نتائج البحث عن (وَأَطْهَارًا)
1-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (المورمون-النصرانية وما تفرع عنها من مذاهب)
المورمونالتعريف:
المورمون طائفة نصرانية جديدة نسبيًا منشقة عن النصرانية الأم، تلبس لباس الدعوة إلى دين المسيح عليه السلام، وتدعو إلى تطهير هذا الدين بالعودة به إلى الأصل أي إلى كتاب اليهود، ذلك أن المسيح – في نظرهم – قد جاء لينقذ اليهود من الاضطهاد وليمكنهم من الأرض، إنها – كما تسمي نفسها – طائفة القديسين المعاصرين لكنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة، نبيها المؤسس هو يوسف سميث وكتابها المقدس هو الكتاب المقدس الحديث.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
ولد يوسف سميث في 23/12/1805م بمدينة شارون بمقاطعة وندسور التابعة لولاية فرمونت. وعندما بلغ العاشرة من عمره رحل مع والده إلى مدينة بالمايرا بمقاطعة أونتاريو التابعة لولاية نيويورك.
في الرابعة عشرة من عمره انتقل مع أهله إلى مانشستر من نفس المقاطعة.
ولما بلغ الخامسة عشرة وجد الناس حوله منقسمين إلى طوائف:
الميثوديست، والمشيخي، والمعمداني.. فشعر باضطراب وقلق.
في ربيع عام 1820م ذهب إلى غابة، وأخذ يصلي منفردًا طالبًا من الله الهداية، وبينما هو كذلك إذ شاهد – كما يزعم – نورًا فوق رأسه، تمثل هذا النور في شخصين سماويين هما (الله، وابنه عيسى – تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا) وقد نهياه عن الانضمام إلى أي من هذه الفرق.
يدعي بأن الوحي قد انقطع عنه، وأنه خضع لاضطهاد عنيف وسخرية من جراء جهره برؤيته هذه، وقد تورط خلال ذلك بزلات طائشة إذ يقول عن نفسه: "وكثيرًا ما أدت مخالطتي لشتى البيئات إلى اقتراف زلات طائشة وللاتِّسام بما للشباب من نزق وما للطبيعة البشرية من قصور وقد ورطني ذلك للأسف في ألوان من التجارب والآثام المبغضة إلى الله ولا يتبادر إلى الذهن بسبب هذا الاعتراف أني ارتكبت إثمًا فظيعًا أو وزرًا منكرًا، فما كان بي نزوع قط إلى مثل هذه الأوزار أو تلك الآثام" شهادة يوسف ص7.
ـ كما يدعي أنه في مساء 21 سبتمبر 1823م نزل عليه ملاك من السماء اسمه موروني وأخبره بأنه قد أعده لمهمة ينبغي عليه إنجازها، وأخبره عن كتاب نقشت عليه كلمات على صحائف من الذهب تروي أخبار القوم الذين استوطنوا القارة الأمريكية في الأزمنة الغابرة، وتاريخ السلف الذين انحدروا منهم، وأنبأه عن حجرين في قوسين من الفضة لترجمة الكتاب، وغادره هذا الملاك بعد أن نهاه عن إظهار أحد من الناس على هذه الصحف.
في 18 يناير 1827م تزوج من فتاة اسمها إيما هيل، فكان له من حميه فيما بعد سندًا قويًا أعانه على نشر فكرته، وذلك لما تتمتع به هذه الأسرة من مكانة طيبة.
في 22 سبتمبر 1827م استلم الصحف – كما يزعم – متعهدًا بإعادتها بعد نهوضه بالمطلوب.
رحل عن مقاطعة مانشستر الأمريكية وذهب إلى حيث حموه في مقاطعة سوسكويهانا بولاية بنسلفانيا، واستوطن مدينة هارموني.
شرع في الترجمة بمساعدة مارتن هاريس الذي أخذ بعض الحروف وشيئًا من الترجمة وعرض ذلك على الأستاذ تشارلز آنثون، والدكتور ميتشيل فأقرا بأن ما رأياه إنما هو ترجمة عن اللغة المصرية القديمة وأن الأصل إنما يتألف من حروف مصرية قديمة، وحروف كلدانية، وحروف آشورية، وحروف عربية.
في 25 مايو 1825م ذهب مع أوليفر كودري للصلاة في الغابة حيث زعما أنه هبط عليهما يوحنا المعمدان (أي نبي الله يحيى عليه السلام) وأمرهما بأن يعمد كل منهما الآخر، وأخبرهما بأنه قد جاء إليهما تنفيذًا لأمر بطرس يعقوب، ورسَّمهما لرعاية الكنيسة المورمونية.
يدعي كل من أوليفر كودري، وداود ويتمر، ومارتن هاريس أنهم قد شاهدوا الصحف وأنهم يشهدون على صحة الترجمة ودقتها وبأن هذا الكتاب إنما هو سجل لقوم نافي ولإخوتهم اللامانيين.
أعلن في عام 1830م وبحضور عدد من الشخصيات عن تأسيس كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة.
رحل يوسف سميث وأتباعه عن نيويورك إلى مدينة كيرتلاند المجاورة لمدينة كليفلاند بولاية أوهايو حيث شيَّد هيكلًا عظيمًا، كما أنه قام بعمل تبشيري واسع النطاق في تلك المنطقة وما جاورها.
بعث بإحدى الإرساليات إلى ولاية ميسوري للتبشير ولاكتساب المؤيدين.
تعرضوا للاضطهاد فتنازلوا عن منازلهم ومزارعهم ورحلوا إلى ولاية الينوي حيث اشتروا المستنقعات الشاسعة المهجورة على شاطئ المسيسبي وقاموا بإصلاحها وبنوا مدينة نوفو أي الجديدة.
سجن يوسف سميث وأخوه هايرم في مدينة كارسيج بولاية الينوي لاتهامات ضدهما، وبينما هما في السجن دخل عليهما مسلحان مقنعان فقتلاهما بالرصاص. وقد حدث ذلك في 27 يونيو 1844م فانتهت بذلك حياة هذا النبي المزعوم.
آلت رئاسة الحركة والنبوة بعده إلى بريجام يونج الذي رحل بالقوم إلى جبال روكي حيث حدد لهم مكان إقامتهم فبنوا مدينة سولت ليك وقد خطط الهجرات إلى يوتاه إذ كان بينهم آلاف البريطانيين والاسكندنافيين، كما يعتبر يونج مسئولًا عن هذه الرحلة المأساوية والتي حدثت عام 1856م حيث مات أثناءها أكثر من مئتي شخص من أتباعه.
ـ رؤساء الكنيسة هم الأنبياء، فقد تتابع هؤلاء الأنبياء – بزعمهم – وأخرهم سبنسر كيمبل وقد زاد عدد أعضاء هذه الطائفة إذ بلغوا خمسة ملايين شخص تقريبًا وما يزالون في نمو وازدياد.
هناك أقلية من المورمون لم توافق على سيطرة يونج بعد موت يوسف سميث، فقد بقي هؤلاء في الينوي مؤسسين – بالتعاون مع إيما سميث الزوجة الأولى لنبيهم ومع ابن سميث جوزيف – كنيسة يسوع المسيح للقديسين المعاصرين المعاد تنظيمها، ومركزها ميسوري، تنفيذًا لوصية النبي المؤسس الذي قال لهم: إن صهيون ستكون فيها. وقامت كذلك فئات أخرى منشقة، كل منها تدعي بأنها قد تلقت صحفًا فيها كتب قديمة مقدسة.
أوليفر كودري، ومارتن هاريس، كانا ممن شارك في مرحلة التأسيس وتلقيا الوحي المزعوم.
وتتابع أنبياؤهم الذين هم رؤساء الكنيسة على النحو التالي:
يوسف سميث.
بريجام يونج.
جون تيلور.
ويلفورد وودروف.
لورينزوسنو.
هيبر جرانت.
جورج ألبرت سميث.
داود مكاي.
يوسف فليدنج سميث.
وأخيرًا سبنسر كيمبل الذي ما يزال نبيًا ورئيسًا لهم إلى الآن.
يرد في كتبهم اسم: إلما، يارد، لحي، إنهم أنبياء في كتاب المورمون.
لهم شخصيات بارزة في مجلس الشيوخ الأمريكي ومجلس النواب.
الأفكار والمعتقدات:
الكتب المقدسة لديهم اليوم:
الكتاب المقدس: يعتقدون بأنه مجموعة من كتابات مقدسة تحتوي على رؤى الله للإنسان، وأنها مخطوطات تتناول قرونًا كثيرة منذ أيام آدم حتى الوقت الذي عاش فيه المسيح وقد كتبها أنبياء كثيرون – على زعمهم – عاشوا في أزمنة مختلفة، وهو ينقسم إلى قسمين:
1- العهد القديم: فيه كثير من النبوءات التي تنبأت بقدوم المسيح.
2- العهد الجديد: يروي حياة المسيح وتأسيس الكنيسة في ذلك اليوم.
كتاب المورمون: هو سجل مقدس لبعض الناس الذين عاشوا في قارة أمريكا بين 2000 ق.م إلى 400 بعد الميلاد، وهو يروي قصة زيارة يسوع المسيح لشعب القارة الأمريكية بعد قيامه من الموت مباشرة (كما يعتقدون). وهذا الكتاب يعدّ الحجر الأساسي لديهم، وإن الإنسان المورموني يتقرب إلى الله بطاعة تعاليمه، وقد قام يوسف سميث بترجمته إلى اللغة الإنجليزية بموهبة الله وقوته، وقد نزل به ملاك من السماء اسمه (موروني) على يوسف سميث.
كتاب المبادئ والعهود: هو مجموعة من الرؤى الحديثة التي تخصّ كنيسة يسوع المسيح كما أعيدت إلى أصلها في هذه الأيام الأخيرة، وهو يوضح تنظيم الكنيسة وأعمالها ووظائفها، وفيه نبوءات عن حوادث ستأتي، وفيه أجزاء فيها معلومات مفقودة لمئات السنين، وفيه تعاليم الكتاب المقدس.
الخريدة النفيسة: يحتوي على:
1ـ سفر موسى: فيه بعض رؤى موسى وكتاباته كما كُشفت ليوسف سميث في عام 1830م.
2 ـ سفر إبراهيم: ترجمة يوسف سميث من درج بردي مأخوذ من مقابر المصريين القدماء.
3 ـ كتابات يوسف سميث ذاته: تحتوي على جزء من ترجمة الكتب المقدسة ومختارات من تاريخ الكنيسة المورمونية وبنود الإيمان لديهم ورؤية المملكة السماوية.
4ـ رؤية فداء الأموات: وهي تروي زيارة يسوع المسيح للعالم الروحي، وهي رؤية أعطيت للرئيس يوسف سميث في 3 أكتوبر 1918م.
إضافة إلى الكتب الأربعة السابقة فإن كلمات الوحي والرؤى التي يذكرها أنبياؤهم تصبح كتبًا مقدسة، وكل النشرات والتعاليم وقرارات المؤتمرات كلها تعتبر كتبًا مقدسة أيضًا.
بنود الإيمان لديهم: كما وضعها يوسف سميث ذاته:
الإيمان بالله، الأب الأزلي، وبابنه يسوع المسيح، وبالروح القدس.
الإيمان بأن البشر سيعاقبون من أجل خطاياهم، وليس بسبب تعدي آدم.
الإيمان بأن جميع البشر يستطيعون أن يخلصوا عن طريق كفارة المسيح وذلك بإطاعة شرائع الإنجيل ومراسيمه.
الإيمان بأن المبادئ والمراسم الأربعة للإنجيل هي:
1ـ الإيمان بالرب يسوع المسيح.
2ـ التوبة.
3ـ العماد بالتغطيس لغفران الخطايا.
4ـ وضع الأيدي لموهبة الروح القدس.
الإيمان بأن الإنسان يجب أن يُدعى من الله عن طريق النبوة ووضع الأيدي على يد هؤلاء الذين لهم السلطة لكي يبشر بالإنجيل ويقوم بالمراسيم المتعلقة به.
الإيمان بنفس التنظيم الذي قامت عليه الكنيسة القديمة، أي: الرسل والأنبياء والرعاة والمعلمين والمبشرين… الخ.
الإيمان بموهبة الألسن والنبوة والرؤيا والأحلام والشفاء وتفسير الألسن.
الإيمان بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله بقدر ما ترجم صحيحًا، والإيمان بأن كتاب المورمون هو كلمة الله.
الإيمان بكل ما كشفه الله وبما يكشفه الآن وبأنه سيظل يكشف أمورًا كثيرة عظيمة تتعلق بملكوت الله.
الإيمان بتجمع إسرائيل واستعادة القبائل العشر، وأن دولة صهيون (أورشليم الجديدة) ستؤسس على القارة الأمريكية وأن المسيح سيحلُّ شخصيًا على الأرض، وأن الأرض ستتجدد وتتسلم مجدها الفردوسي.
يدَّعون امتياز عبادتهم لله القوي طبقًا لما يمليه عليهم ضميرهم كما يسمحون لجميع البشر بهذا الامتياز، فليعبدوا ما يريدون وكيف يريدون وأين يريدون.
الإيمان بأنه يجب عليهم الخضوع للملوك والرؤساء والحكام وأصحاب السلطة القضائية، كما يؤمنون بأنه يجب عليهم إطاعة القانون واحترامه وتعضيده.
الإيمان بأنه يجب عليهم أن يكونوا أمناء وصادقين وأطهارًا ومحسنين وأصحاب فضيلة وأن يعملوا الخير لكل البشر وهم يسعون وراء كل شيء ذي فضيلة ومحبوب ويستحق التقدير أو المدح.
مراتبهم الدينية والتنظيمية:
ينقسم الكهنوت لديهم إلى قسمين:
1-كهنوت ملكي صادق: وهو أعظم كهنوت إذ يملك التوجيه والتبشير بالإنجيل كما يملك سلطة قيادة الكنيسة.
2ـ كهنوت هارون: وهو الكهنوت الذي منح لهارون ولأولاده خلال جميع الأجيال، وأصحاب هذا الكهنوت يقومون بمراسم الإيمان والتوبة والتعميد.
خلاصة أفكارهم:
يعتقدون أن الله هو على شكل إنسان له لحم وعظام وبداخل جسده الملموس روح أزلية. كما يؤكدون على أن الإله متطور عن الإنسان، والناس يمكنهم أن يتطوروا إلى آلهة – تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
الإنسان – كروح – ولد من والدين سماويين، وقد بقي هذا الإنسان في منازل الأب الأبدية قبل المجيء إلى الأرض في جسد مادي، كما أن المسيح هو الروح الأولى، فهو بذلك الابن الأكبر.
يسوع المسيح هو الذي خلق الأرض وكل ما فيها، وخلق كذلك عوالم أخرى بتوجيه من أبيه السماوي. ثم خلق بعد ذلك الحيوانات.
المسيح عليه السلام: أمه مريم العذراء التي كانت مخطوبة لشخص اسمه يوسف، وقد حلّ عليها الروح القدس وقوة العلي ظللتها، وولدها هو ابن الله، وقد جاء الولد وارثًا لسلطة إلهية من أبيه، ووارثًا الفناء من أمه.
قام يوحنا المعمدان بتعميده وهو في الثلاثين من عمره، وقد صام أربعين يومًا ليحارب الشيطان، كما أنه قد ظهرت على يديه معجزات.
إن المسيح قد ضُرِبَ، وعُذِّبَ، ومن ثم صُلِبَ، ليسجل انتصاره على الخطيئة، وقد استودع روحه بين يدي أبيه، وقد ظل جسده ثلاثة أيام في القبر، ثم عادت إليه روحه فقام متغلبًا على الموت.
بعد قيامه بقليل ظهر في أمريكا، وأسس كنيسته، ثم صعد إلى السماء. وقد دخلت الوثنية إلى العقيدة المسيحية كما حارب رجال الدين بعضهم بعضًا مما استوجب نزول المسيح مرة أخرى مع الله وهبوطهما على يوسف سميث بغية إعادتها إلى الأرض مرة أخرى كما كانت في الأصل.
حواء ابنة مختارة أعطيت لآدم، وسمح لهما بالأكل من كل الأشجار عدا شجرة معرفة الخير والشر، وقد أغراهما الشيطان فأكلا منها فأصبحا فانيين يشتغلان وينجبان.
الروح القدس: عضو في الهيئة الإلهية، وله جسد من الروح في شكل إنسان، وهو يوجد في مكان واحد فقط في نفس الوقت إلا أن نفوذه يصل إلى كل مكان.
النبي رجل دعاه الله ليمثله على الأرض ويتكلم بالنيابة عنه، والنبوة لديهم مستمرة لا تنقطع.
التعميد: ترمز المعمودية إلى الموت والقيامة وذلك بأن ينزل رجل الدين إلى الماء مع الشخص الذي يريد تعميده، فيغطسه في الماء ثم يخرجه، وبذا تنتهي الحياة الخاطئة وتبدأ الحياة الجديدة، وهي تسمى الميلاد الثاني.
القربان: كانت القرابين قبل المسيح تقدم على شكل ذبائح من الحيوانات، لكن كفارة المسيح بقتله أنهت هذا النوع من القرابين، وصارت عبارة عن خبز ونبيذ مصحوبة بالصلوات. وخلال رؤية حديثة لقديسي الأيام الأخيرة جعلوها خبزًا وماءً.
يقدسون يوم السبت لأن الله استراح فيه بعد انتهائه من خلق الكون ولقد كان قيام المسيح بعد صلبه في يوم الأحد الذي صار محل تقديس عوضًا عن يوم السبت.
