نتائج البحث عن (وَامْتِدَادُ)
1-العربية المعاصرة (رخا)
رخَا يَرخو، ارْخُ، رَخاءً ورَخاوةً، فهو رَخِيّ.* رخا العيشُ: اتَّسع وكان هنيئًا (وكُلّ شديدة نزلت بقوم.. سيأتي بعد شدَّتها الرَّخاءُ).
رخَا يَرخُو، ارْخُ، رَخاوةً، فهو رَخْو ورُخْو ورِخْو.
* رخا العودُ: صار هشًّا ليِّنًا (رخا طبعُه بعد زواجه).
أرخى يُرخي، أَرْخِ، إرخاءً، فهو مُرخٍ، والمفعول مُرخًى (للمتعدِّي).
* أرخى الشَّخصُ: صار في سَعَة.
* أرخى الشَّيءَ:
1 - جعله هشًّا ليِّنًا ضعيفًا (أرخى قبضتَه) (*) لا يقوى على شَدٍّ ولا إرخاء: لا يستطيع التصرُّف والتدبير.
2 - طوّله ووسَّعه، عكسه جذبه (أرخَى له القَيْد- أرخى الدابَّة: إذا طوَّل لها من حبلها) (*) أرخى عِمامَتَه: أَمِن واطمأنَّ وترفَّه- أرخَى له الحبلَ: وسَّع عليه في تصرُّفه- أرخى له العِنانَ: وسَّع له وتساهل معه ولم يضيِّق عليه.
* أرخى السِّترَ: أسدله، أرسله (وليل كموج البحر أرخى سدوله.. عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي).
ارتخى يَرتخي، ارْتَخِ، ارتخاءً، فهو مُرتَخٍ.
* ارتخى الشَّيءُ: انفكّ وصار هَشًّا، صار رِخْوًا.
* ارتخى الشَّخصُ: ضعُف، فتَرت همَّتُه (ارتخت قُواه/إرادتُه) (*) ارتخت أعصابُه: لم تعد متوتِّرة.
* ارتخى الحَبْلُ: انحلَّ، لم يعد مشدودًا (ارتخى الوترُ).
استرخى/استرخى ب يسترخي، اسْتَرْخِ، استرخاءً، فهو مسترخٍ، والمفعول مسترخًى به.
* استرخى الشَّخصُ: استلقى مُرخيًا عضلاتِه، أي لم يَشْدُدْها (جلس مسترخيًا في مقعده- كان في حاجة إلى فترة استرخاء).
* استرخى به الأمرُ: انبسط له واتّسع وحَسُنَ وسَهُلَ بعد الشِّدَّة والضيق.
تراخى عن/تراخى في يتراخَى، تَراخَ، تراخيًا، فهو متراخٍ، والمفعول مُتراخًى عنه.
* تراخى عن الأمر/تراخى في الأمر: فتَر وتأخَّر وتقاعس (تراخى عن النِّظام/الجهاد- تراخى في تسديد الضّربات- تراخى في العمل) (*) تراخَتِ السَّماءُ: أبطأ مطرُها- تراخى ما بينهما: تباعد- في الأمر تراخٍ: فسحة وامتداد.
راخى يُراخي، راخِ، مُراخاةً، فهو مُراخٍ، والمفعول مُراخًى.
* راخى الشَّخصُ الشَّيءَ: باعده (يظنُّ الجبانُ أنَّ فراره يُراخِي أجلَه- راخى الشّخصُ بين العملين) (*) راخيته عنِّي: باعدته.
* راخى الحبلَ: أرخاه، عكسه جذبه.
إرخاء [مفرد]: مصدر أرخى.
ارْتِخاء [مفرد]: مصدر ارتخى.
استرخاء [مفرد]: مصدر استرخى/استرخى ب (*) يمرّ الاقتصاد العالميّ بحالة استرخاء.
رَخاء [مفرد]: مصدر رخَا.
* فترة الرَّخاء: [في الاقتصاد] مرحلة تنشط فيها الصناعة، وترتفع الأسعار والأجور.
رُخاء [مفرد].
* ريحٌ رُخاء: ليِّنة لا تحرِّك شيئًا {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [قرآن].
رَخاوة [مفرد]: مصدر رخَا ورخَا.
رَخْو/رُخْو/رِخْو [مفرد]: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من رخَا (*) فرسٌ رَخْو العِنان: إذا كان سلِس القياد.
* الحنك الرَّخْو: [في العلوم اللغوية] الطَّبقة المتحرِّكة المعلّقة من مؤخرة الحنك القاسي المنتهية بالتجويف الأنفيّ.
* أصوات رَخْوةٌ/أصوات رُخوة/أصوات رِخوة: [في العلوم اللغوية] ما تمّ إخراجه بتضييق مجرى الهواء وهي: ف- ذ- ث- ظ- ز- س- ص- ش- خ- غ- ع- ح- ه.
* أجسام رَخْوة: [في الحيوان] حيوانات ذات جسم ليِّن ضعيف، مغطًّى بقوقعة صلبة تحميها من الأخطار.
رَخَوانيّ [مفرد]: اسم منسوب إلى رَخْو: على غير قياس: شبيه بحيوان رَخَويّ.
رَخويَّات [جمع]: [في الحيوان] شعبةٌ من المملكة الحيوانيَّة، تتميَّز بوجود محار أو صدف كلسيّ، مثل المحار والقواقع والأخطبوط.
رَخِيّ [مفرد]: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من رخَا.
* رخِيُّ البال: هادئ النفس في نعمة وخصب وسعة حال.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
2-العربية المعاصرة (مد)
مَدَّ/مَدَّ في مَدَدْتُ، يمُدّ، امْدُدْ/مُدَّ، مدًّا، فهو مادّ، والمفعول مَمْدود.* مدَّ أسلاكَ الكهرباء وغيرَها: زاد فيها، أطالها، بسطها في خطٍّ مستقيم (مدّ أنابيبَ البترول- {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [قرآن] - {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [قرآن]) (*) مَدَّ اللَّيلُ سِتارَه: انتشر ظلامُه- مَدَّ سيطرتَه: نشَر نفوذَه.
* مدَّ الجيشَ: أعانه بمدد يقوِّيه، دعّمه وقوّاه (مدّه بالمعلومات/بالأسلحة/بالمال) - مَدَّ إليه يدَه/مَدَّ إليه يدَ العون: ساعَده، صافَحه.
* مدَّ المدِينَ وغيرَه: أمهله {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [قرآن].
* مدَّ الحرفَ: [في العلوم اللغوية] طوّله في النّطق أو الكتابة.
* مدَّ بصرَه إلى كذا: طمَح إليه {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [قرآن].
* مدَّ السُّفرةَ: أعدَّها.
* مدَّ يدَه: تسوَّل، شَحَذ.
* مدَّ اللهُ الأرضَ: بسطها ومهّدها للعيش {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} [قرآن].
* مدَّ فلانًا في غيِّه: طوّله له {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ} [قرآن].
* مدَّ اللهُ عُمُرَه/مدَّ اللهُ في عُمُره: أطاله (مهما تقدّم الطبُّ فلن تمدّ الآجال المحتومة).
* مدَّ في سيره: مضى.
أمدَّ يُمدّ، أمْدِدْ/أمِدَّ، إمدادًا، فهو مُمِدّ، والمفعول مُمَدّ (للمتعدِّي).
* أمدَّ الجُرْحُ: صار فيه القَيْحُ والصّديدُ.
* أمدَّ الشَّخصَ: أعانه، أغاثه، أسعفه (أمدّ صديقَه بمال كثير- تمدُّ الجمعيّةُ المحتاجين بالمساعدات).
* أمدَّ الجُندَ: نصرهم بجماعة غيرهم، دعَّمهم وقوَّاهم (أمدّ الجيشَ بالعُدّة والعتاد- {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [قرآن]).
* أمدَّ اللهُ أجلَه: مدَّه؛ أطاله وأخّره.
* أمدَّه اللهُ بالخير: أعطاه وأعانه، أكثره له (أمدّه بمال- {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} [قرآن]).
استمدَّ يستمدّ، اسْتَمْدِدْ/اسْتَمِدَّ، استمدادًا، فهو مُستمِدّ، والمفعول مُستمَدّ.
* استمدَّ الشَّيءَ: حصل عليه وأخذه (يستمدّ القمرُ نورَه من الشَّمس- يستمدّ آراءَه من كتب التُّراث- استمدّ سلطتَه من الشَّعب).
* استمدَّ المتضرِّرون الدَّولةَ على عُسْرِهم: طلبوا منها المدَد والمعونةَ (استمدّوا العونَ من الله).
* استمدَّه أجَلَ الدَّيْن أو القرض: طلب أن يؤجِّل له موعدَ السَّداد.
امتدَّ/امتدَّ في يمتدّ، امْتَدِدْ/امْتَدَّ، امتدادًا، فهو مُمتدّ، والمفعول مُمتدّ فيه.
* امتدَّ العمرُ وغيرُه: طال (امتدّ عمرُه لأكثر من مائة عام- زُرعت الأشجارُ على امتداد الطريق- امتدّت جذورُه- امتدّ به المرضُ: لبث زمنًا طويلا) (*) امتداد: مقياس أو مدى الاتِّساع بين نقطتين أو طرفين كاتِّساع جسر.
* امتدَّتِ البقعةُ في الثوب: انبسطت (امتدّت بقعةُ الزَّيت في البحر- امتدّ بصرُه إلى الأفق- امتدّ السَّهلُ أمام أعيننا).
* امتدَّ الشَّخصُ في مشيته: تبختر.
تمدَّدَ/تمدَّدَ ب يتمدّد، تمدُّدًا، فهو مُتمدِّد، والمفعول مُتمدَّد به.
* تمدَّدَ الشَّخصُ وغيرُه: تمطّى، استلقى (تمدّد على فراشه/سريره/المقعد).
* تمدَّد المعدنُ بالحرارة: انبسط أو استطال.
مدَّدَ يمدِّد، تمديدًا، فهو مُمدِّد، والمفعول مُمدَّد.
* مدَّد الشّيءَ:
1 - طوّله (مدَّد الإجازةَ/فترات الراحة/قنوات المياه- تمديد فترة الولاية).
2 - بسطه (مدّد رجليه: جعلهما في وضع راحةٍ واسترخاء- مدّد الثِّيابَ المبلولة لتجفّ تحت أشعّة الشمس).
إمدادات [جمع]: مفرده إمداد: مؤن أو موادّ تُخزن ليتمّ استهلاكُها عند الحاجة.
* الإمدادات العسكريَّة: [في العلوم العسكرية] ما يمدّ به الجنود من رجال وعتاد ومؤن (أرسلت القيادةُ إمدادات كثيرة إلى الجبهة) (*) خطوط الإمدادات.
تمدُّد [مفرد]: جمعه تمدُّدات (لغير المصدر):
1 - مصدر تمدَّدَ/تمدَّدَ ب.
2 - [في الطب] اتِّساع تجويفٍ أو قناةٍ أو فتحةٍ اتِّساعًا مَرَضيًّا أو عمليًّا.
3 - [في الطبيعة والفيزياء] زيادة في سطح الجسم أو حجمه أو مساحته أو طوله (هذا الجسم قابل للتمدُّد) (*) مقياس التمدّد الحراريّ: أداة لقياس التمدّد الحراريّ في الموادّ الصّلبة والسّائلة.
مادّة [مفرد]: جمعه مادّات وموادُّ:
1 - [في الطبيعة والفيزياء] كُلُّ جسم ذي وزن وامتداد ويشغل حيّزًا من الفراغ، والمادّة تقبل التقسيمَ وتتّخذ أشكالًا مختلفة.
2 - [في القانون] قسم من قانون أو معاهدة أو عقد وقد تنقسم إلى فقرات (تمّ الحكم عليه طبقًا للمادّة الثالثة من قانون العقوبات- المادّة الأولى في القانون) (*) موادّ العَقْد: أقسامه التي تشكّل نصَّه- موادّ القانون: النصوص التي تتضمّن أحكامَه.
* مادّة الشَّيء: عناصره التي يتكوّن منها، حسيَّة كانت كمادّة الحجر أو معنويّة كمادّة البحث العلميّ (موادّ غذائيَّة: منتجات أو سلع معدَّة لغذاء الإنسان- موادّ ملتهبة- مادّة الخُطبة- مادّة حيْة/عضويَّة/غريبة) - الموادّ الأوَّليّة: الموادّ الخام التي لم تعالج بعد بالعمل أو بالآلة- موادّ البناء: لوازمه.
* مادَّة مذيبة: [في الكيمياء والصيدلة] مادّة سائلة عادة، قادرة على إذابة مادّة أخرى.
* الموادُّ البَديلة: موادّ تُصنع عِوضًا عن الموادّ الطّبيعيّة، كالألياف الصناعيّة والمطَّاط الصِّناعيّ وغيرهما.
* موادّ العلم: مسائله ومباحثه (موادّ الكتاب: محتواه).
* موادّ اللُّغة: ألفاظها، أصل اشتقاقها ((م د د) هى مادّة المدخل مدّ وأمدّ ومدّد).
مادِّيّ [مفرد]:
1 - اسم منسوب إلى مادّة ومادِّيَّة: وهو مقابل للرُّوحيّ أو المعنويّ (اعتبارات مادِّيّة- مذهب مادّيّ- أدبيًّا وماديًّا- تتجاذب الإنسان نزعات ماديِّة وأخرى روحيّة) (*) غير مادِّيّ: بلا جسد أو جسم أو شكل أو مادّة.
2 - من يقول بأنّه لا يُوجد إلاّ المادّة، الذي يُرجع كلّ شيء إلى المادّة، صاحب النظرة المادّيّة للأمور (فيلسوف مادّي).
مادِّيَّة [مفرد].
* المادِّيَّة: [في الفلسفة والتصوُّف] مذهب فلسفيّ يُسَلّم بوجود المادّة وحدها وبها يفسّر الكون والمعرفة والسُّلوك (منفعة مادّيّة).
* اللاَّماديَّة: مذهب من يُنكر وجود المادّة ويقصر الوجودَ على الأذهان (ثقافة اللاّمادِّيَّة- اللاّمادِّيَّة الرُّوحيَّة).
* المادِّيَّة التَّاريخيَّة: نظريّة ماركسيّة تعتبر الأوضاعَ الماديّة الاقتصاديّة هي الأساس الذي تنشأ عليه الأوضاعُ والأفكارُ الاجتماعيّة والسياسيّة.
* المادِّيَّة الجدليَّة: الفلسفة الماركسيَّة وتتلخّص في اعتبار العالم كلاًّ مكوَّنًا من مادّة متحرِّكة وحركة المادّة فيه تصاعديّة متطوِّرة تموت فيها ظاهرة لتحيا أخرى.
مِداد [مفرد]: جمعه أَمِدَّة:
1 - سائل يُكتب به، ويقال له حِبْر {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [قرآن] (*) تسجّل مواقفه بمداد الفخر: يُعتزّ بها.
2 - امتداد، عدد وكثرة (سبحان الله مداد السموات- {وَالْبَحْرُ مِدَادُهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [قرآن]).
3 - زيادة، مدد.
مدّ [مفرد]: جمعه مُدود (لغير المصدر):
1 - مصدر مَدَّ/مَدَّ في.
2 - [في البيئة والجيولوجيا] ارتفاع ماء البحر على الشَّاطئ وامتداده إلى البرّ، عكسه الجَزْر (بلغ المدّ أقصاه) (*) أَرْض المدّ: أرض يغمرها المدّ- المدّ الأعلى: حركات مدّ مرتفعة ومنخفضة تحدث عند بداية كلّ قمر أو اكتماله وعندما تستوي الشَّمسُ والأرضُ والقمرُ على خطٍّ واحد- تخلَّل المفاوضات مدٌّ وجزرٌ: تقدُّم وتقهقر.
3 - (لغ {علامة تُوضع فوق الألف فترسم} [قرآن] آ) ويقال لها أيضًا (مدَّة).
* مَدُّ البَصر/مدُّ الصوت: مداه، مسافته، منتهاه (بيني وبينه قدر مدّ البصر- يغفر للمُؤذِّن مدّ صوته [حديث] ويروى: مدى صوته).
* حروف المدّ: [في العلوم اللغوية] الألف المفتوح ما قبلها، والواو المضموم ما قبلها، والياء المكسور ما قبلها.
مَدَد [مفرد]: جمعه أمداد:
1 - ما يُزاد به الشَّيء ويكثر {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [قرآن].
2 - عون وغَوْث (اطلب المددَ من الله).
3 - [في العلوم العسكرية] تقوية الوحدات المقاتلة في موقع عسكريّ بمزيد من القوّات والأسلحة.
مُدّ [مفرد]: جمعه أمداد ومِداد: مكيال قديم اختلف الفقهاءُ في تقديره بالكيل المصريّ، فقدّره الشافعيّة بنصف قدح، وقدّره المالكيّة بنحو ذلك، وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز، ورطلان عند أهل العراق.
مُدَّة [مفرد]: جمعه مُدَد: ظرف؛ مقدار من الزَّمان يقع على القليل والكثير (سافر لمدّة شهر- قضى مدَّة العقوبة- سافرت من مدَّة وجيزة- {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [قرآن]).
مِدَّة [مفرد]: جمعه مِدَد:
1 - قَيْح (ضغط على الدُّمَّلِ بشدَّة حتَّى خرجت منه المِدّةُ).
2 - حبر، سائل يكتب به {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مِدَدًا} [قرآن]).
مَديد [مفرد]: جمعه مُدُد: طويل (عيد سعيد وعمر مديد- رجل مديد القامة).
* المَديد: [في العروض] أحد بحور الشِّعر العربيّ، ووزنه: (فاعِلاتُنْ فاعِلُنْ فاعِلاتُنْ) في كلِّ شطر.
ممدود [مفرد]: اسم مفعول من مَدَّ/مَدَّ في.
* الممدود: [في النحو والصرف] اسم معرب آخره همزة قبلها ألف زائدة مثل (صحراء).
* الممدود من المال ونحوه: الكثير، الباقي، الدائم لا يزول ({وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا} [قرآن]: كثير النَّماء).
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
3-المعجم الوسيط (النُّونُ)
[النُّونُ]: الحرفُ الخامسُ والعشرون من حروف الهجاء، وهو مَجهُورٌ متوسط، ومخرجه من طَرَفي اللسان مع أصَول الثنايا العليا، وهو أنْفِيُّ إذ يتسرب الهواء معه من الأنف مع اللَّثة العُليا وامتداد النفَس من الأنف.وللنون دلالات، منها:
1 - نون التوكيد، وتدخل على المضارع، وهي خفيفة وثقيلة، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكونًا مِنَ الصَّاغِرينَ}.
وتبدل الخفيفة عند الوقف ألفًا فيوقف على "ليكونَا" بالألف لينة بعد النون، وعلى "ليسجننَّ" بنون ساكنة.
ويؤكَّد بهما صِيَغ الأمر مطلقا ولو كان دُعائيًّا، كقوله: له
والله لولا الله ما اتَّقينا
ولا تصدَّقْنا ولا صَلّينا
فأنزِلَنْ سكينة علينا
ولا يؤكد بهما الماضي مطلقا.
وأما المضارع فإن كان حالا لم يؤكَّد بهما، وإن كان مستقبلا أكِّدَ بهما كثيرًا بعد الطلب نحو: وَلا تَحْسَبَنّ اللهَ غَافِلًا.
ووجب توكيده بعد القسم في نحو قوله في التنزيل العزيز: وَتاللهِ لأكِيدَنَّ أَصْنامَكُم.
2 - نون الإناث؛ وهي إِما مفتوحة فقط ساكن ما قبلها، نحو: النسوة يذهَبْنَ، وهي ضمير؛ وإما مشدَّدَةً مفتوحة تتصل بالضمائر للدلالة على جمع الإناث، نحو: كتابكُنَّ، ومنهنَّ، وضَرَبَهُنَّ، وهي حرف.
3 - نون الوقاية، وتسمى نون العماد أيضًا.
وتلحق قبل ياء المتكلم نحو: سَمِعَني، وإِنَّني.
4 - النون الزائدة، وهي اثنتان: إِحداهما: تلحق الفعل المضارع إِذا اتصال بضمير تثنية نحو: يضربان، أو بضمير مؤنثة مخاطبة نحو: تضربينَ، أو جمع مذكَّر نحو: يضربونَ.
وتكون مكسورة في المثنى ومفتوحة في الباقي.
الثانية: تلحق الاسم المثنى مكسورة نحو: الزيدانِ، والجمع المذكر مفتوحة نحو: الزيدونَ.
المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
4-معجم متن اللغة (انسبت الجلد بالدباغ)
انسبت الجلد بالدباغ: لان.و- الرطب: عمه الإرطاب كله ولان.
و- الحد: طال وامتد مع اللين.
ويقال: في وجهه انسبات أي طول وامتداد.
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
5-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (الشحر)
الشّحرلها عدّة إطلاقات:
الأوّل: أنّها اسم لكلّ ما شمله حدّ حضرموت السّابق ذكره أوائل الكتاب.
الثّاني: أنّها اسم لساحل المشقاص بأسره، فما كان منه لبني ظنّة.. فهو داخل في حدّ حضرموت، وما كان منه للمهرة كبديعوت.. فهو شحر المهرة.
الثّالث: أنّها اسم لجميع ما بين عدن وعمان، كما ذكره ياقوت [3 / 327] عن الأصمعيّ.
وكثير من يقول: إنّ ظفار هي قاعدة بلاد الشّحر، وفي «الأصل» بسط ذلك.
الرّابع: اختصاص الاسم بالمدينة اليوم.
لكن نقل السّيّد أحمد بن حسن الحدّاد عن الباب السّابع من «نخبة الدّهر»: (إنّ لحضرموت فرضتين على ساحل البحر، يقال لإحداهما: شرمة، وهي الآتي ذكرها. وللأخرى: الشّحر، ولم تكن بمدينة، وإنّما كانوا ينزلون بها في خصاص، حتّى بنى بها الملك المظفّر ـ صاحب اليمن في زماننا هذا ـ مدينة حصينة بعد سنة سبعين وستّ مئة) اه
وفي «صبح الأعشى» (5 / 16): (والشّحر ـ قال ياقوت الحمويّ: هي بليدة صغيرة ـ ولم يزد على ذلك. والّذي يظهر: أنّ لها إقليما ينسب إليها) اه
وما استظهره هو الواقع، ولا سيّما في الأعراف القديمة، وكانت وفاة ياقوت في سنة (626 ه)؛ أي: قبيل أن يجعلها المظفّر مدينة بمدّة ليست بالطّويلة.
وما جاء في «صبح الأعشى» عن ياقوت لعلّه من غير مادة الشّحر، أمّا فيها من «معجمه».. فقد أطال القول عن الشّحر، وقال: (هو صقع على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن، وإليه ينسب العنبر الشّحريّ؛ لأنّه يوجد في سواحله، وهناك عدّة مدن يتناولها هذا الاسم، وإلى الشّحر ينسب جماعة منهم محمّد بن خويّ بن معاذ الشّحري) اه [3 / 327 ـ 328] باختصار.
وفي «مروج الذّهب» ذكر للنّسناس الّذي أفضت القول عنه ب «الأصل»، ثمّ قال المسعوديّ: ووجدت أهل الشّحر من بلاد حضرموت وساحلها ـ وهي تسعون مدينة على الشّاطىء من أرض الأحقاف، وهي أرض الرّمل وغيرها ممّا اتّصل بهذي الدّيار من أرض اليمن وغيرها، من عمان وأرض المهرة ـ يستظرفون أخبار النّسناس إذا ما حدّثوها، ويتعجّبون من وصفه، ويتوهّمون أنّه ببعض بقاع الأرض ممّا قد بعد عنهم؛ كسماع غيرهم من أهل البلاد بذلك عنهم، وهذا يدلّ على عدم كونه في العالم، وإنّما هو من هوس العامّة؛ كما وقع لهم من عنقاء مغرب، ونحن لا نحيل وجود النّسناس والعنقاء؛ لأنّ ذلك غير ممتنع في القدرة، غير أنّه لم يرد خبر قاطع للعذر بصحّة وجود ذلك في العالم.. فهذا داخل في حيّز الممكن الجائز... إلى آخر ما أطال به.
والذي يعنينا منه كون الشّحر فيما سلف من الزّمان تسعين مدينة، وكون هذه الأرض تسمّى كلّها أرض الأحقاف، وهو موافق لكثير ممّا سبق. والله أعلم.
وللشّحر ذكر في شعر سراقة بن مرداس البارقيّ، وذلك أنّه أخذ أسيرا يوم جبّانة السّبيع، فقدّم في الأسرى، فقال ـ كما عند الطّبريّ وغيره ـ [من الرّجز]:
«امنن عليّ اليوم يا خير معدّ *** وخير من حلّ بشحر والجند»
وخير من لبّى وصلّى وسجد
فعفا عنه المختار في قصّة طويلة تشهد لاستيلائه على الشّحر. وكانت دولة الشّحر لكندة إلى سنة (575 ه).. حيث هجم عليها الزّنجيليّ.
ثمّ تولّاها آل فارس المختلف في نسبهم: فقيل: إلى الأنصار، وهو أبعدها.
وقيل: إلى كندة، وهو أوسطها، ويؤيّده ما سبق في حجر أن لا تزال به طائفة من آل ابن دغّار الكنديّين، يقال لهم: آل فارس. وقيل: إلى المهرة، وهو الّذي رجّحته ودلّلت عليه.
وفي سنة (616 ه): انقضّ ابن مهديّ ـ وهو من صنائع آل رسول اليمانيّين ـ على آل فارس، وأخرجهم من الشّحر.
وفي سنة (621 ه): تولّى عليها عبد الرّحمن بن راشد، وكان يؤدّي الخراج لملوك الغزّ، فعزله نور الدّين الرّسوليّ برجل من الغزّ، وأضاف إليه نقيبا، فقتل الغزّيّ، واستولى على البلاد، وكان عبد الرّحمن بن راشد في ضيافة نور الدّين بتعز، فاستدعاه، وخلع عليه، وأمره أن يسير إلى الشّحر، فضبطها وبقيت تحت حكمه إلى سنة (678 ه) حيث دخلت الشّحر وحضرموت تحت حكم المظفّر الرّسوليّ، ولكنّه أبقى عبد الرّحمن بن راشد عليها نائبا عنه حتّى توفّي في سنة (664 ه)، ودفن بين تربة الشّيخ سعد الظّفاريّ وتربة عمرو، وقبره مشهور بها.
وخلفه أخوه راشد بن شجعنة، فبقي عليها إلى سنة (677 ه)، فتغيّر عليه المظفّر واعتقله بزبيد إلى أن مات.
وفي سنة (767 ه): وصل المظفّر بنفسه إلى الشّحر، فعمّرها ـ حسبما تقدّم ـ ثمّ لم يزل حكّامها من أسرته تحت أمر آل رسول حتّى ضعف أمرهم.
وصار النّفوذ بحضرموت لآل يمانيّ.
وفي سنة (812 ه): استولى دويس بن راصع على الشّحر، ثمّ عادت لآل فارس، حتّى انتزعها منهم آل كثير في سنة (867 ه)، وهي أوّل دولتهم بها.
ثمّ استردّها آل فارس منهم في سنة (894 ه).
ثمّ استرجعها آل كثير في سنة (901 ه)، وما زالت في أيديهم على مناوشات بينهم وبين أمراء العشائر حتّى استولى الإمام (المتوكّل على الله) على حضرموت وعليها في سنة (1070 ه).
وقال السّيّد أحمد بن حسن الحدّاد: (كان خروج الإمام أحمد بن حسن سنة «1072 ه»، وأقام بجيشه في حضرموت نصف شهر، ثمّ عاد طريق البحر من بندر الشّحر، واستخلف السّلطان بدر بن عمر الكثيريّ، وترك عنده جملة من عسكره الزيديّة، واستمرّ أمرهم نحو خمسين سنة إلى خروج يافع من الجبل سنة 1117 ه) اه
وقال السّيّد محمّد بن إسماعيل الكبسيّ في كتابه «المسالك اليمنيّة»: (وفي سنة «1064 ه»: خطب بدر بن عمر الكثيريّ للإمام، فقبض عليه ابن أخيه بدر بن عبد الله، فهمّ الإمام بالتّجهيز، وأمر بحشد الجنود إلى بني أرض، ومنعت بلاد الرّصّاص ويافع والعوالق والجرش والواحديّ والفضليّ عن المرور فيها، فجدّ الإمام في جهادهم، واجتمع لأولاد إخوته زهاء عشرة آلاف راجل وألف عنان، واشتدّ القتال بينهم وبين حسين الرّصّاصيّ حتّى قتل، وانهزم أخوه صالح إلى البيضاء، وانتهب العسكر جميع ما في مخيّمهم.
وكان محمّد بن الحسين لم يشهد الوقعة، ولكنّه حضر بعدها، فتقدّم إلى يافع يوم الإثنين (19) جمادى الآخرة من السّنة إلى ذيل جبل العرّ، فاستولى على الجبل، وعادوا إلى عند الإمام.
ولمّا انتهى خبر هذا النّصر العظيم إلى بدر بن عبد الله الكثيريّ.. أطلق عمّه، وخطب للإمام، فأرسل الإمام صالح بن حسين الجوفيّ إلى حضرموت، فألفى الأمر على حقيقته، فوجّه بدر بن عمر إلى ظفار واليا عليها.
وفي سنة «1068 ه»: غدر بدر بن عبد الله بعمّه بدر بن عمر، وأخرجه عن ظفار، فقدم على الإمام فأكرمه.
وفي جمادى الأوّلى من سنة «1069 ه»: اختار المتوكل الصّفيّ أحمد بن حسن لفتح حضرموت والشّحر وظفار.
وفي شعبان: توجّه الصّفيّ إلى وادي السّرّ بمخلاف خولان، ثمّ إلى فحوان ورغوان، ثمّ إلى مأرب وحبّان، ثمّ دخل أطراف بلاد العوالق فوصل بلدة واسط، ثمّ سار إلى وادي حجر، ثمّ تجرّد منها تجرّد الحسام.
وكان سلطان حضرموت قدّم عساكره إلى أعلى عقبة حجر فانهزموا من أحمد بن الحسن، وبانهزامهم.. انهزم من بعدهم، وهذا المحلّ يقال له: ريدة بامسدوس، ثمّ تقدّم إلى الهجرين، ثمّ التقوا بعسكر سلطان حضرموت فهزموهم واستولوا على حضرموت، وعاد الصّفيّ إلى حضرة الإمام بضوران، في أبّهة فاخرة، ودولة قاهرة، وفتح قريب، ونصر عجيب) اه باختصار.
وإنّما استوفيته مع عدم ملاءمته للإيجاز؛ لأنّ فيه ما ليس في «الأصل»، على أنّ في «الأصل» ما ليس فيه، فليضمّ إلى كلّ ما نقص.
أمّا استيلاء يافع على الشّحر وحضرموت: فكما ذكر السّيّد أحمد بن حسن الحدّاد: كان في سنة (1117 ه)، وقد سبق في المكلّا أنّ الشّيخ عمر بن صالح هرهرة أمير ذلك الجيش أقام بالشّحر ثلاثة أشهر، جبى فيها منها خمسة وثلاثين ألف ريال (35000).
وكان من يافع طائفة يقال لهم: آل عيّاش، سكن رئيسهم بحصن الشّحر الّذي كان يقال له: المصبّح، فأطلق عليه من ذلك اليوم: حصن ابن عيّاش.
وما زالت يافع على الشّحر حتّى أخذها الإمام المهديّ بالمهرة، ومعهم الأمير سعيد بن عليّ بن مطران، وحصل النّداء بالشّحر أنّ النّاس في أمان المهديّ.
واشترط يافع لأنفسهم أن يغادروا الشّحر بسلاحهم بعد ثمانية أيّام، فخرجوا منها إلى حضرموت، وانضمّوا إلى عسكر عمر بن جعفر.
وفي سنة (1118 ه): وصل السّلطان عمر بن جعفر من اليمن إلى الشّحر، وسلّمه النّقيب والعسكر حصن الشّحر، ونادى بالأمان، ثمّ كتب للعسكر بحضرموت: (إنّ سيّدي الإمام المهديّ وجّهني إلى حضرموت، فإن كنتم في الطّاعة.. سلّمتم النّاس من الضّرر، وإلّا.. فنحن واصلون بالجيش المنصور، وهو مؤلّف من ثلاث مئة من حاشد وبكيل، ونحو مئة من سائر عسكر الإمام، ونحو مئة من الحجاز، ونحو مئة وخمسين أخلاط من الخلق).
وكان السّلطان عيسى على سيئون وحضرموت، فانهزم.
ثمّ تغلّبت يافع على عمر بن جعفر، وعاد الأمر إليهم بالشّحر، إلى أن اختلفوا، فغلبهم آل بريك، وكانوا ولّوا رئيسهم بعض الأمر بالنّيابة عنهم، فلمّا اختلفوا.. استبدّ عليهم.
وأصل آل بريك من حريضة، وهم إمّا من بقايا بني ناعب الآتي ذكرهم في التّعريف بوادي عمد، وإمّا من بني جبر؛ قبيلة من يافع يسكنون جبلا في سرو حمير، يقال له: ذو ناخب، كما في «صفة جزيرة العرب» لابن الحائك الهمدانيّ [173].
وأوّل ما ابتدأ به آل بريك المصالحة بين الحموم، والتّحالف معهم، حتّى قرّبوا النّاس وعاملوهم بالإحسان حتّى أحبّوهم.
وأوّل أمير لهم هو: ناجي بن عمر، وكانت يافع جعلت إليه الماليّة في أيّام نفوذها؛ لأنّهم تنازعوها وكادوا أن يقتتلوا عليها، ولمّا استقلّ شيئا فشيئا على حساب اختلافهم وتفرّق آرائهم.. أفاقوا، فناوشهم، ولكنّه انتصر عليهم لأنّهم كانوا متحاسدين.
ولمّا مات ناجي بن عمر في سنة (1193 ه).. خلفه ولده عليّ بن ناجي بن عمر بن بريك، فخالفه محسن بن جابر بن همّام، وانضمّ إليه آل عمر باعمر، فجهز عليهم عليّ ناجي وأجلى آل همّام إلى المكلّا، وآل عمر باعمر إلى الرّيدة، واستنجد آل همّام بعبد الرّبّ بن صلاح الكساديّ، ولكنّه انهزم هو وإيّاهم كما سبق في المكلّا.
وفي أيّام عليّ ناجي هذا: ظهر أنّ القاضي سعيد بن عمر بن طاهر كان يعمل الأسحار، فأغرقه في بالوعة الأقذار، وكان آخر العهد به.
ولمّا مات عليّ بن ناجي سنة (1220 ه).. خلفه أخوه حسين بن ناجي، ثمّ ولده ناجي بن عليّ بن ناجي.
وفي أيّامه جاءت الوهّابيّة في خمس وعشرين سفينة تحت قيادة ابن قملة، بأمر الملك عبد العزيز بن سعود آل سعود، الّذي استفحل سلطانه لذلك العهد، فافتتح نجدا والحسا والعروض والقطيف والحجاز وغيرها، وكان أكثر فتوحه على يد القائد العظيم ابنه سعود المتوفّى سنة (1229 ه).. فامتلكوا البلاد، ولم يؤذوا أحدا في حال ولا مال، ولم يهلكوا حرثا ولا نسلا، وإنّما أخربوا القباب، وأبعدوا التّوابيت ـ وقد قرّرت في «الأصل» ما ذكره ابن قاسم العبّاديّ من حرمة التّوابيت.
وأمّا القباب: فإن كانت في مسبّلة.. فحرام، وإلّا.. فلا، بشرطه، ولم يعترضهم آل بريك.
وأقاموا بالشّحر أربعين يوما، ثمّ ركبوا سفائنهم وعادوا لطيّتهم.
وفي سنة (1227 ه): نشب الشّرّ ما بين الكساديّ ـ صاحب المكلّا ـ وآل بريك، وامتدّت المناوشات بينهم زمانا طويلا في البحر والبرّ.
وفي سنة (1242 ه): توفّي ناجي بن عليّ؛ وكان خادما للدّين، شديد الغيرة على شعائره، لا يخرج عن رأي الإمام الحبيب حسن بن صالح البحر في ذلك، حتّى لقد أمره أن لا يمكّن أحدا من البادية يدخل الشّحر ليمتار إلّا بعد أن يحلف اليمين على أن لا يقصّر في الصّلاة، فحصل بذلك نفع عظيم، وصلاح كبير، حتّى جاء العوابثة في قطار لهم، فلمّا أرادوا أن يدخلوا من سدّة العيدروس وهي باب الشّحر الشّماليّ.. عرضوهم على العهد، فأبوا، وصرفوا وجوه إبلهم إلى الغيل عند رفاقهم آل عمر باعمر، وارتجزوا بقول شاعرهم:
«قولوا لناجي بن عليّ *** كلّين يوخذ له ملاه »
«ماراس بن عوبث غلب *** ما بايعاهد عالصّلاه »
واختلفوا في تفسير هذا: فقوم يحملونه على العناد والمجاهرة بالفساد.
وآخرون يحملونه على أنّ الدّاعي إلى الصّلاة من الدّين، والسّائق لها من الضّمير، فلا تحتاج إلى عهد ولا إلى يمين. ولمّا مات ناجي بن عليّ.. خلفه ولده عليّ ناجي الثّاني.
وفي سنة (1267 ه): كانت حادثة مرير، وحاصلها: أنّ آل كثير أغاروا على الشّحر بعسكر مجر، وجاءتهم نجدة من الأتراك في البحر من مكّة المشرّفة، على رأسها شيخ العلويّين، السّيّد إسحاق بن عقيل بن يحيى، مؤلّفة تلك النّجدة من نحو خمس مئة جنديّ بعدّتهم وعتادهم، فبلغت العساكر البحريّة والبريّة نحوا من خمسة آلاف، إلّا أنّه لم يصحبها رفيق من التّوفيق، فكان عاقبتها الانهزام الشّامل، والفشل الشّائن، كما هو مفصّل ب «الأصل» [3 / 9 ـ 16].
وبعضهم يعلّل ذلك الانهزام بخيانة من سيبان الموجودين بكثرة في الجيش الكثيريّ؛ لأنّهم كانوا في طليعة الجيش المرابط بمرير، فلمّا هاجمتهم فرقة من عسكر الكساديّ جاءت من المكلّا لمساعدة آل بريك.. انهزموا وذهبوا بها عريضة وأكثروا من الأراجيف، فخلعوا قلوب الجيش الكثيريّ وملؤوا صدورهم رعبا، فركب كلّ منهم رأسه، وذهبوا عباديد لا يلوي أحدهم على شيء قطّ، وعادت النّجدة التّركيّة إلى أسطولها الرّاسي بشرمة؛ لأنّ مرسى الشّحر كان مكشوفا؛ وكان البحر هائجا، والوقت خريفا، وتفرّق الجيش الكثيريّ أيدي سبأ، وعاد بخيبة الرّجاء، ولم يبق بالمعسكر في اليوم الثّاني نافخ ضرم.
وكان من نتيجة ذلك الفشل: أنّ السّلطان عبد المجيد العثمانيّ أقال السّيّد إسحاق من مشيخة العلويّين بمكّة، وأبدله بالسّيّد محمّد بن محمّد السّقّاف.
وفي سنة (1283 ه): جهّز السّلطان غالب بن محسن الكثيريّ على الشّحر، فاستولى عليها، وهرب عليّ ناجي بمن معه وما قدر عليه، في خمس من السّفن أعدّها لذلك من يوم علم بالغزو، وكان هربه إلى المكلّا فلم يمكّنه الكساديّ من النّزول بها؛ معتذرا بأنّه لا يصلح سيفان في جفير، فأبحر إلى يشبم، وأذن له النّقيب أن يبقي نساءه وصغاره في خلف، ومات كثير منهم بالبرد.. فانتقل بعضهم إلى الحرشيات، أمّا المكلّا.. فلم يمكّنهم من دخولها، وأقام عليّ ناجي عند الشّيخ فريد بن محسن العولقيّ عاما، ثمّ ركب إلى عدن، وعاد منها إلى الشّحر.
وكان عليها الأمير عبد الله بن عمر القعيطيّ بعد جلاء غالب بن محسن عنها، فأكرم وفادته، وتحفّى به حتّى لقد دخل بين البحّارة الّذين حملوه من القارب إلى السّاحل، وأحسن مثواه، إلّا أنّ فكرة الإمارة عادت تتحرّك في صدره، وكلّما ذكر أيّامه عليها بالشّحر.. قال بلسان حاله:
«فوالهفة كم لي على الملك شهقة *** تذوب عليها قطعة من فؤاديا»
فعزم إلى الآستانة؛ ليستنجد بالخليفة العثمانيّ على الكساديّ بالمكلّا وعلى القعيطيّ بالشّحر، فسافر إلى عدن، ثمّ خرج إلى لحج، وبها فاجأته المنيّة، وعاد كثير من أعقابه إلى الشّحر، ولا يزال بها ناس منهم إلى اليوم.
أمّا غالب بن محسن: فلو قنع بالشّحر كما أشار عليه المخلصون.. لأوشك أن تطول بها مدّته، لكنّه طمع في أخذ المكلّا من الكساديّ، فانكسر دونها.
وفي آخر ذي الحجّة من نفس السّنة الّتي أخذ فيها الشّحر ـ أعني سنة (1283 ه) ـ: جهز القعيطيّ بمساعدة الكساديّ على الشّحر، وافتتحها بأسرع وقت، وتفرّق عسكر السّلطان غالب شذر مذر، بعدها أخذت السّيوف منهم كلّ مأخذ ولو لا أنّ أحد عبيده ـ وهو صنقور سليمان، وكان من أهل القوّة والأيد ـ احتمله على ظهره.. لذهب مع شفرات يافع، فما نجا إلّا بجريعة الذّقن وخيط الرّقبة.
وفي رجب من سنة (1284 ه): استأنف السّلطان غالب بن محسن التّجهيز على الشّحر؛ إذ بقي قلبه بحسرة عليها، ودخل أكثر جيشه من كوّة فتحوها في سور البلد، فانحصروا وانقطع عليهم خطّ الرّجعة، وأصلتهم يافع ومن لفّهم من عسكر القعيطيّ نارا حامية، فأثخنوا فيهم قتلا، وخرج الباقون لا يلوي آخرهم على أوّلهم.
ورسخت أقدام القعيطيّ بالشّحر، وجلس عليها الأمير عبد الله بن عمر القعيطيّ، كما عرف ممّا سبق.
وبعد وفاته في سنة (1306 ه): خلفه عليها ولده حسين بن عبد الله؛ لأنّ أكثر إقامة السّلطان عوض بن عمر كانت بحيدرآباد الدّكن في خدمة النّظام الآصفي، ثمّ نزغ الشّيطان بين السّلطان عوض وأولاد أخيه عبد الله، وهما: منصّر وحسين، وجرى بينهم ما فصّلناه ب «الأصل».
وكانت النّهاية تحكيم المنصب السّيّد أحمد بن سالم بن سقّاف، فحكم بأن لا حظّ لهم في الإمارة، وتمّ جلاؤهم عن الشّحر والغيل بمساعدة الحكومة الإنكليزيّة في سنة (1320 ه).
ومن العجب أنّ التّحكيم كان خاصّا بما بينهم من الدّعاوى الماليّة، ومع ذلك فقد كان الحكم شاملا للإمارة! !.
واستتبّ الأمر للسّلطان عوض بن عمر القعيطيّ، فحل حضرموت، وطلّاع نجادها، ومزلزل أوتادها.
«مدبّر ملك أيّ رأييه صارعوا *** به الخطب ردّ الخطب يدمى ويكلم »
«وظلّام أعداء إذا بدىء اعتدى *** بموجزة يرفضّ من وقعها الدّم »
«ولو بلغ الجاني أقاصي حلمه *** لأعقب بعد الحلم منه التّحلّم »
وقد أطلقنا عليه لقب السّلطان؛ لأنّه به حقيق في اتّساع ملكه، وامتداد نفوذه، وفي «الأصل» بسط الكلام عمّن يسمّى سلطانا ومن لا يسمّى.
ونزيد هنا قول الإمام الرّازيّ في تفسير قوله: (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) وهو أنّ: (من ملك بلدا صغيرا لا يحسن فيه أن يقال فيه: جلس على العرش، وإنّما يحسن ذلك فيمن ملك البلاد الشّاسعة، والأقطار الواسعة. فالعرش والكرسيّ لا يكونان إلّا عند عظمة الملك) اه
وهو لا يخرج عمّا هناك.
وللسّلطان عوض محاسن جمّة، ومناقب مهمّة، وقد حجّ في سنة (1317 ه)، وأظهر من التّواضع والخضوع ما يدلّ على قوّة دين، وصحّة إيمان، وأكرمه الشّريف عون الرّفيق، وأعاد له الزّيارة، فأدركته عنده نوبة صرع، فانزعج القعيطيّ، وظنّها القاضية، حتّى هدّأه أصحاب الشّريف، وقالوا له: إنّما هي عادة تعتاده من زمن قديم، وقدّم للشّريف هدايا طائلة.
ومع قرب سفره.. طلبوا منه معونة لإجراء سكّة الحديد بين الشّام والمدينة، فدفع لهم ثلاثين ألف ربيّة، فأرجعوها إليه استقلالا لها، فركب إلى المدينة على وعد الرّجوع إلى جدّة، ثمّ سار إلى الشّام، وكان آخر العهد به، وسلمت الثّلاثون ألف.
وقد سبق في حجر أنّه تعلّق بأستار الكعبة وتاب من كلّ سيّئة إلّا من فتح حجر وحضرموت.
توفّي بالهند آخر سنة (1328 ه)، ورثاه شيخنا العلّامة أبو بكر ابن شهاب بقصيدة حمينيّة ولكنّها مؤثّرة.
ووقع رداؤه على ولده السّلطان غالب بن عوض، وكان شهما كريما ليّن الجانب، دمث الشّمائل، وديع القلب، شريف الطّبع، وافر الحرمة، سعيد الحظّ، ميمون النّقيبة، مبسوط الكفّ، ينطبق عليه قول الطّائيّ [أبي تمّام في «ديوانه» 2 / 317 من الطّويل]:
«فتى سيط حبّ المكرمات بلحمه *** وخامره حقّ السّماح وباطله »
وقوله [في «ديوانه» 1 / 316 من الوافر]:
«له خلق نهى القرآن عنه *** وذاك عطاؤه السّرف البدار »
وقول البحتريّ [في «ديوانه» 2 / 339 من الطّويل]:
«تغطرس جود لم يملّكه وقفة *** فيختار فيها للصّنيعة موضعا»
وقوله [في «ديوانه» 1 / 63 من الطّويل]:
«إلى مسرف في الجود لو أنّ حاتما *** لديه.. لأمسى حاتم وهو عاذله »
وقول أبي الطّيّب [في «العكبريّ» 1 / 129 من الكامل]:
«ودعوه من فرط السّماح مبذّرا *** ودعوه من غصب النّفوس الغاصبا»
وفي أيّامه كانت حادثة الحموم في (27) ربيع الثّاني من سنة (1337 ه)، وحاصلها: أنّهم كانوا يخيفون السّابلة، والحكومة القعيطيّة تتوقّى شرّهم وتدفع لهم مواساة سنويّة يعتادونها من أيّام آل بريك.
وفي ذلك العهد انعقد الصّلح بين الحموم والحكومة القعيطيّة بدراهم بذلتها لهم الحكومة ـ لا يستهان بها ـ على العادة الجارية بينهم في ذلك، فبينا هم غارّون.. هاجمتهم سيبان، وكان لها عندهم ثار، فقتلت منهم عددا ليس بالقليل، فاتّهموا الحكومة بمساعدتهم، وظفروا بجماعة من يافع فقتلوهم، فما زال ناصر أحمد بريك أمير الشّحر يومئذ يداريهم ويستميلهم، ويظهر لهم أنّ قتلهم ليافع لم يثر حفاظه.. حتّى اجتمع منهم بالشّحر نحو من أربع مئة، وكانوا يعتدّون بأنفسهم وبهيبة الحكومة لهم.. فلم يبالوا بالدّخول من دون تجديد للصّلح الّذي وقع فيه ما وقع فألقى عليهم القبض أجمعين، وقتل سبعة وعشرين من رؤسائهم، ودفنهم في قبر واحد من غير غسل ولا صلاة ولا تكفين؛ منهم: سالم بن عليّ بن مجنّح، الملقّب (حبريش)، وحيمد بن عمرو بالفرج الغرابيّ، ومرضوح بن عوض اليمنيّ، وغيرهم. وأظهروا من الثّبات ساعة القتل ما أبقى لهم جميل الأحدوثة.
ومات في حبس القعيطيّ منهم مئة وسبعة، وأطلق بعد ذلك سراح الباقين، ولكن بعد ما وهن جانبهم، ونخرت عيدانهم، إلّا أنّ عليّ بن حبريش لم يزل يجمع جراميزه لأخذ الثّأر، ودار على حصون آل كثير فلم يجد عندهم منفعة، وإلّا.. فقد كانت بينهم وبين بعضهم أحلاف.
وبعد أن مضى لهذه الحادثة سبع سنين.. هجم على الدّيس فنهبها واستباحها، وقتل جماعة من عسكر القعيطيّ، وأسر ثمانية عشر منهم، ولم يقتل من أصحابه إلّا أربعة فقط، وطفق يتجاذب الحبال مع الدّولة القعيطيّة حتّى استعانوا عليه بالطّائرات الإنكليزيّة، فأضرّت بمكانه الواقع على مقربة من غيل ابن يمين، ولم يخضع مع ذلك.
وفي نحو سنة (1358 ه): كمن ولده في جماعة من الحموم بالمكان المسمّى حرو، فجاءتهم ثلّة من العساكر القعيطيّة في سيّارات، يتقدّمهم يافعيّ شجاع، يقال له: محمّد محسن السعديّ، فتبادلوا الرّصاص، لكن كانت يافع أثبت وأنفذ سلاحا، فاستأصلوهم قتلا، فانكسف بال عليّ بن حبريش، واستولى عليه الفراش، ومات غبنا.
وكان أهل الشّحر يلاقون عناء من قلّة الماء، فأجراه إليهم السّلطان غالب من تبالة، فاستراحوا بذلك.
وفي أيّامه انعقدت بينه وبين سلاطين آل كثير صاحب سيئون وصاحب تريم المعاهدة المشهورة ذات الإحدى عشرة مادّة، المحرّرة (27) شعبان سنة (1336 ه) وقد اعترفوا في المادّة الأولى منها بانسحاب حكم الحماية الإنكليزيّة عليهم.
ولقد بذلت جهدي في تحذير السّلاطين الكثيريّين ونصحهم عن الموافقة عليها، وذكرت لهم ما في ذلك من الوزر والخسر بما هو مبسوط في «الأصل»، ولكنّ السّيّد حسين بن حامد المحضار ألحّ في ذلك بسعي شديد، وجهد جهيد، وساعده ناس من أهل الثّروة.. فتمّ له ما أراد، ومعروف ومشهور ما لي في ذلك من المنظوم والمنثور.
وكانت بيني وبين السّلطان غالب هذا مودّة لو لا مكايدة السّيّد حسين بن حامد لها.. لكانت قويّة، وبيني وبينه مكاتبات ممتعة ذكرت بعضها في «الأصل»، ولي عليه عهود موثّقة بالنّصر على كلّ من عاداني، وبالإعفاء من الرّسوم عن ستّين طردا في كلّ عام، وبمرتّب سنويّ زهيد، ومع ذلك.. فقد كان وزيره المرحوم السّيّد حسين بن حامد المحضار يراوغني فيها، ويمانع العمل بها.
ولمّا توفّي.. أرسلتها إلى عند ولده السّيّد أبي بكر بن حسين أطالبه بإجرائها وتنفيذ ما فيها، فلم يردّها إليّ رأسا، وظنّها النّسخة الوحيدة، ولكن كانت عندي صورتها بإمضاء السّلطان غالب والسّيّد حسين، وشهادة السّيّد محمّد بن عبد الله بن هادون بن أحمد المحضار، والأمير عليّ بن صلاح، وطالما ذكّرت بها العلّامة السّلطان صالح بن غالب، فقلت له أمام الملأ: أهذه المعاهدات صحيحة معمول بها، أم تعتبر لاغية؟! فأجاب بصحّتها والتزام تنفيذها، وكان ذلك بمرأى ومسمع من وزيره المكرّم الفاضل سيف بن عليّ آل بو عليّ.
وقد تقدّمت إلى السّلطان صالح في سنة (1355 ه) بقصيدة [كما في «الدّيوان» ق / 167 ـ 169 من الطّويل] تزيد عن مئة وعشرين بيتا لم تعد فيها قافية، وأنشدتها له مرّات، أولاها بالمكلّا عامئذ، والثّانية بحورة في سنة (1360 ه)، والثّالثة بمنزلي في سنة (1365 ه). منها:
«وبين يدينا شرعة لا تزيدها *** تجاريب ذي عقل ولا عقد مؤتمر»
«هي القدّة المثلى العليّ منارها *** أتتنا بها غرّ الأحاديث والسّور »
«وحسبك بالإفرنج فالخطّة الّتي *** بها المشي فيما يحكمون به استمر»
«مدوّنة في الأصل من قول مالك *** وسائل تجدها في التّواريخ والسّير»
«ولكنّ أهل العلم والدّين داهنوا *** وباعوا حقوق الله بالماء والشّجر»
«فلن تلق منهم من نهى عن قبيحة *** ولا من بمعروف على مكره أمر»
«إذا انتهك الإسلام أغضى زعيمهم *** وإن أخذت شاة له اهتاج واستعر »
«فما شأنهم إلّا التّصنّع والرّيا *** وأعجب ما تلقى النّفاق لدى مضر»
«نفاق وأخلاق دقاق وذلّة *** بها شوّه الإدبار أيّامنا الأخر»
«تولّى الوفا والصّدق فاندكّ مجدهم *** وراحت عليهم كلّ مكرمة هدر»
«يقولون ما لا يعملون تصنّعا *** سواسية من قال شعرا ومن نثر»
«وقد كانت الآباء من قنّة العلا *** بشأو حثى في وجه كلّ من افتخر »
«تزلّ الوعول العصم عن قذفاتهم *** وكم من عقاب في مراقيهم انكسر »
«مضوا شهداء الحقّ في نصرة الهدى *** وما برحوا في هجرة وعلى سفر»
«ومن آل قحطان رجال على الوفا *** مضوا بسلام ذكرهم طاب واشتهر»
«إذا عاهدوا وفّوا العهود وإن دعوا *** أجابوا ولو كان الظّلام قد اعتكر»
«كرام يهابون الملام، ولذعة ال *** كلام لهم أشوى من الصّارم الذّكر »
«وجاءت خلوف سخنة العين بعدهم *** مشائيم قد ضمّوا إلى العجر البجر »
«مذاميم تطويل الإزار من العلا *** لديهم، وتصفيف الملابس والطّرر»
«إذا عقدوا عقدا وقالوا مقالة *** فلا عقدهم يرجى ولا القول يعتبر»
«فآه من الشّؤم الّذي مسّنا بهم! ! *** وآه على عقد الكرام الّذي انتثر! ! »
«ولمّا نصرت الحقّ بين بني أبي *** رأوا أنّه الذّنب الّذي ليس يغتفر»
«فدانوا ببغضي واستهانوا بحرمتي *** وكم قصدوني بالأذايا وبالضّرر»
«وكم حطّ من قدري حسود فلم ينل *** علاي لأنّي صنت نفسي عن القذر»
«فإن جاء عنّي فاسق بنميمة *** وألصق بي عيبا وأرجف وافتجر»
«فقولوا له: قابل، فذا هوّ حاضر *** وغبّ التّلاقي يعرف الصّفو والكدر»
«يعيبونني غيبا وأعلن ذمّهم *** وليس سواء من أسرّ ومن جهر»
«نناشدك الإسلام والحرمة الّتي *** نؤمّل فيها أن نلوذ إلى وزر»
«ولي بخصوصي في الذّمام وثائق *** أبوك بها ـ حيّاه مولاه ـ قد أقرّ»
«وأمضى بمرأى من رجال ومسمع *** عليها وعندي خطّه الآن مستطر»
«وأكّد إحداهنّ توقيعكم بها *** وشاع لدى أهل المدائن والوبر»
«فما بيّ من هضم يمسّ بمجدكم *** وأنت الحميّ الأنف والأمر قد ظهر»
«أترضى على هذا بواش يقول لي: *** كلام القعيطيّ الّذي قاله قصر؟! »
وكان الاقتصار أحقّ بالاختصار، لكن أخذ الكلام برقاب بعضه، واقتضاه سوق الحفيظة، والاستنجاز في هذا المعرض المناسب.
وقد توفّي السّلطان غالب بن عوض في سنة (1340 ه) ودفن بجانب أبيه بمقبرة أكبر شاه بحيدرآباد الدّكن.
وقد رثيته عن وجدان صحيح وودّ صادق، بقصيدة توجد بمكانها من «الدّيوان»
ورثاه شيخنا العلّامة ابن شهاب بأبيات، منها:
«جاء تاريخ موته *** عظّم الله أجركم »
وما سمعنا بسلطان بكته رعاياه بدموع حارّة، وأحزان متواصلة.. مثله، ولا جرم؛ فقد قال أبو الطّيّب [في «العكبريّ» 1 / 49 من الطّويل]:
«ومن سرّ أهل الأرض ثمّ بكى أسى *** بكى بعيون سرّها وقلوب »
وقال يزيد المهلّبيّ [من البسيط]:
«أشركتمونا جميعا في سروركم *** فلهونا إذ حزنتم غير إنصاف »
وخلفه أخوه السّلطان عمر بن عوض، وكان ثقة، حازما، صادقا، شجاعا، غيورا، وله وفادات مكرّرة إلى مكّة المعظّمة والمدينة المشرّفة، يتواتر عنه فيها ما يدلّ على صحّة الإيمان وقوّة الدّين، ولئن اتّهم بتقصير في العبادة، وانحراف في السّيرة.. فالنّدم أمارة صدق التّوبة.
وبقي على وزارته السّيّد حسين بن حامد المحضار، إلّا أنّه لم يكن في أيّامه وافر الحرمة نافذ الكلمة واسع الجاه، كما كان في أيّام السّلطان غالب الّذي لا يعترضه في أيّ أمر كان، بل يفوّض إليه الأمور تفويضا أعمى.
أمّا السّلطان عمر.. فقد أسمعه ما يكره، حتّى لقد أخبرني السّيّد محمّد بن عبد الله بن هادون بن أحمد المحضار: أنّ السّيّد حسين بن حامد قال لولده أبي بكر وهو على فراش الموت: (إنّني قتيل عمر بن عوض).
ولمّا مات السّيّد حسين في آخر سنة (1345 ه).. أبقى السّلطان عمر ولده أبا بكر، ثمّ عزله، ولم يثرّب عليه، ولم يؤذه في حال ولا مال.
واستوزر بعده المكرّم سالم بن أحمد القعيطيّ، وجعله موضع ثقته وأمانته.
توفّي السّلطان عمر بن عوض أواخر سنة (1354 ه) بحيدرآباد الدّكن، وخلفه العلّامة الجليل السّلطان صالح بن غالب، وكان غزير المادّة في العلم، كما تشهد له بذلك مؤلّفاته المنقطعة النّظير، وقد سبق في المكلّا شغفه بالعلم، وإنفاقه على المدارس ما يوازي ربع حاصلات البلاد بالتّقريب.
وقد تجدّدت بينه وبين الحكومة البريطانيّة معاهدة في الأخير ـ لعلّها في سنة (1358 ه) ـ قبل فيها أن يكون له مستشار إنكليزيّ، وعذره فيما يظهر: أنّ بعض آل حضرموت أكثروا الزّراية على وزارته، وتمضّغوها في الجرائد بحقّ وبغير حقّ، وأغدقوا العرائض في ذلك على دار الاعتماد بعدن، وعند ما أحسّ بالإصغاء إليها مع تردّد رجال الحكومة الإنكليزيّة إلى حضرموت ونزولهم على الرّحب والسّعة بأكثر ممّا يوافق هواهم، ويملأ رضاهم، ويوطّىء لهم المناكب، ويفتح لهم الأبواب.. لم يسعه ـ مع ما عرفه من الأحابيل المنصوبة له ولولده من بعده، مع حرصه على توثيق الأمر له ـ إلّا أن يقول بلسان حاله: (إذا سعيتم في موالاة الحكومة الإنكليزيّة برجل.. طرت فيها بجناح)، فكان ما كان، إلّا أنّه تنازل لهم عن أكثر ممّا التزمه.
ولقد كان السّلطان الكثيريّ ـ مع نزول درجته عنه وصغر مملكته بتفاوت عظيم ـ لا يزال ينازعهم، وقلّما يشتدّ في أمر إلّا وافقوه عليه، فتراه يتحمّل مع اتّساع ملكه ما لا يتحمّله الكثيريّ، والسّلطان صالح محبوب عند النّاس، مفدّى بالأرواح من سائر الأجناس:
«هو الملك الّذي جمعت عليه *** على قدر محبّات العباد»
«تولّته القلوب وبايعته *** بإخلاص النّصيحة والوداد »
وهو كآبائه، محبّ بنفسه للعدل، بعيد من الظّلم، إلّا أنّه يرخي الأعنّة للحكّام وللعمّال. وبما عرفوا من انبنائه على العفو الواسع، والحلم الشّامل.. أخذوا يتبسّطون في المظالم، ونخاف أن يخلقوا له بأعمالهم الّتي هو منها براء بغضا في القلوب من دون جناية فعلية، ولا نجاة من ذلك الخطر إلّا بأن يأخذ هو ووزيره بسيرة ابن الخطّاب في مراقبتهم وبثّ الأرصاد عليهم، حتّى إنّه ليصبح وكأنّما بات مع كلّ واحد في فراشه، تأتيه أخبارهم بدون غشّ في كلّ ممسى ومصبح، ويقول: (لو ضاعت ناقة بشاطىء الفرات.. لكان المسؤول عنها آل الخطّاب) وما يعني إلا نفسه، ويقول: (لو عثرت دابّة كانت التّبيعة عليّ)، قيل له: (ولم).. قال: (لأنّ من واجبي تعبيد الطّرقات) أو ما يقرب من هذا.
وتلك هي سيرة أزدشير بن بابك، وقد تقيّلها معاوية بن أبي سفيان، وزياد بن أبيه، فانتظمت الأمور، واندفعت الشّرور، وانعدم الجور، وإنّني لأتمنّى أن يتسمّتها هذا السّلطان ووزيره؛ لتثلج الصّدور، وتبرد الخواطر، وتبقى على انعقادها بمحبّتهم القلوب؛ إذ لا أنصر للسّلطان من أفئدة تمتلىء بودّه، وألسنة تهتف بشكره، وفّقنا الله وإيّاهم لما فيه خير الإسلام والمسلمين.
ولقد كانت الحكومة القعيطيّة في أيّام السّيّد حسين بن حامد أحبّ من جهة إلى النّاس منها اليوم، لا لأمن ينبسط، ولا لعدل ينتشر، ولا لخير يعمّ، ولا لشرّ يندفع، ولا لعطاء يرجى، ولا لسيوف تخشى، ولكن لخصلة واحدة، وهي: جبر القلوب، وأخذ الخواطر، وحلاوة اللّسان، والمقابلة بالتّرحيب والمعانقة، وإن زاد على ذلك شيئا.. فما هو إلّا كرم الضّيافة، حسبما قلت له في القصيدة الآتي خبرها في أحوال سيئون السّياسيّة [من البسيط]:
«ملكت قسرا قلوب النّاس قاطبة *** بخفّة الرّوح والأخلاق والحيل »
«وبالكلام الّذي نيط القبول به *** مع العناق لدى التّوديع والقبل »
وإنّما قلت: من جهة؛ لأنّ الجور في بعض الأماكن؛ كوادي الأيسر لعهده تكاد تنشقّ الأرض منه، وتخرّ الجبال هدّا، ومفاسد الاستبداد إذ ذاك فوق التّصوّر.
فإنكاري على عمّال الحكومة القعيطيّة جدّ شديد في جورهم وتنكّرهم للمناصب ولرؤساء يافع وآل تميم وآل كثير وغيرهم من حلفاء السّلطان القعيطيّ وأشياعه.
وقد كان السّبب الأكبر في سقوط دولة آل مروان: إدناء الأعداء، وإبعاد الأولياء؛ إذ صار الوليّ عدوّا بالإقصاء، ولم يعد العدوّ وليّا بالتّقريب.
وقد اتّفق أنّ بعض العمّال في سنة (1366 ه) أخذ أهل دوعن بالشّدّة والعنف، وحاول أن يضغط على سيبان وآل العموديّ والسّادة، ولم يدر أنّ الضّغط يورث الانفجار، فكانت النّتيجة أن تحالفت بطون سيبان من نوّح والحالكة والخامعة والمراشدة والقثم وآل باخشوين وآل باعمروش وآل نهيم، ودخلت معهم الدّيّن وناس من الحموم على إعلان الثّورة عندما يريد أحدهم عمّال الحكومة بالظّلم، وتعاقدوا أن لا يجيبوا باغي هضيمتهم إلّا بألسنة البنادق، وقالوا بلسان حالهم:
«إذا الملك الجبّار صعّر خدّه *** مشينا إليه بالسّيوف نخاطبه »
وعقدوا بينهم عهدا وثيقا وحلفا أكيدا، من قواعده: أن لا وفاء ولا بياض وجه لمن تأخّر عنه أو خاس به إلّا دفع ألف ريال وقتل أحد أقربائه على عوائدهم الجاهليّة.
وكان ذلك أواخر سنة (1366 ه) ببضه، وشهده الفاضل السّيّد علويّ بن محمّد بن أحمد المحضار، وأبو بكر بن حسين المحضار، وأحد السّادة آل البار.
فلم يكن من الحكومة إلّا أن عزلت ذلك وعملت بسياسة معاوية بن أبي سفيان؛ إذ يقول: (لو كانت بيني وبين النّاس شعرة.. لم تنقطع؛ لأنّهم إن شدّوا.. أرخيت، وإن أرخوا.. قبضت)، ونعمّا فعلت الحكومة بذلك؛ لأنّه إذا التقى السيفان.. ذهب الخيار، ولكن الصّيف ضيّعت اللّبن؛ إذ لم يكن إلّا بعد أن خسرت من الهيبة، وفقدت من الأبّهة ما لا يمكن تلافيه إلّا بتحمّل منّة تتفسّخ منها القوائم لحكومة عدن، مع أنّها كانت في غنى عن ذلك؛ لانعقاد القلوب على محبّة السّلطان، لعفّته عن أموال النّاس.. فلا يحتاج إلى العنف إلّا اللّثام الّذين لا يصلحهم غيره.
«ووضع النّدى في موضع السّيف بالعلا *** مضرّ كوضع السّيف في موضع النّدى »
ولو أنّ عمّال القعيطيّ سايسوا الكرام من سيبان والعموديّ بالرّفق.. لاستقام الحال، وانحلّ الإشكال؛ إذ الكرام كما قال الأوّل:
«قوم إذا شومسوا لجّ الشّماس بهم *** ذات العناد وإن ياسرتهم يسروا »
وقال سعيد بن ناسب [من الطّويل]:
«وما بي على من لان لي من فظاظة *** ولكنّني فظّ أبيّ على القسر»
هذا ما يحسن أن يعامل به الكرام، أمّا الرّذال.. فلا يصلحهم إلّا ضرب القذال وبمثل ذلك جاء القرآن العظيم، وسار عليه الشّارع الحكيم، ومعاذ الله أن يصلح آخر هذه الأمّة إلّا ما أصلح أوّلها، ولا معرفة لي تكفي اليوم للحكم بحال القوم، ولكنّ من يردني من آل العموديّ وآل العطّاس يحدّثني عن شهامتهم ونخوتهم بما يبعد معه أن تذلّل معاطسهم الخطم، وقد قال بعض شعرائهم المتأخّرين ـ واسمه سعيد بن سالم بانهيم المرشدي ـ:
«لا حق بامدّه ولا منقود *** ولا شريعه عند قاضي »
«لمّا يغلّق كسبي الموجود *** هفوه لهم والقلب راضي »
ولا أشنوعة عليه بالتّمدّح بالامتناع عن استدعاء القضاة؛ لأنّهم لصوص.. فله من جورهم مخرج عن هذا، وفيه شبه من قول بعض الأوائل [من الطّويل]:
«بني عمّنا لا تذكروا الشّعر بعدما *** دفنتم بصحراء الغميم القوافيا »
«فلسنا كمن كنتم تصيبون سلّة *** فنقبل ضيما أو نحكّم قاضيا »
«ولكنّ حكم السّيف فينا مسلّط *** فنرضى إذا ما أصبح السّيف راضيا »
ولا أذكر قائلها الآن، ولكنّني أعرف أنّ موسى بن المهديّ تمثّل بها لمّا جيء برأس الحسين بن عليّ بن الحسن المثنّى، وجعل يوبّخ من أسر من أصحابه ويقتلهم.
والحسين هذا هو الفخي نسبة إلى محلّ واقعته، وهو بمكّة أو قريب منها، أو هو وادي الزّاهر.. فكلّ ذلك قيل، وهي أقوال متقاربة.
ولطالما حدّثني الواردون عن شهامة أولئك، غير أنّ قياس المشاهدة على ما نعرف من قبائل بلادنا.. يجعل السّعي مهلا، والصّعب سهلا، والعسر إلى المياسرة.
وبعد أن فرغت من هذا الكتاب بشهور أخبرني غير واحد بأنّ أحد رؤساء آل ماضي ـ وكان يحطب في حبل الحكومة ـ ابتزّ امرأة رجل غائب بالهند، ولمّا حضر.. امتلأ غيظا ـ وفيما دون هذا يحمى أنف الكريم ـ فلم يبخل بالمال في سبيل غسل العار، فقتل ذلك الباغي في بلاده، واتّهم بقتله اثنان من آل باصليب، فجهّزت عليهم الحكومة نحو سبع مئة جنديّ بدبّاباتهم فما دونها من الآلات والأسلحة والعتاد، فصبر لهم رئيس آل باصليب، وكان شهما، وأبلى فيهم أحسن البلاء، ثمّ قتل، وأشبل عليه أخوه وابنه فأصيبا، ولكنّهما احتملاه، رحمة الله عليه، لقد مات شهيدا وأبقى ذكرا مجيدا:
«فتى مات بين الطّعن والضّرب ميتة *** تقوم مقام النّصر إن فاته النّصر »
«وقد كان فوت الموت سهلا فردّه *** إليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر »
«ونفس تعاف العار حتّى كأنّما *** هو الكفر يوم الرّوع أو دونه الكفر»
وكان كلّ ذلك ـ حسبما يقال ـ بخيانة من بعض آل باصليب أنفسهم، ثمّ لم يكن من الحكومة إلّا إهانتهم، وأخذ أسلحتهم.
وبإثر هذه الحادثة تراخى أمر ذلك الحلف؛ إذ تقنّعت الأحلاف، ولم يلبّ صوت المقدّم سعيد باصليب إلّا المشاجرة، جاؤوا من يبعث ونواحيها في نحو سبع مئة رام، يتقدّمهم باشقير، ولكن بعد ما سبق السّيف العذل، وفرغوا من سعيد باصليب.. فعادوا أدارجهم.
وكان عند آل العموديّ بعض مأجوري الحكومة يشاغلونهم بالكلام، حتّى قضي الأمر، وما أظنّه إلّا يتساوى النّاس، ويصحّ القياس.
وقال الطّيّب بامخرمة في التّعريف بالشّحر: (سمّيت الشّحر بهذا الاسم لأنّ سكّانها كانوا جيلا من المهرة يسمّون: الشّحرات ـ بالفتح وسكون الحاء المهملة وفتح الرّاء، ثمّ ألف، فحذفوا الألف وكسروا الشّين، ومنهم من لم يكسرها، والكسر أكثر ـ وتسمّى: الأشحار أيضا؛ كالجمع. وتسمّى: الأشغاء؛ لأنّه كان بها واد يسمّى الأشغا، كان كثير الشّجر، وكان فيه آبار ونخيل، وكانت البلاد حوله من الجانب الشّرقيّ، والمقبرة القديمة في جانبه الغربيّ.
وتسمّى أيضا: سمعون؛ لأنّ بها واد يسمّى بذلك، والمدينة حوله من الشّرق والغرب، وشرب أهلها من آبار في سمعون. وتسمّى: الأحقاف أيضا.
وقد ذكر هذه الأسماء النّقيب أبو حنيفة، واسمه أحمد، كان من أولاد أحد تجّار عدن، ثمّ صار نقيبا لفقراء زاوية الشّيخ جوهر، ثمّ عزم إلى الشّحر، وامتدح سلطانها عبد الرّحمن بن راشد بأشعار كثيرة، معظمها على البال بال، وهو الّذي يسمّيه أهل حضرموت الدان دان.
وخرج من الشّحر جماعة من العلماء الفضلاء؛ كآل أبي شكيل، وآل السّبتيّ، وآل بن حاتم، وغيرهم. وإليها ينسب خلق كثير؛ منهم: محمّد بن معاذ الشّحريّ، سمع من أبي عبد الله الفزاريّ. والجمال محمّد بن عمر بن الأصفر الشّحريّ، سمع منه القواضي بماردين سنة «680 ه».
ومن شحر عمان: عمرو بن أبي عمر الشّحري، أنشد له الثّعالبيّ شعرا في «اليتيمة» اه
وقد أطلت القول على الأشحار ب «الأصل»، ومتى عرفنا أنّه من أسماء الشّحر.. انحلّ المشكل عليّ فيه، فهذا ممّا يستدرك على ما هناك.
وطالما استشكلت قولهم: (إنّ المظفّر هو الّذي جعل الشّحر مدينة)، مع عاديّ عمرانها، وتقادم أخبارها، والمفهوم: أنّها كانت مدينة عامرة ثمّ اندثرت حتّى عمّرها المظفّر، فهذا الجمع متعيّن.
ومرّ أوائل هذه المسوّدة عن ياقوت ذكر محمّد بن خويّ بن معاذ، ولكنّ الطّيّب بامخرمة نسبه إلى جدّه ولم يذكر أباه.
وقال الطّيّب أيضا في مادة (ذبحان)
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
6-التوقيف على مهمات التعاريف (التراخي)
التراخي: التمهل وامتداد الزمان، وتراخى الأمر تراخيا امتد زمانه.التوقيف على مهمات التعاريف-زين الدين محمد المدعو بعبدالرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري-توفي: 1031هـ/1622م
7-القاموس المحيط (السبت)
السَّبْتُ: الرَّاحةُ، والقَطْعُ، والدَّهْرُ، وحَلْقُ الرأسِ، وإرْسالُ الشَّعَرِ عن العَقْصِ، وسَيْرٌ للإِبِلِ، والحَيْرَةُ، والفَرَسُ الجَوادُ، والغُلامُ العارِمُ الجَرِيءُ، وضَرْبُ العُنُقِ، ويومٌ من الأُسْبوعِ، ج: أسْبُتٌ وسُبوتٌ، والرجُلُ الكثيرُ النَّوْمِ، والرجُلُ الدَّاهِيَةُ،كالسُّبَاتِ، وقيامُ اليَهُودِ بِأَمْرِ السَّبْتِ، والفِعْلُ: كَنَصَرَ وضَرَبَ، وبالكسر: جُلُودُ البَقَرِ، وكُلُّ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ، أو بالقَرَظِ، وبالضمِّ: نَباتٌ كالخِطْمِيِّ، ويُفْتَحُ.
والمُسْبِتُ: الذي لا يَتَحَرَّكُ، والداخِلُ في يومِ السَّبْتِ.
والسُّباتُ، كغُرابٍ: النَّوْمُ، أو خِفَّتُهُ، أو ابْتِداؤُه في الرأسِ حتى يَبْلُغَ القَلْبَ، والدَّهْرُ، وبلا لامٍ: لَقَبُ إبراهيمَ بنِ دُبَيْسٍ المُحَدِّثِ.
وأقَمْت سَبْتًا وسَبْتَةً وسَنْبَتًا وسَنْبَتَةً: بُرْهَةً.
وكَفْرُ سَبْتٍ: بالشامِ.
وابْنا سُباتٍ: اللَّيْلُ والنهارُ.
والمَسْبوتُ: المَيِّتُ.
ورُطَبٌ مُنْسَبِتٌ: عَمَّهُ الإِرْطابُ.
والسَّبَنْتى: الجَرِيءُ، والنَّمِرُ، ج: سَبائِتُ.
والسَّبْتَةُ: المِعْزى.
