نتائج البحث عن (وَالْأَشْرَافُ)
1-العربية المعاصرة (جلس)
جلَسَ/جلَسَ على يَجلِس، جُلوسًا، فهو جالِس وجليس، والمفعول مجلوسٌ عليه.* جلَس الشَّخْصُ/جلَس الشَّخصُ على المقعد: قعَد عكْسه وقَف (جلَس مع صديقه- جلس على النار: جلَس إليها ليستدفئ- جلس مستديمًا في مقعده: على مقعده) (*) جلَسَ القرفصاء- جلَسَ على العرش: تُوِّج مَلِكًا، تبوَّأه، اعتلاه.
أجلسَ يُجلس، إجلاسًا، فهو مُجْلِس، والمفعول مُجْلَس.
* أجلس الضَّيفَ في حجرةٍ مكيَّفة: أقعده فيها (أجلس أستاذَه مكانه في الحفل).
استجلسَ يستجلس، استجلاسًا، فهو مُستجلِس، والمفعول مُستجلَس.
* استجلس صديقَه: طلب منه أن يجلس (استجلسه بجانبه وأخذ يحدثه هَمْسًا).
تجالسَ يتجالس، تجالُسًا، فهو مُتجالِس.
* تجالس القومُ: جلَس بعضُهم مع بعض (تجالس المتشاحنان في المحكمة).
جالسَ يجالس، مُجالَسةً، فهو مُجالِس وجَليس، والمفعول مُجالَس.
* جالس صديقَه: قعد معه، شاركه القعود (كان دائمًا يجالس العلماءَ- جالستِ الأطفالَ: اعتنت بهم فترة غياب أمهاتهم).
جَلْسَة [مفرد]: جمعه جَلَسات وجَلْسات:
1 - اسم مرَّة من جلَسَ/جلَسَ على.
2 - اجتماع يُعْقَد لوقت محدود للنَّظر في شأن من الشُّئون (رُفعت الجَلْسَة- جَلْسة برلمانيَّة) (*) جَلْسَة الخطيب: جلوسه بين الخُطبتين- جَلْسَة حامية الوطيس- جَلْسَة ختاميَّة- جَلْسَة سرّيّة/جَلْسَة مُغلقة: هي التي تكون خاصَّة بالأعضاء- جَلْسَة طارئة: غير متوقَّعة، لم تُقرَّر من قبل- جَلْسَة عاصفة: صاخبة- جَلْسَة عامّة/جَلْسَة علنيّة/جَلْسَة مفتوحة: يشارك فيها أو يشهدها غير الأعضاء- مَحْضَر الجَلْسَة: قيدٌ يُسجِّل الأعمال التي نُوقشت في الجَلْسَة.
جُلوس [مفرد]: مصدر جلَسَ/جلَسَ على (*) عيد الجُلوس: ذكرى جلوس المَلِك على العرش.
جَليس [مفرد]: جمعه جُلساءُ وجُلاَّس: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من جالسَ وجلَسَ/جلَسَ على: (*وخير جَليس في الأنام كتاب*- مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيس السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِير) [حديث] (*) جليس نفسِه: معتزل الناس.
جَليسة [مفرد]: امرأة تقوم على شئون رعاية الطفل أو غيره وخدمته مقابل أجر (تعمل جليسة أطفال- يُوجد في الدَّار جليسات للمسنّين).
مَجْلِس [مفرد]: جمعه مَجالسُ:
1 - اسم مكان من جلَسَ/جلَسَ على: (كان يضع الورود حول مجلسه- {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا} [قرآن]).
2 - طائفة من الناس تخصّص للنظر فيما يُناط بها من أعمال (لقد أقرّ المجلس قرارين) (*) المجلس النِّيابيّ: المكان الذي يجتمع فيه نوّاب الأمّة- طاولة المجلس: طاولة تعقد عليها الاجتماعات- مَجْلِس اقتصاديّ- مَجْلِس الإدارة: مجلس منتخب ومكلّف بإدارة شركة أو مؤسّسة- مَجْلِس الأُمَّة: البرلمان، المجلس النيابيّ الذي يضمّ ممثلي الشعب- مَجْلِس الأمن: هيئة متفرّعة من منظمة الأمم المتحدة ومناط بها الحفاظ على السِّلم والأمن الدوليّين- مَجْلِس الأمناء: مجلس منتخب يشرف على إدارة جامعة أو مؤسّسة علميَّة- مَجْلِس الحرب- مَجْلِس الدِّفاع- مَجْلِس الشَّعب: البرلمان، المجلس النيابيّ، سلطة تمثِّل الأمّة- مَجْلِس الشُّيوخ: سلطة تشريعيَّة في بعض البلدان تكمّل عمل مَجْلِس النّواب، وهي تضمّ أعيان البلد من شخصيّات منتخبة أو معيّنة نظرًا لأهميتها السياسيَّة أو القوميّة- مَجْلِس العُموم: مَجلس مُمثِّلي الأُمَّة المنتخَبين في انجلترا- مَجْلِس المديرية- مَجْلِس النُّوَّاب: مجلس الشعب، البرلمان- مَجْلِس الوزراء: مجموع وزراء الدولة، الحكومة- مَجْلِس بلديّ: يتألّف من أعضاء مكلّفين بإدارة بلديَّة والإشراف على شئون سكّانها- مَجْلِس تأديبيّ: شبه محكمة مكلّفة بالسّهر على احترام قوانين مهنة أو التقيُّد بنظام عام- مَجْلِس تأسيسيّ- مَجْلِس حَسْبيّ- مَجْلِس روحيّ- مَجْلِس عُرفيّ: مَجْلِس استثنائيّ، لا يخضع لقانون المحاكم- مَجْلِس قرويّ- مَجْلِس قوميّ- مَجْلِس قيادة الثورة: جماعة عسكريّة تدير شئون البلاد إثر انقلاب عسكريّ- مَجْلِس مختلط.
* مجلس الأعيان: مجلس يضمّ مجموعة من الأشخاص يعيِّنهم الحاكم أو ينتخبهم الشعب.
* مجلس الدَّولة: هيئة قضائية عليا لها حقّ الرِّقابة على تشريعات الحكومة.
* مجلس الشُّورى: مجلس يتكوّن من أصحاب الرأي تستشيره الحكومة في شئون البلاد.
* مجلس الوِصاية: المجلس الذي يساعد الوصيّ على العرش في القيام بشئون المملكة.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
2-العربية المعاصرة (رقب)
رقَبَ يَرقُب، رَقابةً ورَقْبًا ورُقوبًا، فهو راقب ورقيب، والمفعول مَرْقوب.* رقَب الشَّيءَ: انتظره (يرقُب وصول الطَّائرة بلهفة- {وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيْبٌ} [قرآن] - {إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [قرآن]) (*) أرقب لك صبحًا.
* رقَب فلانًا: حَرَسَه وحفِظه (ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ [حديث] - {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [قرآن]).
* رقَب النَّجمَ: رصَده (بات يرقب النجم: أَرِق فلم ينم).
* رقَب الأمرَ: لاحظه وراعاه (يتصرف بلا رقيب ولا حسيب- ارقب المسجون حتى لا يهرب) - لا يَرقُب فيه إلاًّ ولا ذمَّة: لا يراعي عهدًا ولا حقًّا.
رقِبَ يَرقَب، رَقَبًا، فهو أَرقَبُ.
* رقِب الشَّخصُ: غلُظت رقبتُه (رجلٌ أرقبُ).
أرقبَ يُرقب، إرقابًا، فهو مُرقِب، والمفعول مُرقَب.
* أرقبه دارًا أو أرضًا أو نحوَهما: جعلها له فإن مات أحدهما صارت للحيّ منهما، وهو من الرُّقبى؛ لأن كلَّ واحدٍ منهما ينتظر أو يرقب موت الآخر، لتكون له الدّار، أو الأرض، أو نحوهما.
ارتقبَ يرتقب، ارتقابًا، فهو مُرتقِب، والمفعول مُرتقَب.
* ارتقبَ الشَّيءَ: رقَبه، انتظره وتوقَّعه (ارتقب الفرصةَ- من المرتقب وصول الوفد الدبلوماسيّ غدًا- {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [قرآن]).
تراقبَ يتراقب، تراقبًا، فهو مُتراقِب.
* تراقب الشَّخصان: راقب كلٌّ منهما الآخر أي لاحظه وحرسه (كان كل منهما يحذر الآخر فأخذا يتراقبان).
ترقَّبَ يترقَّب، ترقُّبًا، فهو مُترقِّب، والمفعول مُترقَّب (للمتعدِّي).
* ترقَّب الرَّجُلُ:
1 - انتظر ما يحصل له من فَرَجٍ أو مكروه {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} [قرآن].
2 - ترصَّد الأخبار {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} [قرآن].
* ترقَّب الشَّيءَ: رقَبَه؛ انتظره وتوقَّعه (ترقَّب النتيجةَ/لحظة صدور الحكم/طلوع الفجر- ترقَّب الفرصة: تحيَّنها- مجابهة المخاطر خيرٌ من ترقُّبها في خوف دائم [مثل أجنبيّ]: يماثله في المعنى المثل العربيّ: توقّع الشّرّ أشرّ) (*) سياسَةُ الانتظار والتَّرقُّب.
راقبَ يراقب، مُراقبةً، فهو مُراقِب، والمفعول مُراقَب.
* راقبَ الشَّخصَ أو الشَّيءَ: رقَبه، حرَسه ولاحظه ورصَده (راقب العدوَّ- راقب النَّجمَ: رصده- مُراقِب امتحان/المشروع- من راقَب ما عند الغير لم يعجبه ما عنده) (*) غير مراقَب: لم يتم فحصه أو إخضاعه للرَّقابة أو إعطاؤه تصنيفًا لتضمنه مواد غير لائقة- يراقب بانتباه: يتّبع شخصًا أو اتجاهًا باهتمام مستمرّ.
* راقَب اللهَ في أموره: خافه وخشيه.
أَرْقَبُ [مفرد]: جمعه رُقْب، والمؤنث رَقْباء، والجمع المؤنث رُقْب ورَقْباوات: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من رقِبَ: غليظ الرَّقبة.
رَقابة [مفرد]:
1 - مصدر رقَبَ (*) حقُّ الرَّقابة: حق القيام بالمراقبة والإشراف على عمل.
2 - مهنة مَنْ يراقب ويطَّلع على المطبوعات قبل نشرها (تم فرض رقابة مشدّدة على المصنّفات الفنيّة/الأسعار) (*) الرَّقابة الصَّحفيّة/الرَّقابة الصُّحفيّة: اطِّلاع السُّلطة على الصُّحف قبل نشرها- رقابة المطبوعات: عمل من يراقب الكتب والمطبوعات والأفلام والمسجّلات قبل التَّصريح بتداولها.
3 - [في علوم النفس] منع الأفكار والمشاعر عن الوصول إلى الوعي إلا بشكل مقنع.
* الرَّقابة الإداريَّة: مراقبة الإدارة للتأكُّد من مطابقة تصرُّفاتها للقانون، وذلك بناءً على طلب الأفراد أو من تلقاء نفسها (*) رَقابة البريد: عمل من يراقب المراسلات البريديّة.
* رَقابة الصَّرْف: [في الاقتصاد] تدخّل الحكومة أو المصرف المركزيّ في سعر الصَّرف للعملات.
رَقْب [مفرد]: مصدر رقَبَ.
رَقَب [مفرد]: مصدر رقِبَ.
رَقَبانيّ [مفرد]: اسم منسوب إلى رَقَبة: على غير قياس: عظيم الرقبة.
رَقَبة [مفرد]: جمعه رَقَبات ورِقاب ورَقَب:
1 - عُنُق (اقطع رقبة عَدُوِّك بالسَّيف- لا تدع لسانك يقطع رقبتك [مثل أجنبيّ]: يماثله في المعنى المثل العربيّ: كم في المقابر من قتيل لسانه- {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [قرآن]: وهو مجاز عن القتل) (*) الأحداث يأخذ بعضها برقاب بعض: تتوالى بسرعة- الموتُ على الرِّقاب: لا ينجو منه أحد- رقبتي سَدَّادة: وعد بالمساعدة بكل ما يملك- غليظُ الرَّقبة: جِلْف، عنيد- منديل الرَّقبة: منديل من القماش يوضع حول الرَّقبة- هذا الأمرُ في رَقَبتك: مَنوطٌ بك.
2 - جميع ذات الإنسان أو الشَّيء، وذلك من تسمية الشَّيء باسم بعضه لشرفه (دَيْنُك في رقبتي- لنا رِقابُ الأرض: ذاتُها ونفسُها).
3 - مملوك، أسير، رقيق {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [قرآن] (*) فكَّ رقبتَه: أعتقه.
* رَقَبة الكمان أو العود: [في الموسيقى] الجزءُ العلويّ بعد الصندوق.
* رقبة الطَّريق: الأرض التي تمرّ فيها الطّريق (يملك رقبة الطَّريق: أرضها).
رُقْبَى [مفرد]: أن يُعطي إنسانٌ آخرَ دارًا أو أرضًا، فإن مات أحدُهما كانت للحيّ، فكلاهما ينتظر وفاةَ صاحبه ويترقّبها.
رَقوب [مفرد]:
1 - مَنْ لا يستطيع الكسب من الشيوخ والأرامل لأنه يرتقب أو ينتظر معروفًا أو صلة (*) أمُّ الرَّقوب: الداهية.
2 - امرأة تراقِب وتنتظر موت زوجها لترثه أو تتزوَّج غيره.
3 - زوجان لا يبقى لهما ولد.
رُقوب [مفرد]: مصدر رقَبَ.
رقيب [مفرد]: جمعه رُقَبَاءُ:
1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من رقَبَ (*) رقيبٌ عتيد: مراقب حاضر يَقِظ- هو رقيب الجيش والقوم: طليعتهم- هو رَقيب نفسه: أي ينتقد أعمالَه فلا يدع سبيلًا للنَّاس إلى لومه.
2 - مَنْ يُراجع الصُّحُف والرسائل والكتب والأفلام قبل تداولها أو الإفراج عنها ليمنع ما يخدش الحياء أو يخالف سياسة الحكومة.
3 - [في العلوم العسكرية] رَتْبة في الجيش والشُّرطة، فوق العريف ودون الرقيب أوّل (بدرجة رقيب).
4 - جنديّ مكلَّف بمراقبة الدوريّة.
5 - موظف يعيَّن لإبقاء النظام والحفاظ على الأمن ضمن منظمة تشريعيَّة أو قضائية أو تنظيم اجتماعيّ معين.
6 - [في علوم النفس] قوة نفسيَّة في اللاوعي مسئولة عن الرَّقابة.
* الرَّقيب: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء، ولا تخفى عليه خافية، والذي لا يغفل عمّا خلق، والمترقِّب المنتظِر من عباده خضوعَهم له، وخشيتَهم منه، وخشوعَهم لعظمته ({إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [قرآن]: مراعيًا حافظًا).
مُراقِب [مفرد]:
1 - اسم فاعل من راقبَ (*) مراقب الامتحانات: ملاحظ يشرف على التزام الطُّلاب أثناء الامتحان بقواعد اللجنة.
2 - [في الرياضة والتربية البدنية] مَن يراقب ويحمي المتمرِّن خلال التدريب لمنع الإصابة، كما في التمرينات الرياضيَّة.
* مُراقِب الحسابات: [في التجارة] أحد المحاسبين المتخصصين يختار لمراجعة حسابات الشَّركة والتأكّد من سلامتها، ويلتزم بتقديم تقرير عن عمله في نهاية السَّنة الماليَّة للشَّركة.
مُراقَبة [مفرد]: جمعه مُراقَبات:
1 - مصدر راقبَ (*) بُرْج المراقبة: برج في المطار يتولَّى تنظيم إقلاع الطائرات وهبوطها، بناء يُخصَّص لمراقبة السُّفن أو الطَّائرات والبوارج وغيرها لغرض المراقبة للطَّائرات بالتَّحليق أو الهبوط- رسالة مراقبة: فتحت بمعرفة الحارس- مراقبة الأسعار: تحديد أسعار الموادّ والسِّلع لمنع حدوث تضخّم- مراقبة الإنتاج: عمليّة إجراء الاختبارات والقياسات اللازمة للتَّحقُّق من مطابقة المنتجات للمواصفات المحدَّدة لها في التصميمات- مَوْضوع تحت المراقبة: يحدث هذا عادة للخطرين على الأمن أو المُفْرَج عنهم حديثًا- نُقْطة مراقبة.
2 - عمل الحارس الخفير.
3 - قسم من أقسام الإدارة (مُراقَبة الامتحانات/المطبوعات/الأسلحة- مُراقَبة ماليَّة).
4 - [في القانون] تعليق حكم على شخص مدان بتهمة ومنحه حريّة مؤقَّتة على أساس التعهُّد بحسن السلوك (*) ضابط المراقبة: ضابط مسئول عن مراقبة المدانين الطلقاء ذوي الأحكام المعلَّقة أو الموضوعين تحت المراقبة.
مَرْقَب [مفرد]: جمعه مَراقِبُ: اسم مكان من رقَبَ: مكان عالٍ يوقف عليه لتتسع الرؤية للمراقبة (صَعِد إلى المَرْقَب ليتابع حركة المرور في الميدان- مَرْقَب فلكيّ).
مِرْقَب [مفرد]: اسم آلة من رقَبَ: راصدة وهي آلة مجهَّزة لرصد كواكب الفلك وسيّاراته.
مَرْقَبَة [مفرد]: جمعه مَراقِبُ: مَرْقَب؛ موضِع المراقبة (من المَرْقَبَة تضبط تحركات العدوّ).
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
3-العربية المعاصرة (تصبن)
تصبَّنَ يتصبَّن، تصبُّنًا، فهو مُتَصِّبن.* تصبَّن الشَّحمُ ونحوُه: تحوَّل إلى صابون (تصبَّن الزَّيتُ).
صبَّنَ يصبِّن، تَصْبِينًا، فهو مُصَبِّن، والمفعول مُصَبَّن.
* صبَّن المَلابسَ ونحوَها: غسلها بالصابون.
* صبَّن الزُّيوتَ/صبَّن الدُّهونَ: حوَّلها بالقلويَّات إلى صابونٍ.
تَصْبِين [مفرد]:
1 - مصدر صبَّنَ.
2 - [في الكيمياء والصيدلة] تفاعل الإستر (ملح عضويّ) المُحَمَّى مع فِلِزّ قلويّ لإنتاج كحول أو ملح حامضيّ، وخاصَّة تحلُّل فِلِزّ قلويّ بالماء لصُنع الصابون.
صابون [جمع]: مفرده صابونة: (انظر: ص ا ب و ن - صابون).
صَابونيّ [مفرد]:
1 - اسم منسوب إلى صابون.
2 - ما احتوى على صابون، ما كان له خواصّ الصَّابون (ماءٌ صابونيٌّ- مادّة صابونِيَّة).
3 - صانع الصَّابون.
4 - بائع الصَّابون.
* الكِلاجَة الصَّابونيَّة: [في النبات] شجرة من أشجار التِّشيليّ من الفصيلة الورديّة ذات لحاء يستخدم كصابون، وكمصدر له.
صَبَّان [مفرد]: جمعه صبّانون وصَبَّانة:
1 - صابونيّ، صانع الصَّابون (يعمل صبّانًا في مصنع منظِّفات).
2 - بائع الصَّابون.
3 - عامل مسئول عن تسوية الخلطة الخرسانيّة والإشراف على وضعها.
صَبَّانة [مفرد]: وعاء يُحفظ فيه الصَّابون حتَّى لا يذوب في الماء.
مَصْبَنة [مفرد]: جمعه مَصْبَنات ومَصابِنُ: مصنع الصَّابون ومعمله (أنتجت المَصْبَنةُ خمسين صندوقًا من الصَّابون).
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
4-العربية المعاصرة (صرف)
صرَفَ يصرِف، صَرْفًا، فهو صارِف، والمفعول مَصْروف.* صرَف المالَ ونحوَه: أنفقه (صرَف أموالَه على أسرته- صرف وقتَه في القراءة- اصرِف يعوِّض اللهُ عليك [مثل أجنبيّ]: يماثله في المعنى المثل العربيّ: اصرف ما في الجيب يأتِك ما في الغيب).
* صرَف العُملةَ: حوَّلها وبدَّلها بمثلها، باعها بعملة أخرى (صرَف الدينارات إلى ريالات) (*) صرَف همَّه إليه: انقطع له.
* صرَف الشَّخصَ:
1 - خلَّى سبيله (صرَف التلاميذَ من المدرسة).
2 - ردَّه، أمره بالابتعاد (صرَف الشحَّاذَ اللحوحَ).
* صرَف اللهُ قلوبَهم: أضلَّهم {صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ} [قرآن].
* صرَف الاسمَ: [في النحو والصرف] جرَّه بالكسرة (هذه كلمة ممنوعة من الصَّرف: ممنوعة من التنوين والجرّ بالكسرة).
* صرَفه عن الأمر: ردَّه عنه (صرفه عن استعمال العنف- صرف نظره عن الأمر: أهمله وتركه- {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ} [قرآن] - {فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} [قرآن]).
أصرفَ يُصرف، إصْرَافًا، فهو مُصرِف، والمفعول مُصرَف.
* أصرف الرَّجلُ الشَّرابَ: جعله صِرْفًا لا يمازجه شيءٌ.
انصرفَ/انصرفَ إلى/انصرفَ عن ينصرف، انصرافًا، فهو مُنصرِف، والمفعول مُنصرَف إليه.
* انصرف التِّلميذُ:
1 - مُطاوع صرَفَ: ذهب ومضى (ألقى التَّحيَّة وانصرف- انصرف العمَّالُ مبكِّرًا) (*) انصرف يفعل كذا: أخذ يفعله.
2 - أعرض {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا} [قرآن].
* انصرف الاسم: [في النحو والصرف] جرَّه بالكسرة.
* انصرف إليه: تحوَّل (انصرف إلى وظيفة أخرى/السِّياسة).
* انصرف عنه: ابتعد، تركه وتحوَّل عنه (انصرف عن مخالطة الأشرار/مُحدِّثه).
تصرَّفَ/تصرَّفَ في يتصرَّف، تصرُّفًا، فهو مُتصرِّف، والمفعول مُتصرَّف فيه.
* تصرَّف الشَّخصُ: سَلَكَ سلوكًا معيَّنًا (تصرَّف بحكمة/بحُرّية تامّة- تصرَّف الأستاذُ مع الطالب كوالده) (*) تصرَّفت به الأحوالُ: تقلَّبت عليه- حُسن التصرُّف.
* تصرَّفتِ المِياهُ: انسابت في مجارٍ مُعيَّنة.
* تصرَّفتِ الكَلمةُ: [في النحو والصرف] اشْتُقَّت منها كلمات أخرى.
* تصرَّف في الأمر: أداره (تصرَّف في إدارة الشّركة) - تحت تصرُّفه: قريب، مسيطر عليه، متحكِّم فيه، تحت يده.
صرَّفَ يصرِّف، تصريفًا، فهو مُصرِّف، والمفعول مُصرَّف.
* صرَّف الأشياءَ: نقلها، بدَّلها، وجَّهها (صرَّف البضائعَ: تصرَّف فيها بالبيع- {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [قرآن]).
* صرَّف الأمرَ:
1 - بيَّنه وفصَّله {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْءَانِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [قرآن].
2 - قسَّمه {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا} [قرآن].
* صرَّف العُملةَ: صرَفها، حوَّلها وبدَّلها بمثلها.
* صرَّف المياهَ: جعلها تجري في قنوات أو أنابيب معيَّنة.
* صرَّف الألفاظَ: [في النحو والصرف] اشتقَّ بعضَها من بعض.
إصراف [مفرد]:
1 - مصدر أصرفَ.
2 - [في العروض] اختلاف حركة الرويّ من فتحٍ إلى ضمٍّ أو كسرٍ، وهو أحد عيوب القافية.
تَصَرُّف [مفرد]: جمعه تصرُّفات (لغير المصدر):
1 - مصدر تصرَّفَ/تصرَّفَ في (*) تصرُّفات الدَّهر/تصرُّفات الزَّمان: تصاريفه، نوائبه ومصائبه- نقل الكلام بتصرّف: ترجمه مع تدخل منه.
2 - [في القانون] حقّ استعمال عقارٍ والتَّمتع به ضمن حدود معيَّنة (*) وضَعه تحت تصرُّفه: أي: على ذِمَّته، منحه حَقّ استعماله.
تصريف [مفرد]: جمعه تصريفات (لغير المصدر) وتصاريفُ (لغير المصدر): مصدر صرَّفَ (*) تصاريف الدَّهْر: تقلُّباته، نوائبه ومصائبه.
* تصريف البضاعة: [في التجارة] ترويج المبيعات بعرضها عرضًا جذّابًا، والإعلان عنها في مكان البيع.
* تصريف الأفعال: [في النحو والصرف] اشتقاق صيغ الأفعال بعضها من بعض، وإسناد الأفعال إلى الضمائر.
* تصريف الكلمات: [في النحو والصرف] أصل الكلمة وطرق الاشتقاق منها.
صِرافة [مفرد]: مهنة من يُبَدِّل النُّقودَ بنقودٍ غيرها (عملت بالصِّرافة منذ تخرُّجي في الجامعة) (*) مكتب الصِّرافة.
صَرَّاف [مفرد]:
1 - صيغة مبالغة من صرَفَ: كثير الصَّرف.
2 - من يُبدل نقدًا بنقدٍ أو عملةً بعملةٍ.
3 - [في الاقتصاد] مُستَأمَن على أموال الخزانة في بنك أو مصلحة تجاريّة، يقبض ويصرف ما يُسْتَحَقّ للآخرين (صَرَّاف المؤسَّسة).
4 - من يتولَّى بيع التَّذاكر في المسرح ونحوه (أعطاني الصَّرَّافُ تذكرتين لدخول المسرح).
صَرْف [مفرد]: جمعه صروف (لغير المصدر):
1 - مصدر صرَفَ (*) بصرف النّظر عن المسمَّيات: بدون اعتبار لها.
2 - حيلة {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلاَ نَصْرًا} [قرآن].
3 - [في الاقتصاد] مبادلة عملة وطنيّة بعملة أجنبيّة، ويطلق أيضًا على سعر المبادلة.
4 - [في النحو والصرف] تنوين يلحق آخرَ الاسم المعرب مثل محمدٌ.
* صَرْف المياه: إسالتها في مجارٍ وقنوات خاصّة (تنفق الدولةُ الكثير على مشروعات الصَّرف الصِّحِّيّ) (*) محطَّة الصَّرف.
* حوض الصَّرف: [في الجغرافيا] أرض يسيل منها ماءُ المطر إلى نهر أو بحيرة أو خزَّان.
* سِعْر الصَّرْف: [في الاقتصاد] السِّعر الفعليّ لصَرْف عملة ما مقابل عملة أخرى.
* علم الصَّرف: [في النحو والصرف] علم يعرف به أبنيةُ الكلام واشتقاقه (ألَّف كتابًا في علم الصَّرف).
* الممنوع من الصَّرْف: [في النحو والصرف] الأسماء التي لا يلحقها التَّنوين ولا الجرّ بالكسرة.
* الصَّرْفان: اللَّيل والنَّهار.
* صُروف الدَّهر: تصاريفه؛ نوائبه ومصائبه (وإنّك يا زمان لذو صُروف.. وإنّك يا زمان لذو انقلابِ- قل للذي بصروف الدهر عيّرنا.. هل حارب الدهر إلاّ من له خطرُ).
صِرْف [مفرد]: خالصٌ لم يُخلَط بشيء (شرابٌ صِرْفٌ: غير ممزوج، بحت خالص) (*) خمرٌ صِرْف: غير ممزوجة بماء.
صَرْفيَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى صَرْف: (قواعد صرفيّة).
2 - مصدر صناعيّ من صَرْف: ما ينفق من مال ونحوه، تكاليف (إيرادات الشُّعوب النامية لا تكفي صرفيَّاتهم).
3 - ما يُصرف دفعة واحدة من الشّيء المخزون (تمّ توزيعُ صرفيّة جديدة من الأقمشة على المحلاّت التّجاريّة).
* الدِّلالة الصَّرْفيَّة: [في النحو والصرف] التي تستفاد من بنية الكلمة وصيغتها.
* الصِّيَغ الصَّرْفيَّة: [في النحو والصرف] التَّصريف النَّمطيّ المنظَّم للأسماء والأفعال لبيان الصِّيغ المختلفة التي تشتقّ من أصولها.
* الوحدة الصَّرْفيَّة: [في النحو والصرف] أصغر وحدة لغويّة مجرّدة ذات معنى.
صريف [مفرد]: صِرْف؛ خالص لم يُمزج بشيء (شراب صريف).
* الصَّريف:
1 - الفضَّة الخالصة.
2 - اللَّبن ساعة حلبه.
صَيْرف [مفرد]: جمعه صيارفُ وصَيارِفَة: صرَّاف؛ من يُبدِّل نقدًا بنقد، أو المستأمن على أموال الخزانة يقبض ويصرف ما يُستحَقّ.
صَيْرَفة [مفرد]: مهنة صرف العملات، أي: تبديل عملة وطنيّة بعملة أجنبيّة أو العكس.
صَيْرَفِيّ [مفرد]: جمعه صَيْرفيُّون وصَيارِفَة:
1 - اسم منسوب إلى صَيْرف: (انظر: ص ي ر ف - صَيْرَفِيّ).
2 - صرَّاف، من يُبْدل نقدًا بنقد، أو المستأمن على أموال الخزانة يقبض ويصرف ما يُستَحقّ.
مُتصرِّف [مفرد]:
1 - اسم فاعل من تصرَّفَ/تصرَّفَ في.
2 - شخص يُعيَّن من قِبَل المجلس البلديِّ لإدارة شئون البلديّة.
* الظَّرف المُتصرِّف: [في النحو والصرف] الاسم الذي يستعمل ظرفًا وغير ظرف مثل كلمة (يوم).
* الفِعْل المُتصرِّف: [في النحو والصرف] ما له مضارع وأمر وتُصاغ منه المشتقّات.
مَصْرَف/مَصْرِف [مفرد]: جمعه مَصارِفُ:
1 - اسم مكان من صرَفَ: مَهْرَب أو مَلْجأ {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرَفًا} [قرآن] - {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [قرآن].
2 - قناة لصرف ما تخلَّف من ماء الرَّيّ بعد اكتفاء الأرض.
3 - [في الاقتصاد] بنك، مُنشأة تقوم بعمليّات الائتمان كقبول الودائع وتقديم القروض وإصدار النُّقود وتسهيل عمليّات الدَّفع (أودعت مدّخراتي في مَصْرِف إسلاميّ- المصرف الأوربيّ لإعادة البناء والتنمية- المصرف العالميّ).
* المَصرِف المركزيّ: [في الاقتصاد] مؤسَّسة رسميّة تتولّى إصدارَ النَّقد والرِّقابةَ على النَّشاط الماليّ للدَّولة والإشراف على المصارف الأخرى.
مَصْرِفيّ [مفرد]:
1 - اسم منسوب إلى مَصْرَف/مَصْرِف: (قَرْضٌ/اعتماد/شيك مَصْرِفيّ).
2 - صاحب بنك.
* الخصم المَصْرِفيّ: [في الاقتصاد] الفائدة التي تحسب على قرض مقدَّمًا، وتقتطع عند تسديد القرض.
* دفتر الحساب المَصْرِفيّ: [في الاقتصاد] دفتر يسجِّل به البنكُ مقدارَ الإيداع أو السّحب للمودع.
* حساب مَصْرِفيّ: [في الاقتصاد] أموال يتمّ إيداعها في أحد المصارف تكون قابلة للسَّحب من قبل المُودع.
* حوالة مَصْرِفيَّة: [في الاقتصاد] نوع من صكوك التحويل يشترى من أحد المصارف ويسمّى كذلك شيك مصرفيّ.
* ورقة مَصْرِفيَّة: [في الاقتصاد] كمبيالة على شكل عملة ورقيّة يصدرها مَصْرِف مصرَّح له بذلك، وتُدفع قيمتُها لحاملها عند الطَّلب.
مَصْروف [مفرد]: جمعه مَصْروفات ومَصاريفُ:
1 - اسم مفعول من صرَفَ: ما ينفق من المال (مصروف العائلة- وازن بين مصروفاته ودخله) (*) مصاريف سِرِّيَّة: مبالغ ماليَّة تنفق من حساب خاصّ بدون خضوع لرقابة خارجيَّة- مصاريف نثريَّة: نفقات خارجيّة غير متوقّعة.
2 - مبلغٌ من المال مخصَّص للمطالب الشَّخصيّة البسيطة (مَصْروف الجيب- أعطاني أبي المَصْروف الشَّهريّ- خفض ميزانيّة المصروفات الدِّفاعيَّة).
3 - [في النحو والصرف] اسم يلحقه الجرّ بالكسرة والتنوينُ، يقابله الممنوع من الصَّرف.
مُنصرِف [مفرد]:
1 - اسم فاعل من انصرفَ/انصرفَ إلى/انصرفَ عن.
2 - [في النحو والصرف] اسم يلحقه الجرّ بالكسرة والتنوينُ، يقابله الممنوع من الصَّرف.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
5-العربية المعاصرة (عمر)
عمَرَ/عمَرَ ب يَعمُر ويَعمِر، عَمْرًا وعَمارةً، فهو عامر، والمفعول معمور (للمتعدِّي).* عمَر المكانُ/عمَر المكانُ بالنَّاس: كان مسكونًا بهم (عَمَرتِ الأرضُ- دارٌ عامرةٌ بأصحابها).
* عمَر الإنسانُ/عمَر الحيوانُ: عاش زمانًا طويلًا (عمَر الشّيخُ/الجَملُ).
* عمَر المكانَ: أصلحه وبناه وأقام على زيارته (عمَر منزلًا- {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ ءَامَنَ} [قرآن]).
* عمَره اللهُ: أبقاه وأطال حياتَه (عمركَ الله يا أبي) (*) عمَر اللهُ بك المنزلَ: جعلك حيًّا وجعل المنزل عامرًا بك.
عمِرَ يَعمَر، عُمْرًا وعَمارةً وعَمْرًا، فهو عامر.
* عمِر الرَّجلُ: عمَر، طال عمرُه، عاش زمنًا طويلًا (*) لعَمْرُك: قسم بمعنى وحياتك وبقائك.
أعمرَ يُعمر، إعمارًا، فهو مُعمِر، والمفعول مُعمَر.
* أعمرَ الأرضَ: عمرها، أصلحها لتعميرها {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يُعْمِرُوا مَسَاجِدَ اللهِ} [قرآن]) (*) أعمر الله بك الدَّار: أسكنك إيّاها، وجعلها عامرة بك.
استعمرَ يستعمر، استعمارًا، فهو مُستعمِر، والمفعول مُستعمَر.
* استعمرَ الأرضَ: عمرها، أمدَّها بما تحتاج من الأيدي العاملة لتصلح وتعمُر (استعمر الصَّحراء).
* استعمرت دولةٌ دولةً أُخرى: احتلتها وفرضت سيطرتها عليها (دولةٌ مُستعمَرةٌ- تحرّرت معظم الدول من الاستعمار) (*) الدُّول الاستعماريّة: الدُّول التي تحتلّ غيرها وتفرض سيادتها وسيطرتها عليها- دَوْلَة مستعمِرة: دولة تفرض سلطتَها على دولة أُخرى وتستغلّها.
* استعمر اللهُ عبادَه في الأرض: جعلهم ساكنيها وعُمّارًا لها {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [قرآن].
اعتمرَ يعتمر، اعتمارًا، فهو مُعتمِر.
* اعتمر المسلمُ: زار البيت الحرام لأداء العُمْرة (اعتمر في رمضان- {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ} [قرآن]).
تَعَمَّرَ يتعمَّر، تَعَمُّرًا، فهو مُتعمِّر.
* تَعَمَّرَ المكانُ: مُطاوع عمَّرَ: أهِل بالسكان.
عمَّرَ يُعمِّر، تعميرًا، فهو مُعمِّر، والمفعول مُعمَّر (للمتعدِّي).
* عمَّر الإنسانُ/عمَّر الحيوانُ: عمَر؛ عاش زمنًا طويلًا (طائِرٌ مُعمِّرٌ- عمَّر قرنًا أو يزيد).
* عمَّره اللهُ: أطال حياتَه (نبات/رجل مُعمَّرٌ- {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [قرآن]).
* عمَّر المكانَ: أصلحه، بناه، جعله آهلًا (بيتٌ مُعَمَّر).
استعماريَّة [مفرد]: اسم مؤنَّث منسوب إلى استعمار: (تُطلّ الحروب الاستعماريّة برأسها من جديد- تكالبت القوى الاستعماريّة على الشَّرق الأوسط).
* سياسة استعماريَّة: سياسة استيطانيّة تهدف إلى فرض الهيمنة على دولة أخرى واستغلال مواردها الاقتصاديّة (قامت الحرب الأمريكيّة على العراق استطرادًا لسياسةٍ استعماريَّةٍ قديمة).
تَعَمُّر [مفرد]: مصدر تَعَمَّرَ.
* التَّعَمُّر السُّكَّاني: زيادة نسبة السُّكان الأكبر سنًّا إلى مجموع السُّكان في بقعة أو بلد ما.
تعمير [مفرد]: مصدر عمَّرَ.
* التَّعمير:
1 - تحويل غير المنتج إلى منتج.
2 - تحويل الصَّحراء إلى أماكن آهلة بالسُّكّان عن طريق استصلاح الأرض وزراعتها (*) وزارة الإسكان والتّعمير: الوزارة المسئولة عن الإنشاءات المختلفة.
تعميرة [مفرد]: جمعه تعميرات وتعاميرُ:
1 - اسم مرَّة من عمَّرَ.
2 - ما يوضع على دخان النَّارجيلة من حشيش وغيره.
عَمارة [مفرد]: مصدر عمِرَ وعمَرَ/عمَرَ ب.
عِمارة [مفرد]: جمعه عِمارات وعَمَائِرُ:
1 - مبنى كبير فيه جملة مساكن في طوابق متعدّدة (عِمارة من عشرة طوابق- سبعُ عِمارات).
2 - تشييد وبناء وإصلاح وتعمير، عكْسه هدم وخراب (اكتملت عِمارة المسجد- {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ} [قرآن]).
* فنّ العمارة: [في الهندسة] فنّ تشييد المنازل ونحوها وتزيينها وفق قواعدَ معيَّنة.
عَمْر [مفرد]: جمعه أعمار (لغير المصدر):
1 - مصدر عمِرَ وعمَرَ/عمَرَ ب.
2 - مُدَّة الحياة، ولا يكون إلاّ في القسم ({لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [قرآن]: لعمرك قسمي بمعنى: أقسم بعُمرك).
عُمْر [مفرد]: مصدر عمِرَ.
عُمْر/عُمُر [مفرد]: جمعه أعمار:
1 - مدّة الحياة من الولادة إلى الموت (أطال اللهُ عمرك: دعاء بطول العمر- في آخر عمره- الأعمار بيد الله- خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ [حديث] - {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ} [قرآن]) (*) شريكة العمر/رفيقة العمر: الزَّوجة- طول العمر: امتداد الأجل- طوى الله عُمْرَه: أفناه، أماته- عُمر الورد: قِصَره- عُمر نُوح: كناية عن طول العمر- مُنْتصف العمر: حياة الإنسان بين مرحلتي الشباب والشيخوخة.
2 - سِنّ؛ مدّة الحياة حتى زمن التَّكلُّم (كم عمرك؟).
3 - [في الطبيعة والفيزياء] زمن يستغرقه انحلال نصف عدد ذرّات عنصر مُشعّ، حيث يقلّ فيه عدد ذرّات العنصر إلى نصف ما كان.
* العُمْر العقليّ: [في علوم النفس] العمر المكافئ لمتوسِّط ذكاء أفراد عمرهم الزَّمنيّ واحد.
عُمْران [مفرد]: ما يُعْمَر به البلدُ من تجارة وصناعةٍ وبناء وتمدُّن وكثرة أهالٍ (سياسةُ العُمْران- أرضٌ خاليةٌ من العُمْران- العدلُ أساس العُمران) (*) التَّخطيط العُمْرانيّ: تنظيم الاستيطان البشريّ.
* علم العمران: [في علوم الاجتماع] علم الاستيطان البشريّ ويشمل تخطيط وتصميم مدينة أو مجتمع.
عَمْرة [مفرد]: جمعه عَمَرات وعَمْرات:
1 - اسم مرَّة من عمِرَ وعمَرَ/عمَرَ ب.
2 - إصلاح شامل (تحتاج السيَّارة إلى عَمْرة).
عُمْرَة [مفرد]: جمعه عُمُرات وعُمْرات وعُمَر: [في الفقه] نُسُكٌ كالحجّ، ولكنّها ليست بفرض وليس لها وقتٌ معيَّنٌ ولا وقوفٌ بعرفة (أدّى عُمْرةَ رمضان- {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [قرآن]).
مُستعمَرَة [مفرد]:
1 - صيغة المؤنَّث لمفعول استعمرَ.
2 - [في الحيوان] مجموعة من الحيوانات ذات النَّوع الواحد كالحشرات أو عجول البحر ونحوها حيث تعيش معًا في عشيرة اجتماعيّة.
3 - [في الأحياء] مجموعة من الخلايا تعيش مجتمعة منغرزة في مادّة مخاطيّة.
4 - [في السياسة] مستوطنة، إقليم تحكمه دولةٌ أجنبيَّة يتوطَّنه أبناءُ تلك الدَّولة أو يُكتفى باستغلاله اقتصاديًّا أو عسكريًّا (كانت الجزائِرُ إحدى مستعمرات فرنسا- مستعمرة يهوديَّة).
مِعْمار [مفرد]:
1 - بناء وتشييد وما يَتعلّق بهما من مهن مكمّلة لهما كالطّلاء والزّخرفة والدّيكورات ونحوِها (عمَّال المِعمَار- هو من أكبر مهندسي المِعْمار في العالم).
2 - طراز معيَّن من البناء يتميّز بسمات محدّدة (تُعَدّ قُبَّة الصَّخرة تحفة من تحف المِعْمار الإسلاميّ- مِعْمار إغريقيّ/أوربّيّ).
* المعمار الرِّوائيّ/المعمار القصصيّ: [في الآداب] البناء الفنِّيّ للرواية أو القصّة.
مِعماريّ [مفرد]:
1 - اسم منسوب إلى مِعْمار: (خبير معماريّ) (*) الهندسة المعماريّة: هندسة خاصّة بفن تشييد الأبنية، وتنظيمها وزخرفتها- فنّ معماريّ: فنّ تشييد المنازل ونحوها، وتزيينها وِفق قواعد معيَّنة.
2 - [في الهندسة] مهندس يمارس مهنة البناء، ورسم الأبنية وتصميمها والإشراف على تنفيذها (خطّط المعماريّ لبناء القصر).
مُعمِّر [مفرد]: اسم فاعل من عمَّرَ.
مُعمِّر [جمع]: نبات يعيش سنوات طويلة.
معمور [مفرد]: اسم مفعول من عمَرَ/عمَرَ ب.
* المعمورة: العالم، كوكب الأرض (يتزايد سُكّان المعمورة بشكل ملحوظ) (*) في أقاصي المعمورة: في آخر الدنيا.
* البيت المعمور:
1 - البيت المأهول بالعبّاد والمصلِّين والطَّائفين {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} [قرآن].
2 - بيت في السَّماء السَّابعة يدخله كل يوم سبعون ألف مَلَك لا يعودون إليه حتى تقوم السَّاعة {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} [قرآن].
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
6-المعجم الوسيط (المِيطَاءُ)
[المِيطَاءُ]: ما انخفضَ من الأَرض بين النِّشاز والأَشُراف.المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
7-المعجم الوسيط (الوَطَاءُ)
[الوَطَاءُ] (بفتح الواو وكسرها): ما انخفضَ من الأَرض بين النِّشاز والأَشراف.المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
8-السياسة (السلطة التشريعية)
السلطة التشريعية:: تتلخص في اتخاذ و تعديل و إلغاء القوانين المنظمة لشؤون الدولة و حياة الفرد وظائفها التشريع و التمثيل و المداولة والإشراف و المراقبة و التحقيق وتعديل الدستور.السياسة
9-معجم متن اللغة (الوطاء ويفتح عند الكسائى)
الوطاء "ويفتح عند الكسائى": المهاد الوطئ.وقياس جمعه أوطئة.
و-: ما انخفض من الأرض بين النشاز والإشراف؛ وهو الوطء.
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
10-العباب الزاخر (شرف)
شرفالشَّرَفُ: العلو والمكان العالي، قال:
«آتي النَّديَّ فلا يُقَرَّبُ مجلسـي *** وأقود للشَّرَفِ الرفيع حِماري»
يقول: أني خرفتُ فلا ينتفع برأيي وكبرت فلا أستطيع أن أركب من الأرض حماري إلا من مكان عالٍ.
وقال ابن السكيت: الشَّرَفُ والمجد لا يكونان إلا بالآباء، والحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء.
وقال ابن دريد: الشَّرَفُ علو الحسب.
وشرف البعير: سَنَامهُ، قال:
«شَرَفٌ أجَبُّ وكاهل مجدول»
وعدا شَرَفًا أو شَرَفَيْنِ: أي شَوْطًا أو شَوْطينِ. وقال الفرّاء: الشَّرَفُ نحو ميل. ومنه حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: الخيل لثلاثة: لرجل أجرٌ ولرجلٍ سترٌ وعلى رجلٍ وزر، فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرجٍ أو روضةٍ؛ فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات؛ ولو أنه انقطع طيلها فاسْتَنَّتْ شَرَفًا أو شَرَفَيْنِ كانت له آثارها وأرواثها حسنات؛ ولو أنها مرت بنهرٍ فشربت منه ولم يرد أن يسقيهاكان ذلك حسنات له؛ فهي لذلك الرجل أجر، ورجل ربطها تغنِّيًا وتعفُّفًا ثم لم يَنْسَ حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك سِتر، ورجل ربطها فخرًا ورياءٍ ونِوَاء لأهل الإسلام فهي على ذلك وِزْرٌ. قال أسامة الهذلي يصف حمارا:
«إذا ما اشتأى شَرَفًا قُبْـلَـهُ *** وواكظ أوْشَكَ منه اقترابا»
قُبْلَهُ: تجاهه. وقال العجاج يصف عيرًا يطرد آتُنَه:
«وإن حداها شَرَفًا مُغَرِّبـا *** رَفَّةَ عن انفاسها وما ربا»
والشَّرَفُ: الإشْفَاءُ على خطر من خيرٍ أو شرٍ، يقال في الخير هو على شَرَفٍ من قضاء حاجته، ويقال في الشَّرِّ: هو على شَرَفٍ من الهلاك.
وقال ابن الأعرابي: الشَّرَفُ طين أحمر. ويقال للمَغْرَةِ: شَرَفٌ؛ وشَرْفٌ أيضًا.
وقال الليث: الشَّرَفُ شجر له صِبْغٌ أحمر. وقيل: هو دار بَرْنِيَانْ.
وقال ابن دريد: شَرَفُ الإنسان: أعلى جسمه.
وشَرَفُ الروحاء: قريب من المدينة على ساكنيها السلام.
وشَرَفٌ: جبل قرب جبل شُرَيْفٌ، وشُرَيْفٌ: أطول جبل في بلاد العرب.
وقال ابن السكيت: الشَّرَفُ كَبِدُ نجد، وكان من منازل الملوك من بني آكل المُرار من كِنْدَةَ، وفي الشَّرَفِ حِمى ضرية، وضرية بئر، وفي الشَّرَفِ الرَّبَذَةُ وهي الحِمى الأيمن.
والشَّرَفُ: من سواد إشبيلية.
وشَرَفُ البياض: من بلاد خولان من جهة صَعْدَةَ.
وشَرَفُ قِلْحَاحٍ: قلعة على جبل قِلْحاحٍ قرب زبيد.
والشَّرَفُ الأعلى: جبل آخر هنالك.
وشَرَفُ الأرطى: من منازل تميم.
والشَّرَفُ: الشُّرَفاءُ. وقيل للأعمش: لِمَ لَمْ تستكثر من الشَّعْبِيِّ؟ فقال: كان يحتقرني، كنت آتية مع إبراهيم؛ فيُرَحِّب به؛ ويقول لي: اقعد ثم أيها العبد، ثم يقول:
«لا نرفع العبد فوق سُنَّتِـه *** ما دام فينا بأرضنا شَرَفُ»
ورجل شَرِيفٌ من قوم شُرَفاءَ وأشْرَافٍ، وقد شَرُفَ -بالضم-؛ فهو شَرِيفٌ اليوم؛ وشارفٌ عن قليل؛ أي سيصير شَرِيفًا، ذكره الفرّاء.
وسهم شارِفٌ: إذا وُصِفَ بالعتق والقدم، قال أوس بن حجر يصف صائدًا.
«فيَسَّرَ سَهمًا راشَهُ بمـنـاكـب *** ظُهَارٍ لؤامٍ فهو أعجف شارِفُ»
والشَّارِفُ: المسنة من النوق، والجمع: الشَّوَارِفُ والشُّرْفُ مثال بازِلٍ وبُزْلٍ وعائذٍ وعُوْذٍ، ويجوز للشاعر تحريك الراء، قال تميم بن أُبَيِّ بن مقبل:
«قد كنت راعي أبكارٍ مُـنَـعَّـمَةٍ *** فاليوم أصبحت أرعى جِلةً شُرُفًا»
يقال: شَرَفَتِ الناقة وشَرُفَتْ.
وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: أتتكم الشُّرْفُ الجُوْنُ، قالوا: يا رسول الله وما الشُّرْفُ الجون؟ قال: فئن كأمثال الليل المُظلِمِ. ويروى: الشُّرقُ الجُوْنُ، يريد فتنًا طالعة من قبل المشرق.
وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-مصدقًا فقال: لا تأخذ من حزرات أنْفُسِ الناس شيئًا؛ خذ الشّارِفَ والبكر وذا العيب.
وفي حديث علي رضي الله عنه-: أصبتُ شارِفًا من مغنم بدرٍ؛ وأعطاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شارِفًا؛ فأنَخْتُهما ببابِ رجل من الأنصار؛ وحمزة -رضي الله عنه-في البيت ومعه قَيْنَةٌ تُغَنِّيه:
«ألا يا حمز للشُّرْفِ النِّـواءِ *** وهُنَّ مُعَقَّلاتٌ بالفِـنـاءِ»
«ضع السكين في اللبات منها *** وضَرِّجْهُنَّ حمزة بالدماء»
«وعجِّلْ من أطايبها لشـربٍ *** طعاما من قديرٍ أو شِوَاءِ»
فخرج إليهما فَجَبَّ ويروى-: فاجتنب اسْنِمَتَهما وبقر خواصرهما وأخذ أكبادهما، فنظرت إلى منظر أفظعني، فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- فخرج ومعه زيد بن حارثة رضي الله عنه- حتى وقف عليه وتغَيَّظَ، فرفع رأسه إليه وقال: هل أنتم إلا عبيد آبائي، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم- يُقَهْقِرُ.
والشّارفُ -أيضًا-: وعاء الخمر من خابيةٍ ونحوها.
وفي حديث ابن عباس -رضي اله عنهما-: أمِرْنا أن نبني المَسَاجد جُمًّا والمدائن شُرْفًا. الجُمُّ: التي لا شُرَفَ لها. والشُّرْفُ: التي لها شُرَفٌ.
والشّارُوْفُ: حَبْلٌ: وهو مولَّدٌ.
والشّارُوْفُ: المِكْنَسَةُ، وهو معرب جاروب، وأصله جاي رُوبْ: أي كانس الموضع.
وشَرَافِ -مثال قَطَامِ-: موضع، وقيل: ماءةٌ لبني أسدٍ. وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: ألا يكون بين شَرَافِ وأرض كذا وكذا جمّاءُ ولا ذاةُ قرنٍ، قيل: وكيف ذاك؟ قال: يكون الناس صلاماتٍ يضرب بعضهم رقاب بعض، وقال المُثَقِّبُ العبدي:
«مَرَرْنَ على شَرَافِ فذاة رجلٍ *** ونكبن الذَّرانح بـالـيمـين»
وبناؤه على الكسر هو قول الأصمعي، وأجراه غيره مجرى ما لا ينصرف من الأسماء، ويقال فيه شِرَافُ -بكسر الشين- غير مُجْرىً، فصار فيه ثلاث لغاتٍ. وهو بين واقصة والقَرْعاءِ، وقال الشَّمّاخُ:
«مرت بنفعي شَرَافٍ وهي عاصفة *** تخدي على يَسَرَاتٍ غير أعصال»
وشَرَفْتُه أشْرُفُه -بالضم-: أي غلبيته بالشَّرَفِ.
وكعب بن الأشرف: من رؤساء اليهود.
وقول بشير بن المعتمر.
«وطائرٌ أشرفُ ذو جُردةٍ *** وطائر ليس له وكـر»
الأشْرَفُ من الطير: الخفاش؛ لأن لأذنيه حجمًا ظاهرًا؛ وهو متجرد من الزغب والريش، وهو طائر يلد ولا يبيض. والطائر الذي ليس له وكر: طائر يُخبرُ عنه البحريون أنه لا يسقط إلا ريثما يجعل لبيضه أُفْحُوْصًا من تراب ويغطي عليه ثم يطير في الهواء وبيضه يتفقس من نفسه عند انتهاء مدته، فإذا أطاق فرخه الطيران كان كأبويه في عادتهما.
وفلان أشْرَفُ منه.
ومَنْكِبٌ أشْرَفُ: أي عالٍ.
وأُذُنٌ شَرْفَاءُ: أي طويلة.
ومدينة شَرْفاءُ: ذاة شُرَفٍ.
وشُرْفَةُ القصر -بالضم-: واحدة الشُّرَفِ. وفي حديث مولد النبي -صلى الله عليه وسلم-: ارتجس إيوان كسرى فسقطت منه أربع عشرة شُرْفَةً. وقد كتب الحديث بتمامه في تركيب و ب ذ.
وشُرْفَةُ المال: خياره.
ويقال: إني أعد إتيانكم شًرْفَةً وأرى ذلك شُرْفَةً: أي فضلا وشَرَفًا أتشرف به.
وشُرُفاتُ الفرس: هاديه وقَطَاتُه.
وإسحاق بن شرفى -مثال ضعفى-: من أصحاب الحديث.
والشُّرَيْفُ -مصغرًا-: ماء لبني نمير.
وقال ابن السكيت: الشُّرَيْفُ وادٍ بنجدٍ، فما كان عن يمينه فهو الشَّرَفُ، وما كان عن يساره فهو الشُّرَيْفُ، قال طُفَيْلٌ الغنوي:
«تبيت كعقبان الشُّرَيْفِ رجـالـه *** إذا ما نَوَوْا إحداث أمرٍ معطبِ»
وقال أبو وجزة السعدي:
«إذا تربعت ما بـين الـشُّـرَيْفِ إلـى *** روضِ الفلاح أُوْلاتِ السَّرْحِ والعُبَبِ»
ويروى: "الشّريْقِ:.
ويوم الشُّرَيْفِ: من أيامهم.
وقال ابن دريد: أُذُنُ شُرَافِيَّةٌ وشُفَارِيَّةٌ: إذا كانت عالية طويلة عليها شَعَرٌ.
وقال غيره: الشُّرَافيُّ: لون من الثياب أبيض.
وقال الأصمعي: الثوب الشُّرَافيُّ: الذي يُشترى مما شارَفَ أرض العجم من أرض العرب.
وناقة شُرَافِيَّةٌ: ضخمة الأُذنين جسيمة.
وأشْرَافُ الإنسان: أُذناه وأنفه، قال عدي بن زيد العبادي:
«كقصيرٍ إذ لم يجد غير أن جد *** دعَ أشْرافَهُ لِشُكْرٍ قصـير»
والشِّرْيافُ: ورق الزرع إذا طال وكثر حتى يخاف فساده فيقطع.
ومَشَارِفُ الأرض: أعاليها.
والسيوف المَشْرَفِيَّةُ: منسوبةٌ إلى مَشَارِفِ الشأْم، قال أبو عبيدة: هي قرى من أرض العرب تدنو من الريف، يقال: سيف مَشْرَفيُّ ولا يقال مَشَارِفيٌّ، لأن الجمع لا ينسب إليه إذا كان على هذا الوزن، لا يقال مَهَالِبيٌّ ولا جَعَافريٌّ ولا عَبَاقريٌّ، وقال كُثيِّر يمدح عبد الملك ن مروان:
«أحاطتْ يداه بالخلافة بعدمـا *** أراد رجال آخرون اغتيالها»
«فما تَرَكوها عنوة عن مَـوَدَّةٍ *** ولكن بحد المَشْرَفيِّ استقالها»
وقال رؤبة:
«والحرب عَسراء اللقاح المُغْزي *** بالمَشْرَفِيّاتِ وطعـنٍ وخـز»
وشَرِفَ الرجل -بالكسر-: إذا دام على أكل السَّنَام.
وأشْرَفْتُ المرْبَأَ: أي علوته، قال العجاج:
«ومربأ عالٍ لمن تَشَرَّفـا *** أشْرَفْتُهُ بلا شَفًا أو بِشَفا»
وأشْرَفْتُ عليه: أي اطلعت عليه من فوق، وذلك الموضع: مُشْرَفٌ. ومنه حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما جاءك من هذا المال وأن تغير مُشْرِفٍ له ولا سائل فخذه ومالا فلا تُتْبِعْه نفسك. أي وأنت غير طامع فيه ولا متطلع إليه.
وأشْرَفَ المريض على الموت: أي أشْفى عليه.
ويقال: ما يُشْرِفُ له شيء إلا أخذه.
ومُشْرِفٌ: رمل بالدهناء، قال ذو الرُّمَّة:
«إلى ظُعُنٍ يقرضن أجوازَ مُشْرِفٍ *** شمالًا وعن أيمانهن الفـوارس»
وقال أيضًا:
«رَعَتْ مُشْرِفًا فالأحبل العُفْرَ حولـه *** إلى رِمْثِ حُزْوى في عَوَازِبَ أُبَّلِ»
والإشْرَافُ: الشَّفَقَةُ، قال:
«ومن مضر الحمراء إشْرَافُ أنفسٍ *** علينا وحيّاها إلينـا تـمـضَّـرا»
وشَرَّفْتُ القصر وغيره تشريفًا: إذا جعلت له شُرَفًا.
وقال ابن الأعرابي في قوله:
«جمعتهما من أيْنُـقٍ غِـزار *** من اللوى شُرِّفْنَ بالصِّرَارِ»
ليس من الشَّرفِ، ولكن من التَّشْرِيفِ: وهو أن يكاد يقطع أخلافها بالصِّرارِ فيؤثر في الصِّرَارِ.
وشَرَّفَ الله الكعبة: من الشَّرَفِ.
ومُشَرَّفٌ: جبل، قال قيس بن عيزارة:
«فإنك لو عاليتـه فـي مُـشَـرَّفٍ *** من الصُّفْرِ أو من مُشْرِفاتِ التوائم»
قال أب عمرو: مُشَرَّف: جبل، والصُّفْرُ: السود. وقال غيره: أي في قصر ذي شُرَفٍ من الصُّفْرِ.
وتَشَرَّفْتُ: من الشَّرَفِ.
وتَشَرَّفْتُ المَرْبَأ: أي علوته، قال العجاج:
«ومربأٍ عالٍ لمن تَشَرَّفا»
وتُشُرِّفَ القوم: قُتِلَتْ أشْرافهم.
واسْتَشْرَفَني حقي: أي ظلمني، قال عدي بن زيد بن مالك بن عدي بن الرقاع:
«ولقد يخفض المجاور فيهـم *** غير مُسْتَشْرَفٍ ولا مظلومِ»
واسْتَشْرَفْتُ الشيء: إذا رفعت بصرك إليه وبسطت كفك فوق حاجبك كالذي يستظل من الشمس، ومنه قول الحسين بن مطير:
«فيا عجبا مني ومن حُبِّ قاتـلـي *** كأني أجْزِيه المودة من قتـلـي»
«ويا عجبا للناس يَسْتَشْرِفُـونَـنـي *** كأن لم يروا بعدي مُحِبًّا ولا قبلي»
وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ستكون فتنٌ القاعد فيها خيرٌ من القائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خيرٌ من السّاعي؛ مَنْ تَشَرَّفَ لها تَسْتَشْرِفْه؛ فمن وجد ملجأ أو معاذًا فليعذ به.
وفي الحديث: أمرنا أن نَسْتَشْرِفَ العين والأُذن. أي نتفقدهما ونتأملهما لئلا يكون فيهما نقص من عورٍ أو جدعٍ، وقيل: أن نطلبهما شَرِيفَتَيْنِ بالتمام والسلامة. وفي حديث أبي طلحة -رضي الله عنه-: إنه كان حَسَنَ الرمي فكان إذا رمى اسْتَشْرَفَه النبي -صلى الله عليه وسلم-لَيَنْظر إلى موقع نبله، قال:
«تطاللتُ فاسْتَشْرَفْتُهُ فرأيتـه *** فقلت له آأنتَ زيد الأرامل»
وشارَفْتُ الرجل: أي فاخرته أيُّنا أشْرَفُ.
وشارَفْتُ الشيء: أي أشْرَفْتُ عليه.
والاشْتِرَافُ: الانتصاب.
وفرس مُشْتَرِفٌ: أي مُشْرِفُ الخَلْقِ، قال جرير:
«من كل مُشْتَرِفٍ وإن بعد المدى *** ضرم الرَّقاق مناقل الأجرَالِ»
وشَرْيَفْتُ الزرع: قطعت شِرْيافَه.
والتركيب يدل على علو وارتفاع.
العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م
11-القاموس المحيط (ملأه)
مَلأَهُ، كَمَنَعَ، مَلْئًا ومَلْلأَةً، بالفتح والكسرِ،ومَلأَّهُ تَمْلِئَةً فامْتَلأَ وتَمَلأَّ، ومَلِئَ، كَسَمِعَ، وإنَّهُ لَحَسَنُ المِلأَةِ، (بالكسر)، لا التَّمَلُّؤِ، وهو مَلآْنُ، وهي مَلآْى ومَلآْنَةٌ، ج: مِلاءٌ.
والمُلاَءَةُ والمُلأْةُ والمُلاَءُ، بضمهنَّ: الزُّكامُ، من الامْتلاءِ، وقد مُلِئَ، كَعُنِي وكَرُمَ، وأمْلأَهُ اللَّه (فهو مَلآنُ)، ومَمْلُوءٌ نادِرٌ.
والمَلأُ، كَجَبَلٍ: التَّشَاوُرُ، والأشْرَافُ، والعِلْيَةُ، والجماعَةُ، والطَّمَعُ، والظَّنُّ، والقومُ ذَوُو الشَّارَة، والتَّجَمُّعُ، والخُلُقُ، ومنه: "أحْسِنُوا أمْلاءَكُمْ"، أي أَخْلاقَكُمْ. وكَغرابٍ: سَيْفُ سَعْدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ، وبهاءٍ: أُمُّ المُرْتَجِزِ، فَرسُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
والمِلاَءُ بالكسر،
والأَمْلِئَاءُ
بهمزتين،
والمُلاَءُ: الأغْنِيَاءُ المُتَمَوِّلُونَ، أو الحَسنُو القَضَاءِ منهم، الواحدُ: مَلِيءٌ، وقد مَلأَ كَمَنَعَ وكَرُمَ، مَلاَءَةً، ومَلاَءً عن كُراعٍ.
واسْتَمْلأَ في الدَّيْنِ: جَعَلَ دَيْنَهُ في مُلآءَ.
والمُلاْةُ، بالضم: رَهَلُ البعيرِ من طُولِ الحَبْسِ بعد السَّيْرِ.
والمُلاءَةُ، (بالضم) والمدِّ: الرَّيْطَةُ، ج: مُلاءٌ.
ومَلأَهُ على الأمرِ: ساعَدَه وشايَعَه،
كمالأه
وتَمَالَؤُوا عليه: اجتَمعوا.
والمِلْءُ، بالكسر: اسمُ ما يأخُذُهُ الإناءُ إذا امْتَلأَ، أَعْطِهِ مِلأْهُ ومِلأْيْهِ وثَلاثَةَ أمْلائِهِ. وبهاءٍ: هَيْئَةُ الامْتِلاءِ، ومصدرُ مَلأَهُ، والكِظَّةُ من الطعامِ.
وأمْلأَ في قَوْسِه،
وملأَّ: أغْرَقَ.
والمُمْلِئُ: شَاةٌ في بَطْنِهَا ماءٌ وأغْراسٌ، فَتَحْسِبُهَا حاملًا.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
12-القاموس المحيط (وطئه)
وطِئَهُ، بالكسر، يَطَؤُهُ: دَاسَه،كوَطَّأَهُ، وتَوَطَّأَهُ،
وـ المرأةَ: جامَعَهَا.
ووَطُؤَ، كَكَرُمَ، يَوْطُؤُ وَطاءَةً: صارَ وَطِيئًا، وَوَطَّأْتُهُ تَوْطِئَةً.
واسْتَوْطَأَهُ: وَجَدَه وَطِيئًا بَيِّنَ الوَطَاءَةِ والوُطُوأَةِ والطِّئَةِ والطَّأَةِ، كالجِعَةِ والجَعَةِ، أي: على حالة لَيِّنَةٍ.
وأوْطَأَهُ فَرَسَهُ: حَمَلَه عليه فَوطِئَهُ.
وأوْطَأَهُ العَشْوَةَ، وعَشْوَةً: أرْكَبَه على غَيْرِ هُدًى.
والوَطْأَةُ، الضَّغْطَةُ، أو الأخْذَةُ الشَّدِيدَةُ.
وموضِعُ القَدَمِ كالمَوْطَأ والمَوْطِئِ.
ووَطَأَهُ: هَيَّأَهُ، ودَمَّثَهُ وسَهَّلَهُ،
كوَطَّأَهُ في الكُلِّ فَاتَّطَأَ.
والوِطَاءُ، ككتابٍ وسَحابٍ، عن الكسائِيِّ: خلافُ الغِطاءِ.
والوَطْءُ والوَطَاءُ والمِيطَأُ: ما انْخَفَضَ من الأرضِ بَيْنَ النِّشازِ
والإشراف، وقد وطَّأَها اللَّهُ تعالى.
وواطَأَهُ على الأمْرِ: وافَقَه،
كتَوَاطَأَهُ. وتَوَطَّأَه. والوَطيئةُ، كَسفينةٍ: تَمْرٌ يُخْرَجُ نَواهُ ويُعْجَنُ بِلَبَنٍ، والأقِطُ بالسُّكَّرِ، والغِرارةُ فيها القَدِيدُ والكَعْكُ.
وواطَأَ في الشِّعْرِ، وأوْطَأَ فيه،
وأوْطَأَهُ، ووَطَّأَ، وآطَأَ وأطَّأَ: كَرَّرَ القافِيَةَ لَفْظًَا ومَعْنًى.
والوَطَأَةُ، مُحَرَكةً،
والواطِئةُ: السابِلَةُ.
واسْتَطَأَ كافْتَعَلَ: اسْتَقَام، وبَلَغَ نهايَتَه، وتَهَيَّأَ.
ورجُلٌ مُوَطَّأُ الأكافِ، كمُعَظَّمٍ: شَهْلٌ دَمِثٌ، كَرِيمٌ مِضْيافٌ، أو يَتَكَّنُ؟؟ في ناحِيَتِهِ صَاحِبُه غير مُؤْذىً ولانَابٍ به مَوْضِعُ.
ومُوَطَّأُ العَقِبِ: سُلْطَانٌ يُتَّبَعُ، وتُوطَأْ عَقِبُهُ.
وأوْطَؤُوهُمْ: جَعَلُوهُمْ يُوطَؤُونَ قَهْرًا وغَلَبَةً.
والواطِئَةُ: سُقَاطَةُ التَّمْرِ، فاعِلَةٌ بمعنى مَفْعُولة، لأنَّها تُوطَأُ.
وهُمْ يَطَؤُهُمْ الطَّرِيقُ: يَنْزِلُون بِقُرْبِه فَيَطَؤُهُمْ أهْلُه.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
13-القاموس المحيط (الورد)
الوَرْدُ منْ كُلِّ شَجَرةٍ: نَوْرُها، وغَلَبَ على الحَوْجَمِ،وـ من الخَيْلِ: بينَ الكُمَيْتِ والأَشْقَرِ،
ج: وُرْدٌ وَوِرادٌ وأورادٌ، وفِعْلُهُ: ككَرُمَ، والجَرِيءُ،
كالوارِدِ، والزَّعْفَرانُ، والأَسَدُ،
كالمُتَوَرِّدِ، وبِلا لامٍ: حِصْنٌ، وشاعِرٌ.
وأبو الوَرْدِ: الذَّكَرُ، وشاعِرٌ، وكاتِبُ المُغيرة، وأفْراسٌ لِعَدِيِّ بنِ عَمْرٍو الطائِيّ، ولِلهُذَيْلِ بن هُبَيْرَةَ، ولحارِثَةَ بنِ مُشَمِّتٍ العَنْبَرِيِّ، ولِعامِر بنِ الطُّفَيْلِ بنِ مالِكٍ، وبالكسرِ: من أسْماءِ الحُمَّى، أو هو يَوْمُها، والإِشْرافُ على الماءِ وغيرِهِ، دَخَلَهُ أو لم يَدْخُلْهُ،
كالتَّوَرُّدِ والاسْتِيرادِ، وهو وارِدٌ ووَرَّادٌ من وُرَّادٍ وَوارِدِينَ، والجُزْءُ من القرآنِ، والقَطيعُ من الطَّيْرِ، والجَيْشُ، والنَّصيبُ من الماءِ، والقومُ يَرِدونَ الماءَ، كالوارِدَةِ.
ووارَدَهُ: ورَدَ مَعَهُ.
والمَوْرِدَةُ: مَأْتاةُ الماءِ، والجادَّةُ، كالوارِدَةِ.
والوَريدانِ: عِرْقانِ في العُنُقِ، ج: أورِدَةٌ ووُرودٌ.
وعَشِيَّةٌ ورْدَةٌ: احْمَرَّ أُفُقُها.
ووقَعَ في ورْدَةٍ: هَلَكَةٍ.
وعَيْنُ الوَرْدَةِ: رأسُ عينٍ.
والأَورادُ: ع.
وورْدٌ وورَّادٌ ووَرْدانُ: أسماءٌ.
وبَناتُ ورْدانَ: دَوابُّ م.
وأورَدَهُ: أحْضَرَهُ المَوْرِدَ،
كاسْتَورَدَهُ.
وتَوَرَّدَ: طَلَبَ الوِرْدَ،
وـ البَلْدَةَ: دَخَلَها قليلًا.
وورَّدَتِ الشجَرَةُ تَوْريدًا: نَوَّرَتْ،
وـ المرأةُ: حَمَّرَتْ خَدَّها.
والوارِدُ: السابِقُ، والشُّجاعُ،
وـ من الشَّعَرِ: الطويلُ المُسْتَرْسِلُ.
ووارِدَةُ: د.
ووَرْدانُ: وادٍ، ومَوْلًى لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ومَوْلًى لعَمْرِو بنِ العاص،
وله سُوقُ ورْدانَ: بِمصْرَ.
وورْدانَةُ: ة بِبُخارَى.
والوَرْدانِيَّةُ: ة.
والوَرْدِيَّةُ: مَقْبُرَةٌ ببَغْدادَ.
وورْدَةُ: أُمُّ طَرَفَةَ الشاعِرِ.
ووارِداتُ: ع.
وفلانٌ وارِدُ الأَرْنَبَةِ، أي: طَويلُها.
وإيرادَّ الفَرسُ: صارَ ورْدًا، أصْلُها: إورادَّ، صارَ ياءً لكسرِ ما قَبْلَها.
والمُسْتَوْرِدُ بنُ شَدَّادٍ: صَحابيٌّ.
والزُّماوَرْدُ، (بالضم: طَعامٌ من البَيْضِ واللَّحْمِ)، مُعَرَّبٌ، والعامَّةُ يقولون: بَزْماوَرْدُ.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
14-القاموس المحيط (الشرط)
الشَّرْطُ: إلزامُ الشيءِ، والتِزَامُهُ في البيعِ ونحوِه،كالشَّريطَةِ
ج: شُرُوطٌ، وفي المَثَلِ: "الشَّرْطُ أمْلَكْ، عليكَ أمْ لَك"، وبَزْغُ الحَجَّامِ، يَشْرِطُ ويَشْرُطُ فيهما، والدُّونُ اللَّئيمُ السافِلُ
ج: أشْراطٌ، وبالتحريك: العلامَةُ
ج: أشْراطٌ، وكلُّ مَسِيلٍ صَغيرٍ يَجِيءُ من قَدْرِ عَشْرِ أذْرُعٍ، وأوَّلُ الشيءِ، ورُذالُ المالِ، وصِغارُها، والأَشْرافُ: أشْراطٌ أيضًا، ضِدٌّ.
والشَّرَطانِ، محركةً: نَجْمانِ من الحَمَلِ، وهُما قَرْناهُ، وإلى جانِبِ الشَّمالِيِّ كوكَبٌ صَغيرٌ، ومنهم من يَعُدُّه مَعَهُما، فيقولُ: هذا المَنْزِلُ ثلاثةُ كواكِبَ، ويُسَمِّيها الأَشْراطَ.
وأشرَطَ إبِلَهُ: أعْلَمَ أَنها للبيعِ،
وـ من إِبِلِهِ: أعَدَّ شيئًا للبيع،
وـ الرسولَ: أعْجَلَهُ،
وـ نفسَه لكذا: أعْلَمَها، وأعَدَّها.
والشُّرْطَةُ، بالضم: ما اشْتَرَطْتَ، يقالُ: خُذْ شُرْطَتَكَ، وواحِدُ الشُّرَطِ، كصُرَدٍ، وهُمْ أولُ كَتِيبَةٍ تَشْهَدُ الحَرْبَ، وتَتَهَيَّأ للمَوْتِ،
وطائِفَةٌ من أعوانِ الوُلاَةِ م، وهو شُرَطِيٌّ، كتُرْكِيٍّ وجُهَنِيٍّ، سُمُّوا بذلك، لأَنَّهُمْ أعْلَمُوا أنْفُسَهم بعَلاَماتٍ يُعْرَفُونَ بها.
وشَرِطَ، كسَمِعَ: وَقَع في أمْرٍ عَظيمٍ.
والشَّرِيطُ: خُوصٌ مَفْتُولٌ يُشَرَّطُ به السَّرِيرُ ونحوُه، وعَتِيدَةٌ تَضَعُ المرأةُ فيها طِيبها، والعَيْبَةُ،
وة بالجَزِيرَة الخَضْراءِ الأَنْدَلُسِيَّةِ، وبهاءٍ: المَشْقُوقَةُ الأُذُنِ من الإِبِلِ، والشاةُ أُثِّرَ في حَلْقِها أَثَرٌ يَسيرٌ كشَرْطِ المَحاجِمِ من غيرِ إفْراءِ أوْداجٍ، ولا إِنْهارِ دَمٍ. وكان يُفْعَلُ ذلك في الجاهِلِيَّةِ، يَقْطَعُونَ يسيرًا من حَلقِها، ويَجْعَلُونَه ذَكاةً لها. وفي الحديث: "لا تأكُلُوا الشَّريطَةَ". وكزُبيرٍ: والِدُ نُبَيْطٍ. وكصَبورٍ: جبلٌ.
والشِّرْواطُ، كسِرْداحٍ: الطويلُ، والجملُ السريعُ.
والمِشْرطُ والمِشْراطُ، بكسرهما: المِبضعُ.
ومشَارِيطُ الشيءِ: أوائِلُهُ، الواحدُ: مِشْراطٌ.
وأخَذَ للأمرِ مَشَارِيطَهُ: أُهْبَتَه.
وذُو الشَّرْطِ: عَدِيُّ بنُ جَبَلَةَ، شَرَطَ على قومِهِ أن لا يُدْفَنَ مَيِّتٌ حتى يَخُطَّ هو موضِعَ قَبْرِه.
واشْتَرَطَ عليه: شَرَطَ.
وتَشَرَّطَ في عَمَلِه: تأنَّقَ،
واسْتَشْرَطَ المالُ: فَسَدَ بعدَ
صَلاحٍ،
والغَنَمُ أشْرَطُ المالِ: أرْذَلُه، مُفاضَلَةٌ بلا فِعْلٍ، وهو نادِرٌ.
وشارَطَه: شَرَطَ كلٌّ منهما على صاحبه.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
15-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (سرا)
(سرا) - في حديث أم زرع: "فنكَحتُ بعده سَرِيًّا":: أي سَخِيًّا. والسَّروُ: سَخاء في مروءة أو جمع السَّرِى سَرَاةٌ على غير قياس، ولا نظيرَ له والفعل منه سَرَا وسَرِى، والسَّرِىّ من سَرُو.
- ومنه حديث عمر رضي الله عنه -: "أنه مرَّ بالنَّخَع فقال: أرى السَّرْوَ فيكم مُتَربِّعا "
: أي السّخاء متمكنا. والسَّرو: الشَّرَف، وما ارتفعَ مِن الجبل، وشَجَر معروف أيضا.
- ومنه حديثُ رِياح بنِ الحارثِ: "فصَعِدوا سَرْوًا ".
والسَّرو أيضا: مَحَلَّة حِمْيَر.
- وفي حديث عمر رضي الله عنه -: "سرَوَات حِمْير"
وهو ما انْحدر عن حُزونَةِ الجَبَل وارتَفَع عن الوادي.
- وفي الحديث: "فمَسَح سَراةَ البَعِيرِ وذِفْراه".
: أي رأسَه وسَنامَه.
وقيل: سَراةُ كل شيء: ظَهْرهُ وأَعْلاه.
- في الحديث: "يَرُدّ مُتسرِّيهم على قاعِدهِم".
المُتَسرِّى: الذي يخرج في السَّرِيَّة، ومعناه أن يخرج الجيش فَيُنِيخوا بقُرب دارِ العَدوّ، ثم تَنفَصِل منه سَرِيَّة، فيَغْنمون فإنهم يَردُّون ما غَنِموه على الجيش الذين هم رِدْء لهم، فأما الذين يخرجون من البَلَد فإنهم لا يَردُّون على المُقيمين في أوطانهم شيئا.
- في الحديث: "خير الرفقاء أربعة، وخير السَّرايَا أربعمائة، وخَيرُ الجيوش أَربعة آلاف ".
السَّرايَا: جمع سَرِيَّة، وهي خَيلٌ تَبلغُ ذلك العدد.
وسُئِل أبو العباس بن شُرَيحٍ عن معنى هذا الحديث، وقيل: إن خَمسةَ آلاف أكثر فقال: المعنى أنه إشارة إلى الأنواع الأربعة من الناس: الشُّيوخُ، والكُهولُ، والشُبَّان، والأَشرافُ. فأما الأَشراف ففيهم أَنَفَة من الهَرَب، والشُّيوخُ لهم تَجارِبُ في الحَرْب، والكُهولُ لهم ثبات في الحرب، والشُّبَّان لهم بِراز إلى الحرب، وقلَّ ما اجتمعت هذه الأنواع إلا غَلَبُوا.
وقيل: إنَّ تَخْصِيصَه الأربعة في الرُّفقَاء هو أن المسافر لا يخلو من
رَحْلٍ يَحْتَاج إلى حفْظِه، وحاجةٍ يحتاج إلى التَّردُّد فيها، فلو كانوا ثلاثة كان المُتَردَّدُ في الحاجة واحدًا فيتردد في السَّفَر بلا رفيق، فلا يخلو عن ضِيق القَلْب لِفَقْد أُنس الرفيق، ولو تَردَّد في الحاجة اثْنان لكان الحافِظُ للرَّحْلِ واحدًا، فلا يخلو عن الخَصْلة المذكورة، فإذًا فما دون الأرْبعة لا يَفى بالمقصود، وما فَوقَ الأربعة لا يُعتدُّ به؛ لأن الخامس زيادة ورَاءَ الحاجة، ومن استُغْنى عنه لا تُصَرف الهِمَّة إليه، فلا تَتِمّ المُرافَقَة معه، نَعَم في كثرة الرّفقاء فائدةُ الأمْن، ولكن الأربعة خير للرَّفاقة الخاصة لا للرَّفاقة العامة، فكم من رَفيق في الطريق عند كثرة الرفقاء لا يُكلَّم ولا يُخالط إلى آخر السفر للاستغناء عنه.
- في الحديث: "ثم تَبرُزون صَبيحةَ ساريةٍ".
: أي صَبيحةَ ليلةٍ فيها مَطَر، والسَّارية: سَحابةٌ تُمطِر ليلًا، ومَطْرة ليْلِيَّة أيضا. والسَّارِية: الأُسْطُوانة أيضا، وجَمعُها: سَوارٍ
- ومنه: "النّهى أن يُصَلَّى بين السَّواري"
يعني إذا كان في الجماعة لانقِطاعِ الصَّفِّ.
- في حديث الإفك: "فسُرِّى عنه"
: أي انْجلَت عنه الغَشْية التي لَحقَته وانكشف عنه الكَربُ الذي خامره.
يقال: سَروْت الثَّوبَ عن بَدني، والجُلَّ عن الدابة: نَزعتُ، وسريتُ أيضا: كَشَفْت.
المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م
16-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (صند)
(صند) - في الحديث: "صَنَادِيدُ قُريْش"يعني العُظَماءَ والأَشْرافَ، الواحِدُ صِنْدِيد.
- وفي حديث آخر: "أعوذ بك من صَنَادِيد القَدَر".
يعني الشَّدائِدَ والدَّوَاهِى، والوَاحِدَة الصِّندِيد. والصَّنْدَدُ: القَاهِرُ الغالبُ من كُلِّ شَىءٍ،
ومثله: الصِّنْتِيت من الصَّدِّ والصَتِّ، وهو الصَّدْم والقَهْر، لأنه يَصُدُّ مَنْ يُقَابِلُه ويَقْهَرُه.
المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م
17-المعجم الاشتقاقي المؤصل (حزز)
(حزز): الحَز -بالفتح: غامضٌ من الأرض ينقاد بين غليظين. والفَرضُ (نحت دقيق) في العُود والمسواك والعَظم (المستعمل) غيرُ طائل (أي غيرُ عميق) والتحزيز: كثرة الحزّ كـ أسنان المِنْجَل. والحزيز ما غلُظ وصلُب من جَلَد الأرض مع إشراف قليل ".° المعنى المحوري
شقٌّ دقيق غيرُ نافذ في شيء صلب (1) - كذلك الغامض
بين الغليظين وكفُروض العُود والمنجلِ والأسنانِ. والإشراف القليل للحزيز عما حوله يميزه منه كالانقطاع. ومن الشق أخِذَ القَطع "الحُزةُ -بالضم: ما قُطِعَ من اللحم طُولًا (وهذه الاستطالة تحقق الدقة فلا تكون القطعة غليظة).
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
18-المعجم الاشتقاقي المؤصل (رقب)
(رقب): {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]الرَقَبَة: العُنُق. والرَقُوبُ من الإبل والنساء: التي لا يبقى لها ولد. ورَقِيبُ النجم الذي يغيب بطلوعه مثلُ الثريا رقيبُها الإكليل لا يطلع أبدًا حتى تغيب... وكذلك بقيتها.
° المعنى المحوري
امتداد الشيء (إلى أعلى) مع دقةٍ (نحافة أو انفراد): كالرقبة تمتد دقيقة بالنسبة للبدن في رقبة الإنسان ورقبة الحيوانات، وكالرقيب الذي ينفرد دائمًا وكذلك الرَقوب. (ولها معان أخرى ترجع إلى الانفراد). قال تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] (أي رقاب الكفار المحاربين)، {فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ} [النساء: 92] أي مملوكٍ، من تسمية الشيء ببعضه. وكذلك كل كلمة (رقبة) وكلمة (رقاب) [في البقرة 177، والتوبة: 60].
ومن الحسّىّ: "ارتقب المكانُ: علا وأشرف "وهذا من الأصل إذ العالي ناتئ من الأرض دقيق ممسك بها. "ورَقَب الشيءَ (نصر): انتظره ورَصَده/ حرسه وحفظه "وهو من لازم العلو والإشراف على الأماكن، لأن المشرف مطَّلع على ما دونه. ثم إنهم كانوا يفعلون ذلك أي يصعدون على الأماكن المرتفعة للاطلاع ويسمونها مَراقب "فالرقيب الحارس الحافظ الذي يرتقب. والله عز وجل رَقيب: حافظ لا يغيب عنه شيء. {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] المتتبع للأمور/ الحافظ/ الشاهد [قر 17/ 11] (والمراد أنه مشاهِد وسامع ويعلم كل ما يجري ويسجله)، {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 117] وكذا معنى كل كلمة (رقيب). {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} [التوبة: 10، وكذا ما فيها 8]، (لا يعملون ولا يبالون بهما -كأنهم لا يلحظونهما) و "الترقب والانتظار "من لزوم النظر لرؤية ما يُتَوقع حدوثه أو مجيئه. "وكذلك الارتقاب " {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} [القصص: 21 وكذا. ما فيها 18]، أي يتَلَفَّت من الخوف ينْتَظر الطلب [قر 13/ 264]، {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] (انتظر)، {فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} [الدخان: 59] فانتظر النصر الذي وعدناك إنهم مرتقبون فيما يظنون الدوائر عليك [بحر 8/ 41]، {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه: 94] (لم تنتظر قولي).
و "الرُّقْبَى "معاملة جاهلية ترجع إلى المراقبة [ننظر في ل] وكذلك "الرقيب: السهم الثالث من قداح الميسر لأن له ثلاثة أنصباء إن فاز وعليه غرم ثلاثة إن لم يفز [ل]. وأرجح أنه من المراوحة بين النجم ورقيبه الذي ذكرناه في أول التركيب. إما هذا وإما ذاك.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
19-المعجم الاشتقاقي المؤصل (وطأ)
(وطأ): {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب: 27]وَطِئَ الشيءَ برجله: داسه بقدمه. والوِطَاء - ككتاب وسحاب: ما انخفض من الأرض بين النِشَاز والأَشْراف. والوَطْأة -بالفتح: موضع القدم وهي أيضًا كالضَغْطَة.
° المعنى المحوري
الدَوْس بثقل الحِمْل كله على الشيء ويلزم ذلك انخفاضه -كموضع القدم من ضَغْطِه، والوِطَاء منخفضةٌ كأنها ضغِطَت {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} المفسرون على أن (أورثكم) هنا وعد، أي أنه تعالى قضى بذلك. ثم عيّنها بعضهم: فارس والروم أو غير ذلك، وقيل كل أرض تفتح إلى يوم القيامة [ينظر قر 14/ 161، بحر 7/ 219] ومنه "الواطئة: المارّة والسابلة لوطئهم الطريق ". ومنه "وَطِئنا العدو بالخيل: دسناهم ".
ومنه استعمل الوطء في الغزو والقتل، لأن من وَطِئ الشيء برجله فقد استقصى في إهلاكه وإهانته {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الفتح: 25]. {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}
[التوبة: 120]. ومنه "وَطِئَ المرأة "كما قالوا وَقَع عليها. و "وطأ الفراش والمجلس - ض: مَهّده وذَلّله ودَيّثَه " (كأنه ضغط مرتفعاته وغَلْظَه فانخفض وسَهُل) "فِراشٌ وَطِيءٌ: لا يؤذي جَنْب النائم، والوِطَاء خلافُ الغِطاء (أي هو الفراش سمي كذلك لتمهيده) ومثله في "وَطَأ الفَرَس (وضع)، وطّأه - ض: دَمّثه ".
ومنه "واطأه على الأمر: وافقه كان كُلًّا منهما وطِيءَ ما وَطِئَه الآخر [ل] {لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: 37] كقولهم طابقه {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6] قُرِئَ وِطاءً - ككتاب لمواطأة السمع والبصر للقائم فيعي قلبُه. وأما "وَطْأ "فالمعنى القريب أنها أشق وأغلظ، لكن المراد أنها أجَدّ (من الجِدّ) وأثبت للعمل، لخلوها مما يشغل القلب، فهي أنفع لمن يؤديها، لأن المشقة ليست غاية، وإنما المراد استثارة النشاط والعزيمة، وأن ذلك الوقت أنسب لإحسان العبادة {وَأَقْوَمُ قِيلًا}.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
20-المعجم الجغرافي للسعودية (وهبير سيار)
وهبير سيار بنجد، ولعله الأول.قال المدائنيّ: خرج أعرابيّ من طيء إلى الشام إلى بنى عم له يطلب صلتهم فلم يعطوه طائلا، وعرضوا عليه الفرض فأبى، ثم قدم فنّسرين فأعطوه شيئا قليلا وقالوا: تفترض؟ فقال:
«أقمنا بقنّسرين ستّة أشهر***ونصفا من الشهر الّذي هو سابع »
«يؤمّون بي (موقان) أو يفرضون بي ***إلى (الرّيّ) لا يسمع بذالك سامع »
«ألا حبّذا مبدى هشام إذا بدا***لأرفاق زبد أودعته البرادع »
«وحنّت جنوب الأبرقين إلى اللّوى ***إلى حيث سالت بالهبير الدّوافع »
ثم خرج من الشام إلى العراق، فركب الفرات فخاف أهوالها فقال:
«وما زال صرف الدّهر حتّى رأيتني ***على سفن وسط الفرات بنا تجري »
«يصير بنا صار، ويجذف جاذف ***وما منهما إلّا مخوف على غدري “
ثم أتى الكوفة، وطلب من قومه فلم يصل إليه ما يريد فقال:
«رجعنا سالمين، كما بدأنا***وما خابت غنيمة سالمينا »
ثم قال ياقوت: وكانت موقعة للعرب بالهبير قديمة، قال حبيب بن خالد بن المضلّل الأسديّ:
«ألا ابلغ تميما على حالها***مقال ابن عمّ عليها عتب »
«غبنتم تتابع الأنبياء ***وحسن الجوار وقرب النّسب »
«فنحن فوارس يوم الهبير***ويوم الشّعيبة نعم الطّلب »
«فجئنا بأسراكم في الحبال ***وبالمردفات عليها العقب »
قال ابن الأعرابيّ: العقب: الجمال والصباحة.
وقال موزل ـ ما ملخصه ـ: يستعمل ياقوت اسم الهبير للدلالة على صحراء رملية، تحيط بمحطة زرود. ويذكر المقدسيّ في «أحسن التقاسيم» أن قبر العباديّ يقع في منتصف صحراء الهبير الرملية، الذي توجد كومة من الحجارة فوقه. وقبر العباديّ هو العشّار الحديث الواقع على بعد 120 كيلا إلى الشمال الشرقيّ من زرود، ولذلك يجب علينا أن نحدد موقع الهبير في صحراء الدهناء.
ثم يورد عن المسعودي في «التّنبيه والإشراف» أنّ أبا طاهر الجنّابيّ حاكم البحرين هاجم قافلة الحجاج في المحرم سنة 312 ه (924 م) بطريق عودتها من الحج بخمس مائة فارس و 600 رجل في أرض الهبير في اتّجاه الثعلبية. ويضيف: الهبير اسم لكثبان الدهناء الواقعة إلى الشمال من الثعلبية. انتهى.
ولا يزال اسم الهبير معروفا، يطلق على رمل ممتد شرق الأجفر، وفيه بئر تدعى الهبيرة في غربيه (ويقع الهبير بين درجتي الطول 00 ـ 43؟ و 45؟ ـ 43؟ ودرجتي العرض 30؟ ـ 27؟ و 30؟ ـ 28؟).
المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية-حمد الجاسر-صدر: 1398هـ/1978م
21-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (المارونية-النصرانية وما تفرع عنها من مذاهب)
المارونيةالتعريف:
المارونية، طائفة من طوائف النصارى الكاثوليك الشرقيين، قالوا بأن للمسيح طبيعتين ومشيئة واحدة، ينتسبون إلى القديس مارون ويعرفون باسم الموارنة متخذين من لبنان مركزًا لهم.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
تنتسب هذه الطائفة إلى القديس مارون الذي انعزل في الجبال والوديان مما جذب الناس إليه مشكِّلين طائفة عرفت باسمه، وكانت حياته في أواخر القرن الرابع الميلادي فيما كان موته حوالي سنة 410م بين أنطاكية وقورس.
وقع خلاف شديد بين أتباع مارون وبين كنيسة الروم الأرثوذكس مما اضطرهم إلى الرحيل عن أنطاكية إلى قلعة المضيق قرب أفاميا على نهر العاصي مشيدين هناك ديرًا يحمل اسم القديس مارون.
وقع كذلك خلاف آخر في المكان الجديد بينهم وبين اليعاقبة الأرثوذكس من أصحاب الطبيعة الواحدة عام 517م مما أسفر عن تهديم ديرهم فضلًا عن مقتل 350 راهبًا من رهبانهم.
خلال فترة الرحيل نالهم عطف الإمبراطور مرقيانوس الذي وسّع لهم الدير عام 452م. وعطف الإمبراطور يوستغيان الكبير 527-565م الذي أعاد بناء ديرهم بعد تهديم اليعاقبة له. وكذلك عطف الإمبراطور هرقل الذي زارهم سنة 628م بعد انتصاره على الفرس.
احتكم الموارنة واليعاقبة عام 659م إلى معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه – لإنهاء الخلاف بينهم، لكن الخصومة استمرت، إذ حدثت حروب انتقامية بين الطرفين مما أسفر عن هجرة الموارنة إلى شمالي لبنان وهو المكان الذي أصبح موطنًا لهم فيما بعد.
ظهر في موطنهم الجديد بلبنان القديس يوحنا مارون الذي يعتبر صاحب المارونية الحديثة ومقنن نظريتها ومعتقدها، وتتلخص سيرة حياته فيما يلي:
ولد في سروم قرب أنطاكية، وتلقى دراسته في القسطنطينية.
عين أسقفًا على البترون على الساحل الشمالي من لبنان.
أظهر معتقد الموارنة سنة 667م الذي يقول بأن في المسيح طبيعتين ولكن له مشيئة واحدة لالتقاء الطبيعتين في أقنوم واحد.
لم تقبل الكنائس النصرانية هذا الرأي، فدعوا إلى مجمع القسطنطينية الثالث الذي عقد سنة 680م وقد حضره 286 أسقفًا وقرروا فيه رفض هذه العقيدة وحرمان أصحابها ولعنهم وطردهم وتكفير كل من يذهب مذهبهم.
يعد يوحنا مارون أول بطريرك لطائفة الموارنة وبه يبدأ عهد البطاركة المارونيين.
تصدى بجيش من الموارنة لجيش قاده يوستغيان الثاني الذي أراد هدم معابدهم واستئصالهم إلا أن الموارنة هزموه في أميون مما أظهر أمرهم كأمة جبلية ذات شخصية مستقلة.
لقد تحايلت كنيسة روما بعد ذلك عليهم في سبيل تقريبهم منها حيث قام البطريرك الماروني أرميا العمشيتي بزيارة لروما حوالي سنة 1113م وعند عودته أدخل بعض التعديلات في خدمة القداس وطقوس العبادة وسيامة الكهنة.
ولقد زاد التقارب بينهما حتى بلغ في عام 1182م إعلان طاعتهم للكنيسة البابوية، أما في عام 1736م فقد بلغ التقارب حد الاتحاد الكامل معها فأصبحت الكنيسة المارونية بذلك من الكنائس الأثيرة لدى باباوات روما.
لقد كان لهم دور بارز في خدمة الصليبيين من خلال تقديمهم أدلاء لإرشاد الحملة الصليبية الأولى إلى الطرق والمعابر، وكذلك إرسالهم فرقة من النشابة المتطوعة إلى مملكة بيت المقدس.
لقد بلغ رجالهم القادرون على القتال 40.000 على ما ذكر مؤرخو الحروب الصليبية.
احتل الموارنة في الممالك التي شيدّها الصليبيون المرتبة الأولى بين الطوائف النصرانية متمتعين بالحقوق والامتيازات التي يتمتع بها الفرنجة كحق ملكية الأرض في مملكة بيت المقدس.
لويس التاسع كان أول صديق فرنسي لهم، إذ تقدم إليه عندما نزل إلى البر في عكا وفدٌ مؤلف من خمسة عشر ألف ماروني ومعهم المؤن والهدايا، وقد سلمهم بهذه المناسبة رسالة مؤرخة في 21/5/1250م فيها تصريح بأن فرنسا تتعهد بحمايتهم فقد جاء فيها: "ونحن مقتنعون بأن هذه الأمة التي تعرف باسم القديس مارون هي جزء من الأمة الفرنسية".
استمر هذا التعاطف من الغرب مع الموارنة في الأجيال التالية وذلك عندما أرسل نابليون الثالث فرقة فرنسية لتهدئة الجبل عام 1860م وكذلك بعد الحرب العالمية الأولى عندما صار لبنان تحت الانتداب الفرنسي.
تيوفيل (تيوفيلوس) بن توما من شمال سوريا، ماروني، كان يعمل منجِّمًا في قصر الخليفة العباسي المهدي 775-785م كما قام بترجمة إلياذة هوميروس.
المؤرخ اسطفانوس الدويهي المشهور، ماروني، توفي سنة 1704م.
البطريرك جرجس عميرة، ماروني، ألّف أول غراماطيق سرياني واضعًا قواعده باللاتينية تسهيلًا على المستشرقين دراسة هذه اللغة.
من مشاهيرهم يوسف حبيش وبولس مسعد ويوحنا الحاج والبطريرك إلياس الحويك.
ومن الأساقفة المطران جرمانوس فرحان ويوسف سمعان السمعاني ويوحنا حبيب ويوسف الدبس.
ومن بيوتاتهم المعروفة آل خازن ودحداح وحبيش والسعد وكرام والظاهر والبستاني والشدياق والنقاش والباز..
ومن زعاماتهم المعاصرة: آل جمَيِّل، وشمعون، وفرنجية، وإده..
من تنظيماتهم السياسية الحزبية العسكرية حاليًا: حزب الكتائب وحزب الأحرار.
منذ عام 1943م حتى اليوم استقر الأمر بأن يكون رئيس الجمهورية اللبنانية من الطائفة المارونية وذلك بموجب الميثاق الوطني الذي تم فيه الاتفاق شفويًا بين المسلمين والنصارى حول توزيع المناصب الرئيسية للدولة اللبنانية على مختلف الطوائف الدينية فيها.
الأفكار والمعتقدات:
أهم نقطة تميزهم عن بقية الطوائف النصرانية هو معتقدهم بأن للمسيح طبيعتين وله مشيئة واحدة وذلك لالتقاء الطبيعتين في أقنوم واحد.
عقيدة المشيئة الواحدة قال بها بطريرك الإمبراطور هرقل أيضًا 638م ليوفق بين عقيدة أصحاب الطبيعة الواحدة الذين يشكلون الأكثرية من رعاياه النصارى في سوريا وبين أصحاب العقيدة الأرثوذكسية للكنيسة البيزنطية، إلا أن هذه المحاولة لم تفلح في سد الثغرة بينهما.
يعتقدون أن خدمة القداس عندهم مأخوذة عن تلك الخدمة التي ينسبونها إلى القديس يعقوب، كما يعتقدون أن هذه الخدمة إنما هي أقدم خدمة في الكنيسة المسيحية إذ إن أصولها ترجع إلى العشاء الرباني الأخير.
ما تزال الكنيسة المارونية تحتفظ باللغة السريانية في القداس إلى يومنا هذا.
وما يزال الطابع السرياني ساريًا حتى في الكنائس التي تعترف بسلطة البابا.
منذ أوائل القرن الثالث عشر تم إدخال بعض التعديلات على الطقس الماروني القديم وذلك في عهد البابا انوسنت الثالث ليكون أكثر تلاؤمًا مع الطقس اللاتيني ومن ذلك:
تغطيس المعمود ثلاث مرات في الماء.
طلبة واحدة للثالوث.
تكريس الأحداث على أيدي المطارنة فقط.
لقد صار الكهنة يتبعون الزي اللاتيني في لبس الخواتم والقلنسوة التي تشبه التاج والعكاز.
استعمال الأجراس بدلًا من النواقيس الخشبية التي تستعملها سائر الكنائس الشرقية في الدعوة إلى القداس متبعة بذلك التقليد اللاتيني.
الجذور الفكرية والعقائدية:
الموارنة فرع عن الكاثوليك الشرقيين الذين هم بدورهم فرع عن النصرانية بشكل عام لذا فإن جذورهم هي نفس الجذور النصرانية.
يمتازون بالمحافظة الشديدة على تراثهم ولغتهم السريانية القديمة، وقد اقتربوا على مدار الزمن من الكنيسة البابوية بروما بعد إدخال عدد من التعديلات على الطقوس المارونية القديمة.
الانتشار ومواقع النفوذ:
البداية في أنطاكية، ومن بعدها رحلوا إلى قلعة المضيق، وأخيرًا صاروا إلى جبال لبنان موطنهم الحالي منذ النصف الثاني من القرن السابع الميلادي.
منذ القرن الخامس عشر الميلادي أصبح دير قنُّوبين شمالي لبنان فوق طرابلس المبني في صخر من صخور وادي قاديشا (أي المقدس) مقرًا للبطريركية المارونية، كما أصبحت بكركي المبنية فوق جونية المقر الشتوي حتى يومنا هذا، إذ لا يزال سيد بكركي. يلقب ببطريرك أنطاكية وسائر الشرق؛ ذلك لأنه مستقل عن سائر البطاركة الشرقيين، كما تخضع لإدارته مطارنة وأبرشيات وجمعياتٌ رهبانية مختلفة.
عندما استرد صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس غادر الملك غوي دي ليزنيان إلى قبرص فتبعه جمهور كبير من الموارنة، لوقوفهم إلى جانب الصليبيين إبان الاحتلال، مستوطنين هناك الجبل الذي يقع شمالي نيقوسيا.
لقد فرَّ كثير من الموارنة من لبنان بسبب الحروب والهجرة فوصلوا إلى تكريت وغيرها من المدن بين دجلة والفرات منذ القرن الثاني والثالث عشر، كما ذهب بعضهم تجاه سوريا الداخلية مستوطنين دمشق وحلب، وفريق ذهب إلى القدس وهبط بعضهم الآخر إلى مصر ورودس ومالطة، وهاجر آخرون إلى أمريكا وأفريقيا واندونيسيا وما يزال أغلبهم يعيشون في لبنان ولهم أكبر الأثر في توجيه السياسة اللبنانية المعاصرة.
ويتضح مما سبق:
أن المارونية طائفة من النصارى الكاثوليك الشرقيين، الذين كانوا دائمًا على خلاف مع معظم الطوائف الأرثوذكسية، لأنهم يقولون بأن للمسيح طبيعتين ومشيئة واحدة، وهم يتخذون من لبنان مركزًا لهم، وقد أعلنوا طاعتهم لبابا روما عام 1182م، وقد تعاونوا مع الفرنجة إبان الحروب الصليبية، ومنذ عام 1943م تم الاتفاق بين المسلمين والنصارى في لبنان، على أن يكون رئيس الدولة مارونيًا.
مراجع للتوسع:
- النصرانية والإسلام، المستشار محمد عزت إسماعيل الطهطاوي – مطبعة التقدم – مصر – 1977م.
- محاضرات في النصرانية، محمد أبو زهرة – ط3- مطبعة يوسف – مصر – 1385هـ/ 1966م.
- أضواء على المسيحية، محمد متولي شلبي – نشر الدار الكويتية – 1387هـ/1968م.
- تاريخ لبنان، د. فيليب حتى –ط2- دار الثقافة- بيروت – 1972م.
- خطط الشام، محمد كرد علي-ج6-ط2- دار القلم – بيروت – 1391هـ/ 1971م.
- مقارنة الأديان "المسيحية"، د. أحمد شلبي- ط5-النهضة المصرية – القاهرة- 1977م.
- تاريخ الطائفة المارونية، اسطفان الدويهي – طبع بيروت – 1890م.
- التواريخ القديمة من المختصر في أخبار البشر، لأبي الفداء – نشر فليشر – ليبسغ- 1831م.
- التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق، سعيد بن البطريق – نشر شيخو – الجزء الثاني – بيروت – 1909م.
- تاريخ مختصر الدول، ابن العبري – نشره أنطوان صالحاني – بيروت – 1890م.
- التنبيه والإشراف، للمسعودي – طبعة دي غويه – ليدن – 1983م.
- المحاماة عن الموارنة وقديسهم، أفرام الديراني – بيروت 1899م.
- تاريخ سورية، يوسف الدبس –ج5 بيروت – 1900م.
- الأديان المعاصرة، راشد عبد الله الفرحان – ط1- شركة مطبعة الجذور – الكويت – 1405هـ/1984م.
المراجع الأجنبية:
- W. Wright. Catalogue of Syriac Manuscripts in the British Museum (London, 1871).
- Edward Gibbon. The History of the Decline and Fall of the roman Empire. ed.J.Bury. Vol. V (London. 1898).
- A History of Deeds Done Beyond the Sea. Tr. Emily A. Babcock and A.C Krey (New York. 1943).
- Fausto (Murhij) Naironi. Dissertation de Origine, Nomineac religione Maronit arum (rome. 1679).
- Pierre Dib, Leglise Maronite, Vol. 1, (Paris, 1930).
- Bernard G.Al- Ghaziri. rone et Leglise Syrienne-Maronite (paris, 1906).
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م
22-معجم البلدان (بادوريا)
بادُورَيَا:بالواو، والراء، وياء، وألف: طسوج من كورة الاستان بالجانب الغربي من بغداد، وهو اليوم محسوب من كورة نهر عيسى بن علي، منها:
النّحّاسيّة والحارثية ونهر أرما وفي طرفه بني بعض بغداد، منه: القريّة والنّجمى والرّقّة، قالوا:
كل ما كان من شرقي السّراة فهو بادوريا وما كان في غربيها فهو قطربّل، قال أبو العباس أحمد بن محمد ابن موسى بن الفرات: من استقلّ من الكتّاب ببادوريا استقلّ بديوان الخراج ومن استقلّ بديوان الخراج استقلّ بالوزارة، وذاك لأن معاملاتها مختلفة وقصبتها الحضرة، والمعاملة فيها مع الأمراء والوزراء والقوّاد والكتّاب والأشراف ووجوه الناس، فإذا ضبط اختلاف المعاملات واستوفى على هذه الطبقات صلح للأمور الكبار، وقال يذكر بادوريا فعرّبها بتغييرين: كسر الراء ومد الألف، فقال:
«فداء أبي إسحاق نفسي وأسرتي، *** وقلت له نفسي فداء ومعشري»
«أطبت وأكثرت العطاء مسمّحا، *** فطب ناميا في نضرة العيش وأكثر»
«وأدّيت، في بادورياء ومسكن، *** خراجي وفي جنبي كنار ويعمر»
وقد نسب المحدّثون إليها أبا الحسن علي بن أحمد بن سعيد البادوربي، حدث عن مقاتل عن ذي النون
المصري، روى عنه ابن جهضم، وكان قد كتب عنه ببادوريا.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
23-معجم البلدان (فهلو)
فَهْلَو:بالفتح ثم السكون، ولام، ويقال فهله، قال حمزة الأصبهاني في كتاب التنبيه: كان كلام الفرس قديما يجري على خمسة ألسنة، وهي: الفهلوية والدّريّة والفارسية والخوزية والسريانية، فأما الفهلوية فكان يجري بها كلام الملوك في مجالسهم، وهي لغة منسوبة إلى فهله، وهو اسم يقع على خمسة بلدان: أصبهان والرّيّ وهمذان وماه نهاوند وأذربيجان، وقال شيرويه بن شهردار: وبلاد الفهلويين سبعة: همذان وماسبذان وقم وماه البصرة والصّيمرة وماه الكوفة وقرميسين، وليس الري وأصبهان والقومس وطبرستان وخراسان وسجستان وكرمان ومكران وقزوين والديلم والطالقان من بلاد الفهلويين، وأما الفارسية فكان يجري بها كلام الموابذة ومن كان مناسبا لهم وهي لغة أهل فارس، وأما الدرّية فهي لغة مدن المدائن وكان يتكلم بها من بباب الملك فهي منسوبة إلى حاضرة الباب والغالب عليها من بين لغات أهل المشرق لغة أهل بلخ، وأما الخوزية فهي لغة أهل خوزستان وبها كان يتكلم الملوك والأشراف في الخلاء وموضع الاستفراغ وعند التعرّي للحمام والأبزن والمغتسل، وأما السريانية فهي لغة منسوبة إلى أرض سورستان وهي العراق وهي لغة النبط، وذكر أبو الحسين محمد بن القاسم التميمي النسابة أن الفهلوية منسوبة إلى فهلوج بن فارس.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
24-موسوعة الفقه الكويتية (الفقه الإسلامي 4)
الْفِقْهُ الْإِسْلَامِيُّ-4تَعْرِيفُ «الْمَوْسُوعَةِ..»
47- تُطْلَقُ الْمَوْسُوعَةُ- أَوْ دَائِرَةُ الْمَعَارِفِ، أَوِ الْمُعَلِّمَةُ- عَلَى الْمُؤَلَّفِ الشَّامِلِ لِجَمِيعِ مَعْلُومَاتِ عِلْمٍ أَوْ أَكْثَرَ، مَعْرُوضَةً مِنْ خِلَالِ عَنَاوِينَ مُتَعَارَفٍ عَلَيْهَا، بِتَرْتِيبٍ مُعَيَّنٍ لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى خِبْرَةٍ وَمُمَارَسَةٍ، مَكْتُوبَةً بِأُسْلُوبٍ مُبَسَّطٍ لَا يَتَطَلَّبُ فَهْمُهُ تَوَسُّطَ الْمُدَرِّسِ أَوِ الشُّرُوحَ، بَلْ يَكْفِي لِلِاسْتِفَادَةِ مِنْهَا الْحَدُّ الْأَوْسَطُ مِنْ الثَّقَافَةِ الْعَامَّةِ مَعَ الْإِلْمَامِ بِالْعِلْمِ الْمَوْضُوعَةِ لَهُ، وَلَا بُدَّ مَعَ هَذَا كُلِّهِ مِنْ تَوَافُرِ دَوَاعِي الثِّقَةِ بِمَعْلُومَاتِهَا بِعَزْوِهَا لِلْمَرَاجِعِ الْمُعْتَمَدَةِ، أَوْ نِسْبَتِهَا إِلَى الْمُخْتَصِّينَ الَّذِينَ عُهِدَ إِلَيْهِمْ بِتَدْوِينِهَا مِمَّنْ يُطْمَأَنُّ بِصُدُورِهَا عَنْهُمْ.
فَخَصَائِصُ (الْمَوْسُوعَةِ) الَّتِي تُوجِبُ لَهَا اسْتِحْقَاقَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ هِيَ: الشُّمُولُ، وَالتَّرْتِيبُ السَّهْلُ، وَالْأُسْلُوبُ الْمُبَسَّطُ، وَمُوجِبَاتُ الثِّقَةِ.
وَيَتَبَيَّنُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ التَّوْضِيحِيِّ الْعَامِّ أَنَّ «الْمَوْسُوعَةَ الْفِقْهِيَّةَ» هِيَ مَا كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخَصَائِصُ، وَأَنَّ أَسَاسَ التَّرْتِيبِ فِيهَا هُوَ الْمُصْطَلَحَاتُ الْمُتَدَاوَلَةُ فِي الْفِقْهِ (وَهِيَ الْكَلِمَاتُ الْعُنْوَانِيَّةُ لِأَبْوَابِهِ وَمَسَائِلِهِ الْمَشْهُورَةِ)، وَالَّتِي تُرَتَّبُ أَلِفْبَائِيًّا لِتَمْكِينِ الْمُخْتَصِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوُصُولِ لِمَظَانِّ الْبَحْثِ، وَإِنَّ مُوجِبَاتِ الثِّقَةِ هِيَ بَيَانُ الْأَدِلَّةِ وَالْعَزْوُ لِلْمَرَاجِعِ الْأَصْلِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّنْسِيقِ بَيْنَ جَمِيعِ مَعْلُومَاتِهَا بِمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ التَّرَابُطُ وَالتَّكَامُلُ وَالْبَيَانُ الْمُتَكَافِئُ.
فَهِيَ إِذَنْ غَيْرُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ: الْمُدَوَّنَاتِ، أَوِ الْمُطَوَّلَاتِ، أَوِ الْمَبْسُوطَاتِ، أَوِ الْأُمَّهَاتِ مِنْ كُتُبٍ فِقْهِيَّةٍ لَمْ تُرَاعَ فِيهَا جَمِيعُ الْخَصَائِصِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا، وَإِنَّ وُجُودَ خَصِيصَةٍ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرَ، بِالْقَصْدِ أَوِ التَّوَافُقِ، وَلَا سِيَّمَا شُمُولُ قَدْرٍ كَبِيرٍ مِنْ الْمَادَّةِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُوَثَّقَةِ، هُوَ الَّذِي يُسِيغُ إِطْلَاقَ اسْمِ الْمَوْسُوعَاتِ عَلَيْهَا، مِنْ بَابِ التَّجَوُّزِ لَا الْحَقِيقَةِ، لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إِلَى أَهَمِّ الْخَصَائِصِ: اتِّخَاذُ الْمُصْطَلَحَاتِ الْمُرَتَّبَةِ أَسَاسًا لِلْبَحْثِ فِيهَا، فَضْلاً عَنْ سُهُولَةِ الْأُسْلُوبِ وَإِطْلَاقِ الْحُدُودِ لِلْبَيَانِ الْمُتَنَاسِقِ.
وَالْفِقْهُ الْإِسْلَامِيُّ غَنِيٌّ بِأَمْثَالِ تِلْكَ الْمَرَاجِعِ الَّتِي إِنْ خُدِمَتْ بِفَهَارِسَ تَحْلِيلِيَّةٍ كَانَتْ بِمَثَابَةِ مَوْسُوعَاتٍ مَبْدَئِيَّةٍ لِمَذْهَبٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَهِيَ بِهَذِهِ الْخِدْمَةِ سَتَكُونُ مِمَّا يُوَطِّئُ لِلْمَوْسُوعَةِ وَيَسُدُّ الْفَرَاغَ إِلَى حِينٍ.
أَهْدَافُ الْمَوْسُوعَةِ الْفِقْهِيَّةِ:
48- فَضْلاً عَمَّا فِي إِصْدَارِ الْمَوْسُوعَةِ الْفِقْهِيَّةِ مِنْ إِثْرَاءٍ لِلْمَكْتَبَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِبُحُوثٍ تَتَّصِفُ بِجِدَّةِ الصِّيَاغَةِ وَمُعَالَجَةِ الْمَوْضُوعَاتِ بِتَعَمُّقِ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ، وَبِجَهْدٍ جَمَاعِيٍّ تَتَلَاقَحُ فِيهِ الْأَفْكَارُ وَالْأَنْظَارُ قَبْلَ إِخْرَاجِهِ لِلنَّاسِ، فَإِنَّهَا هِيَ السَّبِيلُ لِتَوْفِيرِ الْوَقْتِ عَلَى الْمُخْتَصِّينَ- وَغَيْرِهِمْ بِالْأَحْرَى- فِي التَّعَمُّقِ بِدِرَاسَاتِهِمُ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا سِيَّمَا فِي التَّعْلِيمِ الْعَالِي وَالْقَضَاءِ وَالتَّشْرِيعِ، وَفِي إِحْيَاءِ التُّرَاثِ الْفِقْهِيِّ وَتَرْشِيحِهِ لِلدِّرَاسَاتِ الدُّوَلِيَّةِ الْحُقُوقِيَّةِ الْمُقَارَنَةِ (وَهُوَ الْهَدَفُ التَّارِيخِيُّ لِبُزُوغِ فِكْرَةِ الْمَوْسُوعَةِ).
وَبِالْمَوْسُوعَةِ تَسْهُلُ الْعَوْدَةُ إِلَى الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِاسْتِنْبَاطِ الْحُلُولِ الْقَوِيمَةِ مِنْهَا لِمُشْكِلَاتِ الْقَضَايَا الْمُعَاصِرَةِ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ الْإِقْبَالِ الْعَامِّ عَلَى تَطْوِيرِ التَّشْرِيعَاتِ بِاسْتِمْدَادِهَا مِنْ الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ أَيْضًا وَسِيلَةٌ لِلْإِلْمَامِ بِأَحْكَامِ الدِّينِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى مَا اسْتَنْبَطَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِتَنْظِيمِ جَمِيعِ شُئُونِ الْحَيَاةِ، وَلِهَذَا أَعْظَمُ الْأَثَرِ فِي الْفَلَاحِ وَالْفَوْزِ بِرِضَا اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَالْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ.
وَبِإِنْجَازِ الْمَوْسُوعَةِ يَتَحَقَّقُ لِلْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ مُوَاكَبَةُ مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ الْعُلُومُ وَالْمَعَارِفُ مِنْ تَطْوِيرٍ فِي الشَّكْلِ وَالْأُسْلُوبِ، فَيَجْمَعُ إِلَى أَصَالَةِ مَضْمُونِهِ وَغَزَارَةِ تُرَاثِهِ جَمَالَ الْإِخْرَاجِ وَسُهُولَةَ التَّرْتِيبِ، وَذَلِكَ لِتَدَارُكِ الْفَجْوَةِ الَّتِي حَدَثَتْ بِالتَّطَوُّرِ السَّرِيعِ فِي عَالَمِ النَّشْرِ وَعَرْضِ الْمَعْلُومَاتِ بِطُرُقٍ تَجْمَعُ بَيْنَ السُّهُولَةِ وَتَحْقِيقِ السُّرْعَةِ.
تَارِيخُ الْمَوْسُوعَةِ الْفِقْهِيَّةِ:
49- إِصْدَارُ الْمَوْسُوعَةِ الْفِقْهِيَّةِ أَمَلٌ إِسْلَامِيٌّ قَدِيمٌ وَمُتَجَدِّدٌ، فَقَدْ تَطَلَّعَ إِلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُهْتَمِّينَ بِنَهْضَةِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، عَلَى تَفَاوُتٍ فِي وُضُوحِ الْفِكْرَةِ وَالطَّرِيقَةِ الْمُقْتَرَحَةِ.
غَيْرَ أَنَّ أَهَمَّ النِّدَاءَاتِ الَّتِي تَرَدَّدَتْ لِإِنْجَازِ هَذَا الْمَشْرُوعِ الْعِلْمِيِّ الْمُبْتَكَرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْفِقْهِ تَمَثَّلَ فِي النِّدَاءِ الصَّادِرِ عَنْ مُؤْتَمَرِ أُسْبُوعِ الْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ فِي بَارِيسَ 1370 هـ (1951 م) وَاشْتَرَكَ فِيهِ ثُلَّةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ. فَكَانَ بَيْنَ تَوْصِيَاتِهِ الدَّعْوَةُ إِلَى تَأْلِيفِ مَوْسُوعَةٍ فِقْهِيَّةٍ تُعْرَضُ فِيهَا الْمَعْلُومَاتُ الْحُقُوقِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ وَفْقًا لِلْأَسَالِيبِ الْحَدِيثَةِ وَالتَّرْتِيبِ الْمُعْجَمِيِّ.
وَفِي 1375 هـ (1956 م) كَانَتْ بِدَايَةُ الْمُحَاوَلَاتِ الرَّسْمِيَّةِ لِإِبْرَازِ هَذَا الْقَرَارِ التَّارِيخِيِّ الْعَالَمِيِّ إِلَى حَيِّزِ الْوَاقِعِ مِنْ قِبَلِ لَجْنَةٍ مُلْحَقَةٍ بِكُلِّيَّةِ الشَّرِيعَةِ فِي جَامِعَةِ دِمَشْقَ مُكَوَّنَةٍ بِمَرْسُومٍ جُمْهُورِيٍّ، تَمَّ تَعْزِيزُهُ بَعْدَ الْوَحْدَةِ السُّورِيَّةِ الْمِصْرِيَّةِ بِقَرَارٍ جُمْهُورِيٍّ. فَصَدَرَ عَامَ 1381 هـ (1961 م) جُزْءٌ يَتَضَمَّنُ نَمَاذِجَ مِنْ بُحُوثِ الْمَوْسُوعَةِ- لِتَلَقِّي الْمُلَاحَظَاتِ- كَتَبَهَا فُقَهَاءُ مِنْ الْبَلَدَيْنِ ثُمَّ صَدَرَ عَنْ الْمَوْسُوعَةِ بَعْدَئِذٍ فِي سُورِيَّةَ بَعْضُ الْأَعْمَالِ التَّمْهِيدِيَّةِ كَمُعْجَمِ فِقْهِ ابْنِ حَزْمٍ، وَدَلِيلِ مَوَاطِنِ الْبَحْثِ عَنْ الْمُصْطَلَحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ.
أَمَّا فِي مِصْرَ، فَإِنَّ فِكْرَةَ الْمَوْسُوعَةِ الَّتِي احْتَضَنَتْهَا وَزَارَةُ الْأَوْقَافِ عَامَ 1381 هـ (1961 م) بَيْنَ لِجَانِ الْمَجْلِسِ الْأَعْلَى لِلشُّئُونِ الْإِسْلَامِيَّةِ صَدَرَ أَوَّلُ أَجْزَائِهَا 1386 هـ وَبَلَغَتْ (15) جُزْءًا وَلَا تَزَالُ فِي مُصْطَلَحَاتِ الْهَمْزَةِ، وَهِيَ لَيْسَتْ كُلَّ مَا أَنْجَزَتْهُ فَإِنَّ النَّشْرَ يَتَأَخَّرُ فِي مَسِيرَتِهِ عَنْ الْإِنْجَازِ.
وَفِي 1386 هـ (1967 م)- وَمَعَ ظُهُورِ الْحَاجَةِ إِلَى تَكَاتُفِ الْجُهُودِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِضَمَانِ إِنْجَازِ هَذَا الْمَشْرُوعِ فِي أَيِّ قُطْرٍ إِسْلَامِيٍّ مُقْتَدِرٍ بِالْمَالِ أَوِ الرِّجَالِ- احْتَضَنَتْ وَزَارَةُ الْأَوْقَافِ وَالشُّئُونِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي دَوْلَةِ الْكُوَيْتِ هَذَا الْمَشْرُوعَ، بِاعْتِبَارِهِ مِنْ الْفُرُوضِ الْكِفَائِيَّةِ الَّتِي يَتِمُّ بِهَا وَاجِبُ تَقْدِيمِ الْفِقْهِ بِالصُّورَةِ الْعَصْرِيَّةِ الدَّاعِيَةِ لِتَعَلُّمِهِ وَالْمُيَسِّرَةِ لِلْعَمَلِ بِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْقِيَامِ بِهِ لِاغْتِنَامِ الْفَضْلِ وَالْأَجْرِ، وَإِسْقَاطِ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْمَسْئُولِيَّةِ عَنْ الْأُمَّةِ كَافَّةً.
وَمِمَّا لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ هُنَا أَنَّهُ لَا ضَيْرَ مِنْ تَعَدُّدِ الْجُهُودِ فِي خِدْمَةِ الْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ؛ لِافْتِقَارِهِ الشَّدِيدِ فِي مَجَالِ الْعَرْضِ الْحَدِيثِ وَالْإِخْرَاجِ الْفَنِّيِّ. وَمِنْ الْمَلْحُوظِ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ نَتَاجِ الْمَوْسُوعَاتِ الثَّلَاثِ الْقَائِمَةِ (فِي سُورِيَّةَ وَمِصْرَ وَالْكُوَيْتِ) أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهَا وُجْهَةً تَسْعَى مِنْ خِلَالِهَا إِلَى إِغْنَاءِ الْفِقْهِ فِي مَجَالٍ، أَوْ بِطَرِيقَةٍ غَيْرِ مَا تَسْعَى إِلَيْهِ الْأُخْرَى، وَإِنَّ فِي هَذَا التَّنَوُّعِ مَا يَفِي بِالْحَاجَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ وَأَلْوَانِ الْعِنَايَةِ بِالْفِقْهِ وَتَقْرِيبِهِ إِلَى طَالِبِيهِ.
مَرَاحِلُ مَشْرُوعِ الْمَوْسُوعَةِ الْفِقْهِيَّةِ فِي الْكُوَيْتِ:
(أَوَّلاً): الدَّوْرَةُ السَّابِقَةُ لِلْمَشْرُوعِ:
50- اسْتَمَرَّ الْعَمَلُ فِي مَشْرُوعِ الْمَوْسُوعَةِ الْفِقْهِيَّةِ فِي دَوْرَتِهِ الْأُولَى خَمْسَ سَنَوَاتٍ، تَمَّ فِيهَا وَضْعُ الْخُطَّةِ وَصُنْعُ مُعْجَمٍ فِقْهِيٍّ مُسْتَخْلَصٍ مِنَ «الْمُغْنِي» لِابْنِ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيِّ، وَكِتَابَةُ خَمْسِينَ بَحْثًا مُتَفَاوِتَةً فِي الْكَمْيَّةِ وَالنَّوْعِيَّةِ، نُشِرَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فِي طَبْعَةٍ تَمْهِيدِيَّةٍ لِتَلَقِّي الْمُلَاحَظَاتِ. وَقَدْ انْتَهَتْ هَذِهِ الدَّوْرَةُ أَوَاخِرَ عَامِ 1971 م، ثُمَّ تَلَتْهَا فَتْرَةُ تَرَيُّثٍ قَطَعَتْهَا الْمُبَاشَرَةُ فِي عَامِ 1975 بِبَعْضِ الْأَعْمَالِ التَّحْضِيرِيَّةِ وَالِاتِّصَالَاتِ بِالْمُخْتَصِّينَ لِحَشْدِ الطَّاقَاتِ وَتَجْمِيعِ الْجُهُودِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِمُوَاصَلَةِ هَذَا الْمَشْرُوعِ، وَظَلَّ ذَلِكَ خِلَالَ الْعَامَيْنِ التَّالِيَيْنِ لِجَمْعِ الِاقْتِرَاحَاتِ وَدِرَاسَتِهَا بِقَصْدِ الْوُصُولِ إِلَى الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى لِاسْتِئْنَافِ الْعَمَلِ؛ اسْتِجَابَةً لِلْمَطَالِبِ الْإِسْلَامِيَّةِ- مِنْ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ- بِمُوَاصَلَةِ السَّيْرِ فِي إِنْجَازِهِ. وَلِهَذَا تَمَّ وَضْعُ تَقْرِيرٍ مُفَصَّلٍ عَنْ الْمَشْرُوعِ وَخُطُوَاتِهِ السَّابِقَةِ وَإِنْجَازَاتِهِ وَاحْتِيَاجَاتِهِ، ثُمَّ صَدَرَ قَرَارُ اسْتِئْنَافِهِ وَرَافَقَ ذَلِكَ إِجْرَاءَاتٌ عَدِيدَةٌ، أَهَمُّهَا:
أ- الِاتِّصَالُ ثَانِيَةً بِالْجِهَاتِ الْعِلْمِيَّةِ الْمَعْنِيَّةِ بِالْفِقْهِ وَالدِّرَاسَاتِ وَالشُّئُونِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي قَدَّمَتْ مُقْتَرَحَاتِهَا وَوَضَعَتْ إِمْكَانَاتِهَا لِلتَّعَاوُنِ وَالْعَمَلِ الْمُشْتَرَكِ، وَذَلِكَ لِتَجْنِيدِ الطَّاقَاتِ الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي تَنْتَسِبُ إِلَيْهَا.
ب- اخْتِيَارُ تِسْعَةِ نَمَاذِجَ أُخْرَى مِنْ الْبُحُوثِ السَّابِقَةِ لِنَشْرِهَا فِي طَبْعَةٍ تَمْهِيدِيَّةٍ، عَلَى نَمَطِ النَّمَاذِجِ الثَّلَاثِ الْمَنْشُورَةِ فِي الدَّوْرَةِ الْأُولَى، وَذَلِكَ لِتَلَقِّي الْمَزِيدِ مِنْ الْمُلَاحَظَاتِ، وَلِلْإِعْلَامِ الْفِعْلِيِّ عَنْ اسْتِئْنَافِ الْمَشْرُوعِ.
(ثَانِيًا) الدَّوْرَةُ الْحَالِيَّةُ لِلْمَشْرُوعِ:
51- بَدَأَتْ مَرْحَلَةُ التَّخْطِيطِ الْجَدِيدِ لِلْمَوْسُوعَةِ بِتَشْكِيلِ اللَّجْنَةِ الْعَامَّةِ لِلْمَوْسُوعَةِ الْفِقْهِيَّةِ بِالْقَرَارِ الْوِزَارِيِّ رَقْمِ 8: 77 بِتَارِيخِ 11 رَبِيعٍ الْأَوَّلِ 1397 هـ الْمُوَافِقِ 1: 3: 1977 م وَالَّتِي يَرْأَسُهَا وَزِيرُ الْأَوْقَافِ وَالشُّئُونِ الْإِسْلَامِيَّةِ فَضْلاً عَنْ ثَمَانِيَةِ أَعْضَاءٍ مِنْ كِبَارِ الْإِدَارِيِّينَ فِي الْوَزَارَةِ وَبَعْضِ الْخُبَرَاءِ الْمُخْتَصِّينَ فِي الْفِقْهِ وَبَعْضِ الْمُسْتَشَارِينَ الْعَامِلِينَ فِي مَجَالِ الْقَضَاءِ. وَقَدْ تَوَالَتِ اجْتِمَاعَاتُهَا مُنْذُ ذَلِكَ التَّارِيخِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِتَقْوِيمِ نَتَاجِ الدَّوْرَةِ السَّابِقَةِ وَوَجْهِ الِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ لِلدَّوْرَةِ الْجَدِيدَةِ، وَالْإِشْرَافِ عَلَى تَنْفِيذِ مَا تُصْدِرُهُ مِنْ قَرَارَاتٍ وَتَوْصِيَاتٍ وَالْعَمَلِ لِتَوْفِيرِ الْمُتَطَلَّبَاتِ. وَمِنْ أَبْرَزِ مَا بَدَأَتْ بِهِ اللَّجْنَةُ الْعَامَّةُ:
أ- وَضْعُ خُطَّةٍ مُنَقَّحَةٍ لِلْكِتَابَةِ، وَخُطَطٍ أُخْرَى عِلْمِيَّةٍ لِلْأَعْمَالِ الْمَوْسُوعِيَّةِ لِضَمَانِ الْجَوْدَةِ وَالتَّنْسِيقِ.
ب- الْإِفَادَةُ مِنْ رَصِيدِ الدَّوْرَةِ السَّابِقَةِ بِتَبَنِّي مَا أَمْكَنَ مِنْهُ بَعْدَ إِخْضَاعِهِ لِدِرَاسَةٍ أَوَّلِيَّةٍ لِتَقْوِيمِهِ وَمُطَابَقَتِهِ لِلْخُطَّةِ الْمُنَقَّحَةِ.
وَقَدْ رَأَتِ اللَّجْنَةُ الْعَامَّةُ الِاكْتِفَاءَ بِالنَّمَاذِجِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّتِي تَمَّ نَشْرُهَا فِي طَبْعَةٍ تَمْهِيدِيَّةٍ لِأَنَّهَا أَدَّتْ مُهِمَّتَهَا، وَلِتَوْفِيرِ الزَّمَنِ لِلْعَمَلِ النِّهَائِيِّ وَتَكْثِيفِ الْجُهُودِ لِلْإِنْتَاجِ الْجَدِيدِ، وَاسْتُعِيضَ عَنْ تَلَقِّي الْمُلَاحَظَاتِ (الْمُتَوَقَّعِ مِنْهَا) بِالْتِزَامِ إِجْرَاءِ مُرَاجَعَةٍ خَارِجِيَّةٍ لِلْبُحُوثِ الْكَبِيرَةِ يَقُومُ بِهَا عَدَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُخْتَصِّينَ فِي الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ لِتَوْثِيقِ الْمَادَّةِ الْعِلْمِيَّةِ وَتَوْسِيعِ سَاحَةِ التَّعَاوُنِ الْمُشْتَرَكِ، فَضْلاً عَمَّا يَقُومُ بِهِ الْجِهَازُ الْعِلْمِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الْبُحُوثِ مِنْ مُرَاجَعَاتٍ وَتَنْقِيحٍ وَتَنْسِيقٍ.
مُشْتَمَلَاتُ الْمَوْسُوعَةِ:
مَوْضُوعُ الْمَوْسُوعَةِ:
52- تَشْتَمِلُ هَذِهِ الْمَوْسُوعَةُ الْفِقْهِيَّةُ عَلَى صِيَاغَةٍ عَصْرِيَّةٍ لِتُرَاثِ الْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ (لِغَايَةِ الْقَرْنِ الثَّالِثِ عَشَرَ الْهِجْرِيِّ) مُرَاعًى فِيهَا خُطَّةٌ مُوَحَّدَةٌ لِلْكِتَابَةِ سَيَأْتِي الْحَدِيثُ عَنْهَا، عَلَى أَنَّ هُنَاكَ أَقْسَامًا ذَاتَ صِلَةٍ بِالْفِقْهِ اقْتَضَتْ طَبِيعَتُهَا وَالِالْتِزَامُ بِالْخُطَّةِ، أَنْ تُكْتَبَ مُنْفَصِلَةً عَنْ صَمِيمِ الْمَوْسُوعَةِ، مَعَ أَنَّهَا صَالِحَةٌ لِلدُّخُولِ فِي شُمُولِهَا الْعَامِّ لَوْلَا تَحَرِّي الدِّقَّةِ فِي الْمَوْقِعِ الْمُنَاسِبِ، وَتَوَقِّي اللَّبْسِ مِنْ النَّظَرِ إِلَى كُلِّ مَا فِي الْمَوْسُوعَةِ- إِنْ أُدْرِجَتْ فِيهَا تِلْكَ الْأَقْسَامُ- عَلَى أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِخُطَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَمُسْتَمَدٌّ مِنْ الْمَرَاجِعِ الْقَدِيمَةِ، لِذَا اخْتِيرَ لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ صُورَةُ الْمَلَاحِقِ بَعْدَ إِجْمَالِ الْكَلَامِ عَنْ الضَّرُورِيِّ مِنْهَا بَيْنَ مُصْطَلَحَاتِ الْمَوْسُوعَةِ. وَلَيْسَ إِطْلَاقُ اسْمِ الْمُلْحَقِ هُنَا مَانِعًا مِنْ ظُهُورِ بَعْضِهَا عِنْدَ مُوَاتَاةِ الْفُرْصَةِ وَلَوْ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ مُشْتَمَلَاتِ الْمَوْسُوعَةِ الْأَسَاسِيَّةِ. كَمَا أَنَّ هُنَاكَ أَقْسَامًا أُخْرَى مِنْ الْفِقْهِ لَيْسَتْ مِنْ شَأْنِ الْمَوْسُوعَةِ بَلْ تُطْلَبُ فِي الْمَرَاجِعِ أَوِ الْكُتُبِ الْمُخَصَّصَةِ لَهَا، كَمُفْرَدَاتِ الْأَئِمَّةِ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ، وَرَسْمِ الْمُفْتِي (أُصُولِ الْإِفْتَاءِ وَالتَّرْجِيحِ) وَالْإِجْمَاعَاتِ، وَالْأَلْغَازِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالْحِيَلِ، وَالشُّرُوطِ (الْمَحَاضِرِ وَالتَّوْثِيقَاتِ) إِلَخْ.
مَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَوْسُوعَةِ:
وَعَلَى الْأَخَصِّ لَا تَشْتَمِلُ الْمَوْسُوعَةُ عَلَى (الْمُنَاقَشَاتِ الْمَذْهَبِيَّةِ، وَالتَّرْجِيحِ الشَّخْصِيِّ، وَالتَّقْنِينَاتِ) وَإِنْ كَانَ النَّوْعَانِ الْأَوَّلَانِ يُذْكَرَانِ فِي الْمَرَاجِعِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالْأَخِيرُ تَتَعَرَّضُ لَهُ بَعْضُ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ الْحَدِيثَةِ. وَذَلِكَ لِلْأَسْبَابِ التَّالِيَةِ:
أ- التَّقْنِينَاتُ:
53- وَضْعِيَّةً كَانَتْ أَوْ شَرْعِيَّةً، أَمَّا الْوَضْعِيَّةُ فَلِعَدَمِ اعْتِبَارِهَا فِقْهًا إِسْلَامِيًّا، وَأَمَّا الشَّرْعِيَّةُ فَلِاعْتِمَادِهَا غَالِبًا عَلَى اجْتِهَادٍ حَدِيثٍ أَوْ تَخْرِيجَاتٍ مُعَاصِرَةٍ، وَهِيَ بِهَذَا ذَاتُ مَصَادِرَ خَارِجَةٍ عَنْ الْإِطَارِ الزَّمَنِيِّ لِلْمَوْسُوعَةِ الْأَسَاسِيَّةِ، فَضْلاً عَنْ اخْتِلَافِ التَّقْنِينَاتِ بِحَسَبِ الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَتَعَرُّضِهَا لِلتَّعْدِيلَاتِ الْكَثِيرَةِ بِحَيْثُ يَغْدُو الْقَدِيمُ مِنْهَا قَلِيلَ الْأَهَمِّيَّةِ بَعْدَ زَوَالِ أَهَمِّ مَا يَمْتَازُ بِهِ وَهِيَ صِفَةُ الْإِلْزَامِ النَّاشِئَةُ مِنْ تَخْصِيصِهِ لِلْحُكْمِ بِهِ.
وَلَا يَنْطَبِقُ هَذَا عَلَى الْإِشَارَةِ إِلَى بَعْضِ الْمُصْطَلَحَاتِ الْقَانُونِيَّةِ الَّتِي اشْتُهِرَتْ بِحَيْثُ يُفِيدُ بَيَانُهَا فِي تَمْيِيزِ الْمُصْطَلَحِ الْفِقْهِيِّ (الْمُوَافِقِ لَهَا فِي اللَّفْظِ) عَنْ الْمَعَانِي الْقَانُونِيَّةِ أَوِ الْعُرْفِيَّةِ غَيْرِ الْمُرَادَةِ لِلْفُقَهَاءِ.
ب- التَّرْجِيحُ الشَّخْصِيُّ:
54- يُقْصَدُ بِهَذَا التَّرْجِيحِ الْخَارِجِ عَنْ شُمُولِ الْمَوْسُوعَةِ كُلُّ مَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ خِلَالَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ الْهِجْرِيَّةِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مُلْحَقُ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَحْدَثَةِ. وَيَدْخُلُ فِي الْمَنْعِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ رَأْيُ الْكَاتِبِ الشَّخْصِيِّ فَلَا يُثْبِتُ مِنْهُ شَيْئًا إِلاَّ حِينَ تَمَسُّ الْحَاجَةُ لِإِبْدَاءِ مَا فَهِمَهُ مِنْ الْمَنْقُولِ حَسَبَ أُصُولِ الْمَذَاهِبِ، وَبِعِبَارَةٍ تُشْعِرُ بِذَلِكَ.
وَهُنَاكَ بَدِيلٌ عَنْ التَّرْجِيحِ الَّذِي يَرْكَنُ إِلَيْهِ الْبَعْضُ فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ هُوَ الِاتِّجَاهُ الْمُوَافِقُ لِلْجُمْهُورِ، وَالْمُقَدَّمُ غَالِبًا عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ عَرْضِ الِاتِّجَاهَاتِ.
ج- الْمُنَاقَشَاتُ الْمَذْهَبِيَّةُ:
55- يُقْتَصَرُ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِكُلِّ اتِّجَاهٍ بِمَذَاهِبِهِ عَلَى مَا يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُهُ مِنْ أَدِلَّةِ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ إِذَا جَاءَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ الْمُبَاشِرَةِ، أَمَّا الِاسْتِدْلَالُ الْقَائِمُ عَلَى مُنَاقَشَةِ أَدِلَّةِ الْآخَرِينَ وَالْإِيرَادِ عَلَيْهَا عَلَى طَرِيقَةِ (النَّقَائِضِ الْمَذْهَبِيَّةِ) فَمَوْطِنُهُ الشُّرُوحُ وَكُتُبُ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ وَمَا يُكْتَبُ مِنْ دِرَاسَاتٍ حَدِيثَةٍ مُخَصَّصَةٍ لِذَلِكَ. وَلَا شَأْنَ لِلْمَوْسُوعَةِ بِهَذَا لِصِلَتِهِ بِالتَّرْجِيحِ الشَّخْصِيِّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْغَالِبِ حَدٌّ يَنْتَهِي إِلَيْهِ.
مَلَاحِقُ الْمَوْسُوعَةِ:
أ- تَرَاجِمُ الْأَعْلَامِ:
56- مِنْ الْبَدَهِيِّ أَنْ تُعْنَى الْمَوْسُوعَةُ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ مُلْتَزَمًا فِي جَمِيعِ الْمُؤَلَّفَاتِ الْمُحَقَّقَةِ، وَلِذَا الْتُزِمَ بِتَرْجَمَةِ الْأَعْلَامِ الَّذِينَ يَرِدُ ذِكْرُهُمْ فِي بُحُوثِ الْمَوْسُوعَةِ مِنْ فُقَهَاءَ دُونَ غَيْرِهِمْ بِصُورَةٍ مُوجَزَةٍ يَحْصُلُ بِهَا التَّعْرِيفُ بِهِمْ وَتَمْيِيزُهُمْ، حَيْثُ تَتَّفِقُ أَحْيَانًا شُهْرَةُ أَوْ نِسْبَةُ الْكَثِيرِينَ، مَعَ الْإِشَارَةِ لِأَشْهَرِ مُؤَلَّفَاتِهِمْ وَمَنْزِلَتِهِمْ فِي الْفِقْهِ، لِيُرَاعَى ذَلِكَ فِيمَا يُنْقَلُ عَنْهُمْ مِنْ تَرْجِيحٍ أَوْ تَخْرِيجٍ، وَتُخْتَمُ التَّرْجَمَةُ بِبَيَانِ بَعْضِ الْمَرَاجِعِ الَّتِي كُتِبَتْ عَنْهُمْ.
وَهَذِهِ التَّرَاجِمُ تُنْشَرُ كَمُلْحَقٍ مُفَرَّقٍ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَوْسُوعَةِ، فَيُعَجَّلُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا بِتَرْجَمَةِ مَنْ جَرَى ذِكْرُهُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ (مُرَتَّبَةً تَرْتِيبًا أَلِفْبَائِيًّا فِيمَا بَيْنَهَا). أَمَّا مَنْ يَتَكَرَّرُ ذِكْرُهُ فِي جُزْءٍ تَالٍ وَقَدْ سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ فَإِنَّهُ يُورَدُ فِي تَرْتِيبِ التَّرَاجِمِ لِذَلِكَ الْجُزْءِ وَيُكْتَفَى بِالدَّلَالَةِ إِلَى الْمَوْطِنِ السَّابِقِ.
ب- أُصُولُ الْفِقْهِ وَتَوَابِعُهُ:
57- أُصُولُ الْفِقْهِ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي قَالَ عَنْهُ الْمُخْتَصُّونَ: إِنَّهُ عِلْمٌ مَحْصُورٌ فِي حِينِ أَنَّ الْفِقْهَ مُسْتَمِرٌّ مُتَزَايِدٌ، وَالْكِتَابَاتُ فِي الْأُصُولِ كَثِيرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، حَتَّى وَصَفُوهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ الْعِلْمُ الَّذِي نَضِجَ وَاحْتَرَقَ. وَلَيْسَتِ الْحَاجَةُ إِلَى تَجْدِيدِ عَرْضِهِ كَالْحَاجَةِ الْقَائِمَةِ بِالْفِقْهِ.
لِلْأُصُولِ طَبِيعَتُهُ الْخَاصَّةُ فِي اعْتِمَادِ فَهْمِهِ وَاسْتِثْمَارِهِ عَلَى انْضِمَامِ مَعْلُومَاتِهِ وَتَرْتِيبِهَا الْمَنْطِقِيِّ فِي النَّشْأَةِ وَالِاسْتِنَادِ، كَمَا أَنَّ لِلْخِلَافِ فِيهِ مَنْحًى آخَرَ تَمْتَدُّ فِيهِ الْمُوَازَنَةُ حَتَّى تَشْمَلَ كُلَّ مَنْ عُنِيَ بِقَضَايَا الِاسْتِدْلَالِ مِنْ أَصْحَابِ الْفِرَقِ فَضْلاً عَنْ الْمَذَاهِبِ.
لِهَذِهِ الْأَسْبَابِ أُفْرِدَ عَنْ الْمَوْسُوعَةِ بِمُلْحَقٍ، وَاكْتُفِيَ بِإِدْرَاجِ جَمِيعِ الْمُصْطَلَحَاتِ الْأُصُولِيَّةِ مُرَتَّبَةً فِي تَضَاعِيفِ الْمُصْطَلَحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ، لِلتَّعْرِيفِ وَالْإِشَارَةِ لِلْحُكْمِ وَإِحَالَةِ التَّفْصِيلِ إِلَى ذَلِكَ الْمُلْحَقِ الَّذِي سَيَكُونُ لَهُ تَرْتِيبٌ مَوْضُوعِيٌّ يَتَحَقَّقُ بِهِ لَمُّ أَجْزَاءِ مَبَاحِثِهِ تَسْهِيلاً لِلْإِفَادَةِ مِنْهُ كَمَا سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ، مَعَ احْتِوَاءِ الْمُلْحَقِ عَلَى فِهْرِسٍ أَلِفْبَائِيٍّ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَوَاطِنِ الْكَلَامِ عَنْ مُصْطَلَحَاتِهِ فِيهِ وَفِي الْمَوْسُوعَةِ.
وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعُلُومِ الْمُتَأَرْجِحَةِ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ كَالْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ، وَالْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَالْفُرُوقِ، سَيَكُونُ مَوْطِنُهَا ذَلِكَ الْمُلْحَقَ وَبِتَرْتِيبٍ يُنَاسِبُهَا. وَهَذِهِ الْجَوَانِبُ بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهَا تُرَاثٌ فِقْهِيٌّ هِيَ أَقْرَبُ إِلَى أَنْ تَكُونَ مِنْ الْوَسَائِلِ الْمُيَسِّرَةِ لِفَهْمِ الْفِقْهِ وَتَكْوِينِ أَهْلِيَّةِ التَّخْرِيجِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَيَتَأَخَّرُ اعْتِبَارُهَا عَنْ الْفِقْهِ الْخَالِصِ الْمَقْصُودِ لِلْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ، وَلِهَذَا صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِضَرُورَةِ التَّرَيُّثِ فِي الْفَتْوَى بِمَا فِي كُتُبِهَا قَبْلَ تَبَيُّنِ انْسِجَامِهِ مَعَ مَا فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ الْأَصِيلَةِ.
ج- الْمَسَائِلُ الْمُسْتَحْدَثَةُ:
58- وَهِيَ الْوَقَائِعُ الَّتِي جَدَّتْ وَلَيْسَ لَهَا حُكْمٌ ظَاهِرٌ مُفَصَّلٌ فِي الْمَرَاجِعِ الْفِقْهِيَّةِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي دُوِّنَتْ خِلَالَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ لِلْهِجْرَةِ. وَقَدْ اخْتِيرَ أَنْ تُكْتَبَ فِي مُلْحَقٍ مُسْتَقِلٍّ عَنْ أَصْلِ الْمَوْسُوعَةِ، لِوُقُوعِ مُعْظَمِ مَرَاجِعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ خَارِجَ الْإِطَارِ الزَّمَنِيِّ لِلْمَوْسُوعَةِ، وَهِيَ فِي الْغَالِبِ ثَمَرَةُ اجْتِهَادٍ شَخْصِيٍّ جَدِيدٍ وَإِنْ كَانَ مُطَابِقًا لأُِصُولِ الِاسْتِنْبَاطِ، كَمَا أَنَّهَا قَائِمَةٌ عَلَى الْمُنَاقَشَاتِ وَالتَّرْجِيحِ وَالِاخْتِيَارِ، فَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ فَصْلِهَا عَنْ صَمِيمِ الْمَوْسُوعَةِ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ تُرَاثِ الْفِقْهِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ وَالَّذِي يُعْتَبَرُ أَسَاسًا لِاسْتِخْرَاجِ الْحُلُولِ لِلْمُشْكِلَاتِ الْعَصْرِيَّةِ فِي ضَوْءِ مَبَادِئِهِ بِطَرِيقِ الْمُشَابَهَةِ وَالتَّخْرِيجِ وَالِاسْتِنْبَاطِ الْجَدِيدِ.
وَيُطْلَقُ فِيهِ لِلْكُتَّابِ الِاسْتِمْدَادُ مِنْ شَتَّى الْمَصَادِرِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَمِنْ الدَّوْرِيَّاتِ (الْمَجَلاَّتِ بِأَنْوَاعِهَا) وَالرَّسَائِلِ الْجَامِعِيَّةِ الْمُتَخَصِّصَةِ، وَمَا يَصْدُرُ عَنْ الْمَجَامِعِ وَالْمُؤْتَمَرَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ. فَضْلاً عَمَّا جَاءَ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي كُتُبِ الْفَتَاوَى الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ.
وَفِي هَذَا الْمَجَالِ سَيَكُونُ لِلْمُخْتَصِّينَ فِي شَتَّى الْعُلُومِ دَوْرٌ أَسَاسِيٌّ لِتَقْدِيمِ التَّصَوُّرِ الصَّحِيحِ لِلْوَقَائِعِ الْمَبْحُوثِ فِيهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ نَظَرِيَّةً (اقْتِصَادِيَّةً أَوِ اجْتِمَاعِيَّةً..) أَمْ تَجْرِيبِيَّةً (طِبِّيَّةً أَوْ عِلْمِيَّةً..) لِأَنَّ لِذَلِكَ أَثَرَهُ فِي إِعْطَاءِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الصَّحِيحِ، فَالْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ تَصَوُّرِهِ، وَصِحَّةُ الْحُكْمِ تَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ التَّصَوُّرِ، فَكَثِيرٌ مِنْ الِاخْتِلَافِ يَنْشَأُ مِنْ عَدَمِ تَحْدِيدِ التَّصَوُّرِ، أَوِ الْخَطَأِ فِيهِ، أَوِ الِاسْتِنَادِ إِلَى أَعْرَافٍ تَغَيَّرَتْ أَوْ وَسَائِلَ مَدَنِيَّةٍ تَطَوَّرَتْ... وَبِانْتِهَاءِ هَذَا الدَّوْرِ تَأْتِي مُهِمَّةُ اسْتِنْبَاطِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّتِي تُنَاطُ بِكُلِّ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ مُبَيَّنَةٌ فِي مَوَاطِنِهَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَنِ الِاجْتِهَادِ وَالْإِفْتَاءِ.
وَسَيَكُونُ هَذَا الْمُلْحَقُ عُرْضَةً لِلتَّعْدِيلِ وَالتَّنْقِيحِ، عَلَى الْعَكْسِ مِنْ التُّرَاثِ الْفِقْهِيِّ الْمَنْقُولِ وَالْمُسْتَنْبَطِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُبَاشَرَةً أَوْ فِي عُصُورِ الِاجْتِهَادِ حَسَبَ أُصُولِ الْفِقْهِ الْمَوْثُوقِ بِهَا عَلَى مَدَى الْعُصُورِ، أَمَّا مَا يَتَضَمَّنُهُ الْمُلْحَقُ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى فَتْرَةٍ زَمَنِيَّةٍ يَخْضَعُ فِيهَا لِلنَّقْدِ وَالتَّمْحِيصِ قَبْلَ ضَمِّهِ إِلَى صَمِيمِ الْمَوْسُوعَةِ.
وَرُبَّمَا كَانَ مِنْ الْوَسَائِلِ الضَّرُورِيَّةِ لِإِغْنَاءِ هَذَا الْجَانِبِ وَإِتْقَانِهِ عَقْدُ مُؤْتَمَرَاتٍ لِلْفُقَهَاءِ الْمُعَاصِرِينَ لِلْوُقُوفِ عَلَى مَا لَهُمْ مِنْ آرَاءٍ شَرْعِيَّةٍ فِي الْمُشْكِلَاتِ وَالْقَضَايَا الْعَصْرِيَّةِ، وَقَدْ يَقْتَضِي إِنْجَازُ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ تَكْوِينَ مَجْمَعٍ فِقْهِيٍّ ذِي دَوْرَاتٍ مُنْتَظِمَةٍ.
د- غَرِيبُ لُغَةِ الْفِقْهِ:
59- فَضْلاً عَنْ أَثَرِ ذَلِكَ فِي الْإِفَادَةِ مِنْ الْمَرَاجِعِ الْفِقْهِيَّةِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي اسْتُمِدَّتْ مِنْهَا مَعْلُومَاتُ الْمَوْسُوعَةِ، فَإِنَّهُ تُسْتَكْمَلُ فِي هَذَا الْمُلْحَقِ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةُ الَّتِي يَكْثُرُ تَدَاوُلُ الْفُقَهَاءِ لَهَا، فَيُوَضَّحُ مُرَادُهُمْ مِنْهَا لَا سِيَّمَا حَيْثُ يَنْحَصِرُ اخْتِيَارُهُمْ فِي أَحَدِ مَعَانِي اللَّفْظِ، أَوْ يَكُونُ مُشْتَرَكًا فَيَصْطَلِحُونَ عَلَى صَرْفِ لَفْظِهِ إِلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ. وَمَعْرِفَةُ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ لَا تُوَفَّى حَقَّهَا إِلاَّ بِتَنَاوُلِ لُغَةِ الْفِقْهِ عُمُومًا بِصُورَةٍ جَامِعَةٍ لِمَا تَفَرَّقَ وَتَكَرَّرَ فِي الْمُؤَلَّفَاتِ الَّتِي وُضِعَتْ لِأَهْلِ كُلِّ مَذْهَبٍ لِتَحْقِيقِ هَذَا الْغَرَضِ، فَكَانَتْ مَعَاجِمُ لُغَوِيَّةٌ مُتَخَصِّصَةٌ، كَالْمُغْرِبِ لِلْمُطَرِّزِيِّ وَطِلْبَةِ الطَّلَبَةِ لِلنَّسَفِيِّ (لِلْحَنَفِيَّةِ) وَكَالزَّاهِرِ لِلْأَزْهَرِيِّ وَالْمِصْبَاحِ لِلْفَيُّومِيِّ، وَغَيْرِهِمَا (لِلشَّافِعِيَّةِ) وَكَالْمَطْلَعِ لِلْبَعْلِيِّ (لِلْحَنَابِلَةِ) وَتَنْبِيهُ الطَّالِبِ لِفَهْمِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلْأُمَوِيِّ التُّونِسِيِّ (لِلْمَالِكِيَّةِ) وَغَيْرِهَا، وَهِيَ مَطْبُوعَةٌ مُتَدَاوَلَةٌ إِلاَّ الْأَخِيرَ.
وَسَيَكُونُ فِي عِدَادِ مَا يَتَضَمَّنُهُ الْمُلْحَقُ أَيْضًا الْأَلْفَاظُ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا الْفُقَهَاءُ كَتَعَابِيرَ اصْطِلَاحِيَّةٍ وَصِيَغٍ مُتَدَاوَلَةٍ، لَيْسَ لِلْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ نَفْسِهَا، بَلْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَرْتَبَةِ الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِبَارُ وَالرُّجْحَانُ، كَالْمُفْتَى بِهِ وَالْمُخْتَارِ وَالصَّحِيحِ.. فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ الظَّاهِرُ وَاضِحًا، فَإِنَّهُ بِمَا وُضِعَ لَهُ مِنْ دَلَالَاتٍ خَاصَّةٍ يُعْتَبَرُ مِنْ غَرِيبِ لُغَةِ الْفِقْهِ الْمُحْتَاجِ لِلْبَيَانِ.
خُطَّةُ كِتَابَةِ الْمَوْسُوعَةِ:
60- لَا بُدَّ لِأَيِّ مَوْسُوعَةٍ مِنْ خُطَّةٍ تَتَرَسَّمُهَا فِي تَحْقِيقِ أَهْدَافِهَا وَالْحِفَاظِ عَلَى أَهَمِّ خَصَائِصِهَا، وَهِيَ الْوَحْدَةُ وَالتَّنَاسُقُ. وَبَيَانُ الْخُطَّةِ الْمُسْتَهْدَى بِهَا فِي الْكِتَابَةِ أَمْرٌ فِي غَايَةِ الْأَهَمِّيَّةِ، لِأَنَّهُ يُنِيرُ السَّبِيلَ لِلِاسْتِفَادَةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ الْمَوْسُوعَةِ، كَمَا يُعِينُ عَلَى التَّعَرُّفِ إِلَى طَابَعِهَا الْعَامِّ.
وَتَجْدُرُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ هُنَاكَ خُطَطًا أُخْرَى ثَانَوِيَّةً نَدَعُ الْحَدِيثَ عَنْهَا لِأَنَّهَا لَا تَعْدُو أَنْ تَكُونَ مِنْ قَبِيلِ النَّهْجِ الْمَسْلُوكِ فِي إِعْدَادِ الْمَوْسُوعَةِ، وَهِيَ وَسَائِلُ تَتَعَدَّدُ وَتَتَطَوَّرُ. كَمَا نَتْرُكُ الْحَدِيثَ عَنْ الْخُطَّةِ الشَّكْلِيَّةِ لِلْإِخْرَاجِ الْمَوْسُوعِيِّ لِأَنَّهَا مَشْهُودَةٌ بِالنَّظَرِ، وَجَارِيَةٌ عَلَى السَّنَنِ الْمَعْهُودِ فِي تَحْقِيقِ النُّصُوصِ وَأُصُولِ الْإِخْرَاجِ.
وَنُورِدُ هُنَا إِيضَاحًا لِلْخُطَّةِ الْمُلْتَزَمَةِ فِي كِتَابَةِ هَذِهِ الْمَوْسُوعَةِ- فَضْلاً عَمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا- تَبَعًا لِعَنَاصِرِهَا التَّالِيَةِ: تَرْتِيبُ الْمَوْسُوعَةِ، تَصْنِيفُ الْمُصْطَلَحَاتِ، عَرْضُ الِاتِّجَاهَاتِ، الْأُسْلُوبُ وَالْمَرَاجِعُ، الْأَدِلَّةُ وَالتَّخْرِيجُ.
تَرْتِيبُ الْمَوْسُوعَةِ الْأَلِفْبَائِيِّ:
61- إِنَّ اخْتِيَارَ تَقْدِيمِ الْمَعْلُومَاتِ فِي الْمَوْسُوعَةِ مِنْ خِلَالِ مُصْطَلَحَاتٍ (أَلْفَاظٍ عُنْوَانِيَّةٍ مُتَعَارَفٍ عَلَى ارْتِبَاطِهَا بِمَدْلُولَاتٍ عِلْمِيَّةٍ خَاصَّةٍ) ثُمَّ تَرْتِيبَهَا أَلِفْبَائِيًّا (عَلَى حُرُوفِ الْهِجَاءِ) يُحَقِّقُ أَهَمَّ خَصَائِصِ الْمَوْسُوعَةِ، وَهُوَ سُهُولَةُ التَّرْتِيبِ وَاسْتِقْرَارُهُ، بِحَيْثُ يَزُولُ الِاضْطِرَابُ النَّاشِئُ عَنْ اخْتِلَافِ أَنْظَارِ الْمُؤَلِّفِينَ الْقُدَامَى فِي تَحْدِيدِ الْمَوْقِعِ الْمُنَاسِبِ لِلْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي تَتَجَاذَبُهَا أَبْوَابٌ شَتَّى، بَلْ امْتَدَّ الِاخْتِلَافُ إِلَى تَرْتِيبِ الْأَبْوَابِ نَفْسِهَا مَا بَيْنَ مَذْهَبٍ وَآخَرَ وَفِي الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ. وَالْتِزَامُ التَّرْتِيبِ الْأَلِفْبَائِيِّ يُزِيلُ الِاضْطِرَابَ وَيُيَسِّرُ الْبَحْثَ لِغَيْرِ الْمُخْتَصِّ.
وَيُنْظَرُ إِلَى الْمُصْطَلَحَاتِ عِنْدَ تَرْتِيبِهَا إِلَى حَالَتِهَا الرَّاهِنَةِ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهَا- بِحَسَبِ الِاشْتِقَاقِ- قَدْ دَخَلَتْ حُرُوفٌ زَائِدَةٌ عَلَى لَفْظِهِ الْأَصْلِيِّ الْمُجَرَّدِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا كَذَلِكَ أَيْسَرُ لِلْكَشْفِ عَنْهَا، وَلِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مِنْ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ صَارَ لَقَبًا مُلَازِمًا لِلْمَسْأَلَةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِهِ، وَقَدْ لُوحِظَ مَا فِي الطُّرُقِ الْمُخْتَلِفَةِ لِتَرْتِيبِ بَعْضِ الْحُرُوفِ، فَرُوعِيَ تَغْلِيبُ جَانِبِ النُّطْقِ فِي اعْتِبَارِهَا، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الَّذِي تَسْتَنِدُ إِلَيْهِ الْكِتَابَةُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، كَمَا رُوعِيَ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُرَكَّبَةِ تَرْتِيبُ الْأَجْزَاءِ الْأُولَى ثُمَّ الِالْتِفَاتُ لِتَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا أَيْضًا (كَمَا فِي لَفْظِ «صَلَاةٍ» وَمَا أُضِيفَ إِلَيْهِ). وَهُوَ مَا يُدْعَى: «النِّظَامَ الْكَلِمِيَّ لَا الْحَرْفِيَّ»، وَقُدِّمَ اللَّفْظُ «الْخَالِي أَوَّلاً» حِينَ تَزِيدُ حُرُوفُ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ عَنْ الْآخَرِ بَعْدَ التَّمَاثُلِ.
62- تَصْنِيفُ الْمُصْطَلَحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ:
وَلِزِيَادَةِ إِيضَاحِ الْمَقْصُودِ بِالْمُصْطَلَحَاتِ نُشِيرُ إِلَى أَنَّهَا تِلْكَ الْأَلْفَاظُ الْعُنْوَانِيَّةُ الَّتِي اسْتَعْمَلَهَا الْفُقَهَاءُ لِمَعْنًى خَاصٍّ زَائِدٍ عَنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الْأَصْلِيِّ، أَوْ قَصَرُوهَا عَلَى أَحَدِ الْمَعَانِي الْمُرَادَةِ مِنْ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ، أَوِ اعْتَبَرُوهَا لَقَبًا لِلْمَسْأَلَةِ. وَمِنْهَا جَمِيعُ الْعَنَاوِينِ التَّبْوِيبِيَّةِ الْمُلَازِمَةِ لِمَوْضُوعٍ كُلِّيٍّ أَوْ جُزْئِيٍّ لَهُ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ.
وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا خَلَا عَنْ أَحَدِ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَتَرَدَّدَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْبِيرَاتِ الَّتِي تَتَعَاقَبُ لِبَيَانِ الْمَعَانِي، فَإِذَا حَلَّ أَحَدُهَا مَحَلَّ الْآخَرِ لَمْ يَخْتَلَّ الْقَصْدُ الْعِلْمِيُّ الْخَاصُّ مِنْ اخْتِيَارِ اللَّفْظِ.
وَالْمُصْطَلَحَاتُ لَهَا تَرْتِيبٌ وَاحِدٌ يَنْتَظِمُهَا مَهْمَا كَانَتْ صِيغَتُهَا وَمِقْدَارُ بَيَانِهَا، فَوَحْدَةُ التَّرْتِيبِ هِيَ الْمُحَقِّقَةُ لِلسُّهُولَةِ وَالْيُسْرِ، إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَصْنِيفِ الْمُصْطَلَحَاتِ فِيمَا بَيْنَهَا- لِنَاحِيَةٍ تَنْظِيمِيَّةٍ- تَبَعًا لِمِقْدَارِ بَيَانِهَا وَارْتِكَازِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مُصْطَلَحَاتٌ أَصْلِيَّةٌ، وَمُصْطَلَحَاتُ إِحَالَةٍ، وَمُصْطَلَحَاتُ دَلَالَةٍ، وَإِلَيْكَ إِيضَاحُهَا:
أ- الْمُصْطَلَحَاتُ الْأَصْلِيَّةُ:
63- وَهِيَ الَّتِي يُسْتَوْفَى بَيَانُهَا بِالتَّفْصِيلِ بِمُجَرَّدِ أَنْ تُذْكَرَ (وَيُسْتَعَانُ لِتَفْصِيلِ أَحْكَامِهَا بِذِكْرِهَا ضِمْنَ عَنَاوِينَ عَدِيدَةٍ مُرَتَّبَةٍ مَوْضُوعِيًّا) وَذَلِكَ لِكَوْنِ اللَّفْظِ هُوَ الْمَظِنَّةُ الْوَحِيدَةُ- أَوِ الْغَالِبَةُ- لِاسْتِخْرَاجِ بَيَانَاتِ الْمَوْضُوعِ حَيْثُ لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ غَيْرِهِ كَجُزْءٍ تَابِعٍ لَا يَحْسُنُ إِفْرَادُهُ عَنْهُ.
وَالْأَصْلُ فِي اعْتِبَارِ الْمُصْطَلَحِ أَصْلِيًّا أَنْ يَكُونَ جَدِيرًا بِالِاسْتِقْلَالِ وَاسْتِجْمَاعِ بَيَانَاتِهِ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ لَيْسَ لَهُ مُنَازِعٌ، وَلَا عَلَاقَةَ لِذَلِكَ بِالْكَمِّيَّةِ بَلْ الْعِبْرَةُ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَوْطِنٌ أَلْيَقُ بِانْدِرَاجِهِ ضِمْنَهُ وَتَفْصِيلِهِ فِيهِ.
أَمَّا إِيثَارُ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْمَوْضُوعِ الْمُتَعَدِّدَةِ لِتُرْبَطَ بِهِ الْبَيَانَاتُ الْمُفَصَّلَةُ فَمَرَدُّهُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مُفْرَدًا (كَالْحَجِّ، وَالْبَيْعِ، وَالشَّرِكَةِ) سَوَاءٌ أَكَانَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَصَرُّفٍ أَمْ وَاقِعَةٍ عِبَادِيَّةٍ أَوْ تَعَامُلِيَّةٍ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُصْطَلَحُ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَشْيَاءِ وَالذَّوَاتِ، وَلَا يُعْدَلُ عَنْ الْمَصْدَرِ أَوِ الْمُفْرَدِ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ وَصْفٍ أَوْ جَمْعٍ إِلاَّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْغَالِبَ فِي اسْتِعْمَالَاتِ الْفُقَهَاءِ، أَوْ كَانَ لَهُ دَلَالَةٌ خَاصَّةٌ مُرَادَةٌ لَا تَحْصُلُ بِالْمَصْدَرِ أَوِ الْمُفْرَدِ (كَالشَّهِيدِ، وَالْأَيْمَانِ).
وَالِالْتِزَامُ بِتَفْصِيلِ مَا يَتَّصِلُ بِالْمُصْطَلَحِ الْأَصْلِيِّ لَا يَمْنَعُ مِنْ إِحَالَةِ التَّفْصِيلِ لِبَعْضِ بَيَانَاتِهِ إِلَى مُصْطَلَحٍ أَصْلِيٍّ آخَرَ فِيمَا يَتَكَرَّرُ اعْتِبَارُهُ فِيهِمَا، كَشُرُوطِ التَّعَاقُدِ مَثَلاً وَأَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ لِعَدَدٍ مِنْ الْمُصْطَلَحَاتِ الْأَصْلِيَّةِ مُصْطَلَحٌ يَشْمَلُهَا كُلَّهَا كَمُصْطَلَحِ عَقْدٍ، أَوْ مُعَاوَضَةٍ، وَنَحْوِهَا.
وَكِتَابَةُ الْمُصْطَلَحَاتِ الْأَصْلِيَّةِ يَسْبِقُهَا التَّخْطِيطُ التَّفْصِيلِيُّ لِلْمُصْطَلَحِ بِالصُّورَةِ الَّتِي يُؤْمَنُ مَعَهَا مِنْ التَّكْرَارِ الْمَحْضِ وَالتَّدَاخُلِ إِلاَّ بِالْقَدْرِ الَّذِي لَا يَحْرِمُ الْمُسْتَفِيدَ مِنْ الْإِلْمَامِ الضَّرُورِيِّ بِمَا يَتَّصِلُ بِالْمَوْضُوعِ، كَمَا يُضْمَنُ مَعَهُ عَدَمُ الْإِخْلَالِ بِمَسَائِلِ الْفِقْهِ الْأَسَاسِيَّةِ الَّتِي تَتْبَعُ ذَلِكَ الْمُصْطَلَحَ.. وَعَنَاصِرُ هَذِهِ الْمُخَطَّطَاتِ تَتَحَوَّلُ بَعْدَ الْإِنْجَازِ إِلَى عَنَاوِينَ تَأْخُذُ مَوْطِنَهَا فِي فِهْرِسِ الْمُجَلَّدِ.
ب- الْمُصْطَلَحَاتُ الْفَرْعِيَّةُ (الْإِحَالَاتُ):
64- وَهِيَ الْمُصْطَلَحَاتُ الَّتِي أُجْمِلَ بَيَانُهَا فِي صُورَةِ (عُجَالَاتٍ) تَتَضَمَّنُ: «التَّعْرِيفَ» بِالْمُصْطَلَحِ لُغَةً وَشَرْعًا وَتَمْيِيزَهُ عَنْ الْأَلْفَاظِ ذَاتِ الصِّلَةِ بِهِ، ثُمَّ بَيَانَ «الْحُكْمِ الْإِجْمَالِيِّ» لَهُ، وَقَدْ يَتَضَمَّنُ الْإِشَارَةَ إِلَى الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي يَتَّبِعُهَا دُونَ التَّوَسُّعِ فِي الْأَدِلَّةِ أَوِ الْمَرَاجِعِ، وَأَخِيرًا الْإِرْشَادَ إِلَى «مَوَاطِنِ الْبَحْثِ» التَّفْصِيلِيِّ لَهُ، بِحَسَبِ الْمَعْهُودِ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَرَاجِعِ الْأَصْلِيَّةِ (وَهُوَ الْغَالِبُ حِينَ يَكُونُ الْمُصْطَلَحُ الْوَاجِبُ الْإِحَالَةُ إِلَيْهِ لَمْ تَتِمَّ مَرَاحِلُ إِنْجَازِهِ، أَوْ لَا يُجْزَمُ بِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْبَيَانِ الْمَوْعُودِ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقْتَضِيَ التَّنْسِيقُ خِلَافَهُ) عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْطِنَ الْمَعْهُودَ لِلْفُقَهَاءِ لَا بُدَّ أَنْ يُؤْخَذَ بِالِاعْتِبَارِ فِي مُصْطَلَحَاتِ الْمَوْسُوعَةِ. وَيُشَارُ أَيْضًا إِلَى مَوْطِنِ بَحْثِهِ فِي الْمَوْسُوعَةِ كُلَّمَا أَمْكَنَ ذَلِكَ.
وَاسْتِخْدَامُ طَرِيقَةِ (الْإِحَالَاتِ) لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدٌّ لِتَحْقِيقِ أَمْرَيْنِ:
(1) تَحَاشِي التَّكْرَارِ لِلْبَيَانَاتِ الْوَاحِدَةِ عَنْ الْمُصْطَلَحِ، مَرَّةً مُسْتَقِلًّا وَمَرَّةً مُنْدَرِجًا ضِمْنَ أَصْلِهِ مَعَ أَشْبَاهِهِ وَنَظَائِرِهِ.. فَاخْتِيرَ التَّعْجِيلُ فِي أَحَدِ الْمَوْطِنَيْنِ بِبَيَانَاتٍ إِجْمَالِيَّةٍ: إِمَّا أَنْ يُكْتَفَى بِهَا وَإِمَّا أَنْ تُمَهِّدَ لِلتَّفْصِيلِ الْوَارِدِ فِي الْمَوْطِنِ الْآخَرِ (الْأَوْلَى بِذَلِكَ).
(2) مُرَاعَاةُ حَاجَةِ غَيْرِ الْمُخْتَصِّ فِي إِسْعَافِهِ بِمَطْلَبِهِ سَوَاءٌ اتَّجَهَ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْأَصْلِ أَوِ الْفَرْعِ بَدَلاً مِنْ إِهْدَارِ بَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي قَدْ تَتَكَافَأُ فَيُعْذَرُ فِي انْصِرَافِ ذِهْنِهِ إِلَى أَحَدِهَا.
ج- مُصْطَلَحَاتُ الدَّلَالَةِ:
65- وَهِيَ الْمُصْطَلَحَاتُ الَّتِي جِيءَ بِهَا لِمُجَرَّدِ الْإِرْشَادِ إِلَى الْمَوْطِنِ الَّذِي اخْتِيرَ لِبَحْثِ الْمَوْضُوعِ، فَهِيَ بَدَائِلُ عَنْ أَحَدِ الْأَلْفَاظِ الْأَصْلِيَّةِ أَوِ الْمُحَالَةِ، مِنْ قَبِيلِ الْمُرَادِفَاتِ (كَالْقِرَاضِ مَعَ الْمُضَارَبَةِ، وَالْكِرَاءِ مَعَ الْإِجَارَةِ) أَوْ بَقِيَّةِ الْمُشْتَقَّاتِ الَّتِي جُعِلَ أَحَدُهَا مُرْتَكَزًا لِلْمَوْضُوعِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
25-موسوعة الفقه الكويتية (إشراف)
إِشْرَافٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْإِشْرَافُ لُغَةً: مَصْدَرُ أَشْرَفَ، أَيِ اطَّلَعَ عَلَى الشَّيْءِ مِنْ أَعْلَى.
وَإِشْرَافُ الْمَوْضِعِ: ارْتِفَاعُهُ، وَالْإِشْرَافُ: الدُّنُوُّ وَالْمُقَارَبَةُ.
وَانْطِلَاقًا مِنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَطْلَقَ الْمُحَدِّثُونَ كَلِمَةَ إِشْرَافٍ عَلَى «الْمُرَاقَبَةِ الْمُهَيْمِنَةِ».
وَهُوَ مَعْنًى اسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ كَالْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ الْأُخْرَى.فَقَدِ اسْتَعْمَلُوهُ فِي مُرَاقَبَةِ نَاظِرِ الْوَقْفِ وَالْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمُ.
الْإِشْرَافُ بِمَعْنَى الْعُلُوِّ:
أ- إِشْرَافُ الْقَبْرِ:
2- لَا يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ الْقَبْرُ مُشْرِفًا بِالِاتِّفَاقِ، لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: «قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَلاَّ تَدَعَ تِمْثَالًا إِلاَّ طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ»
وَفِي اعْتِبَارِ تَسْنِيمِ الْقَبْرِ إِشْرَافًا خِلَافٌ تَجِدُهُ مُفَصَّلًا فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
ب- إِشْرَافُ الْبُيُوتِ:
3- يُبَاحُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَعْلُوَ بِبِنَائِهِ مَا شَاءَ بِشَرْطَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَلاَّ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ، كَمَنْعِ النُّورِ أَوِ الْهَوَاءِ عَنِ الْغَيْرِ.
الثَّانِي: أَلاَّ يَكُونَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ ذِمِّيًّا، فَيُمْنَعُ مِنْ تَطْوِيلِ بِنَائِهِ عَلَى بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ رَضِيَ الْمُسْلِمُ بِذَلِكَ، لِيَتَمَيَّزَ الْبِنَاءَانِ، وَلِئَلاَّ يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِ.وَقَدْ فَصَّلَ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ.
الْإِشْرَافُ بِمَعْنَى الِاطِّلَاعِ مِنْ أَعْلَى:
4- يُمْنَعُ الشَّخْصُ مِنَ الْإِشْرَافِ عَلَى دَارِ غَيْرِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلِذَلِكَ يُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَفْتَحَ فِي جِدَارِهِ كُوَّةً يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى جَارِهِ وَعِيَالِهِ.
5- أَمَّا الْإِشْرَافُ عَلَى الْكَعْبَةِ وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْقُرُبَاتِ، وَالسَّاعِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَصْعَدُ عَلَى الصَّفَا وَعَلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى يُشْرِفَ عَلَى الْكَعْبَةِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ عِنْدَ كَلَامِهِمْ عَلَى السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
الْإِشْرَافُ بِمَعْنَى الْمُرَاقَبَةِ الْمُهَيْمِنَةِ:
6- إِقَامَةُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْإِشْرَافِ وَاجِبٌ تَحْقِيقًا لِلْمَصَالِحِ الَّتِي هِيَ مَقْصِدٌ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّارِعِ، وَيَتَجَلَّى ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
أ- الْوِلَايَةُ: سَوَاءٌ أَكَانَتْ وِلَايَةً عَامَّةً كَوِلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْقَاضِي، وَنَحْوِهِمَا، أَمْ وِلَايَةً خَاصَّةً كَوِلَايَةِ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ، كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي مَبْحَثِ (وِلَايَةٌ).
ب- الْوِصَايَةُ: كَالْوِصَايَةِ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَبْحَثِ (الْحَجْرِ).
ج- الْقِوَامَةُ: كَقِوَامَةِ الرَّجُلِ عَلَى زَوْجَتِهِ، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي مَبْحَثِ (النِّكَاحِ).
د- النِّظَارَةُ: كَنَاظِرِ الْوَقْفِ، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
الْإِشْرَافُ بِمَعْنَى الْمُقَارَبَةِ وَالدُّنُوِّ:
7- يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِشْرَافِ بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ مِنَ الْأَحْكَامِ، ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ فِي أَبْوَابِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ عَلَى
سَبِيلِ الْمِثَالِ لَا الْحَصْرِ:
أ- عَدَمُ أَكْلِ الذَّبِيحَةِ إِذَا ذُبِحَتْ بَعْدَ أَنْ أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ، عَلَى خِلَافٍ وَتَفْصِيلٍ مُبَيَّنٍ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ (التَّذْكِيَةُ).
ب- وُجُوبُ إِنْقَاذِ مَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ كَالْغَرِيقِ وَنَحْوِهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْمُمْكِنِ إِنْقَاذُهُ.
ج- وُجُوبُ الِانْتِفَاعِ بِاللُّقَطَةِ إِذَا أَشْرَفَتْ عَلَى التَّلَفِ.كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ (اللُّقَطَةِ).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
26-موسوعة الفقه الكويتية (جزية 4)
جِزْيَةٌ -4مَنْ لَهُ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ:
54- الْجِزْيَةُ مِنَ الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ الَّتِي يَتَوَلَّى أَمْرَهَا الْأَئِمَّةُ وَالسَّلَاطِينُ، فَالشَّرْعُ هُوَ الَّذِي قَدَّرَ الْجِزْيَةَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ: يُقَدِّرُهَا الْإِمَامُ.
وَالْإِمَامُ يَعْقِدُ الذِّمَّةَ وَيُطَالِبُ بِالْجِزْيَةِ وَيَصْرِفُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ بِاجْتِهَادِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْعَدْلَ وَكِيلٌ عَنِ الْأُمَّةِ فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهَا مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَفِي تَدْبِيرِ شُئُونِهَا.قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: «الْأَمْوَالُ الَّتِي لِلْأَئِمَّةِ وَالْوُلَاةِ فِيهَا مَدْخَلٌ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: الْأَوَّلُ: مَا أُخِذَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَرِيقِ التَّطْهِيرِ لَهُمْ كَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ.وَالثَّانِي: الْغَنَائِمُ وَمَا يَحْصُلُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ الْكَافِرِينَ بِالْحَرْبِ وَالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ.وَالثَّالِثُ: الْفَيْءُ، وَهُوَ مَا رَجَعَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ عَفْوًا صَفْوًا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَلَا إِيجَافٍ كَالصُّلْحِ وَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَالْعُشُورِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَحَقُّ اسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ لِلْإِمَامِ، فَيُطَالِبُ بِهَا وَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ الدَّفْعُ إِلَيْهِ.
وَالْإِمَامُ الْمُطَالِبُ بِالْجِزْيَةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَادِلًا، أَوْ جَائِرًا ظَالِمًا، أَوْ بَاغِيًا، أَوْ خَارِجًا عَلَى إِمَامِ الْعَدْلِ، أَوْ مُحَارِبًا وَقَاطِعًا لِلطَّرِيقِ.
1- حُكْمُ دَفْعِ الْجِزْيَةِ إِلَى أَئِمَّةِ الْعَدْلِ:
54 م- الْإِمَامُ الْعَادِلُ: هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُسْلِمُونَ لِلْإِمَامَةِ وَبَايَعُوهُ، وَقَامَ بِتَدْبِيرِ شُئُونِ الْأُمَّةِ وَفْقَ شَرْعِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فَإِذَا طَلَبَ مِنْ ذَوِي الْأَمْوَالِ مَالًا لَا يَطْلُبُهُ إِلاَّ بِحَقٍّ، وَإِذَا قَسَمَ أَمْوَالًا عَامَّةً قَسَمَهَا وَفْقَ شَرْعِ اللَّهِ وَحَسَبَ مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ» وَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- » إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ وَالِي الْيَتِيمِ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} وَاللَّهِ مَا أَرَى أَرْضًا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَاةٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ إِلاَّ اسْتَسْرَعَ خَرَابُهَا.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ إِذَا طَلَبَ الْإِمَامُ الْعَادِلُ الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَفْرِقَةُ خَرَاجِ رَأْسِهِ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا أَدَّى شَخْصٌ الْجِزْيَةَ إِلَى مُسْتَحِقِّ الْفَيْءِ بِنَفْسِهِ فَلِلْإِمَامِ أَخْذُهَا مِنْهُ ثَانِيَةً؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُ.
2- حُكْمُ دَفْعِ الْجِزْيَةِ إِلَى أَئِمَّةِ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ:
55- الْإِمَامُ الْجَائِرُ: هُوَ الَّذِي يَقُومُ بِتَدْبِيرِ شُئُونِ الْأُمَّةِ وَفْقَ هَوَاهُ، فَيَقَعُ مِنْهُ الْجَوْرُ وَالظُّلْمُ عَلَى النَّاسِ
وَإِذَا طَلَبَ الْإِمَامُ الْجَائِرُ الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَدَاؤُهَا إِلَيْهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَإِذَا أَدَّى الذِّمِّيُّ الْجِزْيَةَ إِلَى الْإِمَامِ الْجَائِرِ سَقَطَتْ عَنْهُ وَلَا يُطَالَبُ بِهَا مَرَّةً ثَانِيَةً مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ.
قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَأَمَّا سَلَاطِينُ زَمَانِنَا الَّذِينَ أَخَذُوا الصَّدَقَاتِ وَالْعُشُورَ وَالْخَرَاجَ لَا يَضَعُونَهَا مَوَاضِعَهَا، فَهَلْ تَسْقُطُ هَذِهِ الْحُقُوقُ عَنْ أَرْبَابِهَا؟
اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَضَعُونَهَا فِي أَهْلِهَا، لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُمْ فَيَسْقُطُ عَنْهُ بِأَخْذِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَضَعُوهَا مَوَاضِعَهَا فَالْوَبَالُ عَلَيْهِمْ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ: إِنَّ الْخَرَاجَ يَسْقُطُ، وَلَا تَسْقُطُ الصَّدَقَاتُ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يُصْرَفُ إِلَى الْمُقَاتِلَةِ، وَهُمْ يَصْرِفُونَ إِلَى الْمُقَاتِلَةِ وَيُقَاتِلُونَ الْعَدُوَّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ الْعَدُوُّ فَإِنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ وَيَذُبُّونَ عَنْ حَرِيمِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَّا الزَّكَوَاتُ وَالصَّدَقَاتُ فَإِنَّهُمْ لَا يَضَعُونَهَا فِي أَهْلِهَا.
وَاسْتَدَلُّوا لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْجَائِرِ فِي طَلَبِ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ بِمَا يَلِي:
أ- مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي.وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ وَيَكْثُرُونَ.قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَقَالَ: أَوْفُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، ثُمَّ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ».
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: فِي بَيَانِ مَعْنَى «أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ»- أَيِ ادْفَعُوا إِلَى الْأُمَرَاءِ حَقَّهُمُ الَّذِي لَهُمُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَقَبْضُهُ، سَوَاءٌ كَانَ يَخْتَصُّ بِهِمْ أَوْ يَعُمُّ، وَذَلِكَ مِنَ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ كَالزَّكَاةِ، وَفِي الْأَنْفُسِ كَالْخُرُوجِ إِلَى الْجِهَادِ.
ب- وَمَا رُوِيَ عَنْهُ- صلى الله عليه وسلم-: «أَنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ».
ج- وَمَا رُوِيَ عَنْهُ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ، أَسْوَدُ، يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا».
3- دَفْعُ الْجِزْيَةِ إِلَى الْبُغَاةِ:
56- الْبُغَاةُ: هُمُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى التَّأْوِيلِ وَيَخْرُجُونَ عَلَى الْإِمَامِ، أَوْ يَمْتَنِعُونَ عَنِ الدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِ، أَوْ يَمْنَعُونَ حَقًّا وَجَبَ عَلَيْهِمْ كَالزَّكَاةِ وَشِبْهِهَا، فَيُدْعَوْنَ إِلَى الرُّجُوعِ لِلْحَقِّ.
فَإِذَا غَلَبَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى بَلَدٍ وَنَصَبُوا إِمَامًا، فَجَبَى الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى سُقُوطِ الْجِزْيَةِ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِدَفْعِهَا إِلَى الْبُغَاةِ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ مِنْهُمْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ.
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ:
بِأَنَّ عَلِيًّا- رضي الله عنه- لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمْ يُطَالِبْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا جُبِيَ مِنْهُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلِأَنَّ حَقَّ الْإِمَامِ فِي الْجِبَايَةِ مَرْهُونٌ بِالْحِمَايَةِ، وَهِيَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ عِنْدَ تَغَلُّبِ الْبُغَاةِ عَلَى بَلْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ.
وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ احْتِسَابِهَا ضَرَرًا عَظِيمًا وَمَشَقَّةً كَبِيرَةً، فَإِنَّ الْبُغَاةَ قَدْ يَغْلِبُونَ عَلَى الْبِلَادِ السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ وَتَتَجَمَّعُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مَبَالِغُ طَائِلَةٌ لَا يُطِيقُونَهَا.وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ دَفَعَ الْجِزْيَةَ إِلَى الْبُغَاةِ الْإِعَادَةُ، لِأَنَّهُ أَعْطَاهَا إِلَى مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ صَحِيحَةٌ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخَذَهَا آحَادُ الرَّعِيَّةِ غَصْبًا.
4- حُكْمُ دَفْعِ الْجِزْيَةِ إِلَى الْمُحَارِبِينَ «قُطَّاعِ الطُّرُقِ»:
57- الْمُحَارِبُونَ: هُمُ الَّذِينَ يَعْرِضُونَ لِلنَّاسِ بِالسِّلَاحِ فَيَغْصِبُونَ الْمَالَ مُجَاهَرَةً أَوْ يَقْتُلُونَ أَوْ يُخِيفُونَ الطَّرِيقَ
فَإِذَا أَخَذَ الْمُحَارِبُونَ الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مَوْقِعَهُ، وَلَمْ تَسْقُطِ الْجِزْيَةُ عَنْهُمْ بِأَدَائِهَا إِلَى الْمُحَارِبِينَ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُمْ كَالْمَأْخُوذِ غَصْبًا.
طُرُقُ اسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ:
58- إِذَا كَانَ الْإِمَامُ هُوَ صَاحِبَ الْحَقِّ فِي اسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ، فَلَا يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّهُ سَيُبَاشِرُ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ حَيْثُ تَقْدِيرُهَا وَتَدْوِينُهَا وَجَمْعُهَا وَصَرْفُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصْعُبُ عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَطِيعُهُ، بَلْ يَعْنِي تَوْلِيَةَ مَنْ يَجْمَعُهَا وَالْإِشْرَافَ عَلَيْهَا وَمُتَابَعَةَ مَنْ يَقُومُ بِاسْتِيفَائِهَا وَصَرْفِهَا.وَمِنْ طُرُقِ الِاسْتِيفَاءِ الَّتِي كَانَتْ مُتَّبَعَةً فِي ذَلِكَ، الْعِمَالَةُ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَالْقَبَالَةُ (التَّضْمِينُ).
الطَّرِيقَةُ الْأُولَى:
الْعِمَالَةُ عَلَى الْجِزْيَةِ:
59- الْعِمَالَةُ عَلَى الْجِزْيَةِ وِلَايَةٌ مِنَ الْوِلَايَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الصَّادِرَةِ عَنِ الْإِمَامِ يَتِمُّ بِمُقْتَضَاهَا اسْتِيفَاءُ الْجِزْيَةِ وَقَبْضُهَا.
وَعَامِلُ الْجِزْيَةِ وَكِيلٌ عَنِ الْإِمَامِ فِي اسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ وَقَبْضِهَا، وَجِبَايَتُهُ لِلْجِزْيَةِ مُحَدَّدَةٌ بِمَا رَسَمَهُ لَهُ الْإِمَامُ، وَلِعَامِلِ الْجِزْيَةِ شُرُوطٌ أَهَمُّهَا: الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْأَمَانَةُ، وَالْكِفَايَةُ، وَالْعِلْمُ وَالْفِقْهُ.
وَلِلتَّفْصِيلِ تُنْظَرُ الشُّرُوطُ الْمَطْلُوبَةُ فِي: (جِبَايَةٌ).
مَا يُرَاعِيهِ الْعَامِلُ فِي جِبَايَةِ الْجِزْيَةِ:
الرِّفْقُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ:
60- لِلْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اتِّجَاهَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لِعَامِلِ الْجِزْيَةِ أَنْ يَكُونَ رَفِيقًا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ عِنْدَ اسْتِيفَائِهِ لِلْجِزْيَةِ: بِأَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُمْ بِتَلَطُّفٍ دُونَ تَعْذِيبٍ أَوْ ضَرْبٍ، وَأَنْ يُؤَخِّرَهُمْ إِلَى غَلاَّتِهِمْ، وَأَنْ يُقَسِّطَهَا عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمُ الْقِيمَةَ بَدَلًا مِنَ الْعَيْنِ.وَالصَّغَارُ فِي قوله تعالى {وَهُمْ صَاغِرُونَ} مَعْنَاهُ عِنْدَهُمُ الْتِزَامُ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ.
وَالِاتِّجَاهُ الْآخَرُ: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْجِزْيَةَ تُسْتَوْفَى مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِإِهَانَةٍ وَإِذْلَالٍ، لقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.
الْأَمْوَالُ الَّتِي تُسْتَوْفَى مِنْهَا الْجِزْيَةُ:
61- لَا يَتَعَيَّنُ فِي اسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ وَلَا نَوْعٌ بِعَيْنِهِ، بَلْ يَجُوزُ أَخْذُهَا مِمَّا تَيَسَّرَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ: كَالسِّلَاحِ وَالثِّيَابِ وَالْحُبُوبِ وَالْعُرُوضِ فِيمَا عَدَا ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا يَلِي:
1- حَدِيثُ مُعَاذٍ السَّابِقِ: «أَمَرَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ» فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْقِيمَةِ فِي الْجِزْيَةِ مِنَ الثِّيَابِ الْمَصْنُوعَةِ بِالْيَمَنِ وَالْمَنْسُوبَةِ إِلَى قَبِيلَةِ مَعَافِرَ.قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: «أَلَا تَرَاهُ قَدْ أَخَذَ مِنْهُمُ الثِّيَابَ مَكَانَ الدَّنَانِيرِ؟ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهَذَا كُلِّهِ الرِّفْقُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَأَنْ لَا يُبَاعَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَتَاعِهِمْ شَيْءٌ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِمَّا سَهُلَ عَلَيْهِمْ بِالْقِيمَةِ.أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَوْ عَدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ» فَقَدْ بَيَّنَ لَكَ ذِكْرُ الْعَدْلِ أَنَّهُ الْقِيمَةُ».
2- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ، النِّصْفُ فِي صَفَرٍ وَالْبَاقِي فِي رَجَبٍ».
3- مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ النَّعَمَ فِي الْجِزْيَةِ.
4- مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ ذِي صَنْعَةٍ مِنْ مَتَاعِهِ: مِنْ صَاحِبِ الْإِبَرِ إِبَرًا، وَمِنْ صَاحِبِ الْمَسَانِّ مَسَانًّا، وَمِنْ صَاحِبِ الْحِبَالِ حِبَالًا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ هَذَا مِنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ هَذِهِ الْأَمْتِعَةَ بِقِيمَتِهَا مِنَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي عَلَيْهِمْ مِنْ جِزْيَةِ رُءُوسِهِمْ وَلَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى بَيْعِهَا ثُمَّ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنَ الثَّمَنِ، إِرَادَةَ الرِّفْقِ بِهِمْ وَالتَّخْفِيفَ عَلَيْهِمْ.
اسْتِيفَاءُ الْجِزْيَةِ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ:
62- اسْتِيفَاءُ الْجِزْيَةِ مِنْ أَعْيَانِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَمَالٌ غَيْرُ مُتَقَوَّمٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهَا فِي الْجِزْيَةِ.
وَأَمَّا اسْتِيفَاءُ الْجِزْيَةِ مِنْ ثَمَنِ مَا بَاعُوهُ مِنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى جَوَازِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إِذَا تَوَلَّى الذِّمِّيُّ بَيْعَهَا.
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا يَلِي:
1- مَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ- بِسَنَدِهِ- عَنْ سُوَيْدٌ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ نَاسًا يَأْخُذُونَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْخَنَازِيرِ، وَقَامَ بِلَالٌ فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَفْعَلُوا: وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ بِلَالًا قَالَ لِعُمَرِ بْنَ الْخَطَّابِ: إِنَّ عُمَّالَكَ يَأْخُذُونَ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ فِي الْخَرَاجِ، فَقَالَ: لَا تَأْخُذُوا مِنْهُمْ، وَلَكِنْ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا، وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنَ الثَّمَنِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: «يُرِيدُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مِنْ جِزْيَةِ رُءُوسِهِمْ وَخَرَاجِ أَرْضِهِمْ بِقِيمَتِهَا ثُمَّ يَتَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ بَيْعَهَا، فَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ بِلَالٌ، وَنَهَى عَنْهُ عُمَرُ، ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ مِنْ أَثْمَانِهَا إِذَا كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ هُمُ الْمُتَوَلِّينَ لِبَيْعِهَا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا تَكُونُ مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ».
2- وَلِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الَّتِي نُقِرُّهُمْ عَلَى اقْتِنَائِهَا، وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا، فَجَازَ أَخْذُ أَثْمَانِهَا مِنْهُمْ كَثِيَابِهِمْ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ اسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ.وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا يَلِي:
1- رَوَى الْبَيْهَقِيُّ- بِسَنَدِهِ- إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَثَمَنَهُ».
2- وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ.
3- وَلِأَنَّ ثَمَنَ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ فِي اعْتِقَادِنَا فَحَرُمَ عَلَيْنَا أَخْذُ الثَّمَنِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِ كَالْمَسْرُوقِ وَالْمَغْصُوبِ.
تَأْخِيرُهُمْ إِلَى غَلاَّتِهِمْ:
63- مِمَّا يُرَاعَى فِي اسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ تَأْخِيرُ مَنْ فُرِضَتْ عَلَيْهِمْ إِلَى غَلاَّتِهِمْ، أَيْ حَتَّى تَنْضَجَ الثِّمَارُ، وَتُحْصَدَ الزُّرُوعُ فَيَتَمَكَّنُوا مِنْ بَيْعِهَا وَأَدَاءِ الْجِزْيَةِ.وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ- بِسَنَدِهِ- إِلَى سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: » قَدِمَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حُذَيْمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا أَتَاهُ عَلَاهُ بِالدِّرَّةِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: سَبَقَ سَيْلُكَ مَطَرَكَ، إِنْ تُعَاقِبْ نَصْبِرْ، وَإِنْ تَعْفُ نَشْكُرْ، وَإِنْ تَسْتَعْتِبْ نَعْتِبْ، فَقَالَ: مَا عَلَى الْمُسْلِمِ إِلاَّ هَذَا، مَا لَكَ تُبْطِئُ فِي الْخَرَاجِ؟ قَالَ: أَمَرْتَنَا أَلَا نَزِيدَ الْفَلاَّحِينَ عَلَى أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَلَسْنَا نَزِيدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنَّنَا نُؤَخِّرُهُمْ إِلَى غَلاَّتِهِمْ.فَقَالَ عُمَرُ: لَا عَزَلْتُكَ مَا حَيِيتُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا وَجْهُ التَّأْخِيرِ إِلَى الْغَلَّةِ الرِّفْقُ بِهِمْ، وَلَمْ نَسْمَعْ فِي اسْتِيدَاءِ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ وَقْتًا مِنَ الزَّمَانِ يُجْتَبَى فِيهِ غَيْرَ هَذَا.
اسْتِيفَاءُ الْجِزْيَةِ عَلَى أَقْسَاطٍ:
64- وَمِمَّا يُرَاعَى فِي اسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَخْذُهَا مِنْهُمْ عَلَى أَقْسَاطٍ، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ شَهْرِيًّا مِنْ بَابِ التَّخْفِيفِ وَالتَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ.
قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: «يَأْخُذُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ- أَيْ عَلَى الْغَنِيِّ- لِأَجْلِ التَّسْهِيلِ عَلَيْهِ».
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: يُوضَعُ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ، ثُمَّ قَالَ: نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَاتِرُونَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَصَارَ إِجْمَاعًا.
وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً كُلَّ عَامٍ.
كِتَابَةُ عَامِلِ الْجِزْيَةِ بَرَاءَةً لِلذِّمِّيِّ:
65- إِذَا اسْتُوْفِيَتِ الْجِزْيَةُ كُتِبَ لِلذِّمِّيِّ بَرَاءَةٌ، لِتَكُونَ حُجَّةً لَهُ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهَا.
التَّعَفُّفُ عَنْ أَخْذِ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ:
66- يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَامِلُ الْجِزْيَةِ عَفِيفَ النَّفْسِ، فَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا رِشْوَةً لِحَدِيثِ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ».
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ- رضي الله عنه- قَالَ: «اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إِلَيَّ، فَقَالَ: فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مِنْهُ شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ.اللَّهُمَّ هَلْ بَلَغْتُ ثَلَاثًا».
فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْهَدَايَا الَّتِي يُقَدِّمُهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ لِلْعُمَّالِ حَرَامٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ قَبُولُهَا.قَالَ الْخَطَّابِيُّ: «فِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّ هَدَايَا الْعُمَّالِ سُحْتٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ سَبِيلُهَا سَبِيلَ سَائِرِ الْهَدَايَا الْمُبَاحَاتِ، وَإِنَّمَا يُهْدَى إِلَيْهِ لِلْمُحَابَاةِ وَلِيُخَفِّفَ عَنِ الْمُهْدِي وَيُسَوِّغَ لَهُ بَعْضَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ خِيَانَةٌ مِنْهُ وَبَخْسٌ لِلْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ اسْتِيفَاؤُهُ لِأَهْلِهِ».وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (هَدِيَّةٌ وَرِشْوَةٌ).
الرِّقَابَةُ عَلَى عُمَّالِ الْجِزْيَةِ:
67- عَلَى الْإِمَامِ مُشَارَفَةُ الْأُمُورِ وَتَصَفُّحُ الْأَحْوَالِ، وَمِنْ مُقْتَضَيَاتِ هَذَا الْوَاجِبِ: الرِّقَابَةُ الْفَعَّالَةُ عَلَى عُمَّالِ الْجِزْيَةِ، وَضَرُورَةُ مَنْحِهِمْ رَوَاتِبَ تَكْفِيهِمْ.
قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي نَصِيحَتِهِ الَّتِي كَتَبَهَا لِهَارُونَ الرَّشِيدِ: «أَرَى أَنْ تَبْعَثَ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْعَفَافِ مِمَّنْ يُوثَقُ بِدِينِهِ وَأَمَانَتِهِ، يَسْأَلُونَ عَنْ سِيرَةِ الْعُمَّالِ، وَمَا عَمِلُوا بِهِ فِي الْبِلَادِ، وَكَيْفَ جَبَوُا الْخَرَاجَ؟ عَلَى مَا أُمِرُوا بِهِ وَعَلَى مَا وَظَّفَ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَاسْتَقَرَّ، فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَكَ وَصَحَّ، أَخَذُوا بِمَا اسْتَفْضَلُوا مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْأَخْذِ، حَتَّى يُؤَدُّوهُ بَعْدَ الْعُقُوبَةِ الْمُوجِعَةِ وَالنَّكَالِ، حَتَّى لَا يَتَعَدَّوْا مَا أُمِرُوا بِهِ وَمَا عُهِدَ إِلَيْهِمْ فِيهِ، فَإِنَّ كُلَّ مَا عَمِلَ بِهِ وَالِي الْخَرَاجِ مِنَ الظُّلْمِ وَالْعَسْفِ فَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أُمِرَ بِهِ، وَقَدْ أُمِرَ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ أَحْلَلْتَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمُ الْعُقُوبَةَ الْمُوجِعَةَ انْتَهَى غَيْرُهُ وَاتَّقَى وَخَافَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ هَذَا بِهِمْ تَعَدَّوْا عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَاجْتَرَءُوا عَلَى ظُلْمِهِمْ وَتَعَسُّفِهِمْ وَأَخْذِهِمْ بِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا صَحَّ عِنْدَكَ مِنَ الْعَامِلِ وَالْوَالِي تَعَدٍّ بِظُلْمٍ وَعَسْفٍ وَخِيَانَةٍ لَكَ فِي رَعِيَّتِكَ وَاحْتِجَازِ شَيْءٍ مِنَ الْفَيْءِ أَوْ خُبْثِ طُعْمَتِهِ أَوْ سُوءِ سِيرَتِهِ، فَحَرَامٌ عَلَيْكَ اسْتِعْمَالُهُ وَالِاسْتِعَانَةُ بِهِ، وَأَنْ تُقَلِّدَهُ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ رَعِيَّتِكَ أَوْ تُشْرِكَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ، بَلْ عَاقِبْهُ عَلَى ذَلِكَ عُقُوبَةً تَرْدَعُ غَيْرَهُ مِنْ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِمِثْلِ مَا تَعَرَّضَ لَهُ، وَإِيَّاكَ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا مُجَابَةٌ».
وَلِاجْتِنَابِ وُقُوعِ عُمَّالِ الْجِزْيَةِ فِي الرِّشْوَةِ وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، يَصْرِفُ الْإِمَامُ لَهُمْ أُجُورًا (رَوَاتِبَ) مُجْزِيَةً تَفِي بِحَاجَاتِهِمْ، وَتَكْفِي نَفَقَاتِهِمْ.
وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَشْيَاخُنَا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه-: دَنَّسْتَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا عُبَيْدَةَ إِذَا لَمْ أَسْتَعِنْ بِأَهْلِ الدِّينِ عَلَى سَلَامَةِ دِينِي فَبِمَنْ أَسْتَعِينُ؟ أَمَّا إِنْ فَعَلْتَ فَأَغْنِهِمْ بِالْعِمَالَةِ عَنِ الْخِيَانَةِ يَعْنِي إِذَا اسْتَعْمَلَتْهُمْ عَلَى شَيْءٍ فَأَجْزِلْ لَهُمْ فِي الْعَطَاءِ وَالرِّزْقِ لَا يَحْتَاجُونَ.
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ لِاسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ:
68- الْقَبَالَةُ (أَوِ التَّقْبِيلُ) وَتُسَمَّى التَّضْمِينَ أَوِ الِالْتِزَامَ:
هِيَ فِي اللُّغَةِ- بِالْفَتْحِ الْكَفَالَةُ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ قَبَلَ بِفَتْحِ الْبَاءِ إِذَا كَفَلَ وَقَبُلَ بِضَمِّهَا إِذَا صَارَ قَبِيلًا أَيْ كَفِيلًا.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كُلُّ مَنْ يَقْبَلُ بِشَيْءٍ مُقَاطَعَةً وَكُتِبَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كِتَابٌ، فَالْكِتَابُ الَّذِي يُكْتَبُ هُوَ الْقَبَالَةُ بِالْفَتْحِ وَالْعَمَلُ قِبَالَةٌ بِالْكَسْرِ؛ لِأَنَّهُ صِنَاعَةٌ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: أَنْ يَدْفَعَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ صَقْعًا أَوْ بَلْدَةً أَوْ قَرْيَةً إِلَى رَجُلٍ مُدَّةَ سَنَةٍ مُقَاطَعَةً بِمَالٍ يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ عَنْ خَرَاجِ أَرْضِهَا، وَجِزْيَةِ رُءُوسِ أَهْلِهَا إِنْ كَانُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ، فَيَقْبَلُ ذَلِكَ، وَيَكْتُبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كِتَابًا.
وَقَدْ يَقَعُ فِي جِبَايَةِ الْجِزْيَةِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ ظُلْمٌ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ غَبْنٌ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلِذَلِكَ مَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى مَنْعِهَا، قَالَ أَبُو يُوسُفَ «فَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الْقَرْيَةِ أَنَا أُصَالِحُكُمْ عَنْهُمْ وَأُعْطِيكُمْ ذَلِكَ لَمْ يُجِيبُوهُ إِلَى مَا سَأَلَ لِأَنَّ ذَهَابَ الْجِزْيَةِ مِنْ هَذَا أَكْثَرُ لَعَلَّ صَاحِبَ الْقَرْيَةِ يُصَالِحُهُمْ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَفِيهَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَنْ إِذَا أُخِذَتْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ بَلَغَتْ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ».
مُسْقِطَاتُ الْجِزْيَةِ:
69- تَسْقُطُ الْجِزْيَةُ بِالْإِسْلَامِ، أَوِ الْمَوْتِ، أَوِ التَّدَاخُلِ، أَوِ الْعَجْزِ الْمَالِيِّ، أَوْ عَجْزِ الدَّوْلَةِ عَنْ تَوْفِيرِ الْحِمَايَةِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ، أَوِ الْإِصَابَةِ بِالْعَاهَاتِ الْمُزْمِنَةِ، أَوِ اشْتِرَاكِ الذِّمِّيِّينَ فِي الْقِتَالِ، وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ خِلَافٌ يَتَبَيَّنُ بِمَا يَلِي:
الْأَوَّلُ: الْإِسْلَامُ:
70- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تَسْقُطُ عَمَّنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَلَا يُطَالَبُ بِهَا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ.وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا يَلِي:
1- رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ جِزْيَةٌ».
2- الْإِجْمَاعُ: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: «أَجْمَعُوا- يَعْنِي الْفُقَهَاءَ- عَلَى أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَى مُسْلِمٍ».
3- وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ وَسِيلَةً إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَا تَبْقَى بَعْدَهُ.
4- وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ أَوْ بَدَلًا عَنِ النُّصْرَةِ، فَلَا تُقَامُ الْعُقُوبَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ.
وَلَا يُطَالَبُ بِالْجِزْيَةِ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ قَادِرًا عَلَى النُّصْرَةِ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ.
هَذَا الِاتِّجَاهُ الْفِقْهِيُّ هُوَ السَّائِدُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّ بَعْضَ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ لَمْ يَلْتَزِمُوا بِهِ، فَقَدْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْجِزْيَةَ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَيَعْتَبِرُونَهَا بِمَنْزِلَةِ الضَّرِيبَةِ عَلَى الْعَبِيدِ.
وَنَقَلَ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ بِالْعِرَاقِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا- صلى الله عليه وسلم- دَاعِيًا وَلَمْ يَبْعَثْهُ جَابِيًا، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَارْفَعِ الْجِزْيَةَ عَمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ.
حُكْمُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ عَمَّا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ بَعْدَ
دُخُولِ الذِّمِّيِّ فِي الْإِسْلَامِ:
71- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تَسْقُطُ عَمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، سَوَاءٌ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سِنِينَ.
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا يَلِي:
1- قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ}
تَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى سُقُوطِ الْجِزْيَةِ عَمَّنْ أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِمَّنْ يَجِبُ قِتَالُهُ عَلَى الْكُفْرِ إِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا، وَمَتَى أَسْلَمَ لَمْ يَجِبْ قِتَالُهُ، فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ.
2- قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ}
فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ لَا يُطَالَبُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ زَكَاةٍ، وَكَذَا لَا يُطَالَبُ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ جِزْيَةٍ قَبْلَ إِسْلَامِهِ.قَالَ مَالِكٌ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ أَشْهَبَ عَنْهُ: «الصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ يُوضَعَ عَمَّنْ أَسْلَمَ الْجِزْيَةُ حِينَ يُسْلِمُ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنَ السَّنَةِ إِلاَّ يَوْمٌ وَاحِدٌ لقوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا} يَعْنِي مَا قَدْ مَضَى قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ شَيْءٍ».
3- وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
4- وَاسْتَدَلُّوا بِالْمَعْقُولِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ وَسِيلَةً إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَا تَبْقَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْجِزْيَةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ جِزْيَةً: أَيْ جَزَاءَ الْإِقَامَةِ عَلَى الْكُفْرِ، فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ بِالْإِسْلَامِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَسْقُطُ عَنِ الذِّمِّيِّ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْحَوْلِ، أَمَّا إِذَا أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْجِزْيَةُ وَلَا يُطَالَبُ بِقِسْطِ مَا مَضَى مِنَ السَّنَةِ وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ: وَهُوَ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ بِقِسْطِ مَا مَضَى مِنَ السَّنَةِ كَالْأُجْرَةِ.
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا يَلِي:
1- أَنَّ الْجِزْيَةَ عِوَضٌ عَنْ حَقْنِ الدَّمِ، وَقَدْ وَصَلَ إِلَى الذِّمِّيِّ الْمُعَوَّضُ وَهُوَ حَقْنُ الدَّمِ، فَصَارَ الْعِوَضُ وَهُوَ الْجِزْيَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ.
2- أَنَّ الْجِزْيَةَ عِوَضٌ عَنْ سُكْنَى الدَّارِ، وَقَدِ اسْتَوْفَى الذِّمِّيُّ مَنَافِعَ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، فَلَا تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ بِإِسْلَامِ الذِّمِّيِّ.
3- وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وُجُوبًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ، وَتَسْتَقِرُّ بِانْقِضَاءِ الزَّمَنِ كَالْأُجْرَةِ، فَكُلَّمَا مَضَتْ مُدَّةٌ مِنَ الْحَوْلِ اسْتَقَرَّ قِسْطُهَا مِنْ جِزْيَةِ الْحَوْلِ.
الثَّانِي: الْمَوْتُ:
72- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي سُقُوطِ الْجِزْيَةِ بِالْمَوْتِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَحَصَلَ الْمَوْتُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ أَمْ بَعْدَ انْتِهَائِهِ.وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ:
بِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ، فَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْحُدُودِ.
وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ وَسِيلَةً إِلَى الْإِسْلَامِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ إِذَا حَصَلَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْحَوْلِ.بَلْ تُؤْخَذُ مِنَ التَّرِكَةِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ.أَمَّا إِذَا حَصَلَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، فَلَا تَسْقُطُ بِهِ أَيْضًا فِي الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِقِسْطِ مَا مَضَى مِنَ الْحَوْلِ.وَتَسْقُطُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلٍ آخَرَ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ وَلَا تُؤْخَذُ قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا وَاسْتَدَلُّوا لِعَدَمِ سُقُوطِهَا بِالْمَوْتِ بِالْأَدِلَّةِ الْآتِيَةِ: 1- مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنَادَةَ- كَاتِبِ حَيَّانَ بْنِ سُرَيْجٍ- وَكَانَ حَيَّانُ بَعَثَهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَتَبَ يَسْتَفْتِيهِ أَيَجْعَلُ جِزْيَةَ مَوْتَى الْقِبْطِ عَلَى أَحْيَائِهِمْ؟ فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ- وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يَسْمَعُ- فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ لَهُمْ بِعَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ، إِنَّمَا أُخِذُوا عَنْوَةً بِمَنْزِلَةِ الْعَبِيدِ، فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى حَيَّانَ بْنِ سُرَيْجٍ يَأْمُرَهُ: أَنْ يَجْعَلَ جِزْيَةَ الْأَمْوَاتِ عَلَى الْأَحْيَاءِ.
2- وَلِأَنَّهَا اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ بَدَلًا عَنِ الْعِصْمَةِ وَالسُّكْنَى، فَلَمْ تَسْقُطْ بِمَوْتِهِ كَسَائِرِ دُيُونِ الْآدَمِيِّينَ.
الثَّالِثُ: اجْتِمَاعُ جِزْيَةِ سَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ:
73- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَدَاخُلِ الْجِزَى:
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى عَدَمِ التَّدَاخُلِ وَتَجِبُ الْجِزَى كُلُّهَا.وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ: بِأَنَّ الْجِزْيَةَ حَقٌّ مَالِيٌّ يَجِبُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ، فَلَمْ تَتَدَاخَلْ كَالزَّكَاةِ وَالدِّيَةِ وَغَيْرِهِمَا.
وَلِأَنَّ الْمُدَّةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي إِسْقَاطِ الْوَاجِبِ كَخَرَاجِ الْأَرْضِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا مَضَتْ عَلَى الْجِزْيَةِ سَنَةٌ وَدَخَلَتْ ثَانِيَةٌ فَإِنَّ الْجِزَى تَتَدَاخَلُ، فَتَسْقُطُ جِزَى السَّنَوَاتِ الْمَاضِيَةِ وَيُطَالَبُ بِجِزْيَةِ السَّنَةِ الْحَالِيَّةِ.وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ:
بِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ، وَالْعُقُوبَاتُ إِذَا تَرَاكَمَتْ تَدَاخَلَتْ خَاصَّةً إِذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْحُدُودِ.أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ زَنَى مِرَارًا ثُمَّ رُفِعَ أَمْرُهُ إِلَى الْإِمَامِ لَمْ يَسْتَوْفِ مِنْهُ إِلاَّ حَدًّا وَاحِدًا بِجَمِيعِ الْأَفْعَالِ.
وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ حَقْنِ الدَّمِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِذَا صَارَ دَمُهُ مَحْقُونًا فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، فَلَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ لِأَجْلِهَا، لِانْعِدَامِ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ، كَمَا إِذَا أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ تَسْقُطُ عَنْهُ الْجِزْيَةُ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى الْحَقْنِ بِالْجِزْيَةِ؛ وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ مَا وَجَبَتْ إِلاَّ لِرَجَاءِ الْإِسْلَامِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ حَتَّى دَخَلَتْ سَنَةٌ أُخْرَى انْقَطَعَ الرَّجَاءُ فِيمَا مَضَى، وَبَقِيَ الرَّجَاءُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيُؤْخَذُ لِلسَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ.
الرَّابِعُ: طُرُوءُ الْإِعْسَارِ:
74- الْإِعْسَارُ: ضِيقُ الْحَالِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الْمَالِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تَسْقُطُ عَنِ الذِّمِّيِّ بِالْإِعْسَارِ الطَّارِئِ سَوَاءٌ أَطَرَأَ عَلَيْهِ الْإِعْسَارُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ أَمْ بَعْدَ انْتِهَائِهِ.وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَعْسَرَ أَكْثَرَ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ الْإِعْسَارَ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الْجِزْيَةِ ابْتِدَاءً.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَسْقُطُ عَنِ الذِّمِّيِّ بِالْإِعْسَارِ الطَّارِئِ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ الْإِعْسَارَ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الْجِزْيَةِ ابْتِدَاءً.وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا تَسْقُطُ الْجِزْيَةُ عَنْهُ، وَتُعْتَبَرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَيُمْهَلُ إِلَى وَقْتِ يَسَارٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنَ الْأَدَاءِ.أَخْذًا بِعُمُومِ قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تَسْقُطُ عَنِ الذِّمِّيِّ بِالْإِعْسَارِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَجِبُ، وَلَا تُؤْخَذُ قَبْلَ كَمَالِ الْحَوْلِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْإِعْسَارُ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْحَوْلِ، فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْجِزْيَةُ، وَتُصْبِحُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَيُنْظَرُ وَيُمْهَلُ إِلَى وَقْتِ يَسَارٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنَ الْأَدَاءِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
27-موسوعة الفقه الكويتية (حضانة 1)
حَضَانَةُ -1التَّعْرِيفُ:
1- الْحَضَانَةُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ حَضَنَ، وَمِنْهُ حَضَنَ الطَّائِرُ بَيْضَهُ إِذَا ضَمَّهُ إِلَى نَفْسِهِ تَحْتَ جَنَاحَيْهِ، وَحَضَنَتِ الْمَرْأَةُ صَبِيِّهَا إِذَا جَعَلَتْهُ فِي حِضْنِهَا أَوْ رَبَّتْهُ، وَالْحَاضِنُ وَالْحَاضِنَةُ الْمُوَكَّلَانِ بِالصَّبِيِّ يَحْفَظَانِهِ وَيُرَبِّيَانِهِ، وَحَضَنَ الصَّبِيَّ يَحْضُنُهُ حَضْنًا: رَبَّاهُ.
وَالْحَضَانَةُ شَرْعًا: هِيَ حِفْظُ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ بِأُمُورِهِ، وَتَرْبِيَتُهُ بِمَا يُصْلِحُهُ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْكَفَالَةُ
2- الْكَفَالَةُ لُغَةً الضَّمُّ، وَكَفَلْتُ الْمَالَ وَبِالْمَالِ ضَمِنْتُهُ، وَكَفَلْتُ الرَّجُلَ وَبِالرَّجُلِ كِفْلًا وَكَفَالَةً، وَتَكَفَّلْتُ بِهِ ضَمِنْتُهُ، وَالْكَافِلُ الْعَائِلُ، وَالْكَافِلُ وَالْكَفِيلُ الضَّامِنُ.قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: كَفِيلٌ وَكَافِلٌ وَضَمِينٌ وَضَامِنٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَفِي التَّهْذِيبِ: وَأَمَّا الْكَافِلُ فَهُوَ الَّذِي كَفَلَ إِنْسَانًا يَعُولُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْكَفَالَةُ بِالْوَلَدِ أَنْ يَعُولَهُ وَيَقُومَ بِأَمْرِهِ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}
وَفِي الْمُغْرِبِ: وَتَرْكِيبُهُ يَدُلُّ عَلَى الضَّمِّ وَالتَّضْمِينِ.
وَالْفُقَهَاءُ يُفْرِدُونَ بَابًا لِلْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ أَوْ بِالنَّفْسِ، وَيُعَرِّفُونَهَا بِأَنَّهَا ضَمُّ ذِمَّةِ الْكَفِيلِ إِلَى ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فِي الْمُطَالَبَةِ مُطْلَقًا بِنَفْسٍ، أَوْ بِدَيْنٍ، أَوْ عَيْنٍ كَمَغْصُوبٍ.كَمَا يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْكَفَالَةِ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ، وَيُرِيدُونَ بِالْكَفِيلِ مَنْ يَعُولُ الصَّغِيرَ وَيَقُومُ بِأُمُورِهِ.وَعَلَى ذَلِكَ فَلَفْظُ الْكَفَالَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ ضَمِّ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ الْحَضَانَةِ.
ب- الْوِلَايَةُ:
3- الْوِلَايَةُ لُغَةً: النُّصْرَةُ، وَشَرْعًا: الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ أَوْ هِيَ: تَنْفِيذِ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ.
وَقَدْ يَكُونُ مَصْدَرُهَا الشَّرْعَ كَوِلَايَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَقَدْ يَكُونُ مَصْدَرُهَا تَفْوِيضَ الْغَيْرِ كَالْوِصَايَةِ وَنِظَارَةِ الْوَقْفِ.وَالْوِلَايَاتُ مُتَعَدِّدَةٌ كَالْوِلَايَةِ فِي الْمَالِ، وَفِي النِّكَاحِ، وَفِي الْحَضَانَةِ، وَتَخْتَلِفُ مَنْ تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ مِنْ نَوْعٍ إِلَى نَوْعٍ، فَقَدْ تَكُونُ لِلرِّجَالِ فَقَطْ.وَقَدْ تَكُونُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
وَالْحَضَانَةُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْوِلَايَاتِ الثَّابِتَةِ بِالشَّرْعِ، وَيُقَدَّمُ فِيهَا النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ.
ج- الْوِصَايَةُ:
4- الْوِصَايَةُ لُغَةً: الْأَمْرُ، وَشَرْعًا: الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ، كَوَصِيَّةِ الْإِنْسَانِ إِلَى مَنْ يُغَسِّلُهُ، أَوْ يُصَلِّي عَلَيْهِ إِمَامًا، أَوْ يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَالْوِصَايَةُ وِلَايَةٌ كَغَيْرِهَا، إِلاَّ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِتَفْوِيضِ الْغَيْرِ، أَمَّا الْحَضَانَةُ فَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالشَّرْعِ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَصِيُّ حَاضِنًا.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5- الْحَضَانَةُ وَاجِبَةٌ شَرْعًا، لِأَنَّ الْمَحْضُونَ قَدْ يَهْلِكُ، أَوْ يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ، فَيَجِبُ حِفْظُهُ عَنِ الْهَلَاكِ، مُحْكِمُهَا الْوُجُوبُ الْعَيْنِيُّ إِذَا لَمْ يُوجَدْ إِلاَّ الْحَاضِنُ، أَوْ وُجِدَ وَلَكِنْ لَمْ يَقْبَلِ الصَّبِيُّ غَيْرَهُ، وَالْوُجُوبُ الْكِفَائِيُّ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْحَاضِنِ.
صِفَةُ الْمَحْضُونِ (مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَضَانَةُ):
6- تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ عَلَى الصَّغِيرِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ- الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ- بِالنِّسْبَةِ لِلْبَالِغِ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْحَضَانَةَ تَنْقَطِعُ فِي الذُّكُورِ بِالْبُلُوغِ وَلَوْ كَانَ زَمِنًا أَوْ مَجْنُونًا.
مُقْتَضَى الْحَضَانَةِ:
7- مُقْتَضَى الْحَضَانَةِ حِفْظُ الْمَحْضُونِ وَإِمْسَاكُهُ عَمَّا يُؤْذِيهِ، وَتَرْبِيَتُهُ لِيَنْمُوَ، وَذَلِكَ بِعَمَلِ مَا يُصْلِحُهُ، وَتَعَهُّدِهِ بِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، وَغُسْلِهِ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ، وَدَهْنِهِ، وَتَعَهُّدِ نَوْمِهِ وَيَقِظَتِهِ.
حَقُّ الْحَضَانَةِ:
8- لِكُلٍّ مِنَ الْحَاضِنِ وَالْمَحْضُونِ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ، فَهِيَ حَقُّ الْحَاضِنِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ عَنِ الْحَضَانَةِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِيهَا سَقَطَ، وَإِذَا أَرَادَ الْعَوْدَ وَكَانَ أَهْلًا لَهَا عَادَ إِلَيْهِ حَقُّهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ.
وَهِيَ حَقُّ الْمَحْضُونِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلِ الْمَحْضُونُ غَيْرَ أُمِّهِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ وَلَا لِلصَّغِيرِ مَالٌ، تَعَيَّنَتِ الْأُمُّ لِلْحَضَّانَةِ وَتُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ: لَوِ اخْتَلَعَتِ.الزَّوْجَةُ عَلَى أَنْ تَتْرُكَ وَلَدَهَا عِنْدَ الزَّوْجِ صَحَّ الْخُلْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ.
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَيُوَافِقُهُمُ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ الْجُمْهُورَ فِي عَوْدَةِ الْحَقِّ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ، فَعِنْدَهُمْ إِذَا أَسْقَطَ الْحَاضِنُ حَقَّهُ فِي الْحَضَانَةِ دُونَ عُذْرٍ بَعْدَ وُجُوبِهَا سَقَطَ حَقُّهُ وَلَا يَعُودُ إِلَيْهِ الْحَقُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ أَرَادَ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يَعُودُ إِلَيْهِ حَقُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا حَقُّ الْمَحْضُونِ.
الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْحَضَانَةِ وَتَرْتِيبُهُمْ:
9- الْحَضَانَةُ تَكُونُ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا، إِلاَّ أَنَّ النِّسَاءَ يُقَدَّمْنَ عَلَى الرِّجَالِ، لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَرْفَقُ، وَبِهَا أَلْيَقُ وَأَهْدَى إِلَى تَرْبِيَةِ الصِّغَارِ، ثُمَّ تُصْرَفُ إِلَى الرِّجَالِ لِأَنَّهُمْ عَلَى الْحِمَايَةِ وَالصِّيَانَةِ وَإِقَامَةِ مَصَالِحِ الصِّغَارِ أَقْدَرُ.
وَحَضَانَةُ الطِّفْلِ تَكُونُ لِلْأَبَوَيْنِ إِذَا كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا بَيْنَهُمَا، فَإِنِ افْتَرَقَا فَالْحَضَانَةُ لِأُمِّ الطِّفْلِ بِاتِّفَاقِ، لِمَا وَرَدَ «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي، فَقَالَ: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي».
وَلِكُلِّ أَهْلِ مَذْهَبٍ طَرِيقَةٌ خَاصَّةٌ فِي تَرْتِيبِ مُسْتَحِقِّي الْحَضَانَةِ بَعْدَ الْأُمِّ وَمَنْ يُقَدَّمُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ.مَعَ مُرَاعَاةِ أَنَّ الْحَضَانَةَ لَا تَنْتَقِلُ مِنَ الْمُسْتَحِقِّ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ إِلاَّ إِذَا أَسْقَطَ الْمُسْتَحِقُّ حَقَّهُ فِي الْحَضَانَةِ أَوْ سَقَطَتْ لِمَانِعٍ.
وَبَيَانُ تَرْتِيبِ الْمَذَاهِبِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ هُوَ كَمَا يَلِي:
10- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ تَلِي الْأُمَّ فِي الْحَضَانَةِ إِذَا سَقَطَتْ حَضَانَةُ الْأُمِّ لِمَانِعٍ، ثُمَّ أُمُّ الْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِأُمٍّ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ، ثُمَّ بِنْتُ الْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأُمٍّ، ثُمَّ الْخَالَاتُ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأُمٍّ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ بِنْتُ الْأُخْتِ لِأَبٍ (وَتَأْخِيرُهَا عَنِ الْخَالَاتِ هُوَ الصَّحِيحُ).ثُمَّ بَنَاتُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأُمٍّ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ الْعَمَّاتُ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأُمٍّ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ خَالَةُ الْأُمِّ، ثُمَّ خَالَةُ الْأَبِ، ثُمَّ عَمَّاتُ الْأُمَّهَاتِ وَالْآبَاءِ، ثُمَّ الْعَصَبَاتُ مِنَ الرِّجَالِ بِتَرْتِيبِ الْإِرْثِ، فَيُقَدَّمُ الْأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ بَنُوهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ الْعَمُّ، ثُمَّ بَنُوهُ.وَإِذَا اجْتَمَعُوا قُدِّمَ الْأَوْرَعُ ثُمَّ الْأَسَنُّ، ثُمَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ انْتَقَلَ حَقُّ الْحَضَانَةِ لِذَوِي الْأَرْحَامِ الذُّكُورِ إِذَا كَانُوا مِنَ الْمَحَارِمِ، فَيُقَدَّمُ الْجَدُّ لِأُمٍّ، ثُمَّ يُقَدَّمُ الْأَخُ لِأُمٍّ، ثُمَّ لِابْنِهِ، ثُمَّ لِلْعَمِّ لِأُمٍّ، ثُمَّ لِلْخَالِ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِلْخَالِ لِأُمٍّ، فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَصْلَحُهُمْ، ثُمَّ أَوْرَعُهُمْ ثُمَّ أَكْبَرُهُمْ.
11- وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْأَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ بَعْدَ الْأُمِّ أُمُّ الْأُمِّ، ثُمَّ جَدَّةُ الْأُمِّ، وَتُقَدَّمُ مَنْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ عَلَى مَنْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، ثُمَّ خَالَةُ الْمَحْضُونِ الشَّقِيقَةُ، ثُمَّ الَّتِي لِلْأُمِّ، ثُمَّ الَّتِي لِلْأَبِ، ثُمَّ خَالَةُ الْأُمِّ الشَّقِيقَةُ، ثُمَّ الَّتِي لِلْأُمِّ، ثُمَّ الَّتِي لِلْأَبِ، ثُمَّ عَمَّةُ الْأُمِّ، ثُمَّ الْجَدَّةُ لِأَبٍ (وَتَشْمَلُ أُمَّ الْأَبِ وَأُمَّ أُمِّهِ وَأُمَّ أَبِيهِ وَتُقَدَّمُ الْقُرْبَى عَلَى الْبُعْدَى) ثُمَّ بَعْدَ الْجَدَّةِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ تَكُونُ الْحَضَانَةُ لِلْأَبِ، ثُمَّ أُخْتِ الْمَحْضُونِ الشَّقِيقَةِ، ثُمَّ الَّتِي لِلْأُمِّ، ثُمَّ الَّتِي لِلْأَبِ، ثُمَّ الْعَمَّةِ، ثُمَّ عَمَّةِ الْأَبِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ خَالَةِ الْأَبِ.
ثُمَّ اخْتُلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَقْدِيمِ بِنْتِ الْأَخِ أَوْ بِنْتِ الْأُخْتِ أَوْ تَقْدِيمِ الْأَكْفَأِ مِنْهُنَّ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، ثُمَّ الْوَصِيِّ، ثُمَّ الْأَخِ، ثُمَّ الْجَدِّ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، ثُمَّ ابْنِ الْأَخِ، ثُمَّ الْعَمِّ، ثُمَّ ابْنِ الْعَمِّ، ثُمَّ الْمَوْلَى الْأَعْلَى، وَهُوَ الْمُعْتِقُ، ثُمَّ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ وَهُوَ الْمُعْتَقُ.
وَاخْتُلِفَ فِي حَضَانَةِ الْجَدِّ لِأُمٍّ، فَمَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ، وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ أَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْحَضَانَةِ، وَمَرْتَبَتُهُ تَكُونُ بَعْدَ مَرْتَبَةِ الْجَدِّ لِأَبٍ.
وَيُقَدَّمُ عِنْدَ التَّسَاوِي الْأَكْثَرُ صِيَانَةً وَشَفَقَةً، ثُمَّ الْأَكْبَرُ سِنًّا عِنْدَ التَّسَاوِي فِي ذَلِكَ، ثُمَّ الْقُرْعَةُ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي كُلِّ شَيْءٍ.
12- وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْأَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ بَعْدَ الْأُمِّ الْبِنْتُ، ثُمَّ أُمَّهَاتُ الْأُمِّ اللاَّتِي يُدْلِينَ بِإِنَاثٍ وَارِثَاتٍ تُقَدَّمُ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى، ثُمَّ الصَّحِيحُ بَعْدَ ذَلِكَ- عَلَى الْجَدِيدِ- تَنْتَقِلُ الْحَضَانَةُ إِلَى أُمِّ الْأَبِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ أُمَّهَاتُ الْأُمِّ عَلَى أُمِّ الْأَبِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِنَّ وَلِأَنَّهُنَّ أَقْوَى مِيرَاثًا مِنْ أُمَّهَاتِ الْأَبِ، ثُمَّ بَعْدَ أُمِّ الْأَبِ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ وَارِثَاتٍ، ثُمَّ أُمُّ أَبِي الْأَبِ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ وَارِثَاتٍ، ثُمَّ أُمُّ أَبِي الْجَدِّ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ وَارِثَاتٍ، وَتُقَدَّمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى، ثُمَّ الْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ ثُمَّ الَّتِي لِأَبٍ- عَلَى الْأَصَحِّ- ثُمَّ الَّتِي لِأُمٍّ، ثُمَّ لِخَالَةٍ بِهَذَا التَّرْتِيبِ عَلَى الْأَصَحِّ، ثُمَّ بِنْتُ الْأُخْتِ، ثُمَّ بِنْتُ الْأَخِ، ثُمَّ الْعَمَّةُ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، ثُمَّ الْعَمَّةُ مِنَ الْأَبِ، ثُمَّ الْعَمَّةُ مِنَ الْأُمِّ.
وَعَلَى الْقَدِيمِ يُقَدَّمُ الْأَخَوَاتُ وَالْخَالَاتُ عَلَى أُمَّهَاتِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، أَمَّا الْأَخَوَاتُ فَلِأَنَّهُنَّ اجْتَمَعْنَ مَعَهُ فِي الصُّلْبِ وَالْبَطْنِ، وَأَمَّا الْخَالَاتُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ».
وَالْأَصَحُّ إِثْبَاتُ حَقِّ الْحَضَانَةِ لِلْإِنَاثِ غَيْرِ الْمَحَارِمِ كَبِنْتِ الْخَالَةِ، وَبِنْتِ الْعَمَّةِ، وَبِنْتِ الْخَالِ، وَبِنْتِ الْعَمِّ لِشَفَقَتِهِنَّ بِالْقَرَابَةِ وَهِدَايَتِهِنَّ إِلَى التَّرْبِيَةِ بِالْأُنُوثَةِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْحَضَانَةِ.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِحَضَانَةِ الرِّجَالِ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهَا تَثْبُتُ لِكُلِّ مَحْرَمٍ وَارِثٍ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، فَيُقَدَّمُ أَبٌ، ثُمَّ جَدٌّ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ أَخٌ شَقِيقٌ، ثُمَّ لِأَبٍ، وَهَكَذَا كَتَرْتِيبِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ، كَمَا تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ لِغَيْرِ الْمَحْرَمِ إِنْ كَانَ وَارِثًا كَابْنِ الْعَمِّ، وَهَذَا عَلَى الصَّحِيحِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ بِالْوِلَايَةِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ لَا حَضَانَةَ لَهُ لِفَقْدِ الْمَحْرَمِيَّةِ.
فَإِنْ فَقَدَ الذَّكَرُ الْإِرْثَ وَالْمَحْرَمِيَّةَ مَعًا كَابْنِ الْخَالِ وَابْنِ الْعَمَّةِ، أَوْ فَقَدَ الْإِرْثَ فَقَطْ مَعَ بَقَاءِ الْمَحْرَمِيَّةِ كَالْخَالِ وَأَبِي الْأُمِّ، فَلَا حَضَانَةَ لَهُمْ فِي الْأَصَحِّ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَهُمُ الْحَضَانَةُ لِشَفَقَتِهِمْ بِالْقَرَابَةِ.
وَإِذَا اجْتَمَعَ لِلْمَحْضُونِ مُسْتَحِقُّونَ مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ قُدِّمَتِ الْأُمُّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُ الْأُمِّ الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ، ثُمَّ الْأَبُ، وَقِيلَ تُقَدَّمُ الْخَالَةُ وَالْأُخْتُ مِنَ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، وَيُقَدَّمُ الْأَصْلُ عَلَى الْحَاشِيَةِ مُطْلَقًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ لِقُوَّةِ الْأُصُولِ، فَإِنْ فُقِدَ الْأَصْلُ وَهُنَاكَ حَوَاشٍ فَالْأَصَحُّ أَنْ يُقَدَّمَ مِنَ الْحَوَاشِي الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَالْإِرْثِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَإِنِ اسْتَوَوْا وَفِيهِمْ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، فَالْأُنْثَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى الذَّكَرِ.
وَإِنِ اسْتَوَى اثْنَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَأَخَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ، وَخَالَتَيْنِ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ.
وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّ نِسَاءَ الْقَرَابَةِ وَإِنْ بَعُدْنَ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ مِنَ الذُّكُورِ وَإِنْ كَانُوا عَصَبَاتٍ، لِأَنَّهُنَّ أَصْلَحُ لِلْحَضَانَةِ.
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: إِنْ تُزَاحَمُوا قُدِّمَتْ فِي الْأُصُولِ الْأُمُّ مَا لَمْ تَنْكِحْ أَجْنَبِيًّا، ثُمَّ الْجَدَّةُ، ثُمَّ الْمُدْلِيَةُ بِهَا، لِأَنَّهَا بِالْإِنَاثِ أَلْيَقُ، ثُمَّ الْأَبُ، ثُمَّ الْمُدْلِيَةُ بِهِ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ الْمُدْلِيَةُ بِهِ، ثُمَّ الْأُخْتُ، ثُمَّ الْأَخُ، ثُمَّ الْخَالَاتُ، ثُمَّ بِنْتُ الْأُخْتِ، ثُمَّ بِنْتُ الْأَخِ، ثُمَّ ابْنُهُ، ثُمَّ الْعَمُّ، ثُمَّ ابْنَتُهُ، ثُمَّ ابْنُهُ، وَتُسَلَّمُ الْمُرَاهِقَةُ إِلَى ثِقَةٍ، وَقُدِّمَ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْأَبُ، ثُمَّ الْأُمُّ.ثُمَّ أَبُو الْأُمِّ.ثُمَّ الْخَالُ.وَقِيلَ: لَا حَقَّ لَهُمَا، وَلَا لِابْنِ وَلَدِ الْأُمِّ، لِعَدَمِ الْأُنُوثَةِ وَالْإِرْثِ.
13- وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْأَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ بَعْدَ الْأُمِّ أُمَّهَاتُهَا الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى، ثُمَّ الْأَبُ، ثُمَّ أُمَّهَاتُ الْأَبِ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُ الْجَدِّ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى، ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِأُمٍّ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ الْخَالَةُ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ الْخَالَةُ لِأُمٍّ، ثُمَّ الْخَالَةُ لِأَبٍ، ثُمَّ الْعَمَّةُ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأُمٍّ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ خَالَةُ أُمِّهِ كَذَلِكَ، ثُمَّ خَالَةُ أَبِيهِ، ثُمَّ عَمَّةُ أَبِيهِ، ثُمَّ بَنَاتُ إِخْوَتِهِ وَبَنَاتُ أَخَوَاتِهِ، ثُمَّ بَنَاتُ أَعْمَامِهِ وَبَنَاتُ عَمَّاتِهِ، ثُمَّ بَنَاتُ أَعْمَامِ أَبِيهِ وَبَنَاتُ عَمَّاتِ أَبِيهِ، تُقَدَّمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ مَنْ كَانَتْ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ مَنْ كَانَتْ لِأُمٍّ، ثُمَّ مَنْ كَانَتْ لِأَبٍ.ثُمَّ تَكُونُ الْحَضَانَةُ لِبَاقِي الْعَصَبَةِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ.فَإِنْ كَانَ الْمَحْضُونُ أُنْثَى فَالْحَضَانَةُ عَلَيْهَا لِلْعَصَبَةِ مِنْ مَحَارِمِهَا وَلَوْ بِرَضَاعٍ وَنَحْوِهِ كَمُصَاهَرَةٍ، وَهَذَا مَتَى بَلَغَتِ الْأُنْثَى الْمَحْضُونَةُ سَبْعًا، فَلَا حَضَانَةَ عَلَيْهَا بَعْدَ السَّبْعِ لِابْنِ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا لَهَا بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ.
هَذَا مَا حَرَّرَهُ صَاحِبُ كَشَّافِ الْقِنَاعِ، وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ قُدَامَةَ إِنَّهُ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ.
وَذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَعَنْهُ أَنَّ أُمَّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتِهَا مُقَدَّمَاتٌ عَلَى أُمِّ الْأُمِّ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ الْأَبُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، فَيَكُونُ الْأَبُ بَعْدَ الْأُمِّ ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ.
كَمَا حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْأُخْتَ مِنَ الْأُمِّ وَالْخَالَةَ أَحَقُّ مِنَ الْأَبِ، فَتَكُونُ الْأُخْتُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَحَقَّ مِنْهُ وَمِنْ جَمِيعِ الْعَصَبَاتِ.
وَأَمَّا تَرْتِيبُ الرِّجَالِ فَأَوْلَاهُمُ الْأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ، أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ الْأَخُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، ثُمَّ الْأَخُ مِنَ الْأَبِ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ، ثُمَّ الْعُمُومَةُ، ثُمَّ بَنُوهُمْ كَذَلِكَ، ثُمَّ عُمُومَةُ الْأَبِ، ثُمَّ بَنُوهُمْ.
وَإِنْ اجْتَمَعَ شَخْصَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ وَتَسَاوَوْا، كَأَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ قُدِّمَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُمْ بِالْقُرْعَةِ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَاضِنِ أَحَدٌ مِمَّنْ ذُكِرَ انْتَقَلَتِ الْحَضَانَةُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْأَوْلَى، لِأَنَّ لَهُمْ رَحِمًا وَقَرَابَةً يَرِثُونَ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ مَنْ هُوَ أَوْلَى، فَيُقَدَّمُ أَبُو أُمٍّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ، ثُمَّ أَخٌ مِنْ أُمٍّ، ثُمَّ خَالٌ، ثُمَّ حَاكِمٌ يُسَلِّمُهُ إِلَى مَنْ يَحْضُنُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ لَا حَقَّ لِذَوِي الْأَرْحَامِ مِنَ الرِّجَالِ وَيَنْتَقِلُ الْأَمْرُ لِلْحَاكِمِ.
وَفِي كُلِّ مَوْطِنٍ اجْتَمَعَ فِيهِ أَخٌ وَأُخْتٌ، أَوْ عَمٌّ وَعَمَّةٌ، أَوِ ابْنُ أَخٍ وَبِنْتُ أَخٍ، أَوِ ابْنُ أُخْتٍ وَبِنْتُ أُخْتٍ قُدِّمَتِ الْأُنْثَى عَلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهَا مِنَ الذُّكُورِ، لِأَنَّ الْأُنُوثَةَ هُنَا مَعَ التَّسَاوِي تُوجِبُ الرُّجْحَانَ.
مَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ:
14- الْحَضَانَةُ مِنَ الْوِلَايَاتِ وَالْغَرَضُ مِنْهَا صِيَانَةُ الْمَحْضُونِ وَرِعَايَتُهُ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إِلاَّ إِذَا كَانَ الْحَاضِنُ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَلِهَذَا يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ شُرُوطًا خَاصَّةً لَا تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ إِلاَّ لِمَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: شُرُوطٌ عَامَّةٌ فِي النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، وَشُرُوطٌ خَاصَّةٌ بِالنِّسَاءِ، وَشُرُوطٌ خَاصَّةٌ بِالرِّجَالِ.
أَمَّا الشُّرُوطُ الْعَامَّةُ فَهِيَ:
1- الْإِسْلَامُ.وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَحْضُونُ مُسْلِمًا، إِذْ لَا وِلَايَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَلِلْخَشْيَةِ عَلَى الْمَحْضُونِ مِنَ الْفِتْنَةِ فِي دِينِهِ، وَهَذَا شَرْطٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، وَمِثْلُهُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَاضِنِ الذَّكَرِ..أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَاضِنَةِ الْأُنْثَى، فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُرْتَدَّةً، لِأَنَّهَا تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ- كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ- فَلَا تَتَفَرَّغُ لِلْحَضَانَةِ.
أَمَّا غَيْرُ الْمُسْلِمَةِ- كِتَابِيَّةً كَانَتْ أَوْ مَجُوسِيَّةً- فَهِيَ كَالْمُسْلِمَةِ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الْحَضَانَةِ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: مَا لَمْ يَعْقِلِ الْمَحْضُونُ الدِّينَ، أَوْ يُخْشَى أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَنْزِعُ مِنْهَا وَيُضَمُّ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ خِيفَ عَلَيْهِ فَلَا يَنْزِعُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا تُضَمُّ الْحَاضِنَةُ لِجِيرَانٍ مُسْلِمِينَ لِيَكُونُوا رُقَبَاءَ عَلَيْهَا.
2- الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ، فَلَا تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ لِطِفْلٍ وَلَا لِمَجْنُونٍ، أَوْ مَعْتُوهٍ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ عَاجِزُونَ عَنْ إِدَارَةِ أُمُورِهِمْ وَفِي حَاجَةٍ لِمَنْ يَحْضُنُهُمْ، فَلَا تُوكَلُ إِلَيْهِمْ حَضَانَةُ غَيْرِهِمْ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ حَيْثُ إِنَّ لِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلًا فِي شَرْطِ الْبُلُوغِ.
3- الْأَمَانَةُ فِي الدِّينِ، فَلَا حَضَانَةَ لِفَاسِقٍ، لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُؤْتَمَنُ، وَالْمُرَادُ: الْفِسْقُ الَّذِي يَضِيعُ الْمَحْضُونُ بِهِ، كَالِاشْتِهَارِ بِالشُّرْبِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالزِّنَى وَاللَّهْوِ الْمُحَرَّمِ، أَمَّا مَسْتُورُ الْحَالِ فَتَثْبُتُ لَهُ الْحَضَانَةُ.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْحَاضِنَةَ إِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً فِسْقًا يَلْزَمُ مِنْهُ ضَيَاعُ الْوَلَدِ عِنْدَهَا سَقَطَ حَقُّهَا، وَإِلاَّ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ إِلَى أَنْ يَعْقِلَ الْوَلَدُ فُجُورَ أُمِّهِ فَيُنْزَعُ مِنْهَا، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: يَكْفِي مَسْتُورُهَا أَيْ مَسْتُورُ الْعَدَالَةِ.قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَالْحَاضِنُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَمَانَةِ حَتَّى يَثْبُتَ عَدَمُهَا.
4- الْقُدْرَةُ عَلَى الْقِيَامِ بِشَأْنِ الْمَحْضُونِ، فَلَا حَضَانَةَ لِمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ لِكِبَرِ سِنٍّ، أَوْ مَرَضٍ يَعُوقُ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ عَاهَةٍ كَالْعَمَى وَالْخَرَسِ وَالصَّمَمِ، أَوْ كَانَتِ الْحَاضِنَةُ تَخْرُجُ كَثِيرًا لِعَمَلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَتَتْرُكُ الْوَلَدَ ضَائِعًا، فَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَا حَضَانَةَ لَهُمْ إِلاَّ إِذَا كَانَ لَدَيْهِمْ مَنْ يُعْنَى بِالْمَحْضُونِ، وَيَقُومُ عَلَى شُؤُونِهِ، فَحِينَئِذٍ لَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهُمْ.
5- أَلاَّ يَكُونَ بِالْحَاضِنِ مَرَضٌ مُعْدٍ، أَوْ مُنَفِّرٌ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إِلَى الْمَحْضُونِ، كَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ وَشَبَهِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إِلَى الْمَحْضُونِ.
6- الرُّشْدُ: وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، فَلَا حَضَانَةَ لِسَفِيهٍ مُبَذِّرٍ لِئَلاَّ يُتْلِفَ مَالَ الْمَحْضُونِ.
7- أَمْنُ الْمَكَانِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَحْضُونِ الَّذِي بَلَغَ سِنًّا يُخْشَى عَلَيْهِ فِيهِ الْفَسَادُ، أَوْ ضَيَاعُ مَالِهِ، فَلَا حَضَانَةَ لِمَنْ يَعِيشُ فِي مَكَانٍ مَخُوفٍ يَطْرُقُهُ الْمُفْسِدُونَ وَالْعَابِثُونَ.وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الشَّرْطِ الْمَالِكِيَّةُ.
8- عَدَمُ سَفَرِ الْحَاضِنِ أَوِ الْوَلِيِّ سَفَرَ نُقْلَةٍ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي (مَكَانُ الْحَضَانَةِ).
أَمَّا الشُّرُوطُ الْخَاصَّةُ بِالْحَاضِنِينَ مِنَ الرِّجَالِ فَهِيَ:
أ- أَنْ يَكُونَ مَحْرَمًا لِلْمَحْضُونِ إِذَا كَانَتِ الْمَحْضُونَةُ أُنْثَى مُشْتَهَاةً فَلَا حَضَانَةَ لِابْنِ الْعَمِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْرَمًا، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا فَلَا يُؤْتَمَنُ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتِ الْمَحْضُونَةُ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى، وَلَا يُخْشَى عَلَيْهَا فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَةُ ابْنِ عَمِّهَا.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَهَاةِ غَيْرُ ابْنِ الْعَمِّ، وُضِعَتْ عِنْدَ أَمِينَةٍ يَخْتَارُهَا ابْنُ الْعَمِّ، كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، أَوْ يَخْتَارُهَا الْقَاضِي كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ إِذَا لَمْ يَكُنِ ابْنُ عَمِّهَا أَصْلَحَ لَهَا، وَإِلاَّ أَبْقَاهَا الْقَاضِي عِنْدَهُ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَسْقُطُ حَقُّ الْحَضَانَةِ لِغَيْرِ الْمَحْرَمِ.
وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ تُضَمَّ لِابْنِ عَمِّهَا إِذَا كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ يُسْتَحَى مِنْهَا، فَإِنَّهَا تُجْعَلُ عِنْدَهُ مَعَ بِنْتِهِ.
ب- يَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ لِثُبُوتِ الْحَضَانَةِ لِلذَّكَرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْحَضَانَةِ كَزَوْجَةٍ، أَوْ أَمَةٍ، أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ لِذَلِكَ، أَوْ مُتَبَرِّعَةٍ.
وَأَمَّا الشُّرُوطُ الْخَاصَّةُ بِالْحَوَاضِنِ مِنَ النِّسَاءِ فَهِيَ:
أَوَّلًا- أَلاَّ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ مُتَزَوِّجَةً مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَحْضُونِ، لِأَنَّهَا تَكُونُ مَشْغُولَةً بِحَقِّ الزَّوْجِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» فَلَا حَضَانَةَ لِمَنْ تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَحْضُونِ، وَتَسْقُطُ حَضَانَتُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَبِالدُّخُولِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي.
وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ حَالَاتٍ لَا يَسْقُطُ فِيهَا حَقُّ الْحَاضِنَةِ بِتَزَوُّجِهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَحْضُونِ وَهِيَ:
أ- أَنْ يَعْلَمَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ بَعْدَهَا بِدُخُولِ زَوْجِهَا بِهَا، وَسُقُوطِ حَقِّهَا فِي الْحَضَانَةِ وَيَسْكُتَ- بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ بِلَا عُذْرٍ- سَنَةً فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا حِينَئِذٍ.
ب- أَلاَّ يَقْبَلَ الْمَحْضُونُ غَيْرَ مُسْتَحِقَّةِ الْحَضَانَةِ أُمًّا أَوْ غَيْرَهَا- فَلَا تَسْقُطُ بِدُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
ج- أَلَا تَقْبَلَ الْمُرْضِعَةُ أَنْ تُرْضِعَهُ عِنْدَ بَدَلِ أُمِّهِ الَّذِي انْتَقَلَتْ لَهُ الْحَضَانَةُ بِسَبَبِ تَزَوُّجِ الْأُمِّ.
د- أَلاَّ يَكُونَ لِلْوَلَدِ حَاضِنٌ غَيْرُ الْحَاضِنَةِ الَّتِي دَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا، أَوْ يَكُونَ لَهُ حَاضِنٌ غَيْرُهَا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ، أَوْ عَاجِزٌ عَنِ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمَحْضُونِ.
هـ- أَلاَّ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ الَّتِي تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ وَصِيَّةً عَلَى الْمَحْضُونِ، وَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَهُمْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ.
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِزَوَاجِ الْحَاضِنَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَحْضُونِ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْمَحْضُونِ كَالْجَدَّةِ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِجَدِّ الصَّبِيِّ، أَوْ تَزَوَّجَتْ بِقَرِيبٍ وَلَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ مِنَ الْمَحْضُونِ كَابْنِ عَمِّهِ فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا، وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ- الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ- فِي الْأَصَحِّ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ يَسْقُطُ حَقُّهَا لِاشْتِغَالِهَا بِالزَّوْجِ.وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنْ يَكُونَ مَنْ نَكَحَتْهُ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ، لِأَنَّ شَفَقَتَهُ تَحْمِلُهُ عَلَى رِعَايَتِهِ فَيَتَعَاوَنَانِ عَلَى ذَلِكَ.كَمَا اشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ رِضَا الزَّوْجِ، وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ بَقَاءَ الْحَضَانَةِ بِمَا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ رَحِمًا مَحْرَمًا، فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا.
ثَانِيًا- أَنْ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْمَحْضُونِ كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ، فَلَا حَضَانَةَ لِبَنَاتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ، وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَلَيْسَ هَذَا شَرْطًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ لِبِنْتِ الْعَمِّ عَلَى الذَّكَرِ الْمُشْتَهَى، وَهُوَ قَوْلٌ نَقَلَهُ ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
ثَالِثًا- أَلاَّ تُقِيمَ الْحَاضِنَةُ بِالْمَحْضُونِ فِي بَيْتِ مَنْ يُبْغِضُ الْمَحْضُونَ وَيَكْرَهُهُ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتِ الْأُمُّ وَأَخَذَتْهُ أُمُّ الْأُمِّ، وَأَقَامَتْ بِالْمَحْضُونِ مَعَ الْأُمِّ فَحِينَئِذٍ تَسْقُطُ حَضَانَةُ أُمِّ الْأُمِّ إِذَا كَانَتْ فِي عِيَالِ زَوْجِ الْأُمِّ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
رَابِعًا- أَلاَّ تَمْتَنِعَ الْحَاضِنَةُ عَنْ إِرْضَاعِ الطِّفْلِ إِذَا كَانَتْ أَهْلًا لَهُ، وَكَانَ مُحْتَاجًا لِلرَّضَاعِ وَهَذَا فِي الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
مَكَانُ الْحَضَانَةِ وَحُكْمُ انْتِقَالِ الْحَاضِنِ أَوِ الْوَلِيِّ:
15- مَكَانُ الْحَضَانَةِ هُوَ الْمَسْكَنُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ وَالِدُ الْمَحْضُونِ إِذَا كَانَتِ الْحَاضِنَةُ أُمَّهُ وَهِيَ فِي زَوْجِيَّةِ أَبِيهِ، أَوْ فِي عِدَّتِهِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ.ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَةَ مُلْزَمَةٌ بِمُتَابَعَةِ زَوْجِهَا وَالْإِقَامَةِ مَعَهُ حَيْثُ يُقِيمُ، وَالْمُعْتَدَّةُ يَلْزَمُهَا الْبَقَاءُ فِي مَسْكَنِ الزَّوْجِيَّةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ سَوَاءٌ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ بِدُونِهِ، لقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}.
وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّةُ الْأُمِّ فَمَكَانُ الْحَضَانَةِ هُوَ الْبَلَدُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ وَالِدُ الْمَحْضُونِ أَوْ وَلِيُّهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْحَاضِنَةُ غَيْرَ الْأُمِّ، لِأَنَّ لِلْأَبِ حَقَّ رُؤْيَةِ الْمَحْضُونِ، وَالْإِشْرَافَ عَلَى تَرْبِيَتِهِ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إِلاَّ إِذَا كَانَ الْحَاضِنُ يُقِيمُ فِي بَلَدِ الْأَبِ أَوِ الْوَلِيِّ.
هَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَاتُ الْمَذَاهِبِ الْأُخْرَى.
أَمَّا مَسْأَلَةُ انْتِقَالِ الْحَاضِنِ، أَوِ الْوَلِيِّ إِلَى مَكَان آخَرَ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَذَاهِبِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ كَمَا يَلِي:
يُفَرِّقُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- بَيْنَ سَفَرِ الْحَاضِنَةِ، أَوِ الْوَلِيِّ لِلنُّقْلَةِ وَالِانْقِطَاعِ وَالسُّكْنَى فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَبَيْنَ السَّفَرِ لِحَاجَةٍ كَالتِّجَارَةِ وَالزِّيَارَةِ.
فَإِنْ كَانَ سَفَرُ أَحَدِهِمَا (الْحَاضِنَةِ أَوِ الْوَلِيِّ) لِلنُّقْلَةِ وَالِانْقِطَاعِ سَقَطَتْ حَضَانَةُ الْأُمِّ، وَتَنْتَقِلُ لِمَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْحَضَانَةِ بَعْدَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ آمِنًا، وَالْمَكَانُ الْمُنْتَقِلُ إِلَيْهِ مَأْمُونًا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّغِيرِ، وَالْأَبُ هُوَ الْأَوْلَى بِالْمَحْضُونِ سَوَاءٌ أَكَانَ هُوَ الْمُقِيمَ أَمِ الْمُنْتَقِلَ، لِأَنَّ الْأَبَ فِي الْعَادَةِ هُوَ الَّذِي يَقُومُ بِتَأْدِيبِ الصَّغِيرِ، وَحِفْظِ نَسَبِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْوَلَدُ فِي بَلَدِ الْأَبِ ضَاعَ، لَكِنْ قَيَّدَ الْحَنَابِلَةُ أَوْلَوِيَّةَ الْأَبِ بِمَا إِذَا لَمْ يُرِدْ مُضَارَّةَ الْأُمِّ وَانْتِزَاعَ الْوَلَدِ مِنْهَا، فَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ لَمْ يُجَبْ إِلَيْهِ، بَلْ يُعْمَلُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْوَلَدِ.وَإِنْ سَافَرَتِ الْأُمُّ مَعَ الْأَبِ بَقِيَتْ عَلَى حَضَانَتِهَا.
هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ مَسَافَةِ السَّفَرِ.فَحَدَّدَهَا الْمَالِكِيَّةُ بِسِتَّةِ بُرُدٍ فَأَكْثَرَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، أَوْ مَسَافَةِ بَرِيدَيْنِ عَلَى قَوْلٍ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، وَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ التَّحْدِيدُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَنْصُوصُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ قُرْبٌ بِحَيْثُ يَرَاهُمُ الْأَبُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَرَوْنَهُ فَتَكُونُ الْأُمُّ عَلَى حَضَانَتِهَا.
وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ لِحَاجَةٍ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ كَانَ الْوَلَدُ مَعَ الْمُقِيمِ مِنْهُمَا حَتَّى يَعُودَ الْمُسَافِرُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا أَمْ قَصِيرًا، وَكَذَا يَكُونُ الْوَلَدُ مَعَ الْمُقِيمِ لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ أَوِ الْمَكَانُ الْمُنْتَقَلُ إِلَيْهِ غَيْرَ آمِنٍ فِي سَفَرِ النُّقْلَةِ وَالِانْقِطَاعِ.
وَإِنِ اخْتَلَفَ الْأَبُ وَالْأُمُّ فَقَالَ الْأَبُ: سَفَرِي لِلْإِقَامَةِ، وَقَالَتِ الْأُمُّ سَفَرُكَ لِلْحَاجَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ مَعَ يَمِينِهِ.
وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُقِيمُ الْأُمَّ وَكَانَ فِي مُقَامِهِ مَعَهَا مَفْسَدَةٌ أَوْ ضَيَاعُ مَصْلَحَةٍ، كَعَدَمِ تَعْلِيمِ الصَّبِيِّ الْقُرْآنَ، أَوْ حِرْفَةٍ حَيْثُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَمْكِينُ الْأَبِ مِنَ السَّفَرِ بِهِ، لَا سِيَّمَا إِنِ اخْتَارَهُ الْوَلَدُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ سَفَرُ أَحَدِهِمَا- الْحَاضِنَةِ أَوِ الْوَلِيِّ- لِتِجَارَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَةُ الْأُمِّ، وَتَأْخُذُهُ مَعَهَا إِنْ سَافَرَتْ، وَيَبْقَى مَعَهَا إِنْ سَافَرَ الْأَبُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مَسَافَةُ السَّفَرِ سِتَّةَ بُرُدٍ أَمْ أَقُلَ أَمْ أَكْثَرَ عَلَى مَا قَالَهُ الأَُجْهُورِيُّ وَعَبْدُ الْبَاقِي، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ وَالْخَرَشِيُّ وَالْعَدَوِيُّ: لَا تَأْخُذُ الْوَلَدَ مَعَهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا كَبَرِيدٍ، فَإِنْ بَعُدَ فَلَا تَأْخُذُهُ، وَإِنْ كَانَتْ حَضَانَتُهَا بَاقِيَةً.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْأُمِّ الْحَاضِنَةِ الَّتِي فِي زَوْجِيَّةِ الْأَبِ أَوْ فِي عِدَّتِهِ الْخُرُوجُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ.أَمَّا إِنْ كَانَتْ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ بِالْمَحْضُونِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ فِي الْأَحْوَالِ الْآتِيَةِ:
1- إِذَا خَرَجَتْ إِلَى بَلْدَةٍ قَرِيبَةٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُ لِأَبِيهِ رُؤْيَتُهُ وَالْعَوْدَةُ فِي نَهَارِهِ عَلَى أَلاَّ يَكُونَ الْمَكَانُ الَّذِي انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ أَقَلَّ حَالًا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي تُقِيمُ فِيهِ حَتَّى لَا تَتَأَثَّرَ أَخْلَاقُ الصَّبِيِّ.
2- إِذَا خَرَجَتْ إِلَى مَكَان بَعِيدٍ مَعَ تَحَقُّقِ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ:
أ- أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ الَّذِي انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ وَطَنَهَا.
ب- أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ قَدْ عَقَدَ نِكَاحَهُ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْبَلَدِ.
ج- أَلاَّ يَكُونَ الْمَكَانُ الَّذِي انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ دَارَ حَرْبٍ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا.
فَإِذَا تَحَقَّقَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ جَازَ لَهَا السَّفَرُ بِالْمَحْضُونِ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ الْبَعِيدِ، لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ السَّفَرِ أَصْلًا هُوَ ضَرَرُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأَبِ وَبَيْنَ وَلَدِهِ، وَقَدْ رَضِيَ بِهِ لِوُجُودِ دَلِيلِ الرِّضَا وَهُوَ التَّزَوُّجُ بِهَا فِي بَلَدِهَا لِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي بَلَدِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقِيمُ فِيهِ، وَالْوَلَدُ مِنْ ثَمَرَاتِ النِّكَاحِ فَكَانَ رَاضِيًا بِحَضَانَةِ الْوَلَدِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، فَكَانَ رَاضِيًا بِالتَّفْرِيقِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ بِوَلَدِهَا إِلَى بَلَدِهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَقْدُ النِّكَاحِ قَدْ وَقَعَ فِيهِ، وَلَا أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ عَقْدُ النِّكَاحِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَلَدَهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الرِّضَا مِنَ الزَّوْجِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الشَّرْطَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَاعْتَبَرَ أَبُو يُوسُفَ مَكَانَ الْعَقْدِ فَقَطْ.
أَمَّا شَرْطُ أَلاَّ يَكُونَ الْمَكَانُ حَرْبِيًّا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِضْرَارٍ بِالصَّبِيِّ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ الْكُفَّارِ.
هَذَا إِذَا كَانَتِ الْحَاضِنَةُ هِيَ الْأُمَّ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهَا فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ بِالصَّغِيرِ إِلَى أَيِّ مَكَان إِلاَّ بِإِذْنِ الْأَبِ لِعَدَمِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا
كَمَا يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَوِ الْوَلِيِّ أَخْذُ الصَّغِيرِ مِمَّنْ لَهُ الْحَضَانَةُ مِنَ النِّسَاءِ وَالِانْتِقَالُ بِهِ مِنْ بَلَدِ أُمِّهِ بِلَا رِضَاهَا مَا بَقِيَتْ حَضَانَتُهَا قَائِمَةً، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ بِانْتِقَالِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَكَانُ الَّذِي يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ قَرِيبًا أَمْ بَعِيدًا.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
28-موسوعة الفقه الكويتية (رؤيا)
رُؤْيَاالتَّعْرِيفُ:
1- الرُّؤْيَا عَلَى وَزْنِ فُعْلَى مَا يَرَاهُ الْإِنْسَانُ فِي مَنَامِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِأَلِفِ التَّأْنِيثِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَتُجْمَعُ عَلَى رُؤًى.
وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ بِالْهَاءِ فَهِيَ رُؤْيَةُ الْعَيْنِ وَمُعَايَنَتُهَا لِلشَّيْءِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَتَأْتِي أَيْضًا بِمَعْنَى الْعِلْمِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَاللِّسَانِ، فَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى النَّظَرِ بِالْعَيْنِ فَإِنَّهَا تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْعِلْمِ فَإِنَّهَا تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ.
وَالرُّؤْيَا فِي الِاصْطِلَاحِ لَا تَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْإِلْهَامُ:
2- الْإِلْهَامُ فِي اللُّغَةِ: تَلْقِينُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْخَيْرَ لِعَبْدِهِ، أَوْ إِلْقَاؤُهُ فِي رُوعِهِ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: إِيقَاعُ شَيْءٍ يَطْمَئِنُّ لَهُ الصَّدْرُ يَخُصُّ بِهِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِلْهَامٌ).
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرُّؤْيَا وَالْإِلْهَامِ أَنَّ الْإِلْهَامَ يَكُونُ فِي الْيَقَظَةِ، بِخِلَافِ الرُّؤْيَا فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إِلاَّ فِي النَّوْمِ.
ب- الْحُلُمُ:
3- الْحُلُمُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ اللاَّمِ وَقَدْ تُسَكَّنُ تَخْفِيفًا هُوَ الرُّؤْيَا، أَوْ هُوَ اسْمٌ لِلِاحْتِلَامِ وَهُوَ الْجِمَاعُ فِي النَّوْمِ.وَالْحُلُمُ وَالرُّؤْيَا وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَحْدُثُ فِي النَّوْمِ إِلاَّ أَنَّ الرُّؤْيَا اسْمٌ لِلْمَحْبُوبِ فَلِذَلِكَ تُضَافُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالْحُلُمُ اسْمٌ لِلْمَكْرُوهِ فَيُضَافُ إِلَى الشَّيْطَانِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ»،، وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: الرُّؤْيَا رُؤْيَةُ مَا يُتَأَوَّلُ عَلَى الْخَيْرِ وَالْأَمْرِ الَّذِي يُسَرُّ بِهِ، وَالْحُلُمُ هُوَ الْأَمْرُ الْفَظِيعُ الْمَجْهُولُ يُرِيهِ الشَّيْطَانُ لِلْمُؤْمِنِ لِيُحْزِنَهُ وَلِيُكَدِّرَ عَيْشَهُ.
ج- الْخَاطِرُ:
4- الْخَاطِرُ هُوَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ مَرَاتِبِ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ مَا يَخْطِرُ فِي الْقَلْبِ مِنْ تَدْبِيرِ أَمْرٍ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ مِنَ الْخِطَابِ أَوِ الْوَارِدُ الَّذِي لَا عَمَلَ لِلْعَبْدِ فِيهِ، وَالْخَاطِرُ غَالِبًا يَكُونُ فِي الْيَقَظَةِ بِخِلَافِ الرُّؤْيَا.
د- الْوَحْيُ:
5- مِنْ مَعَانِيهِ فِي اللُّغَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ فَارِسٍ الْإِشَارَةُ وَالرِّسَالَةُ وَالْكِتَابَةُ وَكُلُّ مَا أَلْقَيْتَهُ إِلَى غَيْرِك لِيَعْلَمَهُ، وَهُوَ مَصْدَرُ وَحَى إِلَيْهِ يَحِي مِنْ بَابِ وَعَدَ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ بِالْأَلِفِ مِثْلُهُ، ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْوَحْيِ فِيمَا يُلْقَى إِلَى الْأَنْبِيَاءِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى.فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّؤْيَا وَاضِحٌ، وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، وَفِي الْحَدِيثِ: «أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ».
الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ وَمَنْزِلَتُهَا:
6- الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ حَالَةٌ شَرِيفَةٌ وَمَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ كَمَا ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ».وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ أَنَّ «رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ سَأَلَ أَبَا الدَّرْدَاءِ- رضي الله عنه- عَنْ قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قَالَ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنْهَا، فَقَالَ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُك مُنْذُ أُنْزِلَتْ، هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ».
وَقَدْ «حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةَ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» وَرُوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ غَالِبُ رُؤَى الصَّالِحِينَ كَمَا قَالَ الْمُهَلَّبُ، وَإِلاَّ فَالصَّالِحُ قَدْ يَرَى الْأَضْغَاثَ وَلَكِنَّهُ نَادِرٌ لِقِلَّةِ تَمَكُّنِ الشَّيْطَانِ مِنْهُمْ، بِخِلَافِ عَكْسِهِمْ، فَإِنَّ الصِّدْقَ فِيهَا نَادِرٌ لِغَلَبَةِ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ، فَالنَّاسُ عَلَى هَذَا ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ.
- الْأَنْبِيَاءُ وَرُؤَاهُمْ كُلُّهَا صِدْقٌ، وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ.
- وَالصَّالِحُونَ وَالْأَغْلَبُ عَلَى رُؤَاهُمُ الصِّدْقُ، وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ.
- وَمَنْ عَدَاهُمْ وَقَدْ يَقَعُ فِي رُؤَاهُمُ الصِّدْقُ وَالْأَضْغَاثُ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْعَرَبِيُّ: إِنَّ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ الصَّالِحِ هِيَ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَى أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ لِصَلَاحِهَا وَاسْتِقَامَتِهَا، بِخِلَافِ رُؤْيَا الْفَاسِقِ فَإِنَّهَا لَا تُعَدُّ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ، وَقِيلَ تُعَدُّ مِنْ أَقْصَى الْأَجْزَاءِ، وَأَمَّا رُؤْيَا الْكَافِرِ فَلَا تُعَدُّ أَصْلًا.وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُسْلِمَ الصَّادِقَ الصَّالِحَ هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ حَالُهُ حَالَ الْأَنْبِيَاءِ فَأُكْرِمَ بِنَوْعٍ مِمَّا أُكْرِمَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَهُوَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْغَيْبِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالْمُخَلِّطُ فَلَا، وَلَوْ صَدَقَتْ رُؤْيَاهُمْ أَحْيَانًا فَذَاكَ كَمَا قَدْ يَصْدُقُ الْكَذُوبُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ حَدَّثَ عَنْ غَيْبٍ يَكُونُ خَبَرُهُ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ كَالْكَاهِنِ وَالْمُنَجِّمِ.
هَذَا، وَقَدِ اسْتُشْكِلَ كَوْنُ الرُّؤْيَا جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ مَعَ أَنَّ النُّبُوَّةَ انْقَطَعَتْ بِمَوْتِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- كَمَا ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فَقِيلَ فِي الْجَوَابِ: إِنْ وَقَعَتِ الرُّؤْيَا مِنَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ حَقِيقَةً، وَإِنْ وَقَعَتْ مِنْ غَيْرِ النَّبِيِّ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ.وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قِيلَ مَعْنَاهُ: أَنَّ الرُّؤْيَا تَجِيءُ عَلَى مُوَافَقَةِ النُّبُوَّةِ لَا أَنَّهَا جُزْءٌ بَاقٍ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَقِيلَ الْمَعْنَى: إِنَّهَا جُزْءٌ مِنْ عِلْمِ النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ وَإِنِ انْقَطَعَتْ فَعِلْمُهَا بَاقٍ.
رُؤْيَا اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْمَنَامِ:
7- اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ رُؤْيَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ: لَا تَقَعُ، لِأَنَّ الْمَرْئِيَّ فِيهِ خَيَالٌ وَمِثَالٌ، وَذَلِكَ عَلَى الْقَدِيمِ مُحَالٌ، وَقِيلَ: تَقَعُ لِأَنَّهُ لَا اسْتِحَالَةَ لِذَلِكَ فِي الْمَنَامِ.
رُؤْيَا النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَنَامِ:
8- ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ مِنْ صَحِيحِهِ بَابًا بِعِنْوَانِ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَنَامِ وَذَكَرَ فِيهِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي».
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ رُؤْيَتِهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَنَامِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ، وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَقْوَالًا مُخْتَلِفَةً فِي مَعْنَى قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ».
وَالصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّ مَقْصُودَهُ أَنَّ رُؤْيَتَهُ فِي كُلِّ حَالَةٍ لَيْسَتْ بَاطِلَةً وَلَا أَضْغَاثًا، بَلْ هِيَ حَقٌّ فِي نَفْسِهَا، وَلَوْ رُئِيَ عَلَى غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فِي حَيَاتِهِ- صلى الله عليه وسلم- فَتَصَوُّرُ تِلْكَ الصُّورَةِ لَيْسَ مِنَ الشَّيْطَانِ بَلْ هُوَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، وَقَالَ: وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: «فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ» أَيْ رَأَى الْحَقَّ الَّذِي قَصَدَ إِعْلَامَ الرَّائِي بِهِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا وَإِلاَّ سَعَى فِي تَأْوِيلِهَا وَلَا يُهْمِلُ أَمْرَهَا، لِأَنَّهَا إِمَّا بُشْرَى بِخَيْرٍ، أَوْ إِنْذَارٌ مِنْ شَرٍّ إِمَّا لِيُخِيفَ الرَّائِيَ، إِمَّا لِيَنْزَجِرَ عَنْهُ، وَإِمَّا لِيُنَبِّهَ عَلَى حُكْمٍ يَقَعُ لَهُ فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ.
وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفُرُوقِ أَنَّ رُؤْيَتَهُ- عليه الصلاة والسلام- إِنَّمَا تَصِحُّ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ: - أَحَدُهُمَا: صَحَابِيٌّ رَآهُ فَعَلِمَ صِفَتَهُ فَانْطَبَعَ فِي نَفْسِهِ مِثَالُهُ فَإِذَا رَآهُ جَزَمَ بِأَنَّهُ رَأَى مِثَالَهُ الْمَعْصُومَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَيَنْتَفِي عَنْهُ اللَّبْسُ وَالشَّكُّ فِي رُؤْيَتِهِ- عليه الصلاة والسلام-.
وَثَانِيهِمَا: رَجُلٌ تَكَرَّرَ عَلَيْهِ سَمَاعُ صِفَاتِهِ الْمَنْقُولَةِ فِي الْكُتُبِ حَتَّى انْطَبَعَتْ فِي نَفْسِهِ صِفَتُهُ- عليه الصلاة والسلام-، وَمِثَالُهُ الْمَعْصُومُ، كَمَا حَصَلَ ذَلِكَ لِمَنْ رَآهُ، فَإِذَا رَآهُ جَزَمَ بِأَنَّهُ رَأَى مِثَالَهُ- عليه الصلاة والسلام- كَمَا يَجْزِمُ بِهِ مَنْ رَآهُ، فَيَنْتَفِي عَنْهُ اللَّبْسُ وَالشَّكُّ فِي رُؤْيَتِهِ- عليه الصلاة والسلام-، وَأَمَّا غَيْرُ هَذَيْنِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْجَزْمُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَآهُ- عليه السلام- بِمِثَالِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَخْيِيلِ الشَّيْطَانِ، وَلَا يُفِيدُ قَوْلُ الْمَرْئِيِّ لِمَنْ رَآهُ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا قَوْلُ مَنْ يَحْضُرُ مَعَهُ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَكْذِبُ لِنَفْسِهِ وَيَكْذِبُ لِغَيْرِهِ، فَلَا يَحْصُلُ الْجَزْمُ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ مِثَالِهِ الْمَخْصُوصِ لَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي التَّعْبِيرِ أَنَّ الرَّائِيَ يَرَاهُ- عليه الصلاة والسلام- شَيْخًا وَشَابًّا وَأَسْوَدَ، وَذَاهِبَ الْعَيْنَيْنِ، وَذَاهِبَ الْيَدَيْنِ، وَعَلَى أَنْوَاعٍ شَتَّى مِنَ الْمُثُلِ الَّتِي لَيْسَتْ مِثَالَهُ- عليه الصلاة والسلام-؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ صِفَاتُ الرَّائِينَ وَأَحْوَالُهُمْ تَظْهَرُ فِيهِ- عليه الصلاة والسلام- وَهُوَ كَالْمِرْآةِ لَهُمْ.
تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَوْ فِعْلِهِ فِي الرُّؤْيَا:
9- مَنْ رَأَى النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَنَامِ يَقُولُ قَوْلًا أَوْ يَفْعَلُ فِعْلًا فَهَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ هَذَا أَوْ فِعْلُهُ حُجَّةً يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْحُكْمُ أَوْ لَا؟.
ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: -
الْأَوَّلَ: أَنَّهُ يَكُونُ حُجَّةً وَيَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهَا الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَنَامِ حَقٌّ وَالشَّيْطَانُ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ.
الثَّانِيَ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً وَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَنَامِ وَإِنْ كَانَتْ رُؤْيَا حَقٍّ وَأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ لَكِنِ النَّائِمُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ لِلرِّوَايَةِ لِعَدَمِ حِفْظِهِ.
الثَّالِثَ: أَنَّهُ يُعْمَلُ بِذَلِكَ مَا لَمْ يُخَالِفْ شَرْعًا ثَابِتًا.
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ الشَّرْعَ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ لَنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا- صلى الله عليه وسلم- قَدْ كَمَّلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}.
وَلَمْ يَأْتِنَا دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رُؤْيَتَهُ فِي النَّوْمِ بَعْدَ مَوْتِهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا قَالَ فِيهَا بِقَوْلٍ، أَوْ فَعَلَ فِيهَا فِعْلًا يَكُونُ دَلِيلًا وَحُجَّةً، بَلْ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ كَمَّلَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مَا شَرَعَهُ لَهَا عَلَى لِسَانِهِ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ حَاجَةٌ لِلْأُمَّةِ فِي أَمْرِ دِينِهَا، وَقَدِ انْقَطَعَتِ الْبَعْثَةُ لِتَبْلِيغِ الشَّرَائِعِ وَتَبْيِينِهَا بِالْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ رَسُولًا حَيًّا وَمَيِّتًا، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا ضَبْطَ النَّائِمِ لَمْ يَكُنْ مَا رَآهُ مِنْ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- أَوْ فِعْلِهِ حُجَّةً عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأُمَّةِ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الْفُرُوقِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الرُّؤْيَا التَّعْوِيلُ عَلَيْهَا فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لِاحْتِمَالِ الْخَطَأِ فِي التَّحَمُّلِ وَعَدَمِ ضَبْطِ الرَّائِي، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يَثْبُتُ فِي الْيَقَظَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالنَّوْمِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِرَجُلٍ رَأَى النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَنَامِ يَقُولُ لَهُ إِنَّ فِي الْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ رِكَازًا اذْهَبْ فَخُذْهُ وَلَا خُمُسَ عَلَيْكَ فَذَهَبَ وَوَجَدَهُ وَاسْتَفْتَى ذَلِكَ الرَّجُلُ الْعُلَمَاءَ، فَقَالَ لَهُ الْعِزُّ: أَخْرِجِ الْخُمُسَ فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ، وَقُصَارَى رُؤْيَتِكَ الْآحَادُ، فَلِذَلِكَ لَمَّا اضْطَرَبَتْ آرَاءُ الْفُقَهَاءِ بِالتَّحْرِيمِ وَعَدَمِهِ فِيمَنْ رَآهُ- عليه السلام- فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لَهُ إِنَّ امْرَأَتَكَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَهُوَ يَجْزِمُ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا لِتَعَارُضِ خَبَرِهِ- عليه السلام- عَنْ تَحْرِيمِهَا فِي النَّوْمِ، وَإِخْبَارِهِ فِي الْيَقَظَةِ فِي شَرِيعَتِهِ الْمُعَظَّمَةِ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ لَهُ، اسْتَظْهَرَ الْأَصْلَ أَنَّ إِخْبَارَهُ- عليه السلام- فِي الْيَقَظَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخَبَرِ فِي النَّوْمِ لِتَطَرُّقِ الِاحْتِمَالِ لِلرَّائِي بِالْغَلَطِ فِي ضَبْطِهِ الْمِثَالَ قَالَ: فَإِذَا عَرَضْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا احْتِمَالَ طُرُوِّ الطَّلَاقِ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ وَاحْتِمَالَ طُرُوِّ الْغَلَطِ فِي الْمِثَالِ فِي النَّوْمِ وَجَدْنَا الْغَلَطَ فِي الْمِثَالِ أَيْسَرَ وَأَرْجَحَ، أَمَّا ضَبْطُ عَدَمِ الطَّلَاقِ فَلَا يَخْتَلُّ إِلاَّ عَلَى النَّادِرِ مِنَ النَّاسِ، وَالْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ مُتَعَيِّنٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَنْ حَلَالٍ إِنَّهُ حَرَامٌ، أَوْ عَنْ حَرَامٍ إِنَّهُ حَلَالٌ، أَوْ عَنْ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ قَدَّمْنَا مَا ثَبَتَ فِي الْيَقَظَةِ عَلَى مَا رَأَى فِي النَّوْمِ، كَمَا لَوْ تَعَارَضَ خَبَرَانِ مِنْ أَخْبَارِ الْيَقَظَةِ صَحِيحَانِ فَإِنَّا نُقَدِّمُ الْأَرْجَحَ بِالسَّنَدِ، أَوْ بِاللَّفْظِ، أَوْ بِفَصَاحَتِهِ، أَوْ قِلَّةِ الِاحْتِمَالِ فِي الْمَجَازِ أَوْ غَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ خَبَرُ الْيَقَظَةِ وَخَبَرُ النَّوْمِ يَخْرُجَانِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ.
تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا:
10- التَّعْبِيرُ كَمَا ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ خَاصٌّ بِتَفْسِيرِ الرُّؤْيَا، وَمَعْنَاهُ الْعُبُورُ مِنْ ظَاهِرِهَا إِلَى بَاطِنِهَا، وَقِيلَ: هُوَ النَّظَرُ فِي الشَّيْءِ، فَيُعْتَبَرُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ حَتَّى يَحْصُلَ عَلَى فَهْمِهِ حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ، وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ الرَّاغِبُ، وَقَالَ أَصْلُهُ مِنَ الْعَبْرِ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ، وَهُوَ التَّجَاوُزُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَخَصُّوا تَجَاوُزَ الْمَاءِ بِسِبَاحَةٍ أَوْ فِي سَفِينَةٍ أَوْ غَيْرِهَا بِلَفْظِ الْعُبُورِ بِضَمَّتَيْنِ، وَعَبَرَ الْقَوْمُ إِذَا مَاتُوا كَأَنَّهُمْ جَازُوا الْقَنْطَرَةَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ، قَالَ: وَالِاعْتِبَارُ وَالْعِبْرَةُ الْحَالَةُ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُشَاهَدِ إِلَى مَا لَيْسَ بِمُشَاهَدٍ، وَيُقَالُ: عَبَرْتُ الرُّؤْيَا بِالتَّخْفِيفِ إِذَا فَسَّرْتَهَا، وَعَبَّرْتُهَا بِالتَّشْدِيدِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ.
وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ عُبُورِ النَّهْرِ، فَعَابِرُ الرُّؤْيَا يَعْبُرُ بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهَا، وَيَنْتَقِلُ بِهَا كَمَا فِي رُوحِ الْمَعَانِي مِنَ الصُّورَةِ الْمُشَاهَدَةِ فِي الْمَنَامِ إِلَى مَا هِيَ صُورَةٌ وَمِثَالٌ لَهَا مِنَ الْأُمُورِ الْآفَاقِيَّةِ وَالْأَنْفُسِيَّةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْخَارِجِ.
هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ صُوَرًا لِتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا وَتَأْوِيلِهَا، وَمِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ: تَأْوِيلُ الثِّيَابِ بِالدِّينِ وَالْعِلْمِ، فَإِنَّ «الرَّسُولَ- صلى الله عليه وسلم- أَوَّلَ الْقَمِيصَ فِي الْمَنَامِ بِالدِّينِ وَالْعِلْمِ».
وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتُرُ صَاحِبَهُ وَيُجَمِّلُهُ بَيْنَ النَّاسِ، فَالْقَمِيصُ يَسْتُرُ بَدَنَهُ، وَالْعِلْمُ وَالدِّينُ يَسْتُرُ رُوحَهُ وَقَلْبَهُ، وَيُجَمِّلُهُ بَيْنَ النَّاسِ.
وَتَأْوِيلُ اللَّبَنِ بِالْفِطْرَةِ لِمَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ التَّغْذِيَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَيَاةِ وَكَمَالِ النَّشْأَةِ.وَتَأْوِيلُ الْبَقَرِ بِأَهْلِ الدِّينِ وَالْخَيْرِ الَّذِينَ بِهِمْ عِمَارَةُ الْأَرْضِ كَمَا أَنَّ الْبَقَرَ كَذَلِكَ.
وَتَأْوِيلُ الزَّرْعِ وَالْحَرْثِ بِالْعَمَلِ، لِأَنَّ الْعَامِلَ زَارِعٌ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
وَتَأْوِيلُ الْخَشَبِ الْمَقْطُوعِ الْمُتَسَانِدِ بِالْمُنَافِقِينَ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُنَافِقَ لَا رُوحَ فِيهِ وَلَا ظِلَّ وَلَا ثَمَرَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَشَبِ الَّذِي هُوَ كَذَلِكَ.
وَتَأْوِيلُ النَّارِ بِالْفِتْنَةِ لِإِفْسَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَمُرُّ عَلَيْهِ وَيَتَّصِلُ بِهِ.
وَتَأْوِيلُ النُّجُومِ بِالْعُلَمَاءِ وَالْأَشْرَافِ لِحُصُولِ هِدَايَةِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلِارْتِفَاعِ الْأَشْرَافِ بَيْنَ النَّاسِ كَارْتِفَاعِ النُّجُومِ.
وَتَأْوِيلُ الْغَيْثِ بِالرَّحْمَةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ وَالْحِكْمَةِ وَصَلَاحِ حَالِ النَّاسِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصُّوَرِ الْوَارِدَةِ فِي تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا وَالْمَأْخُوذَةِ مِنَ الْأَمْثِلَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْثَالِ الْقُرْآنِ كُلِّهَا أُصُولٌ وَقَوَاعِدُ لِعِلْمِ التَّعْبِيرِ لِمَنْ أَحْسَنَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ فَهِمَ الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يُعَبِّرُ بِهِ الرُّؤْيَا أَحْسَنَ تَعْبِيرٍ، وَأُصُولُ التَّعْبِيرِ الصَّحِيحَةُ إِنَّمَا أُخِذَتْ مِنْ مِشْكَاةِ الْقُرْآنِ، فَالسَّفِينَةُ تُعَبَّرُ بِالنَّجَاةِ، لقوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} وَتُعَبَّرُ بِالتِّجَارَةِ.وَالطِّفْلُ الرَّضِيعُ يُعَبَّرُ بِالْعَدُوِّ لقوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}.
وَالرَّمَادُ بِالْعَمَلِ الْبَاطِلِ لقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ} فَإِنَّ الرُّؤْيَا أَمْثَالٌ مَضْرُوبَةٌ لِيَسْتَدِلَّ الرَّائِي بِمَا ضُرِبَ لَهُ مِنَ الْمَثَلِ عَلَى نَظِيرِهِ، وَيَعْبُرُ مِنْهُ إِلَى شَبَهِهِ.
هَذَا وَمِمَّا وَرَدَ فِي تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا مِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى- رضي الله عنه- أَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي أَتَانَا اللَّهُ بِهِ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ».
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أُوتِيتُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ فَوُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا: صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ».
وَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ، فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَى مَهْيَعَةَ وَهِيَ الْجُحْفَةُ».
وَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «رَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ».
هَذَا وَلَا تُقَصُّ الرُّؤْيَا عَلَى غَيْرِ شَفِيقٍ وَلَا نَاصِحٍ، وَلَا يُحَدَّثُ بِهَا إِلاَّ عَاقِلٌ مُحِبٌّ، أَوْ نَاصِحٌ، لقوله تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تُقَصُّ الرُّؤْيَا إِلاَّ عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ».وَأَنْ لَا يَقُصَّهَا عَلَى مَنْ لَا يُحْسِنُ التَّأْوِيلَ، لِقَوْلِ مَالِكٍ: لَا يُعَبِّرُ الرُّؤْيَا إِلاَّ مَنْ يُحْسِنُهَا، فَإِنْ رَأَى خَيْرًا أَخْبَرَ بِهِ، وَإِنْ رَأَى مَكْرُوهًا فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، قِيلَ: فَهَلْ يُعَبِّرُهَا عَلَى الْخَيْرِ وَهُوَ عِنْدَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا عَلَى مَا تَأَوَّلَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَا، ثُمَّ قَالَ: الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ، فَلَا يُتَلَاعَبُ بِالنُّبُوَّةِ.
وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْيَتْفُلْ ثَلَاثًا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ، وَإِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْمَدَ، وَأَنْ يُحَدِّثَ بِهَا، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: وَأَنَا كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَلْيَتْفُلْ ثَلَاثًا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ».
وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ».
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
29-موسوعة الفقه الكويتية (هدنة 2)
هُدْنَة -2أَثَرُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ عَلَى عَقْدِ الْهُدْنَةِ:
13- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي فَسَادِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ عِنْدَ اقْتِرَانِهِ بِشَرْطٍ مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ لَوْ شُرِطَ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ شَرْطٌ فَاسِدٌ بَطَلَ الشَّرْطُ وَلَا يَجِبِ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا تَبْطُلُ الْهُدْنَةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْبُيُوعِ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي تَبْطُلُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ؛ لِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنْ جَهَالَةِ الثَّمَنِ؛ وَلَيْسَتْ بِأَوْكَدَ مِنْ عُقُودِ الْمُنَاكَحَاتِ الَّتِي لَا تَبْطُلُ بِفَسَادِ الْمَهْرِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ إِلَى فَسَادِ الشَّرْطِ وَالْعَقْدِ مَعًا، أَمَّا فَسَادُ الشَّرْطِ فَلِأَنَّهُ أَحَلَّ حَرَامًا؛ وَأَمَّا فَسَادُ الْعَقْدِ فَلِاقْتِرَانِهِ بِشَرْطٍ مُفْسِدٍ.
صِفَةُ عَقْدِ الْهُدْنَةِ:
14- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِفَةِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ أَهُوَ لَازِمٌ أَمْ جَائِزٌ؟ فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ- الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ، فَإِنْ وَقَعَ صَحِيحًا فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْعَاقِدِ وَلَا لِلْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ نَقَضُهُ، وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ، أَوْ يَصْدُرَ مِنْهُمْ مَا يَقْتَضِي الِانْتِقَاضَ مِنْ قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وَقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} فَإِذَا مَاتَ الْإِمَامُ الَّذِي عَقَدَ الْعَهْدَ أَوْ عُزِلَ فَلَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُ نَقْضُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ عَقَدَهَا بِاجْتِهَادِهِ فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ الْعَقْدُ فَاسِدًا بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ الْجَدِيدِ، كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي نَقْضُ أَحْكَامِ غَيْرِهِ مِنَ الْقُضَاةِ قَبْلَهُ بِاجْتِهَادِهِ.
وَلِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَفِ بِالْعُهُودِ لَمْ يَسْكُنْ إِلَى عُقُودِهِ وَقَدْ نَحْتَاجُ إِلَيْهَا؛ أَمَّا إِنْ بَانَ فَسَادُ عَقْدِ الْهُدْنَةِ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ فَيُلْغَى، وَيُعْلَنُ إِلَيْهِمْ بِفَسَادِ الْهُدْنَةِ وَيُبْلَغُونَ مَأْمَنَهُمْ، فَإِنْ دَخَلَ بَعْضُهُمْ دَارَ الْإِسْلَامِ بِهَذَا الصُّلْحِ كَانَ آمِنًا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ مُعْتَقِدًا بِالْأَمَانِ وَيُرَدُّ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَا يُقَرُّ بِدَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْهُدْنَةَ لَمْ تَصِحَّ.
15- وَإِنْ شَرَطَ الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ مَا يَنْفِي لُزُومَهُ فَقَدْ أَجَازَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَمَنَعَهُ الْحَنَابِلَةُ.
فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ تَعْلِيقُ اسْتِدَامَةِ الْهُدْنَةِ عَلَى مَشِيئَةِ الْإِمَامِ يَنْقُضُهَا مَتَى شَاءَ، فَإِنْ عُلِّقَتْ بِمَشِيئَتِهِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُقَدَّرَةِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- حِينَ وَادَعَ يَهُودَ خَيْبَرَ قَالَ: نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» وَيَكُونُ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا فِيهَا إِذَا أَرَادَ نَقْضَهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ الَّتِي تُمْنَعُ الْجَهَالَةُ فِيهَا؛ وَإِذَا جَازَ إِطْلَاقُهَا بِغَيْرِ مُدَّةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ، وَإِنْ قَالَهُ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- لِأَهْلِ خَيْبَرَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُوحِي إِلَى رَسُولِهِ مُرَادَهُ دُونَ غَيْرِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: أُقِرُّكُمْ مَا شِئْتُ أَوْ شَاءَ فُلَانٌ، وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى مَشِيئَتِهِ فِيمَا يَرَاهُ صَلَاحًا مِنِ اسْتِدَامَةِ الْهُدْنَةِ أَوْ نَقْضِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَهَا عَلَى مَشِيئَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَصِيرُونَ مُتَحَكِّمِينَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم-: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى».
وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْقِدَهَا عَلَى مَشِيئَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَوِي الِاجْتِهَادِ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ فِي تَدْبِيرِ الدُّنْيَا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَوِي الْأَمَانَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، فَإِنْ تَكَامَلَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ مِنْهُ صَحَّ وُقُوفُ الْهُدْنَةِ عَلَى مَشِيئَتِهِ، وَإِنْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْهَا لَمْ تَصِحَّ الْهُدْنَةُ.وَإِنْ أَطْلَقَ الْإِمَامُ الْهُدْنَةَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ صِفَةٍ، بَلْ قَالَ: هَادَنْتُكُمْ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ إِطْلَاقَهَا يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ: إِنْ شَرَطَ الْإِمَامُ نَقْضَ الْعَهْدِ لِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ.وَكَذَا إِنْ شَرَطَ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى ضِدِّ الْمَقْصُودِ فَلَمْ يَصِحَّ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ عَقْدَ الْهُدْنَةِ غَيْرُ لَازِمٍ مُحْتَمِلٍ لِلنَّقْضِ، فَلِلْإِمَامِ نَبْذُهُ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنَّ فِي الْمُوَادَعَةِ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ فَوَادَعَهُمْ، ثُمَّ نَظَرَ فَوَجَدَ أَنَّهَا شَرٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ نَبَذَ إِلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ فِي الِانْتِهَاءِ مَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الِابْتِدَاءِ لَمَنَعَ عَقْدَهَا وَاسْتِدَامَتَهَا؛ وَلِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ لَمَّا تَبَدَّلَتْ كَانَ النَّبْذُ جِهَادًا، وَإِبْقَاءُ الْعَهْدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَرْكٌ لِلْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَهُوَ أَمْرٌ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ.
فَإِنْ رَأَى نَقْضَهَا فَلَا بُدَّ مِنَ النَّبْذِ تَحَرُّزًا مِنَ الْغَدْرِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْعُمُومَاتِ: نَحْوَ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «أَرْبَعُ خِلَالٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» وَقَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: «كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ- رضي الله عنه- وَبَيْنَ الرُّومِ عَهْدٌ، وَكَانَ يَسِيرُ فِي بِلَادِهِمْ حَتَّى إِذَا انْقَضَى الْعَهْدُ أَغَارَ عَلَيْهِمْ.فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ فَرَسٍ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، وَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ- رضي الله عنه- فَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَحُلَّنَّ عَهْدًا وَلَا يَشُدَّنَّهُ حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بِالنَّاسِ».
وَلَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ مُدَّةِ بُلُوغِ الْخَبَرِ إِلَى جَمِيعِهِمْ، وَيَكْتَفِي مِنْ ذَلِكَ مُدَّةً يَتَمَكَّنُ رَئِيسُهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالنَّبْذِ مِنْ إِنْفَاذِ الْخَبَرِ إِلَى مَمْلَكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَنْتَفِي الْغَدْرُ.فَإِنْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ حُصُونِهِمْ أَوْ تَفَرَّقُوا، أَوْ خَرَّبُوا حُصُونَهُمُ اتِّكَالًا عَلَى الْأَمَانِ فَحَتَّى يَعُودُوا كُلُّهُمْ إِلَى مَأْمَنِهِمْ وَيُعَمِّرُوا حُصُونَهُمْ مِثْلَ مَا كَانَتْ تَوَقِّيًا مِنَ الْغَدْرِ.
وَالْمُرَادُ بِالنَّبْذِ إِعْلَانُهُمْ نَقْضَ الْعَهْدِ.وَيَكُونُ النَّبْذُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ الْأَمَانُ، فَإِنْ كَانَ مُنْتَشِرًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّبْذُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ بِأَنْ أَمَّنَهُمْ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ سِرًّا يُكْتَفَى بِنَبْذِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ.
آثَارُ الْهُدْنَةِ:
16- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ إِذَا تَمَّ عَقْدُ الْهُدْنَةِ مُسْتَوْفِيًا لِشُرُوطِهِ أَمِنَ الْمُوَادِعُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَذَرَارِيهِمْ، وَوَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ- إِذَا مَاتَ أَوْ عُزِلَ- حِمَايَتُهُمْ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَذَى أَهْلِ الذِّمَّةِ الْمُقِيمِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ أَمَّنَهُمْ مِمَّا هُوَ تَحْتَ حُكْمِهِ وَفِي قَبْضَتِهِ وَفَاءً بِالْعَهْدِ، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وَقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} فَلَوْ أَتْلَفَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.
أَمَّا حِمَايَتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَكَذَا حِمَايَةُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ فَلَا تَلْزَمُ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ الْهُدْنَةَ الْتِزَامُ الْكَفِّ عَنْهُمْ فَقَطْ لَا حِفْظُهُمْ، بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ حَيْثُ نَدْفَعُ عَنْهُمْ مَا نَدْفَعُ عَنْ أَنْفُسِنَا.
وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ قَوْمٌ مِنَ الْمُوَادِعِينَ إِلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مُوَادَعَةٌ، فَغَزَا الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الْبَلْدَةَ، فَهَؤُلَاءِ آمِنُونَ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُوَادَعَةِ أَفَادَ الْأَمَانَ لَهُمْ فَلَا يَنْتَقِضُ بِالْخُرُوجِ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ كَمَا فِي الْأَمَانِ الْمُؤَبَّدِ- وَهُوَ عَقْدُ الذِّمَّةِ- أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِدُخُولِ الذِّمِّيِّ دَارَ الْحَرْبِ كَذَا هَذَا، وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ فِي دَارِ الْمُوَادَعَةِ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ دَارِهِمْ بِأَمَانٍ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ فَهُوَ آمِنٌ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ دَارَ الْمُوَادِعِينَ بِأَمَانِهِمْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ جُمْلَتِهِمْ فَلَوْ عَادَ إِلَى دَارِهِ ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ كَانَ فَيْئًا لَنَا أَنْ نَقْتُلَهُ وَنَأْسِرَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ إِلَى دَارِهِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْمُوَادَعَةِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْمُوَادَعَةِ فِي حَقِّهِ.
فَإِذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَهَذَا حَرْبِيٌّ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ أَمَانٍ.
وَلَوْ أَسَرَ أَهْلُ دَارٍ أُخْرَى وَاحِدًا مِنَ الْمُوَادِعِينَ فَغَزَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى تِلْكَ الدَّارِ كَانَ الْمَأْسُورُ فَيْئًا، وَلَوْ دَخَلَ إِلَيْهِمْ تَاجِرٌ فَهُوَ آمِنٌ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَمَّا أُسِرَ فَقَدِ انْقَطَعَ حُكْمُ دَارِ الْمُوَادَعَةِ فِي حَقِّهِ وَإِذَا دَخَلَ تَاجِرًا لَمْ يَنْقَطِعْ.
مَنْ تُعْقَدُ لَهُ الْهُدْنَةُ:
أ- أَهْلُ الْحَرْبِ:
17- يَجُوزُ عَقْدُ الْهُدْنَةِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ مِنْ نَصَارَى وَيَهُودٍ أَمْ غَيْرَ أَهْلِ الْكِتَابِ.وَالْأَصْلُ فِي هَذَا عُمُومُ قوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَفَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَوَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍإِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} وقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} وَلِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- هَادَنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَهَادَنَ قُرَيْشًا وَقَبَائِلَ عَرَبِيَّةً أُخْرَى وَكَانَ عَامَّتُهُمْ وَثَنِيِّينَ.
ب- الْمُرْتَدُّونَ:
18- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى جَوَازِ مُوَادَعَةِ الْمُرْتَدِّينَ إِذَا غَلَبُوا عَلَى دَارٍ مِنْ دُورِ الْإِسْلَامِ وَصَارَتْ دَارُهُمْ دَارَ حَرْبٍ، وَخِيفَ مِنْهُمْ وَلَمْ تُؤْمَنْ غَائِلَتُهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ مَصْلَحَةِ دَفْعِ الشَّرِّ لِلْحَالِ، وَرَجَاءَ رُجُوعِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَتَوْبَتِهِمْ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَالٌ، لِأَنَّ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ يَكُونُ فِي مَعْنَى الْجِزْيَةِ، وَلَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ إِلاَّ مِنْ كَافِرٍ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَسْتَوْلُوا عَلَى بَلْدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ كِيَانٌ فَلَا يُعْقَدُ لَهُمْ هُدْنَةٌ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَقْرِيرَ الْمُرْتَدِّينَ عَلَى الرِّدَّةِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَإِنِ ارْتَدَّ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ جَمَاعَةٌ بَعْدَ تَقَرُّرِ إِسْلَامِهِمْ وَحَارَبُوا بَعْدَ ارْتِدَادِهِمُ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ فَكَالْمُرْتَدِّينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْأَصْلِيِّينَ؛ فَيُحْكَمُ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا بِحُكْمِ الْكُفَّارِ النَّاقِضِينَ لِلْعَهْدِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْمُرْتَدِّينَ إِذَا انْحَازُوا إِلَى دَارٍ يَنْفَرِدُونَ بِهَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَصِيرُوا فِيهَا مُمْتَنِعِينَ يَجِبُ قِتَالُهُمْ عَلَى الرِّدَّةِ بَعْدَ مُنَاظَرَتِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِيضَاحِ دَلَائِلِهِ، وَيَجْرِي عَلَى قِتَالِهِمْ بَعْدَ الْإِنْذَارِ وَالْإِعْذَارِ حُكْمُ قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ.
ج- الْبُغَاةُ:
19- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُوَادَعَةُ الْبُغَاةِ بِمَالٍ.فَإِنْ وَادَعَهُمُ الْإِمَامُ بِمَالٍ بَطَلَتِ الْمُوَادَعَةُ، وَإِنْ طَلَبُوهَا أُجِيبُوا إِذَا كَانَتْ بِغَيْرِ مَالٍ وَكَانَ فِي عَقْدِهَا مَصْلَحَةٌ لِأَهْلِ الْجَمَاعَةِ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (بُغَاة ف 22).
نَقْضُ الْهُدْنَةِ:
20- عَقْدُ الْهُدْنَةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا عَنِ الْوَقْتِ، فَإِنْ كَانَ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ يُنْهِي الْعَهْدَ بِانْتِهَاءِ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إِلَى النَّبْذِ، حَتَّى كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْزُوَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُؤَقَّتَ إِلَى غَايَةٍ يَنْتَهِي بِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إِلَى النَّاقِضِ.وَإِذَا كَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِالْهُدْنَةِ الْمُؤَقَّتَةِ فَمَضَى الْوَقْتُ وَهُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَأْمَنِهِ لِأَنَّ التَّعَرُّضَ لَهُ يُوهِمُ الْغَدْرَ وَالتَّغْرِيرَ، فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ مَا أَمْكَنَ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ عَقْدُ الْهُدْنَةِ مُطْلَقًا عَنِ الْوَقْتِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ إِطْلَاقَهُ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ أَوْ مُقَيَّدًا بِوَقْتٍ عِنْدَ مَنْ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ وَهُمُ الْجُمْهُورُ، فَالَّذِي يَنْتَقِضُ بِهِ نَوْعَانِ: تَصْرِيحٌ وَدَلَالَةٌ.
فَالتَّصْرِيحُ هُوَ النَّبْذُ صَرِيحًا.
وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَهِيَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى النَّبْذِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ النَّقْضِ دَلَالَةً:
أ) خُرُوجُ قَوْمٍ مِنْ دَارِ الْمُوَادَعَةِ بِإِذْنِ مَلِكِهِمْ وَقَطْعُهُمُ الطَّرِيقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ إِذْنَ مَلِكِهِمْ بِذَلِكَ دَلَالَةُ النَّبْذِ.
ب) قِتَالُهُمُ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ لَا شُبْهَةَ لَهُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شُبْهَةٌ كَأَنْ أَعَانُوا الْبُغَاةَ مُكْرَهِينَ فَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ.
ج) مُكَاتَبَتُهُمْ أَهْلَ الْحَرْبِ بِعَوْرَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ.
د) قَتْلُهُمْ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا بِدَارِ الْإِسْلَامِ عَمْدًا إِنْ لَمْ يُنْكِرْ غَيْرُ الْقَاتِلِ عَلَيْهِ بَعْدَ عِلْمِهِ.
ه) إِيوَاؤُهُمْ عَيْنًا لِلْكُفَّارِ.
و) أَخْذُهُمْ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ.
ز) سَبُّهُمُ اللَّهَ أَوِ الْقُرْآنَ أَوْ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.
ح) فِعْلُ شَيْءٍ مِمَّا اخْتُلِفَ فِي نَقْضِ عَقْدِ الذِّمَّةِ بِهِ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ فِعْلَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ نَاقِضٌ لِلْهُدْنَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَهْلُ الْهُدْنَةِ أَنَّهُ نَاقِضٌ.
وَبِالنَّظَرِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ نَوَاقِضِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ يُمْكِنُنَا إِرْجَاعُهَا إِلَى الْأَسْبَابِ التَّالِيَةِ:
أ- الْعُدُولُ عَنِ الْمُوَادَعَةِ فِي الظَّاهِرِ.
ب- الْخِيَانَةُ فِي الْبَاطِنِ.
ج- الْعُدُولُ عَنِ الْمُجَامَلَةِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ.
د- النَّبْذُ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ إِذَا رَأَى نَقْضَ الصُّلْحِ أَصْلَحَ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ.
أَوَّلًا: الْعُدُولُ عَنِ الْمُوَادَعَةِ فِي الظَّاهِرِ:
21- مِنْ مُوجِبَاتِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ الْمُوَادَعَةُ فِي الظَّاهِرِ، وَهِيَ الْكَفُّ عَنِ الْقِتَالِ وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لِلنُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ، فَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْهُدْنَةِ مِثْلُ مَا يَجِبُ لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
فَإِنْ عَدَلَ أَهْلُ الْهُدْنَةِ عَنِ الْمُوَادَعَةِ إِلَى ضِدِّهَا فَقَاتَلُوا قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ قَتَلُوا قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَخَذُوا مَالَ قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَتْ هُدْنَتُهُمْ بِفِعْلِهِمْ وَلَمْ يُفْتَقَرْ إِلَى حُكْمِ الْإِمَامِ لِنَقْضِهَا، وَجَازَ أَنْ يَبْدَأَ بِقِتَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ إِنْذَارٍ وَيَشُنَّ عَلَيْهِمُ الْغَارَةَ وَيَهْجُمَ عَلَيْهِمْ غِرَّةً وَبَيَاتًا، وَجَرَى ذَلِكَ فِي نَقْضِ الْهُدْنَةِ مَجْرَى تَصْرِيحِهِمْ بِالْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ قَدْ نَقَضُوا الْهُدْنَةَ.
وَقَدْ غَزَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أَهْلَ مَكَّةَ بَعْدَ الْهُدْنَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا نَقَضُوا الْعَهْدَ بِمُعَاوَنَتِهِمْ بَنِي كِنَانَةَ عَلَى قِتَالِ خُزَاعَةِ، وَكَانَتْ حُلَفَاءَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، وَلِذَلِكَ جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَسْأَلُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- تَجْدِيدَ الْعَهْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فَلَمْ يُجِبْهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى ذَلِكَ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى النَّبْذِ إِلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا قَدْ أَظْهَرُوا نَقْضَ الْعَهْدِ بِنَصْبِ الْحَرْبِ لِحُلَفَاءِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-.
ثَانِيًا: الْخِيَانَةُ فِي الْبَاطِنِ:
22- مِنْ مُوجِبَاتِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ تَرْكُ الْخِيَانَةِ بِأَنْ لَا يَسْتَسِرَّ أَهْلُ الْهُدْنَةِ بِفِعْلٍ مَا يَنْقُضُ الْهُدْنَةَ لَوْ أَظْهَرُوهُ، مِثْلَ أَنْ يُمَايِلُوا فِي السِّرِّ عَدُوًّا أَوْ يَقْتُلُوا فِي السِّرِّ مُسْلِمًا، أَوْ يَأْخُذُوا لَهُ مَالًا، أَوْ يَزْنُوا بِمُسْلِمَةٍ، وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْمُهَادِنَ لَوْ تَجَسَّسَ أَخْبَارَ الْمُسْلِمِينَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَى عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ كَرْهًا أَوْ سَرَقَ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ.
وَإِذَا اسْتَشْعَرَ الْإِمَامُ مِمَّنْ هَادَنَهُ وَظَهَرَتْ أَمَارَةٌ تَدُلُّ عَلَى خِيَانَتِهِمْ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ إِلَى أَنَّهُ جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ بِأَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنْ لَا عَهْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، لقوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} يَعْنِي إِذَا خِفْتَ غَدْرَهُمْ وَخُدْعَتَهُمْ وَإِيقَاعَهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ وَفَعَلُوا ذَلِكَ خَفْيًا وَلَمْ يُظْهِرُوا نَقْضَ الْعَهْدِ فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ أَيْ أَلْقِ إِلَيْهِمْ فَسْخَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْعَهْدِ وَالْهُدْنَةِ حَتَّى يَسْتَوِيَ الْجَمِيعُ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى قوله تعالى: {عَلَى سَوَاءٍ} لِئَلاَّ يَتَوَهَّمُوا أَنَّكَ نَقَضْتَ الْعَهْدَ بِنَصْبِ الْحَرْبِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ نَبْذُ عَهْدِهِمْ وَإِنْذَارُهُمْ، فَإِنْ تَحَقَّقَ خِيَانَتُهُمْ نَبَذَهُ بِلَا إِنْذَارٍ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِذَا ظَهَرَتْ آثَارُ الْخِيَانَةِ وَثَبَتَتْ دَلَائِلُهَا وَجَبَ نَبْذُ الْعَهْدِ لِئَلاَّ يُوقِعَ التَّمَادِي عَلَيْهِ فِي الْهَلَكَةِ، وَجَازَ إِسْقَاطُ الْيَقِينِ هَهُنَا بِالظَّنِّ لِلضَّرُورَةِ، وَإِذَا كَانَ الْعَهْدُ قَدْ وَقَعَ فَهَذَا الشَّرْطُ عَادَةٌ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لَفْظًا، إِذْ لَا يُمْكِنُ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: يَنْتَقِضُ عَهْدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِمُجَرَّدِ خِيَانَتِهِمْ وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى حُكْمِ الْإِمَامِ لِنَقْضِهَا.
وَحُكِيَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَنْبِذُ عَقْدَ الْهُدْنَةِ كَمَا لَا يَنْبِذُ عَقْدَ الذِّمَّةِ بِالتُّهْمَةِ.
ثَالِثًا: الْعُدُولُ عَنِ الْمُجَامَلَةِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ:
23- مِنْ مُوجِبَاتِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ الْمُجَامَلَةُ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، فَهِيَ فِي حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ أَغْلَظُ مِنْهَا فِي حُقُوقِ الْكُفَّارِ الْمُهَادِنِينَ، فَيَلْزَمُهُمْ فِي حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُفُّوا عَنِ الْقَبِيحِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَيَبْذُلُوا لَهُمُ الْجَمِيلَ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَلَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُفُّوا عَنِ الْقَبِيحِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ.
وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْذُلُوا لَهُمُ الْجَمِيلَ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} فَإِنْ عَدَلَ الْكُفَّارُ الْمُهَادِنُونَ عَنِ الْجَمِيلِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، فَكَانُوا يُكْرِمُونَ الْمُسْلِمِينَ فَصَارُوا يَسْتَهِينُونَ بِهِمْ، وَكَانُوا يُضَيِّفُونَ الرُّسُلَ وَيَصِلُونَهُمْ فَصَارُوا يَقْطَعُونَهُمْ، وَكَانُوا يُعَظِّمُونَ كِتَابَ الْإِمَامِ فَصَارُوا يَطْرَحُونَهُ، وَكَانُوا يَزِيدُونَهُ فِي الْخِطَابِ فَصَارُوا يَنْقُصُونَهُ، فَهَذِهِ رِيبَةٌ لِوُقُوعِهَا بَيْنَ شَكَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُوا بِهَا نَقْضَ الْهُدْنَةِ، وَتَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُرِيدُوا بِهَا نَقْضَهَا، فَيَسْأَلُهُمُ الْإِمَامُ عَنْهَا وَعَنِ السَّبَبِ فِيهَا، فَإِنْ ذَكَرُوا عُذْرًا يَجُوزُ مِثْلُهُ قَبِلَهُ مِنْهُمْ وَكَانُوا عَلَى هُدْنَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا عُذْرًا أَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى عَادَتِهِمْ مِنَ الْمُجَامَلَةِ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، فَإِنْ عَادُوا أَقَامَ عَلَى هُدْنَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَعُودُوا نَقَضَهَا بَعْدَ إِعْلَامِهِمْ بِنَقْضِهَا.
ذِكْرُهُمُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- بِسُوءٍ:
24- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَثَرِ هَذَا السَّبِّ عَلَى عَقْدِ الْهُدْنَةِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّ مِمَّا يَنْتَقِضُ بِهِ الْعَهْدُ هُوَ سَبُّهُمُ اللَّهَ تَعَالَى أَوِ الْقُرْآنَ أَوِ الرَّسُولَ- صلى الله عليه وسلم- أَوْ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ- عليهم السلام- مُجْمَعًا عَلَى نُبُوَّتِهِ عِنْدَنَا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ انْتِقَاضِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ بِسَبِّ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، لِأَنَّ سَبَّ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- كُفْرٌ مِنَ الْكَافِرِ الْمُهَادِنِ؛ وَالْكُفْرُ الْمُقَارِنُ لِعَقْدِ الْهُدْنَةِ لَا يَمْنَعُ عَقْدَ الْهُدْنَةِ فِي الِابْتِدَاءِ فَالْكُفْرُ الطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ فِي حَالِ الْبَقَاءِ رَوَى عُرْوَةُ «عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: فَقَدْ قُلْتُ: عَلَيْكَ».
وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا سَبٌّ مِنْهُمْ لَهُ- صلى الله عليه وسلم-، وَلَوْ كَانَ نَقْضًا لِلْعَهْدِ لَقَتَلَهُمْ لِصَيْرُورَتِهِمْ حَرْبِيِّينَ.
وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ بِمَا إِذَا لَمْ يُعْلِنِ الْمُهَادِنُ السَّبَّ، أَمَّا إِذَا أَعْلَنَ بِالسَّبِّ أَوِ اعْتَادَهُ وَكَانَ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُهُ قُتِلَ وَلَوِ امْرَأَةً، وَبِهِ يُفْتَى.
رَابِعًا: نَبْذُ الْهُدْنَةِ إِذَا رَآهُ الْإِمَامُ أَصْلَحَ:
25- صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ رَأَى الْإِمَامُ الْمُوَادَعَةَ خَيْرًا فَوَادَعَ أَهْلَ الْحَرْبِ ثُمَّ نَظَرَ فَوَجَدَ مُوَادَعَتَهُمْ شَرًّا لِلْمُسْلِمِينَ نَبَذَ إِلَى مَلِكِهِمُ الْمُوَادَعَةَ وَقَاتَلَهُمْ.
بُلُوغُ الْمُهَادِنِ مَأْمَنَهُ بَعْدَ نَقْضِ الْعَهْدِ:
26- وَعِنْدَ نَبْذِ الْعَهْدِ يَجِبُ إِبْلَاغُ مَنْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْهُدْنَةِ إِلَى مَأْمَنِهِ، لَكِنْ مَنْ عَلَيْهِ حَقُّ آدَمِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ أَوْ قِصَاصٍ يُسْتَوْفَى مِنْهُ أَوَّلًا.
وَالْمُعْتَبَرُ فِي إِبْلَاغِ الْكَافِرِ الْمَأْمَنَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَهْلِ عَهِدِهِمْ ويُلْحِقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَاكْتَفَى ابْنُ كَجٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِإِلْحَاقِهِ بِأَوَّلِ بِلَادِ الْكُفْرِ وَقَالَ: لَا يَلْزَمُ إِلْحَاقُهُ بِبَلَدِهِ الَّذِي يَسْكُنُهُ فَوْقَ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَوَّلِ بِلَادِ الْكُفْرِ وَبَلَدِهِ الَّذِي يَسْكُنُهُ بَلَدٌ لِلْمُسْلِمِينَ يَحْتَاجُ إِلَى الْمُرُورِ عَلَيْهِ.
وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْبَحْرِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَأْمَنَانِ لَزِمَ الْإِمَامَ إِلْحَاقُهُ بِسَكَنِهِ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُ بَلَدَيْنِ فَالِاخْتِيَارُ لِلْإِمَامِ.
أَحْوَالُ نَقْضِ الْهُدْنَةِ مِنْ قِبَلِ الْكُفَّارِ الْمُهَادِنِينَ:
27- نَقْضُ الْهُدْنَةِ مِنْ قِبَلِ الْكُفَّارِ الْمُهَادِنِينَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جَمِيعِهِمْ أَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ، فَإِنْ كَانَ النَّقْضُ مِنْ جَمِيعِهِمُ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ جَمِيعًا وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَمَانٌ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ.
وَإِنْ كَانَ النَّقْضُ مِنْ بَعْضِهِمْ فَإِمَّا أَنْ يُظْهِرَ الْبَعْضُ الْآخَرُ الرِّضَا بِهَذَا النَّقْضِ أَوْ يَسْكُتُوا عَنْهُ أَوْ يُظْهِرُوا الْكَرَاهَةَ لَهُ.
فَإِنْ أَظْهَرَ الْبَعْضُ الْآخَرُ الرِّضَا فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَيَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ جَمِيعًا، النَّاقِضُونَ وَالرَّاضُونَ بِهِ، وَيَصِيرُونَ جَمِيعُهُمْ حَرْبًا.
وَكَذَا إِنْ سَكَتَ الْبَعْضُ الْآخَرُ فَلَمْ يُظْهِرُوا رِضًا بِالنَّقْضِ وَلَا كَرَاهَةً لَهُ فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ انْتَقَضَ عَهْدُ الْجَمِيعِ، وَيَكُونُ سُكُوتُهُمْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} وَكَذَلِكَ كَانَتْ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي عَاقِرِ نَاقَةِ صَالِحٍ، بَاشَرَ عَقْرَهَا أُحَيْمِرُ وَهُوَ الْقَدَّادُ بْنُ سَالِفٍ، وَأَمْسَكَ قَوْمُهُ عَنْهُ، فَأَخَذَ اللَّهُ جَمِيعَهُمْ بِذَنْبِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}.
وَقَدْ وَادَعَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ، وَهَمَّ بَعْضُهُمْ بِقَتْلِهِ، فَجَعَلَهُ نَقْضًا مِنْهُمْ لِعَهْدِهِ فَغَزَاهُمْ وَأَجْلَاهُمْ.
وَوَادَعَ يَهُودَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَعَانَ بَعْضُهُمْ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْخَنْدَقِ، وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي أَعَانَهُ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطُبَ وَأَخُوهُ وَآخَرُ، فَنَقَضَ بِهِ عَهْدَهُمْ وَغَزَاهُمْ حَتَّى قَتَلَ رُمَاتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَهُمْ.
وَهَادَنَ قُرَيْشًا فِي الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ بَنُو بَكْرٍ فِي حِلْفِ قُرَيْشٍ، وَخُزَاعَةُ فِي حِلْفِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-، فَجَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- نَقْضًا لِعَهْدِ جَمِيعِهِمْ فَسَارَ إِلَيْهِمْ مُحَارِبًا، وَأَخْفَى عَنْهُمْ أَثَرَهُ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ وَفَتَحَ مَكَّةَ.
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُمْسِكَ يَجْرِي عَلَيْهِ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَقْدُ بَعْضِهِمْ لِلْهُدْنَةِ مُوجِبًا لِأَمَانِ جَمِيعِهِمْ وَإِنْ أَمْسَكُوا، كَانَ نَقْضُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا لِحَرْبِ جَمِيعِهِمْ إِذَا أَمْسَكُوا.
وَإِنْ كَانَ النَّقْضُ مِنْ بَعْضِهِمْ وَأَظْهَرَ الْبَعْضُ الْآخَرُ الْكَرَاهَةَ لِلنَّقْضِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ انْتَقَضَ الْعَهْدُ فِي حَقِّ النَّاقِضِينَ فَقَطْ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَقَضَ السُّوقَةُ الْعَهْدَ وَلَمْ يَعْلَمِ الرَّئِيسُ وَالْأَشْرَافُ بِذَلِكَ، فَفِي انْتِقَاضِ الْعَهْدِ فِي حَقِّ السُّوقَةِ وَجْهَانِ: وَجْهُ الْمَنْعِ: أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِعَقْدِهِمْ فَكَذَا بِنَقْضِهِمْ.
وَلَوْ نَقَضَ الرَّئِيسُ وَامْتَنَعَ الْأَتْبَاعُ وَأَنْكَرُوا، فَفِي الِانْتِقَاضِ فِي حَقِّهِمْ قَوْلَانِ.وَجْهُ النَّقْضِ: أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْمَتْبُوعِ فَكَذَا التَّابِعُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ إِنْ أَنْكَرُوا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بِأَنِ اعْتَزَلُوهُ أَوْ بَعَثُوا إِلَى الْإِمَامِ بِأَنَّا مُقِيمُونَ عَلَى الْعَهْدِ لَمْ يَنْتَقِضْ.
وَإِذَا انْتَقَضَ فِي حَقِّ بَعْضِهِمْ، فَإِنْ تَمَيَّزُوا فَذَاكَ، وَإِلاَّ فَلَا يُبَيِّتُهُمُ الْإِمَامُ وَلَا يُغَارُ عَلَيْهِمْ إِلاَّ بَعْدَ الْإِنْذَارِ، وَيَبْعَثُ إِلَى الَّذِينَ لَمْ يَنْقُضُوا لِيَتَمَيَّزُوا أَوْ يُسَلِّمُوهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا مَعَ الْقُدْرَةِ صَارُوا نَاقِضِينَ أَيْضًا.
وَمَنْ أُخِذَ مِنْهُمْ وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ مِنَ النَّاقِضِينَ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَخْفَ حُكْمُهُ، وَإِلاَّ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُضْ.
هُدْهُدٌ
انْظُرْ: أَطْعِمَة.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
30-الأضداد لابن الأنباري (التلعة)
138 - والتَّلْعة حرف من الأَضْداد؛ يقال لما ارتفع من الوادي وغيره: تَلْعَة. ويقال لما تَسَفَّل وجَرَى الماء فيهلانخفاضه: تَلْعة، ويقال في جمع التَّلعة تَلَعات وتِلاع، وقالَ نابغة بَنِي ذبيان:
«عَفَا حُسُمٌ مِنْ فَرْتَنَا فالفَوارِعُ *** فَجَنْبَا أَريكٍ فالتِّلاعُ الدَّوَافِعُ»
وقالَ زُهير:
«وإِنِّي مَتَى أَهْبطْ مِنَ الأَرْضِ تَلْعَةً *** أَجِدْ أَثَرًا قَبْلي جَدِيدًا وَعافِيا»
فالتَّلعة في هذا البيت تَحتمل المعنيين جميعًا. وقالَ الرَّاعي:
«كَدُخان مرتجِلٍ بأَعْلى تَلْعَةٍ *** غَرْثَانَ ضَرَّمَ عَرْفَجًا مَبْلولا»
في المرتجِل قولان: يقال هو الَّذي يطبُخ رِجْلًا من الجراد، والرِّجْل القطعة منه. وقالَ أَبو عِكْرمة الضبيّ: مِنْ هذا سُمِّيَ المِرْجل مِرْجَلًا. ويقال: المرتجِل الَّذي يقدح الزَّنْد بِرِجْلِه. والتَّلْعة في هذا البيت معناها العلوّ والإِشراف.
وقالَ بعض الأَعراب:
«إِذا أَشْرَفَ المَحْزُونُ مِنْ رَأْسِ تَلْعَةٍ *** على شِعْبِ بَوَّانٍ أَفاقَ مِنَ الكَرْبِ»
«وأَلهاه بَطْنٌ كالحريرَةِ مَسَّهُ *** ومُطَّرِدٌ يَجْرِي من البارد العَذْبِ»
«وطِيبُ ثِمارٍ في رِياضٍ أَرِيضَةٍ *** وأَغْصانُ أَشجارٍ جَناهَا على قُرْبِ»
«فَبِاللهِ يا رِيحَ الشَّمالِ تحمَّلي *** إِلى شِعْبِ بَوَّانٍ سَلامَ فَتًى صَبِّ»
الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م
31-الغريبين في القرآن والحديث (نصا)
(نصا)في حديث عائشة رضي الله عنها: (فقالت علام تنصون ميتكم) أي تسرحون شعره يقال: نصوت الرجل انصوه نصوًا إذا مددت ناصيته.
وفي حديث آخر: (أن فلانة تسلبت على حمزه رضي الله عنه ثلاثة أيام فدعاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن تنصى وتكتحل) يقال: نصت المرأة تنتصي إذا رجلت شعرها. وقال ابن عباس للحسين رضي الله عنهما لما أراد العراق (لولا أني أكره لنصوتك) أي أخذت بناص
وفي حديث: ذي المشعار: (نصية من همدان، من كل حاضر وباد)
الصنية: الرؤساء والأشراف كأنه مأخوذ من الناصية والعرب تكني عن الزعماء بالرؤوس، وعن الأتباع بالأذناب ويقال: قد انتصيت القوم رجلًا أي اخترته.
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
32-المعجم الغني (تَدْويلٌ)
تَدْويلٌ- [دول]، (مصدر: دَوَّلَ):1- "تَدْويِلُ مَديِنَةٍ": جَعْلُهَا تَحْتَ الْمُرَاقَبَةِ وَالإِشْرَافِ الدَّوْلِيِّ.
2- "تَدْويِلُ البَضَائِعِ": جَعْلُهَا ذَاتَ صِبْغَةٍ دَوْلِيَّةٍ.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
33-المعجم الغني (تَشَوُّفٌ)
تَشَوُّفٌ- [شوف]، (مصدر: تَشَوَّفَ):1- "تَشَوُّفُ الجِبَالِ": اِرْتِفَاعُهَا.
2- "تَشَوُّفُ عَلَامَةٍ": ظُهُورُهَا مِنْ عُلُوٍّ.
3- "التَّشَوُّفُ مِنْ أَعْلَى... ": النَّظَرُ وَالإِشْرَافُ.
4- "تَشَوُّفُ النَّفْسِ لِلِقَاءِ الأَحِبَّةِ": التَّطَلُّعُ، الاِشْتِيَاقُ. "التَّشَوُّفُ إِلَى رِجَالِ التَّصَوُّفِ". (لأبي يعقوب يوسف التادلي)
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
34-المعجم الغني (تَمْريضٌ)
تَمْريضٌ- [مرض]، (مصدر: مَرَّضَ)، "سَهِرَتْ على تَمْريضِهِ": الاعْتِناءُ بِالْمَريضِ والقِيامُ عَلَيْهِ والإِشْرافُ على عِلاجِهِ.الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
35-المعجم الغني (دَوَّلَ)
دَوَّلَ- [دول]، (فعل: رباعي. متعدٍّ)، دَوَّلْتُ، أُدَوِّلُ، دَوِّلْ، المصدر: تَدْويلٌ.1- "دَوَّلُوا مَدينَةَ طَنْجَةَ في عَهْدِ الحِمايَةِ": جَعَلُوها تَحْتَ الْمُراقَبَةِ والإِشْرافِ الدَّوْلِيّ.
2- "دَوَّلُوا البَضائِعَ": جَعَلُوها ذاتَ صِبْغَةٍ دَوْلِيَّةٍ.
3- "دَوَّلُوا الأَمْرَ": صارَ مِنْ شَأْنِ مَجْموعِ الدُّوَلِ.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
36-المعجم الغني (مُمْسِكٌ)
مُمْسِكٌ(مُمْسِكَةٌ )- الجمع: (مُمْسِكُونَ، مُمْسِكَاتٌ ). [مسك]، (اسم فاعل من: أَمْسَكَ):1- "مُمْسِكٌ عَنِ الأَكْلِ": مُنْقَطِعٌ عَن..
2- "رَجُلٌ مُمْسِكٌ": بَخِيلٌ.
3- "مُمْسِكٌ بِزِمَامِ الأُمُورِ": أَيْ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إِدَارَتِهَا والإِشْرَافِ عَلَيْهَا.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
37-معجم الرائد (دثر)
دثر: الذي يحسن القيام والإشراف على المال.الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م
38-لغة الفقهاء (الإشراف)
الإشراف: من أشرف، والمجرد: شرف، وإشراف الشيء: علوه وارتفاعه، والإشراف عليه: رؤيته من الأعلى.[*] الاطلاع من الأعلى... Over see
[*] المراقبة المهيمنة، كما هو الحال في الإشراف على الصغير... Supervision
[*] المقاربة والدنو، ومنه قولهم: أشرف على الانتهاء... To be close
معجم لغة الفقهاء-محمد رواس قلعه جي/حامد صادق قنيبي-صدر: 1405هـ/1985م
39-لغة الفقهاء (الخطر)
الخطر: بفتح الطاء وسكونها من خطر، الشرف والقدر، ومنه: فلان ذو خطر: أي ذو شرف ومنزلة... Importance/: المجازفة والأشراف على الهلكة، ومنه: عدم صحة بيع ما فيه خطر التسليم... Danger
معجم لغة الفقهاء-محمد رواس قلعه جي/حامد صادق قنيبي-صدر: 1405هـ/1985م
40-لغة الفقهاء (قيم الوقف)
قيم الوقف: ناظره المشرف عليه... Guardianوقيم المرأة: زوجها... Husband
وقيم الحمام: من يتولى إدارتها والإشراف المباشر عليها... Superintendent
وقيم المكتبة: أمينها = من أوكل إليه حفظها... Keeper of a library
معجم لغة الفقهاء-محمد رواس قلعه جي/حامد صادق قنيبي-صدر: 1405هـ/1985م
41-تاج العروس (وطأ)
[وطأ]: وَطِئَهُ، بالكسر، يَطَؤُهُ وَطْأً: دَاسَهُ بِرِجْله، وَرَطِئْنا العَدُوَّ بالخَيْلِ؛ أَي دُسْنَاهُم، قال سِيبويِه: وأَما وَطِئَ يَطَأُ فمِثلُ وَرِمَ يَرِمُ، ولكنهم فَتَحوا يَفْعل وأَصلُه الكسر، كما قالوا: قَرَأَ يَقْرَأُ، وقرأَ بعضُهم: طه. {ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى} بتسكين الهاءِ، وقالوا: أَرادَ طَإِ الأَرْضَ بِقَدَمَيْكَ جَميعًا، لأَن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَرْفَع إحدى رِجْلَيْه في صَلاتِه. قال ابنُ جِنّي: فالهاءُ على هذا بَدَلٌ من هَمْزَةِ طَأْ، كَوَطَّأَهُ مُضَعَّفًا، قال شيخُنا: التضعيفُ للمبالغة، وأَغفله الأَكْثَرُ، وتَوَطَّأَهُ حكاه الجوهريُّ وابنُ القَطَّاع، وهذا مما جاءَ فيه فَعِلَ وفَعَّلَ وتَفَعَّلَ. قال الجوهريُّ: ولا يقال تَوَطَّيْتُ؛ أَي بالياءِ بدل الهمزة.ووَطِئَ المَرْأَةَ يَطَؤُهَا: جَامَعَهَا قال الجوهريُّ: وَطِئْتُ الشَّيْءَ بِرِجْلِي وَطْأً، وَوطِئَ الرجلُ امرأَتَه يَطَأُ، فيهما، سَقطت الواوُ مِن يَطَأُ، كما سقطَتْ مِن يَسَعُ لِتَعدِّيهما، لأَن فَعِلَ يَفْعَل مما اعتَلَّ فاؤُه لا يكون إِلَّا لازمًا فلما جَاءَا مِن بَيْن أَخَواتِهما مُتَعَدِّيَيْن خُولِفَ بهما نَظائِرُهما.
وَوَطُؤَ، كَكَرُمَ، يَوْطُؤُ على القياس في المضموم، يقال: وطُؤَتِ الدَّابّة وَطْأً. وَوَطُؤ الموضِعُ يَوْطُؤُ طِئَةً ووُطُوءَةً وَطَاءَةً أَي صارَ وَطِيئًا سهلا.
وَوَطَّأْتُه تَوْطِئَةً، وقد وَطَّأَها الله.
والوَطِيءُ من كُلِّ شيءٍ: ما سَهُلَ ولَانَ، وفراشٌ وَطِئُ: لا يُؤْذِي جَنْبَ النَّائِمِ.
وتَوَطَّأْتُه بِقَدَمي.
واسْتَوْطَأَهُ أَي المَرْكَبَ: وَجَدَهُ وَطِيئًا بَيِّنَ الوَطَاءَةِ بالفتح ممدود والوُطُوءَةِ بالضم ممدود، وكلاهما مَقِيسٌ والطَئَة بالكسر والطَّأَةِ بالفتح كالجِعَةِ والجَعَةِ وأَنشدوا للكُمَيْتِ:
أَغْشَى المَكَارِهَ أَحْيَانًا وَيَحْمِلُنِي *** مِنه عَلَى طَأَةٍ والدَّهْر ذُو نُوَبِ
أَي على حَالةٍ لَيِّنَة وهو مَجازٌ. وقال ابنُ الأَعرابيِّ: دَابَّةٌ وَطِئٌ بَيِّنُ الطَّأَةِ، بالفتح، ونَعوذُ باللهِ مِنْ طِئَةِ الذَّلِيلِ. ومعناه: مِنْ أَنْ يَطَأَنِي وَيَحْقِرَنِي، قاله اللِّحْيَانِيُّ.
وَأَوطَأَهُ غَيْرَهُ وأَوْطَأَه فَرَسَهُ أَي حَمَلَهُ عَلَيْه فَوَطِئَهُ وأَوْطَأْتُ فُلانًا دَابَّتِي حَتَّى وَطِئَها. وأَوْطَأَهُ العَشْوَةَ بالأَلف واللام، وأَوْطَأَهُ عَشْوَةً من غير اللام بتثليث العَيْنِ فيهما؛ أَي أَرْكَبَه عَلَى غَيْر هُدًى من الطريق، يقال: مَنْ أَوْطَأَكَ عَشْوَةً.
والوَطَأَةُ مثل الضَّغْطَة أَو الأَخْذَة الشَّدِيدَة.
وفي الأَساس: ومن المجازِ وَطِئَهم العَدُوُّ وَطْأَةً مُنْكَرَةً. وفي الحديث اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ» أَي خُذْهم أَخْذًا شَديدًا. ووَطِئْنَا العَدُوَّ وَطْأَةً شَدِيدَةً، وَوَطِئَهُمْ وَطْأَ ثَقِيلًا.
قلت: وكان حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ يَرْوِي هذا الحديثَ: «اللهُم اشْدُدْ وَطْدَتَكَ على مُضَرَ».
والوَطْدُ: الإِثْبَاتُ والغَمْزُ في الأَرضِ. وفي الحديث: «وإِنَّ آخِرَ وَطْأَةٍ وَطِئَها اللهُ بوَج» والمعنى أَن آخِرَ أَخْذَة وَوَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا اللهُ بالكُفَّارِ كانت بَوَجٍّ. والوَطءُ في الأَصلِ الدَّوسُ بالقَدَمِ، سُمِّيَ به الغَمْزُ والقَتْلُ، لأَنَّ مَن يَطَأُ على الشيءِ بِرِجْلِهِ فقد استقْصَى في هَلاكِه وإِهانَته.
وثَبَّتَ اللهُ وَطْأَتَه. وهو في عَيْشٍ وَطِئٍ، وأَحَبَّ وَطَاءَة العَيْشِ.
والوَطْأَةُ: مَوْضِعُ القَدَم، كالمَوْطَإِ بالفتح شَاذٌّ، والمَوْطِئِ بالكسر على القياس، وهذه عن الليث، يقال: هذا مَوْطِئُ قَدَمِكَ، قال الليث: وكُلُّ شيءٍ يكون الفِعْلُ منه على فَعِل يَفْعَلُ مثل سَمِعَ يَسْمَعُ فإِن المَفْعَلَ منه مَفتوحُ العَيْنِ، إِلا ما كان من بنات الواوِ على بِنَاءِ وَطِئَ يوطأ. قال في المَشُوف: وكأَنَّ الليثَ نَظَر إِلى أَنَّ الأَصْلَ هو الكسر، كما قال سِيبويهِ فيكون كالمَوْعِد، لكن هذا أَصلٌ مَرفوضٌ فلا يُعْتَدُّ به، وإِنما يُعتبرُ اللفظ المستعملُ، فلذلك كان الفَتْحُ هو القياسَ، انتهى. وفي حديث عبد الله «لا يتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطَإِ» أَي ما يُوطَأُ من الأَذَى في الطريق، أَراد أَن لا يُعيدَ، الوُضوءَ منه، لا أَنَّهم كانوا لا يَغْسِلُونه.
وَوَطَأَهُ بالتخفيف: هَيَّأَهُ وَدَمَّثَهُ بالتشديد وسَهَّلَهُ، الثلاثة بمعنًى، كَوَطَّأَهُ في الكُلَّ، كذا في نُسختنا، وفي نسخة شيخنا: كَوَاطَأَهُ، من المُفاعَلَة، ولا تَقُلْ وَطَّيْتُ، فاتَّطَأَ أَي تَهَيَّأَ، وفي الحديث «أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى بِيَ العِشَاءَ حِين غَابَ الشَّفَقُ واتَّطَأَ العِشَاءُ» وهو افْتعَل مِنْ وَطَّأْتُه، أَراد أَنَّ الظلامَ كَمُلَ. وفي الفائق، حِينَ غَابَ الشَّفَقُ وائْتَطَى العِشَاءُ قال: وهو مِن قَوْلِ بني قَيْسٍ: لَمْ يَأْتَطِ الجَدَادُ، ومعناه: لم يَأْتِ حِينُه وقد ائْتَطَى يَأْتَطِي كَأْتَلَى يَأْتَلِي بمعنى المُسَاعَفَةِ والمُوافَقةِ، وفيه وجه آخر مذكور في لسان العرب.
والوِطَاءُ، ككِتَاب هو المشهور والوَطَاءُ مثل سَحَاب حُكِيَ عن الكِسَائِيِّ، نَسَبه إِليه خُروجًا عن العُهْدَةِ إِذْ أَنكرَه كثيرون: خِلَافُ الغِطَاءِ.
والوَطْءُ بالفتح والوطَاءُ كسحاب والمِيطَأُ على مِفْعَل، قال غَيْلَانُ الرَّبْعِيُّ يَصِفُ حَلْبَةً:
أَمْسَوْا فَعَادُوهُنَّ نَحْوَ المِيطَا
مَا انْخَفَضَ مِنَ الأَرْض بَيْنَ النِّشَازِ بالكسر جَمْع نَشَزٍ محركة والأَشْرَاف جمع شَرَفٍ، والمراد بهما الأَماكِنُ المرتفِعَةُ، وفي بعض النسخ ضُبط الإِشراف بالكسر، ويقال: هذه أَرض مُسْتَوِيَةٌ لا رِبَاءَ فيها ولا وِطَاءَ؛ أَي لا صُعودَ فيها ولا انخفاض. وقَدْ وَطَّأَها اللهُ تَعَالى وفي حديث القَدَر «وَآثَارٍ مَوْطُوءَةٍ» أَي مَسْلُوك عليها بما سَبَق به القَدَرُ مِن خَيرٍ أَو شَرّ.
وَوَاطَأَهُ على الأَمْرِ مُواطَأَةً وَوِطَاءً: وَافَقَهُ، كَتَواطَأَهُ، وتَوَطَّأَهُ، وفُلانٌ يُواطِئُ اسمُه اسمى، وتَوَاطؤوا عليه: تَوافَقُوا، وقوله تعالى {لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ} هو من وَاطَأْتُ. وتَوَاطَأْنَا عليه وتَوَاطَأْنَا: تَوَافَقْنَا، والمُتواطِئُ: المُتوافِقُ، وفي حَدِيث لَيْلَة القَدْرِ «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَواطَتْ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ» قال ابنُ الأَثير: هكذا رُوِيَ بترْكِ الهمزِ، وهو من المُوَاطَأَةِ، وحقيقتُه كأَنَّ كُلًّا منهما وَطِئَ ما وَطِئَه الآخرُ، وفي الأَساس: وكُلُّ أَحَدٍ يُخْبِرُ بِرسولِ الله صلى الله عليه وسلم بِغَيْرِ تَوَاطُؤٍ ونقل شيخُنا عن بعض أَهلِ الاشتقاق أَن أَصْلَ المُواطَأَةِ أَن يَطَأَ الرَّجُلُ بِرِجْله مَكَان رِجْلِ صاحبِه، ثم اسْتُعمِلَ في كلِّ مُوافقةٍ. انتهى.
قلت: فتكون المُواطَأَةُ على هذا مِن المَجاز.
وفي لِسان العرب: ومن ذلك قولُه تَعالى إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وِطَاءً بالمدّ أَي مُواطَأَةً، قال: وهي المُوَاتاةُ؛ أَي مُواتَاةُ السَّمْعِ والبَصرِ إِيَّاهُ، وقُرِئَ {أَشَدُّ وَطْئًا} أَي. قِيَامًا. وفي التهذيب: قَرَأَ أَبو عمرٍو وابنُ عامِر وِطَاءً، بكسر الواو وفتح الطاءِ والمدّ والهمز، من المُواطَأَةِ والموافقة وقرأَ ابنُ كَثِير ونافِعٌ وعاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ: وَطْئًا [بفتح الواو ساكنة الطاءِ] مقصورة مهموزة، والأَول اختيارُ أَبي حاتمٍ، وروى المُنْذِرِيُّ عن أَبي الهَيْثَم أَنه اختارها أَيضًا.
والوَطِيئَةُ، كسَفِينَة قال ابن الأَعرابيّ: هي الحَيْسَةُ، وفي الصحاح أَنها ضَرْبٌ من الطعامِ، أَو هي تَمْرٌ يُخْرَجُ نَوَاهُ ويُعْجَنُ بِلَبَنِ، وقيل: هي الأَقِطُ بِالسُّكَّرِ. وفي التهذيب: الوَطِيئَةُ: طَعَامٌ للعرب يُتَّخَذُ مِن التَّمْرِ، وهو أَن يُجْعَل في بُرْمَةٍ ويَصَبَّ عليه الماءُ والسَّمْنُ إِن كان، ولا يُخْلَطُ به أَقِطٌ، ثم يُشْرَبُ كَمَا تُشْرَبُ الحَيْسَةُ. وقال ابنُ شُمَيْلٍ: الوَطِيئَةُ: مثلُ الحَيْسِ، تَمْرٌ وأَقِطٌ يُعْجَنانِ بالسَّمْنِ. وروي عن المفضَّل: الوَطِيءُ والوَطِيئَةُ: العَصِيدَةُ الناعِمَةُ، فإِذا ثَخُنَتْ فهي النَّفيتَةُ، فإِذا زادَتْ قَلِيلًا فهي النَّفِيثَةُ فإِذا زادَتْ فهي اللَّفِيتَةُ، فإِذا تَعَلَّكَتْ فهي العَصِيدَةُ، وقيل: الوَطِيئَةُ شَيْءٌ كالغِرَارَةِ أَو هي الغِرَارَةُ يكون فِيها القَدِيدُ والكَعْكُ وغيرُهما، وفي الحديث «فأَخْرَجَ إِلَيْنَا ثَلَاثَ أُكَلٍ مِنْ وَطِيئَةٍ» أَي ثَلَاث قُرَصٍ مِن غِرَارة.
وَوَاطَأَ الشاعِرُ في الشِّعْرِ، وَأَوْطَأَ فيه، وأَوْطَأَهُ إِيطاءً وَوَطَّأَ، وَآطَأَ على إِبدالِ الأَلف من الواو وأَطَّأَ: كَرَّرَ القَافِيَةَ لَفْظًا ومَعْنًى مع الاتحاد في التعريف والتنكير، فإِن اتفق اللفظُ واختلف المعنى فليس بإِيطءٍ، وكذا لو اختلفا تعريفًا وتنكيرًا، وقال الأَخفش: الإِيطاءُ: رَدُّ كلمةٍ قد قَفَّيْتَ بها مَرَّةً، نحو قافيةٍ على رَجُل، وأُخرى على رَجُل، في قصيدةٍ، فهذا عَيْبٌ عند العَرب، لا يختلفون فيه، وقد يقولونه مع ذلك، قال النابغة:
أَو أَضَعُ البَيْتَ فِي سَوْدَاءَ مُظْلِمَةٍ *** تُقَيِّدُ العَيْرَ لا يَسْرِي بها السَّارِي
ثم قال:
لا يَخْفِضُ الرِّزَّ عَنْ أَرْضٍ أَلَمَّ بِهَا *** وَلَا يَضِلُّ عَلَى مِصْبَاحِهِ السَّارِي
قال ابنُ جِنّي: ووجهُ استقباحِ العَربِ الإِيطاءَ أَنَّه دَالٌّ عِنْدَهم على قِلَّةِ مادَّةِ الشاعِر، ونَزَارَةِ ما عِنْدَه حتى اضطُرَّ إِلى إِعادةِ القافِيةِ الواحدةِ في القصيدةِ بلفْظِها ومَعناها، فيَجْرِي هذا عِندَهم لِمَا ذَكَرْناه مَجْرَى العِيِّ والحَصَرِ، وأَصلُه أَن يَطَأَ الإِنسانُ في طَرِيقه على أَثَرِ وَطْءٍ قَبْلَه، فيُعِيدَ الوَطْءَ على ذلك الموضع، وكذلك إِعادةُ القافِيةِ من هذَا. وقال أَبو عمرو بن العلاءِ: الإِيطاءُ ليس بِعَيْبٍ في الشِّعر عند العرب، وهو إِعادَةُ القافِيَة مرَّتَيْن. ورُوِيَ عن ابن سَلّامٍ الجمحي أَنه قال: إِذا كَثُرَ الإِيطاءُ فِي قَصيدةٍ مَرَّاتٍ فهو عَيْبٌ عندهم.
والوَطَأَةُ [مُحَرَّكةً] كَكَتَبةٍ في جمع كَاتِب والوَاطِئَةُ: المَارَّةُ والسَّابِلَةُ سُمُّوا بذلك لِوَطْئِهم الطَّرِيقَ، وفي التهذيب: الوَطَأَةُ: هم أَبناءُ السَّبيلِ مِنَ النَّاس، لأَنهم يَطَؤون الأَرْضَ. وفي الحديث أَنه قال للخُرَّاصِ «احْتَاطُوا لِأَهْلِ الأَمْوَالِ في النَّائبة والوَاطِئَة» يقول: اسْتَظْهِرُوا لهم في الخَرْصِ لِمَا يَنُوبُهم وَينزِلُ بهم الضيفان.
وَاسْتَطَأَ، كذا في النسخ والصواب اتَّطَأَ كافْتَعَلَ إِذا اسْتَقَامَ وبَلَغَ نِهَايَتَهُ وَتَهَيَّأَ، مُطاوِع وَطَّأَه تَوْطِئَةً.
وفي الأَساس: ومن المجاز يقال للمضياف: رَجُلٌ مُوَطَّأُ الأَكْنَافِ، كمُعْظَّم وَوطِيئُها، وتقول: فيه وَطَاءَةُ الخُلُقِ وَوَضَاءَة الخَلْقِ: سَهْلٌ الجوانب دَمِثٌ كَرِيمٌ مِضْيَافٌ ينزل به الأَضياف فيَقْرِيهم، ورجُلٌ وَطِيءُ الخُلُقِ، على المَثَلِ أَو جل يَتَمَكَّنُ في نَاحِيَتِهِ صَاحِبُهُ، بالرفع فاعل يَتمكَّن غَيْرَ مُؤْذًى وَلَا نَاب بِه موْضِعُه كذا في النهاية، وفي الحديث «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجَالِسَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا، المُوَطَّؤونَ أَكْنَافًا، الذين يَأْلَفُونَ ويُؤلَفُونَ» قال ابنُ الأَثير: هذا مَثَلٌ، وحَقيقتُه من التَّوْطِئَةِ، وهي التَّمْهِيدُ والتَّذْلِيل.
وفي حَدِيث عَمَّار أَنَّ رَجُلًا وَشَى به إِلى عُمَرَ فقال: «اللهُمَّ إِنْ كَان كَذَبَ عَلَيَّ فاجْعَلْهُ مُوَطَّأَ العَقِبِ» يقال رجُلٌ مُوَطَّأُ العَقِبِ أَي سُلْطَانٌ يُتَّبَعُ ويُوطَأ عَقِبُهُ أَي كثير الأَتْباعِ، دَعَا عليه بأَن يَكون سُلْطانًا أَو مُقَدَّمًا فيتْبَعَهُ الناسُ ويمشون وراءَه.
وفي الحديث: أَنَّ رِعَاءَ الإِبِلِ ورِعَاءَ الغَنَم تَفاخَرُوا عِنده وَأَوْطَؤوهُمْ رِعَاء الإِبل؛ أَي غَلَبُوهم، وقَهروهم بالحُجَّة، وأَصله أَنَّ مَنْ صَارَعْتَه أَو قاتلْتَه فصرعته فقد وَطِئْتَه وأَوْطَأْتَه غَيْرَك. والمعنى جَعَلُوهم يُوطَؤُونَ قَهْرًا وغَلَبَةً.
وفي حديث عَليٍّ «كُنْتُ أَطَأُ ذِكْرَه» أَي أغَطِّي خَبَرَه، وهو كِنَايَةٌ عن الإِخْفَاءِ والسَّتْرِ.
وقيل الوَاطِئَةُ: سُقَاطَةُ التَّمْرِ، هي فاعِلَةٌ بمعنى مَفْعُولَةٍ، لأَنها تَقَعُ ف تُوطَأُ بالأَقدام، وقيل: هي من الوَطَايَا، جمعُ وَطِيئَةٍ، تَجْرِي مَجْرَى العَرِيَّةِ، سُمِّيَت بذلك لأَن صاحِبها وَطَّأَها لأَهلِها؛ أَي ذَلَّلَها ومَهَّدَها، فلا تَدْخُلُ في الخَرْصِ. وكان المناسبُ ذِكْرَها عند ذِكْرِ الوَطِيئَة.
وهُمْ أي بنو فلان يَطَؤُهُمُ الطَّرِيقُ أَي أَهله، والمعنى يَنْزِلُونَ بِقُرْبِهِ فَيَطَؤُهُمْ أَهْلُه حكاه سِيبويهِ، فهو من المجازِ المُرْسَل، وقال ابن جِنّي: فيه من السَّعَةِ إِخْبارُك عَمَّا لَا يَصِحُّ وَطْؤُه بِمَا يَصِحُّ وَطْؤُه، فنقولُ قياسًا على هذا: أَخذْنَا على الطرِيق الواطِئِ لبني فُلانٍ. ومرَرْنَا بقومٍ مَوْطُوئِينَ بالطَّرِيقِ، ويا طَرِيقُ طَأْ بِنَا بَني فُلانٍ أَي أَدِّنَا إِليهم، قال: ووجهُ التشبيه إِخبارُك بما تُخْبرُ به عن سالِكيه، فشبَّهْتَهُ بهم، إِذْ كان المُؤَدِّيَ له، فكأَنَّه هم، وأَما التوكيد فلأَنك إِذا أَخبرْتَ عنه بِوَطْئه إِيَّاهم كان أَبْلَغَ مِنْ وَطْءِ سَالِكيه لهم، وذلك أَنَّ الطرِيق مُقيمٌ مُلازِمٌ، وأَفعالُه مُقيمةٌ معه، وثابِتَةٌ بِثَباتِه، وليس كذلك أَهلُ الطرِيقِ، لأَنهم قد يَحْضُرون فيه، وقد يَغِيبون عنه، وأَفعالُهم أَيضًا حاضِرَةٌ وَقْتًا، وغائبَةٌ آخَرَ، فأَيْنَ هذا مِمَّا أَفعالُه ثابتةٌ مُسْتَمِرَّة؟ ولمَّا كان هذا كلامًا كان الغَرَضُ فيه المَدْحَ والثناءَ اختارُوا له أَقْوَى اللفظَيْنِ، لأَنه يُفِيد أَقْوَى المَعْنَيَيْنِ، كذا في اللسان.
قال أَبو زَيْدِ: ايتَطَأَ الشَّهْرُ، بوزن ايتَطَعَ، وذلك قبل النِّصْفِ بيوْمٍ وبَعْدَه بيومٍ.
والمُوَطَّأُ: كِتابُ الإِمامِ مَالِكٍ إِمامِ دارِ الهِجْرَة، رضي الله عنه، وأَصله الهمز.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
42-تاج العروس (بوب)
[بوب]: البَوْبَاةُ: الفَلَاةَ: عن ابْنِ جِنّي، وهي المَوْمَاة، أَيْ قُلِبَتِ البَاءُ مِيمًا، لأَنَّهَا من الشَّفَةِ، ومثلُ ذلكَ كَثِير، قالَه شَيْخُنَا وقالَ أَبُو حَنِيفَةَ: البَوْبَاةُ: عَقَبَةٌ كَؤُود بِطَرِيقِ مَنْ أَنْجَدَ مِنْ حَاجِّ اليَمَنِ، وفي المَرَاصِدِ: هِيَ صَحْرَاءُ بأَرْضِ تِهَامَة، إِذَا خَرجْتَ منْ أَعالِي وَادِي النَّخْلَةِ اليَمَانِيَةِ، وهي بِلَادُ بنِي سَعْدِ بنِ بَكْرِ بنِ هَوَازِنَ، وقِيلَ: ثَنِيَّةٌ في طَرِيقِ نَجْد عَلَى قَرْنٍ، يَنْحَدِرُ منها صاحِبُهَا إِلى العِراقِ، وقِيلَ غيرُ ذلك قَالَهُ شيخُنَا.والبَابُ معروف أَيْ بمَعْنَى المَدْخَلِ والطَّاقِ الذِي يُدْخَلُ منه وبِمَعْنى مَا يُغْلَقُ به ذلك المَدْخَلُ من الخَشَبِ وغيرِهِ، قاله شيخُنَا الجمع: أَبْوَابٌ نَقَلَ شيخنَا عن شيخه ابنِ المسنَاوِيِّ مَا نَصُّه: اسْتَدَلَّ به أَئِمَّةُ العَرَبِيَّةِ على أَنَّ وَزْنَه فَعَلٌ، مُحَرَّكَة، لأَنَّه الذي يُجْمَعُ على أَفْعَالٍ قِيَاسًا، تَحَرَّكَتِ الواوُ وانْفَتَح ما قَبْلَهَا فَصَار بَاب: وبِيبَانٌ كتَاج وتِيجَانٍ، وهو عند الأَكْثَرِ مَقِيسٌ وأَبْوِبَةٌ في قَوْلِ القُلَاخ بنِ حْبَابَةَ، قالَه ابنُ بَرِّيّ، وفي الصَّحَاح لابنِ مُقْبِل:
هَتَّاكُ أَخْبِيَةٍ وَلَّاج أَبْوِبَةٍ *** يَخْلِطُ بِالبِرِّ منه الجِدَّ واللِّينَا
قَالَ «أَبْوِبَةٍ» لِلازْدِوَاج، لِمَكَانِ أَخْبِيَة قالَ: ولَوْ أَفْرَدَهُ لَمْ يَجُزْ، وزَعَمَ ابنُ الأَعْرَابيّ أَنَّ أَبْوِبَة جمعُ بَابٍ من غيرِ أَن يكونَ إِتْبَاعًا، وهذَا نَادِرٌ لأَنَّ بَابًا: فَعَلٌ، وفَعَلٌ لا يُكَسَّرُ عَلَى أَفْعِلَةٍ، قال ابنُ مَنْظُورٍ وتَبِعَهُ شَيْخُنَا في شَرْحهِ: وقَدْ كَانَ الوَزِيرُ ابنُ المَغْرِبِيّ يَسْأَلُ عن هَذه اللَّفْظَةِ علَى سَبِيلِ الامْتِحَانِ فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ لَفْظَةً جُمِعَتْ عَلَى غَيْرِ قِيَاسِ جَمْعَها المَشْهُورِ طَلَبًا لِلازْدِوَاجِ، يَعْنِي هذه اللَّفْظَةَ، وهِي أَبْوِبَة، قَالَ: وهذَا فِي صناعَةِ الشِّعْرِ ضَرْبٌ مِنَ البَدِيعِ يُسَمى التَّرْصِيعَ. قُلْتُ: وأَنْشَدَ هَذَا البَيْتَ أَيْضًا الإِمَامُ البَلَوِيُّ في كِتَابِه أَلف باء واسْتَشْهَدَ به في أَنَّ بَابًا يُجْمَعُ عَلَى أَبْوِبَةٍ، ولم يَتَعَرَّضْ لِلْإِتْبَاع وَعَدَمِه.
وفي لسان العرب: واسْتَعَارَ سُوَيْدُ بنُ كُرَاع الأَبَوابَ لِلْقَوَافِي فَقَالَ:
أَتيتُ بِأَبْوَابِ القَوَافِي كَأَنَّمَا *** أَذُودُ بِهَا سِرْبًا مِنَ الوَحْشِ نُزَّعَا
والبَوَّابُ لَازِمُهُ وحَافِظُهُ، وهو الحَاجِبُ، ولو اشْتُقَّ منه فِعْلٌ عَلَى فِعَالَة لقيل: بِوَابَةٌ، بإِظْهَارِ الوَاوِ، وَلَا تُقْلَبُ يَاءً لأَنَّه ليْسَ بمَصْدَرٍ مَحْضٍ، إِنما هو اسم، وحِرْفَتُهُ البِوَابَةُ، كَكِتَابَة، قال الصاغانيّ: لَا تُقْلَبُ يَاءً لأَنَّه ليس بمَصْدَرٍ مَحْض، إِنَّما هو اسمٌ، وأَمَّا قوْلُ بِشْرِ بنِ [أَبي] خَازِم:
فَمَنْ يَكُ سَائِلًا عَنْ بَيْتِ بِشْرٍ *** فَإِنَّ لَهُ بِجَنْبِ الرَّدْهِ بَابَا
فعَنَى بالبَيْتِ القَبْرَ، كما سيأْتي، ولمَّا جَعَلَه بَيْتًا، وكَانَتِ البُيُوتُ ذَوَاتِ أَبْوَابٍ اسْتَجَازَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ بَابًا.
والبَوَّابُ: فَرَسُ زِيَادِ ابْنِ أَبِيهِ مِنْ نَسْلِ الحَرُونِ، وهُوَ أَخُو الذَّائِدِ بنِ البِطينِ بنِ البِطَانِ بنِ الحَرُونِ.
وبَابَ لهُ أَيْ لِلْسُّلْطَانِ يَبُوبُ كقَالَ يَقُولُ، قَالَ شَيْخُنَا: وذِكْرُ المُضَارِع مُسْتَدْرَكٌ، فَإِنَّ قَاعِدَتَه أَنْ لَا يَذْكُرَ المُضَارِعَ مِنْ بَابِ نَصَرَ صَارَ بوَّابًا لَهُ، وتَبَوَّبَ بَوَّابًا: اتَّخَذَهُ.
وأَبْوَابٌ مُبَوَّبَةٌ، كَمَا يُقَالُ: أَصْنَافٌ مُصَنَّفَةٌ..
والبَابُ والبابَةُ، تَوَقَّفَ فيه ابنُ دُرَيْدٍ، ولذَا لَمْ يَذْكُرْه الجوهريُّ، فِي الحِسَابِ والحُدُودِ ونَحْوِهِ: الغَايَةُ وحَكَى سِيبَوَيْهِ بَيَّنْتُ لَهُ حِسَابَهُ بَابًا بابًا، وبَاباتُ الكِتَابِ: سُطُورُهُ، لَا وَاحِدَ لَهَا أَيْ لَمْ يُسْمَعْ ويُقَالُ هذَا بَابَتُهُ، أَيْ يَصْلُحُ لَهُ وهَذَا شَيْءُ مِنْ بَابتِكَ، أَيْ يَصْلُحُ لَكَ، وقَالَ ابنُ الأَنْبَارِيِّ فِي قَوْلِهِمْ: هذَا مِنْ بابَتِي: أَيْ يَصْلُحُ لِي.
والبَابُ: د، في المَرَاصِدِ: بُلَيْدَةٌ في طَرِيقِ وَادِي بُطْنَانَ بِحَلَبَ أَيْ مِنْ أَعْمَالِهَا، بَيْنَهَا وبَيْنَ بُزَاعَا نحوُ مِيلَيْنِ وإِلى حَلَب عَشَرَةُ أَمْيال.
قُلْت: وهي بَابُ بُزَاعَا كَمَا حَقَّقَهُ ابنُ العَدِيمِ في تاريخ حَلَبَ، قَالَ: والنِّسْبَةُ إِلَيْهَا: البابِيُّ، منهم: حَمْدَانُ بنُ يُوسُفَ بنِ مُحَمَّدٍ البَابِيُّ الضَّرِيرُ الشَّاعِرُ المُجِيدُ، ومنَ المُتَأَخِّرِينَ مَنْ نُسِبَ إِليها مِنَ المُحَدِّثِينَ كَثِيرُونَ، تَرْجَمَهُمُ السَّخَاوِيُّ في الضَّوْء.
وبَابٌ، بِلَا لَام: جَبَلٌ، وفي بَعْضِ النُّسَخ: بَلَدٌ قُرْبَ هَجَرَ مِنْ أَرْضِ البَحْرَيْنِ.
وبَابٌ أَيْضًا: قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى بُخَارى، واسْتَدْرَكَه شيخُنَا.
قُلْتُ: هِيَ بَابَةُ، كَمَا نَقَلَه الصَّاغَانيّ وقد ذَكَرَها المُصَنِّفُ قَرِيبًا.
وبَابٌ أَيْضًا، مَوْضِعٌ عن ابن الأَعْرَابيّ، وأَنشد:
وإِنَّ ابنَ مُوسَى بَائعَ البَقْلِ بِالنَّوَى *** لَهُ بَيْنَ بَابٍ والجَرِيبِ حَظِيرُ
كَذَا في لسان العرب.
والبَابَةُ، ثَغْرُ بالرُّومِ مِنْ ثُغُورِ المُسْلِمِينَ، ذَكَره يَاقُوت، وبِلَا لامٍ: قرية بِبُخَارَاءَ، كَذَا في المَرَاصِدِ مِنْهَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ بنِ إِسْحَاقَ المُحَدِّثُ البَابِيُّ.
والبَابَةُ عِنْدَ العَرَبِ: الوَجْهُ قَالَهُ ابنُ السِّكّيت، الجمع: بَابَاتٌ فإِذَا قالَ: الناسُ مِنْ بَابَتِي، فَمَعْنَاهُ مِنَ الوَجْهِ الذِي أُرِيدُه ويَصْلُحُ لِي، وهو مِنَ المَجَازِ عِنْدَ أَكْثَرِ المُحَقِّقِينَ وأَنشد ابنُ السكِّيتِ لابن مُقْبِلٍ:
بَنِي عَامِرٍ مَا تَأْمُرُونَ بِشَاعِرٍ *** تَخَيَّرَ بَابَاتِ الكِتَابِ هِجَائِيا
قَالَ: مَعْنَاهُ: تَخَيَّرَ هِجَائِيَ مِنْ وُجُوهِ الكِتَابِ والبَابَةُ: الشَّرْطُ، يقالُ: هذَا بَابَتُهُ؛ أَي شَرْطُهُ، وليس بتكرار، كما زعمه شيخنا.
والبُوَيْبُ، كَزُبيْر: موضع قُرْبَ، وفي لسان العرب: تلْقَاءَ مِصْرَ إِذَا بَرَقَ البَرْقُ مِنْ قِبَلِهِ لمْ يَكَدْ يُخْلفُ، أَنْشَد أَبُو العَلَاءِ.
أَلا إِنَّما كَانَ البُويْبُ وأَهْلُه *** ذُنُوبًا جَرَتْ مِنِّي وهذَا عقَابُهَا
وفي المراصِد: نَقْبٌ بَيْنَ جَبَلَينِ، وقيلَ: مدْخَلُ أَهْلِ الحِجَازِ إِلَى مِصْرَ.
قُلْت: والعَامّةُ يَقُولُونَ البُويْبَاتُ، ثمَّ قَالَ: ونَهْرٌ أَيْضًا كانَ بالعرَاق مَوضِعَ الكُوفة يَأْخُذُ منَ الفُراتِ.
وبُوَيْبٌ جَدُّ عيسى بنِ خَلَّادٍ العِجْلِيِّ المُحَدِّثِ عَنْ بَقيَّةَ، وعَنْهُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ.
والبُوبُ بالضَّمّ: قرية بِمِصْرَ مِنْ حَوْفهَا، كَذَا في المُشْرِقِ، وفي المَراصِدِ، ويقال لَهَا: بُلْقينَةُ أَيْضًا، وهي بِإِقْلِيمِ الغَرْبِيَّةِ من أَعْمَال بنَا.
وبَابُ الأَبْوابِ، قال في المراصد: ويقال: «البابُ» غَيْرَ مُضَاف، والذي في لسان العرب: الأَبْوَابُ: ثَغْرٌ بِالخَزَرِ وهو مدِينَةٌ على بَحْر طَبَرِسْتَانِ، وهو بَحْرُ الخَزَرِ، ورُبَّما أَصَاب البَحْرُ حَائِطَهَا، وفي وَسَطِهَا مَرْسَى السُّفُنِ، قَد بُنِيَ على حَافَتَيِ البَحْرِ سَدَّيْنِ، وجُعِلَ المَدْخَلُ مُلْتَوِيًا، وعلى هذا الفَم سِلْسِلَةٌ، فلا تَخْرُجُ السَّفِينَةُ ولا تَدْخُلُ إِلّا بِأَمْرٍ، وهي فُرْضَةٌ لِذلِك البَحْرِ، وإِنَّمَا سُمِّيَتْ «بابَ الأَبْوَابِ» لِأَنَّهَا أَفْوَاهُ شِعَاب في جَبَلٍ، فيها حُصُونٌ كَثِيرَةٌ، وفي المُعْجَم: لأَنَّهَا بُنِيَتْ على طَرَفٍ في الجَبَلِ، وهو حَائِطٌ بَنَاهُ أَنُو شِرْوانَ بِالصَّخْرِ والرَّصَاصِ، وعَلَّاه ثلاثمائة ذُرَاعٍ، وجَعلَ علَيْهِ أَبْوَابًا منْ حَدِيدٍ، لِأَنَّ الخزَرَ كَانَتْ تُغيرُ في سُلْطَانِ فَارِسَ حتَّى تَبْلُغَ هَمَذَانَ والمَوْصِلَ، فبَنَاهُ لِيَمْنَعَهُمُ الخُرُوجَ وجَعَلَ عليه حَفَظَة، كذا نقلَه شيخُنا من التواريخ، ورأَيت في «الأَرْبَعِينَ البُلْدَانِيَّة» للحافظِ أَبِي طَاهِرٍ السِّلفيّ ما نصُّه: بَابُ الأَبواب المعروفُ بدَرْبَنْدَ، وإِليها نُسِبَ أَبُو القَاسِمِ مَيْمُونُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّد البَابِيُّ مُحَدِّثُ، اه.
قُلْتُ: وهُوَ شَيْخُ السِّلَفِيّ، وأَبُو القَاسِم يُوسُفُ بنُ إِبْراهِيمَ بنِ نَصْرٍ البَابِيُّ حَدَّثَ ببغْدَادَ.
* وممَّا بَقِيَ علَى المُؤَلِّفِ مِمَّا اسْتَدْرَكَ عليهِ شيخُنَا وغيرُه:
بَابُ الشَّامِ ذَكَره ابنُ الأَثيرِ، والنِّسْبَةُ إِليه: البَابشَامِيُّ، وهِيَ مَحَلَّةٌ ببَغْدَادَ.
وبَابُ البَرِيدِ، كَأَمِيرٍ، بدِمَشْق.
وبَابُ التِّبْنِ، لِمَأْكُولِ الدَّوَابِّ: مَحَلَّةُ كَبِيرَةٌ مُجاوِرَة لمَشْهدِ مُوسَى بنِ جَعْفَر، بها قَبْرُ عبْد الله بنِ الإِمام أَحْمَد [بن حنبل].
وبَابُ تُوما، بالضَّمِّ، بدِمَشق.
وبَابُ الجِنَانِ: أَحَدُ أَبْوَابِ الرَّقَّة وأَحدُ أَبْوَابِ حلَبَ.
وبَابُ زُوَيلَةَ بِمِصْرَ.
وبابُ الحُجْرَةِ: مَحَلَّةُ الخُلفَاءِ ببغدادَ.
وبابُ الشَّعير: مَحَلَّة بها أَيضًا.
وبابُ الطَّاقِ: مَحَلَّةٌ أُخرى كبيرة بالجانب الشرقيّ ببغداد، نُسب إِليها جَمَاعَةٌ من المحَدِّثينَ والأَشْرافِ.
وَبَنُو حَاجِبِ البَابِ: بَطْنٌ من بَنِي الحُسَيْنِ، كَانَ جَدُّهُم حاجبًا لِبَابِ البوني.
وبَابُ العَرُوسِ: أَحَدُ أَبْوَابِ فَاس.
والبابُ: باب كِسْرَى، وإِليه نُسِب لِسانُ الفُرْس.
وأَبوَاب شكى وأَبواب الدودانية في مدينة إِرَان من بِنَاءِ أَنُوشِرْوَانَ.
وَبَابُ فَيْرُوزَ؛ أَي ابنِ قُبَاذَ: قَصْرٌ في بلاد جرزانَ مما يَلِي الرُّومَ.
وبَابُ اللّان.
وبابُ سمجن مِنْ مُدُنِ أَرْمِينِيةَ وقد ذَكَرَ المُصَنِّفُ بَعْضًا منها في مَحَالِّهَا، كما سيأْتي:
وبَابٌ وبُوبَةُ وبُوَيْبٌ أَسْمَاءٌ تقدَّمَ منها جَدُّ عِيسى بنِ خَلَّادٍ، وبابُ بنُ عُمَيرٍ الحَنَفيُّ منْ أَهْلِ اليَمَامَةِ، تَابِعَيٌّ. وبَابَا: مَوْلًى لِلْعبَّاسِ بن عبْدِ المُطَّلبِ الهاشِمِيِّ.
وبابا أَيْضًا مَوْلًى لعائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ رَضِيَ اللهُ عنْهُمَا. وعبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بَابَا أَو بابَاهُ بزِيادةِ الهَاءِ وعبْدُ اللهِ بْنُ بَابَا أَو بابَي بإمالَةِ الباءِ إِلى الياءِ أَو هو بَابَيْه بالهاءِ تَابِعيُّون.
وبابُويَة جَدُّ أَبِي الحسَن عليِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْن الأَسْوارِيِّ، بالفَتْحِ ويُضَمُّ، إِلى أَسْوارِيَّةَ: قَرْيةٍ من أَصْبهَانَ، أَحدُ الأَغْنِيَاءِ ذُو وَرعٍ ودينٍ، روَى عنِ ابنِ عِمْرانَ مُوسَى بن بَيان، وعنه أَحْمَدُ الكَرَجِيُّ قَالَهُ يَحْيَى، كَذَا فِي المُعْجَم لياقوت.
وأَبُو عَبْدِ الله عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ بن أَحْمَدَ بنِ بابَوَيْه الأَرْدِسْتَانِيّ نَزِيل نَيْسَابُورَ، مُحدّث توفي سنة 409 والإِمامُ أَبو الحسن عليّ بن الحسين بن بابَوَيْه الرازيّ، مُحدِّث، وهو صاحب الأَربعين، ذكره أَبو حامدٍ المحْموديّ.
وبَابويَةُ أَيضًا جَدُّ والِدِ أَحْمد بْنِ الحُسَيْنِ بنِ علِيٍّ الحِنَّائِيِّ الدِّمَشْقِيّ، وقد تقدم ذكره في ح ن أَ. وإِبْراهِيمُ بنُ بُوبَةَ، بالضَّمِّ عن عبد الوهاب بن عطاءٍ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَد بْنِ بُوبَةَ العَطَّار شيخٌ للعُقَيْلِيّ، وأَبُو علِيٍّ الحَسنُ بْنُ مُحمَّدِ بْن بُوبةَ الأَصْبَهَانِيُّ، شيخٌ لأَحمد بن مسلم الخُتَّلِيّ، وولده محمد بن الحَسن، روى عن محمد بن عِيسى الأَصْبَهانيّ المُقْرِئ، وعنه ابنُه الحسنُ مُحَدِّثُونَ.
وَبابَ الرَّجلُ: حفر كُوَّةً، نقله الصاغانيُّ عن الفَرَّاءِ، وسيأْتي أَنَّ مَحلَّه ب ي ب عَلَى الأَفصح.
والبَابِيَّةُ بتَشْديدِ الياءِ: الأُعْجُوبَةُ قالَهُ أَبُو مَالِك: وأَنْشَدَ قَوْلَ النَّابِغَةِ الجَعْدِيِّ:
فَذَرْ ذَا وَلكِنَّ بَابِيَّةً *** حَدِيثُ قُشَيْرٍ وأَقْوالُها
يُقَالَ: أَتَى فُلَانٌ بِبابِيَّة أَيْ بأُعْجُوبَة، كَذَا نَقَلَه الصَّاغانيّ، وَروَاهُ الأَزْهرِيّ عن أَبِي العميْثَلِ.
وبَابَين مُثنًّى: موضع بالبحْرَينِ وحَالُهُ في الإِعْرابِ كحَالِ «البَحْرَين»، وفيه يقُولُ قائلُهُم:
إِنَّ ابْنَ بُورٍ بَيْنَ بَابَيْنِ وجَمّ *** والخَيْلُ تَنْحَاهُ إِلى قُطْرِ الأَجَمْ
وضَبَّةُ الدَّغْمَاءُ في فَيْءِ الأَكَمْ *** مُخْضَرَّةٌ أَعْيُنُهَا مِثْلُ الرَّخَمْ
وفي شِعْرٍ آخرَ: مِنْ نَحْوِ بَابَيْنِ.
وبَابَانُ مَحَلَّةٌ بِمرْوَ منها أَبُو سَعِيدٍ عَبَدة بنُ عَبْدِ الرَّحِيم المَرْوَزِيُّ مِن شُيُوخِ النَّسَائِيِّ، مشْهُورٌ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
43-تاج العروس (نصب)
[نصب]: نَصِبَ، كفَرِحَ: أَعْيا، وتَعِبَ.وأَنْصَبَه هو، وأَنْصَبَني هذا الأَمْرُ.
وهَمٌّ ناصِبٌ: مُنْصِبٌ، وهو الصَّحِيح، فهو فاعِلٌ بمعنى مُفْعِل، كمكانٍ باقِلٍ بمعنى مُبْقِل. قاله ابْنُ بَرِّيّ. وقيل: ناصِبٌ بمعنَى المنصوبِ وقيلَ بمعنَى: ذو نَصَبٍ، مثل: تامِرٍ ولابِنٍ، وهو فاعِلٌ بمعنى مفعول؛ لأَنَّه يُنْصَب فيه ويُتْعَب. وفي الحديث: «فاطمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُنْصِبِني ما أَنْصَبَهَا»، أَي: يُتْعبني ما أَتْعَبها. والنَّصَبُ: التَّعَب، وقيلَ: المَشَقَّةُ؛ قال النّابغة: كِلينِي لِهَمٍّ يا أُمَيْمَةُ ناصِبِ.
أَي: ذِي نَصَبٍ، مثلُ: لَيْلٌ نائمٌ: ذُو نَوْمٍ. يُنَامُ فيه.
ورجلٌ دارِعٌ: ذُو دِرْعٍ، قاله الأَصْمَعِيُّ. ويقَال: نَصَبٌ ناصِبٌ، مثلُ: مَوْتٌ مائتٌ، وشِعْرٌ شاعِرٌ. وقال سيبويه: هَمٌّ ناصِبٌ هو على النَّسَبِ، أَوْ سُمِعَ: نَصَبَه الهَمُّ ثُلاثِيًّا متعدِّيًا بمعنى أَتْعَبَهُ، حكاه أَبو عليّ في التَّذْكِرة، فنَاصِبٌ إِذًا على الفِعْل.
ونَصَبَ الرَّجُلُ: جَدَّ. قال أَبو عَمْرٍو. في قوله: «ناصِبِ» نَصَبَ نَحْوِي؛ أَي جَدَّ.
ونَصَبَ لهم الهَمَّ، وأَنْصَبَهُ الهَمُّ، عَيْشٌ ناصِبٌ، وكذلك ذو مَنْصَبَةٍ: فيه كَدٌّ وجَهْدٌ، وبه فَسَّر الأَصمعيُّ قولَ أَبي ذُؤَيْبٍ:
وغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بِعَيْشٍ ناصِبٍ *** وإِخالُ أَنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبِعُ
والنَّصْبُ بفتح فسكون، والنُّصْبُ بالضَّمّ وبضَمَّتَيْن، ومنه قِرَاءَةُ أَبي عُميْرٍ وعبدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدٍ: مِنْ سَفَرِنَا هذا نُصُبًا: هو الداءُ، والبلاءُ، والتَّعَبُ، والشَّرُّ. قال اللَّيْثُ: النَّصْبُ نَصْبُ الدَّاءِ، يُقَالُ: أَصابهُ نَصْبٌ من الدّاءِ. وفي التّنزيلِ العزيزِ: {مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ}.
والنَّصِبُ، كَكَتِفٍ: المرِيضُ الوَجِعُ.
وقد نَصَبَه المَرَضُ، يَنْصِبُهُ بالكَسر: أَوْجَعَهُ، كَأَنْصَبَهُ، إِنْصابًا.
ونَصَبَ الشَّيْءَ: وضَعَه، وَرَفَعُه؛ فهو ضِدٌّ، يَنْصِبُهُ، نَصْبًا كَنَصَّبهُ بالتّشديد، فَانْتَصَبَ؛ قال:
فبَاتَ مُنْتَصْبًا وما تَكَرْدَسَا
وتَنَصَّبَ كانْتَصَب، وتَنَصَّبَ فُلانٌ، وانْتَصَبَ: إِذا قامَ رافِعًا رَأْسَهُ، وفي حديث الصلاة، «لا يَنْصِبُ رَأْسَهُ، ولا يُقْنِعُهُ»: أَي لا يَرْفَعُه. والنَّصْبُ: إِقامةُ الشَّيْءِ ورَفْعُه، ومنه قوله.
أَزَلُّ إِنْ قِيدَ وإِنْ قامَ نَصَبْ
ونَصَبَ السَّيْرَ، يَنْصِبْهُ، نَصْبًا: رَفَعَه. وقيلَ: النَّصْبُ: أَنْ يَسِيرَ القومُ لَيْلَهُم، أَو هُوَ أَنْ يَسِير طُولَ يَوْمِهِ، قاله الأَصْمَعِيُّ. وهو سَيْرٌ لَيِّنٌّ. وقد نَصَبُوا نَصْبًا. وقيل نَصَبُوا: جَدُّوا السَّيْرَ؛ قال الشّاعرُ:
كَأَنَّ راكِبَها يَهْوِي بمُنْخَرَقٍ *** من الجَنُوبِ إِذا مارَكْبُهَا نَصَبُوا
وقال النَّضْرُ: النَّصْبُ: أَوّلُ السَّيْرِ، ثُمّ الدَّبِيبُ ثُمَّ العَنَقُ، ثُمَّ التَّزَيُّدُ، ثُمّ العَسْجُ، ثُمَّ الرَّتَكُ ثُمّ الوَخْدُ، ثُمَّ الهَمْلَجَةُ.
ومن المَجَاز: نَصَبَ لفُلانٍ نَصْبًا: إِذا قَصدَ له، وعادَاهُ، وتَجَرَّدَ له.
والنَّصْبُ: ضرْبٌ من أَغَانِي الأَعرابِ وقد نَصَبَ الرّاكِبُ نَصْبًا إذا غَنّى. وعن ابْنِ سِيدَهْ: نَصْبُ العربِ: ضَرْبٌ من أَغانِيهَا. وفي الحديثِ: «لو نَصَبْتَ لَنَا نَصْبَ العَرَبِ»؟
أَي: لو تَغَنَّيْتَ. وفي الصَّحاح: أَي لو غَنَّيْتَ لنا غِناءَ العَرَبِ. ويقالُ نَصَبَ الحادِي: حَدَا ضَرْبًا من الحُدَاءِ.
وقال أَبو عَمْرٍو: النَّصْبُ: حُداءٌ يُشْبِهُ الغِنَاءَ. وقالَ شمِرٌ: غِناءُ النَّصْبِ: ضرْبٌ من الأَلْحان. وقيل: هو الذي أُحْكِمَ من النَّشِيد، وأُقِيمَ لَحْنُهُ [ووَزْنُهُ] كذا في النّهَاية. وزاد في الفائق. وسُمِّيَ بذلك، لأَنَّ الصَّوْتَ يُنْصَبُ فيه، أَي: يُرْفَع ويُعْلَى.
ونَصَبَ لَهُ الحَرْبَ، نَصْبًا: وضَعَهَا، كناصَبَهُ الشَّرَّ، على ما يأْتي. وعن ابْنِ سيدَهْ: كُلُّ ما، أَي: شَيْءٍ رُفِعَ واسْتُقْبِلَ بِهِ شَيْءٌ، فقد نُصِبَ، ونَصَبَ هُوَ. كذا في المحكم.
والنَّصْبُ، بالفتح: العَلَمُ المَنْصُوبُ يُنْصَبُ للقَوم، وقد يُحَرَّكُ. وفي التَّنْزِيل العَزِيزِ {كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} قُرِئ بِهِما جَمِيعًا. وقال أَبو إِسحَاق. ومن قَرَأَ إِلى نَصْبٍ، فمعناه إِلى عَلَم منصوب، يَسْتَبِقُون إِليه، ومَنْ قرأَ {إِلى نُصُبٍ}، فمعناه إِلى أَصنام، كما سيأْتي. وقيلَ: النَّصْبُ: الغَايَةُ، والأَوّلُ أَصحُّ.
وعن أَبي الحَسَن الأَخْفَشِ: النَّصْبُ فِي القَوَافِي هو أَنْ تَسْلَمَ القافِيةَ من الفَسَادِ، وتكونَ تامَّةَ البِنَاءِ فإِذا جاءَ ذلك في الشَعْر المَجْزُوء لم يُسَمَّ نَصْبًا، وإِن كانت قافيتُه قد تَمَّتْ.
قال: سَمِعْنَا ذلك من العربِ، قال: وليس هذا مِمَّا سَمَّى الخَلِيلُ، إِنَّما تُؤْخَذ الأَسماءُ عن العرب، انتهى كلامُ الأَخفش.
ولمّا ظنَّ شيخُنَا أَنَّ هذا مِمّا سمّاه الخَلِيلُ عاب المُصنِّف، وسدَّد إليه سهم اعتراضِه، وذا غيرُ مناسبٍ. وقال ابْنُ سِيدَهْ، عن ابْنِ جِنِّي: لمّا كان معنى النَّصْبِ من الانتصاب، وهو المُثُولُ والأَشرافُ والتَّطَاوُلُ، لم يُوقَعْ على ما كان من الشّعر مَجْزُوءًا.
لأَنَّ جَزْأَهُ عِلَّةٌ وعيبٌ لَحِقَهُ، وذلك ضِدُّ الفَخْرِ والتَّطاوُلِ. كذا في لسان العرب.
وهُو أَي النَّصْبُ في الإِعْرَابِ، كالفتْحِ في البِنَاءِ. وهو اصطِلَاحٌ نَحْوِيّ، تقولُ منه: نَصَبْتُ الحَرْفَ، فانْتصَبَ وغُبَارٌ مُنْتَصِبٌ: مُرتفِعٌ.
وقال اللَّيْثُ: النَّصْبُ: رفْعُك شيئًا تَنْصِبُه قائمًا مُنْتَصِبًا.
والكَلمة المنصوبةُ ترفَعُ صوْتَها إِلى الغَار الأَعلَى.
وكلُّ شَيْءٍ انتصب بشَيْءٍ، فقد نَصبهُ.
وفي الصَّحاح: النَّصْبُ: مصدرُ نَصَبْتُ الشَّيْءَ: إِذا أَقَمْتَه.
وصفِيحٌ مُنَصَّبٌ: أَي نُصِب بعضُهُ على بعض.
وعن ابْن قُتيْبَةَ: نَصْبُ العربِ: ضَرْبٌ من مَغانِيها، أَرَقُّ من الحُدَاءِ، ومثلُهُ في الفائق، وقد تقدّمَ بيانهُ.
وقولُ شيخِنا: إِنّه مُستدرَكٌ، أَغنَى عنه قولُه السّابقُ: «والحادي، إِلى آخرِه»، فيهِ ما فيهِ، لأَنّهما قولانِ، غيرَ أَنّه يُقَال: كانَ المُنَاسِبُ أَن يَذكرَهُمَا في محلٍّ واحدٍ، مراعاةً لطريقته في حُسْنِ الاختصار.
والنُّصُبُ، بِضَمَّتَيْنِ: كُلُّ ما نُصِبَ، وجُعِلَ عَلَمًا، كالنَّصِيبَةِ. قيل: النُّصُبُ جمعُ نَصِيبَةٍ، كسَفينةٍ وسُفُنٍ، وصَحِيفَةٍ وصُحُفٍ. وقال اللَّيْثُ: النُّصُبُ: جماعةُ النَّصِيبةِ، وهي عَلامةٌ تُنْصَبُ للقوم.
قال الفَرّاءُ: واليَنْصُوبُ: عَلمٌ يُنْصَبُ في الفَلاةِ.
والنُّصُبُ: كُلُّ ما عُبِدَ من دُون الله تَعَالى، والجمعُ النَّصائِبُ. وقال الزَّجّاجُ: النُّصُبُ: جمعٌ، واحدُهَا نِصابٌ. قال: وجائزٌ أَن يكونَ واحدًا، وجمعُه أَنصابٌ.
وفي الصَّحاح: النَّصْبُ، أَي: بفتح فسكون: ما نُصِبَ، فعُبِدَ من دُون الله تعالَى، كالنُّصْبِ، بالضَّمِّ فسكون، وقد يُحرَّكُ. وزاد في نسخة مِنْهُ: مثل عُسْر وعُسُر، فيُنظَر هذا مع عبارة المصنّف السّابقة. قالَ الأَعْشَى يمدَحُ سيِّدَنا رسولَ اللهِ، صلى الله عليه وسلم:
وذا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تنْسُكَنَّهُ *** لِعاقِبةٍ والله ربَّكَ فاعْبُدَا
أَراد: فاعبدَنْ، فوقفَ بالأَلف. وقوله: وذا النُّصُبَ، أَي: إِيّاكَ وذا النُّصُبَ. وقال الفَرّاءُ: كأَنّ النُّصُبَ الآلهةُ الّتي كانت تُعْبَدُ من أَحجارٍ. قال الأَزهريّ: وقد جعَلَ الأَعْشَى النُّصُبَ واحدًا، وهو مصدرٌ، وجمعُه الأَنْصَابُ.
وكانوا يَعْبُدُون الأَنْصَابَ، وهي حِجارَةٌ كانَتْ حَوْلَ الكَعْبَةِ، تُنْصَبُ، فيُهَلُّ عَلَيْهَا، ويُذْبَحُ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى، قاله ابْنُ سيدَهْ. واحِدُها نُصُبّ، كعُنُق وأَعْنَاق، أَو نُصْبٌ بالضّمّ، كقُفْل وأَقْفَالِ. قالَ تَعَالى: {وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ}. وقوله {وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} الأَنْصَابُ: الأَوْثانُ، وقال القُتَيْبِيُّ: النُّصُبُ: صَنَمٌ أَو حَجَرٌ، وكانت الجاهليّةُ تَنْصِبُهُ، تَذْبَحُ عندَه، فيَحْمَرُّ للدَّمِ. ومنهحديثُ أَبي ذَرٍّ في إِسلامه، قال: «فَخَرَرْتُ مَغْشِيًّا عليَّ، ثم ارتَفعتُ كأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ»، يُرِيدُ أَنَّهُم ضَرَبوه، حتّى أَدْمَوْهُ، فصال كالنُّصُبِ المُحْمَرِّ بدَمِ الذّبائحِ.
والأَنصَابُ من الحَرمِ: حُدُودُه، وهي أَعلامٌ تُنْصَبْ هناك لِمعرِفَتها. والنُّصْبَةُ، بالضَّمّ: السّارِيَةُ المَنْصُوبَةُ. لمعرفةِ عَلامةِ الطّرِيق.
والنَّصائِبُ: حِجَارَةٌ تُنْصَبُ حَوْلَ الحَوْضِ، ويُسدُّ ما بَيْنَها من الخَصَاصِ، بالفتح: الفُرَجِ بينَ الأَثافِيّ بالمَدَرَةِ المَعْجُونَةِ، واحِدَتُهَا نَصِيبَةٌ. وعن أَبي عُبيد: النَّصائبُ. ما نُصِب حَوْل الحَوْضِ من الأَحْجَارِ، أَي: ليَكُونَ علامةً لما يُرْوِي الإِبِلَ من الماءِ، قال ذُو الرُّمَّةِ:
هَرَقْنَاهُ في بادِي النَّشِيئَةِ داثرٍ *** قَدِيمٍ بِعَهْدِ الماءِ بُقْعٍ نَصائِبُهْ
والهاءُ، في هَرْقنَاه، تعودُ إِلى سَجْل تَقدَّمَ ذكْرُهُ.
ومن المَجَاز: نَاصَبَهُ الشَّرَّ، والحَربَ، والعَداوَةَ، مُنَاصَبَةً: أَظْهَرَهُ لَهُ، كَنَصَبَهُ ثُلاثيًّا، وقد تقدّم، وكُلُّهُ من الانتصاب، كما في لسان العرب.
وتَيْسٌ أَنْصَبُ: إِذا كان مُنْتَصِبَ القَرْنَيْنِ، مرتَفِعَهُمَا.
وعَنْزٌ نَصْباءُ: بَيِّنَةُ النَّصَبِ، إِذا انْتَصَبَ قَرْنَاهَا، ونَاقَةٌ نَصْباءُ: مُرْتَفِعَةُ الصَّدْرِ وهو نَصُّ الجَوْهَرِيّ. وأُذُنٌ نَصْبَاءُ: وهي الّتي تَنْتَصِبُ وتدنُو من الأُخْرَى.
وتَنصَّبَ الغُبارُ*: ارْتَفَعَ، كانْتَصَبَ، وهو مَجازٌ، كما في الأَساس. ويوجد في بعض النسخ: الغُرابُ، بدل الغُبَار، وهو خطأٌ.
وفي الصِّحاح: تَنَصَّبَتِ الأُتُن حَوْلَ الحِمارِ: أَي وَقَفَتْ.
والمِنْصَبُ، كمِنْبَر: شَيْءٌ من حدِيد، يُنْصَبُ علَيْه القِدْرُ، وقد نَصَبْتُها نَصْبًا. وعن ابن الأَعرابيّ: هو ما يُنْصبُ عليه القِدْرُ، نَصْبًا، إِذا كان من حديد.
وتقولُ للطَّاهِي: انْتَصِبْ، أَي: انْصِبْ قِدْرَكَ للطَّبْخ.
والنَّصِيبُ: الحَظُّ من كلِّ شيْءٍ، كالنِّصْبِ، بالكسر، لغة فيه. وج: أَنْصِباءُ، وأَنْصِبَةٌ. ومن المجاز: لي نَصِيبٌ فيه: أَي قِسْمٌ، منصوبٌ مُشَخَّصٌ، كذا في الأَساس.
والنَّصِيبُ: الحَوْضُ، نَصَّ عليه الجَوْهَرِيُّ.
والنَّصِيبُ. الشَّرَكُ المنْصُوبُ فهو إِذًا فَعِيلٌ بمعنى منصوبٍ.
ونُصَيْبٌ، كَزُبَيْرٍ: شاعِرٌ، وهو الأَسْوَدُ المَرْوَانيُّ، عبدُ بني كَعْبِ بْنِ ضَمْرةَ، وكان له بَناتٌ، ضُرِبَ بهِنّ المَثَلُ، ذكَرهُنَّ أَبو منصورٍ الثَّعالِبيّ.
وزاد الجلالُ في المزهر عن تهذيب التِّبْرِيزيّ اثْنَيْنِ: نُصَيْبًا الأَبْيَضَ الهاشمِيَّ، وابْنَ الأَسْودِ.
وأَنْصَبَهُ: جَعَلَ لَهُ نَصِيبًا.
وهم يَتَنَاصَبونَه: يَقْتَسِمُونَهُ.
ومن المَجازِ: هو يَرْجِعُ إِلى مَنْصِبِ صِدْقٍ، ونِصَابِ صِدْقٍ.
النِّصَابُ، من كلّ شَيْءٍ: الأَصْلُ والمَرْجِعُ الّذِي نُصِبَ فيه ورُكِّبَ، وهو المَنْبِتُ والمَحْتِدُ، كالمَنْصِبِ كمَجْلُسِ.
والنِّصابُ: مغِيبُ الشَّمْسِ، ومَرْجِعُهَا الّذي تَرْجِعُ إِليه.
ومنه: المَنْصِبُ والنِّصَابُ جُزْأَةُ السِّكِّينِ، وهو عَجُزُهُ ومَقْبِضُهُ الّذِي نُصِبَ فيه ورُكِّب سِيلَانُه الجمع: نُصُبٌ ككُتُبٍ.
وقد أَنْصَبَها: جعلَ لها نِصَابًا، مَقْبِضًا.
ونِصَابُ كُلَّ شيْءٍ: أَصلُه.
ومن المَجاز أَيضًا: النِّصابُ مِن المالِ، وهو القَدْرُ الَّذِي تَجِبُ فيهِ الزَّكاةُ إِذا بَلَغَهُ نحو مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وخَمْسٍ من الإِبِلِ، جعله في المِصْباح مأْخوذًا من نِصَابِ الشّيْءِ، وهو أَصلُه.
ونِصَابٌ: فَرَسُ مالك بْنِ نُوَيْرَةَ التَّمِيميِّ، رضي الله عنه، وكانت قد عُقِرَت تَحْتَه، فحمَلَهُ الأَحْوصُ بْنُ عَمْرو الكَلْبِيُّ على الوَرِيعَةِ، فقال مالكٌ يَشكُرُهُ:
وَرُدَّ نَزِيلَنا بِعطاءِ صِدْقٍ *** وأَعْقبْهُ الوَرِيعَةَ من نصابِ
وسيأْتي في ورع.
ومن المجاز: تَنَصَّبْتُ لِفُلانٍ: عادَيْتُهُ نَصْبًا.
ومنه النَّوَاصِبُ، والنّاصِبيَّةُ، وأَهْلُ النَّصْبِ: وهم المتَدَيِّنُون بِبغْضَةِ سيّدِنا أَميرِ المُؤْمِنينَ ويَعْسُوب المُسْلِمينَ أَبي الحَسنِ عَلِيّ بْنِ أَبي طالبٍ، رضِيَ الله تعالى عَنْهُ وكَرَّم وجْهَهُ؛ لأَنَّهم نَصَبُوا له، أَي: عادَوْهُ، وأَظْهَرُوا له الخِلافَ، وهم طائفة [من] الخَوَارِج، وأَخبارُهم مُستوفاةٌ في كتاب المَعالم لِلبَلاذُرِيّ.
والأَناصِيبُ: الأَعْلامُ والصُّوَى، وهي حجارةٌ تُنْصَبُ على رُؤُوس القُورِ يُسْتَدَلُّ بها، قالَ ذُو الرُّمَّة:
طَوَتْها بِنا الصُّهْبُ المَهَارِي فَأَصْبَحَتْ *** تَنَاصيبَ أَمْثَالَ الرِّماحِ بها غُبْرَا
كالتَّناصِيبِ، وهما من الجموع التي لا مفرد لها.
والأَناصِيبُ أَيضًا: موضع بعَيْنِهِ، وبه تلك الصُّوَى؛ قال ابْنُ لَجَإِ:
وَاسْتَجْدَبَتْ كُلَّ مَربٍّ مَعْلَمِ *** بيْنَ أَنَاصِيب وبَيْنَ الأَدْرَمِ
والنَّاصِبُ: اسْمُ فَرَسِ حُوَيْصِ بْنِ بُجَيْرِ بْنِ مُرَّةَ.
ونَصِيبُونَ، ونَصِيبينَ: بلد عامرٌة من بلادِ الجزيرة، على جادَّةِ القوافلِ من المَوْصِل إِلى الشّام، وبينَهَا وبينَ سنْجَارَ تسعةُ فراسِخَ، وعليها سُورٌ. وهي كثيرةُ المياهِ، وفيها خرابٌ كثير. وهي قاعدَةُ دِيارِ رَبِيعَةَ وقد رُوِيَ في بعض الآثار: أَنّ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، قال: «رُفِعَتْ لي لَيْلَةَ أُسِريَ بي مدينةٌ، فأَعْجَبَتْنَي، فقلتُ لجِبْرِيلَ: ما هذِه المَدِينَةُ؟ فقال: نَصِيبِين. فقلتُ: الّلهم، عَجِّلْ فَتْحَهَا، واجْعَلْ فيها بَرَكةً للمسلمينَ» فتحها عِياضُ بْنُ غُنْمٍ الأَشْعَرِيُّ. وقال ابْنُ عتْبَانَ:
لقَدْ لَقِيَتْ نَصيبِين الدَّوَاهِي *** بِدُهْمِ الخَيْلِ والجُرْد الوِرَاد
وقال بعضُهُم يذكُر نَصِيبِينَ: وظَاهِرُهَا مليحُ المنظرِ، وباطِنُها قبيحُ المَخْبر.
وقَال آخَرُ يذُمّ نَصِيبينَ.
نَصِيبُ نَصِيبِينَ مِنْ رَبِّها *** وِلَايةُ كُلِّ ظلُومٍ غَشُومِ
فباطِنُهَا مِنْهُمُ في لَظًى *** وظَاهِرُهَا من جِنَانِ النَّعِيمِ
نُسِبَ إِليهَا أَبو القاسِم الحسَن بْنُ عليّ بْنِ الوثاق النَّصِيبِيّ الحافظ. رَوى، وحَدَّث.
وفيه للعرب مَذهبانِ: منهم من يَجْعلُهُ اسْمًا واحدًا، ويُلزِمُهُ الإِعْرَابَ، كما يُلْزمُهُ الأَسماءَ المفردةَ الّتي لا تنصرفُ، فتقول: هذه نَصِيبِينُ، ومررتُ بنَصِيبِينَ، ورأَيتُ نَصيبِينَ. والنِّسْبَةُ إِليه: نَصِيبِينِيٌّ، يعني: بإِثبات النّون في آخره، لأَنّها كالأَصْل وفي نسخة الصَّحاح الموثوق بها، وهي بخطّ ياقوت الرُّوميّ: بحذف النّون، وهكَذا وُجِد بخطّ المؤلِّف. قال في هامشه: وهو سهوٌ، وبالعكس فيما بعدَهُ. ومن هُنا اعترضَ ابْنُ برِّيّ في حواشيه، وسلَّمه ابْنُ منظور الإِفريقيّ.
ثمّ قال الجوهريُّ: ومنهم مَنْ يُجْريهِ مُجْرى الجمعِ، فيقولُ: هذِه نَصِيبُونَ، ومررتُ بِنَصِيبِينَ، ورأَيتُ نَصِيبِينَ.
وكذلك القولُ في يَبْرِينَ، وفِلَسْطينَ، وسَيْلَحينَ، وياسِمِينَ، وقِنَّسْرِينَ. والنّسْبَة إِليه، على هذا القَوْلَ نَصِيبِيٌّ، أَي: بحذف النُّون؛ لأَنّ علامةَ الجمع والتَّثْنية تُحْذَفُ عندَ النِّسْبَة، كما عُرِف في العربيّة. ووجد في نُسَخِ الصِّحاح هنا بإِثبات النُّون، وهو سهوٌ كما تقدّم. وثَرًى مُنَصَّبٌ، كمُعَظَّمٍ: مُجَعَّدٌ، كذا في النُّسَخ، وصوابُهُ: جَعْدٌ.
