نتائج البحث عن (وَتَطْهِيرُهَا)
1-معجم متن اللغة (عناية العرب بلغتهم 1)
عناية العرب بلغتهم:تقدم القول أن العرب كانوا أهل بادية وحاضرة؛ فالبادية من مشارف الشام إلى حدود اليمن يدخل فيها الحجاز ونجد وتهامة واليمامة وأرض عمان؛ وفيها مدن قليلة كمكة ويثرب والطائف، على أن مكة لم تنتقل من الوبر إلى المدر إلا بعد أن بنى قصي بن كلاب دار الندوة؛ وأما الحاضرة
فهي اليمن وما إليها من أرض حضر موت والشحر وفيها بواد فسيحة؛ وفي جنوبي فلسطين بدوي حضري؛ وفي أرض حوران عمرت بصرى، وكان من مدنهم في الشمال البتراء.
كانوا على عزلتهم في ديارهم هذه وعزة نفوسهم التي لم تستذلها الدول العظمة المكتنفة أرضهم، كانوا يرون أنفسهم في غبطة وسرور من حال ألفوها، وشاعرهم ينشد في باديته القفراء مفتخرًا بنعيم عيشه فيقول:
«إذا ما شربنا كل يوم مذيقة، *** وخمس تميرات صغار حوامز»
«فنحن ملوك الناس شرقًا ومغربًا، *** ونحن أسود الغاب وقت الهزاهز»
«وكم ممتن عيشة لا ينالها، *** ولو نالها أضحى بها جد فائز! »
كانوا وهم في هذه الحال في حرز حريز من أن يتطرق إلى لغتهم الصافية ما يكدرها، ويحرصون عليها حرص الشحيح على ماله، حتى أصبح ذلك خلة راسخة في نفوسهم وملكة ثابتة في طباعهم.
وتعدى ذلك إلى أتباعهم وحواشيهم.
قال الجاحظ: "رأيت عبدًا أسود لبني أسد، قدم علينا من اليمامة فبعثوه ناطورًا في البساتين.
وكان وحشًا لطول تغربه في اليمامة ورعي الإبل، فأصبح بعد أن صار ناطورًا لا يجتمع إلا بالأكراد وفلاحي النبط الفاسدي اللغة، فكان لا يفهم منهم ولا يفهمون منه؛ فلقيته يومًا فأنس بي، وكان مما قال لي: أبا عثمان، لعن الله بلادًا ليس فيها عرب! أبا عثمان، إن هذه العرب في جميع الناس كمقدار القرحة في جلد الفرس، فلولا أن الله رق عليهم، فجعلهم في حاشية الأرض، لطمست هذه العجمان آثارهم..
أنف هذا العبد الأسود الزنجي العرق السكني في بلاد ليس فيها عرب، ولعن البلاد الخالية منهم.
ويقول: إن من نعمة الله عليهم أن عزلهم في ناحية من الأرض لتبقى لغتهم سليمة من التحريف.
ويدلنا كلامه على تغير عظيم في اللغة وتباعد بين لغة عرب اليمامة ومستعربي الأمصار حتى عسر التفاهم بينهم.
رأى العرب، وهم في هذه العزلة بل هذه العزة، أنهم فوق الأمم مجدًا وشرف محتد وطيب عنصر وعزة نفس وإباء ضيم.
وهذه امرأة بدوية، وهي ليلى بنت لكيز، لم ترض أن تكون في نساء كسرى ملك العجم، لما حملت إليه مكرهة، فتقول: "
«يكذب الأعجم ما يقربني، *** وعمي بعض حساسات الحيا»
«غللوني قيدوني ضربوا *** ملمس العفة مني بالعصا! »
تنبز كسرى، ملك الملوك، بالأعجم احتقارًا لسلطانه لأنه غير عربي.
وتفر من النعمة السابغة"
والعيش الهني في حرم كسرى، مفضلة عليها سكنى الوبر وعيشه الخشن وطعامه الجشب في ظل الحرية والانطلاق، وحرصًا على الدم العربي أن يشاب بدم غيره، فلا يقربها الأعجم ما دام معها بعض حساسات الحياة، ولو كان له ملك كسرى! وإذا عرض الشك في صحة هذه القصة فإن النعمان، عامل كسرى، قد امتنع أن يزوج إحدى بناته من كسرى، لا جهلًا بمقام كسرى، ولا اعتقادًا منه بأنه أعلى منه شرفًا ومنزلة، ولكنه امتنع خوفًا من العار الذي يلحقه بين العرب من أنه زوج ابنته من غير عربي، وإن كان ملك الملوك، فيحط بذلك منزلة بناته بزواجهن من غير الأكفاء، ولا كفؤ للعربي إلا العربي.
امتنع النعمان فأثار حفيظة كسرى، فقتله بين أرجل الفيلة؛ ولكن أمته العربية الأبية ثارت له لأنه قتل في سبيل الشرف العربي؛ فكانت وقعة ذي قار.
بهذه الخلة قل امتزاجهم بالأمم، فقل التحريف والتبديل في لغتهم؛ وليس هذا وحده، بل انصرفوا بجهودهم كلهم إلى العناية بتحسين اللغة وصقلها، ما شاءت لهم قرائحهم وعلومهم.
لذلك بلغت لغتهم هذا المبلغ من السلعة في المادة وفي مراعاة مقتضى الحال بإيجاز الكلام أو إطنابه، وفي الرواء والعذوبة.
عناية الأئمة بحفظ لغة القرآن والسنة وتدوينها
جاء القرآن بأفصح لغات العرب.
ودان العرب بالإسلام دين القرآن.
وجرت السنة النبوية هذا المجرى؛ فكانت لغة القرآن والسنة أولى بالتدوين والحفظ، لما آن أوانها وأخذت سنة التطور طريقها في اللغة الفصحى، منذ خرج العرب من عزلتهم واختلطوا بالأعاجم، ودخل الأعاجم في سلطانهم.
وكان لهم ما للمسلمين العرب، وعليهم ما عليهم من حرية وإخاء ومساواة.
وبعد أن كثر تسريبهم بالأعجميات لكثرة السبي في أيديهم، يوم اتسعت فتوحاتهم، وشعر أبو الأسود الدؤلي، أقدم أئمة العربية، ببادرة من التغير بدرت على لسان ابنته إذ قالت لأبيها متعجبة وقد نظرت إلى السماء ونجومها في لسلة صافية: "ما أحسن السماء" فرفعت أحسن، وح
فأدركت خطأها وقالت: أنا متعجبة ولست بمستفهمة.
فهب أبو الأسود إلى إمام المسلمين والعرب في العلم والعمل، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عليه السلام، وأخذ منه أصول النحو.
فعكف القوم بعد هذا على تقرير قواعد اللغة والنحو واختيار الفصيح من الكلام.
وعمل الأئمة على التقاط فرائد اللغة من البوادي البعيدة عن الأمصار، لبعدها عن مجاورة الأعاجم وفاسدي اللغة.
فكانت رحلة الأئمة إلى بوادي الحجاز وتهامة ونجد واليمامة.
قال الفارابي في أول كتابه المسمى "الألفاظ والحروف": "كانت قريش أجود العرب لأفصح الألفاظ، وأسهلها على اللسان، وأحسنها مسموعًا، وأبينها إبانة عما في النفس.
والذين نقلت عنهم العربية وبهم اقتدى، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين القبائل العربية هم: قيس وتميم وأسد.
فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه.
وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف.
ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين؛ ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر القبائل.
وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط، ولا عن سكان البوادي ممن كان يسكن أطراف البلاد المجاورة لسائر الأمم حولهم.
فلم يؤخذ عن لخم ولا عن جذام لمجاوراتهم أهل فارس، ولا عن قضاعة وغسان لمجاورتهم أهل الشام، وأكثرهم نصارى يقرأون بالعبرانية، ولا عن تغلب واليمن فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا عن بكر لمجاورتهم للفرس، ولا عن عبد القيس وأزد عمان لأنهم كانوا بالبحر
كان الباحث عن اللغة في بوادي العرب يقامر بنفسه، غير مبالٍ بحرها ولا ببردها ولا بخشونة عيشها ورتق مشربها، السنين الطوال ليكتب عن فضائحهم شيئًا من كلامهم.
وروي أن الكسائي أنفذ خمس عشرة قنينة من الحبر في الكتابة عنهم.
وكان الإمام منهم يفضل استفادة كلمة واحدة على حمر النعم.
ويروي عن أبي عمرو ابن العلاء قال: "إني كنت هاربًا من الحجاج بن يوسف، وكان يشتبه علي "فرجة" هل بالفتح أو بالضم، فسمعت قائلًا يقول: "
«ربما تجزع النفوس من الأمر *** له فرجة كحل العقال»
فحرك الفاء بالفتح، ثم قال: ألا إنه مات الحجاج؛ قال أبو عمرو: فما أدري بأيهما كنت اشد فرحًا: أبقوله فرجة، بفتح الفاء، أو بقوله مات الحجاج! "
وكان من مزيد عناية القوم باللغة أن ميزان التفاضل بين الأئمة وحملة اللغة كان سعة معرفة الرجل بكلام العرب ولغاتها وغريبها.
وكان الأمراء والملوك والخلفاء وأعيان الأمة يتسابقون إلى تأديب أبنائهم، أي تعليمهم الأدب العربي من اللغة والنحو والشعر وأخبار العرب ومفاخراتهم"
ومنافراتهم، ليحفظوا كلامهم ويقووا به ملكاتهم اللغوية.
وكان أكبر عيب في الشريف العربي أن يلحن في كلامه، فلا يأتي بالحركات الإعرابية أو الحركات اللغوية على وجهها؛ كل ذلك كان في سبيل حفظ اللغة ورونقها وجدتها، وتقوية ملكة الفصاحة في النفوس.
بدء انحراف العامية عن الفصحى
قلنا: إن أبا الأسود الدؤلي رأى بادرة التغير في كلام ابنته، فلجأ إلى أمير المؤمنين علي ووضع أصول النحو.
والظاهر أن بدء الانحراف كان قبل ذلك، وعلى كل حال لم يكن قبل عصر الراشدين.
وأول ما سمع ذلك في الحركات الإعرابية زمن خلافة أمير المؤمنين عمر، رضي الله عنه، على ما جاء في طبقات الأدباء لابن الانباري؛ وذلك أنه قدم أعرابي في زمن خلافته فقال: "من يقرئني شيئًا مما أنزل على محمد؟ " فأقرأه رجل سورة براءة وقال: "إن الله برئ من المشركين ورسوله "بالجر، فقال الأعرابي: "أو قد برئ الله من رسوله؟ إن يكن الله برئ منه فأنا أبرأ منه! " فبلغ ذلك عمر فدعاه وقال له: أتبرأ من رسول الله يا أعرابي؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن، فسألت: "من يقرئني؟ " فأقرأني هذا سورة براءة فقال: "إن الله يبرئ من المشركين ورسوله" فقلت: "أوفد برئ الله من رسوله؟ إن يكن الله برئ منه فأنا أبرأ منه! " فقال عمر: "ليس هذا يا أعرابي".