والسِّبْتانُ، بالكسر: الأَحْمَقُ.
وانْسَبَتَ: امْتَدَّ.
والسَّبْتاءُ: المُنْتَشِرَةُ الأُذُنِ في طولٍ أو قِصرٍ، والصَّحْراءُ.
وسَبْتَةُ: د بالمَغْرِبِ.
والسِّبِتُّ، (كفِلِزٍّ): الشِّبتُّ، مُعَرَّبَا: شِوِذَّ.
وفي وجْهِهِ انْسِباتٌ: طولٌ وامْتِدادٌ.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
8-القاموس المحيط (الضخ)
الضَّخُّ: الدَّمْعُ، وامْتِدَادُ البَوْلِ،ونَضْخُ الماء.
والمِضَخَّةُ، بالكسر قَصَبَةٌ في جَوْفِهَا خَشَبَةٌ يُرْمى بها الماء.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
9-المعجم الاشتقاقي المؤصل (د)
د احتباسٌ بضغطٍ وامتداد.المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
10-المعجم الاشتقاقي المؤصل (تلو تلى)
(تلو - تلى): {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [البقرة: 121].التَوالي: الأعجاز: التِلْوُ - بالكسر: ولدُ الحمار، وولدُ الناقةِ، يتبعان أميهما، وكذا الجَدْى. ويقال: تَلِيَ فلان بعدَ قومه (كرضي): أي بَقِي. والتُلاوة - كرُخامة وكبَليّة: بَقيةُ الشيء عامة.
° المعنى المحوري
هو: اتّباع الشيء ما يسبقه لحوقًا به من خلفه: كالأعجاز، وكولد الحمار والناقة يتبعان أميهما، وكالباقي بعد ما ذهب سَلَفُه في
موضعه (كأنه خلفه). ومنه تَلَوته: تبعته، وفلان يتلو فلانًا: يحكيه ويتبع فعله: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} [الشمس: 1, 2]: تَبِعها. وتَتَلَّى الشيءَ: تتبّعه.
ومن ذلك التلو المكاني يؤخذ التلو العملي أي التنفيذ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} [البقرة: 102] قال [طب 2/ 566]: "يتبعونه حق اتباعه ويأخذون به عملًا ". والذي يصلح فيه تفسير (تلا) بـ (اتبع) مما جاء في القرآن من التركيب هو - مع ما سبق {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [فاطر: 29، وكذا ما في هود 17، ينظر قر 9/ 16 - 17]. وسائره من التلاوة القراءة.
أما التلاوة بمعنى القراءة، كما في تلاوة القرآن والنشرات، فلعل أصل هذا من تتبع الكلام المكتوب عند القراءة أي اتباعه كلمة كلمة، فهذا يعني القراءة من مكتوب، وعليه: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48] فهذا كالصريح في معنى قراءة المكتوب. ثم عمم في القراءة عن ظهر القلب أي من غير مكتوب. وقد يكون هذا من القراءة اللاحقة، أي المتَّبِعة لما وُعِيَ قَبلا، كما قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] أو من التلاحق: تلاحق المتلوّ أي امتداده هذا يتبع هذا. {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} [الأنفال: 31]، {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} [المائدة: 27]، {تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: 102] قال بعضهم: "تتلو: تُحدِّثُ وتَرْوِى وتَتَكلم به وتخبر نحو تلاوة الرجل أيّ كتاب؛
لأن الشياطين هي التي عَلّمت الناسَ السحرَ ورَوَتْه لهم.. وقال آخرون: ما تَتْبعُه الشياطينُ وتعملُ به.. كما يقال: تَلَوْتُ فلانًا: إذا مَشَيْتَ خلْفه وتَبِعْتَ أَثَره، كما قال جل ثناؤه: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} [يونس: 30] - على إحدي القراءتين - يعني بذلك تتبع، {عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: 102] أي في (عهد) ملكه ". اهـ [طبري 2/ 412].
أما عن الفرق بين القراءة والتلاوة فهو حسب ما تكشفه الدراسة:
أ) أن المعنى الأصلي الدقيق للقراءة هو وعي المادّة (المقروءة) في القلب تلقيًا بالسماع (ويدخل فيه الوحي)، أو من كتاب (بلا صوت). ويتفرع عن هذا لزوميا القراءةُ بمعنى إلقاء المحفوظ في القلب باللسان أي نطقه.
والتلاوة تستعمل في هذا أي في نطق الكلام وإلقائه دون مطالعة من صحيفة، كما قال تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} [البقرة: 252]؛ فتستوي في هذا مع (القراءة): إما تطورًا، وإما أصالة، كما مرّ في الفقرة السابقة. وتستعمل في القراءة من كتاب - وهذا أصل في التلاوة - وعليه جاء قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} [العنكبوت: 48] - كما سبق. وامتداد الكلام كالقيد فيها.
ب) إذا استعمل الفعلان معديين فإن "تلا "لا تكون إلا قراءة بصوت، "وقرأ "تكون بصوت وبغير صوت. أما إذا عُدِّيا بالحرف "على "فإنهما تستويان في أنه لا بد فيهما من الإلقاء بصوت.
الخلاصة في الفرق بين التلاوة والقراءة في الأصل: "تلا "تستعمل للقراءة من مكتوب بصوت، ويتسامح فيها فتكون من غير مكتوب لكن بصوت،
و "قرأ "تستعمل للقراءة من مكتوب ومن غير مكتوب، بصوت وبغير صوت. فإذا عُدّيا بـ (علي) فهما بصوت ولا بد. وقد أشار أبو هلال (1) إلى فرق آخر خلاصته أن التلاوة تكون في ما يطول أي يكثر من الكلام. ووجود عنصر التلاحق أخذًا من الاتباع واللحوق في استعمالات التركيب = يتيح ذلك.
وقال الراغب: إن التلاوة أخص من القراءة لأن التلاوة تختص بما يُتْبع. وقال في هذا السياق: "فكل تلاوة قراءة، وليس كل قراءة تلاوة [فإنه] لا يقال: تلوت رقعتك. وإنما يقال في القرآن في شيء إذا قرأته وجب عليك اتباعه "اهـ. وأنا أكاد أقطع بأن الأمر التبس علي الإمام؛ فإن الذي منع "تلوت رقعتك "هو أن التلاوة لا تكون إلا بصوت، والرقعة المرسلة من شخص إلى شخص خاصة ليس الشأن فيها أن تقرأ علنًا، فهذا هو الذي منع، لا أن الرقعة ليست مما يتبع.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
11-المعجم الاشتقاقي المؤصل (جبر)
(جبر): {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 23]الجبّار من النخل - كشداد: الطويلُ الذي فات يَدَ المتناول/ العظيم. ونخلة جَبَّارة: فتية قد بلغت الطولَ وحَمَلَت. والجمع بلا تاء. وتجبّر النبتُ والشجر: اخضرّ وأَوْرق وظهرت فيه المَشْرةُ بعد ما يَبِس أو أُكِل (المَشْرة - بالفتح: شبه خُوصة تخرج في العِضَاه وفي كثير من الشجر أيامَ الخريف لها ورق وأغصان رخصة) والجبَار - كسحاب: فِناء الجبّان.
° المعنى المحوري
اشتداد وامتداد (ذاتي) يتجاوز ضَعْفًا أو خللًا (طارئًا). كالنخلة تنمو عن صِغَر، تأمل قولهم عن الجبّار من النخل "فات اليَدَ.. فتيّة بَلَغَت الطُول " (أي الطول المعهود للنخل) وكذلك تجبُرُّ النبت الذي اخضرّ بعد قطعه أو يُبْسه (استرداد قوة). وفِناء الجبّان امتداد له متروك - عن رَهْبة - بعد الذي يُشغل منه. ومن "ذلك جَبَرَ العظمَ الكسير (ضرب): شدّه بالجبائر (: عيدان) ليلتئم وينمو، فجَبَر وانجبر. وعلى المثل: جَبَرَ الفقيرَ واليتيم: سدّ مفاقره ".
ومن ذلك "جَبَره وأجبره: أكرهه وقهره (تجاوز بقوته إرادة الضعيف فأكرهه) {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق: 45]. و "الجبَّار كشداد: المتكبر الذي لا يرق لأحد عليه حقًّا/ المتمرد العاتي {وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [هود: 59] ,
{بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: 130] وكذا كل صفة (جبار) في القرآن عدا ما يأتي.
وقد فُسَّر اسمُه عز وجل الجبّار {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} بالعظيم، وجبروت الله: عَظَمته (وتفسيره بذي العزة التي لا تتناهى أقرب إلى المعنى الاشتقاقي من العظمة)، كما فُسّر بالجَبْر: الإِصلاح من نحو "جَبَر الكسير "، وبالجبر القهر. [قر 18/ 47]. وهذا الأخير مُتَضَمَّنٌ في معنى العزة البالغة. و "الجَبْر - بالفتح وكشداد: المَلِك " (للسلطة والقهر الذي له ويبسطه على المملوكين).
ومن الأصل "نارُ إجبير: نار الحُبَاحب "تظهر وتنطفئ مرة بعد أخرى أي باسترسال وامتداد.
وأما "الجُبَار من الدم - كغراب: الهَدَر، وفي الحديث "المعدِن جُبَار، والبئرُ جُبَار، والعَجْماء جُبَار "فهو من ذاك الامتداد تجاوزًا أي بصورة تجاوز، على معنى أن الأمر يجرى مطردًا ويُمْضَى عما حدث لا يُتَوَقَّفُ عنده - فكأن لم تحدث إصابة - أو كأن إصابتها مَجْبُورة بنفسها. (والعامة تقول في السلعة التي نفقت وبيعت جَبَرت - ويقال كان زمان وجَبَر أي مضى وتُجُووز).
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
12-المعجم الاشتقاقي المؤصل (جرر جرجر)
(جرر - جرجر): {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} [الأعراف: 150]."الجُرّ - بالضم: المَكّوك الذي يثقب أسفله يكون فيه البَذْر ويمضي به الأكّار وهو ينهال؛ وبالفتح والضم: جُحْر الضبع والثعلب واليربوع والجُرَذ. والجَرور من الركايا والآبار: البعيدة القعر. والجارور: نهر يشقه السيل فيَجُره. وجَرّ الفصيلَ: شق لسانه لئلا يرضع. وفي تركيب (طلح) أورد [ل] قوله مخاطبًا شجرة الطلح:
لاقيتِ نَجّارًا يَجُرُّ جَرَّا... بالفأسِ لا يُبقِى عَلى مَا اخْضَرّا
يقال إنه ليَجُرُّ بفأسه جَرًّا إذا كان يقطع كل شيء مرّ به وإن كان واضعها على عنقه."
° المعنى المحوري
سحب الجِرم المتجمِع (قطعًا أو نقلًا) باسترسال وامتداد (1): كالبَذْر من الجُرّ، وانقطاع جِرْم الأرض في الجُحْر والرَكِيّة والنَهْر الموصوفات، وشَق لسان الفصيل، واقتطاع الأشياء بالفأس - مع الامتداد في
كل ذلك. والاسترسالُ في الجُرّ سقوط الحَبّ كذلك، وفي الجُحْر إلخ الامتداد. ومنه "جَرَّتْ المرأةُ والناقةُ: بَقِى ولدها في بطنها بعد تمام مدة الحمل أيامًا في المرأة ونحو شهرين في الناقة " (تبقيه وتأخذه معها مدة من الزمن استرسالًا لما سبق). "والجرير: الحبلُ المفتول من أَدَم " (لامتداده جرمًا كثيفًا، أو لجر البعير ونحوه به). ومنه "جَرَّ الشيءَ: سحبه خلفه ". {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} "والجَرَّة - بالفتح: الخُبْزَة التي في المَلّة (لأنها تستمر مدة ولا تُخْرَج بسرعة كالتي تَوضَع في التنور)، وجَرَّت الإبلُ: رَعَتْ وهي تَسِير (شيئًا فشيئًا: امتداد) وجَرَّ على نفسه وغيره جَرِيرة: جنَى عليهم (سحب الأمر ومَدَّه حتى لحقهم) واجتر البعيرُ من الجِرّة - بالكسر: وهي ما يخرجه من بطنه ليمضغه ثم يبلعه (يسحبه من جوفه شيئًا بعد شيء على دفعات متوالية) وجَرْجَرَ الماء: جَرَعه جَرْعا متواترًا له صوت. والتجرجرُ والجَرْجَرة: صَبّ الماء في الحلق ". وأما "الجرجرة: صوت يردده البعير في حنجرته ". فهي لفظ حكائي.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
13-المعجم الاشتقاقي المؤصل (حيي)
(حيي): {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97]الحيّة: الحَنَش. والحيّ من النبات: ما كان طريًّا يهتز. وأرض حَيَّة: مُخْصِبة. وأحْيَيْناها: وَجَدْناها حَيّة النبات غَضّة. وحياءُ ذوات الظلف والخف: رَحِمُها.
° المعنى المحوري
امتلاء بالطراءة التي لها حِدّةٌ ما أو فاعلية تتمثل في رهافة الحسّ وفي النمو حركة أو امتدادًا: كجِرْم الحية ممتدَّا يتحرك (والامتداد يصور النمو)، وتتجلى طراءته في مرونته وتَلَويِّه دُونَ أن ينقطع كأنه مليءٌ بمانع. والتلوِّى دون انكسار يعطي التماسكَ أيضًا، وكالنبات الطري ينمو، واهتزازه دون أن ينكسر يبدي تماسكه. والحياءُ مجتمعُ الجرم على طراءة وهو حادّ الحس (وهو للمرأة حَيّ -بالفتح. وقد ارتبط تركيب (حيي) في القرآن الكريم بالماء في أكثر من عشرة مواضع مثل {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30]، {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [النحل: 65]. ومن ذلك أيضًا "الحيا: المطر " (به تكون الطراءة والنمو، وفُسِّر أيضًا بالخِصْب). ومنه أيضًا: "المحاياة: الغِذَاء للصبي " (به نموه وغضاضته) (وعند الفلاحين أول سَقْية لبعض ما يزرعون تُسَمى رَيَّة المحاياة). "وأحيا القومُ: أُمطِروا فأصابت دوابُّهم العُشْب حتى سَمِنت. وحَيُوا هُمْ أنفسُهم بعد الهزال ". (السِمَن عن شحم متراكم وهو طري) وقالوا "حَيَّ الطريقُ: استبان " (وهو حينئذ ممتد متصل متماسك) ومن ذلك الأصل "الحياة نقيض الموت " (قوة سارية تتمثل في الحِسّ والنموّ وهو حركة واتصال وامتداد مع الطراءة. وجسمُ الميت يتصلب). {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ} [الأعراف: 25] {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ
يُمِيتُكُمْ} [الحج: 66] "والحيوان: الحياة الدائمة الباقية " {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64]. وكل ما في القرآن من التركيب هو من الحياة ضد الموت -عدا التحية والحياء. وعنه الاستحياء إبقاء الشخص حيًّا أي عدم قتله {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البقرة: 49، الأعراف: 141، إبراهيم: 6] وكذلك ما في [الأعراف: 127، والقصص: 4، وغافر: 25].
ومن "الأصل التحيّة: البقاء "إذ هو امتداد واتصال مع رقة الحياة والحركة ومنه قول زهير بن جناب الكلبي:
ولَكُلُّ ما نالَ الفَتَى.. قد نِلْتُه إلا التحية
(أي الخلود) والتحيةُ: السلامُ من ذلك أيضًا فالشائع بين عرب الجزيرة إلى الآن: "حَيّاك الله "ومعناها أحياك الله أي أبقاك، "وأعمرك الله " [ل 236/ 237] وهذا المعنى مازال شائعًا إلى الآن (أطال الله عمرك وأبقاك وعافاك إلخ) وقد كان شائحًا قديمًا عند العرب والعجم [ل 237] وما أظنه كان خاصًّا. والتحيةُ في هذا صِنْو السلام من حيث المعنى فهو من السلامة وهي بقاء أو سبب للبقاء {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] ومثلها ما في [المجادلة: 8]، وكل كلمة (تحية). وقولنا في التشهد "التحياتُ لله "معناها البقاء والدوام والسلامة (من كل نقص) كقوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] وفيها معنى التنزيه مثل (سبحان الله، وتعالى الله). وفُسّرت بأنها جَمْع أنواع التحية: السلام. وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} [البقرة: 26] (أي لا يستبقى ذلك ولا يمنع منه ولا يحجزه -وأنا
أستريح لهذا التفسير هنا) وفي [طب 1/ 398، ول 238/ 18] جُعِلَتْ من الحَياء الذي هو نحو الخجل.
ومما في الأصل من تجمع مع رقة في الباطن قالوا: "الحَيّ: الواحدُ من أحياء العرب، والبطنُ من بطون العرب " (فهذا تجمع لقوم يربطهم الدم والرحم وهما رقة تضادّ جَفَافَ الأجانب وجفاءهم، مع التعاطف (إحساس)، ولتجمع القوم حركة كثيرة ونمو أيضًا).
والحياءُ الذي هو ضد الوقاحة هو من الامتلاء بالغضاضة والطراءة والحس المرهف المتمثل في سرعة التأثر. والعامة تصف الحيِىّ بأنه عنده دم وأنه حسّاس، ومن توقح بأنه فاقد الدم والإحساس، ويقال لمن عانَى مخجلًا: أراق ماءَ وجهه. قال الشاعر:
عساها تنجلي وخلاك ذم... وماء الوجه في الوَجَنات جار
ومن وقع في ما يُستحيا منه يقول إنه مَبْلول، والشوام يقولون مَغْسول) {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص: 25]، {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53]. وتأثر المستحْيي يغلب أن يكون انقباضًا، وقد عُرّفَ الحياءُ بأنه التوبةُ والحشمةُ. والتوبة انقباض وإمساك. وقالوا "لا حَيَّ عنه ولا حَدَدَ: أي لا مَنْعَ منه لا يَحُدّ عنه شيء " [ل 233/ 10] والمنع إمساك وقبض.
ومن الصفة (حيّ) ولوازمها استعملوا كلمة (حَيّ) بمعنى شَخْص ذي حياة قال: {وَحَيَّ بَكْرٍ طَعَنّا}، "أدركتُ حَيَّ أبي حفص "، "إن حيَّ ليلى لَشاعرة "يريدون ليلى، "أتانا حيُّ فلان أي أتانا في حياته "، "وسمعت حَيّ فلان يقول كذا
أي سمعته يقول "في حياته، {بعد حَيّ أبي المغيرة} أي بعد أبي المغيرة "، و "قاله حيُّ رياح: أي رياح "ثم قالوا: "حَيُّ فلان: فلان نفسه ". ومن هذا أيضًا قولهم "صليت العصر والشمس حَيَّة "أي فيها حدّتها وفاعليتها لم يصبها الفتور بدنو الغروب (غروبها انطفاء وموت).
وقولهم حيَّ على الصلاة أي ائتوها، وكذلك على الغداء أي هلموا وأقبلوا -وهو من المعنى المحوري أي تحركوا إلى مكانها.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
14-المعجم الاشتقاقي المؤصل (حد)
° معنى الفصل المعجمي (حد): قطع ومنع لما شأنه الامتداد كعمل حدّ السكين -في (حدد)، والشخوص من أثناء الشيء خلوص كالانقطاع مع الامتداد- في (حيد)، والانفراد -في (وحد)، والتفرد- في (أحد) دقة كالانقطاع، والوجود امتداد. والكشط ونحوه الذي في (حدث) قطع، وتجلي الشيء بلا صدأ ثبوت وامتداد. والإطار الخارجي للشيء يمتد حوله في الحدقة والحديقة وهو دقيق السمك أو القيمة بالنسبة لما في وسطه.الحاء والذال وما يثلهما
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
15-المعجم الاشتقاقي المؤصل (حوذ)
(حوذ): {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} [المجادلة: 19]"الحاذُ: طريقةُ المتن من الإنسان، والحاذان: ما وقع عليه الذَنَبُ من أدبار
(page)
فَخِذَى الدابة. الحاذ والحال: ما وقع عليه اللِبْد من ظهر الفرس."
° المعنى المحوري
ضم مع تواز وامتداد: كما هو حال الحاذ من الإنسان والفرس بما فيه من إحاطة ممتدة متوازية، وكذلك الحاذان ممتلئان ومتوازيان (عرّفهما في اللسان بأنهما "لحمتان في ظاهر الفخذين تكونان في الإنسان وغيره "أي أن الامتلاء ملحوظ وهو ضَمٌّ. ومن ذلك "حَاذَ: حَاطَ. أَحْوَذَ ثوبه: ضمه إليه. وأمر مَحُوذ: مَضْمُوم محكم " {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 141]: نَحُطكم ونَضُمّكم "استحوذ عليهم الشيطان "استولَى عليهم وغلبهم. وردهما [قر 5/ 419] إلى الغَلَب، وهو لازم المعنى.
ومن المادّي "أحوذ الصانع القِدحْ: أخَفّه "فهذا ضمور وهو تضامٌ.
ومن الضم المعنوي "الأَحْوذِيُّ: المنكمش الحادّ الخفيف في أمره المشمِّر في الأمور القاهر لها لا يَشِذ عليه شيء. وأحوذ قصيدته: أحكمها.
ومن استعمال "الحاذ "على المثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليأتين على الناس زمان يُغْبَط الرجلُ فيه لخفّة الحاذ كما يُغْبَط اليومَ أبو العشرة "ضرب - صلى الله عليه وسلم - قِلّةَ لحم الحاذ (= متن الظهر) مثلًا لقلة ما يضمه الرجل (أو يحمله على ظهره) من الأولاد. وحال زماننا هذا يجعل هذا الحديث من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم -.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
16-المعجم الاشتقاقي المؤصل (ذن)
° معنى الفصل المعجمي (ذن): الامتداد من الأثناء أو فيها -كما يتمثل ذلك في امتداد الذنين (المخاط) من الأنف في (ذنن)، وفي مرور الأصوات في ثقب الأذن وامتداد خوصة الثُمام في (أذن)، وفي امتداد جِرْم الذنَب من مؤخر الدابة مستدِقًّا في (ذنب).المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
17-المعجم الاشتقاقي المؤصل (رسل)
(رسل): {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33]أرسلْتُ الطائر من يدي: أطلقته (مصباح). الرِسْل -بالكسر والتحريك: اللَبَن ما كان. وقوائم البعير رِسَال واحدها كذِئْب. رَسِل الشَعَر (فرح): كان طويلًا مسترسلًا. الرَسَلُ -محركة: قطيعٌ من الإبل والغنم بعد قطيع.
° المعنى المحوري
تسيب من المقر أو الحيز مع امتداد وتميز -كانطلاق الطائر من اليد، واللبن من الضرع، وامتدادُ الطائر ابتعادُه، واللبنِ تتابعه، إذ يتاح حَلْبُه صباحًا ومساء، وقوائم البعير تبدو ممتدة من بدنه قوية، وهي متميزة كالمستقلة لطولها، وكقطيع الإبل والغنم يبدو متسيبًا متميزًا من غيره وهو ممتد. يقال "أورد إبله أرسالًا: جماعة بعد جماعة ".
ومنه "المُرْسَلة -كمُكْرمة: قِلادة تَقَعُ على الصدر عالقة بالرقبة، (ممتدة
ليست على قدر العنق فقط). وترسَّل في الركوب: بسط رجليه على الدابة حتى يُرْخِىَ ثيابه على رجليه (امتداد). (والرسول ينطلق من طرف من أرسله برسالة متميزة عنه أي ليس هو منشئها) {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح: 29]، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] وهكذا المعنى بالنسبة لكل (إرسال) الله (رسولا) أو (رُسُلا) إلى أقوامهم. أو (إرسال) أحد أحدًا في أمر {فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ} [يوسف: 19] {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} [الشعراء: 53] أو (تكليفه) بأمر {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} [الأنعام: 61] {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين: 33] وكل ذلك كثير في القرآن. و "أرسل الشيءَ: أطلقه وأهمله (= خلّاه)، وأرسل الكلابَ على الصيد {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} [مريم: 83]، {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} [القمر: 19]، {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا} [القمر: 34]. (كأنها تشارك في الغضب لله عز وجلّ ثم يطلقها الله) {فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الأعراف: 105] (أي أطلقهم ليخرجوا معي). (والرسول) يكون مرسلًا من الله، وقد يمون ملَكًا {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ} [مريم: 19] {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام: 61] {إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} [يونس: 21] وكل ذلك كثير في القرآن، وقد يكون مجرد رجل مبعوث من شخص آخر {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: 50]. والسياقات واضحة. والحمد لله.
ومن التسيب في الأصل عُبِّر بالتركيب عما فيه معنى الاسترخاء ومنه "على رِسْلك -بالكسر: على هِينَتِك، وناقة رَسْلَة القوائم -بالفتح: سَلِسَة لينة
المفاصل. ورجل فيه رَسْلَة أي كَسَل. والتَرَسُّل في الكلام والقراءة: التَمَهُّل والترفُّق.. من غير أن يرفع صوته شديدًا ".
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
18-المعجم الاشتقاقي المؤصل (رعع رعرع)
(رعع- رعرع): قصب رَعْراع -بالفتح: طال في منبته وهو رَطْب. والرَعْرَعة: اضطراب الماء الصافي الرقيق على وجه الأرض. وترعرعت سِنُّه: تحركت.° المعنى المحوري
امتداد الجرم مع رقته (أي عدم كثافته) ورخاوته أو ضعفه (1): كذلك القصب (وهو فارغ الجوف) يطول مع رطوبة، وكذلك الماء
الرقيق يسترسل على وجه الأرض وكتلك السن الضعيفة. ومنه "تَرَعْرَع الصبي: نشأ ونما/ تحرك ونشأ (النمو حركة وامتداد، والصبي غض طري) والرعرعة: حسن شباب الغلام وتحركه "ومن ذلك أيضًا (الرَعاع -كسحاب: الأحداث (طِراءة وخفة). ورعاع الناس (كسحاب -وعن شمر: كزُجاج): سُقّاطُهم وسَفِلَتهم. (صغار القيمة تشبيهًا بصغار السن) / الرُذال الضعفاء وهم الذين إذا فزعوا طاروا (خفة).. ويقال للنعامة رَعَاعة -كسحابة، لأنها أبدًا كأنها منخوبة فزعة ".
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
19-المعجم الاشتقاقي المؤصل (زور)
(زور): {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]"الزَوْر - بالفتح: الصدرُ/ وَسَط الصدر/ ملْتَقى أطرافِ عظام الصدر حيث اجتمعت. الزارَة والزاوِرة: حوصلة الطائر - والزاوَرة - بفتح الواو: ما حملت فيه الطائرة الماءَ لفراخها. والعرب تقول للبعير المائل السنام: هذا البعير زَوْر -
بالفتح. والزور - بالفتح أيضًا: عسيب النخل "
° المعنى المحوري
امتساك عدد كبير (جمع) في شيء ما بانتظام وامتداد وانعطاف: كامتساك أطراف عظام الصدر منتظمة ومنحنية، وكالحوصلة من فلقتين متقابلتين تمسك الطعام، والزاوَرة الموصوفة كالأنبوبة تمسك الماء، والسنام تجمُّع شحميّ وهو هنا مائل أي منحرف، وعسيب النخل يجمع الخُوص منتظمًا. والامتداد في زور الصدر وفي الزاوَرة والسنام والعسيب مادى حقيقي، وفي الحوصلة دوام جمعها العلف. ومن المادي أيضًا: "الزير - بالكسر: ما استَحكَمَ فتلُه من الأوتار (الفتل جمع بالتفاف وانتظام: تعادل القوتين المفتولتين والخلو من الجَرَع أي العُجَر) (ومن هذا على أنه أصله أو من تجاوز القيود "الزير: الكَتّان ".
وأما "الزارة: الجماعة الضخمة من الناس والإبل والغنم "فمن الجمع مع انتظام أنواع كثيرة أو عدد كبير. ومن الجمع (الإمساك بعدد كبير): "زَوْرُ القوم - بالفتح، وزَوِيرهم - مصغرًا ومكبرًا: سيدُهم ورَأْسهم/ صاحبُ أمرهم ".
ومن الجمع مع الانعطاف: "زاره يزوره: عاده " (كما قالوا عاج عليه أي من الانعطاف في كلٍّ {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: 2]، يصلح أن يكون كناية عن موتهم ودفنهم فيها [وينظر قر 20/ 169].
ومن الجمع مع التنظيم: "التزوير إصلاح الشيء (الإصلاح جمع وتوفيق أو تلفيق بين أجزاء الشيء بعضها وبعض) وكلام مزوَّر - اسم مفعول: محسّن مهيأ (جُمِعَتْ فِكَرُه ورُتِّبتْ - وقد تكون الفكر أو أجزاؤها مخترعة). ومن هنا جاء "الزُور - بالضم بمعنى: الكذب والباطل ": {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:
30، وكذلك ما في الفرقان: 4، 72، والمجادلة: 2].
ومن الانعطاف الانحراف "ركية زوراء: غير مستقيمة الحَفْر، ومفازة زَوْراء: مائلة عن السمت والقصد.. (ثم استعملوا اللفظ في البعيدة لأن فيها ازْوِرارًا أي ليست أَمَما قَصْدا). و "في عنقه زَوَر - بالتحريك أي ميل كالصَعَر، وقوس زوراء: معطوفة، والأزْوَر: الذي ينظر بمُؤْخِر عينه، والازورار عن الشيء: العدولُ عنه: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ} [الكهف: 17] في [ل] أنها كانت تطلع على كهفهم ذات اليمين فلا تصيبهم، وتغرب على كهفهم ذات الشمال فلا تصيبهم.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
20-المعجم الاشتقاقي المؤصل (سيب)
(سيب): {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} [المائدة: 103]السُيوب: عُروُق من الذهب والفضة تَسِيبُ في المَعْدِن، أي تجرى فيه، سميت سيوبًا لانسيابها في الأرض اهـ. والسَيْب - بالفتح: مُرْدِىّ السفينة (كُدْرِدىّ، وهو خشبة تُدْفَع بها السفينةُ تكون في يَد الملَّاح). والسِيبُ - بالكسر: مجرى الماء. وقد ساب الماء: جرى ".
° المعنى المحوري
جريان الشيء - أو سريانه - عن تعوّقٍ ما - بلا نهاية (معتادة): كالعرُوق المذكورة في الأرض، وكالسَيْبِ: المردِيّ، لأنه يُجرى السفينة بأن يدفعها حتى تعوم بعد أن كانت راسبة، وكجَرَيان الماءِ في السِيْب. ومنه: "سَيْب الفرس: شَعَرُ ذنبه (يبدو أطول من المعتاد) وساب: ذهب مسرعًا (انطلق مستمرًّا). وسيَّب الدابةَ أو الناقةَ أو الشيءَ - ض: تركه يَسِيب حيث شاء (جريان وامتداد بلا قيد). وكل دابة تركتَها وسَوْمَها فهي سائبة ". ومنه: "السائبة: البعير الذي يسيَّب لنذر، أو نجاة، أو لإدراك نِتاج نِتاجه، أو هي أم البَحيرة. كانت الناقة إذا ولدت عشرة أبطن فلا تُركب ولا يُحمل عليها ولا يَشْرب لبنها إلا ابنها أو الضيف ولا تُطْرد عن ماء أو كلأ.. فإذا ماتت أكلوها، وبُحِرت أذن بنتها الأخيرة وسُيّبت " [تاج]، {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ}.
ومن الأصل: "السَيْبُ: العطاء "كأنه شيء أُجْرِىَ له " [المقاييس] أي أطلق من
بيت المال. وكما قالوا: جِراية لنفس المعنى، ثم إنه لا يسترد؛ فهو ذهاب بلا قيد.
وأما "السَيَاب - كسحاب: ما تعقَّد من الطلْع حتى صار بلحًا "، فلقوَّته على استكمال مسيرة نموه، أي استمرار هذا النمو - أي أنه لم يذبل أو يمت كما يحدث
أحيانًا - والنمو امتداد.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
21-المعجم الاشتقاقي المؤصل (سب)
° معنى الفصل المعجمي (سب): الامتداد الدقيق مع الاتصال بشيء - كما يتمثل ذلك في الحبل الطويل الذي يُصْعَد به ويُنْحَدَر - في (سبب)، وفي عروق الذهب والفضة التي تمتد في أثناء جسم المعدن - في (سيب)، وفي امتداد الشيء نفسه مع تحوله كالمَسْبأ: الطريق في الجبل، والسفر البعيد، وكون الجلد هو نفسه مع تحوله سلخًا أواحتراقًا - في (سبأ)، وفي امتداد الأرض السبتاء مع تجردها - في (سبت)، وفي امتداد جسم السابح فوق الماء - في (سبح)، وفي امتداد قصب شجر السبط، وامتداد الأسباط - في (سبط)، وفي تخطي الحيّز وتعديه - في (سبع)، وفي امتداد حَلَق البيضة المسرود بحيث يغطي العنق وكذا امتداد الدرع بحيث يغطي العَقِب - في (سبغ)، وفي تقدم الشيء السابق من بين أثناء ما حوله مع بقاء نسبته إلى ما حوله فتمثل المسافة بينهما امتدادًا - في (سبق)، وفي امتداد خيوط ماء المطر بين السحاب والأرض، وكذا لحوق المُسْبَل ثوبًا أو ذيلًا بالأرض - في (سبل).
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
22-المعجم الاشتقاقي المؤصل (سدس ستت)
(سدس - ستت): {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة: 7]قالوا [ل، المقاييس]: إن أصل سِتّة (أي العدد الذي بين الخمسة والسبعة): سِدْس، ثم بالإدغام صارت سِتّة كما قالوا: مَحُّهم في مَعَهم إذا أدغموا، وبدليل السُدُس - كعُنُق: الجزء من ستة).
[ليس أمامنا من الإستعمالات في هذا التركيب إلا ما هو بمعنى الستة ومشتقاتها ثم السَدوس: الطيلسان الأخضر [ل، سدس، وسندس، وفي (طلس) قال "الطَيْلَس والطَيْلَسَان - بالفتح: ضَرْب من الأكسية (زاد في الهامش، عن التكملة: أي أسود "اهـ (والكساء يُتغطى به ويُسْتدفأ به. وفي [تاج] شعر يعبر عن هذا قال الشاعر:
فرفَعْت رأسي للخيال فما أرَى... غيرَ المَطِىّ وظلمةٍ كالطَيْلَس "
ويضبط السَدوس الكساءُ كزبور وفُلوس، وهناك السُدوس كفلوس وهو النيل (1) - بالكسر: (نبات العِظْلِم الذي يستخلص منه النِيل مادة الزرقة).
وقال في (نيل): "وهو دخان الشحم يعالج به الوشم ليخضر "اهـ. هذا والعرب تقول لكل أخضر أسود ولكل أسود أخضر [ل - سود].
فالتركيب الارتباط بالسواد وما إليه كالخضرة والزرقة. والسواد يعبّر به عن الكثافة. وكأن التركيب هنا يزيد على الكثافة معنى الامتداد المتمثل في عمق تركز المادة في العِظْلم [ينظر تاج - نيل] كما يتمثل في السدوس: الكساء كثافةَ لون ونسيج وامتدادًا [ينظر تاج العروس كسو].
° المعنى المحوري
أخذًا من ذلك كله: كثافة وامتداد. كما يتضح مما ذكرنا عن السدوس بمعنييه. وهذا يصلح أن يكون أصل الستة - الرقم الذي بين الخمسة والسبعة - أي الدلالة على كثرة، ثم جاء التحديد بعدُ شأن أكثر أصول الأعداد (من الاثنين إلى العشرة) {وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف: 22]، {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11]
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
23-المعجم الاشتقاقي المؤصل (سرمد)
(سرمد): {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} [القصص: 72].[رأى ابن فارس أن الميم زائدة فأعادها إلى السرد، أي أن فيه معنى الامتداد والتوالي]. و "السرمد في اللغة: الدائم الذي لا ينقطع ". وهذا امتداد وتوالٍ زمنيّ لا ينقطع. {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ}.
[وتطبيق نظرة ابن فارس إلى أكثر ذوات الأربعة أصول فما فوق، أنها مركبة من كلمتين، يعطي أيضًا معنى الدوام الزمني: (سر) مكونة من حرفي معنى السريان وهو جريان وامتداد لطيف، (مد) مكونة من حرفي معنى الامتداد].
° المعنى المحوري
الدوام الزمني - كما فسّر به لفظ (سرمدا) في الآية.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
24-المعجم الاشتقاقي المؤصل (سر)
° معنى الفصل المعجمي (سر): الامتداد أو النفاذ مع دقة، يتمثل ذلك في خطوط أسرار الكفّ والجبهة - في (سرر)، وفي هيئة السِرْوة والسَرَيان في ظلام الليل - في (سرو/ سرى)، وفي امتداد السِوَار والسُور حتى يحيطا - مع دقتهما النسبية - في (سور)، أما في (سير) فالسير انتقال وحركة أي امتداد إلى مكان جديد بعد الكون في المكان الأول، وسير الأديم واضح الامتداد والدقة. وفي (يسر) يتمثل ذلك المعنى في نفاذ السمن واللبن ونحوهما من اللطيف في أثناء البدن (أو منه) فهو امتداد في الباطن (أو منه كنفاذ البول) والخفاء من جنس الدقة. ويتمثل المعنى - في (أسر) في امتداد الإسار الذي يشدّ به وفي الامتداد الزمني في حبس البول، وفي امتداد النفق ونحوه - في (سرب) مع الدقة في كل ذلك. والسربال يحيط بصاحبه كالأنبوبة الممتدة - في (سربل)، وفتيل السراج وحزام السرج ممتدان دقيقان - في (سرج). وانسراح البولوسروح الإبل في (سرح) امتداد والدقة واضحة في الأول. والتوالي - في (سرد) امتداد مع دقة وضبط، وقريب منه نفاذ السائر في السراط، واستراط اللقمة في المريء - في (سرط)، وامتداد العروق ونفاذها في الأرض مع دقتها - في (سرع). ويتمثل النفاذ - في (سرف) في التجاوز إلى ما هو فقد وإتلاف، والامتداد يتمثل في عدم عَوْد المفقود. وقريب من هذا ما في (سرق) لكنه امتداد خروج أو نفاذ من أثناء محيطة مطبقة (حرز - أو نسيج) خاصة. وفي (سرم) امتداد - مع نفاذ من مكنوف، وفي (سرمد) امتداد الأبدية.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
25-المعجم الاشتقاقي المؤصل (سط)
° معنى الفصل المعجمي (سط): الامتداد الدقيق مع الانتهاء بغلظ، كما يتمثل في الأسطّ - في (سطط)، وفي السطو على الناقة ونحوها بمد اليد إلى داخل رحمها، واستخراج الماء أو الولد منه في (سطو)، وفي مد العود في أثناء الأشياء لخلطها معًا، وامتداد السوط مع شقه الجلد ووصوله إلى الدم - في (سوط)، وفي امتداد الأشياء في جانبي شيء تكتنفه في وسطها كالجوهرة بين الخرز الذي يكتنفها - في (وسط)، وفي امتداد صف النخل والشجر على استقامته - مع غلظ النخل والشجر أي جسامتهما - في (سطر).المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
26-المعجم الاشتقاقي المؤصل (سكك)
(سكك): السَكَك - محركة: صِغَرُ قُوفِ الأذن وضِيقُ الصِماخ. والنعامُ كلها سُكّ. وبئر سَكّ - بالفتح والضم: ضيقة الخرْق من أعلاها إلى أسفلها. والسُكّ - بالضم: جُحْر العقرب والعنكبوت.° المعنى المحوري
تضايق بضبط شديد في المنفذ الممتد (المستقيم) (1):
كالأذن الضيقة الصِماخ، وكالبئر الضيقة، وكلاهما ممتد. وجُحر العقرب والعنكبوت كذلك. ومن ذلك: السِكَّة: السطر المصطف من الشجر والنخيل (تضايق ما بين كل نخلة وتاليتها مع انضباط وامتداد). والسِكّة: الزُقّاق (لاصطفاف الدُور في جانبيه مع ضيقه كذلك)، والسِكّة: الطريق المستوي، وبه سُميت سِكَك البريد (مرسومة محددة فكانت مستقيمة منضبطة والمحدَّد ضيّق). وكذلك السِكّة النقدية (الاسطمبة) المنقوشة التي يُصب فيها الذهب والفضة الذائبان وتُسك عليهما، فينطبعان ويجمدان على ذلك دنانير أو دراهم. (لُحظ فيها ضيق فراغها وإحكامُها وأنها دائمة. امتداد زمني).
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
27-المعجم الاشتقاقي المؤصل (سلح)
(سلح): {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102]السلاح - ككتاب: اسم جامع لآلة الحرب، وخُصَّ به ما كان من الحديد، ويطلق على السيف وحده. والإسْليح: شجرة تغزُر عليها الإبل.
° المعنى المحوري
نفاذ بحدّة وامتداد: كالسيف يُنفَذ به في بدن العدو بامتداد. {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102]. وغزارة اللبن نفاذٌ بقوة وتوالٍ. ومنه: "سَلَح (فتح): راث " (نفاذ ما في الجوف من مادة حادة الوقع على الحس).
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
28-المعجم الاشتقاقي المؤصل (سلك)
(سلك): {فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا} [النحل: 69]السِلْكة - بالكسر: الخيط الذي يخاط به الثوب.
° المعنى المحوري
نفاذ في أثناءٍ (ضيقة) بدقة وامتداد: كذلك الخيط. ومنه: "سَلَكْتُ الشيءَ (الدقيق) في الشيء، وسلكَ يده في الجيب، والسقاءِ، ونحوهما " (مداخل ضيقة). وقال تعالى: {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [الزمر: 21] "فأدخله في الأرض وأسكنه فيها - كما قال {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ} [المؤمنون: 18] عيونًا ومسالك ومجاري كالعروق في الأجساد [قر 15/ 246] {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} [الحجر: 12 ومثلها ما في الشعراء: 200] نسلكه أي الضلال والكفر والاستهزاء والشرك/ لنمنعهم من الإيمان. وهو ألزم حجة على المعتزلة [ينظر قر 10/ 7, 13/ 139]، {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42 ومثلها ما في الجن 17]، {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:
32]، {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} [القصص: 32 ومثلها مما في المؤمنون: 27]. (تفسَّر كلها بالنفاذ والدخول أو الإدخال في مضيق بقوة). ومنه: "سلكتُ الطريق (نفذت فيه) {فاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا} [النحل: 69] (ويلاحظ أن النحل نفسها دقيقة الجِرْم، وسُبُلها دقيقة لطيفة خفية). {وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} [طه: 53]: (خلقها من مادة قابلة لإنفاذ الطرق فيها، وهداكم لذلك، وأعانكم وأنجح جهودكم). {يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 27] (يجعل في المسافة التي حوله أمامه وخلفه مباشرة رصدا للحفظ من كل شر {مُعَقِّبَاتٌ} كما في [الرعد: 11 - ينظر قر 9/ 292]. أما "السُلَك - كعمر: فَرْخ القَطا أو فرخ الحَجَل؛ فلدقة الجرم سُمى بذلك، إذ هو فرخ متولِّد من أثناء، وضُرب المثل بالقطا في الاهتداء [المنجد]. ومسكن الحَجَل أعلى الجبال. والصعود هكذا نفاذٌ.
ومن الأصل: "السِلْك - بالكسر: خيط من المعدن دقيق كسلك الكهرباء " [الوسيط] وقد قال فيه إنه مولد. وانطباق الأصل عليه تمام الانطباق واضح.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
29-المعجم الاشتقاقي المؤصل (شر)
° معنى الفصل المعجمي (شر): الانتشار أو صورة منه كالامتداد والانبساط كما يتمثل في انتشار شرر النار وبسط الثياب لتجف -في (شرر)، وفي التماثل بصوَرِه -في (شرى)، وكما في امتداد عود الشريان واستمرار حركة بعينها، وفي استخراج العسل من وقبته -وهذا نقل له إلى مقر آخر فهو امتداد -في (شور)، وكما في سحب الماء أو المائع إلى الجوف كذلك -في (شرب)، وكما في فتح الكتلة الكثيفة وبسطها شرائح -في (شرح)، وكما في اندفاع الدابة الشاردة بعيدًا -في (شرد)، وكما في التفريق في (شرذ)، وكلما في انفصال الشرذمة -في (شرذم)، وكما في امتداد الشريط دقيقا وامتداد المسيل -في (شرط)، وكما في النفاذ إلى الماء باتساع ودوام -في (شرع)، وكما في طلوع الشمس أو أي من النجوم من مقرها في أقصى الأفق مع استمرار ابتعادها عنه -في (شرق)، وكالربط بين الأشياء المنفصلة برباط دقيق -في (شرك).المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
30-المعجم الاشتقاقي المؤصل (شعع شعشع)
(شعع - شعشع): الشُعاع: ضوء الشمس الذي تراه عند ذُرورها كأنه الحبال أو القضبان مقبلة عليك إذا نظرت إليها. وقيل الشُعاع انتشار ضوئها. شَعُّ السنبل وشعَاعه بتثليث الشين: سَفاه إذا يبس ما دام على السنبل، وقد أشع الزرع: أخرج شعاعه. تطايرت العصا والقصبة شَعاعا إذا ضربت بها على حائط فتكسرت وتطايرت قِصدًا وقطعًا.° المعنى المحوري
انتشارُ الشيء اللطيف الاجتماع بتفرق ودقة وامتداد. (1) كشعاع الشمس يمتد فيها متفرقًا كلما وُصف، وكشَعاع السنبل كذلك تمامًا، وكالعصا والقصبة إذا انكسرت كذلك.
فمن الامتداد بتفرق "شَعْشعنا عليهم الخيل: فرّقناها " (في انطلاقها عليهم هجومًا من جوانب كثيرة) وشَعاعُ الدم: ما انتشر إذا استن من خَرْق الطعنة " (يندفع خيوطًا تفرقة) "شع البعيرُ بولَه (ردّ) وأشعّه: فرّقه وقطعه. فشع يَشِع (قل): انتشر "شَعّ القومُ: تفرقوا. ونَفْس شَعاع متفرقة ورأى شعاع متفرق.
ومن صور الانتشار تخفيف الكثافة "سقيته لبنًا شَعَاعا أي ضَيَاحًا أُكْثِر ماؤه. شَعْشَع الشرابَ: مزجه بالماء. شعشع الثريدة: سغبلها بالزيت (الكثافة هنا ثقلها من جفافها إذا لم يوضع عليها الزيت). ظِلٌّ شَعْشَع ومُشَعْشَع: ليس بكثيف ".
ومن صور الانتشار وتخفيف الكثافة الطول "الشَعْشَع والشَعْشَاع والشَعْشَان والشَعْشَعاني: الطويل الحسن الخفيف اللحم. و "عنق شَعْشَاع: طويل ". وأخيرًا فمن تخفيف الكثافة "رَجُلٌ شُعْشُع -بالضم: خفيف في السفر ".
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
31-المعجم الاشتقاقي المؤصل (عس)
° معنى الفصل المعجمي (عس): نفاذ (في كثيف أو منه) بامتداد ما - كما يتمثل في مخالطة ضوء النهار كثافة الظلام وامتداد العُسْعُس المستدق في الرمل -في (عسس). وفي غلظ النبات واشتداده وتجمع الماء في النقرة في الصخرة زمنا -في (عسوعسي)، وما يشبه كثافة باطن الناقة المعتاطة كأنها مصمتة، والتي لم تُرَض، والتي نَشِب ولدها في بطنها -في (عسر)، وكالتماسك الممتد المتين رغم الاضطراب في العَسَل والرمح في (عسل).المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
32-المعجم الاشتقاقي المؤصل (عصر)
(عصر): {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا} [النبأ: 14]عَصَر العنبَ ونحوَه مما له دُهْنٌ أو شَرَاب أو عَسَل (ضرب): استخرجَ ما فيه. وعَصِيرُ الشيء وعُصَارته - كرُخامة: ما تَحلَّبَ منه إذا عَصَرْتَه. والعَوَاصر: ثلاثةُ أحجار يَعْصِرون العنب بها يجعلون بعضها فوق بعض. والاعْتِصار بالماء أن يَغَصَّ بالطعام فيعتصر بالماء يشربه قليلًا قليلًا ليسيغه.
° المعنى المحوري
ضغط بثقل بالغ يُسِيلُ أو يُنْفِذُ ما في الأثناء من مائع ونحوه. كعصر العنب ونحوه إذا اعتُصِر. {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] أي العنب ليصير خمرا {فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 49]. أي يعصِرون العِنَب والزيت ونحوهما رمزًا لجرَيان الغَلَّة -أو يستغلون عامة- أي يُنتَج لهم. وقرئ "يُعْصَرون "للمفعول أي يُمْطَرون أو يُنْجَدُون. ولكن معاني هذه المحكية تبدو تكرارًا مع يُغاَث في الآية. فالأوّل أولى.
ومن الأصل كذلك: "الإعصار رِياح شديدة تَهُبُّ من الأرض وتثير الغُبَار (اللاصق بالأرض بضغطها البالغ الشدة) فيرتفعُ كالعمود إلى السماء ". {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ} [البقرة: 266].
ومن لطف مصدر العصير (أي أنه مختزن في الثمر خفيّ) مع سيلانه شيئًا فشيئًا فيوحي بالاستمرار - عُبِّرَ بالعصر عن "الدهر "، لامتداده هكذا {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 1 - 2] -كما عُبّر به عما "بعد الزوال إلى احمرار الشمس "، لأن هذا الوقت نتيجةٌ وامتدادٌ لبلوغ الشمس أَوْجَها نعني أقصى شدتها) في فترة الصبح إلى الظهيرة، ثم إن الشمس تبدو أو تظل هذه الفترة في
انحدار كأنها تُدْفَع أو تُضْغط حتى تَغْرُب، وأيضًا فإن زمن العصر يوصف بأنه ضيّق فهو زمن معصور. و "المُعْصِر: الجارية.. أول ما أدركت وحاضت أو قاربت الحيض. و "المُعْصِر من السحب: التي تتحلب بالمطر ولمّا تجتمع "فهما من الاحتواء على عصير أي مائع ينزل قليلًا قليلًا كما ينزل المائع المعتصر {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا} [النبأ: 14] المراد السحب التي ينزل منها المطر [ينظر قر 19/ 173] ".
ومن ذلك "الاعتصارُ: انتجاعُ العطية (استخراج). وعَصَره: أعطاه "ولعل أصلها: عَصَر له.
والعَصْر يقع بحصر الشيء بين أشياء شديدة تحيط به ومن ذلك: (العَصْر بالفتح: الحبس والمنع، وبالتحريك والضم: الملجأ والمنجاة " (الذي يلجأ إليه الخائف فيحيط به بقوة، وتحوّل معنى الإحاطة ضغطا إلى الإحاطة حماية).
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
33-المعجم الاشتقاقي المؤصل (غرر غرغر)
(غرر - غرغر): {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6]كل كَسْر مُتَثَنٍّ في ثَوْب أو جِلد (فهو) غَرٌّ -بالفتح- كغُرُور القَدَم: خطوط ما تثنى منها (من باطنها)، وغُرُور الفَخِذَين: كالأخاديد بين الخصائل. وغَرُّ الظهر: ثِنْى المَتْن. والغَرُّ -بالفتح أيضًا: الشَقُّ في الأرض، ونهر دقيق في الأرض، وكل طُرْقَةٍ من شرَك الطريق. والغِرَارة - كرسالة: الجُوَالِق. والغُرْغُرة -بالضم: الحوصلة. وملأ غَراغره: أي جوفه.
° المعنى المحوري
غئورٌ (عارض) بدقة وامتداد مع غضوضةٍ ما (1):
كاختفاء الغائر من كسور الثوب وباطن القدم والفخذين وغَرّ الظهر وشق الأرض وشَرَك الطريق بدقة وامتداد في الكل (وبين الغضوضة الطراءة والانثناء تلازم والخفاء زائل) وكالغِرارة والحوصلة والغراغِر - وكل من هذه الثلاثة تجوف غائر ممتد في حَيّز دقيق، يُدْخَل إليه الطعام وهو غض، أو متسيب كالغض. ومن مادّى ذلك أيضًا "الغِرار - ككتاب: المثال (= القالب الذي يُطْبَق على النصل تُضْرَب عليه النصال لتصلح، وهو ممتدّ ليّن يستجيب للطرْق). ومنه قيل "بيوتهم على غرار واحد، ورميت أسهمًا على غِرار واحد أي مَجْرَى واحد،
وَوَلَدَت ثلاثةً على غرار واحد أي بعضهم في إثر بعض ليس بينهم جارية " (كأنها على قالب واحد). ومن ماديّه "التغرغر بالماء وغيره "فهو ترديدُ الماء في تجويف الحلق الممتد ثم مجُّه. ومنه أيضًا "غَرّ الطائرُ فَرْخَه: زَقَّه (أدخل منقاره وفيه العَلَف في عُمق منقار فرخه فيصل إلى حوصلة الفرخ). ويقال "غُرّ في سقائك وذلك إذا وضعه في الماء ومَلَأَه بيده يدفع الماء فيه دفعًا بكفه ولا يستفيق حتى يملأه "اهـ. ومن ذلك "غِرار السيف: شَفْرتاه (يغور بهما في بدن الضريبة).
ومن بقاء الغضّ في العُمق أي كون مَا في العمق غضًّا طريًّا ليس صُلبًا ولا حادًّا "الغِرُّ -بالكسر، والغرير: الشاب الذي لا تجربة له/ ليس بذي نَكْراء، ولا يفطَن للخداع. والغِرّة -بالكسر كذلك: الجارية الحَدَثة التي لم تجرب الأمور. ومن هذا "المؤمن غِرّ كريم: ليس بذي نَكْراء لا يَفْطَن للشر ويغفُل عنه ". كل هذا من خفاء الأمور عليهم أخذا من الغئور الممتد في المعنى الأصلي. ومن هذا الخفاء: "غرّه: خَدَعه وأطمعه بالباطل " {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [آل عمران: 24] أي الذي افتروه وهو قولهم: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [آل عمران: 24]، {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] [بحر 2/ 435]. فهم افتروا أمورًا لا صحة لها ولا حقيقة، ثم اغتروا بها واعتمدوا عليها في الإعراض عن الإسلام. {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [لقمان: 33] (أي بزخارفها ومطامعها فتوهمكم باطلًا بأمور حسنة - رغم أنها هشّة لا صلابة لها أي لا حقيقة لها. {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33] الغَرور -بفتح الغين: الشيطان، أو الدنيا وهي صفة غالبة. الغَرور: ما غرّك (أي خدعك) من إنسان وشيطان وغيرهما [ل]. {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6]
أي ما خَدَعك وسوّل لك حتى أضعت ما وجب عليك/ ما خدعك بربك وحملك على معصيته والأمن من عقابه فزين لك المعاصي والأماني الكاذبة [ل] وأقول إن هذا السؤال تأنيب بالهبوط عن مستوى الأهلية للكرم وتقديره وهو قريب من {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات 6]. وكل ما في القرآن من التركيب فهو من الغرور بمعنى الخَدْع والتسويل هذا.
ومن غئور الشيء في العمق يتأتى معنى النقص: "الغِرار: نقصان لبن الناقة (تخفيه في باطنها إنكارًا للحالب أو نفورًا ينظر ل)، وكذلك: "الغِرار في الصلاة نقص ركوعها أو سجودها، وكذلك: "الغَرَر في البيع "؛ لأنه من الجهل بحقيقة الصفقة كبيع السمك في الماء والطير في الهواء. والجهلُ من الخفاء. وكذلك منه التغرير بالنفس "غرر بنفسه: عَرّضها للهَلَكة من غير أن يعرف ".
أما قولهم: "الغرير: الكفيل وأنا غَريرُ فلان أي كفيل "فهو من دخول الشيء في الأثناء، كما يقال: ضَمِنه فهو في ضِمْنه، أي في أثنائه وذمته.
ومن زوال الخفاء في المعنى الأصلي "الغُرّة -بالضم: بياض في جبهة الفرس (فهو شية دقيقة في شعره ناشئة من باطن جلده كأنها كانت غائبة فيه، وهي ممتدّة) ومنه قيل "الأغر: الأبيض ". ومن مجاز هذا "رجل أغر: شريف، وهو غُرّة من غُرَر قومه: شريف من أشرافهم "ومن ذلك: "غُرَّةُ الهلال: طلعته (أو لحظوا أنه الهلال حافة دقيقة تمتدّ من سائرة الخفى. كما في "غرّر الغلام - ض: طلع أول أسنانه، والغرة -بالضم أيضًا: العبد أو الأمة "يُدْفَع ديةً للجنين إذا أُسْقِط ميتًا، لأن المقصود أن يساوي عُشر الدية فهو من الدقة بمعنى ضآلة القدْر. أما إذا أُسقط حيًّا ثم مات ففيه الدية. وقالوا "غرر الغلام - ض: طلع أول أسنانه ".
أما قولهم: "يوم أغرّ: شديد الحرارة "فهو من البياض أي بياض الشمس حيث يشتد لذع الشمس كلما كانت ناصعة، قال الأصمعي: ظهيرة غرَّاء أي هي بيضاء من شدة الحر كما يقال هاجرة شهباء " [ل].
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
34-المعجم الاشتقاقي المؤصل (غز)
° معنى الفصل المعجمي (غز): هو النفاذ بحدة ودقة وامتداد: كنفاذ الشوك وهو حادّ دقيق قوي -في (غزز)، وكدخول أرض العدو غَزْوًا وهو نفاذ مادّي حادّ، وتجاوز الناقة والأتان وغير هما موعد ولادتهن دون أن تلدن، وهو نفاذ زمني دقيق لأنه خفيّ في (غزو). وكامتداد خيط الصوف والقطن دقيقا قويًّا أخذًا من تجمعهما المنفوش -في (غزل).المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
35-المعجم الاشتقاقي المؤصل (غل)
° معنى الفصل المعجمي (غل): هو التخلل بحدة مع إحاطة أو تقييد أو ما بمعناهما. كالضم كتخلل الشيء المِصْفاة (وحجز بعضه تقييد) -في (غلل)، وكزيادة جسم الجارية والغلام والنبت (وهذا ضم فيه حدة تتخلل الأثناء) -في (غلو)، وكغَلَيان القِدْر (وهو حرارة تسري في أثنائها) -في (غلى)، وكتسرب ماء الحوض منهفي الأرض وامتداد السيف ونحوه في أثاء جِلْد السوط وكلاهما فيه حدّة لأن الماء كان أنفس ما عندهم -في (غول) وكعِظَم الرقبة مع شدتها وقوتها، وهما من جنس الحدّة -في (غلب)، وكتجسم الأرض كتلا مع الجفاف والصلابة وهما حدة في (غلظ)، وكالتفاف الغلاف حول الشيء وضمه إياه، وبعض ذلك له حدّة كالأغلف -في (غلف)، وكاضطمام المغلق على ما فيه بشدة هي من الحدّة -في (غلق)، وكاكتمال القوى البدنية الذي تظهر علاماته -في (غلم).
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
36-المعجم الاشتقاقي المؤصل (قد)
° معنى الفصل المعجمي (قد): هو الامتداد الطولي بالقطع ونحوه مع تحدّد أي (ضيق عرض) وجفاف كالقِدّ السير الموصوف - في (قدد)، وكالأصل الذي تمتد منه الفروع، وامتداد السن، وامتداد رائحة الطعام والمسك أي سطوعها - في (قدو/ قدى)، وكالوقود الذى يطيل مدى اتقاد النار - في (وقد)، وكامتداد وجود طاقة التحكم في الشيء وضبطه في القِدْر والقُدْرة، وأما الأقدر من الرجال فمن وقوع التحكم والضبط عليه في صورة تماسك وعدم تسيب لأن هذه الصفة هي من فَعِلَ التي للمطاوعة - في (قدر)، وكامتداد بقاء الشيء محفوظًا كالدر في صدفه، وراكب السفينة فيها والقداس الذي يمكّن من حفظ الماء أي عدم إهداره - في (قدس)، وكامتداد القَيْدوم أنف الجبل منه وكذلك امتداد القَدَم والقَدُوم للأمام أعني تخطي القدم المسافة وغئور القدوم في جسم الخشب ونحوه - في (قدم).المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
37-المعجم الاشتقاقي المؤصل (قس)
° معنى الفصل المعجمي (قس): تتبع أو تتابع وامتداد بصلابة أو حدّة كما في القَسْقاس العصا، والقَسّ الصقيع - في (قسس)، وكما في صلابة الحجر القاسي الصُلْب - في (قسو)، وكما في القيسري من الإبل: الضخم الشديد القَوِيّ، وكما في القَسْر الإكراه وهو يئول إلى استتباع المكرِه المكرَه على ما يريد - في (قسر)، وكما في القَسَط وهو يبس (جمود) يكون في المفصل فتمتد الرجل قائمة صلبة - في (قسط)، وكما في القِسْم النصيب من الشيء من حيث إن أصله قَدْر محدَّد يتبع صاحبه أي ينتمي إليه - في (قسم).المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
38-المعجم الاشتقاقي المؤصل (قنن قنقن)
(قنن - قنقن): العبد القِنّ - بالكسر: الذي مُلِكَ هو وأَبَواه من قَبْلُ لمواليه. والقِنّة - بالكسر: القوة من قُوَى الحبل. والقُناقن - كتماضر: البصيرُ بالماء تحت الأرض.° المعنى المحوري
الاحتباس في حَوزةٍ أو باطن بعمق وامتداد (1) كالعبد القِنّ دائم الارتباط وقويّه في حوزة مالكه، والقوة من قوى الحبل تمتد في باطنه إذ يلتوي عليها، والبصير بالماء تحت الأرض عنده قوة تنفذ إلى الباطن فترى ما احتبس فيه من ماء دائم.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
39-المعجم الاشتقاقي المؤصل (قنو قنى)
(قنو - قنى): {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} [النجم: 48]القناة: كَظِيمة تُحفَر تَحْت الأرض/ آبارٌ تُحْفَر متباعدةً يُخْرَق ما بينها فتجتمع مياهها جاريةً ثم تَخْرُج عند منتهاها فتسيحُ على وجه الأرض. والقِنْو - بالكسر وكرِبًا وفَتًى: الكِباسة/ العِذْق بما فيه من الرُطَب. وله غنم قِنْوة وقِنْية - بالكسر والضم فيهما: ثابتةٌ له خالصةٌ عليه مُتَّخَذَة للحلب والولَد. والقَنِيّ - كغني وبتاء: ما اقْتُنِىَ من شَاةٍ أو ناقةٍ للدَّرّ والولد - لا للتجارة. ومنه - قَنَيْتُ العَنْزَ وقَنَوْتُها: اتّخذتُها للحَلَب. واقتنى الشيءَ: اتخذه لنفسه لا للبيع ".
° المعنى المحوري
امتساك الشيء في باطن أو حوزة بتجمع وامتداد حِسّيّ أو زَمَني: كالماء في القناة. وعِذْقُ النخلة يمتد إلى أسفل ويَعْلَق التمرَ، أي يمسكه، أي يحوزه. {وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} [الأنعام: 99]، هي العذوق [ينظر قر 7/ 48]. والاقتناء أخذ في الحوزة دائم. {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} أعطاه ما يدخره بعد الكفاية/ ما يقتنيه [قر 7/ 48]. ومنه "قَنَيْت حيائي: لَزِمتُه وأَمسكتُه ". والقناة: القصبة فيها شَبه واضح بقناة الماء، وأطلقت على ما كان من الرماح أجوف كالقَصَبة، وعُمِّمَتْ في الرماح.
ومن الأصل: "الأَقْنَى من الأنوف: الذي في أعلاه ارتفاعٌ بين القصبة والمارن " (فالأنف مجوّف كالقناة والانحناء يُشعر بطوله).
ومن الأصل: المخالطة الدائمة؛ إذ هي تلازم وتداخل بين شيئين (كأنهما في حيز واحد): "قانيتُ الشيءَ: خَلَطْته. والمقاناة في النَسْج: خيط أبيض وخيط أسود، وخَلْط الصوف بالوبر وبالشعر من الغزْل يؤلَّفُ بين ذلك ثم يُبْرَم "
(يدخل كلٌّ في أثناء آخر ويلزمه). ومن مجازه: "قانى لك عيش ناعم: دام ".
ومن مادي الأصل: "غَلَّفَ لحيتَه بالحِنَّاء والكَتَم حَتَّى قَنَا لونُها: أي احمرّ، وهو أحمرُ قانٍ (وذلك من دوام اللون وثباته أي من رسوخه وتغلغله).
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
40-المعجم الاشتقاقي المؤصل (لح)
° معنى الفصل المعجمي (لح): الالتحام وما يلزمه من عِرَض وامتداد كما يتمثل في لحح العين صُلاقها والتصاقها- في (لحح)، وفي التصاق لحاء الشجر به- في (لحو)، وفي عِرَض لوح الخشب ونحوه- في (لوح)، وفي لصوق اللحد في الجانب أو الجدار أي كونه داخلًا فيه لا في وسط الحفرة- في (لحد)، وفي عِرَض اللحاف ونحوه - في (لحف)، وفي لحاق الشيء بالشيء أي إدراكه إياه وهو كالالتصاق به من خلفه- في (لحق)، وفي تلاحم نسيج اللحم- في (لحم)، وفي امتداد الصوت أو اتصاله مع رقة ولطف- في (لحن).المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
41-المعجم الاشتقاقي المؤصل (لدن)
(لدن): {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10]"قناة لَدْنة -بالفتح: لينة المَهزة، ورمح لَدْن. واللدْن: اللين من كل شيء من عُود أو حبل أو خُلُق. وكل رَطبٍ مَأدٍ: لدْنٌ (مَأدٌ: مَرِنٌ ولين ناعم).
° المعنى المحوري
مرونة الجسم من لُطْف أو رِقّة تمتدّ في باطنه: كالقناة الليِّنة، وكالجسم- الممتلئ بالرطوبة.. ومنه رَكِبَ البعيرَ ثم بعثه فتلدَّنَ عليه: تمكَّثَ وتلكَأ (من الرخاوة وعدم الحِدّة)."
ومن ذلك "لَدُنْ "بمعنى "عِند "-لكنها عندية صدور وامتداد من رقة الباطن- لا عندية مكان وتحيز فيه مثل لدى {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)} [النمل: 6]، أي صادرا منه سبحانه وتعالى. وليس في القرآن من التركيب إلا لفظ (لَدُنْ) وهو في كل مواضعه -عدا موضع واحد- مضاف إلى اسم المولى عزَّ وجلَّ أو الضمير العائد إليه سبحانه، أي من خزائن رحمته سبحانه، والموضع المستثنى مضاف لضمير سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة واللام. {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف: 76].
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
42-المعجم الاشتقاقي المؤصل (مأو مأى)
(مأو- مأى): {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: 261]المَأوة - بالفتح: أرض منخفضة والجمع مَأْوٌ. مَأَوْتُ الجِلْدَ والدَلُو والسِقاءَ مَأْوًا ومَأَيتُ السِقاءَ مَأْيًا: وسَّعتُه ومددتُه لِيتَّسع، وتَمَأَى الجلدُ والدلو والسقاء: توسَّع / مددته فاتسع.
° المعنى المحوري
اتساعٌ وامتداد مع إمساك وضمٍّ أو تماسكٍ رقيق. كالأرض المنخفضة تمتد وتسع من الماء أكثر من المستوية. وكذلك الأوعية الجلدية المذكورة. ومنه: "مأيتُ في الشيء: بالغتُ (تماديتُ وتوسعتُ). ومَأَى بينهم مَأْيًا ومَأْوًا: أفسد بالنميمة وضَرَبَ بعضَهم ببعض (الإفساد تفريقٌ ومباعدة بين المتناسبات وإضعاف للعلاقة يناسب الاتساعَ ورقّة التماسك).
ومنه "المئة: العدد المعروف "؛ لكثرة معدودها، فهي تدل على مجموعة كبيرة (واسعة) متضامة تحت اسم المئَة {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَينِ} [الأنفال: 66]. وليس في القرآن من التركيب إلَّا (مئة) ومثناها {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَينِ} [الأنفال: 65].
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
43-المعجم الاشتقاقي المؤصل (متت متمت)
(متت - متمت): المَتّ: المَدّ / مدُّ الحبل وغيره. يقال: متّ ومطّ.° المعنى المحوري
امتداد الشيء طولًا في دقة (1) كالحبل الممدود.
ومن معنوِّيه: "الماتَّة: الحُرْمة والوسيلة. مَتّ إليه بقرابة أو برَحِم: مدَّ وتوسَّل، وكذا مَتْمَتَ الرجلُ إذا تقرَّب بمَوَدَّة أو قرابة ". فهذا اتصال وامتداد، ودقته أنَّه معنوي.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
44-المعجم الاشتقاقي المؤصل (ت)
° معنى الفصل المعجمي (ت): الامتداد - مع عدم الغلظ -كما يتمثل في مَت الحبل مع دقته النسبية - في (متت)، وفي تمدد المت وامتداد الأرض الموات والضعف هنا عدم جاة وعدم نتاج - في (موت)، وفي المَتْوفي الأرض وهو امتداد وكذا متْو الحبل - في (متو متى)، وفي ارتخاء القربة التي لم يتم ملؤها، وكذلك الوَهْدة بين النشزين - ولا يتبينان إلَّا بامتداد - في (أمت)، وفي ارتفاع الجبل الماتع والارتفاع امتداد إلى أعلى، وكذلك صور الامتداد الزمني - في (متع)، وفي امتداد متني الظهر والمستوى من الأرض المرتفعة - في (متن).المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
45-المعجم الاشتقاقي المؤصل (مدد)
(مدد): {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)} [نوح: 12]رجل مَدِيد القامة: طويل القامة. والأَمِدة- واحدها ككتاب: المِسَاك) = الحرف الطولي) في جانبي الثوب إذا ابتُدِئَ بعمله (على قول النساج). والمَدّ- بالفتح: كثرة الماء أيام المُدُود. ومَد الله الأرضَ: بَسَطها وسواها. ومد الحرفَ: طوَّله. ومدَّ الحبلَ. ويقال: قلّ ماءُ الرَكيَّة فمدتها رَكِية أخرى. ومدَّ النهرَ نهرٌ آخر: جرى فيه (ماؤه). وتمدّد الرجل: تمطى.
° المعنى المحوري
استطالة جِرم الشيء في نفسه أو باتصاله بغيره، فيزيده طولًا واستمرارًا، أو قَدْرًا (1): كامتداد القامة والمِسَاكين في جانبي الثوب. وكماء المد، وانبساط الأرض، وامتداد الحبل. واستمرار تأتي ماء الركية والنهر، وتطاول جِرْم الرجل في التمطي. {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ} [الرعد: 3] بسطها
كما قال (فراشا)، (بساطا)، وكذا كل (مَد)، و {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} [الحج: 15] {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ} [لقمان: 27] (أي يَرفِده ويصب فيه مُضيفا إليه) {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} [مريم: 79]: نطول له من العذاب الذي يعذَّب به المستهزئون، أو نزيده من العذاب [بحر 6/ 201]. {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3)} [الانشقاق: 3]: بُسِطت باندكاك جبالها [نفسه 8/ 438] , ولو قيل: مُطّت أو وُسِّعَتْ نشرًا لما طُوي في كثافتها, ولما أُزيل ونُسِفَ من جبالها لكان أدق. والحديث الذي ذُكِر هنا- وعَجزُه "حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه "من أعلام النبوة. {لَا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ} [الحجر: 88، وما في طه: 131]: لا تطمح ببصرك طموح راغب. وهو مجاز كسائر مضارع (مد) في القرآن. ومنه: "مادة اللبن: ما يتأتى في الضَرع بعد الحَلْب (استمرار). والمادة: كل شيء يكون مَدَدَا لغيره (يجعله يستمر ويتصل). والمَدَد- محركة: ما أمددتَ به القوم في حرب أو غيرها من طعام وأعوان. ومددتُ الأرضَ: زدتُ فيها ترابًا أو سِمادًا من غيرها ليكون أعْمرَ لها وأكثرَ رَيْعًا لزرعه. والمِداد: - ككتاب: الذي يُكتَب به "يُمِدّ القلم والكاتب بالحبر الذي يكتب به: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: 109]. {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} [الواقعة: 30]: منبسط دائم، كما في {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد: 35]. أما في {مَدَّ الظِّلَّ} [الفرقان: 45] (فالمعنى حركه وأجراه- من الاستطالة والانبساط في الأصل. وتفسير الظل بالظلام [بحر 6/ 640] خلاف الأصل. والسكون في بقية آية الفرقان هذه يشير إلى ما في [القصص 72]. {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} [الإسراء: 6] , وكل (إمداد) فهو إتاحة وتخويل أو زيادة. والمُدة- بالضم: الغاية من المكان والزمان (مسافة ممتدة): {فَأَتِمُّوا إِلَيهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: 4]. {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)} [المدثر: 12]: (منتشرًا كثيرًا). {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)} [الهمزة: 9] تؤصد
عليهم الأبواب، وتمدد على الأبواب العمد استيثاقا في استيثاق. ويجوز أنها عليهم مؤصدة موثقين في عمد مقيدة مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص. [الكشاف 4/ 1790] (المقطرة هي ما يسمى الفَلَقَة).
ومن الأصل: "مِدة الجُرْح- بالكسر. (لتحلبها من الجُرح كما قيل للنزَّ - وهو ما تحلب من الماء: مِدَّان -بالكسر، وإمِدان -بكسرتين فتضعيف وكلاهما مادة تتصل)، والمُد -بالضم- من المكاييل قَدْر مَد الرجل يديه فيَملأ كفَيه طعامًا (من مد اليدين أو من الإمداد بهذا القدر مرة بعد أخرى). ومد الله في عمره: أنسَأَه، وسبحان الله مِدادَ كلماته، ومدادَ السموات، أي قَدر ما يوازيها (يُمادها) كثرةَ أو سعة. والإِمِدان -بكسرتين فتضعيف: الماء الملح أو الشديد الملوحة. (ماء مزيد بملح يزيد كثافته).
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
46-المعجم الاشتقاقي المؤصل (مد)
° معنى الفصل المعجمي (مد): الامتداد -مع قوة أو شدة كما يتمثل في الرجل المديد القامة- في (مدد)، وفي اتساع الميدان وامتداد ميداء الطريق سننه- في (ميد) , وفي امتداد أمد الخيل (بين) مدافعها ومنتهى غاياتها- في (أمد)، وفي امتداد الإقامة في المدينة -لا كالتنقل وراء المراعي- في (مدن).المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
47-المعجم الاشتقاقي المؤصل (مر)
° معنى الفصل المعجمي (مر): هو: الاحتواء على نوع من الشدة أو الكثافة مع استرسال أي نوع من الدوام أو الامتداد كما يتمثل في المرير من الحبال: ما لطف وطال واشتد فتله، وكذا الأرض التي لا شيء فيها من جساوة باطنها- في (مرر)، وكالمَرْو الحجارة الموصوفة بصلابتها ونارها، والشجر الموصوف بطيب ريحه وهو حدّة، إذ يعبرون عنه بذكاء الريح، وبالسطوع- في (مرو)، وكالناقة المريّ الغنية الباطن باللبن - في (مرى)، وكالداغصة في الركبة بصلابتها مع استرسال ترددها- في (مور)، وكما في مير الدواء إضافته أو الإضافة إليه وهي كثافة- في (مير)، وكما في حوز المريء الطعام بقوة وامتداد حتى يصل إلى المعدة- في (مرأ) (لو أن أنبوبة من اللدائن الطرية أي مماثلة للمريء وضع فيها قدر أُكْلةٍ ونصبت قائمة ما مرت فيها بيسْر، فهذا يثبت أن هناك قوة مع الاسترسال)، وكنفاذ سن الرمح في الكثيف أو بضغط الكثيف الذي وراءه- في (أمر)، وكمروج الدواب حركتها الكثيرة مع نشاطها وهو قوة- في (مرج)، وكتسيب الماء من المزادة بكثرة، وسرعة إنبات الأرض حين يصيبها المطر، وحسن إرسال السهم من القوس -وذلك كثرة وقوة دفع- في (مرح)، وكإصمات جلد الخدين فلا ينبت شعرهما، والشجر فلا ينبت ورقه (تصورا) وذلك كثافة، وكما في تمريد البناء، والتمرُّد- في (مرد)، وكالكثافة التي تغطي الشمس والغيم الذي يغطي السماء- وهذه كثافة، وكالمرض وهو ثقل- في (مرض).المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
48-المعجم الاشتقاقي المؤصل (نسب)
(نسب): {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54]النَيْسَب -بالفتح: الذي تراه كالطريق من النَمْل نفسها، والطريق المستدق كطريق النمل والحية. النيسَبان: الطريق المستقيم الواضح.