والنَّصْبُ على ما تقدَّم: هو إِقامة الشَّيْءِ، ورَفْعهُ. وقال ثعلب: لا يكون النَّصْبُ إِلّا بالقيام، وقال مَرَّةً: هو نُصْبُ عَيْني، هذا ـ كذا عبارة الفصيح ـ في الشَّيْءِ القائم الّذي يخفَى عليَّ، وإِنْ كان مُلْقًى. يعني بالقائم في هذه الأَخِيرَةِ الشَّيءَ الظَّاهرَ. وعن القُتَيْبِيّ: جعلْتُهُ نُصْبَ عيْنِي، بالضَّمِّ.
ومنهم من يروي فيه الفتحَ، أَو الفتحُ لَحْنٌ. قال القُتَيْبيّ: ولا تَقُلْ: نَصْبَ عَيني، أَي: بالفتح، وقيل: بل هو مسموعٌ من العرب. وصرَّح المطرِّزيّ بأَنّهُ مصدرٌ في الأَصل؛ أَي بمعنى مفعول؛ أَي منصوبها، أَي: مَرْئِيّها، رؤيَةً ظاهرةً بحيثُ لا يُنْسَى، ولا يُغْفَلُ عنه، ولم يُجْعَلْ بظَهْرٍ، قاله شيخُنا.
وثَغْرٌ مُنَصَّبٌ، كمُعَظَّمٍ: مُسْتَوِي النِّبْتَة، بالكسر، كأَنَّه نُصِبَ فَسُوِّيَ.
وذاتُ النُّصْب، بالضَّمّ: موضع قُرْبَ المَدِينَة، على ساكنها أَفضلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، بينَهُ وبينَها أَربعةُ أَميالٍ، وفي حديث مالكِ بْنِ أَنَس: [أَنّ عبدَ الله بْنَ عُمَرَ] رَكبَ إِلى ذاتِ النُّصْبِ، فقَصَرَ الصَّلاةَ».
وقيل: هي من معادن القَبَليَّة. كذا في المعجم.
* ومِمّا يُسْتَدرَكُ على المؤلِّف في هذه المادّة: قال اللهُ تَعَالَى: {فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} قالَ قَتادةُ: إِذا فرغتَ من صلاتك، فانْصَب في الدُّعاءِ. قال الأَزهريّ: هو من نَصِب، يَنْصَب، نَصبًا: إِذا تَعِبَ. وقيلَ: إِذا فَرَغْت من الفَرِيضة فانْصَبْ في النّافِلَةِ.
واليَنْصُوبُ: عَلَمٌ يُنْصَبُ في الفَلاة.
والنّاصِبَةُ في قول الشاعر:
وَحَبَتْ له أُذُنٌ يُرَاقِبُ سَمْعَها *** بَصَرٌ كنَاصِبَةِ الشُّجاعِ المُرْصَدِ
يُرِيدُ: كعَيْنِهِ الّتي يَنْصِبُهَا للنَّظَر.
والنَّصْبَةُ. بالفَتح: نَصْبَةُ الشَّرَكِ، بمعنى المنصوبة.
وفي الصَّحاح، ولسان العرب: ونَصَّبَتِ الخَيْلُ آذانَهَا، شُدِّدَ للكَثْرَة، أَو للمُبالغَة. والمُنَصَّبُ من الخَيْلِ: الّذِي يَغْلِبُ على خَلْقِه كُلِّه نَصْبُ عِظامه، حتّى يَنْتَصِبَ منهُ ما يَحتاج إِلى عَطْفِهِ.
ونَصَبَ الحَدِيثَ: أَسْنَدَهُ، ورَفَعَهُ ومنهحديثُ ابْن عُمَرَ: «مِنْ أَقْذَرِ الذُّنُوبِ رَجُلٌ ظَلَمَ امْرَأَةً صَدَاقَهَا». قِيلَ لِلَّيْثِ: أَنَصَبَ ابْنُ عُمَرَ الحديثَ إِلى رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم؟ قال: وما عِلْمُهُ لولا أَنّهُ سَمِعَهُ منه؟ أَي أَسنَدَه إِليه، ورَفَعَهُ.
ونُقِلَ عن الزَّمْخَشَرِيّ، والمَنْصُوبَة: الحِيلةُ، يقال: سَوَّى فُلانٌ مَنصوبةً. قال: وهي في الأَصل صِفةٌ للشَّبَكَةِ والحِبَالَة، فجَرتْ مَجْرَى الاسْم، كالدَّابَّة والعَجُوز. ومنه المنصوبةُ في لِعْبِ الشِّطْرَنْج، قاله الشِّهَابُ في أَثناءِ النَّحْلِ من العِنَاية.
والمَنْصبُ، لُغَةً: الحَسَبُ، والمَقَام. ويُسْتَعَارُ للشَّرَفِ، أَي: مأْخُوذٌ من معنى الأَصْل. ومنه: مَنْصِبُ الوِلَاياتِ السُّلْطانيّة والشَّرْعيَّة. وجمعُهُ: المَنَاصِب. وفي شفاءِ الغَليل: المَنْصِب في كلام المُوَلَّدِينَ: ما يَتَوَلّاهُ الرَّجُلُ من العَمَل، كأَنَّه مَحَلُّ لِنَصَبِه. قال شيخُنَا: أَو لأَنّهُ نُصِبَ للنَّظَر؛ وأَنشد لابْنِ الوَرْدِيِّ:
نَصَبُ المَنْصِبِ أَوْهَى جَلَدِي *** وعَنَائي من مُدَارَة السَّفِلْ
قال: ويُطْلِقونه على أَثافِي القِدْرِ من الحديد. قال ابْنُ تَمِيمٍ:
كم قُلْت لمّا فار غَيْظًا وقدْ *** أُرِيحَ من مَنْصِبِه المُعْجِبِ
لا تَعْجبُوا إِنْ فارَ مِنْ غَيْظِهِ *** قالقَلْبُ مطبوخٌ على المَنْصِبِ
وقد تقدّم. قال الشِّهَابُ: وإِنّمَا هو في الكلامِ القديمِ الفَصيحِ بِمعنى الأَصْل والحسب والشَّرف، ولم يستعملوه بهذا المعنى، لكِنَّ القيَاسَ لا يأْباه. وفي المِصْبَاح: يُقَالُ: لفلانٍ مَنْصبٌ، كمَسْجِدِ، أَي: عُلُوٌّ ورِفْعَةٌ.
وامرأَةٌ ذاتُ مَنْصَب: قيلَ: ذاتُ حَسَبٍ وجَمال، وقيل: ذاتُ جَمال؛ لأَنّهُ وحدَهُ رِفْعَةٌ لها.
وفي الأَساس: من المجَاز: نُصِبَ فُلانٌ لِعِمَارة البلدِ.
ونَصبْتُ له رَأْيًا: أَشَرْتُ عليه برأْيٍ لا يَعْدِلُ عنه.
ويَنْصُوبُ: موضعٌ، كذا في الّلسان.
وفي المُعْجم: يَنَاصيبُ: أَجْبُلٌ مُتَحاذياتٌ في ديار بني كِلابٍ، أَو بني أَسَدِ بنَجْد. ويُقَالُ بالأَلف واللام. وقيل: أَقْرُنّ طِوالٌ دِقاقٌ حُمْرٌ، بينَ أُضَاخَ وجَبلَةَ، بينها وبين أُضَاخَ أَربعةُ أَميال، عن نصرٍ. قال: وبخطّ أَبي الفضل: اليَنَاصِيبُ: جِبال لِوَبْرٍ مِنْ كلاب، منها الحَمَّال، وماؤُها العَقِيلَةُ.
ونَصِيبٌ، مُكَبَّرًا و [نُصَيْبٌ] مُصَغَّرًا اسمانِ.
ونُصيب: له حديثٌ في قتل الحيّات، ذُكر في الصَّحابة.
ونَصِيبِين أَيضًا: قريةٌ من [قُرى] حَلَبَ.
وتَلُّ نَصِيبِينَ: من نواحِي حلَبَ. ونَصِيبِين: مدينةٌ أُخْرَى على شاطِئ الفُرات، كبيرة، تعرف بنَصِيبِين الرُّوم، بينَهَا وبينَ آمِدَ أَربعةُ أَيّام، أَو ثلاثة. ومن قَصَد بلاد الرُّومِ من حرّانَ مَرَّ بها؛ لأَنّ بينهما ثلاثَ مَراحِل. كذا ذكره شيخُنَا.
ثمّ رأَيتُهُ بعينه، في كتاب المُعْجَمِ.
والمَنَاصِبُ: موضعٌ، عن ابن دُرَيْد، وبه فسَّروا قول الأَعلم الهُذَلِيّ:
لَمّا رأَيْتُ القَوْمَ بِالْ *** عَلْيَاءِ دُونَ قِدَى المَنَاصِبْ
وقرأَ زَيْدُ بْنُ عليٍّ: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصِبْ، بكسر الصّاد، والمعنى واحدٌ.
والنَّصَّابُ، ككَتّان: الّذي يَنْصبُ نَفْسهُ لعملٍ لم يُنْصَبْ له، مثل أَن يَتَرَسَّل وليس برسولٍ، نقله الصّاغانيّ. قلتُ: واستعمله العامَّةُ بمعنى الخَدَّاع المُحْتَال.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
44-تاج العروس (خطر)
[خطر]: الخَاطِرُ: ما يَخْطُر في القَلْب من تدْبِير أَوْ أَمْر.وقال ابنُ سِيدَه: الخَاطِرُ: الهَاجِسُ، الجمع: الخَوَاطِرُ. قال شيخُنَا: فهُمَا مُترادِفَان، وفَرَّق بَيْنَهُمَا وبَيْن حَديثِ النَّفْسِ الفُقَهَاءُ والمُحَدِّثون وأَهْلُ الأُصول، كما فَرَّقُوا بين الهَمِّ والعَزْمِ، وجَعَلُوا المُؤاخَذَةَ في الأَخِير دُونَ الأَرْبَعَةِ الأُوَلِ.
وقَال الزَّمَخْشَرِيّ: الخَوَاطِرُ: ما يَتَحَرَّك بالقَلْب مِنْ رَأْي أَو مَعْنًى. وعَدَّه من المَجَازِ.
والخَاطِرُ: المُتَبَخْتِر. يقال: خَطَرَ يَخْطِر، إِذا تَبَخْتَر، كالخَطِر كفَرِحٍ. ومن المجاز: خَطَرَ فُلانٌ بِبَالِه وعَلَيْه يَخْطِر، بالكَسْرِ، ويَخْطُر، بالضَّمِّ، الأَخِيرَةُ عن ابن جِنِّي، خُطُورًا، كقُعُودٍ، إِذَا ذَكَرَهُ بَعْدَ نِسْيَانٍ.
قال شَيْخُنَا: وقد فَرَّقَ بَيْنَهُمَا صاحِبُ الاقْتِطاف حَيْث قَال: خَطَرَ الشَّيْءُ بِبَالِه يَخْطُر، بالضَّمِّ؛ وَخَطَر الرَّجلُ يَخْطِر، بالكَسْرِ، إِذا مَشَى في ثَوْبه. والصَّحِيح مَا قَاله ابْنُ القَطَّاع وابنُ سِيدَه من ذِكْرِ اللُّغَتَيْن، ولو أَنَّ الكَسْر في خَطَر في مِشْيَتِه أَعْرَفُ.
ويقَال: خَطَر بِبَالِي وعَلَى بَالِي كَذَا وكَذَا يَخْطُر خُطُورًا إِذا وَقعَ ذلك في وَهْمِك.
وأَخْطَرَهُ الله تَعَالَى بِبَالِي: ذَكَرَه وهو مَجاز.
وخَطَر الفَحْلُ بذَنَبِه يَخْطِر، بالكسر، خَطْرًا، بفَتْح فسُكُون، وخَطَرَانًا، مُحَرَّكَةً وخَطِيرًا، كأَمِير: رَفَعَه مَرَّةً بَعْد مَرَّةٍ، وضَرَبَ به حاذَيْه، وهو ما ظَهرَ من فَخِذَيْهِ حيث يَقَعُ شَعرُ الذَّنَبِ، وقيل: ضَرَبَ به يَمِينًا وشِمَالًا.
وفي التَّهْذِيب: والفَحْلُ يَخْطِر بذَنَبِه عند الوَعِيدِ من الخُيَلاءِ.
والخَطِيرُ والخِطَارُ: وَقْعُ ذَنَبِ الجَمَل بَينَ وَرِكَيْه إِذا خَطَرَ، وأَنشد:
رَدَدْنَ فأَنْشَفْنَ الأَزِمَّةَ بعْدَ ما *** تَحَوَّبَ عَنْ أَوْرَاكِهِنَّ خَطِيرُ
وهي ناقَةٌ خَطَّارَةٌ، تَخْطِرُ بذَنَبِها في السَّيْر نَشاطًا. وفي حَدِيثِ الاسْتِسْقاءِ: «والله ما يَخْطِر لنا جَمَلٌ»؛ أَي ما يُحَرِّك ذَنبَه هُزَالًا لشِدَّةِ القَحْطِ والجَدْب. وفي حَدِيثِ عَبْدِ المَلِك لمَّا قَتَل عَمْرَو بنَ سَعِيد: «ولكنْ لا يَخْطِر فَحْلانِ في شَوْلٍ». وقيل: خَطَرَانُ الفَحْلِ من نَشَاطه. وأَمَّا خَطَرانُ النَّاقَةِ فهو إِعْلَامُ الفَحْلِ أَنَّهَا لَاقِحٌ.
ومن المَجَاز: خَطَرَ الرَّجُلُ بسَيْفِه ورُمْحِه وقَضِيبِه وسَوْطِه، يَخْطِر، إِذا رَفَعَه مَرَّةً ووَضَعَه أُخْرَى. وفي حدِيثِ مَرْحَبٍ: «فخَرَجَ يَخْطِر بسَيْفه»؛ أَي يَهُزُّه مُعْجَبًا بنَفْسِه مُتَعَرِّضًا للمُبارَزَة.
ويقال: خَطَر بالرُّمْح، إِذا مَشَى بين الصَّفَّيْنِ، كما في الأَسَاس.
وخَطَرَ فِي مِشْيَتِه يَخْطِر، إِذا رَفَع يَدَيْهِ ووَضَعَهُمَا وهو يَتَمَايَل، خَطَرَانًا، فِيهمَا، مُحَرَّكةً، وخَطِيرًا، في الثّانِي، وقيل: الثَّانِي مُشْتَقٌّ من خَطَرَانِ البَعِيرِ بذَنَبِه. وليس بِقَوِيٍّ، وقد أَبْدَلُوا من خائه غَيْنًا فقالوا: غَطَر بذَنَبِه يَغْطِر، فالغَيْن بَدَلٌ من الخَاءِ، لكَثْرة الخَاءِ وقِلَّة الغَيْن.
قال ابنُ جِنِّي: وقد يَجوز أَن يَكُونَا أَصْلَينِ، إِلَّا أَنهُم لأَحدِهما أَقَلُّ اسْتِعمَالًا منهم للآخَرِ.
وخَطَرَ الرُّمْحُ يَخْطِر خَطَرانًا: اهْتَزَّ، فهو خَطَّارٌ، ذو اهْتِزاز شَدِيدٍ، وكذلك الإِنْسَانُ.
والخِطْرُ بالكَسْرِ: نَبَاتٌ يُجْعَل وَرَقُهُ في الخِضَاب الأَسْوَدِ يُخْتَضَبُ به. أَو الوَسْمَةُ، قال أَبو حَنِيفَة: هو شَبِيهٌ بالكَتَم.
قال: وكَثِيرًا ما يَنْبُتُ معه يَخْتَضِبُ به الشُّيُوخ. وَاحِدَتُه بِهَاءٍ، مثْل سِدْرَةٍ وسِدْرٍ.
ومن المَجَاز: الخِطْر: اللَّبَنُ الكَثِيرُ المَاءِ، كأَنَّه مَخْضُوبٌ.
والخِطْر: الغُصْنُ من الشَّجَر وهو واحدُ خِطَرَةٍ كعِنَبة، نَادِر، أَو عَلَى تَوَهُّمِ طَرْحِ الهاءِ. قال أَبُو حَنِيفة: الخِطْرَةُ: الغُصْنُ والجمْع والخِطَرةُ. كذلك سَمِعْتُ الأَعْرَاب يَتَكَلَّمُون بِهِ.
والخِطْرُ: الإِبِلُ الكَثِيرُ، هكَذَا في سائِرِ النُّسَخِ المَوْجُودَةِ، والصَّوَابُ: الكَثِيرَةُ، بالتَّأْنِيثِ، كما في أُمَّهَاتِ اللُّغَة: أَو أَرْبَعُونَ من الإِبِل، أَو مائَتَانِ من الغَنَم والإِبِل، أَو أَلْفٌ مِنْهَا وزيادة، قال:
رَأَتْ لأَقوامٍ سَوَامًا دَثْرَا *** يُرِيحُ رَاعُوهُنَّ أَلْفًا خَطْرَا
وَبَعْلُها يَسُوقُ مَعْزَى عَشْرَا
وقال أَبُو حَاتِم: إِذا بَلَغت الإِبلُ مِائَتَيْن فهي خَطْر، فإِذا جَاوَزَت ذلِك وقَارَبت الأَلْفَ فَهِي عَرْج. ويفتح، وهذِه عن الصَّاغانِي الجمع: أَخْطَارٌ.
والخَطْر بالفَتْح: مِكْيَالٌ ضَخْمٌ لأَهْلِ الشَّام، نَقَلَه الصَّاغانِيّ.
والخَطْر: ما يَتَلَبَّد؛ أَي يَلْصَق عَلَى أَوْرَاكِ الإِبِلِ من أَبْوالِهَا وأَبْعَارِهَا إِذا خَطَرَت بأَذْنَابِها، عن ابْنِ دُرَيْد.
وعِبَارَةُ المُحْكَم: ما لَصِقَ بالوَرِكَيْن من البَوْل، ولا يَخْفَى أَنّ هذِه أَخْصَرُ مِن عِبَارَةِ المُصَنِّف. قال ذُو الرُّمَّة:
وقَرَّبْنَ بالزُّرْقِ الحَمَائِلَ بَعْدَ مَا *** تَقَوَّبَ عن غِرْبَانِ أَوْرَاكِهَا الخَطْرُ
تَقَوَّب كَقَوْلهِ تَعَالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أَي قَطَّعُوا. وقال بَعْضُهم: أَرادَ: تَقَوَّبَتْ غِرْبانُهَا عن الخَطْر، فقَلَبَه.
ويُكْسَرُ، والخَطْر: العَارِضُ مِنَ السَّحَابِ لاهْتِزازِهِ.
ومن المَجاز: الخَطْر: الشَّرَفُ والمَالُ والمَنْزِلَة وارْتِفاعُ القَدْرِ، ويُحَرَّك، ويُقَالُ: للرَّجُل الشَّرِيف: هُو عَظِيمُ الخَطَر، ولا يُقَال لِلدُّونِ. والخُطُر بالضَّمِّ: الأَشْرَافُ مِنَ الرِّجَالِ العَظِيمُو القَدْرِ والمَنْزِلَة، الواحِدُ خَطِيرٌ، كأَمِير، وقَومٌ خَطِيرُون.
وبالتَّحْرِيك: الإِشْرَافُ عَلَى الهَلَاكِ، ولا يَخْفَى ما فِي الأَشْرَاف والإِشْرَاف من حُسْنِ التَّقَابُل والجنَاس الكامِل المحرَّف. وفي بعْضِ الأُصول: على هَلَكَة. وهو على خَطَرٍ عَظِيم؛ أَي إِشْراف على شَفَا هَلَكَةٍ. ورَكِبُوا الأَخْطَارَ.
والخَطَرُ في الأَصل: السَّبَقُ يُتَرَاهَنُ عَلَيْهِ، ثم اسْتُعِير للشَّرَف والمَزِيّة، واشْتَهَر حَتَّى صارَ حَقِيقةً عُرْفيَّةً. وفي التَّهْذِيب: يُتَرَامَى عَلَيْه في التَّرَاهُنِ. والخَطَر: الرَّهْن بعَيْنه وهو ما يُخَاطَر عَلَيْه، تَقُولُ: وَضَعُوا لِي خَطَرًا ثَوْبًا، ونَحْوَ ذلِك، والسَّابِقُ إِذا تَنَاوَل القَصَبَةَ عُلِمَ أَنَّه قد أَحْرَزَ الخَطَرَ، وهو والسَّبَقُ والنَّدَبُ وَاحِدٌ، وهو كُلُّه الَّذِي يُوضَع في النِّضَال والرِّهَان، فمنْ سَبَقَ أَخَذَه، الجمع: خِطَارٌ، بالكَسْر، وجج؛ أَي جَمْع الجَمْع أَخْطَارٌ. وقيل: إِن الأَخْطَار جَمْع خَطَرٍ كسَبَبٍ وأَسْبَاب، ونَدَبٍ وأَنْداب.
ومن المَجازِ: الخَطَر: قَدْرُ الرَّجُلِ ومَنْزِلَتُه. ويقال: إِنَّه لَعَظِيمُ الخَطَرِ وصَغِيرُ الخَطَرِ، في حُسْن فِعَاله وشَرَفِه، وسُوءِ فِعَاله. وخَصَّ بعضُهم بِه الرِّفْعَة، وجَمْعُه أَخْطارٌ. والخَطَر: الْمِثْلُ في العُلُوِّ والقَدْرِ، ولا يَكُونُ في الشَّيْءِ الدُّونِ، كالخَطِيرِ، كأَمِير. وفي الحَدِيث: «أَلَا هَلْ مُشَمِّرٌ للجَنَّة فإِنَّ الجَنَّة لا خَطَرَ لها»؛ أَي لا مِثْلَ لهَا. وقال الشاعر:
في ظِلِّ عَيْشٍ هَنِيٍّ ماله خَطَرُ
أَي ليس له عِدْلٌ.
وفُلانٌ لَيْس له خَطِيرٌ؛ أَي ليس له نَظِيرٌ ولا مِثْلٌ.
والخَطَّار، ككَتَّان: دُهْنٌ يُتَّخَذُ مِنَ الزَّيْت بأَفَاوِيهِ الطِّيبِ، نَقَله الصَّاغانِيّ، وهُوَ أَحدُ ما جَاءَ من الأَسْمَاءِ على فَعّال.
والخَطَّار: اسم فَرَس حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْر الفَزَارِيِّ. واسم فَرَس حَنْظَلَةَ بْنِ عامِرٍ النُّمَيْرِيّ، نقلَه الصَّاغانيّ.
والخَطَّار: لَقَبُ عَمْرو بْن عُثْمَانَ المُحَدِّث، هكذا مُقْتَضَى سِيَاقِه، والصَّواب أَنّه اسْمُ جَدِّه، ففي التَّكْمِلَة: عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ بن خَطَّارٍ من المُحَدِّثِين، فتَأَمَّل.
والخَطَّارُ: المِقْلاعُ. قال دُكَيْنٌ يَصِف فَرَسًا:
لو لم تَلُح غُرَّتُه وجُبَبُهْ *** جُلْمُودَ خَطَّارٍ أُمِرَّ مِجْذَبُهْ
والخَطَّار: الأَسَد لِتَبَخْتُرِه وإِعْجَابِه، أَو لاهْتِزازِه في مَشْيِه.
والخَطَّار: المَنْجَنِيقُ، كالخَطَّارة.
قال الحَجَّاجُ لَمَّا نَصَب المَنْجَنِيق على مَكَّة:
خَطَّارَةٌ كالجَمَلِ الفَنِيقِ
شَبَّه رَمْيَها بخَطَرانِ الفَحْل. وبه فسِّر أَيْضًا قَوْلُ دُكَيْن السَّابِق.
والخَطَّارُ: الرَّجُلُ يَرْفَع يَدَهُ بالرَّبِيعَةِ للرَّمْي ويَهُزُّهَا عِنْد الإِشَالَة يَخْتَبِرُ بها قُوَّتَه، وبه فَسَّرَ الأَصْمَعيّ قَول دُكَيْن السابق. والرَّبِيعَةُ: الحَجَر الذي يَرْفَعه النّاس يَخْتَبِرُون بِذلِك قُواهُم، وقد خَطَر يَخْطِر خَطْرًا.
والخَطَّارُ: العَطَّارُ: يقال: اشتَرَيْت بَنَفْسَجًا من الخَطّار.
ومن المَجَاز: الخَطّار: الطَّعَّانُ بالرُّمْحِ قال:
مَصَالِيتُ خَطَّارُونَ بالرُّمْح في الوَغَى
وأَبو الخَطَّارِ الكَلْبِيُّ هُو حُسام بنُ ضِرَار بنِ سَلَامانَ بنِ خَيْثَم بنِ رَبِيعَة بن حِصْن بن ضَمْضَم بن عَدِيّ بنِ جَنَاب: شَاعرٌ وَلِيَ الأَنْدَلُس مِنْ هِشَام، وأَظْهَر العَصَبِيَّة لليَمَانِيَة على المُضَرِيّة وقتلَه الصَّمِيل بنُ حاتم بن ذي الجَوْشَن الضِّبابِيّ.
وقال الفرّاءُ: الخَطَّارة، بِهَاءٍ: حَظِيرَةُ الإِبِل، وقد تَقَدَّمَ ذِكْرُ الحَظِيرة. والخَطَّارَة: موضع قُرْبَ القَاهرَة من أَعمال الشّرْقِيّة. ومن المَجَاز: تَخَاطَرُوا على الأَمْرِ: تَرَاهَنُوا. وفي الأَساس: وَضَعُوا خَطَرًا.
وأَخْطَرَ الرَّجُلُ: جَعَلَ نفْسَه خَطَرًا لِقرْنِهِ؛ أَي عِدْلًا فبارَزَه وقَاتَلَه. وأَنْشَدَ ابنُ السِّكِّيت:
أَيَهْلِكُ مُعْتَمٌّ وزَيْدٌ، ولم أَقُمْ *** على نُدَبٍ يَوْمًا ولي نَفْسُ مُخْطِرِ
وقال أَيضًا:
وقُلْتُ لمَنْ قد أَخْطَرَ الموتَ نَفْسَه: *** أَلَا مَنْ لأَمْرٍ حازِمٍ قد بَدَا لِيَا؟
وقال أَيضًا:
أَيْنَ عَنَّا إِخْطَارُنَا المَالَ والأَنْ *** فُسَ إِذْ نَاهَدُوا ليَوْمِ المِحَالِ؟
وفي حَدِيثِ النُّعْمَان بن مُقَرِّن أَنَّه قَالَ يَوْم نَهَاوَنْدَ حِينَ الْتَقَى المُسْلِمون مَع المُشْرِكين: «إِنَّ هؤُلاءِ قد أَخْطَرُوا لكم رِثَةً ومَتَاعًا، وأَخْطَرْتُم لهم الدِّينَ فنافِحُوا عن الدِّين».
أَراد أَنَّهُم لم يُعَرِّضوا للهَلَاك إِلَّا متاعًا يَهُونُ عَلَيْهِم، وأَنْتُم قد عَرَضْتُم عليهم أَعْظَمَ الأَشْيَاءِ قَدْرًا، وهو الإِسْلَام.
يقول: شَرَطوها لكُم وجَعَلُوهَا عِدْلًا عن دينكم.
ويقَال: لا تَجْعَل نفْسَك خَطَرًا لفلان فأَنْت أَوْزَنُ منه.
ومن المَجاز: أَخْطَرَ المَالَ: جَعَلَه خَطَرًا بَيْنَ المُتَراهِنِين. وخَاطَرَهم عَلَيْه: رَاهَنَهُم.
وأَخْطَر فلانٌ فُلانًا فهو مُخْطِر: صار مِثْلَه في الخَطَر؛ أَي القَدْرِ والمَنْزِلَة وأَخْطَر به: سَوَّى وأُخْطِرْت لِفُلان: صُيِّرْتُ نَظِيرَه في الخَطَر، قالَه اللَّيْثُ. وأَخْطَرَ هو لِي، وأَخْطَرْت أَنَا لَهُ؛ أَي تَراهَنَّا. والتَّخَاطُر والمُخَاطَرَة والإِخْطَارُ: المُرَاهَنَةُ: والخَطِيرُ من كُلِّ شَيْءٍ: النَّبِيل. والخَطِير: الرَّفِيعُ القَدْرِ. والخَطِير: الوَضِيعُ، ضِدٌّ، حَكَاه في المِصْبَاح عن أَبِي زَيْد وأَغْفَلَه المُصَنِّف نَظَرًا إِلى مَنْ خَصَّ الخَطَر برِفْعة القَدْر، كما تَقَدَّم. يقال: أَمْرٌ خَطِير؛ أَي رَفِيع، وقد خَطُر ككَرُم، خُطُورَةً، بالضَّمِّ.
والخَطِيرُ: الزِّمَامُ الذي تُقادُ به النَّاقة، عن كُرَاع. وفي حَدِيثِ عَلِيّ رضي الله عنه «أَنَّه قَال لعَمَّار: جُرُّوا له الخَطِيرَ ما انْجَرَّ لَكُم». وفي رواية: «مَا جَرَّه لَكُم». ومعناه اتَّبِعُوه ما كان فيه مَوْضِعٌ مُتَّبَعٌ، وتَوَقَّوْا ما لم يَكُن فيه مَوْضع. قال شَمِرٌ: ويَذهَبُ [به] بَعْضُهم إِلى إِخطار النفْس وإِشْرَاطِهَا في الحَرْب. والمَعْنَى اصْبِرُوا لعَمَّار ما صَبَرَ لكم. وجعلَه شَيْخُنَا مَثَلًا، ونَقَلَ عن المَيْدَانيّ ما ذَكَرْنَاه أَوَّلًا، وهو حَدِيثٌ كما عَرَفْتَ.
والخَطِير: القَارُ، نَقَلَه الصَّاغانِيُّ.
والخَطِيرُ: الحَبْلُ، وبه فسَّر بَعْضٌ حَدِيثَ عَلِيّ السَّابِق ونَقَلَه شَمِر، هو أَحَدُ الوَجْهَيْن. وقال المَيْدَانِيّ: الخَطِيرُ: الزِّمَامُ والحَبْل، فَهُمَا شيءٌ واحدٌ.
والخَطِير: لُعَابُ الشَّمْسِ في الهاجِرَة نَقَلَه الصَّاغانِيّ، وهو مَجاز، كَأَنَّه رِمَاحٌ تَهْتَزُّ.
ومن ذلِك أَيضًا الخَطِير: ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، نَقَلَه الصَّاغَانِيّ.
والخَطِيرُ: الوَعِيدُ. والنَّشَاطُ والتَّصَاوُل، كالخَطَرانِ، مُحَرَّكةً. قال الطِّرِمَّاح:
بالُوا مَخَافَتَهم على نِيرَانِهِم *** واسْتَسْلَمُوا بعد الخَطِير فَأُخْمِدُوا
وقول الشاعِر:
هُمُ الجَبَلُ الأَعْلَى إِذَا مَا تَنَاكَرَتْ *** مُلُوكُ الرِّجَالِ أَو تَخَاطَرَتِ البُزْلُ
يَجُوز أَن يَكُونَ من الخَطِير الَّذِي هو الوَعِيد، ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ من [قولهم: ] خَطَرَ البَعِيرُ بذَنَبِه، إِذا ضَرَبَ به. وخَاطَرَ بِنَفْسِه يُخَاطِر، وبِقَوْمه كَذلِك، إِذا أَشْفَاهَا وأَشْفَى بِها وبِهِم عَلَى خَطَر؛ أَي إِشْراف عَلى شَفَا هُلْكٍ أَو نَيْلِ مُلْكٍ. والمَخَاطِرُ: المَرَاقِي، كأَخْطَرَ بِهِم، وهذه عن الزَّمَخْشَرِيّ. وفي الحَدِيث: «أَلَا رَجُلٌ يُخَاطِر بنَفْسِه ومَالِه»؛ أَي يُلْقِيها في الهَلَكَة بالجَهَاد.
والخِطْرَةُ، بفتح فَسُكُون: عُشْبَةٌ لها قَضْبَة يَجْهَدُهَا المَالُ ويَغْزُرُ عَلَيْهَا، تَنْبُت في السَّهْل والرَّمْل، تُشْبِه المَكْرَ.
وقيل: هي بَقْلةٌ: وقال أَبُو حَنِيفَة عن أَبِي زِيَاد: الخِطْرَةُ، بالكَسْرِ، تَنْبُت مع طُلُوع سُهَيْلٍ، وهي غَبْرَاءُ حُلْوَةٌ طَيّبةٌ، يَرَاهَا مَنْ لا يَعْرِفُهَا فيَظُنُّ أَنّهَا بَقْلَة، وإِنما تَنْبُت في أَصْلٍ قَدْ كَانَ لَها، وليست بأَكثرَ مما يَنْتَهِسُ الدَّابَّةُ بفَمِهَا وليس لها وَرَقٌ، وإِنَّمَا هي قُضْبَانٌ دِقاقٌ خُضْرٌ وقد يُحْتَبَل فِيهَا الظِّبَاءُ. قال ذُو الرُّمَّةِ:
تَتَبَّع جَدْرًا من رُخَامَى وخِطْرَةٍ *** وما اهتَزَّ من ثُدَّائِهَا المُتَزَبِّلِ
والخِطْرَةُ: سِمَةٌ للإِبِل في باطِن السَّاقِ، عن ابْنِ حبيب، مِن تَذْكِرَة أَبِي عَلِيّ. وقد خَطَره بالمِيسَم إِذا كَوَاه كذلك.
ومِن المَجَاز: يقال: ما لَقيتُه إِلَّا خَطْرَةً بَعْد خَطْرَة، وما ذَكَرْتُه إِلَّا خَطْرةً بعد خَطْرَةٍ؛ أَي أَحْيَانًا بعد أَحْيَان.
وأَصابَتْه خَطْرَةٌ من الجِنِّ؛ أَي مَسٌّ.
والعَرَبُ تقول: رَعَيْنَا خَطَرَات الوَسْميِّ، وهي اللُّمَعُ مِن المَرَاتِعِ والبُقَع. قال ذُو الرُّمَّة:
لها خَطَرَاتُ العَهْدِ من كُلِّ بَلْدَةٍ *** لِقَوْمٍ وإِن هَاجَتْ لَهُمْ حَرْبُ منْشَمِ
ويقال: لا جَعَلَها الله خَطْرَتَه، ولا جَعَلها آخِر مَخْطَرٍ منه بفتح الميم وسكون الخاءِ أَي آخر عَهْد منه، ولا جَعَلَهَا اللهُ آخِرَ دَشْنَة، وآخِرَ دَسْمَةٍ وَطَيَّةٍ ودَسَّةٍ، كُلُّ ذلِك آخِرَ عَهْدٍ.
وخُطَرْنِيَةُ، كبُلَهْنِيَة: قرية بِبابِلَ، نَقَلَه الصَّاغانِيّ.
والخُطَيْر، كزُبَيْر: سيفُ عَبْدِ المَلِك بنِ غَافِل الخَوْلانِيِّ، ثم صَارَ إِلى رَوْق بن عَبّاد بنِ مُحَمَّد الخَوْلَانِيّ، نقله الصَّاغانِيّ.
ولَعِبَ فُلانٌ لَعِبَ الخَطْرَةِ، بفَتْح فسُكُون، وهو أَنْ يُحَرِّك المِخْرَاق بيده تَحْرِيكًا شَدِيدًا كما يَخْطِر البَعِير بذَنَبِه.
وتَخَطَّرَه شَرُّ فُلانٍ: تَخَطَّاه وجازَهُ، هكذا في النُّسَخ، والصَّوابُ تَخَطْرَاه، وبه فُسِّر قَوْلُ عَدِيِّ بن زَيدٍ:
وبَعَيْنَيْكَ كُلُّ ذَاكَ تَخَطْرَا *** كَ وتمْضِيك نَبْلُهُم في النِّبَالِ
قالوا: تَخَطْرَاك وتَخَطَّاك بمَعْنًى وَاحِدٍ، وكان أَبُو سَعِيدٍ يَرْوِيه: تَخَطَّاك، ولا يَعرف تَخَطْرَاك.
وقال غيره: تَخَطْرانِي شَرُّ فلانٍ وتَخَطَّانِي: جَازَنِي.
* ومما يُسْتَدْرَك عليه:
ما وَجدَ له ذِكْرًا إِلّا خَطْرةً واحدةً.
وخَطَر الشَّيْطَانُ بَيْنَه وبَيْنَ قَلْبه: أَوْصَلَ وَسْوَاسَه إِليه.
والخَطَرَاتُ: الهَوَاجِس النَّفْسانِيَّة.
وخَطَرَانُ الرُّمْحِ: ارْتِفَاعُه وانْخِفَاضُه للطَّعْن.
وخَطُر يَخْطُر خَطَرًا وخُطُورًا: جَلَّ بَعْدَ دِقَّة.
والخَطَر، مُحَرَّكَةً: العِوَض والحَظُّ والنَّصِيب. وفي حَدِيث عُمَرَ في قِسْمَةِ وَادِي القُرَى: «وكان لعُثْمَانَ فيهِ خَطَرٌ»؛ أَي حَظٌّ ونَصِيب. وأَخْطَرَهم خَطَرًا، وأَخْطَره لَهُم: بَذَل لَهُم من الخَطَر ما أَرْضَاهم. وأَحْرَز الخَطَرَ، وهو مَجَاز. وخَطَّر تَخْطِيرًا: أَخَذ الخَطَرَ.
والأَخْطَار من الجَوْز في لَعِب الصِّبْيان هِي الأَحْراز، واحدها خَطَرٌ. والأَخْطَارُ: الأَحْرازُ في لَعِب الجَوْز. وخَطَرَ الدَّهْرُ خَطَرَانَه، كما يُقَال ضَرَب الدَّهْر ضَرَبَانَه، وهو مجاز.
وفي التهذيب يقال: خَطَر الدَّهْرُ من خَطَرَانِهِ، كما يقال: ضَرَبَ الدَّهْرُ من ضَرَبَانِه. والجُنْدُ يَخْطِرُونَ حَوْلَ قائِدِهم: يُرُونَه منهم الجِدَّ، وكذلك إِذا احْتَشَدُوا في الحَرْب. وتَقُولُ العَرَبُ: بَيْنِي وبَيْنَه خَطْرَةُ رَحِمٍ، عن ابْنِ الأَعْرَابِيّ، ولم يُفَسِّره. وأُرَاه يَعْنِي شُبْكَةَ رَحِمٍ.
وتَخَاطَرَت الفُحُولُ بأَذْنابِها للتَّصَاوُل.
ومِسْكٌ خَطَّارٌ: نَفَّاحٌ، وهو مَجَاز.
وخَطَرَ بإِصْبَعِه إِلى السَّماءِ: حَرَّكَها في الدُّعاءِ، وهو مَجَازٌ.
والخَطَّار: قَرية بمصر من القُوصِيَّة، وهي غَيرُ التي ذكرها المصنِّف.
وبُستان الخَطِيرِ بالجيزة.
والخِطْرَةُ، بالكسر: قُضْبانٌ دِقَاقٌ خُضْرٌ تَنْبُتُ في أَصْلِ شَجَرةٍ، عن أَبي زِيَاد، وقد تقدمت الإِشارة إِليه، وهي غَيْر الَّتِي ذَكَرها المُصَنِّف.
وقد سَمَّوْا خَاطِرًا وخطرةَ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
45-تاج العروس (فدر)
[فدر]: فَدَرَ الفَحْلُ يَفْدِرُ، بالكَسْرِ، فدْرًا، بالفَتْح، وفُدُورًا. بالضَّمّ، واقْتَصَر على الأَخير ابنُ سيدَهْ وابْنُ القَطَّاع، فهو فادِرٌ: فَتَرَ وانْقَطَعَ وجَفَرَ عَن الضِّرَابِ وعَدَلَ، قال ابنُ الأَعرابيّ: كفَدَّرَ تَفْدِيرًا وأَفْدَرَ إِفْدارًا. قال: وأَصْلُه في الإِبِلِ، الجمع: فُدْرٌ، بالضمّ، وفَوَادِرُ. الأَخيرُ ذَكَرَهُ الجَوْهَرِيّ.وطَعَامٌ مُفْدِرٌ، كمُحْسِن، قال البَدْرُ القَرَافِيُّ: وهو نادِرٌ، مِثْل أَسْهَبَ مُسْهَبٌ، وأَحْصَن مُحْصَنٌ. قال شَيْخُنَا: وفيه نَظَرٌ ظاهِرٌ. وطعَامٌ مَفْدَرَةٌ، بالفَتْح، عن اللِّحْيَانيّ: يَقْطَعُ عَنِ الجِمَاع، تقولُ العَرَب: أَكْلُ البِطِّيخِ مَفْدَرَةٌ.
وفَدَر اللَّحْمُ فُدُورًا: بَرَدَ وهو طَبِيخٌ، ومنه الفِدْرَة، بالكَسْر.
والفَدُورُ، كصَبُور، والفادِرُ والفَدَرُ، مُحَرّكةً: الوَعِلُ العاقِلُ في الجَبَل، وقد فَدَر فُدُورًا. وقِيل: هو المُسِنّ، وقد فَدَر فُدُورًا، إِذا عَظُمَ وأَسَنّ؛ قاله ابنُ القَطّاع. وقال الأَصمعيّ: الفادِرُ من الوُعُولِ: الذي قد أَسَنَّ، بمَنْزِلَةِ القَارِح من الخَيْلِ، والبازِلِ من الإِبل والبَقَرِ والغَنَمِ، وقال ابنُ الأَثِير: وهو مِنْ فَدَرَ الفَحْلُ فُدُورًا، إِذا عَجَزَ عن الضِّرابُ، أَو الفادِرُ: الشَّابُّ التَّامُّ أَو العَظِيمُ منه، ج؛ أَي جَمْع الفادِر فَوَادِرُ. وفي الصحاح: فُدُرٌ، بالضَّمِّ، وفُدُورٌ، وقِيلَ: الأَخِيرُ جَمْعُ «فَدَر» محرّكةً. ومَفْدَرَةٌ، بالفَتح اسمٌ للجَمْع، كما قالُوا: مَشْيَخَة.
ومَكانٌ مَفْدَرَةٌ، بالفَتح: كَثِيرُه أَي الفُدُر. وأَنشد الأَزهريّ للرّاعي:
وكَأَنّمَا انْبَطَحَتْ عَلَى أَثْبَاجِهَا *** فُدُرٌ تشَابَه قد يَمَمْنَ وُعُولَا
والفادِرَةُ: الصَّخْرَةُ الضَّخْمَةُ الصَّمّاءُ العَظِيمَةُ التي تَراها في رَأْس الجَبَل. شُبِّهَتْ بالوَعِلِ، كالفِدْرَة، بالكَسْر؛ قاله الصّاغَانيّ.
والفادِرُ: الناقَةُ تَنْفَرِدُ وَحْدَهَا عن الإِبِلِ. كالفَارِد.
والفِدْرَةُ، بالكَسْر: القِطْعَةُ من كلِّ شيْءٍ، ومنهحديثُ جَيْش الخَبَط: «فكُنّا نَقْتَطِعُ منه الفِدَرَ كالثَّوْرِ». وفي المُحْكَم: الفِدْرَةُ: القِطْعَةُ من اللَّحْمِ المَطْبُوخِ البارِد.
وقال الأَصمعيّ: أَعْطَيْتُه فِدْرَةً من اللَّحْم، وهَبْرَةً، إِذا أَعْطَيْتَه قِطْعةً مُجْتَمِعَة. وقال الراجز:
وأَطْعَمَتْ كِرْدِيدَةً وفِدْرَهْ
وفي حديثِ أُمِّ سَلَمَة: «أُهْديَتْ لي فِدْرَةٌ من لَحْم» أَي قِطْعَة. والفِدْرَةُ: القِطْعَة من اللَّيْل. والفِدْرَة من الجَبَلِ: قِطْعة مُشْرِفَةٌ منه.
والفِنْدِيرَةُ والفِنْديرُ بكَسْرِهما: دُونَها، قال البَدْرُ القرافيّ: وفيه مُخَالَفَةٌ لقولهم: زِيَادَةُ البِنَاءِ تَدُلّ على زِيَادَة المَعْنى، مِثْل شُقْدُفٍ وشِقِنْدَافٍ. وقد يُجابُ عنه بأَنّه أَكْثَرِيّ، لكن الذي ذكره الجوهريّ أَنّ الفِنْدِيرَ والفِنْدِيرَة: الصَّخْرَةُ العَظِيمة تَنْدُرُ من رَأْس الجَبَلِ، وقد أَعادَها المصنّف في «ف ن بلد ر» وقال: هي الصخرة العظيمة، كما سيأْتي.
قلتُ: فهو إِذًا تَكْرَارٌ كما لا يَخْفَى. ويُمْكِنُ أَن يُجَابَ بأَنَّ المُرَادَ بقوله: دُونَها؛ أَي في المَكَانِ والإِشْرافِ لا في القَدْر، وذلك لأَنّ كُلًّا منهما قد وُصِفَ بالضَّخَامَة والعَظَمَةِ، ولكنَّ الفِدْرَةَ ما كَانَ مُشْرِفًا في رأْسِ جَبَل، والفِنْدِيرَةَ دُونَهَا في الإِشْراف. وهو وَجيهٌ، وبه يُجْمَعُ بين الكَلامَيْن، فتَأَمَّل.
والفَدِرُ، ككَتِف: الأَحْمَقُ، وقد فَدِرَ، كفَرِحَ، فَدَرًا. والفَدِرُ من العُودِ: السَّرِيع الانْكِسَار، نقله الصاغانيّ.
والفُدُرُّ، كعُتُلٍّ: الفِضَّةُ، نَقَله الصاغَانيّ. والفُدُرّ أَيضًا: الغُلامُ السَّمِينُ، على التَّشْبِيه بالوَعِل، أَو قارَبَ الاحْتِلامُ، على التَّشْبِيه به أَيضًا.
وفي التَّكْمِلَة: حِجَارَةٌ تُفَدَّرُ تَفْدِيرًا؛ أَي تُكَسَّرُ صِغَارًا وكِبَارًا.
ورَجُلٌ فُدَرَةٌ، كهُمَزَةٍ: يَذْهَبُ وَحْدَه، كفُرَدَة.
* وممّا يُسْتَدْرَك عليه:
الفادِرُ: اللَّحْمُ البارِدُ المَطْبُوخُ.
والفِدْرَةُ، بالكَسْرِ: القِطْعَة [و] الكَعْبُ مِنَ التَّمْرِ.
وضَرَبْتُ الحَجَرَ فَتَفَدَّرَ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
46-تاج العروس (قصر)
[قصر]: القَصْرُ، بالفَتْح، والقِصَرُ، كعِنَب، في كلّ شيْءٍ: خِلافُ الطُّولِ، لُغَتَانِ، كالقَاصَارَة، بالفَتْح، وهذه عن اللِّحْيَانيّ.قصُرَ الشيءُ، ككَرُمَ، يَقْصُر، قِصَرًا، وقَصَارَةً: خِلافُ طالَ.
فهو قَصِيرٌ من قُصَرَاءَ، وقِصَارٍ، وقَصِيرةٌ من قِصَارٍ وقِصَارَةِ، ومن الأَخِير قولُ الأَعْشَى:
لا نَاقِصِي حَسَبٍ ولا *** أَيْدٍ إِذا مُدَّتْ قِصَارَهْ
قال الفَرّاءُ: والعَرَب تُدْخِل الهاءَ في كُلّ جمع على فِعال، يقولُون: الجِمَالَةُ والحِبَالَةُ والذِّكارَةُ والحِجَارَةُ. أَو القِصَارَةُ: القَصِيرةُ، وهو نادِرٌ، قاله الصَّاغَانِيّ والأَقَاصِرُ: جَمْعُ أَقْصَر، مِثْلُ أَصْغَرَ وأَصاغِرَ. وأَنشد الأَخْفَش:
إِلَيْكِ ابْنَةَ الأَغْيَارِ خافِي بَسالَةَ الرِّ *** جالِ وأَصْلالُ الرِّجالِ أَقاصِرُهْ
ولا تَذْهَبَنْ عَيْنَاكِ في كلِّ شَرْمَحٍ *** طُوَالٍ فإِنّ الأَقْصَرِينَ أَمازِرُهْ
يقول لها: لا تَعِيبِيِني بالقِصَرِ فإِنّ أَصْلالَ الرِّجَال ودُهَاتَهم أَقاصِرُهم، وإِنّمَا قال: «أَقَاصِرُه» على حَدِّ قولهم: هو أَحْسَنُ الفِتْيَانِ وأَجْمَلُه، يريد: وأَجْمَلُهم: وكذلك قوله: فإِنّ الأَقْصَرِين أَمازِرُه.
وقَصَرَه يَقْصِرُه، بالكَسْر، قَصْرًا: جَعَلَهُ قَصِيرًا.
والقَصِيرُ من الشَّعر: خلافُ الطَّوِيلِ.
وقد قَصَرَ الشَّعَر: كَفَّ منه وغَضَّ حتّى قَصُر، وكذا قَصَّرَه تَقْصِيرًا، والاسمُ القِصَار، بالكَسْر عن ثَعْلب. وقال الفرّاءُ: قلتُ لأَعرابيّ بمِنًى: آلقِصارُ أَحبُّ إِلَيْكَ أَم الحَلْق؟ يريد: التَّقْصِيرُ أَحبَّ إِلَيْكَ أَمْ حَلْقُ الرأْسِ.
وتَقَاصَرَ: أَظْهَر القِصَرَ، كتَقَوْصَرَ، ذكرهما الصاغَانيّ هكذا، وفَرَّق بينهما غيرُه كما يأْتي.
والقَصْرُ: خِلافُ المَدِّ، والفِعْل كالفِعْل، والمصدر كالمَصْدَر.
والقَصْرُ: اخْتِلاطُ الظَّلامِ، كالمَقْصَرِ والمَقْصَرَة؛ عن أَبي عبيد.
والقَصْرُ الحَبْسُ ومنهحديث مُعاذ: «فإِنّ له ما قَصَرَهُ في بَيْتِه» أَي حَبَسه.
وفي حديث أَسْمَاءَ الأَشْهَلِيّة: «إِنّا مَعْشَرَ النِّسَاءِ مَحْصُوراتٌ مَقْصُوراتٌ» أَي مَحْبُوسَاتٌ مَمْنُوعاتٌ.
وفي حديث عُمَرَ: «فإِذا هُمْ رَكْبٌ قد قَصَر بِهِم اللَّيْل»؛ أَي حَبَسَهُم. وفي حديث ابنِ عَبّاس: «قُصِرَ الرِّجَالُ على أَربعٍ من أَجْلِ أَموالِ اليَتَامَى» أَي حُبِسُوا أَو مُنِعُوا عن نِكاحِ أَكْثَرَ من أَرْبَع.
في قول الله تعالى: {حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ} قال الأَزْهَرِيّ: أَي محبوساتٌ في خِيَامٍ من الدُّرّ مُخَدَّراتٌ على أَزْوَاجِهِنَّ. وقال الفَرَّاءُ: قُصِرْن على أَزْوَاجِهِنَّ؛ أَي حُبِسْن فلا يُرِدْنَ غَيرَهم ولا يَطْمَحْنَ إِلى مَنْ سِواهُم. وكذا قوله في: {قاصِراتُ الطَّرْفِ} ويقال: قَصَرْتُ نفْسِي على الشَّيْءِ، إِذا حَبَسْتَها عليه وأَلزَمْتَها إِيّاه. ومنهحَدِيثُ إِسْلامِ ثُمَامَةَ: «فأَبَى أَنْ يُسْلِمَ قَصْرًا فَأَعْتَقَه» يعني حَبْسًا عليه وإِجْبَارًا. وقِيلَ: أَرادَ قَهْرًا وغَلَبَةٌ، من القَسْر، فأَبْدَل السين صَادًا، وهُمَا يَتَبادَلانِ في كثيرٍ من الكَلامِ. ومن الأَوّل الحديثُ: «ولَتَقْصُرَنَّه على الحقِّ قَصْرًا» وقال أَبو دُوَادٍ يَصف فَرَسًا:
فقُصِرْنَ الشِّتَاءَ بَعْدُ عَلَيْهِ *** وهْوَ للذَّوْدِ أَنْ يُقَسَّمْنَ جارُ
أَي حُبِسْنَ عليه يَشْرَبُ أَلْبَانَهَا في شِدَّةِ الشِّتَاءِ.
والقَصْرُ: الحَطَبُ الجَزْلُ، وبه فَسَّرَ الحَسَنُ قوله تعالى: {تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} والوَاحِدَة قَصْرَةٌ كتَمْر وتَمْرَة؛ كذا حكى اللّحْيَانيّ عنه.
والقَصْرُ من البِنَاءِ، مَعْرُوفٌ. وقال اللّحْيَانيّ: هو المَنْزِلُ أَو كُلُّ بَيْت من حَجَرٍ: قَصْرٌ؛ قُرَشِيَّةٌ، سُمِّيَ بذلك لأَنّه يُقْصَرُ فيه الحُرَم؛ أَي يُحْبَسْن. وجمعه قُصُورٌ. وفي التَّنْزِيل العَزِيز: {وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا}.
والقَصْرُ: عَلَمٌ لِسَبْعَةٍ وخَمْسِينَ مَوْضِعًا: ما بَيْنَ مَدِينةٍ، وقريةٍ، وحِصْنِ، ودارٍ فمنها: قَصْرُ مَسْلَمَةَ بَيْنَ حَلَب وبالِس، بناهُ مَسْلَمَةُ بنُ عبدِ المَلِك، منِ حجارة، في قَرْيَةٍ اسمُها ناعُورَة.
وقَصْرُ نَفِيسٍ، على مِيلَيْنِ من المَدِينَة، يُنْسَب إِلى نَفِيسِ بنِ محمّد، من مَوالِي الأَنْصَار.
وقَصْرُ عِيسَى بن عَلِيٍّ عَلَى دِجْلَةَ.
وقَصْرُ عَفْرَاءَ بالشَّأْم، ذكره المصنّف في «عفر».
وقَصْرُ المَرْأَةِ بالقُرْبِ من البَصْرَةِ.
وقَصْرُ المُعْتَضِدِ، على نَهْرِ الثَّرْثَار.
وقَصْرُ الهُطَيْفِ على رَأْسِ وادِي سَهَام لِحِمْيَرَ. وقَصْرُ عِسْل ـ بكسر العين المهملة ـ بالبَصْرَة، قريب من خِطّة بني ضَبَّة.
وقَصْر بَنِي الجَدْماءِ بالقُرْب من المَدِينَةِ.
وقَصْرُ كُلَيْبٍ بنَواحِي قُوص.
وقَصْرُ خاقَانَ بالجِيزَة.
وقَصْرُ المَعْنىّ بالشَّرْقِيّة.
والقَصْرُ: حِصْنٌ من حُدُودِ الوَاحِ.
وجَزيرةُ القَصْرِ، وشِيبِين القَصْرِ: كِلاهُمَا في الشَّرْقِيَّة.
وقَصْرُ الشَّوْقِ: خِطّة بمِصرَ، وتُعْرَف الآن بالشّوك.
والقَصْرُ: مدينةٌ كَبِيرَةٌ بالمَغْرِب، منها الإِمامُ أَبو الحَسَنِ إِسماعيلُ بنُ الحَسَنِ بنِ عبدِ الله القَصْرِيّ؛ والإِمَامُ أَبو محمّد عَبْدُ الجَلِيلِ بنِ مُوسَى بنِ عبدِ الجَلِيلِ الأَوْسِيُّ المَعْرُوف بالقَصْرِيّ صاحبُ شُعَبِ الإِيمانِ؛ والإِمامُ أَبُو الحَسَنِ عليُّ بنُ خَلَفِ بن غالِب الأَنْدَلُسِيّ القَصْرِيُّ، المُتَوَفَّى بالقَصْر سنة 568 وغَيْرُهم.
والقَصْرُ: قَرْيَةٌ بالقُرْبِ مِنْ مالَقَة، ومنها الإِمام أَبو البَرَكَاتِ عبدُ القادِرِ بن عَلِيّ بنِ يُوسُفَ الكنَانيّ القَصْرِيّ، جُدُودُهُم منها، ونَزَلُوا بفاسَ، وتَدَيَّرُوا بها، وبها وُلِدَ سنة 1007، وتُوُفِّيَ سنة 1091؛ ووَالِدُهُ أَبو الخَيْرِ عليّ تُوُفِّيَ سنة 1030، وعَمّه محمّدٌ العَرَبِيّ بن يُوسُفَ؛ وعَمُّ والِدِه أَبو المَعَارِفِ عبدُ الرَّحْمن؛ وإِخْوَتُه؛ وابنُ عَمِّه مُفْتِي الحَضْرَة الفاسِيّة الآنَ شَيْخُنَا الفَقِيه النَّظّار عُمَرُ بنُ عبدِ الله بنِ عُمَرَ بنِ يُوسُفَ بنِ العَرَبِيّ: مُحَدِّثون، وقد حَدَّثَ عنه شيوخُ مَشَايِخِنا عالِيًا.
والقَصْرُ: مَوضعٌ خارِجَ القَاهِرَة.
وقَصْرُ اللُّصُوص: بالعَجَم.
أَعْجَبُهَا قَصْر بالعَجَم، بَناهُ بَهْرام جُورَ مَلِكُ الفُرْسِ من حَجَرٍ واحد، قُرْبَ هَمَذَانَ.
وقَصَرَه عَلَى الأَمْرِ قَصْرًا: رَدَّه إِليْه. ويُقَال: قصَرْتُ الشَّيْءَ عَلَى كَذَا، إِذا لم تُجَاوِزْ به غَيْرَه. وتقولُ: قَصَرْتُ اللِّقْحَةَ على فَرَسِي: إِذا جَعَلْتَ دَرَّهَا له.
وامْرَأَةٌ قاصِرَةُ الطَّرْفِ: لا تَمُدُّه إِلى غَيْرِ بَعْلِهَا.
وقال أَبو زَيْد: قَصَرَ فلانٌ على فَرسِه ثلاثًا أَو أَرْبَعًا من حَلائِبِه تَسْقِيهِ أَلْبَانَهَا.
وقَصَرَ عَنِ الأَمْرِ يَقْصُرُ قُصُورًا كقُعُودٍ، وأَقْصَرَ، إِقْصَارًا، وقَصَّرَ تَقْصِيرًا، وتَقَاصَرَ، كُلّه: انْتَهَى، كذا في المُحْكَم، وأَنشد:
إِذا غَمَّ خِرْشاءُ الثُّمَالَةِ أَنْفَهُ *** تَقَاصَرَ مِنْهَا للصَّرِيحِ فَأَقْنَعَا
وقال ابنُ السِّكِّيت: أَقْصَرَ عن الشَّيْءِ، إِذا نَزَعَ عنه وهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْه، وقَصَرَ عنه، إِذا عَجَزَ عنه ولم يَسْتَطِعْه، وربما جاءَا بمعنًى واحدٍ إِلّا أَنّ الأَغَلَبَ عليه الأَوّل.
وقَصَرَ عَنِّي الوَجَعُ والغَضَبُ يَقْصُرُ قُصُورًا، بالضَّمّ: سَكَنَ، كقَصَّرَ، المَضْبُوط عندنا بقلم النّساخ بالتَّشْدِيد، والصَّواب كفَرِحَ. وقِيلَ: قَصَّر عنه تَقْصِيرًا: تَرَكَهُ وهو لا يَقْدِر عليه، وأَقْصَرَ: تَرَكَهُ وكَفَّ عنه وهو يَقْدِرُ عَلَيْه.
وقال اللّحْيَانيّ: ويقال للرَّجُلِ إِذا أُرْسِلَ في حاجَةٍ فقَصَرَ دُونَ الذي أُمِرَ بِه: ما مَنَعَهُ أَنْ يَدْخُلَ المكانَ الذي أُمِرَ بِه إِلَّا أَنَّه أَحَبَّ القَصْرَ، بفَتْحٍ فَسُكُونٍ، ويُحَرَّكُ، والقُصْرَةَ، بالضمّ؛ أَي أَنْ يُقَصِّر.
والتَّقْصِيرُ في الأَمْرِ: التَّوانِي فيه.
وامْرَأَةٌ مَقْصُورَةٌ، وقَصُورَةٌ، وقَصِيرَةٌ: مَحْبُوسَةٌ في البَيْتِ لا تُتْرَكُ أَنْ تَخْرُجَ، قال كُثَيِّر:
وأَنْتِ الَّتي حَبَّبْتِ كلَّ قَصِيرَةٍ *** إِليّ وما تَدْرِي بِذاكَ القَصَائِرُ
عَنَيْتُ قَصِيرَاتِ الحِجَالِ ولم أُرِدْ *** قِصارَ الخُطَا شَرُّ النِّسَاءِ البَحَاتِرُ
وفي التَّهْذِيب: «قَصُورَاتِ الحِجالِ». وهكذا أَنْشَدَه الفَرّاءُ. وفيه: «شَرُّ النّسَاءِ البَهَاتِرُ». واقتصر الأَزهريّ على القَصِيرَة والقَصُورَة، قال: وهي الجارِيَةُ المُصُونَةُ التي لا بُرُوزَ لها. ويقال: امرأَةٌ مَقْصُورَةٌ؛ أَي مُخَدَّرة، وتُجْمَع القَصُورة على القَصَائِر. قال: فإِذا أَرادُوا قِصَرَ القامَةِ قالُوا: امرأَة قَصِيرَةٌ، وتُجْمَع قِصَارًا.
وسَيْلٌ قَصِيرٌ: لا يَسِيلُ وَادِيًا مُسَمًّى، وإِنَّمَا يُسِيل فُروعَ الأَوْدِيَةِ وأَفْنَاءَ الشِّعَابِ وعَزَازَ الأَرضِ.
ويُقَال: هو يَسْكُنُ مَقْصُورَةً من مَقَاصِيرِ دارِ زُبَيْدَة، المَقْصُورَةُ: الدّارُ الواسِعَة المُحصَّنة بالحِيطانِ، أَو هِيَ أَصْغَرُ من الدّارِ، وقال اللَّيْث: المَقْصُورَة: مَقَامُ الإِمَامِ.
وقال: وإِذا كانَت دارًا واسِعَةً مُحَصَّنةَ الحِيطَانِ، فكُلُّ ناحِيَةٍ منها على حِيَالِهَا مَقْصُورَةٌ. وجَمْعُهَا مَقاصِرُ ومَقَاصِيرُ.
وأَنشد:
ومنْ دُونِ لَيْلَى مُصْمَتَاتُ المَقَاصِرِ
المُصْمَتُ: المُحْكَم، كالقُصَارَة، بالضمّ، وهي المَقْصُورَة من الدّارِ لا يَدْخُلُها إِلّا صاحِبُهَا، وقال أُسَيْدٌ: قُصَارَةُ الدارِ: مَقْصُورَةٌ منها لا يَدْخُلُهَا غيرُ صاحِبِ الدّارِ.
قال: وكانَ أَبِي وعَمِّي على الحِمَى، فقَصَرَا منها مَقصورَةً لا يَطَؤُهَا غَيْرَهُما. والمَقْصُورَةُ: الحَجَلَةُ، كالقَصُورَة، كصَبُورَة، كِلاهُما عن اللّحيانيّ.
وقَصَرَهُ على الأَمْرِ، واقْتَصَرَ عَلَيْه: لم يُجَاوِزْه إِلى غَيْرِه.
وماءٌ قاصِرٌ، ومُقْصِرٌ ـ كمُحْسِنٍ: يرَعَى المالُ حَوْلَه لا يُجَاوِزُه، أَو بَعِيدٌ عن الكَلإِ، قال ابنُ الأَعرابيّ: الماءُ البَعِيدُ عن الكَلإِ قاصرٌ، ثمّ باسِطٌ، ثمّ مُطْلِبٌ. وقال ابنُ السِّكْيت: ماءٌ قاصرٌ. ومُقْصِرٌ، إِذا كان مَرْعَاهُ قَرِيبًا، وأَنشد:
كانتْ مِيَاهِي نُزُعًا قَوَاصِرَا *** ولمْ أَكُنْ أُمَارِسُ الجَرَائِرَا
النُّزُعُ: جَمْعُ نَزُوع، وهي البِئر التي يُنْزَعُ منها باليَدَيْن نَزْعًا، وبِئرٌ جَرُورٌ: يُسْتَقَى منها على بَعِيرٍ. أَو ماءٌ قاصِرٌ:
بارِدٌ، وقد قَصَرَ قَصْرًا؛ قاله ابنُ القَطّاع.
والقُصَارَةُ ـ بالضَّمِّ ـ والقِصْرَى ـ بالكَسْر ـ والقَصَرُ، وهذه عن اللّحيانيّ، والقَصَرَةُ ـ محرَّكَتَيْن ـ والقُصْرَى ـ كبُشْرَى ـ: ما يَبْقَى في المُنْخُلِ بعد الانْتِخَال، أَو هو ما يَخْرُج من القَتِّ ويَبْقى في السُّنْبُل من الحَبِّ بَعْدَ الدَّوْسَةِ الأَولى، وقال اللَّيْث: القَصَرُ: كَعَابِرُ الزَّرْعِ الذي يَخْلُصُ من البُرِّ وفيه بَقِيَّةٌ من الحَبِّ، يقَال له: القِصْرَى، على فِعْلى، أَو، القَصَرَةُ: القِشْرَةُ العُليَا من الحَبَّةِ إِذا كانَت في السُنْبُلَة، كالقُصَارَة؛ قالَهُ ابنُ الأَعْرَابِيّ. وذكر النَّضْرُ عن أَبي الخَطّابِ أَنّه قال: الحَبُّ عليها قِشْرَتَانِ: فالَّتِي تَلِي الحَبَّةَ: الحَشَرَةُ، والَّتِي فَوْقَ الحَشَرَة: القَصَرَةُ. وقال غيرُه: القَصَرَةُ والقَصَرُ: قِشْرُ الحِنْطَةِ إِذا يَبِسَتْ.
والقَصَرَة، محرّكَة: زُبْرَةُ الحَدّادِ، عن قُطْرُب.
والقَصَرَةُ: القِطْعَةُ من الخَشَب أَيَّ خَشَبٍ كان، ومنهم من خَصّه بالعُنّاب.
والقَصَرَةُ: الكَسَلُ، وفي النَّوَادِرِ لابنِ الأَعْرَابِيّ: «القَصَرُ» بغير هاءٍ؛ كذا نَقَلَه صاحِبُ اللّسَان، وجَوَّدَهُ الصاغَانِيّ، وضَبَطَه هكذا بخَطِّه، كالقَصَارِ، كسَحابٍ، وقال أَعرابيّ: أَرَدْتُ أَنْ آتيَك فمَنَعَنِي القَصَارُ. وقال الأَزهريّ: أَنشدني المُنْذرِيّ رِوَايَةً عن ابن الأَعرابيّ:
وصارِمٍ يَقْطَعُ أَغلالَ القَصَرْ *** كَأَنّ في مَتْنَتِه مِلْحًا يُذَرّ
أَوْ زَحْفَ ذَرٍّ دَبَّ في آثَارِ ذَرّ
قال: ويُرْوَى:
كَأَنّ فَوْقَ مَتْنِه مِلْحًا يُذَرّ
والقَصَرَةُ: زِمِكَّى الطائرِ، وهذه نقلها الصاغانيّ.
والقَصَرَةُ: أَصْلُ العُنُقِ ومنه قَوْلُهم: ذَلَّتْ قَصَرَتُه. وقال نُصَيرٌ: القَصَرَةُ: أَصْلُ العُنُقِ في مُرَكَّبه في الكاهِل، قال: ويُقَال لعُنُقِ الإِنْسَانِ كُلِّه: قَصَرَةٌ. وقال اللّحْيَانيّ: إِنّمَا يُقَال لأَصْلِ العُنُق قَصَرَةٌ إِذا غَلُظَت، والجَمْع قَصَرٌ، وبه فَسَّر ابنُ عبّاس قولَه تَعَالَى: {إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} وقال كُراع: والجمع: القَصَرَةِ أَقْصَارٌ، قال الأَزهريّ: وهذا نادرٌ إِلّا أَنْ يَكُونَ على حَذْفِ الزائد، وفي حديثِ سَلْمانَ، قال لأَبِي سُفْيَانَ، وقد مَرَّ به: «لقد كانَ في قَصَرَةِ هذا مَوْضِعٌ لِسُيُوف المُسْلِمينَ». وذلِك قَبْلَ أَن يُسْلِمَ فإِنّهُم كانُوا حِراصًا على قَتْلِه. وقيل: كانَ بَعْدَ إِسْلامِه. وفي حديث أَبِي رَيْحَانَةَ: «إِنّي لأَجِدُ في بَعْضِ مَا أُنْزِلَ من الكُتُب: الأَقْبَلُ، القَصِيرُ القَصَرَةِ، صاحِبُ العِرَاقَيْن، مبدِّل السُّنَّة يَلْعَنُهُ أَهلُ السَّمَاءِ وأَهْلُ الأَرْضِ، وَيْلٌ له، ثُمّ وَيْلٌ له».
وقال: القِصَارُ ككتَاب: سِمَةٌ عليها؛ أَي على القَصَرَة، وأَرادَ بها قَصَرَةَ الإِبِل، وقد قَصَّرَها تَقْصِيرًا: إِذا وَسَمَها بها، ولا يُقَال: إِبِلٌ مُقَصَّرَةٌ، قاله ابنُ سِيدَه. وقال النَّضْرُ: القِصَارُ: مِيسَمٌ يُوسَمُ به قَصَرَةُ العُنُقِ، يُقَال: قَصَرْتُ الجَمَلَ قَصْرًا، فهو مَقْصُورٌ.
والقَصَرُ، مُحَرَّكةً: أُصولُ النَّخْلِ، وبه فُسِّر قوله تَعَالَى: {بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} وقال أَبو مُعَاذ النَّحْوِيّ: واحِدُ قَصَرِ النَّخْلِ قَصَرَةٌ، وذلك أَنَّ النَّخْلَة تُقْطَعُ قَدْرَ ذِرَاع يَسْتَوْقِدُون بها في الشِّتَاءِ، وهو من قولك للرَّجُل: إِنّه لَتامُّ القَصَرَةِ، إِذا كانَ ضَخْمَ الرَّقَبَةِ. وصرَّحَ في الأَساسِ أَيضًا أَنّه مَجاز.
وقِيلَ: القَصَرُ: أُصولُ الشَّجَر العِظَامِ؛ قاله الضَّحّاك، وقِيل: هِيَ بَقَاياها؛ أَي الشَّجَرِ. وفي الحَدِيث: «مَنْ كانَ لَهُ في المَدِينَةِ أَصْلٌ فَلْيَتَمَسَّكْ به، ومنْ لَمْ يَكُنْ فَلْيَجْعَلْ لَهُ بِهَا أَصْلًا ولو قَصَرَةً»، أَرادَ ولو أَصْلَ نَخْلَةٍ واحِدَة.
وقيل: القَصَرُ: أَعْنَاقُ النّاسِ وأَعْناقُ الإِبلِ، جَمْع قَصَرَةٍ، والأَقْصَارُ جَمْعُ الجَمْع. قال الشاعِرُ:
لا تَدْلُكُ الشَّمْسُ إِلّا حَذْوَ مَنْكِبِهِ *** في حَوْمَة تَحْتَها الهامَاتُ والقَصَرُ
والقَصَرُ: يُبْسٌ في العُنُق، وفي المحكم: داءٌ يأْخُذُ في القَصَرَة. وقال ابنُ السِّكّيت: هو داءٌ يأْخُذُ البَعِيرَ في عُنُقِه فيَلْتَوِي، فتُكْوَى مَفاصِلُ عُنُقِه فرُبَّمَا بَرَأَ. وفي الصّحاح: قَصِرَ البَعِيرُ، كفَرِحَ، يَقْصَرُ قَصَرًا فهو قَصِرٌ، وقَصِرَ الرَّجُلُ، إِذا اشْتَكَى ذلك. وقال أَبو زَيْدِ: قَصِرَ الفَرَسُ يَقْصَر قَصَرًا، إِذا أَخَذَه وَجَعٌ في عُنُقِه، يقال: به قَصَرٌ، وهو قَصِرٌ وأَقْصَرُ، وهي قَصْرَاءُ. وقال ابنُ القَطّاعِ: وقَصِرَ البَعِيرُ وغَيْرُه قَصَرًا: وَجِعَتْه قَصَرَتُه: أَصْلُ عُنُقِهِ.
والتِّقْصارُ، والتِّقْصَارَةُ، بكَسْرِهما: القِلادَة، لِلُزومِها قَصَرَة العُنُقِ. وفي الصّحاح: قِلادَةٌ شَبِيهَةٌ بالمِخْنَقَة. وفي الأساس: وتَقَلَّدَتْ بالتِّقْصارِ: بالمِخْنَقَة على قَدْرِ القَصَرَة، الجمع: تَقاصِير قال عَدِيّ:
وأَحْوَرِ العَيْنِ مَرْبُوع له غُسَنٌ *** مُقَلَّدٍ مِنْ نِظَامِ الدُّرِّ تِقْصَارَا
وقَصَرَ الطَّعَامُ قُصُوارًا، بالضمّ: نَمَا. وقال ابنُ القَطّاعِ: قَصَرَ قُصُورًا: غَلَا، وقَصَر قُصُورًا: نَقَصَ، ومنه قُصُورُ الصَّلاة، وقَصَرُ قُصُورًا: رَخُصَ، وهو ضِدّ.
والمَقْصرُ، كمَقْعَدٍ ومَنْزِل ومَرْحَلَةِ: العَشِيّ، وكذلك القَصْرُ.
وقَصَرْنَا وأَقْصَرْنا: دَخَلْنَا فيه؛ أَي في قَصْرِ العَشِيِّ، كما تَقُولُ: أَمْسَيْنَا، من المَسَاءِ.
والمَقَاصِرُ والمَقَاصِيرُ: العِشَاءُ الآخِرَةُ، هكذا في سائر النُّسَخ، والصَّوابُ: والمَقَاصِرُ والمَقَاصِيرُ: العَشَايَا، الأَخِيرَة نادِرَةٌ؛ كذا هو عبارة الأَزهريّ، وكأَنّه لَمّا رَأَى الأَخيرَةَ لم يَلْتَفِتْ لمَا بَعْدَه، وجَعله وصفًا للعشاءِ، وهو وَهَمٌ كبيرٌ فإِنَّ المقاصِيرَ اسمٌ للعِشاءِ، ولم يُقَيِّده أَحدٌ بالآخرة. وفي التَّهْذِيب لابْنِ القَطّاع: قَصَرَ صارَ في قَصْرِ العَشِيِّ آخِرَ النّهَار، وأَقْصَرْنَا: دَخَلْنَا في قَصْرِ العَشِيّ. انتهى. وفي الأَساس: جئتُ قَصْرًا، ومَقْصِرًا، وذلِك عِنْدَ دُنُوِّ العَشِيِّ قُبَيْلَ العَصْرِ، وأَقْبَلَتْ مَقَاصِيرُ العَشِيِّ. فظَهَر بذلك كُلّه أَنَّ قَيْدَ العِشَاءِ بالآخِرَة في قول المُصَنّف وَهَمٌ وغَلَط، فَتَنَبَّه.
وقال سِيبَوَيْه: ولا يُحَقَّر القَصْر، اسْتَغْنَوْا عن تَحْقيرِه بتَحْقِيرِ المَساءِ. قال ابنُ مُقْبِل:
فبَعَثْتُهَا تَقِصُ المَقَاصِرَ بَعْدَ ما *** كَرَبَتْ حَياةُ النارِ للمُتَنوِّرِ
ومَقَاصِيرُ الطَّبَقِ، هكذا في النُّسَخ، وهُو غَلَط، والصَّوابُ: مَقَاصِيرُ الطَّرِيقِ: نَوَاحِيهَا واحدتُهَا مَقْصَرَةٌ، على غَيْر قِيَاس. والقُصْرَيَانِ، والقُصَيْرَيَانِ، بضَمّهما: ضِلَعانِ يَلِيَانِ الطِّفْطِفَةَ أَوْ يَلِيَانِ التَّرْقُوَتَيْن. والقُصَيْرَى، مَقْصُورَةً مَضْمُومَةً: أَسْفَلُ الأَضْلاع، وقِيلَ هي: الضِّلَع الَّتِي تَلِي الشاكِلَةَ، وهي الوَاهِنَةُ، أَو آخِرُ ضِلَعٍ في الجَنْبِ، وقال الأَزْهَرِيّ: القُصْرَى والقُصَيْرَى: الضِّلَعُ الَّتِي تَلِي الشّاكِلَةَ بَيْنَ الجَنْبِ والبَطْن. وأَنشد:
نَهْدُ القُصَيْرَى يَزِينُه خُصَلُهْ
وقال أَبو الهَيْثَم: القُصْرَى: أَسْفَلُ الأَضْلاعِ، والقُصَيْرَى: أَعْلَى الأَضْلاعِ. وقال أَوْسٌ:
مُعَاوِدُ تَأْكالِ القَنِيصِ، شِواؤُه *** من اللَّحْمِ قُصْرَى رَخْصَةٌ وطَفاطِفُ
قال: وقُصْرَى هُنَا اسمٌ، ولو كانَت نَعْتًا لكانَت بالأَلف والّلام. وفي كتاب أَبِي عُبَيْدٍ: القُصَيْرَى: هي الَّتِي تَلِي الشاكِلَةَ، وهي ضِلَعُ الخَلْفِ، وحكى اللّحْيَانيّ أَنَّ القُصَيْرَى أَصْلُ العُنُقِ، وأَنشد:
لا تَعْدِليني بظُرُبٍّ جَعْد *** كَزِّ القُصَيْرَى مُقْرِفِ المَعَد
قال ابنُ سيدَه: وما حَكَاه اللِّحْيَاني فهو قولٌ غير مَعْرُوفٍ إِلّا أَنْ يُريدَ القُصَيْرة، وهو تصغيرُ القَصَرَة من العُنُق، فأَبْدَلَ الهاءَ لاشتراكهما في أَنّهما عَلَمَا تَأْنيثٍ.
والقَصَرَى ـ كجَمَزى وبُشْرَى ـ والقُصَيْرَى، مُصَغَّرًا مَقْصورًا: ضَرْبٌ من الأَفَاعي صَغيرٌ يَقتُلُ مَكَانَه، يقال: قَصَرَى قِبَالٍ وقُصَيْرَى قِبَال، وسيأْتي في «ق ب ل».
والقَصّارُ، والمُقَصِّر، كشَدّادٍ ومُحَدِّث: مُحَوِّرُ الثِّيَاب ومُبَيِّضُها، لأَنّه يَدُقُّها بالقَصَرَة التي هي القطْعَةُ من الخَشَب، وهي من خَشَب العُنّاب، لأَنّه لا نَارَ فيه، كما قَالُوا، وحِرْفَتُه القِصَارَة، بالكَسْر على القياسِ. وقَصَرَ الثوبَ قِصَارَةً، عن سيبويه، وقَصَّرَه، كلاهُمَا: حَوَّرَه ودَقَّه. وَخَشَبَتُه المِقْصَرَة، كمِكْنَسةٍ، والقَصَرَةُ، مُحرَّكَةً، أَيضًا.
والمُقَصِّر: الّذي يُخِسُّ العَطيَّةَ ويُقِلُّهَا.. والتَّقْصيرُ: إِخْساسُ العَطيَّةِ وإِقلالُهَا.
والتَّقْصيرُ: كَيَّةٌ للدَّوَابِّ، واسمُ السِّمَة القِصَارُ، كما تَقَدّم، وهُوَ العِلَاطُ، يقال فيه القَصْرُ والتَّقْصِيرُ، ففي اقْتصارِه على التَّقْصِير نوعٌ من التَّقْصِير، كما لا يَخْفَى على البَصِير.
وهو ابنُ عَمِّي قَصْرَةً ـ ويُضَمّ ـ ومَقْصُورَةً، وقَصِيرَةً، كقولهم: ابنُ عَمِّي دِنْيا ودُنْيا؛ أَي دانِيَ النَّسَب، وكَانَ ابنَ عَمِّه لَحًّا. وقال اللّحْيَانيّ: تُقَالُ هذه الأَحرُف في ابن العَمَّة وابْن الخالة وابن الخال.
وتَقَوْصَرَ الرَّجُلُ: دَخَلَ بَعْضُه في بعضٍ، قال الزمخشريُّ: وهو من القَوْصَرة؛ أَي كَأَنَّهُ صارَ مِثْلَه. وقد تقدّم للمُصَنّف ذِكْرُ تَقَوْصَرَ مع تَقاصَر، تَبَعًا للصغانيّ، وهذا نَصّ عِبَارَتِه: وتَقَوْصَرَ الرَّجُلُ مِثْلُ تَقَاصَر. ولا يَخْفَى أَنّ التَّداخُل غَيْرُ الإِظْهَار. ولو ذَكَرَ المصنّف الكُلَّ في مَحَلٍّ واحِد كانَ أَفْوَد.
والقَوْصَرَّةُ، بالتَّشْدِيدِ وتُخَفَّف: وِعَاءٌ للتَّمْرِ من قَصَبٍ.
وقِيلَ: من البَوَارِيّ. وقَيَّد صاحبُ المُغرِب بأَنَّها قَوْصَرّة ما دام بِهَا التَّمْر، ولا تُسَمَّى زَنْبيلًا في عُرْفهم؛ هكذا نقله شَيْخُنَا. قلتُ: وهو المَفْهُوم من عبارة الجَوْهَريّ قال الأَزهريّ: ويُنْسَبُ إِلى عليٍّ كَرَّم الله وَجِهَه:
أَفْلحَ مَنْ كانَتْ لَهُ قَوْصَرَّهْ *** يَأْكُلُ منها كُلَّ يوْمٍ تَمْرَهْ
وقال ابنُ دُرَيْدٍ في الجَمْهَرة: لَا أَحْسَبُه عَرَبيًّا، ولا أَدْري صحَّةَ هذا البَيْت. والقَوْصَرّةُ: كنَايَةٌ عن المرْأَة، قال ابنُ الأَعْرَابيّ: والعَرَبُ تَكْنِي عن المَرْأَة بالقَارُورَة والقَوْصَرَّة. قال ابنُ بَرّيّ في شرح البَيْت السابق: وهذا الرَّجَزُ يُنْسب إِلى عليّ رضي الله عنه، وقالوا: أَرادَ بالقَوْصَرَّةِ المَرْأَةَ، وبالأَكْلِ النِّكَاحَ. قال ابنُ بَرّيّ: وذكر الجوهريّ أَنَّ القَوْصَرَّةَ قد تُخفَّفُ، ولم يَذْكُر عليه شاهِدًا.
قال وذَكَرَ بعضُهم أَنّ شاهِدَه قولُ أَبِي يَعْلَى المُهَلَّبِيّ:
وسائِلِ الأَعْلَمَ بنَ قَوْصَرَةِ *** مَتَى رَأَى بِي عن العُلَا قصرَا
وقَيْصَرُ: لَقَبُ مَنْ مَلَكَ الرُّومَ، ككِسْرَى لَقَبُ مَنْ مَلَك فارِسَ، والنَّجَاشِيّ مَنْ مَلَك الحَبَشَة.
والأُقَيْصِر، كأُحَيْمِر: صَنَمٌ كان يُعْبَدُ في الجاهِلِيَّة، وأَنشد ابنُ الأَعرابيّ:
وأَنْصَابُ الأُقَيْصِرِ حِينَ أَضْحَتْ *** تَسِيلُ على مَنَاكِبها الدِّمَاءُ
وابنُ أُقَيْصِر: رجلٌ كان بَصِيرًا بالخيْلِ وسِيَاسَتِه ومَعْرِفَةِ أَمَارَاتِه.
وقاصِرُونَ: موضع، وفي النَّصْبِ والخَفْضِ: قاصِرِينَ، وهو من قَرَى بالِسَ.
ويُقَال: قَصْرُك أَنْ تَفْعَلَ كذا، بالفَتْح، وقَصَارُك ـ ويُضمّ ـ وقُصَيْرَاكَ، مُصَغَّرًا مَقْصُورًا، وقُصَارَاكَ، بضمّهما؛ أَي جُهْدُك وغايَتُك وآخِرُ أَمرِكَ وما اقْتَصَرْت عليه.
قال الشاعر:
إِنّمَا أَنْفُسُنا عارِيَّةٌ *** والعَوَارِيُّ قُصَارٌ أَنْ تُرَدّ
ويُقَالُ: المُتَمَنِّي قُصَارَاهُ الخَيْبَةُ. ورُوِيَ عن عليّ رضي الله عنه أَنه كتب إِلى مُعَاوِيَةَ: «غَرَّك عِزُّك، فَصَارَ قَصَارُ ذلِكَ ذُلَّك، فاخْشَ فاحِشَ فِعْلِك، فعَلَّك تَهْدَا بهذا». وهي رسالة تَصْحِيفِيّةٌ غريبةٌ في بابها، وتقدّم جَوابُهَا في «ق بلد ر» فراجِعه. وأَنشد أَبو زَيْد:
عِشْ ما بَدا لَكَ قَصْرُك المَوْتُ *** لا مَعْقِلٌ منه ولا فَوْتُ
بَيْنَا غِنَى بَيْتٍ وبَهْجَتِه *** زالَ الغِنَى وتَقوَّضَ البيتُ
قال: القَصْرُ: الغايَةُ، وكذلك القَصَارُ، وهو من مَعْنَى القَصْرِ بمعنَى الحَبْسِ، لأَنّك إِذا بَلَغْتَ الغَايَةَ حَبَسَتْك.
وأَقْصَرَتِ المَرْأَةُ: وَلَدَتْ أَوْلَادًا قِصَارًا وأَطالَتْ، إِذا وَلَدَتْ طِوَالًا. وأَقَصَرَتِ النَّعْجَةُ أَو المعزُ: أَسَنَّتْ، ونصُّ يَعْقُوبَ في الإِصْلاحِ: وأَقْصَرَتِ النَّعْجَةُ والمَعزُ: أَسَنَّتَا حَتَّى تَقْصُرَ أَطرافُ أَسْنَانِهِمَا، فهي مُقْصِرٌ، ونصّ ابن القَطّاع في التَّهْذِيب: وأَقْصَرَت البَهِيمَةُ: كَبِرَتْ حتَّى قَصُرَت أَسْنَانُهَا.
ويُقَال: إِنَّ الطَوِيلَةَ قد تُقْصِرُ، والقَصِيرَةَ قد تُطِيلُ. وقولُ الجوهريِّ «في الحديث» وَهَمٌ، فإِنّه ليس بحديثٍ بَلْ هو من كَلامِ الناسِ، كما حَقَّقه الصاغاني وتَبِعَه المُصَنِّف.
ويُقَالُ: هو جارِي مُقَاصرِي: أَي قَصْرُه بحِذاءِ قَصْرِي، وأَنشد ابن الأَعرابيّ:
لِتَذْهَبْ إِلى أَقْصَى مُباعَدَةٍ جَسْرُ *** فما بِي إِلَيْهَا من مُقَاصَرَةٍ فَقْرُ
يقولُ: لا حَاجَةَ لي في مُجاوَرَتِهم. وجَسْرٌ من مُحَارِب.
والقُصَيْر، كزُبَيْرٍ: د، بساحلِ بحرِ اليَمَنِ من بَرِّ مِصْرَ وهو أَحَدُ الثُّغُورِ التّسْعَة بالدِيَارِ المِصْرِيَّة.
والقُصَيْرُ: قرية، بدِمَشْقَ على فَرْسَخ منها.
والقُصَيْرُ: قرية، بظاهِرِ الجَنَدِ باليَمَن.
والقُصَيْرُ: جَزِيرَةٌ صغيرةٌ عالِيَة قُرْبَ جزيرةِ هِنْكَامَ، قال الصّاغانيّ: ذُكِر لي أَنّ بها مَقَام الأَبْدَالِ والأَبْرَارِ. قال شَيْخُنَا: ولم يَذْكُر جَزِيرَةَ هَنْكَام في هذا الكتَاب، فهو إِحَالَةٌ على مَجْهُولٍ، والمُصنّف يَصْنَعه أَحْيَانًا.
وقَصْرَانِ: ناحِيَتَانِ بالرَّيِّ، نقله الصاغَاني.
والقَصْرَانِ: دارانِ بالقَاهِرَة مَعْرُوفَتَانِ، وخِطّهُما مشهورٌ، وهُمَا من بِنَاءِ الفَوَاطِم مُلُوك مِصْرَ العُبَيْدِيِّين، وحَدِيثُهُمَا في الخِطَطِ للمقْرِيزيّ.
وتَقَصَّرْتُ به: تَعَلَّلْتُ، قالَهُ الزَّمَخْشَرِيّ في الأَسَاس.
وقُصَائِرِةُ، بالضَّمّ: جَبَلٌ.
ويُقَال: فُلانٌ قَصِيرُ النَّسَبِ: أَبُوه مَعْرُوفٌ، إِذا ذَكَرَه الابنُ كَفَاهُ عن الانْتِمَاءِ إِلى الجَدِّ الأَبْعَدِ، وهِيَ بهاءٍ، قال رؤْبَة:
قدْ رَفَعَ العَجّاجُ ذِكْرِي فادْعُنِي *** باسْمٍ إِذا الأَنْسابُ طالَتْ يَكْفِنِي
ودَخَل رُؤْبَةُ عَلى النَّسَّابَة البَكْرِيّ، فقال: مَنْ أَنْتَ؟
رؤْبَةُ بنُ العَجّاج. قال: قُصِرْتَ وعُرِفْتَ. وأَنشدَ ابنُ دُرَيْد:
أُحِبُّ مِنَ النِّسْوانِ كُلَّ قَصِيرَةٍ *** لَها نَسبٌ في الصالِحِين قَصِيرُ
مَعْنَاهُ أَنّهُ يَهْوَى من النّساءِ كُلَّ مَقْصُورَة تَغْنَى بنَسَبِهَا إِلى أَبِيها عن نَسَبِهَا إِلى جَدِّهَا. وقال الطائيّ:
أَنْتُمْ بَنُو النَّسَبِ القَصِيرِ وطولُكُم *** بادٍ عَلَى الكُبَراءِ والأَشْرَافِ
قال شيخُنَا: وهو مِمّا يُتمادَحُ به ويُفْتَخَر، وهو أَنْ يُقَالَ: أَنا فلانٌ، فيُعْرَف، وتلك صِفَةُ الأَشْرَاف، ومن لَيْس بشَرِيفٍ لا يُعْلَم، ولا يُعْرَف حتَّى يَأْتِيَ بنَسَبٍ طَوِيلٍ يبلُغ به رَأْسَ القَبِيلَة.
وقال أُسيْدٌ: قُصَارَةُ الأَرْضِ، بالضَّمّ: طائفةٌ قَصِيرَة منها، وهي أَسْمَنُهَا أَرْضًا، وأَجْوَدُهَا نَبْتًا، قَدْرَ خَمْسِينَ ذِرَاعًا أَو أَكْثَرَ، هكذا نقله صاحبُ اللّسان والتكملة، وهو قَوْلُ أُسَيْد، وله بَقِيّة، تَقدَّم في قُصَارَة الدّارِ، ولو جَمَعَهُمَا بالذِّكْر كان أَصْوَبَ.
ورَوَى أَبو عُبَيْدٍ حديثًا عن النبيّ صلى الله عليهوسلم في المُزارَعة «أَنّ أَحَدَهُمْ كان يَشترِطُ ثَلاثَةَ جَدَاوِلَ والقُصَارَةَ»، وفَسَّرَه فقال: هو ما بَقِيَ في السُّنْبُلِ من الحَبِّ مِمَّا لا يَتَخلَّصُ بَعْدَ ما يُدَاسُ فنَهَى النبيّ صلى الله عليهوسلم عن ذلك. كالقِصْرِيّ، كهِنْديّ، قاله أَبو عُبَيْد، وقال: هو بِلُغَة الشَّأْم. قال الأَزهريّ: هكذا أَقْرَأَنِيهِ ابنُ هاچك عن ابْن جَبَلَةَ عن أَبِي عُبَيْدٍ، بكسر القَاف، وسُكُونِ الصادِ، وكَسْرِ الرَّاءِ، وتَشْدَيد الياءِ.
قال: وقال عُثْمَانُ بنُ سَعِيدٍ: سمِعتُ أَحْمَدَ بنَ صالِح يقولُ: إِذا دِيسَ الزَّرْعُ فغُرْبِلَ، فالسَّنابِلُ الغَلِيظَةُ هي القُصَرَّى، على فُعَلَّى.
وقال اللَّيْث: القَصَرُ: كَعابِرُ الزَّرْعِ الذي يَخْلُصُ من البُرِّ وفيه بَقِيَّةٌ من الحَبّ يُقال له القِصْرَى، على فِعْلى.
وفي المَثَل: «قَصِيرَةٌ من طَوِيلَةٍ»: أَي تَمْرَةٌ من نَخْلَة، هكذا فَسَّرَه ابنُ الأَعْرَابِيّ، وقال: يُضْرَبُ في اخْتِصَارِ الكلام.
وقَصِيرُ بنُ سَعْدٍ اللَّخْمِيّ: صاحِبُ جَذِيمَةَ الأَبْرَشِ، ومنه المَثل: «لا يُطَاعُ لقَصِيرٍ أَمرٌ».
وفَرَسٌ قَصِيرٌ؛ أَي مُقْرَبَةٌ، كمُكْرَمَة، لا تُتْرَكُ أَنْ تَرُودَ لِنَفاسَتِهَا. قال زُغْبَةُ الباهِلِيّ يَصِفُ فَرَسَه وأَنّهَا تُصَانُ لِكَرَامتِهَا وتُبْذَل إِذا نَزَلَتْ شِدَّةٌ:
وذاتِ مَنَاسِبٍ جَرْدَاءَ بِكْرٍ *** كَأَنّ سَرَاتَها كَرٌّ مَشِيقُ
تُنِيفُ بصَلْهَبٍ للخَيْلِ عالٍ *** كأَنَّ عَمُودَه جِذْعٌ سَحُوقُ
تَراهَا عند قُبَّتِنَا قَصِيرًا *** ونَبْذُلُها إِذا باقت بَؤُوقُ
والبَوؤُوق: الدّاهيَةُ. ويقالُ للمَحْبُوسةِ من الخَيْل: قَصِيرٌ.
وامرأَةٌ قاصِرَةُ الطَّرْفِ: لا تَمُدُّهُ؛ أَي طَرْفَها، إِلى غَيْرِ بَعْلِها. وقال الفَرَّاء في قولهِ تعالى: {وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ} قال: حُورٌ قَصرْنَ أَنْفُسَهُنَّ على أَزْوَاجِهِنَّ فلا يَطْمَحْنَ إِلى غَيْرِهم. ومنه قولُ امرِئ القيس:
منَ القَاصِرَاتِ الطَّرْفِ لَوْدَبَّ مُحْوِلٌ *** مِنَ الذَّرِّ فَوْقَ الإِتْبِ مِنْهَا لأَثَّرَا
وفي حديث سُبَيْعَة: «نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ القُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى»، تريد سُورَة الطَّلاقِ، والطُّولَى: سُورةُ البَقَرَة، لأَنّ عِدَّةَ الوَفاةِ في البَقَرة أَرْبَعةُ أَشْهُر وعَشْر، وفي سُورة الطَّلاقِ وَضْعُ الحَمْلِ، وهو قوله عزّ وجلّ: {وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
أَقْصَرَ الخُطْبَة: جاءَ بها قَصِيرَةً.
وقَصَّرْتُه تَقْصِيرًا: صَيَّرْتُه قَصِيرًا.
وقالُوا: «لا وقائتِ نَفَسِي القَصِير» يَعْنُونَ النَّفَسَ لقِصرِ وقْتِه، والقَائِتُ هنا: هو الله عَزَّ وجَلَّ، من القَوْتِ.
وقَصَّرَ الشَّعَرَ تَقْصِيرًا: جَزَّه.
وإِنَّهُ لَقَصِيرُ العِلْمِ، على المَثَل.
والمَقْصُورُ من عَرُوضِ المَدِيدِ والرَّمَل: ما أُسْقِطَ آخِرُه وأُسكِنَ، نحوَ فاعِلاتُن حُذِفَتْ نُونُه وأُسْكِنَتْ تاؤُه فبَقِيَ فاعِلاتْ، فَنُقِلَ إِلى فاعِلانْ، نحو قوله:
لا يَغُرَّنَّ امْرَأً عَيْشُه *** كُلُّ عَيْشٍ صائِرٌ للزَّوالْ
وقولُه في الرَّمَل:
أَبْلَغ النُّعْمَانَ عَنّي مَأْلُكًا *** أَنَّنِي قَدْ طالَ حَبْسِي وانْتِظَارْ
والأَحَادِيثُ القِصَارُ: الجامِعَةُ المُفِيدَة. قال ابنُ المُعْتَزّ:
بَيْنَ أَقْدَاحِهم حَدِيثٌ قَصِيرٌ *** هُوَ سِحْرٌ وما سواهُ كَلامُ
وقولُه أَيضًا:
إِذا حَدَّثْتَنِي فَاكْسُ الحَدِيثَ ال *** ذِي حَدَّثْتَنِي ثَوْبَ اخْتِصَارْ
فما حُثَّ النَّبِيذُ بمِثْلِ صَوْتِ الْ *** أْغانِي والأَحَاديثِ القِصَارْ
هكذا أَنشدَهُ شَيْخُنَا رحمه الله تعالَى. قلتُ: ومثلُه قولُ ابنِ مُقْبِل:
نازَعْتُ أَلْبابَها لُبِّي بمُقْتَصِرٍ *** من الأَحادِيثِ حَتَّى زِدْنَنِي لِينَا
أَراد بقَصِيرٍ من الأَحادِيثِ.
والقُصْرَى، كبُشْرَى: آخِرُ الأَمرِ؛ نقله الصاغانيّ.
والقَصْرُ: كَفُّك نَفْسَك عن أَمرٍ، وَكَفُّكَها عن أَنْ يَطْمَحَ بها غَرْبُ الطَّمَعِ.
وقال المازِنيُّ: لستُ وإِنْ لُمْتَنِي حتّى تُقْصِرَ بِي بمُقْصِرٍ عَمّا أُرِيد.
والقُصُور: التَّقْصِير، قال حُمَيْد:
فلئنْ بَلَغْتُ لأَبْلُغَنْ مُتَكَلِّفًا *** ولئن قَصَرْتُ لَكَارِهًا ما أَقْصُرُ
والاقْتِصَارُ على الشَّيْءِ: الاكْتِفَاءُ به.
واسْتَقْصَرَهُ: عَدَّه مُقَصِّرًا، وكذلك إِذَا عَدَّه قَصِيرًا، كاسْتَصْغَرَه.
وتَقاصَرَتْ نَفْسُه: تَضَاءَلتْ. وتَقاصَرَ الظِّلُّ: دَنَا وقَلَصَ.
وظِلٌّ قاصِرٌ، وهو مَجاز.
والمَقْصَر، كمَقْعَدٍ: اخْتِلاطُ الظَّلامِ؛ عن أَبِي عُبَيْدٍ، والجمعُ المَقَاصِرُ. وقال خالِدُ بن جَنبَة: المَقَاصِرُ: أُصُولُ الشَّجَرِ، الوَاحِدُ مَقْصُورٌ. وأَنشد لِابْنِ مُقْبَل يَصِفُ ناقَتَه:
فبَعَثْتُها تَقِصُ المَقَاصِرَ بعدَ مَا *** كَرَبَتْ حَيَاةُ النارِ للمُتَنَوِّرِ
وتَقِصُ: من وَقَصْتُ الشَّيءَ، إِذا كَسَرْتَه؛ أَي تَدُقُّ وتَكْسِرُ.
ورَضِيَ بمَقْصرٍ من الأَمر، بفتح الصاد وكسرها: أَي بدُونِ ما كانَ يَطْلُبُ.
وقَصَرَ سَهْمُه عن الهَدَفِ قُصُورًا: خَبَا فلم يَنْتِهِ إِليه.
وقَصَرْتُ لهُ من قَيْدِه أَقْصُرُ قَصْرًا: قارَبْتُ. والمَقْصُورَةُ: ناقَةٌ يَشْرَبُ لَبَنَهَا العِيَالُ. قال أَبو ذُؤَيْب:
قَصَرَ الصَّبُوحَ لَهَا فَشَرَّجَ لَحْمَهَا *** بالنِّيِّ فَهْيَ تَتُوخُ فِيهِ الإِصْبَعُ
ويقال: قَصَرْتُ الدارَ قَصْرًا: إِذا حَصَّنْتَهَا بالحِيطانِ.
قَصَرَ الجارِيَةَ بالحِجَابِ: صانَهَا، وكذلك الفَرَس.
وقَصَرَ البَصَرَ: صَرَفَه.
وقَصَرَ الرَّجلَ عنِ الأَمْرِ: وَقَفه دونَ ما أَرادَه.
وقَصَرَ لِجامَ الدَّابَّةِ: دَقَّه؛ قاله ابنُ القَطّاع.
وقَصَرْتُ السِّتْرَ: أَرْخَيْتُه. قال حاتِمٌ:
ومَا تَشْتَكِيني جارَتِي غَيْرَ أَنَّنِي *** إِذا غابَ عنها زَوْجُهَا لا أَزُورُهَا
سيَبْلُغُها خَيْرِي ويَرْجعُ بَعْلُهَا *** إِلَيْهَا ولم تُقْصَرْ عَلَيَّ ستُورُهَا
هكذا أَنشده الزمخشريّ في الأساس، والمصَنِّف في البَصَائِر.
والقَصْر: القَهْر والغَلَبَة، لغة في القَسْرِ، بالسّين، وهمَا يَتبادَلان في كثير من الكلام. وقال الفرّاءُ: امرَأَةٌ مَقْصورَةُ الخَطْوِ، شُبِّهَتْ بالمقَيَّدِ الّذِي قَصَرَ القَيْدُ خَطْوَه، ويقَال لها: قَصِيرُ الخُطَا، وأَنشد:
قَصِيرُ الخُطَا ما تَقْرُبُ الجِيرَةَ القُصَا *** ولا الأَنَسَ الأَدْنَيْنَ إِلا تَجَشُّمَا
وقال أَبو زَيْدٍ: يُقَال: أَبْلِغ هذا الكَلَامَ بَنِي فُلانٍ قصْرَةً، ومَقْصُورَةً: أَي دُونَ النَّاسِ.
واقْتَصَرَ عَلَى الأَمْرِ: لَمْ يُجَاوِزْه.
وعن ابنِ الأَعْرَابِيّ: كَلاءٌ قاصِرٌ: بَيْنَه وَبَيْنَ الماءِ نَبْحَةُ كَلْب.
والقَصَرُ، محرَّكَةً: القَصَلُ، وهو أَصْلُ التِّبْنِ؛ قالهُ أَبو عَمْرو. وقال اللّحْيَانيّ: يقَال: نُقِّيَتْ من قَصَرِه وقَصَلِه؛ أَي من قُمَاشِه.
والقُصَيْراةُ: مَا يَبْقَى في السُّنْبُلِ بَعْدَمَا يُدَاسُ؛ هكذا في اللِّسَان.
وقَال أَبو زَيْدٍ: قَصَرَ فلانٌ يَقْصُرُ قَصْرًا، إِذا ضَمَّ شيئًا إِلى أَصْله الأَوّلِ. قال المُصَنّف في البَصَائِر: ومنه سُمِّيَ القَصْرُ.
وقَصَرَ فلانٌ صَلَاتَهُ يَقْصُرُها قَصْرًا في السَّفَر، وأَقْصَرَهَا، وقَصَّرَها، كلُّ ذلك جائزٌ، والثانِيَةُ شاذَّة.
وقَصَرَ العَشِيُّ يَقْصُرُ قُصُورًا، إِذا أَمْسَيْتَ. قال العجّاج:
حَتَّى إِذَا مَا قَصَرَ العَشِيُّ
ويُقَال: أَتَيْتُه قَصْرًا؛ أَي عَشِيًّا. وقال كُثَيّرُ عَزَةَ:
كأَنَّهُمُ قَصْرًا مَصَابِيحُ راهِبٍ *** بِمَوْزَنَ رَوَّى بالسَّلِيطِ ذُبَا لَهَا
هُمُ أَهلُ أَلْوَاحِ السَّرِيرِ ويَمْنِه *** قَرَابِينُ أَرْدافًا لها وشِمَالَهَا
وجاءَ فلانٌ مُقْصِرًا: حِينَ قَصَرَ العَشِيُّ؛ أَي كادَ يَدْنُو من الَّليْل. وقَصْرُ المَجْدِ: مَعْدِنُه. قال عَمْرُو بنُ كُلْثُومٍ:
أَباحَ لنا قُصُورَ المَجْدِ دِينَا
وقال ابنُ بَرّيّ: قال ابنُ حمْزَةَ: أَهلُ البَصْرة يُسَمُّون المَنْبُوذَ ابنَ قَوْصَرَةَ، بالتَّخْفيف، وُجِدَ في قَوْصَرَةٍ أَو في غَيْرهَا.
وقَيْصَرَانُ، في قَوْل الفَرَزْدَقِ:
عَلَيْهِنّ رَاحُولاتُ كُلِّ قَطِيفَةٍ *** مِنَ الشَأْمِ أَوْ مِنْ قَيْصَرَانَ عِلَامُهَا
ضَرْبٌ من الثِّيَابِ المَوْشِيَّة. وقيل: أَرادَ من بِلادِ قَيْصَرَ، قاله الصاغانيّ. وقَصَرْتُ طَرْفِي: لم أَرْفَعْهُ إِلى ما لا يَنْبَغِي.
وقَصَّرَ عن مَنْزِلهِ، وقَصَّرَ به أَمَلُه. قال عَنْتَرَةُ:
أَمّلْتُ خَيْرَك هَلْ تَأْتِي مَواعِدُهُ *** فاليَوْمَ قَصَّرَ عَنْ تِلْقَائِكَ الأَمَلُ
وقَصَّرَتْ بِكَ نفْسُك، إِذا طَلَبَ القَلِيلَ والحَظَّ الخَسِيسَ.
واقْتَصَرْتُه ثم تَعَقَّلْتُه؛ أَي قَبَضْتُ بقَصَرتِه ثمّ رَكِبْتُه ثانيًا رِجْلِي أَمامَ الرَّحلِ.
وقَصَّرْتُ نَهارِي بِهِ. وعِنْدَه قُوَيْصِرَّةٌ من تَمْر بالتَّشْدِيد والتَّخْفِيف: تصغيرُ قَوْصَرّة.
وهو قَصيرُ اليَدِ، ولَهُم أَيْدٍ قِصَارٌ: وهو مَجاز. وأَقْصَرَ المَطَرُ: أَقْلَعَ. قال امرُؤ القَيْس:
سَمَالَكَ شَوْقٌ بَعْدَ ما كانَ أَقْصَرَا
ومُنْيَةُ القَصْرِيّ: قَرْيَتَان بمِصْرَ من السَّمَنُّودِيَّة والمُنُوفِيّة.
والقُصَيْر، وكَوْمُ قَيْصَر: قَرْيَتان بالشَّرْقِيّة.
وفيها أَيْضًا مُنْيَةُ قَيْصَر.
وأَمّا تَلْبَنْت قَيْصَر ففي الغَرْبِيّة.
وقَصْرانُ، بالفَتْح: مَدِينَة بالسِّنْد.
ووَادِي القُصُورِ: في دِيَارِ هُذَيْل، قال صَخْرُ الغَيِّ يصف سحابًا:
فأَصْبَحَ مَا بَيْنَ وَادِي القُصُو *** رِ حَتَّى يَلَمْلَمَ حَوْضًا ثقِيفَا
وقاصِرِينُ: من قُرَى بالِسَ.
وحِصْنُ القَصْرِ: في شَرْقِيّ الأَنْدَلُس.
وقُصُورُ: بلدةٌ باليَمَن، منها عبدُ العَزِيزِ بنُ أَحْمَدَ القُصُورِيُّ، لَقِيَه البُرْهَانُ البِقَاعِيُّ في إِحَدى قُرَى الطائفِ، وكَتَبَ عنه شِعْرًا.
والأَقْصُرَيْنِ، مُثَنَّى الأَقْصُر: مدينةٌ من أَعْمَالِ قُوص.
ومنها الوَلِيُّ المَشْهُورُ أَبُو الحَجّاجِ يُوسُفُ بنُ عبدِ الرَّحِيم بنِ عَرِبيٍّ القُرَشِيُّ المَهْدَوِيُّ، نزيلُ الأَقْصُرَيْن ودَفِينُهَا، وحَفِيدُه الشيخُ المُعَمَّرُ شَمْس الدِّين أَبو عَلِيٍّ محَمّد بنُ محمّدِ بنِ محمَّدِ بنِ يوسفَ، لبِسْنَا من طَرِيقهِ الخَرْقَةَ المَدينيّة.
والقَصِير، كأَمِير: لَقَب رَبِيعَةَ بنِ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيّ من أَعْيَان التَّابِعِين.
ومحمّد بنُ الحَسَنِ بنِ قَصِيرٍ: شَيْخٌ لابْنِ عَدِيّ.
وبالتَّصْغِيرِ والتَّثْقِيل: أَبو المَعَالِي محمّد بنُ عليِّ بنِ عبدِ المحْسِنِ الدِّمَشْقِيّ القُصَيِّر، رَوَى عن سَهْلِ بنِ بِشْرٍ الإِسْفَراينيّ.
والقُصَيْر، كزُبَيْرٍ: قريةٌ بلِحْفِ جَبَلِ الطَّيْرِ بالصَّعِيد.
والمَقَاصِرَةُ: قَبِيلةٌ باليَمَن.
وككَتّانٍ: لقب الإِمامِ المحَدّثِ النَّسَّابَةِ أَبِي عَبدِ لله محمدِ بنِ القاسِمِ الغَرْنَاطِيّ الشهير بالقَصّار، حَدَّثَ عن محمّدِ بنِ خَروفٍ التُّونُسِيّ، وأَبِي عبدِ الله البُسْتِيّ، والخَطِيبِ أَبي عبد الله بنِ جَلالٍ التِّلِمْسَانِيّ، ورِضْوَانَ الجَنَوِيِّ، وأَبِي العَبّاسِ النّسوِليّ، والبَدْرِ القَرَافِيّ، ويْحيَى الحَطّاب، وأَبي القَاسِمِ الفيحمجيّ، وأَبي العَبّاس الركالِيّ، وغيرِهم، وعَنْهُ الإِمام أَبو زَيْد الفاسيُّ، وأَبو العَبّاسِ بنُ القَاضِي، وغَيْرُهم.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
47-تاج العروس (شرط)
[شرط]: الشَّرْطُ: إِلْزَامُ الشَّيْءِ والْتِزَامُه في البَيْع ونحوِه، كالشَّرِيطَةِ، ج: شُرُوطٌ وشَرَائطٌ.وفي الحَدِيث: «لا يَجُوز شَرْطانِ في بيْعٍ» هو كقَوْلِكَ: بِعْتُكَ هذا الثَّوْب نَقْدًا بدِينَارٍ، ونَسِيئَةً بدِينارَيْنِ، وهو كالبَيْعيْنِ في بَيْعةٍ، ولا فَرْقَ عند أَكْثَرِ الفُقَهَاءِ في عَقْدِ البَيْعِ بينَ شَرْطٍ وَاحِدٍ أَو شَرْطَيْنِ، وفَرَّقَ بينَهُما أَحْمَدُ عَمَلًا بظَاهِرِ الحَدِيثِ ومنه الحدِيثُ الآخَرُ: «نُهِيَ عن بَيْعٍ وشَرْطٍ» هو أَنْ يكونَ مُلازِمًا في العَقْدِ لا قَبْلَه ولا بعْدَه، ومنه حَدِيثُ بَرِيرَةَ: «شَرْطُ اللهِ أَحَقُّ» تريد ما أَظْهَرَه وبَيَّنَه من حُكْمِ الله بقوله: «الولاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». وفي المَثَلِ: «الشَّرْطُ أَمْلَكُ، عليك، أَم لك» قال الصّاغَانِيُّ: ويُضْرَب في حِفْظ الشَّرْطِ يَجْرِي بينَ الإِخْوَان.
والشَّرْطُ: بَزْغُ الحَجّامِ بالمِشْرَطِ، يَشْرِطُ ويَشْرُطُ، فِيهما، ويُقَال: رُبَّ شَرْطِ شَارِط، أَوْجَعُ من شَرْطِ شَارِط.
والشَّرْطُ: الدُّونُ اللَّئِيمُ السافِلُ، مُقْتَضَى سِيَاقِه أَنَّه بالفَتْحِ، والصّوابُ أَنَّه بالتَّحْرِيكِ، قالَ الكُمَيْتُ:
وَجَدْتُ النَّاسَ غَيْرَ ابْنَيْ نِزَارٍ *** ولم أَذْمُمْهُمُ شَرْطًا ودُونَا
ويُرْوَى: شَرَطًا: بالتَّحْرِيكِ، كما هو في الصّحاحِ.
وشَرَطُ النّاسِ: خُشَارَتُهم وخُمَّانهُم، ج: أَشْرَاطٌ، وهم الأَرْذالُ.
والشَّرَطُ، بالتَّحْرِيكِ: العَلامَةُ التي يَجْعَلُهَا النّاسُ بينهم، ج: أَشْرَاطٌ، أَيْضًا.
وأَشْرَاطُ السّاعةِ: عَلَاماتُهَا، وهو مِنْهُ، وفي الكِتَابِ العَزِيز: {فَقَدْ جاءَ} أَشْراطُها.
والشَّرَطُ: كُلُّ مَسِيلٍ صَغِيرٍ يَجِيءُ من قَدْرِ عَشْر أَذْرُعٍ، مِثْل شَرَطِ المالِ، وهو رُذَالُهَا، قالَهُ أَبو حَنِيفَةَ. وقِيل الأَشْرَاطُ: ما سَالَ من الأَسْلاقِ في الشِّعَابِ.
والشَّرَطُ: أَوَّلُ الشَّيْءِ. قال بَعْضُهُمْ: ومنه أَشْرَاطُ السّاعَةِ، والاشْتِقَاقانِ مُتَقَارِبَانِ؛ لأَنَّ عَلامةَ الشَّيْءِ أَوَّلُه.
والشَّرَطُ: رُذَالُ المالِ كالدَّبِر والهَزِيلِ وصِغَارُهَا، وشِرَارُهَا، قاله أَبُو عُبَيْدٍ، الوَاحِدُ والجَمْعُ والمُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ في ذلِكَ سَواءٌ، قال جَرِيرٌ:
تُسَاقُ من المِعْزَى مُهُور نِسَائِهمْ *** ومِنْ شَرَطِ المِعْزَى لَهُنَّ مُهُورُ
وفي حَدِيثِ الزَّكَاةِ: «ولا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ» أَي رُذَالَ المالِ، وقِيلَ صِغاره وشِرَاره، وشَرَطُ الإِبِل: حَوَاشِيها وصِغَارُها، وَاحِدُها شَرَطٌ، أَيْضًا، يُقَال: ناقَةٌ شَرَطٌ، وإِبِلٌ شَرَطٌ.
والأَشْرَافُ: أَشْرَاطٌ أَيضًا، قال يَعْقُوبُ: هو ضِدٌّ يَقَعُ على الأَشْرافِ والأَرْذالِ. وفي الصّحاحِ: وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابيّ:
أَشارِيطُ من أَشْرَاطِ أَشْرَاطِ طَيِّئٍ *** وكانَ أَبوهُمْ أَشْرَطًا وابْن أَشْرَطَا
والشَّرَطانِ، مُحَرَّكةً: نَجْمَانِ من الحَمَلِ، وهُمَا قَرْناهُ، وإِلى جَانِبِ الشَّمالِيّ منهما كَوْكَبٌ صَغِيرٌ، ومِنْهُمْ؛ أَي من العَرَبِ مَنْ يَعُدُّه مَعَهُمَا، فيقولُ: هو؛ أَي هذا المَنْزِلُ ثَلاثةُ كَوَاكِبَ، ويُسَمِّيها الأَشْرَاطَ، هذا نصُّ الجَوْهَرِيِّ بعَيْنهِ.
وقال الزَّمَخْشَرِيُّ وابنُ سِيدَه: هُمَا أَوّل نَجْم من الرَّبِيع، ومِنْ ذلِكَ صار أَوائلُ كلِّ أَمْرٍ يَقَعُ أَشْرَاطَهُ، وقالَ العَجّاجُ:
أَلْجَأَهُ رَعْدٌ من الأَشْرَاطِ *** ورَيِّقُ اللَّيْلِ إِلى أُرَاطِ
والنِّسْبَة إِلى الأَشْراطِ أَشْراطِيٌّ، لأَنَّه قد غَلَبَ عليها فصارَ كالشَّيْءِ الوَاحِدِ، قال العَجّاجُ أَيْضًا:
مِنْ باكِرِ الأَشْرَاطِ أَشْرَاطيُّ *** من الثُّرَيَّا انْقَضَّ أَوْ دَلْوِيُّ
وقال رُؤْبَةُ:
لنا سِرَاجَا كُلِّ لَيْلٍ غَاطِ *** ورَاجِسَاتُ النَّجْمِ والأَشْراطِ
وقال الكُمَيْتُ:
هَاجَتْ عليه من الأَشْرَاطِ نَافِجَةٌ *** بفَلْتَةٍ بَيْنَ إِظْلامٍ وإِسْفَارِ
وشاهد المُثَنَّى قولُ الخَنْسَاءِ:
ما رَوْضَةٌ خَضْرَاءُ غَضٌّ نَبَاتُهَا *** تَضَمَّنَ رَيّاهَالها الشَّرَطَانِ
وأَشْرَطَ طائفةً من إِبلِه وغَنَمِه: عَزَلَها وأَعْلَمَ أَنَّهَا لِلْبَيْعِ، وفي الصّحاح: أَشْرَطَ مِنْ إِبلِهِ وغَنَمه، إِذا أَعَدَّ مِنْهَا شَيْئًا للبَيْع.
وأَشْرَطَ إِليهِ الرَّسُولَ: أَعْجَلَه وقَدَّمَه، يُقَال: أَفْرَطَه وأَشْرَطَه، من الأَشْرَاطِ الَّتِي هي أَوائِلُ الأَشْيَاءِ، كأَنَّهُ من قَوْلِك: فارِطٌ، وهو السّابِق.
وأَشْرَط فُلانٌ نَفْسَه لِكَذَا من الأَمْرِ؛ أَي أَعْلَمَها له وأَعَدَّها، ومن ذلِكَ أَشْرَطَ الشُّجاعُ نَفْسَه: أَعْلَمَها لِلْمَوْت، قال أَوْسُ بنُ حَجَرٍ:
وأَشْرَطَ فيها نَفْسَه وهو مُعْصِمٌ *** وأَلْقَى بأَسْبَابٍ له وتَوَكَّلَا
والشُّرْطَةُ بالضَّمّ: ما اشْتَرَطْتَ، يُقَال: خُذْ شُرْطَتَكَ.
نقله الصاغانيّ.
والشُّرْطَةُ: وَاحِدُ الشُّرَطِ، كصُرَدٍ، وهُمْ أَوَّلُ كَتِيبَةٍ من الجَيْشِ تَشْهَدُ الحَرْبَ وتَتَهَيَّأُ للمَوْتِ، وهم نُخْبَةُ السُّلْطَانِ من الجُنْدِ، ومنه حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ في فَتْحِ قُسْطَنْطِينِيّة: «يَسْتَمِدُّ المُؤْمِنُونَ بَعْضُهم بعضًا فيَلْتَقُون، وتُشْرَطُ شُرْطَةٌ لِلْمَوْتِ لا يَرْجِعُونَ إِلاَّ غالِبِينَ».
وقال أَبُو العِيَالِ الهُذَلِيُّ يَرْثِي ابنَ عَمِّه عَبْدَ بنَ زُهْرَةَ.
فلمْ يُوجَدْ لِشُرْطَتِهمْ *** فَتًى فِيهِمْ وقد نَدِبَوا
فَكُنْتَ فَتَاهُمُ فِيهَا *** إِذا تُدْعَى لها تَثِبُ
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: ومنه صاحِبُ الشُّرْطَة.
والشُّرْطَةُ أَيضًا: طائِفةٌ من أَعْوَانِ الوُلَاةِ، م، معروفةٌ، ومنه الحَدِيثُ: «الشُّرَطُ كِلَابُ النّارِ» وهو شُرطِيُّ أَيْضًا في المُفْرد كتُرْكِيٍّ وجُهَنِيّ؛ أَي بسُكُونِ الرّاءِ وفَتْحِهَا، هكَذا في المُحْكَمِ، وكأَنَّ الأَخِيرَ نُظِرَ إِلى مُفْرَدِهِ شُرَطَة كرُطَبَةٍ، وهي لُغَةٌ قَلِيلَةٌ. وفي الأَساسِ والمِصْبَاح ما يَدُلُّ على أَنّ الصَّوابَ في النَّسَبِ إِلى الشُّرْطَة شُرْطِيٌّ، بالضّمّ وتَسْكِينِ الرّاءِ، رَدًّا عَلى وَاحِدِه، والتَّحْرِيكُ خَطَأٌ، لأَنَّه نَسَبٌ إِلى الشُّرَطِ الَّذِي هو جَمْعٌ. قلتُ: وإِذا جَعَلْنَاهُ مَنْسُوبًا إِلى الشُّرَطَةِ كهُمَزَةٍ، وهي لُغَةٌ قَلِيلةٌ، كما أَشَرْنَا إِليهِ قَرِيبًا أَولَى من أَنْ نَجْعَلَه مَنْسُوبًا إِلى الجَمْعِ، فتَأَمَّل. وإِنَّمَا سُمُّوا بذلِكَ لأَنَّهُمْ أَعْلَمُوا أَنْفُسَهم بعَلاماتٍ يُعْرَفُون بها. قالَه الأَصْمَعِيُّ. وقالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لأَنَّهُم أَعدُّوا [لذلك]. قال ابنُ بَرِّيّ وشاهِدُ الشُرْطِيّ لوَاحِدِ الشُّرَط قَوْلُ الدَّهْناءِ:
واللهِ لَوْلا خَشْيَةُ الأَمِيرِ *** وخَشْيَةُ الشُّرْطِيّ والتٌّؤرورِ
وقال آخَرُ:
أَعُوذُ بالله وبالأَمِيرِ *** من عامِلِ الشُّرْطَةِ والأُتْرُورِ
وشَرِطَ، كسَمِعَ: وَقَعَ في أَمْرٍ عَظِيمٍ. نَقَلَه الصّاغَانِيُّ، كأَنَّه وَقَعَ في شُرُوطٍ مُخْتَلِفَة؛ أَي طُرُقٍ.
والشَّرِيطُ: خُوصٌ مَفْتُولٌ يُشَرَّط، وفي العُبَابِ: يُشْرَجُ به السَّرِيرُ ونَحْوُه، فإِن كانَ من لِيفٍ فهو دِسَارٌ، وقِيلَ: هُوَ الحَبْلُ ما كانَ، سُمِّيَ بذلِكَ لأَنَّهُ يُشْرَطُ خُوصُه؛ أَي يُشَقُّ، ثمّ يُفْتَلُ، والجمع: شَرَائِطُ وشُرُطٌ، ومنه قَوْلُ مالِكٍ، رحمَه الله: «لقد هَمَمْتُ أَنْ أُوصِيَ إِذا مِتُّ أَنْ يُشَدَّ كِتَافِي بشَرِيطٍ، ثُمّ يُنْطَلَقَ بِي إِلى رَبِّي، كما يُنْطَلَقُ بالعَبْدِ إِلى سَيِّدِه».
وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: الشَّرِيطُ: عَتِيدَةٌ تَضَعُ المَرْأَةُ فيها طِيبهَا وأَدَاتَها.
وقِيلَ: الشَّرِيطُ: العَيْبَةُ، عن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ أَيضًا، وبه فُسِّرَ قولُ عَمْرِو بنِ مَعْدِي كَرِب:
فزَيْنُكِ في شَرِيطِك أُمَّ بَكْرٍ *** وسَابِغَةٌ وذُو النُّونَيْنِ زَيْنِي
يقُول: زَيْنُكِ الطِّيبُ الَّذِي في العَتِيدَة، أَو الثِّيَابُ الَّتِي في العَيْبَةَ، وزَيْنِي أَنا السِّلاحُ، وعَنَى بذِي النُّونَيْنِ السَّيْفَ، كما سَمّاه بعضُهُم ذَا الحَيّاتِ.
وشَرِيطُ: قرية، بالجَوِيرَة الخَضْرَاءِ الأَنْدَلُسِيَّة، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.
والشَّرِيطَةُ، بهاءٍ: المَشْقُوقَةُ الأُذُنِ من الإِبِلِ، لأَنَّهَا شُرِطَتْ آذَانُهَا؛ أَي شُقَّتْ، فهو فَعِيلَةٌ بمَعْنَى مَفْعُولةٍ.
والشَّرِيطَةُ: الشّاةُ أُثِّرَ في حَلْقِهَا أَثَرٌ يَسِيرٌ، كشَرْطِ المَحَاجِمِ من غيرِ إِفْرَاءِ أَوْدَاجٍ ولا إِنْهَارِ دَمٍ؛ أَي لا يُسْتَقْصَى في ذَبْحِهَا. أُخِذَ من شَرْطِ الحَجّام وكانَ يُفْعَلُ ذلِكَ في الجاهِلِيَّةِ، كانُوا يَقْطَعُون يَسِيرًا مِنْ حَلْقِهَا ويَتْرُكُونَهَا حتَّى تموتَ ويَجْعَلُونَه ذَكَاةً لهَا، وهي كالذَّكِيَّةِ والذَّبِيحَة والنَّطِيحَةِ، وقد نُهِيَ عن ذلِكَ في الحَدِيثِ وهو: «لا تَأْكُلُوا الشَّرِيطَةَ فإِنها ذَبِيحَةُ الشَّيْطَانِ» وقِيل: ذَبِيحَةُ الشِّرِيطَةِ هي أَنَّهُم كانُوا يَشْرِطُونَهَا من العِلَّةِ، فإِذا ماتَتْ قالُوا: قد ذَبَحْنَاهَا.
وشُرَيْطٌ، كزُبَيْرٍ: وَالِدُ نُبَيْطٍ، وهو شُرَيْطُ بنُ أَنَسِ بنِ هِلالٍ الأَشْجَعِيُّ صحابِيٌّ، ولِابْنِه نُبَيْطٍ صُحْبةٌ أَيْضًا، وله أَحادِيثُ، وقد جُمعَتْ في كُرَّاسَة لَطِيفَةٍ رَوَيْنَاهَا عن الشُّيُوخِ بأَسَانِيدَ عَالِيَةٍ، رَوَى عنه ابنُه سَلَمَةُ بنُ نُبِيْطٍ، وحَدِيثُه في سُنَنِ النَّسَائِيّ.
وشَرُوطٌ، كَصَبُورٍ: جَبَلٌ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.
والشِّرْوَاطُ، كسِرْدَاح: الطَّوِيلُ من الرِّجالِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وهو في العَيْن.
والشِّرْواطُ: الجَمَلُ السَّرِيعُ، هكَذا في أُصولِ القَامُوسِ، والصَّوَاب أَنَّ الشِّرْوَاطَ يُطْلَقُ على النّاقَةِ والجَمَلِ، ففي العَيْنِ: نَاقَةٌ شِرْوَاطٌ، وجَمَلٌ شِرْوَاطٌ: طَوِيلٌ، وفيه دِقَّةٌ، الذَّكَرُ والأُنْثَى فيه سَوَاءٌ، ونَقَلَ الجَوْهَرِيُّ مِثْلَ ذلِكَ، وكأَنَّ المُصَنِّفَ أَخَذَ من عِبَارَةِ ابنِ عَبّادٍ. ونَصُّهُ: الشِّرْوَاطُ: السَّرِيعُ من الإِبِل. فعَمَّمَ ولم يَخُصّ الجَمَل، ففي كلامِ المُصَنِّفِ قُصُورٌ من جِهَتَيْنِ، وأَجْمَعُ من ذلِكَ ما في اللِّسَانِ: الشِّرْوَاطُ: الطَّوِيلُ المُتَشَذِّبُ القَلِيلُ اللَّحْمِ الدَّقِيقُ، يكونُ ذلِكَ من النّاسِ والإِبِلِ، وكذلِكَ الأُنْثَى، بغَيْر هاءٍ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للرّاجِز:
يُلِحْنَ من ذِي زَجَلٍ شِرْواطِ *** مُحْتَجِزٍ بخَلَقٍ شِمْطَاطِ
قال ابنُ بَرّيّ: الرَّجَزُ لجَسّاسِ بنِ قُطَيْبٍ، وهو مُغَيَّر، وأَنْشَدَه ثَعْلَبٌ في أَمالِيهِ على الصَّوَابِ، وهي ستَّةَ عَشَرَ مَشْطُورًا وبينَ المَشْطُورَيْنِ مَشْطُوران، وهما:
صَاتِ الحُدَاءِ شَظِفٍ مِخْلاطِ *** يُظْهِرْنَ من نَحِيبِه للشِّاطِي
ويُرْوَى: «مِنْ ذِي ذِئَبٍ».
والمِشْرَطُ، والمِشْرَاطُ، بكَسْرِهِمَا، المِبْضَعُ، وهي الآلَةُ الَّتِي يَشْرِط بها الحَجَّامُ.
ومَشَارِيطُ الشَّيْءِ: أَوائِلُه، كأَشْراطِه، أَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ:
تَشَابَهُ أَعْنَاقُ الأُمُورِ وتَلْتَوِي *** مَشَارِيطُ ما الأَوْرادُ عنه صَوادِرُ
وقال: لا وَاحِدَ لهَا، ونَقَل ابنُ عَبّادٍ أَنَّ الوَاحِد مِشْرَاطٌ.
قال: ويقال: أَخَذَ لِلأَمْرِ مَشَارِيطَهُ؛ أَي أُهْبَتَهُ.
وذُو الشَّرْطِ لقبُ عَدِيّ بن جَبَلَةَ بنِ سَلامَةَ بنِ عبدِ الله بن عُلَيْمِ بنِ جَنَابِ بنِ هُبَلَ التَّغْلبِيِّ، وكان قد رَأَسَ، وشَرَطَ على قَوْمِهِ أَن لا يُدْفَنَ مَيِّتٌ حَتَّى يَخُطَّ هُو له مَوْضعَ قَبْرِهِ، فقال طُعْمَةَ بنُ مِدْفَعِ بنِ كِنَانَةَ بنِ بَحْرِ بنِ حَسّانَ بنِ عَدِيِّ بنِ جَبَلَةَ في ذلِكَ:
عَشِيَّةَ لا يَرْجُو امْرُؤٌ دَفْنَ أُمِّهِ *** إِذا هِيَ ماتَتْ أَو يَخُطَّ لها قَبْرًا
وكانَ مُعَاوِيةُ رَضِيَ الله عنه بَعَثَ رَسُولًا إِلى بَهْدَلِ بنِ حسّانِ بنِ عَدِيِّ بنِ جَبَلَةَ يَخْطُبُ إِليه ابْنَتَه، فأَخْطَأَ الرَّسُولُ فذَهَبَ إِلى بَحْدَلِ بنِ أُنَيْفٍ من بَنِي حارِثَةَ بنِ جَنَابٍ، فزَوَّجَهُ ابْنَتَه مَيْسُونَ، فَوَلَدَتْ له يَزِيدَ، فقال الزُّهَيْرِيُّ:
أَلَا بَهْدَلًا كانوا أَرادُوا فضُلِّلتْ *** إِلى بَحْدَلٍ نفْسُ الرَّسُوُلِ المُضَلَّلِ
فشَتَّانَ إِنْ قايَسْتَ بينَ ابْنِ بَحْدَلٍ *** وبَيَنْ ابنِ ذِي الشَّرْطِ الأَغَرِّ المُحَجَّلِ
واشْترَط عَليْه كذا: مثل: شَرَطَ.
وتَشَرَّطَ في عَمَلِه: تَأَلَّقَ، كذا في العُبَاب، وفي الأَسَاسِ: تَنَوَّقَ وتَكَلَّفَ شُرُوطًا ما هِيَ عليه: واسْتَشْرَطَ المالُ: فَسَدَ بعدَ صَلَاحٍ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.
وفي إِصلاحِ الأَلْفَاظِ لابْن السِّكِّيتِ: الغَنَمُ أَشْرَطُ المالِ؛ أَي أَرْذَلُه، وهو مُفَاضَلَةٌ بلا فِعْلِ، قال ابنُ سِيدَه: وهُوَ نادِر، لأَن المُفَاضَلَةَ إِنَّما تَكُونُ من الفِعْلِ دُونَ الاسْمِ، وهو نَحوُ ما حَكاه سِيبَوَيْهِ من قَوْلِهِم: أَحْنَكُ الشَّاتَيْنِ؛ لأَنَّ ذلِكَ لا فِعْلَ له أَيْضًا عِنْدَه، وكذلِكَ آبَلُ النّاسِ، لا فِعْلَ له عند سِيبَوَيْهِ قال: وفي بعضِ نُسَخِ الإِصْلاح: الغَنَمُ أَشْرَاطُ المالِ. قلتُ: وهكَذا أَوْرَدَهُ الجَوْهَرِيُّ أَيْضًا. قال فإِن صَحَّ هذا فهو جَمْعُ شَرَط، مُحَرَّكَةً.
وشَارَطَهُ مُشَارَطَةً: شَرَطَ كُلٌّ مِنْهُمَا على صاحِبِه، كما في اللّسَانِ والعُبَابِ.
* ومّما يُسْتَدْرَكُ عليه:
الشَّرْطُ، بالفَتْح: العَلَامَةُ، لغةٌ في التَّحْرِيكِ.
