذي سَلَم
يريد: ذكّرتك.
وقال الليث: تقول العرب: لعمرك، تحليف بعُمر المخاطَب.
قال: وقد نُهي عن أن يقال: لعمر الله.
قال: وفي لغة لهم: رَعَمْلُك يريدون: لعمرك.
قال: وتقول: إنك عمري لظريف.
وأخبرني المنذري عن الحَرّانيّ عن ابن السكّيت قال: يقال: لعمرك ولعمر أبيك ولعمر الله مرفوعة.
قال: والعَمْر والعُمْر لغتان فصيحتان، يقال: قد طال عَمْره وعُمره؛ فإذا أقسموا فقالوا: لعَمرك وعمرِك وعمري فتحوا العين لا غير.
قال: وأمَّا قول ابن أحمر:
ذهب الشباب وأَخلف العَمْر
فيقال: إنه أراد العُمر، ويقال: أراد بالعَمْر الواحدَ من عمور الأسنان وبين كل سِنَّين لحم متدلٍّ يسمّى العَمْر وجمعه عُمُور.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ أنه قال: عَمَرت ربّي أي عبدته.
وفلان عامر لربّه أي عابد.
قال: ويقال: تركت فلانًا يعمُر ربَّه أي يعبده.
وقال الله جلّ وعزّ: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها} [هُود: 61] أي أذِن لكم في عمارتها واستخراج قُوتكم منها.
وقوله جلّ وعزّ: {وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ} [فَاطِر: 11] وفُسّر على وجهين: قال الفرّاء: ما يطوَّل من عمر من عمر معمَّر ولا يُنقص من عُمره يريد آخر غير الأول، ثم كنّى بالهاء كأنه الأول.
ومثله في الكلام: عندي درهم ونصفه، المعنى: ونصف آخر، فجاز أن يقول: نصفه؛ لأن لفظ الثاني قد يُظهر كلفظ الأول، فكنى عنه كنايةَ الأول.
قال: وفيها قول آخر: {وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} يقول: إذا أتى عليه الليل والنهار ونقَصا من عمره.
والهاء في هذا المعنى للأول لا لغيره؛ لأن المعنى: ما يطوَّل ولا يذهب منه شيء إلَّا وهو مُحْصًى في كتاب، وكلٌّ حسن، وكأن الأوّل أشبه بالصواب، وهو قول ابن عباس، والثاني قول سعيد بن جُبَير.
وقال
الله جلّ وعزّ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البَقَرَة: 196] والفرق بين الحجّ والعمرة أن العمرة تكون في السنة كلها، والحجّ لا يجوز أن يُحْرَم به إلّا في أشهر الحجّ: شوّال وذي القعدة وعَشْر من ذي الحجَّة.
وتمام العمرة أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمرة، والحجّ لا يكون إلا مع الوقوف بعرفة يوم عرفة.
والعمرة مأخوذة من الاعتمار وهو الزيارة.
يقال: أتانا فلان معتمرًا أي زائرًا.
ومنه قوله:
وراكبٌ جاء من تَثْليث معتمرُ
ويقال الاعتمار: القصد، وقال:
لقد سما ابن معمر حين اعتمر
المعنى: حين قصد مغزًى بعيدًا.
وقيل: إنما قيل للمُحْرِم بالعمرة: معتمِر لأنه قصد لعمل في موضع عامر، فلهذا قيل: معتمِر.
ومكان عامر: ذو عمارة.
ويقال لساكن الدار: عامر والجميع عُمَّار.
أبو عبيدة عن الأصمعيّ: عَمِر الرجلُ يَعْمَر عَمَرًا أي عاش.
وعَمَر فلان بيتًا يَعْمُره.
وأنشد محمد بن سَلَّام كلمة جرير:
لئن عَمِرَت تَيْم زمانًا بِغِرّة *** لقد حُدِيث تَيمٌ حُدَاء عَصَبْصَبا
وقال اللحياني: دار معمورة: يسكنها الجِنّ.
ويقال عَمرَ مالُ فلان يَعْمَر إذا كثر.
وأتيت أرض بني فلان فأعمرتها أي وجدتها عامرة.
المَعْمَر: الذي يقام به.
وقال طرفة:
يا لكِ من قُبَّرة بمَعْمَر
وقال آخر:
يَبْغينك في الأرض مَعْمَرا
أي: منزلًا.
وقال الليث: العَمْر: ضرب من النخل، وهو السَحُوق الطويل.
قلت: غلِط الليث في تفسير العَمْر، والعُمْر: نخل السُكّر يقال له: العُمْر، وهو معروف عند أهل البحرين.
وأنشد الرياشيّ في صفة حائط نخل:
أَسْود كالليل تدجَّى أخضرُهْ *** مخالط تعضوضُه وعُمُرُهْ
بَرْنيَّ عَيْدَانٍ قليلًا قَشَرُهْ
والعَضوض: ضرب من التَمر سَرِيّ.
وهو من خير تُمْران هَجَر، أسود عَذْب الحلاوة.
والعُمْر: نخل السُكّر، سَحُوقًا كان أو غير سَحوق.
وكان الخليل بن أحمد من أعلم الناس بالنخيل وألوانه.
ولو كان الكتاب من تأليفه ما فسّر العمر هذا التفسير.
وقد أكلت أنا رُطَب العُمْر ورُطَب التعضوض وخَرَفتهما من صغار النخل وعَيْدانها وجَبّارها.
ولو لا المشاهدة لكنت أحد المغترّين بالليث وخليلِه وهو لسانه.
أبو العباس عن ابن الأعرابي: يقال رجل عَمَّار إذا كان كثِير الصلاة كثِير الصيام.
ورجل عَمَّار مُوَقًّى مستور، مأخوذ من العَمَر وهو المِنديل أو غيره تغطِّي به الحُرَّة رأسها، ورجل عمَّار وهو الرجل القويّ الإيمان الثابت في أمره الثخين الوَرَع، مأخوذ من العَمِير، وهو الثوب الصفيق النسِيج القويّ الغَزْلِ الصبور على العمل.
قال: والعَمَّار الزيْن في المجالس مأخوذ
من العَمْر وهو القُرْط والعَمّار: الطيّب الثناء والطيب الروائح مأخوذ من العَمَار وهو الآس.
قال: وعمَّار المجتمِع الأمر اللازم للجماعة الحِدِب على السلطان مأخوذ من العِمَارة وهي القبيلة المجتمِعة على رأي واحد.
قال: وعمَّار: الرجل الحليم الوَقُور في كلامه وفعاله، مأخوذ من العَمارة، وهي العمامة.
وعَمَّار مأخوذ من العَمْر وهو البقاء، فيكون باقيًا في إيمانه وطاعته وقائمًا بالأمر والنهي إلى أن يموت قال: وعَمَّار: الرجل يجمع أهلَ بيته وأصحابَه على أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام بسُنّته، مأخوذ من العَمَرات وهي اللَحَمات التي تكون تحت اللحِي، وهي النغانغ واللغاديد.
وهذا كله محكيّ عن ابن الأعرابي.
وقال أبو عبيدة: في أصل اللسَان عَمْرَتان.
ويقال عُمَيميرتان، وهما عظمان صغيران في أصل اللسان.
والعَمِيرة: كُوَّارة النَحْل.
وقال ابن الأعرابي: يقال كَثِير بَثِير بَجِير عَمِير، هكذا قال بالعين.
قال: والمعمور: المخدوم.
وعمرت ربي وججَته أي خدمْته.
ويقال للصنَبُع: أمُ عامر كأن ولدها عامر ومنه قول الهذلي:
وكم من وجار كَجيْب القمِيص *** به عامر وبه فُرْعُل
ومن أمثالهم: خامِري أمّ عامر، ويضرب مَثَلًا لمن يُخدع بلين الكلام.
ويقال: تركت القوم في عَوْمرة أي في صياح وجَلَبة.
والعمَارة: الحَيّ العظيم تنفرد بظَعْنها وإقامتها ونُجْعتها.
وهو من الإنسان: الصَدْر، سمّي الحيّ العظيم عِمارة بعمارة الصدر، وجمعها عمائر.
ومنه قول جرير:
يجوس عمارة ويكفّ أخرى *** لنا حتّى نجاوزها دليل
ورُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تُعْمِروا ولا تُرقبوا، فمن أُعْمِر دارًا أو أُرْقِبها فهي له ولورثته من بعده.
وقال أبو عبيد: هي العُمْرى والرقْبى.
والعُمْرَى: أن يقول الرجل للرجل: داري هذه لك عمرك أو يقول: داري هذه لك عمري، فإذا قال ذلك وسلَّمها إليه كانت للمعمَر ولم ترجع إلى المعمِر إن مات.
وأمّا الرُقْبَى: فأن يقول الذي أرقبها: إن متَّ قبلي رجعت إليّ، وإن متُّ قبلك فهي لك.
وأصل العمرى مأخوذ من العُمْر، وأصل الرقبى من المراقبة، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الشروط وأمضى الهبة.
وهذا الحديث أصل لكلّ من وهب هِبة فشرط فيها شرطًا بعد ما قبضها الموهوب له: أن الهِبَة جائزة والشرط باطل.
وقال أبو إسحاق في قول الله جلّ وعزَّ: {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} [الطور: 4]: جاء في التفسير أنه بيت في السماء بإزاء الكعبة، يدخله كلَّ يوم سبعون ألْفَ ملَكٍ يخرجون منه ولا يعودون إليه.
وقال الأصمعي: العُبْريّ والعُمْريّ: السِدْر الذي يَنْبت على الأنهار ويَشرب الماء.
وقال أبو العَمَيْثل الأعرابيّ: العُبْريّ والعمريّ من السِدْر: القديمُ، على نهر كان أو غيره.
قال: والضال: الحديث منه.
وأنشد قول ذي الرمة:
قطعت إذا تجوّفت العواطي *** ضروب السدر عُبريًّا وضالا
وقال: الظباء لا تكنِس بالسدر النابت على الأنهار.
وقال أبو سعيد الضرير: القول ما قال أبو العميثل، واحتجّ هو أو غيره بحديث محمد بن مَسْلَمة ومَرْحَب.
قال الراوي لحديثهما ما رأيت حربًا بين رجلين قطّ علِمتها مثلها.
قال كلُّ واحد منهما إلى صاحبه عند شجرة عُمْريَّة، فجعل كلُّ واحد منهما يلوذ بها من صاحبه.
فإذا استتر منها بشيء خَذَم صاحبُه ما يليه حتى يخلُص إليه، فما زالا يَتَخَذَّمانها بالسيف حتى لم يبق فيها غُصْن، وأفضى كل واحد منهما إلى صاحبه، في حديث طويل.
أبو عبيد عن أبي عبيدة: العَمَار: كلّ شيء علا الرأسَ من عمامة أو قلنسوة أو غير ذلك.
ويقال للمعتّم: مُعتمِر.
وقال بعضهم في قول الأعشى:
.
.
.
ورفعنا عمارا
أي: قلنا له: عمّرك الله أي حيَّاك الله.
وقال ابن السكيت: العامران في قيس: عامر بن مالك بن جعفر، وهو مُلَاعِب الأسِنَّة، وهو أبو بَرَاء، وعامر بن الطُفَيل بن مالك بن جعفر.
قال: والعُمرَان أبو بكر وعُمَر، فغلّب عمر لأنه أخفّ الاسمين.
قال: وقيل: سُنَّة العُمَرين قبل خلافة عمر بن عبد العزيز.
وقال أبو عبيدة نحوه.
قال: فإن قيل: كيف بدىء بعمر قبل أبي بكر وهو قبله، وهو أفضل منه فإن العرب يفعلون مثل هذا، يبدءون بالأخسّ؛ يقولون: ربيعة ومُضَر، وسُلَيم وعامر، ولم يترك قليلًا ولا كثيرًا.
وقال أبو يوسف: قال الأصمعي: حدثنا أبو هلال الراسبيّ عن قتادة أنه سئل عن عتق أمَّهات الأولاد، فقال: أعتق العُمَران فيمن بينهما من الخلفاء أمّهات الأولاد، ففي قول قتادة: العُمَران: عمر بن الخطَّاب وعمر بن عبد العزيز.
وقال أبو عبيد: يقال: عمر الله بك منزلك وأعمر، ولا يقال: أعمر الله منزله، بالألف.
وقال يعقوب بن السكيت: العَمْران: عمرو بن جابر بن هلال بن عُقَيل بن سُمَيّ بن مازِن بن فزارة، وبَدْر بن عمرو بن جُؤَية بن لَوْذان بن ثعلبة بن عديّ بن فزارة وهما رَوْقا فزارة.
وأنشد لقُرَاد بن حَنَش يذكرهما:
إذا اجتمع العمران عمرو بن جابر *** وبدر بن عمرو خِلت ذُبْيان تُبّعا
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: أبو عمرة: كنيَة الجوع، وأبو عُمَير: كنية فرج الرجل.
وقال الليث: الإفلاس يكنى أبا عَمْرة.
وقال ابن الأعرابي: كنية الجوع أبو عمرة، وأنشد:
إن أبا عمرة شرّ جار
وقال ابن المظفر: كان أبو عمرة رسول المختار، وكان إذا نزل بقوم حلّ بهم البلاءُ من القتل والحرب.
ويعْمُر الشُّدَّاخ أحد حكَّام العرب.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: اليعامير: الجِداء، واحدها يَعْمُور.
وأنشد:
مثل الذميم على قُزْم اليعامير
وجعل قطرب اليعامير شجرًا، وهو خطأ.
وقال أبو الحسن اللحياني: سمعت العامريَّة تقول في كلامها: تركتم سامرًا بمكان كذا وعامرًا.
قال أبو تراب: فسألت مصعَبًا عن ذلك فقال: مقيمين مجتمعين.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: العَمَر ألَّا يكون للحُرَّة خِمار ولا صَوْقعة تغطّي رأسها، فتُدخل رأسها في كُمّها.
وأنشد:
قامت تصلّي والْخِمار من عَمَر
قال: والعَمْر حَلْقة القرط العليا، والْخَوْق: حَلْقةُ أسفلِ القُرط.
والعَمْرة: خَرَزة الحُبّ.
والعُمْرة: طاعة الله جل وعزَّ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
246-تهذيب اللغة (عفل)
عفل: أخبرني المنذريّ عن المفضّل بن سَلَمة أنه قال في قول العرب: رمتني بدائها وانسلَّت: كان سبب ذلك أن سعد بن زيدِ مناة كان تزوّج رُهْمَ بنت الخزرج بن تَيْم الله، وكانت من أجمل النساء، فولدت له مالك بن سعد، وكان ضرائرها إذا ساببنها يقلن لها: يا عَفْلاء.فقالت لها أمها: إذا ساببنك فابدئيهنَ بعَفَالِ سُبِيَتِ فأرسلتها مثلًا فسابَّتها بعد ذلك امرأة من ضرائرها.
فقالت لها رُهْم: يا عَفلاء، فقالت ضَرّتها: رمتني بدائها وانسلَّت.
قال: وبنو مالك بن سعد رهط العجَّاج كان يقال لهم: العُفَيلَى.
وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابي أنه قال العَفَلة: بُظَارة المرأة.
قال: وإذا مسّ الرجل عَفَل الكبش لينظر سِمَنه يقال: جسَّه وغَبَطه وعَفَله.
وقال شمر: قال ابن الأعرابي: المَعْفَل: نَبات لحم ينبت في قبُل المرأة، وهو القَرْن وأنشد:
ما في الدوابر من رجليّ من عَقَل *** عند الرهان وما أُكْوى من العَفَل
قال: وقال أبو عمرو الشيباني: القَرْن بالناقة مثل العَفَل بالمرأة، فيؤخذ الرَضْف فيُحْمَى ثم يُكوى به ذلك القَرَن.
قال: والعَفَل شيء مدوّر يخرج بالفرج.
والعَفَل لا يكون في الأبكار، ولا يصيب المرأة إلَّا بعد ما تلد.
وقال ابن دريد: العَفَل في الرجال: غِلَظ يحدث في الدُبُر، وفي النساء: غِلَظ في الرَحِم.
وكذلك هو في الدوابّ.
وقال الليث: عَفِلت المرأة عَفَلًا فهي عَفَلاء.
وعَفِلت الناقة.
والعَفَلة: الاسم، وهو شيء يخرج في حيائها شِبه الأُدْرة.
أبو عبيد عن أبي عبيدة: العَفْل: شحم خُصْيَيْ الكبش وما حوله.
ومنه قول بشر:
حديث الخصاء وارم العَفْل مُعْبَر
قال وقالَ الكسائي: العَفَل: الموضع الذي يُجسّ من الشاة إذا أرادوا أن يعرفوا سِمَنَها من غيره.
قال: وهو قول بشر.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العافل: الذي يلبَس ثيابًا قصارًا فوق ثياب طوال.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
247-تهذيب اللغة (علب)
علب: في الحديث: «لقد فَتَحَ الفُتوحَ قوم ما كانت حِلْية سيوفهم الذهب والفضَّة، إنما حِلْيتها العَلَابي والآنُك».العلابي جمع العِلْباء، وهو العَصَب، وبه سمي الرجل عِلباء.
وكانت العرب تشدّ بالعِلباء الرَطْبِ أجفان السيوف فتجِفّ عليها، وتشُدّ الرماح إذا تصدَّعت بها.
ومنه قول الشاعر:
ندعّسها بالسَمْهريّ المعلَّب
وقال القتيبي: بلغني أن العلابيّ: الرَصَاص، ولست منه على يقين.
قلت: ما علمت أحدًا قاله، وليس بصحيح.
وقال شمر: قال المؤرّج: العِلَاب سمة في العِلباء.
قال: والعَلْب تأثير كأثر العِلاب.
وقال شمر: أقرأني ابن الأعرابي لطُفَيل الغنويّ:
نهُوض بأشناق الديات وحَمْلِها *** وثِقْل الذي يَجْنِي بمنكبه لَعْب
قال ابن الأعرابي: لَعْب أراد به: عَلْب وهو الأثر.
وقال أبو نصر: يقول: الأمر الذي يجني عليه وهو بمنكبه خفيف.
وفي حديث ابن عُمَر أنه رأى رجلًا بأنْفه أثرَ السجود فقال: لا تَعْلُب صورتك، يقول: لا تؤثر فيها أثرًا بشدّة انتحائك على أنفك في السجود.
والعُلُوب: الآثار واحدها عَلْب يقال ذلك في أثر المِيسم وغيره.
وقال ابن الرقاع يصف الركاب:
يتبعْن ناجية كأن بدَفّها *** من غَرْض نسْعَتِها علوبَ مواسم
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي يقال: لحم عَلِب وعَلْب وهو الصُلْب.
قال: والعِلْب من الناس: الذي لا يُطمع فيما عنده من كلمة ولا غيرها، قال: والعِلْب من الأرض الغليظ الذي لو مطر دهْرًا لم يُنبت خضراء.
وكل موضع صُلْب خَشِن من الأرض فهو عِلْب.
أبو عبيد عن أبي عبيدة قال: المعلوب: الطريق الذي يُعْلَب بجنبيه.
ومثله الملحوب.
والمعلوب: سيف كان للحارث بن ظالم.
ويقال: إنه سمَّاه معلوبًا لآثار كانت في مَتْنه: ويقال: سُمِّي معلوبًا لأنه كان انحنى من كثرة ما ضَرَب به وفيه يقول:
أنا أبو ليلى وسيفي المعلوب
وقال ابن الأعرابي: العُلَب: جمع عُلْبة وهي الجَنبة والدَسْماء والسمراء.
قال: والعِلْبة ـ والجمع عِلَب ـ أُبْنة غليظة من الشجر تتخذ منه المِقطرة.
وقال الشاعر:
في رجله عِلبة خشناء من قَرْظ *** قد تيَّمته فبالُ المرء متبول
وقال أبو زيد: العُلُوب: منابت السِدر، الواحد عِلْب.
قلت: والعُلْبة: جِلدة تؤخذ من جلد جَنْب البعير إذا سُلخ وهو فَطِير فتسوَّى مستديرة ثم تملأ رملًا سهلًا، ثم بضمّ أطرافها وتُخلّ بخِلال ويوكَى عليها مقبوضة بحبل وتترك حتى تجِفّ وتيبَس، ثم يُقطع رأسها وقد قامت قائمة لجفافها تُشبه قَصْعة مدوَّرة كأنها نُحِتت نَحْتًا أو خُرِطت خَرْطًا.
ويعلّقها الراعي والراكب فيحلُب فيها ويشرب بها.
وتجمع عُلَبًا وعِلابًا.
وللبدويّ فيها رِفق خفَّنها وأنها لا تنكسر إذا حرّكها البعير أو طاحت إلى الأرض.
والعِلاب أيضًا: سِمَة في طول عنق البعير.
وقال الليث: عَلِب النبت يَعلَب عَلَبًا فهو علِب إذا جَسَأ.
وعَلِب اللحم واستعلب إذا غلظ ولم يكن هَشًّا.
واستعلبت الماشيةُ البقل، إذا ذَوَى فأجمَتْه واستغلظته.
والعِلْب: الوعِل الضخم المُسِنّ.
والعِلْب: عَصَب العنق الغليظ خاصة.
وهما عِلْباءان وعلباوان.
ورُمْح مُعَلَّب إذا جُلز ولُوي بعَصَب العلب.
وعلِب البعير عَلَبًا فهو علِب وهو داء يأخذه في ناحيتَيْ عُنُقه فترِم رقبتُه.
وقال شمر: يقال هؤلاء عُلبوبة القوم أي خيارهم.
قلت كقولهم: هؤلاء عَصَب القوم أي خيارهم.
ورجل عِلْب: جافٍ غليظ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
248-تهذيب اللغة (عنف)
عنف: قال الليث: العُنْفُ ضد الرفق، يقال عَنُفَ به يَعْنُف عُنْفًا فهو عَنيف إذا لم يكن رفيقًا في أمره.قال: وأعنفته أنا، وعنّفته تعنيفًا.
قال: وعُنْفوان الشباب أوّل بهجته، وكذلك عُنْفُوان النبات.
قلت: عُنْفُوان فُعْلُوان من العُنْف ضدّ الرفق، ويجوز أن يكون الأصل فيه: أُنْفُوَان، من ائتنفت الشيء واستأنفته، إذا اقتبلتَه، فقُلبت الهمزة عينًا، فقيل: عُنْفوان.
وسمعت بعض تميم يقول: اعتنفت الأمر بمعنى ائتنفته، واعتنفنا المراعي، أي رعينا أُنفها.
وهذا كقولهم: «أعن ترسّمت»، موضع «أأن ترسّمت».
وأخبرني المنذريّ عن أبي العبَّاس أن ابن الأعرابيّ أنشده:
لم يَخْتَرِ البَيْتَ على التعزُّبِ *** ولا اعْتِنَافَ رُجْلَةٍ عن مركب
قال: والاعتناف الكراهة، يقول لم يختر كراهة الرُّجلة فيركبَ ويدع الرُجْلة، ولكنه اشتهى الرجلة، وأنشد في الاعتناف بمعنى الكراهة:
إذا اعْتَنَفَتْني بلدةٌ لم أكن بها *** نسيبًا ولم تُسْدَدْ عليَّ المطالب
وقال أبو عُبَيد عن أصحابه: اعْتَنَفْتُ الشيء: كرهته، ووجدت له عليّ مشقّة وعُنْفًا.
وقال أبو عبيدة: اعتنفت الأمر اعتنافًا جهِلته، وأنشد قول رؤبة: بأربع لا يَعْتَنِفْنَ العَفْقا أي لا يجهلْن شدّة العَدْو.
قال: واعتنفت الأمر اعتنافًا أي أتيته ولم يكن لي به علم.
وقال أبو نُخَيْلة:
نَعَيْتَ امرأً زَيْنًا إذا تُعْقَدُ الحُبَا *** وإن أُطْلِقَتْ لم تَعْتَنِفْهُ الوقائع
يريد: لم تجده الوقائع جاهلًا بها.
وقال بن شميل: قال الباهلي: أكلتُ طعامًا فاعتنفتُه، أي أنكرته.
قلت: وذلك إذا لم يوافقه.
ويقال: طريق مُعْتَنِفٌ أي غير قاصد.
وقد اعتنف اعتنافًا إذا جار ولم يقصد، وأصله من اعتنفت الشيء إذا أخذته أو أتيته غير حاذق به ولا عالم.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
249-تهذيب اللغة (نبع)
نبع: يقال: نَبَع الماءُ ينبُع نَبْعًا ونُبُوعًا إذا خرج من العين، قاله الليث، ولذلك سميت العين يَنْبُوعًا.قلت: وهو يَفْعُول من نبع الماءُ إذا جرى من العين، وجمعه ينابيع.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن سَلَمة عن الفراء قال: نبع الماءُ ينبَعُ وينبعُ وينبُعُ، قال ذلك الكسائي.
وبناحية الحجاز عَينٌ يقال لها: يَنبُع، تسقِي نخيلًا لآل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنْه.
نُبايع: اسم مكان أو جبل أو وادٍ في بلاد هُذَيل، ذكره أبو ذؤيب فقال:
وكأنها بالْجِزْعِ جِزْع نُبايع *** وأُولات ذي العرجاء نَهْبٌ مُجْمَعُ
ويجمع على نُبَاعيات.
والنَّبْعُ: شجر من أشجار الجبال يتّخذ منه القِسيُّ.
وأخبرني المنذري عن المبرد أنه قال: النَّبْع والشَّوْحَط والشّرْيَانُ: شجرة واحدة، ولكنها تختلف أسماؤها لاختلاف منابتها وتَكْرُم على ذلك، فما كان منها في قُلَّةِ الجبل فهو النَّبْع، وما كان في سَفْحه فهو الشِّرْيَان، وما كان في الحَضِيض فهو الشَّوْحَطُ.
والنَبْع لا نار فيه، ولذلك يضرب به المثل فيقال: لو اقْتَدَحَ بالنَّبْع لأَوْرَى نارًا، إذا وُصف بجَوْدَةِ الرَّأْي والحِذْقِ بالأمور.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
250-تهذيب اللغة (عنم)
عنم: قال الليث: العَنمُ: ضرب من شجر السِّوَاكِ لَيِّنُ الأغصان لَطِيفُها، كأنها بنان العَذَارى، واحدتها عَنَمَةٌ.قال: ويقال العَنَمُ: شَوْكُ الطَّلحِ.
قال: والعَنَمُ ضرب من الوَزَغ يشبه العَظَاية، إلَّا أنه أحسن منها وأشدُّ بياضًا.
وقال رؤبة:
* يُبدين أطرافًا لِطَافا عَنَمُهْ *
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَنَمُ: شجرة حِجَازِيَّةُ لها ثمرة حمراء يُشَبَّهُ بها البنانُ المَخْضُوبَةٌ.
وقال أبو خَيْرَةَ: العَنَمُ له ثمرة حمراءُ يُشَبَّهُ بها البنان المخضوب.
قلت: الذي قاله الليث في تفسير العَنَمِ أَنهُ الوَزَغُ وَشَوْكُ الطَّلْحِ غيرُ صحيح.
وقال ابن الأعرابي في موضع: العَنَمُ يُشْبِهُ العُنَّابَ، الواحدةُ عَنَمةٌ، قال: والعَنَمُ: الشَّجر الحُمْرُ.
وقال أبو عمرو: أَعْنَمَ إذا رعى الغَنَمَ، وهو شجر يحمل ثَمرًا أَحْمرَ مثل العُنَّاب، والعَيْنُومُ: الضِّفْدِعُ الذَّكَرُ.
وقال ابن الأعرابي: العَنْمة: الشَّقَّةُ في شَفَةِ الإنسان، قال: والعَنْمِيُ الحَسَنُ
الوَجْه المُشْرَبُ حمرةً.
وقال أبو زيد في كتاب «النوادر»: العَنَمُ واحدته عَنَمة، وهي أغصان تنبت في سُوقِ العِضَاهِ رَطْبَةٌ لا تُشْبِهُ سائر أغصانه، أحمر النَّوْر، يتفرق أَعالي نَوْرِهِ بأربع فرق، كأنه فَنَنٌ من أراكة يخرجن في الشِّتَاءِ والقَيْظ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
251-تهذيب اللغة (عجا)
عجا: قال الليث: يقال الأمّ تعجو ولدَها: تؤخّر رضاعه عن مواقيته، ويورث ذلك ولدها وَهْنًا وقال الأعشى:مُشفِقًا قلبُها عليه فما تع *** جوه إلا عُفَافَةٌ أو فُواق
قال: والمعاجاة: ألَّا يكون للأم لبن يُروِي صبيّها، فتعاجيه بشيء تعلّله به ساعة.
وكذلك إن ولي ذلك منه غير أمّه.
والاسم منه العُجْوَة، والفعل العَجْو.
واسم ذلك الولد العَجِيُ، والأنثى عجِيَّة، والجميع العُجايا.
قال: وأمَّا من مُنع اللبن فغُذي بالطعام يقال عُوجِيّ.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم قال: يقال للبن الذي يعاجي به الصبي اليتيم أي يُغْذي به عُجَاوة، ويقال لذلك اليتيم الذي يغذي بغير لبن أمه: عَجِيُ.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كنت يتيمًا ولم أكن عجِيًّا.
وأنشد الليث:
إذا شئتَ أبصرتَ من عَقْبهم *** يتامى يُعاجَون كالأذؤب
وقال آخر في وصف أولاد الجراد:
إذا ارتحلتْ من منزل خلّفت به *** عَجايا يُحاثِي بالتراب صغيرُها
أبو عبيد: العُجاية والعُجاوة لغتان، وهما قدر مُضغة من لحم تكون موصولة بعَصَبة تنحدر من ركبة البعير إلى الفِرْسِن.
وقال أبو عمرو: العُجاية: عَصَبة في باطن يد الناقة، وهي من الفَرَس مَضِيغة.
وقال ابن شميل: العُجاية من الفَرَس: العَصَبة المستطيلة في الوظيف ومنتهاها إلى الرسغين وفيها يكون الحَطْم، قال: والرُسْغ: منتهى العُجاية.
وقال الليث: العُجاية: عَصَب مركّب فيه فُصوص عظام يكون عند رُسغ الدابّة، قال: وإذا جاع أحدهم دَقَّها بين فهرين فأكلها وقال كعب
* شُمّ العُجَايات يتركن الحصى زِيَمَا*
قال: وتجمع على العُجَى، يصف حوافرها بالصلابة.
والعَجْوة: تمر.
يقال هو مما غرسه النبي صلى الله عليه وسلم بيده.
قلت: العَجْوة التي بالمدينة هي الصَيْحابية.
وبها ضروب من العجوة ليس لها عُذُوبة الصيحانية ولا رِيّها ولا امتلاؤها.
أبو سعيد: عجا شَدْقَه إذا لواه.
وأخبرني المنذري عن أبي الحسن الشيخي عن الرياشي قال: قال أبو زيد: العَجِيّ: السَيء الغِذَاء.
وأنشدنا:
يسبق فيها الحَمَلَ العجِيّا *** رَغْلا إذا ما آنس العِشّيا
قال الرياشي: وقال الأصمعي: قال لنا خلف الأحمر: سألت أعرابيًا عن قولهم عجا شِدْقَهُ فقال: إذا فتحه وأماله.
وقال الطِرمّاح يصف صائدًا له أولاد لا أمّهات لهم فهم يعاجَون تربية سيّئة:
إن يصب صيدًا يكن جُلُّه *** لعجايا قُوتُهم باللِّحام
وقال شميل: يقال: لقى فلان ما عَجَاه وما عَظَاه وما أورمه إذا لقي شدَّة وبلاءً.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
252-تهذيب اللغة (عوج)
عوج: الحرانيّ عن ابن السكيت: يقال: ما أعِيج من كلامه بشيء أي ما أعْبأ به.قال: وبنو أسَد يقولون: ما أَعُوج بكلامه أي ما ألتفِت إليه أخذوه من عُجت الناقة.
ويقال ما عِجْتُ بَخَبرِ فلان ولا أعيج به، أي لم أستشفِ به ولم أسْتَيْقِنُه، وشربت شربة من ماء فما عِجْتُ به أي لم أنتفع به.
وأخبرني المنذري عن ابي العباس عن ابن الأعرابي أنه أنشده:
ولم أر شيئًا بعد ليلى ألَذُّه *** ولا مشربا أَرْوَى به فأعيجُ
أي: أنتفع به.
وقال ابن الأعرابي: يقال: ما يعيج بقلبي شيء من كلامك، وقال في موضع آخر: عاج يَعُوج إذا عَطَف.
وعاج يعيج إذا انتفع بالكلام وغيره.
ويقال: ما عِجْتُ منه بشيء، قال: والعَيْج: المنفعة.
عمرو عن أبيه قال: العِياج: الرجوع إلى ما كنتَ عليه.
ويقال ما أَعُوج به عُووجًا.
وقال: ما أعيج به عُيُوجًا أي ما أكترث له ولا أباليه.
وقال الليث العَوْج: عطف رأس البعير بالزمام أو الحِطام.
تقول: عُجْت رأسه أعُوجه عَوْجًا: قال: والمرأة تعوج رأسها إلى ضجيعها.
وقال ذو الرمّة يصف جواريَ قد عُجْن إليه رؤوسهنّ يوم ظَعْنهن فقال:
حتى إذا عُجْن من أجيادهنّ لنا *** عَوْج الأخِشَّة أعناق العناجيج
أراد بالعناجيج جِيَاد الرِكاب ههنا، واحدها عُنْجوج، ويقال لجياد الخيل عناجيج أيضًا.
ويقال عُجْته فانعاج أي عطفته فانعطف.
وقال غيره: يقال: عاج فلان فرسه إذا عطف رأسه ومنه قول لَبيد:
* فعاجوا عليه من سواهِمَ ضُمَّرٍ*
سلمة عن الفراء في قول الله جلّ وعزّ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا} [الكهف: 1، 2] معناه الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيِّمًا ولم يجعل فيه عوجًا.
وفيه تأخير أريد به التقديم.
وقال في قوله: {فَيَذَرُها قاعًا صَفْصَفًا * لا تَرى فِيها عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه: 106، 107].
قال: والعِوَج ـ بكسر العين ـ في الدين، وفيما كان التعويج فيه يكثر مثل الأرض ومثل قولك: عُجت إليه أَعُوج عِيَاجا وعوَجًا.
وأنشد:
قفا نسأل منازل آل ليلى *** متى عِوَج إليها وانثناء
قال: وقوله جلّ وعزّ: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ} [طه: 108] أي يتبعون صوت الداعي للحشر لا عوج له يقول: لا عِوَجَ للمدعوّين عن الداعي، فجاز أن يقول «لَهُ» لأن المذهب إلى الداعي وصوته.
وهو كما تقول دعوتني دعوة لا عِوَج لك عنها أي لا أعُوج لك ولا عنك.
قال: وكل قائم يكون العوج فيه خلقة فهو عَوَجٌ.
وأنشد ابن الأعرابي في مثله:
* في نابه عَوَجٌ يخالف شِدْقه*
قال والحائط والرُّمْحُ وكل ما كان قائمًا يقال فيه: العَوَج.
ويقال: شجرتك فيها عَوَج شديد.
قلت: وهذا لا يجوز فيه وفي أمثاله إلَّا العَوَجُ.
وقال الأصمعيّ: يقال هذا شيء معوجٌ وقد اعوجّ اعوجاجًا على افعلّ افعلالًا.
ولا تقول معوَّج على مفعَّل إلا لعُود أو شيء رُكِّب فيه: العاج.
قلت: وغيره يجيز عوّجت الشيء تعويجًا إذا حنيته، وهو ضد قوّمته.
فأمّا ما انحنى من ذاته فيقال: اعوجّ اعوجاجًا، ويقال عُجْته فانعاج أي عطفته فانعطف، ومنه قول رؤبة:
* وانعاج عُودي كالشظيف الأخشن*
ويقال عَوِجَ الشيء يَعْوَجُ عَوَجًا فهو أعوج لكلّ ما يُرَى، والأنثى عوجاء، والجماعة عُوج، ويقال لقوائم الدابة: عَوج، ويستجبّ ذلك فيها.
يقال: نخيل عُوج إذا مالت.
وقال لبيد يصف عَيْر وأُتُنَهُ وسَوقه إيّاها:
إذا اجتمعت وأَحوذ جانبيها *** وأوردها على عُوج طِوال
فقال بعضهم: معناه: أوردها على نخل نابتة على الماء قد مالت، فاعوجَّت لكثرة حَمْلها؛ كما قال في صفة النخل:
* غُلبٌ سواجد لم يدخل بها الحصر*
وقيل معنى قوله: أوردها على عُوج طوال أي على قوائمها العُوج، ولذلك قيل للخيل: عُوج، ويقال ناقة عوجاء إذا عَجِفت فاعوجَ ظهرها؛ وامرأة عوجاء إذا كان لها ولد تَعُوج إليه لترضعه، ومنه قول الشاعر:
إذا المُرْغِث العوجاء بات يَعُزُّها *** على ثديها ذو وَدْعتين لَهُوج
والخيل الأعوجيّة منسوبة إلى فحل كان يقال له: أعوج، يقال: هذا الحِصَان من بنات أعوج.
وقال الليث: العاج: أنياب الفِيَلة، قال ولا يسمى غير الناب عاجًا.
وقال شمر: يقال للمَسكِ: عاج.
قال وأنشدني ابن الأعرابي:
وفي العاج الحِنّاء كفٌّ بنانُها *** كشحم النَقَا لم يعطها الزند قادح
أراد بشحم النقا دوابَّ يقال لها: الحُلَك.
ويقال لها: بنات النقا يشبَّه بها بنان الجواري للينها ونَعْمتها.
قلت: والدليل على صحة ما قال شمر في العاج أنه المَسكُ ما جاء في حديث مرفوع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لثَوبان: «اشتر
لفاطمة سوارًا من عاج»، لم يُرد بالعاج ما يُخْرط من أنياب الفِيَلة؛ لأن أنيابها مَيْتَةٌ، وإنما العاج الذُّبْلُ وهو ظهر السُّلَحْفاة البحرية.
وقال ابن شميل المَسَك من الذَّبْل ومن العاج كهنئة السوار تجعله المرأة في يديها فذاك المَسَك.
قال: والذَّبْلُ.
القرون فإذا كان من عاج فهو مَسَك وعاج ووَقْفٌ، فإذا كان مِن ذَبْلٍ فهو مَسَكٌ لا غير.
وقال الهذلي:
فجاءت كخاصي العَيْرِ لم تَحْلَ عاجةً *** ولا جاجة منها تلوح على وشم
فالعاجة: الذَّبلة، والجاجة: خرزة لا تساوي فَلْسًا.
وقال الليث: عُوجُ بن عُوق رجل ذُكِرَ من عِظَم خَلْقِه شناعةٌ، وذُكر أنه ولد في منزل آدم فعاش إلى زمن موسى، وأنه هلك على عِدَّان موسى صلى الله عليه وسلم.
قال الليث: ويقال ناقة عاج إذا كانت مِذعان السير ليّنة الانعطاف، ومنه قوله:
* تَقَدَّى بي الموماةَ عاجٌ كأنها*
قال: ويقال للناقة في الزجر: عَاج بلا تنوين، وإن شئت جزمت على توهّم الوقوف، يقال: عجعجت بالناقة إذا قلت لها: عاج عاج.
قال: وذُكر أن عوْج بن عُوق كان يكون مع فراعنة مصر، ويقال: كان صاحب الصخرة التي أراد أن يُطْبقَها على عسكر موسى عليهالسلام، وهو الذي قتله موسى صلوات الله عليه.
وقال أبو عبيد: يقال للناقة عاجٍ وجاهٍ بالتنوين.
وقال أبو الهيثم فيما قرأت بخطّه: وَكلّ صوت يُزجَر به الإبل فإنه يخرج مجزومًا، إلا أن يقع في قافية فيحوّل إلى الخفض، تقول في زجر البعير؛ حَلْ حَوْب، وفي زجر السبع: هَجْ هَجْ، وجَهْ جَهْ، وجاهْ جاهْ، قال: فإذا حكيت ذلك قلت للبعير: حَوْبَ أو حَوْبِ، وقلت للناقة: حَلْ حَلْ، وقلت لها حَلٍ، وأنشد:
أقول للناقة قولي للجمل *** أقول حَوْبٍ ثم أثنيها بِحَل
فخفض حَوْب ونوّنه عند الحاجة إلى تنوينه.
وقال آخر:
* قلت لها حَلٍ فلم تَحَلْحَلِ*
وقال آخر:
وجمل قلت له حاهٍ جاهْ *** يا ويله من جمل ما أشقاهْ
وقال آخر:
* سفرت فقلت لها هج فتبرقعت*
وقال شمر: قال زيد بن كُثْوة: من أمثالهم: الأيام عُوج رواجع، يقال ذلك عند الشماتة، يقولها المشموت به، أو تقال عنه، وقد يقال عند الوعيد والتهدُّد.
قلت: عُوج ههنا جمع أعوج، ويكون جمع عَوْجاء، كما يقال أصور وصُور، ويجوز أن يكون جمع عائج؛ فكأنه قال: عُوُج على فُعُل فخفّفه، كما قال الأخطل:
* فهنّ بالبذل لا بُخْلٌ ولا جُود*
أراد لا بُخُلٌ ولا جُوُدٌ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
253-تهذيب اللغة (عشا)
عشا: أخبرنا أبو الفضل بن أبي جعفر عن أبي الحسن الطوسيّ عن الخزاز قال: سمعت ابن الأعرابيّ يقول: العُشْو من الشعراء سبعة: أعشى بني قيس أبو بصير، وَأعشى باهلة أبو قحافة، وَأعشى بني نَهْشل الأسود بن يَعْفر، وَفي الإسلام أعشى بني ربيعة من بني شيبان، وَأعشى هَمْدان، وَأعشى تغلب بن جاوَان، وَأعشى طِرْوَد من سُلَيم.وَقال غيره: وَأعشى بني مازن من تميم.
قلت: وَالعُشْو جمع الأعشى، وقد عَشِي الرجل يعشى عشًا فهو أَعشى وَامرأة عشواء، وَرجلان أعشيان وَامرأتان عشواوَان وَرجال عُشْو وَأَعشون.
وقال الليث: العشا يكون سوء البصر من غير عمى، ويكون الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار.
وقال أبو زيد: الأعشى هو السيّء البصر بالنهار وبالليل، وقد عشا يعشو عَشْوًا، وهو أدنى بصره، وإنما يعشو بعد ما يَعْشَى.
أبو العباس عن ابن الأعرابي: عشا يعشو إذا أتى نارًا للضيافة، وعشا يعشو إذا ضعف بصره.
وقال أبو زيد: عشَي الرجل عن حقّ أصحابه يَعْشَى عَشًا شديدًا إذا ظلمهم، وهو كقولك: عمى عن حقه، وأصله من العشا، وأنشد:
ألا رُبَ أعشى ظالمٍ متخمّط *** جعلتُ لعينيه ضياءً فأبصرا
أبو عبيد عن أبي زيد: عَشِيَ عليَّ فلان يَعْشَى عشًا منقوص: ظلمني.
وقال الليث: يقال للرجال: يعشَوْن، وهما يعشيان، وفي النساء هن يعشَيْن، قال: ولمَّا صارت الواو في عشي ياء لكسرة الشين تركت في يعشَيَانِ ياء على حالها، وكان قياسه يعشَوَانِ، فتركوا القياس، قال: وتعاشى الرجُل في أمري إذا تجاهل.
الحراني عن ابن السكيت: عَشِي فلان يعشى إذا تعشّى فهو عاشٍ.
ويقال في مثل: العاشقةِ تَهِيج الآبية، أي إذا رأت
التي تأبى الرَعْي التي تتعشّى هاجتها للرعي فرعت.
والعِشْيُ: ما يُتعشّى به، وجمعه أَعْشاء.
قال الحطيئة:
وقد نظرتكم أعشاء صادرةٍ *** للخِمْس طال بها حَوْزِي وَتَنْسَاسي
قال شمر أراد انتظرتكم طويلًا قدر ما تَعَشَى إبل صدرت عن الماء لخمس وطال عشاؤُها.
يقول انتظرتكم انتظار إبل خوامِسَ؛ لأنها إذا صدرت تعشَّت طويلًا وفي بطونها ماء كثير فهي تحتاج إلى ثَقَل كثير.
قال: وواحد الأعشاء عِشْي.
وقال الليث: العَشْواء من النوق: التي لا تبصر ما أمامها، وذلك لأنها ترفع رأسها فلا تتعاهد موضع أخفافها.
وقال زهير
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب *** تُمِته ومن تخطىء يُعمَّر فيهرَم
ومن أمثالهم السائرة: هو يخبِط خَبْط عشواء، يُضرب مثلًا للسادر الذي يركب رأسه ولا يهتم لعاقبته، كالناقة العشواء التي لا تبصر، فهي تخبط بيديها كل ما مرَّت به، وشَبَّه زهير المنايا بخبط عشواء لأنها تعمّ الكلّ ولا تخصّ.
وقال ابن الأعرابي: العُقَاب العشواء: التي لا تبالي كيف خَبَطت وأين ضربت بمخالبها كالناقة العشواء لا تدري كيف تضع يدها.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: عشا يعشو: إذا أتى نارًا للضيافة، وعشا يعشو: إذا ضعف بصره.
وقال الليث: العَشْو: إتيانك نارًا ترجو عندها هدى أو خيرًا.
تقول: عشوتها أعشوها عَشْوًا وعُشُوًّا.
قال: والعاشية: كل شيء يعشو بالليل إلى ضوء نار من أصناف الْخَلْق؛ كالفَرَاش وغيره، وكذلك الإبل العواشي تعشو إلى ضوء نار.
وأنشد:
وعاشية حُوشٍ يِطانٍ ذعرتُها *** بضربِ قتيلٍ وسطَها يتسيَّفُ
قلت: غلط في تفسير الإبل العواشي أنها التي تعشو إلى ضوء النار.
والإبل العواشي جمع العاشية وهي التي ترعى ليلًا وتتعشّى، ومنه قولهم: العاشية تهيج الآبية.
وقول الله جل وعزّ: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزّخرُف: 36].
قال الفراء في كتابه في المعاني ولم أسمع هذا الفصل من المنذري لأن بعض هذه السورة كان فات أبا الفضل معناه: من يعرض عن ذكر الرحمن، قال ومن قرأ {ومن يَعْشَ عن ذكر الرحمن} فمعناه من يَعْمَ عنه.
وقال القتيبي معنى قوله: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ} أي يُظلم بصرُه، قال: وهذا قول أبي عبيدة ثم ذهب يردّ قول الفراء ويقول: لم أر أحدًا يجيز عشوت عن الشيء أعرضت عنه، إنما يقال: تعاشيت عن الشيء: تغافلت عنه، كأني لم أره وكذلك تعاميت.
قال: وعشوت إلى النار إذا استدللت عليها ببصر ضعيف.
قلت: أغفل القتيبي موضع الصواب، واعترض مع غفلته على الفراء يردّ عليه فذكرت قوله لأبين عواره فلا يغتر به الناظر في كتابه، والعرب تقول: عَشَوت إلى النار أعشو عَشْوًا أي قصدتها مهتديًا بها، وعشوت عنها أي أعرضت عنها، فيفرقون بين إلى وعن موصولين بالفعل.
وقال أبو زيد: يقال: عشا فلان إلى النار يعشو عَشْوًا إذا رأى نارًا في أوَّل الليل فيعشو إليها يستضيء بضوئها، وعشا الرجل إلى أهله يعشو، وذلك من أول الليل إذا علم مكان أهله فقصد إليهم.