° المعنى المحوري
اتصالٌ بلطف (دقة) وامتداد كسِرْب النمل الموصوف وكالطريق الموصوف بين ما حوله من أرض. ومن حسي هذا "أنْسَبَتْ الريح: اشتدت واستاقت التراب والحصا " (فجعلته كالطُرُق الدقيقة).
ومن معنوي هذا الاتصال والامتداد "النسبة -بالكسر والضم، والنَسَب- محركة: القرابة في الآباء (إذ تبدو سلسلة متصلة) {فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} نسبه (نصر وضرب): عَزَاه. وانتسب واستنسب: ذكر نسبَه {فَلَا أَنْسَابَ بَينَهُمْ يَوْمَئِذٍ} [المؤمنون: 101]. {وَجَعَلُوا بَينَهُ وَبَينَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: 158] قالوا إنه تعالى صاهر سروات الجن [ينظر بحر 7/ 361] وناسبه: شرِكه في نَسَبه. ويكون النسب إلى البلاد وفي الصناعة لأنه وَصْل بها، وبينهما مناسبة أي مشاكلة (كأنهما) لتشابههما ": (متصلان) ومن هذا أيضًا "نَسَب بالنساء (نصر وضرب): شبب بهن وتغزل " (اتصال أو محاولة اتصال بمن يذكرها).
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
49-المعجم الاشتقاقي المؤصل (نسل)
(نسل): {فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: 51]النَسْل -بالفتح: الوَلَدُ والذُرِّيّةُ. والنَسيلة: العَسَل إذا ذاب وفارق الشمع (وكذلك النَسِيل)، والفَتِيلةُ. والنَسَل- بالتحريك: اللبنُ يخرج بنفسه من الإحليل، والذي يسيل من التين الأخضر. نَسَل الصوف والشعر والوبر (قعد) سقط، ونسل الطائر ريشَه.
° المعنى المحوري
امتداد الشيء خارجًا أو متسيبًا من أصله أو مقره بلطف ومفارقة. كالولد من أصله، وكالعسل من قرصه، وكاللبن من الإحليل وكالفتيلة والصوف.. والريش المذكورات. ومنه "نسل الوالدُ وَلَده {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [البقرة: 205]، {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة: 8]. ومنه "نَسَل الماشي (نصر وقعد) نَيْلا ونَسَلانا: أسرع " (انسلال بخفة وامتداد) {فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [ومثلها ما في الأنبياء: 96] (يسرعون في صفوف مستطيلة).
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
50-المعجم الاشتقاقي المؤصل (نشر)
(نشر): {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3)} [المرسلات: 3]النَشْر -بالفتح: جميعُ ما خرج من نبات الأرض. نشرت الأرض (قعد): أصابها الربيع فأتبتت، والعشبُ: اخْضرّ بعد يبس في دُبر الصيف بمطَرٍ يصيبه، والنَشْر: سطوعُ الريح طيبةً أو غيرها. نَشَرْت الثوبَ والمتاعَ: بَسَطْته. ونَشَر الخشبَ بالمنشار: قطعه، نَحَته. والمنشار: الخشبة التي يُذَرَّى بها البُرّ، وهي ذات الأصابع.
° المعنى المحوري
تفرُّقٌ ببسط وامتداد نُشُوءًا أو إيقاعًا - كانتشار النبات من الأرض، وسطوع الرائحة من مصدرها، ونشر الثوب بعد طيه، وشق الحشب، وقَذْف البُرّ بتبْنِه في الهواء بعد أن كانَ في كُدْس (يَجْمَعُ التبن وفيه الحبُّ كومةً كبيرة). فمن الانتشار الماديّ {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر: 7]، وكذا ما في الإسراء: 13، الفرقان: 25، الروم: 30، الأحزاب: 33، الطور: 52، الجمعة: 10، المدثر:
52، التكوير: 9]، ومن المجازي والمعنوي {يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الكهف: 16، وكذا ما في الشورى: 28، الزخرف: 11]. ومنه "نَشَر الله الميت "قالوا: أحياه (وإذا حَيّ انبسط) وقال الزجاج: "بعثه ". وهذا أدق، لأن البعث إثارة وإقامة يظهر فيهما الامتداد وهو انبساط، والأول تفسير بالمراد {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس: 21، 22]، {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ} [الأنبياء: 21]، وسائر ما في القرآن من التركيب فهو بمعنى البعث يوم القيامة. {ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الروم: 20] تتصرفون في أغراضكم [بحر 7/ 162] ومنه النُشرة - بالضم: رقية يعالج بها المريض والمجنون تُنَشَّر عليه تنشيرًا [ل] كذا، والدقيق أن المريض يكون زَمنًا مُثْبَتًا كالمقيد، والرقية تُطْلقه فينشط ويمارس حياته. "والمنشور من كتب السلطان ما كان غير مختوم ". {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10)} [التكوير: 10] بُسِطت وقرأ كل إنسان ما في صحيفته. {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3)} [المرسلات: 3]، الملائكة تنشر السُحب أو الرياح تنشر السُحب [قر 19/ 155].
ومن التفرق -وهو ابتعاد وتباعد: "نَشَرُ الماء- بالتحريك: ما انتشر وتطاير منه عند الوضوء. والنشَر - كذلك: القوم المتفرقون لا يجمعهم رئيس، وأن تَنتَشِر الغنم بالليل فترعى ".
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
51-المعجم الاشتقاقي المؤصل (نص)
° معنى الفصل المعجمي (نص): نوع من النفاذ بامتداد مع علو كما يتمثل في جعل بعض المتاع فوق بعض، وإقعاد العروس على المنصة- في (نصص)، وفي تدلى الناصية على الجبهة -والمعادُ ردُّ الشعر إلى الخلف- في (نصو)، وفي شموخ الفرس والحمار الوحشي برأسه (رفعه إياها مع عنقه) وكذلك تحرك الحمار وذهابه هو نفاذ من الحيز إلى خارجه- في (نوص نيص)، وكما يتمثل في النُصبة -بالضم: السارية، وفي إنصاب السكين ونَصْب الشيء إقامته فيمتثل كله قائمًا- في (نصب)، وفي سكون الحيّ شاخصًا فلا يلحظ فيه إلا ذلك (حالة السكوت استماعًا) - في (نصت)، وفي نفاذ السلك والعسل خالصًا مع امتدادها- في (نصح)، وفي مجيء الماء الناصر من بعيد قويًّا- في (نصر)؛ وفي بقاء شطر الشيء -وهذا البقاء نفاذ وامتداد- في (نصف).المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
52-المعجم الاشتقاقي المؤصل (نل)
° معنى الفصل المعجمي (نل): دقة في الشيء الحاصل أو التحصيل كالرجل الضعيف لقلة ما لديه من قوة -في (نلل)، وكتحصيل النول ما ينسج من الثوب قليلًا قليلًا، وشَغْل أهل الدار باحتها حينًا بعد حين لا دائمًا، وامتداد النيل دقيقًا بالنسبة لطوله- في (نول نيل).المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
53-المعجم الاشتقاقي المؤصل (نمم نمنم)
(نمم- نمنم): {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)} [القلم: 11]جلودٌ نَمَّةٌ -بالفتح: لا تمسك الماء. والنمّام- كشداد: نَبْتٌ طَيّبُ الرّيح. نَمَّ الشيءُ: سَطَعَت رائحته. ونَمنَمَت الريحُ التراب: خَطَّته وتركت عليه أثرًا شِبه الكتابة وهو النِمنم -بالكسر. النَمنمة -بالفتح: خطوط متقاربة قصار شِبْهُ ما تنمنم به الريح دُقاق التراب.
° المعنى المحوري
انتشار محتوَى الشيء على ظاهر ظرفه بلطف لرقة الظرف المحتوى (1) كالماء من القِربة، والريح من النبت المذكور، وامتداد خطوط الرَمل والتراب الموصوفة على وجه الأرض. ومنه في الحديث "لا تمُثِّلوا بنامَّة الله أي بخلق الله، ونامِية الله على البدل " (أي إبدال الميم الثانية ياء) (مخلوقات متناسلة تنتشر من أصلها)، وكذلك النِمَّةُ -بالكسر: القملة، (دقيقة تنفذ (تمتد) بين الشعر والثياب) ومنه "النميمة: نَقْل (نشر). الحديث (الذي كان مكتوبًا مستترًا عمن يراد إبلاغه إليه) من قوم إلى قوم "على جهة الإفساد والشر في تلطف واستخفاء {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} "نمَّ الحديثُ نفسُه: ظَهَر ".
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
54-المعجم الجغرافي للسعودية (القاع)
القاع أيضا: ـ من منازل حاج الشام، شمال تبوك، قال الخياريّ ـ بعد أن ذكر ارتحاله من تبوك إلى الشام ـ: أصبحنا بمنزل يسمى القاع، أفيح البقاع، عذب الهواء، بحيث يكتفي بعذوبته عن الماء، ولقد قلت عند ذلك:«لله عذب هوا بالقاع قابلنا***أثار كامن لوعاتي وأشجاني »
«فقلت: ريح دمشق فاح عن كثب ***يا عين قرّي! فهذا وصلها داني »
وما أحقّه بما وصف الله في كتابه الجبال بعد نسفها حيث يقول: « (فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) » انخفاضا وارتفاعا، والمنزل المذكور بهذه الصفات. وزعم بعض من اجتمع بنا أنه يسمى وادي التّيه ـ ثم أطال عن التّيه وذكر ذات حجّ بعد ذلك.
وقال النّابلسّي: القاع ويقال له قاع البزوة ـ بالباء الموحدة والزاي الساكنة ـ ولا ماء فيه. وعلق موزل على هذا بقوله: وقد حفظ هذا الاسم حتى الان في اسم شعيب البزوة، الواقع إلى الجنوب من محطة الحزم، على سكة الحديد. انتهى.
وأضيف: يسمى القاع الان النقعة، وقد أقامت فيه وزارة الزراعة منذ سنوات (المشروع الزراعيّ) ويلاحظ أن قاع البزوة (البزواء) يطلق أيضا على سهل واسع، ممتد، واقع شمال رابغ قبل بدر.
وسمّى السنوسي التونسي القاع الواقع شمال تبوك: (قاع الصغير) فقال: وكان ارتحالنا من تبوك باكرة يوم الخميس 3 صفر سنة 1300: قاع الصغير: هاته أول مرحلة في الاراضي الشامية، وكانت الأرض صحراء منبسطة، وليس فيها ماء ولا قلعة، وفيها وقعت غارة على الحجاج سنة 1171 ه وقد سرنا فيها بياض يومنا، وشاهدنا فيها أحسن المناظر الجوية، بسبب اتساع الأرض وانبساطها، وظهور انجلاء قبّة الأفق، وتلوّن غيومه وأنواره، وامتداد السراب على الأرض بوجه غريب. ثم أورد شعرا في وصف ذلك ـ
ونقل موزل أن القاع يدعى قاع البسيطة أو العرائد، وأنه في إقليم رمليّ، غير بعيد من جبل شرورا إلى الغرب منها، وهو المنزل المعروف بالحزم، الواقع في سهل العرائد.
المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية-حمد الجاسر-صدر: 1398هـ/1978م
55-معجم البلدان (القلزم)
القُلْزُمُ:بالضم ثم السكون ثم زاي مضمومة، وميم، القلزمة: ابتلاع الشيء، يقال: تقلزمه إذا ابتلعه، وسمي بحر القلزم قلزما لالتهامه من ركبه: وهو المكان الذي غرق فيه فرعون وآله، قال ابن الكلبي:
استطال عنق من بحر الهند فطعن في تهائم اليمن على بلاد فرسان وحكم والأشعرين وعكّ ومضى إلى جدّة وهو ساحل مكة ثم الجار وهو ساحل المدينة ثم ساحل الطور وساحل التيماء وخليج أيلة وساحل راية حتى بلغ قلزم مصر وخالط بلادها، وقال قوم: قلزم بلدة على ساحل بحر اليمن قرب أيلة والطور ومدين وإلى هذه المدينة ينسب هذا للبحر وموضعها أقرب موضع إلى البحر الغربي لأن بينها وبين الفرما أربعة أيام، والقلزم على بحر الهند، والفرما على بحر الروم، ولما ذكر القضاعي كور مصر قال: راية والقلزم من كورها القبلية وفيه غرق فرعون، والقلزم في الإقليم الثالث، طولها ستّ وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثمان وعشرون درجة وثلث، قال المهلبي: ويتصل بجبل القلزم جبل يوجد فيه المغناطيس وهو حجر يجذب الحديد وإذا دلك ذلك الحجر بالثوم بطل عمله فإذا غسل بالخلّ عاد إلى حاله، ووصف القلزم أبو الحسن البلخي بما أحسن في وصفه فقال: أما ما كان من بحر الهند من القلزم إلى ما يحاذي بطن اليمن فإنه يسمى بحر القلزم ومقداره نحو ثلاثين مرحلة طولا وأوسع ما يكون عرضا عبر ثلاث ليال ثم لا يزال يضيق حتى يرى في بعض جوانبه الجانب المحاذي له حتى ينتهي إلى القلزم، وهي مدينة، ثم تدور على الجانب الآخر من بحر القلزم وامتداد ساحله من مخرجه يمتدّ بين المغرب والشمال فإذا انتهى إلى القلزم فهو آخر امتداد البحر فيعرّج حينئذ إلى ناحية المغرب مستديرا فإذا وصل إلى نصف الدائرة
فهناك القصير وهو مرسى المراكب وهو أقرب موضع في بحر القلزم إلى قوص ثم يمتدّ إلى ساحل البحر مغرّبا إلى أن يعرّج نحو الجنوب، فإذا حاذى أيلة من الجانب الجنوبي فهناك عيذاب مدينة البجاء ثم يمتد على ساحل البحر إلى مساكن البجاء، والبجاء:
قوم سود أشد سوادا من الحبشة، وقد ذكرهم في موضع آخر، ثم يمتد البحر حتى يتصل ببلاد الحبشة ثم إلى الزيلع حتى ينتهي إلى مخرجه من البحر الأعظم ثم إلى سواحل البربر ثم إلى أرض الزنج في بحر الجنوب، وبحر القلزم مثل الوادي فيه جبال كثيرة قد علا الماء عليها وطرق السير منها معروفة لا يهتدى فيها إلا بربّان يتخلل بالسفينة في أضعاف تلك الجبال في ضياء النهار، وأما بالليل فلا يسلك، ولصفاء مائه ترى تلك الجبال في البحر، وما بين القلزم وأيلة مكان يعرف بتاران وهو أخبث مكان في هذا البحر، وقد وصفناه في موضعه، وبقرب تاران موضع يعرف بالجبيلات يهيج وتتلاطم أمواجه باليسير من الريح، وهو موضع مخوف أيضا فلا يسلك، قال: وبين مدينة القلزم وبين مصر ثلاثة أيام، وهي مدينة مبنية على شفير البحر ينتهي هذا البحر إليها ثم ينعطف إلى ناحية بلاد البجة، وليس بها زرع ولا شجر ولا ماء وإنما يحمل إليها من ماء آبار بعيدة منها، وهي تامة العمارة وبها فرضة مصر والشام، ومنها تحمل حمولات مصر والشام إلى الحجاز واليمن، ثم ينتهي على شط البحر نحو الحجاز فلا تكون بها قرية ولا مدينة سوى مواضع بها ناس مقيمون على صيد السمك وشيء من النخيل يسير حتى ينتهي إلى تاران وجبيلات وما حاذى الطور إلى أيلة، قلت: هذا صفة القلزم قديما فأما اليوم فهي خراب يباب وصارت الفرضة موضعا قريبا منها يقال لها سويس وهي أيضا كالخراب ليس بها كثير أناس، قال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان:
«برح الخفاء فأيّ ما بك تكتم *** ولسوف يظهر ما تسرّ فيعلم»
«حمّلت سقما من علائق حبّها، *** والحبّ يعلقه السقيم فيسقم»
«علويّة أمست ودون مزارها *** مضمار مصر وعابد والقلزم»
«إن الحمام إلى الحجاز يشوقني *** ويهيج لي طربا إذا يترنّم»
«والبرق حين أشيمه متيامنا، *** وجنائب الأرواح حين تنسّم»
«لو لجّ ذو قسم على أن لم يكن *** في الناس مشبهها لبرّ المقسم»
وينسب إلى القلزم المصري جماعة، منهم: الحسن بن يحيى ابن الحسن القلزمي، قال أبو القاسم: يحيى بن علي الطحان المصري يروي عن عبد الله بن الجارود النيسابوري وغيره وسمعت منه، ومات سنة 385، وقال ابن البنّاء:
القلزم مدينة قديمة على طرف بحر الصين يابسة عابسة لا ماء ولا كلأ ولا زرع ولا ضرع ولا حطب ولا شجر، يحمل إليهم الماء في المراكب من سويس وبينهما بريد، وهو ملح رديء، ومن أمثالهم: ميرة أهل القلزم من بلبيس وشربهم من سويس، يأكلون لحم التيس ويوقدون سقف البيت، هي أحد كنف الدنيا، مياه حماماتهم زعاق والمسافة إليهم صعبة غير أن مساجدها حسنة ومنازلها جليلة ومتاجرها مفيدة، وهي خزانة مصر وفرضة الحجاز ومغوثة الحجاج. والقلزم أيضا: نهر غرناطة بالأندلس، كذا كانوا يسمونه قديما والآن يسمون حدارّه، بتشديد الراء وضمها وسكون الهاء.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
56-موسوعة الفقه الكويتية (احتضار)
احْتِضَارٌالتَّعْرِيفُ:
1- الِاحْتِضَارُ لُغَةً: الْإِشْرَافُ عَلَى الْمَوْتِ بِظُهُورِ عَلَامَاتِهِ.وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْإِصَابَةِ بِاللَّمَمِ أَوِ الْجُنُونِ، وَلَا يَخْرُجُ مَعْنَاهُ فِي الِاصْطِلَاحِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الْأَوَّلِ.
عَلَامَاتُ الِاحْتِضَارِ:
2- لِلِاحْتِضَارِ عَلَامَاتٌ كَثِيرَةٌ يَعْرِفُهَا الْمُخْتَصُّونَ، ذَكَرَ مِنْهَا الْفُقَهَاءُ: اسْتِرْخَاءَ الْقَدَمَيْنِ، وَاعْوِجَاجَ الْأَنْفِ، وَانْخِسَافَ الصُّدْغَيْنِ، وَامْتِدَادَ جِلْدَةِ الْوَجْهِ.
مُلَازَمَةُ أَهْلِ الْمُحْتَضَرِ لَهُ:
3- يَجِبُ عَلَى أَقَارِبِ الْمُحْتَضَرِ أَنْ يُلَازِمُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى أَصْحَابِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى جِيرَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِ الْكِفَايَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَلِيَهُ مِنْ أَقَارِبِهِ أَحْسَنُهُمْ خَلْقًا وَخُلُقًا وَدِينًا، وَأَرْفَقُهُمْ بِهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِسِيَاسَتِهِ، وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ.وَنُدِبَ أَنْ يُحْضِرُوا عِنْدَهُ طِيبًا، وَأَنْ يُبْعِدُوا النِّسَاءَ لِقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ، وَنُدِبَ إِظْهَارُ التَّجَلُّدِ لِمَنْ حَضَرَ مِنَ الرِّجَالِ.وَلَا بَأْسَ بِحُضُورِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْجُنُبِ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ وَقْتَ الْمَوْتِ، إِذْ إِنَّهُ قَدْ لَا يُمْكِنُ مَنْعُهُنَّ، لِلشَّفَقَةِ، أَوْ لِلِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِنَّ.وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ تَحْضُرَ الْحَائِضُ الْمَيِّتَ وَالْكَرَاهَةُ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ.وَقَالَتِ الْمَالِكِيَّةُ: يُنْدَبُ تَجَنُّبُ حَائِضٍ وَجُنُبٍ وَتِمْثَالٍ وَآلَةِ لَهْوٍ.
مَنْ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الِاحْتِضَارِ:
4- يَجْرِي حُكْمُ الِاحْتِضَارِ عَلَى مَنْ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ حَدًّا، أَوْ قِصَاصًا، أَوْ ظُلْمًا، أَوْ مَنْ أُصِيبَ إِصَابَةً قَاتِلَةً كَمَا يَجْرِي عَلَى مَنْ كَانَ عِنْدَ الْتِحَامِ صُفُوفِ الْمَعْرَكَةِ.
مَا يَفْعَلُهُ الْمُحْتَضَرُ:
5- أ- يَنْبَغِي لِلْمُحْتَضَرِ تَحْسِينُ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَيُنْدَبُ لِمَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَنْ يَرْجُوَ رَحْمَةَ رَبِّهِ وَمَغْفِرَتَهُ وَسَعَةَ عَفْوِهِ، زِيَادَةً عَلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ، تَرْجِيحًا لِلرَّجَاءِ عَلَى الْخَوْفِ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ- رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ تَعَالَى» وَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «أَنَا عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلَا يَظُنُّ بِي إِلاَّ خَيْرًا».وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ بِالْمَوْتِ، فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرْجُو اللَّهَ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَأَمَّنَهُ مِمَّا يَخَافُ».
ب- وُجُوبُ الْإِيصَاءِ بِأَدَاءِ الْحُقُوقِ لِأَصْحَابِهَا.
ج- تَوْصِيَةُ أَهْلِهِ بِاتِّبَاعِ مَا جَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي التَّجْهِيزِ وَالدَّفْنِ وَاجْتِنَابِ الْبِدَعِ فِي ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَدْ وَرَدَتِ الْآثَارُ الْكَثِيرَةُ عَنْهُمْ فِي هَذَا الْمَجَالِ، مِنْهَا مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَوْصَى أَبُو مُوسَى- رضي الله عنه- حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ، قَالَ: إِذَا انْطَلَقْتُمْ بِجِنَازَتِي فَأَسْرِعُوا بِيَ الْمَشْيَ، وَلَا تَتْبَعُونِي بِمُجَمِّرٍ، وَلَا تَجْعَلُوا عَلَى لَحْدِي شَيْئًا يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ التُّرَابِ، وَلَا تَجْعَلُوا عَلَى قَبْرِي بِنَاءً.وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ حَالِقَةٍ أَوْ سَالِقَةٍ أَوْ خَارِقَةٍ.قَالُوا: سَمِعْتَ فِيهِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.
د- التَّوْصِيَةُ لِأَقْرِبَائِهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ مِنْهُ، إِنْ لَمْ يَكُنْ وَصَّى لَهُمْ فِي حَالِ صِحَّتِهِ، لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}.وَلِحَدِيثِ «سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ- رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمَرِضْتُ مَرَضًا أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَعَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا كَثِيرًا، وَلَيْسَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي، أَفَأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا.قُلْتُ: بِشَطْرِ مَالِي؟ قَالَ: لَا.قُلْتُ: فَثُلُثُ مَالِي؟ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ يَا سَعْدُ إِنْ تَدَعْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ».
التَّوْبَةُ إِلَى اللَّهِ:
6- يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَضَرِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذُنُوبِهِ قَبْلَ وُصُولِ الرُّوحِ إِلَى الْحُلْقُومِ؛ لِأَنَّ قُرْبَ الْمَوْتِ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ التَّوْبَةِ، لِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ».وَتَفْصِيلُ مَا يَتَّصِلُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ أَحْكَامٍ فِي مُصْطَلَحِ «تَوْبَةٌ».
تَصَرُّفَاتُ الْمُحْتَضَرِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِ:
7- يَجْرِي عَلَى تَصَرُّفَاتِ الْمُحْتَضَرِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِ مَا يَجْرِي عَلَى تَصَرُّفَاتِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ مِنْ أَحْكَامٍ، إِذَا كَانَ فِي وَعْيِهِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ «مَرَضُ الْمَوْتِ».
مَا يُسَنُّ لِلْحَاضِرِينَ أَنْ يَفْعَلُوهُ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ:
أَوَّلًا: التَّلْقِينُ:
8- يَنْبَغِي تَلْقِينُ الْمُحْتَضَرِ: «لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» لِقَوْلِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ».قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُرَادُ بِالْمَوْتَى فِي الْحَدِيثِ الْمُحْتَضَرُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ، سُمُّوا مَوْتَى لِقُرْبِهِمْ مِنَ الْمَوْتِ، تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ مَجَازًا.
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّلْقِينِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْقُرْطُبِيُّ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ، وَأَنَّهُ لَا يُسَنُّ زِيَادَةُ «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْمَجْمُوعِ.
وَيَكُونُ التَّلْقِينُ قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ، جَهْرًا وَهُوَ يَسْمَعُ؛ لِأَنَّ الْغَرْغَرَةَ تَكُونُ قُرْبَ كَوْنِ الرُّوحِ فِي الْحُلْقُومِ، وَحِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ النُّطْقُ بِهَا.وَالتَّلْقِينُ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ حَضَرَ عَقْلُهُ وَقَدَرَ عَلَى الْكَلَامِ، فَإِنَّ شَارِدَ اللُّبِّ لَا يُمْكِنُ تَلْقِينُهُ، وَالْعَاجِزُ عَنِ الْكَلَامِ يُرَدِّدُ الشَّهَادَةَ فِي نَفْسِهِ.وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» ذَكِّرُوا الْمُحْتَضَرَ «لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» لِكَيْ تَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ».
وَيَرَى جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يُلَقَّنُ الشَّهَادَةَ، وَقَالُوا: صُورَةُ التَّلْقِينِ أَنْ يُقَالَ عِنْدَهُ فِي حَالَةِ النَّزْعِ قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ، جَهْرًا وَهُوَ يَسْمَعُ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» وَلَا يُقَالُ لَهُ: قُلْ، وَلَا يُلَحُّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهَا، مَخَافَةَ أَنْ يَضْجَرَ فَيَأْتِي بِكَلَامٍ غَيْرِ لَائِقٍ.فَإِذَا قَالَهَا مَرَّةً لَا يُعِيدُهَا عَلَيْهِ الْمُلَقِّنُ، إِلاَّ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ غَيْرِهَا.وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُلَقِّنُ غَيْرَ مُتَّهَمٍ بِالْمَسَرَّةِ بِمَوْتِهِ، كَعَدُوٍّ أَوْ حَاسِدٍ أَوْ وَارِثٍ غَيْرِ وَلَدِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُعْتَقَدُ فِيهِ الْخَيْرُ.وَإِذَا ظَهَرَتْ مِنَ الْمُحْتَضَرِ كَلِمَاتٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ، وَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ.
ثَانِيًا: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ:
9- يُنْدَبُ قِرَاءَةُ سُورَةِ (يس) عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ صَفْوَانَ، قَالَ: كَانَتِ الْمَشْيَخَةُ يَقُولُونَ: إِذَا قُرِئَتْ (يس) عِنْدَ الْمَوْتِ خُفِّفَ عَنْهُ بِهَا.وَأَسْنَدَهُ صَاحِبُ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَتُقْرَأُ عِنْدَهُ يس إِلاَّ هَوَّنَ اللَّهُ عَلَيْهِ».
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: أَرَادَ بِهِ مَنْ حَضَرَتْهُ الْمَنِيَّةُ، لَا أَنَّ الْمَيِّتَ يُقْرَأُ عَلَيْهِ.وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.وَزَادَتِ الْحَنَابِلَةُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ.وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: «كَانَ الْأَنْصَارُ يَقْرَءُونَ عِنْدَ الْمَيِّتِ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ».
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عِنْدَ الْمَيِّتِ سُورَةَ الرَّعْدِ.وَقَالَتِ الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ وَعَلَى الْقُبُورِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ السَّلَفِ.
ثَالِثًا: التَّوْجِيهُ:
10- يُوَجَّهُ الْمُحْتَضَرُ لِلْقِبْلَةِ عِنْدَ شُخُوصِ بَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ، لِئَلاَّ يُفْزِعَهُ، وَيُوَجَّهُ إِلَيْهَا مُضْطَجِعًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ عَلَيْهِ.وَفِي تَوْجِيهِ الْمُحْتَضَرِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَرَدَ: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ.فَقَالُوا: تُوُفِّيَ وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لَكَ، وَأَنْ يُوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ لَمَّا احْتُضِرَ.فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: أَصَابَ الْفِطْرَةَ، وَقَدْ رَدَدْتُ ثُلُثَ مَالِهِ عَلَى وَلَدِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَأَدْخِلْهُ جَنَّتَكَ، وَقَدْ فَعَلْتَ».قَالَ الْحَاكِمُ: وَلَا أَعْلَمُ فِي تَوْجِيهِ الْمُحْتَضَرِ إِلَى الْقِبْلَةِ غَيْرَهُ.
وَفِي اضْطِجَاعِهِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ قِيلَ: يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ النَّوْمِ، فَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: »إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ، وَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ..إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ مِتَّ مِتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْقِبْلَةِ.
وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ شَاهِينَ فِي بَابِ الْمُحْتَضَرِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ لَهُ غَيْرَ أَثَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: «يُسْتَقْبَلُ بِالْمَيِّتِ الْقِبْلَةُ» وَزَادَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: «عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ.مَا عَلِمْتُ أَحَدًا تَرَكَهُ مِنْ مَيِّتٍ»، وَلِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنَ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ، وَمِنَ اضْطِجَاعِهِ فِي مَرَضِهِ، وَالسُّنَّةُ فِيهِمَا ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ فِيمَا قَرُبَ مِنْهُمَا.وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا بِمَا رَوَى أَحْمَدُ أَنَّ فَاطِمَةَ- رضي الله عنها- عِنْدَ مَوْتِهَا اسْتَقْبَلَتِ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ تَوَسَّدَتْ يَمِينَهَا.
وَيَصِحُّ أَنْ يُوَجَّهَ الْمُحْتَضَرُ إِلَى الْقِبْلَةِ مُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ، فَذَلِكَ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ، وَأَيْسَرُ لِتَغْمِيضِهِ وَشَدِّ لَحْيَيْهِ، وَأَمْنَعُ مِنْ تَقَوُّسِ أَعْضَائِهِ، ثُمَّ إِذَا أُلْقِيَ عَلَى الْقَفَا يُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ.
وَيَقُولُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ فِي تَوْجِيهِ الْمُحْتَضَرِ إِلَى الْقِبْلَةِ، بَلْ كَرِهَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ تَوْجِيهَهُ إِلَيْهَا.فَقَدْ وَرَدَ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: «أَنَّهُ شَهِدَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فِي مَرَضِهِ، وَعِنْدَهُ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَغُشِيَ عَلَى سَعِيدٍ، فَأَمَرَ أَبُو سَلَمَةَ أَنْ يُحَوَّلَ فِرَاشُهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَفَاقَ، فَقَالَ: حَوَّلْتُمْ فِرَاشِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ: أَرَاهُ بِعِلْمِكَ، فَقَالَ: أَنَا أَمَرْتُهُمْ.فَأَمَرَ سَعِيدٌ أَنْ يُعَادَ فِرَاشُهُ».
رَابِعًا: بَلُّ حَلْقِ الْمُحْتَضَرِ بِالْمَاءِ:
11- يُسَنُّ لِلْحَاضِرِينَ أَنْ يَتَعَاهَدُوا بَلَّ حَلْقِ الْمُحْتَضَرِ بِمَاءٍ أَوْ شَرَابٍ، وَأَنْ يَتَعَاهَدُوا تَنْدِيَةَ شَفَتَيْهِ بِقُطْنَةٍ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَنْشَفُ حَلْقُهُ مِنْ شِدَّةِ مَا نَزَلَ بِهِ فَيَعْجِزُ عَنِ الْكَلَامِ.وَتَعَاهُدُهُ بِذَلِكَ يُطْفِئُ مَا نَزَلَ بِهِ مِنَ الشِّدَّةِ، وَيُسَهِّلُ عَلَيْهِ النُّطْقَ بِالشَّهَادَةِ.
خَامِسًا: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى:
12- يُسْتَحَبُّ لِلصَّالِحِينَ مِمَّنْ يَحْضُرُونَ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ أَنْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَأَنْ يُكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ لَهُ بِتَسْهِيلِ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَأَنْ يَدْعُوا لِلْحَاضِرِينَ، إِذْ هُوَ مِنْ مَوَاطِنِ الْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى قَوْلِهِمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ، أَوِ الْمَيِّتَ، فَقُولُوا خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ».
سَادِسًا: تَحْسِينُ ظَنِّ الْمُحْتَضَرِ بِاللَّهِ تَعَالَى:
13- إِذَا رَأَى الْحَاضِرُونَ مِنَ الْمُحْتَضَرِ أَمَارَاتِ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُحَسِّنُوا ظَنَّهُ بِرَبِّهِ، وَأَنْ يُطَمِّعُوهُ فِي رَحْمَتِهِ، إِذْ قَدْ يُفَارِقُ عَلَى ذَلِكَ فَيَهْلِكُ، فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ.وَهَذَا الْحَالُ مِنْ أَهَمِّهَا.
مَا يُسَنُّ لِلْحَاضِرِينَ أَنْ يَفْعَلُوهُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُحْتَضَرِ:
14- إِذَا تَيَقَّنَ الْحَاضِرُونَ مَوْتَ الْمُحْتَضَرِ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ انْقِطَاعُ نَفَسِهِ وَانْفِرَاجُ شَفَتَيْهِ تَوَلَّى أَرْفَقُ أَهْلِهِ بِهِ إِغْمَاضَ عَيْنَيْهِ، وَالدُّعَاءَ لَهُ، وَشَدَّ لَحْيَيْهِ بِعِصَابَةٍ عَرِيضَةٍ تُشَدُّ فِي لَحْيَيْهِ لِلْأَسْفَلِ وَتُرْبَطُ فَوْقَ رَأْسِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ مَفْتُوحَ الْعَيْنَيْنِ وَالْفَمِ حَتَّى يَبْرُدَ بَقِيَ مَفْتُوحَهُمَا فَيَقْبُحُ مَنْظَرُهُ، وَلَا يُؤْمَنُ دُخُولُ الْهَوَامِّ فِيهِ وَالْمَاءُ فِي وَقْتِ غُسْلِهِ، وَيُلَيِّنُ مَفَاصِلَهُ وَيَرُدُّ ذِرَاعَيْهِ إِلَى عَضُدَيْهِ ثُمَّ يَمُدُّهُمَا، وَيَرُدُّ أَصَابِعَ يَدَيْهِ إِلَى كَفَّيْهِ ثُمَّ يَمُدُّهَا، وَيَرُدُّ فَخِذَيْهِ إِلَى بَطْنِهِ، وَسَاقَيْهِ إِلَى فَخِذَيْهِ ثُمَّ يَمُدُّهُمَا.وَيَقُولُ مُغْمِضُهُ: «بِاسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِكَ، وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إِلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ».فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ.فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ: لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ بِخَيْرٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ.ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ الْمُقَرَّبِينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَأَفْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ».
وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ.وَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحَ.وَقُولُوا خَيْرًا، فَإِنَّهُ يُؤَمَّنُ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ الْمَيِّتِ».
كَشْفُ وَجْهِ الْمَيِّتِ وَالْبُكَاءُ عَلَيْهِ:
15- يَجُوزُ لِلْحَاضِرِينَ وَغَيْرِهِمْ كَشْفُ وَجْهِ الْمَيِّتِ وَتَقْبِيلُهُ، وَالْبُكَاءُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بُكَاءً خَالِيًا مِنَ الصُّرَاخِ وَالنُّوَاحِ، لِمَا وَرَدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنه- قَالَ: «لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي، وَنَهَوْنِي، وَالنَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- لَا يَنْهَانِي، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- فَرُفِعَ فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي.فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: تَبْكِينَ أَوْ لَا تَبْكِينَ، مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ».وَلِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَشَفَ وَجْهَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَقَبَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ بَكَى، وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا «وَأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ، فَقَبَّلَهُ وَبَكَى حَتَّى رَأَيْتُ الدُّمُوعَ تَسِيلُ عَلَى وَجْنَتَيْهِ» وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ ثَلَاثًا أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُمْ، فَقَالَ: لَا تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ».
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
57-موسوعة الفقه الكويتية (حج 2)
حَجٌّ -2الْمَحْرَمُ الْمَشْرُوطُ لِلسَّفَرِ
27- الْمَحْرَمُ الْأَمِينُ الْمَشْرُوطُ فِي اسْتِطَاعَةِ الْمَرْأَةِ لِلْحَجِّ هُوَ كُلُّ رَجُلٍ مَأْمُونٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالتَّأْبِيدِ التَّزَوُّجُ مِنْهَا سَوَاءٌ كَانَ التَّحْرِيمُ بِالْقَرَابَةِ أَوِ الرَّضَاعَةِ أَوِ الصِّهْرِيَّةِ...وَنَحْوِ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِزِيَادَةِ شَرْطِ الْإِسْلَامِ فِي الْمَحْرَمِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ بِذَلِكَ فِي حَقِيقَةِ الْمَحْرَمِ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ الْبُلُوغُ بَلِ التَّمْيِيزُ وَالْكِفَايَةُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَكْفِي الْمَحْرَمُ الذَّكَرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً فِيمَا يَظْهَرُ، لِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ أَقْوَى مِنَ الشَّرْعِيِّ، إِذَا كَانَ لَهُ غَيْرَةٌ تَمْنَعُهُ أَنْ يَرْضَى بِالزِّنَى.
فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ:
28- أ- يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ قَادِرَةً عَلَى نَفَقَةِ نَفْسِهَا وَنَفَقَةِ الْمَحْرَمِ إِنْ طَلَبَ مِنْهَا النَّفَقَةَ، لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا عَلَيْهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَكَذَلِكَ عَبَّرَ بِالنَّفَقَةِ ابْنُ قُدَامَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ.وَعَبَّرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَابْنُ مُفْلِحٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِالْأُجْرَةِ.وَالْمُرَادُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
وَلَوْ امْتَنَعَ الْمَحْرَمُ عَنِ الْخُرُوجِ إِلاَّ بِأُجْرَةٍ لَزِمَتْهَا إِنْ قَدَرَتْ عَلَيْهَا، وَحَرُمَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي صُحْبَةِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ أَوْ رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ.
ب- الزَّوْجُ إِذَا حَجَّ مَعَ امْرَأَتِهِ فَلَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، نَفَقَةُ الْحَضَرِ لَا السَّفَرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَجْرًا مُقَابِلَ الْخُرُوجِ مَعَهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَنَابِلَةِ، لِأَنَّهُمْ خَصُّوا الْمَحْرَمَ بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ إِذَا كَانَتْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ.
ج- إِذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنَ الذَّهَابِ مَعَهُ لِحَجِّ الْفَرْضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنَ النَّفْلِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْحَجُّ إِلاَّ بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَرْضًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ «لِأَنَّ فِي ذَهَابِهَا تَفْوِيتَ حَقِّ الزَّوْجِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ، لِأَنَّهُ فَرْضٌ بِغَيْرِ وَقْتٍ إِلاَّ فِي الْعُمُرِ كُلِّهِ، » فَإِنْ خَافَتِ الْعَجْزَ الْبَدَنِيَّ بِقَوْلِ طَبِيبَيْنِ عَدْلَيْنِ لَمْ يُشْتَرَطْ إِذْنُ الزَّوْجِ.
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى فَرَائِضِ الْعَيْنِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْهُ، لِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهَا.
ثَانِيًا- عَدَمُ الْعِدَّةِ:
29- يُشْتَرَطُ أَلَا تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ مُدَّةَ إِمْكَانِ السَّيْرِ لِلْحَجِّ، وَهُوَ شَرْطٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَفَاصِيلَ فِيهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى الْمُعْتَدَّاتِ عَنِ الْخُرُوجِ مِنْ بُيُوتِهِنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} وَالْحَجُّ يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ، فَلَا تُلْزَمُ بِأَدَائِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ.
وَقَدْ عَمَّمَ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا الشَّرْطَ لِكُلِّ مُعْتَدَّةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ عِدَّتُهَا مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ، أَوْ وَفَاةٍ، أَوْ فَسْخِ نِكَاحٍ.وَنَحْوِ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَفَصَّلَ الْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: لَا تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ إِلَى الْحَجِّ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْمَبْتُوتِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ لُزُومَ الْبَيْتِ فِيهِ وَاجِبٌ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَقُدِّمَ عَلَى الْحَجِّ لِأَنَّهُ يَفُوتُ، وَالطَّلَاقُ الْمَبْتُوتُ لَا يَجِبُ فِيهِ ذَلِكَ.وَأَمَّا عِدَّةُ الرَّجْعِيَّةِ فَالْمَرْأَةُ فِيهِ بِمَنْزِلَتِهَا فِي طَلَبِ النِّكَاحِ، لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ.
وَنَحْوُ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ لِلْعِدَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحِقُّ لِلزَّوْجِ عِنْدَهُمْ مَنْعُهَا عَنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ فِي مَذْهَبِهِمْ.
30- ثُمَّ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي عَدَمِ الْعِدَّةِ: هَلْ هُوَ شَرْطُ وُجُوبٍ أَوْ شَرْطُ أَدَاءٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلُزُومِ الْأَدَاءِ بِالنَّفْسِ.أَمَّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَهُوَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ.
فُرُوعٌ:
31- لَوْ خَالَفَتِ الْمَرْأَةُ وَخَرَجَتْ لِلْحَجِّ فِي الْعِدَّةِ صَحَّ حَجُّهَا، وَكَانَتْ آثِمَةً.
ب- إِنْ خَرَجَتْ مِنْ بَلَدِهَا لِلْحَجِّ وَطَرَأَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا تَبِعَتْ زَوْجَهَا، رَجَعَ
أَوْ مَضَى، لَمْ تُفَارِقْهُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُرَاجِعَهَا.وَإِنْ كَانَ بَائِنًا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَإِنْ كَانَ إِلَى مَنْزِلِهَا أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ وَإِلَى مَكَّةَ مُدَّةُ سَفَرٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَعُودَ إِلَى مَنْزِلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ إِلَى مَكَّةَ أَقَلَّ مَضَتْ إِلَى مَكَّةَ، وَإِنْ كَانَتْ إِلَى الْجَانِبَيْنِ أَقَلَّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَتْ مَضَتْ، وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْمِصْرِ أَوْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ لَا، إِلاَّ أَنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى.وَإِنْ كَانَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مُدَّةُ سَفَرٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْمِصْرِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَفَازَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ لَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِهَا فَلَهَا أَنْ تَمْضِيَ إِلَى مَوْضِعِ الْأَمْنِ ثُمَّ لَا تَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا.
وَنَحْوُهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَإِذَا خَرَجَتْ لِلْحَجِّ فَتُوُفِّيَ زَوْجُهَا وَهِيَ قَرِيبَةٌ رَجَعَتْ لِتَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِهَا، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ مَضَتْ فِي سَفَرِهَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا خَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا لِحَجِّ الْفَرِيضَةِ فَمَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوِهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إِذَا وَجَدَتْ ثِقَةً ذَا مَحْرَمٍ، أَوْ نَاسًا لَا بَأْسَ بِهِمْ.وَإِنْ بَعُدَتْ أَوْ كَانَتْ أَحْرَمَتْ أَوْ أَحْرَمَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوِ الْمَوْتِ، وَسَوَاءٌ أَحْرَمَتْ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ لَمْ تَجِدْ رُفْقَةً تَرْجِعُ مَعَهُمْ فَإِنَّهَا تَمْضِي....
وَفِي حَجِّ التَّطَوُّعِ: تَرْجِعُ لِتُتِمَّ عِدَّتَهَا فِي بَيْتِهَا إِنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا تَصِلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، إِنْ وَجَدَتْ ذَا مَحْرَمٍ أَوْ رُفْقَةً مَأْمُونَةً.وَإِلاَّ تَمَادَتْ مَعَ رُفْقَتِهَا...
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَعِنْدَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ كَقَوْلِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ إِذْنِ الزَّوْجِ فِي خُرُوجِ الزَّوْجَةِ لِلْحَجِّ حَتَّى لَوْ طَرَأَتِ الْعِدَّةُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ:
إِذَا خَرَجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلَهُ مَنْعُهَا وَتَحْلِيلُهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا وَلَا تَحْلِيلُهَا (*).
شُرُوطُ صِحَّةِ الْحَجِّ:
شُرُوطُ صِحَّةِ الْحَجِّ أُمُورٌ تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا صِحَّةُ الْحَجِّ وَلَيْسَتْ دَاخِلَةً فِيهِ.فَلَوِ اخْتَلَّ شَيْءٌ مِنْهَا كَانَ الْحَجُّ بَاطِلًا، وَهِيَ:
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: الْإِسْلَامُ:
32- يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ، فَلَا يَصِحُّ حَجُّ الْكَافِرِ أَصَالَةً وَلَا نِيَابَةً، فَإِنْ حَجَّ أَوْ حُجَّ عَنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: الْعَقْلُ:
33- يُشْتَرَطُ الْعَقْلُ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ أَيْضًا وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ.فَلَوْ حَجَّ الْمَجْنُونُ فَحَجُّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِذَا أَفَاقَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ.لَكِنْ يَصِحُّ أَنْ يَحُجَّ عَنِ الْمَجْنُونِ وَلِيُّهُ وَيَقَعُ نَفْلًا.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ:
34- ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْحَجِّ زَمَانًا لَا يُؤَدَّى فِي غَيْرِهِ، فِي قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَجَمَاهِيرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ: هِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.
وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي نَهَارِ يَوْمِ النَّحْرِ، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: هُوَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ.وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: آخِرُ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَيْلَةُ النَّحْرِ، وَلَيْسَ نَهَارُ يَوْمِ النَّحْرِ مِنْهَا.
وَوَسَّعَ الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا: آخِرُ أَشْهُرِ الْحَجِّ نِهَايَةُ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ.
وَامْتِدَادُ الْوَقْتِ بَعْدَ لَيْلَةِ النَّحْرِ إِلَى آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى جَوَازِ التَّحَلُّلِ مِنَ الْإِحْرَامِ وَكَرَاهَةِ الْعُمْرَةِ فَقَطْ.
فَلَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ خَارِجَ وَقْتِ الْحَجِّ لَا يُجْزِيهِ، فَلَوْ صَامَ الْمُتَمَتِّعُ أَوِ الْقَارِنُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يَقَعُ عَنْ سَعْيِ الْحَجِّ إِلاَّ فِيهَا.
نَعَمْ أَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْلَهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَهُمْ. (انْظُرْ مُصْطَلَحَيْ إِحْرَامٌ فِقْرَةُ 34، وَأَشْهُرُ الْحَجِّ).
وَلَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ وَقْتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ:
35- هُنَاكَ أَمَاكِنُ وَقَّتَهَا الشَّارِعُ أَيْ حَدَّدَهَا لِأَدَاءِ أَرْكَانِ الْحَجِّ، لَا تَصِحُّ فِي غَيْرِهَا.فَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، مَكَانُهُ أَرْضُ عَرَفَةَ.وَالطَّوَافُ بِالْكَعْبَةِ، مَكَانُهُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ.
وَالسَّعْيُ، مَكَانُهُ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
وَنُفَصِّلُ تَوْقِيتَ الْمَكَانِ لِكُلِّ مَنْسَكٍ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
شُرُوطُ إِجْزَاءِ الْحَجِّ عَنِ الْفَرْضِ:
36- شُرُوطُ إِجْزَاءِ الْحَجِّ عَنِ الْفَرْضِ ثَمَانِيَةٌ وَهِيَ:
أ- الْإِسْلَامُ: وَهُوَ شَرْطٌ لِوُقُوعِهِ عَنِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، بَلْ لِصِحَّتِهِ مِنْ أَسَاسِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
ب- بَقَاؤُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ إِلَى الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ ارْتِدَادٍ عِيَاذًا بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْحَجِّ ثُمَّ تَابَ عَنْ رِدَّتِهِ وَأَسْلَمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ جَدِيدٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ مُجَدَّدًا بَعْدَ التَّوْبَةِ عَنِ الرِّدَّةِ.
اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَمَنْ مَعَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} فَقَدْ جَعَلَتِ الْآيَةُ الرِّدَّةَ نَفْسَهَا مُحْبِطَةً لِلْعَمَلِ.
وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
فَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ إِحْبَاطَ الرِّدَّةِ لِلْعَمَلِ مَشْرُوطٌ بِالْمَوْتِ كَافِرًا.
ج- الْعَقْلُ: فَإِنَّ الْمَجْنُونَ وَإِنْ صَحَّ إِحْرَامُ وَلِيِّهِ عَنْهُ وَمُبَاشَرَتُهُ أَعْمَالَ الْحَجِّ عَنْهُ، فَإِنَّهُ يَقَعُ نَفْلًا لَا فَرْضًا.
نَعَمْ، لَوْ كَانَ حَالَ الْإِحْرَامِ مُفِيقًا يَعْقِلُ النِّيَّةَ وَالتَّلْبِيَةَ وَأَتَى بِهِمَا، ثُمَّ أَوْقَفَهُ وَلِيُّهُ، وَبَاشَرَ عَنْهُ سَائِرَ أُمُورِهِ صَحَّ حَجُّهُ فَرْضًا، إِلاَّ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَيْهِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ حَتَّى يُفِيقَ فَيُؤَدِّيَهُ بِنَفْسِهِ.
د- الْحُرِّيَّةُ: فَإِذَا حَجَّ الْعَبْدُ ثُمَّ عَتَقَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ.وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهَا. (فِقْرَةُ 12).
هـ- الْبُلُوغُ: فَإِذَا حَجَّ الصَّبِيُّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ.وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ (فِقْرَةُ 11 وَ 12). و- الْأَدَاءُ بِنَفْسِهِ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ: بِأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا مُسْتَكْمِلًا شُرُوطَ وُجُوبِ أَدَاءِ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ إِذَا أَحَجَّ عَنْهُ غَيْرَهُ صَحَّ الْحَجُّ وَوَقَعَ نَفْلًا، وَبَقِيَ الْفَرْضُ فِي ذِمَّتِهِ.
أَمَّا إِذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ فَأَحَجَّ عَنْهُ غَيْرَهُ صَحَّ وَسَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ، بِشَرْطِ اسْتِمْرَارِ الْعُذْرِ إِلَى الْمَوْتِ.
ز- عَدَمُ نِيَّةِ النَّفْلِ: فَيَقَعُ الْحَجُّ عَنِ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ فِي الْإِحْرَامِ، وَبِمُطْلَقِ نِيَّةِ الْحَجِّ.
أَمَّا إِذَا نَوَى الْحَجَّ نَفْلًا وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْفَرْضِ أَوْ نَذْرٌ، فَإِنَّهُ يَقَعُ نَفْلًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.وَيَقَعُ عَنِ الْفَرْضِ أَوِ النَّذْرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
يَدُلُّ لِلْأَوَّلَيْنِ حَدِيثُ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».وَهَذَا نَوَى النَّفَلَ فَلَا يَقَعُ عَنِ الْفَرْضِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ مَا نَوَاهُ.
وَاسْتَدَلَّ لِلْآخَرَيْنِ بِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ.وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ غَيْرُ الْحَجِّ.
ح- عَدَمُ النِّيَّةِ عَنِ الْغَيْرِ: وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ إِذَا كَانَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ نَوَى عَنْ غَيْرِهِ وَقَعَ عَنْ غَيْرِهِ اتِّفَاقًا.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَنَوَى عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنِ الْغَيْرِ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَيَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَيَأْتِي مَزِيدُ تَفْصِيلٍ لِذَلِكَ فِي بَحْثِ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ.
كَيْفِيَّاتُ الْحَجِّ:
37- يُؤَدَّى الْحَجُّ عَلَى ثَلَاثِ كَيْفِيَّاتٍ، وَهِيَ:
أ- الْإِفْرَادُ: وَهُوَ أَنْ يُهِلَّ الْحَاجُّ أَيْ يَنْوِيَ الْحَجَّ فَقَطْ عِنْدَ إِحْرَامِهِ ثُمَّ يَأْتِي بِأَعْمَالِ الْحَجِّ وَحْدَهُ.
ب- الْقِرَانُ: وَهُوَ أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ جَمِيعًا، فَيَأْتِيَ بِهِمَا فِي نُسُكٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ، فَيَطُوفُ طَوَافًا وَاحِدًا وَيَسْعَى سَعْيًا وَاحِدًا وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَطُوفُ الْقَارِنُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ، طَوَافٌ وَسَعْيٌ لِلْعُمْرَةِ، ثُمَّ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَالسَّعْيُ لِلْحَجِّ.وَيَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيًا بِالْإِجْمَاعِ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (قِرَانٌ). ج- التَّمَتُّعُ: وَهُوَ أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ فَقَطْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيَأْتِيَ مَكَّةَ فَيُؤَدِّيَ مَنَاسِكَ الْعُمْرَةِ، وَيَتَحَلَّلَ.وَيَمْكُثَ بِمَكَّةَ حَلَالًا، ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَيَأْتِيَ بِأَعْمَالِهِ.وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيًا بِالْإِجْمَاعِ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (تَمَتُّعٌ).
مَشْرُوعِيَّةُ كَيْفِيَّاتِ الْحَجِّ:
38- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ كُلِّ كَيْفِيَّاتِ الْحَجِّ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
وَيُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ:
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} وقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وَقَوْلُهُ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها- قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ.وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- بِالْحَجِّ.فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ».
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَقَدْ تَوَاتَرَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَوْجُهِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْأَئِمَّةُ، وَمِنْ ذَلِكَ:
1- تَصْرِيحُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي نَقَلْنَاهُ سَابِقًا، وَقَوْلُهُ «ثُمَّ مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا»
2- قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ
3- قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ هَذَا- أَيْ بَعْدَ الْخِلَافِ الَّذِي نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ- عَلَى جَوَازِ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ
4- قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَمْ تَخْتَلِفِ الْأُمَّةُ فِي أَنَّ الْإِفْرَادَ وَالْقِرَانَ، وَالتَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ كُلُّهَا جَائِزَةٌ.
هَدْيُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ:
38- يَجِبُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَذْبَحَ هَدْيًا لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}.وَتَفْصِيلُهُ فِي (هَدْيٌ، وَتَمَتُّعٌ، وَقِرَانٌ).
الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ كَيْفِيَّاتِ أَدَاءِ الْحَجِّ:
39- فَضَّلَ كُلَّ كَيْفِيَّةٍ مِنْ كَيْفِيَّاتِ الْحَجِّ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي حَجِّهِ - صلى الله عليه وسلم- وَلِاسْتِنْبَاطَاتِ قُوَّةِ ذَلِكَ التَّفْضِيلِ عِنْدَ كُلِّ جَمَاعَةٍ:
أ- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْإِفْرَادَ بِالْحَجِّ أَفْضَلُ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ:
1- حَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ، وَفِيهِ قَوْلُهَا: «وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- بِالْحَجِّ».وَغَيْرُهُ مِنْ أَحَادِيثَ تُفِيدُ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم- كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ.
2- أَنَّهُ أَشَقُّ عَمَلًا مِنَ الْقِرَانِ، وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ كَمَا فِي التَّمَتُّعِ، فَيَكُونُ أَكْثَرَ ثَوَابًا.
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ فَضَّلُوا الْإِفْرَادَ، ثُمَّ الْقِرَانَ، ثُمَّ التَّمَتُّعَ، وَقَدَّمَ الشَّافِعِيَّةُ التَّمَتُّعَ عَلَى الْقِرَانِ.
وَشَرْطُ تَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ عَلَى غَيْرِهِ- عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ- «أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعْتَمِرَ فِي سَنَتِهِ، فَإِنْ أَخَّرَ الْعُمْرَةَ عَنْ سَنَةِ الْحَجِّ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ أَفْضَلُ مِنْهُ، بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعُمْرَةِ عَنْ سَنَةِ الْحَجِّ مَكْرُوهٌ».
ب- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَفْضَلَهَا الْقِرَانُ، ثُمَّ التَّمَتُّعُ، ثُمَّ الْإِفْرَادُ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْمُزَنِيِّ صَاحِبِ الشَّافِعِيِّ.وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ:
1- حَدِيثُ عُمَرَ - رضي الله عنه- «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ».
فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِإِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُفْرِدًا، وَلَا يَأْمُرُهُ إِلاَّ بِالْأَفْضَلِ.وَهَذَا يَجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي حَجِّهِ - صلى الله عليه وسلم- فَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ مُتَعَيَّنٌ. 2- أَنَّهُ أَشَقُّ لِكَوْنِهِ أَدْوَمُ إِحْرَامًا، وَأَسْرَعُ إِلَى الْعِبَادَةِ، وَلِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ.
ج- ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ، فَالْإِفْرَادُ، فَالْقِرَانُ.
«وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ اخْتِيَارُ التَّمَتُّعِ: ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَائِشَةُ، وَالْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْقَاسِمُ، وَسَالِمٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ».
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ:
1- قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم- فِي حَدِيثِ جَابِرٍ -: «لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً».
فَقَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّمَتُّعِ، وَتَمَنَّاهُ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَأْمُرُ وَلَا يَتَمَنَّى إِلاَّ الْأَفْضَلَ.
2- أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ، يَجْتَمِعُ لَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، مَعَ كَمَالِهِمَا، وَكَمَالِ أَفْعَالِهِمَا، عَلَى وَجْهِ الْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ، مَعَ زِيَادَةِ نُسُكٍ، لَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى.
صِفَةُ أَدَاءِ الْحَجِّ بِكَيْفِيَّاتِهِ كُلِّهَا:
وَنَقْسِمُ أَعْمَالَ الْحَجِّ لِتَسْهِيلِ فَهْمِ أَدَائِهَا إِلَى قِسْمَيْنِ:
أ- أَعْمَالُ الْحَجِّ حَتَّى قُدُومِ مَكَّةَ.
ب- أَعْمَالُ الْحَجِّ بَعْدَ قُدُومِ مَكَّةَ.
أَعْمَالُ الْحَجِّ حَتَّى قُدُومِ مَكَّةَ:
40- مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ يَشْرَعُ بِالِاسْتِعْدَادِ لِلْإِحْرَامِ (انْظُرْ مُصْطَلَحَ إِحْرَامٌ، وَخُصُوصًا ف 117)، وَيَنْوِي فِي إِحْرَامِهِ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي يُرِيدُ أَدَاءَ الْحَجِّ عَلَيْهَا، فَإِنْ أَرَادَ الْإِفْرَادَ نَوَى الْحَجَّ، وَإِنْ أَرَادَ الْقِرَانَ نَوَى الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَإِنْ أَرَادَ التَّمَتُّعَ نَوَى الْعُمْرَةَ فَقَطْ.
فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بَادَرَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَتَوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ بِغَايَةِ الْخُشُوعِ وَالْإِجْلَالِ، وَيَبْدَأُ بِالطَّوَافِ مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَيَطُوفُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، وَهَذَا الطَّوَافُ هُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ لِلْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ، وَهُوَ طَوَافُ الْعُمْرَةِ لِمَنْ أَحْرَمَ مُتَمَتِّعًا (انْظُرْ تَمَتُّعٌ).أَمَّا إِنْ كَانَ قَارِنًا فَيَقَعُ عَنِ الْقُدُومِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعَنِ الْعُمْرَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ لِلْقُدُومِ عِنْدَهُمْ (انْظُرْ مُصْطَلَحَ قِرَانٌ).
وَيَقْطَعُ الْمُتَمَتِّعُ التَّلْبِيَةَ بِشُرُوعِهِ بِالطَّوَافِ، وَلَا يَقْطَعُهَا الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ حَتَّى يَشْرَعَ فِي الرَّمْيِ يَوْمَ النَّحْرِ (انْظُرْ تَلْبِيَةٌ).
وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ وَيُقَبِّلُهُ، وَكُلَّمَا مَرَّ بِهِ، إِنْ تَيَسَّرَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِيذَاءٍ لِأَحَدٍ، وَإِلاَّ لَمَسَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِشَيْءٍ يُمْسِكُهُ بِهَا وَقَبَّلَهُ، وَإِلاَّ أَشَارَ بِيَدَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ السَّعْيَ بَعْدَهُ فَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَضْطَبِعَ فِي أَشْوَاطِ طَوَافِهِ هَذَا كُلِّهَا، وَيَرْمُلَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى.وَلْيُكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فِي طَوَافِهِ كُلِّهِ، وَلَا سِيَّمَا الْمَأْثُورُ (انْظُرْ مُصْطَلَحَ: طَوَافٌ).
وَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمِ إِنْ أَمْكَنَ، ثُمَّ إِنْ أَرَادَ السَّعْيَ يَذْهَبُ إِلَى الصَّفَا وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، مُرَاعِيًا أَحْكَامَ السَّعْيِ وَآدَابِهِ.
(انْظُرْ: سَعْيٌ).وَهَذَا السَّعْيُ يَقَعُ عَنِ الْحَجِّ لِلْمُفْرِدِ، وَعَنِ الْعُمْرَةِ لِلْمُتَمَتِّعِ، وَعَنِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِلْقَارِنِ، عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ فِي الْقِرَانِ، أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَعَنِ الْعُمْرَةِ فَقَطْ لِلْقَارِنِ، وَعَلَيْهِ سَعْيٌ آخَرُ لِلْحَجِّ عِنْدَهُمْ (انْظُرْ مُصْطَلَحَ: قِرَانٌ).
وَهُنَا يَحْلِقُ الْمُتَمَتِّعُ رَأْسَهُ بَعْدَ السَّعْيِ أَوْ يُقَصِّرُهُ (انْظُرْ حَلْقٌ)، وَقَدْ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ. (انْظُرْ: إِحْرَامٌ: ف 126).أَمَّا الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ فَهُمَا عَلَى إِحْرَامِهِمَا إِلَى أَنْ يَتَحَلَّلَا بِأَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ.
أَعْمَالُ الْحَجِّ بَعْدَ قُدُومِ مَكَّةَ:
41- يَمْكُثُ الْحَاجُّ فِي مَكَّةَ بَعْدَ الْقُدُومِ وَمَا ذَكَرْنَا فِيهِ- إِلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ لِيُؤَدِّيَ سَائِرَ الْمَنَاسِكِ وَيُؤَدِّي أَعْمَالَ الْحَجِّ هَذِهِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ كَمَا يَلِي: يَوْمُ التَّرْوِيَةِ:
42- وَهُوَ يَوْمُ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَنْطَلِقُ فِيهِ الْحُجَّاجُ إِلَى مِنًى، وَيُحْرِمُ الْمُتَمَتِّعُ بِالْحَجِّ، أَمَّا الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ فَهُمَا عَلَى إِحْرَامِهِمَا، وَيَبِيتُونَ بِمِنًى اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، وَيُصَلُّونَ فِيهَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ: الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ.وَهَذَا فَجْرُ يَوْمِ عَرَفَةَ.
يَوْمُ عَرَفَةَ:
43- وَهُوَ يَوْمٌ عَظِيمٌ يُؤَدِّي فِيهِ الْحُجَّاجُ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ رُكْنَ الْحَجِّ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَى فَوَاتِهِ بُطْلَانُ الْحَجِّ، ثُمَّ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ.
أ- الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ: وَفِيهِ يُسَنُّ أَنْ يَخْرُجَ الْحَاجُّ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إِلاَّ بَطْنَ عُرَنَةَ، وَيُسَنُّ أَلَا يَدْخُلَ عَرَفَةَ إِلاَّ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَبَعْدَ أَنْ يَجْمَعَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ تَقْدِيمًا، فَيَقِفَ بِعَرَفَةَ مُرَاعِيًا أَحْكَامَهُ وَسُنَنَهُ وَآدَابَهُ، وَيَسْتَمِرَّ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلَا يُجَاوِزَ عَرَفَةَ قَبْلَهُ، وَيَتَوَجَّهَ إِلَى اللَّهِ فِي وُقُوفِهِ خَاشِعًا ضَارِعًا بِالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالْقُرْآنِ وَالتَّلْبِيَةِ...حَتَّى يَدْفَعَ مِنْ عَرَفَةَ.
ب- الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ: إِذَا غَرَبَتْ شَمْسُ يَوْمِ عَرَفَةَ يَسِيرُ الْحَاجُّ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، وَيَجْمَعُ بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ تَأْخِيرًا، وَيَبِيتُ فِيهَا، وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ يُصَلِّي الْفَجْرَ وَيَقِفُ لِلدُّعَاءِ، وَالْوُقُوفُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَاجِبٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ سُنَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَرَوْنَ أَنَّهُ إِذَا نَفَرَ لِعُذْرٍ كَزَحْمَةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَيَسْتَمِرُّ وَاقِفًا يَدْعُو وَيُهَلِّلُ وَيُلَبِّي حَتَّى يُسْفِرَ جِدًّا، لِيَنْطَلِقَ إِلَى مِنًى.
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَلْقُطَ الْجِمَارَ (الْحَصَيَاتِ الصِّغَارَ) مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ، لِيَرْمِيَ بِهَا، وَعَدَدُهَا سَبْعُونَ، لِلرَّمْيِ كُلِّهِ، وَإِلاَّ فَسَبْعَةٌ يَرْمِي بِهَا يَوْمَ النَّحْرِ.
يَوْمُ النَّحْرِ:
44- يُسَنُّ أَنْ يَدْفَعَ الْحَاجُّ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، لِيُؤَدِّيَ أَعْمَالَ النَّحْرِ، وَهُوَ أَكْثَرُ أَيَّامِ الْحَجِّ عَمَلًا، وَيُكْثِرُ فِي تَحَرُّكِهِ مِنَ الذِّكْرِ وَالتَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ.
وَأَعْمَالُ هَذَا الْيَوْمِ هِيَ:
أ- رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ: فَيَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ فِي هَذَا الْيَوْمِ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَحْدَهَا، وَتُسَمَّى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى.يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ.
ب- نَحْرُ الْهَدْيِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ، سُنَّةٌ لِغَيْرِهِمَا.
ج- الْحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ: وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ لِلرِّجَالِ، مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً لِلنِّسَاءِ.
د- طَوَافُ الزِّيَارَةِ: وَيَأْتِي تَرْتِيبُهُ بَعْدَ الْأَعْمَالِ السَّابِقَةِ، فَيُفِيضُ الْحَاجُّ أَيْ يَرْحَلُ إِلَى مَكَّةَ لِيَطُوفَ الزِّيَارَةَ، وَهُوَ طَوَافُ الرُّكْنِ فِي الْحَجِّ.
وَإِنْ كَانَ قَدَّمَ السَّعْيَ فَلَا يَضْطَبِعُ وَلَا يَرْمُلُ فِي هَذَا الطَّوَافِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ سَعْيٌ بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقَدِّمِ السَّعْيَ فَلْيَسْعَ بَعْدَ الطَّوَافِ، وَيَضْطَبِعْ وَيَرْمُلْ فِي طَوَافِهِ، كَمَا هِيَ السُّنَّةُ فِي كُلِّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ.
هـ- السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: لِمَنْ لَمْ يُقَدِّمِ السَّعْيَ مِنْ قَبْلُ.
و- التَّحَلُّلُ: وَيَحْصُلُ بِأَدَاءِ الْأَعْمَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَهُوَ قِسْمَانِ:
التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ: أَوِ الْأَصْغَرُ: تَحِلُّ بِهِ مَحْظُورَاتُ الْإِحْرَامِ عَدَا النِّسَاءَ.
وَيَحْصُلُ بِالْحَلْقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَبِالرَّمْيِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَبِفِعْلِ ثَلَاثَةٍ مِنْ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ (اسْتُثْنِيَ مِنْهَا الذَّبْحُ حَيْثُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي التَّحَلُّلِ) عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
التَّحَلُّلُ الثَّانِي: أَوِ الْأَكْبَرُ: تَحِلُّ بِهِ كُلُّ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ حَتَّى النِّسَاءُ.
وَيَحْصُلُ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَقَطْ بِشَرْطِ الْحَلْقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَبِالْإِفَاضَةِ مَعَ السَّعْيِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَبِاسْتِكْمَالِ الْأَعْمَالِ الْأَرْبَعَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
أَوَّلُ وَثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ:
45- هُمَا ثَانِي وَثَالِثُ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَفِيهِمَا مَا يَلِي: أ- الْمَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَتَيْ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ: وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
ب- رَمْيُ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ: يَرْمِيهَا عَلَى التَّرْتِيبِ: الْجَمْرَةُ الْأُولَى أَوِ الصُّغْرَى وَهِيَ أَقْرَبُ الْجَمَرَاتِ إِلَى مَسْجِدِ الْخَيْفِ بِمِنًى، ثُمَّ الْجَمْرَةُ الثَّانِيَةُ أَوِ الْوُسْطَى، ثُمَّ الثَّالِثَةُ الْكُبْرَى جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ.يَرْمِي كُلَّ وَاحِدَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَيَدْعُو بَيْنَ كُلِّ جَمْرَتَيْنِ.
ج- النَّفْرُ الْأَوَّلُ: يَحِلُّ لِلْحَاجِّ إِذَا رَمَى جِمَارَ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يَرْحَلَ إِلَى مَكَّةَ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ رَمْيُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، إِذَا جَاوَزَ حُدُودَ مِنًى قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَبْلَ فَجْرِ ثَالِثِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
د- التَّحْصِيبُ: وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَيَنْزِلُ الْحَاجُّ بِالْمُحَصَّبِ عِنْدَ وُصُولِهِ مَكَّةَ إِنْ تَيَسَّرَ لَهُ لِيَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ وَيُصَلِّيَ.
ثَالِثُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ:
46- هُوَ رَابِعُ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَفِيهِ:
أ- الرَّمْيُ: يَجِبُ رَمْيُ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ، فَلَمْ يَنْفِرِ النَّفْرَ الْأَوَّلَ، وَيَنْتَهِي وَقْتُهُ وَوَقْتُ الرَّمْيِ كُلِّهِ أَيْضًا قَضَاءً وَأَدَاءً بِغُرُوبِ شَمْسِ هَذَا الْيَوْمِ اتِّفَاقًا.وَتَنْتَهِي بِغُرُوبِهِ مَنَاسِكُ مِنًى.
ب- النَّفْرُ الثَّانِي: يَنْفِرُ أَيْ يَرْحَلُ سَائِرُ الْحُجَّاجِ فِي هَذَا الْيَوْمِ إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ، وَلَا يُشْرَعُ الْمُكْثُ بِمِنًى بَعْدَ ذَلِكَ.
ج- التَّحْصِيبُ: عِنْدَ وُصُولِ مَكَّةَ، كَمَا مَرَّ ذِكْرُهُ، فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ.
د- الْمُكْثُ بِمَكَّةَ: تَنْتَهِي الْمَنَاسِكُ بِنِهَايَةِ أَعْمَالِ مِنًى- عَدَا طَوَافَ الْوَدَاعِ- وَيَمْكُثُ الْحَاجُّ بِمَكَّةَ إِلَى وَقْتِ سَفَرِهِ فِي عِبَادَةٍ، وَذِكْرٍ، وَطَوَافٍ، وَعَمَلِ خَيْرٍ.وَيَأْتِي الْمُفْرِدُ بِالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ وَقْتَهَا كُلُّ أَيَّامِ السَّنَةِ عَدَا يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهُ فَتُكْرَهُ فِيهَا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. (انْظُرْ مُصْطَلَحَ: إِحْرَامٌ: ف 38) (وَعُمْرَةٌ).
طَوَافُ الْوَدَاعِ:
46 م- إِذَا أَرَادَ الْحَاجُّ السَّفَرَ مِنْ مَكَّةَ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْوَدَاعِ، وَالْمَعْنَى الْمُلَاحَظُ فِي هَذَا الطَّوَافِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ الْعَهْدِ بِالْبَيْتِ، وَلَا رَمْلَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَلَا اضْطِبَاعَ، وَبَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، يَأْتِي زَمْزَمَ وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ، وَيَتَشَبَّثُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَيَسْتَلِمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ إِنْ تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ غَيْرِ إِيذَاءِ أَحَدٍ، ثُمَّ يَسِيرُ إِلَى بَابِ الْحَرَمِ وَوَجْهُهُ تِلْقَاءَ الْبَابِ، دَاعِيًا بِالْقَبُولِ، وَالْغُفْرَانِ، وَبِالْعَوْدِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَأَلاَّ يَكُونَ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. أَرْكَانُ الْحَجِّ:
47- أَرْكَانُ الْحَجِّ فِيمَا اتَّجَهَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَرْبَعَةٌ:
الْإِحْرَامُ.وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ.وَالطَّوَافُ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ.وَالسَّعْيُ.وَأَرْكَانُ الْحَجِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ رُكْنَانِ: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ سِتٌّ: الْأَرْبَعُ الْمَذْكُورَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَالْحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ مُعْظَمِ الْأَرْكَانِ.
الرُّكْنُ الْأَوَّلُ: الْإِحْرَامُ:
48- الْإِحْرَامُ فِي اللُّغَةِ: الدُّخُولُ فِي الْحُرْمَةِ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ: نِيَّةُ الْحَجِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.وَالنِّيَّةُ مَعَ التَّلْبِيَةِ وَهِيَ قَوْلُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ- عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَالْإِحْرَامُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَشَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.وَهُوَ عِنْدَهُمْ شَرْطٌ مِنْ وَجْهٍ رُكْنٌ مِنْ وَجْهٍ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِحْرَامٌ).
الرُّكْنُ الثَّانِي: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ:
49- الْمُرَادُ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ: وُجُودُ الْحَاجِّ فِي أَرْضِ (عَرَفَةَ)، بِالشُّرُوطِ وَالْأَحْكَامِ الْمُقَرَّرَةِ.
وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ رُكْنٌ أَسَاسِيٌّ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، يَخْتَصُّ بِأَنَّهُ مَنْ فَاتَهُ فَقَدَ فَاتَهُ الْحَجُّ.
وَقَدْ ثَبَتَتْ رُكْنِيَّةُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بِالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ: أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}.فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا نَزَلَتْ تَأْمُرُ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَعِدَّةُ أَحَادِيثَ، أَشْهُرُهَا حَدِيثُ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ».
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ عَدَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، وَأَنَّهُ مَنْ فَاتَهُ فَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
58-موسوعة الفقه الكويتية (حياة)
حَيَاةٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْحَيَاةُ فِي اللُّغَةِ نَقِيضُ الْمَوْتِ، وَالْحَيُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ نَقِيصُ الْمَيِّتِ.وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ قُوَّةٍ مِزَاجِيَّةٍ تَقْتَضِي الْحِسَّ وَالْحَرَكَةَ، وَفِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ صِفَةٌ تَلِيقُ بِهِ جَلَّ شَأْنُهُ.وَعَرَّفَ الْجُرْجَانِيُّ الْحَيَاةَ: بِأَنَّهَا صِفَةٌ تُوجِبُ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا أَنْ يَعْلَمَ وَيَقْدِرَ.وَعَلَى هَذَا لَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ لِلْحَيَاةِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الرُّوحُ:
2- قَالَ الْفَرَّاءُ: الرُّوحُ، هُوَ الَّذِي يَعِيشُ بِهِ الْإِنْسَانُ، لَمْ يُخْبِرِ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ.قَالَ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}.
ب- النَّفْسُ:
3- قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ: مِنَ اللُّغَوِيِّينَ مَنْ سَوَّى بَيْنَ النَّفْسِ وَالرُّوحِ، وَقَالَ: هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: الرُّوحُ هُوَ الَّذِي بِهِ الْحَيَاةُ وَالنَّفْسُ هِيَ الَّتِي بِهَا الْعَقْلُ.
ج- الِاسْتِهْلَالُ:
4- الِاسْتِهْلَالُ مَصْدَرُ اسْتَهَلَّ، يُقَالُ: اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ بِالْبُكَاءِ أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ وَصَاحَ عِنْدَ الْوِلَادَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ ارْتَفَعَ صَوْتُهُ فَقَدِ اسْتَهَلَّ.وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وَرِثَ».وَالِاسْتِهْلَالُ أَمَارَةٌ مِنْ أَمَارَاتِ الْحَيَاةِ.