فقال: "كيف يا أمير المؤمنين؟ " قال عمر: "إن الله برئ من المشركين ورسوله" ورفع رسوله، فقال الإعرابي: وأنا أبرأ ممن برئ الله ورسوله منهم.
فأمر عمر أن لا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة.
وكان أهل الحاضرة يومئٍذ، كيثرب، فيهم العلماء باللغة وغير العلماء، ولهذا خصص عمر أمره بالعالم باللغة.
وروى عاصم قال: جاء أبو الأسود الدؤلي إلى زياد، وهو أمير البصرة، فقال: إنني أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم، وفسدت ألسنتها، أفتأذن لي أن أضع للعرب ما يعرفون به كلامهم؟ فقال زياد: لا تفعل؛ قال: وجاء رجل إلى زياد فقال: أصلح الله الأمير! توفي أبانا وترك بنون؛ فقال زياد يرجع كلامه: توفي أبانا وترك بنون؟ ادع لي أبا الأسود؛ فلما جاءه قال: "ضع للناس ما كنت نهيتك عنه.
وسئل أبو الأسود: من أين لك هذا النحو؟ فقال: لفقت حدوده من علي بن أبي طالب.
وأما اللحن في بناء الكلمة فكان بعد ذلك العهد.
ويظهر أنه كان في سكان الحاضرة أيضًا، ولم يأتِ زمن الحجاج حتى فشا اللحن في كلمات اللغة، وحتى صار يستهجن الفصيح في كلمات العامة.
قال في الطبقات: "قال محمد بن سلام: أخبرني أبي أن يزيد بن الملهب كتب إلى الحجاج: إنا لقينا العدو ففعلنا وفعلنا واضطررناه إلى عرعرة الجبل.
فقال الحجاج: ما لابن المهلب وهذا الكلام؟ فقيل له: إن يحيي بن المعمر عنده.
فقال: ذاك إذًا.
ويحيي بن المعمر هذا هو من حملة اللغة وأئمتها."
سارت العامة على خطها المنحرف، وامتد سيرها هذا لما كثر توغل العرب الفاتحين في بلاد الأعاجم، وكلما امتد السير زادت بعيدًا عن الفصحى؛ إلا أن هذا الطريق لم يكن ممهدًا بل كانت تعترضه عقبات من عناية العلماء بالفصحى، لما رأوا ما منيت به من التحريف، فأخذوا في محاربة هذا الداء، وصنفوا في تقويم العامية وردها إلى الفصحى وتطهيرها، أو تطهير أقلام الكتبة على الأقل، من اللحن.
ونجد كثيرًا من هذه الجهود في مثل: "أدب الكاتب" لابن القتيبة، و "درة الغواص" للحريري.
فلم يكن، والحال هذه، سير العامية في خطتها الملتوي، شديد الاندفاع كما هو الحال في غير العربية من اللغات.
وإن اللغات الراقية اليوم، التي دونت فصحاها بعد تدوين فصحى العربية بقرون، ترى فصحاها بعيدة عن عاميتها أكثر من بعد فصحى العربية عن عاميتها.
يقول جبر ضومط، أستاذ اللغة العربي في الجامعة الأميركية في بيروت، بعد أن أثبت أن للإنكليزية والفرنسية والألمانية- وهي في مقدمة اللغات الراقية في هذا العصر- لغة فصحى مكتبية، ولغة عامية دارجة: " فالمكتبية في أعلى درجات الفصاحة، والدارجة في أحط الدرجات في بعض أقسام لوندرة وباريس وبرلين، عواصم هذه اللغات الثلاث. ثم ذكر أنه تعرف بمستشرق اسوجي جاء بيروت لدرس اللغة العربية الدارجة، وكان عارفًا خبيرًا، فأخبره أن عندهم لغتين: فصحى ودارجة، وأن الدارجة الأجنبية أكثر من الدارجة العربية بعدًا عن الفصحى.
وأنا لا أرتاب في أن اللغة التي حملها الفرنسيس، أيام الحملات الصليبية إلى سورية، لم تكن كاللغة التي حملها حُفَداؤهم إليها في هذه الأيام؛ وأن اللغة التي نظم بها شكسبير قصائده لا يفهمها العامي الإنكليزي اليوم أكثر مما يفهم العربي قصائد المتنبي وأبي العلاء المعري.
ولكن لغة موليير الفرنسية، فيما أحسب، بعيدة عن لغة أميل زولا بعد لغة ملتون الإنكليزية عن لغة دوسكن.
بينما لم تتغير لغة المتنبي عن لغة شوقي وبينهما ألف عام.
إلا أن لغة المتنبي وابن الأحنف والطائيين تخالف لغة الزاجل في شعره اليوم، بل إن لغة الزاجل اليوم تخالف لغة الزاجل في عصر ابن خلدون.
الحركات الإعرابية
في اللغة العربية
من البديهي أن مفردات اللغة مؤلفة من الألفاظ، وأن مادة اللفظ لا تتعدى حروف الهجاء، ولكن للحروف هيئات في اللفظ من حركات وسكون يطلق عليها، على سبيل التغليب، اسم الحركات؛ وهذه الحركات إما عارضة لمادة الكلمة ومبناها، أو عارضة لآخرها.
وتسمى الأولى حركات المباني كما ترى في حركات: غَمر، وغِمر، وغُمر، وغَمِر، وغُمَر، وغَمَر؛ فهذه كلمات ست، وهي مع اتفاقها في الحروف وفي ترتيبها مختلفة المعاني باختلاف حركاتها اختلافًا من أصل الوضع.
وتسمى الثانية حركات الإعراب أو علامات الإعراب لأنها تعرب عن مراد المتكلم بموقع الكلمة من الجملة، ولكنها لا تؤثر بمعنى الكلمة الوضعي شيئًا.
فسعيد في قولك "رأى سعيد أحمد" وهو سعيد نفسه إذا رفعته فاعلًا أو نصبته مفعولًا به، ولكن حاله واقعًا منه الفعل، غير حاله واقعًا عليه؛ وإنما يعرف اختلاف حاليه من اختلاف حركات الإعراب.
فائدتها
لهذه الحركات أثرها في المعنى التركيبي، خاصة وهي تعطي الجملة إيجازًا بديعًا لا مثيل له، فيما أحسب، في غير العربية.
والإيجاز في اللفظ مع الوفاء بالدلالة على المراد من أعظم ميزات اللغة.
انظر إلى قولنا: "ما أحسن زيد" فإنك تجد لهذه الجملة ثلاثة معان تختلف باختلاف الحركات في أواخر كلمتها، مع بقاء مبانيها وتركيبها اللفظي كما هي، فنقول:
1 - " ما أحسن زيدًا! " تنصبها، وأنت تريد التعجب فيكون ذلك قائمًا مقام قولك: "أعجب كثيرًا لحسن زيد".
2 - "ما أحسن ويد؟ " ترفع أحسن وتخفض زيدًا، وأنت تريد الاستفهام، وهي قائمة مقام قولك: "استفهم واسأل عن أحسن شيء في زيد".
3 - " ما أحسن زيد؟ " تفتح أحسن وترفع زيدًا، وأنت تريد الاستفهام أيضًا، وهي قائمة
مقام قولك: "أي شيء من الإحسان فعله زيد".
ثم انظر إلى قولنا: "هذا كريم أحسن منه عالم" فإذا رفعت كريمًا وعالمًا كان المراد شخصين اثنين أحدهما عالم والآخر كريم، ولكن العالم أحسن منه الكريم؛ وإذا نصبتهما كانا شخصًا واحدًا عالمًا وكريمًا، ولكنه في كرمه أحسن منه في علمه.
وانظر إلى قولنا: "كم كتاب قرأت" فإذا جررت كتابًا كنت تريد الإخبار بكثرة ما قرأت من الكتب، وإذا نصبت كنت تريد الاستفهام عن عدد الكتب التي قرأتها.
قال ابن قتيبة في "مشكلات القرآن" ما نصه: "وللعرب الإعراب الذي جعله الله وشيًا لكلامها، وحلية لنظامها، وفارقًا في بعض الأحوال بين الكلامين المتكافئين والمعنيين المختلفين: كالفاعل والمفعول، لا يفرق بينهما، إذا تساوت حالاهما في إمكان أن يكون الفعل لكل واحد منهما، إلا بالإعراب, ولو أن قائلًا قال: هذا قاتل أخي، بالتنوين، وقال آخر: هذا قاتل أخي، بالإضافة، لدل بالتنوين على أنه لم يقتله، وبحذف التنوين على أنه قتله.
ولو أن قارئًا قرأ: "فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون" وترك طريق الابتداء بإنّا، واعمل القول فيها بالنصب، على مذهب من ينصب أن بالقول كما ينصبها بالظن، لقلب المعنى على جهته، وأزاله عن طريقته، وجعل النبي محزونًا لقولهم " إن الله يعلم ما يسر
وقال رسول الله، صلوات الله عليه: "لا يقتل قرشي صبرًا بعد اليوم" فمن رواه جزمًا أوجب ظاهر الكلام أن لا يقتل إن أرتد، ولا يقتص منه وإن قتل؛ ومن رواه رفعًا انصرف التأويل إلى الخبر عن قريش أنه لا يرتد أحد منهم عن الإسلام فيستحق القتل.
أفما ترى الإعراب كيف فرق بينهما؟ ثم قال: "وقد تكتنف الشيء معان فيشتق لكل معنى منها اسم من ذلك الشيء كاشتقاقهم من البطن الخميص "مبطان" وللمنهوم "بطن" وللعليل البطن "مبطون".
انتهى كلام ابن قتيبة.
وإنما اختلف المراد فيما ذكر باختلاف الحركات الإعرابية، مع أن الجمل المذكورة لم يتغير شئ من تركيبها وتنسيقها غير علامات الإعراب.
ولكن المعنى التركيبي قد تغير معها تغيرًا لا يستهان به، كما سمعت من كلام ابن قتيبة.
وكذلك إذا قلت: "علم زيد خالد الكتاب" لا تعلم أيهما المعلم وأيهما المتعلم: فإذا رفعت ونصبت علمت أن المرفوع هو المعلم وأن المنصوب هو المتعلم، تقدم أو تأخر لا فرق، وبقي للتقديم والتأخير فائدة خاصة من البيان، كما شرحه علماء الفصاحة والبلاغة، وإذا طرحت الحركات جانبًا وجعلت الدلالة على الفاعل تقدمه، وعلى المفعول تأخره بأن يكون الفاعل واجب التقديم مطلقًا،
كما إذا كان مقصورين لا تظهر عليهما علامات الإعراب، فاتتك النكات البيانية من المعاني التي يفيدها تقديم ما حقه التأخير أو العكس، وهي إفادات تأتيك من ترتيب الجملة دون زيادة في لفظها؛ وهذا من خصائص العربية فيما أحتسب.