وأخبرن المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال: عَشِي الرجل يَعْشَى إذا صار أعشى لا يبصر ليلًا، عَشَا عن كذا وكذا يعشو عنه إذا مضى عنه، وعَشَا إلى كذا وكذا يعشوا إليه عَشْوًا وعُشوًّا إذا قصد إليه مهتديًا بضوء ناره، وأنشد قول الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره *** تجد خير نار عندها خيرُ موقد
قال: ويقال: استعشى فلان نارًا إذا اهتدى بها، وأنشد:
يتبعن جِرْوَيًا إذا هِبْن قَدَمْ *** كأنه بالليل مُسْتَعْشِى ضَرَم
يقول: هو نشيط صادق الطَرْف جريء على الليل، كأنه مستعشٍ ضَرَمَةً وهي النار.
وهو الرجل الذي قد ساق الخارب إبله فطردها فعَمَد إلى ثوب فشقّه وفتله فتْلًا شديدًا ثم غمسه في زيت أو دهن فروّاه ثم أَشْعَل في طَرَفه النار فاهتدى بها، واقتصّ أثر الخارب ليستنقذ إبله.
قلت: وهذا كله صحيح وإنما أَتَى القتيبي في وهمه الخطأُ من جهة أنه لم يفرق بين عشا إلى النار وعشا عنها، ولم يعلم أن كل واحد منهما ضدّ الآخر في باب الميل إلى الشيء والميل عنه، كقولك: عدلت إلى بني فلان إذا قصدتهم، وعدلت عنهم إذا مضيتَ عنهم، وكذلك ملت إليهم وملت عنهم، ومضيت إليهم ومضيت عنهم وهكذا.
قال أبو إسحاق الزّجاج في قوله جلّ وعزّ: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ} [الزّخرُف: 36] أي يُعرض عنه كما قال الفراء.
قال أبو إسحاق: ومعنى الآية أن من أعرض عن القرآن وما فيه من الحكمة إلى أباطيل المضلّين فعقابُه بشيطان نقيّضه له حتى يضلّه ويلازمه قرينًا له فلا يهتدي؛ مجازاة له حين آثر الباطل على الحقّ البيّن.
قلت: وأبو عُبيدة صاحب معرفة بالغريب وأيّام العرب، وهو بليد النظر في باب النحو ومقاييسه.
وفي حديث ابن عمر أن رجلًا أتاه فقال له: كما لا ينفع مع الشرك عمل هل يضرّ مع الإيمان ذنب؟ فقال ابن عمر: عَشِ ولا تَغْتَرَّ.
قال أبو عبيد: هذا مثل، وأصله فيما يقال أن رجلًا أراد أن يقطع مفازة بإبله فاتّكل على ما فيها من الكلأ، فقيل له عشِ إبلك قبل أن تفوِّز، وخذ
بالاحتياط، فإن كان فيها كلأ لم يضرك ما صنعت، وإن لم يكن فيها شيء كنت قد أخَذت بالثقة، فأَراد ابن عمر بقوله هذا اجتنب الذنوب ولا تركبها اتّكالًا على الإسلام، وخذ في ذلك بالثقة والاحتياط.
يقال عشّيت الإبل إذا رعيتها بعد غروب الشمس إلى ثلث الليل، وعشيتها أيضًا إذا رعيتها بعد الزوال إلى غروب الشمس، وعشّيت الرجل إذا أطعمته العشاء، وهو الطعام الذي يؤكل بعد العِشاء، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قُرِّب العَشَاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعَشَاء، فالعَشَاء: الطعام وقت العِشاء».
وقال ابن السكيت: إذا قيل لك تَعشَ قلت: ما بي تَعشِ يا هذا.
ولا تقل: ما بي عَشاء، قال: ورجل عَشْيان وهو من ذوات الواو لأنه يقال عَشَيْتُه وعَشَوْتُه فأنا أعشوه أي عشَّيته، وقد عَشِي يَعْشَى إذا تَعَشَّى، فهو عاش.
وقال أبو حاتم: يقال من الغَدَاء والعشاء: رجل غَدْيان وعَشْيان، قال: والأصل غدوان وعشوان؛ لأن أصلهما الواو، ولكن الواو تقلب إلى الياء كثيرًا؛ لأن الياء أخفّ من الواو.
أبو عبيد عن أبي زيد: ضَحَيْتُ عن الشيء وعَشَيْتُ عنه معناهما: رَفَقْت به.
وصلاة العِشَاء، هي التي بعد صلاة المغرب، ووقتها حين يغيب الشفق، وهو قول الله جلّ وعزّ: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ} [النُّور: 58].
وأمّا العَشِيُ فإن المنذري أخبرني عن أبي الهيثم أنه قال: إذا زالت الشمس دُعي ذلك الوقت العشيّ، فتحول الظل شرقيًا وتحولت الشمس غريبة.
قلت: وصلاتا العشِيّ هما الظهر والعصر، وحدَّثنا السعديّ عن عمر بن شَبَّة عن عبد الوهاب عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشيّ، وأكبر ظني أنها الظهر، ثم ذكر الحديث.
قلت: ويقع العِشِيّ على ما بين زوال الشمس إلى وقت غروبها، كل ذلك عِشيّ، فإذا غابت الشمس فهو العِشاء.
وقال الليث: العَشِيّ بغير هاء: آخرُ النهار.
فإذا قلت: عشيّة فهو ليوم واحد، يقال لقيته عشية يوم كذا وكذا، ولقيته عشيَّة من العشيَّات.
قال أبو عبيد: يقال لصلاتي المغرب والعشاء العشاءان، والأصل العِشاء فغُلّب على المغرب، كما قالوا: الأبوان وهما الأب والأم.
ومثله كثير.
قال النضر: العِشاء: حين يصلي الناس لعتمة وأنشد:
ومجوّل مَلَث العشاء دعَوتُه *** والليل منتشر السقيط بهيم
قال: وإذا صغّروا العشيّ قالوا: عُشَيْشيَان، وذلك عند شفًى وهو آخر ساعة من النهار.
قال: ويجوز في تصغير عشِيَّة عُشَيَّة وعُشَيشية.
قلت: كلام العرب في تصغير عشية: عُشَيشية، جاء نادرًا على غير قياس.
ولم أسمع عُشَيَّة في تصغير عشِيّة، وذلك أن عُشية تصغير العَشْوة وهي أوَّل ظلمة الليل، فأرادوا أن يفرقوا بين تصغير
العَشِيَّة وتصغير العَشْوة.
وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها} [النَّازعَات: 46] يقول القائل: وهل للعشية ضحى؟
قال: وهذا جيّد من كلام العرب.
يقال: آتيك العشِيّة أو غداتَها، وآتيك الغداة عشِيّتها، فالمعنى لم يلبثوا إلّا عشية أو ضحى العشية، فأضاف الضحى إلى العشية.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أن ابن الأعرابي أنشده:
ألَا ليت حظّي من زيارة أُمِّيَهْ *** غِديَّاتُ قيظ أو عَشِياتُ أشتيه
وقال: الغَدَوات في القيظ أطول وأطيب، والعشِيَّات في الشتاء أطول وأطيب، وقال: غَدِية وغدِيات؛ مثل عَشِية وعَشِيَّات.
الحراني عن ابن السكيت: يقال: لقيته عُشَيشية وعشيشِيات وعشيشيانات وعُشَيَّانَات، ولقيته مغيربان الشمس ومغيربانات الشمس.
وذكر ابن السكيت عن أبي عبيدة وابن الأعرابي أنهما قالا: يقال: أوطأته عَشْوَةً وعِشْوَةً وعُشوة.
والمعنى فيه: أنه حمله على أن يركب أمرًا غير مستبين الرشد، فربما كان فيه عطَبُه، وأصله من عَشْواء الليل وعُشوته مثل ظلماء الليل وظلمته، فأمّا العِشاء فهو أول ظلام الليل.
ورَوَى شمر حديثًا بإسناد له عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا معشر العرب احمدوا الله الذي رفع عنكم العُشوة.
وقال شمر: أراد بالعُشْوة ظلمة الكفر، كلَّما ركب الإنسان أمرًا بجهل لا يبصر وجهه فهو عُشوة، مأخوذ من عُشوة.
وقال شمر: قال أبو عمرو: العُشْوة أيضًا في غير هذا: الشعلة من النار.
وأنشد:
حتى إذا اشتال سُهَيل بسحر *** كعُشوة القابس تَرْمِي بالشرر
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
254-تهذيب اللغة (وضع)
وضع: شمر عن أبي زيد: وضعت الناقة وهو نحو الرقَصَان.أوضعتها أنا.
قال: وقال ابن شميل: وضع البعير إذا عدا، وأوضعته أنا إذا حملتَه عليه.
وقال الليث الدابة تضع السير وَضْعًا، وهو سير دون.
يقال: إنها لحسنة الموضوع.
وأنشد:
بماذا تردّين امرأ جاء لا يرى *** كودّك ودًّا قد أكلّ وأوضعا
قال: يريد أوضعها راكبها، وهو ذلك السير الدون.
ومنه: {وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} [التّوبَة: 47].
قلت: قول الليث: الوضع: سير دونٌ ليس بصحيح، الوضع هو العَدْو.
واعتبر الليث اللفظ، ولم يعرف كلام العرب فيه.
فأمّا قول الله تعالى: {وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التّوبَة: 47] فإن الفراء قال: العرب تقول أوضع الراكب ووضعت الناقة، وربما قالوا للراكب وَضَع وأنشد:
* ألفيتني مُحْتَمِلًا بَزِّي أضع *
وقال الأخفش: يقال أوضعتُ، وجئت موضِعًا.
ولا توقعه على شيء.
ويقال من أين أوضع الراكبُ ومن أين أوضح الراكب.
هذا الكلام الجيّد.
قال: وقد يقول بعض قيس: أوضعت بعيري فلا يكون لحنًا.
وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه سمعه يقول بعد ما عُرض عليه كلام الأخفش هذا.
وقال يقال: وضعُ البعيرُ يضع وَضْعًا إذا عدا فهو واضع، أوضعته أنا أُوضعه إيضاعًا قال ويقال: وضع الرجل إذا عدا يضع وَضْعًا.
وأنشد:
يا ليتني فيها جذع *** أَخُبَّ فيها وأضع
أخُبّ من الخبب، وأضع أي أَعْدو من الوضع.
قال وقول الله: (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) أي أوضعوا مراكبهم خلالكم لهم قال: وأمَّا قوائم: إذا طرأ عليهم الراكب: من أين أوضح الراكبُ فمعناه من أين أنشأ، وليس من الإيضاع في شيء.
قلت: وكلام العرب على ما قال أبو الهيثم.
وقد سمعتُ نحوًا مما قال من بعض العرب.
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أفاض من عرفة وعليه السَكِينة، وأوضع في وادي مُحَسِّر.
وقال أبو عبيد: الإيضاع: سير مثل الخَبَب، وأنشد:
إذا أُعطيتُ راحلة ورَحْلا *** ولم أُوضِع فقام عليَّ ناعِي
قلت الإيضاع: أن يُعْدِي بعيره ويحملَه على العَدْو الحثيث.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دفع من عرفات وهو يسير العَنَق، فإذا وجد فَجْوة نصّ.
فالنصّ التحريك حتى يستخرج من الدابة أقصى سيرها، وكذل الإيضاع.
وقال الليث: يقال: وضعت الشيء أضعه وضعًا، وهو ضدّ رفعته.
ورجل وضيع، وقد وضُع يَوْضُع وَضَاعة وضَعَةً.
وهو ضدّ الشريف.
ووُضِع فلان في تجارته فهو موضوع فيها إذا خسِر فيها.
قال: والوضائع: قوم كان كسرى ينقلهم من بلادهم، ويُسكنهم أرضًا أخرى حتى يصيروا بها وَضِيعةً أبدًا.
قال والوضيعة: قوم من الجند يجعل أسماؤهم في كُورة لا يَغْزُون منها.
قلت: أمّا الوضائع الذين وصفهم فهم شبه الرهائن، كان كسرى يرتهنهم ويُنزلهم بعض بلاده.
وقال الليث: والخيَّاط يُوضِّع القطن توضيعًا على الثوب.
والمواضع معروفة واحدها موضع.
والمواضعة: أن تواضع صاحبك أمرًا تناظره فيه ويقال: دخل فلان أمرًا فوضعه دخوله فيه فاتّضع.
قال: والتواضع التذلّل.
فهذا جميع ما ذكره الليث في باب وضع.
الحراني عن ابن السكيت: يقال هؤلاء أصحاب وَضِيعة أي أصحاب حَمْض مقيمون لا يخرجون منه، وهي إبل واضعة أي مقيمة في الحَمْض.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الحَمْضُ يقال له الوَضِيعة.
والجمع وَضَائع.
وقد وَضَعت الإبل تضع إذا رعت الحمض.
وقال أبو زيد إذا رعت الإبلُ الحَمْض حول الماء فلم تبرح قيل: وضعت تضع وَضِيعة، ووضعتها أنا فهي موضوعة.
ابن الأعرابي: تقول العرب: أُوْضِعْ بنا وأَخْلِلْ، والإيضاع في الحَمْضِ والإخلال في الخُلَّة وأنشد:
وضعها قيس وهي نزائع *** فطرحت أولادها الوضائع
وقال أبو سعيد الوَضِيعة: الحَطِيطة.
وقد استوضع منه إذا استحطّ.
وقال جرير:
كانوا كمشتركين لمّا بايعوا *** خسِروا وشَفَّ عليهم فاستَوْضعوا
قال: والوضائع: ما يأخذه السلطان من الخراج والعُشُور.
والوضيع: أن يوضع التمر قبل أن يجفّ، فيوضع في الجَرِين وفي الحديث «من رفع السلاح ثم وضعه
فدمه هَدَر»، وقال بعضهم في قوله: «ثم وضعه» أي ضرب به.
وليس معناه أنه وضعه من يده، وقال سُدَيف:
فضع السوط وارفع السيف حتّى *** لا ترى فوق ظهرها أمويّا
إن معناه: ضع السوط على بدن من تبسطه عليه وارفع السيف لقتلهم.
ويقال: وضع يده في الطعام إذا أكله.
وإذا عاكم.
وأذا عاكم الرجل صاحبَه الأعدالَ يقول أحدهما لصاحبه: واضِع أي أمِل العِدْل على المِرْبعة التي يحملان العدل بها فإذا أمره بالرفع قال رابع.
قلت: وهذا من كلام العرب إذا اعتكموا أبو عبيد عن اليزيدي: ما حملته أمّه وُضعًا أي ما حملته على حَيْض.
قال: وقال أبو عمرو: وضعت المرأة فهي تضع وُضعًا وتُضْعًا فهي واضع.
وقال ابن السكيت: وضع البعير في سيره يضع وضعًا إذا أسرع.
والوُضع: أن تحمل المرأة في آخر طهرها في مُقْبَل الحيض.
وهو التُّضْع أيضًا.
وأنشد:
تقول والْجُرْدان فيها مكتنِع *** أما تخاف حَبَلًا على تُضُع
أبو عبيد عن الأصمعي: امرأة واضع بغير هاء إذا وضعت خمارها.
ويقال: إن بلدكم لمتواضع عنَا كقولك: متراخٍ ومتباعد.
وقال ذو الرمَّة:
* دواء لغَوْل النازح المتواضع *
وقال الأصمعي: هو المتخاشع من بُعده تراه من بعيد لاصقًا بالأرض.
وتواضع ما بيننا أي بعد.
ويقال: وضع البعير حَكَمته إذا طامن رأسه وأسرع.
ويراد بحَكَمته لَحْياه.
وقال ابن مقبل.
فهَنَّ سَمَام واضع حكماته *** مخوّية أعجازه وكراكره
ولِوى الوضيعة: رملة معروفة.
وقال أبو عبيدة: فرس موضِّع إذا كان يفترش وظيفه، ثم يُتبع ذلك ما فوقه من خلفه، وهو عيب.
ووضّعت النعامةُ بيضها إذا رَثَدته، وهو بَيْض موضّع: منضود.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: يقال في فلان توضيع أي تخنيث.
وفلان موضَّع إذا كان مخنَّثا.
ويقال للوديعة: وضيع.
وقد وضَعْت عند فلان وضِيعًا إذا استودعته وديعة.
ويقال: اتّضع فلان بعيره إذا كان قائمًا فطامن من عنقه ليركبه، وقال الكميت:
أصبحتَ فَرْعًا فُدَاديًا بك اتّضعت *** زيد مراكبها في المجد إذا ركبوا
فجعل اتّضع متعدّيًا.
وقد يكون لازمًا يقال: وضعته فاتّضع.
عمرو عن أبيه قال: الواضعة: الروضة.
أبو عبيد عن اليزيدي: وُضِعت في مالي وأُوضعت ووُكست وأُوكِست.
الفراء له في قلبي مَوْضِعة وموقِعة أي محبّة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
255-تهذيب اللغة (عصا)
عصا: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل: «لا ترفع عصاك عن أهلك».قال أبو عبيد قال الكسائي وغيره: يقال: إنه لم يُرد العصا التي يَضرب بها، ولا أمر أحدًا قطّ بذلك، ولكنه أراد الأدب.
قال أبو عبيد: وأصل العصا الاجتماع والائتلاف، ومنه قيل للخوارج: قد شقُّوا عصا المسلمين، أي فرَّقوا جماعتهم.
وقول القائل: إياك وقتيل العصا يقول: إياك أن تكون قاتلًا أو مقتولًا في شقّ عصا المسلمين، ومنه قيل للرجل إذا أقام بالمكان واطمأنّ واجتمع إليه أمره: قد ألقى عصاه وألقى بَوَانِبَه، وقال الشاعر:
فألقت عصاها واستقرت بها النوى *** كما قرَّ عينًا بالإياب المسافر
ويقال للرجل إذا كان رفيقًا حسن السياسة لما يلي: إنه لليّن العصا، وقال مَعْن بن أوس المُزَني:
عليه شَريب وادع ليَّن العصا *** يساجلها جُماتِهُ وتساجله
وقال الليث في معنى البيت الأول فألقت عصاها: كانت هذه امرأة كلّما تزوّجت زوجًا فارقته واستبدلت آخر، وكان علامة إبائها ألّا تكشف رأسها فلمّا رضيت آخر أزواجها كشفت قناعها.
أبو عبيد عن الكسائيّ: يقال: عَصَوته بالعصا.
قال: وكرهها بعضهم وقال عَصِيت بالعصا ثم ضربته بها فأنا أَعْصى حتى قالوها في السيف تشبيهًا بالعصى، وقال جرير:
تصف السيوف وغيركم يَعْصى بها *** يا ابن القيون وذاك فعل الصيقل
وقال أبو زيد: عَصِيَ في القوم بسيفه وعصاه فهو يَعْصَى فيهم إذا عاث فيهم عَيْثًا، والاسم العصا.
أبو نصر عن الأصمعيّ: عصاه بالعصا فهو يعصوه عَصْوًا إذا ضربه بالعصا.
وهو يعتصي على عصا جيّدة أي يتوكَّأ.
ويقال: عصًا وعَصَوان وعُصِيّ في الجمع.
ويقال: عِصِيّ.
ويقال للراعي إذا كان قويًا على إبله ضابطًا لها إنه لصُلْب العصا وشديد العصاء ومنه قول عُمَر بن لَجأ:
* صُلْبُ العصا جافٍ عن التعزُّل*
أبو عبيد عن الأصمعيّ في باب تشبيه الرجل بأبيه: العصا من العُصَيّة.
قال أبو عبيد هكذا قال، وأنا أحسبه العُصَيَّة من العصا، إلا أن يراد به أن الشيء الجليل إنما يكون في بدئه صغيرًا، كما قالوا: إن القَرْم من الأفيل.
فيجوز على هذا المعنى أن يقال: العصا من العُصَيَّة.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: العصا تُضرب مثلًا للاجتماع، ويضرب انشقاقها مثلًا للافتراق الذي لا يكون بعده اجتماع.
وذلك أنها لا تُدْعى عصًا إذا تشقّقت.
وأنشد:
فلله شَعْبَا طِيّةٍ صدعا العصا *** هي اليوم شتَّى وهي أمسِ جميع
قوله: فلله له معنيان: أحدهما أنها لام التعجب، تَعَجَّب مما كانا فيه من الأُنْس واجتماع الشمل، والثاني أن ذلك مصيبة موجِعة فقال: لله ذلك يفعل ما يشاء، ولا حيلة فيه للعباد إلّا التسليم كالاسترجاع.
ويقال: قرع فلان فلانًا بعصا الملامة إذا بالغ في عَذْله.
ولذلك قيل للتوبيخ: تقريع.
وقال أبو سعيد: يقال فلان يُصَلِّي عصا فلان أي يدبّر أمره ويليه.
وأنشد:
* وما صَلَّى عصاك كمستديم*
قلت: والأصل في تصلية العصا أنها إذا اعوجّت ألزمها مقوّمها حَرّ النار حتى تلين له وتجيب التثقيف.
يقال: صلّيت العصا النارَ إذا ألزمتها حَرَّها حتى تلين لغامزها.
وتفاريق العصا عند العرب أن العصا إذا انكسرت جُعلت أشِظَّة، ثم تجعل الأشِظَّة أوتادًا، ثم تجعل الأوتاد توادِيَ للصِرار.
يقال: هو خير من تفاريق العصا وكانت العصا لجَذِيمة الأبرش، وهي اسم فرس كانت من سوابق خيل العرب.
ويقال للعصا: عصاة بالهاء.
يقال أخذت عصاته ومنهم من كره هذه اللغة ومن أمثالهم: إن العصا قُرِعت لذي الحلم، وذلك أن بعض حكّام العرب أسنّ وضعف عن الحكم، فكان إذا احتكم إليه خصمان وزلّ في الْحُكم قَرَعَ له بعضُ ولده العصا يفطّنه بقرعها للصواب فيفطُن له، ويقال للقوم إذا استُذلوا: ما هم إلا عبيد العصا.
ويقال: عِرق عاص، إذا لم يرقأ دمه: هو العاند النّحار، ومنه قول ذي الرمة:
* وهن من واطىء تثنى حويَّته*
وناشج وعواصي الجوف تنشخب، يعني عروقًا تقطعت في الجوف فلم يرقأ دمها ويقال عصى فلان أميره يعصيه عصيًا وعِصْيانًا إذا لم يطعه، وعصى العبد ربه إذا خالف أمره.
ويقال للجماعة إذا خرجت عن طاعة السلطان: قد استعصت عليه.
ويقال فلان يعصى الريح إذا استقبل مهبَّها ولم يتعرض لها، اعتصى فلان بالعصا إذا توكأ عليها فهو معتصٍ بها.
أبو العباس عن ابن الأعرابي يقال: عصاه يعصوه إذا ضربه بالعصا قال وعَصِي يَعْصَى إذا لعب بالعصا كلعبه بالسيف.
قال: ويقال عصا إذا صَلُب.
قلت كأنه أراد عسا بالسين فقلبها صادًا وروى الأصمعي من بعض البصريين أن العصا سميت عصًا لأن اليد والأصابع تجتمع عليها، مأخوذ من قول العرب: عصوت القوم أعصوهم، إذا جمعتهم على خير أو شر، قال: ولا يجوز مد العصا ولا إدخال التاء معها، قال وأول لحن سمع بالعراق هذه عصاتي بالتاء
والفصيل عند العرب إذا لم يتبع أمه عاصٍ وقد عُصَى أمّه.
وقول الشاعر: أنشده ابن الأعرابي:
أظنك لما خضحضت بطنَك العصا *** ذكرت من الأرحام ما لست ناسيا
قال العصا عصا البين هاهنا.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
256-تهذيب اللغة (سعا)
سعا: سَلمة عن الفراء في قول الله جلّ وعزّ: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 37] قال: أطاق أن يعينه على عمله وسعيه.وقال: وكان إسماعيل يومئذٍ ابن ثلاث عشرة سنة، ونحوَ ذلك قال الزجّاج.
وقال الفراء في قوله جلّ وعزّ: {فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ} [الجُمُعَة: 9] قال: السعي والذهاب بمعنى واحد؛ لأنك تقول للرجل: هو يسعى في الأرض وليس هذا باشتداد.
وقال الزجاج: أصل السعي في كلام العرب التصرّف في كل عمل.
ومنه قول الله جلّ وعزّ: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى} [النّجْم: 39] معناه: إلّا ما عمل.
قال ومعنى قوله: {فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ} فاقصدوا، وليس معناه العَدْو.
قلت: وقد يكون السعي بمعنى العَدْو في كلام العرب، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعَون، ولكن ائتوها وعليكم السكينةُ، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتِمُوا» فالسعي في هذا الحديث العَدْو.
اللحياني: الساعي الذي يقوم بأمر أصحابه عند السلطان.
والجميع سُعاة.
قال: ويقوم أهلَه أي يقوم بأمرهم.
ويقال؛ فلان يسعى على عياله أي يتصرّف لهم، كما قال الشاعر:
أسعى على جُلّ بني مالك *** كل امرىء في شأنه ساعي
والسَعَاة: التصرّف.
ونظير السَعَاة من الكلام النجاة من نجا ينجو، والفلاة من فلاه يفلوه إذا قطعه عن الرضاع، وعصاه يعصوه عَصَاة، والغراة من قولهم: غَرِيت بِه أي أولعت غراةً قال:
لا تخلنا على غراتك إنا *** قبلُ ما قد وشى بنا الأعداءُ
وفعلت ذلك رجاة كذا وكذا، وتركت الأمر خشاة الإثم، وأذى به أذّى وأذاة.
وقال أبو العباس عن ابن الأعرابي: سعى إذا مشى، وسعى إذا عدا، وسعى إذا عمل، وسعى إذا قصد.
قال وقوله: (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) أي اقصدوا.
ورُوي عن ابن عباس أنه قال: الساعي لغير رِشْدة، أراد بالساعي الذي يسعى بصاحبه إلى سطانه فتمحِل به.
وأراد بقوله: لغير رشدة: أنه ليس بثابت النسب من أبيه الذي ينتمي إليه.
ورُوي عن كعب أنه قال: الساعي مثَلث وتأوّله أنه يُهلك ثلاثة نفر بسعايته؛ أحدهم المسعِيّ به، والثاني السلطان الذي سعى
بصاحبه إليه حتى أهلكه، والثالث هو الساعي نفسه، سمى مثلثًا لإهلاكه ثلاثة نفر، ومما يحقّق ذلك الخبرُ الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يدخل الجنة قَتّات» فالقَتّات والساعي والماحِل واحد.
ويقال لعامل الصدقات: ساعٍ وجمعه سُعَاة، وقد سعى يسعى إذا عمل عمل الصدقات فأخذها من أغنيائها وردّها في فقرائها.
وقال عمرو بن العدّاء الكلبيّ:
سعى عِقَالًا فلم يترك لنا سَبَدا *** فكيف لو قد سعى عمرو عقالين
وفي حديث عمر أنه أُتِي في إماء ونساء سَاعَيْنَ في الجاهليّة، فأمر بأولادهنّ أن يقوَّموا على آبائهم ولا يسترقّوا.
قال أبو عبيد: وأخبرني الأصمعيّ أنه سمع ابن عون يذكر هذا الحديث فقال له: إن المساعاة لا تكون في الحرائر، إنما تكون في الإماء.
قال أبو عبيد: ومعنى المساعاة الزنى.
وخصّ الإماء بالمساعاة لأنهن كن يسعَين على مواليهنّ فيكسِبن لهم.
قلت: ومن هذا أُخذ استسعاء العبد إذا عَتَق بعضه ورَقّ بعضه، وذلك أنه يسعى في فَكَاك ما رقّ من رقبته، فيعمل فيه ويتصرّف في كسبه حتى يعْتِق.
ويسمى تصرفه في كسبه سعاية لأنه يعمل فيه.
وقال أبو الهيثم: المساعاة: مساعاة الأمة إذ ساعاها مالكها، فضَرب عليها ضريبة تؤدّيها بالزنى، ومنه يقال: استُسعِي العبد في رقبته سُوعِيَ في غلته فالمستسعَى الذي يُعتقه مالكه عند موته، وليس له مال غيره، فيعتق ثلثه ويُستسعى في ثلثي رقبته.
والمساعاة: أن يساعيه في حياته في ضريبته.
والسعي يكون في الصلاح، ويكون في الفساد.
قال الله جلّ وعزّ: {إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسادًا} [المَائدة: 33] نصب قوله {فَسادًا} لأنه مفعول له، أراد: يسعون في الأرض للفساد.
وكانت العرب تسمي أصحاب الحَمَالات لحَقْن الدماء وإطفاء النائرة سُعَاة؛ لسعيهم في صلاح ذات البين.
ومنه قول زهير:
سعى ساعيًا غيظِ بن مُرَّة بعدما *** تبزّل ما بين العشيرة بالدم
أي: سعيًا في الصلح وجَمْع ما تحمّلا من ديات القتلى.
والعرب تسمي مآثر أهل الشرف والفضل مساعي واحدتها مَسعاة لسعيهم فيها، كأنها مكاسبهم وأعمالهم التي أعْنوا فيها أنفسهم.
والسَّعاة اسم من ذلك، ومن أمثال العرب: شغلت سَعَاتِي جدواي.
قال أبو عبيد: يُضرب هذا مثلًا للرجل يكون شيمته الكرم غير أنه مُعدِم.
يقول: شغلتني أموري عن الناس والإفضال عليهم.
ومن أمثالهم في هذا: بالساعد تبطش اليد.
قلت كأنه أراد بالسعاة الكسب على نفسه والتصرّف في معاشه.
ومنه قولهم: المرء يسعى لغارَيْه أي
يكسب لبطنه وفرجه.
وساعي اليهود والنصارى: هو رئيسهم الذي يُصدرون عن رأيه ولا يقضون أمرًا دونه.
وهو الذي ذكره حُذَيفة فقال: إن كان يهوديًا أو نصرانيًا ليردَّنه عليّ ساعيه.
ويقال أراد بالساعي: الوالي الذي عليه من المسلمين، وهو العامل.
يقول يُنصفني منه.
وإن لم يكن له إسلام.
وقلّ من ولى عملًا على قوم فهو ساعٍ عليهم.
أبو عبيد عن الكسائي: مضَى من الليل سِعْو وسَعْواء ممدود.
وقال ابن بُزُرْجَ: السِّعواء مذكّر، قال وقال: بعضهم: السِعْوا فوق الساعة من الليل.
وكذلك السِعواء من النهار.
ويقال كنا عنده سِعْواوات من الليل والنهار.
أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: قال: السَعْوة الساعة من الليل.
والسَعْوة: الشَمَعة قال: والأسعاء: ساعات الليل ويقال للمرأة البذيئة الجالعة: سِعْوة وعِلْقَة وسِلْقة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
257-تهذيب اللغة (طوع)
طوع: الحرّاني عن ابن السكيت: يقال: قد أطاع له المَرْتع إذا اتّسع له المرتع، وأمكنه من الرَعْي.وقد يقال في هذا الموضع: طَاع.
وقال أوس بن زُهَير:
كأن جيادهن بَرْعن زُمٍ *** جرادٌ قد أطاع له الوَرَاقُ
أنشده أبو عبيد.
وقال: الوراق: خضرة الأرض من الحشيش، وليس من الورق.
وقال ابن السكيت: يقال أمره بأمر فأطاعه، بالألف لا غير.
والعرب تقول: له عليّ أمره مطاعة.
قال: وقد طاع له إذا انقاد له بغير ألف.
وقال الليث: الطَّوع: نقيض الكَرْه، لتفعلنّه طَوْعًا أو كرهًا، وطائعًا أو كارهًا.
وطاع له إذا انقاد له، فإذا مضى لأمره فقد أطاعه، وإذا وافقه فقد طاوعه.
قال والطاعة: اسم من أطاعه إطاعة.
والطواعية: اسم لما يكون مصدر المطاوَعةِ.
يقال: طاوعت المرأةُ زوجها طواعِية.
قال: ويقال للطائع: طاعٍ، وهو مقلوب ومنه قول الشاعر:
حلفت بالبيت ومَن حوله *** من عائذ بالبيت أو طاع
وهذا كقولهم: عاقني عائقٌ وعاقٍ.
ويقال: تطاوعْ لهذا الأمر حتى تستطيعه.
وإذا قلت: تطوَّع فمعناه تكلّف استطاعته.
قال: والعرب تحذف التاء فتقول اسْطاع يَسْطيع.
قال والتطوّع: ما تبرّعت به من ذات نفسك فيما لا يلزمك فرضُه.
وفرس طَوْع العِنان إذا كان سَلِسًا.
وقول الله جلّ وعزّ: {ومن يطّوّع خيرا} [البَقَرَة: 158]
الأصل فيه ومن يَتَطوّع، فأدغمت التاء في الطاء وكل حرف أدغمته في حرف نقلته إلى لفظ المدغم فيه.
ومن قرأ (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا) على لفظ المضيّ فمعناه الاستقبال؛ لأن الكلام شرط وجزاء، فلفظ الماضي فيه يئول إلى معنى الاستقبال، وهذا قول حُذّاق النحويّين.
وأما قول الله جلّ وعزّ: فما استطاعوا ان يظهروه [الكهف: 97] فإن أصله استطاعوا بالتاء، ولكن التاء والطاء من مخرج واحد، فحذفت التاء ليخفّ اللفظ.
ومن العرب من يقول: استاعوا بغير طاء، ولا يجوز في القراءة.
ومنهم من يقول: (فَمَا اسْطاعُوا) بألف مقطوعة، المعنى: فما أطاعوا فزادوا السين ـ قال ذلك الخليل وسيبويه ـ عوضًا عن ذهاب حركة الواو؛ لأن الأصل في أطاع أَطْوَع.
ومن كانت هذه لغته قال في المستقبل يُسطِع بضمّ الياء.
وأخبرني المنذريّ عن الحراني عن ابن السكيت قال: يقال: ما أَستطيع وما اسطيع وما أَسْطيع وما أستطيع، وكان حمزة الزيّات يقرأ (فما اسْطَّاعوا) بإدغام الطاء والجمع بين ساكنين.
وقال أبو إسحاق الزجّاج: من قرأ بهذه القراءة فهو لاحِنٌ مخطىء.
زعم ذلك الخليل يونس وسيبويه، وجميع مَن يقول بقولهم.
وحجَّتهم في ذلك أن السين ساكنة، وإذا أدغمت التاء في الطاء صارت طاء ساكنة، ولا يجمع بين ساكنين.
قال: ومن قال: أطرحُ حركة التاء على السين فأقرأ (فما اسَطَّاعوا) فخطأ أيضًا لأن سين استفعل لم تحرّك قطّ.
والمطّوّعة: قوم يتطوَّعون بالجهاد، أدغمت التاء في الطاء، كما قلنا في قوله: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا}.
وأمّا قوله جلّ وعزّ: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} [المَائدة: 30] فإن الفراء قال: معناه فتابعته نفسه.
وقال المبرد؛ {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} فعَّلت من الطَوْع.
وقال أبو عبيد: حدّثنا يزيد عن ورقاء عن ابن أبي نَجيح عن مجاهد؛ {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} قال شجَّعته.
قال أبو عبيد عن مجاهد: إنها أعانته على ذلك وأجابته إليه.
ولا أرى أصله إلّا من الطواعية.
قلت: والأشبه عندي أن يكون معنى (طوّعت) سمَّحت وسهَّلت له نفسهُ قتلَ أخيه أي جعلت نفسه بهواها المُردي قتلَ أخيه سهلًا وهوَّنته.
وأمَّا على قول الفراء والمبرد فانتصاب قوله (قَتْلَ أَخِيهِ) على إفضاء الفعل إليه؛ كأنه قال: فطوعت له نفسه أي انقادت في قتل أخيه ولقتل أخيه فحذف الخافض وأفضى الفعلُ إليه فنصبه.
ويقال: فلان طَوْع المكاره إذا كان معتادًا لها، ملقىً إيّاها.
وقال النابغة:
فارتاع من صوت كَلّاب فبات له *** طوعُ الشوامت من خوف ومن صَرَد
ويروى: طوعَ الشوامت.
فمن رفع: أراد بات له ما أطاع شامته من البرد والخوف أي بات له ما اشتهى شامته، وهو طَوْعه، ومن ذلك تقول: اللهم لا تطيعنّ بي شامتًا أي لا تفعل بي ما يشتهيه ويحبّه.
وقال ابن السكيت: يقال طاع له وأطاع، سواءً.
فمن قال: طاع قال يطاع، ومن قال: أطاع قال يُطيع، فإذا جئت إلى الأمر فليس إلّا أطاعه؛ كما ذكرناه في أوّل الباب.
ومن روى بيت الذبياني: فبات له طوعَ الشوامت بالنصب أراد بالشوامت قوائمه واحدها شامتة يقول: فبات الثَوْر طوع قوائمه أي بات قائمًا.
قلت: ومن العرب من يقول: طاع له يَطُوع طَوْعًا فهو طائع بمعنى أطاع أيضًا، وطاع يطاع لغة جيّدة.
اللحياني: يقال: أطعت له وأطعته.
ويقال: طِعْت له وأنا أطِيع له طاعة، ويقال: طُعْت له وأنا أطوع له طوعًا أي انقدت، وفرس طَوْع العِنان وطوعة العنان.
وبعير طيّع: سلِس القياد.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
258-تهذيب اللغة (عدا عندأوة)
عدا ـ [عندأوة]: قال الله جلّ وعزّ: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] وقرىء {عُدُوًّا بغير علم}.قال المفسّرون: نُهوا قبل أن أُذن لهم في قتال المشركين أن يلعنوا الأصنام التي عبدوها.
وقوله: {فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي فيسبّوا الله ظلمًا و {عَدْوًا} منصوب على المصدر، وعلى إرادة اللام، لأن المعنى: فيَعْدون عَدْوًا أي يَظلمون ظلما.
ويكون مفعولًا له أي فيسبّوا الله للظلم.
ومن قرأ {فيسبوا الله عُدُوًا} فهو في معنى عَدْو أيضًا.
يقال في الظلم قد عدا فلان عَدْوًا وعُدُوًّا وعُدْوانًا وعَدَاءً أي ظلم ظلمًا جاوز من القدر، وقرىء {فيسبوا الله عَدُوًّا} بفتح العين، وهو ههنا في معنى جماعة، كأنه قال: فيسبوا الله أعداء.
و {عَدُوًّا} منصوب على الحال في هذا القول.
وكذلك قوله: {وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ} [الأنعَام: 112] {عَدُوًّا} في معنى أعداء.
المعنى: كما جعلنا لك ولأمّتك شياطين الإنس والجن أعداء كذلك جعلنا لمن تقدّمك من الأنبياء أو أممهم.
و {عَدُوًّا} ههنا منصوب لأنه مفعول به و {شَياطِينَ الْإِنْسِ} منصوب على البدل.
ويجوز أن يكون {عَدُوًّا} منصوبًا لأنه مفعول ثان و {شَياطِينَ الْإِنْسِ} المفعول الأول.
والعادي: الظالم.
يقال لا أشمت الله بك عاديَك أي عدوّك الظالم لك.
والاعتداء والتعدّي والعُدْوان: الظلم.
وقول الله: {فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البَقَرَة: 193] أي فلا سبيل.
وكذلك قوله: {فَلا عُدْوانَ عَلَيَ} [القَصَص: 28] أي لا سبيل عليّ.
وقوله: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البَقَرَة: 194] الأول ظلم، والثاني جزاء.
وهو مثل قوله: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها} [الشّورى: 40] السّيئة الأولى سيئة، والثانية مجازاة، وإن سُمّيت سيّئة.
فالاعتداء الأول ظلم، والثاني ليس بظلم، وإن وافق اللفظ اللفظ.
ومثل هذا في كلام العرب كثير.
يقال: أثِم الرجلُ يأثَم إثمًا، وَأَثَمَهُ الله على إثمه أي جازاه الله عليه يَأثِمُه أثامًا.
وقال الله جلّ وعزّ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثامًا} [الفُرقان: 68] أي جزاء لإثمه وقول الله جل ذكره: {وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ} [المَائدة: 2] يقول: لا تعاونوا على المعصية والظلم، وقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها} [البَقَرَة: 229] أي لا تجوزوها إلى غيرها، وكذلك قوله: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ} [البَقَرَة: 229] أي يجاوزْها، وقوله: {فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ} [المؤمنون: 7] أي المجاوِزون ما حُدّ لهم وأُمروا به، وقوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ} [البقرة: 173] أي غير مجاوِز لما يُبلِّغُهُ ويغُنيه من الضرورة، وأصل هذا كلّه مجاوزة القدر والحقّ، يقال: تعديت الحقّ واعتديته، وعَدَونه أي جاوزته، وقد قالت العرب اعتدى فلان عن الحقّ، واعتدى فوق الحق، كأن معناه: جاز عن الحقّ إلى الظلم، ويقال: عدا فلان طَوْره إذا جاوز قَدْره، وعدا بنو فلان على بني فلان أي ظلموهم وقولهم: عدا عليه فضربه بسيفه لا يراد به عَدْو على الرجلين، ولكن من الظلم.
ومن حروف الاستثناء قولهم: ما رأيت أحدًا ما عدا زيدًا، كقولك، ما خلا زيدًا.
وتنصب زيدًا في هذين.
فإذا أخرجت (ما) خفضت ونصبْت فقلت: ما رأيت أحدًا عدا زيدًا.
وعدا زيد، وخلا زيدًا، وخلا زيدٍ، النصب بمعنى إلَّا، والخفض بمعنى سوى.
وتقول: ما يعدو فلان أمرك، أي ما يجاوزه.
وقال الله جلّ وعزّ: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى} [الأنفَال: 42] قال الفراء: العدوة: شاطىء الوادي، الدنيا ممّا يلي المدينة، والقُصْوى ممّا يلي مكّة.
وقال الزجّاج: العدوة: شَفِير الوادي.
وكذلك عدا الوادي مقصور.
وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت قال: عِدوة الوادي وعُدْوته جانبه، والجميع عِدًى وعُدًى، قال: والعِدَى: لأعداء يقال هؤلاء قوم عِدَى يكتب بالياء؛ وإن كان أصله الواو لمكان الكسرة في أوله وعدى مثله.
وقال غيره: العُدى الأعداء، والعِدى الذين لا قرابة بينك وبينهم والقول الأول.
والعدى ألفه مقصور يكتب بالياء وقال:
إذا كنت في قوم عِدًى لست منهم *** فكل ما علفت من خبيث وطيب
وقال ابن السكيت زعم أبو عمرو أن العِدَى الحجارة والصخور.
وأنشد قول كثير:
وحال السَفى بيني وبينك والعِدى *** ورَهْنُ السفى غَمر النقيبة ماجد
أراد بالسَفَى: تراب القبر: وبالعِدَى: ما يُطْبقُ على اللحد من الصفائح.
وقال بدر بن عامر الهذليّ فمدّ العِدَى: ما يُطْبقُ على اللحد من الصفائح.
وقال بدر بن عامر الهذليّ فمدّ العِدَاء، وهي الحجارة والصخور:
أو استمرّ لمسكن أثوِي به *** بقرار ملحدة العداء شَطُون
وقال أبو عمرو: العِدَاء ممدودة: ما عاديت على الميت حين تدفنه من لبِن أو حجارة أو خشب أو ما أشبهه.
والواحد عِدَاءة.
وقال أيضًا: العِدَاء: حجر رقيق، يقال لكل حجر يوضع على شيء يستره فهو عداء.
قال أسامة الهذلي:
تالله ما حُبّي عليا بشَوَى *** قد ظعن الحيّ وأمسى قد ثوى
* مغادَرا تحْت العداء والثرى*
معناه: ما حبّي عليًا بخطأ.
وأعداء الوادي وأعناؤه: جوانبه.
وقال الليث: العُدْوة: صلابة من شاطىء الوادي.
ويقال: عِدوة: قال: والعُدَواء: أرض يابسة صُلبة.
وربما جاءت في البئر إذا حُفرت، وربما كانت حجرًا حتى يحيد عنها الحافر، وقال العجّاج:
* وإن أصاب عُدَوَاء حروفا*
يصف الثور.
قلت: وهذا من قولهم: أرض ذات عُدَواء إذا لم تكن مستقيمة وطيئة، وكانت متعادية.
شمر عن ابن الأعرابي: العُدَواء: المكان الغليظ الخشن.
وقال غيره: العدواء: البعد، وأمَّا قوله:
* منه على عدواء الدار تستقيم*
قال الأصمعي عُدَواؤه: صَرْفه واختلافه.
وقال المؤرّج: عُدَواء على غير قصد.
وإذا نام الإنسان على موضع غير مستوٍ، فيه انخفاض وارتفاع قال: نمت على عُدَواء.
قال شمر: وقال محارب: العُدَوَاء: عادة الشغل.
وقال النضر: العدواء من الأرض المكان المشرف، يَبْرك عليه البعير فيضطجع عليه، وإلى جنبه مكان مطمئنّ فيميل فيه البعير فيتوهنّ، فالمشرف العُدَواء، وتوهّنه أنه يمدّ جسمه إلى المكان الوطىء فتبقى قوائمه على المشرف فلا يستطيع أن يقوم حتى يموت فتوهُّنُه اضطجاعه.
وقال أبو زيد: طالت عدواؤهم أي تباعدهم وتفرقهم.
وقال أبو عمرو: العُدَواء: المكان الذي بعضه مرتفع وبعضه متطأطىء: وهو المتعادِي.
قال: والعُدَواء: إناخة قليلة.
وقال الأصمعي: جئتك على فرس ذي
عُدَواء غَيْرَ مُجْرَى إذا لم يكن ذا طمأنينة وسهولة.
وقال أبو عمر: عُدَواء الشّوْق: ما يَرَّح بصاحبه، ويقال: آديتك وأعْديتك من العَدْوى وهي المَعُونة.
والمتعدي من الأفعال: ما يجاوز صاحبه إلى غيره.
ويقال: تعدّ ما أنت فيه إلى غيره أي تجاوزه، وعُدْ عما أنت فيه أي اصرِف هَمّك وقولك إلى غيره، وعدَّيت عني الهمّ أي نحّيته، وتقول لمن قصدك: عدّ عني إلى غيري أي اصرف مركبك إلى غيري.
والعَدَاوة اسم عام من العدوّ يقال عدو بَيِّنُ العداوة وهو عدوّ وهما عدوّ وهنّ عدوّ هذا إذا جعلته في مذهب الاسم والمصدر، فإذا جعلته نعتًا محضًا قلت: قلت هو عدوّك، وهي عدوّتك وهم أعداءك وهن عَدُوَّاتُكَ.
قال ابن الأنباري: قولهم: هو عدوّه معناه: يعدو عليه بالمكروه ويظلمه.
ويقال فلانة عدوّ فلان وعدوّته.
فمن قال: عدوّءه قال: هو خبر للمؤنث، فعلامة التأنيث لازمة، ومن قال: فلانة عدوّ فلان قال ذكَّرت عدوًّا لأنه بمنزلة قولك: امرأة ظلوم وصبور وغضوب.
والأعادي جمع الأعداء.
ويقال: عَدَا الفرس يعدو عَدْوًا إذا أَحضر.
وأعديته أنا إذا حملته على الحُضْر.
ويقال للخيل المغيرة: عادية.
قال الله جلّ وعزّ: {وَالْعادِياتِ ضَبْحًا} [العَاديَات: 1] قال ابن عباس: هي الخيل، وقال عليّ: هي الإبل ههنا.
وقال الأصمعي: يقال للشديد العَدْو: إنه لعَدَوان.
وفرس عَدَوان: كثير العَدو.
وذئب عَدَوان: يعدو على الناس.
وأنشد:
تذكُرُ إذا أنتَ شديدُ القَفْز *** عند القُصَيْرى عَدَوانُ الجَمْز
* وأنت تعدو بخَروف مُبْزى*
يخاطب ذئبًا كان اختطف حروفًا له فقتله وقال ابن شميل: رددت عني عادية فلان أي حِدّته وغضبه.
وقال الليث: العادية، الشُغل من أشغال الدهر يعدوك عن أمورك، أي يَشغلك وجمعها عوادٍ.
وقد عداني عنك أمْرٌ فهو يعدوني أي صرفني؛ والعَدَاء: الشغل.