د- الْمَوْتُ:
5- الْمَوْتُ: صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ خُلِقَتْ ضِدًّا لِلْحَيَاةِ.وَقِيلَ: صِفَةٌ عَدَمِيَّةٌ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ التَّضَادُّ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْحَيَاةِ:
أَوَّلًا: بَدْءُ الْحَيَاةِ:
6- بَدْءُ الْحَيَاةِ الْآدَمِيَّةِ الْأُولَى كَانَ نَفْخَةً مِنْ رُوحِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الصُّورَةِ الَّتِي سَوَّاهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ طِينٍ لآِدَمَ- عليه السلام-، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ بَدْءَ الْحَيَاةِ الْحَقِيقِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي ذُرِّيَّةِ آدَمَ- عليه السلام- يَكُونُ بِنَفْخِ الرُّوحِ فِي الْجَنِينِ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ».
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَوْعِدِ نَفْخِ الرُّوحِ: هَلْ هُوَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، أَوْ بَعْدَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، أَوْ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي «جَنِينٍ» «وَرُوحٍ».
وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَنِينِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ: هَلْ يُعْتَبَرُ حَيًّا، أَوْ أَصْلًا لِلْحَيِّ، أَوْ لَا يُعْتَبَرُ كَذَلِكَ:
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ حَيَاةَ الْجَنِينِ تَبْدَأُ وَيُعْتَدُّ بِهَا مُنْذُ نَفْخِ الرُّوحِ، أَمَّا قَبْلَهَا فَلَا تَكُونُ حَيَاتُهُ حَقِيقِيَّةً بَلْ حَيَاةٌ اِعْتِبَارِيَّةٌ يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَالتَّصَرُّفَاتِ، كَتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْإِرْثِ، وَصِحَّةِ الْإِيصَاءِ لَهُ بِشَرْطِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} لِأَنَّ قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} أَيْ بِنَفْخِ الرُّوحِ حَيْثُ يَبْدَأُ فِي الْجَنِينِ الْإِحْسَاسُ وَالتَّأَثُّرُ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخَلْقِ الْآخَرِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ: هُوَ نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ جَمَادًا.
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ السَّابِقِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَعَلُّقَ الرُّوحِ بِالْجَنِينِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ، وَأَنَّ الْجَنِينَ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ وَبِهَا يَكُونُ حَيًّا، وَأَفَاضَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْجَنِينَ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ كَانَ فِيهِ حَرَكَةُ نُمُوٍّ وَاغْتِذَاءٍ كَالنَّبَاتِ، وَلَمْ تَكُنْ حَرَكَةُ نُمُوِّهِ وَاغْتِذَائِهِ بِالْإِرَادَةِ، فَلَمَّا نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ انْضَمَّتْ حَرَكَةُ حِسِّيَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ إِلَى حَرَكَةِ نُمُوِّهِ وَاغْتِذَائِهِ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ حَيَاةَ الْجَنِينِ تَبْدَأُ مِنْ حِينِ تَلْقِيحِ مَاءِ الْمَرْأَةِ بِمَاءِ الرَّجُلِ وَاسْتِقْرَارِ مَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي الرَّحِمِ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ حَيَاةَ الْجَنِينِ فِي تِلْكَ الْمَرْحَلَةِ حَيَاةً كَامِلَةً لِإِنْسَانٍ حَيٍّ بِالْفِعْلِ، وَإِنَّمَا الْإِنْسَانُ كَائِنٌ بِالْقُوَّةِ، حَيَاتُهُ حَيَاةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: أَوَّلُ مَرَاتِبِ الْوُجُودِ أَنْ تَقَعَ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ وَيَخْتَلِطَ بِمَاءِ الْمَرْأَةِ وَتَسْتَعِدَّ لِقَبُولِ الْحَيَاةِ، وَإِفْسَادُ ذَلِكَ جِنَايَةٌ، فَإِنْ صَارَتْ مُضْغَةً وَعَلَقَةً كَانَتِ الْجِنَايَةُ أَفْحَشَ، وَإِنْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ وَاسْتَوَتِ الْخِلْقَةُ ازْدَادَتِ الْجِنَايَةُ تَفَاحُشًا، وَمُنْتَهَى التَّفَاحُشِ فِي الْجِنَايَةِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ حَيًّا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: مَبْدَأُ سَبَبِ الْوُجُودِ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُ الْمَنِيِّ فِي الرَّحِمِ لَا مِنْ حَيْثُ الْخُرُوجُ مِنَ الْإِحْلِيلِ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يُخْلَقُ مِنْ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَحْدَهُ بَلْ مِنَ الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا.
وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ الْإِنْسَانِيَّةَ الْكَامِلَةَ الْمُعْتَبَرَةَ اعْتِبَارًا كَامِلًا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ تَبْدَأُ بِوِلَادَةِ الشَّخْصِ حَيًّا.
ثَانِيًا: انْتِهَاءُ الْحَيَاةِ:
7- تَنْتَهِي حَيَاةُ الْإِنْسَانِ بِنَزْعِ الرُّوحِ، أَيْ بِالْمَوْتِ.
وَأَمَارَاتُ الْمَوْتِ مَعْرُوفَةٌ، وَرَدَ بَعْضُهَا فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ».
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَشُخُوصُ الْبَصَرِ هُوَ الْحَالَةُ الَّتِي يُشَاهِدُ فِيهَا الْمَيِّتُ مَلَكَ الْمَوْتِ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ هِيَ الَّتِي لَا تُقْبَلُ مِنْهَا التَّوْبَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدُهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}
وَذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَمَارَاتِ انْتِهَاءِ الْحَيَاةِ: شُخُوصَ الْبَصَرِ، وَانْقِطَاعَ النَّفَسِ، وَانْفِرَاجَ الشَّفَتَيْنِ، وَسُقُوطَ الْقَدَمَيْنِ، وَانْفِصَالَ الزَّنْدَيْنِ، وَمَيْلَ الْأَنْفِ، وَامْتِدَادَ جِلْدَةِ الْوَجْهِ، وَانْخِسَافَ الصُّدْغَيْنِ، وَتَقَلُّصَ الْخُصْيَتَيْنِ مَعَ تَدَلِّي جِلْدَتِهِمَا.
ثَالِثًا: الْحِفَاظُ عَلَى الْحَيَاةِ:
8- يَكُونُ الْحِفَاظُ عَلَى الْحَيَاةِ بِفِعْلِ مَا يُمْسِكُهَا وَالْكَفِّ عَمَّا يُهْلِكُهَا أَوْ يَضُرُّهَا، وَالْمُكَلَّفُ مَأْمُورٌ بِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ وَعَدَمِ إِلْقَائِهَا إِلَى التَّهْلُكَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، وَقَرَّرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ حِفْظَ النُّفُوسِ آكَدُ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا بَعْدَ حِفْظِ الدِّينِ.وَقَالَ الشَّاطِبِيُّ: تَكَالِيفُ الشَّرِيعَةِ تَرْجِعُ إِلَى حِفْظِ مَقَاصِدِهَا فِي الْخَلْقِ، وَهَذِهِ الْمَقَاصِدُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: ضَرُورِيَّةٌ، وَحَاجِيَّةٌ وَتَحْسِينِيَّةٌ، وَالضَّرُورِيَّةُ: هِيَ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا فِي قِيَامِ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا.وَالْحِفْظُ لَهَا يَكُونُ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يُقِيمُ أَرْكَانَهَا وَيُثَبِّتُ قَوَاعِدَهَا وَذَلِكَ مُرَاعَاتُهَا مِنْ جَانِبِ الْوُجُودِ، وَالثَّانِي مَا يَدْرَأُ عَنْهَا الِاخْتِلَالَ الْوَاقِعَ أَوِ الْمُتَوَقَّعَ فِيهَا وَذَلِكَ مُرَاعَاتُهَا مِنْ جَانِبِ الْعَدَمِ، وَحِفْظُ النَّفْسِ وَالْعَقْلِ مِنْ جَانِبِ الْوُجُودِ كَتَنَاوُلِ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ وَالْمَلْبُوسَاتِ وَالْمَسْكُونَاتِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بَقَاءُ الْحَيَاةِ، وَمَجْمُوعُ الضَّرُورِيَّاتِ خَمْسَةٌ: حِفْظُ الدِّينِ، وَالنَّفْسِ وَالْعَقْلِ، وَالنَّسْلِ، وَالْمَالِ.
وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ فِعْلُ مَا يُمْسِكُ حَيَاتَهُ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلِبَاسٍ وَسَكَنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِمَّا وَرَدَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَحَلَّ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا لَمْ يَكُنْ سَرَفًا أَوْ مَخْيَلَةً، فَأَمَّا مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ هُوَ مَا سَدَّ الْجَوْعَةَ وَسَكَّنَ الظَّمَأَ فَمَنْدُوبٌ إِلَيْهِ عَقْلًا وَشَرْعًا، لِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ النَّفْسِ وَحِرَاسَةِ الْحَوَاسِّ، وَلِذَلِكَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ، لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الْجَسَدَ وَيُمِيتُ النَّفْسَ وَيُضْعِفُ عَنِ الْعِبَادَةِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْهُ الشَّرْعُ وَيَدْفَعُهُ الْعَقْلُ.
وَالْمُضْطَرُّ فِي الْمَخْمَصَةِ الَّذِي لَا يَجِدُ إِلاَّ مُحَرَّمًا كَالْمَيْتَةِ، أَوْ مَالِ الْغَيْرِ، وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْهَلَاكُ إِنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ هَذَا الْمُحَرَّمِ، يَلْزَمُهُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الْهَلَاكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي (مَخْمَصَةٌ) (وَمُضْطَرٌّ) (وَمَيْتَةٌ).
وَالْمُكَلَّفُ مَأْمُورٌ شَرْعًا بِالْكَفِّ عَمَّا يُتْلِفُ الْحَيَاةَ أَوْ يَضُرُّهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} وَقَدِ «احْتَجَّ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ- رضي الله عنه- بِهَذِهِ الْآيَةِ، حِين امْتَنَعَ عَنْ الِاغْتِسَالِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، حِينَ أَجْنَبَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْهَلَاكِ، فَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى ذَلِكَ».
رَابِعًا: الْجِنَايَةُ عَلَى الْحَيَاةِ:
وَهِيَ قِسْمَانِ: جِنَايَةُ الشَّخْصِ عَلَى حَيَاتِهِ، وَجِنَايَةٌ عَلَى حَيَاةِ غَيْرِهِ.
أ- جِنَايَةُ الشَّخْصِ عَلَى حَيَاتِهِ:
9- حَرَّمَ الشَّرْعُ تَحْرِيمًا قَاطِعًا أَنْ يَجْنِيَ الشَّخْصُ عَلَى حَيَاتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «كَانَ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّينًا فَجَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ عَنْهُ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».
وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا».
وَحَرَّمَ الشَّرْعُ أَنْ يَقْتُلَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَيَجْنِيَ عَلَى حَيَاتِهِ، لِأَنَّ نَفْسَهُ الَّتِي يُزْهِقُهَا لَيْسَتْ مِلْكًا لَهُ، فَالْأَنْفُسُ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى.
ب- جِنَايَةُ الشَّخْصِ عَلَى حَيَاةِ غَيْرِهِ:
10- الْحَيَاةُ الَّتِي يُجْنَى عَلَيْهَا، إِمَّا أَنْ تَكُونَ حَيَاةً حَقِيقِيَّةً مُسْتَقِرَّةً، أَوْ مُسْتَمِرَّةً لِشَخْصٍ حَيٍّ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ حَيَاةً اعْتِبَارِيَّةً وَهِيَ حَيَاةُ الْجَنِينِ.
الْجِنَايَةُ عَلَى حَيَاةِ شَخْصٍ حَيٍّ:
11- الْجِنَايَةُ عَلَى حَيَاةِ شَخْصٍ حَيٍّ تَكُونُ بِالْقَتْلِ أَيْ بِفِعْلِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِزَهُوقِ النَّفْسِ وَهُوَ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ، قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: إِذَا اعْتُبِرَ بِفِعْلِ الْمُتَوَلِّي لِذَلِكَ يُقَالُ: قَتْلٌ، وَإِذَا اعْتُبِرَ بِفَوْتِ الْحَيَاةِ يُقَالُ: مَوْتٌ.
وَالْقَتْلُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: عَمْدٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ، وَخَطَأٌ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، وَعِنْدَ آخَرِينَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ، بِإِضَافَةِ مَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ، وَالْقَتْلِ بِسَبَبٍ، وَفِي بَيَانِ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَمُوجَبِهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي «دِيَةٌ» «وَقَتْلٌ» «وَقَوَدٌ» «وَجِنَايَةٌ».
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، أَمَّا الْكِتَابُ فَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً} وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ» وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «قَتْلُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا».
وَالْحَيَاةُ عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُسْتَمِرَّةً، أَوْ مُسْتَقِرَّةً، أَوْ حَيَاةَ عَيْشِ الْمَذْبُوحِ.وَالْحَيَاةُ الْمُسْتَمِرَّةُ: هِيَ الَّتِي تَبْقَى إِلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ بِمَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ.
وَالْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ: تَكُونُ بِوُجُودِ الرُّوحِ فِي الْجَسَدِ وَمَعَهَا الْحَرَكَةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ وَالْإِدْرَاكُ دُونَ الْحَرَكَةِ الِاضْطِرَارِيَّةِ.كَمَ لَوْ طُعِنَ إِنْسَانٌ وَقُطِعَ بِمَوْتِهِ بَعْدَ سَاعَةٍ أَوْ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ وَحَرَكَتُهُ الِاخْتِيَارِيَّةُ مَوْجُودَةٌ.
وَحَيَاةُ عَيْشِ الْمَذْبُوحِ: هِيَ الَّتِي لَا يَبْقَى مَعَهَا إِبْصَارٌ وَلَا نُطْقٌ وَلَا حَرَكَةُ اخْتِيَارٍ.وَيَخْتَلِفُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْحَيَاةِ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ.
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (قَوَدٌ) (وَجِنَايَةٌ) (وَقِصَاصٌ).
الْجِنَايَةُ عَلَى حَيَاةِ الْجَنِينِ:
12- إِذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ- بِسَبَبِ ذَلِكَ- جَنِينَهَا وَهِيَ حَيَّةٌ، فَإِمَّا أَنْ تُلْقِيَهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا:
أ- إِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: «اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا».
وَالْغُرَّةُ: الْعَبْدُ أَوِ الْأُمَّةُ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ، سُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَنْفَسِ الْأَمْوَالِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْجَنِينُ الْمُلْقَى مَيِّتًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَلِئَلاَّ يَكْثُرَ التَّنَازُعُ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ لِعَدَمِ الِانْضِبَاطِ.
وَتَتَعَدَّدُ الْغُرَّةُ بِتَعَدُّدِ الْجَنِينِ الْمُلْقَى.وَتَجِبُ مَعَ الْغُرَّةِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِأَنَّ الْجَنِينَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ آدَمِيٌّ مَعْصُومٌ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْكَفَّارَةَ مَنْدُوبَةٌ لَا وَاجِبَةٌ.
13- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجَنِينِ الْمُلْقَى الَّذِي يَجِبُ فِيهِ مَا سَبَقَ: فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ مَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ كَظُفْرٍ وَشَعْرٍ فَهُوَ كَمَنْ كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ فِيمَا ذُكِرَ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَأَضَافَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَنَّهُ لَا يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إِلاَّ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ عَنِ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الرَّأْسِ، وَفِي الشُّمُنِّيِّ: لَوْ أَلْقَتْ مُضْغَةً وَلَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ وَلَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ فَلَا غُرَّةَ فِيهِ، وَتَجِبُ فِيهِ عِنْدَنَا حُكُومَةٌ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: فِي الْجَنِينِ مَا سَبَقَ مِنَ الْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ عَلَقَةً أَيْ دَمًا مُجْتَمِعًا إِذَا صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ حَارٌّ لَا يَذُوبُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا لَحْمًا، قَالَ الْقَوَابِلُ: - أَيْ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ رَجُلَانِ- فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ- أَيْ تَخْفَى عَلَى غَيْرِ الْقَوَابِلِ- كَنَحْوِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ لَا يَعْرِفُهَا غَيْرُهُنَّ فَفِيهِ الْغُرَّةُ وَالْكَفَّارَةُ.وَلَوْ قُلْنَ: لَيْسَ فِيهِ صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلَا خَفِيَّةٌ وَلَكِنَّهُ أَصْلُ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ فَلَا غُرَّةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَلْقَتْ مُضْغَةً فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّ فِيهِ صُورَةً خَفِيَّةً فَفِيهِ غُرَّةٌ، وَإِنْ شَهِدْنَ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَ تَصَوَّرَ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ كَالْعَلَقَةِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا تُشْغَلُ بِالشَّكِّ، وَالثَّانِي: فِيهِ غُرَّةٌ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَصَوَّرَ.
ب- إِنْ أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ- بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا- جَنِينَهَا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ بِسَبَبِ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ انْفِصَالِهِ حَيًّا فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ بِالْجِنَايَةِ، وَفِيهِ مَعَ الدِّيَةِ الْكَفَّارَةُ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجَنِينَ إِنِ اسْتَهَلَّ صَارِخًا بَعْدَ انْفِصَالِهِ ثَبَتَتْ حَيَاتُهُ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَنُوطَةُ بِهَا، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْحَيَاةُ مِنَ الْأُمُورِ الْأُخْرَى كَالْعُطَاسِ وَالِارْتِضَاعِ وَالتَّنَفُّسِ وَالْحَرَكَةِ.وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (اسْتِهْلَالٌ).
وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ حَامِلٍ فَلَمْ تُلْقِ جَنِينَهَا وَمَاتَتْ وَهُوَ فِي بَطْنِهَا فَلَا شَيْءَ فِيهِ بِخُصُوصِهِ.
وَفِي جِنَايَةِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ عَلَى حَيَاةِ جَنِينِهَا تَفْصِيلٌ فِي (إِجْهَاضٌ).
خَامِسًا: الْحَيَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْإِرْثِ:
14- مِنْ شُرُوطِ الْإِرْثِ تَحَقُّقُ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ إِلْحَاقُهُ بِالْمَوْتَى حُكْمًا، وَتَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَهُ أَوْ إِلْحَاقُهُ بِالْأَحْيَاءِ.
وَالْحُكْمُ بِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ وَاضِحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ التَّحَقُّقِ مِنْ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَمِنْ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَهُ، بِأَنْ كَانَا حَيَّيْنِ ثُمَّ مَاتَ الْمُوَرِّثُ مَوْتًا حَقِيقِيًّا وَتَحَقَّقَتْ حَيَاةُ الْوَارِثِ بَعْدَهُ، لَكِنْ هُنَاكَ صُوَرًا أُخْرَى لَا يَكُونُ فِيهَا الْحُكْمُ وَاضِحًا أَوْ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، مِنْهَا: الْحَمْلُ الَّذِي لَهُ حَقٌّ فِي الْإِرْثِ، وَالَّذِينَ يَمُوتُونَ مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَا يُعْلَمُ السَّابِقُ مِنْهُمْ.
أَمَّا الْحَمْلُ فَإِنَّ حَيَاتَهُ تَلْحَقُ- تَقْدِيرًا- بِالْحَيِّ عِنْدَ وَفَاةِ مُوَرِّثِهِ، وَقَدِ اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِلْحُكْمِ بِتَوْرِيثِ الْحَمْلِ شَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ.
الثَّانِي: أَنْ يَنْفَصِلَ كُلُّهُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً.عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي (إِرْثٌ): ف (109)، 115.
وَأَمَّا الَّذِينَ يَمُوتُونَ مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَا يُعْلَمُ سَابِقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ فِي الْأَصْلِ يَتَوَارَثُونَ.فَقَدِ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَتَوَارَثُونَ، وَتَرِكَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ الْأَحْيَاءِ، لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ- رضي الله عنهما- تُوُفِّيَتْ هِيَ وَابْنُهَا زَيْدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يُدْرَ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ فَلَمْ تَرِثْهُ وَلَمْ يَرِثْهَا، وَلِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِرْثِ تَحَقُّقَ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَهُوَ هُنَا مُنْتَفٍ، وَلَا تَوَارُثَ بِالشَّكِّ، وَلِأَنَّا إِنْ وَرَّثْنَا أَحَدَهُمْ فَقَطْ فَهُوَ تَحَكُّمٌ، وَإِنْ وَرَّثْنَا كُلًّا مِنَ الْآخَرِ تَيَقَّنَّا الْخَطَأَ.وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مِنْ تِلَادِ مَا لَهُ، أَيْ قَدِيمِهِ دُونَ طَارِفِهِ وَهُوَ مَا وَرِثَهُ مِمَّنْ مَاتَ مَعَهُ.
وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمْ مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَشْكَلَ، أُعْطِيَ كُلُّ وَارِثٍ الْيَقِينَ، وَوَقَفَ الْبَاقِي الْمَشْكُوكُ فِيهِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْأَمْرُ، أَوْ يَصْطَلِحُوا، لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ، وَالْمَرْءُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُوقَفُ الْمِيرَاثُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْأَمْرُ أَوْ يَصْطَلِحُوا، لِأَنَّ التَّذَكُّرَ غَيْرُ مَيْئُوسٍ مِنْهُ.
سَادِسًا: الْحَيَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ:
15- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ الشَّرْعِيَّةَ بِأَنْوَاعِهَا (مِنْ ذَبْحٍ أَوْ نَحْرٍ أَوْ عَقْرٍ أَوْ صَيْدٍ) لَا بُدَّ مِنْهَا لِإِبَاحَةِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنَ الْحَيَوَانِ أَوِ الطَّيْرِ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ تَكُونَ بِالْحَيَوَانِ أَوِ الطَّيْرِ عِنْدَ الذَّبْحِ أَوِ الصَّيْدِ حَيَاةٌ، وَإِلاَّ كَانَ مَيْتَةً وَلَمْ تَعْمَلِ الذَّكَاةُ عَمَلَهَا مِنْ حَيْثُ الْإِبَاحَةُ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْحَيَاةِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا عِنْدَ الذَّبْحِ أَوِ الصَّيْدِ.وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَيَحِلُّ بِالذَّكَاةِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ إِلاَّ مِثْلُ عَيْشِ الْمَذْبُوحِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الذَّكَاةَ تُحِلُّهُ أَوْ لَا، عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي (ذَبَائِحُ).
كَمَا اخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا ذُبِحَتْ شَاةٌ مَثَلًا وَكَانَ فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ، هَلْ تُعْتَبَرُ ذَكَاتُهَا ذَكَاةً لَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ حَيَاتَهُ تَابِعَةٌ لِحَيَاتِهَا أَوْ مُسْتَقِلَّةٌ عَنْهَا، وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي: (ذَبَائِحُ).
سَابِعًا: الْحَيَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي غُسْلِ السِّقْطِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ.
16- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ السِّقْطَ إِذَا اسْتَهَلَّ ثَبَتَتْ لَهُ أَحْكَامُ الْحَيِّ وَحُقُوقُهُ، وَمِنْهَا وُجُوبُ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ وَرِثَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ».وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الدُّنْيَا فِي الْإِسْلَامِ وَالْمِيرَاثِ وَالدِّيَةِ فَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ.وَاخْتَلَفُوا فِي السِّقْطِ إِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ:
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: السِّقْطُ إِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ غُسِّلَ وَسُمِّيَ- فِي الْأَصَحِّ الْمُفْتَى بِهِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ- إِكْرَامًا لِبَنِي آدَمَ، وَأُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ وَدُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ تَامَّ الْخَلْقِ أَمْ لَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ غُسْلُ سِقْطٍ لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا، وَلَوْ تَحَرَّكَ أَوْ عَطَسَ أَوْ بَالَ أَوْ رَضَعَ، إِلاَّ أَنْ تَتَحَقَّقَ الْحَيَاةُ بِعَلَامَةٍ مِنْ عَلَامَاتِهَا فَيَجِبُ غُسْلُهُ، وَيُغَسَّلُ دَمُ السِّقْطِ الَّذِي لَمْ يَسْتَهِلَّ وَيُلَفُّ بِخِرْقَةٍ وَيُوَارَى.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ السِّقْطُ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كُفِّنَ بِخِرْقَةٍ وَدُفِنَ، وَإِنْ تَمَّ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ: قَالَ فِي الْقَدِيمِ: يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَصَارَ كَمَنِ اسْتَهَلَّ، وَقَالَ فِي الْأُمِّ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الدُّنْيَا فِي الْإِرْثِ وَغَيْرِهِ فَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْنَا يُصَلَّى عَلَيْهِ غُسِّلَ كَغَيْرِ السِّقْطِ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَفِي غُسْلِهِ قَوْلَانِ: قَالَ الْبُوَيْطِيُّ: فِي مُخْتَصَرِهِ لَا يُغَسَّلُ، لِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَلَا يُغَسَّلُ كَالشَّهِيدِ، وَقَالَ فِي الْأُمِّ: يُغَسَّلُ لِأَنَّ الْغُسْلَ قَدْ يَنْفَرِدُ عَنِ الصَّلَاةِ كَمَا نَقُولُ فِي الْكَافِرِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: السِّقْطُ إِنْ خَرَجَ مَيِّتًا فَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا أَتَى لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ» وَلِأَنَّهُ نَسَمَةٌ نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهِلِّ.فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَيُدْفَنُ لِعَدَمِ وُجُودِ الْحَيَاةِ.
ثَامِنًا: الْحَيَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ:
17- يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى تَوْبَةَ الْعَبْدِ الْمُذْنِبِ الْمُكَلَّفِ- كَرَمًا مِنْهُ تَعَالَى وَفَضْلًا- مَا لَمْ يُغَرْغِرْ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» أَيْ مَا لَمْ تَصِلْ رُوحُهُ حُلْقُومَهُ، مِنَ الْغَرْغَرَةِ وَهِيَ جَعْلُ الشَّرَابِ فِي الْفَمِ وَإِدَارَتُهُ إِلَى أَصْلِ الْحُلْقُومِ فَلَا يُبْلَعُ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} الْآيَةَ، وَفَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ حُضُورَهُ بِمُعَايَنَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ تَيَقُّنُ الْمَوْتِ لَا خُصُوصُ رُؤْيَةِ مَلَكِهِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يَرَاهُ.
وَقِيلَ: السِّرُّ فِي عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ حِينَ الْيَأْسِ مِنَ الْحَيَاةِ أَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا عَزْمُ التَّائِبِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إِلَى الذَّنْبِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ تَمَكُّنِ التَّائِبِ مِنَ الذَّنْبِ وَبَقَاءِ الِاخْتِيَارِ.
قَالَ ابْنُ عَلاَّنَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى فُرِضَ الْوُصُولُ لِحَالَةٍ لَا تُمْكِنُ الْحَيَاةُ بَعْدَهَا عَادَةً لَا تَصِحُّ مِنْهُ حِينَئِذٍ تَوْبَةٌ وَلَا غَيْرُهَا، وَهَذَا مُرَادُ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: «يُغَرْغِرْ».وَمَتَى لَمْ يَصِلْ لِذَلِكَ صَحَّتْ مِنْهُ التَّوْبَةُ وَغَيْرُهَا.
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
59-موسوعة الفقه الكويتية (صلاة المسافر 1)
صَلَاةُ الْمُسَافِرِ -1التَّعْرِيفُ:
1- السَّفَرُ لُغَةً: قَطْعُ الْمَسَافَةِ، وَخِلَافُ الْحَضَرِ (أَيِ الْإِقَامَةِ)، وَالْجَمْعُ: أَسْفَارٌ، وَرَجُلٌ سَفْرٌ، وَقَوْمٌ سَفْرٌ: ذَوُو سَفْرٍ.
وَالْفُقَهَاءُ يَقْصِدُونَ بِالسَّفَرِ: السَّفَرَ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَهُوَ: أَنْ يَخْرُجَ الْإِنْسَانُ مِنْ وَطَنِهِ قَاصِدًا مَكَانًا يَسْتَغْرِقُ الْمَسِيرُ إِلَيْهِ مَسَافَةً مُقَدَّرَةً عِنْدَهُمْ، عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهَا.
وَالْمُرَادُ بِالْقَصْدِ: الْإِرَادَةُ الْمُقَارِنَةُ لِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ، فَلَوْ طَافَ الْإِنْسَانُ جَمِيعَ الْعَالَمِ بِلَا قَصْدِ الْوُصُولِ إِلَى مَكَانٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا.
وَلَوْ أَنَّهُ قَصَدَ السَّفَرَ، وَلَمْ يَقْتَرِنْ قَصْدُهُ بِالْخُرُوجِ فِعْلًا فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ تَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ هُوَ السَّفَرُ الَّذِي اجْتَمَعَ فِيهِ الْقَصْدُ وَالْفِعْلُ.
خَصَائِصُ السَّفَرِ:
2- يَخْتَصُّ السَّفَرُ بِأَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ، وَتَتَغَيَّرُ بِوُجُودِهِ، وَمِنْ أَهَمِّهَا: قَصْرُ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ، وَإِبَاحَةُ الْفِطْرِ لِلصَّائِمِ، وَامْتِدَادُ مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَحُرْمَةُ السَّفَرِ عَلَى الْحُرَّةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَوِلَايَةُ الْأَبْعَدِ.
وَيَقْتَصِرُ هَذَا الْبَحْثُ عَلَى مَا يَتَّصِلُ بِالسَّفَرِ مِنْ حَيْثُ قَصْرُ الصَّلَاةِ.أَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِغَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ كَثِيرٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (سَفَر، صَوْم، الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ، نِكَاح، وَوِلَايَة).
تَقْسِيمُ الْوَطَنِ:
يَنْقَسِمُ الْوَطَنُ إِلَى: وَطَنٍ أَصْلِيٍّ، وَوَطَنِ إِقَامَةٍ، وَوَطَنِ سُكْنَى.
الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ:
3- هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْإِنْسَانُ بِأَهْلِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَوْطِنَ وِلَادَتِهِ أَمْ بَلْدَةً أُخْرَى، اتَّخَذَهَا دَارًا وَتَوَطَّنَ بِهَا مَعَ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَلَا يَقْصِدُ الِارْتِحَالَ عَنْهَا، بَلِ التَّعَيُّشُ بِهَا.
وَيَأْخُذُ حُكْمَ الْوَطَنِ: الْمَكَانُ الَّذِي تَأَهَّلَ بِهِ، أَيْ تَزَوَّجَ بِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ إِلَى نِيَّةِ الْإِقَامَةِ.لَكِنَ الْمَالِكِيَّةُ يَشْتَرِطُونَ: أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مَدْخُولًا بِهَا غَيْرَ نَاشِزٍ.
وَمِمَّا تَقَدَّمَ يَتَبَيَّنُ: أَنَّ الْوَطَنَ الْأَصْلِيَّ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ أَغْلَبِ الْفُقَهَاءِ بِالْإِقَامَةِ الدَّائِمَةِ عَلَى نِيَّةِ التَّأْبِيدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَكَانِ وِلَادَتِهِ أَمْ فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ مَكَانُ الزَّوْجَةِ.
4- وَالْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَهْلٌ وَدَارٌ فِي بَلْدَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ نِيَّةِ أَهْلِهِ الْخُرُوجُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ أَهْلٍ إِلَى أَهْلٍ فِي السَّنَةِ، حَتَّى إِنَّهُ لَوْ خَرَجَ مُسَافِرًا مِنْ بَلْدَةٍ فِيهَا أَهْلُهُ، وَدَخَلَ بَلْدَةً أُخْرَى فِيهَا أَهْلُهُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ.
مَا يُنْتَقَضُ بِهِ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ:
5- الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ يُنْتَقَضُ بِمِثْلِهِ لَا غَيْرُ، وَهُوَ أَنْ يَتَوَطَّنَ الْإِنْسَانُ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَيَنْقُلُ الْأَهْلَ إِلَيْهَا مِنْ بَلْدَتِهِ مُضْرِبًا عَنِ الْوَطَنِ الْأَوَّلِ، وَرَافِضًا سُكْنَاهُ، فَإِنَّ الْوَطَنَ الْأَوَّلَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ فِيهِ مُسَافِرًا لَا تَصِيرُ صَلَاتُهُ أَرْبَعًا.
وَالْأَصْلُ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَالْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ- رضي الله عنهم- كَانُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ لَهُمْ بِهَا أَوْطَانٌ أَصْلِيَّةٌ، ثُمَّ لَمَّا هَاجَرُوا وَتَوَطَّنُوا بِالْمَدِينَةِ، وَجَعَلُوهَا دَارًا لِأَنْفُسِهِمُ انْتَقَضَ وَطَنُهُمُ الْأَصْلِيُّ بِمَكَّةَ، حَتَّى كَانُوا إِذَا أَتَوْا مَكَّةَ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْمُسَافِرِينَ.
وَلِذَلِكَ «قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- حِينَ صَلَّى بِهِمْ: أَتِمُّوا يَا أَهْلَ مَكَّةَ صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ».
وَلَا يُنْتَقَضُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ، وَلَا بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُمَا دُونَهُ، وَالشَّيْءُ لَا يُنْسَخُ بِمَا هُوَ دُونَهُ، وَكَذَا لَا يُنْتَقَضُ بِنِيَّةِ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ وَطَنِهِ حَتَّى يَصِيرَ مُقِيمًا بِالْعَوْدَةِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ.
وَطَنُ الْإِقَامَةِ:
6- هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقْصِدُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُقِيمَ بِهِ مُدَّةً قَاطِعَةً لِحُكْمِ السَّفَرِ فَأَكْثَرَ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ ذَلِكَ،
مَعَ اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ فِي مِقْدَارِ هَذِهِ الْمُدَّةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهَا.
أَمَّا شَرَائِطُهُ: فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَيْنِ:
الرِّوَايَةَ الْأُولَى: إِنَّمَا يَصِيرُ الْوَطَنُ وَطَنَ إِقَامَةٍ بِشَرِيطَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَتَقَدَّمَهُ سَفَرٌ.
وَالثَّانِيَةَ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ وَبَيْنَ هَذَا الْمَوْضِعِ (الَّذِي تَوَطَّنَ فِيهِ بِنِيَّةِ إِقَامَةِ هَذِهِ الْمُدَّةِ) مَسَافَةُ الْقَصْرِ.
وَبِدُونِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ لَا يَصِيرُ وَطَنَ إِقَامَةٍ، وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ مُدَّةً قَاطِعَةً لِلسَّفَرِ فِي مَكَانٍ صَالِحٍ لِلْإِقَامَةِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْمُقِيمَ لَوْ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ إِلَى قَرْيَةٍ لَا لِقَصْدِ السَّفَرِ، وَنَوَى أَنْ يَتَوَطَّنَ بِهَا الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ فَلَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إِقَامَةٍ لَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ؛ لِانْعِدَامِ تَقَدُّمِ السَّفَرِ.وَكَذَا إِذَا قَصَدَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ، وَخَرَجَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى قَرْيَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ أَقَلُّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ لَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إِقَامَةٍ لَهُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ- وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ- أَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا مِنْ غَيْرِ هَاتَيْنِ الشَّرِيطَتَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَالْمَالِكِيَّةُ يَشْتَرِطُونَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ إِنْ كَانَتْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي ابْتِدَاءِ السَّيْرِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي أَثْنَائِهِ فَلَا تُشْتَرَطُ الْمَسَافَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
مَا يُنْتَقَضُ بِهِ وَطَنُ الْإِقَامَةِ:
7- وَطَنُ الْإِقَامَةِ يُنْتَقَضُ بِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ، وَبِوَطَنِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَالشَّيْءُ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ بِمِثْلِهِ، وَيُنْتَقَضَ بِالسَّفَرِ- أَيْضًا- لِأَنَّ تَوَطُّنَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَيْسَ لِلْقَرَارِ، وَلَكِنْ لِحَاجَةٍ، فَإِذَا سَافَرَ مِنْهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ، فَصَارَ مُعْرِضًا عَنِ التَّوَطُّنِ بِهِ، فَصَارَ نَاقِضًا لَهُ، وَلَا يُنْتَقَضُ وَطَنُ الْإِقَامَةِ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ فَلَا يَنْسَخُهُ.
وَطَنُ السُّكْنَى:
8- هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقْصِدُ الْإِنْسَانُ الْمَقَامَ بِهِ أَقَلَّ مِنَ الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِلسَّفَرِ.
وَشَرْطُهُ: نِيَّةُ عَدَمِ الْإِقَامَةِ الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِلسَّفَرِ، وَلِذَلِكَ يُعْتَبَرُ مُسَافِرًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَإِنْ طَالَ مَقَامُهُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصَّلَاةَ»، وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ أَقَامَ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى نَيْسَابُورَ شَهْرَيْنِ وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ.
إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ عَلَى تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
مَا يُنْتَقَضُ بِهِ وَطَنُ السُّكْنَى:
9- وَطَنُ السُّكْنَى يُنْتَقَضُ بِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَبِوَطَنِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُمَا فَوْقَهُ، وَيُنْتَقَضُ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، وَيُنْتَقَضُ بِالسَّفَرِ؛ لِأَنَّ تَوَطُّنَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَيْسَ لِلْقَرَارِ، وَلَكِنْ لِحَاجَةٍ، فَإِذَا سَافَرَ مِنْهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى انْقِضَاءِ حَاجَتِهِ، فَصَارَ مُعْرِضًا عَنِ التَّوَطُّنِ بِهِ، فَصَارَ نَاقِضًا لَهُ.
هَذَا، وَالْفَقِيهُ الْجَلِيلُ أَبُو أَحْمَدَ الْعِيَاضِيُّ قَسَّمَ الْوَطَنَ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدِهِمَا: وَطَنِ قَرَارٍ وَالْآخَرِ: مُسْتَعَارٍ.
صَيْرُورَةُ الْمُقِيمِ مُسَافِرًا وَشَرَائِطُهَا:
10- يَصِيرُ الْمُقِيمُ مُسَافِرًا إِذَا تَحَقَّقَتِ الشَّرَائِطُ الْآتِيَةُ:
الشَّرِيطَةُ الْأُولَى: الْخُرُوجُ مِنَ الْمَقَامِ، أَيْ مَوْطِنِ إِقَامَتِهِ، وَهُوَ أَنْ يُجَاوِزَ عُمْرَانَ بَلْدَتِهِ وَيُفَارِقَ بُيُوتَهَا، وَيَدْخُلَ فِي ذَلِكَ مَا يُعَدُّ مِنْهُ عُرْفًا كَالْأَبْنِيَةِ الْمُتَّصِلَةِ، وَالْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ، وَالْمَزَارِعِ، وَالْأَسْوَارِ، وَذَلِكَ عَلَى تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وَلَا بُدَّ مِنَ اقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ الشَّرْعِيَّ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةِ السَّفَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ إِلاَّ إِذَا كَانَتْ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ قَصْدِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ اقْتِرَانٍ بِالْفِعْلِ يُسَمَّى عَزْمًا، وَلَا يُسَمَّى نِيَّةً، وَفِعْلُ السَّفَرِ لَا يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمِصْرِ، فَمَا لَمْ يَخْرُجْ لَا يَتَحَقَّقُ قِرَانُ النِّيَّةِ بِالْفِعْلِ، فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا.
الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ: نِيَّةُ مَسَافَةِ السَّفَرِ، فَلِكَيْ يَصِيرَ الْمُقِيمُ مُسَافِرًا لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ سَيْرَ مَسَافَةِ السَّفَرِ الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ قَدْ يَكُونُ سَفَرًا وَقَدْ لَا يَكُونُ، فَالْإِنْسَانُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ مَوْطِنِ إِقَامَتِهِ إِلَى مَوْضِعٍ لِإِصْلَاحِ ضَيْعَةٍ، ثُمَّ تَبْدُو لَهُ حَاجَةٌ أُخْرَى إِلَى الْمُجَاوَزَةِ عَنْهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ، ثُمَّ يَتَجَاوَزُ ذَلِكَ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ، وَهَكَذَا إِلَى أَنْ يَقْطَعَ مَسَافَةً بَعِيدَةً أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ، وَلِذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ مُدَّةِ السَّفَرِ لِلتَّمْيِيزِ.
وَعَلَى هَذَا قَالُوا: أَمِيرٌ خَرَجَ مَعَ جَيْشِهِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ يُدْرِكُهُمْ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْمُقِيمِ فِي الذَّهَابِ، وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ طَافَ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ فَلَا يُعَدُّ مُسَافِرًا، وَلَا يَتَرَخَّصُ.
تَحْدِيدُ أَقَلِّ مَسَافَةِ السَّفَرِ بِالْأَيَّامِ:
11- أَقَلُّ هَذِهِ الْمَسَافَةِ مُقَدَّرٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي التَّقْدِيرِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ: إِلَى أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ السَّفَرِ مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ بِلَا لَيْلَةٍ، أَوْ مَسِيرَةُ لَيْلَتَيْنِ مُعْتَدِلَتَيْنِ بِلَا يَوْمٍ، أَوْ مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.
وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوا السَّفَرَ بِالْأَمْيَالِ، وَاعْتَبَرُوا ذَلِكَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، وَتُقَدَّرُ بِسَيْرِ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «يَا أَهْلَ مَكَّةَ: لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ فِي أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ» وَلِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَمَا فَوْقَهَا، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ، وَأَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، مِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ إِلاَّ عَنْ تَوْقِيفٍ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ، وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فِي كَمْ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، قِيلَ لَهُ: مَسِيرَةُ يَوْمٍ تَامٍّ؟ قَالَ: لَا، أَرْبَعَةُ بُرُدٍ: سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا: مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ.وَقَدْ قَدَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ عُسْفَانَ إِلَى مَكَّةَ مُسْتَدِلًّا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَقَلَّ مَسَافَةِ السَّفَرِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، لِمَا رُوِيَ عَنْ «عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- لِكُلِّ مُسَافِرٍ أَنْ يَمْسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا، وَلَنْ يُتَصَوَّرَ أَنْ يَمْسَحَ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا، وَمُدَّةُ السَّفَرِ أَقَلُّ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ.وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» فَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْمُدَّةُ مُقَدَّرَةً بِالثَّلَاثِ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ الثَّلَاثِ مَعْنًى.
وَقَدِ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ.
وَالْعِبْرَةُ بِالسَّيْرِ هُوَ السَّيْرُ الْوَسَطُ، وَهُوَ سَيْرُ الْإِبِلِ الْمُثْقَلَةِ بِالْأَحْمَالِ، وَمَشْيُ الْأَقْدَامِ عَلَى مَا يُعْتَادُ مِنْ ذَلِكَ، مَعَ مَا يَتَخَلَّلُهُ مِنْ نُزُولٍ وَاسْتِرَاحَةٍ وَأَكْلٍ وَصَلَاةٍ.
وَيُحْتَرَزُ بِالسَّيْرِ الْوَسَطِ عَنِ السَّيْرِ الْأَسْرَعِ، كَسَيْرِ الْفَرَسِ وَالْبَرِيدِ، وَعَنِ السَّيْرِ الْأَبْطَأِ، كَسَيْرِ الْبَقَرِ يَجُرُّ الْعَجَلَةَ، فَاعْتُبِرَ الْوَسَطُ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ.
وَالسَّيْرُ فِي الْبَحْرِ يُرَاعَى فِيهِ اعْتِدَالُ الرِّيَاحِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَسَطُ، وَهُوَ أَلاَّ تَكُونَ الرِّيَاحُ غَالِبَةً وَلَا سَاكِنَةً، وَيُعْتَبَرُ فِي الْجَبَلِ مَا يَلِيقُ بِهِ، فَيُنْظَرُ كَمْ يَسِيرُ فِي مِثْلِ هَذَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَيُجْعَلُ أَصْلًا، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ فَيُرْجَعُ إِلَيْهِمْ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ.
سُلُوكُ أَحَدِ طَرِيقَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِغَايَةٍ وَاحِدَةٍ:
12- إِذَا كَانَ لِمَكَانٍ وَاحِدٍ طَرِيقَانِ مُخْتَلِفَانِ، أَحَدُهُمَا يَقْطَعُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالْآخَرُ يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَقْصُرُ لَوْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْأَقْرَبَ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ مُسَافِرًا، هَكَذَا ذَكَرَ الْكَاسَانِيُّ فِي الْبَدَائِعِ، وَجَاءَ فِي الْعِنَايَةِ: إِذَا كَانَ لِمَوْضِعٍ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا فِي الْمَاءِ يُقْطَعُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا إِذَا كَانَتِ الرِّيحُ مُتَوَسِّطَةً، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي الْبَرِّ يُقْطَعُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَلَا يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، فَإِنْ ذَهَبَ إِلَى طَرِيقِ الْمَاءِ قَصَرَ، وَإِنْ ذَهَبَ إِلَى طَرِيقِ الْبَرِّ أَتَمَّ، وَلَوِ انْعَكَسَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَقْصُرُ عَادِلٌ عَنْ طَرِيقٍ قَصِيرٍ، وَهُوَ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إِلَى طَرِيقٍ طَوِيلٍ فِيهِ الْمَسَافَةُ بِدُونِ عُذْرٍ، بَلْ لِمُجَرَّدِ قَصْدِ الْقَصْرِ، أَوْ لَا قَصْدَ لَهُ، فَإِنْ عَدَلَ لِعُذْرٍ أَوْ لِأَمْرٍ، وَلَوْ مُبَاحًا فِيمَا يَظْهَرُ قَصَرَ.
وَبِمِثْلِ ذَلِكَ يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ.
وَالْحَنَابِلَةُ يُجِيزُونَ الْقَصْرَ لِمَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْأَبْعَدَ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ، وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ.
الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ لِوَسَائِلِ السَّفَرِ الْحَدِيثَةِ:
13- مَعْلُومٌ مِمَّا سَبَقَ: أَنَّ الْفُقَهَاءَ حَدَّدُوا أَقَلَّ الْمَسَافَةِ الَّتِي تُشْتَرَطُ لِقَصْرِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُمُ اعْتَبَرُوا السَّيْرَ الْوَسَطَ (مَشْيَ الْأَقْدَامِ وَسَيْرَ الْإِبِلِ) هُوَ الْأَسَاسُ فِي التَّقْدِيرِ، وَالْمَقْصُودُ- هُنَا- هُوَ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ إِذَا اسْتُعْمِلَتْ وَسَائِلُ السَّفَرِ الْحَدِيثَةِ كَالْقِطَارِ وَالطَّائِرَةِ، حَيْثُ الرَّاحَةُ وَقِصَرُ الْمُدَّةِ.
وَقَدْ تَحَدَّثَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ: فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ- كَمَا يَتَّضِحُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ- أَنَّ الْمُسَافِرَ لَوْ قَطَعَ مَسَافَةَ السَّفَرِ الْمُحَدَّدَةَ فِي زَمَنٍ أَقَلَّ؛ لِاسْتِعْمَالِهِ وَسَائِلَ أَسْرَعَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَافَرَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ.
فَقَدْ قَالَ الدُّسُوقِيُّ: مَنْ كَانَ يَقْطَعُ الْمَسَافَةَ بِسَفَرِهِ قَصَرَ، وَلَوْ كَانَ يَقْطَعُهَا فِي لَحْظَةٍ بِطَيَرَانٍ وَنَحْوِهِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ، وَلَوْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ فِي سَاعَةٍ.وَقَالَ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ، لَوْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ فِي بَعْضِ يَوْمٍ كَمَا لَوْ قَطَعَهَا عَلَى فَرَسٍ جَوَادٍ.
وَقَالَ الْبُهُوتِيُّ: يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ الرُّبَاعِيَّةَ إِلَى رَكْعَتَيْنِ إِجْمَاعًا، وَلَوْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُسَافِرُ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ (مَسَافَةُ الْقَصْرِ).
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَنَقَلَ الْكَاسَانِيُّ فِي بَدَائِعِهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَوْ سَارَ إِلَى مَوْضِعٍ فِي يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَأَنَّهُ بِسَيْرِ الْإِبِلِ، وَالْمَشْيِ الْمُعْتَادِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ، اعْتِبَارًا لِلسَّيْرِ الْمُعْتَادِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ يُوَافِقُ الْمَذَاهِبَ السَّابِقَةَ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ.
لَكِنِ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ: اعْتَبَرَ أَنَّ الْعِلَّةَ لِقَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ هِيَ الْمَشَقَّةُ الَّتِي تَلْحَقُ بِالْمُسَافِرِ، وَلِذَلِكَ يُذْكَرُ: أَنَّ الْمُسَافِرَ لَوْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ فِي سَاعَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ مَسَافَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ؛ لِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ، وَهِيَ الْعِلَّةُ.
الْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ:
14- الْمُعْتَبَرُ فِي نِيَّةِ السَّفَرِ الشَّرْعِيِّ نِيَّةُ الْأَصْلِ دُونَ التَّابِعِ، فَمَنْ كَانَ سَفَرُهُ تَابِعًا لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا بِنِيَّةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَذَلِكَ كَالزَّوْجَةِ التَّابِعَةِ لِزَوْجِهَا؛ فَإِنَّهَا تَصِيرُ مُسَافِرَةً بِنِيَّةِ زَوْجِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ لَزِمَهُ طَاعَةُ غَيْرِهِ كَالسُّلْطَانِ وَأَمِيرِ الْجَيْشِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا بِنِيَّةِ مَنْ لَزِمَتْهُ طَاعَتُهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّبَعِ حُكْمُ الْأَصْلِ.
أَمَّا الْغَرِيمُ الَّذِي يُلَازِمُهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ مَلِيئًا، فَالنِّيَّةُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ، وَالْخُرُوجُ مِنْ يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ مُفْلِسًا، فَالنِّيَّةُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ يَدِهِ، فَكَانَ تَابِعًا لَهُ.هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَيَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ تَبِعَتِ الزَّوْجَةُ زَوْجَهَا، أَوِ الْجُنْدِيُّ قَائِدَهُ فِي السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَقْصِدَهُ فَلَا قَصْرَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ- وَهُوَ قَصْدُ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ- لَمْ يَتَحَقَّقْ، وَهَذَا قَبْلَ بُلُوغِهِمْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، فَإِنْ قَطَعُوهَا قَصُرُوا.
فَلَوْ نَوَتِ الزَّوْجَةُ دُونَ زَوْجِهَا، أَوِ الْجُنْدِيُّ دُونَ قَائِدِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، أَوْ جَهِلَا الْحَالَ قَصَرَ الْجُنْدِيُّ غَيْرُ الْمُثْبَتِ فِي الدِّيوَانِ، دُونَ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الْجُنْدِيَّ حِينَئِذٍ لَيْسَ تَحْتَ يَدِ الْأَمِيرِ وَقَهْرِهِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، فَنِيَّتُهَا كَالْعَدَمِ.أَمَّا الْجُنْدِيُّ الْمُثْبَتُ فِي الدِّيوَانِ فَلَا يَقْصُرُ؛ لِأَنَّهُ تَحْتَ يَدِ الْأَمِيرِ، وَمِثْلُهُ الْجَيْشُ، إِذْ لَوْ قِيلَ: بِأَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ يَدِ الْأَمِيرِ وَقَهْرِهِ كَالْآحَادِ لَعَظُمَ الْفَسَادُ.
أَحْكَامُ الْقَصْرِ:
مَشْرُوعِيَّةُ الْقَصْرِ:
15- الْقَصْرُ مَعْنَاهُ: أَنْ تَصِيرَ الصَّلَاةُ الرُّبَاعِيَّةُ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، سَوَاءٌ فِي حَالَةِ الْخَوْفِ، أَوْ فِي حَالَةِ الْأَمْنِ.
وَقَدْ شُرِعَ الْقَصْرُ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ.
وَمَشْرُوعِيَّةُ الْقَصْرِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا وَرَدَ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: «قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ.قَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ».
وَقَالَ «ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما-: صَحِبْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ»، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ.
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ.
فَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ دَلَّتْ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقَصْرِ فِي حَالَةِ الْخَوْفِ، وَدَلَّتِ الْأَحَادِيثُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ فِي حَالَتَيِ الْخَوْفِ وَالْأَمْنِ.وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقَصْرِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلْقَصْرِ:
16- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ الْقَصْرَ جَائِزٌ تَخْفِيفًا عَلَى الْمُسَافِرِ؛ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَشَقَّةِ السَّفَرِ غَالِبًا، وَاسْتَدَلُّوا بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَقَدْ عَلَّقَ الْقَصْرَ عَلَى الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَسْفَارِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ تَخْلُ مِنْهُ.وَنَفْيُ الْجُنَاحِ فِي الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْقَصْرِ، لَا عَلَى وُجُوبِهِ.
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ السَّابِقِ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ».
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ رَكْعَتَانِ لَا غَيْرُ، فَلَيْسَ لِلْمُسَافِرِ عِنْدَهُمْ أَنْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ أَرْبَعًا؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: «فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ».وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إِلاَّ تَوْقِيفًا وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ وَعَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعًا، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً».
وَالرَّاجِحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الْقَصْرَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، بَلِ الْمَنْقُولُ عَنْهُ الْقَصْرُ فِي كُلِّ أَسْفَارِهِ، وَمَا كَانَ هَذَا شَأْنُهُ فَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ.
وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ أُخْرَى فِي الْمَذْهَبِ فَقِيلَ: إِنَّهُ فَرْضٌ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مُبَاحٌ.
هَلِ الْأَصْلُ الْقَصْرُ أَوِ الْإِتْمَامُ؟
17- قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْإِتْمَامُ وَأَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ».
إِلاَّ أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الْقَصْرَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِتْمَامِ، إِذَا بَلَغَ السَّفَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-؛ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، كَأَبِي حَنِيفَةَ، إِلاَّ الْمَلاَّحَ الَّذِي يُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ بِأَهْلِهِ، وَمَنْ لَا يَزَالُ مُسَافِرًا بِلَا وَطَنٍ، فَالْإِتْمَامُ لَهُمَا أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمَا، كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ.وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ: إِنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَالْأَكْثَرُ عَمَلًا، أَمَّا إِذَا لَمْ يَبْلُغِ السَّفَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: الْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنَ الْإِتْمَامِ نَصًّا، لِمُدَاوَمَةِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَالْخُلَفَاءِ عَلَيْهِ.لَكِنْ إِنْ أَتَمَّ مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ لَمْ يُكْرَهْ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الْقَصْرُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الصَّلَاةِ؛ إِذِ الصَّلَاةُ فِي الْأَصْلِ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ، فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ جَمِيعًا، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، ثُمَّ زِيدَتْ رَكْعَتَانِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ.وَأُقِرَّتِ الرَّكْعَتَانِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ كَمَا كَانَتَا فِي الْأَصْلِ، فَالرَّكْعَتَانِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لَيْسَتَا قَصْرًا حَقِيقَةً، بَلْ هُوَ تَمَامُ فَرْضِ الْمُسَافِرِ، وَالْإِكْمَالُ لَيْسَ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ، بَلْ هُوَ إِسَاءَةٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ.وَالْقَصْرُ عَزِيمَةٌ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «مَا سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ إِلاَّ الْمَغْرِبَ» وَلَوْ كَانَ الْقَصْرُ رُخْصَةً وَالْإِكْمَالُ هُوَ الْعَزِيمَةَ لَمَا تَرَكَ الْعَزِيمَةَ إِلاَّ أَحْيَانًا؛ إِذِ الْعَزِيمَةُ أَفْضَلُ، «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لَا يَخْتَارُ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلاَّ أَفْضَلَهَا، وَكَانَ لَا يَتْرُكُ الْأَفْضَلَ إِلاَّ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ تَعْلِيمًا لِلرُّخْصَةِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ»، وَلَقَدْ «قَصَرَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ لِأَهْلِ مَكَّةَ: أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» فَلَوْ جَازَ الْأَرْبَعُ لَمَا اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ.
شَرَائِطُ الْقَصْرِ:
يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ الصَّلَاةَ الرُّبَاعِيَّةَ إِلَى رَكْعَتَيْنِ إِذَا تَوَفَّرَتِ الشَّرَائِطُ الْآتِيَةُ:
الْأُولَى: نِيَّةُ السَّفَرِ:
18- وَهِيَ شَرِيطَةٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ كَمَا سَبَقَ.
وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا: نِيَّةُ الْأَصْلِ دُونَ التَّابِعِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ، وَأَنْ تَكُونَ مِنْ بَالِغٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلِذَلِكَ لَوْ خَرَجَ الصَّبِيُّ قَاصِدًا السَّفَرَ وَسَارَ مَسَافَةً حَتَّى بَقِيَ إِلَى مَقْصِدِهِ أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ فَبَلَغَ حِينَذَاكَ، فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، بَلْ يُصَلِّي أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ السَّفَرَ لَمْ يَصِحَّ ابْتِدَاءً، وَحِينَ بَلَغَ لَمْ يَبْقَ إِلَى مَقْصِدِهِ مُدَّةُ السَّفَرِ فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا عِنْدَهُمْ.
وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي السَّفَرِ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ: أَلاَّ يَكُونَ لِمَعْصِيَةٍ، فَلَا يَقْصُرُ عَاصٍ بِسَفَرِهِ، كَآبِقٍ وَقَاطِعِ طَرِيقٍ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْمَعَاصِي؛ وَجَوَازُ الرُّخْصِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ إِعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
فَإِنْ قَصَرَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ عَلَى الْأَصْوَبِ، وَإِنْ أَثِمَ بِعِصْيَانِهِ.
وَمَنْ أَنْشَأَ السَّفَرَ عَاصِيًا بِهِ، ثُمَّ تَابَ فِي أَثْنَائِهِ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يَقْصُرُ إِنْ كَانَ مَا بَقِيَ مِنْ سَفَرٍ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، وَلَوْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا ثُمَّ قَصَدَ بِسَفَرِهِ الْمَعْصِيَةَ قَبْلَ تَمَامِ سَفَرِهِ، انْقَطَعَ التَّرَخُّصُ، فَلَا يَقْصُرُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ.وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ- وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ- إِلَى أَنَّهُ يَقْصُرُ.
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مُبَاحًا، بَلْ أَجَازُوا الْقَصْرَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ- أَيْضًا-، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِي الْمِقْدَارِ الْمَفْرُوضِ عَلَى الْمُسَافِرِ مِنَ الصَّلَاةِ سَفَرُ الطَّاعَةِ مِنَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ، وَسَفَرُ الْمُبَاحِ كَسَفَرِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهِ، وَسَفَرُ الْمَعْصِيَةِ كَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْبَغْيِ؛ لِأَنَّ الدَّلَائِلَ الَّتِي وَرَدَتْ لَا تُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ مُسَافِرٍ وَمُسَافِرٍ.وَمِنْ هَذِهِ الدَّلَائِلِ قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} وقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} وَقَوْلُ عَلِيٍّ- رضي الله عنه-: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ سَفَرٍ وَسَفَرٍ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِعُمُومِ النُّصُوصِ وَإِطْلَاقِهَا.
الثَّانِيَةُ: مَسَافَةُ السَّفَرِ:
19- وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ الْإِنْسَانُ مَسِيرَةَ مَسَافَةِ السَّفَرِ الْمُقَدَّرَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَوْ طَافَ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَسِيرَةِ الْمَسَافَةِ الْمُحَدَّدَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مُسَافِرًا، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ.
الثَّالِثَةُ: الْخُرُوجُ مِنْ عِمْرَانِ بَلْدَتِهِ:
20- فَالْقَصْرُ لَا يَجُوزُ إِلاَّ أَنْ يُجَاوِزَ الْمُسَافِرُ مَحَلَّ إِقَامَتِهِ، وَمَا يَتْبَعُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
لَكِنْ هَلْ يُشْتَرَطُ الْخُرُوجُ لِلسَّفَرِ قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتٍ يَسَعُ الْإِتْمَامَ؟ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:
يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ الْحَنَفِيُّ: وَسَوَاءٌ خَرَجَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ، حَتَّى لَوْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يَتَّسِعُ لِأَدَاءِ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَقْصُرُ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا.وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ: إِنَّمَا يَقْصُرُ إِذَا خَرَجَ قَبْلَ الزَّوَالِ، فَأَمَّا إِذَا خَرَجَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُكْمِلُ الظُّهْرَ وَيَقْصُرُ الْعَصْرَ.وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ هَلْ تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي آخِرِهِ؟
فَعِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لَا تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي جُزْءٍ مِنَ الْوَقْتِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا التَّعْيِينُ إِلَى الْمُصَلِّي مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ، حَتَّى إِنَّهُ إِذَا شَرَعَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ تَجِبُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ إِذَا شَرَعَ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ.وَثَمَّةَ أَصْلٌ آخَرُ، وَهُوَ مِقْدَارُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، فَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَأَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ بِمِقْدَارِ التَّحْرِيمَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ الْأَدَاءَ يَتَغَيَّرُ وَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ فَقَطْ، وَقَالَ زُفَرُ وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ: لَا يَجِبُ إِلاَّ إِذَا بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُؤَدِّي فِيهِ الْفَرْضَ.وَعَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ إِلاَّ إِذَا بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْأَدَاءُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: تُقْصَرُ الصَّلَاةُ الَّتِي يُسَافَرُ فِي وَقْتِهَا وَلَوِ الضَّرُورِيِّ، فَيَقْصُرُ الظُّهْرَيْنِ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَأَكْثَرَ وَلَوْ أَخَّرَهُمَا عَمْدًا، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ بِمِقْدَارِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ رَكْعَةٍ صَلَّى الْعَصْرَ فَقَطْ سَفَرِيَّةً.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ مُؤَدٍّ لِجَمِيعِ الصَّلَاةِ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ مُؤَدٍّ لِمَا فَعَلَ فِي الْوَقْتِ قَاضٍ لِمَا فَعَلَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ فِي الْحَضَرِ، ثُمَّ سَافَرَ، لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ؛ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ تَامَّةً بِدُخُولِ وَقْتِهَا.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
60-موسوعة الفقه الكويتية (موت 1)
مَوْتٌ -1التَّعْرِيفُ:
1- الْمَوْتُ فِي اللُّغَةِ: ضِدُّ الْحَيَاةِ.
يُقَالُ: مَاتَ يَمُوتُ فَهُوَ مَيِّتٌ وَمَيْتٌ وَمِنْ أَسْمَائِهِ: الْمَنُونُ وَالْمَنَا وَالْمَنِيَّةُ وَالشَّعُوبُ وَالسَّامُ وَالْحِمَامُ وَالْحَيْنُ وَالرَّدَى وَالْهَلَاكُ وَالثُّكْلُ وَالْوَفَاةُ وَالْخَبَالُ.
وَفِي مَقَايِيسِ اللُّغَةِ الْمِيمُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ذَهَابِ الْقُوَّةِ مِنَ الشَّيْءِ وَمِنْهُ الْمَوْتُ خِلَافُ الْحَيَاةِ.
وَالْمَوْتُ فِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ: مُفَارَقَةُ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَمَعْنَى مُفَارَقَتِهَا لِلْجَسَدِ انْقِطَاعُ تَصَرُّفِهَا عَنِ الْجَسَدِ بِخُرُوجِ الْجَسَدِ عَنْ طَاعَتِهَا.عَلَامَاتُ الْمَوْتِ
2- نَظَرًا لِتَعَذُّرِ إِدْرَاكِ كُنْهِ الْمَوْتِ فَقَدْ عَلَّقَ الْفُقَهَاءُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَيْهِ بِظُهُورِ أَمَارَتِهِ فِي الْبَدَنِ فَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا اشْتَبَهَ أَمْرُ الْمَيِّتِ اعْتُبِرَ بِظُهُورِ أَمَارَاتِ الْمَوْتِ مِنِ اسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ وَانْفِصَالِ كَفَّيْهِ وَمَيْلِ أَنْفِهِ وَامْتِدَادِ جِلْدَةِ وَجْهِهِ وَانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ.
وَجَاءَ فِي رَوْضَةِ الطَّالِبِينَ: تُسْتَحَبُّ الْمُبَادَرَةُ إِلَى غُسْلِهِ وَتَجْهِيزِهِ إِذْ تَحَقَّقَ مَوْتُهُ بِأَنْ يَمُوتَ بِعِلَّةٍ وَتَظْهَرُ أَمَارَاتُ الْمَوْتِ بِأَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ وَلَا تَنْتَصِبَا أَوْ يَمِيلَ أَنْفُهُ أَوْ يَنْخَسِفَ صُدْغَاهُ أَوْ تَمْتَدَّ جِلْدَةُ وَجْهِهِ أَوْ يَنْخَلِعَ كَفَّاهُ مِنْ ذِرَاعَيْهِ أَوْ تَتَقَلَّصَ خُصْيَتَاهُ إِلَى فَوْقٍ مَعَ تَدَلِّي الْجِلْدَةِ...إِلَخْ.
هَذَا وَقَدْ نَبَّهَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى أَنَّ شُخُوصَ بَصَرِ الْمُحْتَضِرِ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى قَبْضِ رُوحِهِ وَمُفَارَقَتِهَا لِجَسَدِهِ فَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ».
وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحَ».
هَلِ الْمَوْتُ لِلْبَدَنِ وَالرُّوحِ أَوْ لِلْبَدَنِ وَحْدَهُ؟
3- نَصَّ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ بَعْدَ الْمَوْتِ بَاقِيَةٌ غَيْرُ فَانِيَةٍ إِمَّا فِي نَعِيمٍ مُقِيمٍ وَإِمَّا فِي عَذَابٍ أَلِيمٍ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ طُرُقُ الِاعْتِبَارِ وَتَنْطِقُ بِهِ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ أَنَّ الْمَوْتَ مَعْنَاهُ تَغَيُّرُ حَالٍ فَقَطْ وَأَنَّ الرُّوحَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْجَسَدِ إِمَّا مُعَذَّبَةٌ وَإِمَّا مُنَعَّمَةٌ.قَالَ الزُّبَيْدِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَفُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَمُتَكَلِّمِي الصِّفَاتِيَّةِ.
وَقَدْ بَيَّنَ أَحْمَدُ بْنُ قُدَامَةَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ أَنَّ الرُّوحَ تَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ بَاقِيَةً إِمَّا مُعَذَّبَةً أَوْ مُنَعَّمَةً فَإِنَّ الرُّوحَ قَدْ تَتَأَلَّمُ بِنَفْسِهَا بِأَنْوَاعِ الْحُزْنِ وَالْغَمِّ وَتَتَنَعَّمُ بِأَنْوَاعِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقٍ لَهَا بِالْأَعْضَاءِ فَكُلُّ مَا هُوَ وَصْفٌ لِلرُّوحِ بِنَفْسِهَا يَبْقَى مَعَهَا بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْجَسَدِ وَكُلُّ مَا لَهَا بِوَاسِطَةِ الْأَعْضَاءِ يَتَعَطَّلُ بِمَوْتِ الْجَسَدِ إِلَى أَنْ تُعَادَ الرُّوحُ إِلَى الْجَسَدِ.
وَاحْتَجَّ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ لَا تَنْعَدِمُ بِالْمَوْتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} حَيْثُ قَالَ ((فِيهِ: «جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ» وَبِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى نَعِيمِ الْأَرْوَاحِ وَعَذَابِهَا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ إِلَى أَنْ يُرْجِعَهَا اللَّهُ فِي أَجْسَادِهَا وَلَوْ مَاتَتِ الْأَرْوَاحُ لَانْقَطَعَ عَنْهَا النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ تَوْضِيحًا لِحَالِ الرُّوحِ وَحَيَاتِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْبَدَنِ فَقَالَ: هَذِهِ الرُّوحُ لَا تَفْنَى الْبَتَّةَ وَلَا تَمُوتُ بَلْ يَتَبَدَّلُ بِالْمَوْتِ حَالُهَا فَقَطْ وَيَتَبَدَّلُ مَنْزِلُهَا فَتَنْتَقِلُ مِنْ مَنْزِلٍ إِلَى مَنْزِلٍ، وَالْقَبْرُ فِي حَقِّهَا إِمَّا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ، إِذًا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَعَ الْبَدَنِ عَلَاقَةٌ سِوَى اسْتِعْمَالِهَا الْبَدَنَ وَاقْتِنَاصِهَا أَوَائِلَ الْمَعْرِفَةِ بِهِ بِوَاسِطَةِ شَبَكَةِ الْحَوَاسِّ فَالْبَدَنُ آلَتُهَا وَمَرْكَبُهَا وَشَبَكَتُهَا وَبُطْلَانُ الْآلَةِ وَالْمَرْكَبِ وَالشَّبَكَةِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الصَّائِدِ.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الرُّوحَ تَفْنَى وَتَمُوتُ بِمَوْتِ الْجَسَدِ لِأَنَّهَا نَفْسٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}.قَالَ الزُّبَيْدِيُّ: وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَنْدَلُسِ قَدِيمًا مِنْهُمْ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَهْبِ بْنِ لُبَابَةَ وَمِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ كَالسُّهَيْلِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: مَوْتُ النُّفُوسِ هُوَ مُفَارَقَتُهَا لِأَجْسَادِهَا وَخُرُوجُهَا مِنْهَا فَإِنْ أُرِيدَ بِمَوْتِهَا هَذَا الْقَدْرُ فَهِيَ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنْ أُرِيدَ بِأَنَّهَا تَعْدَمُ وَتَضْمَحِلُّ وَتَصِيرُ عَدَمًا مَحْضًا فَهِيَ لَا تَمُوتُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ خَلْقِهَا فِي نَعِيمٍ أَوْ فِي عَذَابٍ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الرُّوحُ:
4- ذَهَبَ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ إِلَى أَنَّ الرُّوحَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُتَخَلِّلٌ فِي الْبَدَنِ تَذْهَبُ الْحَيَاةُ بِذَهَابِهِ، وَعِبَارَةُ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ: هِيَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُشْتَبِكٌ بِالْبَدَنِ اشْتِبَاكَ الْمَاءِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ، وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ وَابْنُ عَرَفَةَ الْمَالِكِيُّ وَنَقَلَا تَصْحِيحَهُ عَنْ أَصْحَابِهِمْ.
وَقَالَ الْفَيُّومِيُّ: وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الرُّوحَ هُوَ النَّفْسُ النَّاطِقَةُ الْمُسْتَعِدَّةُ لِلْبَيَانِ وَفَهْمِ الْخِطَابِ وَلَا تَفْنَى بِفَنَاءِ الْجَسَدِ وَأَنَّهُ جَوْهَرٌ لَا عَرَضٌ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَبَيْنَ الرُّوحِ هِيَ التَّبَايُنُ.
ب- النَّفْسُ:
5- ذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ فُقَهَاءَ وَمُحَدِّثِينَ وَمُتَكَلِّمِينَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْسِ الرُّوحُ.
يُقَالُ: خَرَجَتْ نَفْسُهُ، أَيْ رُوحُهُ، وَأَنَّهُ يُعَبَّرُ عَنِ النَّفْسِ بِالرُّوحِ وَبِالْعَكْسِ.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الرُّوحُ الْمُدَبِّرَةُ لِلْبَدَنِ الَّتِي تُفَارِقُهُ بِالْمَوْتِ هِيَ الرُّوحُ الْمَنْفُوخَةُ فِيهِ، وَهِيَ النَّفْسُ الَّتِي تُفَارِقُهُ بِالْمَوْتِ...وَإِنَّمَا تُسَمَّى نَفْسًا بِاعْتِبَارِ تَدْبِيرِهَا لِلْبَدَنِ، وَتَسَمَّى رُوحًا بِاعْتِبَارِ لُطْفِهَا.
وَدَلِيلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالْأَنْفُسُ هَاهُنَا هِيَ الْأَرْوَاحُ قَطْعًا.
وَتُقَسَّمُ النَّفْسُ إِلَى النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ، وَاللَّوَّامَةِ، وَالْمُطْمَئِنَّةِ وَذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ النَّفْسَ يُرَادُ بِهَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ صِفَاتُهَا الْمَذْمُومَةُ، فَيُقَالُ: فُلَانٌ لَهُ نَفْسٌ: أَيْ مَذْمُومَةُ الْأَحْوَالِ، وَأَيْضًا: فَإِنَّ النَّفْسَ لَمَّا كَانَتْ حَالَ تَعَلُّقِهَا بِالْبَدَنِ يَكْثُرُ عَلَيْهَا اتِّبَاعُ هَوَاهَا صَارَ لَفْظُ «النَّفْسِ» يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ النَّفْسِ الْمُتَّبِعَةِ لِهَوَاهَا، أَوْ عَنِ اتِّبَاعِهَا الْهَوَى، بِخِلَافِ لَفْظِ «الرُّوحِ» فَإِنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْفَيُّومِيُّ: وَالنَّفْسُ أُنْثَى إِنْ أُرِيدَ بِهَا الرُّوحُ، قَالَ تَعَالَى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} وَإِنْ أُرِيدَ الشَّخْصُ فَمُذَكَّرٌ.
وَحَكَى الْكَفَوِيُّ فِي الْكُلِّيَّاتِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ نَفْسَانِ: نَفْسٌ حَيَوَانِيَّةٌ، وَنَفْسٌ رُوحَانِيَّةٌ.
فَالنَّفْسُ الْحَيَوَانِيَّةُ لَا تُفَارِقُهُ إِلاَّ بِالْمَوْتِ، وَالنَّفْسُ الرُّوحَانِيَّةُ- الَّتِي هِيَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ- هِيَ الَّتِي تُفَارِقُ الْإِنْسَانَ عِنْدَ النَّوْمِ، وَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ الْحَيَاةَ لِلنَّائِمِ رَدَّ عَلَيْهِ رُوحَهُ فَاسْتَيْقَظَ، وَإِذَا قَضَى عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ أَمْسَكَ عَنْهُ رُوحَهُ فَيَمُوتُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أَمَّا النَّفْسُ الْحَيَوَانِيَّةُ فَلَا تُفَارِقُ الْإِنْسَانَ بِالنَّوْمِ، وَلِهَذَا يَتَحَرَّكُ النَّائِمُ، وَإِذَا مَاتَ فَارَقَهُ جَمِيعُ، ذَلِكَ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْمَوْتِ التَّبَايُنُ.
ج- الْحَيَاةُ:
6- الْحَيَاةُ فِي اللُّغَةِ نَقِيضُ الْمَوْتِ، وَهِيَ فِي الْإِنْسَانِ عِبَارَةٌ عَنْ قُوَّةٍ مِزَاجِيَّةٍ تَقْتَضِي الْحِسَّ وَالْحَرَكَةَ، وَهِيَ الْمُوجِبَةُ لِتَحْرِيكِ مَنْ قَامَتْ بِهِ، وَمَفْهُومُهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: أَثَرُ مُقَارَنَةِ النَّفُوسِ لِلْأَبْدَانِ، وَإِنَّهَا لَتَسْرِي فِي الْإِنْسَانِ تَبَعًا لِسَرَيَانِ الرُّوحِ فِي جَسَدِهِ.وَحَكَى الْقَزْوِينِيُّ أَنَّ الرُّوحَ هِيَ الْحَيَاةُ، وَأَنَّ الْحَيَاةَ عَرَضٌ يَقُومُ بِالْحَيِّ، فَمَتَى وُجِدَ فِيهِ يَكُونُ حَيًّا، وَإِذَا عُدِمَ فِيهِ فَقَدْ حَصَلَ ضِدُّهُ، وَهُوَ الْمَوْتُ.
وَقَدْ ذَكَرَ الرَّاغِبُ الْأَصْفَهَانِيُّ أَنَّ «الْحَيَاةَ» تُسْتَعْمَلُ عَلَى أَوْجُهٍ
الْأَوَّلُ: لِلْقُوَّةِ النَّامِيَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، وَمِنْهُ قِيلَ: نَبَاتٌ حَيٌّ، قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}.
وَالثَّانِي: لِلْقُوَّةِ الْحَسَّاسَةِ، وَبِهِ سُمِّيَ الْحَيَوَانُ حَيَوَانًا، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ}.
وَالثَّالِثُ: لِلْقُوَّةِ الْعَالِمَةِ الْعَاقِلَةِ، كَقَوْلِهِ: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}.
وَالرَّابِعُ: عِبَارَةٌ عَنِ ارْتِفَاعِ الْغَمِّ، وَعَلَى ذَلِكَ قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أَيْ هُمْ مُتَلَذِّذُونَ لِمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ الْكَثِيرَةِ عَنْ أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ.
وَالْخَامِسُ: الْحَيَاةُ الْأُخْرَوِيَّةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي قوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} يَعْنِي بِهَا الْحَيَاةَ الْأُخْرَوِيَّةَ الدَّائِمَةَ.