الصوم: هو الامتناع عن الطعام والشراب مدة أكلتين متتابعتين وبذلك يصوم الشخص أربعًا وعشرين ساعة. فإذا أكل أحدهم العشاء فلا يجوز له أن يأكل مرة ثانية حتى العشاء الآخر. كما يقدم الصائم للقائد الكهنوتي إما مالًا أو طعامًا مساويًا لطعام الوجبتين وهذا يسمى بعطاء الصوم.
يحرمون شرب النبيذ، والمسكرات الكحولية والتبغ والدخان بكل أنواعه، ويمتنعون عن شرب القهوة والشاي لما يحتويان عليه من عقاقير مضرة. ويحذرون من تناول المرطبات وما فيها من مشروبات الصودا والمشروبات الفوارة والمياه الغازية، والكولا أشدها خطرًا. وينبهون إلى عدم الإسراف في أكل اللحم من دون تحريم، ويبيحون تناول الفواكه والخضر والبقول والغلال مركزين على القمح بخاصة لاعتقادهم بأنه نافع لجسم الإنسان ويؤدي إلى المحافظة على صحته وقوامه. وجدير بالذكر أن يوسف سميث كان يرقص ويشرب الخمر ويشترك في المصارعة وقد كتب يقول: "خلق الإنسان ليتمتع بحياته".
يبيحون تعدد الزوجات ويجيزون للرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء لأن في ذلك إعادة لما شرعه الله في الأزمان الغابرة. ولا يسمحون بذلك إلا لذوي الأخلاق العالية على أن يثبتوا قدرة على إعالة أكثر من أسرة. وقد مارس يوسف سميث هذا التعدد. كما استمرت هذه العادة حتى عام 1890م.
تخلوا عن التعدد – ظاهريًا – في عهد نبيهم ولفورد نتيجة للضغط الشديد الذي قوبلوا به من الطوائف الأخرى وكذلك بغية تمكنهم من الانضمام إلى السلطات الاتحادية. وعلى الرغم من التحريم الرسمي العلني إلا أنهم يمارسون التعدد سرًا.
يحرمون الزنى تحريمًا مطلقًا، والذي يخطئ يمكنه التوبة والرجوع عن جميع خطاياه.
يجب على كل فرد أن يدفع عُشر النقود التي يكسبها على أن يكون ذلك مصحوبًا بالفرح والسرور.
يدفعون عطاء الصوم، ويدفعون اشتراكات مختلفة وعطايا لغير سبب، فكنيستهم بذلك من الكنائس الغنية الموسرة.
من علامات القيامة:
- الشرور والحروب والاضطرابات.
- استعادة الإنجيل.
- بزوغ كتاب المورمون.
- اللامانيون يصبحون شعبًا عظيمًا.
- بناء أورشليم الجديدة في ولاية ميسوري.
- بيت إسرائيل يصبح شعب الله المختار.
بعد الحساب هناك عدة ممالك:
- المملكة السماوية: للذين تسلموا شهادة يسوع وآمنوا باسمه وتعمدوا.
- المملكة الأرضية: للذين رفضوا الإنجيل على الأرض ولكنهم استلموه في العالم الروحي.
المملكة السفلية: للذين لم يتسلموا الإنجيل ولا شهادة يسوع سواء على الأرض أو في العالم الروحي ومع هؤلاء يكون الزناة والفجار.
الظلمة الخارجية: للذين شهدوا ليسوع بالروح القدس وعرفوا قوة الرب لكنهم سمحوا للشيطان بأن يتغلب عليهم فينكروا الحق ويَتَحَدوا قوة الرب.
يؤمنون بالعهد الألفي السعيد الذي يدوم ألف سنة من تاريخ مجيء المسيح إلى الأرض حيث يقوم كثير من الأموات، وبعضهم يختطف للقائه عندما ينزل، وهي القيامة الأولى. أما الأشرار فيهلكون في الأجساد ويبقون كذلك مع الأشرار من الأموات حتى انتهاء الألف سنة حيث تأتي القيامة الآخرة.
في فترة الألف سنة هذه تسود المحبة والسلام، ويملك يسوع شخصيًا، وتجتمع الأرض في مكان واحد، فلن يكون هناك قارات مختلفة، وينمو الأطفال بدون خطيئة.
لن يكون هناك موت: لأن الناس سيتغيرون من حالتهم الفانية إلى حياة الخلود في لحظة.
في نهاية العهد الألفي سيطلق سراح الشيطان لمدة قصيرة، وتحدث معركة بين أتباع الأنبياء وأتباع الشيطان. وعندها ينتصر المؤمنون ويطرد الشيطان إلى الأبد مدحورًا.
المورمون واليهود:
مما لا شك فيه أن لليهود دورًا فعالًا ونشيطًا في حركة المورمون ولذلك فهم:
يعتقدون بأن الله أعطى وعده لإبراهيم، ومن ثم لابنه يعقوب بأن من ذريته سيكون شعب الله المختار.
وأن يعقوب الذي اسمه (إسرائيل) رزق باثني عشر ابنًا يعرفون بالأسباط.
وأن هؤلاء الأنبياء ارتكبوا الشرور فبددهم الله في الأرض منقسمين إلى مملكتين:
1- المملكة الشمالية: وتسمى إسرائيل حيث عاش فيها عشرة أسباط.
2- المملكة الجنوبية: وتسمى مملكة يهوذا حيث عاش فيها سبطان فقط.
الأسباط الشماليون هزموا في معركة ودفعوا إلى السبي، وقد هرب بعضهم وتاهوا في البلاد.
بعد مائة عام انهزمت المملكة الجنوبية حوالي عام 600ق.م. عندها ترك لحي وعائلته أورشليم مستقرين في القارة الأمريكية فكان منهم النافيون وكذلك اللامانيون الذي يعتبرون من سلالة لحي. وقد هدمت أورشليم عام 586 ق.م.
سبطا إسرائيل اللذان بقيا أُخِذا أسيرين، كما أعيد بناء أورشليم بعد المسيح، إلا أن الجنود الرومانيين قد خربوها مرة ثانية.
يصرحون بأن في هذا الزمان قد وعد الرب بأنه سيجمع بني إسرائيل ليتعلموا الإنجيل، كما أن موسى النبي قد نزل على يوسف سميث عام 1836م وأعطاه سلطة جمع بيت إسرائيل في هيكل كيرتلاند.
بيت إسرائيل الآن في طريقه إلى الجمع إذ أن آلافًا من الناس ينضمون إلى الكنيسة سنويًا من الإسرائيليين الذي ينتمون إلى عائلة إبراهيم ويعقوب إما بعلاقة الدم أو بعلاقة التبني حسب ادعاءاتهم.
سيجمع سبطا افرايم ومنسي في أرض أمريكا، وسيعود سبط يهوذا إلى أورشليم كما أن الأسباط العشرة المفقودة ستتسلم البركات التي وعدت بها من سبط افرايم في أمريكا.
الإسرائيليون المشتتون في كل دولة يدعون للتجمع في حظيرة المسيح في أوتاد صهيون.
هذا التجمع الحرفي لإسرائيل لن يتم حتى المجيء الثاني للمخلص كما يزعمون.
ستكون هناك عاصمتان في العالم: الأولى في أورشليم والثانية في أمريكا لأن من صهيون تخرج الشريعة، ومن أورشليم تخرج كلمة الرب.
الجذور الفكرية والعقائدية:
لليهود دور في نشوء هذه الطائفة تعزيزًا للانشقاق داخل الكنائس المسيحية بغية السيطرة عليها.
كتاب المورمون يشبه التلمود في كل شيء ويحاكيه وكأنه نسخة طبق الأصل عنه.
إن إسرائيل قد جندت كل إمكاناتها لخدمة هذه الطائفة عاملة على استمرارية العون والمساندة النصرانية لها.
يعملون على ربط صهيون أو القدس الجديدة بالأرض الأمريكية المقدسة – حسب وصايا الرب – انتظارًا لعودة المسيح الذي سيعود ليملك الأرض ويملأها جنات خالدات.
يقولون عن فلسطين في كتاب المورمون في الإصحاح العاشر الفقرة 31: "فاستيقظي وانتفضي من الثرى يا أورشليم، نعم… والبسي حللك الجميلة يا ابنة صهيون، ووسعي حدودك إلى الأبد، لكي لا تعودي مغلوبة ولكي تتحقق عهود الأب الأزلية التي قطعها معك، يا بيت إسرائيل".
يقولون في الإصحاح الرابع عشر فقرة 6 مخاطبين المورمون: "لا تعطوا القدس للكلاب ولا تطرحوا دوركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت لتمزقكم".
نلاحظ تعانق الفكر الصليبي مع الفكر الصهيوني في نظرتهم إلى فلسطين، إنهم يقولون ذلك منذ عام 1825م يوم كانت فلسطين ما تزال جزءً من أرض الإسلام.
الانتشار ومواقع النفوذ:
آمن بفكرة المورمون كثير من النصارى، وكان دعاتها من الشباب المتحمس، وقد بلغ عدد أفرادها أكثر من خمسة ملايين نسمة، ثمانون بالمائة منهم في الولايات المتحدة الأمريكية ويتمركزون في ولاية يوتاه حيث أن 68% من سكان هذه الولاية منهم، و62% من سكان مقاطعة البحيرات المالحة مسجلون كأعضاء في هذه الكنيسة ومركزهم الرئيسي في ولاية يوتاه الأمريكية.
انتشروا في الولايات المتحدة الأمريكية، وأمريكا الجنوبية، وكندا، وأوروبا، كما أن لهم في معظم أنحاء العالم فروعًا ومكاتب ومراكز لنشر أفكارهم ومعتقداتهم.
أنهم يوزعون كتبهم مجانًا، ودعوتهم تأتي خدمة لمصلحة إسرائيل وتأكيدًا لأهدافها المرسومة. ولهم 175 إرسالية تنصيرية، كما أنهم يملكون:
شبكة تلفزيونية، وإحدى عشرة محطة إذاعية.
ويملكون مجلة شهرية بالأسبانية، وصحيفة يومية واحدة.
ويملكون مركزًا متطورًا جدًا للمعلومات في مدينة سولت ليك في ولاية يوتاه الأمريكية.
ويتضح مما سبق:
أن المورمون طائفة نصرانية جديدة نسبيًا، انشقت عن النصرانية، وتدعو إلى التمسك بالكتب اليهودية وكتاب المورمون وكتاب المبادئ والعهود وغيرها ويدعون إلى الإيمان بالمسيح الذي جاء – في نظرهم – لينقذ اليهود من الاضطهاد، والإيمان بأن المبادئ والمراسم الأربعة للإنجيل هي: الإيمان بالرب يسوع المسيح كما يقولون، والتوبة والعماد بالتغطيس لغفران الخطايا ووضع الأيدي لموهبة الروح القدس. ويصل شركهم مداه عندما يقولون إنهم يعتقدون إن الله تعالى هو على شكل إنسان له لحم وعظام وبداخل جسده الملموس روح أزلية، كما أن البشر عندهم هم أبناء وبنات الله، ومن هنا يجب حذر المسلمين من أفكارهم.
مراجع للتوسع:
هناك نشرات توزعها كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة بمدينة سولت ليك بولاية يوتاه في الولايات المتحدة الأمريكية ومنها:
(a) The Church of Jesus Christ of Latter-day Saints
ومن نشراتهم باللغة العربية ما يلي:
- مبادئ الإنجيل.
- دليل الشعبة.
- دليل القائد الكهنوتي.
- كلمة الحكمة.
- شهادة يوسف سميث.
- دليل العائلة.
- ماذا عن المورمون – طبع الولايات المتحدة.
- مقال عن المورمون في مجلة الأمة عدد 22 شوال 1402هـ/ آب 1982م.
- مقال في الموسوعة البريطانية عن المورمون.
- ولهم كذلك نشرات باللغة الإنجليزية هي:
- Succession in The Presidency.
- W.H.Y. Famillies?
- A Family home evening program suggested by The Church of Jesus Christ of latter-day saints.
- The Mormons and The Jewish people.
- The Lord’s Day.
- What The Mormons think of Christ.
- A Word of Wisdom, Mark E. Perersen.
- Baptism. How and by Whom administered?
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م
2-موسوعة الفقه الكويتية (حيض 1)
حَيْضٌ -1التَّعْرِيفُ:
1- الْحَيْضُ لُغَةً مَصْدَرُ حَاضَ، يُقَالُ حَاضَ السَّيْلُ إِذَا فَاضَ، وَحَاضَتِ السَّمُرَةُ إِذَا سَالَ صَمْغُهَا، وَحَاضَتِ الْمَرْأَةُ: سَالَ دَمُهَا.
وَالْمَرَّةُ حَيْضَةٌ، وَالْجَمْعُ حِيَضٌ، وَالْقِيَاسُ حَيْضَاتٌ.
وَالْحِيَاضُ: دَمُ الْحَيْضَةِ.وَالْحِيضَةُ بِالْكَسْرِ: الِاسْمُ، وَخِرْقَةُ الْحَيْضِ، هِيَ الْخِرْقَةُ الَّتِي تَسْتَثْفِرُ بِهَا الْمَرْأَةُ.وَكَذَلِكَ الْمَحِيضَةُ، وَالْجَمْعُ الْمَحَايِضُ.
وَفِي حَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ: «تُلْقَى فِيهَا الْمَحَايِضُ».
وَالْمَرْأَةُ حَائِضٌ، لِأَنَّهُ وَصْفٌ خَاصٌّ.وَجَاءَ حَائِضَةٌ أَيْضًا بِنَاءً لَهُ عَلَى حَاضَتْ، وَجَمْعُ الْحَائِضِ حُيَّضٌ وَحَوَائِضُ، وَجَمْعُ الْحَائِضَةِ حَائِضَاتٌ.
وَتَحَيَّضَتِ الْمَرْأَةُ قَعَدَتْ عَنِ الصَّلَاةِ أَيَّامَ حَيْضِهَا.
وَلِلْحَيْضِ فِي الِاصْطِلَاحِ تَعْرِيفَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْغَالِبِ.وَفِيمَا يَلِي الْمَشْهُورُ مِنْهَا فِي كُلِّ مَذْهَبٍ.فَقَدْ عَرَّفَهُ صَاحِبُ الْكَنْزِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِقَوْلِهِ: هُوَ دَمٌ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ سَلِيمَةٍ عَنْ دَاءٍ وَصِغَرٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: الْحَيْضُ دَمٌ يُلْقِيهِ رَحِمُ مُعْتَادٍ حَمْلُهَا دُونَ وِلَادَةٍ.
وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ: دَمُ جِبِلَّةٍ يَخْرُجُ مِنْ أَقْصَى رَحِمِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ بُلُوغِهَا عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: دَمُ طَبِيعَةٍ يَخْرُجُ مَعَ الصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ وِلَادَةٍ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ يَعْتَادُ أُنْثَى إِذَا بَلَغَتْ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ.
وَلِلْحَيْضِ أَسْمَاءٌ مِنْهَا: الطَّمْثُ، وَالْعِرَاكُ، وَالنِّفَاسُ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الطُّهْرُ:
2- الطُّهْرُ لُغَةً: النَّقَاءُ مِنَ الدَّنَسِ وَالنَّجَسِ فَهُوَ نَقِيضُ النَّجَاسَةِ وَنَقِيضُ الْحَيْضِ وَالْجَمْعُ أَطْهَارٌ.
وَطَهُرَتِ الْمَرْأَةُ، وَهِيَ طَاهِرٌ: انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ وَرَأَتِ الطُّهْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ قِيلَ: تَطَهَّرَتْ وَاطَّهَرَتْ.وَالْمَرْأَةُ طَاهِرٌ مِنَ الْحَيْضِ، وَطَاهِرَةٌ مِنَ النَّجَاسَةِ وَمِنَ الْعُيُوبِ
وَالطُّهْرُ شَرْعًا خِلَافُ الْحَيْضِ.قَالَ الْبِرْكَوِيُّ: الطُّهْرُ الْمُطْلَقُ مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا وَلَا نِفَاسًا.
فَالطُّهْرُ فِي بَابِ الْحَيْضِ أَخَصُّ مِنَ الطُّهْرِ فِي اللُّغَةِ.
ب- الْقَرْءُ:
3- الْقُرْءُ وَالْقُرْءُ: الْحَيْضُ، وَالطُّهْرُ، فَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ.وَالْجَمْعُ أَقْرَاءٌ وَقُرُوءٌ وَأَقْرُؤٌ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْوَقْتِ.قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقُرْءُ اسْمٌ لِلْوَقْتِ.فَلَمَّا كَانَ الْحَيْضُ يَجِيءُ لِوَقْتٍ، وَالطُّهْرُ يَجِيءُ لِوَقْتٍ، جَازَ أَنْ يَكُونَ الْأَقْرَاءُ حَيْضًا وَأَطْهَارًا.وَالْقُرْءُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ الطُّهْرُ.وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ الْحَيْضُ.
ج- الِاسْتِحَاضَةُ:
4- الِاسْتِحَاضَةُ اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْحَيْضِ، وَهِيَ لُغَةً: أَنْ يَسْتَمِرَّ بِالْمَرْأَةِ خُرُوجُ الدَّمِ بَعْدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا الْمُعْتَادِ، يُقَالُ: اسْتُحِيضَتِ الْمَرْأَةُ أَيِ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ أَيَّامِهَا، فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ.
وَشَرْعًا: سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ مَرَضٍ، وَفَسَادٍ مِنْ عِرْقٍ يُسَمَّى (الْعَاذِلَ).