وقال زهير:
* وعادَك أن تلاقيها العَدَاءُ*
قالوا: معناه: عداك فقلبه.
وقالوا: معنى قوله: عادك: عادلك وعاودك: ويقال: استعدى فلان السلطان على ظالمه أي استعان به، فأعداه عليه أي أعانه عليه.
والعَدْوى اسم من هذا ويقال استأداه بالهمز فآداه أي فأعانه وقوّاه.
وبعض أهل اللغة يجعل الأصل في هذا الهمزَة ويجعل العين بدلًا منها.
ويقال كُفّ عنا عاديتك أي ظُلْمك وشرّك.
وهذا مصدر جاء على فاعلة كالراغية والثاغية.
يقال: سمعت راغبة البعير، وثاغية الشاء أي رُغَاء البعير وثُغَاء الشاء.
وكذلك عادية الرجُل: عَدْوه عليك بالمكروه.
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا عَدْوى ولا هامة ولا صَفَر».
والعَدْوى أن يكون ببعير جَرَب أو بإنسان جُذَام أو بَرَص فتتّقي مخالطته أو مؤاكلته حِذار أن يعدوه ما به إليك أي يجاوزه فيصيبك مثلُ ما أصابه.
ويقال إن الجرب ليُعدى أي يجاوز ذا الجربِ إلى من قاربه حتى يَجْرَب.
وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن النُقْبة تبدو بمشفر البعير فتُعدى الإبل كلها.
فقال عليه الصلاة والسلام للذي خاطبه: فما أعدى الأوّل، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم مع إنكاره العدوى أن يُورِدَ مُصِحٌّ على مُجْرب مثلا يصيب الصحاحَ الجربُ، فيحقّق صاحبُها العَدْوى.
والعَدْوى اسم من أعدى يعدي فهو مُعْدٍ.
ومعنى أعدى أي أجاز الجرب الذي به إلى غيره.
أو أجاز جربًا بغيره إليه.
وأصل هذا من عدا يعدو إذا جاوز الحدّ.
ويقال: عادى الفارس بين صيدين وبين رَجُلين إذا طعنهما طعنتين متواليتين.
والعِدَاء والمعاداة: الموالاة.
يقال: عادى بين عشرة من الصيد أي والى بينها رميًا وقتلًا.
وروى شمر عن محارب أنه قال: العَدَاء والعِدَاء لُغتان.
وهو الطَّلَقَ الواحد للفرس.
وأنشد:
* يصرع الخَمْس عِدَاء في طَلْقْ*
قال: فمن فتح العين قال: جاز هذا إلى ذاك، ومن كسر العداء فمعناه أنه يعادي الصيد من العَدْو، وهو الحُضْر حتى يلحقه.
وقال الليث: العَدَاء: طَوَارُ الشيء، تقول: لزمت عَدَاء النهر، وعَدَاء الطريق والجبل أي طَوَاره.
ويقال: الأكحل عرقٌ عَدَاء السَّاعدِ.
وقد يقال عِدْوة في معنى العَدَاء.
وعِدْوٌ في معناه بغير هاء.
والتعداء: التفعال من كل ما مرّ جائز.
وعَدْوان: حيّ من قيس ساكني الدال.
ومعديكرب اسمان جُعلا اسمًا واحدًا فأُعطيا إعرابًا واحدًا، وهو الفتح.
والنسبة إلى عدِيّ الرُّباب عَدَوَيّ.
وكذلك إلى بني عَدِيّ في قريش رهط عمر بن الخطاب.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال للخُلَّة من النبات: العُدوة فإذا رعتها الإبل فهي إبل عُدْوِيَّة وعَدَوِيّة وإبل عوادٍ، وقال ابن السكيت: إبل عادِيَة ترعى الخُلّة، ولا ترعى الحَمْض، وإبل آركة وأَوَارك مقيمة في الحمض.
وأنشد لكثير:
وإن الذي ينوي من المال أهلُها *** أوَارك لما تأتلفْ وعوادي
وروى الربيع عن الشافعي في باب السَلَم ألبان إبل عوادٍ وأوَارك.
والفرق بينهما ما ذكرت.
وقال الليث: العَدَويَّة من نبات الصيف بعد ذهاب الربيع: أن يخضرّ صغار الشجر فترعاه الإبل.
تقول: أصابت الإبلُ عَدَويَّة.
قلت: العَدَويّة: الإبل التي ترعى العُدْوة وهي الخُلّة.
ولم يضبط الليث تفسير العدوية فجعله نباتًا وهو غلط.
ثم خلّط فقال: والعَدَويّة أيضًا: سِخال الغنم، يقال: هي بنات أربعين يومًا فإذا جُزّت عنها عقيقتها ذهب عنها هذا الاسم، قلت، وهذا غلط بل تصحيف منكر،
والصواب في ذلك الغَدَوية بالغين المعجمة أو الغَذَوية بالذال.
والغِذَاء صغار الغنم واحدها غذِيّ.
وهي كلها مفسّرة في معتل الغين.
ومن قال: العَدَوية سخال الغنم فقد أبطل وصحّف.
ويقال: فلان يعادي بني فلان من العداوة.
قال الله جلّ وعزّ: {عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} [المُمتَحنَة: 7] وقال المازني: عدا الماءُ يعدو إذا جرى.
وأنشد:
وما شعرتُ أن ظهرت ابتلَّا *** حتى رأيت الماء يعدو شَلَّا
ويقال تعادى القوم عليّ بنصرهم أي توالَوا أو تتابعوا.
وقال الخليل في جماعة العدوّ: عُدًى.
قال وكان حدّ الواحد عَدُو بسكون الواو ففخموا آخره بواو فقالوا: عدوّ، لأنهم لم يجدوا في كلام العرب اسمًا في آخره واو ساكنة.
قال: ومن العرب من يقول قوم عدًى.
وقال الكوفيون إنما هو مثل قضاة وغزاة وعداة فحذفوا الهاء، فصارت عُدى، وهو جمع عادٍ.
ويقال رأيت عَدِيَ القوم مقبلًا أي مَن حَمَل من الرّجالة.
وقال أبو عبيدة: العَدِيَ: جماعة القوم بلغة هذيل، وقال مالك بن خالد الخناعي:
لما رأيت عَدِيّ القوم يسلُبُهم *** طَلْحُ الشواجن والطَّرفاءُ والسلّم
وقال شمر: قال ابن الأعرابي في قول الأخطل:
* وإن كان حيانًا عِدى آخر الدهر*
قال العِدَى: التباعد، قوم عِدًى إذا كانوا متباعدين لا أرحام بينهم ولا حِلْف.
وقوم عُدى إذا كانوا حربًا.
وقال في قول الكميت:
يرمي بعينيه عَدْوة الأمد الأبعد *** هل في مطافه رِيَب
قال: عدوة الأمد: مدّ بصره ينظر هل يرى ريبة تريبه.
أبو حاتم عن الأصمعي: يقول هؤلاء قوم عِدَى مقصور يكون للأعداء والغرباء، ولا يقال: قوم عُدى إلا أن تُدْخل الهاء فتقول عُدَاة في وزن قضاة.
قال: وربما جمعوا أعداء على أعاديّ.
وقال ابن شميل: العُدْوة.
سَنَد الوادي، وقال أبو خيرة: العُدوة: المكان المرتفع شيئًا على ما هو منه.
أبو عبيد عن أصحابه: تقادع القومُ تقادُعًا، وتعادَوا تعاديًا، وهو أن يموت بعضهم في إثر بعض، وأنشد قول عمرو بن أحمر:
فما لِك من أروى تعاديتِ بالعمى *** ولاقيت كلَّابا مُطِلًا وراميا
وقال العكلي: يقال: عادِ رجلك عن الأرض أي جافِها.
وروي عن حذيفة أنه خرج وقد طَمّ شعره فقال: إن كان شعرة لا يصيبها الماء جنابة، فمن ثم عاديت رأسي كما ترون.
قال شمر معناه أنه طمّه واستأصله ليصل الماء إلى أصول الشعر.
وقال غيره: عاديت رأسي أي جفوت شعره ولم أدهُنه.
وقال آخرون عاديت رأسي أي عاودته بوُضوء وغسل.
والمعاداة: الموالاة والمتابعة.
وروى أبو عدنان عن أبي عبيدة: عاديت شعري أي رفعته عند الغسل وعاديت الوسادة أي ثنيتها، وعاديت الشيء: باعدته، وتعاديت عنه أي تجافيت.
ومكان متعادٍ: بعضه مرتفع، وبعضه متطامن.
وفي «النوادر» فلان ما يعاديني ولا يوادبني قال لا يعاديني أي لا يجافيني ولا يواديني أي: لا يواتيني.
وقال ابن شميل تعادت الإبل جمعاءُ أي موّتت، وقد تعادت بالقَرْحة.
ويقال: عاديت القِدْر، وذلك إذا طامنت إحدى الأنافي ورفعت الأخريين لتُميل القِدْر على النار.
وقال الأصمعيّ: عداني منه شرّ أي بلغني، وعداني فلان من شرّه بشرّ يعدُوني عَدْوًا، وفلان قد أعدى الناس بشر أي ألزق بهم منه شرًا، وقد جلست إليه فأعداني شرًا أي أصابني بشره.
وروي عن علي رضياللهعنه أنه قال لبعض أصحابه وقد تخلّف عنه يوم الجمل: ما عدا مما بدا.
قال أبو عُمَر: قال أحمد بن يحيى معناه: ما ظهر منك من التخلّف بعدما ظهر منك من التقدم في الطاعة.
قال أبو العباس: ويقال فلان فعل ذلك الأمر عَدْوًا بَدْوًا أي ظاهرًا جهارًا.
وقال غيره: معنى قوله: ما عدا مما بدا أي ما عداك مما كان بدا لنا من نصرك أي ما شغلك، وأنشد:
عداني أزورك أنّ بَهْمي *** عَجَايا كلُّها إلّا قليلا
وقال أبو حاتم قال الأصمعي في قول العامة: ما عدا من بدا هذا خطأ والصواب: أما عدا من بدأ على الاستفهام.
يقول: ألم يتعدّ الحق من بدأ بالظلم، ولو أراد الإخبار قال: قد عدا من بدأ بالظلم أي قد اعتدى، وإنما عدا من بدأ.
وقال شمر: قال ابن شميل يقال: الزم عَدَاء الطريق وهو أن تأخذه لا تظلمه.
ويقال: خذ عَدَاء الجبل أي خذ في سَنَده تدور فيه حتى تعلوه، وإن استقام فيه أيضًا فقد أخذ عَدَاءَهُ.
وعداء الخندق وعداء الوادي بطنه.
وقال ابن بزرج: يقال: الزم عَدْوَ أعداءِ الطريق، وألزم أعداء الطريق أي وَضَحُه.
وقال رجل من العرب لآخر: ألبنًا نسقيك أم ماء؟ فأجاب: أيّهما كان ولا عداء معناه: لا بدّ من أحدهما، ولا يكوننّ ثالث.
أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الأعداء: حجارة المقابر قال: والادعاء آلام النار.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
259-تهذيب اللغة (ودع)
ودع: في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا لم يُنكر الناس المنكر فقد تُوُدّع منهم وقوله فقد تُودِّع منهم أي أُهمِلوا وتُركوا ما يرتكبون من المعاصي ولم يُهدَوا لرشدهم، حتى يستجبوا العقوبة، فيعاقبَهم الله، وأصله من التوديع وهو الترك.ومنه قوله جلّ وعزّ: {ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى} [الضحى: 3] أي لم يقطع الله عنك الوحي ولا أبغضك.
وذلك أنه استأخر الوحيُ عنه صلى الله عليه وسلم أيّامًا، فقال ناس من الناس: إن محمدًا ودّعه ربه وقلاه فأنزل الله جلّ وعزّ: {ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى} المعنى: وما قلاك.
وقرأ عروة بن الزبير هذا الحرف {ما وَدَعَك ربك} بالتخفيف، وسائر القراء قرءوه وَدَّعَكَ بالتشديد.
والمعنى فيهما واحد أي ما تركك.
وأخبرني المنذري عن أبي أحمد الجمادي عن ابن أخي الأصمعي أن عمّه أنشده لأنَس بن زُنَيم الليثي:
ليت شعري عن أميري ما الذي *** غاله في الحبّ حتى ودعَهْ
لا يكن برقك برقًا خُلّبًا *** إن خير البرق ما الغيثُ معه
الحراني عن ابن السكيت قال: ويقال: ذَرْ ذا، وَدَع ذا.
ولا يقال: وَدَعته ولكن تركته.
وقال الليث: العرب لا تقول: وَدَعته فأنا وادع في معنى تركته فأنا تارك، ولكن يقولون في الغابر: يدع وفي الأمر دَعْه وفي النهي: لا تدَعْه
وأنشد:
وكان ما قدَّموا لأنفسهم *** أكثر نفعًا من الذي وَدَعوا
يعني تركوا.
أنشد ابن السكيت قول مالك بن نُويرة وذكر ناقته:
قاظت أُثَال إلى الملا وتربّعت *** بالحَزْن عازبة تُسنّ وتودَع
قال: تودَع أي تودَّع، وتسنّ أي تصقل بالرعي يقال: سنَّ إبله إذا أحسن القيام عليها وصقلها.
وكذلك إذا صقل فرسه إذا أراد أن يبلغ من ضُمره ما يبلغ الصيقل من السيف وهذا مثل.
وقال الليث: الوَدْع: جمع وَدْعة وهي مناقف صغار تخرج من البحر تزيّن بها العثاكيل، وهي بيض في بطنها مَشَقٌ كَشَقِّ النواة، وهي جُوف في جوفها دُوَيْبَّة كالحَلَمة.
قال: والوَدِيع.
الرجل الهادىء الساكن ذو التُّدَعة.
ويقال: ذو وَدَاعة.
قال: والدَّعَة: الخَفْض في العيش والراحة.
ورجل متَّدع: صاحب دَعَة.
ويقال: نال فلان المكارم وادِعًا أي من غير أن تكلف فيها مشقّة.
ويقال ودُع يَوْدُع دَعة، واتَّدع تُدْعة وتُدَعة فهو متَّدِع.
والتوديع: أن يُوَدِّعَ ثوبًا في صِوان لا يصل إليه غبار ولا ريح.
والمِيدع ثوب يجعل وقاية لغيره.
ويُنْعت به الثوب المبتذَل، فيقال: ثوبٌ مِيدع.
ويضاف فيقال: ثوبُ ميدعٍ والوَدَاع: توديع
الناس بعضِهم بعضًا في السير.
وقال ابن بزرج: فرس ويدع ومُوَدَّعٌ وَمَوْدوع.
وقال ذو الإصبع العَدْواني:
أقصُر من قيده وأُودعه *** حتى إذا السَرْب ريع أو فزعا
قال وقالوا: ودُع الرجلُ من الوديع.
قال وودَعت الثوب بالثوب وأنا أدَعه مخفّف.
وقال أبو زيد المِيدع كل ثوب جعلته مِيدعًا لثوب جديد، تودِّعه به أي تصونه به.
ويقال مِيداعة وجمع الميدع موادع.
وقال اللحياني: ميدع المرأة مِيدَعتها: التي تودّع به ثيابها.
وقول عَدِيّ:
كَلّا يمينا بذات الوَدْع لو حلفت *** فيكم وقابل قبرُ الماجد الزارا
قال ابن الكلبي: يريد بذات الوَدْع: سفينة نوح يحلف بها.
وقال أبو نصر: ذات الوَدْع: مكّة؛ لأنه كان يعلّق عليها في سِتْرها الوَدْع.
قال: ويقال أراد بذات الوَدْع الأوثان.
وتوديع المسافر أهله إذا أراد سفرًا: تخليفُه إياهم خافضين وادعين، وهم يودّعونه إذا سافر تفاؤلًا بالدعة التي يصير إليها إذا قَفَلَ ويقال وَدَعته بالتخفيف فودَع وأنشد ابن الأعرابي:
وسِرْتُ المطيَّة مودعةً *** تُضَحِّي رويدًا وتُمسي زُزَيفا
وهو من قولهم فرس وديع ومودِع ومُودَع.
وقال الأصمعي: المِيدَع: الثوب الذي تبتذله، وتودِّع به ثياب الحقوق ليوم الحَفْل.
قال: وإنما يُتخذ المِيدع ليودع به المَصُون.
ويقال للثوب الذي يُبتذل: مِبذَل ومِيدع، ومِعْوز ومِفْضَل.
وقال الشاعر:
أقدّمه قدام وجهي واتّقي *** به الشرّ إن الصوف للخزّ مِيدع
وقال شمر: التوديع يكون للحيّ وللميت.
وأنشد بيت لَبيد:
فودِّع بالسلام أبا حُرَيْز *** وقلّ وداعُ أربدَ بالسلام
قلت أنا: والتوديع وإن كان الأصل فيه تخليفَ المسافر أهله وذويه وادعين فإن العرب تضعه موضع التحية والسلام، لأنه إذا خلَّف أهله دعا لهم بالسلامة والبقاء، ودعَوا له بمثل ذلك؛ ألا ترى لبيدًا قال في أخيه وقد مات: فودع بالسلام أبا حُريز.
أراد الدعاء له بالسلام بعد موته، وقد رثاه لبيد بهذا الشعر وودّعه توديع الحيّ إذا سافر.
وجائز أن يكون التوديع تركه إياه في الخَفْض والدعة.
وفي حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لينتهينّ أقوام عن وَدْعهم الجمعات أو ليُختمنّ على قلوبهم ثم ليكتُبنّ من الغافلين».
قال شمر: معنى وَدْعهم الجمعات: تركهم إيَّاها، من وَدَعته وَدْعًا إذا تركته.
قال: وزعمت النحوية أن العرب أماتوا مصدر يدع ويذر، واعتمدوا على الترك.
قال شمر: والنبي أفصح العرب وقد رُويت عنه هذه الكلمة.
ورَوَى شمر عن محارب: ودّعت فلانًا من وَداع
السلام.
وقول القطاميّ:
قفي قبل التفرق يا ضُبَاعا *** ولايك موقف منك الوداعا
أراد: ولا يكفي منك موقف الوداع، ولكن ليكن موقفَ غبطة وإقامة؛ لأن موقف الوداع يكون للفراق، ويكون منغصًا بما يتلوه من تباريح الشوق.
وودَّعت فلانًا أي هجرته.
قال: والداعة من خفض العيش، والدَّعَة من وقار الرجُل الوديع، ودُع يُوَدُع دَعَة ووداعة.
وأنشد شمر قول عُبَيد الراعي:
ثناء تَشرق الأحساب منه *** به نتودّع الحسب المصونا
أي: نقيه ونصونه.
عمرو عن أبيه: الوَدِيع: المقبرة، ويقال وَدَع الرجلُ يَدَع إذا صار إلى الدعة والسكون ومنه قول سُوَيد بن كُراع:
أرَّق العينَ خيال لم يَدَعْ *** لسليمى ففؤادي منتزَع
أي: لم يبق ولم يقرّ.
وأخبرني المنذريّ عن أحمد بن يحيى أنه أنشده قول الفرزدق:
وَعَضَّ زمان يا ابن مروان لم يَدَع *** من المال إلا مُسْحَتٌ أو مجلَّف
وقال في قوله: لم يدَع: لم يتقارّ ولم يتّدع.
وقال الزجاج: معنى لم يدع من المال أي لم يستقر وأنشده سلمة عن الفراء: لم يدع من المال إلّا مسحتًا أو مجلف أي لم يترك من المال إلا شيئًا مستأصلًا هالكًا أو مجلّف كذلك.
ونحو ذلك رواه الكسائي وفسّره.
فقال: وهو كقولك: ضربت زيدًا وعمرو تريد: وعمرو مضروب كذلك، فلمّا لم يظهر الفعل رفع.
وقال شمر: أنشدني أبو عدنان:
في الكفّ مني مَجلات أربعُ *** مبتذلات ما لهن ميدعُ
قال: «ما لهن ميدع» أي ما لهن من يكفيهن العمل، فيدعهنّ أي يصونهنّ عن العمل.
أبو عبيد عن الكسائي: أودعت فلانًا مالًا إذا دفعته إليه يكون وديعة عنده.
وأودعته: قبلت وديعته جاء به في باب الأضداد.
وقال أبو حاتم: لا أَعرف أَودعته؛ قبِلت وديعته، وأنكره شمر، إلا أَنه حكى عن بعضهم: استودعني فلان بعيرًا فأبيت أن أودَعَهُ أي أقبله.
قلت: قال ابن شميل في كتاب «المنطق».
قلت: والكسائيّ لا يحكي عن العرب شيئًا إلّا وقد ضبطه وحفظه.
ويقال: أودعت الرجل مالًا واستودعته مالًا.
وأنشد:
يا ابن أبي ويا بُنَيَّ أُمِّيَهْ *** أودعتك الله الذي هُو حسبيه
وأنشد ابن الأعرابي:
حتى إذا ضرب القسوسُ عصاهُم *** ودنا من المتنسكين ركوع
أودعتنا أشياء واستودعتنا *** أشياء ليس يُضعيعهِن مضيع
وأنشد أيضًا:
إن سرّك الرِّيُّ قُبيل الناس *** فودِّع الغَرْب بِوَهْم شاس
ودّع الغرب أي اجعله وديعة لهذا الجمل أي أَلزِمه الغَرْب.
وأما قول الله جلّ وعزّ: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} [الأنعَام: 98] فإن ابن كثير وأبا عمرو قرءا {فَمُسْتَقِرُ} بكسر القاف.
وقرأ الكوفيون ونافع وابن عامر بالفتح، وكلهم قرءوا مُسْتَوْدَعٌ بفتح الدال.
وقال الفراء: معناه: {فَمُسْتَقَرٌّ} في الرحم، {وَمُسْتَوْدَعٌ} في صُلْب الأب.
ورُوي ذلك عن ابن مسعود ومجاهد والضحاك.
وقال الزجاج: من قرأ {فَمُسْتَقَرٌّ} فمعناه: فلكم في الأرحام مستقر ولكن في الأصلاب مستودع.
ومن قر.
{فَمُسْتَقِرُ} بالكسر فمعناه.
فمنكم مستقِرَّ في الأحياء، ومنكم مستودَعٌ في الثَرَى.
وقال ابن مسعود في قوله: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها} [هود: 6] أي مستقرها في الأرحام، ومستودعها في الأرض.
وروي عن ابن مسعود أنه قال: إذا كان أجل الرجل بأرض أُتِّيت له إليها الحاجة، فإذا بلغ أقصى أثره قُبض، فتقول الأرض يوم القيامة: هذا ما استودعتني وقال قتادة في قوله جلّ وعزّ: {وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} [الأحزَاب: 48] يقول: اصبر على أذاهم.
وقال مجاهد: {وَدَعْ أَذاهُمْ} أي أعرِض عنهم.
وقوله: به نتودَّع الحسب المصونا أي نقرُّه على صونه وادعًا.
وقال اللحياني: كلام مِيدع إذا كان يحزن، وذلك إذا كان الكلام يحتشم منه ولا يستحن وقال الليث: وَدْعان موضع، وأنشد:
* ببَيْض وَدْعان بَسَاطٌ سِيُّ*
قال: وإذا أمرت رجلًا بالسكينة والوقار قلت: تودَّعْ واتَّدعْ، وعليك بالمودوع، من غير أن يجعل له فعلًا ولا فاعلًا؛ مثل المعسور والميسور.
وقال غيره: تودَّع فلان فلانًا إذا ابتذله في حاجته، وتودَّع ثياب ضَونه إذا ابتذلها، وناقة مودَّعة: لا تُركب ولا تحلب الليث: الأودع من أسماء اليربوع ويقال: توادع الفريقان إذا أعطى كلّ واحد منهما الآخرين عهدًا ألا يغزوهم.
واسم ذلك العهد الوَدِيع، ومنه الحديث الذي جاء: «لكم يا بني نهد ودائع الشرك ووضائع المال».
ويقال: وادعت العدو إذا هاونته موادعة؛ وهي الهُدْنة والموادعة.
وقيل في قول ابن مفرّغ:
* دعيني من اللوم بعض الدعهْ *
أي: اتركيني بعض الترك.
وقال ابن هانىء: من أمثالهم في المَزْرِية على الذين يتصنّع في الأمر ولا يُعْتمد منه على ثقة: دعني من هند فلا جديدَها ودعت، ولا خَلقَها رَقَعت.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
260-تهذيب اللغة (يدع)
يدع: قال الليث: الأَيدع: صِبغ أحمر، وهو خشب البَقَّم، وهو على تقدير أفعل.يقول: يَدَّعته وأنا أُيدِّعه تيديعًا.
قال: والأودع من أسماء اليربوع.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: العَنْدَمُ: دم الأخوين.
ويقال: هو الأيدع أيضًا، ويقال: البقّم، وقال الهذلي:
* بهما من النضج المجدّع أيدع *
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: أَوْذَمْتُ يمينًا، وأيدعتها أي أوجبتها.
شمر عن ابن الأعرابي: أيدع الرجلُ إذا أوجب على نفسه حجًّا.
وأنشد لجرير:
ورب الراقصات إلى الثنايا *** بشُعْت أيدعوا حَجّا تماما
قال أيدعوا أوجبوا على أنفسهم، وأنشد شمر لكثيّر:
كأن حُمُول القوم حين تحمّلوا *** صرِيمة نخل أو صريمة أَيْدع
وقال ابن قيس:
والله لا يأتي بخيرٍ صديقَها *** بنو جُنْدُع ما اهتز في البحر أيدع
قلت: هذا البيت يدلّ على أن الأيدع هو البقّم؛ لأنه يُحْمَل في السفن من بلاد الهند.
أبو العباس عن ابن الأعرابي: دُع دُع إذا أمرته بالنعيق بغنمه.
وغيره يقول: دَعْ دَعْ بالفتح وهما لغتان.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
261-تهذيب اللغة (عرا)
عرا: قال الله جلّ وعزّ: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ} [هُود: 54] قال الفراء: كانوا كذّبوه ـ يعني هودًا ـ ثم جعلوه مختلِطًا، وادَّعَوا أن آلهتهم هي التي خَبَّلته لعيبه إيّاها.فهنالك قال: {إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [هود: 54].
وقال الزجاج في قوله {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ} [هود: 54] أي ما نقول إلا مَسَّك بعض أصنامنا بجنون لسبّك إياها.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه سمعه يقول: إذا أتيت رجلًا تطلب منه حاجة قلت: عروْته وعررْته، واعتريته واعتررته.
وقال الليث: عراه أمر يعروه عَرْوًا إذا غشِيه وأصابه.
يقال: عراه البرد وعرته الحُمَّى وهي تعروه إذا جاءته بنافض، وأخذته الحمى بعُرَوائِها، وعُرِي الرجل فهو مَعْرُوّ، واعتراه الهم، عام في كلّ شيء.
أبو عبيد عن الأصمعي: إذا أخذت المحمومَ قِرَّةٌ ووجد مسّ الحمى، فتلك العُرَواء وقد عُرِي فهو مَعْرُوّ.
قال: وإن كانت نافضًا قيل: نفضته فهو منفوض، وإن عَرِق منها فهي الرُحَضاء.
وقال ابن شميل: العُرَواء: قلٌّ يأخذ الإنسان من الحُمّى، ورِعدة.
وأخذته الحمَّى بنافض أي برعدة وبرد.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خفّفوا في الْخَرص؛ فإن في المال العرِيّة والوصيَّة».
وفي حديث آخر أنه رخَّص في العرايا.
قال أبو عبيد: العرايا واحدتها عريّة.
وهي النخلة يُعْريها صاحبها رجلًا محتاجًا، والإعراء: أن يجعل له ثمرة عامِها.
قال: وقال الأصمعي: استعرى الناسُ في كل وجه إذا أكلوا الرُطَب، أخذه من العرايا.
وقال ابن الأعرابي: قال بعض العرب: منا من يُعْرِي.
قال: وهو أن يشتري الرجُلُ النخل ثم يستثني نخلة أو نخلتين.
وقال الشافعي: العرايا ثلاثة أصناف: واحدتها أن يجيء الرجل إلى صاحب الحائط، فيقول له: بعني من حائطك ثمر نَخَلات بأعيانها بخرْصِها من التَمْر، فيبيعه إياها ويقبض التَمْر ويُسلِّم إليه النَخَلات يأكلها ويبيعها ويُتَمِّرها، ويفعل بها ما يشاء.
قال: وجِمَاع العرايا: كل ما أُفرد ليؤكل خاصّة، ولم يكن في جملة البيع من ثمر الحائط إذا بيعت جملتها من واحد.
والصنف الثاني أن يحضر ربَّ الحائط القومُ فيعطى الرجلَ ثمر النخلة أو النخلتين وأكثر عرِيّة يأْكُلها.
وهذه في معنى المِنْحة.
قال وللمُعْرَى أن يبيع ثمرها، ويُتَمِّره، ويصنع فيه ما يصنع في ماله؛ لأنه قد ملكه.
والصنف الثالث من العرايا أن يعرى الرجل الرَّجُلَ النخلة وأكثر من حائطه ليأكل ثمرها ويهديه ويتَمِّره ويفعل فيه ما أحبّ ويبيع ما بقي من ثمر حائطه منه فتكون هذه مفردة من المبيع منه جملة.
وقال غيره العرايا أن يقول الغني للفقير: ثمر هذه النخلة أو النَخَلات لك، وأصلها لي.
وأما تفسير قوله عَليه السّلامْ: أنه رخّص في العرايا فإن الترخيص فيها كان بعد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المزابنة، وهي بيع الثمر في رؤوس النخل بالتَّمْرِ، ورخَّص من جملة المزابنة في العرايا فيما دون خمسة أوسق وذلك الرجلُ يفضُل من قوت سنته التمرُ، فيدرك الرُطبُ ولا نَقْد بيده يشتري به الرُطَب، ولا نخل له يأكل من رُطَبه، فيجيء إلى صاحب الحائط فيقول له: بعني ثمر نخلة أو نخلتين أو ثلاث بِخِرْصها من التمر، فيعطيه التَّمْر بثمر تلك النَخَلات؛ ليصيب من رُطَبها مع الناس، فرخّص النبي صلى الله عليه وسلم من جملة ما حرم من المزابنة فيما دون خمسة أوسق، وهو أقلّ ممّا تجب فيه الزكاة، فهذا معنى ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم في العرايا، لأن بيع الرُطَب بالتَمْر محرّم في الأصل، فأخرج هذا المقدار من الجملة المحرَّمة لحاجة الناس إليه.
قلت: ويجوز أن تكون العِرْية مأخوذة من عَرِي يَعْرى، كَأنها عُرِّيت من جملة التحريم فعَرِيت أي خلت وخرجت منها فهي عرِيَّة: فعلية بمعنى فاعلة، وهي بمنزلة المستثناة من الجملة، وجمعها العرايا.
وروى أبو عبيد عن الأصمعي: استعرى الناسُ في كل وجه إذا أكلوا الرُطَب، وأعرى فلان فلانًا ثمر نخلة إذا أعطاه إيَّاها، يأكل رُطَبها وليس في هذا بيع، إنما هذا معروف وفضل، والله أعلم.
وَرَوَى شمر عن صالح بن أحمد عن أبيه قال: العرايا: أن يُعري الرجل من نخلِهِ ذا قرابته أو جاره ما لا يجب فيه الصدقة، أي يهبها له، فأرخص للمُعْرِي في بيع ثمر نخلة في رأسها بخِرصها من التمر.
قال والعَرِيَّة مستثناة من جملة ما نُهي عن بيعه من المزابنة.
وقيل: يبيعها الْمُعَرى ممن أعراه إياها.
وقيل له أن يبيعها من غيره.
وقال شمر: يقال لكل شيء أهملته وخليته: قد عرّيته.
وأنشد: إيجعُ ظهري وأَلَوِّي أبهري
ليس الصحيح ظهره كالأدبر *** ولا المعرَّى حِقبة كالموقَر
فالمعرَّى: الجمل الذي يرسَل سُدًى ولا يحمل عليه.
ومنه قول لبيد:
فكلفتها ما عُرّيت وتأبَّدت *** وكانت تسامي بالعَزيب الجمائلا
قال: عُرّيت: ألقى عنها الرحل، وتركت من الحمل عليها، وأُرسلت ترعى، يصف ناقة.
وقال أبو عدنان: قال الباهلي: العرِيّة من النخل: الفاردة التي لا تُمسك حَملها، يتناثر عنها.
قال وأنشدني لنفسه:
فلما بدت تُكْنَى تُضيع مودتي *** وتخلِط بي قومًا لئامًا جدودُها
رددتُ على تكنى بقيَّة وصلِها *** ذميمًا فأمست وهي رَثّ جديدها
كما اعتكرت للّاقطين عرِيَّة *** من النخل يوطى كلّ يوم جريدُها
قال: اعتكارها كثرة حَتّها، فلا تأتي أصلها دابة إلا وجد تحتها لُقَاطًا من حملها ولا يأنى خوافيها إلا وجد سِقَاطًا من أيّ ما شاء ويقال: عرِي فلان من ثوبه يَعْرَى عُرْيًا فهو عار، وعُرْيان.
ويقال هو عِرْو من هذا الأمر، كما يقال: هو خِلْو منه وعَرْوَى اسم جبل، وكذلك عَرْوان.
سلمة عن الفراء قال: العريان من النبت: الذي قد عرِي عُرْيًا إذا استبان لك.
قال أبوبكر: الأعراء الذين لا يُهمهم ما يُهِمُّ أصحابهم.
ثعلب عن ابن الأعرابي: العرا: الفناء مقصور يكتب بالألف؛ لأن أنثاه عَرْوة.
وقال غيره: العَرَى: الساحة والفناء؛ سمّي عَرًى لأنه عرِي من الأبنية والخيام.
ويقال: نزل بعراه وعَروتِه أي نزل بساحته.
وكذلك نزل بحراه.
وأما العراء ممدود فهو ما اتّسع من فضاء الأرض.
قال الله جلّ وعزّ: {فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصَّافات: 145].
وقال أبو عبيدة: إنما قيل له عَرَاء لأنه لا شجر فيه ولا شيء يغطيه.
وقيل: إن العَراء وجه الأرض الخالي وأنشد:
ورفعتُ رجلًا لا أخاف عِثَارها *** ونبذت بالبلد العَراءَ ثيابي
وقال الزجاج: العَرَاء على وجهين: مقصور وممدود.
فالمقصور الناحية، والممدود المكان الخالي.
وقال أبو زيد: العُرَواء عند اصفرار الشمس إلى الليل إذا اشتدّ البرد، واشتدّت معه ريحه باردة وشَمَال عرِيّة باردة.
وقد أعرينا إعراء إذا بلغنا بَرْد العِشيّ: قال: والعرب تقول: أهلَك فقد أعريت.
ويقال: عُرِيت إلى مال لي أشدَّ العُرَواء إذا بعته ثم تبعته نفسُك.
وعُرِي هواه إلى كذا أي حنّ إليه.
وقال أبو وجزة:
يُعْرَى هواك إلى أسماء واحتظرت *** بالنأي والبخل فيما كان قد سلفا
وقال أبو زيد: أعرى القوم صاحبهم إعراء إذا تركوه في مكانه وذهبوا عنه.
وقال الليث: عَرِي الرجل عِروة شديدة وعِرْية شديدة، وعُرْيا فهو عُرْيان، والمرأة عريانة.
ورجل عارٍ وامرأة عارية.
والعُرْيان من الخيل: الفرس الطويل القوائم المقلِّص.
والعريان من الرمل نَقيًا ليس عليه شجر.
وفي حديث أنس أن أهل المدينة فزعوا ليلًا فركب النبي صلى الله عليه وسلم فرسًا لأبي طلحة عُرْيًا.
قلت: والعرب تقول: فرس عُرْى، وخيل أعراء.
ولا يقال رجل عُرْى.
وقد اعرورى الفارسُ فرسَه إذا ركبه عريًا وكذلك اعرورى البعيرَ ومنه قوله:
واعرورت العُلُط العُرْضِيَّ تركضه *** أُمُّ الفوارس بالدِئِداء والرَبَعهْ
أبو الهيثم: دابّة عُرْي وخيل أعراء، ورجل عارٍ وامرأة عارية إذا عريا من أثوابه، ورجل عار إذا خلقت ثيابه.
وقال:
أتيتك عاريًا خلقًا ثيابي *** على عجل تظن بي الظنون
وروي عن زائدة البكريّ أنه قال: نحن نُعاري أي نركب الخيل أعراء، وذاك أخف في الحرب وأعريت المكان إذا تركت حضوره.
وقال ذو الرمة:
* ومنهلٍ أعرى جَبَاه الحُضَّر*
وقال الليث أعراء الأرض: ما ظهر من متونها وظهورها.
وأنشد:
* وبلدٍ عارية أعراؤه*
قال والعراء كل شيء أعريته مِن سُتْرته تقول استره من العراء.
وتقول: ما تعرّى فلان من هذا الأمر أي ما تخلص.
قال والنخلة العرِيَّة: التي إذا عَرضت النخل على بيع ثمرها عُرِّيت منها نخلة أي عزلتها من المساومة.
والجميع العرايا.
قال: والفعل منه الإعراء، وهو أن يجعل ثمرتها لمحتاجٍ عامها ذلك، أو لغير محتاج.
ومعاري المرأة: ما لا بدّ لها من إظهاره، واحدها مَعْرًى.
ابن الأعرابي: يقال: نزل بَعْروته وعَقْوته أي بِفنائه.
وقوله جلّ وعزّ: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها} [البَقَرَة: 256].
قال أبو إسحاق: معناه: فقد عقد لنفسه من الدين عقدًا وثيقًا لا تحلّه حُجَّة.
أبو عبيد عن الأصمعي: العروة من الشجر الذي لا يزال باقيًا في الأرض لا يذهب وجمعها عُرى ومنه قول مهلهل:
خلع الملوك وسار تحت لوائه *** شجر العرى وعَراعِرُ الأقوام
ونحو ذلك قال أبو عبيدة وأبو عمرو في العروة.
قلت والعروة من دِقّ الشجر: ما له أصل باق في الأرض؛ مثل العَرْفَج والنَصِيّ وأجناس الخُلَّة والحَمْض، فإذا أمحل الناس عصمت العروةُ الماشية فتبلّغت بها، ضربها الله مثلًا لما يُعتصم به من الدين في قوله (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى).
وأنشد ابن السكيت:
ما كان جُرِّب عند مَدّ حبالكم *** ضعف يخاف ولا انفصام في العرى
قال قوله: انفصام في العرى أي ضعف فيما يعصم الناس.
وقال الأخفش: العروة الوثقى شُبِّه بالعروة التي يتمسك بها.
وقال الليث: العروة عروة الدلو وعروة الكوز ونحوه.
وفي «النوادر»: أَرض عُرْوة وذِروة وعِصمة إذا كانت خصيبة خصبًا يبقى.
وقال ابن السكيت في قولهم: أنا النذير العريان: هو رجل من خثعم حَمَل عليه يوم الخَلَصة عوف بن عامر بن أبي عويف بن مالك بن ذبيان بن ثعلبة بن عمرو بن يشكر، فقطع يده ويد امرأته، وكانت من بني عُتْوارة ابن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة.
وروى أبو أسامة عن بُريد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما مثلى ومثلكم كمثل رجل أنذر قومه جيشًا فقال: أنا النذير العريان، أنذِركم جيشًا».
وقال الليث: جارية حسنة المُعَرَّى أي حسنة عند تجريدها من ثيابها، والجميع المعاري.
وقال ومعاري رؤس العظام حيث يعرى العظم عن اللحم.
وقال الأصمعي المعاري: الوجوه والأطراف والترائب.
وقال:
فإن يك ساق من أمية قلَّصت *** لقيس بحرب لا تُجنّ المعاريا
أي: شمر تشميرًا لا يستر معاريه.
والمحاسر مثل المعاري من المرأة.
وفلاة عارية المحاسر إذا لم يكن فيها كِنّ من شجرها.
ومحاسرها متونها التي تنحسر عن النبات.
وقال غيره: العُرْوة: النفيس من المال مثل الفرس الكريم ونحوه.
ويقال لطوق القلادة: عروة.
ويقال: فلان عُرْيان النجِيّ إذا كان يناجي امرأته، ويشاورها ويُصْدر عن رأيها.
ومنه قوله:
أصاخ لعريان النجيّ وإنه *** لأزور عن بعض المقالة جانبه
أي: استمع إلى امرأته وأهانني.
وعُرا المرجان: قلائد المرجان، وعرا المزادة: آذانها.
والعُرَا سادات الناس الذين يعتِصم بهم الضعفى، ويعيشون بعُرْفهم، شبِّهوا بعُرا الشجر العاصمة الماشية في الجدب.
شمر عن ابن شميل العَرَاء: ما استوى من ظهر الأرض وجَهَر.
والعراء الجهراء مؤنثة غير معروفة.
والعراء مذكر مصروف، وهما الأرض المستوية المُصْحِرة ليس بها شجر، ولا جبال ولا آكام ولا رمال وهما فضاء الأرض.
والجماعة الأعراء.
يقال وطئنا أعراء الأرض والأعرية.
وقال أبو زيد: أتتنا أعراؤهم أي
أفخاذهم.
وقال الأصمعي.
الأعراء: الذين ينزلون في القبائل من غيرهم، واحدهم عُرْى.
قال الجعدي:
وأمهلت أهل الدار حتى تظاهروا *** عليّ وقال العُرْيُ منهم فأهجرَا
وقال أبو عمرو: العَرَى البَرْد.
وعَرِيت ليلتنا عَرًى.
وقال ابن مقبل:
وكأنما اصطبحت قريح سحابة *** بعَرًى تنازعه الرياح زلال
قال: العرى: مكان بارد.
وقال ابن شميل العرى مثل العَقْوة، ما بعرانا أحد أي ما بعقوتنا أحد.
عمرو عن أبيه أعْرى إذا حُمَّ العُرْوَاء قال: ويقال حم عُرَواء وحم بعرواء وحم العَرَوَاء.
وقول الشاعر ـ وهو الجعدي ـ:
وأزجر الكاشح العدوّ إذا اغتا *** بك زجرًا مني على أَضَم
زجر أبي عروة السباع إذا *** أشفقن أن يلتبسن بالغنم
قال خلف: كان أبو عروة يزجر الذئب فيقع ميتًا من زجره، ويصيح بالسبع فيموت مكانه، ويشقّون عنه فيجدون فؤاده قد خرج من غشائه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
262-تهذيب اللغة (عير عور)
عير ـ عور: أبو العباس عن ابن الأعرابي: العَيْر: الفرس النشيط.قال: والعرب تمدح بالعيَّار وتَذمّ به.
يقال: فلان عَيَّار: نشيط في المعاصي، وغلام عَيَّار: نشيط في طاعة الله تعالى وفرس عَيَّار وعيَّال: نشيط.
ويقال عار
الرجلُ يعير عَيَرانًا، وهو تردده في ذهابه ومجيئه.
ومنه قيل: كلب عيَّار وعائر.
وهذا من ذوَات الياء.
وأما العاريّة والإعارة والاستعارة فإن العرب تقول فيهما: هم يتعاورون العواريّ ويتعوَّرونها بالواو، كأنهم أرادوا تفرقة بين ما يتردّد من ذات نفسه وبين ما يُردَّد.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: العارية منسوبة إلى العارة، وهي اسم من الإعارة.
يقال: أعرته الشيء أُعيره إعارة وعارة، كما قالوا: أطعته إطاعة وطاعة، وأجبته إجابة وجابة.
وهذا كثير في ذوات الثلاث؛ منها العارة، والدارة، والطاقة، وما أشبهها.
ويقال: استعرت منه عارِيّة فأعارنيها.
وقال الليث: سمِّيت العارية عاريّة لأنها عارٌ على من طلبها: قال: والعار: كل شيء تلزم به سُبّة أو عيب.
والفعل منه التعيير.
قال ومن قال هذا قال: هم يتعيّرون من جيرانهم الماعون والأمتعة.
قلت: وكلام العرب يتعوَّرون بالواو والمعاورة والتعاور: شبه المداولة والتداول في الشيء يكون بين اثنين.
ومنه قول ذي الرمة:
وَسِقط كعين الديك عاوَرت صاحبي *** أباها وَهيَّأنا لموقعها وَكْرا
يعني الزند وَما يسقط من نارها وَأنشد ابن المظفر:
* إذا رَد المعاوِر ما استعارا*
وَيقال: تعاوَر القوم فلانًا، واعتوروه ضربًا إذا تعاونوا عليه.
فكلما أمسك واحد ضَرب وَاحد، وَالتعاور عام في كل شيء.
وَتَعاوَرت الرياحُ رسم الدار حتى عَفَته أي تواظبت عليه.
قال ذلك الليث.
قلت: وَهذا غلط.
ومعنى تعاوَرت الرياح رسم الدار: تداوَلته، فمرة تَهُبّ جَنُوبًا، وَمرة تهبّ شمالًا، وَمرة قَبُولًا، وَمرة دَبُورًا.
وَمنه قول الأعشى:
دِمْنة تَفْرة تعاوَرَها الصي *** ف بريحين من صَبَا وَشَمالِ
وَقال أبو زيد: تعاوَرنا العواريّ تعاوُرًا إذا أعار بعضكم بعضًا، وتعوَّرنا تعوُّرًا إذا كنت أنت المستعير، وَتَعاوَرنا فلانًا ضربًا إذا ضربته مرة، ثم صاحبُك، ثم الآخر أيضًا.
وقال ابن الأعرابي: التعاور والاعتوار: أن يكون هذا مكان هذا وهذا مكان هذا يقال اعتوراه وابتدَّاه، هذا مرة وهذا مرة، ولا يقال: ابتدّ زيد عمرًا، ولا اعتور زيد عمرًا.
ويقال للحمار الأهلي والوحشي: عَيْر، ويجمع أعيارًا.
وقد يقال: المَعْيُوراء ممدودة؛ قال ذلك الأصمعي؛ مثل المعلوجاء، والمشيوخاء، والمأتوناء، يمدّ ذلك كله ويُقصر.
ومن أمثالهم إن ذهب عَيْر فعَيْر في الرباط.
ومن أمثالهم أيضًا فلان أذلّ من العَيْر، فبعضهم يجعله الحمار الأهلي، وبعضهم يجعله الوتِد.
وقال أبو عبيد: من أمثالهم في الرضا بالحاضر ونسيان الغائب قولهم: إن ذهب
عير فعير في الرباط قال: ولأهل الشام في هذا مثل: عَيْر بعَيْر، وزيادهَ عشرة.
وكان خلفاء بني أمية كلَّما مات واحد زاد الذي يخلُفه في عطائهم عشرة، فكانوا يقولون هذا عند ذلك.
وأخبرني المنذري عن أبي طالب أنه قال في قول العرب: أتيته قبل عَيْر وما جرى، قال: العير المثال الذي في الْحَدقة يسمى اللُّعبة.
قال: والذي جرى الطَرْف، وجَرْيه حركته.
والمعنى: قبل أن يطرِف الإنسان.
وقال الشماخ:
وتعدو القِبصَّى قبل عَيْر وما جرى *** ولم تدر ما بالي ولم تدر بالها
قال والقِبِصّى والقمصى: ضرب من العَدْو فيه نَزْو.
ويقال: فلان ظاهر الأعيار أي ظاهر العيوب وقال الراعي:
ونبتَّ شرَّبني نُمَير منصِبا *** دَنِس المروءة ظاهر الأعيار
قال: كأنه مما يعيّر به.
وقال أحمد بن يحيى: أخبرني أبو نصر عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: مات من يحسن تفسير بيت الحارث بن حِلّزة:
زعموا أن كل من ضرب العَيْ *** ر مُوَال لنا وأنّا الوَلاء
قال أبو عمرو: العَيْر: هو الناتىء في بؤبؤ العين.
ومعناه أن كل من انتبه من نومه حتى يدور عَيْره جنى جناية فهو مولًى لنا، يقولونه ظلمًا وتجنّيًا.