وَالسَّادِسُ: الْحَيَاةُ الَّتِي يُوصَفُ بِهَا الْبَارِي تَعَالَى، فَإِنَّهُ إِذَا قِيلَ فِيهِ سُبْحَانُهُ، هُوَ حَيٌّ، فَمَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ عَلَيْهِ الْمَوْتُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
ثُمَّ إِنَّ الْحَيَاةَ بِاعْتِبَارِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ضَرْبَانِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا، وَالْحَيَاةُ الْآخِرَةُ.وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أَيْ يَرْتَدِعُ بِالْقِصَاصِ مَنْ يُرِيدُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْقَتْلِ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ حَيَاةُ النَّاسِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ أَنَّهُمَا نَقِيضَانِ.
د- الْأَهْلِيَّةُ:
7- الْأَهْلِيَّةُ شَرْعًا هِيَ كَوْنُ الْإِنْسَانِ بِحَيْثُ يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا صِفَةٌ أَوْ قَابِلِيَّةٌ يُقَدِّرُهَا الشَّارِعُ فِي الشَّخْصِ تَجْعَلُهُ مَحَلًّا صَالِحًا لِأَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْخِطَابُ التَّشْرِيعِيُّ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَبَيْنَ الْأَهْلِيَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ انْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ.
هـ- الذِّمَّةُ:
8- الذِّمَّةُ كَمَا عَرَّفَهَا الْجُرْجَانِيُّ: وَصْفٌ يَصِيرُ الشَّخْصُ بِهِ أَهْلًا لِلْإِيجَابِ لَهُ وَعَلَيْهِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَبَيْنَ الذِّمَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ انْعِدَامِ الذِّمَّةِ أَوْ ضَعْفِهَا أَوْ شَغْلِهَا.
أَقْسَامُ الْمَوْتِ
9- الْمَوْتُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: حَقِيقِيٌّ، وَحُكْمِيٌّ، وَتَقْدِيرِيٌّ.
فَأَمَّا الْمَوْتُ الْحَقِيقِيُّ: فَهُوَ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ وَالْيَقِينِ، وَيُعْرَفُ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَيَثْبُتُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ أَمَامَ الْقَضَاءِ.
وَأَمَّا الْمَوْتُ الْحُكْمِيُّ: فَهُوَ حُكْمٌ يَصْدُرُ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي بِمَوْتِ شَخْصٍ مِنَ الْأَشْخَاصِ- وَإِنْ كَانَ لَا يَزَالُ حَيًّا- لِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ يَقْتَضِي ذَلِكَ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الْمُرْتَدُّ إِذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَصَدَرَ حُكْمُ الْقَاضِي بِلُحُوقِهِ بِهَا مُرْتَدًّا، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مَيِّتًا مِنْ حِينِ صُدُورِ الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا يُرْزَقُ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَقَدْ عَلَّلَ ذَلِكَ السَّرْخَسِيُّ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ ظَفِرَ بِهِ مَوَّتَهُ حَقِيقَةً، بِأَنَّ يَقْتُلَهُ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ بِدُخُولِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مَوَّتَهُ حُكْمًا، فَقَسَمَ مَالَهُ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الْمَفْقُودُ (وَهُوَ الَّذِي يُعْمَى خَبَرُهُ، وَيَنْقَطِعُ أَثَرُهُ، وَلَا يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ، وَلَا تُدْرَى حَيَاتُهُ وَلَا مَوْتُهُ) إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِمَوْتِهِ بِنَاءً عَلَى مَا تَرَجَّحَ لَدَيْهِ مِنَ الظُّرُوفِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مَيِّتًا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: لِأَنَّ هَذَا تَمْوِيتٌ، أَيْ حُكْمٌ بِالْمَوْتِ، لَا مَوْتٌ حَقِيقَةً وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ كَانَ حَيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، دُونَ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْمَوْتُ التَّقْدِيرِيُّ: فَهُوَ لِلْجَنِينِ الَّذِي أُسْقِطَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ عَلَى أُمِّهِ.كَمَا إِذَا ضَرَبَ إِنْسَانٌ امْرَأَةً، فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْجَانِي أَوْ عَاقِلَتِهِ الْغُرَّةُ (دِيَةُ الْجَنِينِ) وَهَذِهِ الدِّيَةُ تَكُونُ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، حَيْثُ يُقَدَّرُ حَيًّا فِي بَطْنِ أُمِّهِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ مَوْتُهُ مِنْهَا.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَوْتِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
انْتِهَاءُ الْأَهْلِيَّةِ وَخَرَابُ الذِّمَّةِ بِالْمَوْتِ
10- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمَوْتَ هَادِمٌ لِأَسَاسِ التَّكْلِيفِ، لِأَنَّهُ عَجْزٌ كُلُّهُ عَنْ إِتْيَانِ الْعِبَادَاتِ أَدَاءً وَقَضَاءً، وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ ذَهَبَ مِنْ دَارِ الِابْتِلَاءِ إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ: إِنَّ الْمَوْتَ يُنَافِي أَحْكَامَ الدُّنْيَا مِمَّا فِيهِ تَكْلِيفٌ، لِأَنَّ التَّكْلِيفَ يَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ وَالْمَوْتُ عَجْزٌ كُلُّهُ.
وَحَيْثُ إِنَّ الذِّمَّةَ خَاصَّةٌ مِنَ الْخَصَائِصِ الْإِنْسَانِيَّةِ فَإِنَّهَا تَبْدَأُ مَعَ الشَّخْصِ مُنْذُ الْحَمْلِ بِهِ، وَتَبْقَى مَعَهُ طِيلَةَ حَيَاتِهِ، فَإِذَا مَاتَ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ وَانْتَهَتْ أَهْلِيَّتُهُ.
غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا هَلْ تَخْرَبُ الذِّمَّةُ وَتَنْتَهِي فَوْرًا بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْمَوْتِ، أَمْ أَنَّ الْمَوْتَ يُضْعِفُهَا، أَمْ أَنَّهَا تَبْقَى كَمَا هِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ حَتَّى تُسْتَوْفَى الْحُقُوقُ مِنَ التَّرِكَةِ؟ وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ يُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي (ذِمَّةٌ ف 6- 9).
انْقِطَاعُ الْعَمَلِ بِالْمَوْتِ وَمَدَى انْتِفَاعِ الْمَوْتَى بِسَعْيِ الْأَحْيَاءِ
11- لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي انْقِطَاعِ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ بِمَوْتِهِ فِي الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ الْمَوْتَ عَجْزٌ كَامِلٌ عَنْ إِتْيَانِ الْعِبَادَاتِ أَدَاءً وَقَضَاءً، وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدِ ارْتَحَلَ مِنْ دَارِ الِابْتِلَاءِ وَالتَّكْلِيفِ إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ وَلَكِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِمَا تَسَبَّبَ إِلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، أَوْ وَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، أَوْ مُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخَرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ» وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».
أَمَّا انْتِفَاعُهُ بِغَيْرِ مَا تَسَبَّبَ إِلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، فَقَدْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ:
أ- دُعَاءُ الْمُسْلِمِينَ لَهُ وَاسْتِغْفَارُهُمْ، وَفِي ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ لِلْأَمْوَاتِ يَنْفَعُهُمْ وَيَصِلُهُمْ ثَوَابُهُ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْمَشْهُورَةِ بِمَعْنَاهَا، وَبِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ كَقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ» وَكَقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا». ب- مَا جَعَلَ الْأَحْيَاءُ ثَوَابَهُ لِلْمَيِّتِ مِنَ الْأَعْمَالِ الْأُخْرَى كَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَوُصُولِهِ لِلْمَيِّتِ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أَدَاءٌ ف 14، وَقِرَاءَةٌ ف 18 وَقُرْبَةٌ ف 11).
السَّلَامُ عَلَى الْمَوْتَى وَرَدُّهُمْ
12- وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ مَرَّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِلاَّ عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» وَوَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلَى بَدْرٍ، فَأُلْقُوا فِي قَلِيبٍ، ثُمَّ جَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ وَنَادَاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ: يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا، فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُخَاطِبُ مِنْ أَقْوَامٍ قَدْ جَيَّفُوا، فَقَالَ- عليه الصلاة والسلام-: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ جَوَابًا» وَوَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ» وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بِالسَّلَامِ عَلَى الْمَوْتَى، حَيْثُ جَاءَ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إِذَا زَارُوا الْقُبُورَ أَنْ يَقُولُوا: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكَمْ لَلَاحِقُونَ».
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهَذَا خِطَابٌ لِمَنْ يَسْمَعُ وَيَعْقِلُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ هَذَا الْخِطَابُ بِمَنْزِلَةِ خِطَابِ الْمَعْدُومِ وَالْجَمَادِ، وَالسَّلَفُ مُجْمِعُونَ عَلَى هَذَا، وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْآثَارُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ يَعْرِفُ زِيَارَةَ الْحَيِّ لَهُ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِ.
وَجَاءَ فِي فَتَاوَى الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَيِّتَ يَعْرِفُ الزَّائِرَ، لِأَنَّا أُمِرْنَا بِالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ، وَالشَّرْعُ لَا يَأْمُرُ بِخِطَابِ مَنْ لَا يَسْمَعُ. عَوْدَةُ أَرْوَاحِ الْمَوْتَى فِي الْحَيَاةِ الْبَرْزَخِيَّةِ
13- الْمُرَادُ بِالْبَرْزَخِ هَاهُنَا: الْحَاجِزُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَهُ زَمَانٌ وَمَكَانٌ وَحَالٌ، فَزَمَانُهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَحَالُهُ الْأَرْوَاحُ، وَمَكَانُهُ مِنَ الْقَبْرِ إِلَى عِلِّيِّينَ لِأَرْوَاحِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، أَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَلَا تُفْتَحُ لِأَرْوَاحِهِمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، بَلْ هِيَ فِي سِجِّينٍ مَسْجُونَةٍ، وَبِلَعْنَةِ اللَّهِ مَصْفُودَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ وَنَعِيمَهُ اسْمٌ لِعَذَابِ، الْبَرْزَخِ وَنَعِيمِهِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.
هَذَا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ، هَلْ يَقَعُ عَلَى الْبَدَنِ أَمْ عَلَى الرُّوحِ أَوْ عَلَيْهِمَا مَعًا، وَذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ
الْأَوَّلُ: لِجُمْهُورِ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الرُّوحَ تُعَادُ إِلَى الْجَسَدِ أَوْ بَعْضِهِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْمَيِّتِ قَدْ تَتَفَرَّقُ أَجَزَاؤُهُ، لِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعِيدَ الْحَيَاةَ إِلَى جُزْءٍ مِنَ الْجَسَدِ، وَيَقَعُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، كَمَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ أَجْزَاءَهُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ تَرْجِعَ الرُّوحُ فِي حَالٍ آخَرَ وَأَمْرٍ ثَانٍ، وَبِعَوْدِهَا يَرْجِعُ الْمَيِّتُ حَيًّا، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِحَيَاةِ الْقَبْرِ عِنْدَ إِتْيَانِ الْمَلَكَيْنِ لِلسُّؤَالِ، فَإِذَا رُدَّتْ إِلَيْهِ الْحَيَاةُ، لِلْجِسْمِ وَالرُّوحِ، تَبِعَتْهَا الْإِدْرَاكَاتُ الْمَشْرُوطَةُ بِهَا، فَيَتَوَجَّهُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَيِّتِ السُّؤَالُ، وَيُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْجَوَابُ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: عَوْدُ الرُّوحِ إِلَى بَدَنِ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ لَيْسَ مِثْلَ عَوْدِهَا إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ أَكْمَلَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، كَمَا أَنَّ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى لَيْسَ مِثْلَ هَذِهِ النَّشْأَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْمَلَ مِنْهَا، بَلْ كُلُّ مَوْطِنٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَفِي الْبَرْزَخِ وَالْقِيَامَةِ لَهُ حُكْمٌ يَخُصُّهُ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: الْمُرَادُ بِالْحَيَاةِ فِي الْقَبْرِ لِلْمَسْأَلَةِ لَيْسَتِ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الدُّنْيَا الَّتِي تَقُومُ فِيهَا الرُّوحُ بِالْبَدَنِ وَتَدْبِيرِهِ وَتَصَرُّفِهِ، وَتَحْتَاجُ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأَحْيَاءُ، بَلْ هِيَ مُجَرَّدُ إِعَادَةٍ لِفَائِدَةِ الِامْتِحَانِ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، فَهِيَ إِعَادَةٌ عَارِضَةٌ.
الثَّانِي: لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالْغَزَالِيِّ: وَهُوَ التَّوَقُّفُ.قَالَ الْغُنَيْمِيُّ الْحَنَفِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِي الْمَيِّتِ نَوْعَ حَيَاةٍ فِي الْقَبْرِ، قَدْرَ مَا يَتَأَلَّمُ وَيَلْتَذُّ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ تُعَادُ الرُّوحُ إِلَيْهِ أَمْ لَا؟
وَالْمَنْقُولُ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ التَّوَقُّفُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تُعَادَ الرُّوحُ إِلَى الْجَسَدِ فِي الْقَبْرِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تُؤَخَّرَ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا حَكَمَ بِهِ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ.
الثَّالِثُ: لِابْنِ جَرِيرٍ وَجَمَاعَةٍ، وَهُوَ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْبَدَنِ فَقَطْ، وَأَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِيهِ إِدْرَاكًا بِحَيْثُ يَسْمَعُ وَيَعْلَمُ وَيَلْتَذُّ وَيَأْلَمُ.
الرَّابِعُ: لِابْنِ هُبَيْرَةَ وَغَيْرِهِ: وَهُوَ أَنَّ السُّؤَالَ يَقَعُ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ عَوْدٍ إِلَى الْجَسَدِ.
14- وَقَدْ تَفَرَّعَ عَنْ ذَلِكَ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي نَعِيمِ الْقَبْرِ وَعَذَابِهِ فِي الْحَيَاةِ الْبَرْزَخِيَّةِ، هَلْ يَقَعُ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ أَمْ عَلَى الْجَسَدِ أَمْ عَلَى كِلَيْهِمَا؟
فَذَهَبَ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَالْغَزَالِيُّ إِلَى أَنَّ التَّنْعِيمَ وَالتَّعْذِيبَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الرُّوحِ وَحْدَهَا.
وَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ: هُوَ عَلَى الرُّوحِ وَالْجَسَدِ.قَالَ النَّوَوِيُّ: النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ لِلْجَسَدِ بِعَيْنِهِ أَوْ بَعْضِهِ بَعْدَ إِعَادَةِ الرُّوحِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى جُزْءٍ مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الْعَذَابُ وَالنَّعِيمُ عَلَى النَّفْسِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، تُنَعَّمُ النَّفْسُ وَتُعَذَّبُ مُنْفَرِدَةً عَنِ الْبَدَنِ، وَتُعَذَّبُ مُتَّصِلَةً بِالْبَدَنِ، وَالْبَدَنُ مُتَّصِلٌ بِهَا، فَيَكُونُ النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ عَلَيْهِمَا فِي هَذِهِ الْحَالِ مُجْتَمِعَيْنِ، كَمَا يَكُونُ لِلرُّوحِ مُنْفَرِدَةً عَنِ الْبَدَنِ.
وَذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ إِلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُرَدَّ الرُّوحُ إِلَيْهِ، وَيَحُسُّ بِالْأَلَمِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَيٍّ.
مُسْتَقَرُّ أَرْوَاحِ الْمَوْتَى مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
15- قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الدُّورَ ثَلَاثًا: دَارَ الدُّنْيَا، وَدَارَ الْبَرْزَخِ، وَدَارَ الْقَرَارِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَارٍ أَحْكَامًا تَخْتَصُّ بِهَا، وَرَكَّبَ هَذَا الْإِنْسَانَ مِنْ بَدَنٍ وَرُوحٍ، وَجَعَلَ أَحْكَامَ الدُّنْيَا عَلَى الْأَبْدَانِ وَالْأَرْوَاحِ تَبَعًا لَهَا، وَلِهَذَا جَعَلَ أَحْكَامَهُ الشَّرْعِيَّةَ مُرَتَّبَةً عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ حَرَكَاتِ اللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ، وَإِنْ أَضْمَرَتِ النَّفُوسُ خِلَافَهُ، وَجَعَلَ أَحْكَامَ الْبَرْزَخِ عَلَى الْأَرْوَاحِ، وَالْأَبْدَانُ تَبَعًا لَهَا، فَكَمَا تَبِعَتِ الْأَرْوَاحُ الْأَبْدَانَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، فَتَأَلَّمَتْ بِأَلَمِهَا وَالْتَذَّتْ بِرَاحَتِهَا، فَإِنَّ الْأَبْدَانَ تَتْبَعُ الْأَرْوَاحَ فِي أَحْكَامِ الْبَرْزَخِ فِي نَعِيمِهَا وَعَذَابِهَا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُعِيدَتِ الْأَرْوَاحُ إِلَى الْأَجْسَادِ، وَقَامُوا مِنْ قُبُورِهِمْ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَالْبَرْزَخُ هُوَ أَوَّلُ دَارِ الْجَزَاءِ، وَعَذَابُ الْبَرْزَخِ وَنَعِيمُهُ أَوَّلُ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَنَعِيمِهَا، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهُ، وَوَاصِلٌ إِلَى أَهْلِ الْبَرْزَخِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي نَعِيمِ الْقَبْرِ وَعَذَابِهِ بَعْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ: «فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ- فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ- أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَافْرُشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ.قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رُوحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْتَحُ لَهُ فِيهَا مَدَّ بَصَرِهِ».
أَمَّا فِي حَقِّ الْكَافِرِ: «فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ، فَافْرُشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ.قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ، حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ».
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مُسْتَقَرِّ أَرْوَاحِ الْمَوْتَى مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، هَلْ هِيَ فِي السَّمَاءِ أَمْ فِي الْأَرْضِ، وَهَلْ هِيَ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ أَمْ لَا، وَهَلْ تُودَعُ فِي أَجْسَادٍ أَمْ تَكُونُ مُجَرَّدَةً؟ فَهَذِهِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْعِظَامِ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهَا النَّاسُ، وَهِيَ إِنَّمَا تُتَلَقَّى مِنَ السَّمْعِ فَقَطْ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي عِلِّيِّينَ، وَأَرْوَاحَ الْكُفَّارِ فِي سِجِّينٍ، وَلِكُلِّ رُوحٍ اتِّصَالٌ، وَهُوَ اتِّصَالٌ مَعْنَوِيٌّ لَا يُشْبِهُ الِاتِّصَالَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، بَلْ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِهِ حَالُ النَّائِمِ انْفِصَالًا، وَشَبَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِالشَّمْسِ، أَيْ بِشُعَاعِ الشَّمْسِ، وَهَذَا مَجْمَعُ مَا افْتَرَقَ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّ مَحَلَّ الْأَرْوَاحِ فِي عِلِّيِّينَ وَفِي سِجِّينٍ، وَمِنْ كَوْنِ أَفْنِيَةِ الْأَرْوَاحِ عِنْدَ أَفْنِيَةِ قُبُورِهِمْ، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْجُمْهُورِ.
أَثَرُ الْمَوْتِ عَلَى حُقُوقِ الْمُتَوَفَّى:
أَثَرُ الْمَوْتِ عَلَى الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ الْمَحْضَةِ:
16- الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ الْمَحْضَةُ: هِيَ مَا تَسْتَحِيلُ فِي النِّهَايَةِ إِلَى مَالٍ مِثْلُ الدُّيُونِ فِي ذِمَمِ الْغُرَمَاءِ، وَحَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَحَقُّ حَبْسِ الرَّهْنِ لِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ وَحَقُّ الدِّيَةِ وَالْأَرْشِ فِي الْأَطْرَافِ وَحُقُوقُ الِارْتِفَاقِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أَوَّلًا- الدُّيُونُ فِي ذِمَّةِ الْغُرَمَاءِ
17- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي عَدَمِ تَأْثِيرِ مَوْتِ الدَّائِنِ عَلَى الدُّيُونِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْغُرَمَاءِ، وَأَنَّهَا تَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَرَكَهَا، لِأَنَّ الدُّيُونَ فِي الذِّمَمِ أَمْوَالٌ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِاعْتِبَارِهَا تَؤُولُ إِلَى مَالٍ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ.
18- وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ دَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، سَوَاءٌ تَقَرَّرَ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَقَالُوا إِنَّهُ يَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ، وَالصِّلَاتُ عِنْدَهُمْ لَا تَتِمُّ إِلاَّ بِالتَّسْلِيمِ، وَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَهُ، إِلاَّ إِذَا اسْتَدَانَتِ النَّفَقَةَ بِأَمْرِ الْقَاضِي، فَعِنْدَئِذٍ لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهَا، بَلْ تَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهَا، وَكَذَلِكَ دَيْنُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عِنْدَهُمْ بِمَوْتِ مَنْ وَجَبَ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، لِأَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ كِفَايَةً لِلْحَاجَةِ...إِلاَّ إِذَا أَذِنَ الْقَاضِي لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَ، فَعِنْدَئِذٍ لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، بَلْ تَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا فِي دَيْنِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ. أَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَقَدْ قَالُوا: إِنَّ دَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ دَيْنٌ صَحِيحٌ، سَوَاءٌ وَجَبَ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهَا قَبْلَ تَسَلُّمِهِ، بَلْ يَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ، أَمَّا نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ، فَإِنَّ وُجُوبَهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ وَسَدِّ الْخَلَّةِ، وَهِيَ مُجَرَّدُ إِمْتَاعٍ فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا إِلاَّ إِذَا فَرَضَهَا الْقَاضِي، فَحِينَئِذٍ تَثْبُتُ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ، وَلَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ قَبْضِهَا، بَلْ تَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهِ.
19- وَالدُّيُونُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ بِالصِّفَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا حَالَ حَيَاةِ الدَّائِنِ، فَمَا كَانَ مِنْهَا حَالًّا انْتَقَلَ إِلَى الْوَرَثَةِ حَالًا، وَمَا كَانَ مِنْهَا مُؤَجَّلًا أَوْ مُقَسَّطًا انْتَقَلَ كَمَا هُوَ مُؤَخَّرًا إِلَى أَجَلِهِ، حَيْثُ إِنَّ الْأَجَلَ عِنْدَهُمْ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الدَّائِنِ.
وَحُكِيَ عَنِ اللَّيْثِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلَى وَرَثَتِهِ حَالًّا، وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ بِوَفَاتِهِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
61-موسوعة الفقه الكويتية (نسب 2)
نَسَبٌ -225- وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِوَارِثٍ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَالثَّانِي فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ.أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْأَمْرُ فِيهِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ وَاحِدًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِأَنْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ هَلْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنَ الْمَيِّتِ؟ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِإِقْرَارِ وَارِثٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأُخُوَّةِ إِقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَكَانَ شَهَادَةً وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ.وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ، لِأَنَّ إِقْرَارَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَيَكُونُ مَقْبُولًا فِي حَقِّ النَّسَبِ كَإِقْرَارِ الْجَمَاعَةِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِأَنْ كَانَا رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ فَصَاعِدًا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِإِقْرَارِهِمْ بِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ، لِأَنَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي النَّسَبِ مَقْبُولَةٌ.وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَإِقْرَارُ الْوَارِثِ الْوَاحِدِ بِوَارِثٍ يَصِحُّ وَيَصْدُقُ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ بِأَنْ أَقَرَّ الِابْنُ الْمَعْرُوفُ بِأَخٍ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُشَارِكُهُ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنَ الْمِيرَاثِ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأُخُوَّةِ إِقْرَارٌ بِشَيْئَيْنِ: النَّسَبِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمَالِ، وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ إِقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولٍ، لِأَنَّهُ دَعْوَى فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ شَهَادَةٌ، وَالْإِقْرَارُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَالِ إِقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّهُ مَقْبُولٌ، وَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْإِقْرَارُ الْوَاحِدُ مَقْبُولًا بِجِهَةٍ غَيْرَ مَقْبُولٍ بِجِهَةٍ أُخْرَى.
وَلَوْ أَقَرَّ الِابْنُ الْمَعْرُوفُ بِأُخْتٍ أَخَذَتْ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، لِأَنَّ إِقْرَارَهُ قَدْ صَحَّ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ وَلَهَا مَعَ الْأَخِ ثُلُثُ الْمِيرَاثِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِامْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِيهِ فَلَهَا ثُمُنُ مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِجَدَّةٍ هِيَ أُمُّ الْمَيِّتِ فَلَهَا سُدُسُ مَا فِي يَدِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُقِرَّ فِيمَا فِي يَدِهِ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ مَا لَوْ ثَبَتَ النَّسَبُ.
وَلَوْ أَقَرَّ ابْنُ الْمَيِّتِ بِابْنِ ابْنٍ لِلْمَيِّتِ وَصَدَّقَهُ، لَكِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ ابْنَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ وَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إِنَّمَا اسْتَفَادَ الْمِيرَاثَ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَوْ بَطَلَ إِقْرَارُهُ لَبَطَلَتْ وِرَاثَتُهُ، وَفِي بُطْلَانِ وِرَاثَتِهِ بُطْلَانُ وِرَاثَةِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ وَالْمَالُ كُلُّهُ لَهُ مَا لَمْ يُقِمِ الْبَيِّنَةَ عَلَى النَّسَبِ، لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى إِثْبَاتِ وِرَاثَةِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَاخْتَلَفَا فِي وِرَاثَةِ الْمُقِرِّ، فَيَثْبُتُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَيَقِفُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ
26- وَالْمَالِكِيَّةُ يُسَمُّونَ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ بِالِاسْتِلْحَاقِ فَقَالُوا: إِنَّمَا يَسْتَلْحِقُ الْأَبُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِذَا أَقَرَّ رَجُلٌ بِابْنٍ جَازَ إِقْرَارُهُ وَلَحِقَ بِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، أَنْكَرَ الِابْنُ أَوْ أَقَرَّ.وَإِنَّمَا يَسْتَلْحِقُ الْأَبَ مَجْهُولُ النَّسَبِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَالِكٍ: مَنِ ادَّعَى وَلَدًا لَا يُعْرَفُ كَذِبُهُ فِيهِ لَحِقَ بِهِ إِنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْعَقْلُ أَوِ الْحِسُّ أَوِ الْعَادَةُ أَوِ الشَّرْعُ صَغِيرًا كَانَ الْمُسْتَلْحَقُ أَوْ كَبِيرًا، حَيًّا أَوْ مَيِّتًا.وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ نَفَى وَلَدًا بِلِعَانٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَنْ مَالٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ضُرِبَ الْحَدَّ وَلَحِقَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي مِيرَاثِهِ وَيُحَدُّ وَلَا يَرِثُهُ.
27- وَإِذَا اسْتَلْحَقَ مَيِّتًا وَرِثَ الْمُسْتَلْحِقُ- بِالْكَسْرِ- الْمُسْتَلْحَقَ- بِالْفَتْحِ- إِنْ وَرِثَهُ أَيِ الْمُسْتَلْحَقَ- بِالْفَتْحِ- ابْنٌ، قَالَ الْحَطَّابُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ إِنَّمَا هُوَ فِي إِرْثِهِ مِنْهُ.وَأَمَّا نَسَبُهُ فَلَاحِقٌ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَرِثْهُ ابْنٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ.وَإِنِ اسْتَلْحَقَ شَخْصٌ شَخْصًا وَارِثًا غَيْرَ وَلَدٍ لِمُسْتَلْحِقِهِ- بِالْكَسْرِ- كَأَخٍ وَعَمٍّ وَأَبٍ وَأُمٍّ، فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ لَهُ، وَلَا يَرِثُ الْمُسْتَلْحَقُ- بِالْفَتْحِ- الْمُسْتَلْحِقَ- بِالْكَسْرِ- إِنْ وُجِدَ وَارِثٌ لِلْمُسْتَلْحِقِ- بِالْكَسْرِ-، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ فَفِي إِرْثِهِ خِلَافٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ لَا إِرْثَ بِإِقْرَارٍ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْإِرْثُ بِالْإِقْرَارِ، وَعَزَاهُ الْبَاجِيُّ لِمَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ.
وَخَصَّ الْخِلَافَ فِي إِرْثِ الْمُقَرِّ بِهِ مِنَ الْمُقِرِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ بِمَا إِذَا لَمْ يَطُلِ الْإِقْرَارُ بِالْوَارِثِ، وَأَمَّا مَعَ الطُّولِ فَلَا خِلَافَ عِنْدَهُ فِي الْإِرْثِ بِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى صِدْقِهِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ، إِنْ قَالَ: هَذَا أَخِي، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذُو نَسَبٍ ثَابِتٍ يَرِثُهُ فَقِيلَ: الْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَقِيلَ: الْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى وَهَذَا أَحْسَنُ، لِأَنَّ لَهُ بِذَلِكَ شُبْهَةٌ.
وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ وَطَالَتِ الْمُدَّةُ وَهُمَا عَلَى ذَلِكَ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ: أَخِي، أَوْ يَقُولُ: هَذَا عَمِّي، وَيَقُولُ الْآخَرُ: ابْنُ أَخِي، وَمَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنُونَ وَلَا أَحَدَ يَدَّعِي بُطْلَانَ ذَلِكَ لَكَانَ حَوْزًا.
وَإِنْ أَقَرَّ عَدْلَانِ مِنْ وَرَثَةِ مَيِّتٍ- كَابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ أَوْ عَمَّيْنِ- بِثَالِثٍ مُسَاوٍ لَهُمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَابْنٍ أَوْ أَخٍ أَوْ عَمٍّ ثَبَتَ النَّسَبُ وَالْمِيرَاثُ مِنَ الْمَيِّتِ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ غَيْرُ عَدْلَيْنِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ، وَهُوَ كَذَلِكَ إِجْمَاعًا.
وَإِنْ أَقَرَّ عَدْلٌ وَاحِدٌ يَحْلِفُ الْمُقَرُّ بِهِ مَعَهُ أَيِ الْعَدْلُ الْمُقِرُّ، وَيَرِثُ الْمَيِّتُ مَعَ الْمُقِرِّ، وَالْحَالُ لَا نَسَبَ ثَابِتٌ لَهُ بِإِقْرَارِ الْعَدْلِ وَحَلِفِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُقِرُّ عَدْلًا فَحِصَّةُ الشَّخْصِ الْمُقِرِّ بِوَارِثٍ كَالْمَالِ الْمَتْرُوكِ أَيْ كَأَنَّهَا جَمِيعُ التَّرِكَةِ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ بِهِ، فَإِنْ كَانَا وَلَدَيْنِ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِثَالِثٍ وَكَذَّبَهُ أَخُوهُ فَحِصَّةُ الْمُقِرِّ النِّصْفُ فَيُقَدَّرُ أَنَّهُ جَمِيعُ التَّرِكَةِ وَيُقْسَمُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَيَنُوبُ الْمُقَرُّ بِهِ ثُلُثَهُ فَيَأْخُذُهُ وَثُلُثَاهُ لِلْمُقِرِّ، وَإِنْ قَالَ أَحَدُ عَاصِبِي مَيِّتٍ لِشَخْصٍ ثَالِثٍ: هَذَا أَخِي وَأَنْكَرَهُ أَخُوهُ ثُمَّ أَضْرَبَ الْمُقِرُّ عَنْ إِقْرَارِهِ لِهَذَا الثَّالِثِ وَقَالَ لِشَخْصٍ آخَرَ رَابِعٍ: بَلْ هَذَا أَخِي، فَلِلْمُقَرِّ بِهِ الْأَوَّلِ نِصْفُ إِرْثِ أَبِ الْمُقِرِّ لِاعْتِرَافِهِ لَهُ بِهِ، وَإِضْرَابُهُ عَنْهُ لَا يُسْقِطُهُ لِأَنَّهُ يَعُدُّ نَدَمًا، وَلِلْمُقَرِّ بِهِ الثَّانِي نِصْفُ مَا بَقِيَ بِيَدِ الْمُقِرِّ لِاعْتِرَافِهِ لَهُ بِهِ
28- وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ مُكَلَّفٌ بِنَسَبِ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ بِأَنْ قَالَ: إِنَّهُ ابْنُهُ، وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُولَدَ لِمِثْلِ الْمُقِرِّ بِأَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ أَكْبَرَ مِنْهُ بِعَشْرِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ كَمَا نَصَّ الْحَنَابِلَةُ، وَلَمْ يُنَازِعْهُ مُنَازِعٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّخْصَ لَا يَلْحَقُ بِهِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ.
وَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ أَوِ الْمَجْنُونُ الْمُقَرُّ بِهِ مَيِّتًا وَرِثَهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ، لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ مَعَ الْحَيَاةِ الْإِقْرَارُ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَفِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ لَا، لِفَوَاتِ التَّصْدِيقِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ كَبِيرًا عَاقِلًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنَ الْمُقِرِّ حَتَّى يُصَدِّقَهُ، لِأَنَّ لَهُ قَوْلًا صَحِيحًا فَاعْتُبِرَ تَصْدِيقُهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ، وَلِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي نَسَبِهِ، فَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَّفَهُ، فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَثَبَتَ نَسَبُهُ، وَلَوْ سَكَتَ عَنِ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ قَضِيَّةُ اعْتِبَارِ التَّصْدِيقِ.
وَإِنْ كَانَ الْكَبِيرُ الْعَاقِلُ الْمُقَرُّ بِهِ مَيِّتًا ثَبَتَ إِرْثُهُ وَنَسَبُهُ، لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ أَشْبَهَ الصَّغِيرَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ لَا، لِفَوَاتِ التَّصْدِيقِ.
وَعَلَى الْأَوَّلِ يَرِثُ الْمَيِّتَ الْمُسْتَلْحِقُ وَلَا يُنْظَرُ إِلَى التُّهْمَةِ.
وَإِنِ ادَّعَى نَسَبَ مُكَلَّفٍ فِي حَيَاتِهِ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ حَتَّى مَاتَ الْمُقِرُّ ثُمَّ صَدَّقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ، لِأَنَّ بِتَصْدِيقِهِ حَصَلَ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى التَّوَارُثِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ جَمِيعًا.
وَإِنِ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا أَثْبَتَ نَسَبَهُ فَلَوْ بَلَغَ وَكَذَّبَهُ لَمْ يَبْطُلْ نَسَبُهُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ فَلَا يَنْدَفِعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَفِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ يَبْطُلُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْإِنْكَارِ وَقَدْ صَارَ أَهْلًا لَهُ وَأَنْكَرَ.
وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا اسْتَلْحَقَ مَجْنُونًا فَأَفَاقَ وَأَنْكَرَ.
وَلَوِ اسْتَلْحَقَ اثْنَانِ بَالِغًا ثَبَتَ نَسَبُهُ لِمَنْ صَدَّقَهُ مِنْهُمَا، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْ وَاحِدًا مِنْهُمَا عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ 29- وَمَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَهُ أُمٌّ فَجَاءَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ تَدَّعِي زَوْجِيَّتَهُ لَمْ تَثْبُتِ الزَّوْجِيَّةُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَقَرَّ بِنَسَبِ صَغِيرٍ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِزَوْجِيَّةِ أُمِّهِ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ.
وَكَذَا لَوِ ادَّعَتْ أُخْتُهُ الْبُنُوَّةَ، ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَمَنْ أَنْكَرَ زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا كَانَ لَهَا طَلَبُهُ بِحَقِّهَا
30- وَإِنْ قَدِمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ وَمَعَهَا طِفْلٌ، فَأَقَرَّ بِهِ رَجُلٌ أَنَّهُ ابْنُهُ مَعَ إِمْكَانِهِ وَلَا مُنَازِعَ، لَحِقَهُ نَسَبُهُ لِوُجُودِ الْإِمْكَانِ وَعَدَمِ الْمُنَازِعِ، وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ لِإِثْبَاتِهِ، وَلِهَذَا لَوْ وَلَدَتِ امْرَأَةُ رَجُلٍ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْبَتِهِ لَحِقَهُ الْوَلَدُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلرَّجُلِ قُدُومٌ إِلَيْهَا وَلَا عُرِفَ لَهَا خُرُوجٌ مِنْ بَلَدِهَا
31- وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ أَخٍ أَوْ عَمٍّ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّ إِقْرَارَ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ.
وَإِنْ كَانَ إِقْرَارُهُ بِنَسَبِ الْأَخِ أَوِ الْعَمِّ بَعْدَ مَوْتِهِمَا، وَالْمُقِرُّ هُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ صَحَّ إِقْرَارُهُ وَثَبَتَ النَّسَبُ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَلِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ مُورِثِهِ فِي حُقُوقِهِ وَهَذَا مِنْهَا
وَلَا يُشْتَرَطُ أَلاَّ يَكُونَ نَفَاهُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَيَجُوزُ إِلْحَاقُهُ بِهِ بَعْدَ نَفْيِهِ إِيَّاهُ كَمَا لَوِ اسْتَلْحَقَهُ هُوَ بَعْدَ أَنْ نَفَاهُ بِلِعَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَفِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: يُشْتَرَطُ أَلاَّ يَكُونَ الْمَيِّتُ قَدْ نَفَاهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، لِأَنَّ فِي إِلْحَاقِ مَنْ نَفَاهُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلْحَاقَ عَارٍ بِنَسَبِهِ
32- وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقِرِّ فِي إِلْحَاقِ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ وَارِثًا حَائِزًا لِتَرِكَةِ الْمُلْحَقِ بِهِ، وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ، كَابْنَيْنِ أَقَرَّا بِثَالِثٍ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيَرِثُ مَعَهُمَا، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَا إِذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْحَائِزَيْنِ بِثَالِثٍ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ أَنَّ الْمُسْتَلْحِقَ لَا يَرِثُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَلَا يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ، وَفِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ يَرِثُ بِأَنْ يُشَارِكَ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ عَدَمُ الْمُشَارَكَةِ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، أَمَّا فِي الْبَاطِنِ إِذَا كَانَ الْمُقِرُّ صَادِقًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيمَا يَرِثُهُ فِي الْأَصَحِّ بِثُلُثِهِ، وَقِيلَ: بِنِصْفِهِ. وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْبَالِغَ مِنَ الْوَرَثَةِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْإِقْرَارِ، بَلْ يَنْتَظِرُ بُلُوغَ الصَّبِيِّ، وَفِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ يَنْفَرِدُ بِهِ وَيُحْكَمُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ خَطِيرٌ لَا يُجَاوِزُ فِيهِ.
وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ الْحَائِزَيْنِ بِثَالِثٍ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَمَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ إِلاَّ الْمُقِرُّ ثَبَتَ النَّسَبُ، لِأَنَّ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ صَارَ لَهُ.
وَفِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ لَا يَثْبُتُ نَظَرًا إِلَى إِنْكَارِ الْمُورِثِ الْأَصْلَ.
وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ابْنٌ حَائِزٌ بِأُخُوَّةِ مَجْهُولٍ فَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ نَسَبَ الْمُقِرِّ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ إِنْكَارُهُ، وَيَثْبُتُ أَيْضًا نَسَبُ الْمَجْهُولِ، وَالثَّانِي: يُؤَثِّرُ الْإِنْكَارُ فَيَحْتَاجُ الْمُقِرُّ إِلَى الْبَيِّنَةِ عَلَى نَسَبِهِ، وَالثَّالِثُ: لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْمَجْهُولِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْمُقِرَّ لَيْسَ بِوَارِثٍ.
وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْوَارِثُ الظَّاهِرُ يَحْجُبُهُ الْمُسْتَلْحِقُ كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ ثَبَتَ النَّسَبُ لِلِابْنِ وَلَا إِرْثَ لَهُ.
وَالثَّانِي: لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَثَبَتَ الْإِرْثُ، وَلَوْ وَرِثَ الِابْنُ لَحَجَبَ الْأَخَ فَيَخْرُجُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْإِقْرَارِ، فَيَنْتَفِي نَسَبُ الِابْنِ وَالْمِيرَاثُ.
وَالثَّالِثُ: يَثْبُتَانِ، وَلَا يَخْرُجُ الْأَخُ بِالْحَجْبِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْإِقْرَارِ، فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْمُقِرِّ حَائِزًا لِلتَّرِكَةِ لَوْلَا إِقْرَارُهُ
33- وَإِنْ أَقَرَّ بِأَبٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ مَوْلًى أَعْتَقَهُ قَبْلَ إِقْرَارِهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَلَوْ أَسْقَطَ بِهِ وَارِثًا مَعْرُوفًا، لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْوَارِثِ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِشُرُوطٍ:
أَوَّلُهَا: خُلُوُّهُ مِنْ مُسْقِطٍ، إِذَا أَمْكَنَ صِدْقُ الْمُقِرِّ بِأَنْ لَا يُكَذِّبَهُ فِيهِ ظَاهِرُ حَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صِدْقُهُ كَإِقْرَارِ الْإِنْسَانِ بِمَنْ فِي سِنِّهِ أَوْ أَكْبَرَ مِنْهُ لَمْ يُقْبَلْ.
وَثَانِيهَا: أَنْ لَا يَدْفَعَ بِإِقْرَارِهِ نَسَبًا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ دَفَعَ بِهِ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ.
وَثَالِثُهَا: أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُقِرُّ بِهِ الْمُكَلَّفُ وَإِلاَّ لَمْ يُقْبَلْ، أَوْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ مَيِّتًا، إِلاَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ فَلَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُمَا لِمَا مَرَّ، فَإِنْ كَبِرَا وَعَقَلَا وَأَنْكَرَا النَّسَبَ لَمْ يُسْمَعْ إِنْكَارُهُمَا لِأَنَّهُ نَسَبٌ حُكِمَ بِثُبُوتِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِرَدِّهِ كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، وَلَوْ طَلَبَا إِحْلَافَ الْمُقِرِّ لَمْ يُسْتَحْلَفْ، لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ عَادَ فَجَحَدَ النَّسَبَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ بِخِلَافِ الْمَالِ.
وَيَكْفِي فِي تَصْدِيقِ وَالِدٍ بِوَلَدِهِ وَعَكْسِهِ كَتَصْدِيقِ وَلَدٍ بِوَالِدِهِ، سُكُوتُهُ إِذَا أَقَرَّ بِهِ، لِأَنَّهُ يَغْلِبُ فِي ذَلِكَ ظَنُّ التَّصْدِيقِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا أَيِ الْوَالِدِ بِوَلَدِهِ وَعَكْسِهِ تَكْرَارُ التَّصْدِيقِ، فَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ بِنَسَبِهِمَا بِدُونِ تَكْرَارِ التَّصْدِيقِ وَمَعَ السُّكُوتِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ سَكَتَ عَنِ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، وَفَارِقُ السُّكُوتِ فِي الْأَمْوَالِ بِالِاحْتِيَاطِ فِي النَّسَبِ.نَعَمْ إِنْ مَاتَ قَبْلَ إِمْكَانِ التَّصْدِيقِ ثَبَتَ النَّسَبُ
34- وَلَا يَصِحُّ إِقْرَارُ مَنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ بِغَيْرِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَهُمُ: الْأَبُ وَالِابْنُ وَالزَّوْجُ وَالْمَوْلَى، وَكَجَدٍّ يُقِرُّ بِابْنِ ابْنِهِ وَعَكْسِهِ، وَكَأَخٍ يُقِرُّ بِأَخٍ، وَالْعَمِّ يُقِرُّ بِابْنِ أَخٍ، لِأَنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى غَيْرِهِ نَسَبًا فَلَمْ يُقْبَلْ، إِلاَّ وَرَثَةً أَقَرُّوا لِمَنْ لَوْ أَقَرَّ بِهِ مُورِثُهُمْ ثَبَتَ نَسَبُهُ فَيَصِحُّ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ.
وَإِنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُنْكِرُ وَالْمُقِرُّ وَحْدَهُ وَارِثٌ لِلْمُنْكِرِ ثَبَتَ نَسَبُ الْمُقَرِّ بِهِ مِنْهُمَا لِانْحِصَارِ الْإِرْثِ فِيهِ، فَلَوْ مَاتَ الْمُقِرُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ بَنِي عَمٍّ وَعَنِ الْأَخِ الْمُقَرِّ بِهِ وَرِثَهُ الْأَخُ الْمُقَرُّ بِهِ دُونَ بَنِي الْعَمِّ، لِأَنَّ الْأَخَ يَحْجُبُهُمْ وَقَدْ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ وَلَوْ أَقَرَّتْ زَوْجَةٌ بِوَلَدٍ لَحِقَهَا لِإِقْرَارِهَا دُونَ زَوْجِهَا لِعَدَمِ إِقْرَارِهِ بِهِ، وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِامْرَأَتِهِ
ثُبُوتُ نَسَبِ الشَّخْصِ بِإِقْرَارِهِ:
35- قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: نَسَبُ الشَّخْصِ لَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ، وَقِيلَ: يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ، لِقَوْلِهِمْ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فِيمَا إِذَا شَهِدَ شُهُودُ الْكِتَابِ عَلَى الْمُسَمَّى فِيهِ لَا عَلَى عَيْنِهِ، فَاعْتَرَفَ الْمُحْضَرُ بِأَنَّ ذَلِكَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ أَوْ أَنْكَرَ وَنَكَلَ، فَحَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى ذَلِكَ تَوَجَّهَ لَهُ الْحُكْمُ، وَلِأَنَّ مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يُسْأَلُ عَنِ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ، وَيُجْعَلُ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ النَّاسَ مُؤْتَمَنُونَ عَلَى أَنْسَابِهِمْ، وَمَنِ اؤْتُمِنَ عَلَى شَيْءٍ رُجِعَ إِلَيْهِ فِيمَا عَلَيْهِ لَا فِيمَا لَهُ.
إِقْرَارُ السَّفِيهِ بِالنَّسَبِ:
36- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَقَرَّ السَّفِيهُ بِنَسَبٍ صَحَّ إِقْرَارُهُ بِذَلِكَ وَأُخِذَ بِهِ فِي الْحَالِ.قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ إِجْمَاعُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي نَفْسِهِ وَالْحَجْرُ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ. وَيُنْفَقُ عَلَى وَلَدِهِ الْمُسْتَلْحَقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
الرُّجُوعُ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ:
37- الْإِقْرَارُ الصَّحِيحُ بِالْبُنُوَّةِ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ؛ إِذْ لَا يَجُوزُ إِلْغَاءُ كَلَامِ الْمُكَلَّفِ بِلَا مُقْتَضٍ وَانْظُرِ التَّفْصِيلَ فِي (إِقْرَار ف 67).
نَسَبُ اللَّقِيطِ:
38- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى اللَّقِيطَ شَخْصٌ وَاحِدٌ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمُلْتَقِطَ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ رَجُلًا مُسْلِمًا حُرًّا لَحِقَ نَسَبُهُ بِهِ إِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بِأَنْ تَتَحَقَّقَ فِيهِ شُرُوطُ الِاسْتِلْحَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مَحْضُ نَفْعٍ لِلطِّفْلِ لِاتِّصَالِ نَسَبِهِ، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ، فَقُبِلَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ.وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَلَهُمْ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (لَقِيط ف 11- 14).
ز- الْقُرْعَةُ:
39- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى عَدَمِ اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ فِي إِثْبَاتِ النَّسَبِ.وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (قُرْعَة ف 19).
ح- السَّمَاعُ:
40- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ بِالسَّمَاعِ لِلضَّرُورَةِ.قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَمَّا النَّسَبُ فَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنَعَ مِنْهُ، وَلَوْ مُنِعَ ذَلِكَ لَاسْتَحَالَتْ مَعْرِفَةُ الشَّهَادَةِ بِهِ؛ إِذْ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ قَطْعًا بِغَيْرِهِ، وَلَا تَمْكُنُ الْمُشَاهَدَةُ فِيهِ، وَلَوِ اعْتُبِرَتِ الْمُشَاهَدَةُ لَمَا عَرَفَ أَحَدٌ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ وَلَا أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ
وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالتَّسَامُعِ أَنْ يَكُونَ النَّسَبُ مَشْهُورًا، جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ فِي النَّسَبِ وَغَيْرِهِ بِطَرِيقَتَيْنِ: الْحَقِيقَةُ وَالْحُكْمِيَّةُ.فَالْحَقِيقَةُ: أَنْ تُشْتَهَرَ وَتُسْمَعَ مِنْ قَوْمٍ كَثِيرٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَلَا تُشْتَرَطُ فِي
هَذِهِ الْعَدَالَةُ، وَلَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ بَلْ يُشْتَرَطُ التَّوَاتُرُ.
وَالْحُكْمِيَّةُ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عُدُولٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، هَذَا إِذَا شَهِدَا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِشْهَادِ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ إِذَا لَقِيَ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَهُ عَلَى نَسَبِهِ وَعَرَفَا حَالَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَلَوْ أَقَامَ هَذَا الرَّجُلُ عِنْدَهُ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى نَسَبِهِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَشْهَدَ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ بَيْنَ ظَهَرَانَيْ قَوْمٍ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ وَقَالَ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى نَسَبِهِ حَتَّى يَلْقَوْا مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فَيَشْهَدَانِ عِنْدَهُمْ عَلَى نَسَبِهِ، قَالَ الْجَصَّاصُ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا: وَلَا يَشْهَدُ أَحَدٌ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ بِالْإِجْمَالِ إِلاَّ فِي عَشَرَةٍ مِنْهَا النَّسَبُ، فَلَهُ الشَّهَادَةُ بِهِ إِذَا أَخْبَرَهُ بِهِ مَنْ يَثِقُ الشَّاهِدُ بِهِ مِنْ خَبَرِ جَمَاعَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ بِلَا شَرْطِ عَدَالَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ.
41- قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ جَائِزَةٌ فِي النَّسَبِ الْمَشْهُورِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ نَسَبٌ، إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَالُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مُشْتَهَرًا مِثْلَ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ.
42- وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ الِاسْتِفَاضَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ أَمْرٌ لَا مَدْخَلَ لِلرُّؤْيَةِ فِيهِ، وَغَايَةُ الْمُمْكِنِ رُؤْيَةُ الْوِلَادَةِ عَلَى الْفِرَاشِ، لَكِنَّ النَّسَبَ إِلَى الْأَجْدَادِ الْمُتَوَفَّيْنَ وَالْقَبَائِلِ الْقَدِيمَةِ لَا تَتَحَقَّقُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ، فَدَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى اعْتِمَادِ الِاسْتِفَاضَةِ، وَلَوْ مِنَ الْأُمِّ قِيَاسًا عَلَى الْأَبِ.
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ مِمَّا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ- وَهُوَ الِاسْتِفَاضَةُ- النَّسَبُ، وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالتَّسَامُعِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ ابْنُ فُلَانٍ، أَوْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ- إِذَا عَرَفَهَا بِعَيْنِهَا- بِنْتُ فُلَانٍ، أَوْ أَنَّهُمَا مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا.وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنَ الْأُمِّ بِالتَّسَامُعِ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: قَطْعًا كَالْأَبِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ إِمْكَانُ رُؤْيَةِ الْوِلَادَةِ.
ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فِي صِفَةِ التَّسَامُعِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْمَعَ الشَّاهِدُ الْمَشْهُودَ بِنَسَبِهِ، فَيُنْسَبُ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ أَوِ الْقَبِيلَةِ، وَالنَّاسُ يَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ التَّكْرَارُ وَامْتِدَادُ مُدَّةِ السَّمَاعِ؟ قَالَ كَثِيرُونَ: نَعَمْ، وَبِهَذَا أَجَابَ الصَّيْمَرِيُّ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا، بَلْ لَوْ سَمِعَ انْتِسَابَ الشَّخْصِ وَحَضَرَ جَمَاعَةً لَا يَرْتَابُ فِي صِدْقِهِمْ فَأَخْبَرُوهُ بِنَسَبِهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، جَازَ لَهُ الشَّهَادَةُ، وَرَأَى ابْنُ كَجٍّ الْقَطْعَ بِهَذَا، وَبِهِ أَجَابَ الْبَغَوِيُّ فِي انْتِسَابِهِ.
وَيُعْتَبَرُ مَعَ انْتِسَابِ الشَّخْصِ وَنِسْبَةِ النَّاسِ أَلاَّ يُعَارِضَهُمَا مَا يُورِثُ تُهْمَةً وَرِيبَةً، فَلَوْ كَانَ الْمَنْسُوبُ إِلَيْهِ حَيًّا وَأَنْكَرَ لَمْ تَجُزِ الشَّهَادَةُ، وَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا جَازَتْ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ كَانَ مَيِّتًا.وَلَوْ طَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ النَّسَبِ، هَلْ يُمْنَعُ جَوَازُ الشَّهَادَةِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، لِاخْتِلَافِ الظَّنِّ.
وَالْمُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِفَاضَةِ أَوْجُهٌ:
الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَصَحُّهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ يَقَعُ الْعِلْمُ أَوِ الظَّنُّ الْقَوِيُّ بِخَبَرِهِمْ وَيُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْغَزَالِيُّ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ.
وَالثَّانِي: يَكْفِي عَدْلَانِ، اخْتَارَهُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمَالَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ.
وَالثَّالِثُ: يَكْفِي خَبَرُ وَاحِدٍ إِذَا سَكَنَ الْقَلْبُ إِلَيْهِ، حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ.فَعَلَى الْأُولَى يَنْبَغِي أَلاَّ يُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ وَلَا الْحُرِّيَّةُ وَلَا الذُّكُورَةُ.
وَلَوْ سَمِعَ رَجُلًا لآِخَرَ: هَذَا ابْنِي وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ أَوْ قَالَ: أَنَا ابْنُ فُلَانٍ، وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ، قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَصْحَابِ: يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ عَلَى النَّسَبِ، وَكَذَا لَوِ اسْتَلْحَقَ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا وَسَكَتَ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي النَّسَبِ كَالْإِقْرَارِ، وَفِي الْمُهَذَّبِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ عِنْدَ السُّكُوتِ إِلاَّ إِذَا تَكَرَّرَ عِنْدَهُ الْإِقْرَارُ وَالسُّكُوتُ، وَالَّذِي أَجَابَ بِهِ الْغَزَالِيُّ: أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّسَبِ بِذَلِكَ، بَلْ يَشْهَدُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَهَذَا قِيَاسٌ ظَاهِرٌ.
43- وَيُوَافِقُ الْحَنَابِلَةُ الشَّافِعِيَّةَ كَذَلِكَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ أَوِ الِاسْتِفَاضَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّسَبِ.جَاءَ فِي الْمُغْنِي: وَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَاسْتَقَرَّتْ مَعْرِفَتُهُ فِي قَلْبِهِ شَهِدَ بِهِ، وَهُوَ مَا يَعْلَمُهُ بِالِاسْتِفَاضَةِ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِهَا فِي النَّسَبِ وَالْوِلَادَةِ.
وَكَلَامُ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ يَقْتَضِي أَلاَّ يَشْهَدَ بِالِاسْتِفَاضَةِ حَتَّى تَكْثُرَ بِهِ الْأَخْبَارُ وَيَسْمَعَهُ مِنْ عَدَدٍ كَثِيرٍ يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ، يَقُولُ الْخِرَقِيُّ: فِيمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَاسْتَقَرَّتْ مَعْرِفَتُهُ فِي الْقَلْبِ، يَعْنِي حَصَلَ الْعِلْمُ بِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي «الْمُجَرَّدِ» أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَسْمَعَ مِنَ اثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ وَيَسْكُنَ قَلْبُهُ إِلَى خَبَرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَثْبُتُ بِقَوْلِ اثْنَيْنِ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ لَفْظُ الِاسْتِفَاضَةِ، فَإِنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ فَيْضِ الْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوِ اكْتَفَى فِيهِ بِقَوْلِ اثْنَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِيهِ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ، وَإِذَا سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِصَبِيٍّ: هَذَا ابْنِي، جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِنَسَبِهِ، وَإِنْ سَمِعَ الصَّبِيَّ يَقُولُ: هَذَا أَبِي، وَالرَّجُلُ يَسْمَعُهُ فَسَكَتَ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْأَبِ إِقْرَارٌ لَهُ، وَالْإِقْرَارُ يُثْبِتُ النَّسَبَ فَجَازَتِ الشَّهَادَةُ، وَإِنَّمَا أُقِيمَ السُّكُوتُ هَهُنَا مَقَامَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الِانْتِسَابِ الْبَاطِلِ جَائِزٌ بِخِلَافِ سَائِرِ الدَّعَاوِي، وَلِأَنَّ النَّسَبَ يَغْلِبُ فِيهِ الْإِثْبَاتُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ فِي النِّكَاحِ؟ وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَلاَّ يَشْهَدَ مَعَ السُّكُوتِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ حَقِيقِيٍّ، وَإِنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَهُ، فَاعْتُبِرَتْ تَقْوِيَتُهُ بِالتَّكْرَارِ، كَمَا اعْتُبِرَتْ تَقْوِيَةُ الْيَدِ فِي الْعَقَارِ بِالِاسْتِمْرَارِ.
ط- حُكْمُ الْقَاضِي:
44- يُعَدُّ حُكْمُ الْقَاضِي بِالنَّسَبِ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ لَا يُذْكَرُ فِيهِ مُسْتَنَدُ الْحُكْمِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي حُكْمِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ، وَأَصْلُهُ قَوْلُ سُحْنُونٍ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاضِي فِيمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مَجْلِسُ حُكْمِهِ، وَلِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ قَدْ يَكُونُ مُخْتَلِفًا فِي اعْتِبَارِهِ مُسْتَنَدًا، فَإِذَا حَكَمَ بِمُقْتَضَاهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ فِيهِ، وَكَانَ الْحُكْمُ طَرِيقَ الثُّبُوتِ.
وَفِي الْفِقْهِ الْمَالِكِيِّ يَكْثُرُ التَّنْبِيهُ فِي نَوَازِلِ النَّسَبِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي بِالْإِرْثِ لِمُدَّعِي النَّسَبِ فِي الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا يُمْضَى، فَإِذَا وَقَعَ الِاسْتِظْهَارُ بِحُكْمِ قَاضٍ بِثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدٍ غَيْرِهِ مَذْكُورٍ فِيهِ مُسْتَنَدُ الْحَاكِمِ لَمْ يَسَعِ الْقَاضِي- الْمُسْتَظْهَرُ لَدَيْهِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ- إِلاَّ أَنْ يَقُولَ: ثَبَتَ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْقَاضِي فُلَانٍ.
قَالَ الْجَزِيرِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِذَا انْصَرَمَتِ الْآجَالُ وَعَجَزَ الطَّالِبُ عَجَّزَهُ الْقَاضِي وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ، وَيَصِحُّ التَّعْجِيزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُدْعَى فِيهِ إِلاَّ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ: الدِّمَاءَ، وَالْأَحْبَاسَ، وَالْعِتْقَ، وَالطَّلَاقَ، وَالنَّسَبَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ.
وَضَابِطُهُ كُلُّ حَقٍّ لَيْسَ لِمُدَّعِيهِ إِسْقَاطُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَمِنْهَا دَعْوَى نَسَبٍ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِبَيِّنَةٍ، وَلَمْ يَأْتِ بِهَا بَعْدَ التَّلَوُّمِ، فَلَا يُعَجَّزُ، فَمَتَى أَقَامَهَا
حُكِمَ عَلَى مُقْتَضَاهَا وَفَصَّلَ الدُّسُوقِيُّ فَقَالَ: فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَجِّزَ طَالِبَ إِثْبَاتِ النَّسَبِ سَوَاءٌ اعْتَرَفَ بِالْعَجْزِ أَوِ ادَّعَى أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً، وَطَلَبَ الْإِمْهَالَ لَهَا وَأُنْظِرَ فَلَمْ يَأْتِ بِهَا، فَإِنْ عَجَّزَهُ كَانَ حُكْمُهُ بِالتَّعْجِيزِ غَيْرَ مَاضٍ، فَإِذَا قَالَ مُدَّعِي النَّسَبِ: لِي بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، وَأُمْهِلَ لِلْإِتْيَانِ بِهَا فَتَبَيَّنَ لَدَدُهُ، حَكَمَ الْحَاكِمُ بِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَلَا يَحْكُمُ بِتَعْجِيزِ ذَلِكَ الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَكَمَ بِعَجْزِهِ كَانَ حُكْمُهُ غَيْرَ مَاضٍ، وَأَمَّا طَالِبُ نَفْيِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يُمْضِي حُكْمَهُ بِتَعْجِيزِهِ فِي النَّسَبِ، فَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِمُدَّعِي النَّسَبِ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: عِنْدِي بَيِّنَةٌ تَجْرَحُ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي، فَإِذَا أُمْهِلَ وَتَبَيَّنَ لَدَدُهُ حَكَمَ الْقَاضِي بِثُبُوتِ النَّسَبِ وَتَعْجِيزِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِذَا عَجَّزَهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، كَذَا قَالَ الْجِيزِيُّ وَارْتَضَاهُ الْبُنَانِيُّ، وَقَالَ عَلِيٌّ الْأَجْهُورِيُّ: إِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَالْمُدَّعِي فِي النَّسَبِ لَيْسَ لِلْقَاضِي تَعْجِيزُهُ أَصْلًا فِيهَا.
وَحُكْمُ الْقَاضِي بِثُبُوتِ النَّسَبِ يَنْفُذُ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْحَاضِرِ حُكْمٌ عَلَى الْغَائِبِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا النَّسَبُ.
وَالْمُرَادُ بِالْغَائِبِ: مَنْ لَمْ يُخَاصِمْ فِي النَّازِلَةِ الْمَقْضِيِّ فِيهَا أَصْلًا، أَوْ لَمْ يَحْضُرْ عِنْدَ صُدُورِ الْحُكْمِ مِنَ الْقَاضِي، وَفَسَّرُوهُ بِأَنَّهُ مَنْ ثَبَتَتْ غَيْبَتُهُ بِالْبَيِّنَةِ، سَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا وَقْتَ إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَبَعْدَ التَّزْكِيَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا عَنِ الْمَجْلِسِ أَوْ عَنِ الْبَلَدِ، وَأَمَّا إِذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي الْبَيِّنَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي الْإِقْرَارِ عِنْدَ الْقَاضِي.
ي- ثُبُوتُ النَّسَبِ بِدَعْوَى الْحِسْبَةِ:
45- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ بِدَعْوَى الْحِسْبَةِ.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّسَبِ لَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النَّسَبَ حَقٌّ لآِدَمِيٍّ، وَحَقُّهُ لَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ صَغِيرًا فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يُنَصِّبِ الْقَاضِي خَصْمًا عَنِ الصَّغِيرِ لِيَدَّعِيَ النَّسَبَ لَهُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ شَرْعًا؛ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ الْعَاجِزِ عَنْ إِحْيَاءِ حَقِّ نَفْسِهِ، وَالْقَاضِي نُصِبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ شَهَادَةً عَلَى خَصْمٍ أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى نَسَبِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ مِنْ رَجُلٍ وَأَنْكَرَ الرَّجُلُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهَا النَّسَبُ؛ لِأَنَّ فِي وَصْلِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى.
التَّحْكِيمُ فِي النَّسَبِ:
46- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي نَسَبٍ لِأَبٍ؛ لِخَطَرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِ الْخَصْمَيْنِ بِهَا وَهُوَ الْآدَمِيُّ، لَكِنَّهُ إِنْ حَكَمَ فِي نَسَبٍ مَضَى حُكْمُهُ إِنْ كَانَ صَوَابًا، فَلَا يَنْقُضُهُ الْإِمَامُ وَلَا الْقَاضِي قَالَ أَصْبَغُ: وَلَا يَنْبَغِي التَّحْكِيمُ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهُ لِلْإِمَامِ، زَادَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَصْبَغَ: فَإِنْ حَكَّمَاهُ فِي ذَلِكَ نَفَذَ حُكْمُهُ.
التَّحْلِيفُ فِي دَعْوَى النَّسَبِ:
47- يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ فِي نَسَبٍ، بِأَنِ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولٍ أَنَّهُ ابْنُهُ وَبِالْعَكْسِ.وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَقِيلَ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ رَآهُ مُتَعَنِّتًا يُحَلِّفُهُ وَيَأْخُذُهُ بِقَوْلِهِمَا، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا لَا يُحَلِّفُهُ أَخْذًا بِقَوْلِهِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
62-الغريبين في القرآن والحديث (شرف)
(شرف)في الحديث (أمرنا بالأضاحي أن تستشرف العين والأذن) أي نتأمل سلامتهما من آفة بهما، كالعور والجدع، ويقال: استشرفت الشيء واستكففته كلاهما أن تضع يدك على حاجبك كالذي يستظل من الشمس حتى يستبين الشيء.
ومنه حديث أبي طلحة (أنه كان حسن الرمي فكان إذا رمى استشرفه النبي - صلى الله عليه وسلم - لينظر إلى موضع نبله).
ومنه قول أبي عبيدة لعمر رضي الله عنهما (ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك) وقال شمر: الشرفة: خيار المال والجمع شرف، فيكون المعنى على هذا (أمرنا أن نتخير) يعني الأضاحي.
وفي الحديث (لا تتشرفوا للبلاء) أي لا تطلعوا إليه.
وفي حديث سطيح (يسكن مشارف الشام) هي كل قرية بين بلاد الريف وجزيرة العرب، قيل لها ذلك لأنها أشرفت على السواد، ويقال لها أيضًا المزارع والبراغيل.
وفي حديث ابن زمل (وإذا أمام ذلك ناقة عجفاء شارف) قال القتيبي: هي المسنة من النوق وكذلك الناب ولا يقالان للذكر.
وفي الحديث (ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف فخذه).
قال الفراء: أشرفت على الشيء علوته، وأشرفت على الشيء اطلعت عليه من فوق، يقال ما يشرف له شيء إلا أخذه كأنه أراد وأنت غير طامع فيه ولا متطلع إليه.
وفي حديث ابن عباس (أمرنا أن نبنى المدائن شرفًا والمساجد جما) أراد بالشرف التي طولت أبنيتها بالشرف، الواحدة شرفة.
(وقيل للأعمش: لم لم تستكثر من الشعبي؟) فقال: كان يحتقرني، كنت آتيه مع إبراهيم فيرحب به ويقول لي: اقعد ثم أيها العبد ثم أنشأ يقول:
«لا ترفع العبد فوق سنته *** ما دام فينا بأرضنا شرف»
أي شريف، يقال: هو شرف قومه أي شريفهم وكريم قومه أي كريمهم وشرف كل شيء أعلاه، ويقال للشام شرف.
وفي الحديث (إذا كان كذا وكذا إلى أن تخرج لكم الشرف الجون قالوا يا رسول الله ما الشرف الجون؟ قال: فتن كقطع الليل المظلم) قال أبو بكر: الشرف جمع شارف، وهي الناقة الهرمة، شبه الفتن في اتصالها وامتداد أوقاتها بالشرف من الإبل والجون السود واحدتهما جونة، وفي رواية أخرى (الشرق الجون) بالقاف وهو جمع شارق، وهو الذي يأتي من ناحية المشرق، وشرف جمع شارف وهو نادر، ولم يأت منه إلا أحرف معدودة باذل مبذل، وحائل وحول وعائذ وعوذ وعائظ وعوط.
وفي الحديث: (ألا يا حمز للشرف النواء وهن معقلات بالفناء)
لشرف المسان من الإبل النواء، السمان والني السمن وقد نوت الناقة تنوى نواية ونواية.
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
63-التعريفات الفقهية (الضحى)
الضحى: انبساطُ الشمس وامتدادُ النهار.التعريفات الفقهية-محمد عميم الإحسان-صدر: 1407هـ/1986م
64-لغة الفقهاء (الضحى)
الضحى: بضم ففتح، انبساط الشمس وامتداد النهار.[*] أول وقت الضحى من ارتفاع الشمس مقدار رمح إلى أن يبقى لاستوائها في كبد السماء مقدار رمح، ويقدر ذلك بنحو عشرين دقيقة... Forenoon
[*] الضحوة الكبرى: منتصف النهار الشرعي من الفجر إلى الغروب.
معجم لغة الفقهاء-محمد رواس قلعه جي/حامد صادق قنيبي-صدر: 1405هـ/1985م
65-تاج العروس (سبت)
[سبت]: السَّبْت: الرَّاحَةُ والسُّكونُ، والقَطْعُ، وتَرْكُ الأَعْمَالِ. وسَبَتَ، يَسْبُتُ، سَبْتًا: استراحَ، وسَكَنَ.وَسَبَتَ الشّيْءَ، وَسَبَّتَهُ: قَطَعَه، وخَصّ اللِّحْيَانيُّ به الأَعْنَاقَ.
وسَبَتَتِ اللُّقْمَةُ حَلْقِي، وسَبَّتَتْهُ: قَطَعَتْهُ، والتَّخفيف أَكثرُ.
والسَّبْتُ، والسُّبَات: الدَّهْرُ، وسيأْتي ما يَتعلَّق به.
والسَّبْتُ: الحَلْقُ، وفي الصِّحاح: حَلْقُ الرَّأْسِ، سَبَتَ رَأْسَهُ وشَعَرَه، يَسْبُتُهُ، سَبْتًا، وسَلَتَهُ، وسَبَدَهُ: حَلَقَهُ.
والسَّبْتُ: إِرْسَالُ الشَّعَرِ عن العَقْصِ.
والسَّبْتُ: السَّيْرُ السَّرِيعُ، وأَنشد لِحُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ يمدحُ عبدَ اللهِ بْنَ جعفر:
وَمَطْوِيَّة الأَقْراب أَمّا نَهارُهَا *** فَسَبْتٌ وأَمّا لَيْلُهَا فذَمِيلُ
والسَّبْتُ: سَيرٌ فَوقَ العَنَقِ. وقال أَبو عَمْرٍو: هو العَنَقُ، وقيل: هو ضَرْبٌ من السَّيْر. وفي نسخة: سَيْرٌ للإِبِل.
وسَبتَتْ، تَسْبِتُ، سَبْتًا، وهي سَبُوتٌ؛ قال رُؤبَةُ:
يَمشِي بِها ذُو المِرّةِ السَّبُوتُ *** وَهْوَ مِنَ الأَيْنِ خَفٍ نَحِيتُ
والسَّبْتُ: الحَيْرَةُ والإِطراقُ. والسَّبْتُ: السَّبْقُ في العَدْوِ.
والسَّبْتُ: الفَرَسُ الجَوَادُ الكثيرُ العَدْوِ. والسَّبْتُ: الغُلامُ العَارِمُ الجَرِيّ أَي كثير الجَرْيِ.
والسَّبْتُ: ضَرْبُ العُنُقِ، ومن المجاز: سَبَتَ عِلَاوَتَهُ: ضَرَبَ عُنُقَهُ. والسَّبْتُ يَوْمٌ من الأُسْبُوعِ معروفٌ، وهو السابعُ منه، وإِنَّمَا سُمِّيَ به، لأَنَّ الله تعالَى ابتدأَ الخَلْقَ فيه، وقَطَعَ فيه بعضَ خَلْقِ الأَرْض. ويُقَال: أُمِرَ فيه بنو إِسرائيلَ بقطع الأَعْمَال وتَرْكِها. وفي المحكم: إِنّمَا سُمِّيَ سَبْتًا، لأَن ابتداءَ الخلْق كان من يوم الأَحَد إِلى يوم الجُمْعَة، ولم يكن في السَّبْت شيءٌ من الخَلْق قالوا: فأَصبحتْ يومَ السَّبت مُنْسَبِتَةً، أَي: قد تَمَّتْ وانقَطَعَ العملُ فيها. وقيل: سُمِّيَ بذلك، لأَنَّ اليهودَ كانوا يَنقطعون فيه عن العَمل والتَّصَرُف، ج: أَسْبُتٌ، وسُبُوتٌ. قال الأَزهريّ: وأَخطأَ من قال: سُمِّيَ السَّبتَ، لأَنَّ اللهَ أَمَرَ بني إِسرائِيلَ فيه بالاستراحة؛ وخَلَقَ هو، عَزّ وجَلَّ، {السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ}، آخِرُهَا يومُ الجُمُعَة، ثم استراحَ، وانقطعَ العملُ، فسُمِّيَ السّابعُ يومَ السَّبْت. قال: وهذا خطأٌ، لأَنه لا يُعْلَمُ في كلام العرب سَبَتَ، بمعنى استراحَ؛ وإِنَّمَا معنى سَبَتَ: قَطَعَ، ولا يُوصَفُ الله تعالَى وتَقَدَّسَ بالاستراحَة؛ لأَنّه لا يَتعَبُ، والرّاحَةُ لا تكون إِلّا بعد تَعَبٍ وشُغل، وكِلاهما زائلٌ عن الله تعالى. قال: واتَّفَقَ أَهلُ العِلْم على أَنَّ الله تعالَى ابتدأَ الخلقَ يومَ السَّبْتِ، ولم يَخْلُقْ يومَ الجُمْعَة سماءً ولا أَرضًا. قال: والدَّلِيلُ على صِحَّة ما قال، ما رُوِيَ عن عبد الله بْنِ عُمَرَ، قال: «خَلَقَ اللهُ التراب يوم السَّبْتِ، وخلق الحِجارةَ يومَ الأَحَد، وخلق السُّحُبَ يومَ الاثْنَيْنِ، وخلق الكُرومَ يومَ الثُّلاثاءِ، وخلق الملائكةَ يومَ الأَرْبعاءِ، وخلق الدَّوابَّ يوم الخَمِيس، وخلق آدَمَ يومَ الجُمُعَة، فيما بينَ العصر وغروب الشَّمْس». قال شيخُنا: وصحّح في شرح المُهَذَّبِ أَنَّ أَوّل الأُسبوع الأَحدُ، لِما رواه عبدُ اللهِ بن سلامٍ: «إِنّ الله ابتدأَ الخَلْقَ، فخَلَقَ الأَرْضَ يومَ الأَحَد والاثنين؛ والسَّمواتِ يومَ الثُّلاثاءِ والأَربِعاءِ؛ وما بينهما يومَ الخَمِيس والجُمُعَة».
قال القُرْطُبِيّ: وهو قولُ ابنِ مسعود، وغيرِه من الصَّحابة. وتَعَقَّب البَيْهَقِيُّ ما رواه مُسْلِمٌ؛ أَي حديث «خَلَقَ الله التُّرْبةَ يومَ السَّبْت»، الحديثَ، بأَنَّه لا يُحْفَظُ، ومُخَالِفٌ لِأَهْل النَّقْل والحديثِ. قال: وهو الَّذِي جزَمَ به أَبُو عُبَيْدَةَ، وقالَ: إِنَّ السَّبْتَ هو آخِرُ الأَيّام، وإِنَّمَا سُمِّيَ سَبْتًا: لأَنَّهُ سُبِتَ فيه خَلْقُ كُلِّ شيْءٍ وعَمَلَه، أَي: قُطِعَ، وبه جزم في التفسير في البَقَرة. وقال الجوهَرِيُّ: وسُمِّيَ يومَ السَّبْت، لِانْقطَاع الأَيّام عندَه. وقال السُّهَيْلِيّ. في الرَّوْض: لم يَقُلْ بأَنَّ أَوَّلَهُ الأَحَدُ، إِلّا ابْنُ جَرِيرٍ، واستدلّ له في شرحِ المُهَذَّب بخَبَرِ مُسْلم عن أَبي هُرَيْرَةَ السّابق، ولهذا الخَبَر صَوَّب الإِسْنَوِيُّ ـ كالسُّهَيْلِيِّ، وابن عَسَاكرٍ ـ أَنّ أَوّلَهُ السَّبْت، انتهى. والسَّبْتُ: الرَّجُلُ الكَثِيرُ السُّبَاتِ، أَي: النَّوْم. والسَّبْت: الرَّجُلُ الدَّاهِيَةُ المُطْرِقُ كالسُّباتِ، بالضَّمِّ.