قَالَ الْبِرْكَوِيُّ فِي رِسَالَةِ الْحَيْضِ: الِاسْتِحَاضَةُ: دَمٌ وَلَوْ حُكْمًا- لِيَدْخُلَ الْأَلْوَانُ- خَارِجٌ مِنْ فَرْجٍ دَاخِلٍ لَا عَنْ رَحِمٍ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَعَلَامَتُهُ أَنْ لَا رَائِحَةَ لَهُ، وَدَمُ الْحَيْضِ مُنْتِنُ الرَّائِحَةِ.وَيُسَمُّونَ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ دَمًا فَاسِدًا، وَدَمَ الْحَيْضِ دَمًا صَحِيحًا.
د- النِّفَاسُ:
5- النِّفَاسُ لُغَةً: وِلَادَةُ الْمَرْأَةِ إِذَا وَضَعَتْ، فَهِيَ نُفَسَاءُ، وَنُفِسَتِ الْمَرْأَةُ، وَنَفِسَتْ بِالْكَسْرِ، نِفَاسًا وَنَفَاسَةً وَنَفَاسًا وَلَدَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَنَفُسَاءُ وَنَفَسَاءُ.
قَالَ ثَعْلَبٌ: النُّفَسَاءُ الْوَالِدَةُ وَالْحَامِلُ وَالْحَائِضُ.
يُقَالُ: نَفِسَتِ الْمَرْأَةُ تَنْفَسُ، بِالْفَتْحِ: إِذَا حَاضَتْ.وَمِنْهُ حَدِيثُ «أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيصَةٍ إِذْ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حَيْضَتِي، قَالَ: أَنُفِسْتِ؟ أَرَادَ: أَحِضْتِ؟» وَنُقِلَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ نُفِسَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْضًا.قَالَ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ: وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ فِي الْكُتُبِ فِي الْحَيْضِ، وَلَا يُقَالُ فِي الْحَيْضِ، نُفِسَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ.
وَالنِّفَاسُ شَرْعًا: هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِبَ الْوَلَدِ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: النِّفَاسُ، عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ الْوَلَدِ.وَأَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ فَقَالُوا: النِّفَاسُ الْوِلَادَةُ.
فَالْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ مُغَايِرٌ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.كَمَا أَنَّ النِّفَاسَ بِمَعْنَى الْحَيْضِ هُوَ تَعْرِيفٌ لُغَوِيٌّ لَا شَرْعِيٌّ.
فَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ مُخْتَلِفَانِ فِي الْمَفْهُومِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِتَعَلُّمِ أَحْكَامِ الْحَيْضِ:
(5 م) - يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَعَلُّمُ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ.وَعَلَى زَوْجِهَا أَوْ وَلِيِّهَا أَنْ يُعَلِّمَهَا مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْهَا إِنْ عَلِمَ، وَإِلاَّ أَذِنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ لِسُؤَالِ الْعُلَمَاءِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَنْعُهَا إِلاَّ أَنْ يَسْأَلَ هُوَ وَيُخْبِرَهَا فَتَسْتَغْنِيَ بِذَلِكَ.وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ إِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا.
وَهُوَ مِنْ عِلْمِ الْحَالِ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَرْضِيَّةِ تَعَلُّمِهِ.
قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ: وَمَعْرِفَةُ مَسَائِلِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُهِمَّاتِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِمَّا لَا يُحْصَى مِنَ الْأَحْكَامِ، كَالطَّهَارَةِ، وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ، وَالْحَجِّ، وَالْبُلُوغِ، وَالْوَطْءِ، وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ.وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ، لِأَنَّ عِظَمَ مَنْزِلَةِ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ بِحَسَبِ مَنْزِلَةِ ضَرَرِ الْجَهْلِ بِهِ، وَضَرَرُ الْجَهْلِ بِمَسَائِلِ الْحَيْضِ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْجَهْلِ بِغَيْرِهَا فَيَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِمَعْرِفَتِهَا.
أَثَرُ الْحَيْضِ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ:
6- صَرَّحَ الْأُصُولِيُّونَ بِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يُعْدِمُ أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ، وَلَا أَهْلِيَّةَ الْأَدَاءِ، لِعَدَمِ إِخْلَالِهِ بِالذِّمَّةِ، وَلَا بِالْعَقْلِ، وَالتَّمْيِيزِ، وَقُدْرَةِ الْبَدَنِ.فَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ كَامِلَةُ الْأَهْلِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الشَّارِعُ قَدْ رَتَّبَ عَلَى الْحَيْضِ بَعْضَ الْأَحْكَامِ الْخَاصَّةِ الَّتِي تَتَنَاسَبُ وَحَالَةَ الْمَرْأَةِ
رُكْنُ الْحَيْضِ:
7- صَرَّحَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ لِلْحَيْضِ رُكْنًا، وَهُوَ بُرُوزُ الدَّمِ مِنَ الرَّحِمِ، أَيْ ظُهُورُ الدَّمِ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ إِلَى الْفَرْجِ الْخَارِجِ، فَلَوْ نَزَلَ إِلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَبِهِ يُفْتَى.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَكْفِي الْإِحْسَاسُ بِهِ.فَلَوْ أَحَسَّتْ بِهِ فِي رَمَضَانَ قُبِيلَ الْغُرُوبِ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَهُ تَقْضِي صَوْمَ الْيَوْمِ عِنْدَهُ، لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.وَكَذَا إِذَا حَاذَى الدَّمُ حَرْفَ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ وَلَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ ثَبَتَ بِهِ الْحَيْضُ.أَمَّا إِذَا أَحَسَّتْ بِنُزُولِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ إِلَى حَرْفِ الْمَخْرَجِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْحَيْضِ حَتَّى لَوْ مَنَعَتْ ظُهُورَهُ بِالشَّدِّ وَالِاحْتِشَاءِ.
وَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ لَا يَأْبَاهُ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ الْأُخْرَى حَيْثُ إِنَّهُمْ يُعَرِّفُونَ الْحَيْضَ بِأَنَّهُ (دَمٌ يَخْرُجُ..) لَكِنْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِانْتِقَالِ الْحَيْضِ مَا يَثْبُتُ بِخُرُوجِهِ.
شُرُوطُ الْحَيْضِ:
8- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ دَمٍ يَخْرُجُ مِنَ الْمَرْأَةِ يَكُونُ حَيْضًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ شُرُوطٍ تَتَحَقَّقُ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ الدَّمُ الْخَارِجُ حَيْضًا، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحَائِضِ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ:
(1) أَنْ يَكُونَ مِنْ رَحِمِ امْرَأَةٍ لَا دَاءَ بِهَا.فَالْخَارِجُ مِنَ الدُّبُرِ لَيْسَ بِحَيْضٍ، وَكَذَا الْخَارِجُ مِنْ رَحِمِ الْبَالِغَةِ بِسَبَبِ دَاءٍ يَقْتَضِي خُرُوجَ دَمٍ بِسَبَبِهِ.وَقَدْ زَادَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ كَلِمَةَ «وَلَا حَبَلٍ» حَيْثُ إِنَّ الْحَامِلَ عِنْدَهُمْ لَا تَحِيضُ.
(2) أَلَا يَكُونُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ، فَالْخَارِجُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ دَمُ نِفَاسٍ لَا حَيْضٍ.
(3) أَنْ يَتَقَدَّمَهُ نِصَابُ الطُّهْرِ وَلَوْ حُكْمًا.وَنِصَابُ الطُّهْرِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَقَلُّ مُدَّةٍ فَاصِلَةٍ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ أَيْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ قَبْلَهُ طَاهِرَةً خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَر عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ حَتَّى يُعْتَبَرَ الدَّمُ بَعْدَهُ حَيْضًا، وَلَوْ كَانَ هَذَا الطُّهْرُ حُكْمِيًّا، كَمَا إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ مَشْغُولَةً بِدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ حُكْمًا.
(4) أَلاَّ يَنْقُصَ الدَّمُ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، حَيْثُ إِنَّ لِلْحَيْضِ مُدَّةً لَا يَنْقُصُ عَنْهَا، فَإِذَا نَقَصَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِدَمِ حَيْضٍ.هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ بِالزَّمَانِ، وَأَقَلُّهُ دَفْعَةٌ بِالْمِقْدَارِ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ.
(5) أَنْ يَكُونَ فِي أَوَانِهِ، وَهُوَ تِسْعُ سِنِينَ قَمَرِيَّةٍ، فَمَتَى رَأَتْ دَمًا قَبْلَ بُلُوغِ تِلْكَ السِّنِّ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا وَإِذَا رَأَتْ دَمًا بَعْدَ سِنِّ الْإِيَاسِ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا أَيْضًا. أَلْوَانُ دَمِ الْحَيْضِ:
9- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ، وَلِأَنَّ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَيْهَا بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ: فَتَقُولُ لَهُنَّ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ.تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضِ.
وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ: هُمَا شَيْءٌ كَالصَّدِيدِ.قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَهُمَا لَيْسَ مِنْ أَلْوَانِ الدَّمِ، وَإِنَّمَا هُمَا كَالصَّدِيدِ.وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ بِأَنَّهُمَا مَاءَانِ لَا دَمَانِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ لَيْسَتَا بِحَيْضٍ، لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا عَلَى لَوْنٍ، وَلِقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَيْضًا.قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَجَعَلَهُ الْمَازِرِيُّ وَالْبَاجِيُّ هُوَ الْمَذْهَبُ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُمَا لَيْسَا بِحَيْضٍ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ، لِقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا.وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُمَا حَيْضٌ.إِذَا رَأَتْهُمَا الْمُعْتَادَةُ بَعْدَ عَادَتِهَا، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ أَيَّامَهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَتَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ أَلْوَانَ دَمِ الْحَيْضَةِ سِتَّةٌ، وَهِيَ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ، وَالصُّفْرَةُ، وَالْخُضْرَةُ، وَالْكُدْرَةُ، وَالتُّرَبِيَّةُ قَالُوا: وَالْكُدْرَةُ مَا هُوَ كَالْمَاءِ الْكَدِرِ، التُّرَبِيَّةُ نَوْعٌ مِنَ الْكُدْرَةِ عَلَى لَوْنِ التُّرَابِ، وَالصُّفْرَةُ كَصُفْرِهِ الْقَزِّ، وَالتِّبْنِ، وَالسِّدْرِ عَلَى الِاخْتِلَافِ، ثُمَّ إِنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُ الرُّؤْيَةِ لَا حَالَةُ التَّغَيُّرِ، كَمَا لَوْ رَأَتْ بَيَاضًا فَاصْفَرَّ بِالْيُبْسِ، أَوْ رَأَتْ حُمْرَةً أَوْ صُفْرَةً فَابْيَضَّتْ بِالْيُبْسِ، وَأَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ الْكُدْرَةَ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ دُونَ آخِرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ الْخُضْرَةَ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا حَيْضٌ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ دُونَ الْآيِسَةِ.وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ التُّرَبِيَّةِ- وَهُوَ الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ دُونَ الصُّفْرَةِ- وَالتُّرَبِيَّةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تُسَاوِي التُّرَبِيَّةَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، حَيْثُ إِنَّهُمْ وَصَفُوا التُّرَبِيَّةَ بِأَنَّهَا دَمٌ فِيهِ غُبْرَةٌ تُشْبِهُ لَوْنَ التُّرَابِ. مُدَّةُ الْحَيْضِ:
السِّنُّ الَّتِي تَحِيضُ فِيهَا الْمَرْأَةُ:
10- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ أَقَلّ سِنٍّ تَحِيضُ لَهُ الْمَرْأَةُ تِسْعُ سِنِينَ قَمَرِيَّةٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْوُجُودِ وَالْعَادَةِ لأُِنْثَى حَيْضٌ قَبْلَهَا، وَلِأَنَّ مَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ وَلَا ضَابِطَ لَهُ شَرْعِيًّا وَلَا لُغَوِيًّا يُتْبَعُ فِيهِ الْوُجُودُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَعْجَلُ مَنْ سَمِعْتُ مِنَ النِّسَاءِ تَحِيضُ نِسَاءُ تِهَامَةَ، يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ- هَكَذَا سَمِعْتُ- وَرَأَيْتُ جَدَّةً لَهَا إِحْدَى وَعِشْرُونَ سَنَةً.وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ وَالْبِلَادِ الْبَارِدَةِ.
ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلِ الْعِبْرَةُ بِأَوَّلِ التَّاسِعَةِ، أَوْ وَسَطِهَا، أَوْ آخِرِهَا.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي التِّسْعِ التَّقْرِيبُ لَا التَّحْدِيدُ، فَيُغْتَفَرُ قَبْلَ تَمَامِهَا بِمَا لَا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا دُونَ مَا يَسَعهُمَا.فَيَكُونُ الدَّمُ الْمَرْئِيُّ فِيهِ حَيْضًا.بِخِلَافِ الْمَرْئِيِّ فِي زَمَنٍ يَسَعُهُمَا.أَيْ إِنْ رَأَتِ الدَّمَ قَبْلَ تَمَامِ التِّسْعِ بِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ رَأَتْهُ قَبْلَ تَمَامِ التِّسْعِ بِسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا أَوْ أَكْثَر فَهُوَ لَيْسَ بِحَيْضٍ.وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ بِدُخُولِ التَّاسِعَةِ، وَآخَرُ بِمُضِيِّ نِصْفِهَا.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِتَمَامِ تِسْعٍ سِنِينَ.فَإِنْ رَأَتْ مِنَ الدَّمِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَقَدْ بَلَغَتْ هَذِهِ السِّنَّ حُكِمَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا.وَثَبَتَتْ فِي حَقِّهَا أَحْكَامُ الْحَيْضِ كُلُّهَا.قَالَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها-: إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ.وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ.
وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ أُخْرَى فِي أَقَلِّ سِنٍّ تَحِيضُ لَهُ الْمَرْأَةُ فَقِيلَ سِتٌّ، وَقِيلَ سَبْعٌ.وَقِيلَ اثْنَتَا عَشْرَةَ.وَقِيلَ لَا يُحْكَمُ لِلدَّمِ بِأَنَّهُ حَيْضٌ إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي أَوَانِ الْبُلُوغِ بِمُقَدِّمَاتٍ وَأَمَارَاتٍ مِنْ نُفُورِ الثَّدْيِ وَنَبَاتِ شَعْرِ الْعَانَةِ، وَشَعْرِ الْإِبْطِ وَشَبَهِهِ.وَكُلُّهَا أَقْوَالٌ ضَعِيفَةٌ.
كَمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَكْبَرِ سِنٍّ تَحِيضُ فِيهِ الْمَرْأَةُ- وَيُسَمَّى بِسِنِّ الْإِيَاسِ، وَتُسَمَّى الْمَرْأَةُ آيِسَةً- فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِمُدَّةٍ.قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: بَلْ هُوَ أَنْ تَبْلُغَ مِنَ السِّنِّ مَا لَا تَحِيضُ مِثْلُهَا فِيهِ، فَإِذَا بَلَغَتْ هَذِهِ السِّنَّ وَانْقَطَعَ دَمُهَا حُكِمَ بِإِيَاسِهَا.فَإِذَا لَمْ تَبْلُغْهَا وَانْقَطَعَ دَمُهَا، أَوْ بَلَغَتْهَا وَالدَّمُ يَأْتِيهَا عَلَى الْعَادَةِ فَلَيْسَتْ بِآيِسَةٍ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ ذَلِكَ الْمُعْتَادُ، وَعَوْدُ الْعَادَةِ يُبْطِلُ الْإِيَاسَةَ.
وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ هَذَا بِأَنَّهُ تَرَاهُ سَائِلًا كَثِيرًا احْتِرَازًا عَمَّا إِذَا رَأَتْ بِلَّةً يَسِيرَةً وَنَحْوَهَا.وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ يَكُونَ أَحْمَر، أَوْ أَسْوَد، فَلَوْ كَانَ أَصْفَرَ أَوْ أَخْضَر أَوْ تُرَبِيَّةً لَا يَكُونُ حَيْضًا.وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إِنَّهَا إِذَا كَانَتْ عَادَتُهَا قَبْلَ الْإِيَاسِ أَنْ يَكُونَ دَمُهَا أَصْفَرَ فَرَأَتْهُ كَذَلِكَ، أَوْ عَلَقًا فَرَأَتْهُ كَذَلِكَ كَانَ حَيْضًا.وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَابِدِينَ هَذَا الْقَوْلَ.وَحَدَّ التُّمُرْتَاشِيُّ سِنَّ الْإِيَاسِ بِخَمْسِينَ سَنَةً، وَقَالَ: وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ.
وَقَالَ الْحَصْكَفِيُّ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا.وَحَدَّهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً.
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ الْخَالِصَ بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ حَيْضٌ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ خَالِصًا وَكَانَتْ عَادَتُهَا كَذَلِكَ.وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: لَا حَدَّ لآِخِرِ سِنِّ الْحَيْضِ بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ مَا دَامَتِ الْمَرْأَةُ حَيَّةً.
وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ: آخِرُهُ سِتُّونَ سَنَةً.
قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا حَدَّ لآِخِرِهِ، وَالْقَوْلُ بِتَحْدِيدِهِ بِاثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ حَتَّى لَا يُعْتَبَرُ النَّقْصُ عَنْهُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَقْوَالٌ لَخَصَّهَا الْعَدَوِيُّ بِقَوْلِهِ: بِنْتُ سَبْعِينَ سَنَةً لَيْسَ دَمُهَا بِحَيْضٍ، وَبِنْتُ خَمْسِينَ يُسْأَلُ النِّسَاءُ، فَإِنْ جَزَمْنَ بِأَنَّهُ حَيْضٌ أَوْ شَكَكْنَ فَهُوَ حَيْضٌ وَإِلاَّ فَلَا، وَالْمُرَاهِقَةُ وَمَا بَعْدَهَا لِلْخَمْسِينَ يُجْزَمُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ وَلَا سُؤَالَ، وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَكْثَر سِنٍّ تَحِيضُ فِيهِ الْمَرْأَةُ خَمْسُونَ سَنَةً، لِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: «إِذَا بَلَغَتِ الْمَرْأَةُ خَمْسِينَ سَنَةً خَرَجَتْ مِنْ حَدِّ الْحَيْضِ» وَقَالَتْ أَيْضًا: لَنْ تَرَى فِي بَطْنِهَا وَلَدًا بَعْدَ الْخَمْسِينَ.