قال: ومنه قوله أتيتك قبل عَيْر وما جرى، أي قبل أن ينتبه نائم.
وقال أحمد بن يحيى في قوله: وما جرى: أرادوا جريه، أرادوا المصدر.
وقيل في قول ابن حِلّزة: إن العير جَبَل بالحجاز.
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حرّم ما بين عَيْر إلى ثَوْر، وهما جبلان.
وقيل: العَيْر وادٍ في قوله:
* وواد كجوف العَيْر قفرٍ هبطته*
وقول كجوف العَيْر أي كوادي العير، وكلّ واد عند العرب جَوْف.
وقال الليث: العَيْر: اسم موضع كان مخصِبًا، فغيَّره الدهر فأقفر، فكانت العرب تُضرب به المَثَل في البلد الموحش.
وقيل: العَيْر الطبل والعير: العظم الناتىء وسط الكتف.
قال ابن السكيت.
قال: والعَيْر: عَيْر النصل، وهو الناتىء في وسطه وعَيْر القَدَم: الناتىء في ظهرها.
وعَيْر الورقة: الناتىء في وسطها.
قال: والعِيرُ: الإبل التي تحمل المِيرة.
وروى أبو سلمة عن الفراء أنه أنشده قول ابن حلزة: زعموا أن كل من ضرب العير موال لنا بكسر العين قال: والعِير: الإبل، موال لنا أي العرب كلهم موال لنا من أسفل، لأنا أسرنا فيهم فلنا نعم عليهم.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال في قول الله جلّ وعزّ: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} [يُوسُف: 94] إنها كانت حُمُرًا.
قال: وقول من قال: العير الإبل خاصّة باطل، كل ما امتِير عليه من الإبل والحمير والبغال فهي عِير.
قال: وأنشدنا نُصَير لأبي عمرو السعدني في صفة حَمِير سمّاها عِيرًا، فقال:
أهكذا لا ثَلَّة ولا لبنْ *** ولا يذكين إذا الذين اطمأن
مُفَلطحات الرَوْث يأكن الدِمن *** لا بدّ أن يخترن مني بين أن
يُسَقَن عيرا أو يُبَعن بالثمن
قال وقال نصير: الإبل لا تكون عِيرا حتى يُمتار عليها.
وقال المنذري: أخبرني أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العِير من الإبل: ما كان عليه حِمْله أو لم يكن.
قال: والعَيْر جمع عائر، وهو النشيط وهو مدح وذمّ.
قال: وفرس عَيَّار إذا عار، وفرس عَيَّار إذا نشِط، فركِب جانبًا ثم عدل إلى جانب آخر من نشاطه.
وأنشد أبو عبيد:
ولقد رأيتَ فوارسًا من رهطنا *** غَنَظوك غَنْظ جرادة العيار
قيل: أراد بجرادة العيّار جرادة وضعها في فيه فأفلتت من فيه.
وقيل: جرادة العيار اسم فرس والعيار اسم رجل، قال ذلك ابن الأعرابي.
أبو عُبيد عن الكسائي والأصمعي وأبي زيد: عايرت المكاييل وعاورتها كقولهم: عيّرتها.
وقال أبو الجراح مثله.
ذكر ذلك في باب ما خالفت العامة فيه لغة العرب.
وقال الليث: العِيَار: ما عايرْت به المكاييل؛ فالعِيار صحيح تامّ وافٍ.
تقول: عايرت به أي سوّيته وهو العِيَار والمعيار.
قال: وعيَّرت الدينار وهو أن تلقي دينارًا دينارًا فتوازن به دينارًا دينارًا.
وكذلك عيّرت تعييرًا إذا وزنت واحدًا واحدًا.
يقال هذا في الكيل والوزن.
قلت: وفرق الليث بين عايرت وعيّرت فجعلت عايرت في المكيال وعيّرت في الميزان.
والصواب ما رويناه لأبي عبيد عن أصحابه في عايرت وعيّرت فلا يكون عيّرت إلّا من العار والتعيير.
وأنشد أبو العباس أحمد بن يحيى قول الشاعر:
وجدنا في كتاب بني تميم *** أحقُّ الخيل بالركض المعَار
فقال اختلف الناس في المُعَار.
فقال بعضهم: هو المنتوف الذنب وقال قوم: المعار السمين وقال قوم المعار: المُضَمَّر المُقَدَّح.
وقال ابن الأعرابي وحده: هو من العارية.
وأنشد غيره:
* أعيروا خيلكم ثم اركبوها*
وقال معنى أعيروها أي ضمّروها بترديدها من عار يعير إذا ذهب وجاء.
وقيل للمضمَر: مُعار لأن طريقة متنه نتأت، فصار لها عَيْر ناتىء.
وأنشد الباهلي قول الراجز:
وإن أعارت حافرًا معارا *** وَأْبًا حمت نسورَه الأوقارا
وقال: معنى أعارت: رفعت وحوَّلت.
قال: ومنه إعارة الثياب والأدوات.
قال: واستعار فلان سهمًا من كنانته أي رفعه.
وحوّله منها إلى يده.
وأنشد قوله:
هثّافة تخفض من نذيرها *** وَفي اليد اليمنى لمستعيرِها
* شهباء تُروِي الريشَ من بصيرها*
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
263-تهذيب اللغة (روع ريع)
روع ـ ريع: الرَّوْع: الفرع.يقال: راعني هذا الأمر يروعني، وارتعْت منه، وروَّعته
فتروَّع.
وقال الليث: وكذلك كل شيء يَروعك منه جمال وكثرة، تقول: راعني فهو رائع.
وفرس رائع.
والأرْوع من الرجال: من له جسم وجَهَارة وفضل وسؤدد.
وهو بيِّن الرَّوَع.
قال والقياس في اشتقاق الفعل منه روع يَرْوَع رَوَعًا.
قال ورُوع القلب: ذهنه وخَلَده.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن رُوح القدس نفث في رُوعي وقال: إن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقَها، فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب».
قال أبو عبيد: معناه كقولك: في خَلَدي وفي نفْسي ونحو ذلك.
ومن أمثال العرب: أَفرخَ رَوْعُك أي انكشف فزعك، هكذا رُوي لنا عن أبي عبيد: أفرخ رَوْعك، وفسّره لنا: ليذهبْ رُعبك وفزعك؛ فإن الأمر ليس على ما تحاذِر قال: وهذا المثل لمعاوية، كتب به إلى زياد.
وذلك أنه كان على البصرة، والمغيرة بن شُعبة على الكوفة فتوفِّي بها، فخاف زياد أن يولِّي معاويةُ عبدَ الله بن عامر مكانه، فكتب إلى معاوية يخبره بوفاة المغيرة، ويشير عليه بتولية الضحاك بن قيس مكانه ففطن له معاوية وكتب إليه: قد فهمت كتابك، فأمَرِخ رَرْعَك أبا المغيرة، قد ضممنا إليك الكوفة مع البصرة.
قلت: وكلّ من لقيتُه من اللغويين يقول: أفرخ رَوعُه بفتح الراء من روعه، إلا ما أخبرني به المنذري عن أبي الهيثم أنه كان يقول: إنما هو أفرخ رُوعه بضم الراء.
قال ومعناه: خرج الرَّوْع من قلبه قال وأفرِخْ رُوعَك أي اسكُن وامْن.
فالرُوع موضع الرَّوْع وهو القلب.
وأنشد قول ذي الرمة:
* جذلان قد أفرخت عن رُوعِه الكُرَب*
قال: ويقال: أفرخت البيضة إذا خرج الولد منها.
قال: والرَّوْع الفزع، والفزع لا يخرج من الفزع، إنما يخرج من الموضع الذي يكون فيه، وهو الرُّوع.
قال والرَّوع في الروع كالفرخ في البيضة.
يقال أفرخت البيضة إذا انفلقَت عن الفرخ فخرج منها.
قال: وأفرخ فؤاد الرجل إذا خرج رَوْعه منه.
قال وقلبه ذو الرمة على المعرفة بالمعنى فقال:
* جذلان قد أفرخت عن رُوعه الكرب*
قلت: والذي قاله أبو الهيثم بيّن، غير أني أستوحِش منه؛ لانفراده بقوله.
وقد يَستدرك الخلف على السلف أشياء ربما زلّوا فيها، فلا ينكَر إصابة أبي الهيثم فيما ذهب إليه، وقد كان له حظّ من العلم موفور رَحِمه اللهُ.
وفي الحديث المرفوع «إن في كل أمة محدَّثين ومروَّعين، فإن يكن في هذه الأمة منهم أحد فهو عمر».
والمروع الذي ألقي في رُوعه الصواب والصدق، وكذلك المحدَّث؛ كأنه حُدِّث بالحق الغائب فنطق به.
ويقال ما راعني إلّا مجيئك، معناه: ما شعَرت إلّا بمجيئك، كأنه قال: ما أصاب رُوعي إلّا ذلك.
وقالوا: راعه أمر كذا أي بلغ الرَّوْع منه رُوعه.
قال ابن الأنباري: راعني كذا وأنا مَروع أي وقع في رُوعي، وهو النفْس.
والرَّوْع.
الخوف.
ويقال: سقاني فلان شربةً راع بها فؤادي أي بَرَد بها غُلَّة رُوعي بها ومن قول الشاعر:
سقتني شربةً راعت فؤادي *** سقاها الله من حوض الرسول
وقيل: الرائع من الجَمَال: الذي يُعجب رُوع من رآه فيسرّه.
ونحو ذلك قال يعقوب ابن السكيت.
وفي «النوادر»: راع في يدي كذا وكذا، وراق مثله، أي فاد.
ورِيع فلان يُراع إذا فزع.
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب فرسًا لأبي طلحة عُرْيًا ليلًا لفزع ناب أهل المدينة فلما رجع قال: لن تراعوا، لن تراعوا، إني وجدته بحرًا، معناه: لا فزع ولا رَوْع فاسكُتوا واهدءوا.
ثعلب عن ابن الأعرابي: الرَّوْعة: المَسْحة من الجمال.
والرَدْقة الجمال الرائق.
والوَعْرة: البُقعة المخيفة.
ويقال ناقة رُواعة الفؤاد إذا كانت شهمة ذكيّة.
ويقال فرس رُوَاع بغير هاء.
وقال ذو الرمة:
رفعت له رحلي على ظهر عِرْمس *** رُواع الفؤاد حرَّة الوجه عيطل
أبو زيد ارتاع للخير وارتاح للخير.
شمر روّع فلان خبزه بالسمن وروّغه إذا روّاه.
أبو عبيد: أراعت الحنطة إذا زكت وأرْبَتْ تُربي بمعناها، وبعضهم يقول راعت، وهو قليل.
قال: وقال الأموي: أراعت الإبلُ إذا كثر أولادها.
وناقة مِرْياع؛ وهي التي يعاد عليها السفر.
الحراني عن ابن السكيت قال: الرَيْع: الزيادة يقال طعام كثير الرَّيع.
والرِّيع: المكان المرتفع.
قال الله جلّ وعزّ: {أَتَبْنُونَ بِكُلِ رِيعٍ آيَةً} [الشُّعَرَاء: 128] قال وقال عُمارة: الرِيع: الجبل.
وقال أبو يوسف: الرَّيع مصدر راع عليه القيء يَريعُ إذا عاد إلى جوفه.
ورُوي عن الحسن البصري أنه سئل عن الصائم يَذْرعه القيءُ هل يفطر؟ فقال: إن راع منه إلى جوفه شيء فقد أفطر.
قال أبو عبيد: معناه: إن عاد.
وكذلك كلّ شيء رجع إليك فقد راع يريع.
وقال طرفة:
تَرِيع إلى صوت المُهيب وتتّقي *** بذي خُصَل روعاتِ أكلف مُلْبِد
وقال أبو إسحاق في قول الله جلّ وعزّ: (أَتَبْنُونَ بِكُلِ رِيعٍ آيَةً) قال: يقال رِيع ورَيْع، ومعناهما الموضع من الأرض المرتفعُ.
ومن ذلك كم رَيْع أرضك أي كم ارتفاع أرضك قال: وجاء في التفسير بكل رِيع: كل فج.
قال: والفج الطريق المنفرج في
الجبال خاصّة.
وقال الفراء: الرِيع والرَيع لغتان مثل الرِير والرَير.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الرِيع: مَسِيل الوادي من كل مكان مشرف.
وجمعه أرياع وريوع.
قال: وأنشد للراعي يصف إبلًا:
لها سَلَف يعوز بكل رِيع *** حَمَى الحوزات واشتهر الإفالا
قال: السلف: الفحل.
حمى الحوزات أي حمى حَوْزاته ألّا يدنو منهن فحل سواه.
واشتهر الإفال: جاء بها تشبهه.
وقال الليث: الرَيْع: فضل كل شيء على أصله؛ نحو رَيْع الدقيق، وهو فضله على كَيل البُرّ، وريع البَذْر: فضل ما يخرج من النُزْل على أصل البَذْر.
ورَيْع الدرع فضول كُمَتِها على أطراف الأنامل.
قال: ورَيْعان كل شيء أفضله وأوله، ورَيْعان المطر أوّله.
قال والرِّيع: السبيل سُلِك أو لم يسلك.
شمر عن أبي عمرو والأصمعيّ وابن الأعرابي: راع يَرِيع وراه يريه أي رجع.
وراع القيء عليه وراه عليه أي رجع.
وتَريَّع السرابُ وتريَّه إذا ذهب وجاء.
وتريَّعت الإهالةُ في الإناء إذا ترقرقت، وتريَّعت يده بالجود إذا فاضت.
وناقة لها رَيْع إذا جاءت بسير بعد سير، كقولهم: بئر ذات غَيِّث.
شمر قال ابن شميل: تريَّع السمنُ على الخبزة وتريَّغ وهو خُلوف بعضه بأعقاب بعض.
وتريَّعْتُ وتورعْت يعني: تلبَّثْت، وتوقّفت.
وأنا متريِّع عن هذا الأمر، ومُثْنَوْنٍ، ومنتقِض، أي منتشر.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
264-تهذيب اللغة (على)
على: عَلَى لها مَعَان، والقُراء كلهم يفخّمونها؛ لأنها حرف أداة.وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال في قول الله تعالى: {ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ} [الأعرَاف: 63] جاء في التفسير: مع رجل منكم؛ كما تقول: جاءني الخير على وجهك ومع وجهك.
وقال ابن السكيت: يقال رميت عن القوس ورميت عليها، ولا تقل: رميت بها.
وأنشد:
* أرمي عليها وهي فَرْع أجمعُ*
وقال ابن شميل: يقولون إذا كان له مال: عليه مال ولا يقولون له مال ويقولون: عليه دين، ورأيته على أوفاز كأنه يريد النهوض.
ويجيء على بمعنى {عَن} قال الله جلّ وعزّ: {إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطفّفِين: 2] معناه: إذا اكتالوا عنهم.
وتجيء على بمعنى عنه.
قال مُزاحم العُقَيليّ:
غدت من عليه بعد ما تمّ ظمِؤها *** تَصِلّ وعن قيض بزبزا مَجْهَل
قال الأصمعي: معناه: غدت من عِنده.
قال ابن كيسان: عليك ودونك وعندك إذا جُعلن أخبارًا رَفعن الأسماء، كقولك عليك ثوب، وعندك مال، ودونك خير.
ويُجعلن إغراء فيُجرين مجرى الفعل فينصبن الأسماء.
يقول: عليك زيدًا، ودونك عمرًا، وعندك بكرًا أي الزمه وخذه، وأما الصفات سواهن فيَرفعن إذا جُعلن أخبارًا ولا يُغرى بهن.
قال الزجاج في قولهم: عليهم وإليهم: الأصل علاهم وإلاهم؛ كما تقول: إلى زيد وعلى زيد، إلَّا أن الألف غُيِّرت مع المضمر، فأبدلت ياء ليُفصل بين الألف التي في آخر المتمكنة، وبين الألف في غير المتمكنة التي الإضافة لازمة لها؛ ألا ترى أن إلى وعلى ولدى لا تنفرد عن الإضافة.
وقالت العرب: في كِلَا في حال النصب والجرّ: رأيت كليهما وكليكما، ومررت بكليهما، ففصلت بين الإضافة إلى المظهر والمضمر، لما كانت كِلَا تنفرد ولا تكون كلامًا إلّا بالإضافة.
الحراني عن ابن السكيت: يقال: أتيته من عَلُ بضم اللام، وأتيته من عَلُو بضم اللام وسكون الواو، وأتيته من عَلِي بياء ساكنة، وأتيته من عَلْو بسكون اللام وضمّ الواو، وَمن عَلْوَ وَمَن عَلْوِ وَأنشد: من عَلْوَ لا عَجَب منها ولا سَخَر وَيروى من عَلْوُ وَمن عَلْوِ.
قال وَيقال: أتيته من عالٍ وَمن مُعَالٍ.
وَأنشد:
* ظمأى النَسَا من تحتُ، ريّا من عالْ *
وَأنشد في معال: وَنَغَضان الرحل من مُعالِ
وَقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ: {عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ} [الإنسَان: 21] قرىء {عالِيَهُمْ} بفتح الياء و {عاليهم} بسكونها.
قال الفراء: من فتح (عالِيَهُمْ) جعلها كالصفة: فوقهم.
قال: وَالعرب تقول: قوتك داخل الدار فينصبون داخل لأنه محلّ، فعاليهم من ذلك.
وقال الزجاج: لا يُعرف {عالَى} في الظروف.
قال: ولعلّ الفراء سمع بعالي في الظروف.
قال: ولو كان ظرفًا لم يجز إسكان الياء، ولكن نصبه على الحال من شيئين: أحدهما من الهاء والميم في قوله: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} [الإنسان: 19] ثم قال {عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ} أي في حال علوّ الثياب إياهم.
قال: ويجوز أن يكون حالًا من الولدان.
قال: فالنصب في هذا بيّن.
قال ومن قرأ {عاليهم} فرفْعه بالابتداء والخبر {ثِيابُ سُندُسٍ}.
قال وقد قرىء (عاليتَهم) بالنصب، و (عاليتُهم) بالرفع، والقراءة بهما لا تجوز، لخلافهما المصحف.
وقرىء (عليهم ثياب سندس) وتفسير نصب (عاليتهم) ورفعِها كتفسير (عالِيَهُمْ) و (عاليهم).
وقال ابن السكيت: سِفْل الدار وعِلْوها وسُفْلها وعُلْوها.
ويقال: علا فلان الجبل إذا رَقِيه، يعلوه عُلُوًْا، وعلا فلان فلانًا إذا قهره، وعلا فلان في الأرض إذا تكبّر وطغى.
ويقال: فلان تعلو عنه العين بمعنى تنبو عنه، وإذا نبا الشيءُ عن الشيء ولم يلصَق به فقد علا عنه.
وقال الليث: عالى كل شيء أعلاه.
وكذلك عاليه كل شيء أعلاه ويقال نزل فلان بعالية الوادي وَسافلته.
فعاليته: حيث ينحدر الماء منه، وَسافلته، حيث ينصبّ إليه، وَعالية تميم هم بنو عمرو بن تميم، وهم بنو الهُجَيم والعنبر ومازِن.
وعُليا مضرهم قريش وقيس.
قال و (على) صفة من الصفات وَللعرب فيها لغتان: كنت على السطح، وكنت أعلى السطح.
وقال الليث: الله تبارك وتَعالى هو العلي المتعالي العالي الأعلى ذو العلاء والعُلَا وَالمَعَالي، تعالى عما يقول الظالمون عُلُوًّا كبيرًا.
وهو الأعلى سبحانه بمعنى العالي قال: وتفسير تعالى: جلّ عن كل ثناء، فهو أعظم وأجلّ وأعلى مما يُثنَى عليه، لا إله إلَّا الله وَحده لا شريك له.
قلت: وتفسير هذه الصفات لله يقرب بعضها من بعض، فالعليّ الشريف فعلى من علا يعلو، وهو بمعنى العالي، وهو الذي ليس فوقه شيء.
ويقال: هو الذي علا
الخلق فقهرهم بقدرته.
وأمّا المتعالي فهو الذي جَلّ عن إفك المفترين، وتنزّه عن وساوس المتحيّرين.
وقد يكون المتعالي بمعنى العالي.
والأعلى هو الله الذي هو أعلى من كل عالٍ.
واسمه الأعلى أي صفته أعلى الصفات.
والعلاء الشرف.
وذو العلاء صاحب الصفات العُلَا والعُلَا جمع العُلْيا أي جمع الصفة العليا والكلمة العليا.
ويكون العُلَا جمع الاسم الأعلى.
وصفة الله العليا: شهادة أن لا إله إلّا الله فهذه أعلى الصفات ولا يوصف بها غير الله وحده لا شريك له.
ولم يزل الله عليًّا عاليًا متعاليًا، تعالى الله عن إلحاد الملحدين وهو العلي العظيم.
ويقال رجل عليّ أي شريف، وجمعه عِلْية يقال: فلان من عِلْية الناس أي من أشرافهم ومثله صَبِيّ وصِبْية.
وفلان عالي الكعب إذا كان ثابت الشرف، وعالي الذكر.
وقال الليث: العَلْياء، رأس كل جبل مشرِف.
قال: والعالية: القَنَاة المستقيمة، وجمعها العوالي.
قال ويسمّى أعلى القناة العالية وأسفلها السافلة.
قلت: وقال غير الليث: عوالي الرماح: أسِنّتها، واحدتها عالية.
ومنه قول الخنساء حين خطبها دُرَيد بن الصِّمَّة: أتَرونني تاركة بني عمّي كأنهم عوالي الرماح، وَمُرْتَثَّةً شيخ بني جُشَم.
شبَّههتم بعوالي الرماح لطراءة شبابهم، وبريق سَحَناتهم، وحسن وجوههم.
وعالية الحجاز: أعلاها بلدًا وأشرفها موضعًا.
وهي بلاد واسعة.
وإذا نسبوا إليها قيل: عُلْوِيّ، والأنثى عُلْوِية.
ويقال: عالي الرجلُ وغيره إذا أتى عالية الحجاز.
وقال بشر بن أبي خازم:
مُعَالِيةً لا هَمّ إلّا محجَّر *** وحَرَّة ليلى السهلُ منها فلُوبها
وحَرَّة ليلى وحرَّة شَوران وحَرَّة بني سُلَيم في عالية الحجاز.
وقال الليث: المَعْلاة: مكسب الشرف وجمعها المعالي.
قال والعُلِّيّة: الغرفة على بناءَ حُرِّية.
قال: وهي في التعريف فُعُّولة.
وقال شمر: قال الأصمعي: العِلِّيّ: الغرف، واحدتها عِلِّيّة.
وقال العجّاج:
* وبِيعة لسورها عِلّيّ *
وقال أبو حاتم: العَلَاليّ من البيوت، واحدتها عِلّيّة قال ووزن عِلّيّة فِعيلة، العين شديدة.
قلت: وعِلِّيّة أكثر في كلامهم من عُلِّيَّة.
وقال الليث: عِلِّيّين: جماعة عِلّيّ في السماء السابعة، إليه يُصعَد بأرواح المؤمنين.
وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ: {كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ} [المطفّفِين: 18، 19].
يقول القائل كيف جمعت علّيّون بالنون وهذا من جمع الرجال؟ قال: والعرب إذا جمعت جمعًا لا يذهبون فيه إلى أن له بناء من واحد واثنين قالوا في المذكر والمؤنث بالنون من ذلك عِلّيّون.
وهو شيء فوق شيء غير معروف واحدُه ولا اثناه.
قال: وسمعت العرب تقول: أطعمنا مَرَقة مَرَقِينَ، تريد اللُحمان إذا طُبخت بماء
واحد، وأنشد:
قد رَوِيت إلّا دُهَيدِ هينا *** قليِّصات وأُبيكرينا
فجمع بالنون؛ لأنه أراد العدد الذي لا يُحَد آخره.
وكذلك قول الشاعر:
فأصبحت المذاهِب قد أذاعت *** بها الإعصارُ بعد الوابلينا
أراد المطر بعد المطر غير محدود وكذلك علّيّون: ارتفاع بعد ارتفاع.
وقال أبو إسحاق في قوله جلّ وعزّ: {لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين: 18]: أي في أعلى الأمكنة.
{وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ} [المطفّفِين: 19] فإعراب هذا الاسم كإعراب الجمع، لأنه على لفظ الجمع؛ كما تقول: هذه قِنَّسْرون ورأيت قِنَّسرين.
وقال مجاهد في قوله (لَفِي عِلِّيِّينَ) قال: عليون السماء السابعة.
وقال شمر: قال أبو مُعَاذ: عِلِّيِّينَ السماء السابعة.
قلت: ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليّين، كما ترون الكوكب الدُرّيّ في السماء».
ويقال للمرأة إذا طَهُرت من نفاسها: تعلّت فلانة من نفاسها.
وفي حديث سُبَيعة أنها لما تعلّت من نفاسها تشرَّفت لخُطَّابها.
ومنه قول الشاعر:
* ولا ذات بعل من نفاس تعلّت *
والسموات العُلَا جمع السماء العُلْيَا، والثنايا العليا، والثنايا السفلى، يقال للجماعة: عُلْيا وسُفْلى لتأنيث الجماعة.
ومثله قول الله جلّ وعزّ: {لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى} [طه: 23] ولم يقل: الكُبَر.
وهو بمنزلة الأسماء الحسنى، وبمنزلة قوله جلّ وعزّ: {وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى} [طه: 18] وتقول العرب في النداء للرجل: تعالَهْ، وللاثنين: تعاليا، وللرجال: تعالَوْا، وللمرأة: تعالَيْ، وللنساء: تعالين.
ولا يبالون إن كان المدعوّ في مكان أعلى من مكان الداعي، أو في مكانٍ دونه.
وعَلْوى اسم فرس كانت من سوابق خيل العرب.
ويقال: ضربت عِلَاوته أي رأسه وعُنُقه.
والعِلاوة: ما يحمل على البعير وغيره بين العِدْلين.
ويقال: أعطاه ألفًا ودينارًا عِلاوة، وأعطاه ألفين وخمسمائة عِلَاوة.
وجمع العِلَاوة عَلَاوَى، مثل هِراوة وهَرَاوَى.
ويقال: عَلِ عَلَاواك على الأحمال وعالها.
وإذا نسب الرجل إلى عليّ بن أبي طالب رضياللهعنه قالوا عَلَوِيّ، وإذا نسبوا إلى بني علي ـ وهم قبيلة من كنانة ـ قالوا: هؤلاء العِليُّون.
أخبرنا المنذري عن الطوسي عن الخراز عن ابن الأعرابي أنه قال في تفسير قوله:
* بنو علي كلّهم سواء*
قال: بنو علي من بني العَبَلات من بني أميَّة الأصغر، كان وَلِي من بعد طلحةِ الطلحات؛ لأن أمهم عَبْلة بنت جازل من البراجم، وهي أم ولد أميّة الأصغر.
والمعلِّي: أحد قداح المَيْسِر، وهو القِدْح السابع.
وله فوز سبعة أسهم إن فاز.
وغُرْم سبعة أسهم إن لم يفز.
وكلّ من قهر
رجلًا أو عَدُوًّا فإنه يقال فيه: علاه واعتلاه واستعلاه واستعلى عليه.
ويقال: عُلْوان الكتاب لعُنوانه.
والعرب تبدل اللام من النون في حروف كثيرة؛ مثل لعلَّك ولعنَّك وعَتَله إلى السجن، وعَتَنه.
وكأن علوان الكتاب اللام فيه مبدلة من النون.
وقد مرّ تفسيره في مضاعف العين.
أبو العباس عن ابن الأعرابي: رجل عِلْيانا وعِلَّيَان إذا كان طويلًا جسيمًا وكذلك ناقة عِلْيان وأنشد:
أنشدُ من خَوَّارة عِلْيانِ *** مضبورة الكاهل كالبنيانِ
وقال الليث: العِلْيان: الذكر من الضباع قال ويقال للجمل الضخم: عِلْيان.
قلت هذا تصحيف، إنما يقال لذكر الضباع: عِثْيان بالثاء، فصحَّفه الليث، وجعل بدل الثاء لامًا.
وقد مر ذكر العِثْيان في بابه.
وقال الليث: العَلَاة السَنْدان؛ ويشبّه بها الناقة الصُلْبة.
قلت: وهكذا قال غيره من أئمتنا في الناقة الصُلْبة وهذه الحديدة.
وقيل في تفسير قوله: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحَديد: 25] قال: أنزل العَلَاة والمَرّ.
أبو عبيد عن الأصمعي: يقال للرجل الذي يردّ حبل المستَقِي بالبكرة إلى موضعه منها إذا مَرِسَ المعلِّي، والرِّشاء المعلَّى.
وقال أبو عمرو: التعلية أن ينتأ بعضُ الطيّ أسفل البئر، فينزلَ رجل في البئر يعلِّي الدلو عن الحجر الناتىء وأَنشد لعدي:
* كهُويّ الدلو نزّاها المُعَلْ*
أراد المعلِّي.
قال والعلاة: صخرة يُجعل لها إطار من الأخْثاء ومن اللبن والرماد، ثم يطبخ فيها الأقط.
ويجعع عَلًا.
وأنشد أبو عبيدة:
وقالوا عليكم عاصِمًا نستغِثْ به *** رُوَيدكَ حتى يصفِق البَهْمَ عاصم
وحتى ترى أن العلاة تمدّها *** جُخَاديّةٌ والرائحات الروائم
يريد أن تلك العلاة يزيد فيها جُحاديّة، وهي قِربة مَلأى لبنًا، أو غِرارَة ملأى تمرًا أو خنطة يصبّ منها في العلاة للتأقيط، فذلك مدّها فيها.
ويقال: ناقة حَلِيّة عَلِيّة حَلِيَّة: حُلْوة المنظر والسير عَلِيَّة: فائقة.
ويقال: عاليته على الحمار، وعلّيته عليه.
وأنشد ابن السكّيت:
عاليت أَنساعي وجِلْبَ الكُور *** على سَرَارة رائح ممطور
وقال:
فإلَّا تجلَّلها يعالوك فوقها *** وكيف تُوقي ظهرَ ما أنت راكبه
أي: يُعلوك فوقها.
أبو سعيد: علوت على فلان الريح أي كنت في عُلاوتها.
ويقال: لا تَعلُ الريح على الصيد فيرَاح ريحِك وينفِر.
ويقال: أتيت الناقةَ من قِبَل مستعلاها أي من قبل إنسيّها.
قال والمُسْتَعْلي هو الذي يقوم على يسار الحَلُوبة.
والبائن: الذي يقوم على يمينها.
والمستعلي يأخذ العُلْبة بيده اليسرى ويحلب باليمنى.
وقال الكميت في المستعلي والبائن:
يبشر مستعليًا بائن *** من الحالبَينِ بأن لا غرارا
ويُقال: اعلُ الوسادة أي اقعد عليها، وأَعْلِ عنها أي انزل عنها.
وأنشدني أبو بكر الإيادي لامرأة من العرب عُنِّن عنها زوجُها:
فقدنك من بعل علام تدكُّني *** بصدرك لا تغني فتيلا ولا تُعلِي
أي: لا تَنزِل وأنت عاجز عن الإيلاج.
ويقال: فلان غير مؤتل في الأمر، وغير مُعْتلٍ أي غير مقصِّر.
وأنشد أبو العباس بيت طُفيل:
ونحن منعنا يوم حَرْس نساءكم *** غداة دعانا عامر غير مُعتل
وقال الفراء: هو عُلْوان الكتاب وعُنوانه.
وقال اللحياني: عَلْونت الكتاب عَلْونة وعلوانا، وعنونته عنونة وعنوانًا.
وقال أبو زيد: عُلْوان كل شيء: ما علا منه، وهو العُنْوان.
وأنشد:
وحاجة دون أخرى قد سمحتُ بها *** جعلتها للذي أخفيت عنوانًا
أي: أظهرت حاجة وأخفيت أخرى.
وهي التي أُريغ، فصارت هذه عنوانًا لما أردت.
وقال أبو سعيد: هذه كلمة معروفة عند العرب: أن يقولوا لأهل الشرف في الدنيا وَالثروَة والغنى: أهل عليين.
فإذا كانوا متّضعين قالوا: سِفليُّون.
والعِلِّيُّون في كلام العرب: الذين ينزلون أعالي البلاد.
وإن كانوا ينزلون أسافلها فهم سِفْليُّون.
ويقال هذه الكلمة تستعلي لساني إذا كانت تعتزّه وتجري عليه كثيرًا.
وتقول العرب: ذهب الرجل عَلَاء وعَلْوًا، ولم يذهب سُفْلًا إذا ارتفع.
وفلان منِ علْية الناس لا من سَفلتهم.
وقال الليث: الفرس إذا بلغ الغاية في الرهان يقال: قد استعلى على الغاية.
ويقال: قد استعلى فلان عَلَى الناس إذا غلبهم وقهرهم وعلاهم قال الله تبارك وتعالى: {وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى} [طه: 64] ويقال: تعلَّى المريض من عِلَّته إذا أفاق منها.
ويَعْلى: اسم رجل.
وتَعْلى: اسم امرأة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
265-تهذيب اللغة (ولع)
ولع: أبو عبيد عن الكسائيّ: الوَلُوع منأُولعت، وكذلك الوَزُوع من أُوزِعت.
قلت: وهما اسمان أقيما مقام المصدر الحقيقيّ.
وقال الليث: أُولع فلان بكذا وَلُوعًا وإيلاعًا إذا لجّ.
قال ويقال: وَلِع يَوْلَع وَلَعًا فهو وَلِعٌ وَوَلُوعٌ وَلاعَة.
قال: وَالوَلَع: نفس الوَلُوع.
وَوَلِع بفلان: لجّ في أمره وحَرَص عَلَى إيذائه.
وَأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن سلمة عن الفراء: وَلِعَت بالكذب تَلَع وَلْعًا.
وَروَى أبو عبيد عن الأصمعي والأحمر: وَلَع يَلَع وَلْعًا ووَلَعانًا إذا كذب.
وأنشد:
* وهنّ من الإخلاف والولَعان *
وقال كعب:
لكنها خُلَّة قد سيط من دمها *** فجع وَوَلْع وإخلاف وَتبديل
وقال ذو الإصبع العُدْواني:
إلّا بأن تكذبا عَلَيّ ولا *** أملك أن تكذبا وأن تَلَعا
وَقال اللحياني: يقال: وَلَع يَلَع إذا استخفّ، وأنشد:
فتراهن عَلَى مُهْلته *** يختلين الأرض وَالشاةُ يَلَعْ
أي: يستخفّ عَدْوًا، وذكَّر الشاة.
قال المازني في قوله: والشاة يلع أي لا يُجدّ في العدْو، كأنه يلعب.
قلت: هو من قولهم: وَلَع يَلَع إذا كذب، كأنه كذب في عَدْوه ولم يجدَّ.
ابن السكيت: رجل وُلَعة: يُولَع بما لا يعنيه، وَهُلَعة: يجوع سريعًا.
وَيقال وَلَع فلانًا والِع، وَوَلَعته وَالعة وَاتّلعته وَالعة، أي خفِي عَلَيّ أمْرُه، فلا أدري أحيّ أم ميت.
ويقال: فقدنا فلانًا فما ندري ما وَلَعَه أي ما حبسه.
وقد وَلَع فلان بحقّي وَلْعًا أي ذهب به.
وَقال ابن الأعرابيّ وَغيره: الوَلِيع: الطلع ما دام في قِيقائه، كأنه نظم اللؤلؤ في شدّة بياضه.
وَالواحدة وَليعة وَأنشد:
وَتبسم عن نيّر كالوليع *** تُشَقَّقُ عنه الرقاة الجُفُوفا
وَقال الليث: المولّع الذي أصابه لُمَعَ من بَرَص في جسده أي بَرَّصه.
وأنشد:
* كأنه في الجلد توليع البَهَقْ*
قلت: التوليع: التلميع من البرص وغيره وَقال أبو ذؤيب:
*.
.
.
بالطرتين مولَّع *
وقال أبو عبيدة: فرس مولَّع؛ وهو الذي في بياض بَلقه استطالةٌ وتفرقةٌ.
وقال عَرّام: يقال: بفلان من حبّ فلانة الأولع والأولق؛ وهو شبه الجنون.
وابتلعت فلانة قلبي وفلان موتلَع القلب، ومُوتَله القلب، ومتَّلَه القلب ومنتزَع القلب بمعنى واحد.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
266-تهذيب اللغة (عون)
عون: يقال امرأة متعاوِنة إذا اعتدل خَلْقُها فلم يبدُ حجمها، وبرذون متعاون ومتدارِك ومتلاحك إذا لحِقت قوّته وسِنّه.وقال الليث: كل شيء أعانك فهو عَوْن لك؛ كالصوم عَوْنٌ على العبادة والجميع الأعوان.
قال: وتقول: أعنته إعانة، واستعنته، واستعنت به، وعاونته.
وقد تعاونّا أي أعان بعضنا بعضًا.
والمَعُونة: مَفْعُلة في قياس من جعلها من العَوْن.
وقال ناس: هي فَعُولة من الماعون، والماعون فاعول.
وقال غيره من النحويين: المَعُونة مَفْعُلة من العَوْن، مثل المَغُوثة من الغوث، والمَضُوفة من أضاف إذا أشفق، والمشورة من أشار يشير.
ومن العرب من يحذف الهاء فيقول: مَعُون وهو شاذّ؛ لأنه ليس في كلام العرب مَفْعُل بغير هاء.
ورَوَى الفراء عن الكسائيّ أنه قال: لا يأتي في المذكّر مَفْعُل بضم العين إلا حرفان جاءا نادرين لا يقاس عليهما وأنشد:
بثين الزمى لا إن لا إن لزمته *** على كثرة الواشين أيُ معون
وقال آخر:
* ليوم هيجا أو فَعال مَكْرُم*
وقال الفراء: مَعُون جمع معونة، ومكرم
جمع مكرمة.
وقال الله جلّ وعزّ: {لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ} [البَقَرَة: 68] قال الفراء: انقطع الكلام عند قوله {وَلا بِكْرٌ} ثم استأنف فقال {عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ} قال: والعوان يقال منها قد عوَّنَتْ.
وقال أبو عبيد: العَوَان من النساء: الثيّب.
وجمعها عُون.
وقال أبو زيد عانت البقرة تَعُون عُوُونًا إذا صارت عَوانا.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم قال: العَوَان: النَصَف التي بين الفارض وهي المسنّة وبين البكر وهي الصغيرة.
قال: ويقال: فرس عَوَان وخيل عُون على فُعْل.
والأصل عُوَن؛ فكرهوا إلقاء ضمة على الواو فسكَّنوها.
وكذلك يقال رجل جواد وقوم جُود.
وقال زهير:
نَحُلَّ سهولها فإذا فزِعنا *** جَرَى منهن بالآصال عونُ
فزِعنا: أغثنا مستغيثًا.
يقول: إذا أغثنا ركبنا خيلًا.
قال: ومن زعم أن العُون هاهنا جمع العانة فقد أبطل.
وأراد أنهم شجعان، فإذا استغيث بهم ركبوا الخيل وأغاثوا.
وقال أبو زيد: بقرة عوان: بين المسِنَّة والشابَّة.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَوَان من الحيوان: السنّ بين السنّين، لا صغير ولا كبير.
وامرأة عَوَان: ثيب.
وحرب عوان: كان قبلها حرب.
أبو عبيد: العانة: الجماعة من حُمُ والوحش وقال غيره: تجمع عُونًا وعانات.
وقال الليث: عانات: موضع بالجزيرة تنسب إليه الخَمُر العانيَّة.
قال: وعانة الرجل إسبه من الشعر النابت على فرجه وتصغيرها عُوَيْنة.
وقال أبو الهيثم: العانة منبِت الشعر فوق القُبُل من المرأة، وفوق الذكر من الرجل، والشعر النابت عليها يقال له الشِعْرة والإسب.
قلت: وهذا هو الصواب لا ما قاله الليث.
ثعلب عن ابن الأعرابي: استعان الرجل إذا حلق عانته وأنشد:
مثل البُرام غدا في أُصدة خَلَق *** لم يستعن وحوامي الموت تغشاه
البُرَام: القراد.
لم يستعن أي لم يحلق عانته وحوامي الموت حوائمه فقلبه.
وهي أسباب الموت.
اللحياني: يقال: فلان على عانة بكر بن وائل أي على جماعتهم وحرسهم أي هو قائم بأمرهم.
الليث: رجل مِعوان: حسن المعونة.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَوَانة النخلة الطويلة، وبها سمي الرجل، وهي المنفردة ويقال لها: القِرْواح والعُلْبة.
قال: والعَوَانة أيضًا: دودة تخرج من الرمل فتدور أشواطًا كثيرة.
وقال الأصمعي: العَوَانة: دابَّة دون القنفذ تكون في وسط الرملة اليتيمة ـ وهي المنفردة من الرَمَلات ـ فتظهر أحيانًا،
وتدور كأنها تطحن ثم تغوص.
قال: ويقال لهذه الدابة: الطُّحَن.
قال: وبالعوانة الدابة سمى الرجل.
عمرو عن أبيه قال: العَوِين: الأعوان.
قال الفراء: ومثله طَسِيس جمع طَسّ.
ثعلب عن ابن الأعرابي التعوين كثرة بَوْك الحمار لعانته والتوعين لعانته السِمَن.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
267-تهذيب اللغة (عين)
عين: يقال عان الرجل فلانًا يعينه عَيْنًا إذا ما أصابه بالعين، فهو عائن، والمصاب بالعين معين.ومن العرب من يقول: مَعْيون.
وأنشدني غير واحد:
قد كان قومك يحسبونك سيدا *** وإخال أنك سيّد مَعْيون
وتعيَّن الرجلُ إذا تشوَّه تأنّى ليصيب شيأ بعينه.
ورجل عَيُون إذا كان نَجِىءَ العين.
ويقال: أتيت فلانًا فما عيّن لي بشيء، وما عيَّنني بشيء أي ما أعطاني شيأ.
ويقال: عيَّنت فلانًا أي أخبرته بمساويه في وجهه.
ويقال: بعثنًا عَيْنا أي طليعة، يعتان لنا أي يأتينا بالخبَر.
والاعتيان: الارتياد.
ويقال ذهب فلان فاعتان لنا منزلا مُكْلئًا أي ارتاد لنا منزلًا ذا كلأ.
والعِينة: خيار الشيء وجمعها عِيَن.
وقال الراجز:
فاعتان منها عِينة فاختارها *** حتى اشترى بعينه خيارها
ابن الأنباريّ في قوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا} [هود: 37] قال أصحاب النقل والأخذ بالأثر: الأعين يريد به العَين.
قال: وعَيْن الله لا تفسَّر بأكثر من ظاهرها، ولا يسع أحدًا أن يقول: كيف هي أو ما صفتها.
قال: وقال بعض المفسرين بِأَعْيُنِنا بإبصارنا إليك.
وقال غيره: بإشفاقنا عليك.
واحتجّ بقوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي} [طه: 39] أي لتغَذَّى بإشفاقي.
تقول العرب: على عيني قصدت زيدًا يريدون الإشفاق.
عمرو عن أبيه قال: اللُّومة: السِنّة التي تُحرث بها الأرض، فإذا كانت على الفَدَان فهي العِيان وجمعها عُيُن لا غير.
وقول عمر بن أبي ربيعة:
ونفسك لم عينين جئت الذي ترى *** وطاوعت أمر الغيّ إذا أنت سادر
قال: قال الزبير: عينين: معاينة.
وقال أبو العباس: عينين جعله بدلًا من النفس.
أبو عبيد: حضرت حتى عِنْت وأَعْينت بلغت العيون.
ابن السكيت: يقال قدِم فلان من رأس عَيْن، ولا تقل: من رأس العين.
ويقال: ما بالدار عين ولا عائنة أي أحدٌ.
الفراء: لقيته أوّل عَيْن أي أوَّل شيء.
وأبو عبيد عن الكسائي مثله.
وقال أبو زيد لقيته أول عائنة مثله.
وقال الفراء: ما بها عائن وما بها عَيَن بنصب الياء.
والعَينُ: أهل الدار.
وقال اللحياني: إنه لأعيْن إذا كان ضخم العين واسعها والأنثى عيناء.
والجميع منها عِين قال الله تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقِعَة: 22] ولقد عَيِنَ يَعْيَنُ عَيَنًا وعِينةً حسنةً.
ونعجة عيناء إذا اسودت عينتها، وابيض سائر جسدها قال وعِينتها: موضع المَحْجِر من الإنسان، وهو ما حول العين.
وحفر الحافر فأعْيَن وأعان أي بلغ العُيون.
ورأيت فلانًا عِيَانًا أي مواجهة.
ويقال: طلعت العين وغابت العين، أي الشمس.
وفي الحديث: «إن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العَلّات».
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: الأعيان: ولد الرجل من امرأة واحدة، والأَقْران: بنو أمّ من رجال شتّى، وبنو العَلّات: بنو الرجل من أمّهات شتى، ومعنى الحديث أن الإخوة للأب وللأم يتوارثون، دون الأخوة للأب.
ابن الأعرابي: يقال: أصابته من الله عَيْن.
قال: وقال عمر لرجل ضربه رجل بحقّ: أصابتك عين من عيون الله.
وأنشد:
فما الناس أردَوه ولكن أقاده *** يد الله والمستنصر الله غالب
ويقال: هذه دراهمك بأعيانها وهي أعيان دراهمك ولا يقال فيها أعْيُن ولا عيون وكذلك يقال هؤلاء إخوتك بأعيانهم، ولا يقال: أعين وعيون.
ويقال: غارت عَيْن الماء، وتجمع عيونًا.
ويقال: عيَّن التاجر يُعيّن تعيينا وعينة قبيحة، وهي الاسم، وذلك إذا باع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ثم اشتراها منه بأقلّ من الثمن الذي باعها به.
وقد كرِه العِينَة أكثرُ الفقهاء.
ورُوي النهي فيها عن عائشة وابن عباس.
فإن اشترى التاجر بحضرة طالب العِينة سِلْعة من آخر بثمن معلوم، وقبضها، ثم باعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمّى ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقل الثمن الذي اشتراها به فهذه أيضًا عِينة.
وهي أهون من الأولى.
وأكثر الفقهاء على إجازتها، على كراهة من بعضهم لها.
وجملة القول فيها أنها إذا تعرّت من شرط يفسدها فهي جائزة.
وإن اشتراها المتعيّن بشرط أن يبيعها من
بائعها الأول فالبيع فاسد عند جميعهم وسمّيت عِينة لحصول النقد لطالب العِينة.
وذلك أن العينة اشتقاقها من العَيْن وهو النقد الحاضر يحصل له من فوره.
وقال الراجز:
* وعَيْنه كالكالىء الضِّمَارِ*
يريد بعِينه حاضر عطيته.
يقول فهو كالضِّمار، وهو الغائب الذي لا يُرجى.
والعَيْن: عين الرُكْبَة وهي نُقْرة الرُكْبة.
وقال الأصمعي: العَيْن: المطر يدوم خمسة أيام أو أكثر لا يُقلع.
والعين: ما عن يمين قِبلة أهل العراق.
وكانت العرب تقول: إذا نشأت السحابة من قِبَل العَيْن فإنها لا تكاد تُخلِف، أي من قِبَل قِبْلة أهل العراق.
الحراني عن ابن السكيت قال: العين: التي يبصر بها الناظر.
والعين: أن يصيب الإنسان بعين.
والعين: الذي ينظر للقوم.
وعينُ المتاع: خياره.
وعين الشيء: نفسه.
ويقال: لا أقبل إلّا درهمي بعينِه.
والعينُ عين الرُكبةِ والعين: التي يخرج منها الماء.
والعين: الدنانير.
والعين: مطر أيام لا يُقلِع.
والعين: ما عَنْ يمين قبلة أهل العراق.
ويقال: في الميزان عَيْن إذا رجحت إحدى كِفَّتيه على الأخرى.
والعين عين الشمس.