والسَّبْتُ: قِيامُ اليَّهُودِ، لعَنَهُم الله تعَالى، بأَمْرِ السَّبْت. وفي لسان العرب: بأَمْرِ سَبْتِهَا. وقد سَبَتوا، يَسْبِتُون، ويَسْبُتُون. قال تعَالى: {وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ}، والفِعْل: كَنَصَرَ، وضَرَبَ.
قال شيخُنَا: قَضِيَّتُه أَنّ المصادرَ السّابقة كُلَّها في جميع المعاني يُبْنَى منها الفعلُ بالوَجْهَيْنِ، والّذي في الصِّحاح أَنَّ الجميعَ بالكَسْر، ولا يُضَمُّ إِلّا في: سَبَت، إِذا نامَ. قلتُ: وكذلك في: سَبَتَ اليهودُ، فإِنّه يُرْوَى فِعْلُه بالوَجْهينِ كما تقدّم.
والسِّبْتُ، بالكَسْرِ: جُلُودُ البَقَر مَدبوغَةً كانَتْ أَو غَيْرَ مَدْبُوغَةٍ كذا في المُحْكَم. ونقْلَه غيرُه عن أَبي زيد. وقال أَبو حَنِيفَةَ، عن الأَصمعيّ وأَبي زيد: لا يكونُ السِّبْتُ إِلّا من جِلْدِ بقرِ مَدْبوغ.
والسِّبْتُ، أَيضًا: كُلُّ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ، أَو المدبوغُ بالقَرَظِ. وفي الصِّحاح: السِّبْتُ: جُلودُ البقَرِ المدبوغةُ بالقَرَظ. تُحْذَى مِنه النِّعالُ السِّبْتِيّةُ، انتهى. وقال أَبو عَمْرٍو: كُلّ مدبوغٍ فهو سِبْتٌ. قيل: مأْخُوذٌ من السَّبْت، وهو الخَلْق.
وفي الحديث: أَنّ النَّبيَّ، صلى الله عليه وسلم، رأَى رَجُلًا يمشي بينَ القُبُورِ في نَعْلَيْهِ، فقال: «يا صاحِبَ السِّبْتَيْنِ، اخْلَعْ سِبْتَيْكِ» قال الأَصمَعيّ: السِّبْتُ: الجِلْدُ المدبوغُ، قال: فإِن كانَ عَلَيْه شَعَرٌ، أَو صُوفٌ، أَو وَبَرٌ، فهو مُصْحَبٌ.
وقال أَبو عَمْرو: النِّعَالُ السِّبْتِيَّة: هي المدبوغة بالقَرَظ.
قال الأَزهريّ: وحديثُ النَّبيّ، صلى الله عليه وسلم، يدُلُّ على أَنّ السِّبْتَ ما لا شَعَرَ عليه؛ وقالَ عَنْتَرَةُ:
بَطَلٌ كأَنَّ ثِيَابَهُ في سَرْحَةٍ *** يُحْذَى نِعَالَ السَّبْتِ ليس بَتَوْأَمِ
مَدَحه بأَرْبَعِ خِصالٍ كِرام: أَحدهَا أَنّه جعله بطلًا أَي شجاعًا، الثاني أَنَّه جعلَه طويلًا، شَبَّهَه بالسَّرْحَة؛ الثّالِث أَنّه جعله شريفًا لِلُبْسه نِعَالَ السِّبْتِ؛ الرابع أَنّه جَعلَه تامَّ الخَلْقِ نامِيًا، لأَنَّ التَّوْأَم [يكون] أَنقصَ خَلْقًا وقُوَّةً وعَقْلًا وخُلُقًا. كذا في اللسان.
وفي الحديث: أَنّ عُبَيْدَ بْنَ جُرَيْج قال لابْنِ عُمَرَ: رأَيتُك تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، فقال: رأَيتُ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، يَلْبَس النِّعالَ التي ليس عليها شَعَرٌ، ويَتوَضَّأُ فيها، فأَنا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَها.
قال: إِنّمَا اعترضَ عليه، لأَنَّها نِعالُ أَهلِ النَّعْمَة والسَّعَة. وفي التَّهْذِيب: كأَنّها سُمّيَت سِبْتِيَّةً، لأَنّ شَعرَها قد سُبِتَ عنها؛ أَي حُلِقَ وأُزِيلَ بِعِلاجٍ من الدِّباغ معلومٍ [عند دَبَّاغِيها] ومثلُه في الصِّحاح وقال ابنُ الأَعْرَابي: سُمِّيت النِّعَالُ المدبوغَةُ سِبْتِيَّةً، لأَنّها انسبتَتْ بالدِّباغ أَي لَانَتْ، وهو قول الهَرَوِيّ.
ومن المجاز: اخْلعْ سِبْتَيْك. وأَرُوني سِبْتَيَّ، كما في الأَساس. وهو مثل قولهم: فلانٌ يَلْبَس الصّوفَ والقُطْن والإِبْرِيسَمَ؛ أَي الثِّيَابَ المتَّخذة منها، كذا في النهاية.
ويُرْوَى: يا صاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ، على النَّسَب. وهكذا وُجِدَ بخطّ الأَزهريّ في كتابه. وإِنّمَا أَمَرَه بالخَلْعِ احترامًا للمَقابر، لأَنَّه [كان] يَمشِي بينها. وقيل: كان بها قذَرٌ، أَو لاخْتِيَالِه في مَشْيِه. كذا في اللِّسان.
قلتُ: وعلى قولِ ابنِ الأَعرَابيّ، والّذِي قبْلَه في التَّهْذِيب، يَنبغي أَن يكون بفتح السِّين، وكذا ما نقله ابنُ التِّين عن الدَّاوُوديّ أَنّهَا منسوبةٌ إِلى سُوقِ السَّبْتِ. وفي المنتَهى: أَنَّها منسوبةٌ للسُّبْت، بالضَّمّ، وهو نَبْتٌ يُدْبَغُ به، فيكون بالفتح، إِلّا أَنْ يكون من تَغييرات النَّسَب. وأَوردَه شيخُنا.
والسُّبْتُ، بالضَّمِّ: نَبَاتٌ كالخِطْمِيِّ، عن كُراع، ويُفْتحُ؛ أَنشد قُطْربٌ:
وأَرْض يَحارُ بها المُدْلِجونَ *** تَرى السُّبْتَ فِيهَا كرُكْنِ الكثِيبِ
والمُسبِتُ، كمُحْسِنٍ: الَّذِي لا يَتَحرَّكُ، وقد أَسْبَتَ. و: الدَّاخِلُ في يَوْمِ السَّبْتِ، هكذا في سائر النُّسَخ، والأَوْلَى «في السَّبْتِ» من غيرِ لفظِ «يوم» كما هو في الصِّحاح واللّسان وغيرِهما؛ لأَنّ الْمُرادَ بالسَّبْتِ هُنا قيامُ اليهود بأَ0مْرِه، لا اليوم، وقد أَسْبَتُوا. فتأَمّلْ.
والسُّبَات، كغَرَابٍ: النَّوْمُ، وأَصلُه الرّاحَةُ، تقولُ منه: سَبَتَ يَسْبُت، هذه بالضَّمّ وحدَهَا. وعن ابن الأَعْرَابِيّ في قوله، عَزَّ وجَلَّ: {وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتًا}، أَي: قَطْعًا.
والسَّبْتُ: القَطْع، فكأَنّه إِذا نام انقطعَ عن النّاس. وقال الزَّجّاجُ: السُّبَات: أَنْ يَنقطِعَ عن الحَركة والرُّوح في بَدَنه، أَي: جَعَلْنا نَومكم راحةً لكم أَو السُّبَات: خِفَّتُه أَي النَّوْمِ، كالغَشْيَة، أَو ابْتداؤُهُ؛ أَي النَّوْمِ في الرَّأْسِ حَتَّى يَبْلُغَ القلْبَ، قاله ثعلب.
ورجلٌ مَسْبُوتٌ، من السُّبات، وقد سُبِتَ، عن ابْن الأَعرابيّ؛ وأَنشد:
وَترَكَتْ راعِيَهَا مَسْبُوتًا *** قَدْ هَمَّ لمّا نامَ أَنْ يَمُوتَا
وفي التَّهْذِيب: والسَّبْتُ: السُّبات، وأَنشد للأَصمعيّ:
يُصْبِحُ مَخْمورًا ويُمْسِي سَبْتًا
أَي مَسْبُوتًا.
ويُقال: سُبِتَ المريضُ، فهو مسبوتٌ وفي حديثِ عَمْرِو بن مسعودٍ، قال لمُعاوِيَةَ: «ما تَسأَلُ عن شيخٍ نَوْمُهُ سُبَاتٌ، ولَيْلُهُ هُبَاتٌ» السُّبات: نومُ المريضِ والشَّيْخِ المُسِنّ، وهو النَّوْمَةُ الخفِيفة.
والسُّبات: الدَّهْرُ كالسَّبْتِ، ولو ذكرَه عند السَّبْت، بقوله كالسُّباتِ كان أَلْيَقَ بصَنْعته.
وسُباتٌ، بِلا لامٍ: لقبُ إِبراهيِمَ بْنِ دُبَيْسٍ الحَدَّاد المُحَدِّث عن مُحَمّدِ بن الجَهْم السّمري.
والسَّبْتُ: بُرْهَةٌ من الدَّهْر، قال لبِيدٌ:
وغَنِيتُ سَبْتًا قبلَ مَجْرَى داحِسٍ *** لوْ كان للنَّفْسِ اللَّجُوجِ خُلُودُ
وأَقمْتُ سَبْتًا، وسَبْتَةً، وسنْبَتًا، وسنْبَتَةً، أَي: بُرْهَةً من الدَّهْر.
وكفْرُ سَبْتٍ: موضع بالشّامِ بين طَبَرِيَّة والرَّمْلِة.
وكذا سُوقُ السَّبْتِ موضِعٌ آخَرُ. وابنَا سُبَاتٍ، بالضم: الليلُ والنَّهارُ، قال ابْنُ أَحمر:
وكُنَّا وهُمْ كابْنَيْ سُباتٍ تَفَرَّقَا *** سِوًى ثمَّ كانا مُنْجِدًا وتِهَامِيَا
قالوا: السُّباتُ: الدَّهْرُ، وابناهُ: اللَّيْلُ والنَّهارُ. قال ابنُ بَرِّيّ: ذكر أَبو جعفر محمّدُ بنُ حبيب: أَنّ ابْنيْ سُبَاتٍ رَجُلانِ، رأَى أَحدُهما صاحِبَهُ في المَنام، ثمّ انتبَه وأَحَدُهما بنجْدٍ والآخرُ بتِهامَة. وقال غيرُه: ابْنا سُبَاتٍ أَخَوانِ مَضَى أَحدُهما إِلى مَشْرِقِ الشَّمْسِ ليَنْظُرَ مِنْ أَيْن تَطْلُع، والآخرُ إِلى مَغْرِبِ الشَّمْس لينْظُرَ أَين تَغْرُبُ، كذا في لسان العرب.
والمسْبُوتُ: المَيِّتُ والمَغْشِيّ عليه، وكذلك العَلِيلُ إِذا كان مُلْقًى كالنّائم يُغمِّضُ عَيْنيْه في أَكثرِ أَحْواله: مسبوتٌ، وقد سُبِتَ، كما تقدَّم.
وانْسَبَتتِ الرُّطَبةُ: جَرَى فيها كلِّها الإِرطابُ. وانْسَبَتَ الرُّطَبُ؛ عَمَّه كُلَّه الإِرطابُ. ورُطَبٌ مُنْسَبِتٌ: عمَّه كلَّه الإِرْطابُ.
[و] انْسَبَتتِ الرُّطَبَةُ: أَي لانَتْ [ورُطَبَةٌ] مُنْسَبِتَةٌ، أَي: ليِّنة. والسَّبَنْتَى، والسَّبَنْدَى: الجَرِيءُ المُقْدِمُ من كلّ شيْءٍ، والياءُ للإِلحاق لا للتّأْنيث، أَلا ترَى أَن الهاءَ تَلحَقُه والتّنوين، يقال سَبَنْتَأةٌ وسَبَنْدَاةٌ. قال ابنُ أَحْمَرَ يَصف رَجُلًا:
كأَنَّ اللَّيْلَ لا يَغْسُو عَليْهِ *** إِذا زَجَرَ السَّبَنْتَاةَ الأَمُونَا
يعني النّاقةَ. والسَّبَنْتَى: النَّمِرُ، ويُشْبِه أَنْ يكون سُمِّيَ به لجُرْأَته، وقيل السَّبَنْتَى: الأَسَدُ، والأُنثى بالهاءِ؛ قال الشَّمّاخ يَرْثي عُمَرَ بْنَ الخطّاب، رضِي الله عنه:
جَزَى الله خَيرًا من إِمام وبارَكَتْ *** يَد اللهِ في ذاك الأَديمِ المُمَزَّقِ
وما كُنْتُ أَخْشَى أَنْ تكونَ وَفاته *** بكَفَّيْ سَبَنْتَى أَزْرَقِ العَيْنِ مُطْرِقِ
قال ابنُ بَرِّيّ: هكذا في الأصل، وإِنّما هو لِمُزَرِّدٍ أَخي الشَّمّاخ، ورُوِي لهما. يقول: ما كنتُ أَخْشَى أَن يَقْتُلَهُ أَبو لُؤْلُؤةَ، وأَن يَجْترِئ على قتلِه، والأَزرقُ: العَدُوُّ. وقيل: السَّبَنْتاةُ: الَّلبُؤةُ الجريئة، وقيل: النّاقةُ الجَرِيئةُ الصّدْر، وليس هذا الأَخِيرُ بقَويّ. ج: سَبَانِتُ ومن العرب مَنْ يَجمَعُها سَباتَى.
ويُقالُ للمرأَة السَّليطة: سَبَنْتَاةٌ، ويقال: هي سَبنْتاةٌ، في جلْدِ خَبَندَاة.
والسَّبْتَةُ، بالفتْح: المِعْزَى.
والسِّبْتَانُ، بالكسْرِ: الأَحْمَقُ، والمُتحَيِّرُ الذّاهِبُ اللُّبِّ.
وانْسَبَتَ الخَدُّ: طالَ، وامْتَدَّ مع الِّلينِ.
والسَّبْتَاءُ بالمَدّ: المُنْتَشِرَةُ الأُذُنِ في طُولٍ أَو قِصَرٍ، نقله الصَّاغانيُّ. والسَّبْتَاءُ من الأَرْض: مثلُ الصَّحْرَاء وقيل: أَرضٌ سَبْتاءُ: لا شَجَر فيها. وقال أَبو زيد: السِّبْتاءُ: الصَّحْرَاءُ، والجمع سَبَاتَى.
وأَرْضٌ سَبْتَاءُ: مُستوِيَة.
وسَبْتَةُ: د، بالمَغْرِب في العُدْوَة قُبَالَةَ الأَنْدَلُسِ، وقال الشِّهابُ المَقَّرِيُّ في أَزهار الرِّياض: هي مدينةٌ بساحلِ بحر الزُّقاقِ مشهورةٌ، واخْتُلِف في سَبَبِ تَسميتها بذلك، فقيل: لانْقِطاعها في البحر، من قولك: سَبَتَ الشَّيْءَ، إِذا قَطعَه، وقيل: لأَن مُخْتَطَّها هو سَبْتُ بْنُ سام بْنُ نُوح، وإِليه أَشار لسانُ الدِّين بْنُ الخطِيب التِّلِمْسَانيّ الغَرْناطيّ:
حُيِّيتَ يا مُخْتطَّ سَبْتِ بْنِ نُوحْ *** بكلِّ مُزْنٍ يَغْتدِي أَو يَرُوحْ
مغْنى أَبِي الفَضْلِ عِياض الّذِي *** أَضْحَتْ برَيّاهُ رِيَاضٌ تَفوحْ
وفيها يقول أَبو الحكم مالكُ بْنُ المُرَحَّل من قصيدة طويلة، مَطُلعُها:
سَلامٌ على سَبْتةِ المَغْرِبِ *** أُخَيَّةِ مَكَّةَ واليَثْرِبِ
وفي مدحها يقولُ أَيضًا:
اخْطِر على سَبْتَةَ وانظُرْ إِلى *** جَمالِها تَصْبُو إِلى حُسْنِهِ
كأَنَّها عُودُ غِناءٍ وقدْ *** أُلْقِيَ في البَحْرِ على بَطْنِهِ
قال شيخنا ثم إِنّ المشهور الجاريَ على الأَلْسنة أَنّ النِّسبة إِليها بالفتح على لفْظِها، وجزم الرّشاطيّ أَنّ النِّسبة إِليها: سِبْتِيُّ، بِالكسر. وعندي فيه نظر، وإِنْ قبِلَهُ شُيوخُنا وأَقرُّوه، قياسًا على البَصْرة ونحوه، انتهى.
ومنها أَبو الأَصْبَغ عِيسى بن عَلاءِ بن يَزِيدَ، سَمِع بقُرْطُبَةَ.
وأَبو القاسم مُحَمّدُ بن الفقِيه المُحَدِّث أَبي العَبّاس أَحمدَ بن حَمَدَ بن أَحمدَ اللَّخْمِيّ الغرفيّ، مَلِكُ سَبْتَةَ وابْنُ مَلِكها، روى عن أَبِيه وغيره.
وأَبو الحَسَن عليُّ بْنُ محمّد بْنِ يَحْيَى الحافظ، نزيل مالَقَةَ، رَوَى عن محمّد بْنِ غازِي السَّبْتِيّ، وعنه أَبو جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْر، وأَثنى عليه الاثنانِ. من تاريخ الذهبِيّ.
وأَبو الحَكم مالِكُ بن المُرحَّل، ناظِمُ الفصِيح، أَحدُ شُيُوخ أَبي حَيّان.
والقاضي المحدِّث عِياضُ بْنُ موسى بن عِياضٍ اليَحْصُبِيّ، وهذان من شرح شيخنا.
وفي أَزهار الرّياض: الشَّرِيفُ أَبو العَبّاس أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن أَحمدَ بْنِ طاهرٍ الحُسَيْنِيّ العَلوِيّ، آخِر أَشراف سَبْتةَ، كان معاصرًا لِلِسان الدِّين بن الخَطِيب، وبينهما مُصَادَقَةٌ ومُكاتبَة، وهو من ذُرِّيَّة أَبي الطّاهر الّذي خرَجَ من صِقِلِّيَةَ، وكانت لهم بِسَبتَةَ وَجَاهَةٌ، أَعادَها اللهُ دارَ إِسلامٍ.
وبخطّ ابْنِ خِلِّكان: أَبو العَبّاس أَحْمَد بْنُ هارون الرَّشيدِ العَبّاسِيّ السَّبْتِيّ الزّاهد، قبرُه ببغدادَ، منسوبٌ إِلى يوم السَّبْت؛ لأَنَّه تركَ الدُّنيا، ورَمَى ولايَته، وكان يَتكسَّبُ بيدِه في يوم السّبت، ويُنْفِقُه في بقيّة الأُسبوع، ويتفرّغ للعبادة، تُوُفّيَ سنة 283، وذكره ابنُ الجوْزي في صفة الصّفوة.
والسَّبِتُّ، كَفِلزٍّ: الشِّبِتُّ بوزنه، وسيأْتي في الشِّين، وهما مُعَرَّبَا شِوِذَّا، بكسر الشّين والواو؛ وقال أَبو حنيفةَ: السِّبِتُّ نَبتٌ، معرَّبٌ من شِبِتٍّ، قال: وزعَم بعضُ الرُّواة أَنّه السَّنُّوتُ، كذا في اللّسان. وقرأْتُ في كتابِ المُعَرَّب للجَوالِيقيّ، ما نصه: قال الأَزْهريُّ: وأَمَّا الشِبِتّ، لهذه البَقْلةِ المعروفة، فهي مُعَرّبة. قال: وسَمِعتُ أَهل البَحْرَيْنِ يقولون لها «سِبِتٌّ» بالسّين غيرَ معجمةٍ وبالتّاءِ، وأَصلها بالفارسيّة شِوِذْ، وفيها لُغَة أُخرَى: سِبِط، بالطّاءِ، انتهى.
وفي الحِلْيَةِ الشّرِيفَة: كان في وَجْهِهِ انْسِباتٌ، أَي: طُولٌ وامْتِدادٌ، نقله الصّاغَانيّ.
* ومِمّا يُسْتَدرَكُ عَليْه: أَسْبَتَتِ الحَيَّةُ، إِسْبَاتًا: إِذا أَطْرَقَ لا يَتَحَرَّكُ، وقال:
أَصَمُّ أَعْمَى لا يُجِيبُ الرُّقَى *** من طُولِ إِطْرَاقٍ وإِسْبَاتٍ
والسَّبْتُ: الأُسبُوع، [و] في الحديث: «فما رأَينا الشَّمْسَ سَبْتًا» قيل: أَرادَ أُسْبُوعًا، من السَّبْت إِلى السَّبْت، فأَطلقَ عليه اسمَ اليوم، كما يُقَال: عِشرونَ خَرِيفًا، ويُراد عِشْرُونَ سَنةً. وقيل: أَراد بالسَّبْتِ: مُدّةً من الزّمان، قليلةً كانت أَو كثيرَةً. وقد تقدّم.
وحكى ثَعْلَب عن ابن الأَعرابيّ: لا تَكُ سَبْتِيًّا؛ أَي ممّن يَصوم السَّبْتَ وَحْدَهُ.
ومن الأَعْلام: أَبو محمّدٍ سَبْتِيُّ بنُ أَبي بكرِ بْنِ صَدَقةَ البغداديّ، من شُيوخ الدِّمْياطيّ، هكذا قَيَّده في مُعجَمه بلفظ النِّسْبَة، كمَكِّيٍّ وحَرَمِيٍّ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
66-تاج العروس (زج زجج زجزج)
[زجج]: الزُّجُّ، بِالضمّ: طَرَفُ المِرْفَقِ المحدَّدُ وإِبرَةُ الذِّراعِ الّتي يَذْرَعُ الزَّارعُ من عِندها؛ قاله الأَصمعيّ.وفي الأَساس: ومن المجاز: اتَّكأَ على زُجَّيْ مِرْفَقَيْه، واتَّكَئوا على زِجاجِ مَرَافقِهم. وفي اللسان: زُجُّ المِرْفقِ: طَرَفُه المُحَدَّدُ، على الّتشبيه. والزُّجُّ: زُجٌ الرُّمْحِ والسَّهْمِ.
قال ابن سيِدَه: الزُّجُّ: الحَديدةُ التي تُركَّب في أَسفلِ الرُّمْحِ، والسِّنانُ يُرَكَّبُ عالِيَتَه. والزُّجُّ يُرْكَزُ به الرُّمْحُ في الأَرض، والسِّنانُ يُطْعَن به. الجمع: زِجَاجٌ كجِلَالٍ، بالكسر جمع جُلٍّ، قال الجوهريُّ: جمعُ زُجِّ الرُّمحِ زِجاجُ، بالكسر لا غيرُ، ويجمع أَيضًا على زِجَجَةٍ، مثل فِيَلَةٍ، وأَزْجاجٍ وأَزِجَّةٍ. وفي الصّحاح: ولا تَقُلْ أَزِجَّة.
والزُّجّ: موضع.
والزُّجُّ أَيضًا: جمعُ الأَزَجِّ وهو من النَّعَامِ للبَعِيدِ الخَطْوِ. وفي اللسان: الزَّجَج في النَّعامةِ: طُولُ سَاقَيْهَا وَتَبَاعُدُ خَطْوِهَا، يقال ظَلِيمٌ أَزَجُّ، ورَجُلٌ أَزَجُّ: طويلُ الساقَيْن: أَو الأَزَجّ من النعامِ: الذي فوقَ عَينَيْهِ ريشٌ أَبيضُ.
والزُّجُّ: نَصْلُ السَّهْمِ، عن ابن الأَعرابيّ. الجمع: زِجَجَةٌ كعِنَبة وزِجاجٌ كجِلالٍ، وأَزِجَّةٌ. قال زُهَيْر.
ومَنْ يَعْصِ أَطْرَافَ الزِّجَاجِ فإِنّه *** يُطِيعُ العَوالِي رُكِّبَتْ كُلَّ لَهْذَمِ
قال ابن السِّكّيت: يقول: مَن عَصَى الأَمْرَ الصَغِيرَ صارَ إِلى الأَمْرِ الكَبِيرِ. وقالَ أَبو عُبيدَةَ: هذا مَثَلٌ، يقول: إِنّ الزُّجَّ ليس يُطْعَنُ به، إِنما يُطعَن بالسِّنَان؛ فمَن أَبَى الصُّلْحَ ـ وهو الزُّجُّ الذي لا طَعْنَ بهِ ـ أُعْطِيَ العَوَالِيَ ـ وهي التي بها الطَّعْنُ. قال خالدُ بنُ كُلْثُومٍ: كانوا يَستقبِلون أَعداءَهم إِذا أَرادُوا الصُّلْحَ بِأَزِجَّةِ الرِّمَاحِ، فإِذا أَجابوا إِلى الصُّلْحِ وإِلّا قَلَبُوا الأَسِنَّةَ وقَاتلوهم.
والزَّجّ بالفتح: الطَّعْنُ بالزُّجِّ يقال: زَجَّه يَزُجُّه زَجًّا: طَعَنَه بالزُّجِّ ورَماه به، فهو مَزْجُوجٌ.
ومن المجاز: الزَّجُّ: الرَّمْيُ. يقال: زَجَّ بالشيْءِ من يَدِه يَزُجُّ زَجًّا: رمَى به. وفي اللسان: الزَّجُّ: رَمْيُكَ بالشيْءِ تَزُجُّ به عن نَفْسك.
والزَّجُّ: عَدْوُ الظَّلِيمِ. يقال زَجَّ الظَّلِيمُ برِجْلِه زَجًّا: عَدَا فرَمَى بها. وهو مَجَازٌ. وظَلِيمٌ أَزَجُّ: يَزُجُّ بِرِجْلَيه. ويقال للظَّلِيم إِذا عَدا: زجَّ بِرِجْلَيه.
وأَزَجَّ الرُّمْحَ، وزَجَّجَه، وزَجَّاه، على البَدَلِ، رَكَّبَ فيه الزُّجَّ: وأَزْجَجْته فهو مُزَجٌّ. قال أَوْسُ بن حَجَرٍ:
أَصَمَّ رُدَيْنِيًّا كَأَنَّ كُعنوبَهُ *** نَوَى القَسْبِ عَرّاصًا مُزَجًّا مُنَصَّلَا
قال ابن الأَعرابيّ: ويقال: أَزَجَّه: إِذا أَزالَ منه الزُّجَّ، ويُرْوَى عنه أَيضًا أَنه قال: أَزْجَجْت الرُّمْحَ: جَعلتُ له زُجًّا، ونَصَلْتُه: جَعلْت له نَصْلًا، وأَنْصَلْته: نَزَعْت نَصْلَه. قال: ولا يقال: أَزْجَجْته إِذا نَزعْت زُجَّه.
والزُّجَاجُ: القَوارِيرُ، م، ويُثَلَّث. والواحِد من ذلك زُجَاجَة، بالهَاءِ. وأَقَلُّهَا الكَسْرُ. وعن اللَّيْث: الزُّجاجَةُ ـ في قوله تعالى ـ القِنْدِيلُ. وعن أَبي عُبَيْدةَ: يقال للقَدَح: زُجَاجةٌ. مضمومة الأَوّل، وإِن شِئت مكسورة، وإِن شِئت مفتوحة، وجمعها زُجَاجٌ، وزِجَاجٌ، وزَجَاجٌ.
والزَّجَّاج. كعَطَّارٍ: عاملُه وصانعُه. وحِرْفتُه الزِّجَاجةُ.
قال ابن سِيدَه: وأُراهَا عِراقيّة.
والزُّجَاجِيّ بالضّمّ وياءِ النِّسبة بائعُه.
وأَبو القاسم إِسماعيلُ بنُ أَبي حارثٍ، وفي نسخة: حَرْب بدل حارث صاحبُ الأَربعينَ. رَوَى عن يُوسفَ بنِ موسى، وعنه أَحمدُ بنُ عليِّ بنِ إِبراهيمَ الآبنْدُونِيّ وغيرُه.
وأَبو القاسم يُوسفُ بنُ عبد الله، اللُّغويّ المصنِّف المحدِّث. سَكَنَ جُرْجَانَ، ورَوَى عن الغِطْرِيفيّ، ومات سنة 415.
وعبد الرَّحمن بنُ أَحمدَ الطَّبَرِيّ.
وأَبو عليّ الحَسَنُ بنُ محمدِ بنِ العبَّاس، روَى عن عليّ بنِ محمدِ بن مَهْرُويَه القَزْوِينيّ مات قبل الأَربعمائَة.
والفَضْل بنُ أَحمدَ بن محمدٍ.
وبالفَتْح مشدّدًا، أَبو القاسمَ عبد الرَّحْمن بن إِسحاقَ النّحويّ الزَّجَّاجيُّ صاحب الجُمَل، بغداديّ، سكَنَ دِمشقَ عن محمَّدِ بنِ العبَّاسِ اليَزِيدِيّ وابن دُرَيد وابنِ الأَنباريّ، نُسِب إِلى شَيْخِه أَبي إِسحاقَ إِبراهيمَ بنِ السَّرِيّ بن سَهْلٍ النَّحْوِيّ الزَّجّاج، صاحبِ معاني القرآنِ، روى عن المبرّد وثَعْلَبٍ، وكان يَخْرُطُ الزُّجَاجَ، ثمّ تَرَكَه وتَعلَّمَ الأَدَبَ، توفِّيَ ببغدادَ سنة 311.
والمِزَجّ، بالكسر: رُمْحٌ قصيرٌ كالمِزْراق، في أَسفلِه زُجٌّ، وقد استعملوه في السَّرِيعِ النُّفوذِ.
والزَّجَجُ، محرَّكةً: رِقَّةُ مَخَطِّ الحاجِبَين ودِقَّتُهما وطولُهما وسُبوغُهما واسْتِقْواسُهما. وقيل: الزَّجَج: دِقَّةُ الحاجِبَينِ في طُولِ وفي بعض النُّسخِ: دِقَّةٌ في الحاجِبينِ وطُولٌ. والنَّعْتُ أَزَجُّ. يقال: رجلٌ أَزَجُّ، وحاجبٌ أَزَجُّ، ومُزَجَّجٌ. وهي زَجَّاءُ، بَيِّنَةُ الزَّجَجِ. وزَجَّجَه أَي الحاجبَ بالمِزَجّ، إِذا دَقَّقَه وطَوَّله. وقيل: أَطالَه بالإِثْمِد. وقولهُ؛
إِذا ما الغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْمًا *** وزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ والعُيُونَا
إِنما أَراد: وكَحَّلْن العيونَ.
وفي اللسان: وفي صفة النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أَزَجُّ الحواجِب».
الزَّجَجُ: تَقَوُّسٌ في النّاصية، مع طُولٍ في طَرَفِه وامتداد.
والمِزَجّة: ما يُزجَّج به الحَوَاجِب.
والأَزَجُّ: الحاجِبُ: اسمٌ له في لغة أَهلِ اليَمنِ، وفي حديث الذي اسْتَسْلَف أَلفَ دينارٍ في بني إِسرائيلَ: «فأَخَذَ خَشَبَةً فنَقَرَهَا وأَدخَلَ فيها أَلفَ دينارٍ وصَحيفةً، ثم زَجَّجَ مَوْضِعَها» أَي سَوَّى مَوضِعَ النَّقْرِ وأَصلَحَه، من تَزْجِيجِ الحواجب، وهو حَذْفُ زَوائدِ الشَّعر. قال ابن الأَثير: ويحتمل أَن يكون مأْخوذًا من الزُّجِّ: النَّصْلِ، وهو أَن يكونَ النَّقْرُ في طَرَفِ الخَشبةِ، فتَرَكَ فيه زُجًّا ليُمْسِكَه ويَحْفَظَ ما في جَوْفِهِ.
والزُّجُجُ ـ بضمَّتينِ ـ الحَمِيرُ المُقَتَّلَة، وفي بعض النسخ: المُقْتَتِلة.
والزُّجُج أَيضًا: الحِرَابُ المُنَصَّلَةُ، ظاهرُ صَنيعِه أَنه جمعٌ ولم يَذْكُرْ مُفْرَدَه.
وفي الحديث ذُكِرَ زُّجُّ لَاوَةَ، وهو بالضّم: موضع نَجْديّ بعثَ إِليه رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الضحّاكَ بن سُفيانَ يَدْعُو أَهلَه إِلى الإِسلام.
ومن المجاز: زِجَاجُ الفَحْلِ، بالكسرِ: أَنْيَابُه، وأَنشد:
لها زِجاجٌ ولَهاةُ فارضُ
وأَجْمَادُ الزَّجَاجِ موضع بالصَّمّان ذكره ذو الرُّمَّة:
فَظَلَّتْ بأَجْمَادِ الزِّجاجِ سَواخِطًا *** صِيامًا تُغَنِّي تَحْتَهُنّ الصّفائِحُ
يعني الحميرَ سَخِطَتْ على مَرَاتِعها ليُبْسها.
وازْدَجَّ الحاجِبُ: تَمَّ إِلى ذُنَابَى العَينِ.
والمَزْجُوج: المَرْمِيُّ به، وغَرْبٌ لا يُدِيرونه ويُلاقُون بين شَفَتَيْهِ ثم يَخْرِزُونَه.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
* زَجَّ: إِذا طَعَنَ بالعَجَلَة.
والزَّجّاجَة: الاسْت، لأَنها تَزُجّ بالضَّرْط والزِّبْل.
والزَّجَج في الإِبل: رَوَحٌ في الرِّجْلَيْن وتَجْنِيب.
وازْدَجَّ النَّبْتُ: اشتدَّتْ خُصَاصُه.
وفي الأَساس: «ومن المجاز: نَزَلْنَا بَوادٍ يَزُجُّ النَّبَاتَ [وبالنَّبات] أَي يُخْرِجه ويَرْمِيه كأَنّه يَرْمِي به عن نفْسه»، انتهى.
وفي حديث عائشة قالت: «صلَّى النّبيُّ صلى الله عليه وسلم ليلَةً في رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثُوا بذلك. فأَمْسَى المَسجِدُ من اللّيلةِ المُقْبِلَةِ زَاجًّا».
قال ابن الأَثير: قال الحَرْبيّ: أَظنه جَأْزًا؛ أَي غاصًّا بالنّاس، فقَلَب، من قولهم: جَئِز بالشَّرَابِ جَأَزًا: إِذا غُصَّ به. قال أَبو موسى: ويحتمل أَن يكون: رَاجًّا، بالراءِ، أَراد أَنّ له رَجّةً من كثرةِ النَاسِ.
وزُجٌّ: ماءٌ أَقطَعَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم العَدّاءَ بنَ خالدٍ.
قلت: ومِزْجَاجَةُ، بالكسر: موضِعٌ بالقُرْبِ مِن زَبِيدَ، منه شيخُنَا رَضِيُّ الدِّين عبدُ الخالق بن أَبي بكرِ بنِ الزَّيْن بن الصِّدّيق بن محمد بن المِزْجاجيّ، ورهطُه.
وأَبو محمّدٍ عبدُ الرَّحيمِ بنُ محمدِ بن أَحمَد بنِ فارسٍ الثَّعْلَبيّ البغداديّ الحَنْبَليّ، عُرَف بابنَ الزَّجَّاجِ، سَمِع ابنَ صِرْما وابنَ رَوْزَبَه وجماعَةً، وحَدَّث.
وقال قُطْرُب في مُثَلَّثِه: الزَّجاج بالفتح: حب القَرَنْفُل.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
67-تاج العروس (ضخ ضخخ ضخضخ)
[ضخخ]: الضَّخُّ: الدَّمْعُ، وامتدادُ البَوْلِ ونَضْخُ الماءِ، وقد ضَخَّه ضَخًّا، وهذا الأَخيرُ عن أَبي منصور.والمِضَخَّة، بالكسر: قَصَبةٌ في جَوفِها خَشَبَةٌ يُرْمَى بها الماءُ من الفمِ. وانضَخَّ الماءُ كانضاخَ، إِذا انصَبَّ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
68-تاج العروس (شرف)
[شرف]: الشَّرَفُ، مُحَرَّكَةً: الْعُلُوُّ، والْمَكانُ الْعَالِي، نقلهُ الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ:آتِي النَّدِيَّ فلا يُقرَّبُ مَجْلِسِي *** وَأَقُودُ للشَّرَفِ الرَّفِيعِ حِمَارِي
يقول: إِنِّي خَرِفْتُ فلا يُنْتفعُ برَأْيِي، وكبِرْتُ فلا أَسْتطِيعُ أَنْ أَرْكبَ مِن الأَرْضِ حِمَارِي، إِلَّا مِن مَكانٍ عَالٍ.
وَقال شمِرٌ: الشَّرَفُ: كُلُّ نَشْزٍ مِن الأَرْضِ، قد أَشْرَف على ما حَوْلَهُ، قادَ أو لم يَقُدْ، وإِنَّما يَطُولُ نَحْوًا مِن عَشْرِ أذْرُعٍ، أو خمْسٍ، قلَّ عَرْضُ ظهْرِهِ أو كَثُرَ.
وَيُقال: أَشْرَفَ لي شرَفٌ فما زِلْتُ أَرْكُضُ حتى عَلوْتُهُ، وَمنه قوْلُ أُسَامَة الهُذلِيُّ:
إذا مَا اشْتَأَى شَرَفًا قبْلهُ *** وَوَاكَظَ أَوْشك منه اقْتِرَابا
والشَّرَفُ: الْمَجْدُ، يُقال: رَجُلٌ شرِيفٌ، أي: مَاجِدٌ، أَو لا يَكُونُ الشَّرَفُ والمَجْدُ إِلَّا بالْآبَاءِ، يُقال: رَجُلٌ شَرِيفٌ، ورَجُلٌ مَاجِدٌ: له آباءٌ متقدِّمون في الشَّرَفِ؛ وأما الحَسَبُ والكرَمُ فيكونان في الرَّجُلِ، وإِن لم يَكنْ له آباءٌ، قالهُ ابنُ السِّكِّيتِ.
أو الشَّرَفُ: عُلُوُّ الْحَسَبِ، قالُه ابنُ دُرَيْدٍ.
والشَّرَفُ مِن الْبَعِيرِ: سَنامُهُ، وَهو مَجازٌ، وأَنْشَدَ:
شرَفٌ أَجَبُّ وكاهِلٌ مَجْزُولُ
والشَّرَفُ: الشَّوْطُ، يُقَال: عَدَا شَرَفًا أو شَرَفَيْنِ.
أَو الشَّرَفُ: نَحْوُ مِيلٍ وهو قَوْلُ الفَرَّاءِ، ومنه الحديث: «الخَيْلُ لِثَلاثَةٍ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، ولِرَجُلٍ سِتْرٌ، وعلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فأَمَّا الذي له أَجْرٌ: فرَجُلٌ رَبَطَهَا في سَبِيلِ الله، فأَطَالَ لها في مَرْجٍ أو رَوْضَةٍ، فما أَصَابَتْ في طِيَلِهَا ذلك مِنَ المَرْجِ أو الرَّوْضَةِ كانَتْ له حَسَنَاتٍ، ولو أَنَّه انْقَطَعَ طِيَلُهَا فاسْتَنَّتْ شَرَفًا أو شَرَفَيْنِ، كانتْ له آثارُهَا وأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ، ولو أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهْرٍ فَشَرِبَتْ منه ولم يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا، كان ذلك حَسَنَاتٍ له، فهي لِذلِكَ الرَّجُلِ أَجْرٌ» الحديثُ.
ومِن المَجَازِ: الشَّرَفُ: الْإِشْفَاءُ علَى خَطَرٍ مِن خَيْرٍ أَو شَرٍّ، يُقَال في الخَيْرِ: هو علَى شَرَفٍ مِن قَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَيُقَال في الشَّرِّ: هو علَى شَرَفٍ مِن الهَلَاك.
وشَرَفٌ: جَبَلٌ قُرْبَ جَبَلِ شُرَيْفٍ، كزُبَيْرٍ، وشُرَيْفٌ هذا أَعْلَى جَبَلٍ بِبِلَادِ الْعَرَبِ، هكذا تَزْعُمُه العربُ، زاد المُصَنِّفُ: وقد صَعِدْتُهُ، وقال ابنُ السِّكِّيتِ: الشَّرَفُ: كَبِدُ نَجْدٍ، وكان مِن مَنازِلِ المُلُوكِ مِن بَنِي آكِلِ المُرَارِ مِن كِنْدَةَ، وفي الشَّرَفِ حِمَى ضَرِيَّةَ وضَرِيَّةُ: بِئْرٌ، وفي الشَّرَفِ الرَّبَذَةُ، وَهي الحِمَى الأَيْمَنُ، وفي الحديثِ: «أنَّ عُمَرَ حَمَى الشَّرَفَ، والرَّبَذَةَ».
والشَّرَفُ: موضع بِإشْبَيلِيَّة، مِن سَوَادِهَا، كَثِيرُ الزَّيْتُونِ، كما في العُبَابِ، وقال الشَّقُنْدِيُّ: شَرَفُ إِشْبِيلِيَةَ: جَبَلٌ عظيمٌ، شَرِيفُ البُقْعَةِ، كَرِيمُ التُّرْبَةِ، دائمُ الخُضْرَةِ، فَرْسَخٌ في فَرْسَخٍ طُولًا وعَرْضًا، لا تكادُ تُشْمِسُ فيه بُقْعَةٌ، لِالْتِفافِ أَشْجَارِهِ، ولا سِيَّمَا الزَّيْتُون، وقال غيرُه: إِقْلِيمُ الشَّرَفِ علَى تَلٍّ أَحْمَرَ عالٍ مِن تُرَابٍ أَحْمَرَ، مَسافَتُه أَرْبَعُون مِيلًا في مِثلِهَا، يَمْشِي به السَّائِرُ في ظِلِّ الزَّيْتُونِ والتِّينِ، وقال صاحِبُ «مَبَاهِجِ الفِكَرِ»: وأَمَّا جَبَلُ الشَّرَفِ، وهو تُرَابٌ أَحْمَرُ، طُولُه مِن الشِّمَالِ إِلَى الجَنُوبِ أَربعون مِيلًا، وَعَرْضُه مِن المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ اثْنا عَشَرَ مِيلًا، يشْتَمِلُ علَى مائتين وعشرين قَرْيَةً، قد الْتَحَفَ بأَشْجَارِ الزَّيْتُونِ، وَالْتَفَّتْ عَلَيه، منه: الحاكمُ أَبُو إِسحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بنُ محمدٍ الشَّرَفيُّ، خَطِيبُ قُرْطُبَةَ، وصَاحِبُ شُرْطَتِها، وهذا عَجِيبٌ، وَله شِعْرٌ فَائِقٌ، مات سنة 396.
وأَمِينُ الدِّينِ أَبو الدُّرِّ يَاقُوتُ بنُ عبدِ الله الشَّرَفيُّ، وَيُعْرَفُ أَيْضًا بالنُّورِيِّ، وبالمَلِكِيِّ، الْمَوْصِليُّ الْكَاتِبُ، أَخَذَ النَّحْوَ عن ابنِ الدَّهّانِ النَّحْوِيِّ، واشْتَهَرَ في الخَطِّ حتى فَاقَ، ولم يكنْ في آخِرِ زَمانِهِ مَن يُقَارِبُه في حُسْنِ الخَطِّ، وَلا يُؤَدِّي طَرِيقَةَ ابنِ البَوَّابِ في النَّسْخِ مِثْلُه، مع فَضْلٍ غَزِيرٍ، وكان مُغْرىً بنَقْلِ صِحَاحِ الجَوهرِيِّ، فكتَب منه نُسَخًا كثيرةً، تُبَاعُ كُلُّ نُسْخَةٍ بمائةِ دينارٍ، تُوُفِّيَ بِالمَوْصِلِ، سنة 618، وقد تَغَيَّرَ خَطُّه مِن كِبَرِ السِّنِّ، هكذا تَرْجَمَهُ الذَّهَبِيُّ في التَّارِيخِ، والحافِظُ في التَّبْصِيرِ مُخْتَصِرًا، وقد سمِعَ منه أَبو الفَضْلِ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ دِيوَانَ المُتَنَبِّي، بحَقِّ سمَاعِهِ مِن ابنِ الدَّهّانِ.
والشَّرَفُ: مَحَلَّةُ بِمِصْرَ، وَالذي حَقَّقَهُ المَقْرِيزِيُّ في الخِطَطِ، أنَّ المُسَمَّى بالشَّرَفِ ثَلاثَةُ مَوَاضِعَ بمصرَ، أَحدُهَا المَعْرُوفُ بجَبَلِ الرَّصْدِ.
منها أَبو الحسن عَلِيُّ بنُ إبراهيمَ الضَّرِيرُ الْفَقِيهُ، رَاوِي كتابِ المُزَنِيِّ عن أَبي الفَوَارِسِ الصَّابُونِي، عنه، مات سنةَ 408.
وأَبو عُثْمَانَ سَعِيدُ بنِ سَيِّدٍ الْقُرَشِيُّ الحاطِبِيُّ، عن عبدِ الله بن محمدٍ البَاجِيِّ، وعنه أبو عُمَرَ بنُ عبدِ البرِّ.
وأَبو بكرٍ عَتِيقُ بنُ أَحمدَ الْمِصْرِيُّ، عن إِبي إِسحاقَ بنِ سُفْيَانَ الفَقِيهِ، وغيرِه،: الْمُحَدِّثُونَ الشَّرَفيُّونَ.
وفَاتَهُ: أَبو العَبَّاسِ بنُ الحُطَيْئَةِ الفَقِيهُ المَالِكِيُّ الشَّرَفيُّ.
وَمحمودُ بنُ أَيتكين الشَّرَفيُّ، سَمِعَ منه ابنُ نُقْطَةَ، وقال؛ مات سنة 615.
وَأَرمانُوسُ بنُ عبدِ اللهِ الشَّرَفيُّ، عن إِبي المُظَفَّرِ بنِ الشِّبْلِيِّ، وغيرِه، مات سنةَ 606، قَالَهُ الحافِظُ.
وشَرَفُ الْبَيَاضِ: مِن بِلَادِ خَوْلَانَ، مِنْ جِهَةِ صَعْدَةَ.
وشَرَفُ قِلْحَاحٍ: قُلْعَةٌ علَى جَبَلِ قِلْحَاحٍ، وقُرْبَ زَبِيدَ، حَرَسَها الله تعالَى، وسائرَ بلادِ المُسْلِمِين.
والشَّرَفُ الأَعْلَى: جَبَلٌ آخَرُ هُنَالِكَ، عليه حِصْنٌ مَنِيعٌ، يُعْرَفُ بحِصْنِ الشَّرَفِ.
والشَّرَفُ: موضع، بِدِمَشْقَ، وَهو جَبَلٌ علَى طَرِيقِ حاجِّ الشَّامِ، ويُعْرَفُ بشَرَفِ البَعْلِ، وقيل: هو صُقْعٌ مِن الشَّامِ.
وشَرَفُ الْأَرْطَى: مَنْزِلٌ لِتَمِيمٍ مَعْرُوفٌ.
وشَرَفُ الرَّوْحَاءِ: بَيْنَها وبين مَلَلٍ مِن الْمَدِينَةِ المُشَرَّفَةِ، عَلَى سِتَّةٍ وثَلاثِينَ مِيلًا، كَمَا في صَحِيحِ مُسْلِمٍ، في تَفْسِيرِ حديثِ عائشة رضي الله عنها: «احْتَجَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَحَدِ بِمَلَل، علَى لَيْلَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ رَاحَ فتَعَشَّى بشَرَفِ السَّيَّالَةِ، وصَلَّى الصُّبْحَ بعِرْقِ الظُّبْيَةِ» أو أَرْبَعِينَ أو ثَلاثِينَ، على اخْتِلافٍ فيه.
ومَوَاضِعُ أُخَرُ، سُمِّيتْ بالشَّرَفِ.
وشَرَفُ بنُ محمدٍ الْمَعَافِريُّ، وعليُّ بنُ إبراهيمَ الشَّرَفيُّ، كَعَرَبِيٍّ: مُحَدِّثَانِ، أَمَّا الأخِيرُ فهو الفَقِيهُ الضَّرِير، الذي رَوَى كتابَ المُزَنِيِّ عنه بِوَاسِطَةِ أَبِي الفَوَارِسِ، وقد تقَدَّم له قَرِيبًا، فهو تَكْرَارٌ ينْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيه.
وشُرَيْفٌ، كَزُبَيْرٍ: جَبَلٌ، قد تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قريبًا.
وأَيضًا: مَاءٌ لِبَنِي نُمَيْرٍ، بِنَجْدٍ، وَمنه الحديثُ: «مَا أُحِبُّ أَنْ أَنْفُخَ في الصَّلاةِ وأَنْ لِي مَمَرّ الشَّرَفِ». والشُّرَيْفُ لَهُ يَوْمٌ، أو هو مَاءٌ يُقَال له: التَّسْرِيرُ، ومَا كان عَنْ يَمِينِهِ إلى الغَرِبِ شَرَفٌ، وما كان عَنْ يَسَارِهِ إلى الشَّرْقِ شُرَيْفٌ، قال الأَزْهَرِيُّ: وقَوْلُ ابنُ السِّكِّيتِ في الشَّرَفِ وَالشُّرَيْفِ صَحِيحٌ.
وإِسْحَاقُ بنُ شَرْفَى، كَسَكْرَى: مِن المُحَدِّثين، وهو شَيْخٌ لِلثَّوْرِيِّ، كما في التَّبْصِيرِ.
وشَرُفَ الرَّجُلُ، كَكَرُمَ، فهو شَرِيفٌ الْيَوْمَ، وشَارِفٌ عَن قليل كذا في بَعضِ نُسَخِ الكتابِ، وهو الصَّوابُ، وَمِثْلُه نَصُّ الجَوهَرِيِّ والصَّاغَانِيِّ، وصاحبِ اللِّسَانِ، وفي أَكْثَرِهَا: عن قَرِيبٍ: أي سَيَصِيرُ شَرِيفًا، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، عن الفَرّاءِ، ج: شُرَفَاءُ، كأَمِيرٍ، وأُمَرَاءَ، وأَشْرَافٌ، كيَتِيمٍ، وَأَيْتَامٍ، وعَلَيه اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ.
وشَرَفٌ، مُحَرَّكَةً، ظاهرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ مِن جُمْلَةِ جُمُوعِ الشَّرِيفِ، ومِثْلُه في العُبَابِ، فإنَّه قال: والشَّرَفُ: الشُّرَفَاءُ، وَلكن الذي في اللِّسَانِ: أنَّ شَرَفًا، مَحَرَّكَةً، بمَعْنَى شَرِيفٍ، وَمنه قَوْلُهم: هو شَرَفُ قَوْمِهِ، وكَرَمُهم، أي شَرِيفُهم، وَكَرِيمُهم، وبه فُسِّرَ مَا جَاءَ في حديثِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّه قيل للأَعْمَشِ: لِمَ لمْ تَسْتَكْثِر عن الشَّعْبِي؟ قال: كان يَحْتَقِرُنِي، كنتُ آتِيهِ مع إِبْرَاهِيمَ، فيُرَحِّبُ به، ويقُول لي: اقْعُدْ ثَمَّ أَيُّهَا العَبْدُ، ثم يقول:
لَا نَرَفْعُ الْعَبْدَ فَوْقَ سُنَّتِهِ *** مَا دَامَ فِينا بِأَرْضِنَا شَرَفُ
أي: شَرِيفٌ، فتَأَمَّلْ ذلك.
والشَّارِفُ مِن السَّهَامِ: الْعَتِيقُ الْقَدِيمُ، نَقَلَهُ الجَوْهِريُّ، وَأَنْشَدَ لأَوْسٍ يَصِفُ صَائِدًا:
يُقَلِّبُ سَهْمًا رَاشَهُ بِمَنَاكِبٍ *** ظُهَارٍ لُؤَامٍ فهْو أَعْجَفُ شَارِفُ
ويقَالُ: سَهْمٌ شَارِفٌ، إذا كان بَعِيدَ العهدِ بالصِّيانَةِ، وَقيل: هو الذي انْتَكَثَ رِيشُه وعَقَبُه، وقيل: هو الدَّقيقُ الطَّوِيلُ.
والشَّارِفُ مِن النُّوقِ: الْمُسِنَّةُ الْهَرِمَةُ، وَقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: هي النَّاقَةُ الهِمَّةُ، وفي الأَسَاسِ: هي الْعَالِيَةُ السِّنِّ، ومنه حديثُ ابن زِمْلِ: «وإذا أَمامَ ذلك نَاقَةٌ عَجْفَاءُ شَارِفٌ» كَالشَّارِفَةِ، وقد شَرُفَتْ، شُرُوفًا، بالضَّمِّ، كَكَرُمَ، وَنَصَرَ، وَالمصدرُ الذي ذكَره مِن باب نَصَرَ قِياسًا، ومن بابِ كَرُمَ بخِلافِ ذلك: الجمع: شَوَارِفُ، وشُرُفٌ، ككُتُبٍ، ورُكَّعٍ، وَقال الجَوْهَرِيُّ: بضمِّ فسُكُونٍ، ومِثْلُه بَازِلٌ، وبُزْلٌ وعَائِدٌ وَعُوذٌ، وشُرُوفٌ، مِثْل عُدُولٍ، وَلا يُقَالُ للجَمَلِ: شَارِفٌ، وَأَنْشَدَ اللَّيْثُ:
نَجَاة مِنَ الْهُوجِ الْمَرَاسِيلِ هِمَّة *** كُمَيْت عَلَيْهَا كَبْرَةٌ فَهْيَ شَارِفُ
وَنَقَلَ شيخُنَا عن تَوْشِيحِ الجَلالِ، أَنَّهُ يُقَالُ للذَّكَرِ أَيضًا، وَفي حديثِ عليٍّ رضي الله عنه: «أَصَبْتُ شَارِفًا مِن مَغْنَمِ بَدْرٍ، وأَعْطَانِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، [شارفًا] فأَنَخْتُهُمَا ببابِ رَجُلٍ مِن الأَنْصَارِ، وحَمْزَةُ في البَيْتِ، ومعه قَيْنَةٌ تُغَنِّيهِ:
أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النَّوَاءِ *** فَهُنَّ مُعَقَّلَاتٌ بِالْفِنَاءِ
ضَعِ السِّكِّينِ في اللِّبَاتِ منها *** وَضَرِّجْهُنَّ حَمْزَةُ بالدِّماءِ
وَعَجِّلْ مِن أَطَايِبِها لشرفٍ *** طَعَامًا مِن قَدِيدٍ أو شِوَاءِ
فَخَرَجَ إِليهما فَجَبَّ أَسْنِمَتَهما، وبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وأَخَذَ أَكْبَادَهُمَا، فنَظَرْتُ إلى مَنْظَرٍ أَفْظَعَنِي، فانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فخَرَجَ ومعه زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ رضي الله عنه، حتى وَقَفَ عَلَيه، وتَغَيَّظَ، فرَفَعَ رَأْسَهُ إِليه، وقال: هَل أَنْتُمْ إِلَّا عَبيدُ آبَائِي؟ فرَجَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُقَهْقِرُ» قال ابنُ الأَثِيرِ: هي جَمْعُ شَارِفٍ، وتُضَمُّ رَاؤُهَا وتُسَكَّن تَخْفِيفًا، ويُرْوَى: ذَا الشَّرَفِ، بفَتْحِ الرَّاءِ والشِّينِ، أي: ذا العَلاءِ والرِّفْعَةِ.
وفي الحديث: «أَتَتْكُمُ» كما هو نَصُّ العُبابِ والرِّوَايَةُ: «إِذَا كَانَ كَذَا وكَذَا أَنَّى أَنْ تَخْرُجَ بكُمُ الشُّرُفُ الجُونُ» بضَمَّتَيْنُ أي: الْفِتَنُ الْمُظْلِمَةُ، وَهو تَفْسِيرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حين سُئِل: وما الشُّرُفُ الجُونُ يا رَسُولَ الله؟ قال: «فِتَنٌ كقِطْعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ». وقال أبو بكرٍ: الشُّرْفُ: جَمْعُ شَارف، وَهي النَّاقَةُ الهَرِمَةُ، شَبَّهُ الفِتَنَ في اتِّصالِهَا، وامْتِدَادِ أَوْقَاتِهَا بالنُّوقِ المُسِنَّةِ السُّودِ، والجُونُ: السُّودُ، قال ابنُ الأَثِيرِ: هكذا يُرْوى، بسُكُونِ الرَّاءِ، وهو جَمْعٌ قَلِيلٌ في جَمْعِ فاعِلٍ، لم يَرِدْ إِلَّا في أَسْمَاءٍ مَعْدُودَةٍ ويُرْوَى: «الشُّرْقُ الْجُونُ»، بِالْقَافِ، جَمْعُ شَارِقٍ، أي: الْفِتَنْ الطَّالِعَةُ، مِن نَاحِيَةِ المَشْرِقِ، نَادِرٌ لم يَأْتِ مِثْلُه إِلا أَحْرُفٌ مَعْدُودَةٌ، مِثْل بَازِلٍ وبُزْلٍ، وحَائِلٍ وحُولٍ، وعَائِذٍ وعُوذٍ، وعَائِطٍ وعُوطٍ.
والشُّرْفُ أَيْضًا مِن الْأَبْنِيَةِ: مَا لَها شُرَفٌ، الْوَاحِدَةُ شَرْفَاءُ، كحَمْرَاءَ وحُمْرٍ، ومنه حديثُ ابنُ عَبَّاسٍ: رضي الله عنهما: «أُمِرْنَا أَنْ نَبْنِي المَسَاجِدَ جُمًّا، والمَدائِنَ شُرْفًا» وَفي النِّهَايَةِ: أرادَ بالشُّرْفِ التي طُوِّلَتْ أَبْنَيتُهَا بالشُّرَفِ، الوَاحِدَةُ شُرْفَةٌ.
والشَّوَارِفُ: وِعَاءُ الخَمْرِ مِن خابِيةٍ ونحوها.
والشَّارُوف: جَبَلٌ، قال الجَوْهَرِيُّ: مُوَلَّدٌ.
قال: والمِكْنَسَةُ تُسَمَّى شَارُوفًا، وهو مُعَرَّبُ جَارُوبْ، وَأَصْلُه جَاى رُوبْ، أي كَانِسُ المَوْضِعِ.
وشَرَافِ، كَقَطَامِ: موضع بَيْنَ وَاقِصَةَ والفَرْعَاءِ، أَوْ مَاءَةٌ لِبَنِي أَسَدٍ، وَمنه حديثُ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «يُوشِك أَنْ لا يَكُونَ بَيْنَ شَرَافِ وأَرْضِ كذا وكذا جَمَّاءُ، ولا ذَاتُ قَرْنٍ، قيل: وكيف ذاك؟ قال: «يكونُ النَّاسُ صُلَامَاتٍ، يَضْرِبُ بَعْضُهُم رِقَابَ بَعْضٍ»، وقال المُثَقِّبُ العَبْدِيُّ:
مَرَرْنَ عَلَى شَرَافِ فَذَاتِ رَجْلٍ *** وَنَكَّبْنَ الذَّرَانِحَ بالْيَمِينِ
وبِنَاؤُه علَى الكَسْرِ هو قَولُ الأَصْمَعِيِّ، وأَجْرَاهُ غيرُه مُجْرَى ما لا يَنصَرِفُ مِن الأَسْمَاءِ، أَو هو: جَبَلٌ عَالٍ، أَو يُصْرَفُ، ومنه قَوْلُ الشَّمَّاخِ:
مَرَّتْ بنَعْفَىْ شَرَافٍ وهي عَاصِفَةٌ *** تَخْدِي علَى بَسَرَاتٍ غيْرِ أَعْصَالِ
أو هو كَكِتَابٍ، مَمْنُوعًا من الصَّرْفِ، فصار فيه ثَلاثُ لُغَاتٍ.
وشُرَافٌ، كَغُرَابٍ: مَاءٌ غيرُ الذي ذُكِرَ.
وشَرَفَهُ، كَنَصَرَهُ، شَرْفًا: غَلَبَهُ شَرَفًا، فهو مَشْرُوفٌ، زاد الزَّمَخْشَرِيُّ: وكذا: شَرُفْتُ عَلَيه، فهو مَشْرُوفٌ عَلَيه، أَو طَالَهُ في الْحَسَبِ، وَقال ابنُ جِنِّي: شَارَفَهُ فَشَرَفَهُ، يَشْرُفُه: فَاقَه في الشَّرَفِ، وشَرَفَ الْحَائِطَ، يَشْرُفُه، شَرْفًا: جَعَلَ لَهُ شُرْفَةً، بالضَّمِّ، وسَيَأْتِي قريبًا. وقَوْلُ بِشْرِ بنِ المُعْتَمِر:
وَطَائِرٌ أَشْرَفُ ذُو جُرْدَةٍ *** وَطَائِرٌ ليْسَ له وَكْرُ
قال عمرو: الْأَشْرَفُ مِن الطَّيرِ: الْخُفَّاشُ لأَنَّ لأُذُنَيْهِ حَجْمًا ظاهِرًا، وهو مُتَجَرِّدٌ مِن الزِّفِّ والرِّيشِ، وهو طائرٌ يَلِدُ ولا يَبِيضُ، وقَوْلُهُ: وطَائِرٌ آخَرُ ولا وَكْرَ له هكذا هو في النُّسَخِ، ولا يَخْفَى أَنَّه تَفسِيرٌ للمِصْرَاعِ الأَخِيرِ مِنَ البَيْتِ، الذي ذَكَرْنَاه لِبِشْرٍ، لأَنَّه من مَعَانِي الأَشْرَفِ، وانْظُرْ إلى نَصِّ اللِّسَانِ، والعُبَابِ، بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ بِشْرٍ، ما نَصُّه: وَالطائِر الذِي لا وَكْرَ له، هو طائِرٌ يُخْبِرُ عنه البَحْرِيُّون أَنَّه لا يَسْقُطُ إِلَّا رَيْثَمَا يَجْعَلُ لِبَيْضِهِ أُفْحُوصًا مِن تُرَابٍ، ويِبَيضُ، وَيُغطِّي عَلَيْهِ، ولا يَخْفَى أنَّ قَوْلَهُ: ويَبِيضُ، ليس فيما نَصَّ عَليه الصَّاغَانِيُّ، وصاحِبُ اللِّسَانِ عن البَحْرِيِّين، وهو بَعْدَ قَوْلِه: لِبَيْضِهِ، غيرُ مُحْتَاجَ إليه، ويَطِيرُ أي: ثُمَّ يَطِيرُ في الهَوَاءِ، وبَيْضُهُ يتَفَقَّسُ، وفي بعض النسخ: يَنْفَقِشُ بِنَفْسِهِ، عندَ انْتِهَاءِ مُدَّتِهِ، فإِذا أَطَاقَ فَرْخُهُ الطَّيَرَانَ كَانَ كَأَبَوَيْهِ في عَادَتِهِمَا، فهذه العِبَارَةُ سِيَاقُهَا في وَصْفِ الطَّيْرِ الآخَرِ، الذِي قَالَهُ بِشْرٌ في المِصْرَاعِ الأَخِيرِ، فتَأَمَّلْ ذلك.
ومَنْكِبٌ أَشْرَفُ. عَالٍ، وَهو الذي فيه ارْتِفَاعٌ حَسَنٌ، وهُوَ نَقِيضُ الأَهْدَإِ.
وأُذُنٌ شَرْفَاءُ: طَوِيلَةٌ نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وزاد غيرُه: قَائِمَةٌ مُشْرِفَةٌ، وكذلك الشُّرَافِيَّةُ.
قال: وشُرْفَةُ الْقُصْرِ، بِالضَّمِّ: معروف معروف، الجمع: شُرَفٌ، كَصُرَدٍ، جَمْعُ كَثْرَةٍ، ومنه حديث المَوْلِدِ: «ارتَجَسَ إِيوَانُ كِسْرَى، فَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً» ويُجْمَع أَيضًا على شُرفاتٍ، بضَمِّ الرَّاءِ وفَتْحِهَا وسُكُونِها، ويُقَال أَيضًا: إِنَّهَا جَمْعُ شُرُفَةٍ، بضَمَّتَيْنِ، وهو جَمْعُ قِلَّةٍ، لأَنَّهُ جَمْعُ سَلامَةٍ، قال الشِّهَابُ: شُرُفَاتُ القَصْرِ: أَعالِيهِ، هكذا فَسَّرُوه، وإِنَّما هي ما يُبْنَى على أَعْلَى الحائطِ مُنْفَصِلًا بَعْضُه مِن بَعْضٍ، علَى هَيْئَةٍ مَعْرُوفَةٍ.
وقال الأَصْمَعِيُّ: شُرْفَةُ الْمَالِ: خِيَارُهُ.
وقَوْلُهُم: إِنِّي أَعُدُّ إِتْيَانَكُمْ شُرْفَةً، بِالضَّمِّ، وَأَرَى ذلك شُرْفَةً، أيْ فَضْلًا، وشَرَفًا أَتَشَرَّفُ به.
وشُرُفَاتُ الْفَرَسِ، بِضَمَّتَيْنِ: هَادِيهِ، وقَطَاتُهُ.
وأُذُنٌ شُرَافِيَّةٌ، وشُفَارِيَّةٌ: إذا كَانَتْ عَالِيَةً طويلةً، عليها شَعَرُ.
وقال غيرُه: نَاقَةٌ شُرافِيَّةٌ: ضَخْمَةُ الْأُذُنَيْنِ، جَسِيمَةٌ، وَكذلك نَاقَةٌ شَرْفَاءُ.
والشُّرَافيُّ، كغُرَابِيٍّ: ثِيَابٌ بِيضُ، أَو هو مَا يُشْتَرى مِمَّا شارَفَ أَرْضَ الْعَجَمِ مِن أَرْضِ الْعَرَبِ، وَهذا قَوْلُ الأصْمَعِيِّ.
ومِن المَجَازِ: أَشْرَافُكَ: أُذُنَاكَ وأَنْفُكَ، هكذا ذكَرُوا، وَلم يذْكُرُوا لها واحدًا، والظَّاهرُ أنَّ وَاحِدَهَا شَرَفٌ، كسَبَبٍ وَأَسْبَابٍ، وإِنَّمَا سُمِّيَتِ الأُذُنُ والأَنْفُ شَرْفَاءَ، لِبُرُوزِهَا وَانْتِصَابِهَا، وقَال عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ العِبَادِيُّ:
كَقَصِيرٍ إذْ لم يَجِدْ غَيْرَ أَنْ جَدْ *** دَعَ أَشْرَافَهُ لشُكْرٍ قَصِيرُ
وَفي المُحْكَمِ: الأَشْرَافُ: أَعْلَى الإِنْسَانِ، واقْتَصَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ على الأَنْف.
والشِّرْيَافُ، كَجِرْيالٍ: وَرَقُ الزَّرْعِ إذا طَالَ وكَثُرَ، حتى يُخَافَ فَسَادُهُ، فَيُقْطَعَ، نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ، وقد شَرْيَفَهُ، والنُّونُ بَدَل اليَاءِ، لُغَةٌ فيه، وهما زَائِدَتان كما سيأتي.
ومَشَارِفُ الأَرْضِ: أَعَالِيهَا، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ.
ومَشَارِفُ الشَّامِ: قُرًى مِن أَرْضِ العَرَبِ، تَدْنُو مِن الرِّيفِ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، عن أبي عُبَيْدَةَ، وقال غَيْره: مِن أَرْضِ اليَمَنِ، وقد جاءَ في حديثِ سَطِيحٍ: «كان يسكُن مَشَارِفَ الشَّامِ» وهي: كُلُّ قَرْيَةٍ بَيْنَ بلادِ الرِّيفِ وبَيْنَ جَزِيرَةِ العَرَبِ، لأَنَّهَا أَشْرَفَتْ علَى السَّوادِ، ويُقَال لها أَيضًا: المَزَارِعُ، كما تقدَّم، والبَرَاغِيلُ كما سَيَأْتِي، قال أَبو عُبَيْدَةَ: مِنْهَا السُّيُوفُ الْمَشْرَفِيَّةُ، بِفَتْحِ الرَّاءِ، يُقَال: سَيْفٌ مَشْرَفيٌّ، وَلا يُقَال: مَشَارِفيٌّ، لأَنَّ الجَمْعَ لا يُنْسَبُ إِليه إذا كان علَى هذا الوَزْنِ، لا يُقَال: مَهَالِبِيٌّ، ولا: جَعَافِرِيٌّ، ولا: عَبَاقِرِيٌّ، كما في الصِّحاحِ، وقال كُثَيِّرٌ:
فما تَرَكُوهَا عَنَوَةً عن مَوَدَّةٍ *** وَلكنْ بحَدِّ المَشْرَفيِّ اسْتَقالَها
وَقال رُؤْبَةُ:
والحَرْبُ عَسْرَاءُ اللِّقَاحِ المُغْزِي *** بالمَشْرِفِيَّاتِ وطَعْنٍ وَخْزِ
وَفي ضِرَامِ السِّقْطِ: مَشْرَفٌ: اسْمُ قَيْنٍ، كان يَعْمَلُ السُّيُوفَ.
وأَبو الْمَشْرَفيِّ، بفَتْحِ المِيمِ والرَّاءِ، بِاسْمِ السَّيْفِ: عَمْرُو بنُ جَابِرِ الحِمْيَرِيُّ، يُقَال: إنَّه أَوَّلُ مَوْلُودٍ بِوَاسِطَ.
وأَبو المَشْرَفيِّ: كُنْيَةُ لَيْثٍ، شَيْخِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ الرَّاوِي عَن أَبي مَعْشَرٍ زِيَادِ بنِ كُلَيْبٍ التمِيمِيِّ الكُوفيِّ، الرَّاوِي عن إِبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ، قلتُ: وهو لَيْثُ بنُ أَبي سُلَيْمٍ اللَّيْثِيُّ الكُوفيُّ، هكذا ذَكَرَه المُزَنِيُّ. وقد ضَعَّفُوه لِاخْتِلاطِهِ، كما في ديوان الذَّهَبِيِّ.
وشَرِفَ الرَّجُلُ، كَفَرِحَ: دَامَ علَى أَكْلِ السَّنَامِ.
وشَرِفَتِ الْأُذُنُ، شَرَفًا، وكذا شَرِفَ الْمَنْكِبُ: أي ارْتَفَعَا، وَأَشْرَفَا، وقيل: انْتَصَبا في طُولٍ.
وشَرُفَ الرَّجُلُ، كَكَرُمَ شَرَفًا، مُحَرَّكَةً، وَشَرَافَةً: علَا في دِينٍ أو دُنْيَا، فهو شَرِيفٌ، والجَمْعُ: أَشْرَافٌ، وقد تقدَّم.
وأَشْرَفَ الْمَرْبَأَ: عَلَاهُ، كَشَرَّفَهُ، تَشْرِيفًا، هكذا في النُّسَخِ، والصَّوابُ، كتَشَرَّفَهُ، وشَارَفَهُ، مُشَارِفَةً، وفي الصِّحاحِ: تَشَرَّفْتُ المَرْبَأَ، وأَشْرَفْتُهُ: أي عَلَوْتُهُ، قال العَجَّاجُ:
ومَرْبَإِ عَالٍ لِمَنْ تَشَرَّفَا *** أَشْرَفْتُهُ بلا شَفًى أو بِشَفَى
وَفي اللِّسَانِ: وكذلك أَشْرَفَ علَى المَرْبَإِ: عَلاهُ.
وأشْرَفَ عَلَيْهِ: اطَّلَعَ عَلَيه مِن فَوْقٍ، وذلك الْمَوْضِعُ مُشْرَفٌ، كَمُكْرَمٍ، وَمنه الحديثُ: «ما جاءَك مِن هذا المَالِ وَأنْتَ غَيْرَ مشْرِفٍ ولا سَائِلٍ، فَخُذْهُ».
وأَشْرَفَ الْمَرِيضُ علَى الْمَوْتِ: إذا أَشْفَى عليه.
وأَشْرَفَ عَلَيْهِ: أَشْفَقَ، قال الشَّاعِرُ، أَنْشَدَهُ اللَّيْثُ:
وَمِنْ مُضَرَ الْحَمْرَاءِ إِشْرَافُ أَنْفُسٍ *** علينا وحَيَّاهَا إِلَيْنَا تَمَضَّرَا
ومُشْرِفٌ، كَمُحْسِنٍ: رَمْلٌ بِالدَّهْنَاءِ قال ذُو الرُّمَّةِ:
إِلَى ظُعُنٍ يَعْرِضْنَ أَجْوَازَ مُشْرِفٍ *** شِمَالًا وعَنْ أَيْمَانِهِنَّ الْفَوَارِسُ
ومُشَرَّفٌ، كَمُعَظَّمٍ: جَبَلٌ. قال قَيْسُ بن عَيْزارَةَ:
فإِنَّكَ لَوْ عَالَيْتَهُ في مُشَرَّفٍ *** مِن الصُّفْرِ أَوْ مِن مُشْرِفَاتِ القَّوائِم
هكذا فَسَّرَه أَبو عمرٍو، وقال غيرُه: أي في قَصْرٍ ذِي شُرُفٍ مِن الصُّفْرِ.
وشَرِيفَةُ، كَسَفِينَةٍ بنتُ محمدِ بنِ الفَضْلِ الفُرَاوِيِّ، حَدَّثَتْ عن جَدّها لأُمِّهَا طَاهِرٍ الشَّحَامِيِّ، وعنها ابنُ عَسَاكِرَ.
وشَرَّفَ الله الْكَعْبَةَ، تَشْرِيفًا، مِن الشَّرَفِ، مُحَرَّكَةً، وهو المَجْدُ.
وشَرَّفَ فُلَانٌ بَيْتَهُ، تَشْرِيفًا: جَعَلَ له شُرَفًا، وَلَيْسَ مِن الشَّرَفِ.
وتَشَرَّفَ الرَّجُلُ: صَارَ مُشَرَّفًا مِن الشَّرَفِ.
وتُشُرِّفَ الْقَوْمُ، بِالضَّمِّ، أي مَبْنِيًّا للمَجْهُولِ: قُتِلَتْ أَشْرَافُهُم، نَقَلَهُ الصَّاغَانِيُّ.
واسْتَشْرَفَهُ حَقَّهُ: ظَلَمَهُ، وَمنه قَوْلُ ابنِ الرِّقَاعِ:
وَلَقَدْ يَخْفِضُ الْمُجَاوِرُ فيهمْ *** غَيْرَ مُسْتَشْرَفٍ ولَا مَظْلُومِ
واسْتَشْرَفَ الشَّيْءَ: رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَيْهِ، وبَسَطَ كَفَّهُ فَوْقَ حَاجِبهِ، كَالْمُسْتَظِلِّ مِن الشَّمْسِ، نَقَلهُ الجوْهَرِيُّ، قال: وَمنه قَولُ الحُسَيْنِ بنِ مُطَيْرٍ الأَسَدِيّ:
فَيَا عَجَبًا للنَّاسِ يَسْتَشْرِفُونَنِي *** كَأَنْ لم يَرَوْا بَعْدِي مُحِبًّا ولا قَبْلِي
وَأَصْلُه مِن الشَّرَفِ: العُلُوّ؛ فإِنَّه يُنْظَر إليه مِن مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ، فيكونُ أَكْثَرَ لإِدْرَاكِه، وفي حديثِ الفِتَنِ: «ومَنْ تَشَرَّفَ لها تَسْتَشْرِفْهُ، فمَن وَجَدَ مَلْجَأً أو مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِه» ومنه حديثُ الأَضْحِيَةِ، عن عليٍّ رضي الله عنه: «أُمِرْنَا أَن نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ والأُذُنَ»: أي نَتَفَقَّدَهُما، ونَتَأَمَّلَهُمَا، أي نَتَأَمَّلُ سلامَتَها مِن آفَةٍ بهما، لِئَلَّا يَكُون فِيهِما نَقْصٌ، مِن عَوَرٍ أو جَدْع، فآفَةُ العَيْنِ العَوَرُ، وآفَةُ الأُذُنِ الجَدْعُ، فإِذا سَلِمَتِ الأُضْحِيَةُ منهما جَازَ أَنْ يُضَحَّى [بها]، وقيل: مَعْنَاه أيْ نَطْلُبَهُمَا شَرِيفَيْنِ، هكذا في النُّسَخِ، والصَّوابُ: شَرِيفَتَيْن بِالتَّمَامِ سلَامةِ، وقيل: هو مِن الشُّرْفَةِ، وهو خِيَارُ المالِ، أي: أُمِرْنَا أَن نَتَخَيَّرَهُمَا.