وَجَاءَ فِي الْإِنْصَافِ نَقْلًا عَنِ الْمُغْنِي فِي الْعِدَدِ: وَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ عَلَى الْعَادَةِ الَّتِي كَانَتْ تَرَاهُ فِيهَا فَهُوَ حَيْضٌ فِي الصَّحِيحِ.وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (إِيَاسٌ).
فَتْرَةُ الْحَيْضِ:
11- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَقَلِّ فَتْرَةِ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهَا.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا- وَقَدَّرُوهَا بِاثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَاعَةً، وَأَكْثَرُهُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سِتَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِيهَا مَقَالٌ يَرْتَفِعُ بِهَا الضَّعِيفُ إِلَى الْحَسَنِ.وَقَالَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ: وَالْمُقَدَّرَاتُ الشَّرْعِيَّةُ مِمَّا لَا تُدْرَكُ بِالرَّأْيِ، فَالْمَوْقُوفُ فِيهَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ بِالزَّمَانِ، وَلِذَلِكَ بَيَّنُوا أَقَلَّهُ فِي الْمِقْدَارِ وَهُوَ دَفْعَةٌ، قَالُوا: وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعِبَادَةِ، وَأَمَّا فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ يَوْمٍ أَوْ بَعْضِهِ.وَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ عِنْدَهُمْ بِوُجُودِ الْحَمْلِ وَعَدَمِهِ.فَأَكْثَرُ الْحَيْضِ لِغَيْرِ الْحَامِلِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا سَوَاءٌ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً، غَيْرَ أَنَّ الْمُعْتَادَةَ- وَهِيَ الَّتِي سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَلَوْ مَرَّةً- تَسْتَظْهِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا إِنْ تَمَادَى بِهَا.فَإِذَا اعْتَادَتْ خَمْسَةً ثُمَّ تَمَادَى مَكَثَتْ ثَمَانِيَةً، فَإِنْ تَمَادَى فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ مَكَثَتْ أَحَدَ عَشَرَ.فَإِنْ تَمَادَى فِي الرَّابِعَةِ مَكَثَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، فَإِنْ تَمَادَى فِي مَرَّةٍ أُخْرَى مَكَثَتْ يَوْمًا وَلَا تَزِيدُ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ.
وَأَمَّا الْحَامِلُ- وَهِيَ عِنْدَهُمْ تَحِيضُ- فَأَكْثَرُ حَيْضِهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْهُرِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً.قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ أَوَّلُ الْحَمْلِ كَآخِرِهِ، وَلِذَلِكَ كَثُرَتِ الدِّمَاءُ بِكَثْرَةِ أَشْهُرِ الْحَمْلِ.
فَإِذَا حَاضَتِ الْحَامِلُ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ مِنْ حَمْلِهَا، أَوِ الرَّابِعِ، أَوِ الْخَامِسِ وَاسْتَمَرَّ الدَّمُ نَازِلًا عَلَيْهَا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ فِي حَقِّهَا عِشْرِينَ يَوْمًا، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ دَمُ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ.وَإِذَا حَاضَتْ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ مِنْ حَمْلِهَا، أَوِ الثَّامِنِ، أَوِ التَّاسِعِ مِنْهُ وَاسْتَمَرَّ الدَّمُ نَازِلًا عَلَيْهَا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ فِي حَقِّهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا.وَأَمَّا إِذَا حَاضَتْ فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَشْهُرِ لَا مَا قَبْلَهُ وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ شُيُوخِ أَفْرِيقِيَّةَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ.
وَإِذَا حَاضَتْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَوِ الثَّانِي فَهِيَ كَالْمُعْتَادَةِ غَيْرِ الْحَامِلِ تَمْكُثُ عَادَتَهَا، وَالِاسْتِظْهَارُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ.قَالَ ابْنُ يُونُسَ: الَّذِي يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ أَنْ تَجْلِسَ فِي الشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ قَدْرَ أَيَّامِهَا وَالِاسْتِظْهَارِ، لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَظْهَرُ فِي شَهْرٍ وَلَا فِي شَهْرَيْنِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهَا حَائِلٌ حَتَّى يَظْهَرَ الْحَمْلُ وَلَا يَظْهَرُ إِلاَّ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ أَنَّ حُكْمَ الْحَيْضِ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي حُكْمُ مَا بَعْدَهُ أَيِ الشَّهْرِ الثَّالِثِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَقَلّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِقَوْلِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه-: وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ عَلَى الْحَيْضِ أَحْكَامًا، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ رَدَّهُ إِلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحَرْزِ، وَقَدْ وُجِدَ حَيْضٌ مُعْتَادٌ يَوْمًا، وَلَمْ يُوجَدْ أَقَلُّ مِنْهُ قَالَ عَطَاءٌ: (رَأَيْتُ مَنْ تَحِيضُ يَوْمًا).وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رَأَيْتُ امْرَأَةً قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَزَلْ تَحِيضُ يَوْمًا لَا تَزِيدُ.وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ فِي نِسَائِنَا مَنْ تَحِيضُ يَوْمًا أَيْ بِلَيْلَتِهِ، لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ إِطْلَاقِ الْيَوْمِ، وَهُمَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سَاعَةً.
وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهِنَّ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه-: مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ اسْتِحَاضَةٌ، وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.وَقَالَ عَطَاءٌ: (رَأَيْتُ مَنْ تَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ.قِيلَ مَا نُقْصَانُ دِينِهِنَّ؟ قَالَ: تَمْكُثُ إِحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تُصَلِّي».وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ غَالِبَ الْحَيْضِ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ لَمَّا سَأَلَتْهُ تَحِيضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، فَإِذَا رَأَيْتِ أَنْ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، وَصُومِي وَصَلِّي، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ».
أَحْوَالُ الْحَائِضِ:
12- الْحَائِضُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً، أَوْ مُعْتَادَةً، أَوْ مُتَحَيِّرَةً.
فَالْمُبْتَدَأَةُ: هِيَ مَنْ كَانَتْ فِي أَوَّلِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ هِيَ الَّتِي لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا حَيْضٌ قَبْلَ ذَلِكَ. وَالْمُعْتَادَةُ: عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ مَنْ سَبَقَ مِنْهَا دَمٌ وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: هِيَ الَّتِي سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَلَوْ مَرَّةً.وَهِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ وَهِيَ تَعْلَمُهُمَا قَدْرًا وَوَقْتًا.وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْعَادَةَ لَا تَثْبُتُ إِلاَّ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ- فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً- وَلَا يَشْتَرِطُونَ فِيهَا التَّوَالِي.
وَالْمُتَحَيِّرَةُ: مَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا عَدَدًا أَوْ مَكَانًا.وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: هِيَ الْمُسْتَحَاضَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ النَّاسِيَةُ لِلْعَادَةِ.وَتُسَمَّى الضَّالَّةَ وَالْمُضِلَّةَ وَالْمُحَيِّرَةَ أَيْضًا بِالْكَسْرِ لِأَنَّهَا حَيَّرَتِ الْفَقِيهَ.
أ- الْمُبْتَدَأَةُ:
13- إِذَا رَأَتِ الْمُبْتَدَأَةُ الدَّمَ وَكَانَ فِي زَمَنِ إِمْكَانِ الْحَيْضِ- أَيْ فِي سِنِّ تِسْعِ سَنَوَاتٍ فَأَكْثَر- وَلَمْ يَكُنِ الدَّمُ نَاقِصًا عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَلَا زَائِدًا عَلَى أَكْثَرِهِ- عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ كَمَا سَبَقَ- فَإِنَّهُ دَمُ حَيْضٍ، وَيَلْزَمُهَا أَحْكَامُ الْحَائِضِ، لِأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ جِبِلَّةٌ وَعَادَةٌ، وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ لِعَارِضٍ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَا رَأَتْهُ دَمًا أَسْوَد أَمْ لَا، وَلَوْ كَانَ صُفْرَةً وَكُدْرَةً فَإِنَّهُ حَيْضٌ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ، وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- لَمَّا كَانَتِ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَيْهَا بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ.
فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ لِدُونِ أَقَلِّ الْحَيْضِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لَهُ، بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ.
ثُمَّ إِنَّ لِلْمُبْتَدَأَةِ أَحْوَالًا، بِحَسَبِ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَاسْتِمْرَارِهِ.
الْحَالَةُ الْأُولَى: انْقِطَاعُ الدَّمِ لِتَمَامِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَمَا دُونُ:
14- إِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ دُونَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ أَوْ لِأَكْثَرِهِ وَلَمْ يُجَاوِزْ وَرَأَتِ الطُّهْرَ، طَهُرَتْ، وَيَكُونُ الدَّمُ بَيْنَ أَوَّلِ مَا تَرَاهُ إِلَى رُؤْيَةِ الطُّهْرِ حَيْضًا، يَجِبُ عَلَيْهَا خِلَالُهُ مَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الدَّمَ إِنْ جَاوَزَ أَقَلّ الْحَيْضِ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَهُ، فَإِنَّ الْمُبْتَدَأَةَ لَا تَجْلِسُ الْمُجَاوِزَ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، بَلْ تَغْتَسِلُ عَقِبَ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي فِيمَا جَاوَزَهُ، لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْهُمَا هُوَ الْحَيْضُ وَقَدْ حُكِمَ بِانْقِطَاعِهِ، وَهُوَ آخِرُ الْحَيْضِ حُكْمًا، أَشْبَهَ آخِرَهُ حِسًّا.وَقَدْ صَرَّحُوا بِحُرْمَةِ وَطْئِهَا فِي الزَّمَنِ الْمُجَاوِزِ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ قَبْلَ تَكْرَارِهِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَيْضٌ، وَإِنَّمَا أُمِرَتْ بِالْعِبَادَةِ احْتِيَاطًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهَا، فَتَعَيَّنَ تَرْكُ وَطْئِهَا احْتِيَاطًا.ثُمَّ إِنَّهُ مَتَى انْقَطَعَ الدَّمُ يَوْمًا فَأَكْثَرَ أَوْ أَقَلّ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ، اغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ حَيْضِهَا، وَلَا تَطْهُرُ بِيَقِينٍ إِلاَّ بِالْغُسْلِ ثُمَّ حُكْمُهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ، فَإِنْ عَادَ الدَّمُ فَكَمَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ.
هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.وَعِنْدَهُمْ رِوَايَةٌ تُوَافِقُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: اسْتِمْرَارُ الدَّمِ وَعُبُورُهُ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ:
15- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا اسْتَمَرَّ دَمُ الْمُبْتَدَأَةِ وَجَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ حَيْضَهَا أَكْثَرُ فَتْرَةِ الْحَيْضِ وَطُهْرَهَا مَا جَاوَزَهُ.فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةٌ، وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ.قَالُوا: لِأَنَّ هَذَا دَمٌ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ وَأَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا فَيُجْعَلُ حَيْضًا.وَمَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ يَكُونُ اسْتِحَاضَةً لِأَنَّهُ لَا مَزِيدَ لِلْحَيْضِ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ.هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ.وَقَدْ ذَكَرَ الْبِرْكَوِيُّ لِلْمُبْتَدَأَةِ الَّتِي اسْتَمَرَّ دَمُهَا أَرْبَعَةَ وُجُوهٍ سَبَقَ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِحَاضَةٌ) مِنَ الْمَوْسُوعَةِ (3 198).
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهَا تَمْكُثُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا- أَكْثَرُ فَتْرَةِ الْحَيْضِ عِنْدَهُمْ- أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ.وَتَفْصِيلُ أَحْكَامِ اسْتِمْرَارِ الدَّمِ فِي (اسْتِحَاضَةٌ) مِنَ الْمَوْسُوعَةِ (3- 200 وَمَا بَعْدَهَا).
ب- الْمُعْتَادَةُ:
ثُبُوتُ الْعَادَةِ:
16- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ- إِلَى أَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ فِي الْمُبْتَدَأَةِ، لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ- رضي الله عنها- «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدَّمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَاسْتَفْتَيْتُ لَهَا رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: لِتَنْظُرْ عَدَدَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا، فَلْتَدَعِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ، فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ».
فَالْحَدِيثُ قَدْ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا فِيهِ كَالَّذِي يَلِيهِ لِقُرْبِهِ إِلَيْهَا فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا انْقَضَى.وَاسْتَدَلَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} حَيْثُ شَبَّهَ الْعَوْدَ بِالْبَدْءِ فَيُفِيدُ إِطْلَاقَ الْعَوْدِ عَلَى مَا فُعِلَ مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إِلاَّ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةٌ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا» وَهِيَ صِيغَةُ جَمْعٍ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ، وَلِأَنَّ مَا اعْتُبِرَ لَهُ التَّكْرَارُ اعْتُبِرَ فِيهِ الثَّلَاثُ كَالْأَقْرَاءِ وَالشُّهُورِ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَخِيَارِ الْمُصَرَّاةِ، وَمُهْلَةِ الْمُرْتَدِّ.وَلِأَنَّ الْعَادَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمُعَاوَدَةِ وَلَا تَحْصُلُ الْمُعَاوَدَةُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ.ثُمَّ إِنَّ الدَّمَ عِنْدَهُمْ إِمَّا أَنْ يَأْتِيَ فِي الثَّلَاثِ مُتَسَاوِيًا أَوْ مُخْتَلِفًا.فَإِنْ كَانَ الدَّمُ فِي الثَّلَاثِ مُتَسَاوِيًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، وَلَمْ يَخْتَلِفْ تُيُقِّنَ أَنَّهُ حَيْضٌ وَصَارَ عَادَةً.وَإِنْ كَانَ الدَّمُ عَلَى أَعْدَادٍ مُخْتَلِفَةٍ فَمَا تَكُونُ مِنْهُ ثَلَاثًا صَارَ عَادَةً لَهَا دُونَ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ مُرَتَّبًا، كَانَ كَخَمْسَةٍ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ، وَسِتَّةٍ فِي شَهْرٍ ثَانٍ، وَسَبْعَةٍ فِي شَهْرٍ ثَالِثٍ، فَتَجْلِسُ الْخَمْسَةَ لِتَكْرَارِهَا ثَلَاثًا، كَمَا لَوْ لَمْ يَخْتَلِفْ.أَوْ غَيْرَ مُرَتَّبٍ كَأَنْ تَرَى فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ خَمْسَةً، وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي أَرْبَعَةً، وَفِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ سِتَّةً، فَتَجْلِسُ الْأَرْبَعَةَ لِتَكَرُّرِهَا.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِمَرَّتَيْنِ.
وَقَدْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ نَقْصَ الْعَادَةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَكْرَارٍ، لِأَنَّهُ رُجُوعٌ إِلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْعَدَمُ.فَلَوْ نَقَصَتْ عَادَتُهَا ثُمَّ اسْتُحِيضَتْ بَعْدَهُ.فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَرَأَتِ الدَّمَ سَبْعَةً ثُمَّ اسْتُحِيضَتْ فِي الشَّهْرِ الْآخَرِ جَلَسَتِ السَّبْعَةَ لِأَنَّهَا الَّتِي اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهَا عَادَتُهَا.
وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُعْتَادَةِ إِذَا رَأَتْ مَا يُخَالِفُ عَادَتَهَا مُرَّةً وَاحِدَةً، هَلْ يَصِيرُ ذَلِكَ الْمُخَالِفُ عَادَةً لَهَا أَمْ لَا بُدَّ مِنْ تَكْرَارِهِ؟ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ يَصِيرُ ذَلِكَ عَادَةً بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ.وَذَهَبَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ عَادَةً إِلاَّ بِتَكْرَارِهِ.بَيَانُ ذَلِكَ لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ سِتَّةً فَهِيَ حَيْضٌ اتِّفَاقًا، لَكِنْ عِنْدَهُمَا يَصِيرُ ذَلِكَ عَادَةً، فَإِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي تُرَدُّ إِلَى آخِرِ مَا رَأَتْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُرَدُّ إِلَى الْعَادَةِ الْقَدِيمَةِ.وَلَوْ رَأَتِ السِّتَّةَ مَرَّتَيْنِ تُرَدُّ إِلَيْهَا عِنْدَ الِاسْتِمْرَارِ اتِّفَاقًا.
وَالْخِلَافُ فِي الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ أَنْ تَرَى دَمَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ وَطُهْرَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ أَوْ أَكْثَرَ لَا الْجَعْلِيَّةُ.
أَمَّا الْجَعْلِيَّةُ فَإِنَّهَا تُنْتَقَضُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مُرَّةً بِالِاتِّفَاقِ.وَصُورَةُ الْجَعْلِيَّةِ أَنْ تَرَى أَطْهَارًا مُخْتَلِفَةً، وَدِمَاءً مُخْتَلِفَةً فَتَبْنِيَ عَلَى أَوْسَطِ الْأَعْدَادِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.وَعَلَى الْأَقَلِّ مِنَ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيدِ بْنِ مُزَاحِمٍ.
أَحْوَالُ الْمُعْتَادَةِ:
الْمُعْتَادَةُ إِمَّا أَنْ تَرَى مِنَ الدَّمِ مَا يُوَافِقُ عَادَتَهَا.أَوْ يَنْقَطِعُ الدَّمُ دُونَ عَادَتِهَا، أَوْ يُجَاوِزُ عَادَتَهَا.