والشَّرَطُ، مُحَرَّكَةً، من الإِبِلِ: ما يُجْلَبُ لِلْبَيْع، نحْوُ النّابِ والدَّبِر، يقال: إِن في إِبِلِكَ شَرَطًا؟ فيَقُولُ: لا، ولكِنَّهَا لُبَابٌ كُلُّهَا، كما في اللِّسانِ، وعِبَارَةُ الأَسَاسِ: يُقَالُ للحَالِبِ: هَلْ في حَلُوبَتِك شَرَطٌ؟ قال: لا، كُلُّهَا لُبَابٌ.
وأَشْرَاطُ السّاعَةِ: ما يُنْكِرُه النّاسُ من صِغَارِ أُمُورِهَا قَبْلَ أَنْ تَقُومَ السّاعَةُ: نَقَلَه الخَطّابِيُّ. وقال غيرُه: هي أَسْبَابُهَا الَّتِي هي دُونَ مُعْظَمِهَا وقِيامِها.
وشُرْطَةُ كلِّ شَيْءٍ، بالضَّمِّ: خِيَارُهُ، وكذلِكَ شَرِيطَتُه، ومنه الحَدِيثُ: «لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتَّى يَأْخُذَ الله شَرِيطَتَه من أَهْلِ الأَرْضِ، فيَبْقَى عَجَاجٌ لا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُون مُنْكَرًا» يَعنِي أَهل الخَيْرِ والدِّينِ. قالَ الأَزْهَرِيُّ: أَظُنُه شَرَطَتَه؛ أَي الخِيَارَ، إِلاَّ أَنَّ شَمِرًا كذا رَوَاه.
قالَ ابنُ بَرِّيّ: والنَّسَبُ إِلى الشّرَطَيْنِ شَرَطِيٌّ، كقَوْلِه:
ومِنْ شَرَطِيٍّ مُرْثَعِنٍّ بعَامِرِ
قال: وكذلِكَ النَّسَبُ إِلى الأَشْرَاطِ شَرَطِيٌّ، ورُبَّمَا نَسَبُوا إِليه عَلَى لَفْظِ الجَمْع أَشْرَاطِيّ، وقد تَقَدَّم شَاهِدُه، ومن ذلِكَ: رَوْضَةٌ أَشْرَاطيَّةٌ إِذا مُطِرَتْ بِنَوْءِ الشَّرَطَيْنِ، قال ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ رَوْضَةً:
حَوَّاءُ قَرْحاءُ أَشْرَاطِيَّةٌ وَكَفَتْ *** فِيهَا الذِّهَابُ وحَفَّتْهَا البَرَاعِيمُ
وحكَى ابنُ الأَعْرَابِيّ: طَلَعَ الشَّرَطُ. فجاءَ للشَّرَطَيْن بوَاحِدٍ، والتَّثْنِيَةُ في ذلِكَ أَعْلَى وأَشْهَرُ؛ لأَنَّ أَحَدَهُمَا لا يَنْفَصِلُ عن الآخَرِ، كأَبَانَيْنِ في أَنّهَما يُثَنَّيَانِ معًا وتَكُونُ حَالتُهما وَاحِدَةً في كلِّ شيْءٍ.
ويُقَال: نَوْءٌ شَرَاطِيٌّ، هكذا هو في الأَسَاسِ، ولَعَلَّهُ شَرَطِيٌّ مُحَرَّكَةً، كما تَقَدَّم عن ابْنِ بَرِّيّ.
وفي الصّحاحِ: وأَمّا قولُ حَسّانِ بنِ ثَابِتٍ:
في نَدَامَى بِيضِ الوُجُوهِ كرَامٍ *** نُبِّهُوا بعد هَجْعَةِ الأَشْرَاطِ
وفي العُبَاب: «بعد خَفْقَةِ الأَشْرَاطِ»، فيُقَالُ: إِنَّهُ أَرادَ به الحَرَسَ وسَفِلَةَ النّاسِ؛ أَي فالوَاحِدُ شَرَطٌ. قال الصّاغَانِيُّ: والصَّحِيحُ أَنَّه أَرادَ ما أَرَادَ الكُمَيْتُ وذُو الرُّمّةِ، وخَفْقَتُهَا: سُقُوطُهَا.
وشَرَطٌ، مُحَرَّكَةً: لَقَبُ مالِكِ بنِ بُجْرَة، ذَهَبُوا في ذلك إِلى اسْتِرْذَالِهِ؛ لأَنَّه كان يُحَمَّقُ، قال خالدُ بنُ قَيْسٍ التَّيْمِيّ يَهْجُو مالِكًا هذا:
لَيْتَكَ إِذْ رُهِنْتَ آلَ مَوْأَلَهْ *** حَزُّوا بنَصْلِ السَّيْفِ عندَ السَّبَلَهْ
وحَلَّقَتْ بِكَ العُقَابُ القَيْعَلَهْ *** مُدْبِرَةً بشَرَطٍ لا مُقْبِلَهْ
وأَشْرَطَ فِيهَا وبِهَا: اسْتَخَفَّ بِهَا وجَعَلَهَا شَرَطًا؛ أَي شَيْئًا دُونًا خَاطَرَ بها.
وقال أَبو عَمْرٍو: أَشْرَطْتُ فُلانًا لِعَمَلِ كذا؛ أَي يَسَّرْتُهُ وجَعَلْته يَلِيه، وأَنْشَدَ:
قَرَّبَ مِنْهُمْ كُلَّ قَرْمٍ مُشْرَطِ *** عَجَمْجَمٍ ذي كُدْنَةٍ عَمَلَّطِ
المُشْرَطُ: المُيَسَّرُ للعَمَلِ.
والشَّرِيطُ: خُيوطٌ من حَرِيرٍ، أَو مِنْهُ ومن قَصَبٍ، تُفْتَلُ مع بعضِهَا، على التَّشْبِيهِ بِخُيُوطِ الصُّوفِ واللِّيف.
وبَنُو شَرِيطٍ: بَطْنٌ من العَرَب، عن ابْنِ دُرَيْدٍ.
وشَرْطَا النَّهرِ: شَطّاه.
والأَشْرَطُ، كأَحْمَدَ: الرَّذْلُ، والأَشَارِيطُ جمعُ الجَمْع وهم الأَراذِلُ.
والشُّرُوط: الطُرُقُ المُخْتَلِفَة.
ومن أَمْثَالِ المُوَلَّدِين: لا تُعَلِّمُ الشُّرْطِيَّ التَّفَحُّص، ولا الزُّطِّيَّ التَّلَصُّص.
والتَّشْرِيطُ: كالشَّرْط.
وتَشَارَطَ عليه كذا: مِثْلُ شَارَطَ.
وأَشْرَطَ نَفْسَه ومَالَه في هذا الأَمْرِ، إِذا قَدَّمَهمَا.
وأَبُو القاسِمِ بنُ أَبِي غالِبٍ الشَّرّاطُ: مُحَدِّثٌ مَغْرِبِيٌّ، رَوَى عنه سِبْطُه القاسمُ بنُ محمّدِ بنِ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ.
وأَبو عِمْرَانَ مُوسَى بنُ إِبراهِيمَ الشُّرْطِيُّ، عن ابنِ لَهِيعَةَ، قال الدَّارقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
48-تاج العروس (طلع)
[طلع]: طَلَعَ الكَوْكَبُ والشَّمْسُ والقَمَرُ طُلُوعًا، ومَطْلَعًا، بفَتْحِ الّلامِ على القِيَاسِ، ومَطْلِعًا بكَسْرِهَا، وهُوَ الأَشْهَرُ، وهو أَحَدُ ما جاءَ من مَصَادِرِ فَعَلَ يَفْعُلُ على مَفْعِلٍ. وأَمّا قَوْلُه تَعالَى: {سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} فإِنَّ الكِسَائِيَّ وخَلَفًا قَرَآه بكسر الّلامِ، وهي إِحْدى الرِّوايَتَيْنِ عن أَبِي عَمْرٍو. قلتُ: وهي رِوَايَةُ عُبَيْدٍ، عن أَبِي عَمْرٍو. وقال ابنُ كَثِير ونافِعٌ وابنُ عامِرٍ واليَزِيديُّ عن أَبِي عَمْرٍو، وعاصِم وحَمْزَة بفَتْحِ اللَّامِ، قال الفَرّاءُ: وهو أَقْوَى في القِيَاسِ، لأَنَّ المَطْلَع، بالفَتْحِ: الطُّلُوعُ، وبالكَسْر: المَوْضِعُ الذِي تَطْلُعُ منه، إِلّا أَنّ العَرَبَ تَقُولُ: طَلَعَت الشَّمْسُ مَطْلِعًا، فيَكْسِرُونَ وهم يُرِيدُونَ المَصْدَرَ، وكذلِكَ: المَسْجِد، والمَشْرِق، والمَغْرِب، والمَسْقِطِ، والمَرْفِقِ، والمَفْرِق، والمَجْزِرُ، والمَسْكِنُ، والمَنْسِك، والمَنْبِتُ، وقال بعضُ البَصْرِيِّينَ: مَنْ قَرَأَ «مَطْلِعَ الفَجْرِ» بكَسْرِ اللَّامِ فهو اسمٌ لِوَقْتِ الطُّلُوع، قال ذلِكَ الزَّجّاجُ، قالَ الأَزْهَرِيُّ: وأَحسَبَه قوْلَ سِيبَوَيه: ظهَرَ، كأَطْلَعَ.وِهُمَا؛ أَي المَطْلَعُ والمَطْلِعُ: اسْمَانِ للْمَوْضِعِ أَيْضًا، ومنه قولُه تَعَالَى: {حَتّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ}.
وِطَلَعَ عَلَى الأَمْرِ طُلُوعًا: عَلِمَه، كاطَّلَعَه، على افْتَعَلَه، وتَطَلَّعَه اطِّلاعًا وتَطَلُّعًا، وكذلِكَ اطَّلَع عليه، والاسْمُ الطِّلْعُ، بالكَسْرِ، وهو مَجَازٌ.
وِطَلَعَ فلانٌ عَليْنَا، كمَنَع ونَصَرَ: أَتَانَا وهَجَمَ عَليْنَا، ويُقَالُ: طَلَعْتُ في الجَبَل طُلُوعًا، إِذا أَدْبَرْتَ فيهِ حَتّى لا يَرَاكَ صَاحِبُكَ، وطَلَعْتُ عَنْ صاحِبِي طُلُوعًا، إِذا أَدبَرْتَ عنه. وطَلَعْتُ عن صَاحِبِي، إِذا أَقبَلْتَ عليهِ. قال الأَزْهَرِيُّ: هذا كلامُ العَرَبِ، وقالَ أَبُو زيْدٍ ـ فِي الأَضْدَادِ ـ: طلَعْتُ عَلَى القَوْمِ طُلُوعًا، إِذا غِبْتُ عَنْهُمْ حَتَّى لا يَرَوْكَ، وطَلَعْتُ عَليْهِم، إِذا أَقبَلْتَ عليهِم حَتَّى يَرَوْك. قال ابنُ السِّكِّيتِ: طَلَعْتُ على القوْمِ، إِذا غِبْتَ عَنْهُم، صَحِيحٌ، جُعِلَ «على» فيه بمَعْنَى «عَنْ» كَقَوْلِه تَعالى: {إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ} مَعْنَاهُ عن النّاسِ، ومِنَ النّاسِ، قالَ: وكَذلِك قالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَجْمَعُونَ.
قلتُ: ومن الاطِّلاعِ بمَعْنَى الهُجُوم قولُه تعَالَى: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ} أَي لوْ هَجَمْتَ عَليْهم، وأَوْفيْتَ عَليْهِم.
كاطَّلَعَ، وعنهم غاب ضِدٌّ*.
وِطَلَعَت سَنُّ الصَّبِيِّ: بَدَتْ شَبَاتُهَا، وهو مَجَازٌ، وكُلُّ بَادٍ من عُلْوٍ: طالِعٌ.
وِطَلَعَ أَرْضَهُم: بَلَغَهَا، يُقالُ: مَتَى طَلَعْت أَرْضَنَا؟ أَيْ مَتَى بَلَغْتَها، وهو مَجَازٌ، وطَلَعْتُ أَرْضِي؛ أَي بَلَغْتُهَا.
وِطَلَع النَّخْلُ يَطْلُعُ طُلُوعًا: خَرَجَ طَلْعُه، وسَيَأْتِي مَعْنَاهُ قَرِيبًا، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ كأَطْلَعَ، كأَكْرَمَ، نقَلَه الجَوْهَرِيُّ. وهو قولُ الزَّجّاجِ. وطَلَّعَ تَطْلِيعًا، نَقَله صاحبُ اللِّسَانِ.
وِطَلَعَ بِلَادَهُ: قَصَدَها، وهو مَجَازٌ، ومنهالحَدِيثُ: «هذا بُسْرٌ قد طَلَعَ اليَمَنَ» أَي قَصَدَهَا من نَجْدٍ.
وِطَلَعَ الجَبَلَ يَطْلَعُه طُلُوعًا: عَلاهُ ورَقِيَهُ، كطَلِعَ، بالكَسْرِ، وهو مَجَازٌ، الأَخِيرُ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن ابنِ السِّكِّيتِ.
وِيُقَالُ: حَيَّا الله طَلْعَتَه؛ أَي رُؤْيَتَه وشَخْصَه وما تَطَلَّعَ منه، كما فِي اللِّسَانِ، أَو وَجْهَهُ، وهو مَجَازٌ، كما في الصّحاحِ.
وِالطّالِعُ: السَّهْمُ الّذِي يَقَعُ وَرَاءَ الهَدَفِ، قالَهُ الأَزْهَرِيُّ، وقال غيرُه: الَّذِي يُجَاوِزُ الهَدَفَ ويَعْلُوه، وقال القُتَيْبِيُّ: هو السَّهْمُ الساقِطُ فَوْقَ العَلامَةِ، ويُعْدَلُ بالمُقْرطِسِ، قال المرّارُ بنُ سَعِيدٍ الفَقْعَسِيُّ:
لَهَا أَسْهُمٌ لا قَاصِراتٌ عَن الحَشَا *** وِلا شَاخِصَاتٌ عن فُؤادِي طَوَالِعُ
أَخبَر أَنَّ سِهَامَها تُصِيبُ فُؤادَه، وليْسَت بالَّتِي تَقْصُرُ دُونَه، أَو تُجَاوِزُه فتُخْطِئُه. وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: رُوِيَ عن بَعْضِ المُلُوكِ ـ قال الصّاغَانِيُّ: هو كِسْرَى ـ كانَ يَسْجُدُ للطّالِعِ. قِيلَ: مَعْنَاه أَنَّه كان يَخْفِضُ رَأْسَه إِذا شَخَصَ سَهْمُه، فارْتَفَعَ عن الرَّمِيَّةِ، فكان يُطَاطِئُ رَأْسَه، ليتَقَوَّمَ السَّهْمُ، فيُصِيبَ الدَّارَةَ.
وِقال الصّاغَانِيُّ: ولو قِيلَ: الطَّالِعُ: الهلالُ، لم يَبْعُدْ عن الصَّوابِ، فقد جاءَ عن بعض الأَعْرَابِ: ما رَأَيْتُكَ منذ طالِعَيْنِ؛ أَي منذ شَهْرَيْنِ، وأَنَّ كِسْرَى كان يَتطامَنُ له إِذا طَلَعَ إِعْظامًا لله عَزّ وجَلَّ. ومن المَجَازِ: رَجُلٌ طَلّاعُ الثَّنَايَا، وطَلَّاعُ الأَنْجُدِ، كشَدَّادٍ؛ أَي مُجَرِّبٌ للأمُورِ، ورَكَابٌ لها أَي غالِبٌ يَعْلُوها، ويَقْهَرُهَا بمَعْرِفَتِه وتَجَارِبهِ وجَوْدَةِ رَأْيِه، وقِيلَ: هو الَّذِي يَؤُمُّ مَعَالِيَ الأُمورِ. والأَنْجُدُ: جَمْعُ نَجْدٍ، وهو الطَّرِيق في الجَبَلِ، وكذلِكَ الثَّنِيَّة، فمِنَ الأَوَّلِ: قولُ سُحَيْمِ بن وَثِيلٍ:
أَنا ابْنُ جَلَا وطَلّاعِ الثَّنَايَا *** مَتَى أَضَعُ العِمَامَةَ تَعْرِفُونِي
ومن الثّانِي: قولُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي شِحَاذٍ الضَّبِّيِّ ـ وقال ابنُ السِّكِّيتِ: هو لرَاشِدِ بنِ دِرْوَاسِ ـ:
وِقَدْ يَقْصُرُ القُلُّ الفَتَى دُونَ هَمَّه *** وِقَدْ كانَ، لَوْلَا القُّلُّ، طَلَّاعَ أَنْجُدِ
وِالطَّلْعُ: المِقْدَارُ، تَقُولُ: الجَيْشُ طَلْعُ أَلْفٍ؛ أَي مِقْدَارُه.
وِالطَّلْعُ من النَّخْلِ: شَيْءٌ يَخْرُجُ كأَنَّه نَعْلَان مُطْبَقَانِ، والحَمْلُ بَيْنَهُمَا مَنْضُودٌ، والطَّرَفُ مُحَدَّدٌ، أَوْ هو ما يَبْدُو من ثَمَرَتهِ في أَوَّلِ ظُهُورِهَا، وقِشْرُه يُسَمَّى الكُفُرَّى والكافُور، وما فِي داخِلِه الإِغْرِيضُ، لِبَيَاضِهِ، وقد ذُكِرَ كُلٌّ مِنْهُمَا في مَوْضِعِهِ، وفيه تَطْوِيلٌ مُخِلٌّ بمُرَادِه، ولو قالَ: ومِنَ النَّخْلِ: الإِغْرِيضُ يَنْشَقُّ منه الكافُور، أَو: ومن النَّخْلِ: نَوْرُهُ ما دامَ في الكافُورِ، كانَ أَخْصَرَ.
وِالطِّلْعُ، بالكَسْرِ: الاسْمُ من الاطِّلاعِ، وقد اطَّلَعَهُ واطَّلَعَ عَليْه، إِذا عَلِمَه، وقد تَقَدَّم، قال الجَوْهَرِيُّ: ومنه اطَّلِعْ طِلْعَ العَدُوِّ أَي عِلْمَه، ومنه أَيْضًا حَدِيثُ سَيْفِ بنِ ذِي يَزَنَ قالَ لعَبْدِ المُطَّلِبِ: «أَطْلَعْتُك طِلْعَهُ» وسَيَأْتِي قَرِيبًا.
وِالطِّلْعُ: المَكَانُ المُشْرِفُ الَّذِي يُطَّلَع مِنْه، يُقَالُ: عَلَوْتُ طِلْعَ الأَكَمَةِ، إِذا عَلَوْتَ منها مَكَانًا تُشْرِفُ منه عَلَى ما حَوْلَها، قَالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ.
وِقالَ: الطِّلْعُ: النّاحِيَةُ، يُقَال: كُنْ بطِلْعِ الوَادِي، ويُقَال أَيْضًا: فُلانٌ طِلْعَ الوَادِي، بغيرِ الباءِ. أُجْرِي مُجْرَى وَزْنِ الجَبَل، قالَهُ الأَزْهَرِيُّ، ويُفْتَحُ فِيهِمَا قالَ الجَوْهَرِيُّ: الكَسْرُ والفَتْحُ كِلاهُمَا صَوابٌ، وفي العَبَابِ: كِلاهما يُقَالُ. وقالَ الأَصْمَعِيُّ: الطِّلْعُ كُلُّ مُطْمَئِنٍّ من الأرْضِ أَو ذاتِ رَبْوَةٍ إِذا أَطْلَعْتَه رَأَيْتَ ما فِيه، وهو مَجَازٌ.
وِقالَ أَبُو عَمْرٍو: من أَسْمَاءِ الحَيَّة: الطَّلْعُ والطِّلُّ.
وِمن المَجَازِ: أَطْلَعْتُه طِلْعَ أَمْرِي، بالكَسْر؛ أَي أَبْثَثْتُه سِرِّي، ومنه حَدِيثُ ابنِ ذِي يَزَنَ المُتَقَدِّمُ.
وِمن المَجَازِ: «لَوْ أَنَّ لِي طِلاعَ الأَرْض ذَهَبًا لافْتَدَيْتُ منهُ» قَالَهُ عُمَرُ ـ رضي الله عنه ـ عِنْدَ مَوْتِه، طِلاعُ الشَّيْءِ، ككِتَاب: مِلْؤُه حتى يَطْلُعَ ويَسِيلَ، قالَهُ أَبو عُبَيْدٍ، وقال اللَّيْثُ: طِلاعُ الأَرْضِ: ما طَلَعَت عليه الشَّمْسُ، زادَ الرّاغِبُ: والإِنْسَانُ، قال أَوْسُ بنُ حَجَرٍ يَصِفُ قَوْسًا:
كَتُومٌ طِلاعُ الكَفِّ لا دُونَ مِلْئِهَا *** وِلا عَجْسُهَا عن مَوْضِعِ الكَفِّ أَفْضَلَا
ج: طُلْعٌ، بالضَّمِّ، ككِتَابِ وكُتْبٍ.
وِمن المَجَازِ: نَفْسٌ طُلَعَةٌ، كهُمزَةٍ: تُكْثِر التَّطَلُّعَ إِلى الشَّيْءِ؛ أَي كَثِيرَةُ المَيْلِ إِلى هَوَاهَا، تَشْتَهِيهِ حَتَّى تُهْلِكَ صَاحِبَهَا. المُفْرَد والجَمْعُ سواءٌ، ومنه حَدِيثُ الحَسَنِ: «إِنَّ هذِه النُّفُوسَ طُلَعَةٌ، فاقْدَعُوها بالمَوَاعِظِ، وإِلّا نَزَعَتْ بِكُمْ إِلى شَرِّ غَايَة» وحَكَى المُبَرِّد أَنَّ الأَصْمَعِيَّ أَنْشَدَ في الإِفْرَادِ:
وِما تَمَنَّيْتُ مِنْ مالٍ ومِنْ عُمُرٍ *** إِلّا بما سَرَّ نَفْسَ الحَاشِدِ الطُّلَعَهْ
وِمن المَجَازِ: امْرَأَةٌ طُلَعَةٌ خُبَأَةٌ، كهُمَزَةٍ فِيهمَا؛ أَي تَطْلُعُ مَرَّةً وتَخْتَبِيءُ أُخْرَى، ويقَالُ: هي الكَثِيرَةُ التَّطَلُّعِ والإِشْرَافِ، وكذلِكَ امْرَأَةٌ طُلَعَةٌ قُبَعَةٌ. وفي قَوْلِ الزِّبْرِقَانِ ابنِ بَدْرٍ: إِنَّ أَبْغَضَ كَنَائِنِي إِلَيَّ الطُّلَعَةُ الخُبَأَةُ. وقد مَرَّ في حَرْفِ الهَمْزةِ.
وِطُوَيْلِعٌ، كقُنَيْفِذٍ: عَلَمٌ، وهو تَصْغِير طالِعٍ.
وِطُوَيْلِعٌ: ماءٌ لبَنِي تَمِيم، بِنَاحِيَةِ الصَّمَّانِ، بالشّاجِنَة، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ. قلتُ: وهو فِي وَادٍ في طرِيقِ البَصْرَةِ إِلى اليَمَامَة بينَ الدَّوِّ والصَّمِّانِ أَو: رَكِيَّةٌ عادِيَّةٌ بنَاحِيَةِ الشواجِنِ، عَذبَةُ الماءِ، قَرِيبَةُ الرِّشاءِ، قالَه الأَزْهَرِيُّ، وهمَا قَوْلٌ وَاحِدٌ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ:
وِأَي فَتًى وَدَّعْتُ يَوْمَ طُوَيْلِعٍ *** عَشِيَّةَ سَلَّمْنَا عليهِ وسَلَّمَا
وأَنْشَدَ الصّاغَانِي لضَمْرَةَ بنِ ضَمْرَة النَّهْشَلِيّ:
فلَوْ كُنْتَ حرْبًا ما وَرَدْتُ طُوَيْلِعًا *** وِلا حَرْفَه إِلَّا خَمِيسًا عَرَمْرَمَا
وِقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: الطَّوْلَعُ، كجَوْهَرٍ، وقال غَيْرُه: الطُلَعَاءُ، كالفُقَهَاءِ: القَيْءُ، وهو مَجَازٌ، ولو مَثَّلَ الأَخِيرَ بالغُلَواءِ كانَ أَحْسَنَ.
وِطَلِيعةُ الجَيْشِ: من يَطْلُعُ مِنَ الجَيْشِ، ويُبْعَثُ لِيَطَّلِعَ طِلْعَ العَدُوِّ، كالجَاسُوسِ، للواحِدِ والجَمِيع، قالَ الأَزْهَرِيُّ: وكذلِكَ الرَّبِيئَةُ، والشيِّفَةُ، والبَغِيَّةُ بمَعْنَى الطَّلِيعَةِ، كُلُّ لَفْظَةٍ منها تَصْلُحُ للوَاحِدِ والجَمَاعَةِ ج: طلائِعُ، ومنه الحَدِيثُ: «كانَ إِذا غَزَا بَعَثَ بينَ يَدَيْهِ طَلائِعَ».
وِأَطْلَعَ إِطْلاعًا: قَاءَ، وهو مَجَازٌ.
وِأَطْلَعَ إِليْه مَعْرُوفًا: أَسْدَى مثل أَزَلَّ إِليه مَعْرُوفًا، وهو مَجَازٌ.
وِأَطْلَعَ الرَّامِي: جازَ سَهْمُه من فَوْقِ الغَرَضِ، يُقَال: رَمَى فأَطْلَعَ، وأَشْخَصَ، قالَهُ الأَسْلَمِيٌّ، وهو مَجَازٌ.
وِأَطْلَعَ فُلانًا: أَعْجَلَه، وكذلِكَ أَرْهَقَه، وأَزْلَقَه، وأَقْحَمَه، وهو مَجَازٌ.
وِأَطْلَعَهُ على سِرِّهِ: أَظْهَرَه وأَعْلَمَه، وأَبَثَّهُ له، وهو مَجَازٌ، ومنه أَطْلَعْتُكَ طِلْعَ أَمْرِي.
وِنَخْلَةٌ مُطْلِعَةٌ، كمُحْسِنَةٍ: مُشْرِفَةٌ على مَا حَوْلَها، طَالَت النَّخِيلَ وكانَتْ أَطْوَلَ من سَائرِهَا.
وِطَلَّعَ كَيْلَهُ تَطْلِيعًا مَلَأَه جِدًّا حتى تَطَلَّعَ، وهو مَجازٌ.
وِاطَّلَعَ على باطِنِه، كافْتَعَلَ: ظَهَرَ، قال السَّمِينُ ـ في قَوْلِه تَعالَى: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} ـ: إِنَّه يَتَعَدَّى بنَفْسِه، ولا يَتَعَدَّى بَعلَى، كما تَوَهَّمَه بعضٌ، حَتّى يَكُونَ من الحَذْفِ والإِيصالِ، نَقَلَه شيْخُنَا، ثُمَّ قالَ: ولكن استَدَلَّ الشِّهَابُ في العِنَايَة بما للمُصَنِّفِ، فقال: لكِن في القامُوسِ «اطَّلَع عَليْه» فكأَنَّهُ يَتَعَدَّى ولا يَتَعَدَّى، والاسْتِدْلالُ بغير شَاهدٍ غيرُ مفِيدٍ. انْتَهَى.
قلتُ: الَّذِي صَرَّحَ به أَئِمَّةُ اللُّغَةِ أَنّ طَلَع عليه، واطَّلَعَ عليه، وأَطْلَع عليه بمَعْنًى وَاحِدٍ، واطَّلَعَ على بَاطِنِ أَمْرِهِ، واطَّلَعَه: ظَهَرَ له وعَلِمَه، فهو يَتَعَدَّى بنَفْسِه وبعَلَى، كما فِي اللِّسَانِ بهؤُلاءِ قُدْوَةً، لا سِيَّما الجَوْهَرِيّ إِذا قالَتْ حَذامِ، فلا عِبْرَةَ بقَوْلهِ: والاسْتِدْلالُ بهِ إِلى آخِرِهِ، وكذا كَلَامُ السَّمِينِ يُتَأَمَّلُ فيه، فإِنَّ إِنْكَارَه قُصورٌ.
وِاطَّلَعَ هذِه الأَرْضَ: بَلَغَهَا، ومِنْهُ قَوْلُه تَعَالَى: {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}، قالَ الفَرّاءُ: أَي يَبْلُغ أَلَمُهَا الأَفْئِدَةَ، قال: والاطِّلاعُ والبلُوغُ قد يَكُونُ بمَعْنًى وَاحِدٍ، وقالَ غيْرُه: أَي تُوفِي عليها فتَحْرِقُهَا، من اطَّلَعْتُ عليه، إِذا أَشْرَفْتَ، قالَ الأَزْهَرِيُّ: وقولُ الفَرّاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ، وإِليه ذَهَبَ الزَّجّاجُ.
وِالمُطَّلَعُ للمَفْعولِ: المَأْتَى، يقَال: ما لِهذَا الأَمْرِ مُطَّلَعٌ؛ أَي وَجْهٌ، ولا مَأْتًى يُؤْتَى إِليْه. ويقَالُ: أَيْنَ مُطَّلَعُ هذا الأَمْرِ؛ أَي مَأْتَاه، وهو مَوْضِعُ الاطِّلاعِ من إِشْرَافِ إِلى انْحِدَارٍ، وهو مَجَازٌ.
وِقولُ عمَرَ رضِيَ الله تَعالَى عنه: «لو أَنَّ لي ما فِي الأَرْضِ جَمِيعًا لافْتَدَيْتُ بهِ من هَوْلِ المُطَّلَعِ» يرِيد بهِ المَوْقِفَ يومَ القِيَامَةِ، تَشبِيهٌ لما يُشْرَفُ عليهِ من أَمْرِ الآخِرَة عَقِيبَ المَوْتِ بذلِكَ، أَي: بالمُطَّلَع الَّذِي يُشْرَفُ عليه من مَوْضِعٍ عالٍ.
وقالَ الأَصْمَعِيُّ: وقد يَكُونُ المُطَّلَعُ: المَصْعَدَ من أَسْفَل إِلى المَكَانِ المُشْرِفِ، قال: وهوَ من الأَضْدادِ، وقد أَغْفَلَهُ المصَنِّفُ، ومن ذلِكَ في الحَدِيثِ: «ما نَزَلَ من القُرْآنِ آيَةٌ إِلّا لها ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، ولكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ، ولكُلِّ حَدٍّ مُطَّلَعٌ» أَي مَصْعَدٌ يُصْعَد إِليْه، يعنِي مِنْ مَعْرِفَةِ عِلْمِه، ومِنْه قَوْلُ جَرِيرٍ يَهْجو الأَخْطَلَ:
إِنِّي إِذا مُضَرٌ عَلَيَّ تَحَدَّبَتْ *** لَاقيْتُ مُطَّلَعَ الجِبَالِ وُعُورًا
هكَذَا أَنْشَدَه ابنُ بَرِّيّ والصّاغَانِيّ. ومن الأَوّلِ قولُ سُوَيْدِ بنِ أَبِي كاهِلٍ:
مُقْعِيًا يَرْمِي صَفَاةً لمْ تُرَمْ *** في ذُرَا أَعْيَطَ وَعْرِ المُطَّلَعْ
وقِيلَ: مَعْنَى الحَدِيث: أَنَّ لِكُلِّ حَدٍّ منْتَهَكًا يَنْتَهِكُه مُرْتكِبُه؛ أَي أَنَّ الله لم يُحَرِّم حُرْمَةً إِلّا عَلِم أَنْ سَيَطْلُعُهَا مُسْتَطْلِعٌ.
وِمن المَجَازِ: المُطَّلِعُ، بكَسْرِ الّلامِ: القَوِيُّ العَالِي القاهِر، من قَوْلِهِمْ: اطَّلَعْتُ على الثَّنِيَّةِ؛ أَي عَلَوْتُهَا، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ في «ض ل ع» ورَوَى أَبو الهيْثَمِ قَوْلَ أَبِي زُبَيْدٍ:
أَخُو المَوَاطِنِ عَيّافُ الخَنَى أُنُفٌ *** للنّائِباتِ ولَوْ أُضْلِعْنَ مُطَّلِعُ
أُضْلِعْنَ: أُثْقِلْنَ. ومُطَّلِعٌ وهو القَوِيُّ على الأَمْرِ المُحْتَمِل، أَراد مُضْطَلِعٌ فأَدْغَمَ، هكَذَا رَوَاه بخَطِّه، قالَ: ويُرْوَى: «مُضْطَلِعُ» وقال ابنُ السِّكِّيت: يقَالُ: هو مُضْطَلِعٌ بِحِمْلِه، كما تَقَدَّمَ، ويُرْوَى قَوْلُ ابنِ مُقبِلٍ:
إِنّا نَقُومُ بجُلّانَا فيَحْمِلُها *** مِنَّا طَوِيلُ نِجَادِ السَّيْفِ مُطَّلِعُ
ويُرْوَى «مُضْلَعٌ» وهما بمَعْنًى.
وِطَالَعَه طِلَاعًا، بالكَسْرِ، ومُطَالَعَةً: اطَّلَعَ عليه، وهو مَجَازٌ، يقالُ: طَالَعْتُ ضَيْعَتِي؛ أَي نَظَرْتُها، واطَّلَعْتُ عَليْهَا، وقالَ اللَّيْثُ: الطِّلَاعُ: هو الاطِّلَاعُ، وأَنْشَدَ لحُمَيْدِ بنِ ثَوْرٍ:
فكانَ طِلَاعًا من خَصَاصٍ ورِقبَةٍ *** بَأَعْيُنِ أَعْدَاءٍ وطَرْفًا مُقَسَّما
وقال الأَزْهَرِيُّ: قَوْلُه: طِلاعًا، أَي: مُطَالَعَةً، يُقَالُ: طالَعْتُه طِلاعًا ومُطَالَعَةً، قالَ: وهو أَحْسَنُ من أَنْ تَجْعَلَه اطِّلَاعًا؛ لأَنَّهُ القِيَاسُ في العَرَبِيَّةِ.
وِطَالَعَ بالحَالِ: عَرَضَها، طِلَاعًا، ومُطَالَعَةً.
ومِن المَجَازِ: تَطَلَّع إِلى وُرُودِهِ أَو ورودِ كِتَابِهِ: اسْتَشْرَفَ له، قال مُتَمِّم بنُ نُوَيْرَةَ، رضِيَ الله عنه:
لاقَى على جَنْبِ الشَّرِيعَةِ باطيا *** صَفْوَانَ في نَامُوسِه يَتَطَلَّعُ
وِتَطَلَّعَ في مَشْيه: زافَ نَقَلَه الصّاغَانِيُّ، كأَنَّهُ لُغَةٌ في تَتَلَّعَ، إِذا قَدَّمَ عُنُقَه ورَفَعَ رَأْسَه.
وِتَطَلَّعَ المِكيَالُ: امْتَلَأ، مُطَاوِعُ طَلَّعَه تَطْلِيعًا.
وِمن المَجَازِ: قَوْلُهُم: عافَى الله رَجُلًا لَمْ يَتَطَلَّع في فَمِكَ؛ أَي لم يَتَعَقَّب كَلَامَكَ، حكاه أَبو زيدٍ، ونَقَله الزمَخْشَرِيُّ والصّاغَانِيّ.
وِقال ابنُ عبّادٍ: اسْتَطْلَعَه: ذَهَبَ به، وكذا اسْتَطْلَعَ مالَه.
وِمن المَجَازِ: اسْتَطْلَع رَأْيَ فُلان، إِذا نَظَر ما عِنْدَه، وما الَّذِي يَبْرُزُ إِليْه من أَمْرِه، ولَوْ قال: وَرَأْيَه: نَظَرَ ما هُوَ، كانَ أَخْصَرَ.
وِقَوْلُه تعالَى: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ. فَاطَّلَعَ بتَشْدِيدِ الطّاءِ وفَتْحِ النُّونِ، وهي القِرَاءَةُ الجَيِّدَةُ الفَصِيحَةُ أَي هَلْ أَنْتُم تُحِبُّون أَنْ تَطَّلِعوا فتَعْلَمُوا أَيْنَ مَنْزِلَة الجَهَنَّمِيِّينَ، فاطَّلَع المُسْلِمُ، فَرَأَى قَرِينَه فِي سَواءِ الْجَحِيمِ؛ أَي في وَسَطِ الجَحِيمِ وقَرَأَ جَمَاعاتٌ هم ابنُ عَبّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ وسَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ، وأَبو البَرَهْسَم، وعَمَّارٌ مولى بَنِي هاشِمٍ: «هلْ أَنْتُم مُطْلِعون ـ كمُحْسِنُونَ ـ فأُطْلِعَ بضَمِّ الهَمْزَةِ وسُكُون الطَّاءِ وكَسْرِ الّلامِ، وهي جائزَةٌ في العَرَبِيَّةِ على مَعْنَى: هَلْ أَنْتُم فَاعِلُونَ بِي ذلِكَ. وقرأَ أَبو عَمْرٍو وعَمّارٌ المذكور، وأَبو سِرَاجٍ، وابنُ أَبِي عَبْلَة، بكَسْرِ النُّونِ، فأُطْلِع، كما مَرّ. قلتُ: وهي روايَةُ حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ عن أَبِي عَمْرٍو. قال الأَزْهَرِيُّ: وهي شَاذَّةٌ عندَ النَّحْوِيِّينَ أَجْمَعِينَ، ووَجْهُه ضَعِيفٌ، ووَجْه الكَلامِ على هذا المَعْنَى: هل أَنْتُم مُطْلِعِيَّ، وهل أَنْتم مُطْلِعوه، بلا نُونٍ، كقولِكَ: هل أَنْتُم آمِروه، وآمِرِيَّ.
وأَما قَوْلُ الشّاعِرِ:
همُ القائِلُونَ الخَيْرَ والآمِرُونَه *** إِذا ما خَشُوا من مُحْدَثِ الأَمْرِ مُعْظَمَا
فوَجْهُ الكَلامِ: والآمِرونَ به، وهذَا من شَوَاذِّ اللُّغَاتِ.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:
الطالِعُ: الفَجْرُ الكاذِب، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
اطَّلَعَ عَليْه: نَظَر إِليْه حِينَ طَلَعَ، وهو مَجازٌ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ، وصاحِبُ اللِّسَانِ، ومنه قولُ أَبِي صَخْرٍ الهُذِليِّ:
إِذا قُلْتُ هذا حِينَ أَسْلُو يَهِيجُنِي *** نِسِيمُ الصَّبَا من حَيْثُ يُطَّلعُ الفَجْرُ
ويُقَال: آتِيكَ كُلَّ يَوْمٍ طَلَعَتْه الشَّمْسُ؛ أَي طَلَعَتْ فيه.
وفي الدُّعَاءِ: طَلَعَتِ الشَّمْسُ ولا تَطْلُعُ بنَفْسِ أَحَدٍ مِنّا، عن اللِّحْيَانِيّ؛ أَي لا ماتَ وَاحِدٌ مِنّا مع طُلُوعِها. أَرادَ: ولا طَلَعَتْ، فوَضَعَ الآتِيَ مِنْهَا مَوْضِعَ الماضِي.
وِأَطْلَعَ: لُغَةٌ في طَلَعَ، قالَ رُؤْبَةُ:
كأَنَّهُ كَوْكَبُ غُيْمٍ أَطْلَعَا
وِمَطالِعُ الشَّمْسِ: مَشَارِقُهَا، ويُقَال: شَمْسُ مَطالِع، أَو مَغارِب.
وِتَطَلَّعَه: نظَر إِليْه نَظَرَ حُبٍّ أَو بُغْضٍ، وهو مَجَازٌ.
وِأَطْلَعَ الجَبَلَ، كطَلَعَهُ، نَقَلَه الزَّمَخْشَرِيُّ.
وِأَطْلَعَ رَأْسَه، إِذا أَشْرَفَ على شَيْءٍ.
والاسْمُ من الاطِّلاعِ: طَلَاعٌ، كَسَحَابٍ.
وِالطُّلُوعُ: ظُهُورٌ على وَجْهِ العُلُوِّ والتَّمَلُكِ، كما في الكَشّافِ.
ويُقَالُ: أَنَا أُطَالِعُكَ بحقيقةِ الأَمْرِ؛ أَي أُطْلِعُكَ عَليْه، وهو مَجَازٌ، كما فِي الأَسَاسِ، وكذا قَوْلُهُم: طَالِعْنِي بكُتُبِكَ.
وِاطَّلَعْتُ من فَوْقِ الجَبَلِ، وأَطْلَعْتُ بمَعنًى وَاحِدٍ.
ونَفْسٌ طَلِعَةٌ، كفَرِحَة: شَهِيَّةٌ مُتَطَلِّعَةٌ، عَلَى المَثَل، وبه رُوِيَ قولُ الحَسَنِ: «إِنَّ هذِه النُّفُوسَ طَلِعَةٌ».
وِطَلَّعَهُ تَطْلِيعًا: أَخْرَجَه، عامِّيَّةٌ.
ومن أَمْثَالِ العَرَبِ: «هذِه يَمِينٌ قد طَلَعَتْ في المَخَارِمِ» وهي اليَمِين الَّتِي تَجْعَلُ لصَاحِبِهَا مَخْرَجًا، ومنه قَوْلُ جَرِيرٍ:
وِلا خَيْرَ في مَالٍ عَليْهِ أَلِيَّةٌ *** وِلا فِي يَمِينٍ غيرِ ذاتِ مَخَارِمِ
والمَخارِمُ: الطُّرُقُ في الجِبَالِ.
وِتَطَلَّعَ الرَّجُلَ: غَلبَه وأَدْرَكَه، وأَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:
وِأَحْفَظُ جارِي أَنْ أُخالِطَ عِرْسَه *** وِمَوْلايَ بالنَّكْراءِ لا أَتَطَلَّعُ
وقالَ ابنُ بَرِّيّ: ويُقَالُ: تَطَالَعْتُه: إِذا طَرَقْتَهُ، وأَنْشَدَ أَبُو عَلِيٍّ:
تَطالَعُنِي خَيالاتٌ لسَلْمَى *** كما يَتَطَالَعُ الدَّيْنَ الغَرِيمُ
قالَ: كذا أَنْشَدَهُ، وقالَ غَيْرُه: إِنَّمَا هو يَتَطَلَّع؛ لأَنَّ تَفَاعَلَ لا يَتَعَدَّى في الأَكْثَرِ، فعَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ يَكُونُ مِثْلَ تَفاوَضْنَا الحَدِيثَ، وتَعَاطيْنَا الكَأْسَ، وتَنَاشَدْنَا الأَشْعَارَ.
قالَ: ويُقَالُ: أَطْلَعَتِ الثُّرَيَّا، بمعنَى طَلَعَتْ، قال الكُمَيْتُ:
كَأَنَّ الثُّرَيّا أَطْلَعَت في عِشَائِها *** بوَجْهِ فَتَاةِ الحَيِّ ذَاتِ المَجَاسِدِ
وِأَطْلَعَ الشَّجَرُ: أَوْرَقَ.
وِأَطْلَعَ الزَّرْعُ: ظَهَرَ، وهو مَجَازٌ. وفي التَّهْذِيبِ: طَلَعَ الزَّرْعُ طُلُوعًا، إِذا بَدَأَ يَطْلُعُ وظَهَرَ نَبَاتُه.
وقَوْسٌ طِلَاعُ الكَفِّ: يَمْلُأ عَجْسُهَا الكَفَّ، وقد تَقَدَّم شَاهِدُه.
وهذَا طِلَاعُ هذَا، ككِتَابٍ؛ أَي قَدْرُه.
والاطِّلاعُ: النَّجَاةُ، عن كُرَاع.
وِأَطْلَعَت السَّمَاءُ، بمَعْنَى أَقْلَعَتْ.
وِمَطْلَعُ الأَمْرِ، كمَقْعَدٍ: مَأْتَاهُ ووَجْهُه الّذِي يُؤْتَى إِليْه، ومَطْلَعُ الجَبَلِ: مَصْعَدُه، وأَنْشَدَ: أَبُو زَيْدٍ:
ما سُدَّ من مَطْلَعٍ ضَاقَتْ ثَنِيَّتُه *** إِلَّا وَجَدْتُ سَوَاءَ الضِّيقِ مُطَّلَعَا
وِطَالِعَةُ الإِبِلِ: أَوَّلُها.
وكذا مَطْلَعُ القَصِيدَةِ: أَوَّلُها، وهو مَجَاز.
وِتَطَلُّعُ النَّفْسِ: تَشَوُّفُهَا ومُنَازَعَتُها.
ويَقُولُون: هو طَالِعُه سَعِيدٌ: يَعْنُونَ الكَوْكَبَ.
ومَلأتُ له القَدَحَ حتَّى كادَ يَطْلَعُ من نَوَاحِيه، ومنه قَدَحٌ طِلاعٌ؛ أَي مَلآن، وهو مَجَازٌ، وعَيْنٌ طِلَاعٌ: مَلَأى من الدَّمْعِ، وهو مَجَازٌ.
وِتَطَلَّعَ الماءُ من الإِنَاءِ: تَدَفَّقَ مِنْ نَوَاحِيهِ. ويُقَالُ: هذا لَكَ مَطْلَعُ الأَكَمَةِ؛ أَي حاضِرٌ بَيِّنٌ، ومَعْنَاهُ أَنَّه قَرِيبٌ مِنْكَ فِي مِقْدَارِ مَا تَطْلُعُ له الأَكَمَةُ، ويُقَالُ: «الشَّرُّ يُلْقَى مَطَالِعَ الأَكمِ» أَي بارِزًا مَكْشُوفًا.
وِاطَّلَعَتْه عَيْنِي: اقْتَحَمَتْه وازْدَرَتْه، وكُلُّ ذلِك مَجَازٌ.
وفي المَثَلِ: «بعدَ اطِّلاعٍ إِيناسٌ» قاله قَيْسُ بنُ زُهَيْرٍ في سِبَاقِه حُذَيْفَة بنَ بَدْرٍ لما اطَّلَعَت فَرَسُه الغبْرَاءُ، فقال قيْسٌ ذلِكَ فَذَهَبَتْ مَثَلًا، والإِيناسُ: النَّظَرُ والتَّثَبُّتُ، وذلِكَ لأَنَّ الغَبْرَاءَ سَبَقَت في المَكَانِ الصُّلْبِ، فلمَّا صِرْنَ في الوَعَثِ سَبَقَ دَاحِسٌ بقُوَّتِه، فلِذَا قالَ:
رُوَيْدَ يَعْلُونَ الجَدَدْ وإِيُّاهُ عَنَى الشَمّاخُ [بقَوْلهِ]:
ليْسَ بما ليْسَ بِهِ باسٌ بَاسْ *** وِلا يَضُرُّ البَرَّ ما قالَ النّاسْ
وِإِنَّه بعدَ اطِّلاع إِيناسْ
ويُرْوَى: «قَبْلَ اطِّلاعٍ» أَي قَبْلَ أَنْ تَطَّلِعَ تُؤْنِسُ بالشَّيْءِ.
والمَلِكُ الصالِحُ طَلائِعُ بنُ رُزَّيْك، وزِيرُ مِصْر، الَّذِي وَقَفَ بِرْكَةَ الحَبَشِ عَلَى الطالِبيِّينَ، وسَيَأْتِي ذِكْرُه في «ر ز ك».
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
49-تاج العروس (شرف)
[شرف]: الشَّرَفُ، مُحَرَّكَةً: الْعُلُوُّ، والْمَكانُ الْعَالِي، نقلهُ الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ:آتِي النَّدِيَّ فلا يُقرَّبُ مَجْلِسِي *** وَأَقُودُ للشَّرَفِ الرَّفِيعِ حِمَارِي
يقول: إِنِّي خَرِفْتُ فلا يُنْتفعُ برَأْيِي، وكبِرْتُ فلا أَسْتطِيعُ أَنْ أَرْكبَ مِن الأَرْضِ حِمَارِي، إِلَّا مِن مَكانٍ عَالٍ.
وَقال شمِرٌ: الشَّرَفُ: كُلُّ نَشْزٍ مِن الأَرْضِ، قد أَشْرَف على ما حَوْلَهُ، قادَ أو لم يَقُدْ، وإِنَّما يَطُولُ نَحْوًا مِن عَشْرِ أذْرُعٍ، أو خمْسٍ، قلَّ عَرْضُ ظهْرِهِ أو كَثُرَ.
وَيُقال: أَشْرَفَ لي شرَفٌ فما زِلْتُ أَرْكُضُ حتى عَلوْتُهُ، وَمنه قوْلُ أُسَامَة الهُذلِيُّ:
إذا مَا اشْتَأَى شَرَفًا قبْلهُ *** وَوَاكَظَ أَوْشك منه اقْتِرَابا
والشَّرَفُ: الْمَجْدُ، يُقال: رَجُلٌ شرِيفٌ، أي: مَاجِدٌ، أَو لا يَكُونُ الشَّرَفُ والمَجْدُ إِلَّا بالْآبَاءِ، يُقال: رَجُلٌ شَرِيفٌ، ورَجُلٌ مَاجِدٌ: له آباءٌ متقدِّمون في الشَّرَفِ؛ وأما الحَسَبُ والكرَمُ فيكونان في الرَّجُلِ، وإِن لم يَكنْ له آباءٌ، قالهُ ابنُ السِّكِّيتِ.
أو الشَّرَفُ: عُلُوُّ الْحَسَبِ، قالُه ابنُ دُرَيْدٍ.
والشَّرَفُ مِن الْبَعِيرِ: سَنامُهُ، وَهو مَجازٌ، وأَنْشَدَ:
شرَفٌ أَجَبُّ وكاهِلٌ مَجْزُولُ
والشَّرَفُ: الشَّوْطُ، يُقَال: عَدَا شَرَفًا أو شَرَفَيْنِ.
أَو الشَّرَفُ: نَحْوُ مِيلٍ وهو قَوْلُ الفَرَّاءِ، ومنه الحديث: «الخَيْلُ لِثَلاثَةٍ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، ولِرَجُلٍ سِتْرٌ، وعلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فأَمَّا الذي له أَجْرٌ: فرَجُلٌ رَبَطَهَا في سَبِيلِ الله، فأَطَالَ لها في مَرْجٍ أو رَوْضَةٍ، فما أَصَابَتْ في طِيَلِهَا ذلك مِنَ المَرْجِ أو الرَّوْضَةِ كانَتْ له حَسَنَاتٍ، ولو أَنَّه انْقَطَعَ طِيَلُهَا فاسْتَنَّتْ شَرَفًا أو شَرَفَيْنِ، كانتْ له آثارُهَا وأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ، ولو أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهْرٍ فَشَرِبَتْ منه ولم يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا، كان ذلك حَسَنَاتٍ له، فهي لِذلِكَ الرَّجُلِ أَجْرٌ» الحديثُ.
ومِن المَجَازِ: الشَّرَفُ: الْإِشْفَاءُ علَى خَطَرٍ مِن خَيْرٍ أَو شَرٍّ، يُقَال في الخَيْرِ: هو علَى شَرَفٍ مِن قَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَيُقَال في الشَّرِّ: هو علَى شَرَفٍ مِن الهَلَاك.
وشَرَفٌ: جَبَلٌ قُرْبَ جَبَلِ شُرَيْفٍ، كزُبَيْرٍ، وشُرَيْفٌ هذا أَعْلَى جَبَلٍ بِبِلَادِ الْعَرَبِ، هكذا تَزْعُمُه العربُ، زاد المُصَنِّفُ: وقد صَعِدْتُهُ، وقال ابنُ السِّكِّيتِ: الشَّرَفُ: كَبِدُ نَجْدٍ، وكان مِن مَنازِلِ المُلُوكِ مِن بَنِي آكِلِ المُرَارِ مِن كِنْدَةَ، وفي الشَّرَفِ حِمَى ضَرِيَّةَ وضَرِيَّةُ: بِئْرٌ، وفي الشَّرَفِ الرَّبَذَةُ، وَهي الحِمَى الأَيْمَنُ، وفي الحديثِ: «أنَّ عُمَرَ حَمَى الشَّرَفَ، والرَّبَذَةَ».
والشَّرَفُ: موضع بِإشْبَيلِيَّة، مِن سَوَادِهَا، كَثِيرُ الزَّيْتُونِ، كما في العُبَابِ، وقال الشَّقُنْدِيُّ: شَرَفُ إِشْبِيلِيَةَ: جَبَلٌ عظيمٌ، شَرِيفُ البُقْعَةِ، كَرِيمُ التُّرْبَةِ، دائمُ الخُضْرَةِ، فَرْسَخٌ في فَرْسَخٍ طُولًا وعَرْضًا، لا تكادُ تُشْمِسُ فيه بُقْعَةٌ، لِالْتِفافِ أَشْجَارِهِ، ولا سِيَّمَا الزَّيْتُون، وقال غيرُه: إِقْلِيمُ الشَّرَفِ علَى تَلٍّ أَحْمَرَ عالٍ مِن تُرَابٍ أَحْمَرَ، مَسافَتُه أَرْبَعُون مِيلًا في مِثلِهَا، يَمْشِي به السَّائِرُ في ظِلِّ الزَّيْتُونِ والتِّينِ، وقال صاحِبُ «مَبَاهِجِ الفِكَرِ»: وأَمَّا جَبَلُ الشَّرَفِ، وهو تُرَابٌ أَحْمَرُ، طُولُه مِن الشِّمَالِ إِلَى الجَنُوبِ أَربعون مِيلًا، وَعَرْضُه مِن المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ اثْنا عَشَرَ مِيلًا، يشْتَمِلُ علَى مائتين وعشرين قَرْيَةً، قد الْتَحَفَ بأَشْجَارِ الزَّيْتُونِ، وَالْتَفَّتْ عَلَيه، منه: الحاكمُ أَبُو إِسحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بنُ محمدٍ الشَّرَفيُّ، خَطِيبُ قُرْطُبَةَ، وصَاحِبُ شُرْطَتِها، وهذا عَجِيبٌ، وَله شِعْرٌ فَائِقٌ، مات سنة 396.
وأَمِينُ الدِّينِ أَبو الدُّرِّ يَاقُوتُ بنُ عبدِ الله الشَّرَفيُّ، وَيُعْرَفُ أَيْضًا بالنُّورِيِّ، وبالمَلِكِيِّ، الْمَوْصِليُّ الْكَاتِبُ، أَخَذَ النَّحْوَ عن ابنِ الدَّهّانِ النَّحْوِيِّ، واشْتَهَرَ في الخَطِّ حتى فَاقَ، ولم يكنْ في آخِرِ زَمانِهِ مَن يُقَارِبُه في حُسْنِ الخَطِّ، وَلا يُؤَدِّي طَرِيقَةَ ابنِ البَوَّابِ في النَّسْخِ مِثْلُه، مع فَضْلٍ غَزِيرٍ، وكان مُغْرىً بنَقْلِ صِحَاحِ الجَوهرِيِّ، فكتَب منه نُسَخًا كثيرةً، تُبَاعُ كُلُّ نُسْخَةٍ بمائةِ دينارٍ، تُوُفِّيَ بِالمَوْصِلِ، سنة 618، وقد تَغَيَّرَ خَطُّه مِن كِبَرِ السِّنِّ، هكذا تَرْجَمَهُ الذَّهَبِيُّ في التَّارِيخِ، والحافِظُ في التَّبْصِيرِ مُخْتَصِرًا، وقد سمِعَ منه أَبو الفَضْلِ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ دِيوَانَ المُتَنَبِّي، بحَقِّ سمَاعِهِ مِن ابنِ الدَّهّانِ.
والشَّرَفُ: مَحَلَّةُ بِمِصْرَ، وَالذي حَقَّقَهُ المَقْرِيزِيُّ في الخِطَطِ، أنَّ المُسَمَّى بالشَّرَفِ ثَلاثَةُ مَوَاضِعَ بمصرَ، أَحدُهَا المَعْرُوفُ بجَبَلِ الرَّصْدِ.
منها أَبو الحسن عَلِيُّ بنُ إبراهيمَ الضَّرِيرُ الْفَقِيهُ، رَاوِي كتابِ المُزَنِيِّ عن أَبي الفَوَارِسِ الصَّابُونِي، عنه، مات سنةَ 408.
وأَبو عُثْمَانَ سَعِيدُ بنِ سَيِّدٍ الْقُرَشِيُّ الحاطِبِيُّ، عن عبدِ الله بن محمدٍ البَاجِيِّ، وعنه أبو عُمَرَ بنُ عبدِ البرِّ.
وأَبو بكرٍ عَتِيقُ بنُ أَحمدَ الْمِصْرِيُّ، عن إِبي إِسحاقَ بنِ سُفْيَانَ الفَقِيهِ، وغيرِه،: الْمُحَدِّثُونَ الشَّرَفيُّونَ.
وفَاتَهُ: أَبو العَبَّاسِ بنُ الحُطَيْئَةِ الفَقِيهُ المَالِكِيُّ الشَّرَفيُّ.
وَمحمودُ بنُ أَيتكين الشَّرَفيُّ، سَمِعَ منه ابنُ نُقْطَةَ، وقال؛ مات سنة 615.
وَأَرمانُوسُ بنُ عبدِ اللهِ الشَّرَفيُّ، عن إِبي المُظَفَّرِ بنِ الشِّبْلِيِّ، وغيرِه، مات سنةَ 606، قَالَهُ الحافِظُ.
وشَرَفُ الْبَيَاضِ: مِن بِلَادِ خَوْلَانَ، مِنْ جِهَةِ صَعْدَةَ.
وشَرَفُ قِلْحَاحٍ: قُلْعَةٌ علَى جَبَلِ قِلْحَاحٍ، وقُرْبَ زَبِيدَ، حَرَسَها الله تعالَى، وسائرَ بلادِ المُسْلِمِين.
والشَّرَفُ الأَعْلَى: جَبَلٌ آخَرُ هُنَالِكَ، عليه حِصْنٌ مَنِيعٌ، يُعْرَفُ بحِصْنِ الشَّرَفِ.
والشَّرَفُ: موضع، بِدِمَشْقَ، وَهو جَبَلٌ علَى طَرِيقِ حاجِّ الشَّامِ، ويُعْرَفُ بشَرَفِ البَعْلِ، وقيل: هو صُقْعٌ مِن الشَّامِ.
وشَرَفُ الْأَرْطَى: مَنْزِلٌ لِتَمِيمٍ مَعْرُوفٌ.
وشَرَفُ الرَّوْحَاءِ: بَيْنَها وبين مَلَلٍ مِن الْمَدِينَةِ المُشَرَّفَةِ، عَلَى سِتَّةٍ وثَلاثِينَ مِيلًا، كَمَا في صَحِيحِ مُسْلِمٍ، في تَفْسِيرِ حديثِ عائشة رضي الله عنها: «احْتَجَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَحَدِ بِمَلَل، علَى لَيْلَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ رَاحَ فتَعَشَّى بشَرَفِ السَّيَّالَةِ، وصَلَّى الصُّبْحَ بعِرْقِ الظُّبْيَةِ» أو أَرْبَعِينَ أو ثَلاثِينَ، على اخْتِلافٍ فيه.
ومَوَاضِعُ أُخَرُ، سُمِّيتْ بالشَّرَفِ.
وشَرَفُ بنُ محمدٍ الْمَعَافِريُّ، وعليُّ بنُ إبراهيمَ الشَّرَفيُّ، كَعَرَبِيٍّ: مُحَدِّثَانِ، أَمَّا الأخِيرُ فهو الفَقِيهُ الضَّرِير، الذي رَوَى كتابَ المُزَنِيِّ عنه بِوَاسِطَةِ أَبِي الفَوَارِسِ، وقد تقَدَّم له قَرِيبًا، فهو تَكْرَارٌ ينْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيه.
وشُرَيْفٌ، كَزُبَيْرٍ: جَبَلٌ، قد تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قريبًا.
وأَيضًا: مَاءٌ لِبَنِي نُمَيْرٍ، بِنَجْدٍ، وَمنه الحديثُ: «مَا أُحِبُّ أَنْ أَنْفُخَ في الصَّلاةِ وأَنْ لِي مَمَرّ الشَّرَفِ». والشُّرَيْفُ لَهُ يَوْمٌ، أو هو مَاءٌ يُقَال له: التَّسْرِيرُ، ومَا كان عَنْ يَمِينِهِ إلى الغَرِبِ شَرَفٌ، وما كان عَنْ يَسَارِهِ إلى الشَّرْقِ شُرَيْفٌ، قال الأَزْهَرِيُّ: وقَوْلُ ابنُ السِّكِّيتِ في الشَّرَفِ وَالشُّرَيْفِ صَحِيحٌ.
وإِسْحَاقُ بنُ شَرْفَى، كَسَكْرَى: مِن المُحَدِّثين، وهو شَيْخٌ لِلثَّوْرِيِّ، كما في التَّبْصِيرِ.
وشَرُفَ الرَّجُلُ، كَكَرُمَ، فهو شَرِيفٌ الْيَوْمَ، وشَارِفٌ عَن قليل كذا في بَعضِ نُسَخِ الكتابِ، وهو الصَّوابُ، وَمِثْلُه نَصُّ الجَوهَرِيِّ والصَّاغَانِيِّ، وصاحبِ اللِّسَانِ، وفي أَكْثَرِهَا: عن قَرِيبٍ: أي سَيَصِيرُ شَرِيفًا، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، عن الفَرّاءِ، ج: شُرَفَاءُ، كأَمِيرٍ، وأُمَرَاءَ، وأَشْرَافٌ، كيَتِيمٍ، وَأَيْتَامٍ، وعَلَيه اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ.
وشَرَفٌ، مُحَرَّكَةً، ظاهرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ مِن جُمْلَةِ جُمُوعِ الشَّرِيفِ، ومِثْلُه في العُبَابِ، فإنَّه قال: والشَّرَفُ: الشُّرَفَاءُ، وَلكن الذي في اللِّسَانِ: أنَّ شَرَفًا، مَحَرَّكَةً، بمَعْنَى شَرِيفٍ، وَمنه قَوْلُهم: هو شَرَفُ قَوْمِهِ، وكَرَمُهم، أي شَرِيفُهم، وَكَرِيمُهم، وبه فُسِّرَ مَا جَاءَ في حديثِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّه قيل للأَعْمَشِ: لِمَ لمْ تَسْتَكْثِر عن الشَّعْبِي؟ قال: كان يَحْتَقِرُنِي، كنتُ آتِيهِ مع إِبْرَاهِيمَ، فيُرَحِّبُ به، ويقُول لي: اقْعُدْ ثَمَّ أَيُّهَا العَبْدُ، ثم يقول:
لَا نَرَفْعُ الْعَبْدَ فَوْقَ سُنَّتِهِ *** مَا دَامَ فِينا بِأَرْضِنَا شَرَفُ
أي: شَرِيفٌ، فتَأَمَّلْ ذلك.
والشَّارِفُ مِن السَّهَامِ: الْعَتِيقُ الْقَدِيمُ، نَقَلَهُ الجَوْهِريُّ، وَأَنْشَدَ لأَوْسٍ يَصِفُ صَائِدًا:
يُقَلِّبُ سَهْمًا رَاشَهُ بِمَنَاكِبٍ *** ظُهَارٍ لُؤَامٍ فهْو أَعْجَفُ شَارِفُ
ويقَالُ: سَهْمٌ شَارِفٌ، إذا كان بَعِيدَ العهدِ بالصِّيانَةِ، وَقيل: هو الذي انْتَكَثَ رِيشُه وعَقَبُه، وقيل: هو الدَّقيقُ الطَّوِيلُ.
والشَّارِفُ مِن النُّوقِ: الْمُسِنَّةُ الْهَرِمَةُ، وَقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: هي النَّاقَةُ الهِمَّةُ، وفي الأَسَاسِ: هي الْعَالِيَةُ السِّنِّ، ومنه حديثُ ابن زِمْلِ: «وإذا أَمامَ ذلك نَاقَةٌ عَجْفَاءُ شَارِفٌ» كَالشَّارِفَةِ، وقد شَرُفَتْ، شُرُوفًا، بالضَّمِّ، كَكَرُمَ، وَنَصَرَ، وَالمصدرُ الذي ذكَره مِن باب نَصَرَ قِياسًا، ومن بابِ كَرُمَ بخِلافِ ذلك: الجمع: شَوَارِفُ، وشُرُفٌ، ككُتُبٍ، ورُكَّعٍ، وَقال الجَوْهَرِيُّ: بضمِّ فسُكُونٍ، ومِثْلُه بَازِلٌ، وبُزْلٌ وعَائِدٌ وَعُوذٌ، وشُرُوفٌ، مِثْل عُدُولٍ، وَلا يُقَالُ للجَمَلِ: شَارِفٌ، وَأَنْشَدَ اللَّيْثُ:
نَجَاة مِنَ الْهُوجِ الْمَرَاسِيلِ هِمَّة *** كُمَيْت عَلَيْهَا كَبْرَةٌ فَهْيَ شَارِفُ
وَنَقَلَ شيخُنَا عن تَوْشِيحِ الجَلالِ، أَنَّهُ يُقَالُ للذَّكَرِ أَيضًا، وَفي حديثِ عليٍّ رضي الله عنه: «أَصَبْتُ شَارِفًا مِن مَغْنَمِ بَدْرٍ، وأَعْطَانِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، [شارفًا] فأَنَخْتُهُمَا ببابِ رَجُلٍ مِن الأَنْصَارِ، وحَمْزَةُ في البَيْتِ، ومعه قَيْنَةٌ تُغَنِّيهِ:
أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النَّوَاءِ *** فَهُنَّ مُعَقَّلَاتٌ بِالْفِنَاءِ
ضَعِ السِّكِّينِ في اللِّبَاتِ منها *** وَضَرِّجْهُنَّ حَمْزَةُ بالدِّماءِ
وَعَجِّلْ مِن أَطَايِبِها لشرفٍ *** طَعَامًا مِن قَدِيدٍ أو شِوَاءِ
فَخَرَجَ إِليهما فَجَبَّ أَسْنِمَتَهما، وبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وأَخَذَ أَكْبَادَهُمَا، فنَظَرْتُ إلى مَنْظَرٍ أَفْظَعَنِي، فانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فخَرَجَ ومعه زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ رضي الله عنه، حتى وَقَفَ عَلَيه، وتَغَيَّظَ، فرَفَعَ رَأْسَهُ إِليه، وقال: هَل أَنْتُمْ إِلَّا عَبيدُ آبَائِي؟ فرَجَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُقَهْقِرُ» قال ابنُ الأَثِيرِ: هي جَمْعُ شَارِفٍ، وتُضَمُّ رَاؤُهَا وتُسَكَّن تَخْفِيفًا، ويُرْوَى: ذَا الشَّرَفِ، بفَتْحِ الرَّاءِ والشِّينِ، أي: ذا العَلاءِ والرِّفْعَةِ.
وفي الحديث: «أَتَتْكُمُ» كما هو نَصُّ العُبابِ والرِّوَايَةُ: «إِذَا كَانَ كَذَا وكَذَا أَنَّى أَنْ تَخْرُجَ بكُمُ الشُّرُفُ الجُونُ» بضَمَّتَيْنُ أي: الْفِتَنُ الْمُظْلِمَةُ، وَهو تَفْسِيرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حين سُئِل: وما الشُّرُفُ الجُونُ يا رَسُولَ الله؟ قال: «فِتَنٌ كقِطْعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ». وقال أبو بكرٍ: الشُّرْفُ: جَمْعُ شَارف، وَهي النَّاقَةُ الهَرِمَةُ، شَبَّهُ الفِتَنَ في اتِّصالِهَا، وامْتِدَادِ أَوْقَاتِهَا بالنُّوقِ المُسِنَّةِ السُّودِ، والجُونُ: السُّودُ، قال ابنُ الأَثِيرِ: هكذا يُرْوى، بسُكُونِ الرَّاءِ، وهو جَمْعٌ قَلِيلٌ في جَمْعِ فاعِلٍ، لم يَرِدْ إِلَّا في أَسْمَاءٍ مَعْدُودَةٍ ويُرْوَى: «الشُّرْقُ الْجُونُ»، بِالْقَافِ، جَمْعُ شَارِقٍ، أي: الْفِتَنْ الطَّالِعَةُ، مِن نَاحِيَةِ المَشْرِقِ، نَادِرٌ لم يَأْتِ مِثْلُه إِلا أَحْرُفٌ مَعْدُودَةٌ، مِثْل بَازِلٍ وبُزْلٍ، وحَائِلٍ وحُولٍ، وعَائِذٍ وعُوذٍ، وعَائِطٍ وعُوطٍ.
والشُّرْفُ أَيْضًا مِن الْأَبْنِيَةِ: مَا لَها شُرَفٌ، الْوَاحِدَةُ شَرْفَاءُ، كحَمْرَاءَ وحُمْرٍ، ومنه حديثُ ابنُ عَبَّاسٍ: رضي الله عنهما: «أُمِرْنَا أَنْ نَبْنِي المَسَاجِدَ جُمًّا، والمَدائِنَ شُرْفًا» وَفي النِّهَايَةِ: أرادَ بالشُّرْفِ التي طُوِّلَتْ أَبْنَيتُهَا بالشُّرَفِ، الوَاحِدَةُ شُرْفَةٌ.
والشَّوَارِفُ: وِعَاءُ الخَمْرِ مِن خابِيةٍ ونحوها.
والشَّارُوف: جَبَلٌ، قال الجَوْهَرِيُّ: مُوَلَّدٌ.
قال: والمِكْنَسَةُ تُسَمَّى شَارُوفًا، وهو مُعَرَّبُ جَارُوبْ، وَأَصْلُه جَاى رُوبْ، أي كَانِسُ المَوْضِعِ.
وشَرَافِ، كَقَطَامِ: موضع بَيْنَ وَاقِصَةَ والفَرْعَاءِ، أَوْ مَاءَةٌ لِبَنِي أَسَدٍ، وَمنه حديثُ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «يُوشِك أَنْ لا يَكُونَ بَيْنَ شَرَافِ وأَرْضِ كذا وكذا جَمَّاءُ، ولا ذَاتُ قَرْنٍ، قيل: وكيف ذاك؟ قال: «يكونُ النَّاسُ صُلَامَاتٍ، يَضْرِبُ بَعْضُهُم رِقَابَ بَعْضٍ»، وقال المُثَقِّبُ العَبْدِيُّ:
مَرَرْنَ عَلَى شَرَافِ فَذَاتِ رَجْلٍ *** وَنَكَّبْنَ الذَّرَانِحَ بالْيَمِينِ
وبِنَاؤُه علَى الكَسْرِ هو قَولُ الأَصْمَعِيِّ، وأَجْرَاهُ غيرُه مُجْرَى ما لا يَنصَرِفُ مِن الأَسْمَاءِ، أَو هو: جَبَلٌ عَالٍ، أَو يُصْرَفُ، ومنه قَوْلُ الشَّمَّاخِ:
مَرَّتْ بنَعْفَىْ شَرَافٍ وهي عَاصِفَةٌ *** تَخْدِي علَى بَسَرَاتٍ غيْرِ أَعْصَالِ
أو هو كَكِتَابٍ، مَمْنُوعًا من الصَّرْفِ، فصار فيه ثَلاثُ لُغَاتٍ.
وشُرَافٌ، كَغُرَابٍ: مَاءٌ غيرُ الذي ذُكِرَ.
وشَرَفَهُ، كَنَصَرَهُ، شَرْفًا: غَلَبَهُ شَرَفًا، فهو مَشْرُوفٌ، زاد الزَّمَخْشَرِيُّ: وكذا: شَرُفْتُ عَلَيه، فهو مَشْرُوفٌ عَلَيه، أَو طَالَهُ في الْحَسَبِ، وَقال ابنُ جِنِّي: شَارَفَهُ فَشَرَفَهُ، يَشْرُفُه: فَاقَه في الشَّرَفِ، وشَرَفَ الْحَائِطَ، يَشْرُفُه، شَرْفًا: جَعَلَ لَهُ شُرْفَةً، بالضَّمِّ، وسَيَأْتِي قريبًا. وقَوْلُ بِشْرِ بنِ المُعْتَمِر:
وَطَائِرٌ أَشْرَفُ ذُو جُرْدَةٍ *** وَطَائِرٌ ليْسَ له وَكْرُ
قال عمرو: الْأَشْرَفُ مِن الطَّيرِ: الْخُفَّاشُ لأَنَّ لأُذُنَيْهِ حَجْمًا ظاهِرًا، وهو مُتَجَرِّدٌ مِن الزِّفِّ والرِّيشِ، وهو طائرٌ يَلِدُ ولا يَبِيضُ، وقَوْلُهُ: وطَائِرٌ آخَرُ ولا وَكْرَ له هكذا هو في النُّسَخِ، ولا يَخْفَى أَنَّه تَفسِيرٌ للمِصْرَاعِ الأَخِيرِ مِنَ البَيْتِ، الذي ذَكَرْنَاه لِبِشْرٍ، لأَنَّه من مَعَانِي الأَشْرَفِ، وانْظُرْ إلى نَصِّ اللِّسَانِ، والعُبَابِ، بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ بِشْرٍ، ما نَصُّه: وَالطائِر الذِي لا وَكْرَ له، هو طائِرٌ يُخْبِرُ عنه البَحْرِيُّون أَنَّه لا يَسْقُطُ إِلَّا رَيْثَمَا يَجْعَلُ لِبَيْضِهِ أُفْحُوصًا مِن تُرَابٍ، ويِبَيضُ، وَيُغطِّي عَلَيْهِ، ولا يَخْفَى أنَّ قَوْلَهُ: ويَبِيضُ، ليس فيما نَصَّ عَليه الصَّاغَانِيُّ، وصاحِبُ اللِّسَانِ عن البَحْرِيِّين، وهو بَعْدَ قَوْلِه: لِبَيْضِهِ، غيرُ مُحْتَاجَ إليه، ويَطِيرُ أي: ثُمَّ يَطِيرُ في الهَوَاءِ، وبَيْضُهُ يتَفَقَّسُ، وفي بعض النسخ: يَنْفَقِشُ بِنَفْسِهِ، عندَ انْتِهَاءِ مُدَّتِهِ، فإِذا أَطَاقَ فَرْخُهُ الطَّيَرَانَ كَانَ كَأَبَوَيْهِ في عَادَتِهِمَا، فهذه العِبَارَةُ سِيَاقُهَا في وَصْفِ الطَّيْرِ الآخَرِ، الذِي قَالَهُ بِشْرٌ في المِصْرَاعِ الأَخِيرِ، فتَأَمَّلْ ذلك.
ومَنْكِبٌ أَشْرَفُ. عَالٍ، وَهو الذي فيه ارْتِفَاعٌ حَسَنٌ، وهُوَ نَقِيضُ الأَهْدَإِ.
وأُذُنٌ شَرْفَاءُ: طَوِيلَةٌ نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وزاد غيرُه: قَائِمَةٌ مُشْرِفَةٌ، وكذلك الشُّرَافِيَّةُ.
قال: وشُرْفَةُ الْقُصْرِ، بِالضَّمِّ: معروف معروف، الجمع: شُرَفٌ، كَصُرَدٍ، جَمْعُ كَثْرَةٍ، ومنه حديث المَوْلِدِ: «ارتَجَسَ إِيوَانُ كِسْرَى، فَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً» ويُجْمَع أَيضًا على شُرفاتٍ، بضَمِّ الرَّاءِ وفَتْحِهَا وسُكُونِها، ويُقَال أَيضًا: إِنَّهَا جَمْعُ شُرُفَةٍ، بضَمَّتَيْنِ، وهو جَمْعُ قِلَّةٍ، لأَنَّهُ جَمْعُ سَلامَةٍ، قال الشِّهَابُ: شُرُفَاتُ القَصْرِ: أَعالِيهِ، هكذا فَسَّرُوه، وإِنَّما هي ما يُبْنَى على أَعْلَى الحائطِ مُنْفَصِلًا بَعْضُه مِن بَعْضٍ، علَى هَيْئَةٍ مَعْرُوفَةٍ.
وقال الأَصْمَعِيُّ: شُرْفَةُ الْمَالِ: خِيَارُهُ.
وقَوْلُهُم: إِنِّي أَعُدُّ إِتْيَانَكُمْ شُرْفَةً، بِالضَّمِّ، وَأَرَى ذلك شُرْفَةً، أيْ فَضْلًا، وشَرَفًا أَتَشَرَّفُ به.
وشُرُفَاتُ الْفَرَسِ، بِضَمَّتَيْنِ: هَادِيهِ، وقَطَاتُهُ.
وأُذُنٌ شُرَافِيَّةٌ، وشُفَارِيَّةٌ: إذا كَانَتْ عَالِيَةً طويلةً، عليها شَعَرُ.
وقال غيرُه: نَاقَةٌ شُرافِيَّةٌ: ضَخْمَةُ الْأُذُنَيْنِ، جَسِيمَةٌ، وَكذلك نَاقَةٌ شَرْفَاءُ.
والشُّرَافيُّ، كغُرَابِيٍّ: ثِيَابٌ بِيضُ، أَو هو مَا يُشْتَرى مِمَّا شارَفَ أَرْضَ الْعَجَمِ مِن أَرْضِ الْعَرَبِ، وَهذا قَوْلُ الأصْمَعِيِّ.
ومِن المَجَازِ: أَشْرَافُكَ: أُذُنَاكَ وأَنْفُكَ، هكذا ذكَرُوا، وَلم يذْكُرُوا لها واحدًا، والظَّاهرُ أنَّ وَاحِدَهَا شَرَفٌ، كسَبَبٍ وَأَسْبَابٍ، وإِنَّمَا سُمِّيَتِ الأُذُنُ والأَنْفُ شَرْفَاءَ، لِبُرُوزِهَا وَانْتِصَابِهَا، وقَال عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ العِبَادِيُّ:
كَقَصِيرٍ إذْ لم يَجِدْ غَيْرَ أَنْ جَدْ *** دَعَ أَشْرَافَهُ لشُكْرٍ قَصِيرُ
وَفي المُحْكَمِ: الأَشْرَافُ: أَعْلَى الإِنْسَانِ، واقْتَصَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ على الأَنْف.
والشِّرْيَافُ، كَجِرْيالٍ: وَرَقُ الزَّرْعِ إذا طَالَ وكَثُرَ، حتى يُخَافَ فَسَادُهُ، فَيُقْطَعَ، نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ، وقد شَرْيَفَهُ، والنُّونُ بَدَل اليَاءِ، لُغَةٌ فيه، وهما زَائِدَتان كما سيأتي.
ومَشَارِفُ الأَرْضِ: أَعَالِيهَا، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ.
ومَشَارِفُ الشَّامِ: قُرًى مِن أَرْضِ العَرَبِ، تَدْنُو مِن الرِّيفِ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، عن أبي عُبَيْدَةَ، وقال غَيْره: مِن أَرْضِ اليَمَنِ، وقد جاءَ في حديثِ سَطِيحٍ: «كان يسكُن مَشَارِفَ الشَّامِ» وهي: كُلُّ قَرْيَةٍ بَيْنَ بلادِ الرِّيفِ وبَيْنَ جَزِيرَةِ العَرَبِ، لأَنَّهَا أَشْرَفَتْ علَى السَّوادِ، ويُقَال لها أَيضًا: المَزَارِعُ، كما تقدَّم، والبَرَاغِيلُ كما سَيَأْتِي، قال أَبو عُبَيْدَةَ: مِنْهَا السُّيُوفُ الْمَشْرَفِيَّةُ، بِفَتْحِ الرَّاءِ، يُقَال: سَيْفٌ مَشْرَفيٌّ، وَلا يُقَال: مَشَارِفيٌّ، لأَنَّ الجَمْعَ لا يُنْسَبُ إِليه إذا كان علَى هذا الوَزْنِ، لا يُقَال: مَهَالِبِيٌّ، ولا: جَعَافِرِيٌّ، ولا: عَبَاقِرِيٌّ، كما في الصِّحاحِ، وقال كُثَيِّرٌ:
فما تَرَكُوهَا عَنَوَةً عن مَوَدَّةٍ *** وَلكنْ بحَدِّ المَشْرَفيِّ اسْتَقالَها
وَقال رُؤْبَةُ:
والحَرْبُ عَسْرَاءُ اللِّقَاحِ المُغْزِي *** بالمَشْرِفِيَّاتِ وطَعْنٍ وَخْزِ
وَفي ضِرَامِ السِّقْطِ: مَشْرَفٌ: اسْمُ قَيْنٍ، كان يَعْمَلُ السُّيُوفَ.
وأَبو الْمَشْرَفيِّ، بفَتْحِ المِيمِ والرَّاءِ، بِاسْمِ السَّيْفِ: عَمْرُو بنُ جَابِرِ الحِمْيَرِيُّ، يُقَال: إنَّه أَوَّلُ مَوْلُودٍ بِوَاسِطَ.
وأَبو المَشْرَفيِّ: كُنْيَةُ لَيْثٍ، شَيْخِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ الرَّاوِي عَن أَبي مَعْشَرٍ زِيَادِ بنِ كُلَيْبٍ التمِيمِيِّ الكُوفيِّ، الرَّاوِي عن إِبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ، قلتُ: وهو لَيْثُ بنُ أَبي سُلَيْمٍ اللَّيْثِيُّ الكُوفيُّ، هكذا ذَكَرَه المُزَنِيُّ. وقد ضَعَّفُوه لِاخْتِلاطِهِ، كما في ديوان الذَّهَبِيِّ.
وشَرِفَ الرَّجُلُ، كَفَرِحَ: دَامَ علَى أَكْلِ السَّنَامِ.
وشَرِفَتِ الْأُذُنُ، شَرَفًا، وكذا شَرِفَ الْمَنْكِبُ: أي ارْتَفَعَا، وَأَشْرَفَا، وقيل: انْتَصَبا في طُولٍ.
وشَرُفَ الرَّجُلُ، كَكَرُمَ شَرَفًا، مُحَرَّكَةً، وَشَرَافَةً: علَا في دِينٍ أو دُنْيَا، فهو شَرِيفٌ، والجَمْعُ: أَشْرَافٌ، وقد تقدَّم.
وأَشْرَفَ الْمَرْبَأَ: عَلَاهُ، كَشَرَّفَهُ، تَشْرِيفًا، هكذا في النُّسَخِ، والصَّوابُ، كتَشَرَّفَهُ، وشَارَفَهُ، مُشَارِفَةً، وفي الصِّحاحِ: تَشَرَّفْتُ المَرْبَأَ، وأَشْرَفْتُهُ: أي عَلَوْتُهُ، قال العَجَّاجُ:
ومَرْبَإِ عَالٍ لِمَنْ تَشَرَّفَا *** أَشْرَفْتُهُ بلا شَفًى أو بِشَفَى
وَفي اللِّسَانِ: وكذلك أَشْرَفَ علَى المَرْبَإِ: عَلاهُ.
وأشْرَفَ عَلَيْهِ: اطَّلَعَ عَلَيه مِن فَوْقٍ، وذلك الْمَوْضِعُ مُشْرَفٌ، كَمُكْرَمٍ، وَمنه الحديثُ: «ما جاءَك مِن هذا المَالِ وَأنْتَ غَيْرَ مشْرِفٍ ولا سَائِلٍ، فَخُذْهُ».
وأَشْرَفَ الْمَرِيضُ علَى الْمَوْتِ: إذا أَشْفَى عليه.
وأَشْرَفَ عَلَيْهِ: أَشْفَقَ، قال الشَّاعِرُ، أَنْشَدَهُ اللَّيْثُ:
وَمِنْ مُضَرَ الْحَمْرَاءِ إِشْرَافُ أَنْفُسٍ *** علينا وحَيَّاهَا إِلَيْنَا تَمَضَّرَا
ومُشْرِفٌ، كَمُحْسِنٍ: رَمْلٌ بِالدَّهْنَاءِ قال ذُو الرُّمَّةِ:
إِلَى ظُعُنٍ يَعْرِضْنَ أَجْوَازَ مُشْرِفٍ *** شِمَالًا وعَنْ أَيْمَانِهِنَّ الْفَوَارِسُ
ومُشَرَّفٌ، كَمُعَظَّمٍ: جَبَلٌ. قال قَيْسُ بن عَيْزارَةَ:
فإِنَّكَ لَوْ عَالَيْتَهُ في مُشَرَّفٍ *** مِن الصُّفْرِ أَوْ مِن مُشْرِفَاتِ القَّوائِم
هكذا فَسَّرَه أَبو عمرٍو، وقال غيرُه: أي في قَصْرٍ ذِي شُرُفٍ مِن الصُّفْرِ.
وشَرِيفَةُ، كَسَفِينَةٍ بنتُ محمدِ بنِ الفَضْلِ الفُرَاوِيِّ، حَدَّثَتْ عن جَدّها لأُمِّهَا طَاهِرٍ الشَّحَامِيِّ، وعنها ابنُ عَسَاكِرَ.
وشَرَّفَ الله الْكَعْبَةَ، تَشْرِيفًا، مِن الشَّرَفِ، مُحَرَّكَةً، وهو المَجْدُ.
وشَرَّفَ فُلَانٌ بَيْتَهُ، تَشْرِيفًا: جَعَلَ له شُرَفًا، وَلَيْسَ مِن الشَّرَفِ.
وتَشَرَّفَ الرَّجُلُ: صَارَ مُشَرَّفًا مِن الشَّرَفِ.
وتُشُرِّفَ الْقَوْمُ، بِالضَّمِّ، أي مَبْنِيًّا للمَجْهُولِ: قُتِلَتْ أَشْرَافُهُم، نَقَلَهُ الصَّاغَانِيُّ.
واسْتَشْرَفَهُ حَقَّهُ: ظَلَمَهُ، وَمنه قَوْلُ ابنِ الرِّقَاعِ:
وَلَقَدْ يَخْفِضُ الْمُجَاوِرُ فيهمْ *** غَيْرَ مُسْتَشْرَفٍ ولَا مَظْلُومِ
واسْتَشْرَفَ الشَّيْءَ: رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَيْهِ، وبَسَطَ كَفَّهُ فَوْقَ حَاجِبهِ، كَالْمُسْتَظِلِّ مِن الشَّمْسِ، نَقَلهُ الجوْهَرِيُّ، قال: وَمنه قَولُ الحُسَيْنِ بنِ مُطَيْرٍ الأَسَدِيّ:
فَيَا عَجَبًا للنَّاسِ يَسْتَشْرِفُونَنِي *** كَأَنْ لم يَرَوْا بَعْدِي مُحِبًّا ولا قَبْلِي
وَأَصْلُه مِن الشَّرَفِ: العُلُوّ؛ فإِنَّه يُنْظَر إليه مِن مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ، فيكونُ أَكْثَرَ لإِدْرَاكِه، وفي حديثِ الفِتَنِ: «ومَنْ تَشَرَّفَ لها تَسْتَشْرِفْهُ، فمَن وَجَدَ مَلْجَأً أو مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِه» ومنه حديثُ الأَضْحِيَةِ، عن عليٍّ رضي الله عنه: «أُمِرْنَا أَن نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ والأُذُنَ»: أي نَتَفَقَّدَهُما، ونَتَأَمَّلَهُمَا، أي نَتَأَمَّلُ سلامَتَها مِن آفَةٍ بهما، لِئَلَّا يَكُون فِيهِما نَقْصٌ، مِن عَوَرٍ أو جَدْع، فآفَةُ العَيْنِ العَوَرُ، وآفَةُ الأُذُنِ الجَدْعُ، فإِذا سَلِمَتِ الأُضْحِيَةُ منهما جَازَ أَنْ يُضَحَّى [بها]، وقيل: مَعْنَاه أيْ نَطْلُبَهُمَا شَرِيفَيْنِ، هكذا في النُّسَخِ، والصَّوابُ: شَرِيفَتَيْن بِالتَّمَامِ سلَامةِ، وقيل: هو مِن الشُّرْفَةِ، وهو خِيَارُ المالِ، أي: أُمِرْنَا أَن نَتَخَيَّرَهُمَا.
وشَارَفَهُ، مُشارَفَةً: فَاخَرَهُ في الشَّرَفِ، أَيُّهما أَشْرَفُ، فَشَرَفَهُ: إذا غَلَبَهُ في الشَّرَفِ.
واسْتَشْرَفَ: انْتَصَبَ، وَمنه حديثُ أَبِي طَلْحَةَ، رضي الله تعالَى عنه: «أَنَّه كانَ حَسَنَ الرَّمْيِ، فكان إذا رَمَى اسْتَشْرَفَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، لِيَنْظُرَ إِلَى مَواقِعِ نَبْلِهِ» قال:
تَطَالَلْتُ واسْتَشْرَفْتُهُ فَرَأَيْتُهُ *** فقُلْتُ له: آأَنْتَ زَيْدُ الأَرَامِلِ؟
وفَرَسٌ مُشْتَرِفٌ: أي مُشْرِفُ الْخُلْقِ. وشَرْيَفَهُ: قَطَعَ شِرْيَافَه* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
الاشْتِرَافُ: الانْتِصَابُ، نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وَالتَّشْرِيفُ: الزِّيَادَةُ، ومنه قَوْلُ جَرِيرٍ:
إذا ما تَعَاظَمْتُمْ جُعُورًا فَشَرِّفُوا *** جَحِيْشًا إِذَا أَبَتْ مِنَ الصَّيْفِ عِيرُهَا
قال ابنُ سِيدَهُ: أَرَى أنَّ مَعْنَاهُ: إذا عَظُمَتْ في أَعْيُنِكم هذه القَبِيلةُ مِن قبَائِلِكم، فَزِيدُوا منها في جَحِيشِ هذه القَبِيلَةِ القَلِيلَةِ.
وَالجَمْعُ أَشْرَافٌ، كسَبَبٍ وأَسْبَابٍ، قال الأَخْطَلُ:
وَقد أَكَلَ الْكِيرَانُ أَشْرَافَهَا الْعُلَى *** وَأُبْقِيَتِ الْأَلْوَاحُ والْعَصَبُ السُّمْرُ
قال ابنُ بُزُرْجَ: قالُوا: لك الشُّرْفَةُ في فُؤَادِي علَى النَّاسِ.
وَأَشْرَفَ علَى الشَّيْءِ، كتَشَرَّف عَلَيه.
وَنَاقَةٌ شَرْفَاءُ: شُرَافِيَّةٌ.
وَضَبٌّ شُرَافيٌّ: ضَخْمُ الأُذُنَيْنِ، جَسِيمٌ، ويَرْبُوعٌ شُرَافيٌّ: كذلك، قال:
وَإِنِّي لأَصْطَادُ الْيَرَابِيعَ كُلَّهَا *** شُرَافِيَّهَا والتَّدْمُرِيَّ الْمُقَصَّعَا
وَأَشْرَفَ لك الشَّيءُ: أَمْكَنَكَ.
وشَارَفَ الشَّيْءَ: دَنَا منه، وقَارَبَ أَنْ يَظْفَرَ به، وقيل: تَطَلَّعَ إِلَيْهِ، وحَدَّثَتْهُ نَفْسُه بِهِ، وتَوَقَّعَهُ.
وَمنه: فُلانٌ يتَشَرَّف إِبِلَ فُلانٍ، أي: يَتَعَيَّنُهَا، نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وَشَارَفُوهُمْ: أَشْرَفُوا عليهم.
وَالإِشْرَافُ: الحِرْصُ والتَّهَالُكُ، ومنهالحديثُ: «مَنْ أَخَذَ الدُّنْيَا بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَم يُبَارَكْ له فيها»، وقال الشاعر:
لَقَدْ عَلِمْتُ ومَا الْإِشْرَافُ مِنْ طَمَعِي *** أنَّ الذي هُوَ رِزْقي سَوْفَ يَأْتِينِي
وَنُهْبَةٌ ذَاتُ شَرَفٍ: أي ذَاتُ قَدْرٍ وقِيمَةٍ ورِفْعَةٍ، يَرْفَعُ النَّاسُ أَبْصَارَهم إِليها، ويَسْتَشْرِفُونَهَا، ويُرْوَى بالسِّينِ، وقد أَشَارَ له المُصَنِّفُ في «س ر ف».
وَاسْتَشْرَفَ إِبِلَهم: تَعَيَّنَها لِيُصِيبَها بالعَيْنِ.
وَدَنٌّ شَارِفٌ: قَدِيمُ الخَمْرِ، قال الأَخْطَلُ:
سُلَافَةٌ حَصَلَتْ مِنْ شَارِفٍ حَلِقٍ *** كَأَنَّمَا فَارَ منها أَبْجَرٌ نَعِرُ
وَشَرَّفَ النَّاقَةَ، تَشْرِيفًا: كادَ يَقْطَعُ أَخْلافَهَا بالصَّرِّ، قالَهُ ابنُ الأَعْرَابِيِّ، وأَنْشَدَ:
جَمَعْتُهَا مِنْ أَيْنُقٍ غِزَارِ *** مِن اللَّوا شُرِّفْنَ بِالصِّرَارِ
أرادَ: مِنَ اللَّوَاتِي، وإِنَّمَا يُفْعَلُ ذلك بها ليَبْقَى بُدْنُها وَسِمَنُهَا، فيُحْمَل عليها في السَّنَةِ المُقْبِلَةِ.
وَثَوْبٌ مُشَرَّفٌ: مَصْبُوغٌ أَحْمَرُ، وقال أَيضًا: العُمَرِيَّةُ: ثِيَابٌ مَصْبُوغَةٌ بالشَّرَفِ، وهو طِينٌ أَحْمَرُ، وثَوْبٌ مُشَرَّفٌ: مَصْبُوغٌ بالشَّرَفِ، وأَنْشَدَ:
أَلا لا يَغُرَّنَّ امْرَأً عُمَرِيَّةٌ *** علَى غَمْلَجٍ طَالَتْ وتَمَّ قَوَامُهَا
وَيُقال: شَرْفٌ وشَرَفٌ للْمَغْرَةِ، وقال اللَّيْثُ: الشَّرَفُ: [شجرٌ له] صِبْغٌ أَحْمَرُ، يُقال له: الدَّارْ بَرْنَيان، وقال الأَزْهَرِيُّ: والقَوْلُ ما قَالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ في المُشَرَّفِ.
وَكَعْبُ بنُ الأشْرَفِ، مِن رؤَسَاءِ اليهُودِ.
وَأَبو الشَّرْفَاءِ: مِن كُنَاهم، قال:
أَنا أبو الشَّرْفَاءِ مَنَّاعُ الْخَفَرْ
أَراد: مَنَّاعَ أَهْلِ الخَفَرِ.
وَالشُّرَفَا، والأَشْرَفِيَّاتُ، ومُنْيَةُ شَرَفٍ، ومُنْيَةُ شَرِيفٍ: قُرًى بمصرَ، من أَعْمَالِ المَنْصُورَةِ، ومُنْيَةُ شَرِيفٍ: أُخْرَى من الغَرْبِيَّةِ، وأُخْرَى مِن المَنُوفِيَّةِ.
وَمُشَيْرَفُ، مُصَغَّرًا: قَرْيَةٌ بالمَنُوفِيَّةِ، وهي في الدِّيوانِ: شُمَيْرَفُ، بتَقْدِيمِ الشّينِ، كما سيأتِي.
وَكزُبَيْرٍ: شُرَيْفُ بنُ جِرْوَةَ بنِ أُسَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ تَمِيمٍ.
في نَسَبِ حَنْظَلَةَ الكاتبِ.
وَإِبراهيمُ بنُ شُرَيْفٍ، عن أبي طالبِ بنِ سَوادَةَ، وعنه عُمَرُ بنُ إبراهيمَ الحَدَّادُ.
وَشِرَافَةُ، بالكَسْرِ: قَرْيَةٌ بالمَوْصِلِ، ذكَرَه ابنُ العَلاءِ الفَرَضِيِّ.
وَشُرَّافَةُ المَسْجِدِ، كتُفَّاحةٍ، والجَمْعُ: شَرَارِيفُ، هكذا اسْتَعْمَلَهُ الفُقَهَاءُ، قال شيخُنَا: وهو من أَغْلاطِهِم، كما نَبَّه عليه ابنُ بَرِّيّ، ونَقَلَهُ الدَّمَامِينِيُّ في شَرْحِ التَّسْهِيلِ.
وَقَطَع الله شُرُفَهُمْ ـ بضَمَّتَيْنِ ـ أي: أُنُوفَهم، نَقَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
50-تاج العروس (عنق)
[عنق]: العُنْقُ، بالضَّمِّ، وقالَ سِيبَوَيْهٌ: هو مُخَفَّفٌ من العُنُقِ بضَمَّتَيْن.وقولُه: كأَمِير وصُرَدٍ لم يَذكُرهما أَحدٌ من أَئِمَّة اللُّغَةِ فيما رَأَيتُ، غير أَنِّي وَجَدْتُ في العُبابِ قال ـ في أَثناءِ التركيبِ ـ: والعَنيقُ: العَنَق، فظَنَّ المُصنّفُ أَنه العُنُق بضَمَّتَين، وليس كذلِكَ، بل هو العَنَق، محركةً، بمعنى السَّيْرِ، ولكنّ المُصَنِّفَ ثِقَةٌ فيما يَنقلُه، فيَنْبَغِي أَن يكونَ ما يأْتِي به مَقْبولًا: الجِيدُ، وهو وُصْلَةُ ما بينَ الرأْسِ والجَسَدِ، وقد فَرّقَ بينَ الجِيدِ والعُنُق بما هو مَذْكُور في شَرْح الشّفاءِ للخَفاجِيّ فراجعُه، يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ. قال ابنُ بَرِّيّ: ولكن قولهم: عُنُقٌ هَنْعاءُ، وعُنُقٌ سَطْعاءُ يشهدُ بتَأْنِيث العُنُق.
والتَّذكِيرُ أَغْلَبُ، قاله الفَرّاءُ وغيرُه. وقالَ بَعضُهم: من خَفَّفَ ذَكَّر ومن ثَقَّل أَنَّث. وقالَ سِيبَوَيْهٌ: الجمع: أَي: جَمْعُها أَعْناق لم يُجاوِزُوا هذا البناءَ.
ومن المَجَاز: العُنُق: الجَمَاعة الكَثِيرة، أَو المُتَقَدِّمَةُ من النَّاس مُذَكَّر. وقيل: هم الرُّؤَساءُ مِنْهُم والكُبَراءُ والأَشْرافُ. وبهما فُسِّر قولُه تعالَى: {فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ} أي: فتَظَلُّ أَشْرافُهم أَو جَماعاتُهم. والجَزاءُ يَقَع فيه الماضِي في مَعْنَى المُسْتَقْبَلِ، كما في العُبابِ، وقيل: أَرادَ بالأَعْناقِ هُنا: الرِّقابَ، كقولك: ذَلَّتْ له رِقابُ القَوْمِ وأَعناقُهم.
ويُقالُ: جاءَ القومُ عُنُقًا عُنُقًا، أَي: طَوائِفَ. وقال الأَزهرِيُّ: أَي فِرَقًا، كُلُّ جماعةٍ منهم عُنُقٌ، وقِيلَ: رَسَلًا رَسَلًا، وقَطِيعًا قَطِيعًا. وقال الأَخْطَلُ:
وإِذا المِئُونَ تَواكَلتْ أَعْناقُها *** فاحْمِلْ هُناكَ عَلى فَتىً حَمَّالِ
قالَ ابنُ الأَعرابيّ: أَعناقُها: جَماعاتُها. وقال غَيرُه: سَاداتُها. وفي الحَدِيث: «لا يَزالُ النَّاسُ مُخْتَلِفةً أَعناقُهم في طَلَبِ الدُّنْيا» أَي: جَماعات مِنْهم، وقِيلَ: أَرادَ بهم الرُّؤساءَ والكُبَراءَ، كما تقدّم.
والعُنُق من الكَرِشِ: أَسْفَلُها. قال أَبو حَاتِم: هو والقِبَةُ شَيءٌ واحد.
والعُنُق من الخُبْزِ القِطْعَةُ منه كذا في النُّسخِ، والصَّوابُ «من الخَيْرِ» كما هو نَصُّ ابنِ الأَعْرابِيِّ. قالَ: يُقال: لفُلانٍ عُنُقٌ من الخَيْر، أَي: قِطْعةٌ قال: ومِنْه الحَدِيثُ: المُؤَذِّنُون أَطْولُ النَّاسِ أَعْناقًا يوم القيامةِ أَي: أَكْثَرُهُم أَعْمالًا. ويَشْهَدُ لذلك قَولُ مَنْ قَالَ: إِنَّ العُنُق هو القِطْعَة من العَمَل خَيْرًا كانَ أَو شَرًّا. أَو أَرادَ أَنَّهُم يَكُونُون رُؤَساءَ يَوْمَئِذٍ لأَنَّهم أَي: الرُّؤَساء عند العَرَبِ يُوصَفُون بِطُولِ العُنُقِ، قالَهُ ابنُ الأَثِير. ولو قالَ بطُولِ الأَعْناقِ كان أَحْسَنَ. قال الشَّمَرْدَلُ بن شَرِيك اليَرْبُوعِيّ:
يُشَبَّهُون سُيوفًا في صَرامَتِهم *** وطُولِ أَنْضِيَةِ الأَعْناقِ واللِّمَمِ
ورُوِي إِعناقًا بكَسْرِ الهَمْزَة؛ أَي أَكْثر إِسْراعًا إِلى الجَنَّةِ وأَعجلهم إِليها. وفي الحديث: «لا يَزال المُؤْمِن مُعْنِقًا صالِحًا ما لم يُصِب دَمًا حَرامًا» أَي: مُسْرِعًا في طاعَتِه مُنْبَسِطًا في عَمَله.
وفيه أَقوالٌ أُخَرُ سِتَّةٌ: أَحدُها: أَنَّهم سُبّاقٌ إِلى الجَنَّة من قَوْلِهم: له عُنُق في الخَيْر، أَي: سابقَةٌ، قاله ثَعْلب.
الثاني: يُغْفَرُ لَهم مَدّ صَوْتهم.
الثالثُ: يُزادُون على النَّاسِ.
الرابعُ: أَنَّ الناسَ يومَئذٍ في الكَرْبِ وهم في الرَّوْح والنَّشاط مُتَطَلِّعُون؛ لأَن يُؤذَنَ لهم بدُخُولِ الجَنَّة.
وغَيْر ذلك، كما في الفائِق والنِّهاية وشُروحِ البُخاري.
ومن المَجازِ: كَانَ ذلِك على عُنُقِ الإِسلام، وعُنُقِ الدَّهْر، أَي: قَدِيم الدَّهْرِ وقَدِيمِ الإِسلام.
وقَوْلُهم: هم عُنُقٌ إِلَيْك، أَي: مائِلُونَ إِلَيْك ومُنْتَظِرُوك. قال الجَوْهَرِيُّ: ومنه قول الشاعِرِ يُخاطِبُ أَميرَ المُؤْمِنين عليَّ بنَ أَبِي طالِبٍ رضي الله عنه:
أَبلِغْ أَمِيرَ المُؤْمِني *** ن أَخَا العِراقِ إِذا أَتَيْتَا
أَنَّ العِرَاقَ وأَهْلَه *** عُنُقٌ إِليكَ فهَيْتَ هَيْتَا
وقالَ الأَزْهَرِيُّ: أَرادَ أَنَّهُم أَقبَلُوا إِليكَ بجَماعتهم.
يُقال: جاءَ القومُ عُنُقًا عُنُقًا.
وذُو العُنُق: فَرسُ المِقْدادِ بن الأَسْوَد الكِنْدِيّ رضي الله عنه. أَوردَه ابنُ الكَلْبِيّ في أَنْسابِ الخَيْل.
وذُو العُنُق: لَقَب يَزِيدَ بنِ عَامِر بنِ المُلَوَّح بن يَعْمُر، وهذا الشّدّاخ بنُ عَوْف بن كَعْب بنِ عامِر بنِ لَيْث اللَّيْثي.
وذو العُنُق: شاعِرٌ جُذَامِيُّ.
وذُو العُنُق: لَقَب خُوَيْلِد بن هِلالِ بنِ عامِرِ بنِ عائِذِ بنِ كَلْب بنِ عَمْروِ بنِ لُؤَيِّ بن رُهْمِ بنِ مُعاوِيَةَ بن أَسْلَم بن أَخْمَس بنِ الغَوْثِ بنِ أَنْمار البَجَلِيِّ الكَلْبيّ؛ لِغِلَظِ رَقَبَته، وابنُه الحَجَّاج بنُ ذِي العُنُق جاهِلِيٌّ، وكانَ قَدْ رَأَسَ. قالَ ضِرارُ بنُ الخَطَّاب الفِهرِيُّ:
إِن كُنتُم مُنْشِدِي فوارِسكُم *** فأْتُوا الحُصَيْنَيْنِ وابنَ ذِي العُنُق
ومن المَجازِ: أَعْناقُ الرِّيحِ: ما سَطَعَ من عَجاجِها.
والمِعْنَقَةُ، كمِكْنَسة: القِلادَةُ كما في الصِّحاح والتَّهْذِيب، وخَصَّصَه ابنُ سِيدَه فقال: تُوضَع في عُنُق الكَلْبِ.
وقال ابنُ شُمَيْلٍ: المِعْنَقَة: الحَبْلُ الصَّغِير بَيْن أَيْدِي الرَّمْل قال الصاغانيُّ: والقِياسُ مِعْنَاقَة، لِقَوْلِهم في الجَمْع: مَعَانِيقُ الرّمال، كذا رُوِي عن ابن شُمَيْل. قال الصاغانِيّ: أَو مَعانِقُ الرَّمل.
وذو العُنَيْق، كَزُبَيْر: موضع وذاتُ العُنَيْق: ماءَةٌ قُربَ حاجِرٍ.
والمَعْنَقَة، كمَرْحَلَة: ما انْعَطَفَ من قِطَع الصُّخُورِ. نقله الصّاغانِيُّ.
قال: ويُقال: بَلَدٌ مَعْنَقَةٌ أَي: لا مُقامَ به لِجُدُوبَتِه، هكذا ذَكَره والذي في النَّوادِر يُخالِفه، كما سيأْتي.
ويومُ عَانِقٍ: معروف مَعْروف من أَيَّام العَرَب.
والأَعْنَق: الطَّوِيل العُنُق الغَلِيظُه، وقد عَنِقَ عَنَقًا، وهي عَنْقاءُ بَيِّنةُ العَنَقِ. وحكى اللِّحيانيُّ: ما كان أَعْنَقَ، ولقد عَنِق عَنَقًا، يَذْهَبُ إِلى النُّقْلَةِ.
والأَعنَقُ: فَحْلٌ من خَيْلِهم مَعْروف يُنْسَب إِليه يعني بَناتِ أَعْنَق فإِنَّهُنَّ يُنْسَبْنَ إِليه، كما سَيأْتِي قَرِيبًا.
والكَلْبُ الأَعْنَق: مَنْ في عُنُقِه بَياضٌ كما في العُبابِ والمُفْرداتِ.
وإِبراهِيمُ بنُ أَعْنَق: مُحَدّث كما في العُبابِ.
وبَناتُ أَعْنَقَ: بَنات دِهْقان مُتَمَوِّلٍ من الدَّهَاقِنَة. قال الأَصمعِيّ: هُنَّ نِساءٌ كُنَّ في الدَّهْرِ الأَول، يُوصَفْن بالحُسْنِ، أَسْرَجْنَ دَوابَّهنَّ، ليَنْظُرن إِلى هذِه الدُّرَّة من حُسْنِها. وقالَ أَبو العَبّاسِ: بَناتُ أَعْنَق: نِسْوة كُنَّ بالأَهْوازِ، وقد ذَكَرهُنَّ جَرِيرٌ للفَرَزْدَقِ يَهْجوه.
وفي مَاخُورِ أَعْنَقَ بِتَّ تَزْنِي *** وتَمْهَرُ ما كَدَحْتَ من السُّؤالِ
وأَيضًا الخَيْلُ المَنْسُوبَة إِلى أَعْنَقَ الذي تقدم ذكره.
وبالوَجْهَيْن فُسِّر قَولُ عَمْرِو بن أَحْمَر الباهلِيِّ الذي أَنشدَه ابنُ الأَعرابيِّ:
تَظَلُّ بَناتُ أَعْنَقَ مُسْرَجَاتٍ *** لرُؤْيَتِه يَرُحْنَ ويَغْتَدِينَا
قال أَبو العبّاس: مَنْ جَعَل أَعنَق رَجُلًا رواه «مُسْرِجات» بكَسْرِ الرّاءِ، ومن جَعَله فَرسًا رواه بفَتْحِها.
وطارَت به العَنْقاءُ أَي: الدَّاهِيَة قال:
يَحْمِلن عَنْقَاءَ وعَنْقَفِيرَا *** وأُمَّ خَشَّافٍ وخَنْشَفِيرَا
والدَّلْوَ والدَّيْلَم والزَّفِييرَ
وكُلُّهُنَّ دَواةً، ونَكَّر عَنْقَاءَ وعَنْقَفِيرا، وإِنَّما هما باللَّامِ، وقد تُحذَفُ منهما اللَّام. وهما باقِيانِ على تَعْرِيفِهما.
وقالَ الجَوهَرِيُّ: أَصْلُ العَنْقاءِ طائِر عَظِيم مَعْرُوف الاسْم، مَجْهُول الجسْم.
وقالَ أَبو حَاتِمٍ في كِتاب الطَّيْر: وأَما العَنْقاءُ المُغْرِبة فالدَّاهِيَةُ، وليسَتْ من الطَّيْرِ عَلِمْناها.
وقال ابن دُرَيْدٍ: عَنْقاءُ مُغْرِب: كَلِمة لا أَصْلَ لها.
يُقال: إِنَّها طَائِرٌ عَظِيمٌ لا يُرَى إِلَّا في الدُّهُورِ، ثم كَثُر ذلِك حتَّى سَمَّوْا الدّاهِيَةَ عَنْقاءَ مُغْرِبًا ومُغْرِبة، قال:
ولولا سُلَيْمانُ الخَلِيفَةُ حَلَّقَتْ *** به من يَدِ الحَجَّاجِ عَنْقاءُ مُغْرِبُ
وقِيلَ: سُمِّيت عَنْقاء لأَنَّه كان في عُنُقِها بَياضٌ كالطَّوْق.
وقال كُراع: العَنْقاءُ فيما يَزْعمُون: طائِرٌ يكون عند مَغْرِبِ الشَّمس.
وقال الزَّجَّاج: هو طَائِر لم يَرَه أَحدٌ.
وقيلَ في قَولِه تَعالَى: {طَيْرًا أَبابِيلَ}: هي عَنْقاءُ مُغْرِبة، وقِيلَ: هو العُقابُ.
وقد ذُكِرَ في: «غ ر ب» شَيْءٌ من ذلِك فراجِعْه.
والعَنْقاءُ: لقب رَجُلٍ من العَرَب، وهو ثَعْلَبَة بنُ عَمْرو وعَمْرٌو هو مُزَيْقِياءُ بنُ عامِرِ بنِ حارثَةَ بنِ ثَعْلَبَة بنِ امْرِئِ القَيْسِ بن مازِن. وقالَ ابن الكَلْبِيِّ: قيلَ له ذلك لِطُولِ عُنُقِه. وقالَ الشاعِرُ:
أَو العَنْقَاءُ ثَعْلَبةُ بنُ عَمْروٍ *** دِماءُ القَوْم للكَلْبَى شِفاءُ
قلتُ: وإِلى ثَعْلبةَ يرجِعُ نَسَب الأَنْصارِ، وهم بَنُو الأَوْس والخَزْرج ابنَيْ ثَعْلبةَ العَنْقاءِ هذا.
والعَنْقاءُ: أَكَمَة فَوْقَ جَبَل مُشْرِفٍ، قاله أَبو مَالِكٍ، وقد تَقدَّم ذلك للمصنِّف في «غ ر ب». وأما قولُ ابنِ أَحْمر:
في رَأْسِ خَلْقاءَ من عَنْقاءَ مُشْرفَةٍ *** لا يُبْتَغَى دُونَها سَهْلٌ ولا جَبَلُ
فإِنّه يَصِفُ جَبَلًا، يقولُ: لا يَنْبَغِي أَن يَكونَ فَوْقَها سَهْلٌ ولا جَبَلٌ أَحْصَن منها.
وعَنْقاءُ: مَلِكٌ من قُضاعَةَ، والتَّأْنِيثُ عندَ اللَّيْثِ لِلَفْظِ العَنْقاءِ.
وابنُ عَنْقاءَ: شَاعِر كما في العُباب.
وعُنْقَى، كبُشْرَى: أَرْضٌ، أَو وَادٍ وبه رُوِي قَولُ أَبِي ذُؤَيْب الهُذَلِي المَذْكُور في «ع معروف ق».
والعَنِيقُ كأَمِير: المُعانِقُ. قالَ الشاعِرُ:
وباتَ خَيالُ طَيْفِكَ لِي عَنيقًا *** إِلى أَنْ حَيْعَلَ الدَّاعِي الفَلاحَا
كما في الصحاح، وأَنشَدَ أَبو حنيفةَ:
وما راعَنِي إِلَّا زُهاءُ مُعانِقِي *** فأَيُّ عَنِيقٍ باتَ لي لا أَبا لِيَا
والعَنَق، مُحَرَّكةً: ضَرْبٌ من السَّيْرِ، وهو سَيْر مُسْبَطِرٌّ مُنْبَسِط لِلإِبِلِ والدَّابَّةِ. ومنه الحَدِيث: «أَنّه كان يَسِيرُ العَنَقَ فإِذا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ».
وقال أَبو النَّجْم:
يا ناقُ سِيرِي عَنَقًا فَسِيحا *** إِلى سُليمانَ فنَسْتَرِيحَا
والعَنَق: طُولُ العُنُق، وقد عَنِقَ، كفَرِحَ.
والعَناقُ كسَحابٍ: الأُنثَى من أَولادِ المَعزِ، زادَ الأَزهريُّ: إِذا أَتَتْ عليها سنةٌ. وقالَ ابنُ الأَثِير: ما لم يَتِمَّ له سَنَة. وأَنشدَ ابنُ الأَعرابي لقُرَيْظٍ يَصِف الذّئبَ:
حَسِبتَ بُغامَ راحِلَتي عَناقًا *** وما هي وَيْبَ غَيْرِكَ بالعَناقِ
فلو أَنِّي رَميتُك من قَرِيبٍ *** لعاقَكَ عن دُعاءِ الذِّئبِ عاقِ
الجمع: في أَقلّ العَدَد ثَلاثُ أَعْنُق وأَرْبَعُ أَعْنُقٍ. قال الفَرَزْدَقُ:
دَعْدِعْ بأَعنُقِكَ القَوائِمَ إِنَّنِي *** في باذِخٍ يابنَ المَراغَةِ عالٍ
والجَمْعُ الكَثِير عُنوقٌ. قال الأَزهريّ: هو نادِرٌ. قال أَوسُ بنُ حَجَر:
يَصُوعُ عُنُوقَها أَحْوَى زَنِيمٌ *** له ظَأَبٌ كما صَخِبَ الغَرِيمُ
وأَنشَد ابنُ السِّكِّيت:
أَبوكَ الَّذِي يَكْوِي أَنُوفَ عُنُوقِه *** بأَظْفارِه حتَّى أَنَسَّ وأَمْحَقَا
وقال سِيبَوَيْهٌ: أَما تَكْسِيرُهم إِيْاه على أَفْعَلُ فهو الغَالِب على هذا البِناءِ من المُؤَنَّثِ. وأَما تَكْسِيرُهم له على فُعُول، فلِتَكْسِيرهم إِيّاه على أَفْعُل؛ إِذا كانا يَعْتَقِبان على باب فَعْل.
وفي المَثَل: «العُنُوقُ بَعْد النُّوقِ» يُضْرَب في الضِّيقِ بَعْدَ السَّعَةِ. وفي حَدِيث الشَّعْبِيّ: «نَحْنُ في العُنُوقِ ولم نَبْلُغ النُّوق» قال ابنُ سِيدَه: وفي المَثَل: «هذه العُنُوقُ بعد النُّوق» يقول: مَالُكَ العُنُوقُ بعدَ النُّوقِ، يُضرَبُ للذي يكونُ على حالَةٍ حَسَنَةٍ، ثم يركبُ القَبِيحَ من الأَمر، ويَدَعُ حالَه الأُولى، وينحَطُّ من عُلْوٍ إِلى سُفْلٍ. قال الأَزْهَرِيّ: يُضرَب للذي يُحَطُّ عن مَرْتَبَتِه بعد الرِّفْعَةِ. والمَعْنَى أَنه صار يَرْعَى العُنوقَ بعد مَا كانَ يَرْعَى الإِبِلَ، وراعِي الشَّاءِ عندَ العربِ مَهِينٌ ذَلِيلٌ، ورَاعِي الإِبِل عَزِيز شَرِيف.
وعَناقُ الأَرضِ: دَابَّة صَيَّادَة، يُقالُ لها: التُّفَّةُ، والغُنْجُل، وهي أَصْغَرُ من الفَهْدِ الطَّوِيلِ الظَّهْرِ. وقالَ الأَزهريُّ: فَوقَ الكَلْبِ الصِّينِيّ، يَصِيدُ كما يَصِيد الفَهْدُ، ويأْكلُ اللَّحْمَ، وهو من السِّباعِ، يُقال: إِنه لَيْسَ شيءٌ من الدَّوابّ يُؤَبِّر، أَي: يُعَفِّي أَثَره إِذا عَدَا غيرَه وغيرَ الأَرْنَب، وجمعُه عُنُوقٌ أَيضًا عَجَمِيَّتُه سِياهْ كُوشْ قال: وقد رأَيتُه بالبَادِيَةِ، وهو أَسودُ الرَّأْسِ، أَبيضُ سائِره.
والعَنَاقُ أَيضًا: الدَّاهِيَة. يقال: لَقِيَ فُلان عَناقَ الأَرض، وأُذُنَيْ عَناق، أَي: دَاهِيَة.
وقِيلَ: الأَمرُ الشَّدِيد. قال:
إِذا تَمطَّيْنَ على القَياقِي *** لاقَيْنَ منه أُذُنَيْ عَناقِ
أَي: من الحادِي، أَو من الجَمَل.
ويُقال: رَجَع فُلانٌ بالعَناقِ: إِذا رَجَع خائِبًا، يُوضَعُ العَناقُ مَوْضِعَ الخَيْبة، قال:
أَمِن تَرْجيع قارِيَةٍ تَرَكْتُم *** سَبَايَاكُم وأُبتُم بالعَناقِ
وصَفَهُم بالجُبْن. وقارِية: طَيْر أَخضَرُ يُنذِرُ بالمَطَرِ.
يَقُولُ: فَزِعْتُم لمَّا سَمِعْتُم تَرْجِيعَ هذا الطّائرِ فتركْتُم سبَايَاكم، وأُبتُم بالخَيْبة. كالعَنَاقَة.
والعَناقُ: الوُسْطَى من بَناتِ نَعْش الكُبَر وقد ذُكِر في: «ق ود» تَفْصِيلا، وأَشَرْنا له هُناك.
وفي شَرْح الخُطْبة: والعَناقُ: زَكاةُ عامَيْن، قِيلَ: ومنه قَولُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه لِعُمَرَ بنِ الخَطَّاب رضي الله عنه حِينَ حارَب أَهْلَ الردَّة: «لو مَنَعُونِي عَناقًا» مما كانوا يُؤَدُّونَه إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليهوسلم».
ويُروَى: عِقالًا، وهو زَكَاةُ عَام. وقال ابن الأَثِير: في الرِّواية الأُولَى دَلِيلٌ على وُجُوب الصَّدقةِ في السِّخالِ، وأَنّ واحدةً منها تُجزِئُ عن الواجِبِ في الأَرْبَعِينَ منها إِذا كانت كُلُّها سِخالًا، ولا يُكلَّفُ صاحِبُها مُسِنَّة. قال: وهو مذهب الشّافِعيّ. وقال أَبو حَنِيفَةَ: لا شيءَ في السِّخالِ، وفيه دَلِيلٌ على أَنَّ حَوْل النِّتاج حَوْلُ الأُمَّهات، ولو كان يُسْتَأْنف لها الحَوْل لم يُوجَدْ السَّبيلُ إِلى أَخْذِ العَناقِ.
والعَناقُ: فَرسُ مُسْلِم بنِ عَمْروٍ الباهِلِيِّ من نَسْلِ الحَرُونِ بنِ الخُزَزِ بن الوَثِيمِيِّ بنِ أَعْوَجَ.
والعَناق: موضع، قال ذُو الرُّمّة:
عَناقَ فأَعْلَى واحِفَيْنِ كأَنّه *** من البَغْيِ للأَشْباحِ سِلْمٌ مُصالِحُ
وقيل: العَناقُ: مَنارَةٌ عادِيَّة بالدَّهْناءِ، ذَكَرَها ذُو الرُّمَّةِ في شِعْرِه، وبه فُسِّر البَيْتُ الذي تَقَدَّمَ له. وقال أَيْضًا يَصِفُ ناقَتَه.
مَراعاتُك الآجالَ ما بَيْنَ شارِعٍ *** إِلى حيثُ حادَتْ من عَنَاقِ الأَواعِسُ
قال الأَزهريُّ: رأَيتُ بالدَّهْناءِ شبه مَنَارةٍ عادِيَّةٍ مَبْنِيَّةٍ بالحِجارَةِ، وكان القَوْمُ الذين أَنَا مَعَهم يُسَمُّونَها عَناقَ ذِي الرُّمَّة، لِذِكرِه إِيَّاها في شِعْره. والعَناقُ: وادٍ بأَرضِ طَيِّئ بالحِمَى، عن الأَصمَعِيِّ، كما في العُبابِ. وأَنشَد للرَّاعِي:
تَبَصَّرْ خَلِيلي هل تَرَى من ظَعائِنٍ *** تَحمَّلْنَ من وَادِي العَناقِ فثَهْمَدِ
ويُروَى: «من جَنْبَي فِتاق» وفي اللِّسان: قال الأَصمَعِيُّ: العَناقُ بالحِمَى، وهو لِغَنِيٍّ، وقيل: وادِي العَناقِ بالحِمَى في أَرْض غَنِيّ. وأَنشدَ قَوْلَ الرَّاعي.
قلتُ: فهذا هُوَ الصَّواب. وقولُ المُصَنِّف: بأَرْضِ طَيِّئٍ تَصْحِيف تَبِع فيه الصَّاغانِيَّ، والصوابُ بأَرْضِ غَنِيّ، ويَدُلُّك على أَنَّه خطأٌ أَنَّه لَيْس لِطَيِّئٍ بالحِمَى أَرضٌ، فَتأَمْل ذلِك.
والعَنَاقَان: موضع. قالَ كُثيِّرٌ يَصِف الظُّعْنَ:
قوارِضُ حِضْنَيْ بَطْنِ يَنْبُعَ غُدْوَةً *** قَوَاصِدُ شَرْقِيِّ العَنَاقَيْنِ عِيرُها
والعَناقَةُ: كسَحَابة: ماءَةٌ لغَنِيّ. قال أَبُو زِياد: إِذا خَرَج عامِلُ بَنِي كِلاب مُصدّقًا من المَدِينة فأَوَّل مَنْزل يَنْزله ويُصَدِّقُ عليه أُرَيْكة، ثم العَناقَة. قالَ ابنُ هَرْمَةَ:
فإِنَّك لَاقٍ بالعَناقَةِ فارْتَحِل *** بِسَعْدٍ أبِي مَرْوانَ أَو بالمُخَصَّرِ
وقال ابنُ الأَعرابيّ: العانِقَاءُ: جُحْر من جِحَرَةِ اليَرْبُوع يَملؤُها تُرابًا، فإِذا خاف اندَسَّ فيه إِلى عُنُقِه. وقال غَيرُه: يَكونُ للأَرْنَبِ كَذلِك. وقال المُفضَّل: يقال لجِحَرةِ اليَرْبُوع: النّاعِقَاءُ، والعانِقَاءُ [والقاصِعاء] والنَّافِقاءُ، والرَّاهِطَاءُ، والدَّامَّاءُ. وتَعَنَّق ها، وتَعَنَّقَ بها: إِذا دَخَلَها، وكذلك الأَرنَبُ إِذا دَسَّ رَأْسَه وعُنُقَهِ في جُحْرِه تَعنَّقَ، والأَرْنبُ تُذَكَّر وتُؤَنَّثُ.
والتَّعانِيقُ: موضع. قال زُهَيْرُ بنُ أَبِي سُلْمَى:
صَحَا القَلبُ عن سَلْمَى وقَدْ كانَ لَا يسْلُو *** وأَقْفرَ من سَلْمَى التَّعانِيقُ فالثُّجْلُ
والتَّعَانِيقُ أَيضًا: جَمْع تُعْنُوق، بالضِّمّ للسَّهْل مِنَ الأَرْضِ، وكأَنّه من ذلك يُسَمَّى الموضع.
والمِعْناقُ: الفَرَسُ الجَيّدُ العَنَق أَي: السَّير، وقد أَعْنَقَ إِعناقًا ج: مَعانِيق.
وأَعْنَق الكَلْبَ، جَعَلَ في عُنُقه قِلادَةً، نقلَه الجوهريُّ.
وأَعنَقَ الزَّرعُ: طَالَ، وطَلَع سُنْبُله، كأَنّه صارَ ذا عُنُق.
ومن المَجازِ: أَعْنَقَتِ الثُّرَيَّا أَي: غَابَت قال:
كأَنّي حينَ أَعْنَقَتِ الثَّرَيّا *** سُقِيتُ الرَّاحَ أَو سَمًّا مَدُوفَا
وقيلَ: أَعْنَقَتِ النُّجومُ: إِذا تقَدَّمَتْ للمَغِيبِ.
وأَعْنَقَتِ الرِّيحُ أَي: أَذْرَتِ التُّرابَ وهو مَجاز.
والمُعْنِقُ، كمُحْسِنٍ: ما صَلُبَ وارْتَفَع من الأَرْض وحَوالَيْه سَهْلٌ، وهو مُنْقادٌ نحو ميل وأَقَلّ من ذلِك، والجمع مَعَانِيقُ. تَوهَّمُوا فيه مِفْعالًا لكَثْرةِ ما يَأْتِيانِ معًا، نحو: مُتْئِم ومِتْئام ومُذْكِر ومِذْكار.
ومَرْبَأَةٌ مُعْنِقَةٌ: مُرتَفِعة طَوِيلَةُ. قال أَبو كَبِيرٍ الهُذَلِيّ يصِفُها:
عَنْقاءَ مُعْنِقَةٍ يكونُ أَنِيسُها *** وُرْقَ الحَمامِ جَمِيعُها لم يُؤْكَلِ
وعَنَّقَ عليه تَعْنِيقًا: مَشَى وأَشْرَفَ.
وعَنَّقَت كوافِيرُ النِّخْلِ جمع كَافُور: طَالَت ولم تفلق.
وعَنَّقَت استُه: خَرَجَت.
وعَنَّقتِ البُسْرَةُ: بَقِيَ منها حَوْلَ القِمَعِ مِثْلُ الخاتَمِ، وذلِكَ إِذا بَلَغَ التَّرْطِيبُ قَرِيبًا من قِمَعِها.
وعَنَّق فُلانًا أَي: خَيَّبَه، من العَناقِ بمَعْنَى الخَيْبَةِ.
والمُعَنِّقَةُ، كمُحَدِّثة: دُوَيْبَةٌ هكذا في النُّسَخ، والصَّوابُ بكَسْرِ الميمِ، والجَمْع مَعانِقُ، قال أَبو حَاتِم: المَعانِقُ: هي مُقَرِّضاتُ الأَساقِي، لها أَطْواقٌ في أَعْناقِها ببياضِ.
والمُعَنِّقاتُ كمُحَدِّثات: الطِّوال من الجِبَالِ هكذا في النُّسَخِ، وصوابُه «الحِبال» بالحَاءِ المُهْمَلة.
وقولُه صلى الله عليهوسلم لأُمِّ سَلَمَة رضي الله عنها حينَ دَخَلَت شاةٌ لجارٍ لها، فأَخذَت قُرْصًا من تحت دَنٍّ لها، فقامَتْ إِليها فأَخَذَتْها من بَيْنِ لَحْييْها، فقالَ: «ما كان يَنْبَغِي لَكِ أَنْ تُعَنِّقِيها إِنه لا قَلِيل من أَذَى الجَارِ» أَي: تَأْخُذِي بِعُنُقِها وتَعْصِرِيها، أَو مَعْناه: تُخَيِّبيها، مِن عَنَّقَه إِذا خَيَّبه كما ذُكِر قريبًا ورُوِي: تُعَنِّكِيها بالكافِ، والتَّعْنِيكُ: المَشَقَّة والتَّعْنِيف، كما سَيأْتِي. قال الصاغانِيُّ: ولو رُوِيَ تُعَنِّفِيها بالفَاءِ من العُنْف لكان وَجْهًا قريبًا إِذا وافَقَت الرِّواية.
وتَعانَقَا واعْتَنَقا بِمَعْنَىً واحِد.
وقيل: عانَقَا في المَحَبَّة مُعانَقَة وعِناقًا، وقد عانَقَه إِذا الْتَزَمه فأَدْنَى عُنُقَه من عُنُقِه. وقال الجَوْهَرِيُّ: العِناقُ: المُعانَقَةُ، وقد عانَقَه: إِذا جَعَلَ يَدَيْهِ على عُنُقِه وضَمَّه إِلى نَفْسِه. واعْتَنَقا في الحَرْب ونَحْوِها وقد يَجُوز الافْتِعال في مَوْضع المُفَاعَلَة، فإِذا خَصَصْتَ بالفِعْلِ واحدًا دُونَ الآخر لم تَقُل إِلَّا عانَقَه في الحَالَين.
قال الأَزهريُّ: وقد يَجوزُ الاعْتِناق في الموَدَّة كالتَّعانُق، وكُلُّ في كُلٍّ جائز.
والمُعْتَنَق على صِيغَة اسم المَفْعُول: مَخْرَجُ أَعْناقِ الجِبالِ صوابُه «الحِبال» بالحاءِ المهملة مِنَ السَّرابِ قال رُؤْبَة يَصِفُ الآلَ والسَّرابَ:
تَبدُو لنا أَعلامُه بَعْدَ الغَرَقْ *** في قِطَعِ الآلِ وهَبْواتِ الدُّقَقْ
خارجةً أَعناقُها من مُعْتَنَقْ *** تَنَشَّطَتْه كُلُّ مِغْلاةِ الوهَقْ
أَي: اعْتَنَقَت فأَخرجَت أَعْناقَها.
والتَّركِيبُ يدُلُّ على امْتِدادٍ في شَيْءٍ إِمّا في ارْتِفاع، وإِمَّا في انْسِياحٍ.
* ومما يُسْتَدْرَكُ عليه: رَجُلٌ مُعْنِقٌ، وامرأَةٌ مُعْنِقَةٌ: طَوِيلا العُنُقِ.
[و] هَضْبة عَنْقاءُ: مُرْتَفِعةٌ طويلةٌ.
والتَّعَنُّق: العَصْر بالعُنُق.
واعْتَنَقَت الدّابّةُ: وَقَعت في الوَحْلِ، فأَخْرَجَت عُنُقَها.
وعُنُقُ الصَّيْفِ والشِّتاءِ: أَوَّلُهُما ومُقَدَّمَتهُما على المَثَل، وكذلِكَ عُنُق السِّنِّ. قال ابنُ الأَعرابِيِّ، قُلت لأَعرابِيٍّ: كم أَتَى عَلَيك؟ قال: أَخَذْت بعُنُقِ السِّتِّين، أَي: أَوَّلها، والجَمْع أَعناقٌ.
وعُنُق الرَّحِمِ: ما اسْتَدَقَّ منها مِمّا يَلِي الفَرْجَ.
وفي الحَدِيثِ: «يَخرُج عُنُقٌ من النّارِ» أَي: تَخْرُجُ قِطْعَةٌ من النار.
وقال ابنُ شُمَيْل: إِذا خَرَجَ من النَّهرِ ماءٌ فجَرَى فقد خَرَج عُنُقٌ.
وهُم عُنُقٌ عليه، كقَوْلهم: هُمْ إِلْبٌ عليه، والعُنُق: القِطْعَة من المالِ.
وسَيْرٌ عَنِيقٌ، كأَمِير: مثل عَنَقٍ، وهُما اسْمان من أَعْنق إِعناقًا.
ودابَّةٌ مُعنِقٌ، وعَنِيق: مثل مِعْناق. وفي الحديث: «فانطَلَقْنا مَعانِيق إِلى النّاس نُبَشِّرُهم» قال شَمِر: أَي مُسْرِعين.
وفي حَدِيث أَصحاب الغارِ: «فانْفَرَجَتِ الصَّخرةُ فانْطَلَقُوا مُعانِقِين» أَي مُسْرِعين، من عَانَق، مثيل أَعنقَ: إِذا سَارَع وأَسْرع، ويُرْوَى: مَعانِيق.
ورَجُلٌ مُعْنِق، وقوم مُعنِقُون ومَعانِيق. وقال ذُو الرُّمَّة:
أَشاقَتْكَ أَخلاقُ الرُّسُومِ الدَّواثِرِ *** بأَدْعاصِ حَوْضَى المُعْنِقات النَّوادِرِ
المُعْنِقاتُ: المُتَقّدِّمات منها.
وفي نَوادِرِ الأَعْراب: بلادٌ مُعْنِقةٌ ومُعْلِقة: بَعِيدَةٌ، وقد أَعنَقَتْ، وأَعْلَقَتْ.
ويقال: عَنَقَت السَّحابةُ: إِذا خَرَجَت من مُعْظَمِ الغَيْمِ تَراهَا بَيْضاءَ لإِشْراقِ الشَّمْس عليها. قال:
ما الشُّرْبُ إِلَّا نَغَباتٌ فالصَّدَرْ *** في يومِ غَيْمٍ عَنَقَت فيه الصُّبُرْ
وقال ابن بَرِّيّ: ناقَةٌ مِعْناقٌ: تَسِير العَنَق. قال الأَعْشَى:
قد تجاوَزْتُها وتَحْتِي مَرُوحٌ *** عَنْتَرِيسٌ نَعَّابةٌ مِعْناقُ
وفي الحَدِيث: «أَعنَقَ لِيَمُوت» أَي: أَنَّ المَنِيَّةَ أَسْرَعَت به، وساقَتْه إِلى مَصْرَعِه.