وإني قد أسهبت القول في فوائد الإعراب في اللغة، ليعلم أن القول بتفضيل إهمال الحركات على استعمالها، بحجة أن المعنى لا يفسد بإهمالها، ولأن كل أبناء العربية يفهمون من قولنا "زيد مسافر" بالتسكين، كما يفهمون "زيد مسافر" بالتحريك هو قول باطل.
إنه عجيب حقًا، ولاسيما إذا كان من علامة مدقق ذي علم وغيرةٍ على الفصحى، كصاحب المقتطف الدكتور يعقوب صروف.
وقد ظهر لك مما تقدم أن كثيرًا من الجمل إذا أهمل فيها الإعراب اشتبه على السامع فهمها، لاحتمالها معاني لا يميزها إلا الإعراب، أو إطالتها بكلام مفصل يدل على المعنى المراد.
من أين جاءت؟
من الحقائق التي لا أحسب فيها جدالًا، وإذا كان فهو غير معتمد به، أن العرب الذين تبدوا وقل اختلاطهم بغيرهم من الأمم، كانوا أحفظ للغة وأصون لقديمها من غيرهم، لأن الاختلاط بغير أهل اللغة من أكبر الأسباب في تطورها.
وهذا القديم الذي حفظوه وصانوه بانعزالهم وببداوتهم، إن لم يكن هو نفسه اللغة الأم، أي التي تفرعت عنها اللغات السامية، فهو أقرب اللهجات المتفرعة عنها إليها، لأن المفروض أنه مصون ومحفوظ كل الصون والحفظ أو بعضهما، فلم يكن فيه من التطور ما كان في غيره من الف
وهذه الحقيقة ليست بغريبة عن استنتاج العلماء؛ فقد ذكرها كثير من الباحثين كمسألة لا تحتمل الجدال.
ثم أنه جاء في التاريخ القديم أن اللغة التي انتشرت في المملكة البابلية، قبل زمن حمو رابي بعشرين قرنًا أو أكثر، وهي أم اللغات السامية، كانت ذات حركات للإعراب؛ وأنها قضت أكثر من ألفي عامٍ وهي ذات حياة في سجلات الحكومة ودواوينها وعلى ألسنة العلية من القوم.
وإن كلام العلامة مسبيرو، ظاهر في أن لهجة العامة من سكان المدن والقرى أي أهل الحاضرة، كانت الآرامية.
أما لهجة سكان البوادي، وهم بدو الآراميين، فلم تكن اللغة الآرامية.
إن أهل الحاضرة هم الذين اختلطوا بغيرهم من الأمم، فاستعجمت لغتهم التي كانت فصحى بهذا الامتزاج، وكانت منه اللهجة الآرامية "العامية البابلية"، كما امتزج بعد الإسلام أهل الحاضرة من العرب بغيرهم من الأمم، فاستعجمت لغتهم وكانت منها اللهجة العامية.
هذه اللغة التي ثبتت ألفي عام فأكثر في السجلات الرسمية والدواوين العالية، وعلى ألسنة العلية من القوم، هي ولا ريب اللغة الأم.
وقد كان لها حركات إعرابية، ثم استعجمت في ألسنة العامة من"
أهل الحواضر.
وكان أول ما أضاعته هو حركات الإعراب.
فكانت السريانية القديمة، اللغة المستعجمة المتطورة منها، وهي ليست بذات إعراب؛ لأن ما لا يوجد في الأصل لا يوجد في الفرع.
أما سكان البادية وهم بدو الآراميين أو العرب فلم يفقدوها، فبقيت هذه الحركات ثابتة في لهجاتهم.
وقد حدث مثل ذلك لأهل الحواضر العربية، فأضاعوا حركات الإعراب التي كانت في لغة أهل البوادي منهم باستعجام لغتهم.
وكان أول ما أضاعوه منها هذه الحركات، كما سمعت ما سلف من قضية الأعرابي الذي جاء المدينة في خلافة عمر ليتعلم القرآن، فسمع اللحن في حركات الإعراب وأدى ذلك، بحكم الطبع في ذلك الأعرابي، إلى فهمه غير المراد فأنكره؛ وكما سمعت من قصة ابنة أبي الأسود مع أبيها ا
كان نصيب سكان البوادي الأولين كنصيب سكان البوادي الآخرين في حفظ اللغة بحركاتها الإعرابية ما استطاعوا إليه سبيلًا، وبقدر ما بعدوا عن الأمم الأخرى.
وهكذا نقيس بقياس التمثيل بين العصرين، ونعلم حال القديم الذي لم نره ولا تحققنا خبره، بحال الحديث الذي عرفناه وتحققناه.
ونطمئن إلى القول بأن حركات الإعراب التي كانت في اللغة الأم الأولى قد حفظتها لها البداوة حتى ظهرت في عربيتهم الأخيرة؛ وذلك باستصحاب القهقرى كما يسميه علماء الأصول.
وقد خلت منها اللغات الأخرى الأخوات إلا أثارًا في لغة بطراء ولغة تدمر وأهلها من بقايا العمالقة.
ثم نقول: لكن بدو الآراميين الذين سكنوا البادية العربية، والذين سموا عربًا، لم تذهب منهم هذه الحركات أو أشباهها، بدليل وجودها عند أعقابهم وحفدائهم يوم أخذنا اللغة عنهم، وبدليل أن الذين أخذوها وجدوها راسخة فيهم رسوخ الملكة الطبيعية في النفس، تجري على ألسنتهم في مواقعها دون أدنى قصد أو تعمل ولا كلفة، مما يدل على طول عهدهم بها حتى أصحبت جارية مجرى الطبع.
إن هذه الحركات إذًا متصلة بنا من ميراث اللغة الأولى، أم لغتنا العربية، حفظتها لنا البداوة وحفظها بعد حامليها عن فساد اللسان بالعزلة، وعدم امتزاجهم بالأمم الأخرى.
قلنا: إن هذه الحركات كانت في العرب، واتصلت في الأعقاب على مدى الأحقاب حتى وصلت إلينا.
وسواء أكانت هي كما رأيناها أو اعتراها بعض التحرير، فهي إن لم تكن عينها فليست بعيدة عنها؛ ففي واديها ربيت، وعلى غرارها طبعت، وفي حجرها نشأت، وبدرها غذيت.
والقول بأن العرب عرفوا هذا بمعرفتهم النحو وأنهم احتذوا فيه مثال اليونانيين، فلا أراني كثير الحاجة لدفعه، لأن الإلمام بأحوال العرب قبل الإسلام فضلًا عن الاضطلاع به يكفينا أمره.
وأنى لسكان البادية بمعرفة قواعد النحو كعلم من العلوم؟ وقد سئل أعرابي: أتجر فلسطين؟ فقال: إنني إذًا لقوي، فقيل له: أتهمز إسرائيل؟ فقال: إنني إذًا لرجل سوء! ففهم هذا البدوي، وهو ممن يوثق بعربيته ويتخذ أئمة اللغة كلامه حجة في النحو واللغة، فهو الجر والهمز بمعناهما اللغوي، ولم يكن للمعنى الاصطلاحي أقل مساس بفهمه وعلمه.
إن الإعرابي القادم من البادية إلى الحاضرة ليتعلم القرآن، وهو بعد لم يبل بفساد اللسان، قد عرف تغير المعنى بتغير حركة "ورسوله" لا من حيث أنه رفع وخفض، بل من حيث أن إفادتها مرفوعة غيرها إذا كانت مخفوضة؛ هكذا فطر طبعه ونمت غريزته.
كيف وضعت الحركات؟
إن الذي اتفق عليه المحققون أن وضع اللغات لم يكن بالتنصيص على لفظ خاص لمعنى خاص، وإنما كان الوضع بالتوسع في الاستعمال على قدر الحاجة وتنوعها بامتداد الزمن وتطاول المدة، وعلى حسب ما هو معروف من سنن التطور.
ويبعد في مثل هذه الحال أن توضع الحركات الإعرابية بمثل هذا النحو من الوضع، وأن تكون على هذه الطريقة، لأن الحركات الإعرابية على ما هو الظاهر ليست مما تدعو إليه الحاجة الماسة بأن تكون ركنًا من أركان التفاهم، فلا يتم بدونها، حتى يقال: إنها جاءت على قدر الح
فكيف كانت إذا هذه الحركات الإعرابية؟ هل هي بقايا كلماتٍ كانت تدل على ما تدل عليه علامات الإعراب، ثم اختزلت بتطاول المدة وصقلت بالاستعمال فصارت كما نراها؟"
يقول بهذا القول كثير من العلماء؛ وقد جاء في المقتطف ما نصه: "يستدل علماء اللغات على أن أصل هذه الحركات كلمات اختصرت على تمادي الزمن، وبقيت الحركات دلالة عليها" هذا قوله.
ولكن هل كانت هذه الكلمات، والتي هي أصل هذه الحركات، خاصة بأم اللغة العربية المعربة، وفي حيزها اختصرت هذا الاختصار؟ أو أنها في أمها الأولى ثم جاءت إليها بالإرث؟ وعلى تقدير أنها كانت في أصل الفرع الأسيوي الأول الذي منه كانت اللغات السامية والآرية والمغولية، فهل أصابها هذا الاختصار كله أو بعضه قبل انفصال السامية (أم العربية) عنه، أو أنه كان من صيغ اللغة السامية؟
ربما يعرف ذلك، ويكشف هذه الغوامض ويحل هذا الإشكال، الباحثون في مقابلة اللغات وتحليلها، إذا تيسر لهم ذلك، وكان في أخوات اللغة العربية وخالاتها ما ينير لهم الطريق بأن كان لهذه الكلمات الإعرابية ما يدل عليها، أو يشير إليها في هذه اللغات.
أما إذا كان مجرد حدسٍ وتخمين، فللحدس والتخمين أيضًا مجال آخر.
وحينئٍذ يجوز لذاهب أن يذهب إلى أن الحركات الإعرابية ربما كانت وضعت بوضع خاص، وذلك بأن يقال: إن أبناء اللغة الأولى كانوا في تمدنهم وعلومهم بمنزلٍة صالحة تدل عليها آثارهم، وقد دلت الآثار أنه كان للبابليين مدارس منظمة يعلمون فيها الحكمة والطب والفلك، وظهر
وأخبرنا التاريخ عن مزيد عنايتهم بلغتهم الفصحى والتي حفظوها واتخذوها لغة رسمية لهم، وكانت مصقولة مهذبة، كما تقدم القول عن العلامة مسبيرو، فلا يبعد، والحال هذه، عن الذين صقلوا لغتهم وهذبوها، أن يكون في جملة ما عملوه في صقلها وتهذيبها وتحريهم البلاغة فيها
ومن ضروب هذا الاختصار وضع العلامات الإعرابية على شكل حركات لا تطول بها الجملة، ولا يتغير بها وضع الكلمة من موقعها فيها، فدلوا بهذه الحركات على مرادهم بها في جملتها، فاعلة أو مفعولة أو غير ذلك، مقدمة أو مؤخرة، لتدل في التقدم والتأخير على معان مراده، وأن
ويكون ذلك منهم حيث قل انتشار الفساد في اللغة، وسرى ذلك في سكان البوادي فحفظوه وجروا عليه.