مُوَافَقَةُ الدَّمِ لِلْعَادَةِ:
17- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا رَأَتِ الْمُعْتَادَةُ مَا يُوَافِقُ عَادَتَهَا بِأَنِ انْقَطَعَ دَمُهَا وَلَمْ يَنْقُصْ أَوْ يَزِدْ عَلَى عَادَتِهَا، فَأَيَّامُ الدَّمِ حَيْضٌ وَمَا بَعْدَهَا طُهْرٌ.فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ حَيْضًا.وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ طُهْرًا وَرَأَتْ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ، فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ، وَطُهْرُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ كَعَادَتِهَا.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
3-تاج العروس (قرأ)
[قرأ]: القُرْآن هو التنزيلُ العزيزُ؛ أَي المَقروءُ المكتوب في المَصاحف، وإِنما قُدِّم على ما هو أَبْسَطُ منه لشرفه.قَرَأَه وقَرأَ به بزيادة الباءِ كقوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} وقوله تعالى: {يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ} أَي تُنْبِتُ الدُّهْنَ ويُذْهِبُ الأَبصارَ وقال الشاعر:
هُنَّ الحَرَائِرُ لا رَبَّاتُ أَخْمِرَةٍ *** سُودُ المَحَاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بِالسُّوَرِ
كنَصَرَه عن الزجاجي، كذا في لسان العرب، فلا يقال أَنكرها الجماهير ولم يذكرها أَحدٌ في المشاهير كما زعمه شيخُنا وَمَنَعه، قَرْءًا عن اللحياني وقِراءَةً ككِتابةٍ وقُرْآنًا كعُثْمَان فهو قارِئٌ اسم فاعل مِن قومٍ قَرَأَةٍ كَكَتبةٍ في كاتبٍ وقُرَّاءٍ كعُذَّالٍ في عاذِلٍ وهما جَمْعَانِ مُكَسَّرَانِ وقَارِئينَ جمع مذكر سالم: تَلَاهُ، تَفْسِيرٌ لِقَرأَ وما بعده، ثم إِن التِّلاوَةَ إِمَّا مُرادِفٌ للقراءَةِ، كما يُفْهَم من صَنِيع المُؤَلّف في المعتلّ، وقيل: إِن الأَصل في تَلا معنى تَبِعَ ثم كَثُر كاقْتَرَأَه افتَعَل من القراءَة يقال اقْتَرَأْتُ، في الشعر وأَقْرَأْتُه أَنا وأَقْرَأَ غيرَه يُقْرِئه إِقراءً، ومنه قيل: فُلانٌ المُقْرِئ، قال سيبويه، قَرأَ واقترأَ بِمعْنًى، بِمَنزِلةِ عَلَا قِرْنَه واستعْلَاهُ وَصحيفةٌ مَقْروءَةٌ كمَفعولة، لا يُجيز الكسائيُّ والفرَّاءُ غيرَ ذلك، وهو القياس وَمَقْرُوَّةٌ كمَدْعُوَّة، بقَلْبِ الهمزةِ واوًا، ومَقْرِيَّةٌ كمَرْمِيَّةٌ، بإِبدال الهمزة ياءً، كذا هو مضبوطٌ في النُّسخ، وفي بعضها مَقْرِئَة كمَفْعِلَةٍ، وهو نادِرٌ إِلَّا في لغةِ من قال: قَرِئْتُ.
وَقَرَأْتُ الكِتَابة قِراءَةً وقُرْآنًا، ومنه سُمِّيَ القُرْآنُ، كذا في الصحاح، وسيأْتي ما فيه من الكلام. وفي الحديث: «أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ» قال ابنُ الأثير قيل: أَرادَ: مِنْ جَماعةٍ مَخصوصين، أَو في وَقْتٍ من الأَوْقَاتِ، فإِن غيرَه [كان] أَقرَأُ منه، قال: ويجوز أَن يُريد به أَكثرهم قِرَاءَةً، ويجوز أَن يكون عاماًّ وأَنه أَقْرَأُ أَصحابِه أَي أَتْقَنُ للقُرآن وأَحفَظُ.
وقَارَأَهُ مُقَارَأَةً وقِرَاءً كَقِتالٍ: دَارَسَه.
واسْتَقْرَأَه: طَلَب إِليه أَن يَقْرأَ.
وفي حديث أُبَيٍّ في سُورَةِ الأَحزاب: إِنْ كَانَتْ لَتُقَارِئ سُورَةَ البَقَرَة، أَوْ هِي أَطْوَلُ. أَي تُجَارِيها مَدَى طُولِها فِي القِرَاءَةِ، أَو أَنّ قَارِئَها لَيُساوِي قَارِئ البَقَرَة في زمنِ قِرَاءَتِها، وهي مُفَاعلَةٌ مِن القِراءَة. قال الخطَّابِيّ: هكَذَا رواه ابنُ هَاشِمٍ، وأَكثرُ الرِّوايات: إِنْ كَانَتْ لَتُوَازِي.
والقَرَّاءُ. كَكَتَّانٍ: الحَسَنُ القِرَاءَةِ الجمع: قَرَّاءُونَ، ولا يُكَسَّر أَي لا يُجْمع جَمْعَ تكسيرٍ والقُرَّاءُ كَرُمَّان: الناسِك المُتَعَبِّد مثل حُسَّانٍ وجُمَّال، قال شيخنا: قال الجوهريُّ: قال الفَرَّاءُ: وأَنْشدَني أَبو صَدَقَةَ الدُّبَيْريُّ:
بَيْضَاءُ تَصْطَادُ الغَوِيَّ وَتَسْتَبِي *** بِالحُسْنِ قَلْبَ المُسْلِمِ القُرَّاءِ
انتهى، قلت: الصحيحُ أَنه قَوْلُ زَيْدٍ بن تُرْكٍ الدُّبَيْرِيّ، ويقال: إِن المراد بالقُرَّاء هنا من القِرَاءَةِ جَمعُ قارِئٍ، ولا يكون من التّنَسُّكِ، وهو أَحسنُ، كذا في لسان العرب، وقال ابنُ بَرِّيٍّ: صوابُ إِنشاده «بَيْضَاءَ» بالفتح، لأَن قَبْلَه:
ولَقَدْ عَجِبْتُ لِكَاعِبٍ مَوْدُونَةٍ *** أَطْرَافُها بِالحَلْي وَالحِنَّاءِ
قال الفَرّاءُ: يقال: رجلٌ قُرَّاءٌ، وامرأَةٌ قُرَّاءَةٌ، ويقال: قرأْتُ؛ أَي صِرْتُ قارِئًا نَاسِكًا. وفي حديث ابنِ عبَّاسٍ: أَنه كان لا يَقْرَأُ في الظُّهْرِ والعَصْرِ. ثم قال في آخره: {وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} معناه أَنه كان لا يَجْهَر بالقِراءَة فيهما، أَو لا يُسْمِعُ نَفْسَه قِراءَتَه، كأَنَّه رَأَى قَوْمًا يَقْرَءُونَ فَيُسمعونَ نُفوسَهم ومَن قَرْبَ منهم، ومعنى قوله {وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} يريد أَن القِراءَةَ التي تَجْهَرُ بها أَو تُسمعها نَفْسَك يَكْتُبُها المَلَكانِ، وإِذا قَرأْتَها في نَفْسِك لمْ يَكْتُبَاها واللهُ يَحْفَظُها لَكَ ولا يَنْسَاها، لِيُجَازِيَكَ عَلَيْها.
وفي الحديث: «أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُها» أَي أَنهم يَحْفظون القُرآن نَفْيًا لِلتُّهَمَةِ عن أَنفسهم وهم يَعْتَقِدون تَضْيِيعَه. وكان المُنافقون في عصرِ النبيِّ صَلّى الله عليه وسلّم كذلك [كالقارِئِ والمُتَقَرِّئِ] الجمع: قُرَّاءُون مذكر سالم وقَوَارِيءُ كدَنَانِير وفي نسختنا قَوَارِئ فَوَاعِل، وجعله شَيْخُنا من التحْرِيف.
قلت إِذا كان جمعَ قارِئ فلا مُخالفة للسَّماع ولا للقِياس، فإِن فاعِلًا يُجمع على فَوَاعِلَ. وفي لسان العرب قَرائِئ كحَمَائِل، فَلْيُنْظَر. قال: جاءُوا بالهمزة في الجَمْعِ لما كانت غَيْرَ مُنقلبةٍ بل موجودة في قَرَأْتُ.
وتَقَرَّأَ إِذا تَفَقَّهَ وتَنَسَّك وتَقَرَّأْتُ تَقَرُّؤًا في هذا المعنى.
وقَرَأَ عليهالسلام يَقْرَؤُه: أَبْلَغَه، كَأَقْرَأَه إِيَّاه، وفي الحديث: أَنّ الرَّبَّ عَزَّ وجَلَّ يُقْرِئُكَ السَّلَام. أَوْ لا يقال أَقْرَأَه السَّلامَ رُبَاعِيًّا مُتعَدِّيًا بنفْسِه، قاله شيخُنا. قلت: وكذا بحرْفِ الجرّ، كذا في لِسان العرب إِلَّا إِذَا كان السلامُ مَكْتوبًا في وَرَقٍ، يقال: أَقرأ فُلانًا السَّلَامَ وأَقْرَأَ عليهالسلام، كأَنه من يُبَلِّغُه سَلامه يَحْمِلُه على أَن يَقْرَأَ السَّلَام ويَرُدَّه. قال أَبو حَاتمٍ السِّجستانيّ: تقول: اقْرَأْ عليه السَّلَامَ ولا تقول أَقْرِئْه السَّلَامَ إِلَّا في لُغَةٍ، فإِذا كان مَكتوبًا قلتَ أَقْرِئْهُ السَّلامَ؛ أَي اجْعَلْه يَقْرَؤُهُ. في لسان العرب: وإِذا قَرأَ الرّجُلُ القُرآنَ والحديثَ على الشيْخِ يقول: أَقْرَأَنِي فُلانٌ؛ أَي حَمَلَني على أَنْ أَقْرَأَ عليه.
والقَرْءُ ويِضَمُّ يُطلَق على: الحَيْضُ، والطُّهْر وهو ضِدٌّ وذلك لأَن القُرْءَ هو الوَقْتُ. فقد يكون للحَيْض، وللطُّهْرِ، وبه صرَّح الزَّمَخْشَرِيّ وغيرُه، وجَزم البَيْضاوِيّ بأَنّه هو الأَصل، ونقله أَبو عمرو، وأَنشد:
إِذَا مَا السَّمَاءُ لَمْ تَغِمْ ثُمَّ أَخْلَفَتُ *** قُرُوءَ الثُّرَيَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا قَطْرُ
يُريد وَقْتَ نَوْئِها الذي يُمْطَرُ فيه النَّاسُ، وقال أَبو عُبيدٍ: القَرْءُ يَصلُح للحَيْضِ والطُّهر، قال: وأَظنُّه من أَقْرَأَتِ النُّجومُ إِذا غابت. والقُرْءُ: القَافِيَةُ قاله الزمخشري الجمع: أَقْرَاءٌ وسيأْتي قريبًا والقرْءُ أَيضًا الحُمَّى، والغائب، والبَعِيد وانقضاءُ الحَيْض وقال بعضهم: ما بين الحَيْضَتَيْنِ. وقَرْءُ الفَرَسِ: أَيَّامُ وَدْقِهَا أَوْ سِفَادِهَا، الجمع أَقْرَاءٌ وقُرُوءٌ وأَقْرُؤٌ الأَخيرة عن اللّحيانيّ في أَدنى العدد، ولم يَعرِف سِيبويهِ أَقْراءً ولا أَقْرُؤًا، قال: استغنَوْا، عنه بِقُرُوءٍ. وفي التنزيل: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} أَراد ثَلاثةً من القروءِ كما قالوا خَمْسَةَ كِلَابٍ يُراد بها خَمْسَة من الكِلَابِ وكقوله:
خَمْس بَنَانٍ قَانِئِ الأَظْفَارِ
أَراد خَمْسًا مِن البَنانِ، وقال الأَعشى:
مُوَرّثَةً مالًا وَفي الحَيِّ رِفْعَةً *** لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءٍ نِسَائِكَا
وقال الأَصمعيُّ في قوله تعالى: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} قال: جاءَ هذَا على غير قياس، والقِياس: ثلاثَة أَقْرُؤٍ، ولا يجوز أَن يقال ثلاثَة فُلُوسٍ، إِنما يقال ثلاثة أَفْلُسٍ، فإِذا كَثُرت فهي الفُلُوسُ، ولا يقال ثَلاثَة رِجالٍ، إِنما هي ثَلَاثة أَرْجِلَة، ولا يقال ثَلاثة كِلَابٍ، إِنَما هي ثلاثة أَكْلُبٍ، قال أَبو حاتم: والنَّحويون قالوا في قول الله تعالى: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} أَراد ثلاثةً من القُروءِ، كَذَا فِي لسانِ العرب، أَو جَمْعُ الطُّهْرِ قُرُوءٌ، وجمعُ الحَيْض أَقْرَاءٌ قال أَبو عُبيدٍ: الأَقراءُ: الحيضُ، والأَقراءُ: الأَطهار وقد أَقْرَأَت المرأَةُ، في الأَمريْنِ جميعًا، فهي مُقْرِئٌ؛ أَي حَاضَتْ، وطَهُرَتْ وأَصله من دُنُوِّ وَقْتِ الشيءِ، وقَرَأَت إِذا رَأَت الدَّمَ، وقال الأَخْفَشُ: أَقَرأَت المرأَةُ إِذا صارت صاحِبَةَ حَيْضٍ، فإِذا حاضَتْ قُلْتَ: قَرَأَتْ، بلا أَلفٍ، يقال أَقْرأَت المرأَةُ حَيْضَةَ أَو حَيْضتَيْنِ، ويقال: قَرَأَت المرأَةُ: طَهُرَت، وَقَرَأَتْ: حَاضَت قال حُمَيدٌ:
أَرَاهَا غُلَامَانَا الخَلَا فَتَشَذَّرَتْ *** مِرَاحًا ولَمْ تَقْرَأْ جَنِينًا وَلَا دَمَا
يقول: لم تَحْمِلْ عَلَقَةً؛ أَي دَمًا ولا جَنِينًا. قال الشافعيُّ رضي الله عنه: القَرْءُ: اسْمٌ للوقْتِ، فلما كان الحيضُ يجيء لِوَقْتٍ، والطُّهْرُ يَجيء لِوَقْتٍ، جازَ أَن تكون الأَقْرَاءُ حِيَضًا وأَطْهَارًا، [قال:] ودَلَّتْ سُنَّةُ رَسولِ الله صَلّى الله عليه وسلّم أَنَّ الله عزّ وجلّ أَراد بقوله: {وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} الأَطهارَ، وذلك أَن ابنَ عُمَرَ لما طَلَّقَ امرأَته، وهي حَائضٌ واستفْتَى عُمَرُ رَضي الله عنه النبيَّ صَلّى الله عليه وسلّم فيما فَعَل قال مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، فإِذا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا، فَتِلْكَ العِدَّةُ التي أَمر اللهُ تعالى أَن يُطَلَّق لَها النِّساءُ، وقرأْت في طَبقات الخَيْضرِيّ من ترجمة أَبي عُبيدٍ القاسم بن سَلَّام أَنه تَناظَر مع الشافِعيِّ في القَرْءِ هل هو حَيْضٌ أَو طُهْرٌ، إِلى أَن رجع إِلى كلام الشافعيّ، وهو مَعدُودٌ من أَقرانه، وقال أَبو إِسحاق: الذي عندي في حَقِيقة هذا أَن القَرْءَ في اللغةِ الجَمْعُ وأَنّ قولَهم قَرَيْتُ الماءَ في الحَوْضِ وإِن كان قد أُلْزم الياءَ، فهو جَمَعْتُ، وقَرَأْتُ القُرآنَ: لَفَظْتُ به مَجموعًا فإِنما القَرْءُ اجْتِمَاعُ الدَّمِ في الرَّحمِ، وذلك إِنما يكون في الطُّهْرِ، وصحَّ عن عائشةَ وابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنهما قالا: الأَقراءُ والقُرُوءُ: الأَطهار، وَحقَّقَ هذا اللفظَ مِن كلام العَربِ قَوْلُ الأَعشى:
لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا
فَالقُروءُ هنا: الأَطهار لا الحِيَضُ لأَن النساءَ يُؤْتَيْنَ فِي أَطْهَارِهِنَّ لا في حِيَضِهِنَّ، فإِنّما ضاع بِغَيْبَتِه عَنهنَّ أَطْهارُهُن، قال الأَزهريُّ: وأَهلُ العِراق يَقولون: القَرْءُ: الحَيْضُ، وحُجَّتُهم قَولُه صَلّى الله عليه وسلّم «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرائِكِ» أَي أَيَّام حِيَضِك، قال الكسائي والفَرَّاءُ: أَقْرأَتِ المرأَةُ إِذا حاضَتْ. وما قَرَأَتْ حَيْضَةً؛ أَي ما ضَمَّتْ رَحِمُها عَلَى حَيْضَةٍ، وقال ابنُ الأَثيرِ: قد تَكَرَّرَتْ هذه اللفظةُ في الحَدِيث مُفَرَدةً ومَجموعةً، فالمُفردَةُ بفتح القاف وتُجمع على أَقراءٍ وقُرُوءٍ، وهو من الأَضداد، يقع على الطُّهْرِ، وإِليه ذَهب الشافعيُّ وأَهلُ الحِجازِ، ويَقَع على الحَيْضِ، وإِليه ذهب أَبو حَنيفة وأَهلُ العِراقِ، والأَصلُ في القَرْء الوَقْتُ المَعلومُ، ولذلك وقَع على الضِّدَّينِ، لأَن لكُلٍّ منهما وَقْتًا، وأَقرأَت المرأَةُ إِذا طَهُرَت، وإِذا حاضت، وهذا الحَدِيثُ أَراد بالأَقْراءِ فيه الحِيَضَ، لأَنه أَمرهَا فيه بِتَرْك الصلاةِ.