قال والعين: أهل الدار.
وأنشد:
* تشرب ما في وَطْبها قبل العَين *
والعين: النَقْد.
يقال: اشتريت العبد بالدَيْن أو بالعَيْن.
وعين القوس: التي يقع فيها البندق.
والعين اليَنبوع الذي ينبع من الأرض ويجري.
وعين الركيَّة: منبعها.
وقال أبو الهيثم: العرب تقول: في هذا الميزان عَيْن أي في لسانه مَيَل قليل.
ويقولون: هذا دينارٌ عَيْن إذا كان ميّالًا أرجح بمقدار ما يميل به لسان الميزان.
قال وعين سبعة دنانير نصف دانق.
أبو سعيد عين مَعْيونة: لها مادّة من الماء وقال الطرمّاح:
ثم آلت وهي مَعْيونة *** من بطىء الضَهْل نَكْز المهامي
أراد أنها طَمَتْ ثم آلت أي رجعت.
ويقال للرجل يُظهر لك من نفسه ما لا يفي به إذا غاب: وهو عَبْدُ عَيْنٍ، وهو صديق عَيْن.
وعان الماءُ يعين إذا سال.
والعِيَان: حَلْقة السِّنَّة وجمعه عُيُن.
وقال الليث: يقال إن فلانًا لكريمٌ عينُ الكرم.
ويقال في مثل: لا أطلب أثرًا بعد عين أي بعد المعاينة.
وأصله أن رجلًا رأى قاتِل أخيه فلما أراد قتله قال: أفتدي بمائة ناقة، فقال: لست أطلب أثرًا بعد عين وقتله.
وقوله:
حبشيًّا له ثمانون عينا *** بين عينيه قد يسوق إفالا
أراد عبدًا حبشيًا له ثمانون دينارًا بين عينيه يعني بين عيني رأسه.
والعين: الذي تبعثه بتجسس الأخبار، تسميه العرب ذا
العِيَيْنَتين وذا العُيَيْنَتَين وذا العُوَينتين كله بمعنى واحد.
قال الليث: والعِينة: السَلَف.
وقد تعيّن منه عِينة، وعيَّنة التاجر.
والعِين: بقر الوحش وهؤلاء أعيان قومهم أي أشرافهم والماء المعِين: الظاهر الذي تراه العيون.
وثوب مُعَيَّر: يُرى في وشيه ترابيع صغار تشبه عُيُون الوحش.
وقال الأصمعي: عيَّنت القربة إذا صببت فيها ماء ليخرج من مخارزها وهي جديدة فتنسدّ وسرَّبتها كذلك.
وقال الفراء: التعيّن أن يكون في الجلد دوائر رقيقة.
وقال القطامي:
ولكن الأدِيم إذا تَفَرّى *** بِلًا وتعيُّنًا غلب الصَنَاعا
وقال ابن الأعرابي: تعيّنت أخفافُ الإبل إذا نقِبت مثل تعيّن القربة.
وتعينتُ الشخص تعيُّنًا إذا رأيته.
وسقاء عَيِّن إذا رَقَّ فلم يُمسك الماء.
ويقال: عيَّن فلان الحرب بيننا تعيينًا إذا أدارها وِعِينة الحرب مادّتها.
وقال ابن مقبل:
لا تحلُب الحربُ مني بعد عِينتها *** إلا عُلَالة سِيد مارد سَدِم
أبو عمرو: ما عيّن فلان لي شيأ، أي لم يدلّني على شيء.
وقال الأصمعي: الكُوفَة مَعَان منا أي منزل ومَعْلم.
ورأيته بعائنة العدوّ، أي بحيث تراه عيون العدوّ، وما رأيت ثَمّ عائنة أي إنسانًا.
ورجل عَيِّن أي سريع البكاء، ولقيته عَيْنَ عُنَّةٍ أي مواجهة وعَيْنَين: جبل بأُحُد.
وبالبحرين قرية تعرف بعينين، وإليها ينسب خُلَيد عينين وقد دخلتها أنا، وعان الماء يَعِين إذا سال.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
268-تهذيب اللغة (عنا)
عنا: قال الله جلّ وعزّ: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111].قال الفراء: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ): نصِبت له وعملت له.
وذكر أيضًا أنه وَضْع المسلم يديه وجبهته وركبتيه إذا سجد وركع، وهو في معنى العربية أن يقول الرجل: عَنَوت لك: خضعت لك وأطعتك.
قال: ويقال للأرض: لم تعنُ بشيء أي لم تُنبت شيأ.
ويقال: لم تَعْنِ بشيء، والمعنى واحد؛ كما يقال حَثَوت عليه التراب وحَثَيت.
قال وقولهم: أخذت الشيء عَنْوة يكون غلبة، ويكون عن تسليم وطاعة ممن يؤخذ منه الشيء.
وأنشد الفراء:
فما أخذوها عَنْوة عن مودّة *** ولكنّ ضرب المشرفيّ استقالها
فهذا على معنى التسليم والطاعة بلا قتال.
وقال الأخفش في قوله: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} [طه: 111]: استأسرت.
قال: والعاني: الأسير.
وقال أبو الهيثم: العاني: الخاضع، والعاني: الأسير.
والعاني: العبد.
والعاني: السائل من ماء أو أدم.
يقال: عنت القِربة تعنو إذا سأل ماؤها.
وقال المتنخِّل الهذلي:
تعنو بمخروت له ناضحٌ *** ذو رَيِّق يغذو وذو سَلسَل
قال شمر: تعنو بمخروت أي تسيل بمخروت أي من شَقٍ مخروت، والخَرْت: الشَقُ في الشَفة والمخروت المشقوق.
ورواه: ذو شَلْشَل بالشين معجمة معناه: ذو قَطَران من الواشل وهو القاطر
أبو عبيد عن الكسائي: عنوت الشيء: أخرجته.
وأنشد:
* ولم يبق بالخلصاء مما عَنَتْ به*
أي: أَخرجَتْه.
وقال أبو الهيثم: العَنَاء: الحبس في شدّة وذل.
يقال: عَنَا الرجلُ يعنو عُنُوًّا وعَنَاء إذا ذَلَّ لك واستأثر.
قال: وعنّيته أُعَنّيه تعنية إذا أسرته فحبسته مضيِّقًا عليه.
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوانٍ عندكم»أي كالأسرى.
قال: وأخذته عَنْوة أي قسْرًا قهرًا.
وفُتحت هذه البلدة عَنْوة أي فتحت بالقتال قوتل أهلها حتى غُلبوا عليها، أي فتحت البلدة الأخرى صلحًا؛ لم يُغلبوا ولكن صولحوا على خَرْج يُؤدّونه.
وقال أبو عبيد في قوله: «فإنهن عندكم عوانٍ» واحدة العواني عانية وهي الأسيرة يقول: إنما هن عندكم بمنزلة الأسرى.
ورجل عانٍ وقوم عُنَاة: ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «عُودوا المرضى، وفُكّوا العاني» يعني الأسير.
قال: ولا أُراه مأخوذًا إلا من الذل والخضوع، وكل من ذل واستكان فقد خضع وعنا.
والاسم منه العَنْوة.
وقال القطامي:
ونأت بحاجتنا ورُبَّتَ عَنوة *** لك من مواعدها التي لم تصدق
وأُخِذت البلاد عَنوة أي بالقهر والإذلال.
شمر عن ابن الأعرابي: هذا يعنو هذا أي يأتيه فيشمَّه.
والهموم تعاني فلانًا أي تأتيه.
وأنشد:
وإذا تعانيني الهمومُ قريتُها *** سُرُح اليدين تُخالس الخَطَرانا
وقال الليث: يقال للأسير: عنا يعنو، وعَنِيَ يَعْنَى.
قال: وإذا قلت أعْنَوه فمعناه أبقَوه في الإسار.
قال: وعُنْوان الكتاب مشتقّ ـ فيما ذكروا ـ من المَعْنَى.
وفيه لغات: عنونت وعنَّيت، وعنَّنْت.
وقال الأخفش: عَنَوْت الكتاب واعْنُهُ.
وأنشد يونس:
فطِنِ الكتاب إذا أردت جوابه *** واعُن الكتاب لكي يُسَرّ ويُكْتما
ثعلب عن ابن الأعرابي قال عَنِيت بأمره عناية: وعُنِيًّا، وعنا في أمره سواء في
المعنى ومنه قولهم:
* إياكِ أعني واسمعي يا جارهْ*
وتقول عنيتك بكذا وكذا عِنِيّا، والعَناء الاسم ويقال عَنيت وتعنّيت كل يقال.
شمر عن ابن الأعرابي يقال: عنا عليه الأمر أي شقّ عليه.
وأنشد قول مزرِّد:
وشقّ على لعرىء وعنا عليه *** تكاليف الذي لن يستطيعا
ويقال: عُني بالشيء فهو مَعْنِيّ به، وأعنيته وعنَّيته بمعنى واحد.
وأنشد:
ولم أَخْلُ في قَفْر ولم أُوفِ مَرْبأ *** يَفَاعا ولم أُعن المطِيّ النواجيا
قال: وعنّيته: حبسته حبسًا طويلًا، وكل حبس طويل فهو تعنية.
ومنه قول عُقْبة:
قطعتَ الدهر كالسَدِم المعنّي *** تُهَدِّرُ في دمشق وما تريم
ويقال: لقِيت من فلان عَنْية وَعَنَاء أي تَعَبًا.
أبو عبيد عن الفراء: ما يَعْنَى فيه الأكلُ أي ما ينجَع.
وقد عَنَى أي نجع، هكذا رُوِي لنا عن أبي عبيد عَنَى يَعْنَى.
وروَاه ثعلب عن سَلَمة عن الفراء: شرب اللبن شهرًا فلم يَعْنَ فيه كقولك: لم يُغنِ عنه شيئًا وقد عَنِيَ يَعْنَى عُنِيًّا ـ بكسر النون ـ من عَنِيَ.
قلت: والصواب ما رواه أبو العباس، وهو قياس كلام العرب.
ومن أمثالهم عَنِيَّتُه تشفى الجرب يضرب مثلًا للرجل الجيد الرأي.
وأصل العنِيَّة ـ فيما روى أبو عبيد عن الأصمعي ـ أَبوال الإبل يؤخذ معها أَخلاط فتُخلط، ثم تُحبس زمانًا في الشمس، ثم يُعالج بها الإبل الْجَرْبَى، سُمِّيت عَنِيَّة من التعنية وهو الحبس ونحو ذلك قال أبو عمرو.
أبو العباس عن ابن الأعرابي: عنا يعنو إذا أَخذ الشيء قهرًا، وعنا يعنو عَنْوة فيهما إذا أَخذ الشيء صلحًا بإكرام ورفق.
وقال الليث: عناني هذا الأمر يَعْنيني عِناية فأنا معنِيّ به، وَقد اعتنيت بأمره.
قال: ومعنى كل شيء محنته وحاله التي يصير إليها أمره.
وأَخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى قال: المَعْنى والتفسير والتأويل واحد.
وقال الليث: المُعنَّى كان أهل الجاهلية إذا بلغت إبل الرجل مائة عمدوا إلى البعير الذي أَمْأت به إبله فأغلقوا ظهره لئلا يركب ولا ينتفع بظهره؛ ليعلم أن صاحبها مُمْء وإغلاق ظهره أن يُنزع منه سَنَاسِنُ من فِقرته ويعقر سنامه.
وقال في قول الفرزدق:
غلبتك بالمفقّىء والمُعَنِّي *** وبيتِ المحتبِي والخافقات
قال أراد بالمفقِّىء بيته:
فلستَ ولو فقَّأت عينيك واجدا *** أبالك إذ عُدَّ المساعي كدارم
وأراد بالمعنِّي قوله: تَعَنَّى يا جرير لغير شيء
وقد ذهب القصائد للرواة *** فكيف تردّ ما بعُمان منها
وما بجبال مصر مشهَّرات
وأراد بالمحتبِي قوله:
بيت زرارة محتبٍ بفنائه *** ومجاشع وأبو الفوارس نهشل
لا يحتبِي بفناء بيتك مثلُهم *** أبدًا إذا عُدّ الفَعَال الأفضل
وأراد بالخافقات قوله:
وأين يُقَضّى المالكان أمورها *** بحقّ وأين الخافقات اللوامع
أخذنا بآفاق السماء عليكم *** لنا قمراها والنجوم الطوالع
ابن الأعرابي: في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل: لقد عَنِي الله بك؛ قال: معنى العناية هاهنا الحفظ، أي لقد حفظ الله دينك وأمرك حتى خلَّصك وحفظه عليك وقال: عُنيت بأمرك فأنا مَعْنِي وعَنيت فأنا عانٍ وعنٍ.
شمر عن ابن الأعرابي: الأعناء: النواحي واحدها عَنًا، كما ترى وهي الأعنان أيضًا.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الإبل، فقال: أعنان الشياطين، أراد أنها مثلها، كأنه أراد أنها من نواحي الشياطين.
وقال اللحياني: يقال: فيها أعناء من الناس، وأعراء، واحدها عِنْو وعِرْو، أي جماعات.
وقال الأصمعي: أعناء الشيء: جوانبه، واحدها عِنْو.
وقال الفراء: يقال هو معنيٌ بأمره وعانٍ بأمره وَعَنٍ بأمره بمعنى واحد.
وقال ابن السكيت عن الكسائي: يقال: لم تَعْنِ بلادنا بشيء أي لم تُنبت شيئًا ولم تَعْنُ بشيء أي لم تُنْبِت ـ يسكنون العين فيها ـ شيئًا.
وقال الأصمعي: سألته فلم يَعْنُ لي بشيء، كقولك لم يَنْدَ لي بشيء، ولم يبِضّ لي بشيء، وقد عنا النبت يعنو إذا ظهر، وأعناءهُ المطر إعناء، وعنا الماء إذا سال، ودم عانٍ سائل، وعَنَوت الشيء: أخرجته.
وقال أبو سعيد: عَنَيت فلانًا عَنْيًا أي قصدته ومن تَعْنِي بقولك؟ أي من تقصد؟ وعناني أمرك أي قصدني وفلان تَتعنَّاه الحُمَّى أي تتعهَّده، ولا تقال هذه اللفظة في غير الحُمَّى.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى أتاه جبريل فقال: باسم الله أَرقيك من كل داء يعنيك، (مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ)، ومن شر كل ذي عين.
قلت: قوله: يعنيك أي يشغلك.
تقول: هذا الأمر لا يعنيني أي لا يشغلني.
وقيل: يعنيك أي يقصدك كما قال أبو سعيد، والمعنيان متقاربان.
أبو حاتم عن الأصمعي: عُني فلان بالأمر فهو مَعْنِيّ به.
ويقال: لتُعْنَ بحاجتي.
ويقال عَنِيت في الأمر إذا تعنيت فيه، فأنا أَعْنَى وأَنا عَنٍ.
وإذا سألت قلت كيف من تُعْنى بأمره مضموم؛ لأن الأمر عناه ولا يقال كيف من تَعْنَى بأمره.
وقال الليث المعاناة: المقاساة.
وروى أبو سعيد عن ابن الأعرابي: المعاناة: المداراة.
وقال الأخطل:
فإن أك قد عانيت قومي وهبتهم *** فهلهل وأَوّل عن نُعَيم بن اخثما
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
269-تهذيب اللغة (وفع)
وفع: أهمله الليث.وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: الرَبَذَة والوفيعة والطُّلية صوفة يُطلى بها الجَرْبَى.
قال: والوَفِيعة أيضًا: صمام القارورة.
وقال ابن السكيت: الوفيعة تتّخذ من العراجين والخُوص مثل السَلَّة.
عمرو عن أبيه: يقال للخرقة التي يَمْسح بها الكاتب قلمه من المِداد: الوفِيعة.
وقال ابن دريد: وِفَاع القارورة: صِمامها.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
270-تهذيب اللغة (بيع بوع)
بيع ـ بوع: قال أبو عبد الرحمن: قال المفضّل الضبيّ: يقال باع فلان على بيعِ فلان.وهو مَثَل قديم تضربه العرب للرجل يخاصم صاحبه وهو يُريغ أن يغالبه: فإذا ظفر بما حاوله قيل: باع فلان على بيع فلان، ومثله شَقّ فلان غبار فلان.
وقال غيره: يقال باع فلان على بيعك أي قام مقامك في المنزلة والرفعة.
ويقال ما باع على بَيْعك أحد أي لم يساوِك أحد.
وتزوّج يزيد بن معاوية أمّ مسكين بنت عمرو على أمّ هاشم فقال لها:
مالكِ أمّ هاشم تبكِّين *** من قَدَر حلّ بكم تضِجْين
باعت على بيعكِ أمُّ مسكين *** ميمونة من نسوة ميامين
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا» البَيّعان هما البائع والمشتري وكل واحد منهما بَيّع وبائع.
ورواه بعضهم: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا.
وقال أبو عبيد: البَيْع من حروف الأضداد
في كلام العرب.
يقال: باع فلان إذا اشترى، وباع من غيره وأنشد قول طرفة:
ويأتيك بالأنباء من لم تبِع له *** بتاتًا ولم تضرب له وَقت موعد
أراد من لم تشتر له زادًا.
وأمّا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَخْطِب الرجل على خِطْبة أخيه ولا يِبعْ على بيع أخيه»، فإن أبا عبيد قال: كان أبو عبيدة وأبو زيد وغيرهما من أهل العلم يقولون: إنما النهي في قوله: «لا يبيع على بيع أخيه» إنما هو: لا يشتري على شراء أخيه، فإنما وقع النهي على المشتري لا على البائع، لأن العرب تقول: بعت الشيء بمعنى اشتريته.
قال أبو عبيد: وليس للحديث عندي وجه غير هذا لأن البائع لا يكاد يدخل على البائع، وإنما المعروف أن يُعطَى الرجل بسلعته شيئًا فيجيء مشتر آخر فيزيد عليه.
قلت: وأخبرني عبد الملك عن الربيع عن الشافعيّ أنه قال في قوله: «ولا يبيع الرجل على بيع أخيه» هو أن يشتري الرجل من الرجل سِلْعة ولَمّا يتفرقا عن مَقامهما، فنَهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يَعرض رجل آخر سلعة أخرى على المشتري تُشْبِه السلعة التي اشترى، ويبيعها منه؛ لأنه لعله أن يردّ السلعة التي اشترى أوّلًا؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للمتبايعين الخيار ما لم يتفرقا فيكون البائع الآخر قد أفسد على البائع الأوّل بيعه، ثم لعل البائع الآخر يختار نقض البيع فيفسد على البائع والمبتاع بيعه.
قال: ولا أنهى رجلًا قبل أن يتبايع المتبايعان، وإن كان تساوما، ولا بعد أن يتفرقا ـ عن مقامهما الذي تبايعا فيه ـ عن أن يبيع أيُ المتبايعين شاء؛ لأن ذلك ليس ببيع على بيع غيره فينهى عنه.
قال وهذا يوافق حديث «المتبايعين بالخيار ما لم يتفرقا».
فإذا باع رجل رجلًا على بيع أخيه في هذه الحال فقد عصى الله إذا كان عالمًا بالحديث فيه، والبيع لازم لا يفسد.
قلت: البائع والمشتري سواء في الإثم إذا باع على بيع أخيه، أو اشترى على شراء أخيه؛ لأن كل واحد منهما يلزمه اسم البائع، مشتريًا كان أو بائعًا، وكلُّ منهيّ عن ذلك والله أعلم.
وقال الشافعي: هما متساومان قبل عَقْد الشِّرَى، فإذا عقد البيع فهما متبايعان، ولا يسميان بيِّعين ولا متبايعين وهما في السَوْم قبل العقد.
قلت: وقد تأوّل بعض مَن يحتجّ لأبي حنيفة وذويه؛ وقولهم: لا خيار للمتبايعين بعد العقد بأنهما يسميَّان متبايعين وهما متساومان قبل عقدهما البيع.
واحتجّ في ذلك بقول الشماخ في رجل باع قوسًا:
فوافى بها بعض المواسم فانبرى *** لها بَيّع يُغْلي لها السومَ رائز
قال فسمّاه بَيّعًا، وهو سائم.
قلت: وهذا وهَم وتمويه.
ويردّ ما تأوّله هذا المحتجُّ شيآن.
أحدهما أن الشماخ قال هذا الشعر بعد ما انعقد البيع بينهما، وتفرقا عن مَقَامهما الذي تبايعا فيه، فسمَّاه بَيِّعًا بعد ذلك، ولو لم يكونا أتَمّا البيع لم يسمّه بَيّعًا.
وأراد بالبيّع: الذي اشترى.
وهذا لا يكون
حجَّة لمن يجعل المتساومين بَيِّعين ولمَّا ينعقد بينهما البيع.
والمعنى الثاني الذي يردّ تأويله ما في سياق خبر ابن عمر، وهو ما حدثنا به الحسين بن إدريس عن محمد بن رُمْح عن الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البَيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، إلا أن يخيِّر أحدهما صاحبه، فإذا قال له: اختر فقد وجب البيع، وإن لم يتفرقا» ألا تراه جعل البيع ينعقد بأحد شيئين أحدهما أن يتفرّقا عن مكانهما الذي تبايعا فيه، والآخر أن يخيِّر أحدهما صاحبه، ولا معنى للتخيير إلا بعد انعقاد البيع.
وقد شرحت هذا في تفسير حروف «المختصر» بأوضح من هذا، فإن أردت استقصاء ما فيه فخذه من ذلك الكتاب.
وقال الليث: البَوْع والباع لغتان، ولكنهم يسمون البُوع في الخِلْقة، فأمَّا بَسط الباع في الكرم ونحوه فلا يقولون إلَّا كريم الباع، قال والبَوْع أيضًا: مصدر باع يبوع وهو بسط الباع في المشي، والإبلُ تبوع في سيرها، والرجل يبوع بماله إذا بسط به باعه وأنشد:
لقد خفت أن ألقى المنايا ولم أنل *** من المال ما أسمو به وأبوع
والبِياعات: الأشياء التي يُتبايع بها في التجارة.
وقال: البَيْعة الصفقة لإيجاب البيع على المتابعة والطاعة.
يقال: تبايعوا على ذلك الأمر؛ كقولك أَصْفَقوا عليه.
قال: والبَيْع: اسم يقع على المبيع، والجميع البيوع.
قال والبِيعة: كنيسة النصارى.
وجمعها بِيَع، وهو قول الله تعالى: (وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ).
[الحج: 40] قلت: فإن قال قائل: فلم جعل الله هدمها من الفساد وجعلها كالمساجد، وقد جاء الكتاب بنسخ شريعة النصارى واليهود؟ فالجواب في ذلك أن البِيَع والصوامع كانت متعبّدات لهم إذْ كانوا مستقيمين على ما أُمروا به غير مبدِّلين ولا مغيرين، فأخبر الله جلّ ثناؤه أنه لولا دفعه الناس عن الفساد ببعض الناس لهدّمت متعبّدات كل فريق من أهل دينه وطاعته في كل زمان.
فبدأ بذكر البِيَع على المساجد لأن صلوات من تقدم من أنبياء بني إسرائيل وأُممهم كانت فيها قبل نزول الفرقان، وقبل تبديل من بدّل وَأَحدثت المساجد وسمّيت بهذا الاسم بعدهم، فبدأ جل ثناؤه بذكر الأقدم، وأخَّر ذكر الأحدث لهذا المعنى، والله أعلم.
وقال بعض أهل العربية: يقال: إن رباع بني فلان قد بُعْن من البيع.
وقد بِعن من البَوْع فضم الباء في البيع، وكسروها في البوع للفرق بين الفاعل والمفعول، ألا ترى أنك تقول: رأيت إماء بِعْن متاعا إذا كنّ بائعات، ثم تقول: رأيت إماء بُعن إذا كنّ مبيعات، فإنما يتبين الفاعل من الفاعل باختلاف الحركات وكذلك من البوع.
قلت: ومن العرب من يجري ذوات الياء على الكسر وذوات الواو على الضم.
سمعت العرب تقول صِفنا بمكان كذا وكذا أي أقمنا به في الصيف وصِفْنا أيضًا إذا أصابنا مطر الصيف، فلم يفرقوا بين فعل الفاعلين والمفعولين.
وقال الأصمعي: قال أبو عمرو بن العلاء: سمعت ذا الرمّة يقول: ما رأيت أفصح من أَمَة آل فلان، قلت لها كيف كان المطر عندكم فقالت: غِثْنا ما شئنا.
رواه هكذا بالكسر.
وروى ابن هانىء عن أبي زيد قال يقال: الإماء قد بعن أشمُّوا الباء شيأ من الرفع.
وكذلك الخيل قد قدن، والنساء قد عدن من مرضهن أَشمُّوا هذا كله شيأ من رفع، وقد قِيل ذلك، وبعضهم يقول: قول.
وقال اللحياني: يقال: والله لا تبلغون تَبَوُّعه أي لا تلحقون شأوه.
وأصله طول خطاه.
يقول باع وانباع وتبوَّع.
وانباع العَرَق إذا سال.
قال وانباعت الحيَّة إذا بسطت بعد تَحَوِّيها لتساور وقال الشاعر:
* ثُمّتَ ينباع انبياع الشجاع*
ومن أمثال العرب، مُطْرِق لينباع، يضرب مثلًا للرجل إذا أضَبَّ على داهية.
الحراني عن ابن السكيت قال: أبَعت الشيء إذا عرضته للبيع وقد بعته أنا من غيري.
وقال الهمذاني:
فرضيت آلاء الكميت ومن يُبع *** فَرَسًا فليس جوادنا بمباع
أي: بمعرَّض للبيع.
وقال في قول صَخْر الهذلي:
لفاتح البيع يوم رؤيتها *** وكان قبلُ انبياعُه لَكِد
قال انبياعه: مسامحته بالبيع.
يقال: قد انباع لي إذا سامح في البيع وأجاب إليه.
وإن لم يسامح قلت: الاينباع.
أبو العباس عن ابن الأعرابي: يقال بُعْ بُعْ إذا أمرته بمدّ باعيه في طاعة الله تعالى.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
271-تهذيب اللغة (عوى)
عوى: قال الليث: عوت الكلابُ والسباع تَعْوي عُوَاء وهو صوت تمدّه وليس بنبح.أبو عبيد عن أبي الجراح قال: الذئب يَعْوِي.
وأنشدني أعرابيّ:
هذا أحقّ منزل بالترك *** الذئب يَعْوِي والغراب يبكي
ومن أمثالهم في المستغيث بمن لا يغيثه قولهم: لو لك عَوَيت لم أَعْوِهْ.
وأصله الرجل يبيت بالبلد القفر فيستنبح الكلاب بعُوائه ليندلّ بنُباحها على الحيّ.
وذلك أن رجلًا بات بالقَفْر فاستنبح، فأتاه ذئب، فقال: لو لك عَوَيت لم أَعْوِهْ.
وقال الليث: يقال عَوَيت الحبلَ إذا لويته.
والمصدر العَيّ.
والعَيُ في كل شيء: الليّ.
قال: وعَوَيت رأس الناقة إذا عُجْتها، فانعوى.
والناقة تَعْوِي بُرَتها في سيرها إذا لوتها بخَطْمها.
وقال رؤبة:
* تعوي البُرَى مستوفضات وفضا*
قال: ويقال للرجل إذا دعا قومًا إلى الفتنة: عَوَى قومًا فاستُعْوُوا.
وأخبرني المنذري عن أبي طالب عن سلمة عن الفراء أنه قال: هو يستعوي القومَ، ويستغويهم أي يستغيث بهم.
وقال الليث: المُعَاوية: الكلبة المستحرمة تَعْوِي إلى الكلاب إذا صَرَفت ويَعْوِين.
وقد تعاوت الكلاب.
ويقال تعاوى بنو فلان على فلان وتغاوَوْا عليه إذا تجمّعوا عليه، بالعين والغين.
قال: والعَوَّى مقصور: نجم من منازل القمر، وهو من أنواء البرد.
وقال ساجع العرب: إذا طلعت العَوَّاء، وجَثَمَ الشتاء، طاب الصِّلاء.
وقال ابن كُناسة: هي أربعة كواكب: ثلاث مثفَّاة متفرقة، والرابع قريب منها كأنه من الناحية الشأميّة، وبه سُمِّيت العَوَّاء، كأنه يَعْوِي إليها من عُوَاء الذئب.
قال: وهو من قولك: عويت الثوب إذا لويته، كأنه يَعْوِي لمَّا انفرد.
قال: والعوّاء في الحساب يمانية.
وجاءت مؤنثة عن العرب.
قال: ومنهم من يقول: أول اليمانية السِّماك الرامح، ولا يجعل العَوّاء يمانية؛ للكوكب الفرد الذي في الناحية الشأمية.
وقال ابن هانىء: قال أبو زيد: العَوَّاء ممدود؛ والجوزاء ممدود، والشِّعْرى مقصور.
وقال الليث: العَوَى والعَوَّة لغتان، وهي الدُبُر.
وأنشد:
قيامًا يوارون عَوَّاتهم *** بشتمي وعَوَّاتهم أظهرُ
وقال الآخر في العَوَّى بمعنى العَوَّة:
فهلا شددت العقْد أو بتّ طاويا *** ولم تَفْرُج العوَّى كما يُفرج القَتَبْ
وقال شمر: العَوَّاء خمسة كواكب كأنها كتابةُ ألِف، أعلاها أخفاها.
ويقال: كأنها نون.
وتدعى وَرِكي الأسد، وعرقوب الأسد.
والعرب لا تكثر ذكر نوئها، لأن السماك قد استغرقها وهو أشهر منها وطلوعها لاثنتين وعشرين ليلة تخلو من أيلول، وسقوطها لاثنتين وعشرين ليلة تخلو من آذار.
وقال الْحُصَينيّ في قصيدته التي يذكر فيها المنازل:
وانتثرت عَوّاؤه *** تناثُر العِقْد انقطع
ومن سجعهم فيها: إذا طلعت العَوَّاء ضرب الخِبَاء، وطاب الهواء، وكُرِه العراء، وشَنَّن السقاءُ.
قلت أنا: من قصر العَوَّى شبَّهها باست الكلب، ومن مدّها جعلها تعوِي من يعوِي الكلب، والمد فيها أكثر.
ويقال عَفَت يده وعواها إذا لواها.
وقال أبو مالك: عوت الناقة البُرَة إذا لوتها عَيًّا.
وعَوَى القوم صدور ركابهم وعَوَّوها إذا عطفوها.
أبو عبيد عن الكسائي: عَوَّيت عن الرجل إذا كذَّبت عنه وردَدْت.
أبو عبيد عن أبي زيد: العَوَّة والضَوَّةُ: الصوت.
ثعلب عن ابن الأعرابي: قال العَوِيّ: الذئب: وقال الأصمعي: يقال للرجل الحازم الجلد: ما يُنْهَى ولا يُعْوَى.
وقال أبو العميثل: عَوْيت الشيء عَيًّا إذا أملته.
وقال الفراء: عَوَيت العمامة عَيّة، ولويتها لَيَّة، وعَوَى القوس: عطفها.
وقال ابن الأعرابي: العَوُّ جمعُ عَوَّة، وهي أم سُوَيد.
وقال الليث «عا» مقصور زجر الضَئِين.
وربما قالوا: عَوْ، وعايْ: وعاءِ، كلّ ذلك يقال.
والفعل منه: عَاعَى يُعاعي معاعاة وعاعاة.
ويقال: أيضًا عَوْعى يُعوعِي عوعَاة، وعَيْعَى يعيعى عيعاة وعِيْعَاءَ وأنشد:
وإن ثيابي من ثياب مُحَرِّق *** ولم أستعرها من مُعَاعٍ وناعق
عَيِيَ: أبو حاتم عن الأصمعي: عَيي فلان ـ بياءين ـ بالأمر إذا عجز عنه.
ولا يقال: أعيا به ومن العرب من يقول عَيَ به فيدغم.
ويقال في المشي: أعييت إعياء.
قال: وتكلَّمت حتى عَيِيت عِيًّا.
وإذا
أرادوا علاج شيء فعجزوا يقال: عيِيت وأنا عَيِيّ، وقال النابغة:
* عَيّت جوابًا وما بالربع من أحد*
قال: ولا ينشد: أعيت جوابًا.
وأنشد لشاعر آخر في لغة من يقول عَييَ:
وحَتَّى حَسِبناهم فوارس كَهَمْسٍ *** حَيُوا بعدما ماتوا من الدهر أعصرا
ويقال: أعيا عليَّ هذا الأمر، وأعياني، ويقال: أعياني عَيَاؤه.
قال المَرَّار:
* وأعْيَت أن تجيب رُقى لراقي*
ويقال: أعيا به بعيره وأذَمّ، سواء.
وقال الليث: العِيّ تأسيس أصلِه من عين وياءين وهو مصدر العَيِ قال: وفيه لغتان رجل عَييّ بوزن فعيل، وقال العجاج:
* لا طائش قاقٌ ولا عَييّ *
ورجل عَيُ بوزن فَعْل، وهو أكثر من عَيّ، قال: ويقال: عَيِيَ يَعْيَا عن حُجّته عيًّا وعَيَ يعيا كلُّ يقال؛ مثل حَيي يحيا وحَيّ.
قال الله جلّ وعزّ: {وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42] والرجل يتكلّف عملًا فيَعْيا به، وعنه، إذا لم يهتدِ لوجه عمله.
سلمة عن الفراء: يقال في فعل الجميع من عَيّ: عَيُّوا.
قال وأنشدني بعضهم:
يَحِدْن بنا عن كل حَيّ كأننا *** أخاريس عَيُّوا بالسلام وبالنَسَبْ
وقال آخر:
من الذين إذا قلنا حديثهمُ *** عَيُّوا وإن نحن حدَّثناهم شَغِبوا
قال: وإذا سكن ما قبل الياء الأولى لم تدغم كقولك: هو يُعْي ويُحيى.
قال: ومن العرب من أَدْغَم في مثل هذا قال: وأنشدني بعضهم:
فكأنها بين النساء سبيكة *** تمشي بسدّة بيتها فتُعِيُ
وقال أبو إسحاق: هذا غير جائز عِند حُذّاق النحويين.
وذكر أن البيت الذي استشهد به الفراء ليس بمعروف.
قلت: والقياس ما قال أبو إسحاق، وكلام العرب عليه.
وأجمع القُرَّاء على الإظهار في قوله: {يُحْيِي وَيُمِيتُ} [الأعراف: 158].
وقال الليث: الإعياء: الكلال.
تقول: مشيت فأعييت، وأنا مُعْي.
قال: والمعاياة: أن تداخل كلامًا لا يَهتدي له صاحبُك، قال: والفحل العَيَاياء: الذي لا يَهتدِي لضراب طَرُوقته.
قال: وكذلك هو في الرجال.
قلت: وفي حديث أمّ زرع: أن المرأة السادسة قالت: زوجي عياياء، طباقاء، كلّ داء له داء.
قال أبو عبيد: العيَاياء من الإبل: الذي لا يَضْرب ولا يُلْقح، وكذلك هو من الرجال.
وقال الليث: الداء العَياء: الذي لا دواء له قال ويقال: أيضًا الداء العَيَاء: الْحُمْق.
وقال أبو زيد: جمل عَياء وجِمَال أَعْياء.
وهو الذي لا يُحسن أن يضرب.
وقالوا: حياء الناقة وجمعه أحياء.
وقال شمر: عَيِيت بالأمر وعيِيته، وأعيا عليَّ ذلك وأعياني.
وقال الليث: أعياني هذا الأمر أن أَضبِطه، وعَيِيت عنه.
وقال غيره: عيِيت فلانًا أعْياه أي جهلته.
وفلان لا يَعْياه أحد أي لا يجهله أحد، والأصل في ذلك أن تعيا عن الإخبار عنه إذا سئلت، جهلًا به.
وقال الراعي:
* يَسْأَلْن عنك ولا يعياك مسؤول*
أي: لا يجهلك.
وبنو أَعْيا: حَيّ من العرب والنسبة إليه أعْيَوِيّ.
وداء عَيِيّ مثل عياء.
ويقال: عاعى بالغنم وحاحى عِيعاءً وحِيحَاءً؛ وهو زجرها.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
272-تهذيب اللغة (هجرع)
هجرع: وقال الليث: الهِجْرَع من وصف الكلاب السَلُوقيّةِ الخِفاف.والهِجْرَع: الطويل الممشوق.
قال العجاج:
* أسعر ضربًا أو طُوَا لا هجرعا*
قال والهِجْرَع: الطويل الأحمق من الرجال.
وأنشد:
ولأقضين على يزيدَ أميرِها *** بقضاء لا رِخْوٍ وليس بهِجرع
وروى أبو عبيدة عن الأصمعي: الهجرع بكسر الهاء: الطويل.
وقال شمر: يقال للطويل: هِجرع وهَجرع.
قال: وقال أبو نصر: سألت الفراء عنه فكسر الهاء وقال: هو نادر.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي: رجل هِجْرَع بكسر الهاء، وهَرْجَع بفتح الهاء: طويل أعوج.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
273-تهذيب اللغة (ختعر)
ختعر: وأخبرني المنذري عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال: الخيتعور: الغادر.وروَى عن سلمة عن الفراء أنه قال: يقال للشيطان: الخَيْتَعُور.
ونَوًى خيتعور: وهي التي لا تستقيم.
وقال الليث: الخَيْتَعُور: ما بقي من السراب من آخِره حتى يتفرّق فلا يلبث أن يضمحلّ.
قال وخَتعَرَتُه اضمحلاله.
قال: ويقال: بل الخَيْتَعُور: دُوَيْبة تكون على وجه الماء، لا تلبث في موضع إلّا ريثما تَطْرِف.
وكل شيء لا يدوم على حال ويتلوَّن فهو خَيْتَعُور.
والغُول خيتعور.
والذي ينزل من الهواء أبيضَ كالخيوط أو كنسج العنكبوت هو الخيتعور.
قال والخيتعور الدنيا.
وأنشد:
كل أنثى وإن بدا لك منها *** آيةُ الحبِّ حُبُّها خيتعور
قال: والخَيْتَعُور: الذئب، سمّي بذلك لأنه لا عهد له ولا وفاء.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
274-تهذيب اللغة (صعفق)
صعفق: وقال الليث: الصعفوق: اللئيم من الرجال.وهم الصعافقة، كان آباؤهم عبيدًا فاستعربوا.
وقال العجَّاج:
* من آل صَعْفوق وأتباع أُخَر*
قال: وقال أعرابيّ: ما هؤلاء الصعافقة حولك.
ويقال هم بالحجاز مسكنهم.
رذَالة الناس.
ويقال للذي لا مال له: صَعْفُوق وصعَفْقيّ.
والجميع صعافقة وصعافيق.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي: رجل صَعْفقيّ.
قال: والصعافقة ـ يقال ـ قوم من بقايا الأمم الخالية باليمامة، ضلَّت أنسابُهم.
قال أبو العباس: وغيره يقول: هم الذين يدخلون السوق بلا رأس مال.
ورَوَى أبو عبيد عن الشعبي أنه قال: ما جاءك عن أصحاب محمد فخذه، ودع ما يقول هؤلاء الصعافقة.
قال: وقال الأصمعي: الصعافقة: قوم يحضُرون السوق للتجارة، ولا نَقْد معهم ولا رؤوس أموال فإذا اشترى التجار شيئًا دخلوا معهم.
والواحد صَعْفَقِيّ.
وقال غير الأصمعي: صعفق، وكذلك كل من ليس له رأس مال.
وجمعهم صعافقة وصعافيق.
وقال أبو النجم:
يوم قدرنا والعزيز مَن قدر *** وآبت الخيل وقضّينا الوطر
من الصعافيق وأدركنا المِئَرْ
أراد أنهم ضعفاء ليست لهم شجاعة ولا قوة على قتالنا.
وكذلك أراد الشعبي: أن هؤلاء لا علم لهم ولا فقه، فهم بمنزلة التجار الذين ليس لهم رؤوس أموال.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
275-تهذيب اللغة (عبقر)
عبقر*: وأخبرني المنذري عن بعض أهل اللغة أنه قال: يقال: إنه لأبرد من عَبْقَر، وأبرد من حَبْقَر، وأبرد من عَضْرَس.قال: والعَبْقَر والحَبْقَر والعَضْرس: البَرَدُ.
وقيل العَضْرَسُ: الجليد.
وقيل: العضرس:
نبت.
وأنشد ابن حبيب:
كان فاهًا عَبْقريّ باردٌ *** أو ريح رَوض مسّه تَنضاح رِكَ
وروى بعضهم عن أبي عمرو أنه كان يقول: هو أبرد من عَبِ قُرّ.
قال: والعَبُ اسم للبَرَد.
وروى هذا البيت:
كأن فاهًا عَبُ قُرّ بارد *** أو ريح روض مسّه تنضاح رِك
قال وبه سمي عَبُ شمس.
وقال المبرد: عَبَقُرّ.
قال: والعَبَقُر: البرد.
وقال غيره: عبُ الشمس ضوء الصبح.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
276-تهذيب اللغة (عفلق)
عفلق: عمرو عن أبيهِ: العَفْلق: الفَلْهم.وقال
الليث: العَفْلَق: الفرج من المرأة إذا كان واسعًا رِخْوًا.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي؛ قال العَضَنَّكة والعَفّلَقة: المرأة العظيمة الركبِ.
وأنشد الليث:
* يا ابن رَطُوم ذاتِ فرج عَفْلَقِ *
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
277-تهذيب اللغة (علكد)
[علكد]: وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه أنشده:وعِلْكِد خَثْلتها كالْجُفّ *** قالت وهي توعدني بالكَفّ
ألا املأنَّ وَطْبنا وكُفِ
قال أبو الهيثم العِلْكِد: الداهية والعِلكد: العجوز.
وقال اللحياني والفرّاء: غلام عِلْكِد وعُلاكد وَعَلَكدَ وعُلَكِد: غليظ حَزوّر.
وأنشد الليث:
* أعْيَس مصبور القَرَا عِلْكَدّا*
قال: شدّد الدال اضطرارًا.
قال: ومنهم من يشدّد اللام.
وقال النضر: فيه عَلْكَدَة وجُسْأة، في خَلْقه أي غِلَظ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
278-تهذيب اللغة (جعفر)
[جعفر]: قال والجَعْفَر: النهر الملآن، وبه شبّهت النُوق الغزيرة.قال: وأنشدني المفضّل:
من للجعافر يا قومي فقد صَرِيت *** وقد يساق لذات الصرية الحَلَبُ
وقال الليث: الجَعْفَر: النهر الكبير الواسع وأنشد:
* تأوّد عُسْلوج على شطّ جعفر*
وأخبرني المنذري عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال: الجعفر: النهر الصغير، فوق الجَدْول:
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
279-تهذيب اللغة (سبعر)
[سبعر]: وقال الليث ناقة سِبْعارة وسبعرتُها حِدَّتها ونشاطها إذا رفعت رأسها وخَطَرت بذنبها واندفعت.وأخبرني المنذري عن المبرد قال حدَّثني الرياشي عن الأصمعي قال قيل لمنتجع بن نبهان: ما السَمَيْدَع؟
فقال: السيد الموطّأ الأكناف.
والأكناف: النواحي.
وقال النضر: الذئب يقال له: سَمَيدع لسرعته والرجل السريع في حوائجه سميدع.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
280-تهذيب اللغة (سرعف)
[سرعف]: الليث: السَّرْعَفة: حسن الغِذاء والنَّعمة.وهو سُرْعوف: ناعم.
وأخبرني المنذري عن الشيخيّ عن الرياشيّ قال المُسَرْهَف والمسرعَف: الحسن الغِذاء.
وأنشد غيره:
* سرعفتُه ما شئت من سِرْعاف *
الأصمعي: السُّرْعوفة من النساء الناعمة الطويلة.
وقال النضر: السرعوفة: دابَّة تأكل الثياب.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
281-تهذيب اللغة (قح)
قح: قال الليث: القُحّ: الجافي من الناس ومن الأشياء حتى إنهم ليقولون للبطيخة التي لم تنضج: إنها لَقُحّ.وأنشد الليث:
لا أبتغي سَيْب اللئيم القُحّ *** يكاد من نحنحة وأُحّ
يحكي سُعَال الشَرِق الأبَحِ
والفعل قَحَ يَقُحّ قُحُوحة.
قلت: أخطأ الليث في تفسير القُحّ، وفي قوله للبطيخة التي لم تنضج: إنها لَقُحّ.
وهذا تصحيف.
وصوابه: الفِجّ بالفاء والجيم.
يقال ذلك لكل ثمرة لم تَنْضَج.
وأمّا القُحّ فهو أصل الشيء وخالصه: يقال: عربيّ قُحّ، وعربيّ محض وقَلْبٌ إذا كان خالصًا لا هجنة فيه وفلان من قُحّ العرب وكُحّهم أي من صميمهم.
قال ذلك ابن السكيت وغيره.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: يقال: لأضطرنك إلى تُرِّك وقُحَاحك أي إلى أصلك.
وقال ابن بُزُرْجَ: والله لقد وقعتُ بقَحَاحك، وبقُحَاح قُرّك، ووقعتُ بقُرّك، وهو أن يعلم علمه كله فلا يخفى عليه منه شيء.
وقال أبو زيد: القُحَاح والتُّرُّ: الأصل.
وأنشد:
* وأتت في المأروك من قُحَاحها*
أبو العباس عن ابن الأعرابي: عبد كُحّ وكِحّ، وعبد قُحّ إذا كان خالص العُبُودة.
وكذلك لئيم قُحّ إذا كان معروفًا له في اللؤم.
وقال الليث: القُحْقُح فوق القَبّ شيئًا والقَبَّ: العظم الناتىء من الظهر بين
الألْيتين.
وقال ابن شميل القُحْقُح: ملتقى الوركين من باطن والخَوْرانُ بين القَحْقح والعُصْعُص، قال والقُحْقُح ليس من طَرَف الصُلْب في شيء.
وملتقاه من ظاهري العُصُعُص.
قال: وأعلى العصعص العَجْب وأسفله الذَنَب.
وقال غيره: القُحْقُح: مجتمع الوَرِكين، والعُصْعُص: طرف الصُلْب الباطن.
وطرفه الظاهر العَجَب والخَوَرَان هو الدبر.
أبو العباس عن ابن الأعرابي: هو القُحْقُح والفَنِيك والعِضْرِط والجزأة النَوْض والناق والعُكْوَةَ والعُزَيزاء والعُصْعُص.
ويقالُ لضحك القرد: القَحْقَحة ولصوته الخَنْخَنة.
وروى أبو العباس عن عمرو عن أبيه يقال: قَرَب مُحَقْحَق، ومُقَحْقَح، وَقرَب مُهَقْهَق ومُقَهْقَه: شديد.
قلت وهذا من مبدل المقلوب.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
282-تهذيب اللغة (حج)
حج: قال الليث: الحج: القصد والسير إلىالبيت خاصة، تقول حَجَ يَحُجّ حَجًّا قال: والحَجّ قضاء نُسُكِ سنة واحدة.
وبعض يكسر الحاء فيقول الحِجّ والحِجَّة وقرىء: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97].
و {حَج البيت} والفتح أكثر.
وقال أبو إسحاق الزجاج في قول الله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُ الْبَيْتِ} يقرأ بفتح الحاء وكسرها، والفتح الأصل.
تقول: حججت البيت أَحُجّه حَجّا إذا قصدته.
والْحِجُ اسم العمل.
قال وقوله: {الْحَجُ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} [البقرة: 197].
معناه: أشهر الحج أشهر معلومات، وهي شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
وقال الفراء: معناه: وقت الحج هذه الأشهر.
وأخبرني المنذري عن أبي طالب في قولهم: ما حَجّ ولكنه دَجّ قال: الحجّ: الزيارة والإتيان، وإنما سمي حاجًا بزيارته بيت الله.
وقال دُكَين:
ظلَ يُحَجّ وظللنا نحجبُه *** وظلّ يرمي بالحصى مبوِّبُه
قال: والداجّ: الذي يخرج للتجارة.