ولنفرض لذلك مثلًا فنقول: استعمل أبناء اللغة "ما" الاستفهامية بدلًا من "أي شيء" اختصارًا، فاشتبهت "بما" التعجبية ووقعت أفعل بعدها كأحسن في قولك: "ما أحسن زيد"، واشتبه على السامع أي المعنيين يريد المتكلم: ما الاستفهام أو التعجب؟ ونصب القرينة اللفظية تطويل، والمفروض أننا فررنا منه، فحركوا حينئِذ ما وقع بعد التعجب بالنصبـ، وما بعد ما الاستفهامية بالرفع؛ وليس في هذا مشقة ولا إطالة.
وكذلك يتميز الفاعل بالرفع والمفعول به بالنصب، وفي هذا لا يشتبه الفاعل بالمفعول به سواء تقدم أو تأخر.
وتبقى اعتبارات التقدم والتأخر وفوائدها البيانية صحيحة سليمة؛ ولكن هذا إنما يجري حيث يكون الفاعل صالحًا لأن يكون مفعولًا به، أما إذا لم يكن صالحًا لذلك في مثل: "كسر الزجاج الحجر" و "قال الشاعر قصيدة" فإنه يستغنى عن ذلك؛ لكن القسم الأول أكثر في الكلا
ولعل مثل هذا احتجاج إلى مدة متطاولة، وبعد اختلافات كثيرة بين الأصقاع والقبائل في الاستعمال، حتى استقر وثبت منه الأحسن والأصح في الاستعمال، فعم وشاع وذهب ما عداه.
والقول "بالكلمات المختصرة إلى الحركات" تعترضه صعوبات كبيرة في تعليل هذا الاختصار، وتطبيقه على الحركات الإعرابية التي لا يمكن تذليلها إلا بتكلف كثير.
وإذا رأينا أنه من السهل مثلًا أن نقول: إن علامة الرفع (الضمة) قد اختصرت من الكلمة الدالة عليها إلى الواو، الذي هو علامة للرفع أيضًا، ثم اختزل الواو إلى الضمة، فلسنا نرى من السهل تطبيق ذلك على غير هاتين من علامات الرفع، كالألف في المثنى، وثبوت النون في
ويعترض الحدس المفروض للوضع الخاص أن هذه العلامات نراها أول ما يذهب من اللغة عند امتزاج أهلها بغيرهم، وأن صيرورتها إلى الملكة أمر لا يقبله العقل بسهولةٍ وبدون مشقة.
وكيفما كان أحال فقد اتصل إلينا أن أم اللغة العربية أورثت ابنتها هذه نظام الإعراب بالعلامات، فتقف عند هذا القدر المحقق من البحث، ونترك ما عداه إلى المحققين في اللغات، حتى يظهر البحث ما تطمئن إليه النفوس.
والذي تحقق من ذلك أن العرب، وهم بدو الآراميين، قد اتخذوا هذا الميراث، وجرى فيهم مجرى الملكة، وهم في عزلتهم، فلم يتسرب إليهم الإهمال، وحفظته لهم البادية فلم يتأثروا بما تأثر به إخوانهم، وأصبح ملكة راسخة فيهم.
وليس معنى قولنا إنه أصبح ملكة راسخة، أنهم لا يقدرون على اللحن ولا يمكن أن تجري عليه ألسنتهم، كما كنا نتلقاه من مشايخنا زمن الدراسة، بل معناه أن ألسنتهم تجري بلا تعمل ولا كلفة على هذا النظام، شأن من يتمرن عليه في هذه الأيام، فينطلق به لسانه دون تعمل أيضًا؛ وإذا كان لا يسلم متمرن اليوم من الخطأ والغلط الذي يكثر ويقل بحسب مرانه، فلأن مرانه كان ناقصًا من حيث أنه يتمرن في بيئة ملؤها الخطأ والغلط.
وعلى العكس متمرن ذلك الزمن الذي ببيئته ملؤها صواب وصحة.
إن سكان هذه الجزيرة اتخذوا حفظ اللغة على هذا النحو تقليدًا لهم، في التجاوز عنه كل العيب والعار.
ولا ترسخ عادة في قوم ما لم تتخذ تقليدًا عامًا مستحبًا يعاب تاركه على تركه أو تجاوزه.
فكان التمرن عليها راسخًا يشب عليه الصغير ولا يشذ عنه الكبير، فيكون عامًا شاملًا شائعًا بين صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وتجاهلهم.
ولم يحجم نقله اللغة من الأئمة، الآخذون اللغة عن الإعراب، أن يعتدوا بلغة الصبيان والمجانين لأنهم آمنون على ملكتهم من الخطأ، فكان بعضهم يحتج لمذهبه بكلام أمثال هؤلاء ولا ينكره عليه منكر.
قال ابن دريد في "أماليه" عن الأصمعي: "سمعت صبية بحمى ضرية يتراجزون، فوقفت وصدوني عن حاجتي وأقبلت أكتب ما أسمع، وإذا بشيخ أقبل فقال: أتكتب عن هؤلاء الأقزاع الأدناع؟ "
لم يحجم الأصمعي، وهو إمام اللغة، عن أن يكتب عن هؤلاء الأقزاع الأدناع أي صغار الناس وأراذلهم، لأنه يرى في كلامهم حجة لا تنكر عليه.
وأما قول الشيخ: "أتكتب": مستنكرًا، فما هو إلا استصغار لأمرهم واحتقار لأمرهم واحتقار لشأنهم من حيث أنهم أقزاع أدناع، لا من حيث أنه مخطئ أو مصيب بالأخذ عنهم.
فهو نظير أن تختار لأمرك حاذقًا فيه، ولكنه صغير المنزلة دنئ الحسب مستقذر العيش، مع أنك لا تعدم حاذقًا مثله يكون كريم الحسب رفيع المنزلة ظاهر المروءة.
ويصح لمن يغار عليك أن يلومك على هذا الاختيار، وليس معنى لومه أنه يطعن في حذقه بل كان الطعن عليه من حيث نفسه وحاله.
آخر عهد البادية بها
إن هذه الملكة الراسخة في هؤلاء الأعراب قد أهملت أولًا في القبائل المجاورة للأعاجم بالاختلاط بهم، ولم يسمع عن أحد من العرب الجاهليين أن الأئمة تحرزوا عن الاحتجاج بلغته قبل عد بن زيد العبادي، الذي نشأ بين الفرس وفي خدمة الأكاسرة.
ولما فسدت لغة الأمصار كان ذلك يسري منها إلى البادية بقوة الاختلاط وضعفها، وكانت السلامة تتقهقر أمام هذه القوة، وبقى هذا الغزو مستمرًا إلى أخريات القرن الثالث للهجرة وما بعده بقليل، حتى ذهبت هذه الملكة أو كادت.
وعم اللحن أقطار العربية، باديها وحاضرها، وصينت الفصحى المعربة في دفاتر العلماء والأدباء، وفي المجامع العلمية، وعلى ألسنة الخطباء والشعراء والكتاب.
ولم تزل للعامة في أزجالهم وأغانيهم مكانة باختلاف الأقطار العربية.
والعامية في بلاد المغاربة أصبحت كأنها لغة أخرى غير عامية المشارقة؛ وتختلف عامية الشام، وعن عامية نجد والعراق.
الفصيح والعامي من حيث الاستعمال
لم تخرج العامية في تحريفها وعدم ضبط قواعدها عن كونها لغة عربية.
والتحريف كان معروفًا في الفصحى باختلاف لغات العرب، كما سبق الكلام عليه، وإن كان في الفصيح أشد وأقوى وأبعد مرمى، فهو في العامي أظهر وأكثر، وبه ألصق.
فالعامية بالنسبة إلى الفصحى، وهذه بالنسبة إلى المتقدمين والمحدثين على ضروب: "
1 - ألفاظ انفرد بها المتقدمون من العرب وتركها المحدثون، إما لاستعمالهم مرادفها: كمبشور في الناقة الشديدة السريعة، استعملوا كأنها: علنداة؛ أو لأنها من الحواشي البعيد عن الطبع كقولهم: مخر نبق لينباع؛ قال ابن فارس: وكذلك يعلمون معنى ما تستغربه اليوم من
قولنا: "عبسور" في الناقة و "عيسجور" و "امرأة خناثى" و "فرس أشق أمق خبق.
ذهب هذا كله بذهاب أهله ولم يبق عندنا إلا الرسم الذي تراه، أو تركها المحدثون لأنها غير مأنوسة عندهم، وإن كانت غير حوشيه كأجبى في الحديث الشريف: "من أجبى فقد أربى.
2 - ألفاظ استعملها المتقدمون وخواص المحدثين ولم تعرفها العامة كقولهم: "طخية عمياء، ومرة سوداء.
3 - ألفاظ استعملها العرب وعرفتها العامة وقل استعمال الخاصة لها، فلم تشع بينها، وهو ما يسمى بالغريب الفصيح في العامي.
4 - ألفاظ للعرب فيها لغتان أو أكثر، أخذت العامة ببعضها والخاصة ببعض آخر "كفز" عند العامة و "قفز" عند الخاصة، و "ما فيها دومري أو تومري" عند العامة و "ما فيها ديار" عند الخاصة.
5 - ألفاظ استعملها العرب قديمهم وحديثهم، وقل استعمال العامة لها، فكانت من أجل ذلك مصونة لم تتبذل.
والفرق بين هذا الضرب والضرب الثاني أن ذاك لم تعرفه العامة أو لم تكد تعرفه، وهذا عرفته ولكنها لم تألفه كـ "أمررت الحبل وأحصدته" أي فتلته.
و "حبل ممر ومحصد" أي مفتول، وقد عرفت العامة منه قولهم "عقدة مرة" أي محكمة العقد.
6 - ألفاظ مثل ذلك ولكنها ابتذلت مد عركتها العامة بألسنتها وامتهنتها بتحريفها، فاجتنبتها الخاصة وأعرضت عنها مثل قول العام: "اصطفل في الأمر" أي افعل ما تشاء، محرفة عن "افتصل" وهو افتصال من الفصل أي اتخذ الفصل الذي تريده من عملك.
7- ألفاظ مثل ذلك كثيرة الدوران في الكلام لا يستغني عنها، فلم يضرها كثرة الاستعمال لمكان الحاجة، كقولك: "شربت ماء، وأكلت طعامًا، وقرأت كتابًا" وهذا أكثر الكلام العربي.
8 - ألفاظ حرفتها العامة باستعمالها إلى مستنكره، فتركت الخاصة استعمالها الأول لمكان الاستكراه في المعنى الثاني كـ "الصرم" بمعنى القطيعة و "الغائط" للمنخفض من الأرض؛ حرفت العامة الكلمة الأولى لمعنى "السرم" والثانية لمعنى "الخرء".
وإذا أردت مزيد تعمقٍ في هذا البحث وفي الفروق بين الفصيح وتحريفه العامي، فعليك بمراجعة كتابنا "رد العامي إلى الفصيح" ففيه ما يقوم بوفاء حاجتك فيه، إن شاء الله.