وأَقرأَت الناقَةُ والشاةُ، كما هو نَصُّ المُحكم، فليس ذِكْرُ النَّاقةِ بِقَيْدٍ: استَقَرَّ الماءُ أَي مَنِيُّ الفَحْلِ في رَحِمِها وهي في قِرْوَتِها، على غيرِ قياسٍ، والقِياس قِرْأَتِها وأَقرأَتِ الرِّياحُ أَي هَبّتْ لِوَقْتِها ودَخَلَت في وَقْتِها، والقَارِئُ: الوَقْتُ، وقال مالك بن الحارث الهُذَلِيُّ:
كَرِهْتُ العَقْرَ عَقْرَ بَنِي شَلِيلٍ *** إِذَا هَبَّتْ لِقَارِئها الرِّياحُ
أَي لوقت هُبُوبِها وشِدَّتِها وشِدَّةَ بَرْدِها، والعَقْرُ مَوْضِعٌ، وشَلِيلٌ: جَدُّ جَرِيرِ بن عبدِ الله البَجَلِيّ، ويقال: هذا وَقْتُ قَارِئ الرِّيح: لوقت هُبوبها، وهو من باب الكاهِل والغَارِب، وقد يَكون على طَرْح الزائد.
وأَقْرأَ مِن سَفَره: رَجَع إِلى وَطَنه وأَقْرَأَ أَمْرُكَ: دَنَا وفي الصحاح: أَقْرَأَتْ حَاجَتُه: دَنَتْ وأَقرأَ حاجَتَه: أَخَّرَ ويقال: أَعَتَّمْتَ قِرَاكَ أَو أَقْرَأْتَهُ؛ أَي أَخَّرْتَه وحَبَسْتَه وقيل: اسْتَأْخَرَ، وظن شيخُنا أَنه من أَقرَأَتِ النجومُ إِذا تَأَخَّرَ مَطَرُها فَورَّكَ على المُصَنِّف، وليس كذلك وأَقْرأَ النَّجْمُ غَابَ أَو حَانَ مَغِيبُه، ويقال أَقرَأَت النجومُ: تَأَخَّرَ مَطَرُها، وأَقرأَ الرجلُ من سفره: انْصَرَفَ منه إِلى وَطَنِه وأَقرأَ: تَنَسَّكَ، كَتَقَرَّأ تَقَرُّؤًا، وكذلك قَرَأَ ثُلاثِيًّا.
وقَرَأَتِ الناقَةُ والشاةُ: حَمَلَتْ وناقَةٌ قارِئٌ، بغير هاء، وما قرَأَتْ سَلًا قَطُّ: ما حَمَلَتْ مَلْقُوحًا. وقال اللِّحيانِيُّ: معناه. ما طَرَحَتْ، وروى الأَزهريّ عن أَبي الهيثم أَنه قال: يقال: ما قَرأَتِ الناقَةُ سَلًا قَطُّ، وما قَرأَتْ مَلْقُوحًا، قال بعضُهم: لم تَحْمِلْ في رَحِمِها ولدًا قَطُّ، وقال بعضُهم: ما أَسقطَتْ وَلدًا قَطُّ؛ أَي لم تَحْمِل، وعن ابنِ شُمَيْل: ضَربَ الفَحْلُ الناقةَ على غَيْر قُرْءٍ، وقُرْءُ الناقةِ: ضَبَعَتُهَا، وهذه ناقةٌ قارِئٌ وهذه نُوقٌ قَوَارِئٌ، وهو مِنْ أَقرأَت المَرْأَة، إِلا أَنه يقال في المرأَة بالأَلف، وفي الناقة بغير أَلف.
وقَرَأَ الشيءَ: جَمَعَه وضَمّه أَي ضَمَّ بعْضَه إِلى بعضٍ، وقَرأْتُ الشيْءَ قُرْآنًا: جَمعْتُه وضمَمْتُ بعْضَه إِلى بعضٍ، ومنه قولُهم: ما قَرأَتْ هذه الناقةُ سَلًا قَطُّ وما قَرَأْتْ جَنِينًا قَطُّ؛ أَي لم تَضُمَّ رَحِمُها على وَلَدٍ، قال عَمْرُو بن كُلْثُومٍ:
ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بِكْرٍ *** هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينا
قال أَكثر الناس: معناه: لم تَجْمَعْ جَنِينًا؛ أَي لم يَضُمَّ رَحِمُها على الجَنين، وفيه قَوْلٌ آخَرُ «لَمْ تَقْرَأْ جَنِينا» أَي لم تُلْقِه، ومعنى {قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} لَفَظْتَ به مَجموعًا؛ أَي أَلْقَيْتَه، وهو أَحدُ قَوْلَي قُطْرُبٍ. وقال أَبو إِسحاق الزجّاج في تفسيره: يُسَمَّى كَلامُ الله تعالى الذي أَنزلَه على نَبِيّه صلى الله عليه وآله وسلم كِتابًا وقُرآنًا وَفُرْقَانًا، ومعنى القُرآن الجَمْعُ، وسُمِّي قُرآنًا، لأَنه يَجْمَعُ السُّوَرَ فَيْضُمُّها، وقوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أَي جَمْعَه وأَي قِرَاءَتَه. قال ابنُ عَبَّاسٍ: فإِذا بَيَّنَّاهُ لَك بِالقِراءَةِ، فَاعْمَلْ بِمَا بَيَّنَّاهُ لَكَ، ورُوِي عن الشافعيّ رضي الله عنه أَنه قَرَأَ القُرآن على إِسْمَاعِيلَ بنِ قُسْطَنْطِينَ، وكان يقول: القُرَانُ اسْمٌ وليس بمهموزٍ ولم يُؤْخَذ من قَرَأْتُ، ولكنه اسمٌ لِكتاب الله، مثل التوراة والإِنجيل، ويَهْمِزُ قَرأْتُ ولا يَهْمِزُ القُرَانَ، وقال أَبو بكرِ بنُ مُجاهِدٍ المُقْرِئُ: كان أَبو عَمْرو بنُ العلاءِ لا يَهْمِزِ القُرانَ، وكان يَقْرَؤُه كما رَوَى عن ابنِ كَثِيرٍ، وقال ابنُ الأَثيرِ: تَكرَّر في الحَديث ذِكْرُ القِرَاءَةِ والاقْتِرَاءِ والقَارِئِ والقُرآنِ، والأَصلُ في هذه اللفظةِ الجَمْعُ، وكُلُّ شيْءٍ جَمعْتَه فقد قَرَأْتَه، وسُمِّيَ القُرآنَ لأَنه جَمَع القِصَصَ والأَمْرَ والنَّهْيَ والوَعْدَ والوَعِيدَ والآيَاتِ والسُّوَرَ بَعْضَهَا إِلى بعْضٍ، وهو مَصْدَرٌ كالغُفْرانِ، قال وقَد يُطْلَق على الصَّلاةِ، لأَن فيها قِراءَةً، من تَسْمِيَةِ الشيء ببعضه، وعلى القِراءَةِ نَفْسِها، يقال قَرَأَ يَقْرَأُ قُرْآنًا. وقد تُحْذَف الهمزةُ تَخفيفًا، فيقال قُرَانٌ وقَرَيْتُ وقَارٍ، ونحو ذلك من التصريف.
وقَرَأَت الحامِلُ وفي بعض النسخ الناقَةُ؛ أَي وَلَدَتْ وظاهره شُمُولُه للآدَمِيِّينَ.
والمُقَرَّأةُ، كَمُعَظَّمَةٍ هي التي يُنْتَظَرُ بها انْقِضَاءُ أَقْرَائِهَا قال أَبو عَمرٍو [بن العلاء] دَفَع فلانٌ جَارِيتَه إِلى فُلانةَ تُقَرِّئُها؛ أَي تُمسِكُها عِنْدَها حتى تَحِيضَ لِلاسْتِبراءِ وقد قُرِّئَتْ بالتشديد: حُبِسَتْ لِذلك أَي حتى انْقَضَتْ عِدَّتُها.
وأَقْرَاءُ الشِّعرِ: أَنْوَاعُه وطُرُقُه وبُحوره، قاله ابنُ الأَثير وأَنْحاؤُه مَقاصِدُه، قال الهروي: وفي إِسلام أَبي ذَرٍّ قال أَنيس: لقد وَضَعْتُ قَوْلَه عَلَى أَقراءِ الشِّعْرِ فَلَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحدٍ؛ أَي على طُرُقِ الشِّعْرِ وبُحورِه واحدها قَرْءٌ بالفتح، وقال الزَّمخشَري وغيرُه: أَقراءُ الشِّعْرِ: قَوَافِيه التي يُخْتَمُ بها، كأَقْرَاءِ الطُّهْرِ التي تنقطع عنها، الواحد قَرْءٌ وقُرْؤٌ وقيل بِتَثليثه وقَرِيءٌ كَبَدِيعٍ، وقيل هو قَرْوٌ، بالواو، قال الزمخشري: يقال للبيتينِ والقصيدتين: هما على قَرْوٍ واحدٍ وقَريٍّ واحدٍ [وهو الرويُّ]. وجمع القَرِيِّ أَقْرِيَةٌ، قال الكُمَيْتُ:
وَعِنْدَهُ لِلنَّوَى وَالحَزْمِ أَقْرِيَةٌ *** وَفِي الحُرُوب إِذَا مَا شَالتِ الأُهَبُ
وأَصْلُ القَرْوِ والقَصْدُ، انتهى ومُقْرَأٌ، كَمُكْرَمٍ هكذا ضَبطه المُحدِّثون بلد وفي بعض النسخ إِشارة لموضع باليَمَنِ قَريبًا من صَنْعَاءَ على مَرْحلة منها به مَعْدِن العَقِيقِ وهو أَجْوَدُ مِنْ عَقِيقِ غَيْرِها، وعِبارةُ المحكم: بها يُعمَلُ العَقِيقُ، وعبارة العُبابِ: بها يُصْنَع العَقِيقُ وفيها مَعْدِنُه، قال المَنَاوِي: وبه عُرِف أَنَّ العَقِيقَ نَوْعَانِ مَعْدِنِيٌّ ومَصْنُوع، وكمَقْعَدٍ قَرْيَةٌ بالشامِ مِن نَواحِي دِمَشق، لكنّ أَهْلَ دِمَشقَ والمُحدِّثون يَضُمُّونَ المِيم، وقد غَفَل عنه المُصَنِّف، قاله شيخُنا، منه أَي البلد أَو الموضع المُقْرَئِيُّونَ الجماعة من العُلماء المُحَدِّثِين وغَيْرِهم منهم صُبَيح بن مُحْرِز، وشَدَّاد بن أَفْلَح، وجميع بن عَبْد، وَرَاشد بن سَعْد، وسُوَيد بن جَبَلة، وشُرَيْح بن عَبْد وغَيْلَان بن مُبَشِّر، ويُونُس بن عثمان، وأَبو اليَمان، ولا يعرف له اسمٌ، وذو قرنات جابِرُ بن أَزَدَ، وأُم بَكْرٍ بنْتُ أَزَدَ والأَخيران أَورَدَهما المُصنِّف في الذال المعجمة، وكذا الذي قبلهما في النون، وأَما المنسوبونَ إِلى القَرْيَةِ التي تَحْت جَبَل قَاسِيُونَ، فمنهم غَيْلَان بن جَعْفَر المَقْرِئيّ عن أَبي أُمَامَة ويَفْتَحُ ابنُ الكَلْبِيِّ المِيمَ منه، فهي إِذًا والبَلْدَة الشَّامِيَّة سَواءٌ في الضَّبْط، وكذلك حكاه ابنُ ناصرٍ عنه في حاشية الإِكمال، ثم قال ابنُ ناصرٍ من عِنده: والمُحدّثونَ يقولونه بضَمِّ المِيم وهو خَطأٌ، وإِنما أَوْرَدْتُ هذا فإِن بعضًا من العلماءِ ظَنَّ أَن قَوْله وهو خَطَأٌ من كلام ابنِ الكَلبِيّ فنَقلَ عنه ذلك، فتأَمَّلْ.
والقِرْأَةُ بالكسر مثل القِرْعة: الوَبَاءُ قال الأَصمعيّ: إِذا قَدِمْتَ بِلادًا فَمَكَثْتَ بها خَمْسَ عَشْرَةَ ليلةً فقد ذَهَبتْ عنك قِرْأَةُ البِلَادِ وقِرْءُ البِلَادِ، فَأَمَّا قَوْلُ أَهلِ الحِجازِ قِرَةُ البلادِ فإِنما هو على حذف الهمزةِ المُتَحرِّكة وإِلقائِها على الساكِن الذي قَبْلَها، وهو نوعٌ من القياس، فأَمّا إِغْرابُ أَبي عُبيدٍ وظَنُّه إِيَّاها لُغَةً فخطأٌ، كذا في لسان العرب. وفي الصحاح: أَن قَوْلَهم قِرَةٌ بغير همزٍ، معناه: أَنه إِذا مَرِض بِهَا بعدَ ذلك فليس من وَبَاءِ البِلادِ قال شيخنا: وقد بقي في الصحاح مما لم يتعرض له المصنف الكلام على قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} الآية.
قلت: قد ذكر المُؤَلّف من جُملةِ المصادر القُرآنَ، وبَيَّن أَنه بمعنَى القِراءَةِ، فَفُهم منه مَعْنَى قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أَي قِرَاءَتَه، وكِتابُه هذا لم يَتَكَفَّلْ لِبيانِ نُقُولِ المُفَسِّرين حتَّى يُلْزِمَه التَّقصيرَ، كما هو ظاهِرٌ، فَلْيُفْهَم.
واسْتَقْرَأَ الجَمَلُ النَّاقَةَ إِذا تَارَكَها لِيَنْظُرَ أَلَقِحَتْ أَمْ لا.
عن أَبي عُبيدَة: ما دَامَتِ الوَدِيقُ في وِدَاقها فهي في قُرُوئِها وأَقْرَائِها.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ مُقْرَأَ بن سُبَيْع بن الحارث بن مالك بن زيد، كَمُكْرَم، بَطْنٌ من حِمْيَرٍ وبه عُرِف البَلَدُ الذي باليَمن، لنُزوله ووَلدِه هناك، ونَقل الرشاطي عن الهَمْدَاني مُقْرَى بن سُبَيْع بوزن مُعْطَى قال: فإِذا نَسبْتَ إِليه شَدَّدْتَ الياءَ، وقد شُدِّدَ في الشِّعرِ، قال الرشاطي، وقد وَرَد في الشعر مَهموزًا، قال الشاعر يخاطب مَلِكًا:
ثُمَّ سَرَّحْتَ ذَا رُعَيْنٍ بِجَيْشٍ *** حَاشَ مِنْ مُقْرَئٍ وَمِنْ هَمْدَانِ
وقال عَبْد الغَنِيّ بنُ سَعِيد: المحدِّثون يَكْتبونه بأَلِفٍ؛ أَي بعد الهمزة، ويجوز أَن يكون بعضُهم سَهّلَ الهمزةَ لِيُوافِقَ، هذا ما نَقله الهمدانيُّ، فإِنه عليه المُعَوَّلُ في أَنساب الحِمْيَرِيِّينَ. قال الحافِظ: وأَما القَرْيَةُ التي بالشَّأْم فأَظُنُّ نَزَلَها بَنُو مُقْرَئٍ هؤُلاءِ فَسُمِّيَتْ بِهم.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
4-لسان العرب (قرأ)
قرأ: القُرآن: التَّنْزِيلُ الْعَزِيزُ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ عَلَى مَا هُوَ أَبْسَطُ مِنْهُ لشَرفه.قَرَأَهُ يَقْرَؤُهُ ويَقْرُؤُهُ، الأَخيرة عَنِ الزَّجَّاجِ، قَرْءًا وقِراءَةً وقُرآنًا، الأُولى عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، فَهُوَ مَقْرُوءٌ.
أَبو إِسحاق النَّحْوِيُّ: يُسمى كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي أَنزله عَلَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا وقُرْآنًا وفُرْقانًا، وَمَعْنَى القُرآن مَعْنَى الْجَمْعِ، وَسُمِّيَ قُرْآنًا لأَنه يَجْمَعُ السُّوَر، فيَضُمُّها.
وَقَوْلُهُ تعالى: {إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}، أَي جَمْعَه وقِراءَته، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، أَي قِراءَتَهُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فإِذا بيَّنَّاه لَكَ بالقراءَة، فاعْمَلْ بِمَا بَيَّنَّاه لَكَ، فأَما قَوْلُهُ:
هُنَّ الحَرائِرُ، لَا ربَّاتُ أَحْمِرةٍ، ***سُودُ المَحاجِرِ، لَا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ
فَإِنَّهُ أَراد لَا يَقْرَأْنَ السُّوَر، فَزَادَ الباءَ كقراءَة مَنْ قرأَ: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ، وقِراءَة منْ قرأَ: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ، أَي تُنْبِتُ الدُّهنَ ويُذْهِبُ الأَبصارَ.
وقَرَأْتُ الشيءَ قُرْآنًا: جَمَعْتُه وضَمَمْتُ بعضَه إِلَى بَعْضٍ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: مَا قَرأَتْ هَذِهِ الناقةُ سَلىً قَطُّ، وَمَا قَرَأَتْ جَنِينًا قطُّ.