والعَناقُ، كَسَحابٍ: الحَرَّةُ.
والعُنُق، بضمتين: جمع عَنَاق للسَّخْلَةِ. وأَنشدَ ابنُ الأَعرابِيّ:
لا أَذْبح النَّازِيَ الشَّبُوبَ ولا *** أَسلُخُ يوم المُقامَةِ العُنُقَا
لا آكُلُ الغَثَّ في الشِّتاءِ ولا *** أَنصَحُ ثَوْبِي إِذا هُوَ انْخَرَقَا
وشاةٌ مِعْناق: تَلِدُ العُنُوقَ، قال:
لَهْفي على شَاةِ أَبي السَّبَّاقِ *** عَتِيقةٍ من غَنَمٍ عِتاقِ
مَرْغُوسَةٍ مَأْمُورَةٍ مِعْناقِ
وقال علِيُّ بنُ حَمْزةَ: العَناقُ: المُنْكَر، وبه فُسِّر قَولُ الشَّاعِر السّابِق: «وأُبْتُم بالعَناقِ» أَي: بالمُنْكَرَ.
وجاءَ بأُذُنَي عَناقِ أَي بالكَذِب الفاحِش.
وقَولُ أَبِي المُثَلَّم يَرْثِي صَخْرَ الغَيّ:
حَامِي الحَقِيقَة نَسَّالُ الوَدِيقَة مِعْ *** ناقُ الوَسِيقَةِ جَلْدٌ غَيرُ ثُنْيانِ
أَي: يُعْنِقُ في أَثر طَريدَتِه. ويُرْوى: «مِعْتاق» بالتّاءِ، وقد ذُكِر في مَحَلِّه.
ويُقال: الكَلامُ يأْخذُ بعضُه بأَعْناق بَعْضٍ، وبعُنُقِ بَعْضٍ، وهو مجازٌ.
واعتَنَق الأَمرَ: لَزِمَه. واعتَنَقَت الرّيحُ بالتّرابِ، من العَنَق، وهو السَّيْر الفَسِيحُ.
وعُوجُ بنُ عُنُق، يأْتي في الحَرْفِ الذي بَعْدَه.
والمُعَنِّقة، كمُحَدِّثةِ: حُمَّى الدِّقِّ، مولّدة.
والمَعانِقُ: خُيولٌ مَنْسُوبةٌ للعَرَبِ. يَقولُونَ في الواحِدِ: مِعْنَقى، بكسر الميم.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
51-تاج العروس (رزك)
[رزك]: رُزَّيْكٌ كقُبَّيْطٍ أَهْمَلَه الجماعَةُ، وهو والِدُ المَلِكِ الصالِحِ طَلائِعَ بنِ رُزَيْكٍ وزيرِ مِصْرَ وواقف الأَوْقافِ للسَّادَةِ والأَشْرَافِ بها.قُلْتُ: وابْنه المَلِكِ العَادِلُ رزَيْكُ بنُ طَلَائِعَ وآل بَيْتِهِم ثم إِنَّ هذا الضَّبْطَ مخالِفٌ لضَبْطِ الحافِظِ بن حُجْر وغَيْرِه فإنَّه قالَ بتَشْدِيدِ الزَّاي المَكْسُورةِ وهو الصَّوابُ، وهكذا سَمِعْتُه مِن لسَانِ الإِمامِ اللُّغويّ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الله بن سَلَامَة المُؤَذِّن الشَّافِعِيّ وكانَ يُخَطِّئُ صاحِبَ القَامُوسِ ويَقَع فيه سَامَحَه اللهُ تَعالَى.
* وممَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيه:
أَرْزَكانُ بالفتحِ مَدِينةٌ عَلَى ساحِلِ بحْرِ فَارِس منها أبو عَبْد الرَّحْمن عَبْد اللهِ بن جَعْفَر بن أبي جَعْفَر الأَرْزكانيّ ثِقَةٌ زَاهِدٌ سَمِعَ يَعْقوب بن سُفْيانَ ومَاتَ سَنَة 312.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
52-تاج العروس (سن سنن سنسن)
[سنن]: السِّنُّ، بالكسْرِ: الضِّرْسُ، فهُما مُتَرادِفان، وتخصيص الأضْراس بالإِرحاء عرفي، الجمع: أَسْنَانٌ وأَسِنَّةٌ، الأَخيرَةُ نادِرَةٌ، مِثْلُ قِنِّ وأَقْنانٍ وأَقِنَّةٍ؛ ويقالُ الأَسِنَّةُ جَمْعُ الجَمْعِ مِثْل كِنِّ وأكْنانٍ وأَكِنَّةٍ.وحَكَى اللّحْيانيُّ في جَمْعِ السِّنِّ أَسُنٌّ وهو نادِرٌ أَيْضًا.
وفي الحدِيثِ: «إذا سافَرْتُم في الخِصْبِ فأَعْطُوا الرُّكُبَ أَسِنَّتَها، وإذا سافَرْتُم في الجدْبِ فاسْتَنْجُوا»، قد اخْتُلِفَ فيه.
قالَ أَبو عُبَيْدٍ: لا أَعْرِف الأسِنَّةَ إلَّا جَمْع سِنانٍ للرُّمْحِ، فإن كانَ الحدِيثُ مَحْفوظًا فكأَنَّها جَمْعُ الأَسْنانِ، يقالُ لمَا تأْكُلُه الإبِلُ وتَرْعاهُ مِن العُشْب سِنٌّ، وجَمْعُ أَسْنانٍ أَسِنَّةٌ، يقالُ: سِنٌّ وأَسْنانٌ مِن المَرْعَى، ثم أَسِنَّة جَمْعُ الجَمْعِ.
وقالَ أَبو سعيدٍ: الأَسِنَّةُ جَمْعُ السِّنانِ لا جَمْع الأَسْنانِ، قالَ: والعَرَبُ تقولُ الحَمْضُ يَسُنُّ الإبِلَ على الخُلَّةِ أَي يقوِّيها كما يقوِّي السِّنُّ حَدَّ السِّكِّين، فالحَمْضُ سِنانٌ لها على رعي الخُلَّةِ. والسِّنانُ الاسمُ مِن يَسُنُّ أَي يقوِّي، قالَ: وهو وَجْهُ العَربيَّةِ.
قالَ الأزْهرِيُّ ويُقوِّي ما قالَ أَبو عُبَيْدٍ حدِيثُ جابِرٍ: إذا سِرْتُم في الخِصْب فأَمْكِنوا الرِّكابَ أَسْنانَها.
وقالَ الزَّمَخْشريُّ، رحِمَه اللهُ تعالَى: معْنَى الحدِيثِ أَعْطوها ما تَمْتَنِع به مِن النَّحْرِ، لأنَّ صاحِبَها إذا أَحْسَن رَعْيَها سَمِنَتْ وحَسُنَتْ في عَيْنِه فيَبْخَل بها أَنْ تُنْحَرَ، فشبَّه ذلِكَ بالأَسِنَّة في وُقوعِ الامْتِناعِ بها، هذا على أَنَّ المُرَادَ بالأسِنَّةِ جَمْع سِنَانٍ، وإن أُرِيدَ بها جَمْعِ سِنِّ فالمُرادُ بها أَمْكِنُوهَا مِنَ الرَّعْي؛ ومنه الحدِيثُ: «أَعْطُوا السِّنَّ حَظَّها مِن السِّنِّ»؛ أَي أعْطُوا ذَوَاتِ السِّنِّ حظَّها مِن السِّنِّ وهو الرَّعْيُ.
وأَعْرَضَ الجَوْهرِيُّ عن هذه الأَقْوالِ، واخْتَصَرَ بقوْلِه: أَي أمْكِنُوها مِن المَرْعَى إشارَة إلى قَوْلِ أَبي عُبَيْدٍ.
والسِّنُّ: الثَّوْرُ الوَحْشِيُّ؛ قالَ الرَّاجزُ:
حَنَّتْ حَنِينًا كتُؤَاجِ السِّنِّ *** في قَصَبٍ أَجْوَفَ مُرْثَعِنّ
والسِّنُّ: جَبَلٌ بالمدينةِ ممَّا يلِي ركيةَ، وركيةُ وَرَاءَ معْدِنِ بَني سُلَيْم على خَمْسِ ليالٍ مِن المَدينَةِ؛ قالَهُ المَسْعودِيُّ.
والسِّنُّ: موضع بالرَّيِّ، منه هشامُ بنُ عبدِ اللهِ السِّنّيُّ الرَّازِيُّ عن ابنِ أَبي ذئبٍ.
وقالَ الحاكِمُ أَبو عبْدِ الله: هي قرْيَةٌ كَبيرَةٌ ببابِ الرَّيِّ.
والسِّنُّ: بلد على دِجْلَةَ بالجانِبِ الشَّرْقيِّ، منها عنْدَ الزَّاب الأسْفَل بينَ تكْرِيت والموصلِ، منه أبو محمدٍ عبْدُ الله بنُ عليٍّ، هكذا في النُّسخِ، وصَوابُه عبدُ الله بنُ محمدِ بنِ أَبي الجودِ بنِ السّنِّيُّ، الفَقِيهُ تَفَقَّه على القاضِي أَبي الطيِّبِ، وسَمِعَ ابنَ أَبي الحَسَنِ الحماميّ، ماتَ سَنَةَ 465، ويوسفُ بنُ عُمَرَ السِّنِّيُّ: رَوَى عن المَالِينيّ في الأَرْبعِينْ.
والسِّنُّ: بلد بين الرُّهَا وآمِدَ ذو بَساتِينَ، ومنه غنيمةُ بنُ سُفْيانَ القاضِي السُّنِّي عن رجُلٍ عن أَبي يَعْلى الموصليِّ؛ قالَهُ الذَّهبيُّ؛ واسمُ هذا الرَّجُل المجْهُولِ المُطَهرُ بنُ إسْمعيلَ، قالَهُ الحافِظُ.
والسِّنُّ: موضِعُ البَرْيِ مِنَ القَلَمِ؛ منه يقالُ: أَطِلْ سِنَّ قَلَمِكَ وسَمِّنْها وحَرِّف قَطَّتَك وأَيْمِنْها؛ كما في الصِّحاحِ.
والسِّنُّ: الأَكْلُ الشَّديدُ، رُوِي ذلِكَ عن الفرَّاءِ.
قالَ الأزهرِيُّ: وسمِعْتُ غيرَ واحِدٍ مِن العَرَبِ يقولُ: أَصابَتِ الإبِلُ اليوْمَ سِنًّا مِن الرَّعْي إذا مَشَقَتْ منه مَشْقًا صالِحًا.
والسّنُّ: القِرْنُ، بكسْرِ القافِ. يقالُ: فلانٌ سِنُّ فلانٍ إذا كانَ قِرْنَه في السِّنِّ، وكذلِكَ تِنُّه وحِتْنُه.
وفي المَثَلِ: أَعْطِني شيئًا مِن الثُّومِ وهي الحَبَّةُ مِن رأْسِ الثُّومِ.
وفي الصِّحاحِ: سِنَّة مِن ثُومٍ فِصَّةٌ منه.
والسّنُّ: شُعْبَةُ المِنْجَلِ والمِنْشارِ. يقالُ: كلَّتْ أَسْنانُ المِنْجلِ؛ وهو مجازٌ.
وقد يُعَبَّرُ بالسِّنِّ عن مِقْدارِ العُمُرِ، فيُقالُ: كم سِنُّكَ، كما في الصِّحاحِ.
ويقالُ: جاوَزْتُ أَسْنانَ أَهْل بَيْتي؛ أَي أَعْمارهُم؛ مُؤَنَّثَةٌ تكونُ في النَّاسِ وغيرِهمِ.
وفي الصِّحاحِ: وتَصْغِيرُ السِّنِّ سُنَيْنَة، لأنَّها تُؤَنَّثَ.
وفي المُحْكَم: السِّنُّ: الضِّرْسُ، أُثْنى.
وقالَ شيْخُنا: الأسْنانُ كُلُّها مُؤَنَّثة، وأَسْماؤُها كُلُّها مُؤَنَّثةٌ.
وفي النِّهايَةِ: سِنُّ الجارِحَةِ مُؤَنَّثَةٌ ثم اسْتُعِيرَتْ للعُمُرِ اسْتِدلالًا بها على طُولِه وقِصَرِه، وبَقِيَتْ على التأْنِيثِ.
وقوْلُ شيْخُنا، رحِمَه اللهُ تعالى: الأَسْنانُ كُلُّها مؤَنَّثَةٌ إلى آخِرِهِ، محلُّ نَظَرٍ؛ فقد تقدَّمَ للمصنِّفِ أَنَّ الضِّرْسَ مُذَكَّرٌ، وأَنْكَرَ الأَصْمعيُّ تأْنِيثَه؛ وكذلِكَ النَّاجِذُ والنَّابُ، فتأَمَّلْ.
الجمع: أَسْنانٌ لا غَيْر.
وأَسَنَّ الرَّجُلَ: كَبُرَ، كما في الصِّحاحِ.
وفي المُحْكَم: كَبِرَتْ سِنُّهُ، فهو مُسِنٌ؛ كاسْتَسَنَّ.
ويقالُ: أَسَنَّ البَعيرُ: إذا نَبَتَ سِنُّهُ الذي يَصِيرُ به مسنًّا مِن الدَّوابِّ.
ورَوَى مالِكٌ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ، رضِيَ اللهُ تعالَى عنهما أَنَّه قالَ: «يُتَّقَى مِن الضَّحايا التي لم تُسَنَّنْ»، بفتحِ النّونِ الأَولَى؛ هكذا رَوَاه القُتَيبيُّ وفسَّرَه: التي لم تَنْبُتْ أَسْنانُها كأَنَّها لم تُعْطَ أَسْنَانًا.
قالَ الأزْهرِيُّ: وهذا وهمٌ والمَحْفوظُ مِن أَهْلِ الضبْطِ لم تُسْنِنْ بكسْرِ النُّونِ، وهو الصَّوابُ في العَربيَّةِ، وإذا أَثْنَتْ فقد أَسْنَتْ؛ وعلى هذا قَوْل الفُقَهاءِ.
وأَسَنَّ الله سِنَّهُ: أَنْبَتَهُ.
وقالَ القتيبيُّ: يقالُ سُنِّنَتِ البَدَنَةُ إذا نَبَتَتْ أَسْنانُها، وأَسَنَّها الله.
قالَ الأزْهرِيُّ: هذا غيرُ صَحِيحٍ، ولا يقُولُه ذو المَعْرفَةٍ بكَلامِ العَرَبِ.
وأَسَنَّ سَدِيسُ النَّاقَةِ: أَي نَبَتَ؛ وذلك في السَّنةِ الثامِنَةِ، كذا في نسخِ الصِّحاحِ؛ وأَنْشَدَ للأَعْشي:
بِحِقَّتِها رُبِطَتْ في اللَّجِي *** نِ حتى السَّدِيسُ لها قد أَسَنَّ
يقولُ: قيمَ عليها منُذ كانت حِقَّةً إلى أَن أَسْدَسَتْ في إطْعامِها وإكْرامِها؛ ومثْلُه قَوْل القُلاخِ:
بِحِقِّه رُبِّطَ في خَبْطِ اللَّجُنْ *** يُقْفَى به حتى السَّدِيسُ قد أَسَنَّ
ويقالُ: هو أَسَنُّ منه: أَي أَكْبَر سِنًّا، منه عَربيَّةٌ صَحِيحَةٌ.
قالَ ثَعْلَبُ: حدَّثَنِي موسَى بنُ عيسَى بنِ أَبي جَهْمَة اللَّيْثيُّ وأَدْرَكته أسَنَّ أَهْلِ البَلَدِ.
ويقالُ: هو سِنُّه، بالكسْرِ، وسَنِينُهُ، كأَمِيرٍ، وسَنِينَتُه، كسَفِينَةٍ: أَي لِدَتُه وتِرْبُهُ إذا كانَ قِرْنَه في السِّنِّ، والسِّنُّ قد تقدَّمَ له قَرِيبًا فهو تِكْرارٌ.
وسَنَّ السِّكِّيْنَ يَسُنُّه سَنًّا، فهو مَسْنُونٌ وسَنينٌ.
وسَنَّنَهُ تَسْنِينًا: أَحَدَّهُ على المِسَنِّ وصَقَلَه. وكلُّ ما يُسَنُّ به أَو عليهِ فهو مِسَنٌّ، بالكسْرِ، والجَمْعُ المسانُّ.
وفي الصِّحاحِ: المِسَنُّ حَجَرٌ يُحَدَّدُ به.
وقالَ الفرَّاءُ سُمِّي المِسَنُّ مِسَنًّا لأنَّ الحَدِيدَ يُسَنُّ عليه؛ أَي يُحَدُّ.
ومِن المجازِ: سَنَّنَ المَنْطِقَ: إذا حَسَّنَهُ كأَنَّه صَقَلَه وزَيَّنَه؛ قالَ العجَّاجُ:
دَعْ ذا وبَهّجْ حَسَبًا مُبَهَّجا *** فَخْمًا وسَنِّنْ مَنْطِقًا مُزَوَّجا
وسَنَّنَ رُمْحَهُ إليه: سَدَّدَهُ ووَجَّهَه إليه.
وسَنَّ الرُّمْحَ يَسُنُّه سَنًّا: رَكَّبَ فيه سِنانَهُ.
وأَسَنَّه جَعَلَ له سِنانًا.
وسَنَّ الأَضْراسَ سَنًّا سَوَّكَها كأنَّه صَقَلَها.
وسَنَّ الإبِلَ سَنًّا: ساقَها سَوْقًا سَرِيعًا وفي الصِّحاحِ: سارها سَيْرًا شَدِيدًا.
وسَنَّ الأَمْرَ سَنًّا: إذا بَيَّنَه.
وسَنَّ الله أَحْكَامَهُ للناسِ: بَيَّنَها.
وسَنَّ الله سُنَّةً: بَيَّنَ طَرِيقًا قَوِيمًا.
وسَنَّ الطِينَ سَنًّا: عَمِلَهُ فَخَّارًا، أو طَيَّنَ به؛ كذلِكَ: وسَنَّ فُلانًا: طَعَنَهُ بالسِنانِ.
أَو سَنَّه: عَضَّهُ بالأسْنانِ، كضَرَّسَهُ إذا عَضَّه بالأَضْراسِ.
أَو سَنَّه: كَسَرَ أَسْنَانَهُ، كعَضَّدَه إذا كَسَرَ عَضدَهُ.
وسَنَّ الفَحْلُ الناقَةَ يَسُنُّها سَنًّا: كَبَّها على وَجْهِها؛ قالَ:
فانْدَفَعَتْ تأْفِرُ واسْتَقْفاها *** فسَنَّها بالوَجْهِ أَو دَرْباها
أَي دَفَعَها.
وسَنَّ المالَ: أَرْسَلَهُ في الرَّعْيِ، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ عن المُؤرِّخِ.
أَو سَنَّه إذا أَحْسَنَ رِعْيَته والقِيامَ عليه حتى كأنَّه صَقَلَهُ، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ عن ابنِ السِّكِّيت، وأَنْشَدَ للنابِغَةِ:
ضَلَّتْ حُلومُهُمُ عنهم وغَرَّهُمُ *** سَنُّ المُعَيديِّ في رَعْيِ وتَعْزيبِ
وفي المُحْكَمِ: سَنَّ الإبِلَ يَسُنُّها سَنًّا إذا رَعاها فأَسْمَنَها.
وسَنَّ الشيءَ يَسُنُّه سَنًّا: صَوَّرَهُ؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وهو مَسْنونٌ: أَي مُصوَّرٌ.
وسَنَّ عليه الدِرْعَ يَسُنُّه سَنًّا: صَوَّرَهُ؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وهو مَسْنونٌ: أَي مُصوَّرٌ.
وسَنَّ عليه الدِرْعَ يَسُنُّه سَنًّا: أَرْسَلَه إرْسالًا لَيِّنًا.
أَو سَنَّ عليه الماءَ: صَبَّهُ عليه صَبًّا سَهْلًا.
وفي الصِّحاحِ: سَنَنْتُ الماءَ على وَجْهي أَي أَرْسَلْتُهُ إرْسالًا من غيرِ تَفْريقٍ، فإذا فَرَّقْتُه بالصَّبِّ قُلْتَ بالشِّيْن المعْجمَةِ. وفي حدِيثِ ابنِ عُمَرَ، رضِيَ الله تعالى عنهما: «كان يَسُنُّ الماءَ على وجْهِه ولا يَشُنُّه.
وكذلِكَ سَنَّ التّرابَ: إذا صَبَّه على وجْهِ الأرْضِ صَبًّا سَهْلًا. ومنه حدِيثُ عَمْرو بنِ العاصِ، رضِي اللهُ تعالَى عنه: «فسُنُّوا عليَّ التُّرابَ سَنًّا».
وسَنَّ الطَّرِيقَةَ يَسُنُّها سَنًّا: سَارَها؛ قالَ خالِدُ بنُ عُتْبة الهُذَليُّ:
فلا تَجْزَعَنْ من سِيرةٍ أَنْتَ سِرْتَها *** فأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً من يَسِيرُها
كاستَسَنَّها.
واسْتَنَّ الرَّجُلُ: اسْتَاكَ؛ ومنه الحدِيثُ: «كانَ يَسْتَنُّ بعودٍ مِن أَرَاكٍ»، وهو افْتِعالٌ مِن الأَسْنانِ أَي يُمِرُّه عليها.
واسْتَنَّ الفَرَسُ: قَمَصَ وفي المَثَلِ: اسْتَنَّتِ الفِصالُ حتى القَرْعَى؛ كما في الصِّحاحِ.
يقالُ: اسْتَنَّ الفَرَسُ في مضْمَارِه: إذا جَرَى في نَشاطِهِ على سَنَنِه في جهَةٍ واحِدَةٍ.
وفي حدِيثِ الخَيْلِ: «اسْتَنَّتْ شَرَفًا أَو شَرَفَيْنِ»؛ أَي عَدا لِمرَحِهِ ونَشاطِهِ شَوْطًا أَو شَوطَيْن ولا رَاكِبَ عليه.
والمَثَلُ يُضْرَبُ لرَجُلٍ يُدْخِلُ نَفْسَهُ في قوْمٍ ليسَ منهم، والقَرْعَى مِن الفِصالِ: التي أَصابَها قَرَعٌ، وهو بَثْرٌ.
واسْتَنَّ السَّرابُ: اضْطَرَبَ في المَفازَةِ.
والسَّنُونُ، كصَبُورٍ: ما اسْتَكْتَ به.
وقالَ الرَّاغِبُ: دواءٌ يُعالجُ به الأَسْنانُ، زادَ غيرُهُ: مُؤَلَّفٌ مِن أَجْزاء لتَقْوِيةِ الأسْنانِ وتَطْرِيتِها.
وقالَ اللّيْثُ: السَّنَّةُ، وبالفتْحِ: اسمُ الدُّبَّةِ، والفَهْدَة.
والسِّنَّةُ، بالكسْرِ: الفأْسُ لها خَلْفانِ، والجَمْعُ سنانٌ ويُقالُ: هي الحَدِيدَةُ التي تُثارُ بها الأرْضُ كالسِّكَّةِ؛ عن أبي عَمْرٍو وابنِ الأعْرابيِّ، كما في الصِّحاحِ.
والسُّنَّةُ، بالضَّمِّ: الوَجْهُ لصَقالَتِهِ ومَلاسَتِهِ؛ أَو حُرُّهُ وهو صفْحَةُ الوَجْهِ؛ أَو دَائِرَتُهُ؛ أَو السُّنَّةُ: الصُّورَةُ؛ ومنه حدِيثُ الحضِّ على الصَّدَقةِ: فقامَ رجُلٌ قَبِيحُ السُّنَّةِ؛ أَي الصُّورَة وما أَقْبَلَ عليك مِنَ الوَجْهِ، ويقالُ: هو أَشْبَه شيء سُنَّة وأَمَة، فالسُّنَّةُ: الصُّورَةُ والوَجْهُ، والأمَةُ: الوَجْهُ؛ عن ابنِ السِّكيت؛ وقالَ ذو الرُّمَّةِ:
تُرِيكَ سُنَّةَ وَجْهٍ غيرَ مُقْرِفةٍ *** مَلساءَ ليس بها خالٌ ولا نَدَبُ
وأَنْشَدَ ثَعْلَب:
بَيْضاءُ في المِرْآةِ سُنَّتُها *** في البيتِ تحتَ مَواضِعِ اللّمْسِ
أَو السُّنَّةُ: الجَبْهَةُ والجَبِينانِ وكُلَّه مِنَ الصَّقالَةِ الأَسالَةِ.
والسُّنَّةُ: السِّيرَةُ حَسَنَة كانتْ أو قَبِيحَة.
وقالَ الأزْهرِيُّ: السُّنَّةُ: الطَّريقَةُ المَحْمودَةُ المُسْتقيمةُ، ولذلِكَ قيل: فلانٌ مِن أَهْلِ السُّنَّة؛ معْناهُ مِن أَهْلِ الطَّريقَةِ المُسْتقيمةِ المَحْمودَةِ.
والسُّنَّةُ: الطَّبِيعَةُ؛ وبه فسَّرَ بعضُهم قوْلَ الأَعْشى:
كَرِيمًا شَمائِلُه من بَنِي *** مُعاويةَ الأكْرَمِينَ السُّنَنْ
وقيلَ: السُّنَن هنا الوُجُوه.
والسُّنَّةُ: تَمْرٌ بالمدينةِ مَعْروفٌ؛ نَقَلَه الجَوْهرِيُّ.
والسُّنَّةُ مِن الله إذا أُطْلِقَت في الشَّرْع فإنّما يُرادُ بها حُكْمُهُ وأَمْرُهُ ونَهْيُهُ ممَّا أَمَرَ به النَّبيُّ، صلى الله عليهوسلم، ونَهَى عنه ونَدَبَ إليه قوْلًا وفِعلًا ممَّا لم يَنْطق به الكتابُ العَزيزُ، ولهذا يُقالُ في أَدِلَّة الشَّرْعِ: الكتابُ والسُّنَّةُ؛ أَي القُرآنُ والحدِيثُ. وقالَ الرَّاغبُ: سُنَّةُ النبيِّ: طَريقَتُه التي كانَ يَتحرَّاها، وسُنَّةُ الله، عزّ وجلّ، قد تُقالُ لطَريقَةِ حكْمَتِه وطَريقَةِ طاعَتِه، نحْو قوْلِه تعالَى: {سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ}؛ وقَوْله تعالَى: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلًا}؛ فنَبَّه على أنَّ وجُوه الشَّرائِعِ وإن اخْتَلَفَتْ صُورُها، فالغَرَضُ المَقْصُودُ منها لا يَخْتَلِفُ ولا يَتَبَدَّلُ، وهو تَطْمِينُ النَّفْس وتَرْشِيحُها للوُصولِ إلى ثَوابِ الله تعالى.
وقَوْله تعالَى: {وَما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ} إِلّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ.
قالَ الزَّجَّاجُ: أَي مُعَايَنَةُ العَذابِ وطَلَبُ المُشْركِين إذ قالوا: {اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ}.
وسَنَنُ الطَّرِيقِ، مُثَلَّثَةً وبضمَّتَيْن، فهي أَرْبَع لُغاتٍ، ذكَرَ الجَوْهرِيُّ منها: سَنَنا بالتَّحْريكِ وبضمَّتَيْن وكرُطَبٍ. وابن سيده: سِنَنًا كعِنَبٍ، قالَ: ولا أَعْرفُه عن غيرِ اللّحْيانيّ.
وكرُطَبٍ: ذَكَرَه صاحِبُ المِصْباحِ أَيْضًا وتَظَر فيه شيْخُنا؛ وَلَا وَجْه للنَّظَر فيه، وقد ذكَرَه الجَوْهرِيُّ وغيرُهُ مِن الأئِمَّةِ: نَهْجُهُ وجِهَتُهُ. يقالُ: تَرَكَ فلانٌ سَنَنَ الطَّرِيقِ؛ أَي جِهَتَه.
وقالَ أَبو عُبَيْدٍ: سَنَنُ الطَّريقِ وسُنُنُه: مَحَجَّتُه.
وتَنَحَّ عن سَنَنِ الجَبَلِ: أَي عن وجْهِه.
وقالَ الجَوْهرِيُّ: السَّنَنُ: الاسْتِقامَةُ. يقالُ: أَقامَ فلانٌ على سَنَنٍ واحِدٍ. ويقالُ: امْضِ على سَنَنِك وسُنَنِك أَي على وَجْهِك.
وقالَ شَمِرٌ: السُّنَّةُ في الأَصْلِ سُنَّة الطَّرِيقِ، وهو طَريقٌ سَنَّه أَوائِلُ الناسِ فصارَ مَسْلَكًا لمَنْ بعْدِهم.
وجاءَتِ الرِّيحُ سَناسِنَ، كذا في النسخِ، والصَّوابُ: سَنائِنُ، كما هو نَصُّ الصِّحاحِ، إذا جاءَتْ على وَجْهٍ واحِدٍ وعلى طَريقَةٍ واحِدَةٍ لا تَخْتلفُ؛ واحِدُها سَنِينَةٌ، كسَفِينَةٍ: قالَهُ مالِكُ بنُ خالِدٍ الخُنَاعِيُّ.
والحَمَأُ المَسْنونُ*، في الآيَةِ، المُنْتِنُ المُتَغيِّرُ؛ عن أَبي عَمْرٍو؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وقالَ أَبو الهَيْثم: سُنَّ الماءُ فهو مَسْنونٌ؛ أَي تَغَيَّرَ.
وقالَ الزَّجَّاجُ: مَسْنونٌ مَصْبوبٌ على سُنَّةِ الطَّريقِ.
قالَ الأَخْفشُ: وإنَّما يَتَغَيَّرُ إذا قامَ بغيْرِ ماءٍ جارٍ.
وقالَ بعضُهم: مَسْنونٌ: طَوِيلٌ.
وقالَ ابنُ عبَّاسٍ: هو الرَّطْبُ، وقيلَ: المُنْتِنُ.
وقالَ أَبو عُبَيْدَةَ: المَسْنونُ: المَصْبوبُ؛ ويقالُ: المَسْنونُ: المَصْبوبُ على صورَةٍ.
وقالَ الفرَّاءُ: المَسْنونُ: المَحْكوكُ.
ورجُلٌ مَسْنونُ الوَجْهِ: مُمَلَّسُهُ؛ وقيلَ: حَسَنُهُ سَهْلُهُ.
وقالَ أَبو عُبَيْدَةَ: سُمِّي مَسْنونًا لأنَّه كالمَخْروطِ؛ زادَ الزَّمَخْشرِيُّ: كأَنَّ اللحْمَ سُنَّ عنه؛ أَو الذي في وَجْهِه وأَنْفِه طُولٌ، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ.
والفَحْلُ يُسَانُّ النَّاقَةَ مُسَانَّةَ وسِنانًا، بالكسْرِ: أَي يَكْدِمُها ويَطْرُدُها حتى يُنَوِّخَها ليَسْفِدَها؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وقالَ ابنُ بَرِّي: المُسانّةُ أَن يَبْتَسِرَ الفحْلُ الناقَةَ قَهْرًا؛ قالَ مالِكُ بنُ الرَّيْب:
وأَنت إذا ما كنتَ فاعِلَ هذِه *** سِنَانًا فما يُلْفَى لجنبك مَصْرَعُ
وقالَ ابنُ مُقْبل يَصِفُ ناقَتَه:
وتُصْبِحُ عن غِبِّ السُّرَى وكأَنَّها *** فَنِيقٌ ثَناها عن سِنانٍ فأَرْقَلا
يقولُ: سانَّ ناقَتَه ثم انْتَهَى إلى العَدْوِ الشّدِيدِ فأَرْقَلَ، وهو أَنْ يَرْتفِعَ عن الذَّمِيلِ، ويُرْوى هذا البيتُ أَيْضًا لِضابِئِ بنِ الحَارِثِ البُرْجُمِيِّ؛ وقالَ آخَرُ:
كالفَحْل أَرْقَلَ بعدَ طُولِ سِنَانِ
والسَّنِينُ، كأَمِيرٍ: ما يَسْقُطُ منَ الحَجَرِ إذا حَكَكْتَهُ، كذا في الصِّحاحِ.
وقالَ الفرَّاءُ: يقالُ للذي يسيلُ مِنَ المِسَنِّ عنْدَ الحكِّ سَنِينٌ؛ قالَ: ولا يكونُ ذلِكَ السائِلُ إلَّا مُنْتِنًا.
والسَّنِينُ: الأَرضُ التي أُكِلَ نَباتُها كالمَسْنونَةِ، وقد سُنَّتْ؛ قالَ الطِّرمَّاحُ:
بمُنْخَرَقٍ تَحِنُّ الريحُ فيه *** حَنِينَ الجُلْبِ في البلدِ السَّنِينِ
وسَنِينٌ: بلد به رملٌ وهِضَابٌ. وفيه وعُورَةٌ وسُهولَةٌ مِن بِلادِ عَوْفِ بنِ عبْدٍ أَخِي قريط بنِ أَبي بكْرِ بنِ كِلابٍ؛ قالَهُ نَصْرٌ.
وسُنَيْنُ، كزُبَيْرٍ: اسمٌ سَيَأْتي بعضُ مَنْ تَسَمَّى به في سِياقِ المصنِّفِ، رحِمَه الله تعالَى.
والعلَّامَةُ عبدُ الجَلِيلِ بنُ سُنَيْنِ الطَّرَابُلُسِيُّ الحَنَفيُّ عن الشَّهاب البشبيشي، أَخَذَ عن شيخِ مشايِخِنا الحمويّ صاحِبِ التارِيخِ.
وكجُهَيْنَةَ: سُنَيْنَةُ بنْتُ مِخْنَفٍ الصَّحابِيَّةُ، رَوَتْ عنها حبةُ بنْتُ الشمَّاخِ، ووَقَعَ في المعاجِمِ اسْمُها سنيةُ، وهو غَلَطٌ.
وسُنَيْنَةُ، أيْضًا: مَوْلًى لأَمِّ سَلَمَةَ، رضِيَ الله تعالَى عنها؛ نَقَلَه الحافِظُ.
وفي بعضِ نسخِ التَّبْصير: مَوْلاةُ أُمِّ سَلَمَةَ، وهو غَلَطٌ.
والمَسانُّ مِن الإبِلِ: الكبارُ.
وفي الصِّحاحِ: خِلافُ الأفتاء.
وفي حدِيثِ معاذٍ، رضِيَ الله تعالى عنه: «فأَمَرَني أن آخُذَ من كلِّ ثَلاثِين مِنَ البَقَرِ تَبِيعًا، ومِن كلِّ أَرْبَعِين مُسِنَّةَ»؛ والبقرَةُ والشَّاةُ يقَعُ عليهما اسمُّ المُسِنِّ، إذا أَثْنَيا، فإذا سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهما بعْدَ طُلوعِها فقد أَسَنَّتْ، وليسَ معْنَى إسْنانِها كِبَرَها كالرجلِ، ولكن معْناهُ طُلوع ثَنِيَّتها، وتُثْني البقرَةُ في السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وكذلِكَ المِعْزَى تُثْنِي في الثالثَةِ، ثم تكونُ رَباعِيَة في الثالثَةِ، ثم سِدْسًا في الخامِسَةِ، ثم سَالِغًا في السادِسَةِ، وكذلِكَ البَقَرُ في جمِيعِ ذلك.
وقالَ الأزْهرِيُّ: وأَدْنى الأَسْنانِ: الإثْناءُ، وهو أَنْ تنْبِتَ ثَنِيَّتاها، وأَقْصاها في الإبِلِ: البُزُولُ، وفي البَقَرِ والغَنَمِ السُّلُوغ.
والسِّنْسِنُ، بالكسْرِ: العَطَشُ.
وفي الصِّحاحِ: رأْسُ المَحالَةِ، وهو قَوْلُ أَبي عَمْرٍو.
وأَيْضًا: حَرْفُ فَقَارِ الظَّهْرِ، والجَمْعُ السَّنَاسِنُ؛ قالَ رُؤْبَة:
يَنْقَعْنَ بالعَذْبِ مُشاشَ السِّنْسِنِ
كالسِّنِّ والسِّنْسِنَةِ.
وقيلَ: السِّنْسِنُ: رأْسُ عِظامِ الصَّدْرِ، وهي مُشَاشُ الزَّوْرِ، أَو طَرَفُ الضِّلَعِ التي في الصَّدْرِ.
وقالَ الأَزهرِيُّ: ولحْمُ سَنَاسِنِ البَعيرِ مِن أَطْيبِ اللُّحْمَانِ لأنَّها تكونُ بينَ شَطَّي السَّنَام، وقيلَ: هي مِن الفَرَسِ جَوانِحُه الشاخِصَةُ شِبْه الضُّلُوعِ ثم تَنْقطعُ دُونَ الضّلُوع. وقالَ ابنُ الأَعْرابيِّ: السَّنَاسِنُ والشَّنَاشِنُ: العِظامُ؛ قالَ الجَرَنْفَشُ:
كيف تَرَى الغَزْوَةَ أَبْقَتْ مِني *** سَناسِنًا كحَلَقِ المِجَنِّ
وسُنْسُنٌ، كهُدْهُدٍ: اسمٌ أَعْجمِيٌّ يُسَمَّى به السَّوَادِيُّون، وهو لَقَبُ أَبي سُفْيانَ بنِ العَلاءِ المَازِنيّ أَخِي أَبي عَمْرِو ابنِ العَلاءِ.
قالَ ابنُ ماكولا: اسْمُه العربانُ ولهما أَخَوانِ أَيْضًا مَعَاذُ وعُمَرُ.
وسُنْسُنٌ: شاعِرٌ أَدْرَكَهُ الدَّارْقَطْنِيُّ.
وسُنْسُنٌ: جَدُّ أَبي الفتْحِ الحُسَيْنِ بنِ محمدٍ الأَسدِيّ الكُوفيّ المُحدِّث.
وقوْلُه: الشَّاعِرُ يَنْبغي حَذْفه فإنَّه لم يَشْتهر بذلِكَ، وقد رَوَى عن القاضِي الجعفيّ وغيرِهِ. وسَنَّةُ بنُ مُسْلِمِ البَطينُ: شيْخٌ لشعْبَةَ؛ وأَبو عُثْمانَ بنُ سَنَّةَ: شيْخٌ للزّهْريّ، مُحدِّثانِ.
وسِنانُ بنُ سَنَّةَ الأَسْلميُّ حِجازِيٌّ رَوَى عنه يَحْيَى بنُ هنْدٍ، ويقالُ في اسمِ والِدِ سَلَمَةَ أَيْضًا؛ وعبدُ الرَّحْمنَ بنُ سَنَّة الأَسْلميُّ له في مُسْندِ أحمدَ: «بَدَأ الإسْلامُ غَرِيبًا»، مِن طريقٍ ضَعيفٍ؛ وسِنانُ بنُ أَبي سِنانِ بنِ محْصنٍ الأَسدِيُّ ابن أَخِي عكَاشَةَ، بدْرِيٌّ مِن السَّابِقِين؛ وسِنانُ ابنُ طُهَيْرٍ الأسدِيُّ أَهْدَى للنَّبيِّ، صلى الله عليهوسلم، ناقَةً، أَخْرَجَه الثَّلاثةُ؛ وسِنانُ بنُ عبْدِ الله، وهُما اثْنانِ أَحَدُهما الجهْنيُّ رَوَى عنه ابنُ عبَّاسٍ، والثاني سِنانُ بنُ عبْدِ الله بنِ قشيرِ ابنِ خزَيْمَةَ هو الأَكْوَعُ والِدُ سَلَمَةَ، قالَ الطُّبْرانيُّ أَسْلَم، وهذا بعيدٌ بل خَطَأٌ، فإنَّ سِنانًا هذا المُلَقَّب بالأَكْوعِ هو جَدُّ سَلَمَةَ بنِ عُمَر بنِ الأَكْوعِ لا أَبُوه ولم يُدْرِكِ المَبْعَث؛ وسِنانُ بنُ عَمْرِو بنِ مُقَرِّنٍ، كذا في النُّسخِ، والصَّوابُ وابنَ مُقَرِّنٍ، فإنَّهما اثْنانِ، فأمَّا سِنانُ بنُ عَمْرٍو فهو أَبو المُقَنَّع القضَاعِيُّ حَلِيفُ بَني ظفرٍ شَهِدَ أُحُدًا وغيرَها مِن المَشَاهِدِ، وأمَّا ابنُ مُقَرِّنٍ فهو أَبو النُّعْمان له ذِكْرٌ في المَغازِي ولم يَرْوِ؛ وسِنانُ بنُ وَبْرَةَ، ويقالُ: ابنُ وَبْرَةَ الجهْنيُّ له رِوايَةُ حدِيثٍ لا يثْبتُ؛ وسِنانُ بنُ سَلَمَةَ بنِ المحبّقِ الهُذَليُّ: قيلَ إنَّه وُلِدَ يوْمَ الفتْحِ فسَمَّاه النبيُّ، صلى الله عليهوسلم، سِنانًا، وكانَ شجُاعًا وقد وَلِيَ غَزْوَةَ الهِنْدِ في سَنَة خَمْسين؛ وسِنانُ بنُ شَمْعَلَةَ، ويقالُ ابنُ شَفْعَلَةَ الأَوْسيُّ، جاءَ عنه حدِيثٌ مَوْضوعٌ؛ وسِنانُ بنُ تَيْمٍ الجهْنيُّ، وقيلَ ابنُ وَبْرَةَ حَلِيفُ الخَزْرجِ، له حدِيثٌ ذَكَرَه أَبو عُمَرَ؛ وسِنانُ بنُ ثَعْلَبَةَ بنِ عامِرٍ الأَنْصارِيُّ: شَهِدَ أُحُدًا ولا رِوايَة له؛ وسِنانُ بنُ رَوْحٍ ممَّنْ نَزَلَ حمْصَ مِن الصَّحابَةِ، وقيلَ اسْمُه سَيَّار.
* وفاتَهُ:
سِنانُ بنُ صَخْرِ بنِ خَنْساء الخَزْرجيُّ عقبيٌّ بدْرِيٌّ؛ وسِنانٌ الضمْرِيُّ الذي اسْتَخْلَفَه أبو بكْرٍ على المَدينَةِ حينَ خَرَجَ لقِتالِ أَهْلِ الردَّةِ؛ وسِنانُ بنُ أَبي عبدِ اللهِ ذَكَرَه العَدَويُّ؛ وسِنانُ بنُ عَرَفَة؛ وسِنانُ أَبو هنْدٍ الحجَّامُ ويقالُ اسْمُه سالمٌ وسِنانُ آخَرُ لم يُنْسَبْ، رَوَى عنه أَبو إسْحق السُّبَيْعيُّ.
وسُنَيْنٌ، كزُبَيْرٍ: أَبو جَميلَةَ الضمْريُّ، وقيلَ: السُّلَميُّ، له في صَحيحِ البُخارِي حدِيثٌ مِن طَريقِ الزّهْريّ عنه؛ وسُنَيْنُ بنُ واقِدٍ الأَنْصارِيُّ الظفريُّ تأَخَّر موْتُه إلى بعْدَ الستِّين، صَحابِيُّونَ، رضِيَ الله عنهم.
وحِصنُ سِنانٍ: بالرُّومِ فَتَحه عبدُ الله بنُ عبْدِ الملِكِ بنِ مَرْوانَ.
وأَبو العبَّاسِ محمدُ بنُ يَعْقوب بنِ يُوسفَ بنِ مَعْقلِ بنِ سِنانِ بنِ عبْدِ اللهِ الأَصَمُّ السِّنانِيُّ الأُمَويُّ نِسْبَةٌ إلى جَدِّهِ سِنانٍ المَذْكورِ، ويقالُ له المعقليُّ نِسْبَة إلى جَدِّه مَعْقلٍ، عَمَّر طَويلًا، ظَهَرَ به الصَّمَمُ بعْدَ انْصِرافِهِ مِنَ الرَّحْلةِ حتى إنَّه كانَ لا يَسْمَع نَهِيقَ الحِمارِ، أَذَّنَ سَبْعِينَ سَنَة في مسْجِدِه، وسُمِعَ منه الحدِيثُ سِتًّا وسَبْعينَ سَنَة، سَمِعَ عنه الآباءُ والأَبْناءُ والأَحفادُ، وكانَ ثِقَةً أَمِينًا وُلِدَ سَنَة 247 ورَحَل به أَبوه سَنَة 265 على طَريقِ أَصْبهان، فسَمِعَ هرُون بن سُلَيْمان وأسيد بنِ هاشِمٍ، وحَجَّ به أَبوه في تلْكَ السَّنَةِ فسَمِعَ بمكَّةَ مِن أَحمدَ بنِ سِنانٍ الرّمليّ، ثم خَرَجَ إلى مِصْر فسَمِعَ مِن عبْدِ اللهِ بنِ عبْدِ الحَكَم ويَحْيَى ابنِ نَصْر الخولانيّ والرَّبيعِ بنِ سُلَيْمان المُرَاديّ وبكَّارِ بنِ قُتَيبَةَ القاضِي، رحِمَهم اللهُ تعالَى، وأَقامَ بمِصْرَ على سماعِ كُتُبِ الإمامِ الشافِعِيّ، رضِيَ الله تعالَى عنه، ثم دَخَلَ الشامَ وسَمِعَ بعَسْقلان ودِمَشْق، ودَخَلَ دِمْياط وحمْصَ والجَزيرَةُ والمُوْصل، ورَحَلَ إلى الكُوفَةِ، ودَخَلَ بَغْدادَ ثم انْصَرَفَ إلى خُرَاسان وهو ابنُ ثَلاثِينَ سَنَةً، وهو محدِّثٌ كبيرٌ، وتُوفي بنَيْسابُور سَنَة 349. وأُسْنانُ، بالضَّمِّ: قرية بهَراةَ، منها: أَحمدُ بنُ عدْنانِ بنِ اللّيْثِ رَوَى عنه أَبو سعْدٍ المَالِيني.
وسَنِيناءُ، بفتحٍ فكسْرٍ مَمْدودَةً: قرية بالكُوفَةِ.
والسَّنائِنُ: ماءَةٌ لبَني وَقَّاصٍ، كأنَّه جَمْعُ سنينة.
والمُسْتَسِنُّ، على صِيغَةِ اسمِ الفاعِلِ: الطَّريقُ المَسْلوكُ.
وفي التَّهْذيبِ: طَريقٌ يُسْلَكُ.
وتَسَنَّنَ الرَّجُلُ في عَدْوِهِ، كالمُسْتَسَنِّ، على صِيغَةِ اسمِ المَفْعولِ؛ وقد اسْتَسَنَّتْ إذا صارَتْ كذلِكَ.
والمُسْتَنُّ: الأَسَدُ لاسْتِنانِه في عَدْوِهِ؛ أَي مضيِّه على وَجْهِه.
والسَّنَنُ، محرَّكةً: الإبِلُ تَسْتَنُّ وتَلحُّ في عَدْوِها وإقْبالِها وإدْبارِها.
والسَّنِينَةُ، كسَفِينَةٍ: الرَّمْلُ المُرْتَفِعُ المُسْتَطِيلُ على وَجْهِ الأرْضِ، الجمع: سَنائِنُ؛ نَقَلَه الأزْهرِيُّ وأَنْشَدَ للطِّرمَّاحِ:
وأَرْطاةِ حِقْفٍ بين كِسْرَيْ سَنائِن
وقالَ غيرُهُ: السَّنائِنُ كهَيْئةِ الجِبالِ مِنَ الرَّمْلِ.
والسَّنينَةُ: الرِّيحُ، والجَمْعُ كالجمْعِ، عن مالِكِ بنِ خالِدٍ.
والمَسْنونُ: سَيْفُ مالِكِ بنِ العَجْلانِ الأَنْصارِيِّ.
وذُو السِّنِّ، بالكسْرِ: ابنُ وَثَنٍ البَجَليُّ كانتْ له سِنٌّ زائِدَةٌ فلُقِّبَ به.
وذُو السِّنِّ: ابنُ الصَّوَّانِ بنِ عبْدِ شَمْسٍ.
وذُو السُّنَيْنَةِ، كجُهَيْنَةَ: حُبَيْبُ بنُ عُتْبَةَ الثَّعْلبيُّ كانتْ له سِنٌّ زائِدَةٌ أَيْضًا.
ومِن المجازِ: وَقَعَ في سِنِّ رأْسِه: أَي عَدَدِ شَعَرِه مِن الخيْرِ؛ عن أَبي زيْدٍ؛ وزادَ غيرُهُ: والشَّرِّ.
وقالَ أَبو الهَيْثم: وَقَعَ فلانٌ في سِنِّ رأْسِه وسِواءِ رأْسِه بمعْنًى واحِدٍ.
ورَوَى أَبو عُبَيْدِ، هذا الحَرْفَ في الأَمْثالِ في سِنِّ رأْسِه؛ ورَوَاه في المصنَّف في سِيِّ رأْسِه.
قالَ الأزْهرِيُّ: والصَّوابُ بالياءِ، أي فيمَا سَاوَى رَأْسَه مِن الخِصْبِ. أو المعْنى: وَقَعَ فيمَا شاءَ واحْتكَم.
وأُسَيْدُ السُّنَّةِ، بالضَّمِّ: هو أَسَدُ بنُ مُوسَى بنِ إبراهيمَ بنِ عبْدِ الملِكِ الأمويُّ المُحَدِّثُ مِصْريٌّ سَكَنَ مِصْر ويُكَنى أَبا إبراهيمَ رَوَى عن الحمَّادَيْن واللَّيْثِ، وعنه الرَّبيعُ بنُ سُلَيْمان المُرَاديُّ وبَحْرُ بنُ نَصْرٍ الخولانيُّ، قيلَ له ذلك لكِتابٍ صنَّفَه في السُّنَّةِ؛ وابْنُه سعْدٍ أَخَذَ عن الإمامِ الشافِعِيّ، رضِيَ الله تعالى عنه، وصنَّفَ، ماتَ بِمِصْرَ.
والسُّنِّيُّونَ، بالضَّمِّ وكسرِ النُّون المشدَّدَةِ، مِن المُحدِّثِينَ جماعَةٌ منهم: الحافِظُ أبو بكْرٍ أَحمدُ بنُ محمدِ ابنِ إسْحقَ الدَّينوريُّ بن السُّنِّيِّ، ذُو التَّصانِيفِ المَشْهورَةِ؛ والعَلاءُ بنُ عَمْرٍو السُّنِّيُّ حدَّثَ عنه أَبو شيبَةَ دَاود بنُ إبراهيمَ؛ ويَحْيَى بنُ زكَرِيَّا السُّنِّيُّ عن محمدِ بنِ الصبَّاح الدولابي، وعنه الدعولي؛ وأَبو نَصْرٍ أَحمدُ ابنُ عليِّ بنِ مَنْصورِ بنِ شُعَيبٍ البُخارِيُّ السُّنِّيُّ مُؤَلِّفُ كِتابِ المِنْهاجِ، حدَّثَ عنه أبو محمدٍ الحَسَنُ بنُ أحمدَ السَّمَرْقَنْديّ، وآخَرُونَ كحافِظِ الدِّيْن أَبي إبْراهيمَ إسْمعيل ابنِ أَبي القاسِمِ السُّنِّيِّ عن أَبي المحاسِنِ الرُّويانيّ، وعنه القطبُ النَّيْسابُوريُّ؛ وعَمْرو بن أَحْمدَ السُّنِّيّ بَغْدادِي سَكَنَ بأَصْبَهان؛ وأَبي الحَسَنِ عليّ بن يَحْيَى بنِ الخَلِيلِ السُّنِّيّ التَّاجِر المَرْوَزيّ رَوَى عن أَبي الموجه؛ وعليِّ بنِ مَنْصورٍ السُّنِّيّ الكَرَابِيسي؛ وأَبي العبَّاس أَحمدَ بنِ محمدٍ السُّنِّيّ الزيَّات؛ وعليِّ بنِ أَحمدَ السُّنّيِّ الدَّينورِيِّ؛ ومحمدِ بنِ مَحْفوظٍ السُّنِّيِّ مِن أَهْلِ الرَّمْلةِ؛ وعبْدِ الكَريمِ بنِ عليِّ بنِ أَحْمدَ التَّمِيمِيّ يُعْرفُ بابنِ السُّنِّيِّ؛ وأَبي زَرْعَةَ رَوْح بنِ محمدِ بنِ أَحمدَ بنِ السُّنِّيِّ رَوَى عنه الخَطِيبُ؛ وأَبي الحَسَنِ مَسْعود بنِ أَحمدَ السُّنِّيِّ مِن شيوخِ ابنِ السّمْعانيّ؛ والجلال الحُسَيْن بنِ عبْدِ الملِكِ الأَثريّ السُّنِّيِّ، مُحدِّثُون.
ومِن المجازِ: سَنَّنِي هذا الشَّيءُ: أَي شَهَّى إليَّ الطَّعامَ. يقالُ: هذا ممَّا يَسُنُّك على الطَّعامِ؛ أَي يَشْحذُك على أَكْلِه ويشهِّيه.
والحَمْضُ يَسُنُّ الإبِلَ على الخُلَّةِ؛ كما في الأساسِ.
قالَ أَبو سعيدٍ: أَي يُقوِّيها، كما يقالُ: السّنُّ حَدُّ السِّكِّين والحَمْضةُ سِنانٌ لها على رعْيِ الخُلَّةِ، وذلِكَ أنَّها تَصْدُقُ الأَكْلَ بعْدَ الحَمْضِ.
وتَسَانَّتِ الفُحولُ: تَكادَمَتْ وعضتْ بعضُها بعضًا.
وسِنينُ، ظاهِرُ إطْلاقِه الفتْح، بلد بدِيارِ عَوْفِ بنِ عَبْدٍ أَخِي قريطِ بنِ أَبي بكْرِ بنِ كِلابٍ، وهذا قد تقدَّمَ بعَيْنِه آنِفًا وضَبَطَه في النسخِ بكسْرِ السِّيْنِ وهو وهمٌ.
والسِّنانُ: نَصْلُ الرُّمْحِ، هو ككِتابٍ، وإنّما أَغْفَلَه عن الضبْطِ لشُهْرتِه.
وقالَ الرَّاغبُ: السِّنانُ خصَّ بما يركبُ في الرُّمحِ.
وفي المُحْكَم: سِنانُ الرُّمحِ حَدِيدَتُه لصَقالَتِها ومَلاسَتِها، الجمع: أَسِنَّةٌ.
ورُوِي عن المُؤَرِّجِ: السِّنانُ الذِّبَّانُ؛ وأَنْشَدَ:
أَيَأْكُلُ تَأْزِيزًا ويَحْسُو خَزِيرَةً *** وما بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَنِيمُ سِنانِ؟
قالَ: تَأْزِيزًا ما رَمَتْه القِدْر إذا فارَتْ.
وهو أَطْوَعُ السِّنانِ: أَي يُطَاوِعُه السِّنانُ كيفَ شاءَ؛ قالَ الأسدِيُّ يَصِفُ فحلًا:
للبَكَراتِ العِيطِ منها ضاهِدا *** طَوْعَ السِّنانِ ذارِعًا وعاضِدَا
ذارِعًا: يُقالُ ذَرَعَ له إذا وَضَعَ يدَه تحْتَ عُنُقِه ثم خَنَقه، والعاضِدُ: الذي يأْخذُ بالعَضُدِ طَوْعَ السِّنانِ؛ يقولُ: يُطاوِعُه السِّنانُ كيفَ يَشاءُ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
مِن الأَبَدِيَّات: لا آتِيكَ سِنِّ الحِسْلِ؛ أَي أَبَدًا.
وفي المُحْكَم: ما بَقِيتْ سِنُّه، يعْنِي وَلَد الضَّبِّ، وسِنُّه لا تَسْقطُ أَبَدًا.
وحَكَى اللَّحْيانيُّ عن المُفَضّل: لا آتِيكَ سِنِي حِسْلٍ، قالَ: وزَعَمُوا أنَّ الضَّبَّ يعيشُ ثَلَثُمائةِ سَنَة.
والسِّنانُ، بالكسْرِ: الاسم من يَسُنُّ وهو القُوَّةُ. والسِّنُّ بالكسْرِ: الرَّعْيُ؛ وقوْلُ عليٍّ، رضِيَ اللهُ تعالَى عنه:
بازِلُ عامَيْنِ حَدِيثُ سِنِّي
عَنَى شِدَّتَه واحْتِناكَه.
والأَسْنانُ: الأَكابِرُ والأَشْرافُ.
والسِّنُّ: الرَّقيقُ والدَّوابُّ.
والسَّنَنُ: محرَّكةً: اسْتِنانُ الخَيْلِ والإبلِ. يقالُ: تَنَحَّ عن سَنَنِ الخَيْلِ.
والسِّنانُ، بالكسْرِ: الذي يُسَنُّ عليه نَقَلَه الجوْهرِيُّ؛ وأَنْشَدَ لامْرِئِ القَيْسِ:
يُبارِي شَباةَ الرُّمْحِ خَدٌّ مُذَلَّقٌ *** كصَفْحِ السِّنانِ الصُّلَّبيِّ النَّحِيضِ
: ومثْلُه للبيدٍ:
يَطْرُدُ الزُّجَّ يُبارِي ظِلَّهُ *** بأَصيلٍ كالسِّنانِ المُنْتَحَلْ
وأَسَنَّ الرُّمْحَ جَعَلَ له سِنانًا.
وتَسْنينُ الأَسْنانِ: تَسْويكُها.
والمَسْنونُ: المُمَلَّسُ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ لعبْدِ الرَّحْمن ابنِ حَسَّان:
ثم خاصَرْتُها إلى القُبَّةِ الخَضْ *** راءِ تَمْشِي في مَرْمَرٍ مَسْنونِ
قالَ ابنُ بَرِّي: وتُرْوَى هذه الأَبياتُ لأَبي دهْبَلٍ.
وكلُّ مَنِ ابْتَدَعَ أَمْرًا عَمِلَ به قوْمٌ بعْدَه قيلَ: هو الذي سَنَّه؛ قالَ نُصَيْبٌ:
كأَنِّي سَنَنتُ الحُبَّ أَوَّلَ عاشِقٍ *** من الناسِ إذ أَحْبَبْتُ من بَيْنِهم وَحْدِي
واسْتَنَّ بسُنَّتِه: عَمِلَ بها.
والسَّنَنُ، محرَّكةً: الطَّريقَةُ.
والسُّنَّةُ، بالضمِّ: الخَطُّ الأَسْودُ على متنِ الحِمارِ.
والسَّنَنُ: المَسْنونُ.
ومُسْتَنُّ الحَرُورِ: مَوْضِعُ جَرْيِ السَّرابِ؛ أو موضِعُ اشْتِدادِ حَرِّها كأنَّها تَسْتنُّ فيه عَدْوًا، أَو مَخْرجُ الرِّيحِ؛ وبكلِّ فُسِّرَ قوْلُ جَريرٍ:
ظَلِلْنا بمُسْتَنِّ الحَرُورِ كأَنَّنا *** لَدَى فَرَسٍ مُسْتَقبِلِ الريحِ صائِم
والاسمُ منه السَّنَنُ.
واسْتَنَّ دَمُ الطَّعْنةِ: إذا جاءَتْ دُفْعَةٌ منها؛ قالَ أَبو كبيرٍ الهُذَليُّ:
مُسْتَنَّة سَنَنَ الفُلُوِّ مُرِشَّة *** تَنْفي الترابَ بقاحِزٍ مُعْرَوْرِفِ
وطَعَنه طَعْنةً فجاءَ منها سَنَنٌ يدْفَعُ كلَّ شيءٍ إذا خَرَجَ الدمُ بحَمْوَتِه؛ وقوْلُ الأعْشى:
وقد نَطْعُنُ الفَرْجَ يومَ اللِّقا *** بالرُّمْحِ نحْبِسُ أُولى السَّنَنْ
قالَ شَمِرٌ: يريدُ أول القوْمِ الذين يُسْرعُون إلى القِتالِ.
وجاءَ سَنَنٌ مِن الخَيْلِ: أَي شَوْطٌ.
ويقالُ: استن قُرونَ فَرَسِك: أَي بُدَّهُ حتى يَسِيلَ عَرَقُه فيَضْمُرَ، وقد سُنَّ له قَرْنٌ، وقُرونٌ وهي الدُّفَعُ مِن العَرَقِ؛ قالَ زُهَيْرُ بنُ أَبي سُلْمى:
نُعَوِّدُها الطِّرادَ فكلَّ يوْمٍ *** تُسَنُّ على سَنابِكها القُرونُ
وفي النوادِرِ: ريحٌ نَسْناسَةٌ وسَنْسانَةٌ: بارِدَةٌ؛ وقد نَسْنَسَتْ وسَنْسَنَتْ إذا هَبَّتْ هُبُوبًا بارِدًا.
ويقالُ: نَسْناسٌ مِن دُخانٍ وسَنْسانٌ، يريدُ دُخانَ نارٍ.
وبَنَى القوْمُ بيوتَهم على سَنَنٍ واحِدٍ: أَي على مِثالٍ واحِدٍ.
والمَسْنونُ: الرَّطْبُ.
وسَنَّتِ العَيْنُ الدَّمْعَ سَنًّا: صَبَّتُه؛ واسْتَسَنَّتْ هي انصَبَّ دَمْعُها.
والسَّنُونُ، كصَبُورٍ: رملٌ مُرْتفِعٌ مُسْتطِيلٌ على وجْهِ الأرْضِ.
وفي المَثَلِ: صَدَقَني سِنَّ بَكْرِه، تقدَّمَ في «ه بلد ع».
واسْتَسَنَّتِ الفِصالُ: سَمِنَتْ وصارَتْ جُلُودُها كالمَسَانِّ؛ وبه فُسِّر المَثَلُ أَيْضًا.
واسْتَسَنَّ بسَيْفِه: خَطَرَ به.
وتَسَنَّنَ: عَمِلَ بالسُّنَّةِ.
وأَصْلحْ أَسْنانَ مفْتاحِكَ.
وسَنَّ الأميرُ رَعِيَّتَه: أَحْسَنَ سِياسَتها.
وفَرَسٌ مَسْنونَةٌ: متعهَّدةٌ يُحْسنُ القِيامُ عليها.
وسَنَّ فلانٌ فلانًا: مَدَحَه وأَطْرَاهُ.
وسَنَّ اللهُ على يَدَيْ فلانٍ قَضَاءَ حاجَتِي: أَجْراهُ.
ومُسْتَنُّ الطَّريقِ: حيثُ وضحَتْ.
واسْتَنَّ به الهَوَى حيثُ أَرادَ إذا ذَهَبَ به كلّ مَذْهَبٍ؛ وهو مجازٌ.
وخياطُ السّنَّةِ: لَقَبُ جماعَةٍ من المُحدِّثِين منهم: زكَرِيَّا ابنُ يَحْيَى، وأَبو بكْرٍ عبدُ الله بنُ أَحمدَ بنِ سُلَيْمان الهِلالِيُّ، وأَبو جَعْفرٍ، وأبو الحُصَيْن عبدُ الله بنُ لتمانَ ابنِ سنَّةَ العَبْسيُّ بالكسْرِ، ونفيعُ بنُ سالِمِ بنِ عفارِ ابنِ سِنَّةَ المُحارِبيُّ شاعِرَانِ.
والسانةُ: لَقَبُ شيْخِ مشايخِنا الشَّهاب أَحْمد السُّلَميّ الزّبيديّ أَصْله مِن ابن حربٍ فكَرِه أَنْ يقالَ له ذلِكَ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
53-تاج العروس (مني)
[مني]: ي مَناهُ اللهُ يَمْنِيه مَنْيًا: قَدَّرَهُ.والمانِي: القادِرُ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِي لأبي قِلابَة الهُذَلي:
فلا تَقُولَنَّ لشيءٍ سَوْفَ أَفْعَلُه *** حتى تُلاقِيَ ما يَمْنى لكَ المانِي
أَي ما يُقدِّرُ لكَ القادِرُ.
وفي التهذيبِ:
حتى تَبيَّنَ ما يَمْنِي لكَ الماني
وقال ابنُ برِّي: البَيْتُ لسُوَيْدِ بنِ عامِرٍ المُصْطلِقي، وهو:
لا تَأْمَنِ المَوتِ في حِلِّ ولا حَرَمٍ *** إنَّ المَنايا تُوافي كلَّ إنْسانِ
واسْلُكْ طَرِيقَكَ فيها غَيْرَ مُحْتَشِمٍ *** حتى تُلاقِيَ ما يَمْني لكَ المَانِي
وفي الحديثِ: أنَّ مُنْشدًا أَنْشَدَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم:
لا تَأْمَنَنَّ وإنَّ أَمْسَيْتَ في حَرَمٍ *** حتى تُلاقِيَ ما يَمْنِي لكَ المَانِي
فالخَيْرُ والشَرُّ مَقْرونانِ في قَرَنٍ *** بكُلِّ ذلِكَ يَأْتِيَك الجَدِيدانِ
فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَو أَدْرَكَ هذا لأَسْلَمَ».
* قُلْت: وفي أَمالِي السيِّدِ المُرْتَضى مَا نَصّه: أَنَّ مُسْلمًا الخُزَاعي ثم المُصْطلِقي قالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وقد أَنْشَدَه مُنْشدٌ قولَ سُوَيْدِ بنِ عامِرِ المُصْطلِقِي: لا تَأْمَنَنَّ...، الخ، وفيه:
فكلّ ذي صاحِبٍ يَوْمًا يفارقه *** وكلّ زادٍ وإنْ أَبْقَيْته فانِي...
ثم ساقَ بَقِيَّةَ الحديثِ؛ كذا وَجَدْته بخطِّ العلَّامَة عبْدِ القادِرِ بنِ عُمَر البَغْدادِي، رحِمَه اللهُ تعالى.
ويقالُ: مَنَى اللهُ لكَ ما يسُرُّكَ؛ أَي قَدَّرَهُ لك؛ قيل: وبه سُمِّيَت المَنِيَّةُ للمَوْتِ لأنَّها مُقَدَّرَةٌ بوَقْتٍ مَخْصوصٍ؛ وقالَ آخَرُ:
مَنَتْ لكَ أَنْ تُلاقِيَني المَنايا *** أُحادَ أُحادَ في الشَّهْر الحَلالِ
أَو مَناهُ اللهُ بحبِّها يَمْنِيه مَنْيًا: ابْتَلاهُ بحُبِّها.
وقيلَ: مَناهُ يَمْنِيه إذا اخْتَبَرَهُ.
والمَنَا؛ كذا في النُّسخِ والصَّوابُ أَنْ يُكْتَبَ بالياءِ؛ المَوْتُ، كالمَنِيَّةِ، كغَنِيَّةٍ، لأنَّه قُدِّرَ عَلَيْنا. وقد مَنى اللهُ له المَوْتَ يَمْنِي؛ وجَمْعُ المَنِيَّةِ المَنايا.
وقالَ الشَّرقيُّ بنُ القُطامِي: المَنايا الأحْداثُ، والحِمامُ: الأجَلُ، والحَتْفُ: القَدَرُ، والمَنُونُ: الزَّمانُ.
وقالَ ابنُ برِّي: المَنِيَّة قَدَرُ المَوْتِ؛ أَلَا تَرَى إلى قولِ أَبي ذُؤَيْبٍ:
مَنايا تُقَرِّبْنَ الحُتُوفَ لأهْلِها *** جِهارًا ويَسْتَمْتِعْنَ بالأنَسِ الجُبْلِ
فجعلَ المَنايا تُقَرِّب المَوْتَ ولم يَجْعَلْها المَوْت.
وقال الرَّاغِبُ: المَنِيَّةُ الأجَلُ المُقَدَّرُ للحَيَوانِ.
والمَنَى: قَدَرُ اللهِ تعالى، يُكْتَبُ بالياءِ؛ قالَ الشاعرُ:
دَرَيْتُ ولا أَدْرِي مَنَى الحَدَثانِ
وقال صَخْرُ الغِيِّ:
لعَمْرُ أَبي عَمْرِو لَقَدْ ساقَهُ المَنَى *** إلى جَدَثٍ يُوزَى لهُ بالأَهاضِبِ
ومنه قولُهم: ساقَهُ المَنى إلى دَرْكِ المُنَى.
والمَنَى: القَصْدُ؛ وبه فُسِّر قولُ الأَخْطَل:
أَمْسَتْ مَناها بأَرْضٍ لا يُبَلِّغُها *** لصاحِبِ الهَمِّ إلَّا الجَسْرةُ الأُجُدُ
قيلَ: أَرادَ قَصْدَها وأَنَّثَ على قوْلِكَ ذَهَبَتْ بعضُ أَصابِعِهِ؛ ويقالُ: إنَّه أَرادَ مَنازِلَها فحذَفَ؛ ومِثْلُه قولُ لبيدٍ:
دَرَسَ المَنا بمُتَالِعٍ فأَبَانِ
قالَ الجَوْهرِي: وهي ضَرُورَةٌ قَبِيحَةٌ.
* قُلْت: وقد فَسَّر الشَّيْباني في الجيمِ قوْلَ الأخْطَل بمعْنًى آخَر سَيَأْتِي قرِيبًا.
ومُنِيَ بكذا، كعُنِيَ: ابْتُلِيَ به، كأَنَّما قُدِّرَ له وقُدِّرَ لها.
ومُنِيَ لكذا: وُفِّقَ له.
والمَنِيُّ، كغَنِيٍّ، وهو مُشَدَّد: والمَذْيُ والوَدْيُ مُخَفَّفان، وقد يُخَفَّفُ في الشِّعْرِ، وقولُه: كإلَى، غَلَطٌ صوابُه به ويُخَفَّفُ، والمَنْيَةُ، كرَمْيَةٍ للمَرَّةِ من الرَّمْي وضَبَطَه الصَّاغاني في التكملةِ بضم الميمِ وهو الصَّوابُ؛ ماءُ الرَّجُلِ والمرأَةِ؛ اقْتَصَرَ الجَوْهرِي وجماعَةٌ على ماءِ الرَّجُلِ؛ وشاهِدُ التَّشْديدِ قولُه تعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى}؛ أَي يُقَدَّرُ بالعِدَّةِ الإلهيَّةِ ما تكوّن منه؛ وقُرِئَ تُمْنَى بالتاءِ على النّطْفةِ.
وسُمِّي المَنِيّ لأنَّه يُقَدَّرُ منه الحَيَوانُ؛ وأَنْشَدَ ابنُ برِّي للأخْطَل يَهْجُو جريرًا:
مَنِيُّ العَبْدِ عَبْدِ أَبي سُواجٍ *** أَحَقُّ مِنَ المُدامةِ أَنْ يُعابا
وشاهِدُ التَّخْفِيفِ قولُ رُشَيْدِ بنِ رُمَيْضِ؛ أَنْشَدَهُ ابنُ برِّي:
أَتَحْلِفُ لا تَذُوقُ لنا طَعامًا *** وتَشْرَبُ مَنْيَ عَبْدِ أَبي سُواجِ؟
الجمع: مُنْيٌ، كقُفْلٍ؛ حَكَاهُ ابنُ جنِّي وأَنْشَدَ:
أَسْلَمْتُمُوها فباتَتْ غيرَ طاهِرةٍ *** مَنْيُ الرِّجالِ على الفَخْذَيْنِ كالمُومِ
ومَنَى الرَّجُلُ يمني مَنْيًا وأَمْنَى إِمْناءً ومَنَّى تَمْنِيَةً، كلُّ ذلكَ بمعْنًى؛ وعلى الأوَّلَيْن اقْتَصَر الجَوْهرِي والجماعَةُ.
واسْتَمْنَى: طَلَبَ خُرُوجَهُ واسْتَدْعاهُ.
ومِنَى، كإلَى. قرية بمكَّةَ، تُكْتَبُ بالياءِ، وتُصْرَفُ ولا تُصْرَفُ. وفي الصِّحاح: مَوْضِعٌ بمكَّة، مُذَكَّرٌ يُصْرَفُ.
وفي كتابِ ياقوت: مِنًى، بالكسْرِ والتَّنْوينِ في الدَّرجِ.
سُمِّيَتْ بذلكَ لِما يُمْنَى بها من الدِّماءِ؛ أَي يُراقُ.
وقالَ ثَعْلب: هو مِن قوْلِهم: مَنَى اللهُ عليه المَوْتَ؛ أَي قَدَّرَهُ لأنَّ الهَدْيَ يُنْحَرُ هُنالِكَ.
وقالَ ابنُ شُمَيْل: لأنَّ الكبْشَ مُنِيَ به أَي ذُبحَ.
وقالَ ابنُ عُيَيْنَة: أُخِذَ مِن المَنايا، أَو لأنَّ العَرَبَ تُسَمَّى كلَّ محلِّ يُجْتَمَع فيه مِنًى، أَو لِبُلُوغِ الناسِ فيه مُناهُم؛ نقلَهُ شيْخُنا.
ورُوِي عن ابنِ عبَّاسِ رضِيَ اللهُ تعالى عنهما، أَنَّه قالَ: سُمِّيَتْ بذلكَ لأنَّ جِبْريلَ، عليهالسلام، لمَّا أَرادَ أَنْ يُفارِقَ آدَمَ، عليهالسلام، قال له: تَمَنَّ، قالَ: أَتَمَنَّى الجَنَّةَ، فسُمِّيَتْ مِنًى لأُمْنِيَّةِ آدَمَ، عليهالسلام؛ وهذا القولُ نقلَهُ ياقوتٌ غَيْر مَعْزُوِّ.
قالَ شيْخُنا: مكَّةَ نَفْسُها قَرْيَةٌ، ومِنَى قَرْيةٌ أُخْرَى بَيْنها وبينَ مَكَّة أَمْيالٌ، ففي كَلامِ المصنِّفِ نَظَرٌ، انتَهَى.
وقالَ ياقوتٌ: مِنَى بُلَيْدَةٌ على فَرْسَخ من مكَّةَ طُولُها مِيلان تعمرُ أَيامَ المَوْسِم وتَخْلُو بَقِيَّة السَّنَةِ إلَّا ممَّنْ يَحْفَظُها، وقَلَّ أَن يكونَ في الإسْلامِ بَلَدٌ مَذْكورٌ إِلَّا ولأهْلِه بمِنَى مضْرَبٌ.
ومِنَى: شعبان بَيْنهما أَزِقَّةٌ، والمسْجِدُ في الشارعِ الأيْمَن، ومَسْجِد الكَبْشِ بقُرْبِ العَقَبَةِ التي تُرْمَى عليها الجَمْرَةُ، وبها مَصانِعُ وآبارٌ وخاناتٌ وحَوانِيتٌ، وهي بينَ جَبَلَيْن مُطِلَّيْن عليها؛ قالَ: وكانَ أَبو الحَسَنِ الكرخي يَحْتَجُّ بجوازِ الجُمُعَةِ بها أَنَّها من مكَّةَ كمِصْرٍ واحِدٍ، فلمَّا حَجَّ أَبو بكْرٍ الجصَّاص ورأَى بُعْدَ ما بَيْنهما اسْتَضْعَف هذه العلَّةَ وقالَ: هذه مِصْرٌ مِن أمْصارِ المُسْلِمِين تعمّرُ وَقْتًا وتَخْلُو وَقْتًا، وخُلُوُّها لا يُخْرِجُها عن حَدّ الأمْصارِ، وعلى هذه العلَّةِ كانَ يَعْتَمِدُ القاضِي أَبو الحُسَيْن القَزْوِينِي.
قالَ البشّارِي: وسأَلَنِي يَوْمًا كم يَسْكنُها وسَطَ السَّنَةِ مِن الناسِ؟ قُلْتُ: عِشْرُونَ إلى الثَّلاثِينَ رجُلًا، وقلَّ أن تجِدَ مَضْربًا إلا وفيه امْرأَةٌ تَحْفَظه؛ فقالَ: صَدَقَ أَبو بَكْرٍ وأَصابَ فيمَا عَلَّلَ؛ قال: فلما لَقِيت الفَقِيه أَبا حَامِدٍ البغولني بنَيْسابُورَ حَكَيْتُ له ذلكَ، فقالَ: العلَّةُ ما نَصّها الشَّيْخ أَبو الحَسَن، أَلَا تَرَى إلى قولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: {ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}؛ وقالَ: {هَدْيًا بالِغَ الْكَعْبَةِ}. وإنَّما يَقَعُ النّحْرُ بمِنَى.
ومِنى: موضع آخَرُ بنَجْدٍ.
قالَ نَصْر: هي هضبَةٌ قُرْبَ ضرية في ديارِ غَنِيٍّ بنِ أَعْصر زادَ غيرُهُ: بينَ طخفَةَ وأَضاخَ، وبه فسّر قولَ لبيدٍ:
عَفَتِ الدِّيارُ محلُّها فمُقامُها *** بمِنَى تَأَبَّدَ غَوْلُها فرِجامُها
وأَيْضًا: ماءٌ قُرْبَ ضَرِيَّةَ في سَفْحِ جَبَل أَحْمرِ مِن جِبالِ بَني كِلابٍ للضِّبابِ منهم؛ قالَهُ نَصْر وضَبَطَه كغَنِيٍّ، بالتَّشْديدِ.
ونقلَ ياقوت عن الأصْمعي: أنَّ مِنَى جَبَلٌ حَوْلَ حمى ضَرِيَّة؛ وأَنْشَد:
أَتْبَعْتهم مُقْلَةً إنْسانُها غَرِقٌ *** كالفَصّ في رَقْراق الدَّمْعِ مَغْمُورُ
حتى تَوارَوا بشَعْفِ والجِبَال بِهم *** عن هضب غَوْلٍ وعن جَنْبي مِنًى زورُ
وأَمْنَى الرَّجُلُ؛ عن ابنِ الأعْرابِي؛ وامْتَنَى؛ عن يُونس؛ أَتَى مِنَى أَو نَزَلَها؛ التَّفْسِير الأوَّل ليونس، والثاني لابنِ الأعْرابي؛ ومِن ذلكَ لُغْز الحَريرِي في فتْيَا العَرَبِ: هل يَجِبُ الغُسْل على مَنْ أَمْنَى؛ قالَ: لا ولو ثنى.
وتمنَّاهُ تَمَنّيًا: أَرادَهُ.
قال ثَعْلَب: التَّمنِّي حديثُ النَّفْسِ بما يكونُ وبما لا يكونُ.
وقال ابنُ الأثير: التَّمنِّي تَشَهِّي حُصُولِ الأمْر المَرْغوب فيه.
وقال ابنُ دُرَيْدٍ: تَمَنَّيْتُ الشيءَ أَي قَدَّرْتُه وأَحْبَبْتُ أَن يَصِيرَ إليَّ مِن المَنى وهو القَدر.
وقال الرَّاغبُ: التمنِّي تَقْديرُ شيءٍ في النَّفْسِ وتَصْوِيرُه فيها؛ وذلك قد يكونُ عن تَخْمِين وظَنِّ، ويكونُ عن رَوِيَّةٍ وبِناء على أَصْلٍ، لكن لما كان أَكْثَره عن تَخْمِين صارَ الكَذِبُ له أَمْلَك فأَكْثَر التَّمنِّي تَصَوّر ما لا حَقِيقَةَ له.
ومَنَّاهُ إيَّاه ومَنَّاهُ به تَمْنِيَةً: جَعَلَ له أُمْنِيّته؛ ومنه قولُه تعالى: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ} وهي المُنْيَةُ، بالضَّمِّ والكسر، والأُمْنِيَّةُ، بالضَّمِّ، وهي أُفْعُولَةٌ وجَمْعُها الأماني. قالَ اللَّيْث: رُبَّما طُرِحَتِ الهَمْزَةُ فقيلَ مُنْيَة على فُعْلَة.
قالَ الأزْهرِي: وهذا لَحْنٌ عنْدَ الفُصَحاءِ إنَّما يقالُ مُنْية على فُعْلَة وجَمْعُها مُنًى، ويقالُ: أُمْنِيَّةٌ على أُفْعُولَة، وجَمْعُها أَمانيُّ بتَشْديد الياءِ وتَخْفِيفِها.
وقال الرَّاغبُ: الأُمْنِيَّةُ الصُّورَةُ الحاصِلَةُ في النَّفْسِ مِن تَمَنّى الشَّيء. وشاهِدُ المنى أَنْشَدَه القالِي:
كأَنَّا لا تَرانا تارِكِيها *** بعِلَّةِ باطِل ومُنَى اغْتِرارِ
وشاهِدُ الأمانيِّ قولُ كَعْب:
فلا يَغُرَّنَّكَ ما مَنَّتْ وما وَعَدَتْ *** إنَّ الأمانيَّ والأحْلامَ تَضْلِيلُ!
وتَمَنَّى تَمَنِّيًا: كَذَبَ، وهو تَفَعُّل مِن مَنَى يَمْنِي إذا قَدَّرَ لأنَّ الكاذِبَ يُقدِّرُ في نَفْسِه الحديثَ.
وقال الرَّاغِبُ: لمَّا كانَ الكَذِبُ تَصَوُّر ما لا حَقِيقَةَ له وإيرَاده باللّفْظِ صارَ التَّمَنِّي كالمَبْدإ للكَذِبِ فصحَّ أنْ يُعَبَّرَ عن الكذِبِ بالتَّمنِّي، وعلى ذلكَ ما
رُوِي عن عُثْمان، رضِيَ اللهُ تعالى عنه: ما تَمَنَّيْتُ مُنْذُ أَسْلَمْت؛ أَي ما كَذَبْت، انتَهَى.
ويقالُ: هو مَقْلُوبُ تمين مِن المَيْنِ وهو الكذِبُ.
وتَمَنَّى الكِتابَ: قَرَأَهُ وكَتَبَه؛ وبه فُسِّر قولُه تعالى: {إِلّا إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}؛ أَي قَرَأَ وتَلا فَأَلْقَى فِي تِلاوَتِه ما ليسَ فيه؛ قالَ الشاعرُ يَرْثي عُثْمان، رضِيَ اللهُ تعالى عنه:
تَمَنَّى كتابَ اللهِ أَوَّلَ لَيْلِه *** وآخِرَه لاقَى حِمامَ المَقادِرِ
وقالَ آخَرُ:
تَمَنَّى كتابَ اللهِ آخِرَ لَيْلةٍ *** تَمَنِّيَ داودَ الزَّبُورَ على رِسْلِ
أَي تَلا كتابَ اللهِ مُتَرسِّلٍا فيه.
قالَ الأزْهري: والتَّلَاوَةُ سُمِّيَت أُمْنِيَّة لأنَّ تَالِي القُرْآنِ إذا مَرَّ بآيَةِ رَحْمَةٍ تَمَنَّاها، وإذا مَرَّ بآيَةِ عَذَابٍ تَمَنَّى أَن يُوقَّاه.
وقالَ الرَّاغِبُ: قولُه تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلّا أَمانِيَّ}. قالَ مجاهد: مَعْناه إلَّا كذِبًا؛ وقال غيرُهُ: إلَّا تِلاوَةً. وقولُه تعالى: {أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}؛ وقد تقدَّمَ أَنَّ التَّمنِّي كما يكونُ عن تَخْمِين وظنِّ قد يكونُ عن رَوِيَّةٍ وبناءٍ على أَصْلٍ، ولمَّا كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، كثيرًا ما كانَ يُبادِرُ إلى ما نَزَلَ به الرُّوحُ الأمِين على قَلْبِه حتى قيلَ له: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}، {... لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}، سَمَّى تِلاوَتَه على ذلكَ تَمَنِّيًا ونَبَّه أنَّ للشَّيْطانِ تَسَلّطًا على مثْلِه في أُمْنِيَّتِه، وذلكَ من حيثُ بَيَّن أنَّ العَجَلَةَ من الشَّيْطانِ.
وتَمَنَّى الحديثَ: اخْترَعَهُ وافْتَعَلَهُ ولا أَصْلَ له؛ ومنه قولُ رَجُل لابن دَأْبٍ وهو يُحدِّثُ: هذا شيءٌ رَوَيْتَه أَمْ شيءٌ تَمَنَّيْتَه؟ أَي افْتَعَلْتَه واخْتَلَقْتَه ولا أَصْلَ له. ويقولُ الرَّجُل: والله ما تَمَنَّيْت هذا الكلامَ ولا اخْتَلَقْته.
والمُنْيَةُ، بالضَّمِّ ويُكْسَرُ؛ عن ابنِ سِيدَه، واقْتَصَر الجَوْهرِي على الضم. ونَقَلَ ابنُ السِّكِّيت عن الفرَّاء الضم والكسَر معًا؛ والمَنْوَةُ، بالفتح، كذا في النسخِ والصَّوابُ المَنُوَّةُ، بفتحٍ فضمٍ فتَشْديدِ واو؛ أَيامُ النَّاقةِ التي لم يُسْتَيْقَنْ؛ وفي المُحْكم: لم يَسْتَبِنْ؛ فيها لِقاحُها من حِيالها. ويقالُ للناقَةِ في أَوَّل ما تُضْرَبُ: هي في مُنْيَتِها، وذلك ما لم يَعْلَموا بها حَمْل أَمْ لا. فمُنْيَةُ البِكْرِ التي لم تَحْمِلْ عَشْرُ لَيالٍ ومُنْيَةُ الثَّنيِّ: وهو البَطْنُ الثَّاني، خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، قيلَ: وهي مُنْتَهى الأيَّام ثم بَعْد مُضِي ذلكَ تُعْرَفُ أَلاقحٌ هي أمْ لا؛ هذا نَصُّ ابنِ سِيدَه.
وقال الجَوْهرِي: مُنْيَةُ الناقَةِ الأيامُ التي يُتَعَرَّفُ فيها أَلاقحٌ هي أَمْ لا، وهي ما بينَ ضِرابِ الفَحْلِ إيَّاها وبينَ خَمْس عَشْرَةَ لَيْلة، وهي الأيَّام التي يُسْتَبْرَأُ فيها لَقاحُها من حِيالِها. يقالُ: هي في مُنْيَتها، انتهى.
وقال الأصْمعي: المُنْيَةُ مِن سَبْعَةِ أَيَّام إلى خَمْسَة عَشَرَ يَوْمًا تُسْتَبْرأُ فيها الناقَةُ تردُّ إلى الفَحْل فإن قرَّت عُلِم، أنَّها لم تَحْمِلْ، وإن لم تقرّ عُلِمَ أنَّها قد حَمَلَتْ؛ نقلَهُ القالِي.
وقال ابنُ شُمَيْل: مُنْيَةُ القِلاصِ سَواء عَشرُ ليالٍ؛ وقالَ غيرُهُ: المُنْيَةُ التي هي المُنْيَة سَبْع، وثلاث للقِلاصِ وللجِلَّةِ عَشْرَ لَيالٍ.
وقالَ أَبو الهَيْثَمِ: قُرِئَ على نُصَيْر وأَنا حاضِرٌ! أَمْنَتِ الناقَةُ، فهي مُمْنٍ ومُمْنِيَةٌ: إذا كانتْ في مُنْيَتِها؛ وقد اسْتَمْنَيْتُها.
قال ابنُ الأعْرابي: البِكْرُ من الإِبِلِ تُسْتَمْنَى بَعْدَ أَرْبَع عشرَةَ وإحْدَى وعِشْرين، والمُسِنَّةُ بَعْد سَبْعةِ أَيامٍ؛ قالَ: والاسْتِمْناءُ أَنْ يأْتِي صاحِبُها فيَضْربَ بيدِهِ على صَلاها ويَنْقُرَ بها، فإن اكْتارَتْ بذَنَبِها أَو عَقَدَتْ رأْسَها وجَمَعَتْ بينَ قُطْرَيْها عُلِم أنَّها لاقِحٌ؛ وقالَ في قولِ الشاعرِ:
قامَتْ تُرِيكَ لَقاحًا بعدَ سابِعةٍ *** والعَيْنُ شاحِبةٌ والقَلْبُ مَسْتُورُ
كأنَّها بصَلاها وهْي عاقِدَةٌ *** كَوْرُ خِمارٍ على عَذْراءَ مَعْجُورُ
قال: مَسْتُور إذا لَقِحَتْ ذهبَ نَشاطُها.
ومُنِيتُ به، بالضَّمِّ، مَنْيًا، بالفتح: أَي بُلِيتُ به، وقدمنَاهُ مَنْيًا بَلاهُ.
ومَاناهُ مُمَاناةً: جازَاهُ؛ عن أَبي سعيدٍ.
أَو مَاناهُ: أَلْزَمَهُ؛ كذا في النُّسخِ والصَّوابُ لَزِمَهُ.
ومَاناهُ: ماطَلَهُ؛ كذا في النسخِ والصَّوابُ طاوَلَهُ؛ كما في الصِّحاحِ وغيرِهِ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِي لغَيْلانِ بنِ حُرَيْث:
فإلّا يَكُنْ فيها هُرارٌ فإِنَّني *** بسِلِّ يُمانِيها إلى الحَوْلِ خائِفُ
أَي يُطاوِلُها؛ وأَنْشَدَ ابنُ برِّي لأبي صُخَيْرَة:
إيَّاك في أَمْرِكَ والمُهاواهْ *** وكَثْرَةَ التَّسْوِيفِ والمُماناهْ
ومَاناهُ: دارَهُ.
وأيْضًا: عاقَبَهُ في الرُّكوبِ.
وتَمَنَّ: بلد بين الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْن. قالَ نَصْر: هي ثَنِيةُ هَرْشَى على نصفِ طريقِ مكَّةَ والمَدينَةِ.
رَوَى ابنُ أَبي ذئبٍ عن عِمْران بنِ قُشَيْر عن سالمِ بنِ سبلان: سَمِعْت عائِشَةَ وهي بالبِيض من تَمَنِّ بسَفْحِ هَرْشى وأَخَذْت مرْوَة مِن المَرْوِ، فقالت: وَدَدْت أَني هذه المَرْوَة، انتَهَى.
وقال كثيِّرُ عزَّة:
كأَنَّ دُموعَ العَيْنِ لما تَحَلَّلَتْ *** مَخارِمَ بِيضًا مِنْ تَمَنِّ جمالُها
قلين غُروبًا مِنْ سُمَيْحَةَ أَتْرَعَتْ *** بِهِنَّ السَّوانِي فاسْتَدارَ مَحالُها
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
امْتَنَيْت الشيءَ: اخْتَلَقْته.
والمُتَمَنِّي: جماعَةٌ مِن العَرَبِ عُرِفُوا بذلكَ، منهم: عامِرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الشجبِ بنِ عبْدِ ودّ لُقِّبَ به لكوْنِه تَمَنَّى رقاش، امْرأَة مِن عامِر الأَجْدار وأَسَر بداءِ بنِ الحارِثِ فنالَهُما. وبفَتْح النونِ: نَصْر بن حجَّاج السِّلمي وكانَ وَسِيمًا تَفْتَتِنُ به النِّساءُ، وفيه تقولُ الفُرَيْعةُ بنْتُ هَمَّام:
هَلْ مِنْ سَبيلٍ إِلى خَمْرٍ فَأَشْرَبَها *** أَمْ هَلْ سَبِيلٌ إلى نَصْرِ بْنِ حجَّاجِ؟
وهي المُتَمَنِّيَةُ، وهي أُمُّ الحجَّاجِ بنِ يوسف، فنَفاهُ عُمَر قائِلًا: لا تَتَمنَّاكَ النِّساء، وكَتَبَ عبْدُ الملِكِ إلى الحجَّاج: يا ابْنَ المُتَمَنِّيَة، أَرادَ أُمَّه هذه.
والمَنِيُّ، كغَنِيِّ: ماءٌ بضَرِيَّة؛ ضَبَطَه نَصْر وتَبِعَه ياقوت.
والأمانِيُّ: الأكاذِيبُ والأحادِيثُ التي تتمنى.
وامْتُنِيَ للفَحْل، بالضم؛ نقلَهُ الجَوْهرِي وأَنْشَدَ لذي الرُّمَّة يَصِفُ بيضةً:
نَتُوجٍ ولم تُقْرَفْ بِمَا يُمْتَنَى له *** إذا نُتِجَتْ ماتَتْ وحَيَّ سَلِيلُها
وأَنْشَدَ نُصَيْر لذي الرُّمَّة أَيْضًا:
وحتّى اسْتَبانَ الفَحْلُ بَعْدَ امْتِنائِها *** مِنَ الصَّيْف ما اللَّاتي لَقِحْنَ وحُولها
وامْتَنَتِ الناقَةُ فهي مُمْتَنِية إذا كانتْ في مُنْيَتِها؛ رواهُ أبو الهَيْثم عن نُصَيْر؛ قالَ: قُرِئَ عليه ذلكَ وأَنا حاضِرٌ.
ومَناهُ يَمْنِيه: جَزاءُ.
والمِناوَةُ، بالكسر: الجَزاءُ. يقالُ: لأَمْنِينَّكَ مِناوَتَكَ؛ أَي لأَجْزِيَنَّكَ جَزَاءَكَ؛ عن أَبي سعيدٍ؛ ونقلَهُ الجَوْهرِي أَيْضًا.
ويقالُ: هو بمنًى منه وحرًى.
ومَناهُ: أَي مَطَلَهُ.
والمُمَاناةُ: المُكافَأَةُ؛ نقلَهُ الجَوْهرِي عن أَبي زيْدٍ؛ وأَنْشَدَ ابنُ برِّي لسَبْرة بنِ عَمْرو:
نُمانِي بها أَكْفاءَنا ونُهِبنُها *** ونَشْربُ في أَثْمانِها ونُقامِرُ
وقالَ آخَرُ:
أُمانِي بها الأَكْفاء في كلِّ مَوْطِنٍ *** وأَقْضِي فُروضَ الصَّالِحِينَ وأَقْتَرِي
والمُمَاناةُ: الانْتِظارُ؛ وأَنْشَدَ أَبو عَمْرو:
عُلِّقْتُها قَبْلَ انْضِباح لَوْنِي *** وجُبْتُ لَمَّاعًا بَعِيدَ اليَوْنِ
مِنْ أَجْلِها بفِتْيةٍ ما نَوْنِي
أَي: انْتَظَرُوني حتى أُدْرِكَ بُغْيَتي؛ كما في الصِّحاح.
قال ابنُ برِّي: المُماناةُ في هذا الرجزِ بمعْنَى المُطاوَلة لا الانْتِظار.
ونقلَ ابنُ السِّكِّيت عن أَبي عَمْرو: مانَيْتُكَ مُذ اليومِ أَي انْتَظَرْتُكَ.
ومَنَّى تَمْنِيّةً: نَزَلَ مِنًى، لُغَةٌ في أَمْنَى وامْتَنَى؛ نقلَهُ الصَّاغاني؛ وكَذلكَ مَنَى بالتّخْفيفِ؛ عنه أَيْضًا.
والمِنْيَةُ، بالكسرِ: اسْمٌ لعدَّةِ قُرًى بمِصْر جاءَتْ مُضافَةً إلى أَسْماء، ومنها ما جاءَتْ بلَفْظِ الإفْرادِ، ومنها ما جاءَتْ بلفْظِ التَّثْنِيةِ، ومنها ما جاءَتْ بلَفْظِ الجَمْع، ونحن نَذْكُر ذلك مرتبين على الأقاليم: فما جاءَتْ بلَفْظِ الإفْرادِ: مِن الشَّرْقيةِ: مِنْيَةُ مَسْعود، وناجِيَةَ، ورَوْق، وجُحَيْش، وردِيني، وقَيْصَر، وفراة، واشنة، وكِنانَةَ وفيها ولد السراج البَلْقِيني، ومِنْيَةُ سُهَيْل، وأَبي الحُسَيْن، وعاصِمٍ وقد دَخَلْتها، والسِّباع وتُعْرَفُ بمِنْيَةِ الخَنازِيرِ الآن، ومِنْيَةُ بَصَل، ومُحْسِن، وراضِي، وبوعَزّى، وثَعْلَب، ونَما، وجَابِر، والنَّشاصِي، والدرَّاج، وصُرَد، والأمْلَس، وربيعَةَ البَيْضاء، وبوخالِدٍ، ويَرْبُوع، وبوعلي، وعقبَةَ وهي غَيْر التي في الجِيزَة، وطيِّئٍ، والذويبِ، ووَرْعان، ومقلد، والقرشي، ولوز، وغُرَاب، وبشَّار، ويزيد، ورَمْسِيس، وخيار، ويَعِيش، وسعادة، وصيفي، ويالله، والمعلى، والأَمراء، والفرماوي.
* وممَّا جاءَتْ بصِيغَةِ التَّثْنِيةِ مِن هذا الإقليم: مِنْيتا الشَّرف والعامل، ومِنْيَتا عُمَر وحماد، ومِنْيتا العطَّار والفزاريين، ومِنْيَتا حمل وحبيب، ومِنْيَتا فرج وهُما الطرطيري والراشدي، ومِنْيَتا يمان ومحرز.
* وما جاءَتْ بصبغَةِ الجَمْع: مُنَى مَرْزُوق، ومُنَى جَعْفَر، ومُنَى مغنوج، ومُنَى غصين.
* وفي المرتاحية: على صيغَةِ الإفْرادِ: مِنْيَةُ الشَّامِيِّين، ومِنْيةُ سمنود وقد دَخَلْتها، ومِنْيَةُ بزو وقد دَخَلْتها، ومِنْيَةُ شحيرة، ونقيطة، وعوام، وخَيْرُون، والعَامِل، وشافِع، والصَّارِم، وقوريل، وغرون وهي مِنْيَةُ أَبي البَدْر، وقرموط، وغشماشة، وبجانة، والشبول، وعاصم، وهي غَيْر التي ذُكِرَتْ، وجلموه ومعاند، وعلي، والبَقْلي، والمفضلين، وصالح، وحماقة، وفضالة، وفوسا، والأخْرس وبصيغَةِ الجَمْع: منى سندوب.
* وفي الدقهلية: على صيغَةِ الإفْراد: مِنْيَةُ السُّودان، والحلوج، وعبْدِ المُؤْمِن، وكرسوس، والنّصَارَى وهُما اثْنَتان، وطلوس، وحازم، وبوز كرى، وجديلة، وبو عبد الله وقد دَخَلْتها، وشعبان، ومرجا بن سليل، والغر، وبَدْر بنُ سلسيل، والجفاريين، والشاميين، ورومي، والخياريين، والزمام.
* وبصيغَةِ التَّثْنِية: مِنْيَتا طاهِرٍ وأمامَة، ومِنْيَتا فاتِكٍ ومزاح، ومِنْيَتا السويد والطبل.
* وفي جَزيرَةِ قويسنا: مِنْيَةُ زفتى جواد، وتاج العجم، والعبسي، وعافية وقد دَخَلْتها، والأمير، والفزاريين وهي شبرا هارس، وسلكا، وحيون، وإسحاق، وسراج وقد دَخَلْتها، وأبو شيخة وقد دَخَلْتها، والموز والشريف، والحرون وهي البَيْضاء، وأَبو الحُسَيْن.
* وبصيغَةِ التَّثْنِية: مِنْيَتا الوفيين والجمالين، ومِنْيَتا خشيبة والرخا.
* وفي الغربية: مِنْيَةُ السُّودان وهي غَيْر التي ذُكِرَتْ، ومِنْيَةُ مسير، وردّاد، وأَبي قحافة، ورديبيه، والأشْراف وقد دَخَلْتها، وحبيب، وأوْلاد شريف، والديان، وسراج وهي غَيْر التي ذُكِرَتْ، والقيراط ومنها البُرْهان القيراطي الشاعِرُ، وابشان، ويزيد، والكتاميين.
* وبصيغَةِ التَّثْنِية: مِنْيتا الليث وهاشم، ومِنْيَتا أمويه والجنان.
* وفي السمنودية: مِنْيَةُ حوى، وميمون، وأَبْيض لجامه، وشنتنا، والسبز، وخيار، والسُّودَان وهي غَيْر التي ذُكِرَت، وعياش، والبندر أو اللّيْث، وهاشم، والطويلة، وحسان، وأبو السيار، وخضر، وغزال، وطوخ، والنَّصارَى وتُعْرَفُ بمِنْيَةِ بركات، وحويت، وسَيْف الدَّوْلة، والداعي، والقصرى، ويزيد، وبدر وقد دَخَلْتها، وخميس وقد دَخَلْتها، وجكو.
* وبصيغَةِ التَّثْنِية: مِنْيَتا بَدْرٍ وحَبيب، ومِنْيَتا سلامين وأبو الحارث وقد دَخَلْتُ الأخيرَة، ومِنْيَتا حُبَيْش القبلية والبحرية.
* وبصيغَةِ الجَمْع: منى أبي ثور.
* وفي الدنجاوية: مِنْيَةُ الأحْلاف، ودَبُّوس وقد دَخَلْتها، وحجاج.
* وفي المنوفية: مِنْيَةُ زوبر وقد دَخَلْتها، وعَفيف وقد دَخَلْتها، وأُمّ صالِحٍ، وموسى، والقصرى، وصُرَد وهي غَيْر التي ذُكِرَت، وسود، والعز، وخلف وقد دَخَلْتها.
* وبصيغَةِ التَّثْنِيةِ: مِنْيتا خاقان وتُعْرَفُ بالمِنْيَتَيْن وقد دَخَلتها.
* وبصيغَةِ الجَمْع منى واهلة وقد دَخَلْتها.
وفي جزيرَة بَني نَصْر: مِنْيَةُ الملك، وفطيس، والكراء، وشهالة، وحرى.
* وفي البُحَيْرَة: مِنْيَةُ سلامة، وبَني حمَّاد، وزرقون، وبَني موسى، وطراد والزناطرة.
* وفي حَوْف رَمْسيس: مِنْيَةُ يزيد، وعطية، والجبالى.
* وفي الجيزية: مِنْيَةُ القائِد فضل، وعقبَةَ، وأَبي عليٍّ، ورهينة، والشماس وهي دَيْر الشمع، والصَّيَّادِين، وتاج الدولة، وبوحميد.
* وبصيغَةِ التَّثْنِيةِ: مِنْيَتا قادوس وأندونة.
* وبصيغَةِ الجَمْع منى البوهات، ومنى الأمير.
* وفي الأطفيحية: مِنْيَةُ الباساك.
* وفي الفيومية: مِنْيَةُ الدِّيك، والبطس، وأَقْنَى، والأسقف.
* وفي البهنساوية: مِنْيَةُ الطوى، والديان، وعياش.
* وفي الأشمونين: مُنْيَةُ بَني خصيب وهذه بضمِّ الميم خاصّةً وقد دَخَلْتها، ومِنْيَةُ العز.
وقد ذَكَرَ ياقوتُ في مُعْجمه بعضَ قُرًى بمِصْر تُسَمَّى هكذا منها: مِنْيَةُ الأصْبَغ شرقي مِصْر إلى الأصْبَغ بنِ عبدِ العزيزِ، ومِنْيَةُ أَبي الخُصَيبِ على شاطِئِ النِّيل بالصَّعيدِ الأدْنى قالَ: أَنْشَأَ فيها بَنُو اللمطي أَحَد الرُّؤساء جامِعًا حَسَنًا وفي قبْلتِها مقامُ إبراهيم، عليهالسلام. ومِنْيَةُ بُولاق والزُّجاج كِلاهُما بالإسْكَنْدريةِ، وفي الأخيرَةِ قَبْرُ عتْبَة بن أبي سُفْيانِ، ومِنْيَة زِفْتا، ومِنْيَةُ غَمْر على فوهةِ النِّيل، ومِنْيَةُ شِنْشِنا شمالي مِصْر، ومِنْيَةُ الشِّيرَج على فَرْسخ من مِصْر، ومِنْيَةُ القائِدِ فَضْل على يلأمَيْن من مِصْر في قبْلتِها، ومِنْيَةُ قُوص هي ربضُ مدينة قُوص، ومُنَى جَعْفَر لعدَّةِ ضِياعٍ شمالي مِصْر.
ومِنْيَةُ عَجَب بالأنْدَلُسِ منها: خلفُ بنُ سعيدٍ المُتوفي بالأنْدَلُس سَنَة 305.
* قُلْت: والنِّسْبَةُ إلى الكلِّ مِنْياوِيٌّ، بالكسْر؛ وإلى مُنْيَة أَبي الخصيبِ مُناوِيّ بالضم، وإلى مُنْيَة عَجَب مُنّييّ.
* وأَبو المَنِيّ، كعَدِيٍّ: جدُّ البَدْرِ محمدِ بنِ سعيدٍ الحلبي الحَنْبلِي نَزِيل القاهِرَة، رَفيق الذَّهبي في السّماع.
ومحمدُ بنُ أَحمدَ بنِ أَبي المَنِيِّ البُرُوجِرْدِي عن أَبي يَعْلى بنِ الفرَّاء، وعُمَر بنُ حميدِ بنِ خَلَف بن أبي المُنَى البَنْدَنِيجي عن ابن البُسري. وأَبو المنيِّ بنُ أَبي الفَرَج المسدي سَمِعَ منه ابنُ نُقْطة.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
54-تاج العروس (نصي)
[نصي]: ي النَّصِيَّةُ من القَوْم، كغَنِيَّةٍ: الخِيارُ الأشْرافُ؛ وكَذلكَ من الإِبِلِ وغيرِها؛ كما في الصِّحاح، وهو مجازٌ، وهو اسْمٌ، مِن انْتَصَاهُم اخْتَارَ مِن نَواصِيهم، ومنه حديثُ ذي المشعار: «نَصِيَّةٌ من هَمْدان مِن كلِّ حاضِرٍ وبادٍ».الجمع: نَصِيٌّ بحذْفِ الهاءِ، وجج جَمْعُ الجَمْع أَنْصاءٌ، كشَريفٍ وأَشْرافٍ، وأَناصٍ.
وأَنْصَتِ الأَرْضُ: كَثُرَ نَصِيُّها؛ ولم يَذْكر النَّصِيّ ما هُو، ولو قالَ: وهو نَبْتٌ لسَلِمَ مِن التَّقْصَيرِ، وقد تكَرَّر ذِكْره في كتابِهِ هذا في عدّةِ مَواضِع اسْتِطْرادًا، فتارَةً وَحْده وتارَةً مع الصّلِّيان؛ وهو نبْتٌ ما دامَ رَطْبًا فإذا ابْيضَّ فهو الطَّرِيفَةُ فإذا ضَخُمَ ويَبِسَ فهو الحَلِيُّ؛ نقلَهُ الجَوْهرِي، وأَنْشَدَ:
لَقَدْ لَقِيَتْ خَيْلٌ بجَنْبَيْ بُوانةٍ *** نَصِيًّا كأَعْرافِ الكَوادِنِ أَسْحَما
وأَنْشَدَ غيرُه للراجزِ:
نَحْنُ مَنَعْنا مَنْبِتَ النَّصِيِّ *** ومَنْبِتَ الضَّمْرانِ والحَلِيِّ
وفي الحديثِ: «رأَيْتُ قُبورَ الشُّهداءِ جُثًا قد نَبَتَ عليها النَّصِيُّ» قالَ ابنُ الأثير: هو نَبْتٌ سَبْطٌ أَبيضُ ناعِمٌ مِن أَفْضَل المَرْعَى.
وانْتَصاهُ: اخْتارَهُ يقالُ: انْتَصَيْتُ من القَوْمِ رجُلًا؛ والاسْمُ النَّصِيَّةُ؛ ويقالُ: هذه نَصِيَّتي، وهو مجازٌ؛ وأنْشَدَ ابنُ برِّي:
لَعَمْرُكَ ما ثَوْبُ ابنِ سَعْدٍ بمُخْلِقٍ *** ولا هُوَ ممَّا يُنْتَصى فيُصانُ
يقولُ: ثَوْبه من العُذْرِ لا يُخْلِقُ.
وانْتَصَى الجَبَلُ والأرضُ: طَالا وارْتَفَعَا.
وفي الصِّحاح: انْتَصَى الشَّعَرُ أَي طالَ.
وتَنَصَّى الشَّيءُ بالشَّيءِ: اتَّصَلَ.
ومِن المجازِ: تَنَصَّى بَني فلانٍ وتَذَرَّاهُم: إذا تَزَوَّجَ في نَواصِيهِم، والذِّرْوةُ منهم أَي الخِيارُ والأشْرافُ، وكَذلكَ تَفَرَّعهم.
وفي الأساسِ: تَزَوَّج سِيدَةَ نِسائِهم.
وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ.
النَّصِيُّ، كغَنِيٍّ: عَظْمُ العُنُقِ والجَمْعُ أَنْصِيةٌ؛ عن ابنِ دُرَيْدٍ، وأَنْشَدَ للَيْلى الأخْيَلِية:
يُشَبَّهُونَ مُلوكًا في تَجِلَّتِهمْ *** وطولِ أنْصِيةِ الأعْناقِ والأُمَمِ
ويُرْوَى بالضم وسَيَأْتي.
والمُنْتَصَى المُختارُ؛ وأنْشَدَ ابنُ برِّي لحميدِ بنِ ثَوْرٍ يَصِفُ الظَّبْية:
وفي كلِّ نَشْزٍ لها مَيْفَعٌ *** وفي كلِّ وَجْهٍ لها مُنْتَصَى
والأَنْصِيَةُ: الأشْرافُ؛ ومنه حديثُ وَفْد هَمْدان: فقالوا: «نَحْنُ أَنْصِيَة من هَمْدان».
والأَنْصاءُ: السَّابقُونَ؛ عن الفرَّاء.
ونَصِيَّةُ المالِ بَقِيَّتُه.
والنَّصِيَةُ مِن كلِّ شيءٍ: البَقِيَّةُ؛ وأنْشَدَ ابنُ السِّكِّيت للمرَّار الفَقْعَسي:
تَجَرَّدَ مِنْ نَصِيَّتها نَواجٍ *** كما يَنْجُو من البَقَر الرَّعِيلُ
وقال كعْبُ بنُ مالِكِ الأنْصارِي:
ثلاثَةُ آلافٍ ونحنُ نَصِيَّةٌ *** ثلاثُ مِئينٍ إن كَثُرْنا وأَرْبَعُ
ويُجْمعَ النَّصِيّ، بمعْنَى النّبْتِ، على أَنْصاءٍ وأَناصٍ جَمْع الجَمْع؛ قالَ: تَرْعى أَناصٍ من جريرِ الحَمْضِ.
ونَصَيْت الشيءَ نَصْيًا مِثْل نَصَصْته أَي رَفَعْته؛ عن ابن القطَّاع.
وتَنَصَّيْتُ الدابَّة؛ أخذْتُ بناصِيَتِها، وبه فُسِّرِ قولُ الشاعرِ:
لجاءَتْ على مَشْيِ التي قد تُنُصِّيَتْ
والمَشْهورُ بالضادِ كما سَيَأْتي.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
55-لسان العرب (وطأ)
وطأ: وَطِئَ الشيءَ يَطَؤُهُ وَطْأً: داسَه.قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَمّا وَطِئَ يَطَأُ فَمِثْلُ وَرِمَ يَرِمُ وَلَكِنَّهُمْ فَتَحُوا يَفْعَلُ، وأَصله الْكَسْرُ، كَمَا قَالُوا قرَأَ يَقْرَأُ.
وقرأَ بعضُهم: طَهْ مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى، بِتَسْكِينِ الْهَاءِ.
وَقَالُوا أَراد: طَإِ الأَرضَ بِقَدَمَيْكَ جَمِيعًا لأَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ إِحْدَى رِجْلَيْه فِي صَلاتِه.
قَالَ ابْنُ جِنِّي: فَالْهَاءُ عَلَى هَذَا بَدَلٌ مِنْ هَمْزَةِ طَأْ.
وتَوَطَّأَهُ ووَطَّأَهُ كَوَطِئَه.
قَالَ: وَلَا تَقُلْ تَوَطَّيْتُه.
أَنشد أَبو حَنِيفَةَ:
يَأْكُلُ مِنْ خَضْبٍ سَيالٍ وسَلَمْ، ***وجِلَّةٍ لَمَّا تُوَطِّئْها قَدَمْ
أَي تَطَأْها.
وأَوْطَأَه غيرَه، وأَوْطَأَه فَرَسَه: حَمَلَه عَلَيْهِ حَتَّى وَطِئَه.
وأَوْطَأْتُ فُلَانًا دابَّتي حَتَّى وَطِئَتْه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنّ رِعاءَ الإِبل ورِعاءَ الْغَنَمِ تَفاخَرُوا عِنْدَهُ فأَوْطَأَهم رِعاءَ الإِبل غَلَبَةً» أَي غَلَبُوهُم وقَهَرُوهم بالحُجّة.
وأَصله: أَنَّ مَنْ صارَعْتَه، أَو قاتَلْتَه، فَصَرَعْتَه، أَو أَثْبَتَّه، فَقَدْ وَطِئْتَه، وأَوْطَأْتَه غَيْرَك.
وَالْمَعْنَى أَنه جعلهم يُوطَؤُونَ قَهْرًا وغَلَبَةً.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رَضِيَ الله عنه، لَمَّا خَرَجَ مُهاجِرًا بَعْدَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «فَجَعَلْتُ أَتَّبِعُ مآخِذَ رسولِ الله»، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَطَأُ ذِكْرَه حَتَّى انتَهْيتُ إِلَى العَرْجِ.
أَراد: إِنِّي كنتُ أُغَطِّي خَبَره مِنْ أَوَّل خُروجِي إِلَى أَن بَلَغْتُ العَرْجَ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَكَنَى عَنِ التَّغْطِيةِ وَالْإِيهَامِ بالوَطْءِ، الَّذِي هُوَ أَبلغ فِي الإِخْفاءِ والسَّتْر.
وَقَدِ اسْتَوْطَأَ المَرْكَبَ أَي وجَده وَطِيئًا.
والوَطْءُ بالقَدَمِ والقَوائمِ.
يُقَالُ: وَطَّأْتُه بقَدَمِي إِذَا أَرَدْتَ بِهِ الكَثْرَة.
وبَنُو فُلَانٍ يَطَؤُهم الطريقُ أَي أَهلُ الطَريقِ، حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ.
قَالَ ابْنُ جِنِّي: فِيهِ مِن السَّعةِ إخْبارُكَ عَمَّا لَا يَصِحُّ وطْؤُه بِمَا يَصِحُّ وَطْؤُه، فَنَقُولُ قِياسًا عَلَى هَذَا: أَخَذْنا عَلَى الطريقِ الواطِئِ لِبَنِي فُلَانٍ، ومَررْنا بِقَوْمٍ مَوْطُوئِين بالطَّريقِ، وَيَا طَريقُ طَأْ بِنَا بَنِي فُلَانٍ أَي أَدِّنا إِلَيْهِمْ.
قَالَ: وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ إخْبارُكَ عَنِ الطَّريق بِمَا تُخْبِرُ بِهِ عَنْ سَالِكِيهِ، فَشَبَّهْتَه بِهِمْ إذْ كَانَ المُؤَدِّيَ لَهُ، فَكأَنَّه هُمْ، وأَمَّا التوكيدُ فِلأَنَّك إِذَا أَخْبَرْتَ عَنْهُ بوَطْئِه إِيَّاهم كَانَ أَبلَغَ مِن وَطْءِ سالِكِيه لَهُمْ.
وَذَلِكَ أَنّ الطَّريقَ مُقِيمٌ مُلازِمٌ، وأَفعالُه مُقِيمةٌ مَعَهُ وثابِتةٌ بِثَباتِه، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَهلُ الطَّرِيقِ لأَنهم قَدْ يَحْضُرُون فِيهِ وَقَدْ يَغِيبُون عَنْهُ، فأَفعالُهم أَيضًا حاضِرةٌ وقْتًا وغائبةٌ آخَرَ، فأَيْنَ هَذَا مِمَّا أَفْعالُه ثابِتةٌ مُسْتَمِرَّةٌ.
ولمَّا كَانَ هَذَا كَلَامًا الغرضُ فِيهِ المدحُ والثَّنَاءُ اخْتارُوا لَهُ أَقْوى اللَّفْظَيْنِ لأَنه يُفِيد أَقْوَى المَعْنَيَيْن.
اللَّيْثُ: المَوْطِئُ: الْمَوْضِعُ، وكلُّ شيءٍ يَكُونُ الفِعْلُ مِنْهُ عَلَى فَعِلَ يَفْعَلُ فالمَفْعَلُ مِنْهُ مَفْتُوحُ الْعَيْنِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ بَنَاتِ الْوَاوِ عَلَى بناءِ وَطِئَ يَطَأُ وَطْأً؛ وَإِنَّمَا ذَهَبَتِ الْوَاوُ مِن يَطَأُ، فَلَمْ تَثْبُتْ، كَمَا تَثْبُتُ فِي وَجِل يَوْجَلُ، لأَن وَطِئَ يَطَأُ بُني عَلَى تَوَهُّم فَعِلَ يَفْعِلُ مِثْلُ وَرِمَ يَرِمُ؛ غَيْرَ أَنَّ الحرفَ الَّذِي يَكُونُ فِي مَوْضِعِ اللَّامِ مِنْ يَفْعَلُ فِي هَذَا الحدِّ، إِذَا كَانَ مِنْ حُرُوفِ الحَلْقِ السِّتَّةِ، فَإِنَّ أَكثر ذَلِكَ عِنْدَ الْعَرَبِ مَفْتُوحٌ، وَمِنْهُ مَا يُقَرُّ عَلَى أَصل تأْسيسه مِثْلَ وَرِمَ يَرِمُ.
وأَمَّا وَسِعَ يَسَعُ ففُتحت لِتِلْكَ الْعِلَّةِ.
والواطِئةُ الَّذِينَ فِي الْحَدِيثِ هُمُ السابِلَةُ، سُمُّوا بِذَلِكَ لوَطْئِهم الطريقَ.
التَّهْذِيبُ: والوَطَأَةُ: هُمْ أَبْنَاءُ السَّبِيلِ مِنَ النَّاسِ، سُمُّوا وطَأَةً لأَنهم يَطَؤُون الأَرض.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه قَالَ للخُرَّاصِ احْتَاطوا لأَهْل الأَمْوالِ فِي النائِبة والواطِئةِ».
الواطِئةُ: المارَّةُ والسَّابِلةُ.
يَقُولُ: اسْتَظْهِرُوا لَهُمْ فِي الخَرْصِ لِما يَنُوبُهمْ ويَنْزِلُ
بِهِمْ مِنَ الضِّيفان.
وَقِيلَ: الواطِئَةُ سُقاطةُ التَّمْرِ تَقَعُ فتُوطَأُ بالأَقْدام، فَهِيَ فاعِلةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولةٍ.
وَقِيلَ: هِيَ مِنَ الوَطايا جَمْعُ وَطِيئةٍ؛ وَهِيَ تَجْري مَجْرَى العَرِيَّة؛ سُمِّيت بِذَلِكَ لأَنَّ صاحِبَها وطَّأَها لأَهله أَي ذَلَّلَها ومَهَّدها، فَهِيَ لَا تَدْخُلُ فِي الخَرْص.
وَمِنْهُ حَدِيثُ القَدَرِ:
وآثارٍ مَوْطُوءَةٍ أَي مَسْلُوكٍ عَلَيْها بِمَا سَبَقَ بِهِ القَدَرُ مِنْ خَيْر أَو شرٍّ.
وأَوطَأَه العَشْوةَ وعَشْوةً: أَرْكَبَه عَلَى غَيْرِ هُدًى.
يُقَالُ: مَنْ أَوطأَكَ عَشْوةً.
وأَوطَأْتُه الشيءَ فَوَطِئَه.
ووَطِئْنا العَدُوَّ بالخَيل: دُسْناهم.
وَوَطِئْنا العَدُوَّ وطْأَةً شَديدةً.
والوَطْأَةُ: مَوْضِعُ القَدَم، وَهِيَ أَيضًا كالضَّغْطةِ.
والوَطْأَةُ: الأَخْذَة الشَّديدةُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ» أَي خُذْهم أَخْذًا شَديدًا، وَذَلِكَ حِينَ كَذَّبوا النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعا علَيهم، فأَخَذَهم اللهُ بالسِّنِين.
وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
ووَطِئْتَنا وَطْأً، عَلَى حَنَقٍ، ***وَطْءَ المُقَيَّدِ نابِتَ الهَرْمِ
وَكَانَ حمّادُ بنُ سَلَمة يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ: اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْدَتَكَ عَلَى مُضَر.
والوَطْدُ: الإِثْباتُ والغَمْزُ فِي الأَرض.
ووَطِئْتُهم وَطْأً ثَقِيلًا.
وَيُقَالُ: ثَبَّتَ اللهُ وَطْأَتَه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «زَعَمَتِ المرأَةُ الصالِحةُ، خَوْلةُ بنْتُ حَكِيمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ، وَهُوَ مُحْتَضِنٌ أَحَدَ ابْنَي ابْنَتِه، وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّكُمْ لتُبَخِّلُون وتُجَبِّنُونَ، وإِنكم لَمِنْ رَيْحانِ اللَّهِ، وإنَّ آخِرَ وَطْأَةٍ وَطِئَها اللهُ بِوَجٍ، » أَي تَحْمِلُون عَلَى البُخْلِ والجُبْنِ والجَهْلِ، يَعْنِي الأَوْلاد، فإِنَّ الأَب يَبْخَل بإنْفاق مَالِهِ ليُخَلِّفَه لَهُمْ، ويَجْبُنُ عَنِ القِتال ليَعِيشَ لَهُمْ فيُرَبِّيَهُمْ، ويَجْهَلُ لأَجْلِهم فيُلاعِبُهمْ.
ورَيْحانُ اللهِ: رِزْقُه وعَطاؤُه.
ووَجٌّ: مِنَ الطائِف.
والوَطْءُ، فِي الأَصْلِ: الدَّوْسُ بالقَدَمِ، فسَمَّى بِهِ الغَزْوَ والقَتْلَ، لأَن مَن يَطَأُ عَلَى الشيءِ بِرجله، فقَدِ اسْتَقْصى فِي هَلاكه وإِهانَتِه.
وَالْمَعْنَى أَنَّ آخِرَ أَخْذةٍ ووقْعة أَوْقَعَها اللهُ بالكُفَّار كَانَتْ بِوَجٍّ، وَكَانَتْ غَزْوةُ الطائِف آخِرَ غَزَواتِ سَيِّدِنَا رَسولِ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغْزُ بعدَها إِلَّا غَزْوةَ تَبُوكَ، وَلَمْ يَكن فِيهَا قِتالٌ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: ووجهُ تَعَلُّقِ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا قَبْلَه مِن ذِكر الأَولاد أَنه إِشارةٌ إِلَى تَقْلِيل مَا بَقِيَ مِنْ عُمُره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَنَّى عَنْهُ بِذَلِكَ.
ووَطِئَ المرأَةَ يَطَؤُها: نَكَحَها.
ووَطَّأَ الشيءَ: هَيَّأَه.
الجوهريُّ: وطِئْتُ الشيءَ بِرجْلي وَطْأً، ووَطِئَ الرجُلُ امْرَأَتَه يَطَأُ: فِيهِمَا سقَطَتِ الواوُ مِنْ يَطَأُ كَمَا سَقَطَتْ مَنْ يَسَعُ لتَعَدِّيهما، لأَن فَعِلَ يَفْعَلُ، مِمَّا اعتلَّ فاؤُه، لَا يَكُونُ إِلَّا لَازِمًا، فَلَمَّا جَاءَا مِنْ بَيْنِ أَخَواتِهما مُتَعَدِّيَيْنِ خُولِفَ بِهِمَا نَظائرُهما.
وَقَدْ تَوَطَّأْتُه بِرجلي، وَلَا تَقُلْ تَوَطَّيْتُه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ جِبْرِيلَ صلَّى بِيَ العِشاءَ حينَ غَابَ الشَّفَقُ واتَّطَأَ العِشاءُ، وَهُوَ افْتَعَلَ مِنْ وَطَّأْتُه».
يُقَالُ: وطَّأْتُ الشيءَ فاتَّطَأَ أَي هَيَّأْتُه فَتَهَيَّأَ.
أَراد أَن الظَّلام كَمَلَ.
وواطَأَ بعضُه بَعْضًا أَي وافَقَ.
قَالَ وَفِي الْفَائِقِ: حِينَ غابَ الشَّفَقُ وأْتَطَى العِشاءُ.
قَالَ: وَهُوَ مِنْ قَوْلِ بَني قَيْسٍ لَمْ يَأْتَطِ الجِدَادُ، وَمَعْنَاهُ لَمْ يأْتِ حِينُه.
وَقَدِ ائْتَطَى يأْتَطي كَأْتَلى يَأْتَلي، بِمَعْنَى المُوافَقةِ والمُساعَفةِ.
قَالَ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَر أَنه افْتَعَلَ مِنَ الأَطِيطِ، لأَنّ العَتَمَةَ وقْتُ حَلْبِ الإِبل، وَهِيَ حِينَئِذٍ تَئِطُّ أَيْ تَحِنُّ إِلَى أَوْلادِها، فجعَل الفِعْلَ للعِشاءِ، وَهُوَ لَهَا اتِّساعًا.
ووَطَأَ الفَرَسَ وَطْأً ووَطَّأَهُ: دَمَّثه.
ووَطَّأَ الشيءَ: سَهَّلَه.
وَلَا تَقُلْ وَطَّيْتُ.
وَتَقُولُ: وطَّأْتُ لَكَ الأَمْرَ إِذَا هَيَّأْتَه.
ووَطَّأْتُ لَكَ الفِراشَ ووَطَّأْتُ لَكَ المَجْلِس تَوْطِئةً.
والوطيءُ مِنْ كلِّ شيءٍ: مَا سَهُلَ وَلَانَ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَقولون رَجُلٌ وَطِيءٌ ودابَّةٌ وَطِيئةٌ بَيِّنة الوَطاءَة.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَلا أُخْبِرُكم بأَحَبِّكم إلَيَّ وأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجالِسَ يومَ القيامةِ أُحاسِنُكم أَخْلاقًا المُوَطَّؤُونَ أَكْنافًا الذينَ يَأْلَفُون ويُؤْلَفون».
قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا مَثَلٌ وحَقيقَتُه مِنَ التَّوْطِئةِ، وَهِيَ التَّمهيِدُ والتَّذليلُ.
وفِراشٌ وطِيءٌ: لَا يُؤْذي جَنْبَ النائِم.
والأَكْنافُ: الجَوانِبُ.
أَراد الَّذِينَ جوانِبُهم وَطِيئةٌ يَتَمَكَّن فِيهَا مَن يُصاحِبُهم وَلَا يَتَأَذَّى.
وَفِي حَدِيثِ النِّساءِ: «ولَكُم عَلَيهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أَحَدًا تَكْرَهونه»؛ أي لَا يَأْذَنَّ لأَحِدٍ مِنَ الرِّجال الأَجانِب أَن يَدْخُلَ عليهنَّ، فَيَتَحَدَّث إليهنَّ.
وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عادةِ الْعَرَبِ لَا يَعُدُّونه رِيبَةً، وَلَا يَرَوْن بِهِ بأْسًا، فلمَّا نَزَلَتْ آيةُ الحِجاب نُهُوا عَنْ ذَلِكَ.
وشيءٌ وَطِيءٌ بَيِّنُ الوَطاءَةِ والطِّئَةِ والطَّأَةِ مِثْلُ الطِّعَةِ والطَّعَةِ، فالهاءُ عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ فِيهِمَا.
وَكَذَلِكَ دابَّةٌ وَطِيئةٌ بَيِّنةُ الوَطاءَةِ والطَّأَةِ، بِوَزْنِ الطَّعَةِ أَيضًا.
قَالَ الْكُمَيْتُ:
أَغْشَى المَكارِهَ، أَحْيانًا، ويَحْمِلُنِي ***مِنْهُ عَلَى طَأَةٍ، والدَّهْرُ ذُو نُوَبِ
أَي عَلَى حالٍ لَيِّنةٍ.
وَيُرْوَى عَلَى طِئَةٍ، وَهُمَا بِمَعْنًى.
والوَطِيءُ: السَّهْلُ مِنَ الناسِ والدَّوابِّ والأَماكِنِ.
وَقَدْ وَطُؤَ الموضعُ، بِالضَّمِّ، يَوْطُؤُ وطَاءَةً وَوُطُوءَةً وطِئةً: صَارَ وَطِيئًا.
ووَطَّأْتُه أَنا تَوطِئةً، وَلَا تَقُلْ وَطَّيْته، وَالِاسْمُ الطَّأَة، مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ.
قَالَ: وأَمَّا أَهل اللُّغَةِ، فَقَالُوا وَطِيءٌ بَيِّنُ الطَأَة والطِّئَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: دابَّةٌ وَطِيءٌ بَيِّنُ الطَّأَةِ، بِالْفَتْحِ، ونَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ طِئةِ الذَّلِيلِ، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَعْنَاهُ مِنْ أَن يَطَأَني ويَحْقِرَني، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَطُؤَتِ الدابَّةُ وَطْأً، عَلَى مِثَالِ فَعْلٍ، ووَطَاءَةً وطِئةً حسَنةً.
وَرَجُلٌ وَطِيءُ الخُلُقِ، عَلَى الْمَثَلِ، وَرَجُلٌ مُوَطَّأُ الأَكْنافِ إِذَا كَانَ سَهْلًا دَمِثًا كَريمًا يَنْزِلُ بِهِ الأَضيافُ فيَقْرِيهم.
ابْنُ الأَعرابي: الوَطِيئةُ: الحَيْسةُ، والوَطَاءُ والوِطَاءُ: مَا انْخَفَضَ مِنَ الأَرض بَيْنَ النّشازِ والإِشْرافِ، والمِيطَاءُ كَذَلِكَ.
قَالَ غَيْلانُ الرَّبَعي يَصِفُ حَلْبَةً:
أَمْسَوْا، فَقادُوهُنَّ نحوَ المِيطَاءْ، ***بِمائَتَيْنِ بِغلاءِ الغَلَّاءْ
وَقَدْ وَطَّأَها اللهُ.
وَيُقَالُ: هَذِهِ أَرضٌ مُسْتَوِيةٌ لَا رِباءَ فِيهَا وَلَا وِطَاءَ أَي لَا صُعُودَ فِيهَا وَلَا انْخفاضَ.
وواطَأَه عَلَى الأَمر مُواطأَةً: وافَقَه.
وتَواطَأْنا عَلَيْهِ وتَوطَّأْنا: تَوافَقْنا.
وَفُلَانٌ يُواطِئُ اسمُه اسْمِي.
وتَواطَؤُوا عَلَيْهِ: تَوافَقُوا.
وَقَوْلُهُ تعالى: {لِيُواطِؤُا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ}؛ هُوَ مِنْ وَاطَأْتُ.
وَمِثْلُهَا قَوْلُهُ تعالى: {إِنَّ ناشِئةَ الليلِ هِيَ أَشَدُّ وطَاءً}، بِالْمَدِّ: مُواطأَةً.
قَالَ: وَهِيَ المُواتاةُ أَي مُواتاةُ السمعِ والبصرِ إيَّاه.
وقُرئَ أَشَدُّ وَطْئًا"""" أَي قِيامًا.
التَّهْذِيبُ: قرأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عامرٍ وِطَاءً، بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمَدِّ وَالْهَمْزِ، مِنَ المُواطأَةِ والمُوافقةِ.
وقرأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ والكسائي: وَطْئًا، بِفَتْحِ الْوَاوِ سَاكِنَةَ الطَّاءِ مَقْصُورَةً مَهْمُوزَةً، وَقَالَ الفرَّاءُ: معنى هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا، يَقُولُ: هِيَ أَثْبَتُ قِيامًا.
قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَشَدُّ وَطْئًا
أَي أَشَدُّ عَلَى المُصَلِّي مِنْ صلاةِ النَّهَارِ، لأَنَّ الليلَ لِلنَّوْمِ، فَقَالَ هِيَ، وإِن كَانَتْ أَشَدَّ وَطْأً، فَهِيَ أَقْوَمُ قِيلًا.
وقرأَ بعضُهم: هِيَ أَشَدُّ وِطَاءً، عَلَى فِعالٍ، يُرِيدُ أَشَدُّ عِلاجًا ومُواطَأَةً.
وَاخْتَارَ أَبو حَاتِمٍ: أَشَدُّ وِطاءً، بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ.
وَحَكَى الْمُنْذِرِيُّ: أَنَّ أَبا الْهَيْثَمِ اخْتَارَ هَذِهِ القراءَة وَقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّ سَمْعَه يُواطِئُ قَلْبَه وبَصَرَه، ولِسانُه يُواطِئُ قَلْبَه وِطاءً.
يُقَالُ واطَأَني فُلَانٌ عَلَيَّ الأَمرِ إِذَا وافَقَكَ عَلَيْهِ لَا يَشْتَغِلُ القلبُ بِغَيْرِ مَا اشْتَغَلَ بِهِ السَّمْعُ، هَذَا واطأَ ذاكَ وذاكَ واطَأَ هَذَا؛ يُرِيدُ: قِيامَ الليلِ والقراءةَ فِيهِ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هِيَ أَشدُّ وِطَاءً لِقِلَّةِ السَّمْعِ.
ومنْ قَرأَ وَطْئًا"""" فَمَعْنَاهُ هِيَ أَبْلغُ فِي القِيام وأَبْيَنُ فِي الْقَوْلِ.
وَفِي حديثِ ليلةِ القَدْرِ: أَرَى رُؤْياكم قَدْ تَواطَتْ فِي العَشْرِ الأَواخِر.
قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رُوِيَ بِتَرْكِ الْهَمْزِ، وَهُوَ مِنَ المُواطأَةِ، وحقيقتُه كأَنّ كُلًا مِنْهُمَا وَطئَ مَا وَطِئَه الآخَرُ.
وتَوَطَّأْتُهُ بقَدَمِي مِثْلُ وَطِئْتُه.
وَهَذَا مَوْطِئُ قَدَمِك.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَا نَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطَإٍ» أَي مَا يُوطَأُ مِنَ الأَذَى فِي الطَّرِيقِ، أَراد لَا نُعِيدُ الوُضوءَ مِنْهُ، لَا أَنهم كَانُوا لَا يَغْسِلُونه.