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
2-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (عقيدة أهل السنة والجماعة)
عقيدة أهل السنة والجماعةالتعريف:
أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة الذين أخبر النبي صلى الله عنهم بأنهم يسيرون على طريقته وأصحابه الكرام دون انحراف؛ فهم أهل الإسلام المتبعون للكتاب والسنة، المجانبون لطرق أهل الضلال. كما قال صلى الله عليه وسلم: " إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة " فقيل له: ما الواحدة؟ قال: " ما أنا عليه اليوم وأصحابي ". حديث حسن أخرجه الترمذي وغيره.
وقد سموا " أهل السنة " لاستمساكهم واتباعهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. وسموا بالجماعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في إحدى روايات الحديث السابق: " هم الجماعة ". ولأنهم جماعة الإسلام الذي اجتمعوا على الحق ولم يتفرقوا في الدين، وتابعوا منهج أئمة الحق ولم يخرجوا عليه في أي أمر من أمور العقيدة. وهم أهل الأثر أو أهل الحديث أو الطائفة المنصورة أو الفرقة الناجية.
أصول عقيدة أهل السنة والجماعة:
هي أصول الإسلام الذي هو عقيدة بلا فِرَق ولا طرق ولذلك فإن قواعد وأصول أهل السنة الجماعة في مجال التلقي والاستدلال تتمثل في الآتي:
ـ مصدر العقيدة هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف الصالح.
ـ كل ما ورد في القرآن الكريم هو شرع للمسلمين وكل ما صَحَّ من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب قبوله وإن كان آحادًا.
ـ المرجع في فهم الكتاب والسنة هو النصوص التي تبينها، وفهم السلف الصالح ومن سار على منهجهم.
ـ أصول الدين كلها قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد تحت أي ستار، أن يحدث شيئًا في الدين زاعمًا أنه منه.
ـ التسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا فلا يعارض شيء من الكتاب أو السنة الصحيحة بقياس ولا ذوق ولا كشفٍ مزعوم ولا قول شيخ موهوم ولا إمام ولا غير ذلك.
ـ العقل الصريح موافق للنقل الصحيح ولا تعارض قطعيًّا بينهما وعند توهم التعارض يقدم النقل على العقل.
ـ يجب الالتزام بالألفاظ الشرعية في العقيدة وتجنب الألفاظ البدعية.
ـ العصمة ثابتة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على ضلالة، أما آحادها فلا عصمة لأحد منهم، والمرجع عند الخلاف يكون للكتاب والسنة مع الاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة.
ـ الرؤيا الصالحة حق وهي جزء من النبوة والفراسة الصادقة حق وهي كرامات ومبشرات ـ بشرط موافقتها للشرع ـ غير أنها ليست مصدرًا للعقيدة ولا للتشريع.
ـ المراء في الدين مذموم والمجادلة بالحسنى مشروعة، ولا يجوز الخوض فيما صح النهي عن الخوض فيه.
ـ يجب الالتزام بمنهج الوحي في الرد، ولا ترد البدعة ببدعة ولا يقابل الغلو بالتفريط ولا العكس.
ـ كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار.
التوحيد العلمي الاعتقادي:
ـ الأصل في أسماء الله وصفاته: إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه أو أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تمثيل؛ ولا تكييف؛ ونفي ما نفاه الله تعالى عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، كما قال تعالى: (ليس كمِثْلِه شيءٌ وهو السميع البصير) مع الإيمان بمعاني ألفاظ النصوص، وما دلّت عليه.
ـ الإيمان بالملائكة الكرام إجمالًا، وأما تفصيلًا، فبما صحّ به الدّليل من أسمائهم وصفاتهم، وأعمالهم بحسب علم المكلف.
ـ الإيمان بالكتب المنزلة جميعها، وأن القرآن الكريم أفضلها، وناسخها، وأن ما قبله طرأ عليه التحريف، وأنه لذلك يجب إتباعه دون ما سبقه.
ـ الإيمان بأنبياء الله، ورسله ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وأنهم أفضل ممن سواهم من البشر، ومن زعم غير ذلك فقد كفر.
ـ الإيمان بانقطاع الوحي بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، ومن اعتقد خلاف ذلك كَفَر.
ـ الإيمان باليوم الآخر، وكل ما صح فيه من الأخبار، وبما يتقدمه من العلامات والأشراط.
ـ الإيمان بالقدر، خيره وشره من الله تعالى، وذلك: بالإيمان بأن الله تعالى علم ما يكون قبل أن يكون وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون إلا ما يشاء، والله تعالى على كل شيء قدير وهو خالق كل شيء، فعال لما يريد.
ـ الإيمان بما صحّ الدليل عليه من الغيبيات، كالعرش والكرسي، والجنة والنار، ونعيم القبر وعذابه، والصراط والميزان، وغيرها دون تأويل شيء من ذلك.
ـ الإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة الأنبياء والملائكة، والصالحين، وغيرهم يوم القيامة. كما جاء تفصيله في الأدلة الصحيحة.
ـ رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة في الجنة وفي المحشر حقّ، ومن أنكرها أو أوَّلها فهو زائغ ضال، وهي لن تقع لأحد في الدنيا.
ـ كرامات الأولياء والصالحين حقّ، وليس كلّ أمر خارق للعادة كرامة، بل قد يكون استدراجًا. وقد يكون من تأثير الشياطين والمبطلين، والمعيار في ذلك موافقة الكتاب والسنة، أو عدمها.
ـ المؤمنون كلّهم أولياء الرحمن، وكل مؤمن فيه من الولاية بقدر إيمانه.
التوحيد الإرادي الطلبي (توحيد الألوهية).
ـ الله تعالى واحد أحد، لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته وهو رب العالمين، المستحق وحده لجميع أنواع العبادة.
ـ صرف شيء من أنواع العبادة كالدعاء، والاستغاثة، والاستعانة، والنذر، والذبح، والتوكل، والخوف، والرجاء، والحبّ، ونحوها لغير الله تعالى شرك أكبر، أيًّا كان المقصود بذلك، ملكًا مُقرّبًا، أو نبيًّا مرسلًا، أو عبدًا صالحًا، أو غيرهم.
ـ من أصول العبادة أن الله تعالى يُعبد بالحبّ والخوف والرجاء جميعًا، وعبادته ببعضها دون بعض ضلال.
ـ التسليم والرضا والطاعة المطلقة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم والإيمان بالله تعالى حَكَمًا من الإيمان به ربًّا وإلهًا، فلا شريك له في حكمه وأمره.
وتشريع ما لم يأذن به الله، والتحاكم إلى الطاغوت، واتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وتبديل شيء منها كفر، و من زعم أن أحدًا يسعه الخروج عنها فقد كفر.
ـ الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر، وقد يكون كفرًا دون كفر.
فالأول كتجويز الحكم بغير شرع الله، أو تفضيله على حكم الله، أو مساواته به، أو إحلال (القوانين الوضعية) بدلا عنه.
والثاني العدول عن شرع الله، في واقعة معينة لهوى مع الالتزام بشرع الله.
ـ تقسيم الدين إلى حقيقة يتميز بها الخاصة وشريعة تلزم العامة دون الخاصة، وفصل السياسة أو غيرها عن الدين باطل؛ بل كل ما خالف الشريعة من حقيقة أو سياسة أو غيرها، فهو إما كفر، وإما ضلال، بحسب درجته.
ـ لا يعلم الغيب إلا الله وحده، واعتقاد أنّ أحدًا غير الله يعلم الغيب كُفر، مع الإيمان بأن الله يُطْلع بعض رسله على شيء من الغيب.
ـ اعتقاد صدق المنجمين والكهان كفر، وإتيانهم والذهاب إليهم كبيرة.
ـ الوسيلة المأمور بها في القرآن هي ما يُقرّب إلى الله تعالى من الطاعات المشروعة.
ـ والتوسل ثلاثة أنواع:
1 ـ مشروع: وهو التوسل إلى الله تعالى، بأسمائه وصفاته، أو بعمل صالح من المتوسل، أو بدعاء الحي الصالح.
2 ـ بدعي: وهو التوسل إلى الله تعالى بما لم يرد في الشرع، كالتوسل بذوات الأنبياء، والصالحين، أو جاههم، أو حقهم، أو حرمتهم، ونحو ذلك.
3 ـ شركي: وهو اتخاذ الأموات وسائط في العبادة، ودعاؤهم وطلب الحوائج منهم والاستعانة بهم ونحو ذلك.
ـ البركة من الله تعالى، يَخْتَصُّ بعض خلقه بما يشاء منها، فلا تثبت في شيء إلا بدليل. وهي تعني كثرة الخير وزيادته، أو ثبوته لزومه.
والتبرك من الأمور التوقيفية، فلا يجوز التبرك إلا بما ورد به الدليل.
ـ أفعال الناس عند القبور وزيارتها ثلاثة أنواع:
1 ـ مشروع: وهو زيارة القبور؛ لتذكّر الآخرة، وللسلام على أهلها، والدعاء لهم.
2 ـ بدعي يُنافي كمال التوحيد، وهو وسيلة من وسائل الشرك، وهو قصد عبادة الله تعالى والتقرب إليه عند القبور، أو قصد التبرك بها، أو إهداء الثواب عندها، والبناء عليها، وتجصيصها وإسراجها، واتخاذها مساجد، وشدّ الرّحال إليها، ونحو ذلك مما ثبت النهي عنه، أو مما لا أصل له في الشرع.
3 ـ شركيّ ينافي التوحيد، وهو صرف شيء من أنواع العبادة لصاحب القبر، كدعائه من دون الله، والاستعانة والاستغاثة به، والطواف، والذبح، والنذر له، ونحو ذلك.
ـ الوسائل لها حكم المقاصد، وكل ذريعة إلى الشرك في عبادة الله أو الابتداع في الدين يجب سدّها، فإن كل محدثة في الدين بدعة. وكل بدعة ضلالة.
الإيمان:
ـ الإيمان قول، وعمل، يزيد، وينقص، فهو: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح. فقول القلب: اعتقاده وتصديقه، وقول اللسان: إقراره. وعمل القلب: تسليمه وإخلاصه، وإذعانه، وحبه وإرادته للأعمال الصالحة.
وعمل الجوارح: فعل المأمورات، وترك المنهيات.
ـ مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان، فهو في الدنيا مؤمن ناقص الإيمان، وفي الآخرة تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، والموحدون كلهم مصيرهم إلى الجنة وإن عذِّب منهم بالنار من عذب، ولا يخلد أحد منهم فيها قط.
ـ لا يجوز القطع لمعيَّن من أهل القبلة بالجنة أو النار إلا من ثبت النص في حقه.
ـ الكفر من الألفاظ الشرعية وهو قسمان: أكبر مخرج من الملة، وأصغر غير مخرج من الملة ويسمى أحيانًا بالكفر العملي.