أَي لَمْ يَضْطَمّ رَحِمُها على ولد، وأَنشد: هِجانُ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينا وَقَالَ: قَالَ أَكثر النَّاسِ مَعْنَاهُ لَمْ تَجْمع جَنِينًا أَي لَمْ يَضطَمّ رَحِمُها عَلَى الْجَنِينِ.
قَالَ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: لَمْ تقرأْ جَنِينًا أَي لَمْ تُلْقه.
وَمَعْنَى قَرَأْتُ القُرآن: لَفَظْت بِهِ مَجْمُوعًا أَي أَلقيته.
وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنه قرأَ الْقُرْآنَ عَلَى إِسماعيل بن قُسْطَنْطِين، وَكَانَ يَقُولُ: القُران اسْمٌ، وَلَيْسَ بِمَهْمُوزٍ، وَلَمْ يُؤْخذ مِنْ قَرأْت، ولكنَّه اسْمٌ لِكِتَابِ اللَّهِ مِثْلُ التَّوْرَاةِ والإِنجيل، ويَهمز قرأْت وَلَا يَهمز القرانَ، كَمَا تَقُولُ إِذَا قَرَأْتُ القُرانَ.
قَالَ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: قَرأْتُ عَلَى شِبْل، وأَخبر شِبْلٌ أَنه قَرَأَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِير، وأَخبر عَبْدُ اللَّهِ أَنه قرأَ عَلَى مُجَاهِدٍ، وأَخبر مُجَاهِدٌ أَنه قرأَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وأَخبر ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قرأَ عَلَى أُبَيٍّ، وقرأَ أُبَيٌّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ المقرئُ: كَانَ أَبو عَمرو بْنُ العلاءِ لَا يَهْمِزُ الْقُرْآنَ، وَكَانَ يقرؤُه كَمَا رَوى عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَقْرَؤُكم أُبَيٌّ».
قَالَ ابْنُ الأَثير: قِيلَ أَراد مِنْ جَمَاعَةٍ مَخْصُوصِينَ، أَو فِي وَقْتٍ مِنَ الأَوقات، فإنَّ غَيْرَهُ كَانَ أَقْرَأَ مِنْهُ.
قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يُرِيدَ بِهِ أَكثرَهم قِراءَة، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ عَامًّا وأَنه أَقرأُ الصَّحَابَةِ أَي أَتْقَنُ للقُرآن وأَحفظُ.
وَرَجُلٌ قارئٌ مِنْ قَوْم قُرَّاءٍ وقَرَأَةٍ وقارِئِين.
وأَقْرَأَ غيرَه يُقْرِئه إِقراءً.
وَمِنْهُ قِيلَ: فُلَانٌ المُقْرِئُ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ: قَرَأَ واقْتَرأَ، بِمَعْنًى، بِمَنْزِلَةِ عَلا قِرْنَه واسْتَعْلاه.
وصحيفةٌ مقْرُوءَةٌ، لَا يُجِيز الْكِسَائِيُّ والفرَّاءُ غيرَ ذَلِكَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ.
وَحَكَى أَبو زَيْدٍ: صَحِيفَةٌ مَقْرِيَّةٌ، وَهُوَ نَادِرٌ إِلا فِي لُغَةِ مَنْ قَالَ قَرَيْتُ.
وَقَرأتُ الكتابَ قِراءَةً وقُرْآنًا، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْقُرْآنُ.
وأَقْرَأَه القُرآنَ، فَهُوَ مُقْرِئٌ.
وَقَالَ ابْنُ الأَثير: تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ القِراءَة والاقْتراءِ والقارِئِ والقُرْآن، والأَصل فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ الْجَمْعُ، وكلُّ شيءٍ جَمَعْتَه فَقَدَ قَرَأْتَه.
وَسُمِّيَ القرآنَ لأَنه جَمَعَ القِصَصَ والأَمرَ والنهيَ والوَعْدَ والوَعِيدَ والآياتِ والسورَ بعضَها إِلَى بعضٍ، وَهُوَ مَصْدَرٌ كالغُفْرانِ والكُفْرانِ.
قَالَ: وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الصَّلَاةِ لأَنّ فِيهَا قِراءَةً، تَسْمِيةً للشيءِ ببعضِه، وَعَلَى القِراءَة نَفْسِها، يُقَالُ: قَرَأَ يَقْرَأُ قِراءَةً وقُرآنًا.
والاقْتِراءُ: افتِعالٌ مِنَ القِراءَة.
قَالَ: وَقَدْ تُحذف الْهَمْزَةُ مِنْهُ تَخْفِيفًا، فَيُقَالُ: قُرانٌ، وقَرَيْتُ، وقارٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ التَّصْرِيفِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَكثرُ مُنافِقي أُمَّتِي قُرّاؤُها» أَي أَنهم يَحْفَظونَ القُرآنَ نَفْيًا للتُّهمَة عَنْ أَنفسهم، وَهُمْ مُعْتَقِدون تَضْيِيعَه.
وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ فِي عَصْر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
وقَارَأَه مُقارَأَةً وقِراءً، بِغَيْرِ هَاءٍ: دارَسه.
واسْتَقْرَأَه: طَلَبَ إِلَيْهِ أَن يَقْرَأَ.
ورُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: تَسَمَّعْتُ للقَرَأَةِ فإِذا هُمْ مُتَقارِئُون؛ حكاهُ اللِّحْيَانِيِّ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنّ الجنَّ كَانُوا يَرُومون القِراءَةَ.
وَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ فِي ذِكْرِ سُورَةِ الأَحزابِ: «إِن كَانَتْ لَتُقارئُ سورةَ البقرةِ، أَو هِيَ أَطْولُ»؛ أي تُجاريها مَدَى طولِها فِي القِراءَة، أَو إِن قارِئَها ليُساوِي قارِئَ الْبَقَرَةِ فِي زمنِ قِراءَتها؛ وَهِيَ مُفاعَلةٌ مِنَ القِراءَةِ.
قَالَ الخطابيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ هَاشِمٍ، وأَكثر الرِّوَايَاتِ: إِن كَانَتْ لَتُوازي.
وَرَجُلٌ قَرَّاءٌ: حَسَنُ القِراءَة مِنْ قَوم قَرائِين، وَلَا يُكَسَّرُ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنه كَانَ لَا يَقْرَأُ فِي الظُّهر وَالْعَصْرِ»، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، مَعْنَاهُ: أَنه كَانَ لَا يَجْهَر بالقِراءَة فِيهِمَا، أَو لَا يُسْمِع نَفْسَه قِراءَتَه، كأَنه رَأَى قومًا يقرؤون فيُسَمِّعون نفوسَهم ومَن قَرُبَ مِنْهُمْ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، يُرِيدُ أَن القِراءَة الَّتِي تَجْهَرُ بِهَا، أَو تُسْمِعُها نفْسَك، يَكَتُبُهَا الْمَلَكَانِ، وَإِذَا قَرأْتَها فِي نفْسِك لَمْ يَكْتُباها، وَاللَّهُ يَحْفَظُها لَكَ وَلَا يَنْساها لِيُجازِيَكَ عَلَيْهَا.
والقَارِئُ والمُتَقَرِّئُ والقُرَّاءُ كُلّه: الناسِكُ، مِثْلُ حُسَّانٍ وجُمَّالٍ.
وقولُ زَيْد بنِ تُركِيٍّ الزُّبَيْدِيّ، وَفِي الصِّحَاحِ قَالَ الفرّاءُ: أَنشدني أَبو صَدَقة الدُبَيْرِيّ:
بَيْضاءُ تَصْطادُ الغَوِيَّ، وتَسْتَبِي، ***بالحُسْنِ، قَلْبَ المُسْلمِ القُرَّاء
القُرَّاءُ: يَكُونُ مِنَ القِراءة جَمْعَ قارئٍ، وَلَا يَكُونُ مِنَ التَّنَسُّك، وَهُوَ أَحسن.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنْشَادِهِ بيضاءَ بِالْفَتْحِ لأَنّ قَبْلَهُ:
وَلَقَدْ عَجِبْت لكاعِبٍ، مَوْدُونةٍ، ***أَطْرافُها بالحَلْيِ والحِنّاءِ
ومَوْدُونةٌ: مُلَيَّنةٌ؛ وَدَنُوه أَي رَطَّبُوه.
وَجَمْعُ القُرّاء: قُرَّاؤُون وقَرائِئُ، جاؤوا بِالْهَمْزِ فِي الْجَمْعِ لَمَّا كَانَتْ غَيْرَ مُنْقَلِبةٍ بَلْ مَوْجُودَةٌ فِي قَرَأْتُ.
الفرَّاء، يُقَالُ: رَجُلٌ قُرَّاءٌ وامْرأَة قُرَّاءةٌ.
وتَقَرَّأَ: تَفَقَّه.
وتَقَرَّأَ: تَنَسَّكَ.
وَيُقَالُ: قَرَأْتُ أَي صِرْتُ قَارِئًا ناسِكًا.
وتَقَرَّأْتُ تَقَرُّؤًا، فِي هَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَرَأْتُ: تَفَقَّهْتُ.
وَيُقَالُ: أَقْرَأْتُ فِي الشِّعر، وَهَذَا الشِّعْرُ عَلَى قَرْءِ هَذَا الشِّعْر أَي طريقتِه ومِثاله.
ابْنُ بُزُرْجَ: هَذَا الشِّعْرُ عَلَى قَرِيِّ هَذَا.
وقَرَأَ عَلَيْهِ السلامَ يَقْرَؤُه عَلَيْهِ وأَقْرَأَه إِياه: أَبلَغه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِن الرّبَّ عَزَّ وَجَلَّ يُقْرِئُكَ السلامَ».
يُقَالُ: أَقْرِئْ فُلَانًا السَّلامَ واقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلامَ، كأَنه حِينَ يُبَلِّغُه سَلامَه يَحمِلهُ عَلَى أَن يَقْرَأَ السلامَ ويَرُدَّه.
وَإِذَا قَرَأَ الرجلُ القرآنَ والحديثَ عَلَى الشَّيْخِ يَقُولُ: أَقْرَأَنِي فلانٌ أَي حَمَلَنِي عَلَى أَن أَقْرَأَ عَلَيْهِ.
والقَرْءُ: الوَقْتُ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا مَا السَّماءُ لَمْ تَغِمْ، ثُمَّ أَخْلَفَتْ ***قُروء الثُّرَيَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا قَطْرُ
يُرِيدُ وَقْتَ نَوْئها الَّذِي يُمْطَرُ فِيهِ الناسُ.
وَيُقَالُ للحُمَّى: قَرْءٌ، وَلِلْغَائِبِ: قَرْءٌ، وللبعِيد: قَرْءٌ.
والقَرْءُ والقُرْءُ: الحَيْضُ، والطُّهرُ ضِدّ.
وَذَلِكَ أَنَّ القَرْء الْوَقْتُ، فَقَدْ يَكُونُ للحَيْض والطُهر.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: القَرْءُ يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ.
قَالَ: وَأَظُنُّهُ مِنْ أَقْرَأَتِ النُّجومُ إِذَا غابتْ.
وَالْجَمْعُ: أَقْراء.
وَفِي الْحَدِيثِ: «دَعي الصلاةَ أَيامَ أَقْرَائِكِ».
وقُروءٌ، عَلَى فُعُول، وأَقْرُؤٌ، الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ فِي أَدنى الْعَدَدِ، وَلَمْ يَعْرِفْ سِيبَوَيْهِ أَقْراءً وَلَا أَقْرُؤًا.
قَالَ: اسْتَغَنَوْا عَنْهُ بفُعُول.
وَفِي التَّنْزِيلِ: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}، أَراد ثلاثةَ أَقْراء مِنْ قُرُوء، كَمَا قَالُوا خَمْسَةُ كِلاب، يُرادُ بِهَا خمسةٌ مِن الكِلاب.
وَكَقَوْلِهِ: خَمْسُ بَنانٍ قانِئِ الأَظْفارِ أَراد خَمْسًا مِنَ البَنانِ.
وَقَالَ الأَعشى:
مُوَرَّثةً مَالًا، وَفِي الحَيِّ رِفعْةً، ***لِما ضاعَ فِيها مِنْ قُرُوءِ نِسائِكا
وَقَالَ الأَصمعي فِي قَوْلِهِ تعالى: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}، قَالَ: جَاءَ هَذَا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، والقياسُ ثلاثةُ أَقْرُؤٍ.
وَلَا يَجُوزُ أَن يُقَالَ ثلاثةُ فُلُوس، إِنما يُقَالُ ثلاثةُ أَفْلُسٍ، فَإِذَا كَثُرت فَهِيَ الفُلُوس، وَلَا يُقَالُ ثَلاثةُ رِجالٍ، وإنما هِيَ ثلاثةُ رَجْلةٍ، وَلَا يُقَالُ ثلاثةُ كِلاب، إِنَّمَا هِيَ ثلاثةُ أَكْلُبٍ.
قَالَ أَبو حَاتِمٍ: وَالنَّحْوِيُّونَ قَالُوا فِي قَوْلِهِ تعالى: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}.
أَراد ثَلَاثَةً مِنَ القُرُوء.
أَبو عُبَيْدٍ: الأَقْراءُ: الحِيَضُ، والأَقْراء: الأَطْهار، وَقَدْ أَقْرَأَتِ المرأَةُ، فِي الأَمرين جَمِيعًا، وأَصله مِنْ دُنُوِّ وقْتِ الشَّيْءِ.
قَالَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: القَرْء اسْمٌ لِلْوَقْتُ فَلَمَّا كَانَ الحَيْضُ يَجِيء لِوقتٍ، والطُّهر يَجِيءُ لوقْتٍ جَازَ أَن يَكُونَ الأَقْراء حِيَضًا وأَطْهارًا.
قَالَ: ودَلَّت سنَّةُ رَسُولِ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَراد بِقَوْلِهِ وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ: الأَطْهار.
وَذَلِكَ أَنَّ ابنَ عُمَرَ لمَّا طَلَّقَ امرأَتَه، وَهِيَ حائضٌ، فاسْتَفْتَى عُمرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا فَعَلَ، فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُراجِعها، فإِذا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْها، فتِلك العِدّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَهُ تَعَالَى أَن يُطَلَّقَ لَهَا النِّساءُ.
وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ: الَّذي عِنْدِي فِي حَقِيقَةِ هَذَا أَنَّ القَرْءَ، فِي اللُّغَةِ، الجَمْعُ.
وأَنّ قَوْلَهُمْ قَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الحَوْضِ، وإِن كَانَ قَدْ أُلْزِمَ الياءَ، فَهُوَ جَمَعْتُ، وقَرَأْتُ القُرآنَ: لَفَظْتُ بِهِ مَجْموعًا، والقِرْدُ يَقْرِي أَي يَجْمَعُ مَا يَأْكُلُ فِي فِيهِ، فإنَّما القَرْءُ اجْتماعُ الدَّمِ فِي الرَّحِمِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الطُّهر.
وَصَحَّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنهما قَالًا: الأَقْراء والقُرُوء: الأَطْهار.
وحَقَّقَ هَذَا اللفظَ، مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، قولُ الأَعشى: لِما ضاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائكا فالقُرُوءُ هُنَا الأَطْهارُ لَا الحِيَضُ، لأَن النّساءَ إِنما يُؤْتَيْن فِي أَطْهارِهِنَّ لَا فِي حِيَضِهنَّ، فإِنما ضاعَ بغَيْبَتِه عنهنَّ أَطْهارُهُنَّ، وَيُقَالُ: قَرَأَتِ المرأَةُ: طَهُرت، وقَرَأَتْ: حاضَتْ.
قَالَ حُمَيْدٌ:
أَراها غُلامانا الخَلا، فتَشَذَّرَتْ ***مِراحًا، وَلَمْ تَقْرَأْ جَنِينًا وَلَا دَما
يُقَالُ: لَمْ تَحْمِلْ عَلَقةً أَي دَمًا وَلَا جَنِينًا.
قَالَ الأَزهريُّ: وأَهلُ العِراق يَقُولُونَ: القَرْءُ: الحَيْضُ، وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعِي الصلاةَ أَيَّامَ أَقْرائِكِ، أَي أَيامَ حِيَضِكِ.
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ والفَرّاء مَعًا: أَقْرأَتِ المرأَةُ إِذَا حاضَتْ، فَهِيَ مُقْرِئٌ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَقْرأَتِ الحاجةُ إِذَا تَأَخَّرَتْ.
وَقَالَ الأَخفش: أَقْرأَتِ المرأَةُ إِذَا حاضَتْ، وَمَا قَرَأَتْ حَيْضةً أَي مَا ضَمَّت رَحِمُها عَلَى حَيْضةٍ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: قَدْ تكرَّرت هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي الْحَدِيثِ مُفْرَدةً ومَجْمُوعةً، فالمُفْردة، بِفَتْحِ الْقَافِ وَتُجْمَعُ عَلَى أَقْراءٍ وقُروءٍ، وَهُوَ مِنَ الأَضْداد، يَقَعُ عَلَى الطُّهْرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وأَهل الحِجاز، وَيَقَعُ عَلَى الْحَيْضِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبو حَنِيفَةَ وأَهل العِراق، والأَصل فِي القَرْءِ الوَقْتُ الْمَعْلُومُ، وَلِذَلِكَ وقعَ عَلَى الضِّدَّيْن، لأَن لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَقْتًا.
وأَقْرأَتِ المرأَةُ إِذَا طَهُرت وَإِذَا حَاضَتْ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَراد بالأَقْراءِ فِيهِ الحِيَضَ، لأَنه أَمَرَها فِيهِ بِتَرْك الصلاةِ.