الحراني عن ابن السكيت: يقال حَجّ حَجًّا وحِجًّا.
قال المنذري: وسمعت أبا العباس يقول: قال الأثرم وغيره: ما سمعنا من العرب حججت حَجَّة ولا رأيت رَأْية إنما يقولون حججت حِجَّة ولا رأيت رَأْية إنما يقولون حججت حِجَّة.
قال والحَجّ والحِجّ ليس عند الكسائي بينهما فُرْقَانٌ، وغيره يقول: الحَجّ حجّ البيت والحجُ عمل السَّنَة.
قال أبو العباس: حججت فلانًا واعتمرته أي قصدته.
قال: وقال أبو عبيدة في قول المخبَّل:
وأشهدُ من عوف حُلُولا كثيرة *** يَحُجُّون سِبَّ الزبرقان المزعفرا
أي: يقصدونه.
وقال غيره حججت فلانًا إذا أتيته مرَّة بعد مرة، فقيل حجّ البيت لأن الناس يأتونه كل سنة.
أبو عبيد عن الكسائي: كلام العرب كله على فعلت فَعْلة، إلَّا قولهم: حججت حِجَّة ورأيته رُؤية.
وقال الليث: يقال للرجل الكثير الحج: إنه لحجَّاج بفتح الجيم من غير إمالة.
قال: وكل نعت على فعّال فهو غير ممال الألف؛ فإذا صيَّروه اسمًا خاصًّا تحوّل عن حال النَّعْتِ ودخلته الإمالة كاسم الحجَّاج والعجَّاج.
قال والحَجِيج جماعة الحاجّ.
قلت: ومثله غازٍ وغَزِيّ، وناجٍ ونَجِيّ ونادٍ ونَدِيّ للقوم يتناجَون ويجتمعون في مجلس.
وقال الليث: ذو الحِجّة شهر الحَج.
قال: وتقول حَجَ علينا فلان أي قدِم علينا.
قال والمَحَجَّة: قارعة الطريق.
وقال ابن بُزُرج: الحَجَوَّج: الطريق يستقيم مرة ويعوجَّ أخرى وأنشد:
أجدُّ أيامك من حَجَوَّجِ *** إذا استقام مرة يُعَوَّجِ
وقال الليث: الحِجَّة: شَحْمة الأذن.
وقال
لبيد يذكر نساء:
يَرُضْن صعاب الدُرّ في كل حِجّة *** وإن لم تكن أعناقهن عواطلا
قال وقال بعضهم: الحِجّة هاهنا الموسم.
وقيل: في كل حِجَّة أي في كل سنة وجمعها حجج.
عمرو عن أبيه قال الحِجّة: ثُقْبة شحمة الأذن.
وقاله ابن الأعرابي أيضًا.
أبو عبيد عن الأصمعي الحجيج من الشَّجَاج: الذي قد عولج، وهو ضرب من علاجها.
قال وقال أبو الحسن الأعرابي: هو أن يُشَجُّ الرجل فيختلط الدم بالدماغ فيُصبَّ عليه السمن المُغْلَى حتى يظهر الدم عليه فيؤخذ بقطنة.
يقال منه حججته أحُجُّه حجًّا.
أبو العباس عن ابن الأعرابي حججت الشَجَّة إذا سبرتها.
قال وسمعت ابن الفقعسي يقول حججتها: قِسْتها.
وحكى شمر عنه نحو ذلك.
قال وقال ابن شميل: الحجّ أن تفلق الهامة فينظر هل فيها وَكْس أو دم.
قال: والوَكْس أن يقع في أُمّ الرأس دم أو عظام أو يصيبها عَنَت.
قال وقال الأصمعي: الحج أن تقدح في العظم بالحديد إذا كان قد هُشِم حتى تقلع التي قد جفّت، ثم يعالج ذاك، فيقال قد حُجَ حجًّا.
وقال أبو ذؤيب:
وصُبّ عليها الطِيبُ حتى كأنها *** أَسِيٌّ على أُمّ الدماغِ حجيج
وأخبرني المنذري عن ابن السكيت أنه أنشده:
يحج مأمومة في قعرها لَجَف *** فاستُ الطبيب قذاها كالمغارِيد
قال: يحجّ: يصلح، مأمومة: شجة بلغت أم الرأس.
وقال الليث: الحُجّة: الوجه الذي يكون به الظفر عند الخصومة، وجمعها حُجَج.
قلت: وإنما سميت حُجة لأنها تُحَجُ أي تُقصد؛ لأن القصد لها وإليها.
وكذلك مَحَجَّة الطريق هي المقصد والمسلك.
وقال ثعلب: حججته أي قصدته.
ومن أمثال العرب: لجّ فحجّ.
قال بعضهم: معناه: لجّ فَغَلب مَنْ لاجّه بحُججه.
يقال: حاججته أُحَاجُّه حِجَاجًا ومُحاجَّة حتى حججته أي غلبته بالحجج التي أدليتُ بها.
وقيل معنى قوله: لَجَ فحج أنه لجّ وتمادى به لَجَاجة أنه أدَّاه اللجاج إلى أن حجّ البيت الحرام، وما أُراه أريد إلا أنه هاجر أهلَه بلجاجه حتى خرج حاجًّا.
وقال الليث: الحِجَاج: العظم المستدير حول العين، ويقال بل هو الأعلى الذي تحت الحاجب، وأنشد قول العجاج:
* إذا حجاجا مقلتيها هجَّجا*
وقال ابن السكيت: هو الحِجَاج والحجاج: العُظيم المطبِق على وَقْبة العين، وعليه ينبت شعر الحاجب، وحِجاج الشمس حاجبها وهو قَرْنها.
يقال: بدا حِجاج الشمس، وحَجاجا الجبل: جانباه.
أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الحُجج الطرق المحَفَّرة.
والحُجُج: الجراح المسبورة.
وقال ابن دريد: الحَجَّة: خرزة أو لؤلؤة تعلَّق في الأذن.
ويقال للقوم الحُجَّاج: حُجّ وأنشد:
* حُجّ بأسفل ذي المجاز نزول*
وقال أبو عمرو رأس أحجّ صُلب.
وقال المرار يصف الركاب في سفر كان سافره:
ضربن بكل سافلة ورأس *** أحَجَ كأن مُقْدمَه نَصِيل
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
283-تهذيب اللغة (حط)
حط: قال الليث: الحَطّ: وضع الأحمال عن الدوابّ.تقول: حَطَطْت عنها.
وإذا طَنِي البعيرُ فالتزقت رئته بجنبه يقال: حَطَّ الرجلُ عن جنب بعيره بساعده دَلْكًا على حيال الطَنَى، حتى ينفصل عن الجَنْب.
تقول حَطّ عنه، وحَطّ، قال: والحَطّ الحَدْر من العُلُوّ.
وأنشد:
* كجلمُود صخر حَطّه السيلُ من عَلي*
والفعل اللازم الانحطاط.
ويقال للهَبُوط: حَطُوط.
وقال الأصمعي: الحطّ: الاعتماد على السير.
وناقة حَطُوط، وقد حَطّت في سيرها.
وقال النابغة:
فما وخَدتْ بمثلك ذات غَرْب *** حَطُوطٌ في الزمام ولا لَجُونُ
وقال الأعشى:
فلا لعمر الذي حَطّت مناسِمُها *** تَخْدِي وسِيق إليه الباقر الغُيُل
حَطَّت في سيرها وانحطت أي اعتمدت.
يقال ذلك للنجيبة السَّريعَة.
قال ذلك الليث.
ويقال: حَطّ الله عنك وِزْرَك في الدعاء أي خَفّف عن ظهرك ما أثقله من
الإزْر.
وقال أبو إسحاق في قول الله جلّ وعزّ: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البَقَرَة: 58] قال: معناه: قولوا مسألتنا حطةٌ أي حُطّ ذنوبنا عنّا.
وكذلك القراءة.
قال: ولو قرئت {حِطَّةً} كان وَجْهًا في العربية، كأن قيل لهم: قولوا احطُط عنا ذنوبنا حِطّة.
فحرَّفوا هذا القول وقالوا لفظة غير هذه اللفظة التي أُمروا بها.
وجملة ما قالوا إنه أمر عظيم سمَّاهم الله به فاسقين.
وأخبرني المنذري عن ابن فهم عن محمد ابن سَلّام عن يونس في قوله (وَقُولُوا حِطَّةٌ) هذه حكاية، هكذا أمروا.
وقال الفراء في قوله {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البَقَرَة: 58] يقال ـ والله أعلم ـ: وقولوا ما أمرتم به: {حِطَّةٌ} أي هي حِطَّة.
فخالفوا إلى كلام بالنَبَطِيَّة.
فذلك قوله {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة: 59].
وروى سَعِيد بن جُبَير عن ابن عباس في قوله: {وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّدًا} [البَقَرَة: 58] قال: رُكّعًا، {وَقُولُوا حِطَّةٌ}: مغفرة، قالوا: حنطة، ودخلوا على أستاههم، فذلك قوله {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} الآية.
وقال الليث: بلغنا أن بني إسرائيل حين قيل لهم: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} إنما قيل لهم ذلك كي يستحِطّوا بها أوزارهم، فتُحطَّ عنهم.
قال: ويقال حَطّ الله عنك وِزْرك، ولا أنقض ظهرك.
وقال ابن الأعرابي: قيل لهم (قُولُوا حِطَّةٌ) فقالوا حنطة سَمَقاثا أي حِنْطة جيّدة.
قال وقوله: أي كلمة بها تحطّ عنكم خطاياكم، وهي لا إله إلّا الله.
الفراء: حَطّ السعرُ وانحطّ حُطوطًا وكَسَر وانكسر، يريد فَتَر، وقال: سعر مقطوط، وقد قُطَّ السعرُ وقَطَّ السعرُ، وقطَّ الله الشَّعر إذا غلا.
وقال الليث: الحَطَاطة: بَثْرة تخرج في الوجه صغيرة تُقَيِّح ولا تَقْرح، وأنشد:
ووجه قد جلوتِ أميم صاف *** كقَرْن الشمس ليس بذي حَطَاط
قال: وربما قالوا للجارية الصغيرة: يا حَطَاطة.
وقال الأصمعي: الحَطَاط: البثر، الواحدة حَطَاطة.
وأنشد:
قام إلى عذراء في الغُطاط *** يمشي بمثل قائم الفُسطاط
* بمكفهرّ اللون ذي حَطاط*
وقال أبو زيد: الأجرب العين الذي تَبْثُر عينه ويلازمها الحَطَاط وهو الظَبظاب والجُدْجُد.
وقال الليث: جارية محطوطة المتن مَحْدُودة حسِنة وقال النابغة:
* محطوطة المتنين غير مفاضة*
وقال أبو عمرو: حطّ وحَتّ بمعنى واحد.
وفي الحديث جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غصن شجرة يابسة فقال بيده وحَطّ ورقها مَعناه: وحَت ورقها.
والحطيطة: ما يُحَطّ من جملة الحساب فيُنقص منه، اسم من الحطّ، وتجمع حطائط، يقال حطّ عنه حطيطة وافية.
والمِحطّ من الأدواتِ قال ابن دريد: حطّ الأديم بالمِحطّ يحطّه حطًّا وهو أن ينقشه به ويقال يصقل به الأديم.
وقال غيره: المِحَطّ من أدوات النَطَاعين والذين يجلّدون الدفاتر: حديدة معطوفة الطرف.
أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الحُطُط: الأبدان الناعمة، والحُطُط أيضًا: مراكد السفل.
عمرو عن أبيه الحِطّة: نقصان المرتبة.
وأديم محطوط: وأنشد:
تثير وتُبدي عن عروق كأنها *** أعِنّة خَرّاز تُحَطّ وتُبْشَر
أبو عمرو الحُطائط: الصغير من الناس وغيرهم وأنشد:
والشيخ مثل النسر والحطائط *** والنسوة الأرامل المَبَالط
ويقول صبيان الأعراب في أحاجيهم: ما حُطَائط بُطائط يميس تحت الحائط، يعنون الذّرّة والحِطاط شِدة العَدْو.
والكعب الحطيط: الأدرم.
والحِطَّان: التيس.
وحِطّان من أسماء العرب.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
284-تهذيب اللغة (حن)
حن: قال الليث: الحِنّ: حَيّ من الجنّ،يقال: منهم الكلاب السود البُهم.
يقال: كلب حِنّي.
ثعلب عن سلمة عن الفراء قال: الحِنّ: كلاب الجنّ.
رُوي ذلك عن ابن عباس.
وقال غيره، هم سَفِلة الجن.
عمرو عن أبيه المحنون: الذي يُصرع ثم يُفيق زمانًا.
وقال الليث: حنين الناقة على معنيين.
حنينها: صوتُها إذا اشتاقت إلى ولدها.
وحنينها نزاعها إلى ولدها من غير صوت.
وقال رؤبة:
حَنَّتْ قَلوصِي أمس بالأُرْدُنّ *** حِنِّي فما ظُلِّمت أن تحنِيّ
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في أصل أسطوانة جِذْع في مسجده، ثم تحوّل إلى أصلِ أخرى، فحنّت إليه الأولى، ومالت نحوه حتى رجع إليها، فاحتضنها فسكنت.
وقال أبو الهيثم: يقال للسهم الذي يصوّت إذا نَفَّزْتَه بين إصبعيك: حَنَّان.
وأنشد قول الكميت:
فاستل أهزع حنّانا يعلّله *** عند الإدامة حتى يرنو الطرِب
إدامته: تنفيزه.
يعلّله: يغنّيه بصوته.
حتى يرنو له الطرب: يستمع إليه وينظر متعجّبًا من حسنه.
قال أبو الهيثم: والحَنّان الذي يحِنّ إلى الشيء.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: الحَنّان من أسماء الله بتشديد النون بمعنى الرحيم.
قال: والحَنَان بالتخفيف: الرحمة.
قال: والحَنَان: الرزق، والحَنَان: البركة.
والحَنَان الهيبة، والحَنَان: الوقار.
أبو عبيد عن الأموي: ما نرى لك حَنَانًا أي هيبة.
وقال الليث: الحَنَان: الرحمة، والفعل التحنُّن.
قال: والله الحَنَّان المنَّان الرحيم بعباده ومنه قوله تعالى: {وَحَنانًا مِنْ لَدُنَّا} [مريَم: 13] أي رحمة من لدنا.
قلت: والحَنَّان من أسماء الله تعالى، جاء على فعّال بتشديد النون صحيح.
وكان بعض مشيايخنا أنكر التشديد فيه؛ لأنه ذهب به إلى الحنين، فاستوحش أن يكون الحنين من صفات الله تعالى، وإنما معنى الحنّان: الرحيم من الحَنَان وهو الرحمة.
وقال شمر الحَنِين بمعنيين.
يكون بمعنى النِزاع والشوق من غير صوت، ويكون الصوتَ مع النزاع والشوق.
يقال: حنّ قلبي إليه، فهذا نزاع واشتياق من غير صوت، وحَنَّت الناقة إلى أُلَّافها فهذا صوت مع نِزاع.
وكذلك حَنَّت إلى ولدها.
وقال الشاعر:
يعارضْن مِلواحا كأن حنينها *** قبيل انفتاق الصبح ترجيع زامر
وأما قولهم: حنانك وحنانيك فإن الليث قال: حنانيك يا فلان افعل كذا أو لا تفعل كذا تذكّره الرحمة والبِرّ.
وقال طرفة:
* حنانيك بعض الشر أهون من بعض*
وقال أبو إسحاق في قوله: {وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنانًا مِنْ لَدُنَّا} [مريم: 12، 13]
أي: وآتيناه حنانًا.
قال: والحَنَان: العطف والرحمة.
وأنشد:
فقالت حنان ما أتى بك هاهنا *** أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف
أي: أَمْرُنا حنان أي عطف ورحمة.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده:
ويمنحها بنو شَمَجى بن جَرْم *** مَعِيزهم حنانك ذا الحنان
يقول رحمتك يا رحمن فأغنني عنهم.
وقال الفراء في قوله تعالى: و (وَحَنانًا مِنْ لَدُنَّا) الرحمة، أي وفعلنا ذلك رحمة لأبويك.
قلت: وقولهم: حنانيك معناه: تحنّن عليّ مرة بعد أخرى، وحنانًا بعد حنان، وأذكِّرك حنانًا بعد حنان.
ويقال: حَنّ عليه أي عطف عليه، وحنّ إليه أي نزع إليه.
وقال أبو إسحاق: الحَنّان في صفة الله: ذو الرحمة والتعطّف.
وقال الليث: بلغنا أن أمّ مريم كانت تسمّى حَنّة.
قال: والاستحنان: الاستطراب.
وعُود حنّان مطَرِّب.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: حَنّة الرجل: امرأته: وهي طَلّته.
عمرو عن أبيه: هي حَنّته وكَنِينته، ونَهْضته، وحاصَفَتْه وحاضنته.
وقال الليث: الحُنّة: خِرقة تلبسها المرأة فتغطّي رأسها.
قلت: هذا حاقّ التصحيف الوحش.
والذي أراد: الخَبّة بالخاء.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن سلمة عن الفراء أنه قال: الخَبِيبة: القطعة من الثوب.
وروينا لأبي عبيد عن الفراء أنه قال الخَبة: الخرقة تخرجها من الثوب فتعصِب بها يدك، يقال خَبّة وخُبّة وخَبِيبة.
قلت: وأما الحُنّة بالحاء والنون فلا أصل له في باب الثياب.
ومن أمثال العرب: لا تعدم أدماء من أُمّها حَنّة يضرب مثلًا للرجل يُشبه الرجل.
قلت: والحَنّة في هذا المثل: العطفة والشفقة والحَيْطة.
وقال أبو زيد: يقال: ماله حانّة ولا جارّة.
فالحانة: الإبل التي تَحِنّ إلى أوطانها.
والجارّة: الحَمُولة تحمل المتاع والطعام.
وفي بعض الأخبار أن رجلًا أوصى ابنه فقال: لا تتزوجنّ حنانة ولا منانة.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: قال رجل لابنه: يا بُنيّ إيّاك والرَقُوبَ الغضوب، الأنّانة الخنّانة والمنّانة.
قال: والحَنَّانة: التي كان لها زوج قبله فهي تذكُره بالتحزّن والأنين والحنين إليه.
الحراني عن ابن السكيت: قال: الحَنُون من النساء: التي تتزوّج، رِقّة على ولدها إذا كانوا صغارًا ليقوم الزوج بأمرهم.
ومن أمثال العرب: حنّ قِدْح ليس منها، يضرب مثلًا للرجل ينتمي إلى نسب ليس منه، أو يدّعي ما ليس منه في شيء.
ويقال رجع فلان يخُفَّيْ حُنَين.
يضرب مثلًا لمن يرجع بالخيبة في حاجته.
وأصله أن رجلًا جاء إلى عبد المطلب بن هاشم وعليه خُفّان أحمران، وقال له: أنا ابن أسَد بن هاشم، فقال له عبد المطلب: لا وثيابِ هاشم، ما أرى فيك شمائل هاشم، فارجع راشدًا، فانصرفَ خائبًا.
وكان يقال: حُنَين، فقيل رجع بخُفي حُنين.
وحُنَين: اسم وادٍ، به كانت وقعة أوْطاس.
وقد ذكره الله في كتابه فقال: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} [التوبة: 25].
وروى سلمة عن الفراء وابن الأعرابي عن المفضل أنهما قالا: كانت العرب في الجاهلية تقول لجمادي الآخرة: حَنِين، وصُرف لأنه عُني به الشهر.
أبو عبيد عن الأصمعي يقال: ما تَحُنُّني شيأ من شرّك أي ما تردّه.
وقال شمر: ولم أسمع تَحُنُّنِي بهذا المعنى لغير الأصمعي.
ويقال حُنّ عنا شرّك أي اصرفه، والمجنون من الحقّ: المنقوص.
يقال ما حننتك شيأ من حقّك أي ما نقصتك.
والحَنِين للناقة، والأنين للشاة.
يقال: ماله حانّة ولا آنّة، أي ما له شاة ولا بعير.
وخِمْسُ حَنّان أي بائص.
وقال الأصمعي: أي له حَنِين من سرعته.
والحَنّان: اسم فَحْل من فحول خيل العرب معروف.
ويقال: حَمَل فحنّن كقولك: حمل فهلّل إذا جَبُن.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
285-تهذيب اللغة (حف)
حف: قال الليث: الحُفوفُ: يُبوسَةٌ مِنْ غير دسم قال رؤبة:قالتْ سُليمى أَنْ رأَتْ حفُوفِي *** مع اضطرابِ اللَّحمِ وَالشُّفوفِ
وقَالَ الأصمعيُّ: حَفَ يحِفُ حفوفًا وأَحْفَفْتُه.
وقالَ: سويقٌ حافٌ: لمْ يُلَتَّ بِسَمْنٍ.
عَمْرو عنْ أَبيه: الحَفَّةُ: الكَرامةُ التامّةُ، ومنهُ قولُهم: مَنْ حفَّنَا أو رفَّنَا فليقتصد.
وقَالَ أَبو عُبَيْد: مِنْ أمْثَالِهم في القَصْدِ في المدحِ «مَنْ حفَّنَا أوْ رَفَّنَا فليقتصد».
يقُولُ: مَنْ مدحنا فلا يغْلُوَنَّ في ذلك وَلكن ليتكلم بالحقِّ.
وقَالَ الأصمعي: هوَ يَحِفُ وَيرِفُّ أَيْ يقومُ ويقعدُ، وينصح ويشْفقُ، قَالَ: وَمعنى يحفّ: تسمع له حفيفًا، ويقَال: شجر يَرِفُّ إذا كَانَ له اهتزازٌ منَ النّضَارةِ.
وأخبرني المنذريُّ عنْ ثعْلَب عَنْ سَلَمَةَ عَنِ الفَرَّاء قَالَ: يُقَالُ: ما يَحُفُّهم إلي ذلك إلَّا الحاجةُ يريدُ ما يدْعُوهُم ومَا يُحوِجهم.
وقَالَ اللَّيثُ: احتفَّت المرأةُ إذا أَمرت مَنْ يحُفُ شعر وَجهِها نتْفًا بخيطين.
وَحفَّت المرأة وَجههَا تحُفُّهُ حَفًّا وَحِفَافًا.
وَحَفَ القومُ بسيِّدِهِم يَحُفُّونَ حَفًّا إذا أَطَافُوا به وَعكَفوا، وَمنْهُ قولُ الله جَلَّ وَعز: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزُّمَر: 75]، قَالَ الزَّجّاجُ: جَاءَ في التفْسير معنى حَافِّينَ مُحْدِقينَ.
وقال الأصمَعيُّ: يُقَالُ: بقِيَ مِنْ شَعرِهِ حِفافٌ وَذلكَ إذا صلِعَ فبقِيتْ طُرّةٌ من شعرِه حولَ رأْسهِ قَالَ: وَجمعُ الحِفَافِ أَحِفَّةٌ.
وقَال ذو الرُّمَّةِ يصفُ الجِفَانَ التي يُطعُمُ فيهَا الضِّيفَانُ:
لهُنَّ إذَا أَصبَحْنَ منهم أَحِفةٌ *** وحينَ يروْنَ الليلَ أقبلَ جائيَا
قالَ: أَراد بقوله: لهُنَّ أَي للجفَانِ أَحِفّةٌ أَي قومٌ استداروا بهَا يأكلون من الثَّرِيدِ الذي لُبِّقَ فيهَا واللُّحْمَانِ التي كُلِّلتْ بها.
قال الأصمعيُّ: وحفَ عليهم الغَيْثُ إذا اشتدَّت غَبْيَتُه حتى تسمعَ له حَفِيفًا، ويقال: أجرى الفرسَ حتى أحَفَّه إذا حمله على الحُضْرِ الشّديدِ حتى يكون له حَفيفٌ.
قال: ويقال: يبِسَ حَفَّافُه وهو اللّحمُ اللّيِّنُ أسفل اللهَاة.
قال: والمِحَفَّةُ: مَركبٌ من مراكِبِ النِّساء، وقال اللَّيثُ: المِحَفَّةُ: رحلٌ يُحَفُ بثوب تركبه المرأةُ.
قال: وحِفَافَا كُلِّ شيء: جانباه، وقال طرَفة:
كَأَنَّ جَنَاحَيْ مَضْرَبِيٍّ تَكَنَّفَا *** حِفَافَيْهِ شُكَّا في العسيب بمسرد
يصف ناحِيَتي عَسِيب ذنب النَّاقة.
قال: والحفيف: صوتُ الشيء، كالرَّمْية، وطيران الطائر، والتهاب النار، ونحو ذلك.
وقال اللَّيثُ: حَفُ الحائِك: خَشَبَتُه العريضة يُنَسِّقُ بها اللُّحمَةَ بين السَّدَى.
أبو عبيد عن الأصمعيّ قال: الحَفّ بغير هاءٍ هو المَنْسَجُ وأما الحَفَّةُ فهي الخشبة التي يَلُفُّ عليها الحائكُ الثَّوْبَ.
وقال أبو زيد: يقال: ما أنت بِنِيرَةٍ ولا حَفَّة.
معناه: لا تَصْلُح لشيءٍ، قال: فالنِّيرَةُ هي الخشبةُ المُعْترِضة، والحفَّةُ: القصباتُ الثَّلاثُ.
وروى أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: الذي يضرِبُ بهِ الحائِكُ كالسيفِ الحِفَّةُ بالكسر، وأما الحَفُ فالقصبة التي تجيءُ وتذهب، كذا هو عند الأعراب.
وقال الليثُ: الحَفَّانُ: الخَدَم.
والحَفَّانُ: الصِّغارُ منَ الإبل والنَّعام، الواحدةُ حَفَّانَةٌ.
وأنشد:
وَزَفّت الشَّوْلُ من بَرْدِ الْعَشِيّ كَمَا *** زَفَّ النَّعامُ إلى حَفَّانِه الرُّوحُ
أبو عُبَيْد عن الأصمعي: الحَفّانُ: وَلَدُ النَّعامِ، الواحدةُ حَفَّانَةٌ، الذكرُ والأنثى جميعًا.
وقال ابن دُرَيْد: حفَفْتُ الشيءَ حَفًّا إذا قشَرْتَه، ومنهُ حَفَّتِ المرأةُ وجهها، قال: ومنهُ الحَفَفُ وهو الضِّيقُ والفقرُ.
أبو عُبَيد عن الأصمعيّ: أصَابهُم مِنَ العيشِ ضَفَفٌ وحَفَفٌ وقشفٌ كلُّ هذا من شِدَّةِ العيشِ.
قال: وجاءَنا على حَففِ أمرٍ، أي على ناحيةٍ منه، ثعلبٌ عن ابن الأعرابيِّ قال: الضَّفَفُ: القِلَّةُ، والحَفَفُ: الحاجةُ.
قال: وقال العُقَيْلِيّ: وُلِدَ الإنسانُ على حفف، أي على حاجة إليه، وقال: الضَّفَفُ والحفَفُ واحدٌ، وأنشد:
هَدِيَّةً كَانَتْ كَفَافًا حَفَفَا *** لَا تَبْلُغُ الْجارَ وَمَنْ تَلَطُّفَا
وقال أبو العبَّاس: الضَّفَفُ: أن تكون الأَكَلَة أكثر من مقدار المالِ، والحَفَفُ: أن تكون الأكلةُ بمقدارِ المال، قال: وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أَكلَ كان من يأْكُلُ معه أكثر عددًا من قدر مبلغ المأْكُولِ وكَفَافِه، قال ومعنى قوله: ومن تلطَّفا أي من بَرَّنا لم يكن عندنا ما نَبَرُّه.
وقال ابن السكيت: يقال: ما رُئيَ عليهم حفَفٌ ولا ضَفَف أي أثَرُ عَوَزٍ، وأُولئك قوم محفوفون، وقد حَفّتهم الحاجةُ إذا كانوا محاويج.
وقال اللِّحياني: إنه لَحَافٌ بَيِّنُ الحفُوفِ أي شديدُ العين.
ومعناهُ أنه يُصِيبُ النَّاس بِعَيْنه.
أبو زيد: ما عند فلانٍ إلا حَفَفٌ مِنَ المتَاعِ، وهو القوتُ القليلُ.
ويقال: حَفَّتِ الثَّرِيدةُ إذا يَبِسَ أعلاها فَتَشَقَّقَتْ، وحَفَّتِ الأرضُ وقفَّت إذا يَبِسَ
بَقلها.
وفرسٌ قَفِرٌ حافٌ: لا يسمن على الصَّنعة.
وحِفَافُ الرمل: مُنَقَطَعُهُ وجمعه أَحِفَّةٌ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
286-تهذيب اللغة (حم)
حم: قال اللّيثُ: حُمّ هذا الأمرُ إذا قُضِي قضاؤهُ قال: والحِمامُ: قضاءُ الموت.وتقُولُ: أحمّني هذا الأمرُ واحْتَممْتُ له كأنه اهتمام بحَميمٍ قريبٍ، وأنشد الليثُ:
تعزَّ عن الصّبابة لا تُلامُ *** كأنّك لا يُلِم بك احْتمامُ
وقال في قَوْل زُهير:
* مضت وأحمَّت حاجةُ اليوم ما تخلو*
قال معناه: حانتْ ولزِمتْ، وقال الأصمعي: أَجمّت الحاجةُ بالجيم تُجِمُّ إجمامًا إذا دنت وَحانت، وأنشد بيت زُهير بالجيم قال: وأَحمَ الأمرُ فهو يُحِمُ إحمامًا، وأمرٌ مُحمٌ وذلك إذا أَخذَكَ منه زَمَعٌ واهتمامٌ.
قال: وحُمَ الأمرُ إذا قُدِّرَ ويقال: عَجِلت بنا وبكم حُمةُ الفِراقِ أي قُدِّر الفراق ونزلَ به حِمامُه أي قَدره وموته.
قلت: وقد قال بعضهم في قولِ الله: {حم} [غافر: 1] معناهُ قُضِيَ ما هو كائنٌ، وقال آخرون: هي مِنَ الْحروفِ المُعجمَةِ وعليه العملُ.
وقال ابنُ السِّكِّيت: أَحَمّت الحاجةُ وَأَجَمّت إذا دَنتْ وأنشد:
حيِّيا ذلك الغزالَ الأحمّا *** إن يَكُنْ ذلك الفراقُ أَجَمَّا
الكسائيُّ: أَجَمَّ الأمرُ وأَحمَ إذا حانَ وقتُه.
وقال الفرَّاء: أَحَمَ قدومُهم: دنَا، ويقالُ: أجَمَّ.
شَمِر عن أبي عمرو: وأحَمَ وأجَمَّ: دنَا، وقالت الكِلَّابية: أحَمَ رحيلُنا فنحنُ سائرونَ غدًا، وأَجَمَّ رحيلُنا فنحنُ سائرون اليومَ إذا عزمنا أن نسير من يومنا.
عمرو عن أبيه: ماء محمومٌ وممكولٌ ومَسْمولٌ ومنقوصٌ ومَثمودٌ بمعنى واحد.
وقال الليث: الحَميم: القريبُ الذي تَوَدُّهُ وَيودُّك.
والحامَّةُ: خاصّةُ الرجلِ مِنْ أهلِهِ وَوَلدِهِ وذي قرابته.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الحَميمُ: القرابةُ، يُقالُ: مُحِمٌ مُقرِبٌ.
وَقال الفراءُ في قوله تعالى: {وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} [المعَارج: 10] لا يسألُ ذو قَرابةٍ عن قرابتهِ ولكنّهُمْ يَعرفونهم ساعةً ثمّ لا تعارُفَ بَعدَ تلك الساعة.
الليث: الحَمِيم: الماء الحاءِّ والحمّام: مشتق من الحَمِيمِ تُذَكِّره العرب.
وقال أبو العباس: سألتُ ابن الأعرابي عن الحميم في قول الشاعر:
وساغ لي الشرابُ وكنتُ قبلًا *** أكاد أَغَصُّ بالماء الحَميم
فقال: الحميم: الماء البارد، قلت: فالحميم عند ابن الأعرابي من الأضداد، يكون الماءَ الحارّ ويكون البارد.
وأنشد
شَمِر بيت المُرَقَّش:
كلَّ عِشاء لها مِقطرة *** ذات كِباء مُعَدٍّ وحَميم
قال شمر: قال ابن الأعرابي: الْحميم إن شئت كان ماءً حارًّا، وإن شئت كان جمرًا تتبخَّر به.
أبو عبيد عن الأصمعي: الحميم: العَرَق.
واستَحَمّ الفَرَس إذا عَرِق، وأنشد للأعشى:
يَصيدُ النَّحوصَ ومِسجَلَها *** وجَحْشَيْهما قبل أن يَستَحِمّ
وقال أيضًا: استَحَمّ إذا اغتسل بالماء الحَمِيم.
وقال الأصمعي: أَحَمّ نفسَه إذا غسلها بالماء الحارّ قال: وشربْتُ البارحة حَمِيمة أي ماء سخنًا.
قال: ويقال: جاء بمَحَمّ أي بقُمقُم يُسخَّن فيه الماء.
ويقال: اشرب على ما تجد من الوَجَع حُسًا من ماءٍ حَمَيم تُريد جمع حُسْوة من ماءٍ حار.
شمِر: الْحميم: المطر الذي يكون في الصيف حين تَسخُن الأرض.
وقال الهُذَلي:
هنالك لو دَعَوْتَ أَتاك منهم *** رجالٌ مِثلُ أَرْمِيَة الحميم
وقال ابن السِّكِّيت: الْحميمة: الماء يُسَخَّن، يُقال: أَحِمُّوا لنا بالماء.
قال: والْحَمِيمة وجمعها حمائم: كرائم الإبل يقال: أخذ المُصَدِّق حمائم الإبل أي كرائمها.
ويقالُ: طابَ حَمِيمُك وحِمَّتُك: للذي يخرُجُ من الحمَّام أي طاب عَرَقُكَ.
الليثُ: الحمَامةُ: طائرٌ.
تقول العرب: حمامةٌ ذكرٌ وحمامةٌ أُنثى والجميعُ الحَمام.
وأنشد:
* أَو الِفًا مَكَّة من وُرْقِ الحِمَى*
أراد الحمام.
أبو عبيد عن الكسائي: الحَمامُ هو البَرِّيُّ الذي لا يألفُ البيوتَ قال: وهذه التي تكون في البيوت هي اليَمامُ.
وقال: قال الأصمعيُّ: اليَمامُ: ضرْبٌ منَ الحمام بَرِّيّ، قال: وأما الحمام فكلُّ ما كان ذا طَوْقٍ مثلَ القُمْرِيّ والفاخِتَةِ وأشباهها.
وأخبرني عبد الملك عن الربيع عن الشافعيِّ أنه قال: كلُّ ما عَبَّ وهَدَر فهو حَمامٌ يدخلُ فيه القَمَارِيُّ والدَّباسِيُّ والفَوَاخِتُ سواءً كان مُطَوَّقَةً أو غيرَ مُطَوَّقَةٍ آلفةً أو وحْشِيّةً.
قلت: جعل الشافعيُّ اسم الحمام واقعًا على ما عبَّ وهَدَرَ لا على ما كان ذا طَوْقٍ فيدخُلُ فيها الوُرْقُ الأهْلِيَّة والمُطَوّقَةُ الوَحْشِيَّة.
ومعنى عَبَّ أي شَرِبَ نَفَسًا نَفَسًا حتى يَرَوَى ولم يَنْقُر الماء نقرًا كما يفعله سائر الطير.
والهدير صوت الحمام كلِّه.
ثعلبٌ عن ابن الأعرابي: الحمامة: المرآة والحمامةُ: خِيارُ المال، والحمامةُ: سَعْدانَةُ البعيرِ، والحمامةُ: ساحةُ القَصْر النَّقيَّة، والحمامةُ: بَكَرَةُ الدَّلوِ.
وأنشد المُؤَرِّج:
* كأن عَيْنَيْهِ حَمَامتان *
أي: مرآتان.
والحمامة: المرأة الجميلة.
الليث: الحُمَامُ: حُمَّى الإبل والدَّوابِّ.
يقال: حُمَ البعيرُ حُمَامًا، وحُمَ الرجلُ حُمَّى شديدةً.
قال: والمَحَمَّةُ: أرضٌ ذات حُمَّى ويقال: طعامٌ مَحَمَّةٌ إذا كان يُحَمُ عليه الذي يأكله.
قال: والقياس أحَمَّتِ الأرضُ إذا صارت ذات حُمّى كثيرة.
قال: وحُمَ الرجلُ وأَحَمَّه الله فهو مَحمومٌ.
وهكذا قال أبو عُبَيد رواية عن أصحابه.
وقال ابن شُمَيل: الإبلُ إذا أكلت النَّدى أخذها الحُمامُ والقُماح.
فأما الحُمَامُ فيأخذها في جلدها حَرٌّ حتى يُطلى جسدُها بالطين فتدعُ الرَّتْعة ويذهبُ طِرْقُها، يكُون بها الشهر ثم يذهبُ وأما القُماحُ فإنه يأخُذُها السُّلَاحُ ويذهبُ طِرْقُها ورِسْلُها ونسْلُها.
يقال: قامحَ البعيرُ فهو مُقامِحٌ، ويقال: أخذ الناسَ حُمامُ قُر وهو المُومُ يأخذُ الناس.
وقال الليث: الحَمّةُ: عينُ ماءٍ فيها ماءٌ حارٌّ يُستشفى بالاغتسال فيها.
وفي الحديث: «مَثَلُ العالِم مثلُ الحَمَّة يأتيها البُعَداء ويتركها القُرَباء، فبينا هي كذلك إذْ غار ماؤها وقد انتفع بها قومٌ وبقي أقوامٌ يتَفكّنُون» أي يتندمون.
وقال الليث: الحَمُ: ما اصطهرْتَ إهالَته من الألْيَة والشَّحم.
والواحدةُ حَمَّةٌ.
قال أبو عُبَيد عن الأصمعي: ما أُذِيب من الأَلْيَةِ فهو حَمٌ إذا لم يبق فيه وَدَكٌ، واحدته حَمَّة، قال: وما أُذيب من الشحم فهو الصُّهارةُ والجَمِيلُ، قلت: والصحيح ما قاله الأصمعي.
وسمعت العرب تقول:
ما أُذيب من سَنامِ البعير حَمٌ، وكانوا يُسَمُّون السَّنامَ الشحم.
وقال شمر عن ابن عُيَيْنة: كان مَسْلَمةُ بن عبد الملك عربيًا وكان يقول في خطبته: إنَّ أقلَّ الناس في الدنيا هَمًّا أقلُّهم حَمًّا، قال سُفْيان: أراد بقوله: أقلهم حَمًّا أي مُتعة، ومنه تحميم المُطَلَّقة.
أبو عُبَيد عن الفراء: ما له حَمٌ ولا سَمٌّ، وما له حُمٌ ولا سُمٌّ غيرُك أي ما له هَمٌّ غيرك.
أبو عبيد يقال: حَمَمْتُ حَمَّه أي قصدتُ قصدَه.
وقال طَرَفةُ:
جَعَلَتْه حَمّ كلْكَلها *** من رَبِيع دِيمةٌ تَثِمُه
الأُمَويُّ: حاممتُه مُحامّةً: طالبْتُه.
ابنُ شُمَيل: الحَمَّة: حجارةٌ سود تراها لازقةً بالأرض، تَقود في الأرض الليلة والليلتين والثلاثَ، والأرضُ تحتَ الحجارة تكون جَلَدًا وسُهولة، والحجارة تكون مُتدانية ومتفرقةً، تكون مُلْسًا مثل الْجُمع ورُؤوس الرجال، وجمْعُها الحِمام، وحجارتُها متقلِّع ولازقٌ بالأرض، وتُنبِت نبتًا كذلك ليس بالقليل ولا بالكثير.
وقال أبو زيد: أنا مُحامٌ على هذا الأمر أي ثابت عليه.
وقال الليث: الحُمَمُ: الفحم البارد، الواحدة حُمَمةٌ.
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ رجلًا أَوْصى بَنيهِ عند موته فقال: إذا أنَا مُتُّ فاحرقوني بالنار، حتى إذا صرتُ حُمَمًا
فاسحَقوني ثم ذَرُّوني في الرِّيح، لعلِّي أَضِلُّ الله».
قال أبو عُبَيد: الحُمَمُ: الفحم.
الواحدة حُمَمةٌ وبها سُمِّى الرِّجُل حُمَمة.
وقال طَرَفَة:
أشَجَاكَ الرَّبْعُ أَمْ قِدَمُهْ *** أَمْ رَمادٌ دَارس حُمَمُهْ
وقال الليث: الحُمَمُ: المنايا، واحدُها حُمّةٌ.
ويقال: عَجِلت بنا حُمّة الفراق وحُمَّةُ الموت، وفلانٌ حُمَّةُ نفسي وحُبَّة نفْسي.
ثعلبٌ عن ابن الأعرابيِّ: يقال: لِسَمِّ العقرب الحُمَّةُ والحُمَةُ، وغيره لا يُجيز التشديد، يجعل أَصلَه حُمْوَةً.
وقال الليث: الحَممُ: مصدر الأحَمِ والحميم الْحُمُ وهو الأسود من كل شيء، والاسم الحُمَّةُ.
يقال: به حُمَّةٌ شديدةٌ، وأنشد:
* وقاتمٍ أحمرَ فيه حُمّةٌ*
وقال الأعشى:
فأما إذا ركبوا لِلصَّبَاح *** فأَوْجُهُهُمْ مِن صدَى البَيْضِ حُمُ
وقال النابغة:
* أَحْوَى أَحَمِ المُقْلَتَيْنِ مُقَلَّدِ*
وقال أبو إسحاق في قول الله جلّ وعزّ: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} [الواقِعَة: 43].
قال: اليَحْمُومُ: الشديد السواد.
وقيل: إنه الدُّخَانُ الشديد السواد.
وقيل: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} أي من نار يعذَّبون بها، ودليل هذا القول قول الله جلّ وعزّ: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزُّمَر: 16] إلا أنه موصوفٌ في هذا الموضع بشدة السواد.
وقيل: اليَحْمُومُ: سُرادق أهل النار.
وقال الليث: اليَحْمُومُ: الفرس.
قلت: اليحمومُ: اسم فرس كان للنعمان بن المُنذر سُمِّي يَحمومًا لشدة سواده.
وقد ذكره الأعْشَى فقال:
ويأمر لليحموم كلَّ عَشيَّةٍ *** بِقَتٍّ وتعليقٍ فقد كاد يَسْنق
وهو يفعولٌ من الأحَمِ الأسود.
وقال أبو عُبَيد: اليحمومُ: الأسودُ من كلِّ شيء.
وفي حديث عبد الرحمن بن عوف أنه طلَّقَ امرأته ومتَّعها بخادمٍ سوداءَ حَمَّمها إياها.
قال أبو عُبَيد: معنى حَمَّمها إياها أي مَتَّعها بها بعد الطلاق.
وكانت العرب تُسَميها التحميم.
وأنشد:
أنت الذي وهبْتَ زيدًا بعد ما *** هَمَمتُ بالعجوز أن تُحَمُّمَا
هذا رجل وُلد له ابن سُمّاه زيدًا بعد ما كان هَمَّ بتطليق أُمِّه.
وقال أبو عُبَيدٍ: قال الأصمعيّ: التّحميم في ثلاثة أشياء هذا أحدها.
ويُقال.
حَمَّمَ الفرْخُ إذا نبت ريشُه.
قال: وحَمَّمت وجه الرجل إذا سَوَّدته بالحُمم، وحَمَّمَ رأسُه بعد الحلْق إذا اسود.
وفي حديث أَنَس: أنه كان إذا حَمَّم رأسُه
بمكةَ خرج فاعتَمَر.
وقال الليث: الحَمْحَمة: صوْتٌ لِلْبِرْذَوْنِ دُون الصوت العالي، وللفرس دون الصهيل.
يُقال: تحمْحَم تَحَمْحُمًا، وحَمحم حمحمةً، قلت: كأنه حكايةُ صوتِه إذا طلب العلَفَ أو رأى صاحبَه الذي كان أَلِفه فاستأنس إليه.
أَبو عُبَيدٍ عن الأصمعيّ: الحِمْحِمُ: الأسْودُ، والحِمْحِمُ: نباتٌ في البادية.
قلت: وهو الشُّقَّارَى وله حب أسود، وقد يقال له: الخمْخِمُ بالخاءِ وقال عنترة:
* وَسْطَ الديار تَسَفُّ حَبَّ الخِمْخِم*
وَحَمُومةُ: اسم جبل في البادية.
أبو عمرو: وحمحم الثَّور إذا نَبَّ وأَرادَ السِّفاد.
وثيابُ التَّحِمَّة: ما يُلبِس المُطلِّقُ امرأتَه إذا مَتَّعهَا ومنه قوله:
فإنْ تَلبَسِي عَنَّا ثياب تَحِمَّةٍ *** فلن يُفلح الواشِي بك المُتَنَصِّحُ
ونبتٌ يَحْمُومٌ: أخضرُ رَيَّانُ أَسودُ.
والحُمَامُ: السّيدُ الشّريفُ، قلتُ: أُراهُ في الأصلِ الهُمام فقُلبت الهَاءُ حاءً وقال:
أَنَا ابن الأكْرمِينَ أَخُو المعالي *** حُمَامُ عشيرتَي وقِوامُ قَيْسِ
واليحاميمُ: الجبالُ السُّودُ.
والحَمامةُ: حلْقةُ البابِ، والحمامةُ مِنَ الفرسِ: القَصُّ قاله أبو عُبيدة.
وقال اللِّحْيانِيّ: قال العامريُّ: قلتُ لبعضهم: أَبَقِي عِندكم شيءٌ؟ فقال هَمْهَامِ، وَحَمْحَامِ، ومَحْمَاحِ، وبَحْبَاح، أي لم يبقَ شيءٌ.
وقال المُنْذِريُ: سُئِلَ أبو العباس عن قوله: (حم).
.
.
(لا يُنْصَرُونَ).
فقال معناهُ: والله (لا يُنْصَرُونَ) الكلامُ خبرٌ ليس بدُعاء.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
287-تهذيب اللغة (قرح)
قرح: قال الليث: القَرْح والقُرْح لُغَتان في عَضّ السِّلاح ونحْوِه مِمَّا يَجْرَحُ الجَسَد، وتقول: إنه لقَرِح قَرِيح وبه قَرْحَة دامِيَة، وقد قَرِحَ قَلْبُه من الحُزْنِ.وقال الفَرَّاء في قَوْل الله جلّ وعزّ: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} [آل عِمرَان: 140] و {قُرْحٌ} قال: وأكثر القُرّاء على فَتْحِ القاف، وكأَنّ القُرْحَ أَلَمُ الجِراح بأَعْيانها.
قال: وهو مثل الوجْد والوُجْد.
و {لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} وإلّا جَهْدَهم.
وقال الزّجَاج: القُرْح والقَرَح عند أهل اللغة بمعنى واحد، ومعناهما الجِراح وأَلَمُها يقال: قد قَرِح الرجل يقْرَح، قَرَحًا، وأصابه قَرْح، ثم حكى قولَ الفَرَّاء بعينه.
أبو عُبَيْد: القَرِيح: الجَرِيح، وأنشد:
لا يُسْلِمون قَرِيحًا كَانَ وَسْطَهم *** يوم اللِّقاء ولا يُشْوُون مَن قَرَحوا
وقال أبو الهَيْثم: القَرِيحُ: الذي به قُرُوحٌ.
والقَرِيح.
الخالِص.
وقال أبو ذُؤَيب:
وإنّ غُلامًا نِيلَ في عهد كاهِل *** لَطِرْفٌ كنَصْل السَّمهريِ قَرِيحُ
نِيلَ أي قُتِلَ في عَهْد كاهل أي وله عهد وميثاق.