ـ التكفير من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة، فلا يجوز تكفير مسلم بقول أو فعل ما لم يدل دليل شرعي على ذلك، ولا يلزم من إطلاق حكم الكفر على قول أو فعل ثبوت موجبه في حق المعيَّن إلا إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع. والتكفير من أخطر الأحكام فيجب التثبت والحذر من تكفير المسلم، ومراجعة العلماء الثقات في ذلك.
القرآن والكلام:
القرآن كلام الله (حروفه ومعانيه) مُنزل غير مخلوق؛ منه بدأ؛ وإليه يعود، وهو معجز دال على صدق من جاء به صلى الله عليه وسلم. ومحفوظ إلى يوم القيامة.
القدر:
من أركان الإيمان، الإيمان بالقدر خيره وشره، من الله تعالى، ويشمل:
ـ الإيمان بكل نصوص القدر ومراتبه؛ (العلم، الكتابة، المشيئة، الخلق)، وأنه تعالى لا رادّ لقضائه، ولا مُعقّب لحكمه.
ـ هداية العباد وإضلالهم بيد الله، فمنهم من هداه الله فضلًا. ومنهم من حقت عليه الضلالة عدلًا.
ـ العباد وأفعالهم من مخلوقات الله تعالى، الذي لا خالق سواه، فالله خالقٌ لأفعال العباد، وهم فاعلون لها على الحقيقة.
ـ إثبات الحكمة في أفعال الله تعالى، وإثبات الأسباب بمشيئة الله تعالى.
الجماعة والإمامة:
ـ الجماعة هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعون لهم بإحسان، المتمسكون بآثارهم إلى يوم القيامة، وهم الفرقة الناجية.
ـ وكل من التزم بمنهجهم فهو من الجماعة، وإن أخطأ في بعض الجزئيات.
ـ لا يجوز التفرّق في الدين، ولا الفتنة بين المسلمين، ويجب ردّ ما اختلف فيه المسلمون إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح.
ـ من خرج عن الجماعة وجب نصحه، ودعوته، ومجادلته بالتي هي أحسن، وإقامة الحجة عليه، فإن تاب وإلا عوقب بما يستحق شرعًا.
ـ إنما يجب حمل الناس على الجُمَل الثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع، ولا يجوز امتحان عامة المسلمين بالأمور الدقيقة، والمعاني العميقة.
ـ الأصل في جميع المسلمين سلامة القصد المعتقد، حتى يظهر خلاف ذلك، والأصل حمل كلامهم على المحمل الحسن، ومن ظهر عناده وسوء قصده فلا يجوز تكلّف التأويلات له.
ـ الإمامة الكبرى تثبت بإجماع الأمة، أو بيعة ذوي الحل والعقد منهم، ومن تغلّب حتى اجتمعت عليه الكلمة وجبت طاعته بالمعروف، ومناصحته، وحرم الخروج عليه إلا إذا ظهر منه كفر بواح فيه من الله برهان.وكانت عند الخارجين القدرة على ذلك.
ـ الصلاة والحج والجهاد واجبة مع أئمة المسلمين وإن جاروا.
ـ يحرم القتال بين المسلمين على الدنيا، أو الحمية الجاهلية؛ وهو من أكبر الكبائر، وإنما يجوز قتال أهل البدعة والبغي، وأشباههم، إذا لم يمكن دفعهم بأقل من ذلك، وقد يجب بحسب المصلحة والحال.
ـ الصحابة الكرام كلهم عدول، وهم أفضل هذه الأمة، والشهادة لهم بالإيمان والفضل أصل قطعي معلوم من الدين بالضرورة، ومحبّتهم دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق، مع الكفّ عما شجر بينهم، وترك الخوض فيما يقدح في قدرهم.
وأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وهم الخلفاء الراشدون. وتثبت خلافة كل منهم حسب ترتبيهم.
ـ من الدين محبة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتولّيهم، وتعظيم قدر أزواجه ـ أمهات المؤمنين، ومعرفة فضلهن، ومحبة أئمة السلف، وعلماء السنة والتابعين لهم بإحسان ومجانبة أهل البدع والأهواء.
ـ الجهاد في سبيل الله ذورة سنامِ الإسلام، وهو ماضٍ إلى قيام الساعة.
ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر الإسلام. وأسباب حفظ جماعته، وهما يجبان بحسب الطاقة، والمصلحة معتبرة في ذلك.
أهم خصائص وسمات منهج أهل السنة والجماعة
أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة وكما أن لهم منهجًا اعتقاديًّا فإن لهم أيضًا منهجهم وطريقهم الشامل الذي ينتظم فيه كل أمر يحتاجه كل مسلم لأن منهجهم هو الإسلام الشامل الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم. وهم على تفاوت فيما بينهم، لهم خصائص وسمات تميزهم عن غيرهم منها:
ـ الاهتمام بكتاب الله: حفظًا وتلاوة، وتفسيرًا، والاهتمام بالحديث: معرفة وفهمًا وتمييزًا لصحيحه من سقيمه، (لأنهما مصدرا التلقي)، مع إتباع العلم بالعمل.
ـ الدخول في الدّين كله، والإيمان بالكتاب كله، فيؤمنون بنصوص الوعد، ونصوص الوعيد، وبنصوص الإثبات، ونصوص التنزيه ويجمعون بين الإيمان بقدر الله، وإثبات إرادة العبد، ومشيئته، وفعله، كما يجمعون بين العلم والعبادة، وبين القُوّة والرحمة، وبين العمل مع الأخذ بالأسباب وبين الزهد.
ـ الإتباع، وترك الابتداع، والاجتماع ونبذ الفرقة والاختلاف في الدين.
ـ الإقتداء والاهتداء بأئمة الهدى العدول، المقتدى بهم في العلم والعمل والدعوة من الصحابة ومن سار على نهجهم، ومجانبة من خالف سبيلهم.
ـ التوسط: فَهُمْ في الاعتقاد وسط بين فرق الغلو وفرق التفريط، وهم في الأعمال والسلوك وسط بين المُفرطين والمفرِطين.
ـ الحرص على جمع كلمة المسلمين على الحقّ وتوحيد صفوفهم على التوحيد والإتباع، وإبعاد كل أسباب النزاع والخلاف بينهم.
ـ ومن هنا لا يتميزون عن الأمة في أصول الدين باسم سوى السنة والجماعة، ولا يوالون ولا يعادون، على رابطة سوى الإسلام والسنة.
ـ يقومون بالدعوة إلى الله الشاملة لكل شيء في العقائد والعبادات وفي السلوك والأخلاق وفي كل أمور الحياة وبيان ما يحتاجه كل مسلم كما أنهم يحذرون من النظرة التجزيئية للدين فينصرون الواجبات والسنن كما ينصرون أمور العقائد والأمور الفرعية ويعلمون أن وسائل الدعوة متجددة فيستفيدون من كل ما جد وظهر ما دام مشروعًا. والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بما يوجبه الشرع، والجهاد وإحياء السنة، والعمل لتجديد الدين، وإقامة شرع الله وحكمه في كل صغيرة وكبيرة ويحذرون من التحاكم إلى الطاغوت أو إلى غير ما أنزل الله.
ـ الإنصاف والعدل: فهم يراعون حق الله ـ تعالى ـ لا حقّ النفس أو الطائفة، ولهذا لا يغلون في مُوالٍ، ولا يجورون على معاد، ولا يغمطون ذا فضل فضله أيًّا كان، ومع ذلك فهم لا يقدسون الأئمة والرجال على أنهم معصومون وقاعدتهم في ذلك: كلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا عصمة إلا للوحي وإجماع السلف.
ـ يقبلون فيما بينهم تعدد الاجتهادات في بعض المسائل التي نقل عن السلف الصالح النزاع فيها دون أن يُضلل المخالف في هذه المسائل فهم عالمون بآداب الخلاف التي أرشدهم إليها ربهم جلّ وعلا ونبيهم صلى الله عليه وسلم.
ـ يعتنون بالمصالح والمفاسد ويراعونها، ويعلمون أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتعطيل المفاسد وتقليلها، حيث درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
ـ أن لهم موقفًا من الفتن عامة: ففي الابتلاء يقومون بما أوجب الله تعالى تجاه هذا الابتلاء.
ـ وفي فتنة الكفر يحاربون الكفر ووسائله الموصلة إليه بالحجة والبيان والسيف والسنان بحسب الحاجة والاستطاعة.
ـ وفي الفتنة يرون أن السلامة لا يعدلها شيء والقعود أسلم إلا إذا تبين لهم الحق وظهر بالأدلة الشرعية فإنهم ينصرونه ويعينونه بما استطاعوا.
ـ يرون أن أصحاب البدع متفاوتون قربًا وبعدًا عن السنة فيعامل كل بما يستحق ومن هنا انقسمت البدع إلى: بدع لا خلاف في عدم تكفير أصحابها مثل المرجئة والشيعة المفضلة، وبدع هناك خلاف في تكفير أو عدم تكفير أصحابها مثل الخوارج والروافض، وبدع لا خلاف في تكفير أصحابها بإطلاق مثل الجهمية المحضة.
ـ يفرقون بين الحكم المطلق على أصحاب البدع عامة بالمعصية أو الفسق أو الكفر وبين الحكم على المعين حتى يبين له مجانبة قوله للسنة وذلك بإقامة الحجة وإزالة الشبهة.
ـ ولا يجوزون تكفير أو تفسيق أو حتى تأثيم علماء المسلمين لاجتهاد خاطئ أو تأويل بعيد خاصة في المسائل المختلف فيها.
ـ يفرقون في المعاملة بين المستتر ببدعته والمظهر لها والداعي إليها.
ـ يفرقون بين المبتدعة من أهل القبلة مهما كان حجم بدعتهم وبين من عُلم كفره بالاضطرار من دين الإسلام كالمشركين وأهل الكتاب وهذا في الحكم الظاهر على العموم مع علمهم أن كثيرًا من أهل البدع منافقون وزنادقة في الباطن.
ـ يقومون بالواجب تجاه أهل البدع ببيان حالهم، والتحذير منهم وإظهار السنة وتعريف المسلمين بها وقمع البدع بما يوجبه الشرع من ضوابط.
ـ يصلون الجمع والجماعات والأعياد خلف الإمام مستور الحال ما لم يظهر منه بدعة أو فجور فلا يردون بدعة ببدعة.
ـ لا يُجٍوزون الصلاة خلف من يظهر البدعة أو الفجور مع إمكانها خلف غيره، وإن وقعت صحت، ويُؤَثِّمون فاعلها إلا إذا قُصد دفع مفسدة أعظم، فإن لم يوجد إلا مثله، أو شرّ منه جازت خلفه، ولا يجوز تركها، ومن حُكِمَ بكفره فلا تصح الصلاة خلفه.
ـ فِرقُ أهل القبلة الخارجة عن السنة متوعدون بالهلاك والنار، وحكمهم حكم عامة أهل الوعيد، إلا من كان منهم كافرًا في الباطن.
ـ والفرق الخارجة عن الإسلام كُفّار في الجملة، وحكمهم حكم المرتدين.