وأَقْرَأَتِ المرأَةُ، وَهِيَ مُقْرِئٌ: حاضَتْ وطَهُرَتْ.
وقَرَأَتْ إِذَا رَأَتِ الدمَ.
والمُقَرَّأَةُ: الَّتِي يُنْتَظَرُ بِهَا انْقِضاءُ أَقْرائها.
قَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ العَلاءِ: دَفَع فُلَانٌ جاريتَه إِلَى فُلانة تُقَرِّئُها أَي تُمْسِكُها عِنْدَهَا حَتَّى تَحِيضَ للاسْتِبراءِ.
وقُرِئَتِ المرأَةُ: حُبِسَتْ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُها.
وَقَالَ الأَخفش: أَقْرَأَتِ المرأَةُ إِذَا صَارَتْ صاحِبةَ حَيْضٍ، فإِذا حَاضَتْ قُلْتَ: قَرَأَتْ، بِلَا أَلف.
يُقَالُ: قَرَأَتِ المرأَةُ حَيْضَةً أَو حَيْضَتَيْن.
والقَرْءُ انْقِضاءُ الحَيْضِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا بَيْنَ الحَيْضَتَيْن.
وَفِي إِسْلامِ أَبي ذَرّ: لَقَدْ وضَعْتُ قولَه عَلَى أَقْراءِ الشِّعْر، فَلَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسانِ أَحدٍ أَي عَلَى طُرُق الشِّعْر وبُحُوره، وَاحِدُهَا قَرْءٌ، بِالْفَتْحِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ، أَو غَيْرُهُ: أَقْراءُ الشِّعْر: قَوافِيه الَّتِي يُخْتَمُ بِهَا، كأَقْراءِ الطُّهْر الَّتِي يَنْقَطِعُ عِندَها.
الْوَاحِدُ قَرْءٌ وقُرْءٌ وقَرِيءٌ، لأَنها مَقَاطِعُ الأَبيات وحُدُودُها.
وقَرَأَتِ الناقةُ والشَّاةُ تَقْرَأُ: حَمَلَتْ.
قَالَ: هِجانُ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينا """"وَنَاقَةٌ قارئٌ، بِغَيْرِ هَاءٍ، وَمَا قَرَأَتْ سَلًى قَطُّ: مَا حَمَلَتْ مَلْقُوحًا، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَعْنَاهُ مَا طَرَحَتْ.
وقَرَأَتِ الناقةُ: وَلَدت.
وأَقْرَأَت الناقةُ والشاةُ: اسْتَقَرَّ الماءُ فِي رَحِمِها؛ وَهِيَ فِي قِرْوتها، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، والقِياسُ قِرْأَتها.
وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ يُقَالُ: مَا قَرَأَتِ الناقةُ سَلًى قَطُّ، وَمَا قَرَأَتْ مَلْقُوحًا قَطُّ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ تَحْمِلْ فِي رَحمِها وَلَدًا قَطُّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا أَسْقَطَتْ وَلَدًا قَطُّ أَي لَمْ تَحْمِلْ.
ابْنُ شُمَيْلٍ: ضَرَبَ الفحلُ الناقةَ عَلَى غَيْرِ قُرْءٍ، وقُرْءُ الناقةِ: ضَبَعَتُها.
وَهَذِهِ نَاقَةٌ قارئٌ وَهَذِهِ نُوقٌ قَوارِئُ يَا هَذَا؛ وَهُوَ مِنْ أَقْرأَتِ المرأَةُ، إِلَّا أَنه يُقَالُ فِي المرأَة بالأَلف وَفِي النَّاقَةِ بِغَيْرِ أَلف.
وقَرْءُ الفَرَسِ: أَيامُ وداقِها، أَو أَيام سِفادِها، وَالْجَمْعُ أَقْراءٌ.
واسْتَقْرَأَ الجَملُ الناقةَ إِذَا تارَكَها ليَنْظُر أَلَقِحَت أَم لَا.
أَبُو عُبَيْدَةَ: مَا دَامَتِ الوَدِيقُ فِي وَداقِها، فَهِيَ فِي قُرُوئِها، وأَقْرائِها.
وأَقْرأَتِ النُّجوم: حانَ مغِيبها.
وأَقْرَأَتِ النجومُ أَيضًا: تأَخَّر مَطَرُها.
وأَقْرَأَتِ الرِّياحُ: هَبَّتْ لأَوانِها ودَخلت فِي أَوانِها.
والقارئُ: الوَقْتُ.
وَقَوْلُ مَالِكِ بْنِ الحَرثِ الهُذَليّ:
كَرِهْتُ العَقْرَ عَقْرَ بَنِي شَلِيلٍ، ***إِذَا هَبَّتْ، لقارئِها، الرِّياحُ
أَي لوَقْتِ هُبُوبِها وشِدَّة بَرْدِها.
والعَقْرُ: مَوضِعٌ بعَيْنِه.
وشَلِيلٌ: جَدُّ جَرِير بْنَ عَبْدِ اللَّهِ البَجَلِيّ.
وَيُقَالُ هذا قارِيءُ الرِّيح: لوَقْتِ هُبُوبِها، وَهُوَ مِنْ بَابِ الكاهِل والغارِب، وَقَدْ يَكُونَ عَلَى طَرْحِ الزَّائد.
وأَقْرَأَ أَمْرُك وأَقْرَأَتْ حاجَتُك، قِيلَ: دَنَا، وَقِيلَ: اسْتَأْخَر.
وَفِي الصِّحَاحِ: وأَقْرَأَتْ حاجَتُكَ: دَنَتْ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَعْتَمْتَ قِراكَ أَم أَقْرَأْتَه أَي أَحَبَسْتَه وأَخَّرْته؟ وأَقْرَأَ مِنْ أَهْله: دَنا.
وأَقْرَأَ مِنْ سَفَرِه: رَجَعَ.
وأَقْرَأْتُ مِنْ سَفَري أَيْ انْصَرَفْتُ.
والقِرْأَةُ، بِالْكَسْرِ، مِثْلُ القِرْعةِ: الوَباءُ.
وقِرْأَةُ البِلاد: وَباؤُها.
قَالَ الأَصمعي: إِذَا قَدِمْتَ بِلَادًا فَمَكَثْتَ بِهَا خَمْسَ عَشْرةَ لَيْلَةً، فَقَدْ ذَهَبَتْ عنكَ قِرْأَةُ الْبِلَادِ، وقِرْءُ الْبِلَادِ.
فأَما قَوْلُ أَهل الْحِجَازِ قِرَةُ الْبِلَادِ، فَإِنَّمَا هو على حذف الْهَمْزَةِ المتحرِّكة وَإِلْقَائِهَا عَلَى السَّاكِنِ الَّذِي قَبْلَهَا، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْقِيَاسِ، فأَما إغرابُ أَبِي عُبَيْدٍ، وظَنُّه إِيَّاهُ لُغَةً، فَخَطأٌ.
وَفِي الصِّحَاحِ: أَن قَوْلَهُمْ قِرةٌ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، مَعْنَاهُ: أَنه إِذَا مَرِضَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ وَباءِ البلاد.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
5-تهذيب اللغة (قرأ)
قرأ: قال أبو إسحاق الزجاج: يسمَّى كلامُ الله الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم كِتابًا، وقرآنًا، وفُرقانًا، وذِكْرًا.قال: ومعنى قرآن معنَى الجمع.
يقال: ما قرأتْ هذه الناقةُ سَلًى قطُّ، إذا لم يضطمّ رَحِمُها على الولَدِ.
وأنشد:
هِجانِ اللَّوْنِ لم تقرأ جَنِينَا
قال: وَقال أكثر الناس: لم تجمع جنينًا، أي: لم تضْطَمّ رَحِمها على الجَنين.
قال: وقال قطرب في القرآن قولين: أحدهما: هذا وهو المعروف، وَالذي عليه أكثر الناس.
والقول الآخر: ليس بخارج من الصحة وهو حسن.
قال: لم تقرأ جَنينًا لم تُلْقِه.
قال: ويجوز أن يكون معنى قرأتُ القرآن لفظْتُ به مجموعًا، أي: ألقيتُه.
وأخبرني محمد بن يعقوب الأصمّ، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أن الشافعي أخبرَه أنه قرأ القرآن على إسماعيل بن قُسْطَنْطين.
وكان يقول: القرآنُ اسمٌ وليس بمهموز، ولم يؤخذ مِن قرأتُ، ولكنه اسمٌ لكتاب الله، مثل التوراة والإنجيل.
قال: ويُهمز قرأت ولا يهمز القرآن، كما تقول إذا قرأت القرآن.
وقال إسماعيل: قرأت على شِبل، وقرأ شِبلٌ على عبد الله بن كثير، وأخبر عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس، وأخبر ابن عباس أنه قرأ على أُبَيّ، وقرأ أبَيٌّ على النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو بكر بن مجاهد المقرئ: كان أبو عمرو بن العلاء لا يهمز القرآن، وكان يقرؤه كما رُوي عن ابن كثير.
أبو عبيد: الأقراء: الحَيْض، والأقراء: الأطهار، وقد أقرأتِ المرأة في الأمرين جميعًا، وأصلُه من دُنُوِّ وقت الشيء.
قلت: ونحو ذلك أخبرنا عبد الملك عن الربيع عن الشافعي، أنّ القرءَ اسمٌ للوقت، فلمّا كان الحَيض يجيء لوقت والطُّهر يجيء لوَقْت، جاز أن يكون الأقراء حَيْضًا وأطهارًا.
قال: ودَلَّت سنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنَّ الله أَراد بقوله: {وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] الأطهارَ، وذلك أنَّ ابن عمر لمَّا طلَّق امرأَته وهي حائض فاستفتى عمر النبيَّ عليهالسلام فيما فَعَل.
قال: «مُره فليراجعْها، فإذا طَهُرتْ فليطلّقها، فتلك العِدّة التي أَمَر اللهُ أَن يطلَّق لها النساء».
ذكر أبو حاتم عن الأصمعي أَنه قال في قول الله جل وعز: (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ): جاء هذا على غير قياس.
والقياس ثلاثة أَقْرؤ.
قال: ولا يجوز أَن تقول: ثلاثةُ فلوس، إنما يقال: ثلاثة أفلُس، فإذا كثرَتْ فهي الفُلوس.
قال: ولا يقال: ثلاثة رجال إنما هي ثلاثة رَجْلَة، ولا يقال: ثلاثة كِلاب إنما هي ثلاثة أكلُب.
قال أَبو حاتم: والنحويون قالوا في قول الله جلَّ وعزَّ: (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) جاء هذا على غير قياس.
والقياس ثلاثة أَقْرؤ.
قال: ولا يجوز أَن تقول: ثلاثةُ فلوس، إنما يقال: ثلاثة أفلُس، فإذا كثرَتْ فهي الفُلوس.
قال: ولا يقال: ثلاثة رجال إنما هي ثلاثة رَجْلَة، ولا يقال: ثلاثة كِلاب إنما هي ثلاثة أكلُب.
قال أَبو حاتم: والنحويون قالوا في قول الله جلَّ وعزَّ: (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) أَراد ثلاثةً من القروء.
وقال أَبو إسحاق الزجاج: أخبرني مَن أثق به يَرفَعه إلى يُونس أن الأقراء عنده تصلحُ للحيض والأطهار.
قال: وذكر أبو عمرو بن العَلاء أن القرء: الوقت، وهو يَصلح للحَيض ويصلح للطُّهر.
ويقال: هذا قارئ الرِّياح لوقت هُبوبها.
وَأنشد:
شَنِئتُ العَقر عَقر بني شُلَيلٍ *** إِذا هَبّتْ لقارئها الرياحُ
أي: لوقت هُبوبها وشدة بردها.
قال أَبو إسحاق: والذي عندي في حقيقة هذا أَن القُرءَ في اللغة الجمع؛ وأَنَّ قولهم: قريتُ الماءِ في الحوض وإِن كان قد أُلزِم الياء فهو جَمَعْتُ، وقرأْتُ القرآنَ: لفظتُ به مجموعًا، والقِرْدُ يقرِي، أي: يجمع ما يأكل في فيه، فإِنما القَرْء اجتماع الدَّم في الرَّحم، وذلك إنما يكون في الطُّهر.
قلت: وقد روينا عن الشافعي بالإسناد المتقدّم في هذا الباب نحوًا مما قاله أبو إسحاق.
وصح عن عائشة وَابن عمر أنَّهما قالا: الأقراء والقُروء: الأطهار.
وحقق ما قالاه مِن كلام العرب.
قول الأعشى:
مُوَرِّثةٍ عِزًّا وفي الحيّ رِفْعَةً *** لما ضاعَ فيها مِنْ قُرُوءِ نسائكا
لأنّ القُروء في هذا البيت الأطهار لا غير، لأنَّ النِّساء إنما يؤْتَيْن في أطارهنَّ لا في حيضهن فإِنما ضاع بِغَيبته عنهنّ أطهارُهنّ.
وقال أبو عبيد: القُرْء يَصلح للحيض والطُّهْر.
قال: وأظنُّه من أقرأتِ النجومُ:
إذا غابت.
وأخبرني الإياديُّ عن أبي الهيثم أنّه قال: يقال: ما قرأتِ الناقةُ سَلًى قطّ.
وما قرأتْ مَلْقُوحًا قَطّ.
فقال بعضهم: أي: لم تَحمِل في رَحِمِها وَلدًا قطّ.
وقال بعضهم: ما أسقطَتْ ولدًا قطّ، أي: لم تَحمل.
قال: ويقال: قرأَتِ المرأةُ: إذا طَهُرَتْ، وقرأتْ: إذا حاضت.
وقال حميد:
أراها غُلاماها الخَلَا فتَشذَّرتْ *** مِراحًا ولم تَقْرَأْ جنِينًا ولا دَما
يقال: معناه: لم تَحْمل عَلَقَةً، أي: دَمًا ولا جنينًا.
قلت: وأهل العراق يقولون: القُرء: الحَيْض.
وحجّتهم حديثٌ رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال لامرأة: «دَعِي الصلاةَ أيام أقرائك»، أي: أيام حَيْضك.
وقال الكسائيّ والفراء معًا: اقْرَأَت المرأة: إذا حاضت، فهي مقرئ.
وقال الفراء: أقرأتِ الحاجةُ: إذا تأخّرتْ.
وقال الأخفش أيضًا: أقرأت المرأة: إذا حاضت.
وما قرأَتْ حيضةً، أي: ما ضَمَّت رَحِمَها على حَيْضة.
وقال ابن شميل: يقال: ضَرَب الفحلُ الناقة على غير قُرْء.
وقرء الناقة: ضَبَعتُها.
وقال أبو عبيدة: ما دامت الوَديقُ في وِداقها فهي في قَرْئِها وإقْرَائها.
أبو عبيد عن الأصمعي: إذا قَدِمْتَ بلادًا فمكثتْ بها خمسَ عشرةَ ليلةً فقد ذهبتْ عنك قِرأة البلاد.
وأهل الحجاز يقولون: قِرَة البلاد بغير همز.
ومعناه: إنّك إنْ مَرِضْت بعد ذلك فليس من وَباء البلاد.
قال: وقال أبو عمرو بن العلاء: دَفَع فلانٌ جاريتَه إلى فلانة تُقَرِّئها، أي: تُمسِكها عندها حتى تحيض للاستبراء.
أبو الحسن اللحياني يقال: قرأتُ القرآن وأنا أقرؤه قَرْءًا وقراءة وقُرآنًا، وهو الاسم، وأنا قارئٌ من قومٍ قُرّاء وقَرَأة وقارئين، وأقرأتُ غيري أقرئه إقراء، ومنه قيل: فلان المقرئ.
ويقال: أقرأتُ مِنْ سَفَري، أي: انصرفْت؛ وَأقرأتُ من أهْلي، أي: دَنَوْتُ، وأقرأَتْ حاجتُك وأقرأَ أمرُك، قال بعضهم: دَنَا، وقال بعضهم: استأخر.
ويقال: أعْتَم فلان قِراهُ وأقرأه، أي: حبسه.
ويقال: قرأت، أي: صرت قارئًا ناسكًا، وتقرأت تقرؤًا بهذا المعنى.
وقال بعضهم: تقرَّأَتُ: تَفقَّهْتُ.
ويقال: أقرأتُ في الشِّعْر.
وهذا الشعر على قَرء هذا الشِّعر، أي: على طريقته ومثاله.
وقال ابنُ بُزرج: هذا الشعر على قَرِيِ هذا الشعر وغِرارِه.
وقال اللَّحياني: يقال: قارأتُ فلانًا مُقارأةً، أي: دارسْتُه، واستقرأتُ فلانًا.
ويقال للناقة: ما قرأتْ سَلًى قَطّ، أي: ما
طَرَحَتْ، تأويلُه ما حَمَلتْ.
وهذه ناقةٌ قارئ، وهذه نُوقٌ قوارئُ يا هذا.
وهو من إقراء المرأة، إلّا أنه يقال في المرأة بالألف، وفي الناقة بغير ألف.
ويقال للناسك: إنّه لقُرَّاءٌ مِثلُ حُسَّان وجُمّال.
وقال ابن السكيت: قال الفراء: رجلٌ قُرَّاء وامرأة قُرَّاءةٌ.
قال: ويقال: أقريْتُ الجُلَّ الفَرَسَ، أي: ألزَمْتُه قَرَاهُ.
أبو حكم عن الأصمعي: يقال: اقرأ عليهالسلامَ ولا يقال أقرئْه السلام، لأنَّه خطأ.
وسمعتُ أعرابيًّا أَملَى عليّ كتابًا، وقال في آخره: اقترئ منِّي السلام.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