وشَارَفَهُ، مُشارَفَةً: فَاخَرَهُ في الشَّرَفِ، أَيُّهما أَشْرَفُ، فَشَرَفَهُ: إذا غَلَبَهُ في الشَّرَفِ.
واسْتَشْرَفَ: انْتَصَبَ، وَمنه حديثُ أَبِي طَلْحَةَ، رضي الله تعالَى عنه: «أَنَّه كانَ حَسَنَ الرَّمْيِ، فكان إذا رَمَى اسْتَشْرَفَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، لِيَنْظُرَ إِلَى مَواقِعِ نَبْلِهِ» قال:
تَطَالَلْتُ واسْتَشْرَفْتُهُ فَرَأَيْتُهُ *** فقُلْتُ له: آأَنْتَ زَيْدُ الأَرَامِلِ؟
وفَرَسٌ مُشْتَرِفٌ: أي مُشْرِفُ الْخُلْقِ. وشَرْيَفَهُ: قَطَعَ شِرْيَافَه* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
الاشْتِرَافُ: الانْتِصَابُ، نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وَالتَّشْرِيفُ: الزِّيَادَةُ، ومنه قَوْلُ جَرِيرٍ:
إذا ما تَعَاظَمْتُمْ جُعُورًا فَشَرِّفُوا *** جَحِيْشًا إِذَا أَبَتْ مِنَ الصَّيْفِ عِيرُهَا
قال ابنُ سِيدَهُ: أَرَى أنَّ مَعْنَاهُ: إذا عَظُمَتْ في أَعْيُنِكم هذه القَبِيلةُ مِن قبَائِلِكم، فَزِيدُوا منها في جَحِيشِ هذه القَبِيلَةِ القَلِيلَةِ.
وَالجَمْعُ أَشْرَافٌ، كسَبَبٍ وأَسْبَابٍ، قال الأَخْطَلُ:
وَقد أَكَلَ الْكِيرَانُ أَشْرَافَهَا الْعُلَى *** وَأُبْقِيَتِ الْأَلْوَاحُ والْعَصَبُ السُّمْرُ
قال ابنُ بُزُرْجَ: قالُوا: لك الشُّرْفَةُ في فُؤَادِي علَى النَّاسِ.
وَأَشْرَفَ علَى الشَّيْءِ، كتَشَرَّف عَلَيه.
وَنَاقَةٌ شَرْفَاءُ: شُرَافِيَّةٌ.
وَضَبٌّ شُرَافيٌّ: ضَخْمُ الأُذُنَيْنِ، جَسِيمٌ، ويَرْبُوعٌ شُرَافيٌّ: كذلك، قال:
وَإِنِّي لأَصْطَادُ الْيَرَابِيعَ كُلَّهَا *** شُرَافِيَّهَا والتَّدْمُرِيَّ الْمُقَصَّعَا
وَأَشْرَفَ لك الشَّيءُ: أَمْكَنَكَ.
وشَارَفَ الشَّيْءَ: دَنَا منه، وقَارَبَ أَنْ يَظْفَرَ به، وقيل: تَطَلَّعَ إِلَيْهِ، وحَدَّثَتْهُ نَفْسُه بِهِ، وتَوَقَّعَهُ.
وَمنه: فُلانٌ يتَشَرَّف إِبِلَ فُلانٍ، أي: يَتَعَيَّنُهَا، نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وَشَارَفُوهُمْ: أَشْرَفُوا عليهم.
وَالإِشْرَافُ: الحِرْصُ والتَّهَالُكُ، ومنهالحديثُ: «مَنْ أَخَذَ الدُّنْيَا بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَم يُبَارَكْ له فيها»، وقال الشاعر:
لَقَدْ عَلِمْتُ ومَا الْإِشْرَافُ مِنْ طَمَعِي *** أنَّ الذي هُوَ رِزْقي سَوْفَ يَأْتِينِي
وَنُهْبَةٌ ذَاتُ شَرَفٍ: أي ذَاتُ قَدْرٍ وقِيمَةٍ ورِفْعَةٍ، يَرْفَعُ النَّاسُ أَبْصَارَهم إِليها، ويَسْتَشْرِفُونَهَا، ويُرْوَى بالسِّينِ، وقد أَشَارَ له المُصَنِّفُ في «س ر ف».
وَاسْتَشْرَفَ إِبِلَهم: تَعَيَّنَها لِيُصِيبَها بالعَيْنِ.
وَدَنٌّ شَارِفٌ: قَدِيمُ الخَمْرِ، قال الأَخْطَلُ:
سُلَافَةٌ حَصَلَتْ مِنْ شَارِفٍ حَلِقٍ *** كَأَنَّمَا فَارَ منها أَبْجَرٌ نَعِرُ
وَشَرَّفَ النَّاقَةَ، تَشْرِيفًا: كادَ يَقْطَعُ أَخْلافَهَا بالصَّرِّ، قالَهُ ابنُ الأَعْرَابِيِّ، وأَنْشَدَ:
جَمَعْتُهَا مِنْ أَيْنُقٍ غِزَارِ *** مِن اللَّوا شُرِّفْنَ بِالصِّرَارِ
أرادَ: مِنَ اللَّوَاتِي، وإِنَّمَا يُفْعَلُ ذلك بها ليَبْقَى بُدْنُها وَسِمَنُهَا، فيُحْمَل عليها في السَّنَةِ المُقْبِلَةِ.
وَثَوْبٌ مُشَرَّفٌ: مَصْبُوغٌ أَحْمَرُ، وقال أَيضًا: العُمَرِيَّةُ: ثِيَابٌ مَصْبُوغَةٌ بالشَّرَفِ، وهو طِينٌ أَحْمَرُ، وثَوْبٌ مُشَرَّفٌ: مَصْبُوغٌ بالشَّرَفِ، وأَنْشَدَ:
أَلا لا يَغُرَّنَّ امْرَأً عُمَرِيَّةٌ *** علَى غَمْلَجٍ طَالَتْ وتَمَّ قَوَامُهَا
وَيُقال: شَرْفٌ وشَرَفٌ للْمَغْرَةِ، وقال اللَّيْثُ: الشَّرَفُ: [شجرٌ له] صِبْغٌ أَحْمَرُ، يُقال له: الدَّارْ بَرْنَيان، وقال الأَزْهَرِيُّ: والقَوْلُ ما قَالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ في المُشَرَّفِ.
وَكَعْبُ بنُ الأشْرَفِ، مِن رؤَسَاءِ اليهُودِ.
وَأَبو الشَّرْفَاءِ: مِن كُنَاهم، قال:
أَنا أبو الشَّرْفَاءِ مَنَّاعُ الْخَفَرْ
أَراد: مَنَّاعَ أَهْلِ الخَفَرِ.
وَالشُّرَفَا، والأَشْرَفِيَّاتُ، ومُنْيَةُ شَرَفٍ، ومُنْيَةُ شَرِيفٍ: قُرًى بمصرَ، من أَعْمَالِ المَنْصُورَةِ، ومُنْيَةُ شَرِيفٍ: أُخْرَى من الغَرْبِيَّةِ، وأُخْرَى مِن المَنُوفِيَّةِ.
وَمُشَيْرَفُ، مُصَغَّرًا: قَرْيَةٌ بالمَنُوفِيَّةِ، وهي في الدِّيوانِ: شُمَيْرَفُ، بتَقْدِيمِ الشّينِ، كما سيأتِي.
وَكزُبَيْرٍ: شُرَيْفُ بنُ جِرْوَةَ بنِ أُسَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ تَمِيمٍ.
في نَسَبِ حَنْظَلَةَ الكاتبِ.
وَإِبراهيمُ بنُ شُرَيْفٍ، عن أبي طالبِ بنِ سَوادَةَ، وعنه عُمَرُ بنُ إبراهيمَ الحَدَّادُ.
وَشِرَافَةُ، بالكَسْرِ: قَرْيَةٌ بالمَوْصِلِ، ذكَرَه ابنُ العَلاءِ الفَرَضِيِّ.
وَشُرَّافَةُ المَسْجِدِ، كتُفَّاحةٍ، والجَمْعُ: شَرَارِيفُ، هكذا اسْتَعْمَلَهُ الفُقَهَاءُ، قال شيخُنَا: وهو من أَغْلاطِهِم، كما نَبَّه عليه ابنُ بَرِّيّ، ونَقَلَهُ الدَّمَامِينِيُّ في شَرْحِ التَّسْهِيلِ.
وَقَطَع الله شُرُفَهُمْ ـ بضَمَّتَيْنِ ـ أي: أُنُوفَهم، نَقَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
69-تاج العروس (كشف)
[كشف]: الكَشْفُ، كالضَّرْب، والكاشِفَةُ: الإِظْهارُ الأَخِيرُ من المَصادِرِ التي جاءَت على فاعِلَةٍ، كالعافِيةِ وَالكاذِبَةِ، قال الله تَعالَى: {لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ} أي: كَشْفٌ وإِظهارٌ، وقالَ ثَعْلَبٌ: الهاءُ للمُبالَغَةِ، وقِيلَ: إِنّما دَخَلَت الهاءُ ليُساجِعَ قوله: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ}. وقال اللَّيْثُ: الكَشْفُ: رَفْعُ شَيْءٍ عَمّا يُوارِيه ويُغَطِّيهِ، كالتَّكْشِيفِ قال ابنُ عَبّادٍ: هو مُبالَغَةُ الكَشْفِ.والكَشُوفُ كصَبُورٍ: النَّاقَةُ يَضْربُها الفَحْلُ وهي حامِلٌ، وَرُبَّما ضَرَبَها وقد عَظُمَ بَطْنُها نَقَلَهُ اللَّيْثُ، وتَبِعَهُ الجَوْهريُّ، وقالَ الأَزهَريُّ: هذا التَّفْسِيرُ خَطَأٌ، ونقَلَ أَبو عُبَيْدٍ عن الأَصْمَعِيِّ أَنّه قالَ: فإِن حُمِلَ عَلَيْها الفَحْلُ سَنَتَيْن وِلاءً فذلِكَ الكِشافُ، بالكَسْر وهي ناقَةٌ كَشُوفٌ وقد كَشَفَتِ النّاقَةُ تَكْشِفُ كِشافًا أَو هُوَ أَن تُلْقِحَ حِينَ تُنْتَجُ وفي الأَساسِ: ناقَةٌ كَشُوفٌ: كُلَّما نُتِجَتْ لَقِحَتْ وهي في دَمِها، كأَنَّها ـ لكَثْرَة لِقاحِها، وَإِشالَتِها ذَنَبَها ـ كثيرةُ الكَشْفِ عن حَيائِها، ونَصُّ الأَزْهَرِيّ: هو أَنَ يُحْمَلَ على النَّاقةِ بَعْدَ نِتاجها وهي عائِذٌ، وقد وَضَعَتْ حَدِيثًا.
أَو أَنْ يُحْمَلَ عليها في كُلِّ سَنَةٍ قال اللَّيْثُ: وذلِكَ أَرْدَأُ النِّتاج أَو هو أَنْ يُحْمَلَ عليها سنةً، ثم تُتْرَكَ سَنَتَيْنِ أو ثلاثًا، وَجَمْعُ الكَشُوفِ: كُشُفٌ، قال الأَزْهَريُّ: وأَجْودُ نِتاجِ الإِبلِ أَنْ يَضْرِبَها الفَحْلُ، فإِذا نُتِجَتْ تُرِكَتْ سنةً لا يضرِبُها الفَحْلُ، فإذا فُصِلَ عَنْها فَصِيلُها ـ وذلك عند تَمامِ السّنَةِ من يوم نِتاجِها ـ أُرْسِلَ الفَحْلُ في الإِبِلِ التي هِيَ فِيها فيَضْرِبُها، وإذا لم تَجِمَّ سنَةً بعدَ نِتاجها كان أَقَلَّ للبَنِها، وَأَضعفَ لَولَدِها، وأَنْهَكَ لقُوَّتِها وطِرْقِها.
والأَكْشَفُ: مَنْ بِهِ كَشَفٌ، محرَّكَةً أي: انْقِلابٌ من قُصاصِ النّاصِيَةِ، كأَنَّها دائِرَةٌ، وهي شُعَيْراتٌ تَنْبُتُ صُعُدًا وَلم يَكُنْ دائِرةً، نقله الجَوْهَرِيُّ، قال اللَّيْثُ: ويُتَشاءَمُ بها، وَقالَ غيرُه: الكَشَفُ في الجَبْهَةِ: إِدْبارُ ناصِيَتِها من غيرِ نَزَعٍ، وقِيلَ: هو رُجُوعُ شَعَرِ القُصَّةِ قِبَلَ اليَافُوخِ، وفي حَدِيث أَبي الطُّفَيْلِ: «أَنّه عَرَضَ له شابٌّ أَحْمَرُ أَكْشَفُ» قال ابنُ الأَثيرِ: الأَكْشَفُ: الذي تَنْبُتُ له شَعراتٌ في قُصاص ناصِيَتِه ثائِرَةٌ لا تَكادُ تَستَرْسِلُ وذلِكَ المَوْضِعُ كَشَفَةٌ، مُحَرَّكَةً كالنَّزَعَةِ.
والأَكْشَفُ من الخَيْلِ: الّذِي في عَسِيبِ ذَنَبِه الْتِواءٌ نقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
والأَكْشَفُ: مَنْ لا تُرْسَ مَعَهُ في الحَرْبِ نقلَه الجَوْهَريُّ، كأَنَّهُ مُنْكَشِفٌ غيرُ مَسْتُورٍ، والجمعُ: كُشُفٌ، قالَه ابنُ الأَثِيرِ.
وقِيل: الأَكْشَفُ: من يَنْهِزمُ في الحَرْبِ ولا يَثْبُتُ، وَبالمعنَيَيْنِ فُسِّرَ قولُ كَعْبِ بنِ زُهَيْرٍ رضي الله عنه:
زالُوا فما زالَ أَنْكاسٌ ولا كفٌ *** عندَ اللِّقاءِ ولا مِيلٌ مَعازِيلُ
وَقِيلَ: الكُشُفُ هنا: الَّذِينَ لا يَصْدُقُونَ القِتالَ، لا يُعْرَفُ له واحدٌ.
وقال ابنُ عَبّادٍ: الأَكْشَفُ: مَنْ لا بَيْضَةَ على رَأْسِه.
وقال غَيْرُه: كَشَفَتْهُ الكَواشِفُ، أي: فَضَحَتْه الفواضِحُ.
وَقال ابنُ الأَعرابيِّ: كَشِفَ كفَرِحَ: انْهَزَمَ وأَنْشَدَ:
فما ذُمَّ حادِيهِم ولا فَالَ رَأْيُهُمْ *** وَلا كَشِفُوا إِنْ أَفْزَعَ السِّرْبَ صائِحُ
أي: لم يَنْهَزِمُوا.
وكُشاف كغُرابٍ: موضع، بزابِ المَوْصِل عن ابنِ عَبّادٍ.
وأَكْشَفَ الرَّجُلُ: ضَحِك فانْقَلَبَتْ شَفَتُه حَتَّى تَبْدُوَ دَرادِرُه قالَه الأَصمَعِيُّ.
وقال الزَّجّاجُ: أَكْشَفَت النّاقَةُ: تابَعَتْ بينَ النِّتاجَيْنِ.
وقال غيرُه: أَكْشَفَ القَوْمُ: كَشَفَتْ إِبِلُهُم أَو صارَتْ إِبلُهُمْ كُشُفًا.
وقال ابنُ عَبّادٍ: أَكْشَفَ النَّاقَةَ: جَعَلَها كَشُوفًا.
والجَبْهَةُ الكَشْفاءُ: هي الَّتِي أَدْبَرَتْ وفي بَعْضِ النُّسَخِ أُدِيرَتْ، وهو غَلَطٌ ناصِيَتُها كما في العُبابِ.
وقال ابنُ دُرَيْدٍ: كَشَّفْتُه عن كَذَا تَكْشِيفًا: إذا أَكْرَهْتَه على إظْهارِهِ ففِيه مَعْنَى المُبالَغَةِ.
وتَكَشَّفَ الشَّيْءُ: ظَهَرَ، كانْكَشَفَ وهُما مُطاوِعَا كَشَفَه كَشْفًا.
ومِن المَجازِ: تَكَشَّفَ البَرْقُ: إذا مَلأَ السَّماءَ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ. واكْتَشَفَت المَرْأَةُ لزَوْجِها: إذا بالَغَتْ في التَّكَشُّفِ له عندَ الجِماعِ قالَه ابنُ الأَعْرابيِّ، وأَنْشَد:
واكْتَشَفَتْ لناشِئٍ دَمَكْمَكِ *** عن وَارمٍ أَكظارُه عَضَنَّكِ
تَقولُ دَلِّصْ ساعةً لا بَلْ نِكِ *** فَداسَها بأَذْلَغِيٍّ بَكْبَكِ
واكْتَشَفَ الكَبْشُ النَّعْجَةَ: إذا نَزَا.
واسْتَكْشَفَ عنهُ: إذا سأَلَ أَن يُكْشَفَ لَهُ عنه.
وفي الصِّحاح: كاشَفَه بالعَداوَةِ: أي بادَاهُ بِها مُكاشَفةً، وَكِشافًا.
ويُقالُ في الحَدِيث: «لو تَكاشَفْتُمْ ما تَدَافَنْتُم» قال الجَوْهَرِيُّ: أي لو انْكَشَفَ عَيْبُ بَعْضِكُم لبَعْضٍ وقالَ ابنُ الأَثِيرِ: أي لو عَلِمَ بَعْضُكُم سَرِيرَةَ بعضٍ لاسْتَثْقَلَ تَشْيِيعَ جنازَتِه ودَفْنَه.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
رَيْطٌ كَشِيفٌ: مَكْشُوفٌ، أو مُنْكَشِفٌ، قال صَخْرُ الغَيِّ:
أَجَشَّ رِبَحْلًا لهُ هَيْدَبٌ *** يُرَفِّعُ للخالِ رَيْطًا كَشِيفَا
قال أَبو حَنِيفَةَ: يَعْنِي أنَّ البَرْقَ إذا لَمَعَ أَضاءَ السَّحابَ، فتَراه أَبيضَ، فكأَنَّه كَشَفَ عن رَيْطٍ.
وَالمَكْشُوفُ في عَرُوضِ السَّريعِ: الجزءُ الَّذِي هو «مَفْعُولُنْ» أَصْلُه «مَفْعُولات» حُذِفَت التاءُ، فَبقِيَ مَفْعُولا فنُقِلَ في التَّقْطِيع إلى مَفْعُولُن، وقد ذَكَرَه المصنِّفُ في التَّرْكِيبِ الذي قَبْلَه، وتَبِع الزَّمَخْشَرِيَّ في أنَّ إِعجامَ الشِّين تَصْحِيفٌ، وقد عَرَفْتَ أَنّ أَئِمَّةِ العَروضِ ذكَرُوه بالشِّينِ المُعْجَمةِ.
وَكاشَفَه، وكاشَفَ عَلَيهِ: إذا ظَهَرَ له، ومنه المُكاشَفَةُ عند الصُّوفِيَّة.
وَكَشَفَةُ، بالفَتْح: موضعٌ لبَنِي نَعامَةَ من بَنِي أَسَدٍ، وقد ذكَرَه المُصَنِّفُ في الذي قَبْلَه، وصَرَّح فيه بأَنّ إِهمالَ الشينِ فيه تَصْحِيفٌ.
وَمن المَجازِ: لَقِحَت الحَرْبُ كِشافًا: أيْ دامَتْ، ومنه قَوْلُ زُهَيْرٍ:
فتَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفالِها *** وَتَلْقَحْ كِشافًا ثمَّ تُنْتَجْ فتَفْطِمِ
فَضَرب إِلْقاحَها كِشافًا بحِدْثان نِتاجِها وإِفْطامِها، مَثَلًا لشِدَّةِ الحَرْبِ، وامْتِدادِ أَيّامِها.
وَمن المَجاز أَيضًا: كَشَفَ الله غَمَّه.
وَهو كَشّافُ الغَمِّ.
وَحَدِيثٌ مَكْشُوفٌ: مَعْرُوفٌ.
وَتَكَشَّفَ فُلانٌ: افْتَضَحَ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
70-تاج العروس (رخو)
[رخو]: والرَّخْوُ، مُثَلَّثَةً: الهَشُّ من كُلِّ شيءٍ، وهي بهاءٍ.التَّثْلِيث ذَكَرَه ابنُ سِيدَه.
واقْتَصَر الجوهريُّ على الكَسْر والفَتْح.
وفي التَّهْذيبِ: قَالَ الليْثُ: الرَّخْوُ والرِّخْوُ لُغَتانِ في الشيءِ الذي فيه رَخاوَةٌ.
* قُلْتُ: كَلامُهم الجَيِّد بالكَسْر، قالَهُ الأصْمعيُّ والفرَّاء، قالا: والفتْحُ مُوَلّد، انتهى.
وفي المِصْباحِ: الضمُّ لُغَةُ الكِلابيِّين.
رَخُوَ الشَّيءُ، ككَرُمَ ورَضِيَ رَخا، بالقَصْرِ، وفي المُحْكَم بالمدِّ، ورَخاوَةً ورِخْوَةً، هذه بالكَسْرِ.
قالَ ابنُ سِيدَه نَادِرَةٌ.
قالَ شيْخُنا: وحَكَى بعضٌ التَّثْلِيثَ في الرّخْوة أَيْضًا.
صارَ رِخْوًا؛ أَي هَشًّا، كاسْتَرْخَى؛ ومنه قَوْلُ طُفَيْل الغَنَويّ:
فأَبَّلَ واسْتَرْخَى به الخَطْبُ بَعْدَ ما *** أَسافَ ولو لا سَعْيُنا لم يُؤَبِّل
يريدُ به حَسُنَتْ حالُهُ، كذا في الصِّحاحِ.
وفي التَّهْذيبِ: اسْتَرْخَى به الأَمْرُ واسْتَرْخَتْ به حالَهُ: إذا وَقَعَ في حالٍ حَسَنةٍ بَعْد ضِيقٍ وشِدَّةٍ؛ وأَنْشَدَ قَوْل طُفَيْل.
وقالَ: اسْتَرْخَى به الخَطْبُ أَي أَرْخَاهُ خَطْبُه ونَعَّمه وجَعَلَه في رَخاءٍ وسَعَةٍ، وهو مَجازٌ.
وأَرْخاهُ؛ أَي الرّباط كما في المُحْكَم، ورَاخاهُ: جَعَلَهُ رِخْوًا.
وفيه رُخْوَةٌ، بالكسْرِ والضمِّ: أَي اسْتِرْخاءٌ.
وقَوْلُهم في الآمِنِ المُطْمَئن: أَرْخَى عِمامَتَهُ؛ أَي أَمِنَ واطْمَأَنَّ، لأنَّه لا تُرْخَى العَمائِمُ في الشِّدَّةِ.
وأَرْخَى الفَرَسَ، وأَرْخَى له: طَوَّلَ له من حَبْلِهِ.
وفي الأساسِ: أَرْخَى له الطّوَلَ: خَلَّاهُ وشَأْنَه، وهو مَجازٌ.
وأَرْخَى السِّتْرَ: أَسْدَلَهُ.
والحُروفُ الرِّخْوَةُ سِوَى قَوْلك لم يَرْعَوْنَا، أَو لم يروعنا.
وفي المُحْكَم: هي ثلاثَةُ عَشَر التاءُ والحاءُ والخاءُ والدالُ والزاي والطاءُ والصَّادُ والضادُ والعينُ والفاءُ والسِّين والشِّين والهاءُ؛ والحَرْفُ الرّخْوُ هو الذي يَجْرِي فيه الصَّوْتُ، أَلا تَرى أَنَّك تقولُ المَسُّ والرَّشُّ والسَّحُّ ونَحْو ذلكَ فتَجِد الصَّوْت جارِيًا مع السِّين والشِّين والحاء؟
وفي شَرْح شيْخنا هذا سَبْق قَلَم مِن المصنِّفِ فإنَّ الحُروفَ منها شَدِيدَة ورِخْوَة، وما بينَ الرِّخْوَة والشَّدِيدَة فما ذَكَرَه هي اللَّيِّنَة وما سِوَاها شامِلٌ للشَّديدَة كما لا يَخْفى على مَنْ له نَظَرٌ سَديدٌ. ولقد رأَيْتُ للمصنِّفِ، رحِمَه الله تعالى، مَواضِعَ مِثْل هذا تدلُّ على أَنَّه بَرِيءٌ مِن عِلْم القِرَاآت، قالَهُ المقدسيُّ، وهو كَلامٌ ظاهِرٌ، والمصنِّفُ قلَّد الصَّاغاني في سِياقِه إلَّا أَنَّه خالَفَهُ فأَوْقَعَ نَفْسَه في الوَرْطةِ، فسياقُ الصَّاغاني: والحُروفُ الرِّخْوَةُ ما عدا الشَّدِيدَة وعدا ما في قَوْلك لم يَرْعَوْنا، فتأَمَّل. والرُّخاءُ، بالضَّمِّ: الرِّيحُ اللَّيْنَةُ.
وفي الأساسِ: طَيِّبَةُ الهُبوبِ.
قالَ الأخْفَش في قوْلِه تعالى: {تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً}: أَي جَعَلْناها رُخاءً.
والرَّخاءُ، بالفتْحِ: سَعَةُ العَيْشِ؛ وقد رَخْوَ، ككَرُمَ ودَعا ورَعا ورَضِيَ، يَرْخُو ويَرْخَى، فهو رَاخٍ ورَخِيٌّ.
يقالُ: إنَّه لفي عَيْشٍ رَخِيِّ.
وهو رَخِيُّ البالِ: إذا كانَ ناعِمَ الحالِ.
وراخَتِ المرْأَةُ: حانَ وِلادُها.
وَتَراخَى عنِّي: تَقاعَسَ وتَباطَأَ، وعن حاجَتِه فَتَرَ.
ورَاخاهُ مُراخاةً: باعَدَهُ.
والإِرْخاءُ: شِدَّةُ العَدْوِ، أَو هو فَوْقَ التَّقْريبِ.
وقال الأزْهريُّ: الإِرْخاءُ الأَعْلَى أَشَدُّ الحُضْر، والإِرْخاءُ الأَدْنَى دُونَ الأَعْلى.
وفي الصِّحاحِ: قالَ أَبو عبيدٍ: الإِرْخاءُ أَن تُخَلِّيَ الفَرَس وشهْوَتَه في العَدْوِ غَيْرَ مُتْعِبٍ له.
وأَرْخَى دَابَّتَهُ: سارَ بها كَذلكَ، قالَهُ الليْثُ.
وقالَ الأَزهرِيُّ: أَرْخَى الفَرَسُ في عَدْوِه إذا أَحْضَرَ، وهو مَأْخُوذٌ من الرِّيحِ الرُّخاءِ؛ فهي مِرْخاءٌ، بالكسْرِ.
يقالُ فَرَسٌ مِرْخاءٌ وناقَةٌ مِرْخاةٌ مِن خَيْلٍ مَراخٍ مِن الإِرْخاءِ وهو الحُضْر الذي ليسَ بالمُلْهَب، كما في الأساسِ.
وفي الصِّحاح: وأَتانٌ مِرْخَاءٌ: كثيرَةُ العَدْوِ.
وأَرْخَتِ النَّاقَةُ: اسْتَرْخَى سلاها، وأَصْلَتْ انهكَ صَلاها، وهو انْفِراجُ الصّلَوَيْن عنْدَ الوِلادَةِ، كما في التّهذِيبِ.
وتَراخَى السَّماءُ: أَبْطَأَ المَطَرُ؛ نقَلَهُ الجَوْهريُّ.
ومُرْخيَةٌ، كمُحْسنَةٍ: لَقَبُ جامِعِ بنِ مالِكِ بنِ شَدَّادٍ، كذا في النُّسخِ.
وفي التكمِلَةِ: لَقَبُ جامِعِ بنِ شَدَّادِ بنِ ربيعَةَ بنِ عبدِ اللهِ بن أَبي بكْرِ بنِ قلاب، وإنَّما لُقِّبَ به لقوْلِه:
ومَدّوا بالرِّوايا مِن لُحَيظٍ *** فرَخُّوا المحضَ بالماءِ العذاب
قالَهُ ابنُ الكَلْبي في كتابِ أَلْقاب الشُّعَراءِ.
والأُرْخِيَّةُ، كأُثْفِيَّةٍ: ما أُرْخِيَ من شيءٍ؛ نقلَهُ الجوهريُّ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
اسْتَرْخَى به الأَمْرُ: وَقَعَ في رَخاءٍ بعْدَ شِدَّةٍ.
وإنَّ ذلكَ الأَمْرَ ليَذْهَبُ منِّي في بالٍ رَخِيَّ إذا لم تهْتَمَّ به.
والمُراخَاةُ: أَنْ تُراخِي رَباطًا أَو رِباقًا.
يقالُ: راخِ له من خِناقِهِ؛ أَي رَفِّهْ عنه.
وأَرْخِ له قَيْده: أَي وسِّعْه ولا تضَيِّقْه.
وأَرْخِ له الحَبْلَ: أَي وسِّعْ عليه في تَصَرُّفه حتى يذْهَب حيثُ شاءَ، وهو مَجازٌ.
وتَرْخِيَة الشَّيءِ بالشَّيءِ: خَلْطَه.
وتَراخَى الفَرَسُ: إذا فَتَرَ في عَدْوِه؛ نقلَهُ الأَزْهريُّ.
وفَرَسٌ رِخْوَةٌ: سَهْلَةٌ مُسْتَرْسِلَةٌ؛ نقَلهُ الجوهريُّ.
وفي الأَساس: فَرَسٌ رِخْوُ العِنانِ: سَلِسُ القيادِ.
قالَ الجَوهريُّ: وأَمَّا قَوْل أَبي ذُؤيبْ:
تَعْدُو بهِ خَوْصاءُ يفْصمُ جَرْيَها *** حَلَقَ الرِّحالَةِ فَهْيَ رِخْوٌ تَمْزَعُ
أَرادَ: فهي شيءٌ رُخْوٌ، فلهذا لم يَقُل رِخْوَة.
وقالَ الرَّاغبُ: فهي رِخْوٌ تَمْزَعُ أَي رِخْو السَّيْر كرِيحِ الرّخاءِ.
وفي الأمْرِ تراخٍ: أَي فُسْحةٌ وامْتِدادٌ.
والرَّخَّاءُ، كشَدَّادٍ: مَوْضِعٌ بينَ أُضاخ والزين تسوخُ فيه أَيدِي البَهائِم، وهُما رَخاوَانِ.
وأَبو مَرْخِيَة، كمَرْمِيَة: مِن كُنَاهم.
ومنْيَة الرِّخا، أَو أَبو الرَّخا: قَرْيةٌ بمِصْرَ.
وأَبو جَعْفرٍ أَحمدُ بنُ عبْدِ العَزيزِ الإِشْبيليُّ يُعْرَفُ بابنِ المُرْخِي أَخَذَ النَّحْو عن أَبي مَرْوان بنِ سراح، مات سَنَة 533؛ وابنُ عَمِّه الوَزيرُ أَبو بكْرِ بنُ المُرْخي أَخَذَ عن أَبي عليِّ الجبائيّ ذَكَرَه ابنُ الدبَّاغ.
ورُخَيَّات، مُصَغَّرًا: مَوْضِعٌ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
71-تاج العروس (ضحو)
[ضحو]: والضَّحْوُ والضَّحْوَةُ والضَّحِيَّةُ، كعَشِيَّةٍ؛ الأَخيرَةُ لُغَةٌ في الضَّحْوةِ كما أَنَّ الغَدِيَّةَ لُغَةٌ في الغَدَاةِ؛ ارْتِفاعُ النَّهارِ.وفي الصِّحاحِ: ضَحْوَةُ النّهارِ بَعْد طُلوعِ الشمسِ.
والضُّحَى، كَهُدًى: فُوَيْقَهُ، وهو حينَ تَشْرقُ الشمْسُ؛ كما في الصِّحاحِ.
وقيلَ: هو مِن طُلوعِ الشَّمسِ إلى أَنْ يَرْتفِعَ النهارُ وتَبْيضَّ جدًّا؛ كما في المُحْكم.
والأكْثَر على أَنَّها مُرادفَةٌ لمَا قَبْلها؛ نقلَهُ شيْخُنا.
وقال الرَّاغبُ: الضُّحَى: انْبِساطُ الشمسِ وامْتِدادُ النَّهارِ، وسُمِّي الوَقْتُ به؛ ومنه قولُه تعالى: {وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى}، {... وَأَنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى}.
قالَ شيْخُنا: واخْتُلِف في وزْنِها فقيلَ: فُعَل بضمِّ ففَتْحٍ، كما قالَهُ المبرِّدُ.
وقيلَ: فُعْلَى، كبُشْرى، كما قالَهُ ثَعْلبٌ في مُناظَرتِه مع المبرِّدِ عندَ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ طاهِرٍ.
قالَ الجوْهريُّ: مَقْصورٌ يُؤَنَّثُ ويُذَكَّرُ، فمن أَنَّثَ ذَهَبَ إلى أَنَّهُ جَمْعُ ضَحْوةٍ.
قال شيْخُنا: فيلحقُ بشَهْوةٍ وشُهىً الذي مَرَّ عن أَبي حيَّان.
* قُلْتُ: وكذا صَهْوَة وصُهىً.
ثم قالَ الجوْهرِيُّ: ومَنْ ذَكَّرَ ذَهَبَ إلى أَنَّه اسْمٌ على فُعَلٍ مثْلُ صُرَدٍ ونُغَرٍ؛ ويُصَغَّرُ ضُحَيًّا، كسُمَيِّ، بِلا هاءٍ.
قالَ الفرَّاء: كَرِهُوا إدْخالَ الهاءِ لئَلَّا يلتبسُ بتَصْغيرِ ضَحْوَةٍ.
والضَّحاءُ، بالمدِّ؛ قالَ الهَرَويُّ: إن ضَمَمْتَ قَصَوْتَ وإن فَتَحْتَ مَدَدْتَ؛ إذا قَرُبَ انْتِصافُ النَّهار.
قالَ الجَوْهرِيُّ: ثم بَعْده؛ أَي بعْد الضُّحَى، الضَّحاءُ، مَمْدودٌ مُذَكَّر، وهو عنْدَ ارْتِفاعِ النَّهارِ الأَعْلى.
وفي المِصْباحِ: هو امْتِدادُ النَّهارِ، وهو مذَكَّرٌ كأَنَّه اسْمٌ للوَقْتِ.
وفي النهايَةِ: إذا عَلَتِ الشمسُ إلى ربعِ السَّماءِ.
والضُّحَىَ، بالضَّمِّ والقَصْرِ: الشَّمْسُ. يقالُ: ارْتَفَعَتِ الضُّحَى؛ أَي الشمسُ.
وفي المِصْباح: ثم اسْتُعْمِلَتِ الضُّحَى اسْتِعمالَ المُفْردِ وسُمِّي بها حتى صُغِّرَتْ على ضُحَيِّ.
وفي المُحْكم: وقد تُسَمَّى الشمسُ ضُحىً لظُهورِها في ذلكَ الوَقْتِ.
وأَتَيْتُكَ ضَحْوَةً؛ أَي ضُحَى، لا تُسْتَعْمل إلَّا ظَرْفًا إذا عَنَيْتَها مِن يَوْمِك، وكذا جَمِيعُ الأَوْقات إذا عَنَيْتَها مِن يَوْمِك أَو لَيْلَتِك، فإنْ لم تَعْن بها ذلكَ صَرَّفْتَها بوُجُوهِ الإِعْرابِ وأَجْرَيْتها مُجْرَى سائِرِ الأسْماءِ؛ كذا في المُحْكَم، ومِثْلُه في الصِّحاحِ.
قالَ: هو ظرْفٌ غَيْرُ مُتَمَكِّن مِثْلُ سَحَر، تقولُ: لقِيتُه ضُحىً وضُحَى، إذا أَرَدْتَ به ضُحَى يَوْمِكَ لم تُنَوِّنْه.
وأَضْحَى الرَّجُلُ: صارَ فيها؛ أَي في الضُّحَى، وبَلَغَها.
وفي الصِّحاحِ: تقولُ مِن الضَّحاءِ: أَقَمْتُ بالمَكانِ حتى أَضْحَيْت، كما تقولُ مِن الصِّحاح: أَصْبَحْت،؛ ومنه قوْلُ عُمَر: «أَضْحُوا عِبَادَ اللهِ بصَلاةِ الضُّحَى»؛ أَي صَلُّوها لوَقْتِها ولا تُؤَخِّرُوها إلى ارْتِفاعِ الضُّحَى. وأَضْحَى الشَّيءَ: أَظْهَرَهُ وأَبْدَاهُ. وضَاحاهُ مُضاحاةً: أَتاهُ فيها، كغَادَاهُ ورَاوَحَه.
وأَضْحَى فلانٌ يَفْعَلُ كذا؛ أَي صارَ فاعِلَهُ فيها.
وفي المُحْكم: صارَ فاعِلًا له في وَقْتِ الضُّحَى.
وفي الصِّحاحِ: هو كما تقولُ ظَلَّ يَفْعَل كذا.
وقال ابنُ القطَّاع: فَعَلَهُ مِن أَوَّل النَّهارِ.
وتَضَحَّى: أَكَلَ فيها.
وفي الصِّحاحِ: وهم يَتَضَحَّوْنَ أَي يَتَغَدَّوْنَ.
وفي حديثِ ابنِ الأكْوع: «بَيْنا نحنُ نَتَضَحَّى مع رَسُولِ اللهِ صَلَى الله عليه وسلّم»؛ أَي نَتَغَدَّى.
قالَ ابنُ الأثيرِ: والأَصْلُ فيه أنَّ العَرَبَ كانوا يَسِيرونَ في ظَعْنِهِم فإذا مَرُّوا ببُقْعَةٍ من الأرضِ فيها كَلأٌ وعُشْبٌ قالَ قائِلُهم: ألا ضَحُّوا رُوَيْدًا؛ أَي ارْفُقُوا بالإِبِلُ حتى تَتَضَحَّى أَي تَنالَ من هذا المَرْعَى، ثم وُضِعَتِ التَّضْحِيَة مَكانَ الرِّفْقِ لتَصِلَ الأَبِلُ إلى المَنْزلِ وقد شَبِعَتْ، ثم اتُّسِعَ فيه حتى قيلَ لكلِّ مَنْ أَكَلَ وَقْتَ الضُّحَى هو يَتَضَحَّى أي يأْكُلُ في هذا الوَقْتِ كما يقالُ يَتَغَدَّى ويَتَعَشَّى من الغَداءِ والعَشاءِ، انتَهَى.
وضَحَّيْتُه أَنا تَضْحِيَةً: أَطْعَمْتُهُ فيها، وقيلَ: غَدَّيْتُه في أَيِّ وَقْتٍ كانَ، والأَعْرَفُ أَنَّه في الضُّحَى والأصْلُ فيه للإِبِلِ ثم اتُّسِعَ فيه كما تقدَّمَ.
وضَحَّيْتُ بالشَّاةِ تَضْحِيةً: ذَبَحْتُها فيها؛ أَي في ضُحَى النَّحْرِ؛ هذا هو الأَصْلُ فيه، وقد تُسْتَعْملُ التَّضْحِيَة في جميعِ أَوْقات أيام النَّحْر، وعَدَّاه بحَرْفٍ، وقد لا يتعدَّى فيُقالُ: ضَحَّى تَضْحيةً إذا ذَبَحَ الأُضْحِيَة وَقْتَ الضُّحَى.
وضَحَّيْتُ الغَنَمَ، وكذا الإِبِلَ: رَعَيْتُها بها.
وفي الأساسِ: ضَحَّيْتُ الإِبِلَ عن الوِرْدِ وعشَّيْتها عنه: أَي رَعَيْتها الضّحاء والعِشَاء حتى تَرِدَ وقد شَبِعَتْ.
والأُضْحِيَةُ، ويُكْسَرُ؛ المُتَبادَرُ من سِياقِه أنَّ اللُّغَة الأُوْلى بالفَتْح كما هو مُقْتَضَى اصْطلاحِه ولا قائِل به، بل هي بالضمِّ كما صرَّحَ به أَرْبابُ المتونِ وَزْنُها أُفْعُولةٌ.
وفي المِصْباح كسرُها اتباعًا لكَسْرةِ الحاءِ؛ شاةٌ يُضَحَّى بها، الجمع: أَضاحِيّ، كالضَّحِيَّةِ، كغَنِيَّةٍ، الجمع: ضَحايا، كعَطِيَّة وعَطايا، كالأضْحاةِ الجمع: أَضْحَى، كأَرْطاةٍ وأَرْطَى، فهذه أَرْبَعُ لُغاتٍ ذَكَرَها الجوهريُّ عن الأَصْمعي. وبها سُمِّيَ يَوْمُ النَّحْرِ يَوْم الأَضْحَى.
قالَ يَعْقوب: سُمِّي اليَوْم أَضْحَى بجَمْع الأَضْحاةِ التي هي الشَّاةُ.
وفي الصِّحاحِ: قالَ الفرَّاءُ: الأَضْحَى يُذَكَّر ويُؤَنَّث، فمَنْ ذكَّر ذَهَبَ به إلى اليوم؛ وأَنْشَدَ لأبي الغولِ الطُّهَوي:
رَأَيْتُكُم بَني الخَذْواءِ لما *** دَنا الأَضْحَى وصَلَّلَتِ اللِّحامُ
وضاحِيَةُ المالِ مِن الإِبِلِ والغَنَم: التي تَشْرَبُ ضُحَى.
وضاحِيَةُ البَصْرَةِ؛ ذُكِرَتْ في «ب ط ن».
وضَحا الرَّجُلُ ضَحْوًا، بالفتْح وضُحُوًّا، كعُلُوِّ وضُحِيًّا، كعُتِيِّ: بَرَزَ للشَّمْسِ، كذا في المُحْكَم، وظاهِرُه أنه من حَدِّ دَعا.
وضَحَى، كسَعَى ورَضِيَ، ضَحْوًا، بالفتح وضبَطَه في المُحْكم كعُلُوِّ، وضُحِيًّا، كعُتِيِّ: أَصابَتْه الشَّمْسُ؛ ومنه قولُه تعالى: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى}؛ أَي لكَ أَن تتصون من حَرِّ الشمْسِ.
وأَرْضٌ مَضْحاةٌ، كمَسْعاةٍ: لا تَكادُ تَغِيبُ عنها الشَّمْسُ، وهي الأرضُ البارِزَةُ.
وضَواحِيكَ: ما بَرَزَ منْكَ لها؛ أَي للشَّمْسِ، كالكَتِفَيْنِ والمَنْكِبَيْنِ، جَمْعُ ضاحِيَةٍ.
والضَّواحِي من الحَوْضِ: نَواحِيهِ.
والضَّواحِي منَ الرُّومِ: ما ظَهَرَ من بِلادِهم.
والضَّواحِي: السَّمَواتُ لبُروزِ نَواحِيها؛ قالَهُ الرَّاغبُ، ونقلَهُ الجوهريُّ أَيْضًا. قالَ ابنُ سِيدَه: وهذه الكلمةُ واوِيَّةٌ يائِيَّةٌ.
ولَيلَةٌ ضَحْياءُ، هكذا هو بالمدِّ في سائِرِ النُّسخِ ومِثْلُه في نسخِ الصِّحاحِ.
وأَنْكَرَه شيْخُنا وقالَ: الذي في المَطالِعِ والمَشارِقِ وغيرِهما مِن مصنّفاتِ الغِرِيبِ لَيْلَةٌ ضَحْيا بالقَصْر.
* قُلْتُ: وهذا الإنْكارُ لا وَجْه له، فقد جَمَعَ بَيْنَهما ابنُ سِيدَه فقالَ: لَيْلَةُ ضَحْيًا وضَحرياءُ، ومن حفظ حجَّة على من لم يَحْفَظ إلَّا أَنَّ المصنِّفَ قَصَّر عن ذِكْر المَقْصورِ.
وإِضْحِيانَةٌ وإِضْحِيَةٌ، بكسْرهما، ذَكَرَ الجوهريُّ وغيرُهُ الإضْحِيانَ، ولم أَجِد للأخيرَةِ ذِكْرًا فيمَا رأَيْت في الكُتُبِ، ولعلَّ الصَّوابَ وإضْحِيان وإضْحِيانَة بكَسْرِهِما كما هو نَصّ كُتُبِ الغَرِيبِ وسَيَأَتي بَيانُه في المُسْتدركاتِ؛ مُضِيئَةٌ لا غَيْمَ فيها؛ كما في الصِّحاحِ.
وخصَّ بعضُهم به التي يكونُ القَمَرُ فيها مِن أَوَّلِها إلى آخِرِها.
ويَوْمٌ ضَحْياةٌ، هكذا في النُّسخِ والصَّوابُ إضْحيانُ بالكسْر وآخِرُه النّون؛ أَي مُضِيٌّ لا غَيْمَ فيه؛ كما هو نَصُّ المُحْكم.
وقالَ الرَّاغبُ: مُضِيئَةٌ إضاءَةَ الضُّحَى.
والضَّحْياءُ: فَرَسُ عَمْروِ بنِ عامِرٍ، كما سَيَأْتي.
أَو الضَّحْياءُ: الشَّهْباءُ منه؛ أَي مِن الفَرَسِ؛ وهو أَضْحَى.
ونَصُّ الصِّحاحِ: والأَضْحَى من الخَيْلِ: الأَشْهَبُ؛ والأُنْثَى ضَحْياءُ.
وفي الأساسِ: فَرَسٌ أَضْحى وجَمَلٌ هِجانٌ، ولا يقالُ: أَبْيَضُ.
وقُلَّةٌ ضَحْيانَةٌ: أَي بارِزَةٌ للشَّمْسِ.
قالَ الجوهريُّ: جاءَ ذلكَ في قولِ تأَبَّطَ شرًّا وبه فُسِّر وفَعَلَهُ ضاحِيَةً: أَي علانِيَةً؛ كما في الأساسِ والصِّحاحِ؛ وأَنْشَدَ:
عَمِّي الذي مَنَعَ الدينارَ ضاحِيَةً *** دِينارَ نَخَّةِ كَلْبٍ وهو مَشْهودُ
وفي المُحْكم: أَي ظاهِرًا بيِّنًا.
وضَحا الطَّريقُ ضُحُوًّا، كعُلُوِّ وضُحِيًّا؛ كعُتِيِّ: بَدَا وظَهَرَ؛ واقْتَصَرَ ابنُ سَيدَه وابنُ القطَّاع على أَوَّل المَصادِرِ. ونقلَهُ الجوهريُّ عن أَبي زيْدٍ وضَبَطَ مَصْدرَهُ بالفَتْح.
وضَحِيَ، كرَضِيَ، ضَحًا، مَقْصورٌ: عَرِقَ؛ نقلَهُ الجوهريُّ.
والضَّاحِي: وادٍ في دِيارِ كِلابٍ؛ عن نَصْر؛ وفي التكملةِ: لهُذَيْلٍ. وقيلَ: رَمْلَةٌ. وفي المُحْكم: ضاحٍ: موضِعٌ. وفي التَّكملةِ: غَرْبيِّ سُلْمى فيه ماءَةٌ يقالُ لها مُخَرَّبَة.
والضِّحْيانُ: موضع على جادةٍ في طريقِ حَضْرَمَوْتَ وهي طريقٌ مُخْتَصَرٌ منها إلى مكَّةَ بينَ نَجْران وتَثْلِيث؛ قالَهُ نَصْر.
وأَيْضًا أُطُمٌ بالمدينَةِ لأُحَيْحَةَ بنِ الجلَّاحِ بَناهُ بالعصبةِ في أَرْضِه التي يقالُ لها القنانة؛ قالَهُ نَصْر.
والضَّحِيُّ، كغَنِيِّ: موضع باليَمَنِ؛ بل قَرْيةٌ كبيرَةٌ عامِرَةٌ في تِهامَة اليَمَنِ، وهي إحْدَى مَنازِلِ حاجِّ زَبِيد، وقد نَزَلْتُ بها مَرَّتَيْن وسَكَنَتْها الفُقهاءُ من بَني كِنانَةَ العَلَويِّين، منهم: الفَقِيهُ المَشْهورُ قطبُ الدِّيْن إسْماعيلُ بنُ عليِّ الحَضْرميُّ الشافِعِيُّ أَحَدُ الأئِمَّة المَشْهورِين بالعِلْم والصَّلاحِ والوَلايَةِ والكَرَاماتِ، سَكَنَ بها وأَعْقَبَ وَلدَيْن محمدًا وعليًّا فلمحمدٍ قطب الدين إسماعيل صاحب المُؤَلّفات وَلِيَ القَضاءَ الأَكْبر باليَمَنِ تُوفي سَنَةَ 605 وعقبُه بالضَّحِيِّ؛ وأَما عليّ فإنَّه سَكَنَ زَبِيد وبها عقبُه منهم: محمدُ بنُ عليٍّ المُلَقَّبُ بالشافِعِيِّ الصَّغير، من ولدِه محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ محمدٍ أَقامَ مُفْتِيًا بزَبِيد نَحْو أَرْبَعِين سَنَة، ومنهم صالِحُ بنُ عليٍّ مِن ولدِه محمدٌ وعليُّ ابْنا إبراهيمَ بنِ صالِحٍ؛ وبالجملةِ فهُم مِن مَشاهِير بُيوتِ اليَمَنِ. والعَجَبُ للمصنِّفِ كيفَ لم يُشِرْ إليهم مع شُهْرتِهم وجَلالَتِهم ومع ذِكْرِه لمَنْ دُونَهم.
ومن المجازِ: ضَحا ظِلُّهُ؛ أَي ماتَ؛ ومنه حديثُ: «فإذا نَضَبَ عُمْرُه وضَحا ظِلُّهُ».
قالَ ابنُ الأثير: يقالُ ضَحا الظِّلُّ إذا صارَ شمْسًا، فإذا صارَ ظِلُّ الإنْسانِ شمْسًا فقد بَطَلَ صاحِبُه.
والضَّحْياءُ: امْرأَةٌ لا يَنْبُتُ شَعَرُ عانَتِها، فكأَنَّ عانَتَها ضاحِيَةٌ؛ أَي بارِزَةٌ عارِيَةٌ مِن الشَّعَرِ لا ظِلَّ عليها.
وأَيْضًا: فَرَسُ عَمْرِو بنِ عامِرِ بنِ ربيعَةَ بنِ عامِرِ بنِ صَعْصَعَة، وهو فارِسُ الضَّحْياءِ؛ وأَنْشَدَ الجوهريُّ:
أَبى فارِسُ الضَّحْياءِ يومَ هُبالَةٍ *** إذا الخَيْلُ في القَتْلى من القومِ تَعْثُرُ
قالَ الصَّاغاني: والرِّوايَةُ: فارِسُ الحَوَّاءِ، وهي فَرَسُ أَبي ذي الرُّمَّة، والبَيْتُ لذي الرُّمَّة.
وقوْلُه الضَّحْياءُ فَرَسُ عَمْروِ بنِ عامِرٍ صَحِيحٌ، والشاهِدُ عليه بَيْتُ خِداش بنِ زُهَيْر:
أَبي فارِسُ الضَّحْياءِ عَمْرُو بنُ عامِرٍ *** أَبَى الذَّمَّ واخْتارَ الوَفاءَ على الغَدْرِ
وهو خداشُ بنُ زُهَيرِ بنِ ربيعَةَ بنِ عمْروِ بنِ عامِرٍ.
ورَجُلٌ ضَحْيانٌ: يأْكُلُ في الضُّحَى، والقِياسُ فيه ضَحْوان لأنَّه مِن الضَّحْوَةِ، وهي بهاءٍ، مِثْل غَدْيان وغَدْيانَة؛ قالَهُ شمِرٌ.
ورجُلٌ مُتَضَحِّ ومُسْتَضْحٍ ومُضْطَحٍ: إذا أَضْحَى؛ أَي دَخَلَ في وَقْتِ الضَّحْوَةِ.
والإضْحِيانُ، بالكسْر: نَبْتٌ كالأُقْحُوانِ في الهَيْئةِ.
وما لكَلامِهِ ضُحًى، كَهُدًى؛ أَي بَيانٌ وظُهورٌ؛ كذا في المُحْكم، وهكذا ضَبَطَه بالكسْرِ.
والذي في الأساسِ: وأَنْشَدَني شعْرًا ليسَ فيه حَلاوَةٌ ولا ضَحاءٌ؛ أَي ليسَ بواضِحِ المعْنَى، وضَبَطَه بالمدِّ فتأَمَّل ذلك.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
ضحَّى الرَّجلُ: تغدَّى بالضُّحى؛ وأَنْشَدَ ابنُ سِيدَه:
ضَحَّيْتُ حتى أَظْهَرَتْ بمَلْحوبْ *** وحَكَّتِ السَّاقَ ببَطْنِ العُرْقوبْ
يقولُ: ضَحَّيْت لكَثْرَةِ أَكْلِها حتى تعَدَّيْت تلكَ السَّاعةَ انْتِظارًا لها، والاسْمُ الضَّحاءُ، كسَماءٍ.
وفي الصِّحاح: الضَّحاءُ الغَداءُ، سُمِّي بذلكَ لأنَّه يُؤْكَلُ في الضّحاءِ؛ قالَ ذو الرُّمَّةِ:
تَرَى الثَّوْرَ يَمْشِي راجِعًا مِنْ ضَحائِهِ *** بها مِثْلَ مشْيِ الهِبْرِزِيِّ المُسَرْوَلِ
وضَحَّى قَوْمَه: غَدَّاهُم، أَو دَعاهُم إلى ضحائِهِ.
وبَدا بضاحِي رأَسِهِ: أَي ناحِيَتِه.
والضَّحْيانُ مِن كلِّ شيءٍ: البارِزُ للشَّمْسِ.
قال ابنُ جنِّي: القِياسُ ضَحْوانٌ لأنَّه مِن الضّحْوةِ إلَّا أنَّه اسْتُخِفَّ بالياءِ.
والضَّحْيانُ: لَقَبُ عامِرِ بنِ سعْدِ بنِ الخزرج من بَنِي النَّمِر بنِ قاسِطٍ، سمِّي بذلكَ لأنه كانَ يَقْعدُ لقوْمِه في الضَّحاءِ فيَقْضِي بَيْنهم.
والضَّحْيانَةُ: عَصًا نَبَتَتْ في الشمْسِ حتى طَبَخَتْها وأَنْضَجَتْهَا، وهي أَشَدُّ ما تكونُ، ومنه قولُ الشاعرِ:
يَكْفِيك جهْلَ الأَحْمَقِ المُسْتَجْهَلِ *** ضَحْيانَةٌ من عَقَداتِ السَّلْسَلِ
وضَحِيَ للشَّمْسِ، كرَضِيَ، ضَحاءً، مَمْدودٌ: بَرَزَ، وكَذلِكَ ضَحَى، كسَعَى. ومُسْتَقْبلُهُما يَضْحَى في اللُّغَتَيْن جمِيعًا؛ نَقَلَهُ الجوهريُّ؛ وزادَ ابنُ القطَّاع في مصادِرِه ضحيًّا.
وفي الحديثِ: أَنَّ ابنَ عُمَر رأَى رجُلًا مُحْرِمًا قدِ اسْتَظَلَّ فقال: «أَضْح لِمَنْ أَحْرَمْتَ له»، قالَ الجوهريُّ هكذا يَرْوِيه المحدِّثونَ بفتْحِ الأَلِفِ وكَسْر الحاءِ مِن أَضْحَيْتُ. وقالَ الأصْمعيّ: إنَّما هو بكَسْر الأَلِفِ وفتحِ الحَاءِ مِن ضَحِيتُ أَضْحَى، لأنَّه إنَّما أَمَرَه بالبُروزِ للشَّمْسِ.
وضحيته عن الشيءِ: رَفَقْتُ به.
وضَحِّ رُوَيْدًا: أَي لا تَعْجَل، قالَ زَيْدُ الخَيْل الطَّائيَ:
فلو أَنَّ نَصْرًا أَصْلَحَتْ ذاتَ بَيْنها *** لضَحَّتْ رُوَيْدًا عن مطالِبِها عَمْرُو
ونَصْرٌ وعَمْرٌو: ابْنا قُعَيْنٍ، بَطْنانِ من أَسَدٍ؛ كما في الصِّحاح.
وفي الأساسِ: ومِن المجازِ: ضَحَّى عن الأَمْرِ وعَشَّى عنه إذا تَأَنَّى عنه واتَّأَدَ ولم يَعْجَلْ.
وفي مَثَلٍ: ضَحِّ رُوَيْدًا وعَشِّ رُوَيْدًا. وأَصْلُه من تَضْحِيةِ الإِبِلِ عن الوِرْدِ، انتهَى.
وفي كتابِ عليِّ إلى ابنِ عبَّاس، رضِيَ اللهُ تعالى عنهم: «أَلا ضَحِّ رُوَيْدًا فقد بَلَغْتَ المَدَى»؛ أَي اصْبِرْ قَليلًا.
وفي المُحْكم: في مَثَلٍ ضَحِّ ولا تَغْتَر، ولا يقالُ ذلكَ إلَّا للإنْسانِ؛ قالَهُ الأصْمعي؛ وجَعَلَه غيرُهُ للناسِ والإبِلِ.
واسْتَضْحى للشَّمْسِ: بَرَزَ لها وقَعَدَ عنْدَها في الشِّتاءِ خاصَّةً.
وضُحَى الشَّمْسِ: ضَوْؤُها؛ وبه فُسِّر قوْلُه تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحاها}، كذا في مقدّمَةِ الفَتْح.
والضَّواحِي من النَّخْلِ: ما كانَ خارجَ السُّورِ، صفَةٌ غالِيَةٌ لأنَّها تَضْحَى للشَّمْسِ.
ولَيْلَةُ ضَحْيا، بالقَصْر والمَدِّ؛ وذَكَرَ المصنِّفُ المَمْدودَ، وضَحْيانٌ وضَحْيانَةٌ وإضْحِيانُ وإِضْحِيانَةُ، بكسْرِهما، ولم يأْتِ في الصِّفاتِ إفْعِلان إلَّا هذا.
وفي ارْتِشافِ الضرْب لأبي حيَّان: أَنَّه يقالُ أَضْحيانُ بالفَتْح.
قالَ شيْخُنا: وهو غريبٌ.
ويومٌ إضْحيانٌ وضَحْيانٌ، وسِراجٌ ضَحْيانٌ، وَقَمَرٌ ضَحْيانٌ وإضْحيانٌ؛ كلُّ ذلكَ أَي مُضِيءٌ.
وبَنُو ضَحْيانٍ: بَطْنٌ.
وضَحْياءُ: مُوضِعٌ.
وقد ضَحِيَتِ الليْلَةُ، كرَضِيَ: لم يكنْ فيها غَيْمٌ.
وضحى الفَرَسُ: ابيضَّ.
وأَضْحَى: صَلَّى النافِلَةَ في ذلكَ الوَقْتِ.
وهو مِن أَهْلِ الضَّاحِيَةِ: أَي البادِيَةِ.
وضَواحِي قُرَيْش: النَّازِلُونَ بظَواهِرِ مَكَّةَ.
وضاحَتِ البِلادُ: بَرَزَتْ للشَّمْسِ فيَبِسَ نَباتُها، فاعلت من ضَحا، والأَصْلُ ضاحيت. وقالَ الأصْمعي: يُسْتَحبُّ من الفَرَسِ أَنْ يَضْحى عِجَانُه؛ أَي يظهرَ، نقلَهُ الجوهريُّ.
وأَضْحَى عن الأَمْرِ بَعُدَ عنه.
والقَطا يُضْحِي عن الماءِ: أَي يَبْعدُ، وهو مجازٌ.
وشجرَةٌ ضاحِيَةُ الظِّلِّ: أَي لا ظِلَّ لها.
ومَفازَةٌ ضاحِيَةُ الظلالِ.
وفي الدُّعاء: لا أَضْحَى اللهُ لنا ظِلِّكَ.
وأَبو الضُّحَى مُسْلمُ بنُ صُبَيْح الهَمَداني الكُوفي عن مَسْرُوق، وعنه الأَعْمشُ.
وضحى لَقَبُ جماعَةٍ بشرْبِيْن مِن أَرْضِ مِصْرَ منهم: سلامَةُ بنُ أَحمدَ الشّرْبِينِي الفرضيُّ تَفَقَّه على المزاحي، وعنه شيخُ مشايخِنا أَبو حامِدٍ البُدَيْرِي، تُوفِي سَنَة 1087؛ ومنهم: صاحِبُنا المُعَمِّر عبْدُ الخالِقِ بنُ عبدِ الخالِقِ بنِ محمدٍ، بَارَكَ اللهُ فيه.
وما أَدْرِي أَيَّ الضَّحْياءِ هو؛ أَي أَيِّ الناسِ؛ نقلَهُ الأزهريُّ في ترْكِيبِ طهي.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
72-لسان العرب (زجج)
زجج: الزُّجُّ: زُجُّ الرُّمْحِ والسَّهم.ابْنُ سِيدَهْ: الزُّجُّ الْحَدِيدَةُ الَّتِي تُرَكَّبُ فِي أَسفل الرمح، والسِّنانُ
يُرَكَّبُ عاليَتَه؛ والزُّجُّ تُرْكَزُ بِهِ الرُّمْح فِي الأَرض، والسِّنانُ يُطْعَنُ بِهِ، وَالْجَمْعُ أَزْجاجٌ وأَزِجَّةٌ وزِجاجٌ وزِجَجَةٌ.
الْجَوْهَرِيُّ: جَمْعُ زُجّ الرُّمْحُ زِجاجٌ، بِالْكَسْرِ، لَا غَيْرُ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: وَلَا تَقُلْ أَزِجَّة.
وأَزَجَّ الرُّمْحَ وزَجَّجَه وزَجَّاه، عَلَى الْبَدَلِ: ركَّبَ فِيهِ الزُّجَّ وأَزْجَجْتُه، فَهُوَ مُزَجٌّ؛ قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ:
أَصَمَّ رُدَيْنِيًّا، كأَنَّ كُعُوبَهُ ***نَوى القَضْبِ، عَرَّاضًا مُزَجًّا مُنَصَّلا
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَيُقَالُ أَزَجَّهُ إِذا أَزال مِنْهُ الزُّجَّ؛ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيضًا أَنه قَالَ: أَزْجَجْتُ الرُّمح جَعَلْتُ لَهُ زُجًّا، ونَصَلْتُه: جَعَلْتُ لَهُ نَصْلًا، وأَنْصَلْتُه: نَزَعْتُ نَصْلَه؛ قَالَ: وَلَا يُقَالُ أَزْجَجْتُه إِذا نَزَعْتَ زُجَّه؛ قَالَ: وَيُقَالُ لنَصْل السَّهْم زُجٌّ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
ومَنْ يَعْصِ أَطرافَ الزِّجاجِ، فإِنه ***يُطِيعُ العَوالي، رُكِّبَتْ كلَّ لَهْذَمِ
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يَقُولُ: مَنْ عَصَى الأَمر الصَّغِيرَ صَارَ إِلى الأَمر الْكَبِيرِ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: هَذَا مَثَلٌ.
يَقُولُ: إِن الزُّجَّ لَيْسَ يُطْعَنُ بِهِ، إِنما الطَّعْنُ بِالسِّنَانِ، فَمَنْ أَبى الصُّلْحَ، وَهُوَ الزجُّ الَّذِي لَا طَعْنَ بِهِ، أُعطي الْعَوَالِيَ، وَهِيَ الَّتِي بِهَا الطَّعْنُ.
قَالَ: ومَثل الْعَرَبُ: الطَّعْنُ يَظْأَرُ أَي يَعْطِفُ عَلَى الصُّلْحِ.
قَالَ خَالِدُ بْنُ كُلْثُومٍ: كَانُوا يَسْتَقْبِلُونَ أَعداءهم إِذا أَرادوا الصُّلْحَ بأَزجة الرِّمَاحِ؛ فإِذا أَجابوا إِلى الصُّلْحِ، وإِلا قَلَبُوا الأَسنة وَقَاتَلُوهُمْ.
ابْنُ الأَعرابي: زَجَّ إِذا طَعَنَ بالعَجَلَةِ.
وزَجَّه يَزُجُّه زَجًّا: طَعَنَهُ بالزُّجِّ وَرَمَاهُ بِهِ، فَهُوَ مَزْجُوج.
والزِّجاجُ: الأَنياب.
وزِجاجُ الْفَحْلِ: أَنيابه؛ وأَنشد:
لَهَا زِجاجٌ ولَهاة فارِضُ
وزُجُّ المِرْفَقِ: طَرَفُه المحدَّدُ، كُلُّهُ عَلَى التَّشْبِيهِ.
الأَصمعي: الزُّجُّ طَرَفُ الْمِرْفَقِ الْمُحَدَّدِ وإِبرة الذراع التي يَذْرَعُ الذارع مِنْ عِنْدِهَا.
والمِزَجُّ، بِكَسْرِ الْمِيمِ: رُمْحٌ قَصِيرٌ كالمِزْراقِ فِي أَسفله زُجٌّ.
وزَجَّ بِالشَّيْءِ مِنْ يَدِهِ يَزُجُّ زَجًّا: رَمَى بِهِ.
والزَّجُّ: رَمْيُكَ بِالشَّيْءِ تَزُجُّ بِهِ عَنْ نَفْسِكَ.
والزُّجُجُ: الحِرابُ المُنَصَّلَة.
والزُّجُجُ أَيضًا: الْحَمِيرُ المُقْتَتِلَةُ.
والزَّجَّاجَةُ: الِاسْتُ، لأَنها تَزُجُّ بالضَّرْطِ وَالزَّبْلِ.
وزَجَّ الظلِيمُ بِرِجْلِهِ زَجًّا: عَدَا فَرَمَى بِهَا.
وَظَلِيمٌ أَزَجُّ: يَزُجُّ بِرِجْلَيْهِ؛ وَيُقَالُ لِلظَّلِيمِ إِذا عَدا: زَجَّ بِرِجْلَيْهِ.
والزَّجَجُ فِي النَّعَامَةِ: طولُ سَاقَيْهَا وَتَبَاعُدُ خَطْوها؛ يُقَالُ: ظَلِيم أَزَجُّ وَرَجُلٌ أَزَجُّ طَوِيلُ السَّاقَيْنِ.
والأَزَجُّ مِنَ النَّعَامِ: الَّذِي فَوْقَ عَيْنِهِ رِيشٌ أَبيض، وَالْجَمْعُ الزُّجُّ.
والزُّجُّ: النَّعَامُ، الْوَاحِدَةُ زَجَّاءُ، وأَزَجُّ لِلذَّكَرِ، وَهُوَ الْبَعِيدُ الخَطْوِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
يَطْرُدُ الزُّجَّ، يُبارِي ظِلَّهُ ***بِأَسِيلٍ كالسِّنانِ المُنْتَخَلْ
يَقُولُ: رأْس هَذَا الْفَرَسِ مَعَ رأْس الزُّجِّ يُبَارِيهِ بخدِّه.
والزُّج هَاهُنَا: السِّنَانُ.
بأَسِيل: بِخَدٍّ طَوِيلٍ.
وظَلِيمٌ أَزَجُّ: بعيدُ الخَطْوِ.
وَنَعَامَةٌ زَجَّاءُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ نَاقَةً:
جُمالِيَّةٌ حَرْفٌ سَنادٌ، يَشُلُّها ***وَظِيفٌ أَزَجُّ الخَطْوِ، ظَمْآنُ سَهْوَقُ
جُماليَّةٌ أَي عَظِيمَةُ الْخَلْقِ كأَنها جَمَلٌ.
وحَرْفٌ: قَوِيَّةٌ.
وسَناد: مُشْرِفَة.
وأَزَجُّ الخطوِ: وَاسْعُهُ.
وَالْوَظِيفُ:
عَظْمُ السَّاقِ.
والسَّهْوَقُ: الطَّوِيلُ.
ويَشُلُّها: يَطْرُدُهَا.
والزَّجَجُ فِي الإِبل: رَوَحٌ فِي الرَّجْلَيْنِ وَتَحْنِيبٌ.
والزَّجَجُ: رِقَّة مَحَطِّ الْحَاجِبَيْنِ ودِقَّتُهُما وَطُولُهُمَا وسُبُوغُهما واسْتِقْواسُهُما؛ وَقِيلَ: الزَّجَجُ دِقَّة فِي الْحَاجِبَيْنِ وطُولٌ؛ وَالرَّجُلُ أَزَجُّ، وَحَاجِبٌ أَزَجُّ ومُزَجَّجٌ.
وزَجَّجَتِ المرأَةُ حَاجِبَهَا بالمِزَجِّ: دَقَّقَتْهُ وَطَوَّلَتْهُ؛ وَقِيلَ: أَطالته بالإِثمد؛ وَقَوْلُهُ:
إِذا مَا الْغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْمًا، ***وزَجَّجْنَ الحواجبَ والعُيونا
إِنما أَراد: وَكَحَّلْنَ العيونَ؛ كَمَا قَالَ:
شَرّابُ أَلْبانٍ وتَمْرٍ وأَقِطْ
أَراد: وَآكِلُ تمرٍ وأَقِط، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
عَلَفْتُها تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا، ***حَتَّى شَتَتْ، هَمَّالَةً، عَيْناها
أَي وَسَقَيْتُهَا مَاءً بَارِدًا.
يُرِيدُ أَن مَا جَاءَ مِنْ هَذَا فإِنما يَجِيءُ عَلَى إِضمار فِعْلٍ آخَرَ يَصِحُّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
يَا لَيْتَ زَوْجَكِ، قَدْ غَدا ***مُتَقَلِّدًا سَيْفًا ورُمْحا
تَقْدِيرُهُ: وَحَامِلًا رُمْحًا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ عَجُزَ بَيْتٍ عَلَى: زَجَّجَتِ المرأَة حَاجِبَيْهَا، وَهُوَ:
وزَجَّجْنَ الحواجبَ وَالْعَيُونَا
قَالَ: هُوَ لِلرَّاعِي وَصَوَابُهُ يُزَجِّجْنَ؛ وَصَدْرُهُ:
وهِزَّةِ نِسْوَةٍ مِنْ حَيِّ صِدْقٍ، ***يُزَجِّجْنَ الحواجبَ والعُيونا
وَبَعْدِهِ:
أَنَخْنَ جِمالَهُنَّ بذاتِ غِسْلٍ، ***سَراةَ اليَوْمِ، يَمْهَدْنَ الكُدُونا
ذَاتُ غِسْل: مَوْضِعٌ.
ويَمْهَدْنَ: يُوَطِّئْنَ.
وَالْكُدُونُ: جَمْعُ كِدْنٍ، وَهُوَ مَا تُوَطِّئُ بِهِ المرأَة مَرْكَبَهَا مِنْ كِسَاءٍ وَنَحْوِهِ.
وَفِي صِفَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ؛ الزَّجَجُ: تَقَوُّسٌ فِي النَّاصِيَةِ مَعَ طُولٍ فِي طَرَفِهِ وامتدادٍ.
والمِزَجَّةُ: مَا يُزَجَّجُ بِهِ الحاجبُ.
والأَزَجُّ: الحاجبُ، اسْمٌ لَهُ فِي لُغَةِ أَهل الْيَمَنِ.
وَفِي حَدِيثِ الَّذِي اسْتَسْلَفَ أَلف دِينَارٍ فِي بَنِي إِسرائيل: «فأَخذ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا وأَدخل فِيهَا أَلف دِينَارٍ وَصَحِيفَةً، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَها»أَي سَوَّى مَوْضِعَ النَّقْرِ وأَصلحه؛ مِن تَزْجِيجِ الْحَوَاجِبِ، وَهُوَ حَذْفُ زَوَائِدِ الشِّعْرِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ مأْخوذًا مِنَ الزُّجِّ النَّصْلِ، وَهُوَ أَن يَكُونَ النَّقْرُ فِي طَرَفِ الْخَشَبَةِ، فَتَرَكَ فِيهِ زُجًّا لِيُمْسِكَهُ وَيَحْفَظَ مَا فِي جَوْفِهِ.
وازْدَجَّ النبتُ: اشْتَدَّتْ خُصاصُه.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «صَلَّى النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ فَتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ فأَمسى الْمَسْجِدُ مِنَ اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ زَاجًّا»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْجَرْمِيُّ أَظنه جأْزًا؛ أي غَاصًّا بِالنَّاسِ، فَقُلِبَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: جَئِزَ بِالشَّرَابِ جَأَزًا إِذا غُصَّ بِهِ؛ قَالَ أَبو مُوسَى: وَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ رَاجًّا، بِالرَّاءِ؛ أَراد أَنَّ لَهُ رَجَّةً مِنْ كَثْرَةِ النَّاسِ.
والزُّجاجُ والزَّجاجُ والزِّجاجُ: الْقَوَارِيرُ، وَالْوَاحِدَةُ مِنْ ذَلِكَ زُجاجَةٌ، بِالْهَاءِ، وأَقلها الْكَسْرُ.
اللَّيْثُ: والزُّجاجَةُ فِي قَوْلِهِ تعالى: القِنْديلُ.
وأَجماد الزِّجاج: بالصَّمَّان؛ ذَكَرَهُ ذُو الرُّمَّةِ:
فَظَلَّتْ، بأَجْمادِ الزِّجاجِ، سَواخِطًا ***صِيامًا، تُغَنِّي، تَحْتَهُنَّ، الصفائحُ
يَعْنِي الْحَمِيرَ سَخِطت عَلَى مَرْتَعِهَا لِيُبْسِهِ.
أَبو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ للقَدَحِ: زُجاجَة، مَضْمُومَةُ الأَول، وإِن شِئْتَ مَكْسُورَةٌ، وإِن شِئْتَ مَفْتُوحَةٌ، وَجَمْعُهَا زِجاجٌ وزُجاج وزَجاجٌ.
والزَّجَّاجُ: صَانِعُ الزُّجاج، وَحِرْفَتُهُ الزِّجاجَةُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراها عِراقِيَّة.
وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ زُجِّ لاوَةَ، وَهُوَ بِضَمِّ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ: مَوْضِعٌ نَجْدِيٌّ بَعَثَ إِليه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضحاكَ بْنَ سُفْيَانَ يَدْعُو أَهله إِلى الإِسلام.
وزُجٌّ أَيضًا: ماءُ أَقطعه رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، العَدَّاءَ بْنَ خالد.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
73-لسان العرب (شرف)
شرف: الشَّرَفُ: الحَسَبُ بِالْآبَاءِ، شَرُفَ يَشْرُفُ شَرَفًا وشُرْفَةً وشَرْفَةً وشَرَافَةً، فَهُوَ شَرِيفٌ، وَالْجَمْعُ أَشْرافٌ.غَيْرُهُ: والشَّرَفُ والمَجْدُ لَا يكونانِ إِلَّا بِالْآبَاءِ.
وَيُقَالُ: رَجُلٌ شريفٌ وَرَجُلٌ ماجدٌ لَهُ آباءٌ متقدِّمون فِي الشرَف.
قَالَ: والحسَبُ والكَرَمُ يكونانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آبَاءٌ لَهُمْ شَرَفٌ.
والشَّرَفُ: مَصْدَرُ الشَّريف مِنَ النَّاسِ.
وشَرِيفٌ وأَشْرَافٌ مِثْلُ نَصِيرٍ وأَنْصار وشَهِيد وأَشْهادٍ، الْجَوْهَرِيُّ: وَالْجَمْعُ شُرَفَاء وأَشْرَافٌ، وَقَدْ شَرُفَ، بِالضَّمِّ، فَهُوَ شَرِيف الْيَوْمَ، وشَارِفٌ عَنْ قَلِيلٍ أَي سَيَصِيرُ شَرِيفًا؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ.
وَفِي حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ: «قِيلَ للأَعمش: لمَ لمْ تَسْتَكْثِر مِنَ الشَّعْبِيِّ؟ قَالَ: كَانَ يَحْتَقِرُني كُنْتُ آتِيه مَعَ إِبْرَاهِيمَ فَيُرَحِّبُ بِهِ وَيَقُولُ لِيَ: اقْعُدْ ثَمَّ أَيُّها العبدُ ثُمَّ يَقُولُ:
لَا نَرْفَعُ العبدَ فَوْقَ سُنَّته، ***مَا دامَ فِينا بأَرْضِنا شَرَفُ»
أَي شَرِيفٌ.