الليثُ: القَرْحُ: جَرَب شديد يأخذ الفُصْلان فلا تكاد تنجو يقال: فَصِيل مقرُوح.
وقال ابن السكيت: قَرَح فلان فلانًا بالحقِّ إذا استقبلَه، وقَرَحه إذا جَرَحه يقْرَحَه، وقد قَرِح يَقْرَح إذا خرجَتْ به قُرُوح.
قلت: الذي قاله الليث مِن أن القَرْح جَرَب شديد يأخذ الفُصْلان غلط، إنما القَرْحَة: داءٌ يأخذ البعير فيهدَل مِشْفَرُه منه.
وقال البعيث:
ونحن منَعنا بالكُلاب نساءنا *** بضرب كأفواه المُقَرِّحة الهُدْلِ
وقال ابن السِّكّيت: المقرِّحة: الإبِل التي بها قُرُوح في أفواهها فتَهْدَل لذلك مَشافرها: قال: وإنما سَرَق البَعِيث هذا المعنى من عمرو بن شاس
وأسيافُهم آثارهُن كأنها *** مشافِرُ قَرْحَى في مَبارِكها هُدْلُ
وأخذه الكُمَيت فقال:
تُشَبِّه في الهام آثارها *** مَشافر قَرْحَى أَكلْنَ البريرا
قلت: وقَرْحَى جَمْع قَرِيح فَعِيل بمعنى مفعول: قُرِحَ البعير فهو مقروح وقريح إذا أصابته القَرْحة وقرَّحت الإبل فهي مُقرِّحة، والقَرْحة ليست من الجرَب في شيء.
شمر عن ابن الأعرابي والفراء: إبِلٌ قُرْحان: وهي التي لم تجرب قطْ.
قالا: والصبيُّ إذا لم يُصبه جُدَرِيٌ قُرحان أيضًا.
وأنت قُرحان من هذا الأمر وقُراحِيٌ أي خارج.
وقال جرير:
نُدافع عنكم كلّ يوم عظيمةٍ *** وأنتَ قُراحِيٌ بِسِيف الكواظِم
أي: أنت خِلْوٌ منه سليم.
وقال أبو زيد: يقال للذي لم يُصبه في الحَرْب جراحة قُرْحانٌ.
وقال شمر: قال بعضهم: القُرحانُ من الأضْداد: رجلٌ قُرْحان للذي قد مَسَّه القُرُوحُ، ورجل قُرحان لم يَمْسَسْه قَرْحٌ ولا جُدَرِيّ ولا حَصْبة، وكأنه الخالِص الخالي من ذلك، ورجل قَرِيح: خالص، وأنشد بيت أبي ذُؤَيب.
أبو عُبَيْد عن الفراء في البعير والصبيِ القرحان مِثل ما روى شَمِر.
قال أبو عُبَيْد: ومنه الحديث الذي يُرْوى أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قَدِموا مع عُمَر الشام وبها الطاعون، فقيل له: إنّ مَن معك مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قُرْحانٌ فلا تُدْخلهم على هذا الطاعون.
وقال شَمِر: قُرْحان إن شئت نَوَّنْت وإن شئت لم تُنَوَّن.
أبو العباس عن ابن الأعرابي يقال: اقترَحْتُه واجْتَبيتُه وخَوَّصتُه وخلَّمْته واختلمتُه واستخلصتُه واستميتُه كله بمعنى اخترْتُه.
ومنه يقال: اقترح عليه صوت كذا، وكذا أي اختاره.
الليث: ناقَةٌ قارح، وقد قَرَحَتْ تقْرَح قُرُوحًا إذا لم يَظُنُّوا بها حَمْلًا، ولم تُبشِّر بذنَبِها حتى يَسْتبين الحمل في بطنها.
أبو عُبَيْد: إذا تم حملُ الناقة ولم تُلْقِه فهي حين يَستبين الحملُ بها قارحٌ، وقد قَرَحَتْ قُرُوحًا.
وقال الليث: اقترحْتُ الجملَ اقتراحًا أي رَكِبتْه من قبل أن يُرْكَبَ.
قال: والاقتِراحُ: ابتِداعُ الشيْء تَبْتَدِعُه وتقترِحُه من ذات نفْسِك من غير أن تسمَعَه.
قلت: اقتِراح كل شيء: اختياره ابتداء.
يقال: قَرَحْتُه واقترحْتُه واجْتَبَيْتُه بمعنى واحد.
وقُرْحُ كلِّ شيء: أَوَّله.
يقال: فلان في قُرْحِ الأربعين أي أولها، رواه أبو العباس عن ابن الأعرابي: وقَرِيحةُ الإنسانِ: طبيعتُه التي جُبِل عليها وجمْعُها قرائحُ لأنها أولُ خِلقتِه.
والقريحةُ: أَوّل ماء يَخرج من البئر حين تُحفَر، رواه أبو عُبَيد عن الأمويّ.
وأنشد:
فإنكَ كالقريحةِ عامَ تُمْهَى *** شَرُوبُ الماء ثم تعودُ ماجَا
ثعلب عن ابن الأعرابي: قال: الاقتِراحُ:
ابتداءُ أول الشيء.
وقال أوْس:
على حينَ أن جَدَّ الذكاءُ وأدركَتْ *** قريحةُ حِسْي من شُرَيْح مُغَمِّم
يقول: حين جَدَّ ذكائي أي كَبِرْتُ وأَسْنَنْتُ وأدرك من ابني قريحة حِسْي يعني شِعر ابنِه شُرَيح بن أوس شَبَّهه بماء لا ينقطعُ ولا يُغَضْغَضُ.
مُغَمْمِّمٌ أي مُغْرِق.
الليث: يقال للصُّبْح أَقْرَحُ لأنه بياضٌ في سواد.
وقال ذو الرُّمة:
وَسُوجٌ إذا الليلُ الخُدارِيُّ شَقَّه *** عن الرَّكْب معروفُ السّماوَةِ أَقْرَح
يعني الصبح.
قال: والقُرحةُ: الغُرّة في وَسط الجَبهة.
والنعت أقرحُ وقرحاءُ.
وقال أبو عُبَيدة: الغُرّة: ما فوق الدرهم والقُرْحةُ: قَدْرُ الدِّرهم فما دونه.
وقال النّضرُ: القُرْحةُ: ما بين عَيْنَي الفرس مثل الدِّرهم الصغير.
قلت: وكُلهم يقول: قَرِحَ الفرسُ يقْرَحُ فهو أَقْرحُ، وأنشد:
تُباري قُرْحةً مثل الوتي *** رةِ لم تكن مَغْدا
يصف فرسًا أُنثى، والوَتيرة: الحَلْقة الصغيرة يُتَعلَّم عليها الطعن والرّمْيُ.
والمَغْدُ: النّتْف أخبرَ أن قُرحتَها جِبِلَّةٌ لم تَحدث عن علاج نَتْف.
وقال الليث: رَوْضَة قرحاءُ: في وَسَطِها نَوْرٌ أَبْيضُ.
وقال ذو الرمة:
حَوّاءُ قَرْحاءُ أَشْرَاطِيَّةٌ وَكَفَتْ *** فيها الذِّهابُ وحَفَّتْها البَرَاعيم
وقال الليث: القارح من ذِي الحافر: بمنزلة البازِلِ.
يقال: قَرَحَ الفرس يَقْرَحُ قُرُوحًا فهو قارح، وقَرَحَ نابُه.
والجمع قُرَّحٌ وقُرْحٌ وقوارحُ ويقال للأنثى: قارحٌ ولا يقال قارحة.
وأنشد:
والقارِحَ العَدَّا وكلَّ طَمِرّةٍ *** ما إنْ يُنَالُ يدُ الطّويلِ قَذَالَها
والقارح أيضًا: السِّنُّ التي بها صار قارحًا.
وأخبرني المُنذِريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: إذا سَقَطَتْ رَبَاعِيَةُ الفرس ونَبَتتْ مكانَها سِنٌّ فهو رَباع، وذلك إذا اسْتَتمَّ الرابعة، فإذا حان قروحه سقطت السِّنّ التي تلي رَباعيَتَه ونبت مكانَها نابُه، وهو قارحُه وليس بعد القُروح سُقوطُ سنّ ولا نبات سنٍّ، قال: وإذا دخل في الخامسة فهو قارحٌ.
وقال غَيرُ ابن الأعرابي: إذا دخل الفرس في السادسة واسْتَتمْ الخامسة فقد قَرِحَ.
وقال الأصمعيّ: إذا ألقَى الفرس آخِرَ أسنانِه قيل قد قَرَحَ.
وقُروحُه: وقوعُ السنِّ التي تَلِي الرّباعِيَة.
قال: وليس قروحُه نباتَه ونحوَ ذلك قال ابن الأعرابي.
وقال الليث: القُرْحانُ والواحدة قُرْحانة: ضرْب من الكَمْأَة بِيضٌ صغار ذواتُ رؤوسٍ كرؤوس الفُطْرِ.
وقال الليث: القَراحُ: الماءُ الذي لا يُخالطه ثُفْلٌ من سَويق ولا غيره ولا هو الماءُ الذي يُشْرَبُ على أثر الطعام.
وقال جرير:
تُعَلِّلُ وَهْي سَاغِبَةٌ بَنِيهَا *** بأنفاس من الشَّبمِ القَراح
قال: والقَراح من الأرض: كلُّ قطعة على حِيالِها من منابتِ النَّخل وغَير ذلك.
قلت: القراحُ من الأرض: البارزُ الظاهرُ
الذي لا شجرَ فيه.
وروى شَمِر عن أبي عُبيد أنه قال: القَراحُ من الأرض: التي ليس فيها شجرٌ ولم يَخْتَلِط بها شيء.
قال: والقِرْوَاحُ مثلُه.
وقال ابن شُمَيل: القِرْواح: جَلَدٌ من الأرضِ وقاعٌ لا يَسْتَمسك فيه الماء وفيه إشرافٌ وظَهرُه مُستوٍ لا يَستقرُّ به ماءٌ إلَّا سال عنه يمينًا وشمالًا.
قال: والقِرواحُ تكونُ أرضًا عريضة نحوَ الدَّعْوة وهو لا نبت فيها ولا شجر: طينٌ وسمالقُ.
وقال شمر: قال غيره: القِرْواح: البارزُ ليس يستُرهُ من السماء شيء.
وقال ابن الأعرابيّ: القِرواحُ: الفضاءُ من الأرض المستوِي.
قال: والقَرَاحُ: الخالص من كلِّ شيء الذي لا يُخالطه شيء غيره.
ومنه قيل: ماء قَراح.
والقَراح من الأرض: التي لَيس بها شجر ولم يَخْتَلِطْ بها شيء.
وأنشد قول ابن أحمر:
* عَضَّت من الشَّرِّ القراحِ بِمُعْظَمِ*
عمرو عن أبيه قال: القِرْواحُ من الإبل: التي تَعافُ الشرابَ مع الكِبار فإذا جاء الدَّهداه، وهي الصِّغارُ شَرِبَت معهن.
وقال ابن الأعرابي: قَرِيحُ السَّحابة: ماؤها.
وقال ابن مُقْبل:
* وكأنما اصْطَبَحت قرِيحَ سَحابَة*
وقال الطِّرمّاح:
ظَعائِنُ شِمْنَ قَرِيح الخريف *** مَن الأنجُم الفُرْغ والذَّابحة
قال: والقَريحُ: السَّحابُ أولَ ما ينشأ.
وفلان يشوي القراح أي يُسَخّنُ الماء.
شَمِر عن أبي مَنْجوف عن أبي عُبيدة:
قال: القُراحُ: سِيف القَطِيف، وأنشد للنّابغةِ:
قُرَاحِيَّةٌ أَلْوَتْ بِليفٍ كأنها *** عِفاءُ قَلُوص طار عنها تَوَاجر
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
288-تهذيب اللغة (تواجر)
تواجر: تَنْفُقُ في البيع لحسنها.وقال جرير:
ظعائن لم يَدِنَّ مع النَّصَارَى *** ولم يَدرين ما سَمَكُ القُراح
وقال في قوله:
* وأنت قُرَاحِيٌ بِسِيفِ الكَواظِم*
قال أبو عمرو: قُرَاحٌ: قَريةٌ على شاطىء البحر نسبة إليها.
والقُراحِيُ والقُرْحانُ: الذي لم يَشهد الحرب.
أبو زيد: قُرْحَةُ الرّبيع: أَوّله، وقرحةُ الشِّتاءِ: أوله.
وأخبرني المنذِرِيّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي: قال: لا يُقْرِّحُ البَقْلُ إلا من قدر الذراع من ماء المَطَر فما زاد.
قال: وتقريحه: نباتُ أصله، وظهور عُودِه.
قال: ويَذُرُّ البَقْلُ من مطرٍ ضعيف قَدْر وَضَحِ الكَفِّ ولا يُقَرِّحُ إلا مِن قدر الذِّراع.
وقال أبو عبيدة: والقُرَيحاءُ: هَنَةٌ تكون في بطن الفرس مثل رأس الرَّجُل.
قال: وهي
من البعير لَقَّاطَةُ الحَصَا.
قال: ومن أسْنان الفَرَسِ القارِحان، وهما خلْفَ رباعِيَتَيْه العُلْيَيَيْن، وقارحان خلف رَباعِيَتَيْه السُّفْلَيَيْنِ، ونَابانِ خَلْف قارِحَيْه الأَعْلَيَيْنِ، ونَابانِ خَلْفَ رَباعيتَيْه السُّفْلَيَيْنِ.
وطريقٌ مَقْرُوح: قد أُثِّرَ فيه فصار مَلْحُوبًا بَيِّنًا مَوْطُوءًا.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
289-تهذيب اللغة (حقل)
حقل: قال الليث: الحَقْلُ: الزرع إذا تَشعَّب قبل أن يَغْلُظ سوقه.يقال: أَحقَلَت الأرضُ وأحقلَ الزرعُ.
وقال أبو عُبيد: الْحَقْلُ: القَراحُ من الأرض.
قال: ومَثَل لهم: «لا تُنبِت البقلةَ إلا الحَقْلةُ» قال: ومنه نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عن المُحَاقَلة قال: وهو بَيْعُ الزرعِ في سُنْبُله بالبُر، مأخوذٌ من الْحقْل القَراح.
وأخبرني المَخْلدي عن المُزَني عن الشافعي عن سفيان عن ابن جُرَيج، قلت لعطاء: ما المُحَاقَلة؟ قال: المُحاقلة: بَيْعُ الزرع بالقَمْح قال: وهكذا فسّره لي جابر.
قلت: فإن كان مأخُوذًا من إحقَال الزرعِ إذا تَشَعّب كما قال الليث فهو بيع الزرع قبل صلاحه وهو غَرَرٌ، وإن كان مأخوذًا من الحَقْل وهو القَرَاح، وباع زرعًا في سُنْبُلِه نابتًا في قَرَاح بالبُرّ فهو بَيْع بُرٍّ مَجْهُول بِبُرّ معلوم ويدخله الرِّبَا: لأنه لا يؤمَن التَّفَاضل، ويدخله الغَرَرُ لأنه مُغَيَّب في أَكْمامه.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الحقل بالحقل أن يبيع زرعًا في قَراح بزرع في قَراح، قلت: وهذا قريب مما فَسّره أبو عُبيد.
وروى عَمْرو عن أبيه أنه قال: الحقلُ: الموضعُ الجَارِسُ وهو الموضعُ البِكْر الذي لم يُزرع فيه قط زَرْع.
وقال ابنُ الأعرابي: ومن أمثالهم: «لا تُنْبِتُ البقلةَ إلا الحَقْلَةُ»، يضْرب مثلًا للكلمة الخَسِيسَة تخرج من الرجل الخسيس.
وقال الليث: الحَقِيلة: ماء الرُّطْب في الأمعاء، ورُبّما جعله الشاعر حقْلًا وأنشد:
* إذا الْغُرُوضُ اضْطَمَّت الحَقَائِلا*
قلت: أراد بالرُّطْب البقولَ الرَّطْبة من العُشْب الأخضر قبل هَيْج الأرضِ ويَجْزَأُ المالُ حينئذ بالرُّطْب عن الماء وذلك الماء الذي يَجْزَأُ به النَّعَم من البُقُول يقال له الحَقْل والحَقِيلَة، وهذا يَدُل على أن الحَقْل من الزرع ما كان رَطْبا غَضًّا.
وروى شمر عن ابن شُمَيل قال: المُحَاقَلَة: المُزارَعة على الثلث والرُّبع.
قال: والحقلُ: الزرعُ: وقال إذا ظهر ورقُ الزَّرع واخضرّ فهو حَقْل، وقد أَحْقَلَ الزَّرْعُ ونحو ذلك قال الشيباني.
وقال شمر: قال خالد بن جَنْبَةَ: الحقلُ: المَرعَةُ التي يزرع فيها البُرُّ وأنشد:
لَمُنْدَاحٌ من الدَّهْنَا خَصِيبٌ *** لتَنْفَاح الجنوب بهِ نَسيم
أَحَبُّ إليّ من قَرَيات حِسْمَى *** ومن حَقْلَيْن بينهما تُخُوم
وقال شمر: الْحَقْلُ: الرَّوْضَةُ، وقالوا: مَوْضِع الزّرْع.
والحاقِلُ: الأكَّارُ.
أبو عبيد عن الأصمعي: ومن أَدْوَاءِ الإبِلِ الْحَقْلَةُ.
يقال حَقِلت تَحْقَل حَقْلَةً.
وقال العَجّاجُ:
* ذاكَ وتَشْفِي حَقْلَةَ الأمْرَاضِ*
وقال رؤبة:
* في بَطْنِه أَحْقَالُه وبَشَمه*
وهو أن يَشرَب الماءَ مع التُّراب فَيَبْشَم.
وقال أبو عمرو: الحَقلة: وَجَع في البطن يقال: جمل محقُول.
قال: وهو بمنزلَة الحَقْوَة، وهو مَغْسٌ في البطن.
وقال الليث: الحِقْلَةُ: حُسافة التمر وما بقي من نُفاياتِه.
قلت: لا أَعْرِف هذا الحرْف وهو مُرِيب.
قال الليث: والحَوْقل: الشيخ إذا فَتَر عن الجماع.
وقال أبو الهيثم: الحوقل: الرجل الذي لا يَقدر على مُجامعة النساء من الكِبر أو الضَّعف.
وأنشد:
أقول قَطْبًا ونِعمَّا إن سَلَق *** لَحَوْقَلٍ ذِراعُه قد امّلق
وقال:
وكنت قد حَوْقلْت أو دَنَوْتُ *** وبعد حِيقَال الرِّجال الموْتُ
وقال الليث: الحَوْقَلة: الغُرْمُول اللَّيِّن وهو الدَّوْقلة أيضًا.
قلت: وهذا حرف غَلِط فيه الليث في لفظه وتفسيره، والصواب الحوْفلة ـ بالفاء ـ وهي الكَمَرة الضخمة مأخوذة من الحفل وهو الاجتماع والامتلاء.
قال ذلك أبو عمرو وابن الأعرابي.
والحوقلة بالقاف بهذا المعنى خطأ.
وقال بعضهم: المحاقلة: المزارعة بالثّلُث والرُّبع وأقل من ذلك وأكثر، وهو مِثل المخابرة، والمحاقِلُ: المَزَارعُ، والقول في المحاقَلة ما رَويناه عن عطاء عن جابر وإليه ذهب الشافعي وأبو عُبيد.
وقال اللحياني: حوْقلَ الرجل إذا مشى فأعْيا وضَعُف.
وقال أبو زيد: رجل حَوْقل: مُعْيٍ، وقد حوْقل إذا أعْيا، وأنشد:
مُحَوقِلٌ وما به من بَاسِ *** إلا بقايا غَيْطل النُّعاسِ
وفي «النوادر»: أحقلَ الرجلُ في الركوب إذا لَزِم ظَهْرَ الراحِلة.
ويقال: إحقِلْ لي من الشراب وذلك من الحِقْلة والْحُقلة، وهو ما دُون مِلء القَدَح.
وقال أبو عُبيد: الحِقلة: الماءُ القليل.
وقال أبو زيد: الحِقلة: البقية من اللّبنِ وليست بالقليلة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
290-تهذيب اللغة (لقح)
لقح: الليث: اللِّقاحُ: اسمُ ماءِ الفحل، واللقَّاح: مصدر قولك: لَقِحَت الناقةُ تَلْقَح لَقاحًا إذا حملت، فإذا استبان حَمْلُها قيل استبان لَقاحُها فهي لاقِح.قال: والمَلْقَح: يكون مصدرًا كاللَّقاح وأنشد:
* يشهَدُ منها مَلْقَحًا ومَنْتَحا*
وقال في قول أبي النجم:
* وقد أَجَنّتْ عَلَقا ملقوحا*
يعني لَقِحَتْهُ من الفَحْل أي أخَذَته.
وروي عن ابن عباس أنه سُئل عن رجل له امرأتان أرضعت إحداهُما غلامًا، وأرضَعَت الأخرى جارية: هل يتزوّج الغلام الجارية؟ قال: لا، اللِّقاحُ واحد.
قلت: قد قال الليث: اللِّقاح: اسمِ لِمَاء الفحل، فكأنّ ابن عباس أراد أن ماء الفَحْل الذي حَمَلتا منه واحد، فاللبن الذي أرضَعَت كلُّ واحدة منهما مُرْضَعَها كان أصله ماء الفحل، فصار المُرْضعان وَلَدَين لزوجهما: لأنه كان ألقَحَهما.
قلت: ويحتمل أن يكون اللَّقاحُ في حديث ابن عباس معناه الإلقاح.
يقال: ألقَحَ
الفحل الناقة إلقاحًا ولَقَاحًا فالإلقاح مصدر حقيقي، واللَّقَاح اسم يقوم مَقام المصدر، كقولك أعْطَى عَطاء وإعطاء وأصلح إصلاحًا وصلاحًا، وأنبت إنباتًا ونَباتًا.
قلت: وأصلُ اللَّقاح للإبل، ثم استُعيرَ في النساء، فيقال: لَقِحَت إذا حَمَلت.
قال ذلك شَمِر وغيره من أهل العربية.
وقال الليث: أولاد الملَاقِيح والمضَامِين نُهي عن ذلك في المُبَايَعة، لأنهم كانوا يَتَبَايعون أولادَ الشَّاة في بطون الأمَّهات وأصلابِ الآباء، قال: فالملَاقِيح في بطون الأمَّهات، والمضامين في أصلاب الفحول.
وقال أبو عُبيد: الملَاقِيح: ما في البطون وهي الأَجِنَّة، الواحدة منها مَلْقُوحَة، قال وأنشدني الأصمعيّ:
إنَّا وجدنا طَرَدَ الهَوَامِل *** خيرًا من التَّأَنَانِ والمسائِل
وعِدَةِ العامِ وعامٍ قابِلِ *** ملقُوحَةً في بَطْن نابٍ حَائِلِ
يقول: هي مَلْقُوحة فيما يُظْهر لي صاحبُها، وإنما أُمها حائِل.
قال: فالملقوحُ هي الأجِنَّة التي في بطونها، وأما المضامين فما في أصلاب الفُحُول.
وكانوا يبيعون الجنين في بطن الناقة، ويبيعون ما يَضْرِب الفحلُ في عامه أو في أعوام.
قلت: وروى مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المُسَيّب أنه قال: لا ربا في الحيوان، وإنما نُهَي من الحيوان عن ثلاث: عن المضامين والملاقِيح، وحَبَلِ الحَبَلة.
قال سعيد: والملاقيحُ: ما في ظُهُور الجمال، والمضامينُ: ما في بطون الإناث.
وقال المُزَنيُّ: أنا أحفظ أن الشافعيّ يقول: المضامين: ما في ظُهُورِ الجِمال، والملاقيحُ: ما في بُطُون إناثِ الإبل.
قال المُزَني: وأَعْلَمْتُ بقوله عبد الملك بن هشام فأنشدني شاهدًا له من شعر العرب:
إنَّ المَضَامِينَ التي في الصُّلْب *** ماءَ الفُحُول في الظُّهُور الحُدْب
لَسْنَ بمُغْنٍ عنك جُهْدَ اللَّزْبِ
وأنشد في الملاقيح:
مَنَّيْتَني ملاقِحا في الأبْطُن *** تُنتَج ما تَلْقَح بعد أَزْمُن
قلت: وهذا هو الصُّواب.
وأخبرني المُنذِري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: إذا كان في بطن الناقة حَمْل فهي ضامِن ومِضْمان وهن ضَوَامِنُ ومَضَامِينُ، والذي في بطنها مَلْقُوح ومَلْقُوحَة.
قلت: ومعنى المَلْقُوح المَحْمُول، ومعنى اللَّاقح الحامِل.
وقال الليث: أَلْقَحَ الفحلُ الناقَة.
واللِّقْحَةُ: الناقة الحَلُوب، فإذا جعلته نعتًا قلت: نَاقةٌ لَقُوحٌ، ولا يقال ناقة لِقْحَة، إلا أنك تقول: هذه لِقْحَة فُلان.
قال: واللِّقَاحُ جمع اللِّقْحَة، واللُّقُح جَمْع لَقُوح.
قال: وإذا نُتِجت الإبل فَبَعْضُها قد وَضَع وبَعْضُها لم يَضَعْ فهي عِشار، فإذا وضعت
كلها فهي لِقَاحٌ.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس عن ابن الأعرابي يقال: لَقِحَت الناقة تَلْقَح لَقَاحًا ولَقْحًا، وناقة لاقِح وإبِل لواقِحُ ولُقَّح.
واللَّقُوح: اللَّبُون، وإنما تكون لَقُوحًا أوَّل نَتاجِها شَهْرين أو ثلاثة أشهر، ثم يَقَع عنها اسم اللَّقُوح، فيقال: لَبُون.
قال: ويقال: ناقة لَقُوح ولِقْحة.
وجمع لَقُوح لُقُح ولِقَاحٌ ولَقائحُ، ومن قال لِقْحَة جمعها لِقَحًا.
قال: وحيّ لَقاح: إذا لم يُمْلَكُوا ولم يَدِينُوا للمُلُوك.
وروي عن عمر أنه أوصى عُمَّاله إذْ بعثهم فقال: وأَدِرُّوا لِقْحَة المسلمين.
قال شمر: قال بعضهم: أرادَ بلِقْحة المسلمين عطاءهم.
قلت: أراه أراد بلِقْحة المسلمين دِرَّةَ الفَيْء والخراج الذي منه عطاؤُهم وما فُرِض لهم، وإدراره: جِبايَتُه وتَحَلُّبه وجمعُه مع العدل في أهل الفَيْء حتى تَحْسُن حالُهم، ولا تنقطع مادّةُ جِبايتهِم.
وقال ابن شُمَيْل: يقال: لِقْحَة ولِقَح ولَقُوح ولَقَائحُ.
واللِّقاح: ذواتُ الألْبَان من النُّوق، واحدها لَقُوح ولِقْحة.
قال عديّ بن زيد:
من يَكُنْ ذا لِقَحٍ راخيات *** فلِقاحي ما تَذُوقُ الشَّعِيرا
بل حوابٍ في ظِلالِ فَسِيلٍ *** مُلِئَتْ أَجْوافُهُن عَصِيرا
فتهادَرْن كذاك زمانًا *** ثم مَوَّتن فكُنَّ قُبُورا
قال شمر: وتقول العرب: إنّ لي لقْحَة تُخْبِرني عن لِقاح النَّاس.
يقول: نفسي تُخْبِرُني فَتَصْدُقُني عن نفوس الناس: إنْ أحْبَبْتُ لهم خَيْرًا أَحَبُّوا لي خيرًا.
وإن أحببت لهم شرًا أحبوا لي شرًا.
وقال زيد بن كَثْوة: المعنى: أنِّي أعرف ما يصير إليه لِقَاحُ الناس بما أرى من لِقْحَتِي، يقال: عند التأْكيد للبَصَرِ بخاصِّ أُمُور الناس أو عَوَامّها.
وأخبرني المُنْذِرِيّ عن أبي الهَيْثَم أنه قال: تُنْتَجُ الإبلُ في أوَّل الرَّبيع فتكون لِقاحًا واحدتها لِقْحَة ولَقْحة ولَقُوح فجَمْع لَقُوح لقائح ولُقُح، وجمع اللِّقْحَة لِقَاح، فلا تزال لِقَاحا حتى يُدْبِرَ الصيفُ عنها.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: ناقة لاقِح وقارح يوم تَحْمِل، فإذا استبان حَمْلُها فهي خَلِفَة.
قال: وقَرَحَت تَقْرَحَ قُرُوحًا، ولَقِحَت تَلْقَح لَقَاحا ولَقْحا وهي أيام نتَاجِها عائذٌ.
الليث: اللَّقَاح: ما يُلْقَح به النَّخْلة من الفُحَّال، تقول: أَلْقَحَ القومُ النخلَ إلْقَاحا، ولَقَّحُوها تَلْقِيحًا، واستَلْقَحت النَّخْلة أي أَنَى لها أن تُلْقَح.
قال: وأَلْقَحَت الرِّيحُ الشجرة ونحو ذلك في كل شيء يُحْمل.
قال: واللَّواقحُ من الرِّياح: التي تَحْمل النَّدَى ثم تَمُجُّه في السَّحاب فإذا اجْتَمَع في السحابِ صار مطرًا.
وحربٌ لاقحُ: مُشبَّهة بالأنثى الحامِل.
وقال الفرّاء: في قول الله جلّ وعزّ:
{وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ} [الحِجر: 22]، قرأها حمزة {وأَرْسَلْنَا الرِّيحَ لَوَاقِحَ} لأن الريحَ في معنى جمع، قال: ومن قرأ {الرِّياحَ لَواقِحَ} فهو بَيِّن، ولكن يُقالُ: إنما الرِّيحُ مُلْقِحة تُلْقح الشجر فكيف قِيلَ لواقِح؟ ففي ذلك معنيان أحدُهما أن تجعل الريحَ هي التي تَلْقَح بمرورِها على التُّرابِ والماءِ فيكون فيها اللِّقاحُ فيقال رِيحٌ لاقِح كما يقال: ناقة لاقِحٌ، ويَشْهَد على ذلك أنه وصف رِيحَ العذاب بالعقِيم {1} فجعلها عَقِيمًا إذ لم تَلْقَح.
قال: والوجهُ الآخر أن يكون وَصَفَها باللَّقْح وإن كانت تُلْقح كما قيل: ليل نائم والنَّوْم فيه، وسرٌّ كاتمٌ، وكما قيل: المَبْرُوزُ والمَخْتُومُ فجعله مَبْرُوزًا ولم يقل مُبْرِزًا، فجاز مَفْعُول لمُفْعَل، كما جاز فاعِل لِمَفْعُول إذ لم يزدِ البِناءُ على الفِعْل، كما قيل ماء دافِق.
وأخبرني المُنْذِرِيّ عن الحَرَّانِي عن ابن السِّكِّيت قال: لواقِحُ: حَوَامل، واحدتها لاقِح.
قال: وسَمِعْتُ أبا الهَيْثَم يقول: ريحٌ لاقِحٌ أي ذاتُ لِقاح كما يُقال: دِرْهَم وازِنٌ أي ذو وَزْنٍ، ورجل رامِحٌ وسائِفٌ ونابِل، ولا يقال: رَمَح ولا سافَ ولا نَبَل، يُرادُ ذو رُمْح وذو سَيْفٍ وذو نَبْل.
قلت: وقيل: معنى قوله: {وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ} [الحِجر: 22] أي حوامِل جعل الريح لاقحًا لأنها تحمل الماء والسحاب وتقلّبه وتصرّفه ثم تَسْتَدِرّه، فالرياح لواقح أي حوامل على هذا المعنى، ومنه قولُ أبي وَجْزَة:
حتى سَلَكْنَ الشَّوَى مِنْهُنّ في مَسَك *** من نَسْلِ جَوَّابَةِ الآفاق مِهْدَاج
سلكْنَ يعنِي الأُتُن أدخلن شَواهُنَّ أي قوائمهن في مَسَك أي في ماء صار كالمَسَك لأيديها، ثم جعل ذلك الماء من نَسْلِ ريح تجوب البلاد، فجعل الماء للريح كالولد: لأنها حملته.
ومما يحقق ذلك قولُ الله جلّ وعزّ: {يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحابًا ثِقالًا} [الأعرَاف: 57] أي حَمَلت، فهذا على المعنى لا يحتاج إلى أن يكون لاقِحٌ بمعنى ذي لَقْح، ولكنها حاملة تحمِلُ السحاب والماء.
ويقال للرجل إذا تكلم فأشار بيديه: تلقَّحَتْ يداه، يُشَبَّه بالناقة إذا شالت بذنبها تُرِي أنها لاقح لئِلَّا يدنو منها الفَحْلُ فيقال تلقَّحت، وأنشد
تَلَقَّحُ أيدِيهم كأَنّ زَبِيبَهُم *** زبيبُ الفُحُول الصِّيدِ وهي تَلَمَّحُ
أي: أنهم يُشيرون بأيديهم إذا خطبوا، والزَّبيبُ: شِبْه الزَّبَدِ يظهر في صامِغَي الخطيب إذا زَبَّبَ شِدْقاه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
291-تهذيب اللغة (لحق)
لحق: الليث: اللّحَق: كلّ شيء لَحِق شيئًا أو أَلْحَقْتَهُ به من النبات ومن حَمْلِ النَّخْل، وذلك أن يُرْطِبَ ويُثْمِر، ثم يخرُج في بعضه شيء يكون أخضر قَلَّ ما يُرْطِب حتى يُدْرِكه الشِّتَاء ويكون نحو ذلك في الكَرْم يُسَمَّى لَحَقا، قلت: وقد قال الطِّرِمَّاح في مثل ذلك يصف نَخْلَة أَطْلَعَت بعد يَنْع ما كان خرج منها في وقته فقال:أَلْحَقتْ مَا اسْتَلْعَبَت بالذي *** قد أَنَى إذْ حَانَ حِينُ الصِّرامْ
أي: ألحقَت طَلْعا غَرِيضًا كأنها لعِبَت به إذ أَطْلَعَته في غير حِينه: وذلك أن النَّخلة إنما تُطلِعُ في الرّبيع، فإذا أخْرَجت في آخِرِ الصيف ما لا يكون له يَنْع فكأنها غير جَادّة فيما أَطْلَعَت.
وقال الليث: اللَّحَقُ من الناس: قومٌ يَلْحَقُون بقوم بعد مُضِيِّهم، وأنشد:
يُغنيك عن بُصْرَى وعن أبوابِها *** وعن حِصارِ الرُّومِ واغتِرَابها
ولَحَقٍ يَلْحَقُ من أعرابها *** تحت لواءِ المَوْتِ أو عُقَابها
قلت: يجوز أن يكون اللَّحَقُ مصدرًا للَحِقَ، ويجوز أن يكون جمعًا للاحِق كما يقال: خادِم وخَدَم وعَاسّ وعَسَس.
وقال الليث: اللَّحَق: الدّعِيُّ المُوَصَّل بغير أبيه، قلت: وسَمِعْتُ بعضَهُمْ يقولُ له: المُلْحَق.
وأخبرَني المُنْذِرِي عن ثَعلب عن سَلَمة عن الفرّاء قال الكِسائِيّ: يقال: زرعُوا الألحاقَ والواحد لَحَق وذلك أَنّ الوادِي يَنْضُب فيُلْقَى البَذْرُ في كل مَوضِعٍ نَضَب عنه الماءُ فيقال: اسْتَلْحَقُوا إذا زَرَعُوا.
وقال أَبو العبّاس: قال ابنُ الأعرابيّ: اللَّحَقُ أن يَزْرَعَ القومُ في جوانِبِ الوادِي.
يقال: قد زَرَعُوا الألْحَاقَ.
وقال الليث: اللَّحَاق: مصدر لَحِق يلحَقُ لَحَاقا.
قال: والمِلْحاقُ: الناقَةُ التي لا تكادُ الإبِل تَفُوقُها في السيْر.
قال: رُؤْبَة:
* فهي ضَرُوحُ الرّكْضِ مِلْحاقُ اللَّحَق *
وتلَاحَقَتِ الرِّكاب وأنشد:
أَقُولُ وقد تَلاحَقَتِ المَطَايا *** كفَاكَ القَوْل إنّ عَلَيْك عينا
كفاك القول: أي ارفُق وَأَمْسِك عن القَوْل.
لاحِقٌ: اسم فرس مَعْرُوف من خَيْل العَرَب.
أبو عُبَيْد عن الكسائِيّ: لَحِقْتُه وأَلْحَقْتُه بمعنى واحد، قال: ومنه ما جاء في دُعاء الوِتْرِ: «إن عذابك بالكفار ملحق» بمعنى لاحق ومنهم من يقول: إنَّ عَذابك بالكُفَّارِ مُلْحَق.
قلت: واللَّحَق: ما يُلْحَق بالكتاب بعد الفَراغ منه فَتُلحِق به ما سقط عنه.
ويُجْمَع أَلْحاقًا وإن خُفِّف فَقِيل لَحْق كان جائِزًا.
ويقال: فرَسٌ لاحِق الأيْطَل وخيل لُحْق الأياطِل إذا ضُمِّرَتْ.
ابن شُمَيل عن الجَعْدي: اللَّحَقُ: ما زُرع بماء السماء وجَمْعُه الألحاقُ: وقال يَعْقُوب: اللَّحَق: الزَّرْعُ العِذْيُ.
وقال: لَحَقُ الغَنَمِ: أَولادها.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
292-تهذيب اللغة (حلق)
حلق: قال الليث: الْحَلْق: مَساغُ الطَّعامِ والشَّرَاب في المَرِيءِ.قال: ومَخْرَجُ النَّفَسِ من الحُلْقُوم، ومَوْضِعُ الذَّبْح هو أَيْضًا من الْحَلْق وجَمْعُه حُلُوق، وقال أبو
زَيْد: الْحَلْقُ: موضع الغَلْصَمَة والمَذْبَح.
ثعلب عن ابْنِ الأعرابي قال: الْحَلق: الشُّؤْمُ.
ويقال: حَلَقَ فلان فُلَانًا إذا ضَرَبَه فأَصاب حَلْقَه، وجاء في الحدِيث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال لِصَفِيّةَ بنتِ حُيَيّ حين قِيلَ له يَوْمَ النَّفْر: إنّها نَفِست فقال: «عقرى حلقى ما أراها إلا حابستنا».
قال أبو عُبيد: مَعْنَاه عَقَرَها الله وحَلَقَها أي أَصَابها الله بِوَجَع في حَلْقِها كما يقال: رأَسَه إذَا أصَابَ رَأْسَه.
قال: وأَصْلُه عَقْرًا حَلْقًا وأَصْحابُ الحَدِيثِ يقولون: عَقْرَى حَلْقَى.
وقال الأصمعي: يقال عند الأمْر يُعْجَبُ منه خَمْشَى وعَقْرَى وحَلْقَى كأَنه من العَقْرِ والحَلْق والخَمْش، وأنشد:
أَلَا قَوْمِي أُولُو عَقْرَى وحَلُقَى *** لِمَا لاقَتْ سَلامانُ بن غَنْمِ
ومعناه قَوْمي أولُوا نِسَاء قد عَقَرْنَ وُجُوههن فَخَدَشْنَها وَحَلَقْن شُعُورَهن مُتَسَلِّبَاتٍ على مَنْ قُتِلَ من رِجالها.
وقال شَمِر: روى أبو عُبَيْد: عَقْرًا حَلْقًا فقلت له: لَمْ أَسْمَع هذا إلْا عَقْرَى حَلْقَى فقال: لكِنّي لم أسْمَع فَعْلَى على الدُّعاء.
قال شمر: فقُلْت له: قال ابْنُ شُمَيْل: إن صِبْيان البَادِيَة يَلْعَبُون ويقولون: مُطَّيْرى على فُعَّيْلَى وهو أَثْقَل من حَلْقى، قال: فَصَيَّره في كِتابه على وَجْهَيْن مُنَوَّنًا وغير مُنَوَّنٍ.
وفي حديثٍ آخر «ليْسَ مِنَّا من سَلَق أو حَلَق أو خَرَق» أي ليس من سُنَّتِنَا رَفْعُ الصوت في المَصائبِ ولا حَلْقُ الشَّعَر ولا خَرْق الثِّياب.
وقال الليث: الحالقُ: المَشْؤُومُ.
يقول: يَحْلِقُ أهلَه ويَقْشِرُهم قال: ويقال: للمرأة: حَلْقى عَقْرَى: مَشْؤومة مؤذِيَةٌ: قلت:
والقول في تَفْسِيرهما ما ذكرناه عن أبي عُبَيد وشَمِر.
ومنه قول الرَّاجِز:
يومُ أَدِيمِ بَقَّةَ الشَّرِيمِ *** أَفْضَلُ من يومِ احْلِقي وقُومِي
وقال الليث: الحَلْقُ: حَلْق الشَّعَرِ، والمُحَلَّقُ: موضِعُ حَلْقِ الرَّأسِ بِمِنًى وأنشد:
* كَلَّا وَرَبِّ البَيْتِ والمُحَلَّقِ *
وقال الله جلّ وعزّ: {مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفَتْح: 27].
وقال الأصمعي: يقال: اشتريتُ كِساءً مِحْلَقًا إذا كان خَشِنًا يَحْلِقُ الشَّعَر من الجَسَد.
وقال الرَّاجِز يَصِف إبِلا تَرِدُ الماءَ فَتَشْرَب:
يَنْفُضْن بالمشَافِر الهَدالِقِ *** نَفْضَكَ بِالْمَحاشِىء الْمَحالِقِ
قال والمحاشىء: أكْسِيَة خَشِنة تحلِق الجسد واحِدُها مَحْشأ بالهمز، ويقال: مِحْشاة بغير همز.
ويقال: حَلَق مِعزاه إذا أخذ شعرها وجَزّ ضأنَه، وهي مِعْزى محلوقةٌ وحَلِيق.
وقال الليث: الحَلَقُ: نبات لورقه حُمُوضة يُخْلَط بالوسمة للخِضاب والواحدة حَلَقة.
قال: والمحلَّق من الإبل: الموْسُوم بحلقة في فَخِذِه أو في أصل أُذُنه ويقال للإبل المُحَلَّقة حَلَق.
وقال جَنْدَل الطُّهَوِيّ:
قد خرّب الأنضاد تنشَادُ الحَلَقْ *** من كلِّ بالٍ وجهُه بِلَى الخَلَقْ
يقول: خرّبوا أنضاد بيوتِنا من أمْتِعتنا بطلب الضَّوَالّ.
أبو عُبَيد عن أبي زيد: حَلِق قَضيب الحمار يحْلَق حَلَقا إذا احْمَرَّ وتقشَّر.
قال: وقال ثَوْرٌ النَّمِرِيّ: يكون ذلك من داء ليس له دواء إلا أن يُخْصَى وربما سَلِم وربما مات، وأنشد:
خَصَيْتُك يا ابن حَمْزة بالقوافي *** كما يُخْصى من الحَلَق الحمار
وقال الأصمعي: يكون ذلك من كثرة السِّفادِ.
وقال شَمِر: يقال: أَتان حَلَقِيَّة إذا تداولتها الحُمُر فأصابها داءٌ في رَحِمِها.
وقال الليث الْحَلقة بالتخفيف: من القوم والجميع الحَلَق، قال ومنهم من يقول: حَلَقَة.
وقال الأصمعي: حلْقة من الناس ومن حَدِيد والجميع حِلَق.
مثل بَدْرَة وبِدَر وقَصْعَة وقِصَع: وقال أبو عُبيد: أَختارُ في حَلَقة الْحَدِيد فتح اللام ويَجُوزُ الجزم وأختار في حَلْقةِ القوم الجَزْم ويجوز التّثْقِيل.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: أختار في حَلْقَةِ الحديد وحلْقة الناس التخفيف، ويجوز فيهما التّثْقِيل.
والجمع عنده حَلَق.
وقال ابن السِّكيت: هي حَلْقَة الباب وحَلْقَةُ القوم، والجمع حَلَقٌ وحِلاقٌ.
قال: وقال أبو عمرو الشيباني: ليس في الكلام حَلَقة إلا قولهم: حَلَقة للذين يحلقون المِعْزَى.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الحَلَقَةُ: الضُّرُوعُ المُرْتَفِعة.
وقال أبو زيد فيما رَوى ابن هانىء عنه: يقال: وفّيْتُ حَلْقَةَ الحوض تَوْفِيَة والإناء كذلك.
وحَلْقَةُ الإنَاءِ: ما بقي بعد أن تجعل فيه من الشَّرَاب والطعام إلى نصفه، فما كان فوق النصف إلى أعلاه فهو الْحَلْقة وأنشد:
* قام يُوَفِّى حَلْقَةَ الْحَوْضِ فَلَجْ*
وقال أبو مالك: حَلْقَة الْحَوْضِ: امتلاؤه.
وحَلْقَتُه أيضًا: دون الامتلاء وأنشد:
* فَوَافٍ كَيْلُها ومُحَلِّقُ *
والمُحَلِّق: دون المِلْءِ.
وقال الفرزدق:
أخاف بأن أُدْعَى وحَوْضِي مُحَلِّق *** إذا كان يَوْمُ الْحَتفِ يَوْمَ حِمَامِي
وقال الليث: الْحِلق: الخاتَم من فضة بلا فصّ.
أبو عُبيد عن أبي زيد: الْحِلقُ: المال الكثير: يقال: جَاءَ فلان بالحِلْق.
أبو العباس عن ابن الأعرابي: أُعطِي فلانٌ الحِلْقَ أي خاتم المُلك يكون في يده.
وأنشد:
وأُعطِي منا الْحِلقَ أبيضُ مَاجِدٌ *** ردِيفُ مُلُوكٍ ما تُغِبُّ نَوَافِلُه
وقال الأصمعي وغيره: الحالقُ: الجَبَلُ المُنِيفُ المُشرِفُ.
أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الحُلُقُ: الأَهْوِيةُ بين السماء والأرض، واحِدُها حَالقٌ.
والحُلَّقُ: الضُّروع المرتفعة.
وقال الليث: حلَق الضَّرعُ يَحْلُق حُلُوقًا فهو حالق يريد ارتفاعه إلى البطن وانضمامَه.
وفي قول آخر: كثْرَة لَبَنِه.
أبو عُبيد: عن الأصمعي أنه أنشده قول الحُطَيْئَة يصف الإبل:
إذا لم تكن إلَّا مَا ليسُ أَصْبَحَتْ *** لها حُلَّق ضَرَّاتُها شَكِرَات
قال: حُلَّق جَمْع حالق، وَرَواهُ غيره:
إذا لم تكن إلا الأَمَاليس رُوِّحَتْ *** مُحلَّقَةً ضَرَّاتُها شَكِرات
قال: محلَّقة: حُفَّلا كثيرة اللبن وكذلك حُلَّق: ممْتلئة، وضرعٌ حالق: ممتلىء.
وقال النَّضر: الحالق من الإبل: الشديدة الحَفْل العظيمة الضَّرّةُ وقد حَلَقت تَحْلِق حَلْقًا.
قلت.
الحالق من نَعْت الضُّرُوع جاء بمَعْنَيْين مُتَضادّين: فالحالق المُرْتفع المُنْضَمّ إلى البطن لقِلَّة لَبنِه، ومنه قَوْلُ لبيد:
حتى إذا يَئِسَت وأَسْحَق حالق *** لم يُبْلِه إرْضَاعُها وفِطَامُها
فالحالق في بيت لبيد الضّرْعُ المُرتفع الذي قَلَّ لَبَنُه، وإسْحَاقُه دَليلٌ على هذا المعنى.
والحَالق: الضَّرْعُ الممتلىء.
وشاهدهُ قول الحُطَيْئَة.
وقوله: شَكِرات، يَدُل على كثرة اللبن.
شَمِر عن ابن الأعرابي: «هم كالحلقة المُفْرَغَة لا يُدْرَى أيها طرفها».