والوِطاءُ: خلافُ الغِطاء.
والوَطِيئَةُ: تَمْرٌ يُخْرَجُ نَواه ويُعْجَنُ بلَبَنٍ.
والوَطِيئَةُ: الأَقِطُ بالسُّكَّرِ.
وَفِي الصِّحَاحِ: الوَطِيئَةُ: ضَرْب مِنَ الطَّعام.
التَّهْذِيبُ: والوَطِيئةُ: طَعَامٌ لِلْعَرَبِ يُتَّخَذُ مِنَ التَّمْرِ.
وَقَالَ شِمْرٌ قَالَ أَبو أَسْلَمَ: الوَطِيئةُ: التَّمْرُ، وَهُوَ أَن يُجْعَلَ فِي بُرْمةٍ ويُصَبَّ عَلَيْهِ الماءُ والسَّمْنُ، إِنْ كَانَ، وَلَا يُخْلَطُ بِهِ أَقِطٌ، ثُمَّ يُشْرَبُ كَمَا تُشْرَبُ الحَسَيَّةُ.
وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الوَطِيئةُ مِثْلُ الحَيْسِ: تَمرٌ وأَقِطٌ يُعْجنانِ بِالسَّمْنِ.
الْمُفَضَّلُ: الوَطِيءُ والوَطيئةُ: العَصِيدةُ الناعِمةُ، فَإِذَا ثَخُنَتْ، فَهِيَ النَّفِيتةُ، فَإِذَا زَادَتْ قَلِيلًا، فَهِيَ النَّفِيثةُ بالثاءِ، فَإِذَا زَادَتْ، فَهِيَ اللَّفِيتةُ، فَإِذَا تَعَلَّكَتْ، فَهِيَ العَصِيدةُ.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَتَيْناهُ بوَطِيئةٍ»، هِيَ طَعامٌ يُتَّخَذُ مِن التَّمْرِ كالحَيْسِ.
يروى بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَقِيلَ هُوَ تَصْحِيفٌ.
والوَطِيئة، عَلَى فَعِيلةٍ: شيءٌ كالغِرارة.
غَيْرُهُ: الوَطِيئةُ: الغِرارةُ يَكُونُ فِيهَا القَدِيدُ والكَعْكُ وغيرُه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فأَخْرَجَ إِلَيْنَا ثلاثَ أُكَلٍ مِنْ وَطِيئةٍ»؛ أَي ثلاثَ قُرَصٍ مِنْ غِرارةٍ.
وَفِي حَدِيثِ عَمَّار أَنّ رَجُلًا وَشَى بِهِ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِن كَانَ كَذَبَ»، فاجعلْهُ مُوَطَّأَ العَقِب أَي كَثِيرَ الأَتْباعِ، دَعا عَلَيْهِ بأَن يَكُونَ سُلطانًا، ومُقَدَّمًا، أَو ذَا مالٍ، فيَتْبَعُه الناسُ وَيَمْشُونَ وَراءَه.
ووَاطأَ الشاعرُ فِي الشِّعر وأَوْطَأَ فِيهِ وأَوطَأَه إِذَا اتَّفقت لَهُ قافِيتانِ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، فَإِنِ اتَّفَق اللفظُ واخْتَلف المَعنى، فَلَيْسَ بإيطاءٍ.
وَقِيلَ: واطَأَ فِي الشِّعْر وأَوْطَأَ فِيهِ وأَوْطَأَه إِذَا لَمْ يُخالِفْ بَيْنَ القافِيتين لَفْظًا وَلَا مَعْنًى، فَإِنْ كَانَ الاتفاقُ بِاللَّفْظِ والاختلافُ بِالْمَعْنَى، فَلَيْسَ بِإيطاءٍ.
وَقَالَ الأَخفش: الإِيطَاءُ رَدُّ كَلِمَةٍ قَدْ قَفَّيْتَ بِهَا مَرَّةً نَحْوُ قافيةٍ عَلَى رجُل وأُخرى عَلَى رجُل فِي قَصِيدَةٍ، فَهَذَا عَيْبٌ عِنْدَ الْعَرَبِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَقَدْ يَقُولُونَهُ مَعَ ذَلِكَ.
قَالَ النَّابِغَةُ:
أوْ أَضَعَ البيتَ فِي سَوْداءَ مُظْلِمةٍ، ***تُقَيِّدُ العَيْرَ، لَا يَسْري بِهَا السَّارِي
ثُمَّ قَالَ:
لَا يَخْفِضُ الرِّزَّ عَنْ أَرْضٍ أَلمَّ بِهَا، ***وَلَا يَضِلُّ عَلَى مِصْباحِه السَّارِي
قَالَ ابْنُ جِنِّي: ووجْهُ اسْتِقْباحِ الْعَرَبِ الإِيطَاءَ أَنه دالٌّ عِنْدَهُمْ عَلَى قِلّة مَادَّةِ الشَّاعِرِ ونزَارة مَا عِنْدَهُ، حَتَّى يُضْطَرّ إِلَى إِعادةِ القافيةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْقَصِيدَةِ بِلَفْظِهَا وَمَعْنَاهَا، فيَجْري هَذَا عِنْدَهُمْ، لِما ذَكَرْنَاهُ، مَجْرَى العِيِّ والحَصَرِ.
وأَصله: أَن يَطَأَ الإِنسانُ فِي طَرِيقِهِ عَلَى أَثَرِ وَطْءٍ قَبْلَهُ، فيُعِيد الوَطْءَ عَلَى ذلِك الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ إعادةُ القافيةِ هِيَ مِن هَذَا.
وَقَدْ أَوطَأَ ووَطَّأَ وأَطَّأَ فأَطَّأَ، عَلَى بَدَلَ الْهَمْزَةِ مِنَ الْوَاوِ كَوناةٍ وأَناةٍ وآطَأَ، عَلَى إِبْدَالِ الأَلف مِنَ الْوَاوِ كَياجَلُ فِي يَوْجَلُ، وغيرُ ذَلِكَ لَا نَظَرَ فِيهِ.
قَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: الإِيطاءُ لَيْسَ بعَيْبٍ فِي الشِّعر عِنْدَ الْعَرَبِ، وَهُوَ إِعادة القافيةِ مَرَّتين.
قَالَ اللَّيْثُ: أُخِذ مِنَ المُواطَأَةِ وَهِيَ المُوافَقةُ عَلَى شيءٍ وَاحِدٍ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ سَلام الجُمَحِيِّ أَنه قَالَ: إِذَا كثُر الإِيطاءُ فِي قَصِيدَةٍ مَرَّاتِ، فَهُوَ عَيْبٌ عِنْدَهُمْ.
أَبو زَيْدٍ: ايتَطَأَ الشَّهْرُ، وَذَلِكَ قَبْلَ النِّصف بِيَوْمٍ وَبَعْدَهُ بيوم، بوزن ايتَطَعَ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
56-لسان العرب (نصب)
نصب: النَّصَبُ: الإِعْياءُ مِنَ العَناءِ.والفعلُ نَصِبَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، نَصَبًا: أَعْيا وتَعِبَ؛ وأَنْصَبه هُوَ، وأَنْصَبَني هَذَا الأَمْرُ.
وهَمٌّ ناصِبٌ مُنْصِبٌ: ذُو نَصَبٍ، مِثْلُ تامِرٍ ولابِنٍ، وَهُوَ فاعلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، لأَنه يُنْصَبُ فِيهِ ويُتْعَبُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فاطمةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُنْصِبُني مَا أَنْصَبَها»أَي يُتْعِبُني مَا أَتْعَبَها.
والنَّصَبُ: التَّعَبُ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
كِليني لهَمٍّ، يَا أُمَيْمَةَ، ناصِبِ
قَالَ: ناصِب، بِمَعْنَى مَنْصُوب؛ وَقَالَ الأَصمعي: ناصِب ذِي نَصَبٍ، مثلُ لَيْلٌ نائمٌ ذُو نومٍ يُنامُ فِيهِ، وَرَجُلٌ دارِعٌ ذُو دِرْعٍ؛ وَيُقَالُ: نَصَبٌ ناصِبٌ، مِثْلُ مَوْتٌ مائِت، وشعرٌ شَاعِرٌ؛ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: هَمٌّ ناصبٌ، هُوَ عَلَى النَّسَب.
وَحَكَى أَبو عَلِيٍّ فِي التَّذْكرة: نَصَبه الهَمُّ؛ فناصِبٌ إِذًا عَلَى الفِعْل.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ناصِبٌ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ فِيهِ، لأَنه يُنْصَبُ فِيهِ ويُتْعَبُ، كَقَوْلِهِمْ: لَيْلٌ نائمٌ أَي يُنامُ فِيهِ، وَيَوْمٌ عاصِفٌ أَي تَعْصِفُ فِيهِ الرِّيحِ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ قِيلَ غَيْرُ هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ أَن يَكُونَ ناصِبٌ بِمَعْنَى مُنْصِبٍ، مِثْلَ مَكَانٌ باقلٌ بِمَعْنَى مُبْقِل، وَعَلَيْهِ قَوْلُ النَّابِغَةِ؛ وَقَالَ أَبو طَالِبٍ:
أَلا مَنْ لِهَمٍّ، آخِرَ اللَّيْلِ، مُنْصِبِ قَالَ: فناصِبٌ، عَلَى هَذَا، ومُنْصِب بِمَعْنًى.
قَالَ: وأَما قَوْلُهُ ناصِبٌ بِمَعْنَى مَنْصوب أَي مَفْعُولٍ فِيهِ، فَلَيْسَ بشيءٍ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}؛ قَالَ قَتَادَةُ: فإِذا فرغتَ مِنْ صَلاتِكَ، فانْصَبْ فِي الدُّعاءِ؛ قَالَ الأَزهري: هُوَ مِنْ نَصِبَ يَنْصَبُ نَصَبًا إِذا تَعِبَ؛ وَقِيلَ: إِذا فَرَغْتَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، فانْصَبْ فِي النَّافِلَةِ.
وَيُقَالُ: نَصِبَ الرجلُ، فَهُوَ ناصِبٌ ونَصِبٌ؛ ونَصَبَ لهُمُ الهَمُّ، وأَنْصَبَه الهَمُّ؛ وعَيْشٌ ناصِبٌ: فِيهِ كَدٌّ وجَهْدٌ؛ وَبِهِ فَسَّرَ الأَصمعي قَوْلَ أَبي ذُؤَيْبٍ:
وغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بعيشٍ ناصِبٍ، ***وإِخالُ أَني لاحِقٌ مُسْتَتْبِعُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما قَوْلُ الأُمَوِيِّ إِن مَعْنَى ناصِبٍ تَرَكَني مُتَنَصِّبًا، فَلَيْسَ بشيءٍ؛ وعَيْشٌ ذُو مَنْصَبةٍ كَذَلِكَ.
ونَصِبَ الرجلُ: جَدَّ؛ وَرَوَى بيتُ ذِي الرُّمَّةِ:
إِذا مَا رَكْبُها نَصِبُوا
ونَصَبُوا.
وَقَالَ أَبو عَمْرٍو فِي قَوْلِهِ ناصِب: نَصَب نَحْوي أَي جَدَّ.
قَالَ اللَّيْثُ: النَّصْبُ نَصْبُ الدَّاءِ؛ يُقَالُ: أَصابه نَصْبٌ مِنَ الدَّاءِ.
والنَّصْبُ والنُّصْبُ والنُّصُبُ: الداءُ والبَلاءُ والشرُّ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ}.
والنَّصِبُ: المريضُ الوَجِعُ؛ وَقَدْ نَصَبه الْمَرَضُ وأَنْصَبه.
والنَّصْبُ: وَضْعُ الشيءِ ورَفْعُه، نَصَبه يَنْصِبُه نَصْبًا، ونَصَّبَه فانْتَصَبَ؛ قَالَ:
فباتَ مُنْتَصْبًا وَمَا تَكَرْدَسا أَراد: مُنْتَصِبًا، فَلَمَّا رأَى نَصِبًا مِنْ مُنْتَصِبٍ، كفَخِذٍ، خَفَّفَهُ تَخْفِيفَ فَخِذٍ، فَقَالَ: مُنْتَصْبًا.
وتَنَصَّبَ كانْتَصَبَ.
والنَّصِيبةُ والنُّصُبُ: كلُّ مَا نُصِبَ، فجُعِلَ عَلَمًا.
وَقِيلَ: النُّصُب جَمْعُ نَصِيبةٍ، كَسَفِينَةٍ وسُفُن، وَصَحِيفَةٍ وصُحُفٍ.
اللَّيْثُ: النُّصُبُ جَمَاعَةُ النَّصِيبة، وَهِيَ عَلَامَةٌ تُنْصَبُ لِلْقَوْمِ.
والنَّصْبُ والنُّصُبُ: العَلَم المَنْصُوب.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {كأَنهم إِلى نَصْبٍ يُوفِضُونَ}؛ قُرِئَ بِهِمَا جَمِيعًا، وَقِيلَ: النَّصْبُ الْغَايَةُ، والأَول أَصحّ.
قَالَ أَبو إِسحاق: مَن قرأَ إِلى نَصْبٍ، فمعناه إِلى عَلَمٍ مَنْصُوبٍ يَسْتَبِقُون إِليه؛ وَمَنْ قرأَ إِلى نُصُبٍ، فَمَعْنَاهُ إِلى أَصنام كَقَوْلِهِ: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الْفَرَّاءُ؛ قَالَ: والنَّصْبُ واحدٌ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، وَجَمْعُهُ الأَنْصابُ.
واليَنْصُوبُ: عَلم يُنْصَبُ فِي الفلاةِ.
والنَّصْبُ والنُّصُبُ: كلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْجَمْعُ أَنْصابٌ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: النُّصُبُ جَمْعٌ، وَاحِدُهَا نِصابٌ.
قَالَ: وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ وَاحِدًا، وَجَمْعُهُ أَنْصاب.
الْجَوْهَرِيُّ: النَّصْبُ مَا نُصِبَ فعُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ النُّصْب، بِالضَّمِّ، وقد يُحَرّكُ مثل عُسْر؛ قَالَ الأَعشى يَمْدَحُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وذا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّهُ ***لعافيةٍ، واللهَ رَبَّكَ فاعبُدا
أَراد: فاعبدنْ، فَوَقَفَ بالأَلف، كَمَا تَقُولُ: رأَيت زَيْدًا؛ وَقَوْلُهُ: وَذَا النُّصُبَ، بِمَعْنَى إِياك وَذَا النُّصُبَ؛ وَهُوَ لِلتَّقْرِيبِ، كَمَا قَالَ لَبِيدٌ:
وَلَقَدْ سَئِمْتُ مِنَ الحَياةِ وطولِها، ***وسُؤَالِ هَذَا الناسِ كَيْفَ لَبيدُ
وَيُرْوَى عَجُزُ بَيْتِ الأَعشى: وَلَا تَعْبُدِ الشيطانَ، واللهَ فاعْبُدا التَّهْذِيبُ، قَالَ الْفَرَّاءُ: كأَنَّ النُّصُبَ الآلهةُ الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ مِنْ أَحجار.
قَالَ الأَزهري: وَقَدْ جَعَلَ الأَعشى النُّصُبَ وَاحِدًا حَيْثُ يَقُولُ: وذا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّه
والنَّصْبُ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، وَجَمْعُهُ الأَنْصابُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
طَوَتْها بِنَا الصُّهْبُ المَهاري، فأَصْبَحَتْ ***تَناصِيبَ، أَمثالَ الرِّماحِ بِهَا، غُبْرا
والتَّناصِيبُ: الأَعْلام، وَهِيَ الأَناصِيبُ، حجارةٌ تُنْصَبُ عَلَى رُؤُوسِ القُورِ، يُسْتَدَلُّ بِهَا؛ وَقَوْلُ الشاعر:
وَجَبَتْ لَهُ أُذُنٌ، يُراقِبُ سَمْعَها ***بَصَرٌ، كناصِبةِ الشُّجاعِ المُرْصَدِ
يُرِيدُ: كَعَيْنِهِ الَّتِي يَنْصِبُها لِلنَّظَرِ.
ابْنُ سِيدَهْ: والأَنْصابُ حِجَارَةٌ كَانَتْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، تُنْصَبُ فيُهَلُّ عَلَيْهَا، ويُذْبَحُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وأَنْصابُ الْحَرَمِ: حُدوده.
والنُّصْبةُ: السَّارِية.
والنَّصائِبُ: حِجَارَةٌ تُنْصَبُ حَولَ الحَوض، ويُسَدُّ مَا بَيْنَهَا مِنَ الخَصاص بالمَدَرة الْمَعْجُونَةِ، وَاحِدَتُهَا نَصِيبةٌ؛ وكلُّه مِنْ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ}، وَقَوْلُهُ: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ؛ الأَنْصابُ: الأَوثان.
وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْدِفي إِلى نُصُبٍ مِنَ الأَنْصاب، فذَبحنا لَهُ شَاةً، وَجَعَلْنَاهَا فِي سُفْرتِنا، فلَقِيَنا زيدُ بْنُ عَمْرو، فقَدَّمْنا لَهُ السُّفرةَ، فَقَالَ: لَا آكُلُ مِمَّا ذُبحَ لِغَيْرِ اللَّهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: أَن زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فَدَعَاهُ إِلى الطَّعَامِ فَقَالَ زيدٌ: إِنَّا لَا نأْكل مِمَّا ذُبحَ عَلَى النُّصُب.
قَالَ ابْنُ الأَثير، قَالَ الحربيُّ: قَوْلُهُ ذَبحنا لَهُ شاةً له وجهان:
أَحدهما أَن يَكُونَ زَيْدٌ فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَمر النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَلَا رِضاه، إِلَّا أَنه كَانَ مَعَهُ، فنُسِب إِليه، ولأَنَّ زَيْدًا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنَ العِصْمة، مَا كَانَ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالثَّانِي أَن يَكُونَ ذَبَحَهَا لِزَادِهِ فِي خُرُوجِهِ، فَاتَّفَقَ ذَلِكَ عِنْدَ صَنَمٍ كَانُوا يَذْبَحُونَ عِنْدَهُ، لَا أَنه ذَبَحَهَا لِلصَّنَمِ، هَذَا إِذا جُعِلَ النُّصُب الصَّنم، فأَما إِذا جُعِلَ الْحَجَرَ الَّذِي يُذْبَحُ عِنْدَهُ، فَلَا كَلَامَ فِيهِ، فَظَنَّ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو أَن ذَلِكَ اللَّحْمَ مِمَّا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَذْبَحُهُ لأَنصابها، فَامْتَنَعَ لِذَلِكَ، وَكَانَ زَيْدٌ يُخَالِفُ قُرَيْشًا فِي كَثِيرٍ مِنْ أُمورها، وَلَمْ يَكُنِ الأَمْرُ كَمَا ظَنَّ زَيْدٌ.
القُتَيْبيُّ: النُّصُب صَنَم أَو حَجَرٌ، وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَنْصِبُه، تَذْبَحُ عِنْدَهُ فيَحْمَرُّ للدمِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبي ذَرٍّ فِي إِسلامه، قَالَ: فخَررْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ ثُمَّ ارْتَفَعْتُ كأَني نُصُبٌ أَحمر؛ يُرِيدُ أَنهم ضَرَبُوه حَتَّى أَدْمَوْه، فَصَارَ كالنُّصُب المُحْمَرِّ بِدَمِ الذَّبَائِحِ.
أَبو عُبَيْدٍ: النَّصائِبُ مَا نُصِب حَوْلَ الحَوْضِ مِنَ الأَحْجار؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
هَرَقْناهُ فِي بَادِي النَّشِيئةِ داثرٍ، ***قَديمٍ بعَهْدِ الماءِ، بُقْعٍ نَصائِبُهْ
والهاءُ فِي هَرَقْناه تَعُودُ عَلَى سَجْلٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
الْجَوْهَرِيُّ: والنَّصِيبُ الحَوْضُ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: النَّصْبُ رَفْعُك شَيْئًا تَنْصِبُه قَائِمًا مُنْتَصِبًا، والكلمةُ المَنْصوبةُ يُرْفَعُ صَوْتُها إِلى الْغَارِ الأَعْلى، وكلُّ شيءٍ انْتَصَبَ بشيءٍ فَقَدْ نَصَبَهُ.
الْجَوْهَرِيُّ: النَّصْبُ مَصْدَرُ نَصَبْتُ الشيءَ إِذا أَقَمته.
وصَفِيحٌ مُنَصَّبٌ أَي نُصِبَ بعضُه عَلَى بَعْضٍ.
ونَصَّبَتِ الخيلُ آذانَها: شُدِّد لِلْكَثْرَةِ أَو لِلْمُبَالَغَةِ.
والمُنَصَّبُ مِنَ الخَيلِ: الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى خَلْقه كُلِّه نَصْبُ عِظامه، حَتَّى يَنْتَصِبَ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إِلى عَطْفه.
ونَصَبَ السَّيْرَ يَنْصِبه نَصْبًا: رَفَعه.
وَقِيلَ: النَّصْبُ أَن يسيرَ القومُ يَوْمَهُم، وَهُوَ سَيْرٌ لَيِّنٌ؛ وَقَدْ نَصَبوا نَصْبًا.
الأَصمعي: النَّصْبُ أَن يَسِيرَ القومُ يومَهم؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
كأَنَّ راكِبَها، يَهْوي بمُنْخَرَقٍ ***مِنَ الجَنُوبِ، إِذا ما رَكْبُها نَصَبوا
قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ جَدُّوا السَّيْرَ.
وَقَالَ النَّضْرُ: النَّصْبُ أَوَّلُ السَّيْر، ثُمَّ الدَّبيبُ، ثُمَّ العَنَقُ، ثُمَّ التَزَيُّدُ، ثُمَّ العَسْجُ، ثُمَّ الرَّتَكُ، ثُمَّ الوَخْدُ، ثُمَّ الهَمْلَجَة.
ابْنُ سِيدَهْ: وكلُّ شيءٍ رُفِعَ واسْتُقْبِلَ بِهِ شيءٌ، فَقَدْ نُصِبَ.
ونَصَبَ هُوَ، وتَنَصَّبَ فلانٌ، وانْتَصَبَ إِذا قَامَ رَافِعًا رأْسه.
وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ: «لَا يَنْصِبُ رأْسه وَلَا يُقْنِعُه»أَي لَا يَرْفَعُهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا فِي سُنَنِ أَبي دَاوُدَ، وَالْمَشْهُورُ: لَا يُصَبِّي ويُصَوِّبُ، وَهُمَا مَذْكُورَانِ فِي مَوَاضِعِهِمَا.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «مِنْ أَقْذَرِ الذُّنوبِ رجلٌ ظَلَمَ امْرَأَةً صَداقَها»؛ قِيلَ للَّيْثِ: أَنَصَبَ ابنُ عُمَرَ الحديثَ إِلى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: وَمَا عِلْمُه، لَوْلَا أَنه سَمِعَهُ مِنْهُ؛ أي أَسنَدَه إِليه ورَفَعَه.
والنَّصْبُ: إِقامةُ الشيءِ ورَفْعُه؛ وَقَوْلُهُ:
أَزَلُّ إِنْ قِيدَ، وإِنْ قامَ نَصَبْ هُوَ مِنْ ذَلِكَ، أَي إِن قَامَ رأَيتَه مُشْرِفَ الرأْس والعُنُق.
قَالَ ثَعْلَبٌ: لَا يَكُونُ النَّصْبُ إِلا بِالْقِيَامِ.
وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ نُصْبُ عَيْني، هَذَا فِي الشيءِ الْقَائِمِ
الَّذِي لَا يَخْفى عليَّ، وإِن كَانَ مُلْقًى؛ يَعْنِي بِالْقَائِمِ، فِي هَذِهِ الأَخيرة: الشيءَ الظاهرَ.
الْقُتَيْبِيُّ: جَعَلْتُه نُصْبَ عَيْنِي، بِالضَّمِّ، وَلَا تَقُلْ نَصْبَ عَيْنِي.
ونَصَبَ لَهُ الحربَ نَصْبًا: وَضَعَها.
وناصَبَه الشَّرَّ والحربَ والعَداوةَ مُناصبةً: أَظهَرَهُ لَهُ ونَصَبه، وكلُّه مِنَ الانتصابِ.
والنَّصِيبُ: الشَّرَكُ المَنْصوب.
ونَصَبْتُ للقَطا شَرَكًا.
وَيُقَالُ: نَصَبَ فلانٌ لِفُلَانٍ نَصْبًا إِذا قَصَدَ لَهُ، وَعَادَاهُ، وتَجَرَّدَ لَهُ.
وتَيْسٌ أَنْصَبُ: مُنْتَصِبُ القَرْنَيْنِ؛ وعَنْزٌ نَصْباءُ: بَيِّنةُ النَّصَب إِذا انْتَصَبَ قَرْناها؛ وتَنَصَّبَتِ الأُتُنُ حَوْلَ الحِمار.
وَنَاقَةٌ نَصْباءُ: مُرْتَفِعةُ الصَّدْر.
وأُذُنٌ نَصْباءُ: وَهِيَ الَّتِي تَنْتَصِبُ، وتَدْنُو مِنَ الأُخرى.
وتَنَصَّبَ الغُبارُ: ارْتَفَعَ.
وثَرًى مُنَصَّبٌ: جَعْدٌ.
ونَصَبْتُ القِدْرَ نَصْبًا.
والمِنْصَبُ: شيءٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُنْصَبُ عَلَيْهِ القِدْرُ؛ ابْنُ الأَعرابي: المِنْصَبُ مَا يُنْصَبُ عَلَيْهِ القِدْرُ إِذا كَانَ مِنْ حَدِيدٍ.
قَالَ أَبو الْحَسَنِ الأَخفش: النَّصْبُ، فِي القَوافي، أَن تَسْلَمَ القافيةُ مِنَ الفَساد، وتكونَ تامَّةَ البناءِ، فإِذا جاءَ ذَلِكَ فِي الشِّعْرِ المجزوءِ، لَمْ يُسَمَّ نَصْبًا، وإِن كَانَتْ قَافِيَتُهُ قَدْ تَمَّتْ؛ قَالَ: سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنَ العربِ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا سَمَّى الخليلُ، إِنما تؤْخَذ الأَسماءُ عَنِ الْعَرَبِ؛ انْتَهَى كَلَامُ الأَخفش كَمَا حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ، قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَمَّا كَانَ مَعْنَى النَّصْبِ مِنَ الانْتِصابِ، وَهُوَ المُثُولُ والإِشْرافُ والتَّطاوُل، لَمْ يُوقَعْ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الشِّعْرِ مَجْزُوءًا، لأَن جَزْأَه عِلَّةٌ وعَيْبٌ لَحِقَه، وَذَلِكَ ضِدُّ الفَخْرِ والتَّطاوُل.
والنَّصِيبُ: الحَظُّ مِنْ كلِّ شيءٍ.
وَقَوْلُهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ}؛ النَّصِيب هُنَا: مَا أَخْبَرَ اللهُ مِنْ جَزائهم، نَحْوَ قَوْلِهِ تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى}؛ ونحوُ قَوْلِهِ تعالى: {يَسْلُكْهُ عَذابًا صَعَدًا}؛ وَنَحْوَ قَوْلِهِ تعالى: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}؛ وَنَحْوَ قَوْلِهِ تعالى: {إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ}، فَهَذِهِ أَنْصِبَتُهم مِنَ الْكِتَابِ، عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهم فِي كُفْرِهِمْ؛ وَالْجَمْعُ أَنْصِباءُ وأَنْصِبةٌ.
والنِّصْبُ: لُغَةٌ فِي النَّصِيبِ.
وأَنْصَبَه: جَعَلَ لَهُ نَصِيبًا.
وَهُمْ يَتَناصَبُونَه أَي يَقْتَسمونه.
والمَنْصِبُ والنِّصابُ: الأَصل والمَرْجِع.
والنِّصابُ: جُزْأَةُ السِّكِّين، وَالْجَمْعُ نُصُبٌ.
وأَنْصَبَها: جَعَلَ لَهَا نِصابًا، وَهُوَ عَجْزُ السِّكِّينِ.
ونِصابُ السِّكِّينِ: مَقْبِضُه.
وأَنْصَبْتُ السِّكِّينَ: جَعَلْتُ لَهُ مَقْبِضًا.
ونِصابُ كلِّ شيءٍ: أَصْلُه.
والمَنْصِبُ: الأَصلُ، وَكَذَلِكَ النِّصابُ؛ يُقَالُ: فلانٌ يَرْجِعُ إِلى نِصاب صِدْقٍ، ومَنْصِبِ صِدْقٍ، وأَصْلُه مَنْبِتُه ومَحْتِدُه.
وهَلَكَ نِصابُ مالِ فلانٍ أَي مَا اسْتَطْرفه.
والنِّصابُ مِنَ الْمَالِ: القَدْرُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إِذا بَلَغَه، نَحْوَ مائَتَيْ دِرْهَمٍ، وخَمْسٍ مِنَ الإِبل.
ونِصابُ الشَّمْسِ: مَغِيبُها ومَرْجِعُها الَّذِي تَرْجِعُ إِليه.
وثَغْرٌ مُنَصَّبٌ: مُسْتَوي النِّبْتةِ كأَنه نُصبَ فسُوِّيَ.
والنَّصْبُ: ضَرْبٌ مِنْ أَغانيّ الأَعراب.
وَقَدْ نَصَبَ الراكبُ نَصْبًا إِذا غَنَّى النَّصْبَ.
ابْنُ سِيدَهْ: ونَصْبُ العربِ ضَرْبٌ مِنْ أَغانِيّها.
وَفِي حَدِيثِ نَائِلٍ، مَوْلَى عُثْمَانَ: «فَقُلْنَا لرباحِ بْنِ المُغْتَرِفِ: لَوْ نَصَبْتَ لَنَا نَصْبَ العَرب» أَي لَوْ تَغَنَّيْتَ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: لَوْ غَنَّيْتَ لَنَا غِناءَ العَرَب، وَهُوَ غِناءٌ لَهُمْ يُشْبِه الحُداءَ، إِلا أَنه أَرَقُّ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: النَّصْبُ حُداءٌ يُشْبِهُ الغِناءَ.
قَالَ شَمِرٌ: غِناءُ النَّصْبِ هُوَ غِناءُ الرُّكْبانِ، وَهُوَ العَقِيرةُ؛ يُقَالُ: رَفَعَ عَقيرته إِذا غَنَّى النَّصْبَ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: غِناءُ النَّصْبِ ضَرْب مِنَ الأَلْحان؛ وَفِي حَدِيثِ السائبِ بْنِ يَزِيدَ: «كَانَ رَباحُ بنُ المُغْتَرِفِ يُحْسِنُ غِناءَ النَّصْبِ»، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ أَغانيّ العَرب، شَبيهُ الحُداءِ؛ وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي أُحْكِمَ مِنَ النَّشِيد، وأُقِيمَ لَحْنُه ووزنُه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «كُلُّهم كَانَ يَنْصِبُ»أَي يُغَنِّي النَّصْبَ.
ونَصَبَ الْحَادِي: حَدا ضَرْبًا مِنَ الحُداءِ.
والنَّواصِبُ: قومٌ يَتَدَيَّنُونَ ببِغْضَةِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
ويَنْصُوبُ: مَوْضِعٌ.
ونُصَيْبٌ: الشَّاعِرُ، مصغَّر.
ونَصيبٌ ونُصَيْبٌ: اسْمَانِ.
ونِصابٌ: اسْمُ فَرَسٍ.
والنَّصْبُ، فِي الإِعْراب: كَالْفَتْحِ، فِي البناءِ، وَهُوَ مِنْ مُواضَعات النَّحْوِيِّينَ؛ تَقُولُ مِنْهُ: نَصَبْتُ الحرفَ، فانْتَصَبَ.
وغُبار مُنْتَصِبٌ أَي مُرْتَفِع.
ونَصِيبينَ: اسمُ بَلَدٍ، وَفِيهِ لِلْعَرَبِ مَذْهَبَانِ: مِنْهُمْ مَن يَجْعَلُهُ اسْمًا وَاحِدًا، ويُلْزِمُه الإِعرابَ، كَمَا يُلْزم الأَسماءَ المفردةَ الَّتِي لَا تَنْصَرِفُ، فَيَقُولُ: هَذِهِ نَصِيبينُ، وَمَرَرْتُ بنَصِيبينَ، ورأَيتُ نَصِيبينَ، وَالنِّسْبَةُ نَصِيبيٌّ، وَمِنْهُمْ مَن يُجْريه مُجْرى الْجَمْعِ، فَيَقُولُ هَذِهِ نَصِيبُونَ، وَمَرَرْتُ بنَصِيبينَ، ورأَيت نَصِيبينَ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي يَبْرِينَ، وفِلَسْطِينَ، وسَيْلَحِينَ، وياسمِينَ، وقِنَّسْرينَ، وَالنِّسْبَةُ إِليه، عَلَى هَذَا: نَصِيبينيٌّ، ويَبْرينيٌّ، وَكَذَلِكَ أَخواتها.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنه يُقَالُ: هَذِهِ نَصِيبينُ ونَصِيبون، وَالنِّسْبَةُ إِلى قَوْلِكَ نَصِيبين، نصيبيٌّ، وإِلى قَوْلِكَ نَصِيبُونَ، نَصِيبِينِيٌّ؛ قَالَ: وَالصَّوَابُ عَكْسُ هَذَا، لأَن نَصِيبينَ اسْمٌ مُفْرَدٌ مُعْرَبٌ بِالْحَرَكَاتِ، فإِذا نسبتَ إِليه أَبقيته عَلَى حَالِهِ، فَقُلْتَ: هَذَا رجلٌ نَصِيبينيٌّ؛ وَمَنْ قَالَ نَصِيبُونَ، فَهُوَ مُعْرَبٌ إِعراب جُمُوعِ السَّلَامَةِ، فَيَكُونُ فِي الرَّفْعِ بِالْوَاوِ، وَفِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ بالياءِ، فإِذا نَسَبْتَ إِليه، قُلْتَ: هَذَا رَجُلٌ نَصِيبيّ، فَتَحْذِفُ الْوَاوَ وَالنُّونَ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ كلُّ مَا جَمَعْتَهُ جَمْعَ السَّلَامَةِ، تَرُدُّه فِي النَّسَبِ إِلى الْوَاحِدِ، فَتَقُولُ فِي زَيْدُونَ، اسْمُ رَجُلٍ أَو بَلَدٍ: زَيْدِيٌّ، وَلَا تَقُلْ زَيْدُونِيٌّ، فَتَجْمَعُ فِي الِاسْمِ الإِعرابَين، وَهُمَا الْوَاوُ وَالضَّمَّةُ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
57-لسان العرب (شرع)
شرع: شَرَعَ الوارِدُ يَشْرَعُ شَرْعًا وشُروعًا: تَنَاوَلَ الماءَ بفِيه.وشَرَعَتِ الدوابُّ فِي الْمَاءِ تَشْرَعُ شَرْعًا وشُرُوعًا أَي دخلت.
ودوابُّ شُروعٌ وشُرَّعٌ: شَرَعَتْ نَحْوَ الْمَاءِ.
والشَّريعةُ والشِّراعُ والمَشْرَعةُ: المواضعُ الَّتِي يُنْحَدر إِلى الْمَاءِ مِنْهَا، قَالَ اللَّيْثُ: وَبِهَا سُمِّيَ مَا شَرَعَ الله للعبادِ شَريعةً من الصَّوْمِ والصلاةِ وَالْحَجِّ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ.
والشِّرْعةُ والشَّريعةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: مَشْرَعةُ الْمَاءِ وَهِيَ مَوْرِدُ الشاربةِ الَّتِي يَشْرَعُها النَّاسُ فَيَشْرَبُونَ مِنْهَا ويَسْتَقُونَ، وَرُبَّمَا شَرَّعوها دوابَّهم حَتَّى تَشْرَعها وتشرَب مِنْهَا، وَالْعَرَبُ لَا تُسَمِّيهَا شَريعةً حَتَّى يَكُونَ الْمَاءُ عِدًّا لَا انْقِطَاعَ لَهُ، وَيَكُونُ ظَاهِرًا مَعِينًا لَا يُسْقى بالرِّشاءِ، وإِذا كَانَ مِنَ السَّمَاءِ والأَمطار فَهُوَ الكَرَعُ، وَقَدْ أَكْرَعُوه إِبلهم فكَرَعَتْ فِيهِ وسقَوْها بالكَرْع وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
وشَرَعَ إِبله وشَرَّعها: أَوْرَدَها شريعةَ الْمَاءِ فَشَرِبَتْ وَلَمْ يَسْتَقِ لَهَا.
وَفِي الْمَثَلِ: أَهْوَنُ السَّقْيِ التَّشْريعُ، وَذَلِكَ لأَن مُورِدَ الإِبل إِذا وَرَدَ بِهَا الشَّرِيعَةَ لَمْ يَتْعَبْ فِي إِسْقاءِ الْمَاءِ لَهَا كَمَا يَتْعَبُ إِذا كَانَ الْمَاءُ بَعِيدًا؛ ورُفِعَ إِلى عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَمْرُ رَجُلٍ سَافَرَ مَعَ أَصحاب لَهُ فَلَمْ يَرْجِعْ حِينَ قفَلوا إِلى أَهاليهم، فاتَّهَمَ أَهلُه أَصحابَه فرَفَعُوهم إِلى شُرَيْح، فسأَلَ الأَولياءَ البينةَ فعَجَزُوا عَنْ إِقامتها وأَخبروا عَلِيًّا بِحُكْمِ شُرَيْحٍ فتمثَّل بِقَوْلِهِ:
أَوْرَدَها سَعْدٌ، وسَعْدٌ مُشْتَمِلْ، ***يَا سَعْدُ لَا تَرْوى بِهذاكَ الإِبِلْ
ثُمَّ قَالَ: إِن أَهْوَنَ السَّقْيِ التَّشْريعُ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ وسأَلهم وَاحِدًا وَاحِدًا، فاعترَفوا بِقَتْلِهِ فقَتَلَهم بِهِ؛ أَراد عَلِيٌّ: أَن هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ كَانَ يسِيرًا هيِّنًا وَكَانَ نَوْلُه أَن يَحْتاطَ ويَمْتَحِنَ بأَيْسَر مَا يُحْتاطُ فِي الدِّماءِ كَمَا أَن أَهْوَنَ السَّقْيِ للإِبلِ تشرِيعُها الْمَاءَ، وَهُوَ أَن يُورِدَ رَبُّ الإِبلِ إِبله شَرِيعَةً لَا تَحْتَاجُ مَعَ ظُهُورِ مَائِهَا إِلى نَزْع بالعَلَق مِنَ الْبِئْرِ وَلَا حَثْيٍ فِي الْحَوْضِ، أَراد أَن الَّذِي فَعَلَهُ شُرَيْحٌ مِنْ طَلَبِ الْبَيِّنَةِ كَانَ هيِّنًا فأَتَى الأَهْوَنَ وَتَرَكَ الأَحْوَطَ كَمَا أَن أَهون السَّقْيِ التشريعُ.
وإِبلٌ شُرُوعٌ، وَقَدْ شَرَعَتِ الماءَ فشَرِبت؛ قَالَ الشَّمَّاخُ:
يَسُدُّ بِهِ نَوائِبَ تَعْتَرِيهِ ***مِنَ الأَيامِ كالنَّهَلِ الشُّرُوعِ
وشَرَعْتُ فِي هَذَا الأَمر شُرُوعًا أَي خُضْتُ.
وأَشْرَعَ يدَه فِي المِطْهَرةِ إِذا أَدخَلَها فِيهَا إِشْراعًا.
قَالَ: وشَرَعْتُ فِيهَا وشَرَعَتِ الإِبلُ الماءَ وأَشرعْناها.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فأَشرَعَ ناقتَه» أَي أَدخَلها فِي شرِيعةِ الْمَاءِ.
وَفِي حَدِيثِ الْوُضُوءِ: «حَتَّى أَشرَعَ فِي العضُد»أَي أَدخَل الماءَ إِليه.
وشَرَّعَتِ الدابةُ: صَارَتْ عَلَى شَرِيعةِ الْمَاءِ؛ قَالَ الشَّمَّاخُ:
فَلَمَّا شَرَّعَتْ قَصَعَتْ غَليلًا ***فأَعْجَلَها، وَقَدْ شَرِبَتْ غِمارا
والشريعةُ مَوْضِعٌ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ تَشْرَعُ فِيهِ الدوابُّ.
والشريعةُ والشِّرْعةُ: مَا سنَّ اللَّهُ مِنَ الدِّين وأَمَر بِهِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَسَائِرِ أَعمال البرِّ مشتقٌّ مِنْ شَاطِئِ الْبَحْرِ؛ عَنْ كُرَاعٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ}، وَقَوْلُهُ تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجًا}؛ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: الشِّرْعةُ الدِّين، والمِنهاجُ الطريقُ، وَقِيلَ: الشِّرْعَةُ وَالْمِنْهَاجُ جميعًا الطريق، والطريقُ هاهنا الدِّين، وَلَكِنَّ اللَّفْظَ إِذا اخْتَلَفَ أَتى بِهِ بأَلفاظ يؤَكِّدُ بِهَا القِصة والأَمر كَمَا قَالَ عَنْتَرَةُ: " أَقوَى وأَقْفَرَ بَعْدَ أُمِّ الهَيْثَمِ فَمَعْنَى أَقْوَى وأَقْفَرَ وَاحِدٌ عَلَى الخَلْوَة إِلا أَن اللَّفْظَيْنِ أَوْكَدُ فِي الْخَلْوَةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: شِرْعةً مَعْنَاهَا ابتِداءُ الطَّرِيقِ، والمِنهاجُ الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا سَبيلًا وسُنَّة، وَقَالَ قَتَادَةُ: شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا، الدِّين وَاحِدٌ وَالشَّرِيعَةُ مُخْتَلِفَةٌ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ: عَلَى دِينٍ ومِلَّة وَمِنْهَاجٍ، وكلُّ ذَلِكَ يُقَالُ.
وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: عَلَى شَرِيعَةٍ، عَلَى مِثال ومَذْهبٍ.
وَمِنْهُ يُقَالُ: شَرَعَ فُلَانٍ فِي كَذَا وَكَذَا إِذا أَخذ فِيهِ؛ وَمِنْهُ مَشارِعُ الْمَاءِ وَهِيَ الفُرَضُ الَّتِي تَشْرَعُ فِيهَا الواردةُ.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ يَشْتَرعُ شِرْعَتَهُ ويَفْتَطِرُ فِطْرَتَه ويَمْتَلُّ مِلَّتَه، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ شِرْعةِ الدِّين وفِطْرتِه ومِلَّتِه.
وشَرَعَ الدِّينَ يَشْرَعُه شَرْعًا: سَنَّه.
وَفِي التَّنْزِيلِ: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: شَرَعَ أَي أَظهر.
وقال في قوله: شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ"، قَالَ: أَظهَرُوا لَهُمْ.
والشارعُ الرَّبّاني: وَهُوَ الْعَالِمُ العاملُ المعَلِّم.
وشَرَعَ فُلَانٌ إِذا أَظْهَرَ الحَقَّ وقمَعَ الباطِلَ.
قَالَ الأَزهري: مَعْنَى شَرَعَ بَيَّنَ وأَوضَح مأْخوذ مِنْ شُرِعَ الإِهابُ إِذا شُقَّ وَلَمْ يُزَقَّقْ أَي يجعل زِقًّا وَلَمْ يُرَجَّلْ، وَهَذِهِ ضُرُوبٌ مِنَ السَّلْخِ مَعْرُوفة أَوسعها وأَبينها الشَّرْعُ، قَالَ: وإِذا أَرادوا أَن يَجْعَلُوهَا زِقًّا سلَخُوها مِنْ قِبَل قَفاها وَلَا يَشُقُّوها شَقًّا، وقيل في قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا: إِنَّ نُوحًا أَول مَنْ أَتَى بِتَحْرِيمِ البَناتِ والأَخَواتِ والأُمَّهات.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى}؛ أَي وَشَرَعَ لَكُمْ مَا أَوحينا إِليك وَمَا وصَّيْنا بِهِ الأَنبياء قبْلك.
والشِّرْعةُ: العادةُ.
وَهَذَا شِرْعةُ ذَلِكَ أَي مِثاله؛ وأَنشد الْخَلِيلُ يذمُّ رَجُلًا:
كَفّاكَ لَمْ تُخْلَقا للنَّدَى، ***وَلَمْ يَكُ لُؤْمُهما بِدْعَهْ
فَكَفٌّ عَنِ الخَيرِ مَقْبُوضةٌ، ***كَمَا حُطَّ عَنْ مائَةٍ سَبْعهْ
وأُخْرَى ثَلاثَةُ آلافِها، ***وتِسْعُمِئيها لَهَا شِرْعهْ
وَهَذَا شِرْعُ هَذَا، وَهُمَا شِرْعانِ أَي مِثْلانِ.
والشارِعُ: الطريقُ الأَعظم الَّذِي يَشْرَعُ فِيهِ النَّاسُ عَامَّةً وَهُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ذُو شَرْعٍ مِنَ الخَلْق يَشْرَعُون فِيهِ.
ودُورٌ شارِعةٌ إِذا كَانَتْ أَبوابها شارِعةً فِي الطَّرِيقِ.
وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: دُورٌ شَوارِعُ عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ.
وشَرَعَ المَنْزِلُ إِذا كَانَ عَلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «كَانَتِ الأَبوابُ شارِعةً إِلى المَسْجِدِ»أَي مَفْتُوحةً إِليه.
يُقَالُ: شَرَعْتُ البابَ إِلى الطَّرِيقِ أَي أَنْفَذْتُه إِليه.
وشَرَعَ البابُ والدارُ شُرُوعًا أَفْضَى إِلى الطريقِ، وأَشْرَعَه إِليه.
والشَّوارِعُ مِنَ النُّجُومِ: الدَّانِيةُ مِنَ المَغِيبِ.
وكلُّ دانٍ مِنْ شَيْءٍ، فَهُوَ شارِعٌ.
وَقَدْ شَرَعَ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الدارُ الشارِعةُ الَّتِي قَدْ دَنَتْ مِنَ الطَّرِيقِ وقَرُبَتْ مِنَ الناسِ، وَهَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إِلى شَيْءٍ وَاحِدٍ، إِلى القُرْب مِنَ الشَّيْءِ والإِشْرافِ عَلَيْهِ.
وأَشْرَعَ نَحْوَه الرُّمْحَ والسيْفَ وشَرَعَهُما: أَقْبَلَهُما إِياه وسَدَّدَهُما لَهُ، فَشَرَعَتْ وهيَ شَوارِعُ؛ وأَنشد:
أَفاجُوا مِنْ رِماحِ الخَطِّ لَمّا ***رَأَوْنا قَدْ شَرَعْناها نِهالا
وشَرَعَ الرُّمْحُ والسَّيْفُ أَنْفُسُهُما؛ قَالَ:
غَداةَ تَعاوَرَتْه ثَمَّ بِيضٌ، ***شَرَعْنَ إِليهِ فِي الرَّهْجِ المُكِنِّ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبي أَوْفَى يَهْجُو امرأَة:
ولَيْسَتْ بِتارِكةٍ مُحْرَمًا، ***ولَوْ حُفَّ بالأَسَلِ الشُّرَّعِ
وَرُمْحٌ شُراعِيٌّ أَي طويلٌ وَهُوَ مَنْسُوب.
والشِّرْعةُ: الوَتَرُ الرقيقُ، وَقِيلَ: هُوَ الوَتَرُ مَا دَامَ مَشْدودًا عَلَى القَوْس، وَقِيلَ: هُوَ الْوَتَرُ، مَشْدودًا كَانَ عَلَى القَوْس أَو غَيْرَ مَشْدُودٍ، وَقِيلَ: مَا دَامَتْ مَشْدُودَةً عَلَى قَوْسٍ أَو عُود، وَجَمْعُهُ شِرَعٌ عَلَى التَّكْسِيرِ، وشِرْعٌ عَلَى الْجَمْعِ الَّذِي لَا يُفَارِقُ وَاحِدَهُ إِلا بِالْهَاءِ، وشِراعٌ جَمْعُ الْجَمْعِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كَمَا أَزْهَرَتْ قَيْنَةٌ بالشِّراع ***لإِسْوارِها عَلَّ مِنْهُ اصْطِباحَا
وَقَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:
وعاوَدَني دَيْني، فَبِتُّ كأَنما ***خِلالَ ضُلوعِ الصَّدْرِ شِرْعٌ مُمَدَّدُ
ذكَّر لأَن الْجَمْعِ الَّذِي لَا يُفارِقُ واحده إِلا بِالْهَاءِ لَكَ تَذْكِيرُهُ وتأْنيثه؛ يَقُولُ: بِتُّ كأَنّ فِي صَدْري عُودًا مِنَ الدَّوِيِّ الَّذِي فِيهِ مِنَ الهُموم، وَقِيلَ: شِرْعةٌ وثلاثُ شِرَعٍ، وَالْكَثِيرُ شِرْعٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا يُعْجِبُنِي عَلَى أَن أَبا عُبَيْدٍ قَدْ قَالَهُ.
والشِّراعُ: كالشِّرْعة، وَجَمْعُهُ شُرُعٌ؛ قَالَ كَثِيرٌ:
إِلا الظِّباءَ بِهَا، كأَنَّ تَرِيبَها ***ضَرْبُ الشِّراعِ نَواحيَ الشِّرْيانِ
يَعْنِي ضَرْب الوَتَرِ سِيَتَيِ القَوْسِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «قَالَ رَجُلٌ: إِني أُحِبُّ الجَمالَ حَتَّى فِي شِرْعِ نَعْلِي»أَي شِراكِها تَشْبِيهٌ بالشِّرْعِ، وَهُوَ وَترُ العُود لأَنه مُمْتَدٌّ عَلَى وجهِ النَّعْلِ كامتِدادِ الوَترِ عَلَى العُود، والشِّرْعةُ أَخَصّ مِنْهُ، وَجَمْعُهُمَا شِرْعٌ؛ وَقَوْلُ النَّابِغَةِ:
كَقَوْسِ الماسِخِيِّ يَرِنُّ فِيهَا، ***مِنَ الشِّرْعِيِّ، مَرْبُوعٌ مَتِينُ
أَراد الشِّرْعَ فأَضافه إِلى نَفْسِهِ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ وَعِنْدِي أَنه أَراد الشِّرْعةَ لَا الشِّرْعَ لأَنَّ العَرَبَ إِذا أَرادت الإِضافة إِلى الْجَمْعِ فإِنما تردُّ ذَلِكَ إِلى الْوَاحِدِ.
والشَّريعُ: الكَتَّانُ وَهُوَ الأَبَقُ والزِّيرُ والرازِقيُّ، ومُشاقَتُه السَّبِيخةُ.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الشَّرَّاعُ الَّذِي يَبِيعُ الشَّريعَ، وَهُوَ الكتَّانُ الجَيِّدُ.
وشَرَّعَ فُلَانٌ الحَبْلَ أَي أَنْشَطه وأَدْخَلَ قُطْرَيْه فِي العُرْوة.
والأَشْرَعُ الأَنْفِ: الَّذِي امْتَدَّت أَرْنَبَتُه.
وَفِي حَدِيثِ صُوَرِ الأَنبياء، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ: «شِراعُ الأَنفِ»أَي مُمْتَدُّ الأَنْفِ طَوِيلُهُ.
والأَشْرعُ: السَّقائفُ، وَاحِدَتُهَا شَرَعة؛ قَالَ ابْنُ خَشْرَمٍ:
كأَنَّ حَوْطًا جَزاه اللهُ مَغْفِرةً، ***وجَنَّةً ذاتَ عِلِّيٍّ وأَشْراعِ
والشِّراعُ: شِراعُ السفينةِ وَهِيَ جُلُولُها وقِلاعُها، وَالْجَمْعُ أَشْرِعةٌ وشُرُعٌ؛ قَالَ الطِّرِمّاح: " كأَشْرِعةِ السَّفِينِ وَفِي حَدِيثِ أَبي مُوسَى: «بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ فِي الْبَحْرِ والريحُ طَيِّبةٌ والشِّراعُ مرفوعٌ»؛ شِراعُ السَّفِينَةِ: مَا يُرْفَعُ فَوْقَهَا مِنْ ثَوْبٍ لِتَدْخُلَ فِيهِ الرِّيحُ فيُجْريها.
وشَرّعَ السفينةَ: جَعَلَ لَهَا شِراعًا.
وأَشرَعَ الشيءَ: رَفَعَه جِدًّا.
وحِيتانٌ شُرُوعٌ: رافعةٌ رُؤُوسَها.
وَقَوْلُهُ تعالى: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ}؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ رافعةٌ رُؤُوسَها، وَقِيلَ: خَافِضَةٌ لَهَا لِلشُّرْبِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَن حِيتانَ الْبَحْرِ كَانَتْ تَرِدُ يَوْمَ السَّبْتِ عَنَقًا مِنَ الْبَحْرِ يُتاخِمُ أَيْلةَ أَلهَمَها اللَّهُ تَعَالَى أَنها لَا تُصَادُ يَوْمَ السَّبْتِ لنَهْيِه اليهودَ عَنْ صَيْدِها، فَلَمَّا عَتَوْا وصادُوها بِحِيلَةٍ توَجَّهَتْ لَهُمْ مُسِخُوا قِرَدةً.
وحِيتانٌ شُرَّعٌ أَي شارِعاتٌ مِنْ غَمْرةِ الماءِ إِلى الجُدِّ.
والشِّراعُ: العُنُق، وَرُبَّمَا قِيلَ لِلْبَعِيرِ إِذا رَفَع عُنُقه: رَفَع شِراعَه.
والشُّراعيّة والشِّراعيّةُ: الناقةُ الطويلةُ العُنُقِ؛ وأَنشد:
شِراعِيّة [شُراعِيّة] الأَعْناقِ تَلْقَى قَلُوصَها، ***قَدِ اسْتَلأَتْ فِي مَسْك كَوْماءَ بادِنِ
قَالَ الأَزهري: لَا أَدري شُراعِيّةٌ أَو شِراعِيّةٌ، والكَسْر عِنْدِي أَقرب، شُبِّهت أَعناقُها بشِراع السَّفِينَةِ لِطُولِهَا يَعْنِي الإِبل.
وَيُقَالُ للنبْتِ إِذا اعْتَمَّ وشَبِعَتْ مِنْهُ الإِبلُ: قَدْ أَشرَعَتْ، وَهَذَا نَبْتٌ شُراعٌ، وَنَحْنُ فِي هَذَا شَرَعٌ سواءٌ وشَرْعٌ واحدٌ أَي سواءٌ لَا يفوقُ بعضُنا بَعْضًا، يُحَرَّكُ ويُسَكَّنُ.
وَالْجَمْعُ وَالتَّثْنِيَةُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فِيهِ سَوَاءٌ.
قَالَ الأَزهري: كأَنه جَمْعُ شارِعٍ أَي يَشْرَعُون فِيهِ مَعًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنتم فِيهِ شَرعٌ سواءٌ»أَي مُتَسَاوُونَ لَا فَضْل لأَحدِكم فِيهِ عَلَى الْآخَرِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا.
وشَرْعُك هَذَا أَي حَسْبُك؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
وكانَ ابنَ أَجمالٍ، إِذا مَا تَقَطَّعَتْ ***صُدُورُ السِّياطِ، شَرْعُهُنَّ المُخَوِّفُ
فَسَّرَهُ فَقَالَ: إِذا قطَّع الناسُ السِّياط عَلَى إِبلهم كَفَى هَذِهِ أَن تُخَوَّفَ.
وَرَجُلٌ شَرْعُك مِنْ رَجُلٍ: كَافٍ، يَجْرِي عَلَى النَّكِرَةِ وَصْفًا لأَنه فِي نِيَّةِ الِانْفِصَالِ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ شَرْعِكَ فَهُوَ نَعْتٌ لَهُ بِكمالِه وبَذِّه، غَيْرَهُ: وَلَا يثنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَلَا يؤنَّث، وَالْمَعْنَى أَنه مِنَ النَّحْوِ الَّذِي تَشْرَعُ فِيهِ وتَطْلُبُه.
وأَشرَعَني الرجلُ: أَحْسَبَني.
وَيُقَالُ: شَرْعُكَ هَذَا أَي حَسْبُك.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مُغَفَّلٍ: «سأَله غَزْوانُ عَمَّا حُرِّمَ مِنَ الشَّرابِ فَعَرَّفَه، قَالَ: فَقُلْتُ شَرْعي»أَي حَسْبي؛ وَفِي الْمَثَلِ: " شَرْعُكَ مَا بَلَّغَكَ المَحَلَّا "أَي حَسْبُكَ وكافِيكَ، يُضْرَبُ فِي التَّبْلِيغِ بِالْيَسِيرِ.
والشَّرْعُ: مَصْدَرُ شَرَعَ الإِهابَ يَشْرَعُه شَرْعًا سَلَخَه، وَقَالَ يَعْقُوبُ: إِذا شَقَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْه وسَلَخَه؛ قَالَ: وَسَمِعْتُهُ مِنْ أُمِّ الحُمارِسِ البَكْرِيّةِ.
والشِّرْعةُ: حِبالةٌ مِنَ العَقَبِ تُجْعَلُ شَرَكًا يُصَادُ بِهِ القَطا وَيُجْمَعُ شِرَعًا؛ وَقَالَ الرَّاعِي: " مِنْ آجِنِ الماءِ مَحْفُوفًا بِهِ الشِّرَعُ وَقَالَ أَبو زُبَيْدٍ:
أَبَنَّ عِرِّيسةً عَنانُها أَشِبٌ، ***وعِنْدَ غابَتِها مُسْتَوْرَدٌ شَرَعُ
الشَّرَعُ: مَا يُشْرَعُ فِيهِ، والشَّراعةُ: الجُرْأَةُ.
والشَّرِيعُ: الرَّجُلُ الشُّجاعُ؛ وَقَالَ أَبو وجْزةَ:
وإِذا خَبَرْتَهُمُ خَبَرْتَ سَماحةً ***وشَراعةً، تَحْتَ الوَشِيجِ المُورِدِ
والشِّرْعُ: مَوْضِعٌ، وَكَذَلِكَ الشّوارِعُ.
وشَرِيعةُ: ماءٌ بِعَيْنِهِ قَرِيبٌ مِنْ ضَرِيّةَ؛ قَالَ الرَّاعِي:
غَدا قَلِقًا تَخَلَّى الجُزْءُ مِنْهُ، ***فَيَمَّمَها شَرِيعةَ أَو سَوارَا
وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
وأَسْمَر عاتِك فِيهِ سِنانٌ ***شُراعِيٌّ، كَساطِعةِ الشُّعاعِ
قَالَ: شُراعِيٌّ نِسْبَةٌ إِلى رَجُلٍ كَانَ يَعْمَلُ الأَسِنَّة كأَن اسْمَهُ كَانَ شُراعًا، فَيَكُونُ هَذَا عَلَى قِيَاسِ النَّسَبِ، أَو كَانَ اسْمُهُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَبْنِية شَرَعَ، فَهُوَ إِذًا مِنْ نادِرِ مَعْدُول النَّسَبِ.
والأَسْمَرُ: الرُّمح.
والعاتِكُ: المُحْمَرُّ مِنْ قِدَمِه.
والشَّرِيعُ مِنَ اللِّيفِ: مَا اشتَدَّ شَوْكُه وصلَحَ لِغِلَظِه أَنْ يُخْرَزَ بِهِ؛ قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ الْهَجَرِيِّينَ النَّخْلِيِّين.
وَفِي جِبَالِ الدَّهْناءِ جبلٌ يُقَالُ لَهُ شارعٌ، ذَكَرَهُ ذُو الرُّمَّةِ فِي شعره.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
58-لسان العرب (شرف)
شرف: الشَّرَفُ: الحَسَبُ بِالْآبَاءِ، شَرُفَ يَشْرُفُ شَرَفًا وشُرْفَةً وشَرْفَةً وشَرَافَةً، فَهُوَ شَرِيفٌ، وَالْجَمْعُ أَشْرافٌ.غَيْرُهُ: والشَّرَفُ والمَجْدُ لَا يكونانِ إِلَّا بِالْآبَاءِ.
وَيُقَالُ: رَجُلٌ شريفٌ وَرَجُلٌ ماجدٌ لَهُ آباءٌ متقدِّمون فِي الشرَف.
قَالَ: والحسَبُ والكَرَمُ يكونانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آبَاءٌ لَهُمْ شَرَفٌ.
والشَّرَفُ: مَصْدَرُ الشَّريف مِنَ النَّاسِ.
وشَرِيفٌ وأَشْرَافٌ مِثْلُ نَصِيرٍ وأَنْصار وشَهِيد وأَشْهادٍ، الْجَوْهَرِيُّ: وَالْجَمْعُ شُرَفَاء وأَشْرَافٌ، وَقَدْ شَرُفَ، بِالضَّمِّ، فَهُوَ شَرِيف الْيَوْمَ، وشَارِفٌ عَنْ قَلِيلٍ أَي سَيَصِيرُ شَرِيفًا؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ.
وَفِي حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ: «قِيلَ للأَعمش: لمَ لمْ تَسْتَكْثِر مِنَ الشَّعْبِيِّ؟ قَالَ: كَانَ يَحْتَقِرُني كُنْتُ آتِيه مَعَ إِبْرَاهِيمَ فَيُرَحِّبُ بِهِ وَيَقُولُ لِيَ: اقْعُدْ ثَمَّ أَيُّها العبدُ ثُمَّ يَقُولُ:
لَا نَرْفَعُ العبدَ فَوْقَ سُنَّته، ***مَا دامَ فِينا بأَرْضِنا شَرَفُ»
أَي شَرِيفٌ.
يُقَالُ: هُوَ شَرَفُ قَوْمِهِ وكَرَمُهم أَي شَريفُهُم وكَريمهم، وَاسْتَعْمَلَ أَبو إِسْحَاقَ الشَّرَفَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: أَشْرَفُ آيةٍ فِي الْقُرْآنِ آيةُ الْكُرْسِيِّ.
والمَشْرُوفُ: الْمَفْضُولُ.
وَقَدْ شَرَفه وشَرَفَ عَلَيْهِ وشَرَّفَه: جَعَلَ لَهُ شَرَفًا؛ وَكُلُّ مَا فَضَلَ عَلَى شَيْءٍ، فَقَدْ شَرَفَ.
وشارَفَه فَشَرَفَه يَشْرُفه: فاقَه فِي الشرفِ؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي.
وَشَرفْتُه أَشْرُفه شَرْفًا أَي غَلَبْته بالشرَفِ، فَهُوَ مَشْرُوف، وَفُلَانٌ أَشْرَفُ مِنْهُ.
وشارَفْتُ الرَّجُلَ: فَاخَرْتُهُ أَيُّنا أَشْرَفُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا ذِئبان عادِيانِ أَصابا فَريقة غَنَمٍ بأَفْسَدَ فِيهَا مِنْ حُبِّ الْمَرْءِ المالَ والشَّرَفَ لِدِينه»؛ يُرِيدُ أَنه يَتَشَرَّفُ للمُباراةِ والمُفاخَرةِ والمُساماةِ.
الْجَوْهَرِيُّ: وشَرَّفَه اللَّهُ تَشْريفًا وتَشَرَّفَ بِكَذَا أَي عَدَّه شَرَفًا، وشَرَّفَ العظْمَ إِذَا كَانَ قَلِيلَ اللَّحْمِ فأَخذ لحمَ عَظْمٍ آخرَ ووضَعَه عَلَيْهِ؛ وَقَوْلُ جَرِيرٍ:
إِذَا مَا تَعاظَمْتُمْ جُعُورًا، فَشَرِّفُوا ***جَحِيشًا، إِذَا آبَتْ مِنَ الصَّيْفِ عِيرُها
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَرى أَنَّ مَعْنَاهُ إِذَا عَظُمَتْ فِي أَعينكم هَذِهِ الْقَبِيلَةُ مِنْ قَبَائِلِكُمْ فَزِيدُوا مِنْهَا فِي جَحِيش هَذِهِ الْقَبِيلَةِ الْقَلِيلَةِ الذَّلِيلَةِ، فَهُوَ عَلَى نَحْوِ تَشْريفِ العظْمِ باللَّحم.
والشُّرْفَةُ: أَعلى الشَّيْءِ.
والشَّرَفُ: كالشُّرْفةِ، وَالْجَمْعُ أَشْرَافٌ؛ قَالَ الأَخطل:
وَقَدْ أَكل الكِيرانُ أَشْرافَها العُلا، ***وأُبْقِيَتِ الأَلْواحُ والعَصَبُ السُّمْرُ
ابْنُ بُزُرْجَ: قَالُوا: لَكَ الشُّرْفةُ فِي فُؤَادي عَلَى النَّاسِ.
شَمِرٌ: الشَّرَفُ كُلُّ نَشْزٍ مِنَ الأَرض قَدْ أَشْرَفَ عَلَى مَا حَوْلَهُ، قادَ أَو لَمْ يَقُد، سَوَاءٌ كَانَ رَمْلًا أَو جَبَلًا، وَإِنَّمَا يَطُولُ نَحْوًا مِنْ عشْر أَذرُع أَو خمس، قَلَّ عِرَضُ طهره أَو كَثُرَ.
وَجَبَلٌ مُشْرِفٌ: عالٍ.
والشَّرَفُ مِنَ الأَرض: مَا أَشْرَفَ لَكَ.
وَيُقَالُ: أَشْرَفَ لِي شَرَفٌ فَمَا زِلْتُ أَرْكُضُ حَتَّى عَلَوْتُهُ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
إِذَا مَا اشْتَأَى شَرَفًا قَبْلَه ***وواكَظَ، أَوْشَكَ مِنْهُ اقْتِرابا
الْجَوْهَرِيُّ: الشَّرَفُ العُلُوُّ وَالْمَكَانُ الْعَالِي؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
آتِي النَّدِيَّ فَلَا يُقَرَّبُ مَجْلِسي، ***وأَقُود للشَّرَفِ الرَّفِيعِ حِماري
يَقُولُ: إِنِّي خَرِفْت فَلَا يُنتفع برَأْيي، وكبِرْت فَلَا أَستطيع أَن أَركب مِنَ الأَرض حِمَارِي إِلَّا مِنْ مَكَانٍ عَالٍ.
اللَّيْثُ: المُشْرَفُ الْمَكَانُ الَّذِي تُشْرِفُ عَلَيْهِ وَتَعْلُوهُ.
قَالَ: ومَشارِفُ الأَرض أَعاليها.
وَلِذَلِكَ قِيلَ: مَشارِفُ الشَّامِ.
الأَصمعي: شُرْفَةُ الْمَالِ خِيارُه، وَالْجَمْعُ الشُّرَفُ.
وَيُقَالُ: إِنِّي أَعُدُّ إتْيانَكم شُرْفةً وأَرى ذَلِكَ شُرْفةً أَي فَضْلًا وشَرَفًا.
وأَشْرافُ الإِنسان: أُذُناه وأَنْفُه؛ وَقَالَ عَدِيٌّ:
كَقَصِير إِذْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ أَنْ جَدَّع ***أَشْرافَه لمَكْر قَصِير
ابْنُ سِيدَهْ: الأَشْرافُ أَعلى الإِنسانِ، والإِشرافُ: الانتصابُ.
وَفَرَسٌ مُشْتَرِفٌ أَي مُشْرِفُ الخَلْق.
وَفَرَسٌ مُشْتَرِفٌ: مُشْرِفُ أَعالي الْعِظَامِ.
وأَشْرَف الشيءَ وَعَلَى الشَّيْءِ: عَلاه.
وتَشَرَّفَ عَلَيْهِ: كأَشْرَفَ.
وأَشْرَفَ الشيءُ: عَلَا وَارْتَفَعَ.
وشَرَفُ الْبَعِيرِ: سَنامه، قَالَ الشَّاعِرُ: شَرَفٌ أَجَبُّ وكاهِلٌ مَجْزُولُ "وأُذُن شَرْفَاء أَي طَوِيلَةٌ.
والشَّرْفَاء مِنَ الْآذَانِ: الطَّوِيلَةُ القُوفِ الْقَائِمَةُ المُشْرِفةُ وَكَذَلِكَ الشُّرافِيَّة، وَقِيلَ: هِيَ الْمُنْتَصِبَةُ فِي طُولٍ، وَنَاقَةٌ شَرْفَاء وشُرافِيَّةٌ: ضَخْمةُ الأُذنين جَسِيمَةٌ، وضَبٌّ شُرافيٌّ كَذَلِكَ، ويَرْبُوعٌ شُرافيّ؛ قَالَ:
وَإِنِّي لأَصْطادُ اليَرابيعَ كُلَّها: ***شُرافِيَّها والتَّدْمُريَّ المُقَصِّعا
وَمَنْكِبٌ أَشْرَفُ: عَالٍ، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ ارْتِفَاعٌ حَسَنٌ وَهُوَ نقِيض الأَهدإِ.
يُقَالُ مِنْهُ: شَرِفَ يَشْرَفُ شَرَفًا، وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
جَزى اللهُ عَنَّا جَعْفَرًا، حِينَ أَشْرَفَتْ ***بِنَا نَعْلُنا فِي الواطِئين فَزَلَّتِ
لَمْ يُفَسِّرْهُ وَقَالَ: كَذَا أَنشدَناه عُمَرُ بْنُ شَبَّة، وقال: وَيُرْوَى حِينَ أَزْلَفَتْ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُهُ هَكَذَا أَنشدناه تَبَرُّؤٌ مِنَ الرِّوَايَةِ.
والشُّرْفةُ: مَا يُوضَعُ عَلَى أَعالي القُصور والمدُن، وَالْجَمْعُ شُرَفٌ.
وشَرَّفَ الحائطَ: جُعِلَ لَهُ شُرْفةً.
وَقَصْرٌ مُشَرَّفٌ: مطوَّل.
والمَشْرُوف: الَّذِي قَدْ شَرَفَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، يُقَالُ: قَدْ شَرَفَه فَشَرَفَ عَلَيْهِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أُمِرْنا أَن نَبْني المَدائِنَ شُرَفًا والمساجِدَ جُمًّا»؛ أَراد بالشُّرَفِ الَّتِي طُوّلت أَبْنِيَتُها بالشُّرَفِ، الْوَاحِدَةُ شُرْفةٌ، وَهُوَ عَلَى شَرَفِ أَمر؛ أي شَفًى مِنْهُ.
والشَّرَفُ: الإِشْفاء عَلَى خَطَر مِنْ خَيْرٍ أَو شَرٍّ.
وأَشْرَفَ لَكَ الشيءُ: أَمْكَنَك.
وشارَفَ الشيءَ: دَنَا مِنْهُ وقارَبَ أَن يَظْفَرَ بِهِ.
وَيُقَالُ: سَارُوا إِلَيْهِمْ حَتَّى شَارَفُوهم أَي أَشْرَفُوا عَلَيْهِمْ.
وَيُقَالُ: مَا يُشْرِفُ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا أَخذه، وَمَا يُطِفُّ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا أَخذه، وَمَا يُوهِفُ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا أَخذه.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: «أُمِرْنا فِي الأَضاحي أَن نَسْتَشْرفَ الْعَيْنَ والأُذن»؛ مَعْنَاهُ؛ أي نتأَمل سَلَامَتَهُمَا مِنْ آفةٍ تَكُونُ بِهِمَا، وآفةُ الْعَيْنِ عَوَرُها، وَآفَةُ الأُذن قَطْعها، فَإِذَا سَلِمَت الأُضْحِية مِنَ العَوَر فِي الْعَيْنِ والجَدْعِ فِي الأُذن جَازَ أَن يُضَحَّى بها، إذا كَانَتْ عَوْراء أَو جَدْعاء أَو مُقابَلَةً أَو مُدابَرَةً أَو خَرْقاء أَو شَرْقاء لَمْ يُضَحَّ بِهَا، وَقِيلَ: اسْتِشْرافُ الْعَيْنِ والأُذن أَن يَطْلُبَهُمَا شَريفَيْن بِالتَّمَامِ وَالسَّلَامَةِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الشُّرْفةِ وَهِيَ خِيارُ الْمَالِ؛ أي أُمِرْنا أَن نَتَخَيَّرَهَا.
وأَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ وأَشْفى: قارَبَ.
وتَشَرَّفَ الشيءَ واسْتَشْرَفه: وَضَعَ يَدَهُ عَلَى حاجِبِه كَالَّذِي يَسْتَظِلُّ مِنَ الشَّمْسِ حَتَّى يُبْصِرَه ويَسْتَبِينَه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مُطَيْر:
فَيا عَجَبًا للناسِ يَسْتَشْرِفُونَني، ***كأَنْ لَمْ يَرَوا بَعْدي مُحِبًّا وَلَا قبْلي
وَفِي حَدِيثِ أَبي طَلْحَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنه كَانَ حسَنَ الرمْي فَكَانَ إِذَا رَمَى اسْتَشْرَفَه النبي»، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، لِيَنْظُرَ إِلَى مَواقِعِ نَبْله أَي يُحَقِّقُ نَظَرَهُ ويَطَّلِعُ عَلَيْهِ.
والاسْتِشْرافُ: أَن تَضَع يَدَكَ عَلَى حَاجِبِكَ وَتَنْظُرَ، وأَصله مِنَ الشَّرَف العُلُوّ كأَنه يَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَوْضِعٍ مُرْتَفِع فَيَكُونُ أَكثر لإِدراكه.
وَفِي حَدِيثِ أَبي عُبَيْدَةَ: «قَالَ لِعُمَرَ»، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لَمَّا قَدِمَ الشامَ وَخَرَجَ أَهلُه يَسْتَقْبِلُونَهُ: مَا يَسُرُّني أَن أَهلَ هَذَا الْبَلَدِ اسْتَشْرَفُوك أَي خَرَجُوا إِلَى لِقَائِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لأَن عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ مَا تَزَيَّا بِزِيِّ الأُمراء فَخَشِيَ أَن لَا يَسْتَعْظِمُوه.
وَفِي حَدِيثِ الفِتَن: «مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا اسْتَشْرَفَتْ لَهُ»؛ أي مَنْ تَطَلَّعَ إِلَيْهَا وتَعَرَّضَ لَهَا واتَتْه فَوَقَعَ فِيهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تُشْرِفْ يُصِبْك سَهْمٌ»أَي لَا تَتَشَرَّفْ مِنْ أَعْلى الْمَوْضِعِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «حَتَّى إِذَا شارَفَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتَهَا أَي قَرُبَت مِنْهَا وأَشْرَفَت عَلَيْهَا».
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبيه: أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِي عُمَر الْعَطَاءَ فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ: يَا رسولَ اللَّهِ أَعْطِه أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْه فتَمَوَّلْه أَو تَصَدَّقْ بِهِ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وأَنتَ غيرُ مُشْرِفٍ لَهُ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْه نفسَك "، قَالَ سَالِمٌ: فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَه؛ وَقَالَ شَمِرٌ فِي قَوْلِهِ" وأَنت غَيْرُ مُشْرِفٍ لَهُ "قَالَ: مَا تُشْرِفُ عَلَيْهِ وتَحَدَّثُ بِهِ نَفْسَكَ وَتَتَمَنَّاهُ؛ وأَنشد:
لَقَدْ عَلِمْتُ، وَمَا الإِشْرافُ مِنْ طَمَعي، ***أَنَّ الَّذِي هُو رِزْقي سَوْفَ يأْتيني
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الإِشْرافُ الحِرْصُ.
وَرُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: «وأَنتَ غيرُ مُشْرِفٍ لَهُ أَو مُشارِفٍ فَخُذْهُ».
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: اسْتَشْرَفَني حَقّي أَي ظَلمَني؛ وَقَالَ ابْنُ الرِّقاع:
وَلَقَدْ يَخْفِضُ المُجاوِرُ فيهمْ، ***غيرَ مُسْتَشْرَفٍ وَلَا مَظْلوم
قَالَ: غيرَ مُسْتَشْرَف أَي غيرَ مَظْلُومٍ.
وَيُقَالُ: أَشْرَفْتُ الشيءَ عَلَوْتُه، وأَشْرَفْتُ عَلَيْهِ: اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقُ، أَراد مَا جَاءَكَ مِنْهُ وأَنت غيرُ مُتَطَلِّع إِلَيْهِ وَلَا طامِع فِيهِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: اسْتَشْرَفْتُ الشيءَ إِذَا رَفَعْتَ رأْسَك أَو بصَرك تَنْظُرُ إِلَيْهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَنْتَهِبُ نُهْبةً ذاتَ شَرَفٍ وَهُوَ مؤمِنٌ» أَي ذاتَ قَدْر وقِيمة ورِفْعةٍ يَرْفَعُ الناسُ أَبصارهم لِلنَّظَرِ إِلَيْهَا ويَسْتَشْرفونها.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَشَرَّفُوا لِلْبَلَاءِ»؛ قَالَ شَمِرٌ: التَّشَرُّف لِلشَّيْءِ التَّطَلُّعُ والنظرُ إِلَيْهِ وحديثُ النفْسِ وتَوَقُّعُه؛ وَمِنْهُ: فَلَا يَتَشَرَّفُ إبلَ فُلَانٍ أَي يَتَعَيَّنُها.
وأَشْرَفْت عَلَيْهِ: اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقُ، وَذَلِكَ الْمَوْضِعُ مُشْرَفٌ.
وشارَفْتُ الشَّيْءَ أَي أَشْرَفْت عَلَيْهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «اسْتَشْرَفَ لَهُمْ ناسٌ»أَي رَفَعُوا رؤُوسَهم وأَبصارَهم؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ فِي حَدِيثِ سَالِمٍ: «مَعْنَاهُ وأَنت غَيْرُ طَامِعٍ وَلَا طامِحٍ إِلَيْهِ ومُتَوَقِّع لَهُ».
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: مَنْ أَخَذَ الدُّنْيَا بإشرافِ نفْس لَمْ يُبارَك لَهُ فِيهَا، وَمَنْ أَخذها بسخاوةِ نَفْس بُورِك لَهُ فِيهَا "، أَي بحرْصٍ وطَمَعٍ.
وتَشَرَّفْتُ المَرْبَأَ وأَشْرَفْتُه أَي عَلَوْتُهُ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
ومَرْبَإٍ عالٍ لِمَن تَشَرَّفا، ***أَشْرَفْتُه بلا شَفًى أَو بِشَفى
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: بِلَا شَفًى أَي حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، أَو بشَفًى أَي بقِيَتْ مِنَ الشَّمْسِ بقِيّة.
يُقَالُ عند "غُرُوبِ الشَّمْسِ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا شَفًى.
واسْتَشْرَفَ إبلَهم: تَعَيَّنَها ليُصِيبها بِالْعَيْنِ.
والشارِفُ مِنَ الإِبل: المُسِنُّ والمُسِنَّةُ، وَالْجَمْعُ شَوَارِفُ وشُرَّفٌ وشُرُفٌ وشُرُوفٌ، وَقَدْ شَرُفَتْ وشَرَفَتْ تَشْرُف شُرُوفًا.
والشارِفُ: الناقةُ الَّتِي قَدْ أَسَنَّتْ.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الشَّارِفُ النَّاقَةُ الهِمّةُ، وَالْجَمْعُ شُرْفٌ وشَوَارِفُ مِثْلُ بازِلٍ وبُزْلٍ، وَلَا يُقَالُ لِلْجَمَلِ شارِفٌ؛ وأَنشد اللَّيْثُ:
نَجاة مِنَ الهُوجِ المَراسِيلِ هِمَّة، ***كُمَيْت عَلَيْهَا كَبْرةٌ، فَهِيَ شَارِفُ
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وحَمْزة، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ:
«أَلا يَا حَمْزَ للشُّرُفِ النِّواء، ***فَهُنَّ مُعَقَّلاتٌ بالفِناء»
هِيَ جَمْعُ شَارِفٍ وتضمُّ راؤُها وَتُسَكَّنُ تَخْفِيفًا، وَيُرْوَى ذَا الشَّرَف، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالشِّينِ، أَي ذَا العَلاء والرِّفْعةِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ زِمْل: «وَإِذَا أَمام ذَلِكَ ناقةٌ عَجْفاء شَارِفٌ»؛ هِيَ المُسِنّةُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا أَنى أَن يَخْرُجَ بِكُمُ الشُّرْفُ الجُونُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشُّرْفُ الجُون؟ قَالَ: فِتَنٌ كقِطْعِ الليلِ المُظْلمِ»؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: الشُّرْفُ جَمْعُ شارِفٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الهَرِمةُ، شبَّه الفِتَنَ فِي اتِّصالها وامْتِداد أَوقاتها بالنُّوق المُسِنَّة السُّود، والجُونُ: السُّودُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا يُرْوَى بِسُكُونِ الرَّاءِ وَهِيَ جَمْعٌ قَلِيلٌ فِي جَمْعِ فَاعِلٍ لَمْ يَردْ إِلَّا فِي أَسماء مَعْدُودَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخرى: " الشُّرْقُ الجُون "، بِالْقَافِ، وَهُوَ جَمْعُ شارِق وَهُوَ الَّذِي يأْتي مِنْ نَاحِيَةِ المَشْرِق، وشُرْفٌ جَمْعُ شَارِفٍ نَادِرٌ لَمْ يأْت مثلَه إِلَّا أَحرف مَعْدُودَةٌ: بازِلٌ وبُزْلٌ وحائلٌ وحُولٌ وعائذٌ وعُوذٌ وعائطٌ وعُوطٌ.
وَسَهْمٌ شَارِفٌ: بَعِيدُ الْعَهْدِ بالصِّيانةِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي انْتَكَثَ رِيشُه وعَقَبُه، وقيل: هُوَ الدَّقِيقُ الطَّوِيلُ.
غَيْرُهُ: وَسَهْمٌ شَارِفٌ إِذَا وُصِف بالعُتْق والقِدَم؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:
يُقَلِّبُ سَهْمًا راشَه بمَناكِبٍ ***ظُهار لُؤامٍ، فَهُوَ أَعْجَفُ شَارِفُ
اللَّيْثُ: يُقَالُ أَشْرَفَتْ عَلَيْنَا نفْسُه، فَهُوَ مُشْرِفٌ عَلَيْنَا أَي مُشْفِقٌ.
والإِشْرَافُ: الشَّفَقة؛ وأَنشد:
وَمِنْ مُضَرَ الحَمْراء إشْرَافُ أَنْفُسٍ ***عَلَيْنَا، وحَيّاها إِلَيْنَا تَمَضُّرا
ودَنٌّ شَارِفٌ: قدِيمُ الخَمْر؛ قَالَ الأَخطل:
سُلافةٌ حَصَلَتْ مِنْ شَارِفٍ حَلِقٍ، ***كأَنَّما فارَ مِنْهَا أَبْجَرٌ نَعِرُ
وَقَوْلُ بِشْرٍ:
وطائرٌ أَشْرَفُ ذُو خُزْرةٍ، ***وطائرٌ لَيْسَ لَهُ وَكْرُ
قَالَ عَمْرٌو: الأَشْرَفُ مِنَ الطَّيْرِ الخُفّاشُ لأَنَّ لأُذُنيه حَجْمًا ظَاهِرًا، وَهُوَ مُنْجَرِدٌ مِنَ الزِّفِّ والرِّيش، وَهُوَ يَلِدُ وَلَا يَبِيضُ، وَالطَّيْرُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَكْرٌ طَيْرٌ يُخبِر عَنْهُ الْبَحْرِيُّونَ أَنه لَا يَسْقط إِلَّا رَيْثَمَا يَجْعَلُ لبَيْضِه أُفْحُوصًا مِنْ تُرَابٍ ويُغَطِّي عَلَيْهِ ثُمَّ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ وَبَيْضُهُ يتفَقَّس مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ انْتِهَاءِ مُدَّتِهِ، فَإِذَا أَطاق فَرْخُه الطيَران كَانَ كأَبوَيه فِي عَادَتِهِمَا.
والإِشْرَافُ: سُرعةُ عَدْوِ الخيل.
وشَرَّفَ الناقةَ: كادَ يَقْطَعُ أَخلافها بالصَّرّ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
جَمَعْتُها مِنْ أَيْنُقٍ غِزارِ، ***مِنَ اللَّوا شُرِّفْنَ بالصِّرارِ
أَراد مِنَ اللَّوَاتِي، وَإِنَّمَا يُفعل بِهَا ذَلِكَ ليَبْقى بُدْنُها وسِمَنُها فيُحْمَل عَلَيْهَا فِي السَّنَةِ المُقْبلة.
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: لَيْسَ مِنَ الشَّرَف وَلَكِنْ مِنَ التَّشْرِيفِ، وَهُوَ أَن تَكادَ تُقْطَعُ أَخْلافها بالصِّرار فيؤثِّر فِي أَخْلافِها؛ وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ يَذْكُرُ عَيْرًا يَطْرُد أُتُنه:
وإنْ حَداها شَرَفًا مُغَرِّبا، ***رَفَّهَ عَنْ أَنْفاسِه وَمَا رَبا
حَداها: سَاقَهَا، شَرَفًا أَي وجْهًا.
يُقَالُ: طَرَده شرَفًا أَو شَرَفَين، يُرِيدُ وجْهًا أَو وجْهَين؛ مُغَرِّبًا: مُتَباعدًا بَعِيدًا؛ رَفَّهَ عَنْ أَنفاسه أَي نَفَّسَ وفرَّجَ.
وعَدا شَرَفًا أَو شَرَفَينِ أَي شَوْطًا أَو شَوْطَيْنِ.
وَفِي حَدِيثِ الْخَيْلِ: «فاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفين»؛ عَدَتْ شَوْطًا أَو شَوْطَيْن.
والمَشارِفُ: قُرًى مِنْ أَرض الْيَمَنِ، وَقِيلَ: مِنْ أَرض الْعَرَبِ تَدْنُو مِنَ الرِّيف، والسُّيُوفُ المَشْرَفِيّةُ مَنْسوبة إِلَيْهَا.
يُقَالُ: سَيفٌ مَشْرَفيّ، وَلَا يُقَالُ مَشارِفيٌّ لأَن الْجَمْعَ لَا يُنسب إِلَيْهِ إِذَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ، لَا يُقَالُ مَهالِبيّ وَلَا جَعَافِرِيٌّ وَلَا عَباقِرِيٌّ.
وَفِي حَدِيثِ سَطِيح: «يَسْكُنُ مَشَارِفَ الشَّامِ»؛ هِيَ كُلُّ قَرْيَةٍ بَيْنَ بِلَادِ الرِّيفِ وَبَيْنَ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لأَنها أَشْرَفَتْ عَلَى السَّوَادِ، وَيُقَالُ لَهَا أَيضًا المَزارِعُ والبَراغِيلُ، وَقِيلَ: هِيَ الْقُرَى الَّتِي تَقْرُب مِنَ الْمُدُنِ.
ابْنُ الأَعرابي: العُمَرِيَّةُ ثِيَابٌ مَصْبُوغَةٌ بالشَّرَفِ، وَهُوَ طِينٌ أَحمر.
وَثَوْبٌ مُشَرَّفٌ: مَصْبُوغٌ بالشَّرَف؛ وأَنشد:
أَلا لَا تَغُرَّنَّ امْرَأً عُمَرِيّةٌ، ***عَلَى غَمْلَجٍ طالَتْ وتَمَّ قَوامُها
وَيُقَالُ شَرْفٌ وشَرَفٌ للمَغْرةِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الشَّرَفُ لَهُ صِبْغٌ أَحمر يُقَالُ لَهُ الدّارْبَرْنَيان؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالْقَوْلُ مَا قَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي المُشَرَّفِ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «أَنها سُئِلَتْ عَنِ الخِمار يُصْبَغُ بالشَّرْف فَلَمْ ترَ بِهِ بأْسًا»؛ قَالَ: هُوَ نَبْتٌ أَحمر تُصْبَغ بِهِ الثِّيَابُ.
والشُّرافيُّ: لَوْنٌ مِنَ الثِّيَابِ أَبيض.
وشُرَيفٌ: أَطولُ جَبَلٍ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ.
ابْنُ سِيدَهْ: والشُّرَيْف جَبَلٌ تَزْعُمُ الْعَرَبُ أَنه أَطول جَبَلٍ فِي الأَرض.
وشَرَفٌ: جَبَلٌ آخرُ يَقْرُبُ مِنْهُ.
والأَشْرَفُ: اسْمُ رَجُلٍ: وشِرَافُ وشَرافِ مَبْنِيَّةً: اسْمُ مَاءٍ بِعَيْنِهِ.
وشَراف: مَوْضِعٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
لَقَدْ غِظْتَني بالحَزْمِ حَزْمِ كُتَيْفةٍ، ***ويومَ الْتَقَيْنا مِنْ وَرَاءِ شَرافِ
التَّهْذِيبُ: وشَرافِ مَاءٌ لَبَنِي أَسد.
ابْنُ السِّكِّيتِ: الشَّرَفُ كَبِدُ نَجْدٍ، قَالَ: وَكَانَتِ الْمُلُوكُ مِنْ بَنِي آكِل المُرار تَنزِلُها، وَفِيهَا حِمَى ضَرِيّةَ، وضرِيّة بِئْرٌ، وَفِي الشَّرَفِ الرَّبَذةُ وَهِيَ الحِمَى الأَيمنُ، والشُّرَيْفُ إِلَى جَنْبِهِ، يَفْرُق بَيْنَ الشَّرَف والشُّرَيْفِ وادٍ يُقَالُ لَهُ التَّسْرِيرُ، فَمَا كَانَ مُشَرِّقًا فَهُوَ الشُّرَيْف، وَمَا كَانَ مغرِّبًا، فَهُوَ الشَّرَفُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وقولُ ابْنِ السِّكِّيتِ في الشَّرَف والشُّرَيْف" صَحِيحٌ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «يُوشِكُ أَن لَا يكونَ بَيْنَ شَرَافِ وأَرضِ كَذَا جَمَّاءُ وَلَا ذاتُ قَرْن»؛ شَرَافِ: مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: مَاءٌ لَبَنِي أَسد.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن عُمَرَ حَمَى الشَّرَفَ والرَّبَذَةَ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا رُوِيَ بِالشِّينِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ بِالْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا أُحِبُّ أَن أَنْفُخَ فِي الصَّلَاةِ وأَن لِي مَمَرَّ الشَّرَفِ».
والشُّرَيْفُ، مُصَغّر: مَاءٌ لَبَنِي نُمير.
والشَّارُوفُ: جَبَلٌ، وَهُوَ موَلَّد.
والشَّارُوفُ: المِكْنَسةُ، وَهُوَ فارسيٌّ معرَّب.
وأَبو الشَّرْفَاء: مِنْ كُناهم؛ قَالَ: " أَنا أَبو الشَّرْفَاء مَنَّاعُ الخَفَرْ أَراد مَنّاع أَهل الخفر.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
59-لسان العرب (سنن)
سنن: السِّنُّ: وَاحِدَةُ الأَسنان.ابْنُ سِيدَهْ: السِّنُّ الضِّرْسُ، أُنْثَى.
وَمِنَ الأَبَدِيّاتِ: لَا آتِيكَ سِنَّ الحِسْلِ أَي أَبدًا، وَفِي الْمُحْكَمِ: أَي مَا بَقِيَتْ سِنُّه، يَعْنِي وَلَدَ الضَّبِّ، وسِنُّه لَا تَسْقُطُ أَبدًا؛ وَقَوْلُ أَبي جَرْوَلٍ الجُشَمِيّ، وَاسْمُهُ هِنْدٌ، رَثَى رَجُلًا قُتِلَ مِنْ أَهل الْعَالِيَةِ فَحَكَمَ أَولياؤُه فِي دِيَتِهِ فأَخذوها كُلَّهَا إِبلًا ثُنْيانًا، فَقَالَ فِي وَصْفِ إِبل أُخذت فِي الدِّيَةِ:
فجاءتْ كسِنِّ الظَّبْيِ، لَمْ أَرَ مِثْلَها ***سَنَاءَ قَتِيلٍ أَو حَلُوبَةَ جائِعِ
مُضاعَفَةً شُمَّ الحَوَارِكِ والذُّرَى، ***عِظامَ مَقِيلِ الرأْسِ جُرْدَ المَذارِعِ
كسِنِّ الظَّبْيِ أَي هِيَ ثُنْيانٌ لأَن الثَّنِيَّ هُوَ الَّذِي يُلقي ثَنِيَّتَه، والظَّبْيُ لَا تَنْبُتُ لَهُ ثَنِيَّة قَطُّ فَهُوَ ثَنِيٌّ أَبدًا.
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْمُفَضَّلِ: لَا آتِيكَ سِنِي حِسْلٍ.
قَالَ: وَزَعَمُوا أَن الضب يعيش ثلثمائة سَنَةٍ، وَهُوَ أَطول دَابَّةٍ فِي الأَرض عُمْرًا، وَالْجُمْعُ أَسْنانٌ وأَسِنَّةٌ؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ، مِثْلُ قِنٍّ وأَقْنانٍ وأَقِنَّة.
وَفِي الْحَدِيثِ: « إِذا سَافَرْتُمْ فِي خِصْبٍ فأَعْطُوا الرُّكُبَ أَسِنَّتَها، وإِذا سَافَرْتُمْ فِي الْجَدْبِ فاسْتَنْجُوا».
وَحَكَى الأَزهري فِي التَّهْذِيبِ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ أَنه قَالَ: لَا أَعرف الأَسِنَّة إِلَّا جَمْع سِنان لِلرُّمْحِ، فإِن كَانَ الْحَدِيثُ مَحْفُوظًا فكأَنها جَمْعُ الأَسْنان، يُقَالُ لِمَا تأْكله الإِبل وَتَرْعَاهُ مِنَ العُشْب سِنٌّ، وَجَمْعُ أَسْنان أَسِنَّة، يُقَالُ سِنّ وأَسْنان مِنَ المَرْعَى، ثُمَّ أَسِنَّة جَمْعُ الْجَمْعِ.
وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: الأَسِنَّة جَمْعُ السِّنان لَا جَمْعُ الأَسنان، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ الحَمْضُ يَسُنُّ الإِبلَ عَلَى الخُلَّةِ أَي يقوِّيها كَمَا يقوِّي السِّنُّ حدَّ السِّكِّينِ، فالحَمْضُ سِنانٌ لَهَا عَلَى رَعْيِ الخُلَّة، وَذَلِكَ أَنها تَصْدُق الأَكلَ بَعْدَ الحَمْضِ، وَكَذَلِكَ الرِّكابُ إِذا سُنَّت فِي المَرْتَع عِنْدَ إِراحة السَّفْرِ ونُزُولهم، وَذَلِكَ إِذا أَصابت سِنًّا مِنَ الرِّعْيِ يَكُونُ ذَلِكَ سِنانًا عَلَى السَّيْرِ، ويُجْمَع السِّنَانُ أَسِنَّةً، قَالَ: وَهُوَ وَجْهُ الْعَرَبِيَّةِ، قَالَ: وَمَعْنَى يَسُنُّها أَي يقوِّيها عَلَى الخُلَّة.
والسِّنانُ: الِاسْمُ مِنْ يَسُنُّ وَهُوَ القُوَّة.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: ذَهَبَ أَبو سَعِيدٍ مَذْهَبًا حَسَنًا فِيمَا فَسَّرَ، قَالَ: وَالَّذِي قَالَهُ أَبو عُبَيْدٍ عِنْدِي صَحِيحٌ بيِّن.
وَرُوِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ: السِّنُّ الأَكل الشَّدِيدُ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَسَمِعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ أَصابت الإِبلُ اليومَ سِنًّا مِنَ الرَّعْي إِذا مَشَقَتْ مِنْهُ مَشْقًا صَالِحًا، وَيُجْمَعُ السِّنّ بِهَذَا الْمَعْنَى أَسْنانًا، ثُمَّ يُجْمَعُ الأَسْنانُ أَسِنَّةً كَمَا يُقَالُ كِنٌّ وأَكنانٌ، ثُمَّ أَكِنَّة جَمْعُ الْجَمْعِ، فَهَذَا صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَيُقَوِّيهِ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذا سِرْتم فِي الخِصْب فأَمْكِنوا الرِّكابَ أَسْنانَها "؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي الأَسِنَّة إِنها جَمْعُ الأَسْنان، والأَسْنان جَمْعُ السِّنِّ، وَهُوَ الأَكل والرَّعْي، وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ فِي جَمْعِهِ أُسُنًّا، وَهُوَ نَادِرٌ أَيضًا.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ أَعطوا الرُّكُبَ أَسِنَّتَها أَعطوها مَا تَمْتَنِعُ بِهِ مِنَ النَّحْرِ لأَن صَاحِبَهَا إِذا أَحسن رَعْيَها سَمِنت وحَسُنت فِي عَيْنِهِ فَيَبْخَلُ بِهَا مِنْ أَن تُنْحَر، فَشَّبَهَ ذَلِكَ بالأَسِنَّة فِي وُقُوعِ الِامْتِنَاعِ بِهَا، هَذَا عَلَى أَن الْمُرَادَ بالأَسنَّة جَمْعُ سِنَانٍ، وإِن أُريد بِهَا جَمْعُ سِنٍّ فَالْمَعْنَى أَمْكنوها مِنَ الرَّعي؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: « أَعْطُوا السِّنَّ حظَّها مِنَ السّنِ» أَي أَعطوا ذَوَاتَ السِّنِّ حَظَّهَا مِنَ السِّنِّ وَهُوَ الرِّعْيُ.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: « فأَمْكِنُوا الرِّكابَ أَسْنانًا »أَي تَرْعَى أَسْنانًا.
وَيُقَالُ: هَذِهِ سِنٌّ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَتَصْغِيرُهَا سُنَيْنة، وَتُجْمَعُ أُسُنًّا وأَسْنانًا.
وَقَالَ القَنَاني: يقال له بُنَيٌّ سَنِينَةُ ابْنِك.
ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ هُوَ أَشبه شَيْءٍ بِهِ سُنَّة وأُمَّةً، فالسُّنَّة الصُّورة وَالْوَجْهُ، والأُمَّةُ الْقَامَةُ.
وَالْحَدِيدَةُ الَّتِي تُحْرَثُ بِهَا الأَرض يُقَالُ لَهَا: السِّنَّة والسِّكَّة، وَجَمْعُهَا السِّنَنُ والسِّكَكُ.
وَيُقَالُ للفُؤُوس أَيضًا: السِّنَنُ.
وسِنُّ الْقَلَمِ: مَوْضِعُ البَرْيِ مِنْهُ.
يُقَالُ: أَطِلْ سِنَّ قَلَمِكَ وسَمِّنْها وحَرِّفْ قَطَّتَك وأَيْمِنْها.
وسَنَنْتُ الرَّجُلَ سَنًّا: عَضَضْتُه بأَسناني، كَمَا تَقُولُ ضَرَسْتُه.
وسَنَنْتُ الرجلَ أَسُنُّه سَنًّا: كَسَرْتُ أَسنانه.
وسِنُّ المِنْجَل: شُعْبَة تَحْزِيزِهِ.
والسِّنُّ مِنَ الثُّوم: حَبَّةٌ مِنْ رأْسه، عَلَى التَّشْبِيهِ.
يُقَالُ: سِنَّةٌ مِنْ ثُوم أَي حبَّة مِنْ رأْس الثُّومِ، وسِنَّة مِنْ ثومٍ فِصَّةٌ مِنْهُ، وَقَدْ يُعَبَّرُ بالسِّنّ عَنِ العُمُر، قَالَ: والسِّنُّ مِنَ الْعُمُرِ أُنْثى، تَكُونُ فِي النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ؛ قَالَ الأَعور الشَّنِّيُّ يَصِفُ بَعِيرًا:
قَرَّبْتُ مثلَ العَلَم المُبَنَّى، ***لَا فانِيَ السِّنِّ وَقَدْ أَسَنّا
أَراد: وَقَدْ أَسنَّ بعضَ الإِسنان غَيْرَ أَن سِنَّه لَمْ تَفْنَ بعدُ، وَذَلِكَ أَشدّ مَا يَكُونُ الْبَعِيرُ، أَعني إِذا اجْتَمَعَ وَتَمَّ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ:
مَا تُنْكِرُ الحَرْبُ العَوانُ مِنِّي؟ ***بازِلُ عامَيْنِ حَديثُ سِنِّي
إِنما عَنى شدَّته واحْتناكه، وإِنما قَالَ سِنّي لأَنه أَراد أَنه مُحْتَنِك، وَلَمْ يَذْهَبْ فِي السِّنّ، وَجَمْعُهَا أَسْنان لَا غَيْرَ؛ وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الأَثير قَالَ: فِي حَدِيثِ علي، عَلَيْهِ السَّلَامُ: « بَازِلُ عَامَيْنِ حديثُ سِنِّي».
قَالَ: أَي إِني شَابٌّ حَدَثٌ فِي العُمر كَبِيرٌ قَوِيٌّ فِي الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ.
وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ: « وجاوزتُ أَسْنانَ أَهل بَيْتِي»؛ أي أَعمارهم.
يُقَالُ: فُلَانٌ سِنُّ فُلَانٍ إِذا كَانَ مِثْلَهُ فِي السِّنِّ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ ذِي يَزَنَ: « لأُوطِئَنَّ أَسْنانَ الْعَرَبِ كَعْبَه »؛ يُرِيدُ ذَوِي أَسنانهم وَهُمُ الأَكابر والأَشراف.
وأَسَنَّ الرجلُ: كَبِرَ، وَفِي الْمُحْكَمِ: كَبِرَتْ سِنُّه يُسِنُّ إِسْنانًا، فَهُوَ مُسِنٌّ.
وَهَذَا أَسَنُّ مِنْ هَذَا أَي أَكبر سِنًّا مِنْهُ، عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ.
قَالَ ثَعْلَبٌ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عِيسَى بْنِ أَبي جَهْمَة اللَّيْثِيُّ وأَدركته أَسَنَّ أَهل الْبَلَدِ.
وَبَعِيرٌ مُسِنّ، وَالْجُمَعُ مَسانُّ ثَقِيلَةٌ.
وَيُقَالُ: أَسَنَّ إِذا نَبَتَتْ سِنُّه الَّتِي يَصِيرُ بِهَا مُسِنًّا مِنَ الدَّوَابِّ.
وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ قَالَ: « بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى الْيَمَنِ فأَمرني أَن آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَربعين مُسِنَّةً، والبقرَةُ والشاةُ يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ المُسِنّ إِذا أَثْنَتا، فإِذا سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهما بَعْدَ طُلُوعِهَا فَقَدْ أَسَنَّتْ، وَلَيْسَ مَعْنَى إِسْنانها كِبَرَها كَالرَّجُلِ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ طُلوع ثَنِيَّتها، وتُثْني البقرةُ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَكَذَلِكَ المِعْزَى تُثْني فِي الثَّالِثَةِ، ثُمَّ تَكُونُ رَباعِيَة فِي الرَّابِعَةِ ثُمَّ سِدْسًا فِي الْخَامِسَةِ ثُمَّ سَالِغًا فِي السَّادِسَةِ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.
وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنه قَالَ: يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا الَّتِي لَمْ تُسْنَنْ "، بِفَتْحِ النُّونِ الأُولى، وَفَسَّرَهُ الَّتِي لَمْ تَنْبُتْ أَسنانها كأَنها لَمْ تُعْطَ أَسْنانًا، كَقَوْلِكَ: لَمْ يُلْبَنْ أَي لَمْ يُعْطَ لَبَنًا، وَلَمْ يُسْمَنْ أَي لَمْ يُعْطَ سَمْنًا، وَكَذَلِكَ يُقَالُ: سُنَّتِ البَدَنة إِذا نَبَتَتْ أَسنانها، وسَنَّها اللَّهُ؛ وَقَوْلُ الأَعشى:
بحِقَّتِها رُبِطَتْ في اللَّجِينِ، ***حَتَّى السَّدِيسُ لَهَا قَدْ أَسَنّ
أَي نَبت وَصَارَ سِنًّا؛ قَالَ: هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْقُتَيْبِيِّ، قَالَ: وَقَدْ وَهِمَ فِي الرِّوَايَةِ وَالتَّفْسِيرِ لأَنه رَوَى الْحَدِيثَ" لَمْ تُسْنَنْ، بِفَتْحِ النُّونِ الأُولى، وإِنما حَفِظَهُ عَنْ مُحَدِّث لَمْ يَضْبِطْه، وأَهل الثَّبْتِ والضَّبْطِ رَوَوْهُ لَمْ تُسْنِنْ، بِكَسْرِ النُّونِ، قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَالْمَعْنَى لَمْ تُسِنَّ، فأَظهر التَّضْعِيفَ لِسُكُونِ النُّونِ الأَخيرة، كَمَا يُقَالُ لَمْ يُجْلِلْ، وإِنما أَراد ابْنُ عُمَرَ أَنه لَا يُضَحَّى بأُضحية لَمْ تُثْنِ أَي لَمْ تَصِرْ ثَنِيَّة، وإِذا أَثْنَتْ فَقَدْ أَسَنَّتْ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ.
وأَدنى الأَسْنان: الإِثْناءُ، وَهُوَ أَن تَنْبُتَ ثَنِيَّتاها، وأَقصاها فِي الإِبل: البُزُول، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ السُّلُوغ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا مَا رُوِيَ عَنْ جَبَلة بْنِ سُحَيْم قَالَ: سأَل رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: أَأُضَحِّي بالجَدَعِ؟ فَقَالَ: ضَحّ بالثَّنِيِّ فَصَاعِدًا "، فَهَذَا يُفَسِّرُ لَكَ أَن مَعْنَى قَوْلِهِ يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا التي لم تُسْنِنْ، أَراد بِهِ الإِثْناءَ.
قَالَ: وأَما خَطَأُ القُتَيْبيّ مِنَ الْجِهَةِ الأُخرى فَقَوْلُهُ سُنِّنَتِ الْبَدَنَةُ إِذا نَبَتَتْ أَسْنانُها وسَنَّها اللَّهُ غيرُ صَحِيحٍ، وَلَا يَقُولُهُ ذُو الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يُلْبَنْ وَلَمْ يُسْمَنْ أَي لَمْ يُعْطَ لَبَنًا وسَمْنًا خطأٌ أَيضًا، إِنما مَعْنَاهُمَا لَمْ يُطْعَمْ سَمْنًا وَلَمْ يُسْقَ لَبَنًا.
والمَسَانُّ مِنَ الإِبل: خلافُ الأَفْتاءِ.
وأَسَنَّ سَدِيسُ النَّاقَةِ أَي نَبَتَ، وَذَلِكَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ؛ وأَنشد بَيْتَ الأَعشى:
بِحِقَّتِها رُبِطَت في اللَّجِينِ، ***حَتَّى السَّدِيسُ لَهَا قَدْ أَسَنّ
يَقُولُ: قيمَ عَلَيْهَا مُنْذُ كانتِ حِقَّةً إِلى أَن أَسْدَسَتْ فِي إِطعامها وإِكرامها؛ وَقَالَ القُلاخُ:
بِحِقِّه رُبِّطَ فِي خَبْطِ اللُّجُنْ ***يُقْفَى بِهِ، حَتَّى السَّدِيسُ قَدْ أَسَنّ
وأَسَنَّها اللهُ أَي أَنْبَتها.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: « أَنه خَطَبَ فَذَكَرَ الرِّبَا فَقَالَ: إِن فِيهِ أَبوابًا لَا تَخْفى عَلَى أَحدٍ مِنْهَا السَّلَمُ فِي السِّنِ »، يَعْنِي الرقيقَ والدوابَّ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْحَيَوَانِ، أَراد ذَوَاتَ السِّنّ.
وسِنُّ الْجَارِحَةِ، مؤَنثة ثُمَّ اسْتُعِيرَتْ للعُمُر اسْتِدْلَالًا بِهَا عَلَى طُولِهِ وَقِصَرِهِ، وَبَقِيَتْ عَلَى التأْنيث.
وسِنُّ الرَّجُلِ وسَنينُه وسَنينَتُه: لِدَتُه، يُقَالُ: هُوَ سِنُّه وتِنُّه وحِتْنُه إِذا كَانَ قِرْنَه فِي السِّنّ.
وسَنَّ الشيءَ يَسُنُّه سَنًّا، فهو مَسْنون وسَنين وسَنَّته: أَحَدَّه وصَقَله.
ابْنُ الأَعرابي: السَّنّ مَصْدَرُ سَنَّ الحديدَ سَنًّا.
وسَنَّ لِلْقَوْمِ سُنَّةً وسَنَنًا.
وسَنَّ عَلَيْهِ الدِّرْعَ يَسُنُّها سَنًّا إِذا صَبَّها.
وسَنَّ الإِبلَ يسُنُّها سَنًّا إِذا أَحْسَن رِعْيَتها حَتَّى كأَنه صَقَلَهَا.
والسَّنَنُ: اسْتِنان الإِبل وَالْخَيْلِ.
وَيُقَالُ: تَنَحَّ عَنْ سَننِ الْخَيْلِ.
وسَنَّنَ المَنْطِقَ: حَسَّنه فكأَنه صقَله وَزَيَّنَهُ؛ قَالَ الْعَجَّاجِ:
دَعْ ذَا، وبَهّجْ حَسَبًا مُبَهَّجا ***فَخْمًا، وسَنِّنْ مَنْطِقًا مُزَوَّجًا
والمِسَنُّ والسِّنانُ: الحجَر الَّذِي يُسَنُّ بِهِ أَو يُسنُّ عَلَيْهِ، وَفِي الصِّحَاحِ: حجَر يُحدَّد بِهِ؛ قَالَ إِمرؤُ الْقَيْسِ:
يُباري شَباةَ الرُّمْحِ خَدٌّ مُذَلَّقٌ، ***كَصَفْحِ السِّنانِ الصُّلَّبيِّ النَّحِيضِ
قَالَ: وَمِثْلُهُ لِلرَّاعِي:
وبيضٍ كسَتْهنَّ الأَسِنَّةُ هَفْوَةً، ***يُداوى بِهَا الصادُ الَّذِي فِي النّواظِرِ
وأَراد بالصادِ الصَّيَدَ، وأَصله فِي الإِبل داء يُصيبها في رؤوسها وأَعينها؛ وَمِثْلُهُ لِلَبِيدٍ:
يَطْرُدُ الزُّجَّ، يُباري ظِلَّهُ ***بأَسِيلٍ، كالسِّنانِ المُنْتَحَلْ
والزُّجُّ: جَمْعُ أَزَجَّ، وأَراد النعامَ، والأَزَجُّ: الْبَعِيدُ الخَطو، يُقَالُ: ظَلِيمٌ أَزجُّ وَنَعَامَةٌ زَجَّاء.
والسِّنانُ: سِنانُ الرُّمْحِ، وَجَمْعُهُ أَسِنَّة.
ابْنُ سِيدَهْ: سِنانُ الرُّمْحِ حَدِيدَتُهُ لصَقالتها ومَلاستها.
وسَنَّنَه: رَكَّبَ فيه السِّنان.
وأَسَنْت الرمحَ: جَعَلْتَ لَهُ سِنانًا، وَهُوَ رُمح مُسَنٌّ.
وسَنَنْتُ السِّنانَ أَسُنُّه سَنًّا، فَهُوَ مَسنون إِذا أَحدَدْته عَلَى المِسنِّ، بِغَيْرِ أَلف.
وسَنَنتُ فُلَانًا بِالرُّمْحِ إِذا طَعَنْتُهُ بِهِ.
وسَنَّه يَسُنُّه سَنًّا: طَعَنَهُ بالسِّنان.
وسَنَّنَ إِليه الرُّمْحَ تسْنينًا: وَجَّهه إِليه.
وسَننْت السِّكِّينَ: أَحددته.
وسَنَّ أَضراسَه سَنًّا: سَوَّكها كأَنه صَقَلها.
واسْتَنَّ: اسْتَاكَ.
والسَّنُونُ: مَا استَكْتَ بِهِ.
والسَّنين: مَا يَسقُط مِنَ الْحَجَرِ إِذا حَكَكْتَهُ.
والسَّنُونُ: مَا تَسْتنُّ بِهِ مِنْ دَوَاءٍ مؤَلف لِتَقْوِيَةِ الأَسنان وتَطريتها.
وَفِي حَدِيثِ السِّوَاكِ: « أَنه كَانَ يَستنُّ بعودٍ مِنْ أَراك »؛ الاستِنان: استعمالُ السِّوَاكِ، وَهُوَ افتِعال مِنَ الإِسْنان؛ أي يُمِرُّه عَلَيْهَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْجُمُعَةِ: " وأَن يَدَّهِن ويَسْتنَّ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي وَفَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « فأَخذتُ الجَريدة فسَننْتُه بِهَا »أَي سَوَّكته بِهَا.
ابْنُ السِّكِّيتِ: سَنَّ الرجلُ إِبله إِذا أَحسن رِعْيتها والقيامَ عَلَيْهَا حَتَّى كأَنه صَقَلَهَا؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
نُبِّئْتُ حِصْنًا وحَيًّا مِنْ بَنِي أَسَدٍ ***قَامُوا فَقَالُوا: حِمانا غيرُ مقْروبِ
ضَلَّتْ حُلومُهُمُ عَنْهُمْ، وغَرَّهُمُ ***سَنُّ المُعَيديِّ فِي رَعْيٍ وتَعْزيبِ
يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ مَعَدٍّ لَا يغُرَّنكم عزُّكم وأَنَّ أَصغر رَجُلٍ مِنْكُمْ يَرْعَى إِبله كَيْفَ شَاءَ، فإِن الحرث بْنَ حِصْن الغَسّاني قَدْ عَتب عَلَيْكُمْ وَعَلَى حِصْن بْنِ حُذيفة فَلَا تأْمنوا سَطوَته.
وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: سَنُّوا المالَ إِذا أَرسلوه فِي الرِّعْي.
ابْنُ سِيدَهْ: سَنَّ الإِبلَ يَسُنُّها سَنًّا إِذا رَعَاهَا فأَسْمنها.
والسُّنّة: الْوَجْهُ لصَقالتِه ومَلاسته، وَقِيلَ: هُوَ حُرُّ الْوَجْهِ، وَقِيلَ: دَائِرَتُهُ.
وَقِيلَ: الصُّورة، وَقِيلَ: الْجَبْهَةُ وَالْجَبِينَانِ، وَكُلُّهُ مِنَ الصَّقالة والأَسالة.
وَوَجْهٌ مَسْنون: مَخروطٌ أَسيلٌ كأَنه قَدْ سُنَّ عَنْهُ اللَّحْمَ، وَفِي الصِّحَاحِ: رَجُلٌ مَسْنون: الْوَجْهِ إِذَا كَانَ فِي أَنفه وَوَجْهِهِ طولٌ والمَسْنون الْمَصْقُولُ، مِنْ سَننْتُه بالمِسَنِّ سَنًّا إِذا أَمررته عَلَى المِسنِّ.
وَرَجُلٌ مُسْنُونُ الْوَجْهِ: حَسَنُه سهْله؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.
وسُنَّة الْوَجْهِ: دَوَائِرُهُ.
وسُنَّةُ الْوَجْهِ: صُورته؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تُريك سُنَّةَ وَجْهٍ غيرَ مُقْرِفةٍ ***مَلساءَ، لَيْسَ بِهَا خالٌ وَلَا نَدَبُ
وَمِثْلُهُ للأَعشى:
كَريمًا شَمائِلُه مِنْ بَنِي ***مُعاويةَ الأَكْرَمِينَ السُّنَنْ
وأَنشد ثَعْلَبٌ:
بَيْضاءُ فِي المِرْآةِ، سُنَّتُها ***فِي الْبَيْتِ تحتَ مَواضعِ اللّمْسِ
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه حَضَّ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَامَ رَجُلٌ قَبِيحُ السُّنَّة »؛ السُّنَّةُ: الصُّورَةُ وَمَا أَقبل عَلَيْكَ مِنَ الْوَجْهِ، وَقِيلَ: سُنّة الْخَدِّ صَفْحَتُهُ.
والمَسْنونُ: المُصوَّر.
وَقَدْ سَنَنْتُه أَسُنُّه سَنًّا إِذا صَوَّرْتُهُ.
والمَسْنون: المُمَلَّس.
وَحُكِيَ أَن يَزيد بْنَ مُعَاوِيَةَ قَالَ لأَبيه: أَلا تَرَى إِلى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ يُشَبّبُ بِابْنَتِكَ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا قَالَ؟ فَقَالَ: قَالَ:
هِيَ زَهْراءُ، مثلُ لُؤلؤةِ الغَوَّاص، ***مِيزَتْ مِنْ جوهرٍ مكنونِ
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: صَدَقَ؛ فَقَالَ يَزِيدُ: إِنه يَقُولُ:
وإِذا مَا نَسَبْتَها لَمْ تَجِدْها ***فِي سَناءٍ، مِنَ المَكارم، دُونِ
قَالَ: وَصَدَقَ؛ قَالَ: فأَين قَوْلُهُ:
ثُمَّ خاصَرْتُها إِلى القُبَّةِ الخَضْراءِ، ***تَمْشي فِي مَرْمَرٍ مَسنونِ
قَالَ مُعَاوِيَةُ: كَذَبَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وتُرْوَى هَذِهِ الأَبيات لأَبي دَهْبَلٍ، وَهِيَ فِي شِعْرِهِ يَقُولُهَا فِي رَمْلة بِنْتِ مُعَاوِيَةَ؛ وأَول الْقَصِيدِ:
طالَ لَيْلي، وبِتُّ كالمَحْزونِ، ***ومَلِلْتُ الثَّواءَ بالماطِرُونِ
منها:
عَنْ يَساري، إِذا دخَلتُ من الباب، ***وإِن كنتُ خَارِجًا عَنْ يَميني
فلذاكَ اغْترَبْتُ فِي الشَّأْم، حَتَّى ***ظَنَّ أَهلي مُرَجَّماتِ الظُّنونِ
منها:
تَجْعَلُ المِسْكَ واليَلَنْجُوج والنَّدَّ ***صِلَاءً لَهَا عَلَى الكانُونِ
منها:
قُبَّةٌ منْ مَراجِلٍ ضَرَّبَتْها، ***عندَ حدِّ الشِّتاءِ فِي قَيْطُونِ
القَيْطُون: المُخْدَع، وَهُوَ بَيْتٌ فِي بَيْتٍ.
ثُمَّ فارَقْتُها عَلَى خَيْرِ مَا كانَ ***قَرينٌ مُفارِقًا لقَرِينِ
فبَكَتْ، خَشْيَةَ التَّفَرُّق للبَينِ، ***بُكاءَ الحَزينِ إِثرَ الحَزِينِ
فاسْأَلي عن تَذَكُّري واطِّبائيَ، ***لَا تَأْبَيْ إِنْ هُمُ عَذَلُوني
اطِّبائي: دُعائي، وَيُرْوَى: واكْتِئابي.
وسُنَّةُ اللَّهِ: أَحكامه وأَمره وَنَهْيُهُ؛ هَذِهِ عَنِ اللحياني.
وسَنَّها اللَّهُ لِلنَّاسِ: بَيَّنها.
وسَنَّ اللَّهُ سُنَّة أَي بَيَّن طَرِيقًا قَوِيمًا.
قَالَ اللَّهُ تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ}؛ نَصَبَ سُنَّةَ اللَّهِ عَلَى إِرادة الْفِعْلِ أَي سَنَّ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الَّذِينَ نَافَقُوا الأَنبياءَ وأَرْجَفُوا بِهِمْ أَن يُقْتَلُوا أَين ثُقِفُوا أَي وُجِدُوا.
والسُّنَّة: السِّيرَةُ، حَسَنَةً كَانَتْ أَو قَبِيحَةً؛ قَالَ خَالِدُ بْنُ عُتْبة الْهُذَلِيُّ:
فَلَا تَجْزَعَنْ مِنْ سِيرةٍ أَنتَ سِرْتَها، ***فأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُها
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: سُنَّةُ الأَوَّلين أَنهم عَايَنُوا الْعَذَابَ فَطَلَبَ الْمُشْرِكُونَ أَن قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ.
وسَنَنْتُها سَنًّا واسْتَنَنْتُها: سِرْتُها، وسَنَنْتُ لَكُمْ سُنَّةً فَاتَّبِعُوهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: « مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنةً فَلَهُ أَجْرُها وأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سيّئَةً »يُرِيدُ مَنْ عَمِلَهَا ليُقْتَدَى بِهِ فِيهَا، وَكُلُّ مَنِ ابتدأَ أَمرًا عَمِلَ بِهِ قَوْمٌ بَعْدَهُ قِيلَ: هُوَ الَّذِي سَنَّه؛ قَالَ نُصَيْبٌ:
كأَني سَنَنتُ الحُبَّ، أَوَّلَ عاشِقٍ ***مِنَ الناسِ، إِذ أَحْبَبْتُ مِنْ بَيْنِهم وَحْدِي
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ السُّنَّة وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا، والأَصل فِيهِ الطَّرِيقَةُ والسِّيرَة، وإِذا أُطْلِقَت فِي الشَّرْعِ فإِنما يُرَادُ بِهَا مَا أَمَرَ بِهِ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونَهى عَنْهُ ونَدَب إِليه قَوْلًا وَفِعْلًا مِمَّا لَمْ يَنْطق بِهِ الكتابُ الْعَزِيزُ، وَلِهَذَا يُقَالُ فِي أَدلة الشَّرْعِ: الكتابُ والسُّنَّةُ أَي الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « إِنما أُنَسَّى لِأَسُنَ» أَي إِنما أُدْفَعُ إِلى النِّسْيانُ لأَسُوقَ الناسَ بِالْهِدَايَةِ إِلى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وأُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ أَن يَفْعَلُوا إِذا عَرَضَ لَهُمُ النسيانُ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ سَنَنْتُ الإِبلَ إِذا أَحْسنت رِعْيتَها وَالْقِيَامَ عَلَيْهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه نَزَلَ المُحَصَّبَ وَلَمْ يَسُنَّهُ »أَي لَمْ يَجْعَلْهُ سُنَّة يُعْمَلُ بِهَا، قَالَ: وَقَدْ يَفْعل الشَّيْءَ لِسَبَبٍ خَاصٍّ فَلَا يَعُمُّ غَيْرَهُ، وَقَدْ يَفْعل لِمَعْنًى فَيَزُولُ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَيَبْقَى الْفِعْلُ عَلَى حَالِهِ مُتَّبَعًا كقَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ لِلْخَوْفِ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ الْقَصْرُ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" ابْنِ عَبَّاسٍ: رَمَلَ رسولُ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ بسُنَّة أَي أَنه لَمْ يَسُنَّ فِعْلَه لِكَافَّةِ الأُمّة وَلَكِنْ لِسَبَبٍ خَاصٍّ، وَهُوَ أَن يُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّةَ أَصحابه، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ يَرَى أَن الرَّمَلَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ سنَّة.
وَفِي حَدِيثِ مُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامة: « اسْنُنِ اليومَ وغَيِّرْ غَدًا» أَي اعْمَلْ بسُنَّتك الَّتِي سَنَنْتها فِي القِصاصِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إِذا شِئْتَ أَن تُغَيِّرَ فَغَيِّرْ أَي تُغَيِّرَ مَا سَننْتَ، وَقِيلَ: تُغَيِّر مِنْ أَخذ الغِيَر وَهِيَ الدِّيَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « إِن أَكبر الْكَبَائِرِ أَن تُقاتل أَهل صَفْقَتِك وتُبَدِّلَ سُنَّتَك »؛ أَراد بِتَبْدِيلِ السُّنة أَن يَرْجِعَ أَعرابيًّا بَعْدَ هِجْرَتِهِ.
وَفِي حَدِيثِ الْمَجُوسِ: « سُنُّوا بِهِمْ سُنَّة أَهل الْكِتَابِ»؛ أي خُذُوهُمْ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ وأَجْرُوهم فِي قَبُولِ الْجِزْيَةِ مُجْراهم.
وَفِي الْحَدِيثِ: « لَا يُنْقَضُ عَهْدُهم عَنْ سُنَّةِ ماحِلٍ» أَي لَا يُنْقَضُ بسَعْيِ سَاعٍ بِالنَّمِيمَةِ والإِفساد، كَمَا يُقَالُ لَا أُفْسِدُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ بِمَذَاهِبِ الأَشرار وطُرُقهم فِي الْفَسَادِ.
والسُّنَّة: الطَّرِيقَةُ، والسَّنن أَيضًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَلا رجلٌ يَرُدُّ عَنَّا مِنْ سَنَنِ هَؤُلَاءِ».
التَّهْذِيبُ: السُّنَّةُ الطَّرِيقَةُ الْمَحْمُودَةُ الْمُسْتَقِيمَةُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: فُلَانٌ مِنْ أَهل السُّنَّة؛ مَعْنَاهُ مِنْ أَهل الطَّرِيقَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ الْمَحْمُودَةِ، وَهِيَ مأْخوذة مِنَ السَّنَنِ وَهُوَ الطَّرِيقُ.
وَيُقَالُ للخَطّ الأَسود عَلَى مَتْنِ الْحِمَارِ: سُنَّة.
والسُّنَّة: الطَّبِيعَةُ؛ وَبِهِ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الأَعشى:
كَرِيمٌ شَمَائِلُه مِنْ بَنِي ***مُعاويةَ الأَكْرَمينَ السُّنَنْ
وامْضِ عَلَى سَنَنِك أَي وَجْهك وقَصْدك.
وَلِلطَّرِيقِ سَنَنٌ أَيضًا، وسَنَنُ الطَّرِيقِ وسُنَنُه وسِنَنُه وسُنُنُه: نَهْجُه.
يُقَالُ: خَدَعَك سَنَنُ الطَّرِيقِ وسُنَّتُه.
والسُّنَّة أَيضًا: سُنَّة الْوَجْهِ.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: تَرَك فلانٌ لَكَ سَنَنَ الطَّرِيقِ وسُنَنَه وسِنَنَه أَي جِهَتَه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعرف سِنَنًا عَنْ غَيْرِ اللِّحْيَانِيِّ.
شَمِرٌ: السُّنَّة فِي الأَصل سُنَّة الطَّرِيقِ، وَهُوَ طَرِيقٌ سَنَّه أَوائل النَّاسِ فصارَ مَسْلَكًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ.
وسَنَّ فلانٌ طَرِيقًا مِنَ الْخَيْرِ يَسُنُّه إِذا ابتدأَ أَمرًا مِنَ البِرِّ لَمْ يَعْرِفْهُ قومُه فاسْتَسَنُّوا بِهِ وسَلَكُوه، وَهُوَ سَنِين.
وَيُقَالُ: سَنَّ الطريقَ سَنًّا وسَنَنًا، فالسَّنُّ الْمَصْدَرُ، والسَّنَنُ الِاسْمُ بِمَعْنَى المَسْنون.
وَيُقَالُ: تَنَحَّ عَنْ سَنَنِ الطَّرِيقِ وسُنَنه وسِنَنِه، ثَلَاثُ لُغَاتٍ.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سَنَنُ الطَّرِيقِ وسُنُنُه مَحَجَّتُه.
وتَنَحَّ عَنْ سَنَنِ الْجَبَلِ أَي عَنْ وَجْهِهِ.
الْجَوْهَرِيُّ: السَّنَنُ الطَّرِيقَةُ.
يُقَالُ: اسْتَقَامَ فُلَانٌ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ.
وَيُقَالُ: امْضِ عَلَى سَنَنِك وسُنَنِك أَي على وجهك.
والمُسَنْسَنُ [المُسَنْسِنُ]: الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: طَرِيقٌ يُسْلَكُ.
وتَسَنَّنَ الرجلُ فِي عَدْوِه واسْتَنَّ: مَضَى عَلَى وَجْهِهِ؛ وَقَوْلُ جَرِيرٍ:
ظَلِلْنا بمُسْتَنِّ الحَرُورِ، كأَننا ***لَدى فَرَسٍ مُسْتَقْبِلِ الريحِ صائِم
عَنَى بمُسْتَنِّها موضعَ جَرْي السَّرابِ، وَقِيلَ: مَوْضِعُ اشْتِدَادِ حَرِّهَا كأَنها تَسْتَنُّ فِيهِ عَدْوًا، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ.
مَخْرَجَ الرِّيحِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ عِنْدِي أَحسن إِلَّا أَن الأَول قَوْلُ المتقدِّمين، وَالِاسْمُ مِنْهُ السَّنَنُ.
أَبو زَيْدٍ: اسْتَنَّت الدابةُ عَلَى وَجْهِ الأَرض.
واسْتَنَّ دَمُ الطَّعْنَةِ إِذا جَاءَتْ دُفْعةٌ مِنْهَا؛ قَالَ أَبو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ:
مُسْتَنَّة سَنَنَ الفُلُوِّ مُرِشَّة، ***تَنْفي الترابَ بقاحِزٍ مُعْرَوْرِفِ
وَطَعَنه طَعْنةً فَجَاءَ مِنْهَا سَنَنٌ يَدْفَعُ كلَّ شيءٍ إِذا خَرَجَ الدمُ بحَمْوَتِه؛ وَقَوْلُ الأَعشى:
وَقَدْ نَطْعُنُ الفَرْجَ، يومَ اللِّقاءِ، ***بالرُّمْحِ نحْبِسُ أُولى السَّنَنْ
قَالَ شَمِرٌ: يريدُ أُولى القومِ الَّذِينَ يُسرعون إِلى الْقِتَالِ، والسَّنَنُ الْقَصْدُ.
ابْنُ شُمَيْلٍ: سَنَنُ الرَّجُلِ قَصْدُهُ وهِمَّتُه.
واسْتَنَّ السَّرابُ: اضطرب.
وسَنَّ الإِبلَ سَنًّا: سَاقَهَا سَوْقًا سَرِيعًا، وَقِيلَ: السَّنُّ السَّيْرُ الشَّدِيدُ.
والسَّنَنُ: الَّذِي يُلِحُّ فِي عَدْوِه وإِقْباله وإِدْباره.
وَجَاءَ سَنَنٌ مِنَ الْخَيْلِ أَي شَوْطٌ.
وَجَاءَتِ الرياحُ سَنائِنَ إِذا جَاءَتْ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَطَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تَخْتَلِفُ.
وَيُقَالُ: جَاءَ مِنَ الْخَيْلِ والإِبل سَنَنٌ مَا يُرَدُّ وجْهُه.
وَيُقَالُ: اسْنُنْ قُرونَ فرسك "أَي بُدَّهُ حَتَّى يَسِيلَ عَرَقُه فيَضْمُرَ، وَقَدْ سُنَّ لَهُ قَرْنٌ وقُرون وَهِيَ الدُّفَعُ مِنَ العَرَق؛ وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبي سُلْمى:
نُعَوِّدُها الطِّرادَ فكلَّ يوْمٍ ***تُسَنُّ، عَلَى سَنابِكِها، القُرونُ
والسَّنينة: الرِّيحُ؛ قَالَ مَالِكُ بْنُ خَالِدٍ.
الخُنَعِيُّ فِي السَّنَائن الرِّياحِ: وَاحِدَتُهَا سَنِينةٌ، والرِّجَاعُ جَمْعُ الرَّجْعِ، وَهُوَ ماءُ السَّمَاءِ فِي الغَدير.
وَفِي النَّوَادِرِ: رِيحٌ نَسْناسة وسَنْسانَةٌ بَارِدَةٌ، وَقَدْ نَسْنَسَتْ وسَنْسَنَتْ إِذا هَبَّتْ هُبُوبًا بَارِدًا.
وَيَقُولُ: نَسْناسٌ مِنْ دُخان وسَنْسانٌ، يُرِيدُ دُخَانَ نَارٍ.
وبَنى الْقَوْمُ بُيُوتَهُمْ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ أَي عَلَى مِثَالٍ وَاحِدٍ.
وسَنَّ الطينَ: طَيَّنَ بِهِ فَخَّارًا أَو اتَّخَذَهُ مِنْهُ.
والمَسْنون: المُصَوَّرُ.
والمَسْنون: المُنْتِن.
وَقَوْلُهُ تعالى: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}؛ قَالَ أَبو عَمْرٍو: أَي مُتَغَيِّرٍ مُنْتِنٍ؛ وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: سُنَّ الماءُ فَهُوَ مَسْنُون أَي تَغَيَّرَ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَسْنون مَصْبوب عَلَى سُنَّةِ الطَّرِيقِ؛ قَالَ الأَخفش: وإِنما يَتَغَيَّرُ إِذا أَقام بِغَيْرِ مَاءٍ جَارٍ، قَالَ: وَيَدُلُّكَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ أَن مَسْنُونَ اسْمُ مَفْعُولٍ جارٍ عَلَى سُنَّ وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَسْنُونٌ طَوَّلَهُ، جعله طويلًا مستويًا.
يُقَالُ: رَجُلٌ مَسنون الْوَجْهِ أَي حَسَنُ الْوَجْهِ طَوِيلُهُ؛ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الرَّطْبُ، وَيُقَالُ المُنْتِنُ.
وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: المَسنونُ المَصبوب.
وَيُقَالُ: الْمَسْنُونُ المَصْبوب عَلَى صُورَةٍ، وَقَالَ: الْوَجْهُ المَسنون سمِّي مَسنونًا لأَنه كَالْمَخْرُوطِ.
الْفَرَّاءُ: سُمِّيَ المِسَنُّ مِسَنًّا لأَن الْحَدِيدَ يُسَنُّ عَلَيْهِ أَي يُحَكُّ عَلَيْهِ.
وَيُقَالُ لِلَّذِي يَسِيلُ عِنْدَ الْحَكِّ: سَنِينٌ، قَالَ: وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ السَّائِلُ إِلا مُنْتِنًا، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}؛ يُقَالُ الْمَحْكُوكُ، وَيُقَالُ: هُوَ الْمُتَغَيِّرُ كأَنه أُخذ مِنْ سَنَنْتُ الْحَجَرَ عَلَى الحجَر، وَالَّذِي يَخْرُجُ بَيْنَهُمَا يُقَالُ لَهُ السَّنِينُ، وَاللَّهُ أَعلم بِمَا أَراد.