يُقَالُ: هُوَ شَرَفُ قَوْمِهِ وكَرَمُهم أَي شَريفُهُم وكَريمهم، وَاسْتَعْمَلَ أَبو إِسْحَاقَ الشَّرَفَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: أَشْرَفُ آيةٍ فِي الْقُرْآنِ آيةُ الْكُرْسِيِّ.
والمَشْرُوفُ: الْمَفْضُولُ.
وَقَدْ شَرَفه وشَرَفَ عَلَيْهِ وشَرَّفَه: جَعَلَ لَهُ شَرَفًا؛ وَكُلُّ مَا فَضَلَ عَلَى شَيْءٍ، فَقَدْ شَرَفَ.
وشارَفَه فَشَرَفَه يَشْرُفه: فاقَه فِي الشرفِ؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي.
وَشَرفْتُه أَشْرُفه شَرْفًا أَي غَلَبْته بالشرَفِ، فَهُوَ مَشْرُوف، وَفُلَانٌ أَشْرَفُ مِنْهُ.
وشارَفْتُ الرَّجُلَ: فَاخَرْتُهُ أَيُّنا أَشْرَفُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا ذِئبان عادِيانِ أَصابا فَريقة غَنَمٍ بأَفْسَدَ فِيهَا مِنْ حُبِّ الْمَرْءِ المالَ والشَّرَفَ لِدِينه»؛ يُرِيدُ أَنه يَتَشَرَّفُ للمُباراةِ والمُفاخَرةِ والمُساماةِ.
الْجَوْهَرِيُّ: وشَرَّفَه اللَّهُ تَشْريفًا وتَشَرَّفَ بِكَذَا أَي عَدَّه شَرَفًا، وشَرَّفَ العظْمَ إِذَا كَانَ قَلِيلَ اللَّحْمِ فأَخذ لحمَ عَظْمٍ آخرَ ووضَعَه عَلَيْهِ؛ وَقَوْلُ جَرِيرٍ:
إِذَا مَا تَعاظَمْتُمْ جُعُورًا، فَشَرِّفُوا ***جَحِيشًا، إِذَا آبَتْ مِنَ الصَّيْفِ عِيرُها
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَرى أَنَّ مَعْنَاهُ إِذَا عَظُمَتْ فِي أَعينكم هَذِهِ الْقَبِيلَةُ مِنْ قَبَائِلِكُمْ فَزِيدُوا مِنْهَا فِي جَحِيش هَذِهِ الْقَبِيلَةِ الْقَلِيلَةِ الذَّلِيلَةِ، فَهُوَ عَلَى نَحْوِ تَشْريفِ العظْمِ باللَّحم.
والشُّرْفَةُ: أَعلى الشَّيْءِ.
والشَّرَفُ: كالشُّرْفةِ، وَالْجَمْعُ أَشْرَافٌ؛ قَالَ الأَخطل:
وَقَدْ أَكل الكِيرانُ أَشْرافَها العُلا، ***وأُبْقِيَتِ الأَلْواحُ والعَصَبُ السُّمْرُ
ابْنُ بُزُرْجَ: قَالُوا: لَكَ الشُّرْفةُ فِي فُؤَادي عَلَى النَّاسِ.
شَمِرٌ: الشَّرَفُ كُلُّ نَشْزٍ مِنَ الأَرض قَدْ أَشْرَفَ عَلَى مَا حَوْلَهُ، قادَ أَو لَمْ يَقُد، سَوَاءٌ كَانَ رَمْلًا أَو جَبَلًا، وَإِنَّمَا يَطُولُ نَحْوًا مِنْ عشْر أَذرُع أَو خمس، قَلَّ عِرَضُ طهره أَو كَثُرَ.
وَجَبَلٌ مُشْرِفٌ: عالٍ.
والشَّرَفُ مِنَ الأَرض: مَا أَشْرَفَ لَكَ.
وَيُقَالُ: أَشْرَفَ لِي شَرَفٌ فَمَا زِلْتُ أَرْكُضُ حَتَّى عَلَوْتُهُ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
إِذَا مَا اشْتَأَى شَرَفًا قَبْلَه ***وواكَظَ، أَوْشَكَ مِنْهُ اقْتِرابا
الْجَوْهَرِيُّ: الشَّرَفُ العُلُوُّ وَالْمَكَانُ الْعَالِي؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
آتِي النَّدِيَّ فَلَا يُقَرَّبُ مَجْلِسي، ***وأَقُود للشَّرَفِ الرَّفِيعِ حِماري
يَقُولُ: إِنِّي خَرِفْت فَلَا يُنتفع برَأْيي، وكبِرْت فَلَا أَستطيع أَن أَركب مِنَ الأَرض حِمَارِي إِلَّا مِنْ مَكَانٍ عَالٍ.
اللَّيْثُ: المُشْرَفُ الْمَكَانُ الَّذِي تُشْرِفُ عَلَيْهِ وَتَعْلُوهُ.
قَالَ: ومَشارِفُ الأَرض أَعاليها.
وَلِذَلِكَ قِيلَ: مَشارِفُ الشَّامِ.
الأَصمعي: شُرْفَةُ الْمَالِ خِيارُه، وَالْجَمْعُ الشُّرَفُ.
وَيُقَالُ: إِنِّي أَعُدُّ إتْيانَكم شُرْفةً وأَرى ذَلِكَ شُرْفةً أَي فَضْلًا وشَرَفًا.
وأَشْرافُ الإِنسان: أُذُناه وأَنْفُه؛ وَقَالَ عَدِيٌّ:
كَقَصِير إِذْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ أَنْ جَدَّع ***أَشْرافَه لمَكْر قَصِير
ابْنُ سِيدَهْ: الأَشْرافُ أَعلى الإِنسانِ، والإِشرافُ: الانتصابُ.
وَفَرَسٌ مُشْتَرِفٌ أَي مُشْرِفُ الخَلْق.
وَفَرَسٌ مُشْتَرِفٌ: مُشْرِفُ أَعالي الْعِظَامِ.
وأَشْرَف الشيءَ وَعَلَى الشَّيْءِ: عَلاه.
وتَشَرَّفَ عَلَيْهِ: كأَشْرَفَ.
وأَشْرَفَ الشيءُ: عَلَا وَارْتَفَعَ.
وشَرَفُ الْبَعِيرِ: سَنامه، قَالَ الشَّاعِرُ: شَرَفٌ أَجَبُّ وكاهِلٌ مَجْزُولُ "وأُذُن شَرْفَاء أَي طَوِيلَةٌ.
والشَّرْفَاء مِنَ الْآذَانِ: الطَّوِيلَةُ القُوفِ الْقَائِمَةُ المُشْرِفةُ وَكَذَلِكَ الشُّرافِيَّة، وَقِيلَ: هِيَ الْمُنْتَصِبَةُ فِي طُولٍ، وَنَاقَةٌ شَرْفَاء وشُرافِيَّةٌ: ضَخْمةُ الأُذنين جَسِيمَةٌ، وضَبٌّ شُرافيٌّ كَذَلِكَ، ويَرْبُوعٌ شُرافيّ؛ قَالَ:
وَإِنِّي لأَصْطادُ اليَرابيعَ كُلَّها: ***شُرافِيَّها والتَّدْمُريَّ المُقَصِّعا
وَمَنْكِبٌ أَشْرَفُ: عَالٍ، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ ارْتِفَاعٌ حَسَنٌ وَهُوَ نقِيض الأَهدإِ.
يُقَالُ مِنْهُ: شَرِفَ يَشْرَفُ شَرَفًا، وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
جَزى اللهُ عَنَّا جَعْفَرًا، حِينَ أَشْرَفَتْ ***بِنَا نَعْلُنا فِي الواطِئين فَزَلَّتِ
لَمْ يُفَسِّرْهُ وَقَالَ: كَذَا أَنشدَناه عُمَرُ بْنُ شَبَّة، وقال: وَيُرْوَى حِينَ أَزْلَفَتْ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُهُ هَكَذَا أَنشدناه تَبَرُّؤٌ مِنَ الرِّوَايَةِ.
والشُّرْفةُ: مَا يُوضَعُ عَلَى أَعالي القُصور والمدُن، وَالْجَمْعُ شُرَفٌ.
وشَرَّفَ الحائطَ: جُعِلَ لَهُ شُرْفةً.
وَقَصْرٌ مُشَرَّفٌ: مطوَّل.
والمَشْرُوف: الَّذِي قَدْ شَرَفَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، يُقَالُ: قَدْ شَرَفَه فَشَرَفَ عَلَيْهِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أُمِرْنا أَن نَبْني المَدائِنَ شُرَفًا والمساجِدَ جُمًّا»؛ أَراد بالشُّرَفِ الَّتِي طُوّلت أَبْنِيَتُها بالشُّرَفِ، الْوَاحِدَةُ شُرْفةٌ، وَهُوَ عَلَى شَرَفِ أَمر؛ أي شَفًى مِنْهُ.
والشَّرَفُ: الإِشْفاء عَلَى خَطَر مِنْ خَيْرٍ أَو شَرٍّ.
وأَشْرَفَ لَكَ الشيءُ: أَمْكَنَك.
وشارَفَ الشيءَ: دَنَا مِنْهُ وقارَبَ أَن يَظْفَرَ بِهِ.
وَيُقَالُ: سَارُوا إِلَيْهِمْ حَتَّى شَارَفُوهم أَي أَشْرَفُوا عَلَيْهِمْ.
وَيُقَالُ: مَا يُشْرِفُ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا أَخذه، وَمَا يُطِفُّ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا أَخذه، وَمَا يُوهِفُ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا أَخذه.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: «أُمِرْنا فِي الأَضاحي أَن نَسْتَشْرفَ الْعَيْنَ والأُذن»؛ مَعْنَاهُ؛ أي نتأَمل سَلَامَتَهُمَا مِنْ آفةٍ تَكُونُ بِهِمَا، وآفةُ الْعَيْنِ عَوَرُها، وَآفَةُ الأُذن قَطْعها، فَإِذَا سَلِمَت الأُضْحِية مِنَ العَوَر فِي الْعَيْنِ والجَدْعِ فِي الأُذن جَازَ أَن يُضَحَّى بها، إذا كَانَتْ عَوْراء أَو جَدْعاء أَو مُقابَلَةً أَو مُدابَرَةً أَو خَرْقاء أَو شَرْقاء لَمْ يُضَحَّ بِهَا، وَقِيلَ: اسْتِشْرافُ الْعَيْنِ والأُذن أَن يَطْلُبَهُمَا شَريفَيْن بِالتَّمَامِ وَالسَّلَامَةِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الشُّرْفةِ وَهِيَ خِيارُ الْمَالِ؛ أي أُمِرْنا أَن نَتَخَيَّرَهَا.
وأَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ وأَشْفى: قارَبَ.
وتَشَرَّفَ الشيءَ واسْتَشْرَفه: وَضَعَ يَدَهُ عَلَى حاجِبِه كَالَّذِي يَسْتَظِلُّ مِنَ الشَّمْسِ حَتَّى يُبْصِرَه ويَسْتَبِينَه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مُطَيْر:
فَيا عَجَبًا للناسِ يَسْتَشْرِفُونَني، ***كأَنْ لَمْ يَرَوا بَعْدي مُحِبًّا وَلَا قبْلي
وَفِي حَدِيثِ أَبي طَلْحَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنه كَانَ حسَنَ الرمْي فَكَانَ إِذَا رَمَى اسْتَشْرَفَه النبي»، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، لِيَنْظُرَ إِلَى مَواقِعِ نَبْله أَي يُحَقِّقُ نَظَرَهُ ويَطَّلِعُ عَلَيْهِ.
والاسْتِشْرافُ: أَن تَضَع يَدَكَ عَلَى حَاجِبِكَ وَتَنْظُرَ، وأَصله مِنَ الشَّرَف العُلُوّ كأَنه يَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَوْضِعٍ مُرْتَفِع فَيَكُونُ أَكثر لإِدراكه.
وَفِي حَدِيثِ أَبي عُبَيْدَةَ: «قَالَ لِعُمَرَ»، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لَمَّا قَدِمَ الشامَ وَخَرَجَ أَهلُه يَسْتَقْبِلُونَهُ: مَا يَسُرُّني أَن أَهلَ هَذَا الْبَلَدِ اسْتَشْرَفُوك أَي خَرَجُوا إِلَى لِقَائِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لأَن عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ مَا تَزَيَّا بِزِيِّ الأُمراء فَخَشِيَ أَن لَا يَسْتَعْظِمُوه.
وَفِي حَدِيثِ الفِتَن: «مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا اسْتَشْرَفَتْ لَهُ»؛ أي مَنْ تَطَلَّعَ إِلَيْهَا وتَعَرَّضَ لَهَا واتَتْه فَوَقَعَ فِيهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تُشْرِفْ يُصِبْك سَهْمٌ»أَي لَا تَتَشَرَّفْ مِنْ أَعْلى الْمَوْضِعِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «حَتَّى إِذَا شارَفَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتَهَا أَي قَرُبَت مِنْهَا وأَشْرَفَت عَلَيْهَا».
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبيه: أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِي عُمَر الْعَطَاءَ فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ: يَا رسولَ اللَّهِ أَعْطِه أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْه فتَمَوَّلْه أَو تَصَدَّقْ بِهِ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وأَنتَ غيرُ مُشْرِفٍ لَهُ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْه نفسَك "، قَالَ سَالِمٌ: فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَه؛ وَقَالَ شَمِرٌ فِي قَوْلِهِ" وأَنت غَيْرُ مُشْرِفٍ لَهُ "قَالَ: مَا تُشْرِفُ عَلَيْهِ وتَحَدَّثُ بِهِ نَفْسَكَ وَتَتَمَنَّاهُ؛ وأَنشد:
لَقَدْ عَلِمْتُ، وَمَا الإِشْرافُ مِنْ طَمَعي، ***أَنَّ الَّذِي هُو رِزْقي سَوْفَ يأْتيني
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الإِشْرافُ الحِرْصُ.
وَرُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: «وأَنتَ غيرُ مُشْرِفٍ لَهُ أَو مُشارِفٍ فَخُذْهُ».
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: اسْتَشْرَفَني حَقّي أَي ظَلمَني؛ وَقَالَ ابْنُ الرِّقاع:
وَلَقَدْ يَخْفِضُ المُجاوِرُ فيهمْ، ***غيرَ مُسْتَشْرَفٍ وَلَا مَظْلوم
قَالَ: غيرَ مُسْتَشْرَف أَي غيرَ مَظْلُومٍ.
وَيُقَالُ: أَشْرَفْتُ الشيءَ عَلَوْتُه، وأَشْرَفْتُ عَلَيْهِ: اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقُ، أَراد مَا جَاءَكَ مِنْهُ وأَنت غيرُ مُتَطَلِّع إِلَيْهِ وَلَا طامِع فِيهِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: اسْتَشْرَفْتُ الشيءَ إِذَا رَفَعْتَ رأْسَك أَو بصَرك تَنْظُرُ إِلَيْهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَنْتَهِبُ نُهْبةً ذاتَ شَرَفٍ وَهُوَ مؤمِنٌ» أَي ذاتَ قَدْر وقِيمة ورِفْعةٍ يَرْفَعُ الناسُ أَبصارهم لِلنَّظَرِ إِلَيْهَا ويَسْتَشْرفونها.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَشَرَّفُوا لِلْبَلَاءِ»؛ قَالَ شَمِرٌ: التَّشَرُّف لِلشَّيْءِ التَّطَلُّعُ والنظرُ إِلَيْهِ وحديثُ النفْسِ وتَوَقُّعُه؛ وَمِنْهُ: فَلَا يَتَشَرَّفُ إبلَ فُلَانٍ أَي يَتَعَيَّنُها.
وأَشْرَفْت عَلَيْهِ: اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقُ، وَذَلِكَ الْمَوْضِعُ مُشْرَفٌ.
وشارَفْتُ الشَّيْءَ أَي أَشْرَفْت عَلَيْهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «اسْتَشْرَفَ لَهُمْ ناسٌ»أَي رَفَعُوا رؤُوسَهم وأَبصارَهم؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ فِي حَدِيثِ سَالِمٍ: «مَعْنَاهُ وأَنت غَيْرُ طَامِعٍ وَلَا طامِحٍ إِلَيْهِ ومُتَوَقِّع لَهُ».
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: مَنْ أَخَذَ الدُّنْيَا بإشرافِ نفْس لَمْ يُبارَك لَهُ فِيهَا، وَمَنْ أَخذها بسخاوةِ نَفْس بُورِك لَهُ فِيهَا "، أَي بحرْصٍ وطَمَعٍ.
وتَشَرَّفْتُ المَرْبَأَ وأَشْرَفْتُه أَي عَلَوْتُهُ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
ومَرْبَإٍ عالٍ لِمَن تَشَرَّفا، ***أَشْرَفْتُه بلا شَفًى أَو بِشَفى
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: بِلَا شَفًى أَي حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، أَو بشَفًى أَي بقِيَتْ مِنَ الشَّمْسِ بقِيّة.
يُقَالُ عند "غُرُوبِ الشَّمْسِ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا شَفًى.
واسْتَشْرَفَ إبلَهم: تَعَيَّنَها ليُصِيبها بِالْعَيْنِ.
والشارِفُ مِنَ الإِبل: المُسِنُّ والمُسِنَّةُ، وَالْجَمْعُ شَوَارِفُ وشُرَّفٌ وشُرُفٌ وشُرُوفٌ، وَقَدْ شَرُفَتْ وشَرَفَتْ تَشْرُف شُرُوفًا.
والشارِفُ: الناقةُ الَّتِي قَدْ أَسَنَّتْ.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الشَّارِفُ النَّاقَةُ الهِمّةُ، وَالْجَمْعُ شُرْفٌ وشَوَارِفُ مِثْلُ بازِلٍ وبُزْلٍ، وَلَا يُقَالُ لِلْجَمَلِ شارِفٌ؛ وأَنشد اللَّيْثُ:
نَجاة مِنَ الهُوجِ المَراسِيلِ هِمَّة، ***كُمَيْت عَلَيْهَا كَبْرةٌ، فَهِيَ شَارِفُ
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وحَمْزة، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ:
«أَلا يَا حَمْزَ للشُّرُفِ النِّواء، ***فَهُنَّ مُعَقَّلاتٌ بالفِناء»
هِيَ جَمْعُ شَارِفٍ وتضمُّ راؤُها وَتُسَكَّنُ تَخْفِيفًا، وَيُرْوَى ذَا الشَّرَف، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالشِّينِ، أَي ذَا العَلاء والرِّفْعةِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ زِمْل: «وَإِذَا أَمام ذَلِكَ ناقةٌ عَجْفاء شَارِفٌ»؛ هِيَ المُسِنّةُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا أَنى أَن يَخْرُجَ بِكُمُ الشُّرْفُ الجُونُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشُّرْفُ الجُون؟ قَالَ: فِتَنٌ كقِطْعِ الليلِ المُظْلمِ»؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: الشُّرْفُ جَمْعُ شارِفٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الهَرِمةُ، شبَّه الفِتَنَ فِي اتِّصالها وامْتِداد أَوقاتها بالنُّوق المُسِنَّة السُّود، والجُونُ: السُّودُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا يُرْوَى بِسُكُونِ الرَّاءِ وَهِيَ جَمْعٌ قَلِيلٌ فِي جَمْعِ فَاعِلٍ لَمْ يَردْ إِلَّا فِي أَسماء مَعْدُودَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخرى: " الشُّرْقُ الجُون "، بِالْقَافِ، وَهُوَ جَمْعُ شارِق وَهُوَ الَّذِي يأْتي مِنْ نَاحِيَةِ المَشْرِق، وشُرْفٌ جَمْعُ شَارِفٍ نَادِرٌ لَمْ يأْت مثلَه إِلَّا أَحرف مَعْدُودَةٌ: بازِلٌ وبُزْلٌ وحائلٌ وحُولٌ وعائذٌ وعُوذٌ وعائطٌ وعُوطٌ.
وَسَهْمٌ شَارِفٌ: بَعِيدُ الْعَهْدِ بالصِّيانةِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي انْتَكَثَ رِيشُه وعَقَبُه، وقيل: هُوَ الدَّقِيقُ الطَّوِيلُ.
غَيْرُهُ: وَسَهْمٌ شَارِفٌ إِذَا وُصِف بالعُتْق والقِدَم؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:
يُقَلِّبُ سَهْمًا راشَه بمَناكِبٍ ***ظُهار لُؤامٍ، فَهُوَ أَعْجَفُ شَارِفُ
اللَّيْثُ: يُقَالُ أَشْرَفَتْ عَلَيْنَا نفْسُه، فَهُوَ مُشْرِفٌ عَلَيْنَا أَي مُشْفِقٌ.
والإِشْرَافُ: الشَّفَقة؛ وأَنشد:
وَمِنْ مُضَرَ الحَمْراء إشْرَافُ أَنْفُسٍ ***عَلَيْنَا، وحَيّاها إِلَيْنَا تَمَضُّرا
ودَنٌّ شَارِفٌ: قدِيمُ الخَمْر؛ قَالَ الأَخطل:
سُلافةٌ حَصَلَتْ مِنْ شَارِفٍ حَلِقٍ، ***كأَنَّما فارَ مِنْهَا أَبْجَرٌ نَعِرُ
وَقَوْلُ بِشْرٍ:
وطائرٌ أَشْرَفُ ذُو خُزْرةٍ، ***وطائرٌ لَيْسَ لَهُ وَكْرُ
قَالَ عَمْرٌو: الأَشْرَفُ مِنَ الطَّيْرِ الخُفّاشُ لأَنَّ لأُذُنيه حَجْمًا ظَاهِرًا، وَهُوَ مُنْجَرِدٌ مِنَ الزِّفِّ والرِّيش، وَهُوَ يَلِدُ وَلَا يَبِيضُ، وَالطَّيْرُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَكْرٌ طَيْرٌ يُخبِر عَنْهُ الْبَحْرِيُّونَ أَنه لَا يَسْقط إِلَّا رَيْثَمَا يَجْعَلُ لبَيْضِه أُفْحُوصًا مِنْ تُرَابٍ ويُغَطِّي عَلَيْهِ ثُمَّ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ وَبَيْضُهُ يتفَقَّس مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ انْتِهَاءِ مُدَّتِهِ، فَإِذَا أَطاق فَرْخُه الطيَران كَانَ كأَبوَيه فِي عَادَتِهِمَا.
والإِشْرَافُ: سُرعةُ عَدْوِ الخيل.
وشَرَّفَ الناقةَ: كادَ يَقْطَعُ أَخلافها بالصَّرّ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
جَمَعْتُها مِنْ أَيْنُقٍ غِزارِ، ***مِنَ اللَّوا شُرِّفْنَ بالصِّرارِ
أَراد مِنَ اللَّوَاتِي، وَإِنَّمَا يُفعل بِهَا ذَلِكَ ليَبْقى بُدْنُها وسِمَنُها فيُحْمَل عَلَيْهَا فِي السَّنَةِ المُقْبلة.
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: لَيْسَ مِنَ الشَّرَف وَلَكِنْ مِنَ التَّشْرِيفِ، وَهُوَ أَن تَكادَ تُقْطَعُ أَخْلافها بالصِّرار فيؤثِّر فِي أَخْلافِها؛ وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ يَذْكُرُ عَيْرًا يَطْرُد أُتُنه:
وإنْ حَداها شَرَفًا مُغَرِّبا، ***رَفَّهَ عَنْ أَنْفاسِه وَمَا رَبا
حَداها: سَاقَهَا، شَرَفًا أَي وجْهًا.
يُقَالُ: طَرَده شرَفًا أَو شَرَفَين، يُرِيدُ وجْهًا أَو وجْهَين؛ مُغَرِّبًا: مُتَباعدًا بَعِيدًا؛ رَفَّهَ عَنْ أَنفاسه أَي نَفَّسَ وفرَّجَ.
وعَدا شَرَفًا أَو شَرَفَينِ أَي شَوْطًا أَو شَوْطَيْنِ.
وَفِي حَدِيثِ الْخَيْلِ: «فاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفين»؛ عَدَتْ شَوْطًا أَو شَوْطَيْن.
والمَشارِفُ: قُرًى مِنْ أَرض الْيَمَنِ، وَقِيلَ: مِنْ أَرض الْعَرَبِ تَدْنُو مِنَ الرِّيف، والسُّيُوفُ المَشْرَفِيّةُ مَنْسوبة إِلَيْهَا.
يُقَالُ: سَيفٌ مَشْرَفيّ، وَلَا يُقَالُ مَشارِفيٌّ لأَن الْجَمْعَ لَا يُنسب إِلَيْهِ إِذَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ، لَا يُقَالُ مَهالِبيّ وَلَا جَعَافِرِيٌّ وَلَا عَباقِرِيٌّ.
وَفِي حَدِيثِ سَطِيح: «يَسْكُنُ مَشَارِفَ الشَّامِ»؛ هِيَ كُلُّ قَرْيَةٍ بَيْنَ بِلَادِ الرِّيفِ وَبَيْنَ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لأَنها أَشْرَفَتْ عَلَى السَّوَادِ، وَيُقَالُ لَهَا أَيضًا المَزارِعُ والبَراغِيلُ، وَقِيلَ: هِيَ الْقُرَى الَّتِي تَقْرُب مِنَ الْمُدُنِ.
ابْنُ الأَعرابي: العُمَرِيَّةُ ثِيَابٌ مَصْبُوغَةٌ بالشَّرَفِ، وَهُوَ طِينٌ أَحمر.
وَثَوْبٌ مُشَرَّفٌ: مَصْبُوغٌ بالشَّرَف؛ وأَنشد:
أَلا لَا تَغُرَّنَّ امْرَأً عُمَرِيّةٌ، ***عَلَى غَمْلَجٍ طالَتْ وتَمَّ قَوامُها
وَيُقَالُ شَرْفٌ وشَرَفٌ للمَغْرةِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الشَّرَفُ لَهُ صِبْغٌ أَحمر يُقَالُ لَهُ الدّارْبَرْنَيان؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالْقَوْلُ مَا قَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي المُشَرَّفِ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «أَنها سُئِلَتْ عَنِ الخِمار يُصْبَغُ بالشَّرْف فَلَمْ ترَ بِهِ بأْسًا»؛ قَالَ: هُوَ نَبْتٌ أَحمر تُصْبَغ بِهِ الثِّيَابُ.
والشُّرافيُّ: لَوْنٌ مِنَ الثِّيَابِ أَبيض.
وشُرَيفٌ: أَطولُ جَبَلٍ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ.
ابْنُ سِيدَهْ: والشُّرَيْف جَبَلٌ تَزْعُمُ الْعَرَبُ أَنه أَطول جَبَلٍ فِي الأَرض.
وشَرَفٌ: جَبَلٌ آخرُ يَقْرُبُ مِنْهُ.
والأَشْرَفُ: اسْمُ رَجُلٍ: وشِرَافُ وشَرافِ مَبْنِيَّةً: اسْمُ مَاءٍ بِعَيْنِهِ.
وشَراف: مَوْضِعٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
لَقَدْ غِظْتَني بالحَزْمِ حَزْمِ كُتَيْفةٍ، ***ويومَ الْتَقَيْنا مِنْ وَرَاءِ شَرافِ
التَّهْذِيبُ: وشَرافِ مَاءٌ لَبَنِي أَسد.
ابْنُ السِّكِّيتِ: الشَّرَفُ كَبِدُ نَجْدٍ، قَالَ: وَكَانَتِ الْمُلُوكُ مِنْ بَنِي آكِل المُرار تَنزِلُها، وَفِيهَا حِمَى ضَرِيّةَ، وضرِيّة بِئْرٌ، وَفِي الشَّرَفِ الرَّبَذةُ وَهِيَ الحِمَى الأَيمنُ، والشُّرَيْفُ إِلَى جَنْبِهِ، يَفْرُق بَيْنَ الشَّرَف والشُّرَيْفِ وادٍ يُقَالُ لَهُ التَّسْرِيرُ، فَمَا كَانَ مُشَرِّقًا فَهُوَ الشُّرَيْف، وَمَا كَانَ مغرِّبًا، فَهُوَ الشَّرَفُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وقولُ ابْنِ السِّكِّيتِ في الشَّرَف والشُّرَيْف" صَحِيحٌ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «يُوشِكُ أَن لَا يكونَ بَيْنَ شَرَافِ وأَرضِ كَذَا جَمَّاءُ وَلَا ذاتُ قَرْن»؛ شَرَافِ: مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: مَاءٌ لَبَنِي أَسد.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن عُمَرَ حَمَى الشَّرَفَ والرَّبَذَةَ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا رُوِيَ بِالشِّينِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ بِالْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا أُحِبُّ أَن أَنْفُخَ فِي الصَّلَاةِ وأَن لِي مَمَرَّ الشَّرَفِ».
والشُّرَيْفُ، مُصَغّر: مَاءٌ لَبَنِي نُمير.
والشَّارُوفُ: جَبَلٌ، وَهُوَ موَلَّد.
والشَّارُوفُ: المِكْنَسةُ، وَهُوَ فارسيٌّ معرَّب.
وأَبو الشَّرْفَاء: مِنْ كُناهم؛ قَالَ: " أَنا أَبو الشَّرْفَاء مَنَّاعُ الخَفَرْ أَراد مَنّاع أَهل الخفر.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
74-لسان العرب (كشف)
كشف: الكشْفُ: رفعُك الشَّيْءَ عَمَّا يُواريه وَيُغَطِّيهِ، كَشَفَه يَكُشِفه كَشْفًا وكَشَّفَه فانْكَشَفَ وتَكَشَّفَ.ورَيْطٌ كَشِيفٌ: مَكْشُوف أَو مُنْكَشِف؛ قَالَ صَخْرُ الْغَيِّ:
أَجَشَّ رِبَحْلًا، لَهُ هَيْدَبٌ ***يُرَفِّعُ للخالِ رَيْطًا كَشِيفا
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: يَعْنِي أَن الْبَرْقَ إِذْ لَمَع أَضاء السحابَ فَتَرَاهُ أَبيض فكأَنه كَشَفَ عَنْ رَيْطٍ.
يُقَالُ: تَكَشَّفَ الْبَرْقُ إِذَا ملأَ السَّمَاءَ.
والمَكْشُوف فِي عَروض السَّرِيعِ: الجُزء الَّذِي هُوَ مَفْعُولُنْ أَصله مفْعولات، حُذِفَتِ التَّاءُ فَبَقِيَ مَفْعُولًا فَنُقِلَ فِي التَّقْطِيعِ إِلَى مَفْعُولُنْ.
وكَشَفَ الأَمر يَكْشِفُه كَشْفًا: أَظْهَرَهُ.
وكَشَّفَه عَنِ الأَمر: أَكرهه عَلَى إِظْهَارِهِ.
وكَاشَفَه بالعَداوة أَي بادأَه بِهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَوْ تَكَاشَفْتم مَا تَدافَنْتم» أَي لَوِ انْكَشَفَ عَيبُ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ.
وَقَالَ ابْنُ الأَثير: أَي لَوْ عَلِمَ يعضُكم سَريرةَ بَعْضٍ لَاسْتَثْقَلَ تَشْيِيع جنازَتِه ودَفْنَه.
والكَاشِفَةُ: مَصْدَرٌ كالعافِية والخاتِمة.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ}؛ أَي كَشْف، وَقِيلَ: إِنَّمَا دَخَلَتِ الْهَاءُ لِيُسَاجِعَ قَوْلَهُ أَزِفَتِ الْآزِفَةُ، وَقِيلَ: الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَى قَوْلِهِ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ" أَي لَا يَكْشِفُ الساعةَ إِلَّا ربُّ الْعَالَمِينَ، فَالْهَاءُ عَلَى هَذَا لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا قُلْنَا.
وأَكْشَفَ الرجلُ إِكْشَافًا إِذَا ضَحِكَ فَانْقَلَبَتْ شفَته حَتَّى تَبْدُوَ دَرادِرُه.
والكَشَفةُ: انقِلاب مِنْ قُصاص الشعَر اسْمٌ كالنَّزَعَةِ، كَشِفَ كَشَفًا، وَهُوَ أَكْشَفُ.
والكَشَفُ فِي الجَبْهة: إِدْبَارُ نَاصِيَتِهَا مِنْ غَيْرِ نَزَعٍ، وَقِيلَ: الكَشَفُ رُجُوعُ شَعْرِ القُصّة قِبَلَ الْيَافُوخِ.
والكشَف: مَصْدَرُ الأَكْشَفِ.
والكَشَفَةُ: الِاسْمُ وَهِيَ دَائِرَةٌ فِي قُصاص النَّاصِيَةِ، وَرُبَّمَا كَانَتْ شَعَرَاتٍ تَنْبُت صُعُدًا وَلَمْ تَكُنْ دَائِرَةً، فَهِيَ كَشَفَةٌ، وَهِيَ يُتشاءم بِهَا.
الْجَوْهَرِيُّ: الكَشَفُ، بِالتَّحْرِيكِ، انْقِلَابٌ مِنْ قُصاص النَّاصِيَةِ كأَنها دَائِرَةٌ، وَهِيَ شُعيرات تَنْبُتُ صُعُدًا، وَالرَّجُلُ أَكْشَف وَذَلِكَ الْمَوْضِعُ كَشَفَةٌ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي الطُّفَيل: «أَنه عَرَض لَهُ شَابٌّ أَحمر أَكْشَفُ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الأَكْشَفَ الَّذِي تَنْبُتُ لَهُ شَعَرَاتٌ فِي قُصاص نَاصِيَتِهِ ثَائِرَةً لَا تَكَادُ تسْترسِل، وَالْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِهِ.
وتَكَشَّفَتِ الأَرض: تَصَوَّحت مِنْهَا أَماكن وَيَبِسَتْ.
والأَكْشَفُ: الَّذِي لَا تُرْس مَعَهُ فِي الْحَرْبِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يَثْبُتُ فِي الْحَرْبِ.
والكُشُفُ: الَّذِينَ لَا يَصْدُقون القِتال، لَا يُعْرف لَهُ وَاحِدٌ؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبٍ: " زَالُوا فَمَا زالَ أنْكاسٌ وَلَا كُشُفٌ "قَالَ ابْنُ الأَثير: الكُشُفُ جَمْعُ أَكْشَف.
وَهُوَ الَّذِي لَا تُرْسَ مَعَهُ كأَنه مُنْكشِف غَيْرُ مَسْتُورٍ.
وكَشِفَ القومُ: انْهَزَمُوا؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
فَمَا ذُمَّ حاديهمْ، وَلَا فالَ رأْيُهُم، ***وَلَا كَشِفُوا، إِنْ أَفزَعَ السِّرْبَ صَائِحُ
وَلَا كَشِفُوا أَي لَمْ يَنْهَزِمُوا.
والكِشَافُ: أَن تَلْقَح الناقةُ فِي غَيْرِ زَمَانِ لَقاحها، وَقِيلَ: هُوَ أَن يَضْرِبها الْفَحْلُ وَهِيَ حَائِلٌ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُحْمَل عَلَيْهَا سَنَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ أَوْ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُحْمَل عَلَيْهَا سَنَةً ثُمَّ تُتْرَكَ اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، كَشَفَت النَّاقَةُ تَكْشِف كِشافًا، وَهِيَ كَشُوف، وَالْجَمْعُ كُشُفٌ، وأَكْشَفَتْ.
وأَكْشَفَ القومُ: لَقِحَت إبلُهم كِشَافًا.
التَّهْذِيبُ: اللَّيْثُ والكَشُوف مِنَ الإِبل الَّتِي يَضْرِبُهَا الْفَحْلُ وَهِيَ حَامِلٌ، وَمَصْدَرُهُ الكِشَافُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ هَذَا التَّفْسِيرُ خطأٌ، والكِشَافُ أَن يُحمل عَلَى النَّاقَةِ بَعْدَ نِتَاجِهَا وَهِيَ عائذ قد وضَعت حَدِيثًا، " وَرَوَى أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي أَنه قَالَ: إِذَا حُمِلَ عَلَى النَّاقَةِ سَنَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ فَذَلِكَ الكِشَاف "، وَهِيَ نَاقَةٌ كَشُوف.
وأَكْشَفَ الْقَوْمُ أَي كَشفَت إبلُهم.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَجودُ نِتَاجِ الإِبل أَن يَضْرِبَهَا الْفَحْلُ، فَإِذَا نُتِجَت تُركت سَنَةً لَا يَضْرِبُهَا الْفَحْلُ، فَإِذَا فُصِل عَنْهَا فَصِيلُهَا وَذَلِكَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ مِنْ يَوْمِ نِتاجها أُرسل الْفَحْلُ فِي الإِبل الَّتِي هِيَ فِيهَا فَيَضْرِبُهَا، وَإِذَا لَمْ تَجِمّ سَنَةً بَعْدَ نِتاجها كَانَ أَقلَّ لِلَبَنِهَا وأَضعفَ لِوَلَدِهَا وأَنْهَك لقوَّتها وطِرْقِها؛ ولَقِحت الحربُ كِشَافًا عَلَى الْمِثْلِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٌ:
فَتعْرُكْكُمُ عَرْكَ الرَّحى بثِفالِها، ***وتَلْقَحْ كِشَافًا ثُمَّ تُنْتَجْ فتُتْئمِ
فَضَرَبَ إِلْقَاحَهَا كِشافًا بحِدْثان نِتاجها وإتْآمها مَثَلًا لِشِدَّةِ الْحَرْبِ وَامْتِدَادِ أَيامها، وَفِي الصِّحَاحِ: ثُمَّ تُنْتِجُ فتَفْطِم.
وأَكْشَفَ القومُ إِذَا صَارَتْ إِبِلُهُمْ كُشُفًا، الْوَاحِدَةُ كَشُوف فِي الْحَمْلِ.
والكَشَفُ فِي الْخَيْلِ: الْتِوَاءٌ فِي عَسِيب الذنَب.
واكْتَشَفَ الكبْشُ النَّعْجَةَ: نزَا عليها.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
75-مقاييس اللغة (جدل)
(جَدَلَ) الْجِيمُ وَالدَّالُ وَاللَّامُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ مِنْ بَابِ اسْتِحْكَامِ الشَّيْءِ فِي اسْتِرْسَالٍ يَكُونُ فِيهِ، وَامْتِدَادِ الْخُصُومَةِ وَمُرَاجَعَةِ الْكَلَامِ.وَهُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وَيُقَالُ لِلزِّمَامِ الْمُمَرِّ: جَدِيلٌ.
وَالْجَدْوَلُ: نَهْرٌ صَغِيرٌ، وَهُوَ مُمْتَدٌّ، وَمَاؤُهُ أَقْوَى فِي اجْتِمَاعِ أَجْزَائِهِ مِنَ الْمُنْبَطِحِ السَّائِحِ.
وَرَجُلٌ مَجْدُولٌ، إِذَا كَانَ قَضِيفَ الْخِلْقَةِ مِنْ.
غَيْرِ هُزَالٍ.
وَغُلَامٌ جَادِلٌ إِذَا اشْتَدَّ.
وَالْجُدُولُ: الْأَعْضَاءُ، وَاحِدُهَا جِدْلٌ.
وَالْجَادِلُ مِنْ أَوْلَادِ الْإِبِلِ: فَوْقَ الرَّاشِحِ.
وَالدِّرْعُ الْمَجْدُولَةُ: الْمُحْكَمَةُ الْعَمَلِ.
وَيُقَالُ جَدَلَ الْحَبُّ فِي سُنْبُلِهِ: قَوِيَ.
"وَالْأَجْدَلُ: الصَّقْرُ ; سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقُوَّتِهِ."
قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَذْكُرُ حَمِيرًا فِي عَدْوِهَا:
كَأَنَّهُنَّ خَوَافِي أَجَدَلٍ قَرِمٍ *** وَلَّى لِيَسْبِقَهُ بِالْأَمْعَزِ الْخَرَبُ
الْخَرَبُ: الذَّكَرُ مِنَ الْحُبَارَى.
أَرَادَ: وَلَّى الْخَرَبُ لِيَسْبِقَهُ وَيَطْلُبَهُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْجَدَالَةُ، هِيَ الْأَرْضُ، وَهِيَ صُلْبَةٌ.
قَالَ:
قَدْ أَرْكَبُ الْآلَةَ بَعْدَ الْآلَهْ *** وَأَتْرُكُ الْعَاجِزَ بِالْجَدَالَهْ
وَلِذَلِكَ يُقَالُ طَعَنَهُ فَجَدَّلَهُ، أَيْ رَمَاهُ بِالْأَرْضِ.
وَالْمِجْدَلُ: الْقَصْرُ، وَهُوَ قِيَاسُ الْبَابِ.
قَالَ:
فِي مِجْدَلٍ شُيِّدَ بُنْيَانُهُ *** يَزِلُّ عَنْهُ ظُفُرُ الطَّائِرِ
وَالْجَدَالِ: الْخَلَالُ، الْوَاحِدَةُ جَدَالَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ صُلْبٌ غَيْرَ نَضِيجٍ، وَهُوَ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ إِذَا كَانَ أَخْضَرَ.
قَالَ:
يَخِرُّ عَلَى أَيْدِي السُّقَاةِ جِدَالُهَا.
وَجَدِيلٌ: فَحْلٌ مَعْرُوفٌ.
قَالَ الرَّاعِي:
صُهْبًا تُنَاسِبُ شَدْقَمًا وَجَدِيلًا.
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
76-مقاييس اللغة (سب)
(سَبَّ) السِّينُ وَالْبَاءُ حَدَّهُ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَظُنُّهُ ابْنَ دُرَيْدٍ أَنَّ أَصْلَ هَذَا الْبَابِ الْقَطْعُ، ثُمَّ اشْتُقَّ مِنْهُ الشَّتْمُ.وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ.
وَأَكْثَرُ الْبَابِ مَوْضُوعٌ عَلَيْهِ.
مِنْ ذَلِكَ السِّبُّ: الْخِمَارُ، لِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ مِنْ مِنْسَجِهِ.
"فَأَمَّا الْأَصْلُ فَالسَّبُّ الْعَقْرُ ; يُقَالُ سَبَبْتُ النَّاقَةَ، إِذَا عَقَرْتَهَا."
قَالَ الشَّاعِرُ:
فَمَا كَانَ ذَنْبُ بَنِي مَالِكٍ *** بِأَنْ سُبَّ مِنْهُمْ غُلَامٌ فَسَبْ
يُرِيدُ مُعَاقَرَةَ غَالِبِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَسُحَيْمٍ.
وَقَوْلُهُ سُبَّ أَيْ شُتِمَ.
وَقَوْلُهُ سَبَّ أَيْ عَقَرَ.
وَالسَّبُّ: الشَّتْمُ، وَلَا قَطِيعَةَ أَقْطَعُ مِنَ الشَّتْمِ.
وَيُقَالُ لِلَّذِي يُسَابُّ سِبٌّ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
لَا تَسُبَّنَّنِي فَلَسْتَ بِسَبِّي *** إِنَّ سَبِّي مِنَ الرِّجَالِ الْكَرِيمُ
وَيُقَالُ: لَا تَسُبُّوا الْإِبِلَ، فَإِنَّ فِيهَا رَقُوءَ الدَّمِ، فَهَذَا نَهْيٌ عَنْ سَبِّهَا، أَيْ شَتْمِهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لِلْإِبِلِ: مُسَبَّبَةٌ فَذَلِكَ لِمَا يُقَالُ عِنْدَ الْمَدْحِ: قَاتَلَهَا اللَّهُ فَمَا أَكْرَمَهَا مَالًا! كَمَا يُقَالُ عِنْدَ التَّعَجُّبِ مِنَ الْإِنْسَانِ: قَاتَلَهُ اللَّهُ! وَهَذَا دُعَاءٌ لَا يُرَادُ بِهِ الْوُقُوعُ.
وَيُقَالُ رَجُلٌ سُبَبَةٌ، إِذَا كَانَ يَسُبُّ النَّاسَ كَثِيرًا.
وَرَجُلٌ سُبَّةٌ، إِذَا كَانَ يُسَبُّ كَثِيرًا.
وَيُقَالُ بَيْنَ الْقَوْمِ أُسْبُوبَةُ يَتَسَابُّونَ بِهَا.
وَيُقَالُ مَضَتْ سَبَّةٌ مِنَ الدَّهْرِ، يُرِيدُ مَضَتْ قِطْعَةٌ مِنْهُ:
وَذِكْرُكَ سَبَّاتٍ إِلَيَّ عَجِيبُ.
وَأَمَّا الْحَبْلُ فَالسَّبَبُ، فَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ شَاذًّا عَنِ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ أَصْلٌ آخَرُ يَدُلُّ عَلَى طُولٍ وَامْتِدَادٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ السَّبَبُ.
وَمِنْ ذَلِكَ السِّبُّ، وَهُوَ الْخِمَارُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وَيُقَالُ لِلْعِمَامَةِ أَيْضًا سِبٌّ.
وَالسِّبُّ: الْحَبْلُ أَيْضًا فِي قَوْلِ الْهُذَلِيِّ:
تَدَلَّى عَلَيْهَا بَيْنَ سِبٍّ وَخَيْطَةٍ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ السِّبْسَبُ، وَهِيَ الْمَفَازَةُ الْوَاسِعَةُ، فِي قَوْلِ أَبِي دُؤَادٍ:
وَخَرْقٍ سَبْسَبٍ يَجْرِي *** عَلَيْهِ مَوْرُهُ سَهْبِ
فَأَمَّا السَّبَاسِبُ فَيَوْمُ عِيدٍ لَهُمْ.
وَلَا أَدْرِي مِمَّ اشْتِقَاقُهُ.
قَالَ:
يُحَيَّوْنَ بِالرَّيْحَانِ يَوْمَ السَّبَاسِبِ.
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
77-مقاييس اللغة (سر)
(سَرَّ) السِّينُ وَالرَّاءُ يَجْمَعُ فُرُوعَهُ إِخْفَاءُ الشَّيْءِ.وَمَا كَانَ مِنْ خَالِصِهِ وَمُسْتَقَرِّهِ.
لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ هَذَا.
فَالسِّرُّ: خِلَافَ الْإِعْلَانِ.
يُقَالُ أَسْرَرْتُ الشَّيْءَ إِسْرَارًا، خِلَافَ أَعْلَنْتُهُ.
وَمِنَ الْبَابِ السِّرُّ، وَهُوَ النِّكَاحُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُعْلَنُ بِهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ السِّرَارُ وَالسَّرَارُ، وَهُوَ لَيْلَةَ يَسْتَسِرُّ الْهِلَالُ، فَرُبَّمَا كَانَ لَيْلَةً، وَرُبَّمَا كَانَ لَيْلَتَيْنِ إِذَا تَمَّ الشَّهْرُ.
وَمِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ: أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلًا هَلْ صُمْتَ مِنْ سِرَارِ الشَّهْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ: إِذَا أَفْطَرْتَ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ.
قَالَ فِي السِّرَارِ:
نَحْنُ صَبَحْنَا عَامِرًا فِي دَارِهَا *** جُرْدًا تَعَادَى طَرَفَيْ نَهَارِهَا
عَشِيَّةَ الْهِلَالِ أَوْ سَِرَارَهَا.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الثَّقَفِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَثْرَمِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: أَسْرَرْتُ الشَّيْءَ: أَخْفَيْتُهُ.
وَأَسْرَرْتُهُ: أَعْلَنْتُهُ.
وَقَرَأَ: {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} [يونس: 54].
قَالَ: أَظْهَرُوهَا.
وَأَنْشَدَ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ:
لَوْ يُسِرُّونَ مَقْتَلِي.
أَيْ لَوْ يُظْهِرُونَ.
ثُمَّ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ النَّحْوِيِّ قَالَ: قَالَ الْفَرَّاءُ: أَخْطَأَ أَبُو عُبَيْدَةَ التَّفْسِيرَ، وَصَحَّفَ فِي الِاسْتِشْهَادِ.
أَمَّا التَّفْسِيرُ فَقَالَ: أَسَرُّو النَّدَامَةَ أَيْ كَتَمُوهَا خَوْفَ الشَّمَاتَةِ.
وَأَمَّا التَّصْحِيفُ فَإِنَّمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
لَوْ يُشِرُّونَ مَقْتَلِي.
أَيْ لَوْ يُظْهِرُونَ.
يُقَالُ أشْرَرْتُ الشَّيْءَ، إِذَا أَبْرَزْتَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ أشْرَرْتُ اللَّحْمَ لِلشَّمْسِ.
وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا فِي بَابِهِ.
وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَحْضِ الشَّيْءِ وَخَالِصِهِ وَمُسْتَقَرِّهِ، فَالسِّرُّ: خَالِصُ الشَّيْءِ.
"وَمِنْهُ السُّرُورُ ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَالٍ مِنَ الْحُزْنِ."
وَالسُّرَّةُ: سُرَّةُ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ خَالِصُ جِسْمِهِ وَلَيِّنُهُ.
وَيُقَالُ قُطِعَ عَنِ الصَّبِيِّ سَِرَرُهُ، وَهُوَ [السُّرُّ]، وَجَمْعُهُ أَسِرَّةٌ.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: وَالسِّرَرُ: الْخَطُّ مِنْ خُطُوطِ بَطْنِ الرَّاحَةِ.
وَسَرَارَةُ الْوَادِي وَسِرُّهُ: أَجْوَدُهُ.
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
هَلَّا فَوَارِسَ رَحْرَحَانَ هَجَوْتَهُمْ *** عُشَرًا تَنَاوَحَ فِي سَرَارَةِ وَادَ
يَقُولُ: لَهُمْ مَنْظَرٌ وَلَيْسَ لَهُمْ مَخْبَرٌ.
وَالسَّرَرُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ فِي سُرَّتِهِ.
يُقَالُ: بَعِيرٌ أَسَرٌّ.
وَالسَّرُّ: مَصْدَرُ سَرَرْتُ الزَّنْدَ، وَذَلِكَ أَنْ يَبْقَى أَسَرَّ، أَيْ أَجْوَفَ، فَيُصْلَحُ.
يُقَالُ سُرَّ زَنْدُكَ فَإِنَّهُ أَسَرُّ.
وَيُقَالُ قَنَاةٌ سَرَّاءُ، أَيْ جَوْفَاءُ.
وَكُلُّ هَذَا مِنَ السُّرَّةِ وَالسَّرَرِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
فَأَمَّا الْأَسَارِيرُ، وَهِيَ الْكُسُورُ الَّتِي فِي الْجَبْهَةِ، فَمَحْمُولَةٌ عَلَى أَسَارِيرِ السُّرَّةِ، وَذَلِكَ تَكَسُّرُهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ.
وَمِنْهُ أَيْضًا مِمَّا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ: الْأَسْرَارُ: خُطُوطُ بَاطِنِ الرَّاحَةِ، وَاحِدُهَا سِرٌّ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدٌ، قَالَ الْأَعْشَى:
فَانْظُرْ إِلَى كَفٍّ وَأَسْرَارِهَا *** هَلْ أَنْتَ إِنْ أَوْعَدْتَنِي ضَائِرِي
فَأَمَّا أَطْرَافُ الرَّيْحَانِ فَيَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى سُرُورًا لِأَنَّهَا أَرْطَبُ شَيْءٍ فِيهِ وَأَغَضُّهُ.
وَذَلِكَ قَوْلُهُ:
كَبَرْدِيَّةِ الْغِيلِ وَسْطَ الْغَرِيفِ *** إِذَا خَالَطَ الْمَاءُ مِنْهَا السُّرُورَا
وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الِاسْتِقْرَارِ، فَالسَّرِيرُ، وَجَمْعُهُ سُرُرٌ وَأَسِرَّةٌ.
"وَالسَّرِيرُ: خَفْضُ الْعَيْشِ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَسْتَقِرُّ عِنْدَهُ وَعِنْدَ دَعَتِهِ."
وَسَرِيرُ الرَّأْسِ: مُسْتَقَرُّهُ.
قَالَ:
ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ سَرِيرِهِ.
وَنَاسٌ يَرْوُونَ بَيْتَ الْأَعْشَى:
إِذَا خَالَطَ الْمَاءُ مِنْهَا السَّرِيرَا.
بِالْيَاءِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ تَأْوِيلُهُ أَصْلَهَا الَّذِي اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ، وَأَنْشَدُوا قَوْلَ الْقَائِلِ:
وَفَارَقَ مِنْهَا عِيشَةً دَغْفَلِيَّةً *** وَلَمْ تَخْشَ يَوْمًا أَنْ يَزُولَ سَرِيرُهَا
وَالسِّرَرُ مِنَ الصَّبِيِّ وَالسَّرَرُ: مَا يُقْطَعُ.
وَالسُّرَّةُ: مَا يَبْقَى.
وَمِنَ الْبَابِ السَّرِيرُ: مَا عَلَى الْأَكَمَةِ مِنَ الرَّمْلِ.
وَمِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ سِرُّ النَّسَبِ، وَهُوَ مَحْضُهُ وَأَفْضَلُهُ.
قَالَ ذُوالْأَصْبَعِ:
وَهُمْ مَنْ وَلَدُوا أَشْبَوْا *** بِسِرِّ النَّسَبِ الْمَحْضِ
وَيُقَالُ السُّرْسُورُ: الْعَالِمُ الْفَطِنُ، وَأَصْلُهُ مِنَ السِّرِّ، كَأَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى أَسْرَارِ الْأُمُورِ.
فَأَمَّا السُّرِّيَّةُ فَقَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ فُعْلِيَّةٌ.
وَيُقَالُ يُتَسَرَّرُ، وَيُقَالُ يَتَسَرَّى.
قَالَ الْخَلِيلُ: وَمَنْ قَالَ يَتَسَرَّى فَقَدْ أَخْطَأَ.
لَمْ يَزِدِ الْخَلِيلُ عَلَى هَذَا.
"وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ السُّرِّيَّةُ مِنَ السِّرِّ، وَهُوَ النِّكَاحُ ; لِأَنَّ صَاحِبَهَا اصْطَفَاهَا لِلنِّكَاحِ لَا لِلتِّجَارَةِ فِيهَا."
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ، وَذَكَرَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي كِتَابِهِ.
فَأَمَّا ضَمُّ السِّينِ فِي السُّرِّيَّةِ فَكَثِيرٌ مِنَ الْأَبْنِيَةِ يُغَيَّرُ عِنْدَ النِّسْبَةِ، فَيُقَالُ فِي النِّسْبَةِ إِلَى الْأَرْضِ السَّهْلَةُ سُهْلِيٌّ، وَيُنْسَبُ إِلَى طُولِ الْعُمْرِ وَامْتِدَادِ الدَّهْرِ فَيُقَالُ دُهْرِيٌّ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
78-مقاييس اللغة (سهق)
(سَهَقَ) السِّينُ وَالْهَاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى طُولٍ وَامْتِدَادٍ.وَهُوَ صَحِيحٌ.
فَالسَّهْوَقُ: الرَّجُلُ الطَّوِيلُ.
وَالسَّهْوَقُ الْكَذَّابُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَغْلُو فِي الْأَمْرِ وَيَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ.
وَالسَّهْوَقُ مِنَ الرِّيَاحِ: الَّتِي تَنْسِجُ الْعَجَاجَ.
"وَالسَّهْوَقُ: الرَّيَّانُ مِنْ سُوقِ الشَّجَرِ ; لِأَنَّهُ إِذَا رُوِيَ طَالَ.
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
79-مقاييس اللغة (سيل)
(سَيِلَ) السِّينُ وَالْيَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى جَرَيَانٍ وَامْتِدَادٍ.يُقَالُ سَالَ الْمَاءُ وَغَيْرُهُ يَسِيلُ سَيْلًا وَسَيَلَانًا.
وَمَسِيلُ الْمَاءِ.
إِذَا جُعِلَتِ الْمِيمُ زَائِدَةً فَمِنْ هَذَا، وَإِذَا جُعِلَتِ الْمِيمُ أَصْلِيَّةً فَمِنْ بَابٍ آخَرَ، وَقَدْ ذُكِرَ.
فَأَمَّا السِّيلَانُ مِنَ السَّيْفِ وَالسِّكِّينِ، فَهِيَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي تَدْخُلُ فِي النِّصَالِ.
وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ يَقُولُ: السِّيلَانُ قَدْ سَمِعْتُهُ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ عَالِمٍ.
وَأَمَّا سِيَةُ الْقَوْسِ، وَهِيَ طَرَفُهَا، فَيُقَالُ إِنَّ النِّسْبَةَ إِلَيْهَا سِيَوِيٌّ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
80-مقاييس اللغة (طر)
(طَرَّ) الطَّاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حِدَّةٍ فِي الشَّيْءِ وَاسْتِطَالَةٍ وَامْتِدَادٍ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: طَرَّ السِّنَانَ، إِذَا حَدَّدَهُ.وَهَذَا سِنَانٌ مَطْرُورٌ، أَيْ مُحَدَّدٌ.
وَمِنَ الْبَابِ الرَّجُلُ الطَّرِيرُ: ذُو الْهَيْئَةِ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ قَدْ طُرَّ وَجُلِيَ وَحُدِّدَ.
قَالَ:
وَيُعْجِبُكَ الطَّرِيرُ فَتَبْتَلِيهِ *** فَيُخْلِفُ ظَنَّكَ الرَّجُلُ الطَّرِيرُ
وَمِنَ الْبَابِ فَتًى طَارٌّ: طَرَّ شَارِبُهُ.
وَالطُّرَّةُ: كُفَّةُ الثَّوْبِ.
وَيُقَالُ: رَمَى فَأَطَرَّ، إِذَا أَنْفَذَ.
وَكُلُّ شَيْءٍ حُسِّنَ فَقَدْ طَرَّ، حَتَّى يُقَالَ: طَرَّ حَوْضَهُ، إِذَا طَيَّنَهُ.
وَالطُّرَّةُ مِنَ الْغَيْمِ: الطَّرِيقَةُ الْمُسْتَطِيلَةُ.
وَالْخُطَّةُ السَّوْدَاءُ عَلَى ظَهْرِ الْحِمَارِ طُرَّةٌ.
وَطُرَّةُ النَّهَرِ: شَفِيرُهُ.
"وَطَرَّ النَّبْتُ، إِذَا أَنْبَتَ ; وَهُوَ مِنْ طَرَّ شَارِبُهُ."
قَالَ:
مِنَّا الَّذِي هُوَ مَا إِنْ طَرَّ شَارِبُهُ *** وَالْعَانِسُونَ وَمِنَّا الْمُرْدُ وَالشِّيبُ
"فَأَمَّا الطَّرُّ الَّذِي فِي مَعْنَى الشَّلِّ وَالطَّرْدِ، فَهُوَ مِنْ هَذَا أَيْضًا ; لِأَنَّ مَنْ طَرَدَ شَيْئًا وَشَلَّهُ فَقَدْ أَذْلَقَهُ حَتَّى يَحْتَدَّ فِي شَدِّهِ وَعَدْوِهِ."
فَأَمَّا قَوْلُ الْحُطَيْئَةِ:
غَضِبْتُمْ عَلَيْنَا أَنْ قَتَلْنَا بِخَالِدٍ *** بَنِي مَالِكٍ هَا إِنَّ ذَا غَضَبٌ مُطِرُّ
فَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْإِطْرَارُ الْإِغْرَاءُ.
"وَهَذَا قَرِيبُ الْقِيَاسِ مِنَ الْبَابِ ; لِأَنَّهُ إِذَا أَغْرَاهُ بِالشَّيْءِ فَقَدْ أَذْلَقَهُ وَأَحَدَّهُ."
وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُطِرُّ: الْمُدِلُّ.
وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَأَقْيَسُ.
وَيُقَالُ: الْغَضَبُ الْمُطِرُّ الَّذِي جَاءَ مِنْ أَطْرَارِ الْأَرْضِ، أَيْ هُوَ غَضَبٌ لَا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ جَاءَ.
"وَهُوَ صَحِيحٌ ; لِأَنَّ أَطْرَارَ الْأَرْضِ أَطْرَافُهَا وَطَرَفُ كُلِّ شَيْءٍ: الْحَادُّ مِنْهُ.
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
81-مقاييس اللغة (طول)
(طَوَلَ) الطَّاءُ وَالْوَاوُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى فَضْلٍ وَامْتِدَادٍ فِي الشَّيْءِ.مِنْ ذَلِكَ: طَالَ الشَّيْءُ يَطُولُ طُولًا.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ: الطُّولُ:
خِلَافُ الْعَرْضِ.
وَيُقَالُ: طَاوَلْتُ فُلَانًا فَطُلْتُهُ، إِذَا كُنْتَ أَطْوَلَ مِنْهُ.
وَطَالَ فُلَانًا فُلَانٌ، أَيْ إِنَّهُ أَطْوَلُ مِنْهُ.
قَالَ:
إِنَّ الْفَرَزْدَقَ صَخْرَةٌ مَلْمُومَةٌ *** طَالَتْ فَلَيْسَ تَنَالُهَا الْأَوْعَالَا
"وَهَذَا قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِلْحَبْلِ: الطِّوَلُ ; لِطُولِهِ وَامْتِدَادِهِ."
قَالَ طَرَفَةُ:
لَعَمْرُكَ إِنَّ الْمَوْتَ مَا أَخْطَأَ الْفَتَى *** لَكَالطِّوَلِ الْمُرْخَى وَثِنْيَاهُ فِي الْيَدِ
وَيَقُولُونَ: لَا أُكَلِّمُهُ طَوَالَ الدَّهْرِ.
وَيُقَالُ: جَمَلٌ أَطْوَلُ، إِذَا طَالَتْ شَفَتُهُ الْعُلْيَا.
وَطَاوَلَنِي فُلَانٌ فَطُلْتُهُ، أَيْ كُنْتُ أَطْوَلَ مِنْهُ.
وَالطُّوَالُ: الطَّوِيلُ.
وَالطِّوَالُ: جَمْعُ الطَّوِيلِ.
وَحَكَى بَعْضُهُمْ: قَلَانِسُ طِيَالٌ، بِالْيَاءِ.
وَأَمْرٌ غَيْرُ طَائِلٍ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَنَاءٌ.
يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ.
قَالَ:
وَقَدْ كَلَّفُونِي خُطَّةً غَيْرَ طَائِلِ.
وَتَطَاوَلْتُ فِي قِيَامِي، إِذَا مَدَدْتَ رِجْلَيْكَ لِتَنْظُرَ.
وَطَوِّلْ فَرَسَكَ، أَيْ أَرْخِ طَوِيلَتَهُ فِي مَرْعَاهُ.
وَاسْتَطَالُوا عَلَيْهِمْ، إِذَا قَتَلُوا مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا قَتَلُوا.
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
82-مقاييس اللغة (عمر)
(عَمَرَ) الْعَيْنُ وَالْمِيمُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءٍ وَامْتِدَادِ زَمَانٍ، وَالْآخَرُ عَلَى شَيْءٍ يَعْلُو، مِنْ صَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ.فَالْأَوَّلُ الْعُمْرُ وَهُوَ الْحَيَاةُ، وَهُوَ الْعَمْرُ أَيْضًا.
وَقَوْلُ الْعَرَبِ: لَعَمْرُكَ، يَحْلِفُ بِعَمْرِهِ أَيْ حَيَاتِهِ.
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: عَمْرَكَ اللَّهَ، فَمَعْنَاهُ أُعَمِّرُكَ اللَّهَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، أَيْ أُذَكِّرُكَ اللَّهَ، تُحَلِّفُهُ بِاللَّهِ وَتَسْأَلُهُ طُولَ عُمْرِهِ.
وَيُقَالُ: عَمِرَ النَّاسُ: طَالَتْ أَعْمَارُهُمْ.
وَعَمَّرَهُمُ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - تَعْمِيرًا.
وَمِنَ الْبَابِ عِمَارَةُ الْأَرْضِ، يُقَالُ عَمَّرَ النَّاسُ الْأَرْضَ عِمَارَةً، وَهُمْ يَعْمُرُونَهَا، وَهِيَ عَامِرَةٌ مَعْمُورَةٌ.
وَقَوْلُهُمْ: عَامِرَةٌ، مَحْمُولٌ عَلَى عَمَرَتِ الْأَرْضُ، وَالْمَعْمُورَةُ مَنْ عُمِرَتْ.
وَالِاسْمُ وَالْمَصْدَرُ الْعُمْرَانُ: وَاسْتَعْمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - النَّاسَ فِي الْأَرْضِ لِيُعَمِّرُوهَا.
وَالْبَابُ كُلُّهُ يُؤَوَّلُ إِلَى هَذَا.
وَأَمَّا الْآخَرُ فَالْعَوْمَرَةُ: الصِّيَاحُ وَالْجَلَبَةُ.
وَيُقَالُ: اعْتَمَرَ الرَّجُلُ، إِذَا أَهَلَّ بِعُمْرَتِهِ، وَذَلِكَ رَفْعُهُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ لِلْعُمْرَةِ.
فَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ أَحْمَرَ:
يُهِلُّ بِالْفَرْقَدِ رُكْبَانُهَا *** كَمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ الْمُعْتَمِرْ
فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَ الْإِهْلَالِ بِالْعُمْرَةِ.
وَقَالَ قَوْمٌ: الْمُعْتَمِرُ: الْمُعْتَمُّ.
وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَهُوَ مِنَ الْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: وَالْعَمَارُ: كُلُّ شَيْءٍ جَعَلْتَهُ عَلَى رَأْسِكَ، مِنْ عِمَامَةٍ، أَوْ قَلَنْسُوَةٍ أَوْ إِكْلِيلٍ أَوْ تَاجٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، كُلُّهُ عَمَارٌ.
قَالَ الْأَعْشَى:
فَلَمَّا أَتَانَا بُعَيْدَ الْكَرَى *** سَجَدْنَا لَهُ وَرَفَعْنَا عَمَارَا
وَقَالَ قَوْمٌ: الْعَمَارُ يَكُونُ مِنْ رَيْحَانٍ أَيْضًا.
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْعَمَارُ: التَّحِيَّةُ.
يُقَالُ عَمَّرَكَ اللَّهُ، أَيْ حَيَّاكَ.
وَيَجُوزُ أَنَّ يَكُونَ هَذَا لِرَفْعِ الصَّوْتِ.
وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ الْحَيُّ الْعَظِيمُ يُسَمَّى عِمَارَةً لِمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ جَلَبَةٍ وَصِيَاحٍ.
قَالَ:
لِكُلِّ أُنَاسٍ مِنْ مَعَدٍّ عِمَارَةٌٍ *** عُرُوضٌ إِلَيْهَا يَلْجَؤُونَ وَجَانِبُ
وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ: الْعَمْرُ: ضَرْبٌ مِنَ النَّخْلِ.
وَكَانَ فُلَانٌ يَسْتَاكُ بِعَرَاجِينَ الْعَمْرِ.
وَرُبَّمَا قَالُوا الْعُمْرِ.
وَمِنْ هَذَا أَيْضًا الْعَمْرُ: مَا بَدَا مِنَ اللِّثَةِ، وَهِيَ الْعُمُورُ.
وَمِنْهُ اشْتُقَّ اسْمُ عَمْرٍو.
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
83-مقاييس اللغة (عبل)
(عَبَلَ) الْعَيْنُ وَالْبَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ضِخَمٍ وَامْتِدَادٍ وَشِدَّةٍ.مِنْ ذَلِكَ الْعَبْلُ مِنَ الْأَجْسَامِ، وَهُوَ الضَّخْمُ.
تَقُولُ: عَبُلَ يَعْبُلُ عَبَالَةً.
قَالَ:
خَبَطْنَاهُمْ بِكُلِّ أَرَحَّ لَأْمٍ *** كَمِرْضَاحِ النَّوَى عَبْلٍ وَقَاحِ
الْأَرَحُّ: الْحَافِرُ الْوَاسِعُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْأَعْبَلِ، وَهُوَ الْحَجَرُ الصُّلْبُ ذُو الْبَيَاضِ.
وَيُقَالُ جَبَلٌ أَعْبَلُ وَصَخْرَةٌ عَبْلَاءُ.
وَقَالَ أَبُو كَبِيرٍ الْهَذَلِيُّ يَصِفُ نَابَ الذِّئْبَةِ:
أَخْرَجْتُ مِنْهَا سِلْقَةً مَهْزُولَةً *** عَجْفَاءَ يَبْرُقُ نَابُهَا كَالْأَعْبَلِ
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: هُوَ عَبْلُ الذِّرَاعَيْنِ، أَيْ غَلِيظُهُمَا مَدِيدُهُمَا.
وَمِنْهُ: أَلْقَى عَلَيْهِ عَبَالَّتَهُ)، أَيْ ثِقْلَهُ.
وَمُحْتَمَلٌ أَنَّ يَكُونَ الْعَبَلُ، وَهُوَ ثَمَرُ الْأَرْطَى، مِنْ هَذَا، وَلَعَلَّ فِيهِ امْتِدَادًا وَطُولًا.
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
84-مقاييس اللغة (متع)
(مَتَعَ) الْمِيمُ وَالتَّاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَنْفَعَةٍ وَامْتِدَادِ مُدَّةٍ فِي خَيْرٍ.مِنْهُ اسْتَمْتَعْتُ بِالشَّيْءِ.
وَالْمُتْعَةُ وَالْمَتَاعُ: الْمَنْفَعَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} [النور: 29].
وَمُتِّعَتِ الْمُطَلَّقَةُ بِالشَّيْءِ، لِأَنَّهَا تَنْتَفِعُ بِهِ.
وَيُقَالُ أَمْتَعْتُ بِمَالِي، بِمَعْنَى تَمَتَّعْتُ.
قَالَ:
خَلِيطَيْنِ مِنْ شَعْبَيْنِ شَتَّى تَجَاوَرَا *** قَدِيمًا وَكَانَا لِلتَّفَرُّقِ أَمْتَعَا
وَرَوَاهُ الْأَصْمَعِيُّ: بِالتَّفَرُّقِ.
يَقُولُ: لَمْ تَكُنْ مُتْعَةُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ إِلَّا الْفِرَاقَ.
وَيَقُولُونَ: لَئِنِ اشْتَرَيْتَ هَذَا الْغُلَامَ لَتَمْتَعَنَّ مِنْهُ بِغُلَامٍ صَالِحٍ.
وَيَقُولُونَ: حَبْلٌ.
مَاتِعٌ: جَيِّدٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُدَّةَ تَمْتَدُّ بِهِ.
وَيَقُولُونَ: مَتَعَ النَّهَارُ: طَالَ.
وَمَتَعَ النَّبَاتُ مُتُوعًا.
فَأَمَّا قَوْلُ النَّابِغَةِ:
إِلَى خَيْرِ دِينٍ نُسُكُهُ قَدْ عَلِمْتُهُ *** وَمِيزَانُهُ فِي سُورَةِ الْبِرِّ [مَاتِعُ]
فَقَالُوا: مَعْنَاهُ رَاجِحٌ زَائِدٌ.
وَمَتَعَ السَّرَابُ: طَالَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مُتُوعًا أَيْضًا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْمُتْعَةُ: مَا تَمَتَّعْتَ [بِهِ].
وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ الَّتِي كُرِهَتْ أَحْسَبُهَا مِنْ هَذَا.
وَالْمَتَاعُ مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَيْتِ: مَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ الْإِنْسَانُ فِي حَوَائِجِهِ.
وَمَتَّعَ اللَّهُ بِهِ فُلَانًا تَمْتِيعًا، وَأَمْتَعَهُ بِهِ إِمْتَاعًا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَيْ أَبْقَاهُ لِيَسْتَمْتِعَ بِهِ فِيمَا أَحَبَّ مِنَ السُّرُورِ وَالْمَنَافِعِ.
وَذَهَبَ مِنْ أَهْلِ التَّحْقِيقِ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَابِ التَّلَذُّذُ.
وَمَتَعَ النَّهَارُ لِأَنَّهُ يُتَمَتَّعُ بِضِيَائِهِ.
وَمَتَّعَ السَّرَابُ مُشَبَّهٌ بِتَمَتُّعِ النَّهَارِ.
وَالْمَتَاعُ: الِانْتِفَاعُ بِمَا فِيهِ لَذَّةٌ عَاجِلَةٌ.
وَذَهَبَ مِنْهُمْ آخَرُ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ الِامْتِدَادُ وَالِارْتِفَاعُ، وَالْمَتَاعُ انْتِفَاعٌ مُمْتَدُ الْوَقْتِ.
وَشَرَابٌ مَاتِعٌ: أَحْمَرُ، أَيْ بِهِ يُتَمَتَّعُ لِجَوْدَتِهِ.
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
85-مقاييس اللغة (مطو)
(مَطَوَ) الْمِيمُ وَالطَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَدٍّ فِي الشَّيْءِ وَامْتِدَادٍ.وَمَطَوْتُ بِالْقَوْمِ أَمْطُو مَطْوًا: مَدَدْتُ بِهِمْ فِي السَّيْرِ.
قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
مَطَوْتُ بِهِمْ حَتَّى تَكِلَّ مَطِيُّهُمْ *** وَحَتَّى الْجِيَادُ مَا يُقَدْنَ بِأَرْسَانِ
وَالْمَطِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْقِيَاسِ، وَيُقَالُ بَلْ سُمِّيَتْ لِأَنَّهُ يُرْكَبُ مَطَاهَا، أَيْ ظَهْرُهَا.
وَسُمِّيَ الظَّهْرُ الْمَطَا لِلِامْتِدَادِ الَّذِي فِيهِ.
وَالْمِطْوُ: الصَّاحِبُ، لِأَنَّهُ يَمْطُو مَعَكَ.
قَالَ:
نَادَيْتُ مِطْوِي وَقَدْ مَالَ النَّهَارُ بِهِمْ *** وَعَبْرَةُ الْعَيْنِ جَارٍ دَمْعُهَا سَجِمُ
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: اشْتِقَاقُهُ مِنِ امْتَطَيْتُ الْبَعِيرَ.
وَمِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَى هَذَا الْمَِطْوِ: عَذْقُ النَّخْلَةِ، لِامْتِدَادِهِ.
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
86-المحيط في اللغة (سبت)
السبت: يَوْمٌ من أيامِ الجُمعَةِ.والدهْرُ.
والقَطْعُ.
والحَلْق، سَبَتَ رَأْسَه: حَلَقَه.
وضَرْب من السيْرِ، بَعِيرٌ سَبُوْتٌ: إذا سارَ تلك السيْرَةَ.
وسَبَتَ الرجلُ: أي أقامَ؛ سُبُوْتًا وسَبْتًا.
والسبْتُ: جُلُوْدُ البَقَرِ المَدْبُوْغَةُ بالقَرَظِ.
والسبَاتُ: النوْمُ.
والغِشْيَانُ الخَفيُّ.
ورَجُلٌ سُبَات: مُنْكَرٌ داهٍ، ومَسْبُوْتٌ: وَقَعَ عليه النوْمُ وتَمَدَّدَ.
وسُبِتَ عنكَ فلان: أي شُغِلَ.
والسبَنْتى والسبْتُ: الجَرِيْءُ المُقْدِمُ، وكذلك السبَاتُ.
والسَّبْتَاءُ: الصحْرَاءُ، وجَمْعُها سَبَاتٍ.
وهي - أيضًا -: الأرْضُ اللَّينَةُ السَّهْلَةُ الملساء لا نَبْتَ بها ولا شَجَرَ، وسُمِّيَتْ لأنَها مَسْبُوْتَة أي مَجْرُوْدَةٌ، وجَمْعُه سبت وسَبَتَ عِلَاوَتَه: أي قَطَعَ عُنُقَه.
والسبْتَانُ: الأحْمَقُ.
والإسْبَاتُ: الإصاخَةُ للاسْتِماعِ.
والمُسْبِتُ: الساكِتُ الذي لا يَتحَرك.
وابْنَا سُبَاتٍ: الليْلُ والنَهارُ.
وقيل: رَجُلانِ باتا في مَنْزِلٍ ثُمَّ تَفَرقا ولم يَلْتَقِيَا؛ في شِعْرِ ابْنِ أحْمَرَ.
وإذا جَرى الإرْطابُ في البُسْرِ كُلِّها ولانَتْ فهي مُنْسَبِتَةٌ.
وفي خَده انْسِبَاتٌ: أي طُوْلٌ وامْتِدَاد.
وشاة سَبْتَاءُ.
وسَبَتُها: انْتِشَارُ أُذنِها في طُوْلٍ أو قِصَرٍ.
والذَكَرُ أسْبَتُ.
وقد سَبَتَتِ المَرْأةُ شَعرَها: أرْسَلَتْه.
ومنه قيل للرّاحَةِ: سُبَاتٌ، لأنَّ مَنْ تَمَدَّدَ فقد اسْتَرَاحَ.
المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م