يضرب مثلًا للقوم إذا كانوا مُجْتَمعين مُؤتلفين، كلمتهم وأَيديهم واحِدَة، لا يطمع عَدُوُّهم فيهم ولا ينال منهم.
وقال الليث: الحالِق من الكرم والشَّرْى ونحوهما: ما الْتَوى منه وتعلق بالقُضبان.
قال: والمحالق من تعريش الكَرْم.
قلت: كلُّ ذلك مَأخوذٌ من استدارته كالحلْقَةِ.
وحَلَّقَت عينُ البعير إذا غَارت.
وحَلَّق الإناءُ من الشَّرَابِ إذا امتلأ إلّا قليلا.
ورُوي عن أَنس بن مالك أَنَّه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي العَصْر، والشَّمسُ بَيْضاء محلِّقة، فأرْجع إلى أَهْلي فأقُول: صَلُّوا».
قال شمر: مُحَلِّقَة قال أَسِيدُ: تَحْلِيق الشَّمْسِ من أوّل النهارِ: ارْتفاعها من المَشْرِق ومن آخر النَّهَار: انحدارُها.
وقال شَمِر: لا أرى التَّحْلِيق إلا الارتفاعَ في الهواء.
يقال: حَلَّق النجمُ إذا ارتفع، وحَلَّق الطائر في كَبِد السَّماء إذا ارتفع وقال ابن الزُّبِير الأَسَدِي في النجم:
رُبَ مَنْهلٍ طَامٍ وردْتُ وقد خَوَى *** نَجْمٌ وحَلَّق في السَّماء نُجُوم
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
293-تهذيب اللغة (قبح)
قبح: أبو عُبيد عن أبي عمرو: قبحْتُ له وجهَه مخفَّفَة وأقبَحْتَ يا هذا: أتيت بقَبيح.قلت: معنى قبحْتُ له وجهه أي قلت له: قبَحهُ الله، وهو من قول الله
جلّ وعزّ: {وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} [القَصَص: 42] أي من المُبعَدين المَلْعونين، وهو من القبْح وهو الإبعاد.
والعرب تقول: قبَحه الله وأُمًّا رَمعت به أي أبعده الله وأبعد والدته.
وقال شمر: قال أبو زيد: قبَح الله فُلانًا قبْحًا وقُبُوحًا أي أقصاه وباعده من كلِّ خيْر كقُبوح الكلْب والْخِنْزِير.
وقال الجَعْدِيُّ:
وليست بَشْوَهَاءَ مَقْبُوحَةٍ *** تُوافي الدِّيارَ بوَجْهٍ غَبِرْ
وقال أُسَيْدٌ: المَقبُوحُ: الذي يُرَدُّ ويُخْسَأُ، والمَنْبُوحُ: الذي يُضْرَبُ له مَثَلُ الكلْب.
ورُوِي عن عمَّار أنه قالَ لرَجُلٍ نالَ بِحَضرَتِه من عائشَة: «اسْكتْ مَقْبُوحًا مَنْبُوحًا».
أراد هذا المعْنى.
ويقال: قبُح فُلانٌ يَقْبُح قَبَاحَةً وَقُبْحًا، فهو قبيح وهو نَقِيض الحُسْن عامٌّ في كلِّ شَيْء، وفي الحديث: «لا تُقَبِّحُوا الوَجْهَ» معناه: لا تقُولوا، إنَّه قَبِيح فإن الله صَوَّره، وقد (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ).
ويقال: قَبَحَ فُلان بَثْرَةً خَرَجَت بوجْههِ: وذلك إذا فَضَخَها حتى يَخْرجَ قَيْحُها.
وكلُّ شيء كَسرْته فقد قبَحتَه.
وروى أبو العبّاس عن ابن الأعرابي أنَّه قال: يُقَالُ: وقد اسْتَمْكَتَ العُدُّ فاقْبَحْهُ، والعُدُّ: البَثْرَةُ.
واستِمْكاتُه: اقْتِرَابُه للانْفِقاء.
وقال الليث: القَبِيحُ: طَرفُ عَظْمِ المِرْفَق.
قال: والإبْرَة: عُظَيْم آخَر رَأْسُه كَبيرٌ وَبقِيَّتُهُ دقيق مُلَزَّزٌ بالقَبيح.
وروى أبو عُبَيْد عن الأُمَوِيِّ قال: يُقال لِعَظْم الساعِدِ مِمَّا يَلِي النِّصْفَ منهُ إلى المِرْفَق كِسْرُ قَبِيحٍ، وأنشد:
ولَوْ كُنْتَ عَيْرًا كُنْت عَيْرَ مَذَلَّةٍ *** وَلَوْ كُنْت كِسْرًا كُنْتَ كِسْرَ قَبِيح
وأخبرني المُنْذِريّ عن أبي الهَيْثَم أنَّه قال: القَبِيحُ: رَأْسُ العَضُد الذي يَلي المِرْفَق بَيْنَ القَبِيح وبَيْنَ إبْرَة الذِّرَاع، من عِنْدِها يَذْرَعُ الذَّراعُ.
قال: وطَرَفُ عَظْم العَضُد الَّذي يَلي المِنْكَب يُسَمَّى الحَسَنَ لِكَثْرَة لَحْمِه، والأسْفَل: القبيحُ.
وقال شَمِر: قال الفَرّاءُ: القَبِيحُ: رَأْسُ العَضُد الذي يَلي الذِّراع وهو أقلّ العِظام مُشاشًا ومُخًّا، ويُقال لِطَرَفِ الذِّرَاع الإبْرَةُ وأنشد:
* حَيْثُ تُلَاقي الإبْرَةُ القَبِيحا*
وقال الفرّاءُ: أَسْفَل العَضُد: القَبِيحُ وأعْلَاها الحَسَنُ.
وفي «النَّوادر»: المُقَابَحَةُ والمُكابَحةُ: المشَاتَمَةُ.
روى أبو العبَّاس عن ابن الأعرابيّ قال: القبَّاحُ: الدُّبُّ الهَرِمُ.
والمَقَابِحُ: ما يُسْتَقْبَحُ من الأخْلَاق، والمَمَادِحُ: ما يُسْتَحْسَنُ منها.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
294-تهذيب اللغة (ضحك)
ضحك: قال الليث: الضَّحِك: معروفٌ، تقولُ: ضَحِك يَضْحَك ضَحِكًا ولو قيل ضَحَكًا لكان قِيَاسًا، لأن مصدر فَعِلَ فَعَلٌ.قلت: وقد جاءت أَحْرُفٌ من المصادر على فَعِلَ.
منها ضَحِكَ ضَحِكًا، وخَنَقَه خَنِقًا، وخَضَف خَضِفًا وضَرِطَ ضرِطًا وسَرَق سَرِقًا، قال ذلك الفراءُ وغيره.
وقال الليث: الضُّحْكَة: الشّيءُ الذي يُضْحَك منه، قال والضَّحَكَة: الرّجلُ الكثير الضَّحِك يُعابُ به.
أبو عُبيد عن الكسائي رجلٌ ضُحَكةٌ: كَثِيرُ الضَّحك، ورجلٌ ضُحْكَةٌ.
يُضْحَكُ منه.
وقال الليث: رجلٌ ضَحَّاك نَعْتٌ على فَعَّال، قال: والضَّحَّاك بن عَدْنَان زَعَمَ ابْنُ دَأْبٍ المَدَنيُّ أنه الذي يقال إنه ملك الأرض، وهو الذي يقال له المُذْهب وكانت أمه جِنِّيَّة فلحق بالجِنِّ ويتبَدَّى للقُرَّاء، وتقول العَجمُ: إنه لَمَّا عَمِل السِّحر وأظهر الفساد أُخِذ فشُدَّ في جبل
دُنْبَاوَنْد، ويقال: إن الذي شدَّه أفْرِيذُون الذي كان مسح الدنيا فبلغت أربعة وعشرين ألف فَرْسخ.
قلت: وهذا كلُّه باطل لا يؤمِنُ بمثله إلا أحمق لا عَقْلَ له.
وقال الليث في قول الله جلّ وعزّ: {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ} [هُود: 71] أي طَمَثت.
قلت: وروى سَلَمة عن الفَرّاء في تفسير هذه الآية، لمّا قال رُسُل الله جلّ وعزّ لِعبدِه وخَلِيله إبراهيم: {لا تَخَفْ} [هود: 70] ضَحِكَتْ عند ذلك امرأَتُه وكانت قائمة عليهم وهو قاعد فضَحِكت فبُشِّرَت بعد الضحِك بإسْحاق وإنما ضَحِكت سرورًا بالأمن لأنها خَافت كما خاف إبراهيم.
وقال بعض أهل التفسير: هذا مُقَدَّم ومؤخَّر، المعنى فيه عندهم فبَشَّرْنَاها بإسْحاق فضحكت بالبِشَارة.
قال الفَرّاءُ: وهو مما يحتمله الكلام والله أعلم بصوابه.
قال الفَرّاءُ: وأما قولهم فضحِكت: حَاضَت فلم نسمعه من ثِقَة.
وقال أبو عمرو: سمعت أبا موسى الحَامِض يسأل أبا العباس عن قوله (فَضَحِكَتْ) أي حَاضت، وقال: إنه قد جاء في التفسير فقال: ليس في كلام العرب، والتَّفْسِير مُسَلَّمٌ لأهل التفسير، فقال له: فأنت أنشدتنا:
تَضْحَكُ الضَّبْعُ لِقَتْلَي هُذَيلٍ *** وَتَرَى الذِّئْبَ بِهَا يَسْتَهلّ
فقال أبو العباس: تَضْحَك هَهُنا تَكْشِر، وذلك أن الذئب ينازعها على القتيل فتَكْشِر في وَجْهه وعِيدًا فيتركها مع لحم القتيل ويَمُر.
وأخبرني المُنْذِرِي عن أبي طالب أنه قال: قال بعضهم في قوله فَضَحِكَتْ: حَاضَتْ.
قال: ويقال: إن أصله من ضَحَّاك الطَّلْعة إذا انْشَقَّت.
قال: وقال الأَخْطَلُ فيه بمعنى الْحَيْض.
تَضْحَك الضبْع من دِماءِ سُلَيْم *** إذْ رأَتْها على الحِدَاب تَمور
وكان ابن عباس يقول: ضحِكَت: عَجِبت من فزع إبراهيم.
وقال الكُميْت:
وأَضْحَكَتِ الضِّبَاعَ سُيُوفُ سَعْد *** بِقَتْلَى ما دُفِنَّ وَلَا وُدينَا
قال: وقال بعضهم: الضَّحِك: الطَّلْع.
قال: وسمعنا من يقول: أَضْحَكْتَ حَوْضَك إذا ملأته حتى يفيض.
وقال أبو ذُؤَيْب:
فجاء بِمزْج لم يَرَ الناسُ مثلَه *** هو الضَّحْك إلا أنه عمل النَّحْل
قالوا: هو العَجَب وهذا يُقَوِّي ما رُوي عن ابن عباس.
وقال أبو إسْحاق في قوله: {وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} [هود: 71] يُروَى أنّها ضَحِكت لأنَّهَا كانت قالت لإبراهيم: اضمُمْ لُوطًا ابن أَخِيك إليك فإنِّي أَعْلَم أَنّه سَيَنْزِل بهؤلاء القوم عذابٌ، فَضَحِكَت سُرُورًا لمَّا أَتى الأمر على ما توهَّمَت.
قال: فأما من
قال في تَفْسِير: ضَحِكَت: حَاضَتْ فليس بشيءٍ.
قلت: وقد رُوِي ذلك عن مُجَاهِد وعِكْرِمة فالله أَعْلم.
وقال الليث: قال بعضهم: في الضَّحِك الذي في بيت أبي ذُؤَيْبٍ: إنه الثَّلْجُ، وقيل: هو الشَّهْدُ، وقيل: هو الزُّبْد.
عمرو عن أبيه: الضَّحْك والضَّحَّاكُ: وليعُ الطَّلْعَةِ الذي يُؤكل.
والضَّحْك: العَسَل.
والضَّحْك: النَّورُ.
والضَّحْك: المحجَّةُ.
والضَّحْك: ظهور الثَّنايا من الفرح.
وقال أبو زيد: يقال للرجل أربعُ ثنايا وأربُع رُباعيَات وأَرْبعة ضَوَاحِكُ والواحد ضَاحِكٌ وثِنْتا عشرةَ رَحًى في كل شِقٍّ سِتُّ وهي الطواحنُ ثم النَّواجذُ بعدها وهي أَقْصَى الأضْراس.
الليث: الضَّحُوكُ من الطرق: ما وَضَح واسْتبان، وأنشد:
* على ضَحُوك النَّقْبِ مُجْرَهِدِّ*
أبو سعيد: ضَحِكاتُ القُلوب من الأموال والأولاد: خِيَارُها التي تَضْحَكُ القُلوبُ إليها.
وضَحِكاتُ كل شيء: خِياره.
ورأْيٌ ضَاحِكٌ: ظاهِرٌ غير مُلْتَبِسٍ.
ويقال: إن رَأْيك لَيُضَاحِكُ المشكلات أي تظهر عنده المشكلات حتى تُعْرَف.
وطريقٌ ضَحَّاك: مُسْتبين.
وقال الفَرَزدق:
إذا هي بالرّكْب العِجالِ تَرَدَّفَتْ *** نَحَائِزَ ضَحَّاك المَطَالع في نَقْب
نَحائِزُ الطَّرِيق: جَوادُّه.
وبُرْقَةُ ضَاحِك: في ديار تَميم، ورَوْضَةُ ضَاحِك بالصَّمَّانِ معروفة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
295-تهذيب اللغة (حنك)
حنك: يقال: أَسْود حانِكٌ وحالِكٌ أَيْ شَديدُ السَّوادِ.وحَنَكُ الغُراب منقارُهُ.
والحَنَك: الجماعة من الناسِ ينتجِعون بلدًا يَرْعَوْنه.
يقال: ما ترك الأحْنَاكُ في أَرْضِنا شيئًا يَعْنُون الجماعات المارة.
وقال أبو نُخَيْلَة:
إنا وكُنَّا حَنَكًا نَجْدِيّا *** لمَّا انْتَجَعْنا الوَرَقَ المَرْعِيَّا
فلم نجد رُطْبًا ولا لَوِيّا
ثعلب عن ابن الأعرابي: قال: الحَنَكُ: الأسفَلُ، والفُقْمُ: الأعْلَى مِن الفم.
يقال: أخذ بفُقْمِه.
وقال الليث: الحَنَكانِ للأعْلى والأسفل.
فإذا فَصَلُوهُما لم يكادوا يقولون للأعْلَى حَنَك.
وقال حُمَيْدٌ يصف الفيلَ:
فالحَنَكُ الأعْلى طُوالٌ سَرْطَمُ *** والحَنَكُ الأسفل منه أَفْقَمُ
يريد به الحَنَكَيْنِ.
وقول الله جلّ وعزّ: {لَأَحْتَنِكَنَ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسرَاء: 62].
قال الفراء: يقول: لأسْتَوْلِيَنَّ عليهم إلا قليلًا، يعني المعصومين.
وقال محمد بنُ سَلَّام: سألتُ يونُسَ عن هذه الآية فقال: يقال: كأن في الأرض كَلأً فاحتنَكه الجَرادُ أي أتى عليه.
ويقول أحَدُهُم: لم أجد لِجامًا فاحْتَنَكتُ دَابَّتِي أي ألقيتُ في حَنَكها حَبْلا وقدته به.
وقال الأخفش في قوله تعالى: (لَأَحْتَنِكَنَ ذُرِّيَّتَهُ).
قال: لأستأصِلَنَّهُم ولأستَمِيلَنَّهُمْ.
واحتنَك فلانٌ ما عند فلانٍ أي أخذه كله.
وأخبرني المُنذرِيُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنشده لزَبَّان بن سَيَّار الفزَاري:
فإن كنتَ تُشْكَى بالجِماحِ بن جعفر *** فإنَّ لدَينا مُلْجِمِينَ وحانِك
قال تُشْكى: تُزَنّ.
وحانك: مَن يدقّ حنَكه باللِّجَام.
سَلَمةُ عن الفراء: رجل حُنُك وامرأة حُنُكَة إذا كانا لبيبَين عاقلين.
وقال: رجل مُحَنَّك وهو الذي لا يُسْتقلُّ منه شيء مما قد عضَّته الأمور.
والمُحْتَنِك: الرجل المتناهِي عقلُه وسِنُّه.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الحُنُك: العُقلاء.
والحُنُك: الأكَلَة من الناس.
والحُنُك: خشب الرَّحْل.
قلت: الحُنُك: العقلاءُ، جمع حَنِيكٍ.
يقال: رجل مَحْنوك وحَنِيك ومُحْتَنِك، ومُحْتَنَك إذا كان عاقلًا.
وقوله: الحُنُك: الأكلة من الناس جَمْع حانك وهو الآكِلُ بحَنَكه.
وأما الحُنُك: خشب الرّحْل فجَمْع حِناكٍ.
أبو عُبيد عن الأصمعي يقال للقِدَّةِ التي تَضُمُّ العَرَاصيفَ: حُنْكة وحِناك.
الليث: يقال حَنَكَتُه السِّن إذا نبتت أسنانُه التي تسمى أسنان العقل.
ثعلب عن ابن الأعرابي: جرَّذَه الدهر ودَلَكَه ووَعَسَه وحَنَّكه وعَرَكه ونَجَّذَه بمعنى واحد.
وقال الليث: يقولون: هم أهل الحُنْك والحِنْك والحَنَك والحُنْكة أي أهل السن
والتجارب.
قال: والتَّحْنيك: أن تُحَنَّك الدابةَ: تَغرِز عودًا في حَنَكه الأعلى أو طرَف قرن حتى يُدْميه لحَدَثٍ يحدث فيه.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُحنِّك أولاد الأنصار.
قال: والتَّحْنِيك أن يَمْضُغ التمر ثم يَدْلِكه بحَنك الصبيّ داخلَ فيه، يقال منه حَنَّكْتُه وحَنَكتُه فهو مَحْنوك ومُحَنَّك.
قال ذلك شَمِر.
ويقال: اسْتَحْنك الرجل إذا اشتد أكْله بعد قِلَّة.
والحِناك: وثاق يُرْبَط به الأسير وهو غلٌّ كلما جُذِب أصاب حَنَكه.
وقال الراعي يَذكر رجلًا مأسورًا:
إذا ما اشتكى ظُلْمَ العشيرة عَضَّه *** حِناكٌ وقَرّاصٌ شديد الشكائم
وقال أبو سعيد: يقال: أحنَكهم عن هذا الأمر إحناكا وأحكمَهم أي رَدَّهم.
قال: والحَنَكة: الرابية المشرفة من القُفِّ يقال: أَشرِف على هاتيك الحنكة، وهي نحو الفَلَكَة في الغِلَظ.
وقال أبو خيرة: الحَنَك: آكام صغار مرتفعة كرِفعةِ الدّار المرتفعة، وفي حجارتها رَخاوة وبياضٌ كالكَذَّان.
وقال النضر: الحَنَكة: تَلٌّ غليظ وطوله في السماء على وجه الأرض مثل طول الرَّزن وهما شيءٌ واحد.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
296-تهذيب اللغة (حكم)
حكم: قال الليث: الحَكَم: الله تبارك وتعالى، وهو أحكم الحاكمين، و (هُوَ الْحَكِيمُ) (..
.
لَهُ الْحُكْمُ).
قال: والحُكم: العِلم والفِقْه {وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريَم: 12] أي عِلْمًا وفِقهًا، هذا لِيَحْيَى بن زكريَّا.
وكذلك قوله:
* الصَّمت حُكم وقليل فاعله*
والحُكم أيضًا: القضاءُ بالعدل.
وقال النَّابِغَة:
واحكُم كحُكْم فتاة الحيِّ إذ نظرت *** إلى حَمام سِراعٍ وارِدِ الثَّمَد
قلت: ومن صفات الله: الحَكَم، و (الْحَكِيمُ) والحاكِمُ وهو أحكم الحاكمين، ومعاني هذه الأسماء متقاربة والله أعلم بما أراد بها، وعلينا الإيمان بأنها من أسمائه، والحكيم يجوز أن يكون بمعنى حاكِم، مثل قدير بمعنى قادر وعليم بمعنى عالم.
والعرب تقول: حَكَمْت وأَحْكمتُ وحكَّمت بمعنى مَنَعْت ورددت، ومن هذا قيل للحاكم بين الناس حاكم: لأنه يمنع الظالم من الظلم.
وأخبرني المنذري عن أبي طالب أنه قال في قولهم: حَكَم الله بيننا، قال الأصمعي: أصل الحُكومة ردُّ الرجُل عن الظلم، ومنه سُمِّيت حَكَمةُ اللِّجام: لأنها تَرُدُّ الدَّابَّة.
ومنه قول لبيد:
أحكمَ الجِنْثِيَّ من عَوْراتِها *** كلُّ حِرْباءٍ إذا أُكْرِه صَلّ
والجِنْثِيُّ: السيف، المعنى ردَّ السيفَ عن عَوْرَاتِ الدِّرع وهي فُرَجُها كلُّ حِرْباء، وهو المِسْمار الذي يُسَمّر به حَلْقُها.
ورواه غيره:
أحكم الجِنْثِيُّ من عَوْراتِها *** كُل حِرباء.
.
.
المعنى أحرَزَ الجِنْثِيُّ وهو الزَّرَّاد مساميرها ومعنى الإحكام حينئذٍ الإحْرازُ.
وأخبرني المُنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: حَكَم فلانٌ عن الشيء أي رجع، وأحْكَمْتُه أنا أي رَجَعْتُه قلتُ: جعل ابن الأعرابي حكم لازمًا كما ترى كما يقال: رَجَعتُه فرجعَ ونقصتُه فنقصَ، وما سمعت حكم بمعنى رجع لغير ابن الأعرابي، وهو الثِّقَةُ المأمون.
أبو عُبيد: عن أبي عُبيدة: حَكَمتُ الفرس وأَحْكمتُه بالْحكَمة، وروينا عن إبراهيم النَّخَعِي أنه قال: حكِّم اليتيم كما تُحكِّم وَلَدَك.
قال أبو عُبيد: قوله: حَكِّم اليتيم أي امْنَعْه من الفساد وأصلِحْه كما تُصْلِح ولدَك وكما تمنعه من الفساد.
قال: وكلُّ مَنْ منعتَه من شيء فقد حَكّمْتَه وأَحْكَمْتَه.
قال جرير:
بني حنيفة أَحْكِمُوا سُفهاءَكم *** إنِّي أَخَافُ عليكم أنْ أَغْضبا
يقول: امْنَعوهم من التعرُّض.
قال: ونَرى أنَ حَكَمَة الدابة سُمِّيت بهذا المعنى: لأنها تمنع الدابة من كثير من الجهل.
وأما قول الله جلّ وعزّ: {الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هُود: 1] فإن التفسير جاء أنه أُحْكِمَت آياته
بالأمر والنهي والحلال والحرام، ثم فُصلت بالوعد والوعيد، والمعنى والله أعلم أن آياته أُحْكِمَت وفُصِّلت بجميع ما يُحتاج إليه من الدّلالة على توحيد الله وتثبيت نُبُوّة الأنبياء وشرائع الإسلام، والدليلُ على ذلك قول الله جلّ وعزّ: {ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعَام: 38].
وقال بعضهم: الحكيم في قول الله: {الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ} [يُونس: 1] إنّه فَعِيل بمعنى مُفْعَل واسْتَدل بقوله جلّ وعزّ: {الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ}.
قلت: وهذا إن شاء الله كما قيل: والقرآن يُوضِّح بعضُه بعضًا، وإنما جَوَّزنَا ذلك وصوبناه: لأن حَكَمْتُ يكون بمعنى أَحْكَمْت فرُدَّ إلى الأصل والله أعلم.
وروى شمر عن أبي سعيد الضَّرير أنه قال في قول النَّخَعِيِ: حَكِّم اليتيم كما تُحَكِّم ولدَك معناه حَكِّمْه في ماله ومِلْكهِ إذا صَلَح كما تُحَكِّم ولدَك في مِلْكه.
قال: ولا يكون حَكَّم بمعنى أحكم لأنهما ضدَّان.
قلت: والقول ما قال أبو عُبيد، وقول الضرير ليس بالمَرْضِيّ.
وأما قولُ النابغة:
* واحكم كحكم فتاةِ الحَيِّ*
فإن يعقوب بن السِّكِّيت حكى عن الرُّواة أن معناه كُنْ حَكِيمًا كفتاة الحَيِّ أي إذا قُلت فأَصِبْ كما أصابت هذه المرأةُ إذْ نظرتْ إلى الحمَام فأَحْصَتْها ولم تُخْطِىء في عَدَدها.
قال: ويَدُلّك على أن معنى احكم أي كُن حكيمًا قولُ النَّمِر بن تَوْلَب:
وأبغِضْ بغِيضَك بُغْضًا رُوَيدًا *** إذا أنت حاولت أن تَحْكُما
يريد إذا أردت أن تكون حكيما فكن كذا وليس من الحُكم في القضاء في شيء.
وقال الليث: يقال للرجل إذا كان حكيما: قد أَحْكَمَتْه التجارب.
قال: واسْتَحْكَمَ فُلانٌ في مال فلان إذا جَاز فيه حُكْمه.
والاسم الحُكومة والأُحْكُومةُ وأنشد:
ولَمِثلُ الذي جَمَعت لريبِ الده *** ر يأبى حكومةَ المُقتالِ
أي: يأبى حُكومةَ المُحْتكِم عليك وهو المُقْتَال.
قلت: ومعنى الحُكومة في أَرْش الجراحات التي ليس فيها دِيَةٌ معلومة أن يُجْرحَ الإنسانُ في موضع من بدنه بما يبقى شَيْنُه ولا يُبطِل العُضوَ فيقتاسُ الحاكم أرْشَه بأن يقول: هذا المجروح لو كان عبدًا غير مَشِين هذا الشَّيْنَ بهذه الجراحة كان قيمته ألفَ درهم، وهو مع هذا الشَّيْن قِيمَتُه تِسْعُ مائة درهم، فقد نقصه الشَّيْنُ عُشْرَ قيمته فيجبُ على الجارح في الحُرّ عُشرُ دِيَتِه.
وهذا وما أشبهه معنى الحُكومة التي يستعملها الفُقَهاءُ في أرش الجِراحات فاعْلَمه.
وقال الليث: التَّحكيمُ: قول الحَرُورِيَّة لا حُكْمَ إلا لله ولا حَكَمَ إلا الله.
ويقال:
حَكَّمْنَا فلانا بيننا أي أَجَزْنا حكمه بيننا.
وحاكمنا فلانًا إلى الله أي دعوناه إلى حكم الله.
قال الليث: وبلغني أنه نُهِي أن يُسَمَّى الرجلُ حَكَمًا.
قلت: وقد سمَّى الناس حكيمًا وَحَكَمًا وما علمت النَّهي عن التسمية بهما صحيحًا.
وقال الليث: حَكَمةُ اللِّجامِ: ما أَحاطَ بحَنَكَيْه وفيهما العِذَاران سُمِّي حَكَمَةً: لأنه يَمْنَعُ الدّابة من الجَرْي الشَّدِيد.
قال: وفَرسٌ مَحْكومةٌ: في رَأسها حَكَمَة، وأنشد:
* محكومة حَكمات القِدِّ والأَبَقَا*
ورواه غيرُه:
* قد أُحْكِمَت حَكماتِ القِدِّ والأبَقَا*
وهذا يدل على جَواز حَكَمْتُ الفَرَس وأَحْكَمْتُه بمعنى واحد.
وقال اللَّيْث: وسَمَّى الأعْشى القَصِيدَة المُحْكَمة حَكيمة، فقال:
وغَرِيبَةٍ تَأتي المُلوكَ حَكِيمةً *** قد قُلْتُها ليُقالَ مَنْ ذا قالَها
وقال ابن شُمَيْل: الحَكَمة: حَلْقة تكون على فَمِ الفرس.
ثعلب عن ابن الأعْرابي: قِيلَ للْحاكم حاكِمٌ لأنّه يَمْنَعُ من الظُّلْمِ.
قال: وحكَمْتُ الرَّجل وأَحْكَمْتُه وحَكَّمْتُه إذا مَنَعْتَه.
قال: وحَكَم الرجلُ يَحْكُم حُكْمًا إذا بَلَغ النِّهايَة في مَعْناه مَدْحًا لازِمًا! وقال مُرَقِّش:
يأتِي الشَّبابُ الأَقْوَرِين وَلَا *** تغْبِط أخاكَ أَنْ يُقَالَ حَكَم
أي: بَلَغ النهاية في معناه.
قال: والمُحَكِّم الشَّارِي.
والمُحَكِّم: الذي يحكم في نَفْسه.
وقال شَمِر: قال أبو عَدْنان: اسْتَحْكَم الرجل إذا تَناهَى عما يَضُرُّه في دينه أَوْ دُنْياه وقال ذُو الرُّمَّة:
لَمُسْتَحْكِمٌ جَزْلُ المُروءَةِ مُؤْمِنٌ *** من القوْم لا يَهْوَى الكلَامَ اللَّواغِيا
قال: ويقال: حَكَّمْتُ فُلانا أي أَطْلَقْتُ يَدَه فيما شاء.
ثعلب عن ابْن الأعرابي قال: الحَكَمَةُ: القُضَاةُ، والحَكَمَةُ: المُسْتَهْزِئون.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
297-تهذيب اللغة (حضج)
حضج: قال الليث: انْحَضَجَ الرجل إذا ضَرَبَ بنفسه الأرضَ، ويقال ذلك إذا اتَّسَع بَطْنُه، فإذا فعلتَ أنت به ذلك قلتَ: حضجتُه كأنّك أدخلت عليه ما كاد يَنْشَقُّ منه.ورُوِي عن أبي الدّرْداءِ أَنّه قال في الرَّكعتين بعد العصر: «أَمَّا أنا فلا أدَعهُما، فمن شاء أَنْ يَنْحَضِج فَلْيَنْحَضج» قال أبو عُبَيد: قوله: أن ينحضج يعني أن يَنْقَدَّ من الغَيْظ ويَنْشَقَّ.
ومنه قيل للرّجل إذا اتَّسَع
بطنُه وتَفَتَّقَ: قد انْحَضَج.
ويقال ذلك أيضًا إذا ضَرَب بنفسه الأرضَ، فإذا فعلت به أنتَ ذلك، قلت: حَضَجْتُه.
وقال ابن شميل: يَنْحَضِجُ: يَضْطَجعُ.
أبو عُبيد عن الأصمعي: أخذتُه فحَضَجْتُ به الأرضَ، أي ضَرَبْتُ به الأرض.
وقال مُزاحم:
إذا ما السوْطُ شَمَّر حالِبيْه *** وقلَّص بُدْنُه بعد انْحضَاج
الحَالِبان: عِرْقان يكُونان من الخَصْرين يعني بعد انتِفاح وسِمَن.
وامرأة مِحْضاج: واسعَةُ البَطْن.
وقال الليث: الحَضيجُ: الماء القليل.
يقال: حِضْج وحَضْج.
قال أبو عُبَيْد عن الأصمعي: الحِضْجُ: الماءُ الذي فيه الطِّين يَتَمَطَّطُ.
قال: وأخبَرني أبو مَهْدِيّ قال: سمعت هِمْيان بن قُحافة ينشده:
* فأسْأرَتْ في الحوض حِضْجًا حاضِجا*
وقال أبو عَمْرو في قول رُؤْبة:
* في ذِي عُبابٍ مالىء الأحضَاجِ *
قال: الأحضاجُ: الحِياضُ ويقال: حِضْجُ الوادي: ناحِيَتُه.
وقال أبو سعيد: حَضَجَ إذا عدا والمُحْضَجُ: الحائِدُ عن السبيل.
سَلَمَةُ عن الفرَّاء قال: المِحْضَبُ والمِحْضج والمِسْعَر: ما يُحرَّك به النار.
يقال: حَضَجْتُ النارَ وحَضبْتها.
أبو زيْد: حَضَجَ البعِيرُ بِحمْله وانْحضَجَت عنه أداتُه انْحضاجا.
سَلَمَةُ عن الفرَّاء: حَضَجتُ فلانًا ومغَثْتُه ومثْمَثْتُه وبرْطَلْته كله بمعنى غَرَّقْته.
وفي الحديث أنَّ بَغْلَةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لمَّا تناول الحصى ليَرْمِي به يوم حُنَيْن فَهِمَت ما أراد فانْحضجَت أي انْبسطَت، قاله ابن الأعرابي فيما رَوى عنه أبو العبَّاس، وأنشد:
ومُقَتَّتٍ حضجَتْ به أيّامُه *** قد قاد بعْدُ قلائِصا وعِشارا
قال: مُقَتِّتٌ: فقير.
حَضَجَت: قال: انْبسطَت أيامه في الفقّرِ فأغناه الله وصار ذا مال.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
298-تهذيب اللغة (حجز)
حجز: قال الليث: الحَجْزُ: أن تَحْجِزَ بين مُقَاتِلَيْن، والحِجازُ: الاسم وكذلك الحاجِزُ.قال الله جلّ وعزّ: {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزًا} [النَّمل: 61] أي حِجَازًا بين ماء مِلْحٍ وماء عذب لا يَخْتلطان، وذلك الحجاز قُدرَةُ الله، قال: وسُمِّي الحجَازُ حِجازًا، لأنه فَصَل بين الغَوْر والشّأم وبين البادِية.
قلت: سُمِّي الحِجَازُ حِجَازًا لأنّ الحِرارَ حَجزَت بينه وبين عالِيَة نَجْد.
وقال ابن السِّكَّيت: ما ارتفع عن بطن الرُّمَّة فهو نجد، قال: والرُّمة: وادٍ معْلُوم، قال: وهو نَجْد إلى ثَنايَا ذاتِ عِرْق، قال: وما احْتَزَمَت به الحرَار حرَّة شَوْران وعامَّة منازِل بني سُلَيْم إلى المدينة، فما احتاز في ذلك الشق كله حِجَاز.
قال: وطَرَف تِهامة من قِبَل الحجاز: مَدارِج العَرْج، وأولها من قِبَل نَجْد مَدارج ذاتُ عِرْق.
وأخبرني المُنذِرِيّ عن الصَّيداويّ عن الرِّياشِيّ عن الأصمعي قال: إذا عَرضَت لك الحِرارُ بنَجْد فذلك الحجاز وأنشد:
* وفَرُّوا بالحجازِ ليُعْجِزُوني*
أراد بالحجاز الحِرارَ.
ويقال للجِبالِ أيضًا حِجاز، ومنه قَوْلُه:
* ونَحْن أُنَاسٌ لا حِجاز بأرضنا*
وقال أبو عُبيد: كانت بين القوم رِمِّيَّا ثم حجزت بينهم حِجِّيزَى.
يريدون كان بينهم رمي ثم صاروا إلى المحاجزة قال: والحِجِّيزَى من الحَجْزِ بين اثنين.
ومن أمثالهم «إن أردْت المُحَاجزة فقبل المُناجزة» قال: والمحاجزة: المسالمة، والمناجزة: القتال.
الليث: الحِجاز: حَبْل يُلقى للبعير من قِبَل رجليه ثم يُناخُ عليه يُشَدُّ به رُسغا رجليه إلى حِقْوَيْه وعَجُزِه.
أبو عُبيد عن الأصمعي: حَجَزْت البعير أحْجِزُه حَجْزًا وهو أن يُنِيخه ثم يَشُدَّ حبلًا في أصل خُفّيْه جميعًا من رِجْليه ثم يرفع الحبل من تحته حتى يَشُده على حِقْوَيْه وذلك إذا أراد أن يرتفع خُفّه، وقال ذو الرُّمَّة:
فهُنّ من بين مَحْجُوزٍ بنافذةٍ *** وقَائِظٍ وكِلَا رَوْقَيْه مُخْتَضِبُ
الأموي: في الحَجْز مثله أو نحوه.
وقال شمر: المُحْتَجِزُ: الذي قد شَدَّ وسَطه.
قال: وقال أبو مالك: يقال لكلِّ شيء يَشُدُّ به الرجُل وسطه ليشمر ثيابه حِجاز قال: وقال الإيادِي الاحْتِجازُ بالثوب: أن يُدْرِجه الإنسان فيَشُدُّ به وسطه، ومنه أُخِذَتْ الحُجْزَة، وقالت أُمُّ الرَّحَّال: إن الكلام لا يُحْجَز في العِكْم كما يُحْجَزُ العَباء.
وقالت: الحَجْزُ.
أن يُدْرج الحَبْل على العِكْم ثم يُشَدُّ.
والحَبْل هو الحِجازُ.
وقال الليث: الحُجْزَةُ: حيث يُثْنَى طَرَفُ الإزار في لَوْثِ الإزار، وجمعه حُجُزَات.
قال: وحُجْز الرجل: مَنْبتُه وأصْلُه، وحُجْزُه أيضًا: فَصلُ ما بين فَخِذه والفَخِذ الأخرى من عشيرته، وقال رؤبة:
* فامْدَح كريمَ المُنْتَمَى والحُجْز*
وقال أبو عمر: الحُجْز: الأَصْل والنَّاحية، وقال غيره: الحُجْز: العشيرة يَحْتَجِز بهم، ورواه ابن الأعرابي:
* كَرِيم المُنْتمَى والحُجْزِ*
أراد أنَّه عفيف طاهر، كقول النَّابغة:
* رِقَاقُ النِّعال طَيِّب حُجُزَاتهم *
يريد أنهم أَعِفّاء عن الفجور.
ابن السكيت: انحجز القوم واحتَجَزوا إذا أَتَوا الحجاز.
وقال ابن بُزُرْج: الحَجَزُ والزَّنَجُ واحد.
يقال: حَجِزَ وزنِجَ وهو أن تَقَبَّضَ أَمْعَاءُ الرَّجُل ومصارينُه من الظَّمأ، فلا يستطيع أن يُكْثِر الشُّرْب ولا الطُّعْم.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
299-تهذيب اللغة (حدج)
حدج: الليث: الحَدَج: حَمْلُ البِطِّيخ والحَنْظل ما دام رَطْبًا، والواحدة حَدَجَة.قال: ويقال: ذلك لحَسَك القُطْب ما دام رَطْبًا، والحُدْج لغة فيه.
أبو عُبيد عن الأصمعي: إذا اشْتَدَّ الْحَنْظَلُ وصَلُب فهو الحَدَجُ، واحدها حَدَجَة، وقد أحْدَجَت الشَّجَرَة قال: ونحْوَ ذلك قال أبُو الوَلِيد الأعرابي.
الليث: التَّحْديج: شِدَّة النَّظَر بَعْدَ رَوْعَة وفَزْعَة.
ورُوي عن ابن مسعود أَنَّه قال: «حَدِّثِ القَوْمَ مَا حَدَجُوك بأَبْصَارهم».
قال أبو عُبيد: يعني ما أحدُّوا النظر إليك.
يقال: حدَجَني بِبَصره إذا أحد النظَر إليه.
قال ومنه حديثٌ يُروَى في المِعْراج «ألم
تَرَوْا إلى مَيِّتِكم حين يَحْدِج ببصره فإنما يَنظُر إلى المِعْراج من حُسْنه».
وقال أبو النجم:
تُقَتِّلُنا منها عُيونٌ كأَنها *** عُيون المهَا ما طَرْفُهن بحادِجِ
يريد أنها ساجِيَةُ الطَّرْف.
قال: والذي يُرادُ من الحديث أنَّه يقول: حدِّثهم ما داموا يَشتهُون حديثك ويَرمُونك بأَبصَارِهم.
فإذا رَأيتَهُم مَلُّوا فَدَعهُم.
قلت: وهذا يَدلُّ على أنَّ الحديث يكونُ في النَّظَر بلا رَوْعٍ ولا فَزَع.
ابن السكيت: حَدَجَه بسَهْم إذا رماه به.
يقال: حَدَجَه بذَنْب غَيْره حَمَلَه عَلَيْه وَرَمَاه به، قال: وَحَدج البعيرَ حَدْجًا إذا شَدَّ عليه أَداته.
وحَدَجَه ببصره إذا رماه به حَدْجًا وقال ابن الفَرَج: حَدَجَه بالْعَصا حَدْجًا وحَبَجَه بها حَبْجًا إذا ضَرَبُه بها.
وقال الليث: الْحِدْجُ: مركب ليس بِرَحْلٍ ولا هَوْدَج يركبه نساءُ الأعراب، قال: وحَدَجْتُ النَّاقَةَ أَحْدِجُها حَدْجًا، والجمع حُدُوجٌ وأَحْدَاجٌ.
وقال شمر: سمعت أعرابيًا يقول: أُنظر إلى هذا البعير الغُرْنُوقِ الذي عليهِ الحِدَاجَةُ، قال: ولا يُحْدَجُ البعير حتى يكمُل فيه الأداةُ وهي البِدادان والبِطانُ والحَقَبُ.
قلت: وسمعتُ العربَ تقولُ: حَدَجْتُ البعيرَ.
إذا شددتَ عليه حِدَاجَتَه، وجمع الحِدَاجَةِ حَدائجُ، والعربُ تسمِّي مخالي القَتَب أَبِدَّةٌ واحِدُها بِدَادٌ، فإذا ضُمَّتْ وأُسِرَتْ وشُدَّتْ إلى أَقْتَابها مَحْشُوَّةً فهي حينئذٍ حِدَاجَة ويُسَمَّى الهَوْدَجُ المشدود فوق القَتَب حتى يُشَدُّ عَلَى البعير شَدًّا واحدًا بجميع أَداته حِدْجًا وجمعه حُدوج.
ويقال: أَحْدِج بعيرَك، أي شُدَّ عليه قَتَبَهُ بأَداته.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم لابن السكيت قال: الحُدوجُ والأَحْداجُ والحَدَائجُ: مراكب النساء، واحدها حِدْجٌ وحِداجةٌ.
قلت والصواب: ما فسَّرْتُه لك ولم يُفَرِّق ابنُ السكيت: بين الحِدْج والحِداجَة وبينهما فرق عند العرب كما بينته لك.
وقال ابن السكيت: سمعت أبا صاعد الكلابي يقول: قال رجل من العرب لصاحبِه في أَتانٍ شَرُودٍ: إلْزَمْها رماها الله براكب قليل الْحِداجَة بعيد الحاجة، أراد بالحِداجة أداة القَتَب.
ورُوي عن عمر أنهُ قال: «حَجَّةً هاهنا ثم احْدِجْ هاهنا حتى تفْنَى».
قال أبو عُبَيد: أحْدج ههنا يعني إلى الغزو.
قال والحَدْجُ شَدُّ الأحْمَالِ وتوسيقها يقال: حَدَجْتُ الأحمال أَحْدِجُها حَدْجًا والواحد منها حِدْج وجمعها حُدُوجٌ وأَحْدَاجٌ وأنشد قول الأعشى:
أَلَا قُلْ لِمَيْثَاء ما بالها *** أَلِلْبَيْنِ تُحْدَجُ أَحمَالُهَا
قال: ويُرْوى تُحْدَجُ أجمالُها أي يُشَدُّ عليها قلت: معنى قول عمر: ثم أحْدِج ههنا أي شُدَّ الحِدَاجَةَ وهو القَتَب بأداته على البعير للغزو.
والرواية الصحيحة
تُحدَجُ أَحمالُها وأما حَدْجُ الأحمالِ بمعنى توسيقها فغير معروف عند العرب وهو غلط.
وأما الحِدْجُ بكسر الحاء، فهو مركَب من مراكب النساء نحو الهودج والمحفَّةُ ومنهُ البيت السائر:
شَرَّ يَوْمَيْها وأَغْوَاهُ لها *** ركِبَتْ عَنْزٌ بِحِدْجٍ جَمَلَا
وقال الآخر:
فَخْرَ البَغِيّ بِحِدْج رَبَّ *** تها إذا ما الناس شَلُّوا
شمر عن أبي عمرو الشيباني: يقال: حَدَجْتُهُ ببيع سوء إذا فعلتَ ذلك به.
قال: وأنشدني ابن الأعرابي:
حَدَجْتُ ابن محدوج بستين بَكْرَةً *** فلمَّا استَوَتْ رِجْلاهُ ضجَّ من الوِقر
قال: وهذا شعر امرأة تزوجها رجل عَلَى ستِّين بكْرة.
وقال غيره.
حَدَجْتُه ببيع سَوْء ومتاع سَوْء إذا ألزمته بيعًا غبنتَه فيه.
ومنهُ قول الشاعر:
يَعِجُّ ابنُ خِرْباقٍ من البيع بعد ما *** حَدَجْتُ ابن خرباقٍ بجَرْباء نازعِ
قلت: جعله كبعير شُدَّ عليهِ حِداجته حين ألزمه بَيْعًا لا يقَالُ منهُ.
وقال ابن شُمَيل: أهل اليمامةِ يُسمُّون بطيخًا عندهم أخضرَ مثل ما يكون عندنا أيام التِّيرمَاه بالبصرة الحَدَج.
قال.
والحَدَجَةُ أيضًا.
طائر شبيه بالقطَا وأهل العراق يسمون هذا الطائر الذي نُسَمِّيهِ اللَّقْلقَ أَبَا حُدَيجٍ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
300-تهذيب اللغة (جدح)
جدح: الليث: جَدَحَ السويقَ في اللبن ونحوه إِذَا خاضه بالْمِجْدَح حتى يختَلِط.قال: والْمِجْدَح: خَشَبَة في رَأْسها خشبتان مُعتَرِضتان.
قال: وَالْمِجْدَح في أَمْر السَّماء يقال: تردُّدُ رَيِّق الماء في السحاب.
يقال: أرسلت السماء مَجَاديحَها.
وروي عن عُمَرَ أنه خرج إلى الاسْتِسْقَاء فصعد الْمِنبر فلم يزد على الاستغفار حتى نزل، فقيل له: إنك لم تسْتَسْقِ، فقال: لقد استسقَيْتُ بمجاديح السَّماء.
قال أَبُو عُبَيْد: قال أَبُو عمْرو: الْمَجَاديحُ واحدها مِجْدح وهو نَجْم من النُّجُوم كانت العرب تزعم أنه يُمْطَر به كقولهم في الأَنْوَاء، وقال الأُمَوِيّ: هو الْمُجْدَحُ أيضًا بالضَّم، وأنشدنا:
وأَطْعُنُ بالقوم شطر الْمُلو *** ك حتى إذا خَفَقَ الْمِجْدَحُ
قال: والذي يُراد من الحديث أنه جعل الاستغفار استسْقَاء، يتَأَوَّلُ قول الله جلّ وعزّ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرارًا} [نوح: 10، 11] وأراد عُمَرُ إبطال الأنواء والتكذيبَ بها، لأنه جعل الاستغفار هو الذي يُسْتَسْقَى به لا الْمَجَاديحَ والأنواء التي كانوا يسْتَسْقُون بِها.
وأَخبرني المُنْذريّ عن ثعلب عن ابن الأعْرابي قال: المِجْدَحُ: نَجْم صغير بين الدَّبَران والثُّريَّا.
وقال شَمِر: الدَّبَران يقال له المِجْدَحُ والتَّالي والتَّابع، قال: وقال بعضهم: ندعو جَناحَي الجَوْزاء المِجْدَحَين.
ويقال: هي ثلاثة كَواكِب كأنها مِجْدح يُعْتبر بطلوعِها الْحَرُّ، ومنه قول الرَّاجز:
يَلْفَحُها المِجْدَحُ أَيَّ لفح *** تلوذ منه بجَنَاء الطَّلْح
قلت: وأما ما قاله الليث في تفسير المجاديح أَنَّها تَرَدُّدُ رَيِّقِ الماء في السحاب فباطل، والعرب لا تعرفه.
وقال ابن دريد: المَجْدوح: من أطعمة أهل الجاهلية: كان أحدهم يَعْمِد إلى الناقة فتُقْصَد له، ويأْخذ دَمَها في إناء فيشربه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