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ بَرْوَعَ بنتِ واشِقٍ: « وَكَانَ زَوْجُهَا سُنَّ فِي بِئْرٍ» أَي تَغَيَّرَ وأَنْتنَ، مِنْ قَوْلِهِ تعالى: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}؛ أَي مُتَغَيِّرٍ، وَقِيلَ: أَراد بسُنَّ أَسِنَ بِوَزْنِ سَمِعَ، وَهُوَ أَن يَدُورَ رأْسه مِنْ رِيحٍ كَرِيهَةٍ شَمَّهَا وَيُغْشَى عَلَيْهِ.
وسَنَّتِ العينُ الدمعَ تَسُنُّه سَنًّا: صَبَّتْهُ، واسْتَنَّتْ هِيَ: انْصَبَّ دَمْعُهَا.
وسَنَّ عَلَيْهِ الماءَ: صَبَّه، وَقِيلَ: أَرسله إِرسالًا لَيِّنًا، وسَنَّ عَلَيْهِ الدرعَ يَسُنُّها سَنًّا كَذَلِكَ إِذا صَبَّهَا عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ شَنَّ.
وَيُقَالُ: شَنَّ عَلَيْهِمُ الغارةَ إِذا فَرَّقَهَا.
وَقَدْ شَنَّ الماءَ عَلَى شَرَابِهِ أَي فرَّقه عَلَيْهِ.
وسَنَّ الماءَ عَلَى وَجْهِهِ أَي صبَّه عَلَيْهِ صَبًّا سَهْلًا.
الْجَوْهَرِيُّ: سَنَنْتُ الماءَ عَلَى وَجْهِي أَي أَرسلته إِرسالًا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ، فإِذا فَرَّقْتَهُ بِالصَّبِّ قُلْتَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ.
وَفِي حَدِيثِ بَوْلِ الأَعرابي فِي الْمَسْجِدِ: « فَدَعَا بدلوٍ مِنْ مَاءٍ فسَنَّه عَلَيْهِ »أَي صَبَّهُ.
والسَّنُّ.
الصبُّ فِي سُهولة، وَيُرْوَى بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وسيأْتي ذِكْرُهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْخَمْرِ: " سُنَّها فِي البَطْحاء.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: « كَانَ يَسُنُّ الماءَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَا يَشُنُّه»؛ أي كَانَ يَصُبُّهُ وَلَا يُفَرِّقُهُ عَلَيْهِ.
وسَنَنْتُ الترابَ: صَبَبْتُهُ عَلَى وَجْهِ الأَرض صَبًّا سَهْلًا حَتَّى صَارَ كالمُسَنّاة.
وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ مَوْتِهِ: « فسُنُّوا عليَّ الترابَ سَنًّا »أَي ضَعُوهُ وَضْعًا سَهْلًا.
وسُنَّت الأَرض فَهِيَ مَسنونة وسَنِينٌ إِذا أُكل نَبَاتُهَا؛ قَالَ الطِّرِمّاحُ:
بمُنْخَرَقٍ تَحِنُّ الريحُ فِيهِ، ***حَنِينَ الجِلْبِ [الجُلْبِ] في البلدِ السَّنِينِ
يَعْنِي المَحْلَ.
وأَسْنان المنْجَل: أُشَرُهُ.
والسَّنُونُ "والسَّنِينة: رِمالٌ مُرْتَفِعَةٌ تَسْتَطِيلُ عَلَى وَجْهُ الأَرض، وَقِيلَ: هِيَ كَهَيْئَةِ الحِبال مِنَ الرمل.
التهذيب: والسَّنائن رِمَالٌ مُرْتَفِعَةٌ تَسْتَطِيلُ عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَاحِدَتُهَا سَنِينة؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ: " وأَرْطاةِ حِقْفٍ بَيْنَ كِسْرَيْ سَنائن "وَرَوَى المؤرِّج: السِّنانُ الذِّبّانُ؛ وأَنشد:
أَيَأْكُلُ تَأْزِيزًا ويَحْسُو خَزِيرَةً، ***وَمَا بَيْنَ عَيْنَيهِ وَنِيمُ سِنانِ؟
قَالَ: تأْزِيزًا مَا رَمَتْه القدْر إِذا فَارَتْ.
وسَانَّ البعيرُ الناقةَ يُسانُّها مُسانَّةً وسِنانًا: عَارَضَهَا للتَّنَوُّخ، وَذَلِكَ أَن يَطْرُدَها حَتَّى تَبْرُكَ، وَفِي الصِّحَاحِ: إِذا طَرَدَها حَتَّى يُنَوِّخَها ليَسْفِدَها؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ يَصِفُ نَاقَتَهُ:
وتُصْبِحُ عَنْ غِبِّ السُّرَى، وكأَنها ***فَنِيقٌ ثَناها عَنْ سِنانٍ فأَرْقَلا
يَقُولُ: سانَّ ناقتَه ثُمَّ انْتَهَى إِلى العَدْوِ الشَّدِيدِ فأَرْقَلَ، وَهُوَ أَن يَرْتَفِعَ عَنِ الذَّمِيلِ، وَيُرْوَى هَذَا الْبَيْتُ أَيضًا لضابئِ بن الحرث البُرْجُمِيِّ؛ وَقَالَ الأَسدِيُّ يَصِفُ فَحْلًا:
للبَكَراتِ العِيطِ مِنْهَا ضاهِدا، ***طَوْعَ السِّنانِ ذارِعًا وعاضِدَا
ذَارِعًا: يُقَالُ ذَرَعَ لَهُ إِذا وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ عنقِه ثُمَّ خَنَقه، والعاضِدُ: الَّذِي يأْخذ بالعَضُدِ طَوْعَ السِّنانِ؛ يَقُولُ: يُطاوعه السِّنانُ كَيْفَ شَاءَ.
وَيُقَالُ: سَنَّ الفَحْلُ النَّاقَةَ يَسُنُّها إِذا كبَّها عَلَى وَجْهِهَا؛ قَالَ:
فاندَفَعَتْ تأْفِرُ واسْتَقْفاها، ***فسَنَّها للوَجْهِ أَو دَرْباها
أَي دَفَعَهَا.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المُسانَّةُ أَن يَبْتَسِرَ الفحلُ الناقةَ قَهْرًا؛ قَالَ مَالِكُ بْنُ الرَّيْبِ:
وأَنت إِذا مَا كنتَ فاعِلَ هَذِهِ ***سِنَانًا، فَمَا يُلْقَى لِحَيْنك مَصْرَعُ
أَي فاعلَ هَذِهِ قَهْرًا وابْتِسارًا؛ وَقَالَ آخَرُ: " كالفَحْل أَرْقَلَ بَعْدَ طُولِ سِنَانِ "وَيُقَالُ: سَانَّ الفحلُ الناقَةَ يُسانُّها إِذا كَدَمَها.
وتَسانَّتِ الفُحُولِ إِذا تَكادَمت.
وسَنَنْتُ الناقةَ: سَيَّرتُها سَيْرًا شَدِيدًا.
وَوَقَعَ فُلَانٌ فِي سِنِّ رأْسِهِ أَي فِي عَدَدِ شَعْرِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَقِيلَ: فِيمَا شَاءَ واحْتَكَم؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: وَقَدْ يُفَسَّرُ سنُّ رأْسه عَدَدُ شعره من الْخَيْرِ.
وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَقَعَ فُلَانٌ فِي سِنِّ رأْسِه وَفِي سِيِّ رأْسه وسَواءِ رأْسِه بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَرَوَى أَبو عُبَيْدٍ هَذَا الْحَرْفَ فِي الأَمثال: فِي سِنِّ رأْسه، وَرَوَاهُ فِي المؤلَّف: فِي سِيِّ رأْسه؛ قَالَ الأَزهري: وَالصَّوَابُ بِالْيَاءِ أَي فِيمَا سَاوَى رَأْسَه مِنَ الخِصْبِ.
والسِّنُّ: الثَّوْرُ الْوَحْشِيُّ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
حَنَّتْ حَنِينًا، كثُؤَاجِ السّنِّ، ***فِي قَصَبٍ أَجْوَفَ مُرْثَعِنِ
اللَّيْثُ: السَّنَّةُ اسْمُ الدُّبَّة أَو الفَهْدَةِ.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَمِنْ أَمثالهم فِي الصادِقِ فِي حَدِيثِهِ وَخَبَرِهِ: « صَدَقَني سِنَّ بَكْرِه»؛ وَيَقُولُهُ الإِنسانُ عَلَى نَفْسِهِ وإِن كَانَ ضَارًّا لَهُ؛ قَالَ الأَصمعي: أَصله أَن رَجُلًا ساوَمَ رَجُلًا ببَكْرٍ أَراد شراءَه فسأَل البائعَ عَنْ سِنِّه فأَخبره بِالْحَقِّ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: " صَدَقَني سِنَّ بِكْرِهِ، فَذَهَبَ مَثَلًا، وَهَذَا الْمَثَلُ يُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، أَنه تَكَلَّمَ بِهِ فِي الْكُوفَةِ.
وَمِنْ أَمثالهم: اسْتَنَّتِ الفِصالُ حَتَّى القَرْعَى؛ يضرب مَثَلًا لِلرَّجُلِ يُدْخِلُ نَفْسَهُ فِي قَوْمٍ لَيْسَ مِنْهُمْ، والقَرْعى مِنَ الفِصَال: الَّتِي أَصابها قَرَعٌ، وَهُوَ بَثْرٌ، فإِذا اسْتَنَّتِ الْفِصَالُ الصِّحَاحُ مَرَحًا نَزَتِ القَرْعَىنَزْوَها تَشَبَّهُ بِهَا وَقَدْ أَضعفها القَرَعُ عَنِ النَّزَوانِ.
واسْتَنَّ الفَرَسُ: قَمَصَ.
واسْتَنَّ الفرسُ في المِضْمارِ إِذا جرى فين نَشاطه عَلَى سَنَنه فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ.
والاسْتنانُ: النَّشَاطُ؛ وَمِنْهُ الْمَثَلُ الْمَذْكُورُ: اسْتَنَّتِ الفِصَالُ حَتَّى القَرْعى، وَقِيلَ: اسْتَنَّتِ الفِصال أَي سَمِنَتْ وصَارَتْ جُلُودها كالمَسَانِّ، قَالَ: والأَول أَصح.
وَفِي حَدِيثِ الْخَيْلِ: « اسْتَنَّت شَرَفًا أَو شَرَفَيْنِ »؛ اسْتَنَّ الفَرَسُ يَسْتَنُّ اسْتِنانًا؛ أي عَدَا لَمَرحه ونَشاطه شَوْطًا أَو شَوْطَيْنِ وَلَا راكِبَ عَلَيْهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: « إِنّ فَرَسَ المُجاهِد ليَسْتَنُّ فِي طِوَله».
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ: « رأَيت أَباه يَسْتَنُّ بسَيْفِه كَمَا يَسْتَنُّ الجملُ »أَي يَمْرَحُ ويَخْطُرُ بِهِ.
والسِّنُّ والسِّنْسِنُ والسِّنْسِنَةُ: حَرْفُ فَقْرةِ الظَّهْرِ، وَقِيلَ: السَّنَاسِنُ رؤوس أَطراف عِظَامِ الصَّدْرِ، وَهِيَ مُشَاش الزَّوْرِ، وَقِيلَ: هِيَ أَطراف الضُّلُوعِ الَّتِي فِي الصَّدْرِ.
ابْنُ الأَعرابي: السَّنَاسِنُ والشَّنَاشِنُ العِظامُ؛ وَقَالَ الجَرَنْفَشُ:
كَيْفَ تَرَى الغزْوة أَبْقَتْ مِنِّي ***سَناسِنًا، كحَلَقِ المِجَنِ
أَبو عَمْرٍو وَغَيْرُهُ: السَّنَاسِنُ رؤوس المَحالِ وحُروفُ فَقَارِ الظَّهْرِ، وَاحِدُهَا سِنْسِنٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " يَنْقَعْنَ بالعَذْبِ مُشاشَ السِّنْسِنِ قَالَ الأَزهري: ولحمُ سَناسِنِ الْبَعِيرِ مِنْ أَطيب اللُّحْمَانِ لأَنها تَكُونُ بَيْنَ شَطَّي السَّنَام، ولحمُها يَكُونُ أَشْمَطَ طَيّبًا، وَقِيلَ: هِيَ مِنَ الْفَرَسِ جَوانِحُه الشاخِصَةُ شِبْهُ الضُّلُوعِ ثُمَّ تَنْقَطِعُ دُونَ الضُّلُوعِ.
وسُنْسُنُ: اسْمٌ أَعجمي يُسَمِّي بِهِ السَّوَادِيُّونَ.
والسُّنَّةُ: ضَرْبٌ مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ معروفة.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
60-لسان العرب (أبي)
أبي: الإِباءُ، بِالْكَسْرِ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ أَبَى فُلَانٌ يَأْبَى، بِالْفَتْحِ فِيهِمَا مَعَ خُلُوِّهِ مِنْ حُروف الحَلْق، وَهُوَ شَاذٌّ، أَي امْتَنَعَ؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِبِشْرِ بْنِ أَبي خَازِمٍ:يَراه الناسُ أَخضَر مِنْ بَعيدٍ، ***وتَمْنعُه المَرارةُ والإِبَاءُ
فَهُوَ آبٍ وأَبيٌّ وأَبَيانٌ، بِالتَّحْرِيكِ؛ قَالَ أَبو المجشِّر، جَاهِلِيٌّ:
وقَبْلك مَا هابَ الرِّجالُ ظُلامَتِي، ***وفَقَّأْتُ عَيْنَ الأَشْوَسِ الأَبَيَانِ
أَبَى الشيءَ يَأْبَاه إِباءً وإِباءَةً: كَرِهَه.
قَالَ يَعْقُوبُ: أَبَى يَأْبَى نَادِرٌ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: شبَّهوا الأَلف بِالْهَمْزَةِ فِي قَرَأَ يَقْرَأُ.
وَقَالَ مرَّة: أَبَى يَأْبَى ضارَعُوا بِهِ حَسِب يَحْسِبُ، فَتَحُوا كَمَا كَسَرُوا، قَالَ: وَقَالُوا يِئْبَى، وَهُوَ شَاذٌّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَنه فَعَلَ يَفْعَلُ، وَمَا كَانَ عَلَى فَعَلَ لَمْ يكسَر أَوله فِي الْمُضَارِعِ، فَكَسَرُوا هَذَا لأَن مُضَارِعَهُ مُشاكِل لِمُضَارِعِ فَعِلَ، فَكَمَا كُسِرَ أَوّل مُضَارِعِ فَعِلَ فِي جَمِيعِ اللُّغَاتِ إِلَّا فِي لُغَةِ أَهل الْحِجَازِ كَذَلِكَ كَسَرُوا يَفْعَلُ هُنَا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ الشُّذُوذِ أَنهم تَجَوَّزُوا الْكَسْرَ فِي الْيَاءِ مِنْ يِئْبَى، وَلَا يُكْسَر البتَّة إِلا فِي نَحْوِ يَيْجَلُ، واسْتَجازوا هَذَا الشذوذَ فِي يَاءِ يِئْبَى لأَن الشُّذُوذَ قَدْ كَثُرَ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ.
قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَقَدْ قَالُوا أَبَى يَأْبِي؛ أَنشد أَبو زَيْدٍ:
يَا إِبِلي مَا ذامُهُ فَتَأْبِيَهْ، ***ماءٌ رَواءٌ ونَصِيٌّ حَوْلِيَهْ
جَاءَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ كأَتَى يَأْتِي.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ كُسِر أَول الْمُضَارِعِ فَقِيلَ تِيبَى؛ وأَنشد:
ماءٌ رَواءٌ ونَصِيٌّ حَوْلِيَهْ، ***هَذَا بأَفْواهِك حَتَّى تِيبِيَهْ
قَالَ الفراء: لم يجئْ عَنِ الْعَرَبِ حَرْف عَلَى فَعَلَ يَفْعَلُ، مَفْتُوحُ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَالْغَابِرِ، إِلَّا وَثَانِيهِ أَو ثَالِثُهُ أَحد حُرُوفِ الحَلْق غَيْرَ أَبَى يَأْبَى، فإِنه جَاءَ نَادِرًا، قَالَ: وَزَادَ أَبو عَمْرٍو رَكَنَ يَرْكَنُ، وَخَالَفَهُ الْفَرَّاءُ فَقَالَ: إِنما يُقَالُ رَكَنَ يَرْكُنُ ورَكِنَ يَرْكَنُ.
وَقَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى: لَمْ يُسْمَعْ مِنَ الْعَرَبِ فَعَلَ يَفْعَلُ مِمَّا لَيْسَ عَيْنُهُ ولامُه مِنْ حُروف الحَلْق إِلا أَبَى يَأْبَى، وقَلاه يَقْلاه، وغَشى يَغْشى، وشَجا يَشْجى، وَزَادَ الْمُبَرِّدُ: جَبَى يَجْبَى، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذِهِ الأَحرف أَكثر الْعَرَبِ فِيهَا، إِذا تَنَغَّم، عَلَى قَلا يَقْلِي، وغَشِيَ يَغْشَى، وشَجَاه يَشْجُوه، وشَجِيَ يَشْجَى، وجَبَا يَجْبِي.
وَرَجُلٌ أَبِيٌّ: ذُو إِباءٍ شَدِيدٍ إِذا كَانَ مُمْتَنِعًا.
وَرَجُلٌ أَبَيَانٌ: ذُو إِباءٍ شَدِيدٍ.
وَيُقَالُ: تَأَبَّى عَلَيْهِ تَأَبِّيًا إِذا امْتَنَعَ عَلَيْهِ.
وَرَجُلٌ أَبَّاء إِذا أَبى أَن يُضامَ.
وَيُقَالُ: أَخذه أُباءٌ إِذا كَانَ يَأْبى الطَّعَامَ فَلَا يَشْتهيه.
وَفِي الْحَدِيثِ كلُّكم فِي الْجَنَّةِ إِلا مَنْ أَبَى وشَرَدَ أَي إِلَّا مَنْ تَرَكَ طَاعَةَ اللَّهِ الَّتِي يَسْتَوْجِبُ بِهَا الْجَنَّةَ، لأَن مَنْ تَرَكَ التسبُّب إِلى شَيْءٍ لَا يُوجَدُ بِغَيْرِهِ فَقَدْ أَبَاهُ.
والإِبَاءُ: أَشدُّ الِامْتِنَاعِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: « يَنْزِلُ الْمَهْدِيُّ فَيَبْقَى فِي الأَرض أَربعين، فَقِيلَ: أَربعين سَنَةً؟ فَقَالَ: أَبَيْتَ، فَقِيلَ: شَهْرًا؟ فَقَالَ: أَبَيْتَ، فَقِيلَ: يَوْمًا؟ فَقَالَ: أَبَيْتَ »أَي أَبَيْتَ أَن تَعْرِفَهُ فإِنه غَيْب لَمْ يَردِ الخَبرُ ببَيانه، وإِن رُوِيَ أَبَيْتُ بِالرَّفْعِ فَمَعْنَاهُ أَبَيْتُ أَن أَقول فِي الخبَر مَا لَمْ أَسمعه، وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ العَدْوى والطِّيَرَةِ؛ وأَبَى فُلَانٌ الماءَ وآبَيْتُه الماءَ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ الْفَارِسِيُّ أَبَى زَيْدٌ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ وآبَيْتُه إِبَاءَةً؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:
قَدْ أُوبِيَتْ كلَّ ماءٍ فهْي صادِيةٌ، ***مَهْما تُصِبْ أُفُقًا مِنْ بارقٍ تَشِمِ
والآبِيةُ: الَّتِي تَعافُ الْمَاءَ، وَهِيَ أَيضًا الَّتِي لَا تُرِيدُ العَشاء.
وَفِي المَثَل: العاشِيةُ تُهَيِّجُ الآبِيَة أَي إِذا رأَت الآبيةُ الإِبِلَ العَواشي تَبِعَتْها فَرعَتْ مَعَهَا.
وماءٌ مَأْبَاةٌ: تَأْباهُ الإِبلُ.
وأَخذهُ أُباءٌ مِنَ الطَّعام أَي كَراهِية لَهُ، جَاءُوا بِهِ عَلَى فُعال لأَنه كالدَّاء، والأَدْواء ممَّا يغلِب عَلَيْهَا فُعال، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ أَخذه أُبَاءٌ، عَلَى فُعال، إِذا جَعَلَ يأْبى الطعامَ.
ورجلٌ آبٍ مِنْ قومٍ آبِينَ وأُباةٍ وأُبِيٍّ وأُبَّاء، وَرَجُلٌ أَبِيٌّ مِنْ قَوْمٍ أَبِيِّينَ؛ قَالَ ذُو الإِصْبَعِ العَدْوانيُّ:
إِني أَبِيٌّ، أَبِيٌّ ذُو مُحافَظةٍ، ***وابنُ أَبِيٍّ، أَبِيٍّ مِنْ أَبِيِّينِ
شبَّه نُونَ الْجَمْعِ بِنُونِ الأَصل فَجَرَّها.
والأَبِيَّة مِنَ الإِبل: الَّتِي ضُرِبت فَلَمْ تَلْقَح كأَنها أَبَتِ اللَّقاح.
وأَبَيْتَ اللَّعْنَ: مِنْ تحيَّات المُلوك فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَتِ الْعَرَبُ يُحَيِّي أَحدُهم المَلِك يَقُولُ أَبَيْتَ اللَّعْنَ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ ذِي يَزَن: « قَالَ لَهُ عبدُ المطَّلب لَمَّا دَخل عَلَيْهِ أَبَيْتَ اللَّعْن »؛ هَذِهِ مِنْ تَحايا الْمُلُوكِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالدُّعَاءِ لَهُمِ، مَعْنَاهُ أَبَيْتَ أَن تأْتي مِنَ الأُمور مَا تُلْعَنُ عَلَيْهِ وتُذَمُّ بِسَبَبِهِ.
وأَبِيتُ مِنَ الطَّعَامِ واللَّبَنِ إِبىً: انْتَهيت عَنْهُ مِنْ غَيْرِ شِبَع.
وَرَجُلٌ أَبَيانٌ: يأْبى الطعامَ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يأْبى الدَّنِيَّة، وَالْجَمْعُ إِبْيان؛ عَنْ كُرَاعٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: آبَى الماءُ.
أَي امتَنَع فَلَا تَسْتَطِيعُ أَن تنزِل فِيهِ إِلَّا بتَغْرير، وإِن نَزل فِي الرَّكِيَّة ماتِحٌ فأَسِنَ فَقَدْ غَرَّر بِنَفْسِهِ أَي خاطَرَ بِهَا.
وأُوبِيَ الفَصِيلُ يُوبَى إِيباءً، وَهُوَ فَصِيلٌ مُوبىً إِذا سَنِقَ لِامْتِلَائِهِ.
وأُوبِيَ الفَصِيلُ عَنْ لَبَنِ أُمه أَي اتَّخَم عَنْهُ لَا يَرْضَعها.
وأَبِيَ الفَصِيل أَبىً وأُبِيَ: سَنِقَ مِنَ اللَّبَن وأَخذه أُباءٌ.
أَبو عَمْرٍو: الأَبِيُّ الفاس مِنَ الإِبل، والأَبِيُّ المُمْتَنِعةُ مِنَ العَلَف لسَنَقها، والمُمْتَنِعة مِنَ الفَحل لقلَّة هَدَمِها.
والأُباءُ: داءٌ يأْخذ العَنْزَ والضَّأْنَ فِي رُءُوسِهَا مِنْ أَن تشُمَّ أَبوال الماعِزَةِ الجَبَليَّة، وَهِيَ الأَرْوَى، أَو تَشْرَبَها أَو تَطأَها فَترِمَ رُءوسها ويأْخُذَها مِنْ ذَلِكَ صُداع وَلَا يَكاد يَبْرأُ.
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الأُباءُ عَرَضٌ يَعْرِض للعُشْب مِنْ أَبوال الأَرْوَى، فإِذا رَعَته المَعَز خاصَّة قَتَلَها، وَكَذَلِكَ إِن بالتْ فِي الْمَاءِ فشرِبتْ مِنْهُ المَعز هلَكت.
قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ أَبِيَ التَّيْسُ وَهُوَ يَأْبَى أَبىً، مَنْقوص، وتَيْس آبَى بَيّن الأَبَى إِذا شَمَّ بَوْلَ الأَرْوَى فَمَرِضَ مِنْهُ.
وَعَنْزُ أَبْواءٌ فِي تُيوس أُبْوٍ وأَعْنُزٍ أُبْوٍ: وَذَلِكَ أَن يَشُمَّ التَّيْس مِنَ المِعْزى الأَهليَّة بَوْلَ الأُرْوِيَّة فِي مَواطنها فيأْخذه مِنْ ذَلِكَ دَاءٌ فِي رأْسه ونُفَّاخ فَيَرِم رَأْسه ويقتُله الدَّاء، فَلَا يَكَادُ يُقْدَر عَلَى أَكل لَحْمِهِ مِنْ مَرارته، وربَّما إِيبَتِ الضأْنُ مِنْ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنه قَلَّما يَكُونُ ذَلِكَ فِي الضأْن؛ وَقَالَ ابْنُ أَحْمر لراعي غنم له أَصابها الأُبَاء:
فقلتُ لِكَنَّازٍ: تَدَكَّلْ فإِنه ***أُبىً، لَا أَظنُّ الضأْنَ مِنْهُ نَواجِيا
فَما لَكِ مِنْ أَرْوَى تَعادَيْتِ بِالعَمَى، ***ولاقَيْتِ كَلَّابًا مُطِلًّا ورامِيا
لَا أَظنُّ الضأْن مِنْهُ نَواجِيا أَي مِنْ شدَّته، وَذَلِكَ أَن الضَّأْن لَا يضرُّها الأُبَاء أَن يَقْتُلَها.
تَيْسٌ أَبٍ وآبَى وعَنْزٌ أَبِيَةٌ وأَبْوَاء، وَقَدْ أَبِيَ أَبىً.
أَبو زِيَادٍ الْكِلَابِيُّ والأَحمر: قَدْ أَخذ الْغَنَمَ الأُبَى، مَقْصُورٌ، وَهُوَ أَن تشرَب أَبوال الأَرْوَى فَيُصِيبُهَا مِنْهُ دَاءٌ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: قَوْلُهُ تشرَب أَبوال الأَرْوَى خَطَأٌ، إِنما هُوَ تَشُمّ كَمَا قُلْنَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ سَمِعْتُ الْعَرَبَ.
أَبو الْهَيْثَمِ: إِذا شَمَّت
الماعِزة السُّهْلِيَّة بَوْلَ الماعِزة الجَبَلِيَّة، وَهِيَ الأُرْوِيَّة، أَخذها الصُّداع فَلَا تَكَادُ تَبْرأُ، فَيُقَالُ: قَدْ أَبِيَتْ تَأْبَى أَبىً.
وفصيلٌ مُوبىً: وَهُوَ الَّذِي يَسْنَق حَتَّى لَا يَرْضَع، والدَّقَى البَشَمُ مِنْ كَثْرَةِ الرَّضْع ***أُخِذَ البعيرُ أَخَذًا وَهُوَ كَهَيْئَةِ الجُنون، وَكَذَلِكَ الشاةُ تَأْخَذُ أَخَذًا.
والأَبَى: مِنْ قَوْلِكَ أَخذه أُبىً إِذا أَبِيَ أَن يأْكل الطَّعَامَ، كَذَلِكَ لَا يَشتهي العَلَف وَلَا يَتَناولُه.
والأَبَاءَةُ: البَرديَّة، وَقِيلَ: الأَجَمَة، وَقِيلَ: هِيَ مِنَ الحَلْفاء خاصَّة.
قَالَ ابْنُ جِنِّي: كَانَ أَبو بَكْرٍ يشتقُّ الأَباءَةَ مِنْ أَبَيْت، وَذَلِكَ أَن الأَجمة تَمْتَنع وتَأْبَى عَلَى سالِكها، فأَصْلُها عِنْدَهُ أَبَايَةٌ، ثُمَّ عَمِلَ فِيهَا مَا عُمِل فِي عَبايَة وصلايَةٍ وعَظايةٍ حَتَّى صِرْن عَباءةً وصَلاءةً، فِي قَوْلِ مَنْ هَمَزَ، وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ أَخرجهنَّ عَلَى أُصولهنَّ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الْقَوِيُّ.
قَالَ أَبو الْحَسَنِ: وَكَمَا قِيلَ لَهَا أَجَمَة مِنْ قَوْلِهِمْ أَجِم الطعامَ كَرِهَه.
والأَبَاءُ، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ: القَصَب، وَيُقَالُ: هُوَ أَجَمةُ الحَلْفاءِ والقَصَب خاصَّة؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الأَنصاريّ يَوْمَ حَفْرِ الخَنْدَق:
مَنْ سَرَّه ضَرْبٌ يُرَعْبِلُ بعضُه بَعْضًا، ***كَمَعْمَعَةِ الأَباءِ المُحْرَقِ،
فَلْيأْتِ مأْسَدةً تُسَنُّ سُيوفُها، ***بَيْنَ المَذادِ، وَبَيْنَ جَزْعِ الخَنْدَقِ
وَاحِدَتُهُ أَبَاءَةٌ.
والأَبَاءَةُ: القِطْعة مِنَ القَصب.
وقَلِيبٌ لَا يُؤْبَى؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، أَي لَا يُنْزَح، وَلَا يُقَالُ يُوبَى.
ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ فلانٌ بَحْر لَا يُؤْبَى، وَكَذَلِكَ كَلأٌ لَا يُؤْبَى أَي لَا ينْقَطِع مِنْ كَثْرَتِهِ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: ماءٌ مُؤْبٍ قَلِيلٌ، وَحُكِيَ: عِنْدَنَا مَاءٌ مَا يُؤْبَى أَي مَا يَقِلُّ.
وَقَالَ مرَّة: مَاءٌ مُؤْبٍ، وَلَمْ يفسِّره؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَلَا أَدْرِي أَعَنَى بِهِ الْقَلِيلَ أَم هُوَ مُفْعَلٌ مِنْ قَوْلِكَ أَبَيْتُ الْمَاءَ.
التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي يُقَالُ لِلْمَاءِ إِذا انْقَطَعَ مَاءٌ مُؤْبىً، وَيُقَالُ: عِنْدَهُ دَراهِمُ لَا تُؤْبَى أَي لَا تَنْقَطع.
أَبو عَمْرٍو: آبَى أَي نَقَص؛ رَوَاهُ عَنِ المفضَّل؛ وأَنشد:
وَمَا جُنِّبَتْ خَيْلِي، ولكِنْ وزَعْتُها، ***تُسَرّ بِهَا يَوْمًا فآبَى قَتالُها
قَالَ: نَقَص، وَرَوَاهُ أَبو نَصْرٍ عَنِ الأَصمعي: فأَبَّى قَتالُها.
والأَبُ: أَصله أَبَوٌ، بِالتَّحْرِيكِ، لأَن جَمْعَهُ آباءٌ مِثْلَ قَفًا وأَقفاء، ورَحىً وأَرْحاء، فَالذَّاهِبُ مِنْهُ واوٌ لأَنك تَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ أَبَوَانِ، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ أَبَانِ عَلَى النَّقْص، وَفِي الإِضافة أَبَيْكَ، وإِذا جُمِعَتْ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ قُلْتَ أَبُونَ، وَكَذَلِكَ أَخُونَ وحَمُون وهَنُونَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَمَّا تَعَرَّفْنَ أَصْواتَنا، ***بَكَيْن وفَدَّيْنَنا بالأَبِينا
قَالَ: وَعَلَى هَذَا قرأَ بَعْضُهُمْ: إلَه أَبِيكَ إِبراهيمَ وإِسماعيلَ وإِسحَاق؛ يريدُ جَمْعَ أَبٍ أَي أَبِينَكَ، فَحَذَفَ النُّونَ للإِضافة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ قَوْلِهِمْ أَبانِ فِي تَثْنِيَةِ أَبٍ قَوْلُ تُكْتَمَ بِنْتِ الغَوْثِ:
باعَدَني عَنْ شَتْمِكُمْ أَبانِ، ***عَنْ كُلِّ مَا عَيْبٍ مُهَذَّبانِ
وَقَالَ آخر:
فلَمْ أَذْمُمْكَ فَا حَمِرٍ لأَني ***رَأَيتُ أَبَيْكَ لمْ يَزِنا زِبالا
وَقَالَتِ الشَّنْباءُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ عُمارةَ:
نِيطَ بِحِقْوَيْ ماجِدِ الأَبَيْنِ، ***مِنْ مَعْشَرٍ صِيغُوا مِنَ اللُّجَيْنِ
وَقَالَ الفَرَزْدق:
يَا خَلِيلَيَّ اسْقِياني ***أَرْبَعًا بَعْدَ اثْنَتَيْنِ
مِنْ شَرابٍ، كَدَم الجَوفِ ***يُحِرُّ الكُلْيَتَيْنِ
واصْرِفا الكأْسَ عن الجاهِلِ، ***يَحْيى بنِ حُضَيْنِ
لَا يَذُوق اليَوْمَ كأْسًا، ***أَو يُفَدَّى بالأَبَيْنِ
قَالَ: وَشَاهِدُ قَوْلِهِمْ أَبُونَ فِي الْجَمْعِ قَوْلُ ناهِضٍ الْكِلَابِيِّ:
أَغَرّ يُفَرِّج الظَّلْماء عَنْهُ، ***يُفَدَّى بالأَعُمِّ وبالأَبِينَا
وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
كَرِيم طابتِ الأَعْراقُ مِنْهُ، ***يُفَدَّى بالأَعُمِّ وبالأَبِينَا
وَقَالَ غَيْلانُ بْنُ سَلَمَةَ الثَّقَفيّ:
يَدَعْنَ نِساءكم فِي الدارِ نُوحًا ***يُنَدِّمْنَ البُعولَةَ والأَبِينا
وَقَالَ آخَرُ:
أَبُونَ ثلاثةٌ هَلَكُوا جَمِيعًا، ***فَلَا تَسْأَمْ دُمُوعُكَ أَن تُراقا
والأَبَوَانِ: الأَبُ والأُمُّ.
ابْنُ سِيدَهْ: الأَبُ الْوَالِدُ، وَالْجَمْعُ أَبُونَ وآباءٌ وأُبُوٌّ وأُبُوَّةٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ وأَنشد للقَنانيِّ يَمْدَحُ الْكِسَائِيَّ:
أَبى الذَّمُّ أَخْلاقَ الكِسائيِّ، وانْتَمى ***لَهُ الذِّرْوة العُلْيا الأُبُوُّ السَّوابِقُ
والأَبَا: لُغَةٌ فِي الأَبِ، وُفِّرَتْ حُروفُه وَلَمْ تحذَف لامُه كَمَا حُذِفَتْ فِي الأَب.
يُقَالُ: هَذَا أَبًا ورأَيت أَبًا وَمَرَرْتُ بِأَبًا، كَمَا تَقُولُ: هَذَا قَفًا ورأَيت قَفًا وَمَرَرْتُ بقَفًا، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى قَالَ: يُقَالُ هَذَا أَبوك وَهَذَا أَباك وَهَذَا أَبُكَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
سِوَى أَبِكَ الأَدْنى، وأَنَّ محمَّدًا ***عَلا كلَّ عالٍ، يَا ابنَ عَمِّ محمَّدِ
فَمَنْ قَالَ هَذَا أَبُوك أَو أَباكَ فتثنيتُه أَبَوان، ومَنْ قَالَ هَذَا أَبُكَ فَتَثْنِيَتُهُ أَبانِ عَلَى اللَّفْظِ، وأَبَوان عَلَى الأَصل.
وَيُقَالُ: هُما أَبَوَاه لأَبيه وأُمِّه، وَجَائِزٌ فِي الشِّعْرِ: هُما أَباهُ، وَكَذَلِكَ رأَيت أَبَيْهِ، وَاللُّغَةُ الْعَالِيَةُ رأَيت أَبَوَيه.
قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يُجْمَعَ الأَبُ بالنُّونِ فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ أَبُونَكُمْ أَي آبَاؤُكُمِ، وَهُمُ الأَبُونَ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالْكَلَامُ الجيِّد فِي جَمْعِ الأَبِ هَؤُلَاءِ الآباءُ، بِالْمَدِّ.
وَمِنَ الْعَرَبِ مَن يَقُولُ: أُبُوَّتُنا أَكرم الْآبَاءِ، يَجْمَعُونَ الأَب عَلَى فُعولةٍ كَمَا يَقُولُونَ هَؤُلَاءِ عُمُومَتُنا وخُئولَتُنا؛ قَالَ الشَّاعِرُ فِيمَنْ جَمَعَ الأَبَ أَبِين:
أَقْبَلَ يَهْوي مِنْ دُوَيْن الطِّرْبالْ، ***وهْوَ يُفَدَّى بالأَبِينَ والخالْ
وَفِي حَدِيثِ الأَعرابي الَّذِي جَاءَ يَسأَل عَنْ شَرَائِعِ الإِسْلام: « فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَفْلَح وأَبيه إِن صدَق »؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذِهِ كَلِمَةٌ"" جَارِيَةٌ عَلَى أَلْسُن الْعَرَبِ تَسْتَعْمِلُهَا كَثِيرًا فِي خِطابها وتُريد بِهَا التأْكيد، وَقَدْ نَهَى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يحلِف الرجلُ بأَبيهِ فَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ هَذَا القولُ قَبْلَ النَّهْيِ، وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ جَرى مِنْهُ عَلَى عَادَةِ الْكَلَامِ الْجَارِي عَلَى الأَلْسُن، وَلَا يَقْصِدُ بِهِ القَسَم كَالْيَمِينِ المعفوِّ عَنْهَا مِنْ قَبيل اللَّغْوِ، أَو أَراد بِهِ توكيدَ الْكَلَامِ لَا الْيَمِينَ، فإِن هَذِهِ اللَّفْظَةَ تَجري فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى ضَرْبَيْن: التَّعْظِيمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بالقَسَم المنهِيِّ عَنْهُ، وَالتَّوْكِيدِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
لَعَمْرُ أَبِي الواشِينَ، لَا عَمْرُ غيرهِمْ، ***لَقَدْ كَلَّفَتْني خُطَّةً لَا أُريدُها
فَهَذَا تَوْكيد لَا قَسَم لأَنه لَا يَقْصِد أَن يَحْلِف بأَبي الْوَاشِينَ، وَهُوَ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرٌ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده أَبو عَلِيٍّ عَنْ أَبي الْحَسَنِ:
تَقُولُ ابْنَتي لمَّا رَأَتْني شَاحِبًا: ***كأَنَّك فِينا يَا أَباتَ غَرِيبُ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: فَهَذَا تأْنيثُ الآبَاء، وسَمَّى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ العَمَّ أَبًا فِي قَوْلِهِ: قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ.
وأَبَوْتَ وأَبَيْتَ: صِرْتَ أَبًا.
وأَبَوْتُه إِبَاوَةً: صِرْتُ لَهُ أَبًا؛ قَالَ بَخْدَج:
اطْلُب أَبا نَخْلَة مَنْ يأْبُوكا، ***فَقَدْ سَأَلنا عَنْكَ مَنْ يَعْزُوكا
إِلَى أَبٍ، فكلُّهم يَنْفِيكا ""التَّهْذِيبُ: ابْنُ السِّكِّيتِ أَبَوْتُ الرجُلَ أَأْبُوه إِذا كنتَ لَهُ أَبًا.
وَيُقَالُ: مَا لَهُ أَبٌ يَأْبُوه أَي يَغْذوه ويُرَبِّيه، والنِّسْبةُ إِليه أَبَوِيّ.
أَبو عُبَيْدٍ: تَأَبَّيْت أَبًا أَي تَخذْتُ أَبًا وتَأَمَّيْت أُمَّة وتَعَمَّمْت عَمًّا.
ابْنُ الأَعرابي: فُلَانٌ يَأْبُوك أَي يَكُونُ لَكَ أَبًا؛ وأَنشد لِشَرِيكِ بْنِ حَيَّان العَنْبَري يَهْجو أَبا نُخَيلة:
يَا أَيُّهَذا المدَّعي شَرِيكًا، ***بَيِّنْ لَنا وحَلِّ عَنْ أَبِيكا
إِذا انْتَفى أَو شَكّ حَزْنٌ فِيكا، ***وَقَدْ سَأَلْنا عَنْكَ مَنْ يَعْزُوكا
إِلى أَبٍ، فكلُّهم يَنْفِيكا، ***فاطْلُب أَبا نَخْلة مَنْ يَأْبُوكا،
وادَّعِ فِي فَصِيلَةٍ تُؤْوِيكا قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَن يُحْمَل بَيْتُ الشَّرِيفِ الرَّضِيِّ:
تُزْهى عَلى مَلِك النِّساءِ، ***فلَيْتَ شِعْري مَنْ أَباها؟
أَي مَن كَانَ أَباها.
قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يُرِيدَ أَبَوَيْها فَبناه عَلَى لُغَة مَنْ يَقُولُ أَبانِ وأَبُونَ.
اللَّيْثُ: يُقَالُ فُلان يَأْبُو هَذَا اليَتِيمَ إِباوةً أَي يَغْذُوه كَمَا يَغْذُو الوالدُ ولَده.
وبَيْني وَبَيْنَ فُلَانٍ أُبُوَّة، والأُبُوَّة أَيضًا: الآباءُ مثل العُمومةِ والخُئولةِ؛ وَكَانَ الأَصمعي يَرْوِي قِيلَ أَبي ذُؤَيْبٍ:
لَوْ كانَ مِدْحَةُ حَيٍّ أَنْشَرَتْ أَحَدًا، ***أَحْيا أُبُوَّتَكَ الشُّمَّ الأَماديحُ
وَغَيْرُهُ يَرْويه: أَحْيا أَبَاكُنَّ يَا لَيْلَى الأَماديحُ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
وأَنْبُشُ مِن تحتِ القُبُورِ أُبُوَّةً ***كِرامًا، هُمُ شَدُّوا عَليَّ التَّمائما
قَالَ وَقَالَ الكُمَيت:
نُعَلِّمُهُمْ بِهَا مَا عَلَّمَتْنا ***أُبُوَّتُنا جَواري، أَوْ صُفُونا
وتَأَبَّاه: اتَّخَذه أَبًا، وَالِاسْمُ الأُبُوَّة؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
أَيُوعِدُني الحجَّاج، والحَزْنُ بينَنا، ***وقَبْلَك لَمْ يَسْطِعْ لِيَ القَتْلَ مُصْعَبُ
تَهَدَّدْ رُوَيْدًا، لَا أَرى لَكَ طاعَةً، ***وَلَا أَنت ممَّا سَاءَ وَجْهَك مُعْتَبُ
فإِنَّكُمُ والمُلْك، يا أَهْلَ أَيْلَةٍ، ***لَكالمُتأَبِّي، وهْو لَيْسَ لَهُ أَبُ
وَمَا كنتَ أَبًا وَلَقَدْ أَبَوْتَ أُبُوَّةً، وَقِيلَ: مَا كنتَ أَبًا وَلَقَدْ أَبَيْتَ، وَمَا كنتِ أُمًّا وَلَقَدْ أَمِمْتِ أُمُومةً، وَمَا كنتَ أَخًا وَلَقَدْ أَخَيْتَ وَلَقَدْ أَخَوْتَ، وَمَا كنتِ أُمَّةً وَلَقَدْ أَمَوْتِ.
وَيُقَالُ: اسْتَئِبَّ أَبًّا واسْتأْبِبْ أَبًّا وتَأَبَّ أَبًّا واسْتَئِمَّ أُمًّا واسْتأْمِمْ أُمًّا وتأَمَّمْ أُمًّا.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وإِنما شدِّد الأَبُ والفعلُ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الأَصل غيرُ مشدَّد، لأَن الأَبَ أَصله أَبَوٌ، فَزَادُوا بَدَلَ الْوَاوِ بَاءً كَمَا قَالُوا قِنٌّ لِلْعَبْدِ، وأَصله قِنْيٌ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ قَالَ لليَدِ يَدّ، فشدَّد الدَّالَ لأَن أَصله يَدْيٌ.
وَفِي حَدِيثِ أُم عَطِيَّةَ: « كَانَتْ إِذا ذكَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ بِأَبَاهُ »؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَصله بِأَبِي هُوَ.
يُقَالُ: بَأْبَأْتُ الصَّبيَّ إِذا قلتَ لَهُ بأَبِي أَنت وأُمِّي، فَلَمَّا سُكِّنَتِ الْيَاءُ قُلِبَتْ أَلفًا كَمَا قِيلَ فِي يَا وَيْلتي يَا وَيْلَتَا، وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ: بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَيْنَ الْبَاءَيْنِ، وَبِقَلْبِ الْهَمْزَةِ يَاءً مَفْتُوحَةً، وبإِبدال الْيَاءِ الأَخيرة أَلفًا، وَهِيَ هَذِهِ وَالْبَاءُ الأُولى فِي بأَبي أَنت وأُمِّي مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، قِيلَ: هُوَ اسْمٌ فَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ مَرْفُوعًا تَقْدِيرُهُ أَنت مَفْدِيٌّ بأَبي وأُمِّي، وَقِيلَ: هُوَ فِعْلٌ وَمَا بَعْدَهُ مَنْصُوبٌ أَي فَدَيْتُك بأَبي وأُمِّي، وَحُذِفَ هَذَا المقدَّر تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وعِلْم المُخاطب بِهِ.
الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ يَا أَبَةِ افعلْ، يَجْعَلُونَ علامةَ التأْنيث عِوَضًا مِنْ يَاءِ الإِضافة، كَقَوْلِهِمْ فِي الأُمِّ يَا أُمَّةِ، وتقِف عَلَيْهَا بِالْهَاءِ إِلا فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فإِنك تَقِفُ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ.
اتِّباعًا لِلْكِتَابِ، وَقَدْ يَقِفُ بعضُ الْعَرَبِ عَلَى هَاءِ التأْنيث بِالتَّاءِ فَيَقُولُونَ: يَا طَلْحَتْ، وإِنما لَمْ تسْقُط التَّاءُ فِي الوصْل مِنَ الأَب، يَعْنِي فِي قَوْلِهِ يَا أَبَةِ افْعَل، وسَقَطتْ مِنَ الأُمِّ إِذا قلتَ يَا أُمَّ أَقْبِلي، لأَن الأَبَ لمَّا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ كَانَ كأَنه قَدْ أُخِلَّ بِهِ، فَصَارَتِ الهاءُ لَازِمَةً وَصَارَتِ الياءُ كأَنها بَعْدَهَا.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أُمّ مُنادَى مُرَخَّم، حُذِفَتْ مِنْهُ التَّاءُ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مُضَافٌ رُخِّم فِي النِّداء غَيْرَ أُمّ، كَمَا أَنه لَمْ يُرَخَّم نَكِرَةً غَيْرَ صاحِب فِي قَوْلِهِمْ يَا صاحِ، وَقَالُوا فِي النِّدَاءِ يَا أَبةِ، ولَزِموا الحَذْف والعِوَض، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وسأَلت الخليلَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ قَوْلِهِمْ يا أَبَةَ ويا أَبَةِ لَا تفعَل وَيَا أَبَتاه وَيَا أُمَّتاه، فَزَعَمَ أَن هَذِهِ الْهَاءَ مثلُ الْهَاءِ فِي عَمَّة وخالةٍ، قَالَ: ويدلُّك عَلَى أَن الْهَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْهَاءِ فِي عَمَّة وخالةٍ أَنك تَقُولُ فِي الوَقْف يَا أَبَهْ، كَمَا تَقُولُ يَا خالَهْ، وَتَقُولُ يَا أَبتاهْ كَمَا تَقُولُ يَا خالَتاهْ، قَالَ: وَإِنَّمَا يُلْزِمُونَ هَذِهِ الْهَاءَ فِي النِّداء إِذا أَضَفْت إِلى نفسِك خاصَّة، كأَنهم جَعَلُوهَا عوَضًا مِنْ حَذْفِ الْيَاءِ، قَالَ: وأَرادوا أَن لَا يُخِلُّوا بِالِاسْمِ حِينَ اجْتَمَعَ فِيهِ حَذْفُ النِّداء، وأَنهم لَا يَكادون يَقُولُونَ يَا أَباهُ، وَصَارَ هَذَا مُحْتَملًا عندهملِمَا دخَل النِّداءَ مِنَ الْحَذْفِ والتغييرِ، فأَرادوا أَن يُعَوِّضوا هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ كَمَا يَقُولُونَ أَيْنُق، لمَّا حَذَفُوا الْعَيْنَ جَعَلُوا الْيَاءَ عِوَضًا، فَلَمَّا أَلحقوا الْهَاءَ صيَّروها بِمَنْزِلَةِ الْهَاءِ الَّتِي تلزَم الِاسْمَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَاخْتُصَّ النِّدَاءُ بِذَلِكَ لِكَثْرَتِهِ فِي كَلَامِهِمْ كَمَا اختصَّ بيا أَيُّها الرَّجُلُ.
وَذَهَبَ أَبو عُثْمَانَ الْمَازِنِيُّ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قرأَ يَا أَبَةَ، بِفَتْحِ التَّاءِ، إِلى أَنه أَراد يَا أَبَتَاه فَحَذَفَ الأَلف؛ وَقَوْلُهُ أَنشده يَعْقُوبُ:
تقولُ ابْنَتي لمَّا رأَتْ وَشْكَ رِحْلَتي: ***كأَنك فِينا، يَا أَباتَ، غَريبُ
أَراد: يَا أَبَتَاه، فقدَّم الأَلف وأَخَّر التَّاءَ، وَهُوَ تأْنيث الأَبا، ذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ وَالْجَوْهَرِيُّ؛ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الصَّحِيحُ أَنه ردَّ لامَ الْكَلِمَةِ إِليها لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ كَمَا ردَّ الْآخَرُ لامَ دَمٍ فِي قَوْلِهِ: "" فإِذا هِيَ بِعِظامٍ ودَمَا وَكَمَا ردَّ الْآخَرُ إِلى يَدٍ لامَها فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: إِلَّا ذِراعَ البَكْرِ أَو كفَّ اليَدَا وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
فقامَ أَبُو ضَيْفٍ كَرِيمٌ، كأَنه، ***وَقَدْ جَدَّ مِنْ حُسْنِ الفُكاهة، مازِحُ
فَسَّرَهُ فَقَالَ: إِنما قَالَ أَبو ضَيْف لأَنه يَقْرِي الضِّيفان؛ وَقَالَ العُجَير السَّلُولي:
تَرَكْنا أَبا الأَضْياف فِي لَيْلَةِ الصَّبا ***بمَرْوٍ، ومَرْدَى كُلُّ خَصْمٍ يُجادِلُهْ
وَقَدْ يَقْلِبُونَ الْيَاءَ أَلِفًا؛ قَالَتْ دُرْنَى بِنْتُ سَيَّار بْنِ ضَبْرة تَرْثي أَخَوَيْها، وَيُقَالُ هُوَ لعَمْرة الخُثَيْمِيَّة:
هُما أَخَوا فِي الحَرْب مَنْ لَا أَخا لَهُ، ***إِذا خافَ يَوْمًا نَبْوَةً فدَعاهُما
وَقَدْ زَعَمُوا أَنِّي جَزِعْت عَلَيْهِمَا؛ ***وَهَلْ جَزَعٌ إِن قلتُ وا بِأَبا هُما؟
تريد: وا بأَبي هُما.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُرْوَى وابِيَبا هُما، عَلَى إِبدال الْهَمْزَةِ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، وَمَوْضِعُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ رَفْعٌ عَلَى خبر هُما؛ قَالَ ويدلُّك عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ: "" يَا بِأَبي أَنتَ وَيَا فَوْقَ البِيَبْ ""قَالَ أَبو عَلِيٍّ: الْيَاءُ فِي بِيَب مُبْدَلة مِنْ هَمزة بَدَلًا لَازِمًا، قَالَ: وَحَكَى أَبو زَيْدٍ بَيَّبْتُ الرجلَ إِذا قُلْتَ لَهُ بِأَبي، فَهَذَا مِنَ البِيَبِ، قَالَ: وأَنشده ابْنُ السِّكِّيتِ يَا بِيَبا؛ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِيُوَافِقَ لفظُه لفظَ البِيَبِ لأَنه مُشْتَقٌّ مِنْهُ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبو الْعَلَاءِ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ التِّبْرِيزي: وَيَا فَوْقَ البِئَبْ، بِالْهَمْزِ، قَالَ: وَهُوَ مركَّب مِنْ قَوْلِهِمْ بأَبي، فأَبقى الْهَمْزَةَ لِذَلِكَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ البِيَب أَن يَقُولَ يَا بِيَبا، بِالْيَاءِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ، وَهَذَا الْبَيْتُ أَنشده الْجَاحِظُ مَعَ أَبيات فِي كِتَابِ الْبَيَانِ والتَّبْيين لِآدَمَ مَوْلَى بَلْعَنْبَر يَقُولُهُ لابنٍ لَهُ؛ وَهِيَ:
يَا بِأَبي أَنتَ، وَيَا فَوق البِيَبْ، ***يَا بأَبي خُصْياك مِنْ خُصىً وزُبّ
أَنت المُحَبُّ، وَكَذَا فِعْل المُحِبّ، ***جَنَّبَكَ اللهُ مَعارِيضَ الوَصَبْ
حَتَّى تُفِيدَ وتُداوِي ذَا الجَرَبْ، ***وَذَا الجُنونِ مِنْ سُعالٍ وكَلَبْ
بالجَدْب حَتَّى يَسْتَقِيمَ فِي الحَدَبْ، ***وتَحْمِلَ الشاعِرَ فِي الْيَوْمِ العَصِبْ
عَلَى نَهابيرَ كَثيراتِ التَّعَبْ، ***وإِن أَراد جَدِلًا صَعْبٌ أَرِبْ
الأَرِبُ: العاقِلُ.
خُصومةً تَنْقُبُ أَوساطَ الرُّكَبْ لأَنهم كَانُوا إِذا تخاصَموا جَثَوْا عَلَى الرُّكَبِ.
أَطْلَعْتَه مِنْ رَتَبٍ إِلى رَتَبْ، ***حَتَّى تَرَى الأَبصار أَمثال الشُّهُبْ
يَرمي بِهَا أَشْوَسُ مِلحاحٌ كَلِبْ، ***مُجَرَّب الشَّكَّاتِ مَيْمُونٌ مِذَبّ
وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ: يَا بِأَبي أَنتَ وَيَا فَوْقَ البِيَبْ ""قَالَ: جَعَلُوا الْكَلِمَتَيْنِ كَالْوَاحِدَةِ لِكَثْرَتِهَا فِي الْكَلَامِ، وَقَالَ: يا أَبةِ ويا أَبةَ لُغَتَانِ، فَمن نصَب أَراد النُّدْبة فَحَذَفَ.
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: مَا يُدْرى لَهُ مَن أَبٌ وَمَا أَبٌ أَي لَا يُدْرى مَن أَبوه وَمَا أَبوه.
وَقَالُوا: لابَ لَكَ يُرِيدُونَ لَا أَبَ لَكَ، فَحَذَفُوا الْهَمْزَةَ البتَّة، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ: وَيْلُمِّه، يُرِيدُونَ وَيْلَ أُمِّه.
وَقَالُوا: لَا أَبا لَك؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: فِيهِ تَقْدِيرَانِ مُخْتَلِفَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَذَلِكَ أَن ثَبَاتَ الأَلف فِي أَبا مِنْ لَا أَبا لَك دَلِيلُ الإِضافة، فَهَذَا وَجْهٌ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَن ثَبَاتَ اللَّامِ وعمَل لَا فِي هَذَا الِاسْمِ يُوجِبُ التَّنْكِيرَ والفَصْلَ، فثَبات الأَلف دليلُ الإِضافة وَالتَّعْرِيفِ، ووجودُ اللامِ دليلُ الفَصْل وَالتَّنْكِيرِ، وَهَذَانِ كَمَا تَراهما مُتَدافِعان، والفرْق بَيْنَهُمَا أَن قَوْلِهِمْ لَا أَبا لَك كَلَامٌ جَرى مَجْرى الْمَثَلِ، وَذَلِكَ أَنك إِذا قُلْتَ هَذَا فإِنك لَا تَنْفي فِي الْحَقِيقَةِ أَباهُ، وإِنما تُخْرِجُه مُخْرَج الدُّعاء عَلَيْهِ أَي أَنت عِنْدِي مِمَّنْ يستحقُّ أَن يُدْعى عَلَيْهِ بِفَقْدِ أَبيه؛ وأَنشد تَوْكِيدًا لَمَّا أَراد مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلَهُ: "" وَيَتْرُكُ أُخرى فَرْدَةً لَا أَخا لَها ""وَلَمْ يَقُلْ لَا أُخْتَ لَهَا، وَلَكِنْ لمَّا جَرَى هَذَا الْكَلَامُ عَلَى أَفواهِهم لَا أَبا لَك وَلَا أَخا لَك قِيلَ مَعَ الْمُؤَنَّثِ عَلَى حَدِّ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَعَ الْمُذَكَّرِ، فَجَرَى هَذَا نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِمْ لِكُلِّ أَحد مِنْ ذَكَرٍ وأُنثى أَو اثْنَيْنِ أَو جَمَاعَةٍ: الصَّيْفَ ضَيَّعْتِ اللَّبن، عَلَى التأْنيث لأَنه كَذَا جَرَى أَوَّلَه، وإِذا كَانَ الأَمر كَذَلِكَ عُلِمَ أَن قَوْلَهُمْ لَا أَبا لَك إِنما فِيهِ تَفادي ظاهِره مِنِ اجْتِمَاعِ صُورَتي الفَصْلِ والوَصْلِ وَالتَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ لَفْظًا لَا مَعْنًى، وَيُؤَكَّدُ عِنْدَكَ خُرُوجُ هَذَا الْكَلَامِ مَخْرَجِ الْمَثَلِ كثرتُه فِي الشِّعْرِ وأَنه يُقَالُ لِمَنْ لَهُ أَب وَلِمَنْ لَا أَبَ لَهُ، لأَنه إِذا كَانَ لَا أَبَ لَهُ لَمْ يجُزْ أَن يُدْعى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ فِيهِ لَا مَحالة، أَلا تَرَى أَنك لَا تَقُولُ لِلْفَقِيرِ أَفْقَرَه اللَّهُ؟ فَكَمَا لَا تَقُولُ لِمَنْ لَا أَبَ لَهُ أَفقدك اللَّهُ أَباك كَذَلِكَ تَعْلَمُ أَن قَوْلَهُمْ لِمَنْ لَا أَبَ لَهُ لَا أَبا لَك لَا حَقِيقَةَ لِمَعْنَاهُ مُطابِقة لِلَفْظِهِ، وإِنما هِيَ خَارِجَةٌ مَخْرَج الْمَثَلِ عَلَى مَا فَسَّرَهُ أَبو عَلِيٍّ؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
فاقْنَيْ حَياءَك، لَا أَبَا لَك واعْلَمي ***أَني امْرُؤٌ سأَمُوتُ، إِنْ لَمْ أُقْتَلِ
وَقَالَ المتَلَمِّس:
أَلْقِ الصَّحيفةَ، لَا أَبَا لَك، إِنه ***يُخْشى عَلَيْكَ مِنَ الحِباءِ النِّقْرِسُ
ويدلُّك عَلَى أَن هَذَا لَيْسَ بِحَقِيقَةِ قَوْلِ جَرِيرٍ:
يَا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ، لَا أَبَا لَكُمُ ***لَا يَلْقَيَنَّكُمُ فِي سَوْءَةٍ عُمَرُ
فَهَذَا أَقْوَى دليلٍ عَلَى أَن هَذَا الْقَوْلَ مَثَلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، أَلا تَرَى أَنه لَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ للتَّيْم كلِّها أَبٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّكُمْ كُلَّكُمْ أَهل للدُّعاء عَلَيْهِ والإِغلاظ لَهُ؟ وَيُقَالُ: لَا أَبَ لَكَ وَلَا أَبَا لَك، وَهُوَ مَدْح، وَرُبَّمَا قَالُوا لَا أَباكَ لأَن اللَّامَ كالمُقْحَمة؛ قَالَ أَبو حيَّة النُّمَيْري:
أَبِالمَوْتِ الَّذِي لَا بُدَّ أَني ***مُلاقٍ، لَا أَبَاكِ تُخَوِّفِيني؟
دَعي مَاذَا علِمْتِ سَأَتَّقِيهِ، ***ولكنْ بالمغيَّب نَبِّئِيني
أَراد: تُخَوِّفِينني، فَحَذَفَ النُّونَ الأَخيرة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ مَا أَنشده أَبو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ فِي الْكَامِلِ:
وَقَدْ مَاتَ شَمَّاخٌ وَمَاتَ مُزَرِّدٌ، ***وأَيُّ كَريمٍ، لَا أَبَاكِ يُخَلَّدُ؟
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَشَاهِدُ لَا أَبا لَكِ قَوْلُ الأَجْدَع:
فإِن أَثْقَفْ عُمَيرًا لَا أُقِلْهُ، ***وإِن أَثْقَفْ أَباه فَلَا أَبَا لَهْ
قَالَ: وَقَالَ الأَبْرَشُ بَحْزَج.
بْنُ حسَّان يَهجُو أَبا نُخَيلة:
إِنْ أَبا نَخْلَة عَبْدٌ مَا لَهُ ***جُولٌ، إِذا مَا التَمَسوا أَجْوالَهُ،
يَدْعو إِلى أُمٍّ وَلَا أَبَا لَهُ وَقَالَ الأَعْور بْنُ بَراء:
فمَن مُبْلِغٌ عنِّي كُرَيْزًا وناشِئًا، ***بِذاتِ الغَضى، أَن لَا أَبَا لَكُما بِيا؟
وَقَالَ زُفَر بْنُ الْحَرْثِ يَعْتذِر مِنْ هَزيمة انْهَزَمها:
أَرِيني سِلاحي، لَا أَبَا لَكِ إِنَّني ***أَرى الحَرْب لَا تَزْدادُ إِلا تَمادِيا
أَيَذْهَبُ يومٌ واحدٌ، إِنْ أَسَأْتُه، ***بِصالِح أَيّامي، وحُسْن بَلائِيا
وَلَمْ تُرَ مِنِّي زَلَّة، قبلَ هَذِهِ، ***فِراري وتَرْكي صاحِبَيَّ وَرَائِيَا
وَقَدْ يَنْبُت المَرْعى عَلَى دِمَنِ الثَّرى، ***وتَبْقى حَزازاتُ النُّفُوسِ كَمَا هِيا
وَقَالَ جَرِيرٌ لجدِّه الخَطَفَى:
فَأَنْت أَبِي مَا لَمْ تَكُنْ ليَ حاجةٌ، ***فإِن عَرَضَتْ فإِنَّني لَا أَبا لِيا
وَكَانَ الخَطَفَى شَاعِرًا مُجيدًا؛ وَمِنْ أَحسن مَا قِيلَ فِي الصَّمْت قَوْلُهُ:
عَجِبْتُ لإِزْراء العَيِيِّ بنفْسِه، ***وَصَمْتِ الَّذِي قَدْ كَانَ بالقَوْلِ أَعْلَما
وَفِي الصَّمْتِ سَتْرٌ لِلْعَييِّ، وإِنما ***صَحِيفةُ لُبِّ المَرْءِ أَن يَتَكَلَّما
وَقَدْ تكرَّر فِي الْحَدِيثِ لَا أَبا لَك ""، وَهُوَ أَكثر مَا يُذْكَرُ فِي المَدْح أَي لَا كافيَ لَكَ غَيْرُ نفسِك، وَقَدْ يُذْكَر فِي مَعْرض الذَّمِّ كَمَا يُقَالُ لَا أُمَّ لكَ؛ قَالَ: وَقَدْ يُذْكَرُ فِي مَعْرض التعجُّب ودَفْعًا للعَيْن كَقَوْلِهِمْ لِلَّهِ دَرُّك، وَقَدْ يُذْكَرُ بِمَعْنَى جِدَّ فِي أَمْرِك وشَمِّر لأَنَّ مَن لَهُ أَبٌ اتَّكَلَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ شأْنِه، وَقَدْ تُحْذَف اللَّامُ فَيُقَالُ لَا أَباكَ بِمَعْنَاهُ؛ وَسَمِعَ سليمانُ بنُ عَبْدِ الْمَلِكِ رَجُلًا مِنَ الأَعراب فِي سَنَة مُجْدِبة يَقُولُ:
رَبّ العِبادِ، مَا لَنا وَمَا لَكْ؟ ***قَدْ كُنْتَ تَسْقِينا فَمَا بدَا لَكْ؟
أَنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْثَ، لَا أَبَا لَكْ فَحَمَلَهُ سُلَيْمَانُ أَحْسَن مَحْمَل وَقَالَ: أَشهد أَن لَا أَبَا لَهُ وَلَا صاحِبةَ وَلَا وَلَد.
وَفِي الْحَدِيثِ: « لِلَّهِ أَبُوكَ، قَالَ ابْنُ الأَثير: إِذا أُضِيفَ الشَّيْءُ إِلى عَظِيمٍ شريفٍ اكْتَسى عِظَمًا وشَرَفًا كَمَا قِيلَ بَيْتُ اللهِ وناقةُ اللهِ، فإِذا وُجدَ مِنَ الوَلَد مَا يَحْسُن مَوْقِعُه »ويُحْمَد قِيلَ لِلَّهِ أَبُوكَ، فِي مَعْرض المَدْح والتَّعجب أَي أَبوك لِلَّهِ خَالِصًا حَيْثُ أَنْجَب بِكَ وأَتى بمِثْلِك.
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: إِذا قَالَ الرجلُ لِلرَّجُلِ لَا أُمَّ لَهُ فَمَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ أُمٌّ حرَّة، وَهُوَ شَتْم، وَذَلِكَ أَنَّ بَني الإِماء لَيْسُوا بمرْضِيِّين وَلَا لاحِقِينَ بِبَنِي الأَحرار والأَشراف، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا أُمَّ لَك يَقُولُ أَنت لَقِيطٌ لَا تُعْرَف لَكَ أُمّ، قَالَ: وَلَا يَقُولُ الرجُل لصاحِبه لَا أُمّ لَكَ إِلَّا فِي غَضَبِهِ عَلَيْهِ وَتَقْصِيرِهِ بِهِ شاتِمًا، وأَما إِذا قَالَ لَا أَبا لَك فَلَمْ يَترك لَهُ مِنَ الشَّتِيمة شَيْئًا، وإِذا أَراد كَرَامَةً قَالَ: لَا أَبا لِشانِيكَ، وَلَا أَبَ لِشانِيكَ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: يُقَالُ لَا أَبَ لكَ وَلَا أَبَكَ، بِغَيْرِ لَامٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ شُمَيْلٍ: أَنه سأَل الْخَلِيلَ عَنْ قَوْلِ الْعَرَبِ لَا أَبا لَكَ فَقَالَ: مَعْنَاهُ لَا كافيَ لَكَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ أَنك تَجُرُّنِي أَمرك حَمْدٌ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَوْلِهِمْ لَا أَبَا لَك كَلِمَةٌ تَفْصِلُ بِها الْعَرَبُ كلامَها.
وأَبو المرأَة: زوجُها؛ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ.
وَمِنَ المُكَنَّى بالأَب قَوْلُهُمْ: أَبو الحَرِث كُنْيَةُ الأَسَدِ، أَبو جَعْدَة كُنْية الذِّئْبِ، أَبو حُصَيْنٍ كُنْيةُ الثَّعْلَب، أَبو ضَوْطَرى الأَحْمَقُ، أَبو حاجِب النَّارُ لَا يُنْتَفَع بِهَا، أَبو جُخادِب الجَراد، وأَبو بَراقِش لِطَائِرٍ مُبَرْقَش، وأَبو قَلَمُونَ لثَوْب يَتَلَوَّن أَلْوانًا، وأَبو قُبَيْسٍ جبَل بِمَكَّةَ، وأَبو دارِسٍ كُنْية الفَرْج مِنَ الدَّرْس وَهُوَ الحَيْض، وأَبو عَمْرَة كُنْية الجُوع؛ وَقَالَ: "" حَلَّ أَبو عَمْرَة وَسْطَ حُجْرَتي ""وأَبو مالِكٍ: كُنْية الهَرَم؛ قَالَ:
أَبا مالِك، إِنَّ الغَواني هَجَرْنني ***أَبا مالِكٍ، إِني أَظنُّك دائِبا
وَفِي حَدِيثِ رُقَيْقَة: « هَنِيئًا لَكَ أَبا البَطحاء إِنَّما سمَّوْه أَبا الْبَطْحَاءِ لأَنهم شَرفُوا بِهِ وعَظُمُوا بِدُعَائِهِ وَهِدَايَتِهِ كَمَا يُقَالُ للمِطْعام أَبو الأَضْياف».
وَفِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْر: « مِنْ مُحَمَّدٍ رسولِ اللَّهِ إِلى المُهاجِر بن أَبو أُمَيَّة »؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: حَقُّه أَن يَقُولَ ابنِ أَبي أُمَيَّة، وَلَكِنَّهُ لاشْتهارِه بالكُنْية وَلَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ مَعْرُوفٌ غَيْرُهُ، لَمْ يجرَّ كَمَا قِيلَ عَلِيُّ بْنُ أَبو طَالِبٍ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: « قَالَتْ عَنْ حَفْصَةَ وَكَانَتْ بنتَ أَبيها»؛ أي أَنها شَبِيهَةٌ بِهِ فِي قُوَّة النَّفْسِ وحِدَّة الخلُق والمُبادَرة إِلى الأَشياء.
والأَبْواء، بِالْمَدِّ: مَوْضِعٌ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الأَبْواء، وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ والمدِّ، جَبَل بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَعِنْدَهُ بَلَدٌ ينسَب إِليه.
وكَفْرآبِيا: مَوْضِعٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « ذِكْر أَبَّى، هِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ: بِئْرٌ مِنْ آبَارِ بَنِي قُرَيظة وأَموالهِم يُقَالُ لَهَا بِئْرُ أَبَّى، نَزَلها سيدُنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَتى بَنِي قُريظة».
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
61-لسان العرب (نصا)
نصا: النَّاصِيَةُ: وَاحِدَةُ النَّوَاصِي.ابْنُ سِيدَهْ: النَّاصِيَةُ والنَّاصَاةُ، لُغَةٌ طَيِّئِيَّةٌ، قُصاصُ الشَّعَرِ فِي مُقدَّم الرأْس؛ قَالَ حُرَيْث بْنُ عَتاب الطَّائِيُّ:
لقَدْ آذَنَتْ أَهْلَ اليَمامةِ طَيِءٌ ***بحَرْبٍ كنَاصَاةِ الحِصانِ المُشَهَّرِ
وَلَيْسَ لَهَا نَظِيرٌ إِلا حَرْفَيْنِ: بادِيةٌ وباداةٌ وقارِيةٌ وقاراةٌ، وَهِيَ الحاضِرةُ.
ونَصَاه نَصْوًا: قَبَضَ عَلَى ناصِيَتِه، وَقِيلَ: مَدَّ بِهَا.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ}؛ ناصِيَتُه مقدَّمُ رأْسه أَي لنَهْصُرَنَّها لنَأْخُذَنَّ بِهَا أَي لنُقِيمَنَّه ولَنُذِلَّنَّه.
قَالَ الأَزهري: النَّاصِيَة عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْبِتُ الشَّعْرِ فِي مقدَّم الرأْس، لَا الشعَرُ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ النَّاصِيَة، وَسُمِّيَ الشَّعْرُ نَاصِيَةً لِنَبَاتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ}؛ أَي لنُسَوِّدَنَّ وَجْهَهُ، فكَفَتِ النَّاصِيَةُ لأَنها فِي مُقَدَّمِ الْوَجْهِ مِنَ الْوَجْهِ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وكُنتُ، إِذا نَفْس الغَوِيِّ نَزَتْ بِهِ، ***سَفَعْتُ عَلَى العِرْنِينِ مِنْهُ بِمِيسَمِ
ونَصَوْته: قَبَضْتُ عَلَى ناصِيَتِه.
والمُنَاصَاةُ: الأَخْذُ بالنَّواصي.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ فِي قَبْضَته تَنالُه بِمَا شَاءَ قُدرته، وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَشاء إِلا العَدْلَ.
وناصَيْتُه مُنَاصَاةً ونِصَاء: نَصَوْتُه ونَصَاني؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
فأَصْبَحَ مِثْلَ الحِلْسِ يَقْتادُ نَفْسَه، ***خَلِيعًا تُنَاصِيه أُمُورٌ جَلائِلُ
وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: نَاصَيْتُه جَذَبْت ناصِيَتَه؛ وأَنشد:
قِلالُ مَجْدٍ فَرَعَتْ آصَاصَا، ***وعِزَّةً قَعْساءَ لَنْ تُنَاصَى
ونَاصَيْتُه إِذا جاذبْته فيأْخذ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا بناصِيةِ صَاحِبِهِ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: « لَمْ تَكُنْ واحدةٌ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُناصِيني غَيْرَ زَيْنَبَ أَي تُنازِعُني وَتُبَارِينِي، وَهُوَ أَن يأْخذ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ المُتنازعين بناصِيةِ الْآخَرِ.
وَفِي حَدِيثِ مَقْتَلِ عُمر: « فثارَ إِليه فتَنَاصَيَا »أَي تَواخَذا بالنَّواصِي؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكرب:
أَعَبَّاسُ لَوْ كَانَتْ شَنارًا جِيادُنا ***بتَثْلِيثَ، مَا نَاصَيْتَ بَعْدي الأَحامِسا
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: « قَالَ لِلْحُسَيْنِ حِينَ أَراد العِراق لَوْلَا أَني أَكْرَهُ لنَصَوْتك »أَي أَخذت بناصِيَتِك وَلَمْ أَدَعْك تَخْرُجْ.
ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ النَّصِيُّ عَظْم العُنُق؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَيْلَى الأَخيلية:
يُشَبّهُونَ مُلوكًا فِي تَجِلَّتِهمْ، ***وطولِ أَنْصِيةِ الأَعْناقِ والأُمَمِ
وَيُقَالُ: هَذِهِ الْفَلَاةُ تُناصِي أَرض كَذَا وتُواصِيها أَي تَتَّصل بِهَا.
وَالْمَفَازَةُ تَنْصُو المَفازة وتُنَاصِيها أَي تَتَّصِلُ بِهَا؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
لِمَنْ طَلَلٌ بالمُنْتَصى غَيْرُ حائلِ، ***عَفا بَعْدَ عَهْدٍ مِنْ قِطارٍ ووابِلِ؟
قَالَ السُّكَّرِيُّ: المُنْتَصَى أَعلى الوادِيين.
وإِبل ناصِيةٌ إِذا ارتَفَعتْ فِي الْمَرْعَى؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.
وإِني لأَجِد فِي بَطْنِي نَصْوًا ووَخْزًا أَي وَجَعًا، والنَّصْوُ مِثْلُ المَغَس، وإِنما سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه يَنْصُوك أَي يُزْعِجُك عَنِ القَرار.
قَالَ أَبو الْحَسَنِ: وَلَا أَدري مَا وَجْهُ تَعْلِيلِهِ لَهُ بِذَلِكَ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: وجدْتُ فِي بَطْنِي حَصْوًا ونَصْوًا وقَبْصًا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وانْتَصَى الشيءَ: اخْتارَه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِحُمَيْدٍ بْنِ ثَوْرٍ يَصِفُ الظَّبْيَةَ:
وَفِي كلِّ نَشْزٍ لَهَا مَيْفَعٌ، ***وَفِي كلِّ وَجْهٍ لَهَا مُنْتَصى
قَالَ: وَقَالَ آخَرُ فِي وَصْفِ قَطَاةٍ:
وَفِي كلِّ وَجْهٍ لَهَا وِجْهةٌ، ***وَفِي كلِّ نَحْوٍ لَهَا مُنْتَصَى
قَالَ: وَقَالَ آخَرُ:
لَعَمْرُكَ مَا ثَوْبُ ابنِ سَعْدٍ بمُخْلِقٍ، ***وَلَا هُوَ مِمّا يُنْتَصَى فيُصانُ
يَقُولُ: ثَوْبُهُ مِنَ العُذْر لَا يُخْلِقُ، وَالِاسْمُ النِّصْيَةُ، وَهَذِهِ نَصِيَّتي.
وتَذَرَّيت بَنِي فُلَانٍ وتَنَصَّيْتُهم إِذا تَزَوَّجت فِي الذِّروة مِنْهُمْ والنّاصِية.
وَفِي حَدِيثِ ذِي المِشْعارِ: « نَصِيّةٌ مِنْ هَمْدان مِنْ كلِّ حاضِر وبادٍ »؛ النَّصِيّةُ منْ يُنْتَصَى مِنَ الْقَوْمِ؛ أي يُخْتار مِنْ نَوَاصِيهم، وهمُ الرُّؤوس والأَشْراف، وَيُقَالُ للرُّؤساء نَوَاصٍ كَمَا يُقَالُ للأَتباع أَذْنابٌ.
وانْتَصَيْتُ مِنَ الْقَوْمِ رَجلًا أَي اخْتَرْتُهُ.
ونَصِيّةُ القومِ: خِيارُهم.
ونَصِيَّةُ الْمَالِ: بَقِيَّتُه.
والنَّصِيَّة: البَقِيَّة؛ قَالَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ؛ وأَنشد للمَرّار الفَقْعَسي:
تَجَرَّدَ مِنْ نَصِيَّتها نَواجٍ، ***كَمَا يَنْجُو مِنَ البَقَر الرَّعِيلُ
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الأَنصاري:
ثَلاثةُ آلافٍ ونحنُ نَصِيّةٌ ***ثلاثُ مِئينٍ، إِن كَثُرْنا، وأَربَعُ
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَفِي الْحَدِيثِ أَن وفْدَ هَمْدانَ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا نحْنُ نَصِيَّةٌ مِنْ هَمْدانَ "؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: الأَنْصَاء السابقُونَ، والنَّصِيَّةُ الخِيار الأَشراف، ونَوَاصِي الْقَوْمِ مَجْمَعُ أَشرافِهم، وأَما السَّفِلة فَهُمُ الأَذْنابُ؛ قَالَتْ أُمّ قُبَيْسٍ الضَّبِّيّة:
ومَشْهَدٍ قَدْ كفَيْتُ الغائِبينَ بِهِ ***فِي مَجْمَعٍ، مِنْ نَوَاصِي النّاسِ، مَشْهُودِ
والنَّصِيَّةُ مِنَ الْقَوْمِ: الخِيارُ، وَكَذَلِكَ مِنَ الإِبل وَغَيْرِهَا.
ونَصَتِ الماشِطةُ المرأَةَ ونَصَّتْها فتَنَصَّتْ، وَفِي الْحَدِيثِ: « أَن أُم سَلَمَةَ تَسَلَّبَت عَلَى حَمْزَةَ ثَلَاثَةَ أَيام فَدَعَاهَا رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَمرها أَن تنَصَّى وتَكْتَحِلَ »؛ قَوْلُهُ: " أَمرها أَن تنَصَّى أَي تُسَرِّح شَعَرَها، أَراد تَتَنَصَّى فَحَذَفَ التَّاءَ تَخْفِيفًا.
يُقَالُ: تَنَصَّتِ المرأَةُ إِذا رجَّلت شَعْرَها.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، حِينَ سُئِلت عَنِ الْمَيِّتِ يُسرَّح رأْسه فَقَالَتْ: « عَلامَ تَنْصُون ميِّتَكم؟ قَوْلُهَا: تَنْصُون مأْخوذ مِنَ الناصِية، يُقَالُ: نَصَوْتُ الرَّجُلَ أَنْصُوه نَصْوًا إِذا مَدَدْت ناصِيَتَه، فأَرادت »عَائِشَةُ أَنَّ الميتَ لَا يَحتاجُ إِلى تَسْريحِ الرَّأْس، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الأَخذ بالناصِيةِ؛ وَقَالَ أَبو النَّجم:
إِنْ يُمْسِ رأْسي أَشْمَطَ العَناصي، ***كأَنما فَرَّقَه مُنَاصِي
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كأَنَّ عائشةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَرِهَت تَسْريحَ رأْسِ الميّتِ.
وانْتَصَى الشعَرُ أَي طَالَ.
والنَّصِيُّ: ضَرْب مِنَ الطَّريفةِ مَا دَامَ رَطْبًا، واحدتُه نَصِيّةٌ، وَالْجَمْعُ أَنْصَاء، وأَناصٍ جمعُ الْجَمْعِ؛ قال: " تَرْعى أَناصٍ مِنْ حَرِيرِ الحَمْضِ "وَرُوِيَ أَناضٍ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَالَ لِي أَبو الْعَلَاءِ لَا يَكُونُ أَناضٍ لأَنَّ مَنْبِتَ النصيِّ غَيْرُ مُنْبِتِ الْحَمْضِ.
وأَنْصَتِ الأَرضُ: كَثُرَ نَصِيُّها.
غَيْرُهُ: النَّصِيُّ نَبت مَعْرُوفٌ، يُقَالُ لَهُ نَصِيٌّ مَا دَامَ رَطبًا، فإِذا ابْيضَّ فَهُوَ الطَّريفة، فإِذا ضَخُمَ ويَبِس فَهُوَ الحَلِيُّ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَقَدْ لَقِيَتْ خَيْلٌ بجَنْبَيْ بُوانةٍ ***نَصِيًّا، كأَعْرافِ الكَوادِنِ، أَسْحَما
وَقَالَ الرَّاجِزِ:
نَحْنُ مَنَعْنا مَنْبِتَ النَّصِيِّ، ***ومَنْبِتَ الضَّمْرانِ والحَلِيِ
وَفِي الْحَدِيثِ: « رأَيتُ قبُورَ الشُّهداء جُثًا قَدْ نَبَتَ عَلَيْهَا النَّصِيُ »؛ هُوَ نَبْتٌ سَبْطٌ أَبيضُ ناعِمٌ مِنْ أَفضل المَرْعى.
التَّهْذِيبُ: الأَصْناء الأَمْثالُ، والأَنْصَاءُ السَّابقُون.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
62-مجمل اللغة (شرف)
شرف: الشرف: العلو.والشريف: العالي.
ورجل شريف من قوم أشراف، كحبيب وأحباب، ويتيم وأيتام.
والمشروف: الذي غلبه غيرة بالشرف.
واستشرف الشيء، إذا رفعت بصرك تنظر إليه.
والشارف: المسنة من الإبل.
والمشرف: المكان تشرف عليه وتعلوه.
ومشارف الأرض: أعاليها، يقال: حلوا مشارف الشام.
ويقال الشرفة: خيار المال، واشتقاقه من شرفة القصر، والجمع الشرف.
والأشراف: الأنوف، الواحد شرف.
والمشرف من الخيل: العظيم الطويل.
قال الخليل: سهم شاف: دقيق طويل.
ويقال: هو الذي طال عهده بالصيان فانتكث عقبه وريشه.
قال أوس:
يقلب سهما راشه بمناكب
ظهار لؤام فهو أعجف شارف
واذن شرفاء: طويلة.
ومنكب أشرف: عال.
والمشرفية: سيوف تنسب إلى مشارف الشام.
وشريف: جبل.
مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
63-المحيط في اللغة (فرد)
الفَرْدُ: ما كانَ وَحْدَه، فَرَدَ يَفْرُدُ، وانْفَرَدَ، وأفْرَدْتُه أنا.وجاءَ القَوْمُ فُرَادى وأفْرَادًا؛ وفُرَادَ فُرَادَ؛ وفَرْدَانَ وفَرْدَانَ: أي واحِدًا واحِدًا.
وفَرَدَ بالأمْرِ فهو فَرْد به، وفَرِدَ فهو فَرِدٌ به وفارِدٌ ومُفرِدٌ.
وأفْرَدَ برَأيِه وفَرَّدَ واسْتَفْرَدَ وتَفَرَّدَ.
ورَجُل فُرَدَةٌ: يَذْهَبُ وَحْدَه.
وعُشْبٌ فَرِدٌ: مُتَفَرقٌ.
واسْتَفْرَدَه: وَجَدَه فَرْدًا.
والمُفَرَّدُ: التَوّ.
والفَرِيْدُ: الشذْرُ، الواحِدَةُ فَرِيْدَةٌ، وبَيّاعُهُ: فَرّادٌ.
والفارِدُ والفَرْدُ: الثَّوْرُ.
والفَوَارِدُ من الإِبِلِ: التي لا تُشْبِهُها فُحُوْلٌ.
والفارِدُ من السُكَّرِ: أجْوَدُه وأشَدُّه بَيَاضًا.
والفُرَيْدَةُ في الظَّهْرِ: المَحَالَةُ التي تَخْرُج من الصَّهْوَةِ؛ انْفَرَدَتْ فَوَقَعَتْ بَيْنَ آخِرِ المَحَالِ السِّتِّ.
والفُرْدَاتُ: الإكَامُ والأشْرَافُ.
وسَيْفٌ فَرْدٌ وفَرِيْدٌ: إذا كانَ وَحْدَه.
وقيل: الفَرَدُ هو ذو الفِرنْدِ، وكذلك المُفَردُ.
والفُرُوْدُ: كَوَاكِب صِغَارٌ.
وفي الحَدِيثِ: (لا تُمْنَعُ سارِحَتُكم ولا تعَدُّ فارِدَتُكم) وهي الشّاةُ المُنْفَرِدَةُ تُحْلَبُ في المَنْزِلِ لا تُضَافُ إلى ما في المَرْعَى.
وتَمْرٌ فُرَادٌ: جاف.
المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م
64-المحيط في اللغة (ملء)
ملأ: المَلأُ: الجَمَاعَةُ من النّاس يَجتَمِعُوْنَ للتَّشَاوُرِ، والجَمِيْعُ الأمْلاَءُ.والخُلُقُ، وجَمْعُه أمْلاَءٌ، يُقال: أحْسِنُوا أَمْلاَءَكُم: أي أخْلاقَكُم.
وكِرَامُ القَوْمِ: مَلأٌ.
وقَوْلُه:
أَحْسِني مَلأً جُهَيْنا
أي ظَنًّا.
ووَقَعَ ذلكَ في مَلإِي: أي في خَلَدي.
ومالأْتُ فلانًا على الأَمْرِ: أي كُنْتُ مَعَه في مَشُوْرَتِه.
والمُمَالأَةُ: المُعَاوَنَةُ، مالأْتُ عليه: عاوَنْتُ، وفي حَدِيْثِ عَلِيٍّ رضي اللهُ عنه: (واللهِ ما قَتَلْتُ عُثْمَانَ ولا مالأْتُ في قَتْلِه).
والمَلأُ أيضًا: التَّمَالُؤُ والتَّعَاوُنُ.
والمَلأُ: الوُجُوْهُ والأشْرَافُ.
والجَزَعُ على الشَّيْءِ يَفُوْتُكَ.
والمَلْءُ: من الامْتِلاَءِ؛ وهو مَصْدَرُ مَلأْتُه مَلأٌ، وهو مَمْلُوْءٌ مُمْتَلِيءٌ.
والأَمْلِيَةُ: جَمْعُ المَلْءِ في الإِنَاءِ، وجَمْعُ مِلْءِ الأَكُفِّ.
وشَرِبْتُ مِلْءَ القَدَحِ ومِلأْيهِ وثَلاَثَةَ أَمْلاَئه.
وقِرْبَةٌ مِلْيَانَة: بمَعْنى مَلآنَة.
وشابٌّ مالِيءٌ للعَيْنِ حُسْنًا.
وأفْرَطْتُ في القَوْمِ وأَمْلأْتُ: بمَعْنىً.
وأَمْلأَ النَّزْعَ في قَوْسِه إمْلاَءً: أسْرَعَ النَّزْعَ.
والمُلأةُ: ثِقَلٌ يَأْخُذُ في الرَّأْسِ كالزُّكامِ.
والرَّجُلُ مَمْلُوْءٌ ومَمْلُؤَةٌ.
والمُلاَءُ أيضًا: الزُّكَامُ.
والمُلأةُ: كِظَّةٌ من الأَكْلِ الكَثِيْرِ.
والمُمْلِىءُ من الشّاءِ: التي يَكُوْنُ في بَطْنِها ماءٌ وأغْرَاسٌ فيُخَيَّلُ إلى النَّاسِ أنَّ بها حَمْلًا.
والمُلاَءَةُ: الرَّيْطَةُ، والجَمِيْعُ مُلاَءٌ.
والمَلاَءَةُ: مَصْدَرُ المَلِيْءِ، وقَوْمٌ مِلاَءٌ ومُلاَءٌ ومُلأَء.
وعِشْنا مُلأةً من الدَّهْرِ: أي حِيْنًا.
وتَمَلأْتُ مُلأةً: لَبِسْتُها.
والملاَءُ بالمَدِّ: اسْمُ سَيْفٍ كانَ لعُمَرَ بنِ سَعْدٍ.
ومَلأتْ بَرْكَها بالأرْضِ: إذا وَقَفَتْ؛ في قول الجَعْدِيِّ.
المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م
65-تهذيب اللغة (شرع)
شرع: قال الله جلّ وعزّ: {لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجًا} [المَائدة: 48] وقال في موضع آخر: {ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ} [الجَاثيَة: 18] وقال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشّورى: 13] قال أبو إسحاق في قوله: {شِرْعَةً وَمِنْهاجًا} قال بعضهم: الشِّرعة في الدين والمنهاجُ: الطَّريق، وقيل الشِّرعة والمنهاج جميعًا: الطَّريق.والطَّريق هاهنا: الدِّين، ولكنَّ اللفظَ إذا اختَلف أُتي به بألفاظٍ تؤكد بها القصَّة والأمر، كما قال عنترة:
أقوَى وأقفَرَ بعد أمِّ الهيثَمِ
فمعنى أقوى وأقفَرَ واحد يدلُّ على الخَلْوة، إلّا أنّ اللَّفظين أوكدُ في الخَلْوة.
قال: وقال محمد بن يزيد: شِرعةً معناها ابتداء الطريق.
والمنهاج: الطريق المستمرّ.
وقال الفرّاء في قوله: {ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ} [الجَاثيَة: 18]، قال: على دينٍ ومِلّة ومنهاج، وكلُّ ذلك يقال.
وقال القتيبيّ: {عَلى شَرِيعَةٍ}: على مِثال ومذْهب، ومنه يقال شَرَع فلان في كذا وكذا، أي أخذَ فيه.
ومنه مَشارع الماء، وهي الفُرَض التي تَشرع فيها الواردة.
وقوله جلّ وعزّ: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} [الشّورى: 13] قال ابن الأعرابيّ فيما روى عنه أبو العباس: شَرَعَ أي أظهَرَ.
وقال في قوله: {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} [الشّورى: 21] قال: أظهروا لهم.
قال: والشارع: الرَّبَّانيّ، وهو العالم العامل المعلِّم.
قال: وشرعَ فلانٌ إذا أظهرَ الحقَّ وقَمَعَ الباطل.
وقال ابن السكيت: الشَّرْع: مصدر شَرَعتُ الإهابَ، إذا شققتَ ما بين الرِّجلين وسلختَه.
قال: وهم في الأمر شَرَعٌ، أي سواء.
قلت: فمعنى شَرَعَ بيَّنَ وأوضَحَ، مأخوذ من شُرِع الإهابُ، إذا شُقَّ ولم يُزقَّقْ ولم يُرجَّلْ.
وهذه ضروبٌ من السَّلخ معروفة، أوسعُها وأبيَنها الشرع.
وقيل في قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحًا} إنّ نُوحًا أوّلُ من أتى بِتحريم البنات والأخوات والأمَّهات.
وقوله جلّ وعزّ: {وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى} [الشّورى: 13] أي وشرع لكم ما أوحينا إليك وما وصَّينا به الأنبياء قبلك.
والشِّرعة والشريعة في كلام العرب: المَشْرعة التي يشرعُها الناس فيشربون منها ويستَقُون، وربَّما شرَّعوها دوابَّهم حتى تشرعَها وتَشربَ منها.
والعربُ لا تُسمِّيها شريعةً حتّى يكون الماء عِدًّا لا انقطاعَ له ويكونَ ظاهرًا مَعِينًا لا يُستَقى منه بالرِّشاء.
وإذا كان من ماء السماء والأمطار فهو الكَرَع، وقد أكرعوه إبلَهم فكرعتْ فيه، وقد سقَوها بالكَرَع.
ورُفع إلى عليّ رضياللهعنه أمرُ رجلٍ سافرَ مع أصحابٍ له فلم يَرجع حين قَفَلوا إلى أهاليهم، فاتَّهم أهلُه أصحابَه فرافعوهم إلى شُريح، فسأل الأولياءَ البيِّنةَ فعجَزوا عن إقامتها وأخبروا عليًّا بحكم شُريح، فتمثّل بقوله:
أوردَها سعدٌ وسعدٌ مُشتَمِلْ *** يا سعدُ لا تُروَى بهذاك الإبلْ
ثم قال: «إنّ أهوَنَ السَّقْي التشريع» ثم فرَّق بينهم وسألهم واحدًا واحدًا فاعترفوا بقتله فقتلَهم به: أراد عليٌّ أنّ الذي فعله شُريحٌ كان يسيرًا هيِّنًا، وكان نَوْلُه أن يحتاط ويمتحِن بأيسر ما يُحتاط به في الدماء، كما أنّ أهونَ السَّقْي للإبل تشريعها الماءَ، وهو أن يوردَ ربُّ الإبل إبلَه شريعةً لا يُحتاج مع ظهور مائها إلى نَزْعٍ بالعَلَق من البئر ولا جَبْي في الحوض.
أراد أنّ الذي فعله شُريح من طلب البيّنة كان هيّنًا، فأتى الأهوَنَ وتركَ الأحوطَ، كما أن أهون السَّقي التشريع.
وقال الليث: شرعت الواردةُ الشريعة، إذا تناولت الماء بِفيها.
والشريعة: المَشْرَعَة.
قال: وبها سُمِّي ما شرَع الله للعبادِ شريعةً، من الصلاة والصوم والنكاح والحجّ وغيره.
قال: ويقال أشرعنا الرماحَ نحوهم وشرعْناها فشَرعَتْ، فهي شَوارعُ.
وأنشد:
أفاجوا من رماح الخطِّ لمَّا *** رأونا قد شرعناها نِهالا
وكذلك السُّيوف.
وقال الآخر:
غداةَ تعاورتْهم ثَمَّ بِيضٌ *** شُرِعْن إليه في الرَّهَج المكِنِ
قال: وإبلٌ شُروع: قد شرعت الماءَ تشربُ.
قال الشماخ:
تُسدُّ به نوائبُ تعتريه *** من الأيام كالنَّهَل الشُّروعِ
والشارع من الطريق: الذي يشرع فيه الناس عامّةً.
وهو على هذا المعنى ذو شَرْع من الخلق يشرعون فيه.
ودورٌ شارعةٌ، إذا كانت أبوابها شارعةً في طريق شارع.
وقال ابن دريد: دُورٌ شوارع: على نَهْج واحد.
قال أبو عبيد: الشِّراع: الأوتار، وهي الشُّرُع.
وقال لبيد:
إذا حَنَ بالشُّرعِ الدِّقاقِ الأناملُ
وقال آخر:
كما ازدهرت قَينةٌ بالشِّراع *** لإسوارِها عَلَّ منها اصطباحا
وقال الليث: تسمَّى الأوتار شِراعًا ما دامت مشدودة على قوسٍ أو عُودٍ.
وأنشد للنابغة:
كقوس الماسخيّ أرنَّ فيها *** من الشِّرْعيّ مربوعٌ متينُ
والشِّراع: شراع السفينة، وهي جُلولُها وقلاعُها.
وقال الليث: إذا رفعَ البعير عنقَه قيل: رفعَ شِراعَه.
وجمع الشِّراع أشرعة.
قال: ويقال هذا شِرعةُ ذاك، أي مثله.
وأنشد للخليل يذمّ رجلًا
كفّاك لم تُخلقا للندى *** ولم يك لؤمهما بدعَه
فكفٌّ عن الخير مقبوضة *** كما حُطَّ عن مائة سبعه
وأخرى ثلاثة آلافها *** وتِسعُ مئيها لها شِرعَه
أي: مثلها.
ويقال: هم في هذا الأمر شَرَعٌ واحد، أي سواء.
قلت: كأنه جمع شارع، أي يشرعون فيه معًا.
ويُقال شَرعُك هذا، أي حسبُك.
ومن أمثالهم:
شَرعُك ما بلَّغك المحَلَّا
وقال الليث: والشِّرعة: حِبالة من العَقَب يُجعَل شَركًا يُصطاد به القطا.
ويُجمع شِرَعًا.
وقال الراعي:
من آجنِ الماء محفوفًا بها الشِّرَعُ
والشَّراعة: الجُرأة.
والشَّريع: الرجُل الشُّجاع.
وقال أبو وَجْزة:
وإذا خبَرتَهُم خَبَرتَ سماحةً *** وشَراعةً تحت الوشيجِ المُورَدِ
وقال ابن شُميل: الشُّراعيّة، الناقة الطويلة العنُق.
وأنشد:
شُراعيّة الأعناق تلقى قلوصَها *** قد استلأت في مَسْك كوماءَ بادنِ
قلت: لا أدري شُراعيّة، أو شِراعيّة، والكسر عندي أقرب، شبّهت أعناقُها بِشراع السَّفينة لطولها.
يعني الإبل.
وأما السِّنان الشُّراعيّ فهو منسوبٌ إلى رجلٍ كان يَعمل الأسنَّة فيما أخبرني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي وذكر أنه أنشده:
وأسمر عاتكٌ فيه سنانٌ *** شُراعيٌ كساطعة الشُّعاعِ
أراد بالأسمر الرُّمحَ.
والعاتك: المحمَرُّ من قِدمه.
والشَّريع من اللِّيف: ما اشتدَّ شوكُه وصَلَح لغِلظه أن يُخرَز به، سمعتُ ذلك من الهَجَريِّين.
وفي جبال الدهناء جبلٌ يقال له شارع، ذكر ذلك ذو الرمة في شعره.
وقال الليث: حِيتانٌ شُرُوع: رافعة رأسها.
وأما قول الله جلّ وعزّ في صفة الحِيتان: {يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ} [الأعرَاف: 163] فمعناه أنّ حيتانَ البحر كانت ترِدُ يومَ السبت عُنُقًا من البحر يُتاخم أَيْلة، ألهمها الله أنّها لا تُصاد يوم السَّبت لنهيه اليهود عن صيدها، فلما عَتَوْا وصادوها بحيلة توجَّهت لهم، مُسِخوا قِرَدة.
وروى شِمر عن محارب: يقال للنَّبت إذا اعتمَّ وشبِعت منه الإبل: قد أشرعت، وهذا نبتٌ شُرَاع.
قال: والشوارع من النجوم: الدَّانية من المغيب.
وكلُّ دانٍ من شيءٍ فهو شارع، وقد شَرَع له ذلك.
وكذلك الدار الشارعة: التي قد دنت من الطَّريق وقَرُبتْ من الناس.
وهذا كلُّه راجعٌ إلى شيءٍ واحد، إلى القُرب من الشيء والإشراف عليه.
وقال ابن شميل: يقال أشرعَ يدَه في المِطهرة، إذا أدخلَها فيها إشراعًا.
قال: وشَرَعتْ يدُه فيها.
وشرعَت الإبلُ الماءَ وأشرعناها.
عمرو عن أبيه قال: الشَّريع: الكَتَّان، وهو الأَبَقُ، والزِّير، والرازقيّ.
ومُشَاقته السَّبيخة.
وقال ابن الأعرابي: الشَّرَّاع: الذي يبيع الشَّريع، وهو الكتّان الجيّد واللِّيفُ الجيّد.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
66-تهذيب اللغة (خطر)
خطر: قال الليث: الخِطْرُ: القَطِيعُ الضَّخْمُ من الإبل، ألْفٌ وزيادة.أبو عبيد ـ عن الفرّاء ـ: هي الخِطْرُ من الإبل، وَجمعه أخطارٌ.
شمرٌ ـ عن أبي حاتم ـ: قَال: إذا بلغَتِ الإبلُ مائتيْنِ فهي خِطْرٌ، فإذا جاوَزَتْ ذلك، وقاربَتِ الألْفَ فهي عرْجٌ.
الحرَّانيُّ ـ عن ابن السِّكِّيت قال: الخَطْرُ مصدرُ خَطَرَ البَعيرُ بذَنَبِه يَخطِرُ خَطْرًا وَخَطَرَانًا.
والْخِطْرُ مائتان من الإبل والغنم.
وقال الليثُ: الخَطْرُ مكيال ضخمٌ لأهل الشام، والْخِطْرُ نباتٌ يجعلُ وَرَقه في الْخِضَاب الأسود.
ويقال: ما لقيته إلا خَطْرَةً بعد خَطْرَةٍ، ـ معناه: الأحيانَ بعدَ الأحيان، وما ذكرتُه إلا خَطْرَةً واحدَةً ولعبَ الْخَطْرَةَ بالمِخْرَاقِ.
وقال ابن الأعرابي: تقول العربُ: بَيْني وبينَه خَطْرَةُ رحمٍ.
ويقال: لا جعلَها الله خَطْرَتَهُ، ولا جعلها آخر مُخْطِرٍ منه ـ أي: آخِرَ عهدٍ منه ولا جعَلَها الله آخرَ دَشْنَةٍ منه، وآخرَ دَسْمَةٍ وطَنَّةٍ ووَدْسَةٍ ـ كلُّ ذلك: آخِرَ عهد.
وقال الليثُ: الخَطَرُ ارتفاعُ المكانةِ والمنزلة والمال والشَّرَفِ.
قال: والْخَطَرُ: السَّبَقُ الذي يُتَرَامَى عليه تقول: وضَعُوَا لهم خَطَرًا ثَوْبًا أو نحوَ ذلك والسابقُ إذا تناول القصبةَ عُلم أنَّه قد أَحْرَزَ الْخَطَرَ.
ويقال: هذا خَطَرٌ لهذا ـ أي: مِثْلُه في القَدْرِ، ولا يُقال للدُّون إلَّا للشَّيْءِ الْمَزِيز، ويقال للرجل الشَّرِيفِ: هو عظيم الْخَطَر.
ثعلبٌ ـ عن ابن الأعرابيِّ، والحرَّانيُّ ـ عن ابن السكِّيت ـ قال: الخَطَرُ والسَّبَقُ والنَّدَبُ ـ واحد، وهو كلُّهُ: الذي يوضعُ في النِّضال والرِّهانِ، فمنْ سبَقَ أَخذَه ويقال فيه كلِّهِ: «فَعَّلَ» ـ مشدّدٌ ـ إذا أَخذَهُ.
وأنشد ابنُ السكِّيت:
أَيَهْلِكُ مُعْتَمٌّ وَزيْدٌ وَلمْ أَقمْ *** عَلَى نَدَبٍ يَومًا وَلِي نَفْسُ مُخْطِرِ
والمُخْطِرُ: الذي يجعلُ نَفْسَهُ خَطَرًا لِقِرْنِه، فيُبَارزُه ويقاتِلُه.
وقال الليث: أُخْطِرْتُ لِفُلان ـ أي: صُيِّرْتُ نظيرَهُ في الْخَطَر، وأَخْطَرَني فلانٌ فهو مُخْطرِي ـ إذا صار مِثْلَكَ في الْخَطَرِ، وفلانٌ ليس له خَطِيرٌ ـ أي: ليس له نَظيرٌ ولا مِثْلٌ.
قال: والإشْرَافُ على شَفَا هَلَكةٍ: هو الْخَطَرُ.
وفي حديث النُّعْمَان بْنِ مُقَرِّنٍ الْمُزنِيِ ـ: أنه خطب الناسَ يوْمَ نَهَاوَنْدَ ـ حين التقى المسلمونَ مع المشركينَ ـ فقال: «إنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ أَخْطَرُوا لَكُم رِثَّةً وَمَتاعًا، وأَخْطَرْتُمْ لهمُ الدِّينَ، فَنَافِحوا عَنْ دِينكُم».
معناهُ: أَنَّهُمْ إِنْ غلبُوكُمْ وَوَلَّيْتُمْ مُدْبرينَ عنهُمْ كانَ في ذلكَ ذهابُ دينكمْ وإِنْ غَلَبْتُمُوهُمْ أَحْرَزتُمْ دِينكُمْ مع ما تَحرزونَ من أَثاثِهم وأَموالهمْ»
وقال الليث: الأخْطَارُ من الجَوْزِ ـ في لُعبِ الصِّبيان ـ هي الأحْرازُ واحِدُها خَطَرٌ.
قال: والْخَطِيرُ: الْخَطَرَانُ عند الصّوْلَة والنَّشاط، وهو التَّصاوُل والوَعِيدُ.
وقال الطِّرِمَّاحُ:
بَالُوا مخَافَتَهُمْ عَلَى نِيرَانهمْ *** وَاسْتَسْلَمُوا بَعْدَ الْخَطِيرِ فَأُخْمِدُوا
والإنسانُ يُخَاطرُ بنفسِه ـ إذا أَشْفَى بها على خَطَرِ هُلْكٍ أَوْ نَيلِ مُلْكٍ.
والمُخاطِرُ: الْمُرامِي.
ويقال: خَطَرَ ـ ببَالي وعلى بالي ـ كذا وكذا يَخْطُرُ خُطُورًا ـ إذا وقع ذلك في بالكَ وهمِّك.
ويقال: خَطَرَ الدَّهرُ من خَطَرَانِهِ كقولك: ضَرَبَ الدّهرُ مِنْ ضَرَبَانهِ.
والفَحْل يَخْطِرُ بذَنَبه عند الوَعيد ـ من الخُيَلَاء ـ والنّاقةُ الْخَطَّارَةُ تَخْطِرُ بذَنبها في السير نَشَاطًا.
ورُمحٌ خَطَّارٌ: ذُو اهتزازٍ شديدٍ يَخْطِرُ خَطَرَانًا، وكذلك الإنسانُ، إذا مشَى يخْطِرُ بيدهِ كِبْرًا.
ورجُلٌ خَطَّارٌ بالرُّمح ـ أي: طعَّانٌ به وأنشد:
مَصَالِيتُ خَطَّارُونَ بالرُّمح في الْوَغَى
والجُنْدُ يَخْطِرونَ حولَ قائدِهمْ يُرُونَهُ منهم الجِدَّ، وذلك إذا احتَشَدُوا في الحرْب.
سلَمةُ ـ عن الفرَّاء ـ: الْخَطَّارةُ حَظيرةُ الإبل، والخَطَّارُ: الْعَطَّارُ، يقال: اشتريتُ بِنَّفشًا من الخَطَّار.
ويقال: إنَّه لعظيمُ الخَطَرِ، وصغيرُ الخَطرِ في حُسْن فِعالِه وشَرَفه، أو سُوء فِعاله ولُؤْمه، وخَطَرَ الرجُلُ بسوْطه وَقَضيبه يَخطِرُ به خَطَرَانًا ـ إذا رفعه مرَّة ووضعه أُخرَى، وتَبَخْتَرَ في مشيَته وأقبل بيديه، وأدبرَ بهما.
وخطَرَ الرجلُ بالرَّبيعةِ يَخْطِرُ خَطْرًا وخَطَر الفَحْلُ بذنبه يَخْطِرُ خَطْرًا، وخَطِيرًا وخَطَرانًا ـ إذا جَعَل يرفع ذنبَه ثم يضربُ به حَاذَيْهِ، وهما ما ظهر من فخذيْه حيثُ يقع شَعَرُ الذَّنَب.
عمرو ـ عن أبيه ـ: الخَاطِرُ: المتَبَخْتِرُ يقال: خَطَر يخطِرُ ـ إذا تبخترَ.
قال: وخطُرَ يخطُرُ خَطْرًا وخُطُورًا ـ إذا جلَّ بعد دِقَّة.
والخَطيرُ من كلِّ شيءٍ: النَّبيل.
قال: وخَطَرَانُ الفحل من نشاطِه وأمّا خطَرَانُ النَّاقةِ فهو إِعلامٌ للفحل أنها لَاقحٌ.
وفي حديث عليّ رضى الله عنه «أنه قال لعمَّارٍ: جُرُّوا لهُ الخطِيرَ ما انْجَرَّ لكُمْ».
معناه: اتَّبِعوهُ ما كان فيه موضعُ مُتَّبَعٍ لكم، وتَوَقَّوْا ما لم يكن فيه موضعٌ.
قال: والْخَطِيرُ زمامُ البعير.
وقال شمرٌ: قال بعضهم: الْخَطيرُ: الْحَبْلُ.
قال: وبعضهم يذهب به إلى إخْطَارِ النفس: وإشْرَاطِها في الحرب.
.
المعنى: اصْبرُوا لعمَّارٍ ما صَبَرَ لكم.
قال: والْخَطَرُ: العدلُ.
يقال: لا تجعل نفسك خَطَرًا لفلان وأنت أوْزنُ منه.
قال: والْخَطيرُ، والْخِطَارُ: وقعُ ذنبِ الجملِ بين وَرِكيه إذا خطرَ.
وأنشد:
رُدِدْنَ فَأُنشِقْنَ الأَزِمَّةَ بعدَ ما *** تحَوَّبَ عَنْ أوْرَاكهِنَ خَطيرُ
والْخَطَّارُ: الْمِقْلاعُ، وأنشد:
جُلْمُودُ خطَّارٍ أُمِرَّ مِجْذَبُهْ
والخَاطِرُ: ما يَخْطِرُ في القلب من تَدبيرٍ أو أَمْرٍ.
والعربُ تقول: رَعَينَا خَطَرات الوسميِّ وهي اللُّمع من المَراتِع والبُقع.
والْخِطْرةُ عُشْبَةٌ معروفة، لها قَضْبَةٌ يَجْهدُها المال، وتَغْزُرُ عليها.
وخَطَرَ الرجلُ برَبيعتِه ـ إذا هزَّها عند الإشالة، وكذلك خَطَرَ بسَوْطه ـ إذا رَفَعَهُ وخَفَضَه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
67-تهذيب اللغة (شرف)
شرف: رُوِيَ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما ذِئْبَان عَادِيَان أَصَابَا فَرِيقَةَ غَنَم بأَفْسَدَ فِيها من حُبِّ المَرءِ الْمالَ والشَّرَفَ لدِينِه»، يريد أنَّه يَتَشَرَّفُ فيجمعُ المال لُيبارِيَ بِه ذوي الأمْوال ولا يُبَالي أجَمَعَهُ من حَلالٍ أَوْ حرام.الحرانيّ عن ابن السّكيت، قال: الشّرَفُ والمَجْدُ لا يكونان إلا بالآباء، يقال: رَجُلٌ شَريف، ورجل ماجِدٌ: له آباء مُتَقَدِّمون في الشَّرف.
قال: والْحَسَبُ والكَرَم يكونان في الرَّجل وإنْ لم يكن له آباء لهم شَرَف.
وقال الليث: الشَّرَفُ مصدرُ الشَّريف من النّاس، والفعل شَرُفَ يَشْرفُ، وقَوْمٌ أشْراف، مثل شَهِيد وأَشْهاد ونَصير وأَنْصَار.
وشَرَفُ الْبَعير: سَنَامُه.
وقال الشاعر:
* شَرَفٌ أَجَبُّ وكاهِلٌ مجدُولُ*
والشَّرَفُ: ما أَشْرَفَ من الأرض.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ، قال: الْعُمَرِيّةُ ثِيابٌ مصْبُوغَةٌ بالشرَفِ، وهو طِينٌ أَحْمر، وثَوْبٌ مُشرَّفٌ: مَصْبوغٌ بالشرَفِ.
أَلَا لا تَغُرَّنَّ أمْرًا عُمَرِيةٌ *** عَلَى غَمْلَجٍ طَالَتْ وَتَمَّ قَوَامُها
قال: ويقال: شَرْفٌ وشَرَفٌ، لِلمغَرَة.
وقال الليث: الشرَفُ: شَجرٌ له صِبْغٌ أَحْمر يقال له الدَّارْبَرْنَيان.
قلت: والقولُ ما قالَ ابنُ الأعرابيّ في تَفْسير الشرَف.
وقال الليث: الْمشرَفُ: المكانُ الذي تُشرِفُ عليه وتَعْلُوه، قال: ومَشارِفُ الأرض: أعالِيها، ولذلك قيل: مَشَارِفُ الشام.
أبو عبيد، عن الأصْمعيّ: السُّيوفُ الْمشرَفيّةُ، منسوبةٌ إلى مشارِف، وهي قُرى من أَرْض العَرب تَدْنو من الرِّيف.
وقال اللّيث: الشُّرْفَة: التي تُشرَّفُ بها القُصُور وجمعها شُرَف.
والشرَفُ: الإشفاءَ على حَظَرٍ من خَيْرٍ أو شرِّ، يقال هو عَلَى شَرَفٍ من كَذا، وأَشرَفَ المريضُ وأَشفَى على الموْت.
ويقال: سارُوا إليهم حتى شَارَفُوهُم، أي أَشرَفوا عليهم.
أبو عبيد: عن الفراء: أَشرَفْتُ الشيءَ: عَلَوْتُه.
وأَشرَفْتُ على الشيء، إذا طَلَعْتَ عليه من فَوْقِه.
ويقال: ما يُشرِفُ له شَيءٌ إلَّا أَخَذَه.
وما يُطِفُّ له شَيْءٌ.
وما يُوهِفُ له شَيْءٌ إلا أَخَذَه.
وفي حديث عليّ: «أُمِرْنَا في الأضَاحي أن نَسْتَشْرِفَ العينَ والأذُن».
أبو عبيد، عن الكسائيّ: اسْتَشْرَفْتُ الشَّيءَ، واسْتَكْفَفتُه، كلاهما أن تَضَعَ يدَك على حاجبك كالذي يَسْتَظِلّ من الشمس حتى يَستبينَ الشيء.
وقال أبو زيد: اسْتَشْرَفْتُ إِبلَهُم، إذا تَعَيَّنْتَها لتُصيبَها بالعين.
ومعنى قوله: «أُمِرنَا أن نَسْتَشرَف العين والأذن»، أي نتأمَّل سلامَتَهُما من آفةٍ بهما، وآفةُ العين عَوَرُها.
وآفَةُ الأذن قَطْعها، فإذا سَلمت الأضْحِيةُ من العَوَرِ في العين والجَدْعَ في الأُذُن.
جازَ أن يُضَحَّى بها.
وإذا كانت عَوْراءَ أو جَدْعَاءَ أو مُقَابَلَةً أو مُدَابرَةً.
أو خَرْفَاء أَوْ شَرْفَاء: لَم يُضَحَّ بها.
وقيل: اسْتِشراف العين والأذن: أن تَطْلَبهُما شريفتين بالتمامِ والسّلامة.
وقال الليث: اسْتَشرَفتُ الشيءَ، إذا رَفَعْتَ رأسَكَ تَنْظُر إليه قال: ونَاقَةٌ شُرافِيَّةٌ: ضَخْمةُ الأذُنين جَسِيمة، وأذنٌ شَرْفَاءُ، طَويلَةُ الْقُوفِ.
وقال أبو زيد: هي الْمنتَصِبَةُ في طُولٍ.
قال: والشارِفُ: النَّاقَةُ التي قد أَسَنَّت وقَدْ شرَفتْ تَشرُفُ شُروفًا.
وقال ابن الأعرابيّ: الشَّارِفُ: النَّاقَةُ الْهِمَّة، والجميعُ شُرُفٌ وشَوَارِف، ولا يقال للْجَمَل شَارِف، وأنشد الليث:
نجاةٌ من الهَوج المرَاسِيلِ هِمَةٌ *** كُميْتٌ عليها كَبْرَةٌ فَهي شَارِفُ
قال: وسهم شارف يقال: هو الدَّقيق الطّويل.
ويقال: هو الذي طالَ عهدُه بالصِّيانَةِ، وانتَكَث عَقبُهُ وَرِيشهُ.
قال أوس:
يُقلِّبُ سهْمًا رَاشَهُ بمَنَاكِبٍ *** ظُهَارٍ لؤام فهو أعجف شارف
ومنْكِبٌ أشْرَفٌ، وهو الذي فيه ارْتفاع حَسَنٌ، وهو نقيض الأهْداء، وقصْرٌ مُشَرَّفٌ: مُطَوَّل، والمَشْرُوفُ من الناس، الذي قد شُرِّفَ عليه غيره، يقال: شَرَف فلانٌ فلانًا، إذا فاقَهُ، فهو مَشْرُوفٌ، والفائِقُ: شَرِيفُ.
وشُرَيْفٌ: أَطْولُ جَبَلٍ في بلادِ العرب، وشَرَفٌ: جَبَلٌ آخرِ بِحِذَائِه، وشُرَافٌ: ماءٌ لبني أسَد.
الحرَانيّ عن ابن السكيت، قال: الشَّرَفُ: كَبِدُ نَجْد، وكانت منازِلَ الملوكِ من بني آكل الْمُرار، وفيها حِمَى ضَرِيَّة، وضَرِيَّةٌ: بئْرٌ.
وفي الشَّرَفِ الرَّبَذَةُ، وهي الحِمَى الأيْمَن، والشُّرَيْفُ إلى جَنْبِه، يَفْرقُ بين
الشَّرَفِ والشُّرَيْفِ وادٍ يقال له التَّسْرِير، فما كان مُشَرِّقًا فهو الشُّرَيْفُ وما كان مُغَرِّبًا.
فهو الشَّرَفُ.
قلت: وصِفَةُ الشَّرَفِ، والشُّرَيْف على ما فَسَّرَه يعقوب.
وقال شَمِر: الشَّرَفُ: كلُّ نَشَزٍ من الأرْض قد أَشْرَفَ على ما حَوْله قادَ أَوْ لَمْ يَقُدْ وسواءٌ كان رَمْلًا أَوْ جَبَلًا، وإنما يَطُولُ نحوًا من عَشرة أذْرَع أو خمس، قَلَّ عَرْضُ ظَهْرِه أوْ كَثُر.
قال الليث: يقال: أَشْرَفَتْ علينا نَفْسُه، وهو مُشْرِفٌ علينا أي مُشْفِق، والأَشْرَافُ:
الشَّفَقَة، وأنْشَدَ:
ومِنْ مُضَرَ الحَمْراء إشْرافُ أنْفُسٍ *** علينا وَحَيَّاها إِلَيْنا تَمَضُّرَا
الأصمعيّ: شُرْفَةُ المال: خِيارُه، والجميع الشُّرَف.
ويقال: إني أَعُدُّ إتْيانَكُمْ شَرْفَة، أي فَضْلًا وشَرَفًا أَتَشَرَّفُ بِه، وأَشْرافُ الإنْسان أُذُنَاه وأَنْفُه.
وقال عَدِيُّ:
كَقَصِيرٍ إذْ لَمْ يَجِدْ غَير أنْ جَدّ *** عَ أَشْرَافَهُ لمكْرٍ قَصِيرُ
والشَّرَفُ من الأرْض: ما أَشْرَفَ لك.
يقال: أَشْرَفَ لي شَرَفٌ فما زِلْتُ أرْكُضُ حتى عَلَوْتُه.
وقال الهُذَلِيّ:
إذا ما اشْتَأَى شَرَفًا قَبْلَه *** وَوَاكَظَ أوْشَكَ منه اقْتِرَابا
والشُّرَافِيُ: لونٌ من الثِّياب أَبْيَض.
قال: والشِّرْنَافُ: عَصْفُ الزَّرْعِ العَريض، يقال: قد شَرْنَفُوا زَرْعَهُمْ، إذا جَزُّوا عَصْفَه.
قلت: لا أدْرِي، هو شَرْنَفُوا زَرْعَهُم بالنُّون أوْ شَرْيَفُوا بالياء، وأَكْبَرْ ظَنِّي أنه بالنُّون لا بالياء.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
68-تهذيب اللغة (أبا)
أبا: قال ابن السِّكيت: يُقال: أَبَوْتُ الرَّجُلَ آبوه، إذا كنتَ له أبًا.ويُقال: ما له أبٌ يَأْبُوه، أي: يَغْذوه ويُربِّيه.
قال: وأَبَيْت الشيء آباه إباءً: كرهته.
أبو عُبيد: تأَبَّيْت أبًا، أي اتخذت أبًا، وتأَمَّيت أُمًّا، وتَعَمَّمت عمًّا.
وأَخبرني المنذري، عن ثعلب، عن ابن الأعرابي: فلان يأْبُوك، أي يكون لك أبًا؛ وأَنْشد لشريك بن حَيَّان العَنبريّ يَهجو أبا نُخَيلة:
يا أَيُّهذا المُدَّعي شَرِيكا *** بَيِّن لنا وحَلِّ عن أَبِيكَا
إذا انْتَفَى أو شَكّ حَزْنٌ فِيكا *** وقَد سأَلنا عنك مَن يَعْزُوكَا
إلى أبٍ فكلُّهم يَنْفيكا *** فاطْلُب أبَا نَخْلَة مَن يأبُوكا
* وادَّع في فَصيلة تُؤْويكا*
الليث: يُقال: فلان يأْبُو هذا اليَتيم إباوةً، أي: يَغْذوه كما يَغذو الوالدُ ولدَه.
أبو عُبيد، عن اليزيديّ: ما كنتَ أبًا، ولقد أَبيت أُبُوَّة.
وما كنت أُمًّا، ولقد أَمِمْت أُمُومةً.
وما كنتَ أخًا، ولقد أَخَّيت وتأَخَّيت.
وقال غيره: ما كنت أبًا، ولقد أَبَوْت.
وما كنت أخًا، ولقد أَخَوْت.
وما كنت أُما، ولقد أَمَوْت.
ويقال: هما أَبَواه، لأبيه وأُمّه.
وجائز في الشعر: هما أَبَاه.
وكذلك: رأيت أَبَيْه.
واللغة العالية: رأيت أَبَويه.
قال: ويجوز أن يُجمع «الأب» بالنون.
فيُقال: هؤلاء أبونكم، أي: آباؤكم، وهم الأبون.
قلت: والكلام الجيّد في جمع «الأب»: هؤلاء الآباء، بالمد.
ومن العرب من يَقول: أُبُوّتنا أكرم الآباء، يجمعون «الأب» على «فعولة»، كما يقولون: هؤلاء عُمومتنا وخُؤولتنا؛ وقال
الشاعر فيمن جمع «الأب» أَبِين:
أقبل يَهْوِي مِن دُوَيْن الطِّرْبَالْ *** وهْو يُفدَّى بالأبين والخالْ
رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تُنكح المرأة لمالها وحسبها، عليك بذات الدِّين تَرِبَت يَداك».
قال أبو عُبيد: هذه كلمة جاريةٌ على لسان العرب يقُولونها ولا يُريدن وقُوع الأمر.
قال: وزعم بعضُ العلماء أنّ قولهم: لا أبا لك، ولا أبَ لك، مَدح؛ ولا أُمّ لك، ذمٌّ.
قال أبو عُبيد: وقد وجَدنا «لا أُم لك» وُضع موضع المدح أيضًا، واحتج ببيت كَعب بن سعد الغَنوي يرثي أخاه:
هوت أُمّه ما يبعث الصُّبْحُ غاديًا *** وماذا يُؤدي الليل حين يؤوبَ
وإنما رد أبو الهيثم به على أبي عُبيد قوله وقال: إنما معنى هذا كقولهم: ويح أُمّه، وويل أُمّه، وليس للرَّجُل في هذا من المدح ما ذهب إليه، وليس يشبه هذا قولهم، في: لا أُمَّ لك.
قال أبو الهيثم: إذا قال الرّجُل للرجل، لا أُمَّ لك، فمعناه: ليس لك أُمٌّ حُرّة، وهو شَتْم.
وذلك أنّ بَني الإماء لَيْسوا بمَرْضِيِّين ولا حِقين بِبَني الأحْرار والأَشراف.
قال: ولا يقول الرجلُ لصاحبه: لا أمّ لك، إلا في غَضبه عليه وتَقْصيره به شاتمًا له.
وأمّا إذا قال: لا أبا لك، فلم يترك له من الشَّتيمة شيئًا.
وإذا أراد إكرامه قال: لا أبا لشانيك.
ولا أبَ لشانيْك، وما أشبه ذلك.
روى إسحاق بن إبراهيم، عن ابن شُميل أنه سأل الخليلَ عن قول العرب: لا أَبا لك.
فقال: معناه: لا كافِيَ لك.
وقال غيره: معناه: أنك تُجْزَى أمرك، وهذا أَحْمد.
قولهم: لا أُم لك، أي: أنت لَقيط لا تُعرف لك أُمّ.
وأخبرني المُنذري، عن ثعلب، عن سلمة، عن الفراء، قال: قولهم: لا أبا لك، كَلمةٌ تَفْصل بها العربُ كلامَها.
وقال المبرّد: يُقال: لا أَبَ لك، ولا أبك، بغير لام.
أخبرني المُنذري، عن ثعلب، عن ابن الأعرابي، قال: اسْتَئِب أَبًا، واسْتأبِبْ أَبًا، وتأَبَ أَبًا، واسْتَئمّ أُمًّا، واسْتَأْمَم أُمًّا، وتأَمَّم أمًّا.
قلت: وإنما شُدِّد «الأب» والفعل منه، وهو في الأصل غير مشدّد، لأن «الأب» أصله: أبو، فزادوا بدل «الواو» ياءً، كما قالوا: قِنّ، للعبد، وأصله: قِنْيٌ.
ومن العرب من قال ل «اليد»: يدّ، فشدّد الدال، لأنّ أصله: يَدْيٌ.
ومن المَكنِيّ بالأب قولُهم: أبو الحارث: كنية الأسد.
وأبو جَعدة: كنية الذِّئب.
وأبو حُصَين: كُنية الثَّعلب.
وأبو ضَوَطرى: الأحمق.
وأبو حُباحب: للنار التي لا يُنتفع بها.
وأبو جُخادب: للجراد.
وأبو برَاقش: لطائر مُبَرْقش.
وأبو قَلَمون: لثوبٍ يتلوّن ألوانًا.
وأبو قُبيس: جَبل بمكّة.
وأبو دارس: كُنيته الفَرْج، من «الدَّرس»، وهو الحَيْض.
وأبو عَمْرة: كنيته الجُوع؛ قال:
* حَلّ أبُو عَمْرة وَسْط حُجْرَتي*
وأبو مالك: كُنية الهرم؛ وقال:
أبا مالكٍ إنّ الغَواني هَجَرْنني *** أبا مالكٍ إنِّي أَظُنّك دائِبَا
أبى ـ يأبى: أبو زيد: يُقال: أَبَى التَّيْس، وهو يَأْبَى أَبىً، مَنْقوص.
وتَيس: آبَى.
وعَنْز أَبْواء، في تُيوس أُبْوٍ.
وأَعْنُز أُبْو؛ وذلك أن يَشم التَّيس من المِعزى الأهليّة بَوْل الأُرْوِيّة في مواطنها فيأخذه من ذلك داءٌ في رأسه ونُفَّاخ فَيرم رأسه ويقتُله الداءُ فلا يكاد يُقْدر على أكل لحمه من مَرارته.
وربّما أَبِيت الضأنُ من ذلك، غير أنه قلّما يكون ذلك في الضأن؛ وقال ابن أحمر لراعي غَنم له أَصابها الأُباء:
أقولُ لِكَنّازٍ تَدَكَّلْ فإنّه *** أبىً لا أظنّ الضأنَ منه نَواجِيَا
فيا لكِ من أَرْوى تعادَيْت بالعَمَى *** ولاقَيْت كَلَّابًا مُطِلًا ورامِيَا
أبو عبيد، عن أبي زياد الكِلابي والأَحمر: أخذ الغَنم الأبَى، مقصور، وهو أن تشرب أبوال الأَرْوَى فيُصيبها منه داء.
وأخبرني المُنذري، عن أبي الهيثم، قال: إذا شَمّت الماعزةُ السّهْليَّة بَول الماعزة الجَبليّة، وهي الأرْويّة، أَخذها الصُّداع فلا تكاد تَبرأ، فيقال: أَبِيت تَأْبَى.
قلت: قوله «تَشْرب أبوال الأرْوى» خطأ، إنما هو تشمّ؛ كما قال أبو زَيد.
وكذلك سمعتُ العرب.
الحرّاني، عن ابن السِّكيت، في قول العَرب: إذا حَيَّا أحدُهم الملك، قال: أَبَيت اللَّعن.
قال: أبيت أن تأَتي من الأمور ما تُلْعن عليه.
قال: وقال الفَرّاء: لم يجىء عن العرب حَرفٌ على «فَعَل يَفْعَل» مفتوح العين في الماضي والغابر، إلا وثانيه أو ثالثه أحد
حُروف الحلق، غير: أَبَى يَأْبَى، فإنه جاء نادرًا.
قال: وزاد أبو عمرو: رَكن يَرْكَن، أيضًا.
وخالفه الفَرّاء فقال: إنما يُقال: رَكَن يَرْكُن، ورَكِنَ يَرْكَن.
وقال أحمد بن يحيى: لم يُسمع من العرب «فَعَل يَفْعَل» ممّا ليس لامه أو عينه من حُروف الحلق إلّا: أَبَى يَأْبَى، وقَلاه يَقْلاه، وغَشى يَغْشى، وشَجَى يَشْجَى.
وزاد المبرّد: جَبَى يَجْبَى.
قلت: وهذه الأحرف أكثر العرب فيها على: قَلَى يَقْلِي، وغَشِي يَغْشَى، وعَشى الليل يَعْشو، إذا أظلم، وشَجاه يَشْجوه، وشَجِي يَشْجى، وجَبَا يَجْبِي.
ويُقال: رجلٌ أبِيّ، ذو إباء شَديد، إذا كان يَأْبَى أن يُضام.
ورَجُلٌ أَبَيَان: ذو إبَاء شديد.
ويُقال: تأَبّى عليه تأَبِّيًا، إذا امْتنع عليه.
ورجُلٌ أبّاء، إذا أَبَى الضَّيم.
ويُقال: أخذه أُبَاءٌ، إذا كان يَأَبى الطَّعام فلا يَشْتهيه.
وقال بعضُهم: آبى الماء، أي امتنع أن ينزل فيه إلا بتَغْرير.
وإن نزل في الركيَّة ماتحٌ فأَسِنَ، فقد غَرَّر بنفسه، أي خاطر بها.
وقال أبو عمرو: آبى، أي: نقَص.
رواه عن المُفضل؛ وأنشد:
وما جُنِّبَتْ خَيْلي ولكنْ وَزَعْتُها *** تُسَرّ بها يومًا فآبَى قَتَالُها
ورَواه أبو نَصْر، عن الأصمعي: فأَنّى قَتَالها، أي: من أنَّى قَتَالها.
وروى أبو عمر، عن أحمد بن يحيى، عن عمرو، عن أبيه، قال: الأَبِي: السَّنِق من الإبل.
والأبيّ: المُمْتنعَة من العَلف لِسَنَقها، والمُمتنعة من الفحل لقلّة هَدَمها.
قال: وقال بعضُهم: المُؤْبِي: القليل من الماء.
وحكى: عندنا ماءٌ ما يُؤْبَى، أي: ما يقل.
شمر، عن ابن الأعرابي: يقال للماء إذا انقطع: ماء مُؤْبىً.
ويقال: عنده دَراهم لا تُؤْبى، أي لا تنقطع.
وركَّية لا تُؤْبى: لا تَنْقطع.
وأوبِى الفصيلُ عن لبن أمه، أي اتَّخم عنه لا يَرْضعها.
وقال ابن الأعرابي: المُؤْبِي: القليل.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
69-الإحصاء (الرعاية الصحية الأولية)
الرعاية الصحية الأولية: هي الفحص الأولي والرعاية الصحية الشاملة المتواصلة بما فيها التشخيص والعلاج الأولي والإشراف الصحي وإدارة الخدمات الصحية الوقائية والحالات المزمنة، ولا يتطلب توفير الرعاية الصحية الأولية معدات وأجهزة متطورة أو مصادر متخصصة.الجـهـاز الـمـركـزي لـلإحـصـاء الـفلسطيني
70-القانون (صفة تنفيذية)
صفة تنفيذية: صفة الاشتراك الفعلي في مراقبة العمل المعني والأشراف عليه وإدارته.المعجم القانوني (الفاروقي)
71-القانون (مدير السكة)
مدير السكة: موظف رسمي يعود إليه شراء سبائك الذهب والفضة للخزانة العامة والأشراف على كل ما يتصل بالمسكوكات النقدية.المعجم القانوني (الفاروقي)
72-القانون (جمعية القانون المتحدة)
جمعية القانون المتحدة: نقابة محامين ترعى مصالح المهنة وتتولى عددًا من الوظائف المهمة، كتنفيذ التشريعات البرلمانية وأوامر المحاكم المتصلة بالمحامين تحت التدريب وحفظ سجلات خاصة بأسماء المحامين المزاولين مرتبة حسب الأبجدية، وإعطاء شهادات الانتساب للمهنة، والإشراف على سلوك المحامين وتقديم المخالفين منهم للمراجع القضائية المختصة.المعجم القانوني (الفاروقي)
73-التربية الخاصة (مساعد المدرس)
مساعد المدرس: فرد شبه متخصص - أو متخصص جزئيا - يتم تعينه للعمل في غرفة الدراسة لمساعدة المعلم في إنجاز مهام معينة، ليست ذات طبيعة أكاديمية في الغالب.وبصورة عامة يتركز عمل هذا الفرد في إعداد الأجهزة والأدوات المستخدمة في عملية التعلم، والإشراف على الدراسات والأنشطة الحرة للطلاب، والاحتفاظ بسجلاتهم، وتوصيل الرسائل الخاصة بالطلاب لأولياء أمورهم أو المسئولين بالإدارات المختلفة.الخ.
قاموس التربية الخاصة/د.عبد العزيز السيد الشخص/د.عبد الغفار عبد الحكيم الدماطي