ولأهل السنة والجماعة أيضًا منهج شامل في تزكية النفوس وتهذيبها، وإصلاح القلوب وتطهيرها، لأن القلب عليه مدار إصلاح الجسد كله وذلك بأمور منها:
ـ إخلاص التوحيد لله تعالى والبعد عن الشرك والبدعة مما ينقص الإيمان أو ينقصه من أصله.
ـ التعرف على الله جل وعلا بفهم أسمائه الحسنى وصفاته العلى ومدارستها وتفهم معانيها والعمل بمقتضياتها؛ لأنها تورث النفس الحب والخضوع والتعظيم والخشية والإنابة والإجلال لله تعالى.
ـ طاعة الله ورسوله بأداء الفرائض والنوافل كاملة مع العناية بالذكر وتلاوة القرآن الكريم والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والصيام وإيتاء الزكاة وأداء الحج والعمرة وغير ذلك مما شرع الله تعالى.
ـ اجتناب المحرمات والشبهات مع البعد عن المكروهات.
ـ البعد عن رهبانية النصرانية والبعد عن تحريم الطيبات والبعد عن سماع المعازف والغناء وغير ذلك.
ـ يسيرون إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء ويعبدونه تعالى بالحب والخوف والرجاء.
ومن أهم سماتهم: التوافق في الأفهام، والتشابه في المواقف، رغم تباعد الأقطار والأعصار، وهذا من ثمرات وحدة المصدر والتلقي.
ـ الإحسان والرّحمة وحسن الخُلق مع الناس كافةً فهم يأتمون بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح في علاقاتهم مع بعضهم أو مع غيرهم.
ـ النصيحة لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
ـ الاهتمام بأمور المسلمين ونصرتهم، وأداء حقوقهم، وكفّ الأذى عنهم.
ـ موالاة المؤمن لإيمانه بقدر ما عنده من إيمان ومعاداة الكافر لكفره ولو كان أقرب قريب.
لا يعد من اجتهد في بيان نوع من أصول أهل السنة مبتدعًا ولا مفرطًا ما دام لا يخالف شيئًا من أصول أهل السنة والجماعة.
كل من يعتقد بأصول أهل السنة والجماعة ويعمل على هديها فهو من أهل السنة ولو وقع في بعض الأخطاء التي يُبدّع من خالف فيها.
(page)
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م
3-معجم البلدان (طيبة)
طَيْبَةُ:بالفتح ثم السكون ثم الباء موحدة: وهو اسم لمدينة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، يقال لها طيبة وطابة من الطيب وهي الرائحة الحسنة لحسن رائحة تربتها فيما قيل، والطاب والطيب لغتان، وقيل: من الشيء الطيب وهو الطاهر الخالص لخلوصها من الشرك وتطهيرها منه، قال الخطّابي: لطهارة تربتها وهذا لا يختصّ بهناك لأن الأرض كلها مسجد وطهور، وقيل: لطيبها لساكنيها ولأمنهم ودعتهم فيها، وقيل: من طيب العيش بها من طاب الشيء إذا وافق، وقال صرمة الأنصاري:
«فلما أتانا أظهر الله دينه، *** وأصبح مسرورا بطيبة راضيا»
وقال الفضل بن العباس اللهبي:
«وعلى طيبة التي بارك الل *** هـ عليها بخاتم الأنبياء»
قرأت بخط أبي الفضل العباس بن علي الصولي بن برد الخيار عن خالد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس قالت: صعد النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، المنبر وكان لا يصعده إلا يوم جمعة فأنكر الناس ذلك فكانوا بين قائم وجالس، فأومأ النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، إليهم بيده أن اجلسوا ثم قال: إني لم أقم بمقامي هذا إلا لأمر ينغضكم ولكن تميما الداري أخبرني أن بني عمّ له كانوا في البحر فأخذتهم ريح عاصف فألجأتهم إلى جزيرة فإذا هم بشيء أسود أهدب كثير الشعر فقالوا: ما أنت؟ فقالت: أنا الجسّاسة، فقالوا:
أخبرينا! فقالت: ما أنا بمخبرتكم بشيء ولكن عليكم بهذا الدير فإن فيه رجلا هو بالأشواق إلى محادثتكم، فدخلوا فإذا هم بشيخ موثق شديد الوثاق شديد التشكي مظهر للحزن، فسألهم: من أي العرب أنتم؟
فقالوا: نحن قوم من العرب من أهل الشام، قال:
فما فعل الرجل الذي خرج فيكم؟ قلنا: بخير، قاتله قومه فظهر عليهم، قال: فما فعلت عين زغر؟
قالوا: يشربون منها ويسقون، قال: فما فعل نخل بين عمّان وبيسان؟ قالوا: يطعم جناه في كل حين، قال: فما فعلت بحيرة طبرية؟ قالوا: يتدفّق جانباها، فزفر ثلاث زفرات ثم قال: لو قد أفلتّ من وثاقي هذا لم أدع أرضا إلا وطئتها برجلي إلا طيبة فإنه ليس لي عليها سلطان، ثم قال النبي، صلّى الله عليه وسلّم: إلى هذه انتهى فرحي، هذه طيبة، والذي نفس محمد بيده ما فيها طريق واسع
ولا دقيق ولا سهل ولا جبل إلا عليه ملك شاهر سيفه إلى يوم القيامة، وقال أبو عبيد الله بن قيس الرّقيّات:
«يا من رأى البرق بالحجاز فما *** أقبس أيدي الولائد الضّرما»
«لاح سناه من نخل يثرب فال *** حرّة حتى أضا لنا إضما»
«أسقى به الله بطن طيبة فال *** رّوحاء فالأخشبين فالحرما»
«أرض بها تثبت العشيرة قد *** عشنا وكنّا من أهلها علما»
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
4-موسوعة الفقه الكويتية (أرض)
أَرْضٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْأَرْضُ: هِيَ الَّتِي عَلَيْهَا النَّاسُ، وَلَفْظُهَا مُؤَنَّثٌ.وَهِيَ اسْمُ جِنْسٍ، وَجَمْعُهَا: أَرَاضٍ وَأُرُوضٌ وَأَرْضُونَ.
طَهَارَةُ الْأَرْضِ، وَتَطْهِيرُهَا، وَالتَّطْهِيرُ بِهَا
طَهَارَةُ الْأَرْضِ:
2- لَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا فِي أَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الْأَرْضِ.فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى أَيِّ جُزْءٍ مِنْهَا، مَا لَمْ يَتَنَجَّسْ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي»- إِلَى أَنْ قَالَ: - «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ».وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا طَهُورًا» وَهَذَا نَصٌّ فِي طَهَارَةِ الْأَرْضِ.
تَطْهِيرُ الْأَرْضِ مِنَ النَّجَاسَةِ
3- الْأَرْضُ إِذَا تَنَجَّسَتْ بِمَائِعٍ، كَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهِمَا فَتَطْهِيرُهَا أَنْ يَغْمُرَهَا الْمَاءُ بِحَيْثُ يَذْهَبُ لَوْنُ النَّجَاسَةِ وَرِيحُهَا، وَمَا انْفَصَلَ عَنْهَا غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ بِهَا فَهُوَ طَاهِرٌ.بِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ أَنَسٌ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةٍ نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ».رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمِثْلُ الْغَمْرِ بِالْمَاءِ مَا إِذَا أَصَابَهَا الْمَطَرُ أَوِ السَّيْلُ وَجَرَى عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا تَطْهُرُ؛ لِأَنَّ تَطْهِيرَ النَّجَاسَةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ نِيَّةٌ وَلَا فِعْلٌ، فَاسْتَوَى مَا صَبَّهُ الْآدَمِيُّ وَمَا جَرَى بِغَيْرِ صَبٍّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ رَخْوَةً فَطَهُورُهَا بِغَمْرِهَا بِالْمَاءِ، كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَإِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ صُلْبَةً فَإِنَّهَا لَا تَطْهُرُ حَتَّى يَنْفَصِلَ الْمَاءُ، فَيَكُونُ الْمُنْفَصِلُ عَنْهَا نَجَسًا؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ.
وَإِنَّمَا تَطْهُرُ بِحَفْرِهَا، حَتَّى يَصِلَ الْحَفْرُ إِلَى مَوْضِعٍ لَمْ تَصِلْهُ النَّجَاسَةُ، أَوْ بِكَبْسِهَا بِتُرَابٍ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا، فَزَالَتْ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ.
4- إِذَا جَفَّتِ النَّجَاسَةُ الْمَائِعَةُ، فَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: لَا تَطْهُرُ إِلاَّ بِالْمَاءِ، لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ السَّابِقِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ- فِي الْأَظْهَرِ- تَطْهُرُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا لَا لِلتَّيَمُّمِ مِنْهَا، وَقِيلَ: تَطْهُرُ لَهُمَا، وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إِنَّ الْكِلَابَ كَانَتْ تَبُولُ، وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَكُنْ يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ».
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إِذَا جَفَّتِ الْأَرْضُ فِي الظِّلِّ فَقَدْ طَهُرَتْ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا جَفَّتِ الْأَرْضُ فَقَدْ زَكَتْ
5- أَمَّا إِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ غَيْرَ مَائِعَةٍ، بِأَنْ كَانَتْ ذَاتَ أَجْزَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ كَالرِّمَّةِ، وَالرَّوْثِ، وَالدَّمِ إِذَا جَفَّ، وَاخْتَلَطَتْ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ لَمْ تَطْهُرْ بِالْغَسْلِ، بَلْ تَطْهُرُ بِإِزَالَةِ أَجْزَاءِ الْمَكَانِ، حَتَّى يَتَيَقَّنَ زَوَالَ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ.
التَّطْهِيرُ بِالْأَرْضِ
الِاسْتِجْمَارُ:
6- الِاسْتِجْمَارُ هُوَ قَلْعُ النَّجَاسَةِ بِالْجِمَارِ، وَهِيَ الْحِجَارَةُ الصِّغَارُ.وَكَمَا يَصِحُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ يَصِحُّ بِالْأَحْجَارِ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.
تَطْهِيرُ النَّعْلِ بِالْأَرْضِ:
7- اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَنَجَّسَتِ النَّعْلُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا بِمَائِعٍ، مِثْلَ الْبَوْلِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ إِلاَّ بِالْغَسْلِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْمَالِكِيَّةِ الْقَائِلَةِ بِأَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ سُنَّةٌ، تَكُونُ مَعْفُوًّا عَنْهَا.
وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ ذَاتَ جِرْمٍ، فَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً فَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّهَا تَطْهُرُ بِالدَّلْكِ أَيْضًا، وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ ذَاتَ جِرْمٍ وَرَطْبَةً، فَالْمَالِكِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّهَا تَطْهُرُ أَيْضًا بِالدَّلْكِ.
وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْآثَارُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي طَهَارَةِ النِّعَالِ بِالدَّلْكِ.وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «أَنَّهُ قَالَ: إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمُ الْأَذَى بِنَعْلِهِ فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ».وَالْمَنْقُولُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ النَّجَاسَةَ عِنْدَهُمْ لَا تَطْهُرُ إِلاَّ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَهَذِهِ أَيْضًا رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
التَّتْرِيبُ فِي تَطْهِيرِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ:
8- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ التُّرَابِ مَعَ الْمَاءِ فِي التَّطْهِيرِ مِنْ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ».أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ.وَقَدْ قَاسُوا الْخِنْزِيرَ عَلَى الْكَلْبِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُ التُّرَابِ فِي ذَلِكَ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (كَلْب)
التَّطَهُّرُ بِالتُّرَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ:
9- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَبَاحُ بِالتَّيَمُّمِ- عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ- مَا يُسْتَبَاحُ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَالتَّيَمُّمُ يَكُونُ بِالتُّرَابِ الطَّهُورِ إِجْمَاعًا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَاهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، عَلَى تَفْصِيلٍ مَوْطِنُهُ مُصْطَلَحُ (تَيَمُّم) الصَّلَاةُ عَلَى الْأَرْضِ:
10- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَرْضِ الطَّاهِرَةِ فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةِ، فَمَنَعَهَا الْجُمْهُورُ وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَذَهَبَ إِلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ.
وَهُنَاكَ أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ لِبَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَجَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَالْحَمَّامِ، وَالْحُشِّ، وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَالْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَأَرْضِ الْعَذَابِ، وَالْبِيَعِ، وَالْكَنَائِسِ، وَالطَّرِيقِ الْمَسْلُوكَةِ، عَلَى خِلَافٍ وَتَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
أَرْضُ الْعَذَابِ:
11- هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي عُذِّبَ فِيهَا قَوْمٌ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، كَأَرْضِ بَابِلَ، وَدِيَارِ ثَمُودَ
، كَمَا جَاءَ فِي قوله تعالى {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ}... {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ}.وَمِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَتَّصِلُ بِهَذِهِ الْأَرْضِ مَا يَأْتِي:
حُكْمُ دُخُولِ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ:
12- يُكْرَهُ دُخُولُ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ، وَإِذَا دَخَلَ الْإِنْسَانُ شَيْئًا مِنْهَا فَعَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَرْشَدَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ الِاعْتِبَارِ وَالْخَوْفِ وَالْإِسْرَاعِ، لِمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ».
حُكْمُ التَّطَهُّرِ وَالتَّطْهِيرِ بِمَائِهَا:
13- يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ مُصْطَلَحُ: (آبَار) ف 32
حُكْمُ الِانْتِفَاعِ بِمَائِهَا فِي غَيْرِ الطَّهَارَةِ:
14- يُمْنَعُ الِانْتِفَاعُ بِمَاءِ آبَارِ هَذِهِ الْأَرْضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسَانِ مِنْ طَبْخٍ وَعَجْنٍ، وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِغَيْرِ الْإِنْسَانِ؛ لِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْحِجْرِ أَرْضِ ثَمُودَ، فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا، وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا، وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ»
حُكْمُ التَّيَمُّمِ بِتُرَابِهَا:
15- يُكْرَهُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِ هَذِهِ الْأَرْضِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَلِلْمَالِكِيَّةِ رَأْيَانِ، أَحَدُهُمَا يَحْرُمُ التَّيَمُّمُ، وَالثَّانِي يَجُوزُ صَحَّحَهُ التَّتَّائِيُّ.
حُكْمُ الصَّلَاةِ فِيهَا:
16- الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِيهَا، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ بِهَا نَجَاسَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِكُلِّ مَوْضِعٍ طَاهِرٍ صَحِيحَةٌ.كَذَلِكَ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِيهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مَسْخُوطٌ عَلَيْهِ.وَذَهَبَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِيهَا، وَأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا»..
وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا- رضي الله عنه- كَرِهَ الصَّلَاةَ بِخَسْفِ بَابِلَ.
زَكَاةُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ
17- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَا أَنْبَتَتْهُ الْأَرْضُ مِنْ زُرُوعٍ وَثِمَارٍ فِيهِ الزَّكَاةُ، بِشُرُوطٍ وَتَفْصِيلٍ مَوْطِنُهُ (زَكَاة)، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ مِنْ مَعْدِنٍ، أَوْ رِكَازٍ عَلَى تَفْصِيلٍ مَوْطِنُهُ (الزَّكَاة وَالْمَعْدِنُ وَالرِّكَازُ).
التَّصَرُّفُ فِي أَرْضِ الْمَنَاسِكِ
مَكَانُ الْإِحْرَامِ:
18- الْحَرَمُ يَجُوزُ إِحْيَاؤُهُ، وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُهُ، فَمَنْ أَحْيَاهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَصْبَحَ مِلْكَهُ، وَلَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمُحْرِمِينَ لِاتِّسَاعِهِ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ.
وَعَرَفَةُ وَمُزْدَلِفَةُ وَمِنًى لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إِحْيَاؤُهَا، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُهَا.وَذَلِكَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ النُّسُكِ بِهَا، حَتَّى وَإِنِ اتَّسَعَتْ وَلَمْ تَضِقْ بِالْحَجِيجِ، قَالَ الْجَمَلُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَلَا تُمْلَكُ وَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهَا، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُضَيِّقْ لَمْ يَمْنَعْ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَا تَبْنِي لَكَ بَيْتًا بِمِنًى يُظِلُّكَ؟ فَقَالَ: لَا، مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ»
وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ نَمِرَةُ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْحَاجِّ أَنْ يَسْتَقِرَّ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، كَمَا قِيسَ بِهَا الْمُحَصَّبُ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْحُجَّاجِ إِذَا نَفَرُوا مِنْ مِنًى أَنْ يَبِيتُوا فِيهِ.وَعَلَى هَذَا فَالتَّصَرُّفُ فِي أَرْضِ الْمَنَاسِكِ لَا يَتَأَتَّى؛ لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ.
مِلْكِيَّةُ الْأَرْضِ
19- مِلْكِيَّةُ الْأَرْضِ لَهَا أَسْبَابٌ تَشْتَرِكُ مَعَ غَيْرِهَا فِيهَا، وَهِيَ الْعُقُودُ النَّاقِلَةُ لِلْمِلْكِيَّةِ، وَالْإِرْثِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهُنَاكَ أَسْبَابٌ خَاصَّةٌ بِتَمَلُّكِ الْأَرْضِ، وَهِيَ إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ، وَالْإِقْطَاعُ، وَلِكُلِّ سَبَبٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ مُصْطَلَحُهُ الْخَاصُّ، فَيُرْجَعُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ إِلَيْهِ.
وَمِمَّا تَجْدُرُ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ، أَنَّ مُجَرَّدَ وَضْعِ الْيَدِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ لَيْسَ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ مِلْكِهَا شَرْعًا، مَهْمَا طَالَتِ الْمُدَّةُ.وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ هَذَا فِي مُصْطَلَحِ (تَقَادُم).
التَّصَرُّفُ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ:
20- أَرْضُ الْوَقْفِ لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّصَرُّفُ النَّاقِلُ لِلْمِلْكِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، إِلاَّ فِي حَالَاتٍ خَاصَّةٍ لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ، أَوِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (وَقْف).
حُكْمُ إِجَارَةِ الْأَرْضِ:
21- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ إِجَارَةِ الْأَرْضِ، فَأَكْثَرُهُمْ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ.وَقَدْ قَالَ بِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ قَالَ: أَمَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مَضْمُونٍ فَلَا بَأْسَ.رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
وَذَهَبَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَطَاوُسٌ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ إِلَى كَرَاهَةِ تَأْجِيرِ الْأَرْضِ، أَيْ عَدَمِ جَوَازِهَا، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَرَوَى مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ طَاوُسًا يَمْنَعُ الْإِيجَارَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَجَازَهَا بِالرُّبُعِ وَالثُّلُثِ. مَا يُكْرَى بِهِ (الْعِوَضُ)
22- لَا خِلَافَ بَيْنَ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ الْإِجَارَةِ فِي أَنَّ الْأَرْضَ تُكْرَى بِالذَّهَبِ وَسَائِرِ الْعُرُوضِ، عَدَا مَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى حَنْظَلَةُ بْنُ قَيْسٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ فَقَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ قَالَ: فَقُلْتُ: بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، قَالَ: إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَا بَأْسَ»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا مَعَ بَقَائِهَا، فَجَازَتْ إِجَارَتُهَا بِالْأَثْمَانِ، وَالْحُكْمُ فِي الْعُرُوضِ كَالْحُكْمِ فِي الْأَثْمَانِ.
كِرَاؤُهَا بِالطَّعَامِ وَمَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ:
23- إِنْ آجَرَهَا بِطَعَامٍ غَيْرِ خَارِجٍ مِنْهَا، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَوْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ، وَكَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا فَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ وَالنَّخَعِيُّ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، لَمَّا سُئِلَ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ قَالَ: أَمَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مَضْمُونٍ فَلَا بَأْسَ، وَلِأَنَّهُ عِوَضٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَجَازَتْ إِجَارَتُهُ بِهِ كَالْأَثْمَانِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ بِالطَّعَامِ وَلَا بِمَا تُنْبِتُهُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ طَعَامٍ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، أَوْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلَا يُكْرِيهَا بِطَعَامٍ مُسَمًّى».وَقِيسَ عَلَى الطَّعَامِ غَيْرُهُ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ.
وَإِنْ آجَرَهَا بِطَعَامٍ مَعْلُومٍ مِنْ جِنْسِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْ آجَرَهَا بِقَمْحٍ، وَهِيَ مَزْرُوعَةٌ قَمْحًا، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: يَجُوزُ ذَلِكَ، لِأَنَّ مَا جَازَتْ إِجَارَتُهُ بِغَيْرِ الْمَطْعُومِ جَازَتْ إِجَارَتُهُ بِهِ كَالدُّورِ، وَإِنْ آجَرَهَا بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مُشَاعًا كَثُلُثٍ أَوْ نِصْفٍ أَوْ رُبُعٍ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يَجُوزُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِجَارَةٌ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ، فَلَا يَجُوزُ، كَمَا لَوْ آجَرَهَا بِثُلُثِ مَا يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِهَا.
وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ.
الْأَرْضُ الْمَفْتُوحَةُ
الْأَرْضُ الَّتِي فُتِحَتْ صُلْحًا:
24- كُلُّ أَرْضٍ صُولِحَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ عَلَى مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ.فَإِنْ صُولِحُوا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لَهُمْ، وَيُؤَدُّوا عَنْهَا خَرَاجًا مَعْلُومًا، أَوْ يُؤَدُّوا خَرَاجًا غَيْرَ مُوَظَّفٍ عَلَى الْأَرْضِ، فَهَذِهِ الْأَرْضُ مِلْكٌ لَهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا كَيْفَمَا شَاءُوا، وَلَا تُقْسَمُ عَلَى الْمُقَاتِلِينَ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَحُكْمُ هَذَا الْخَرَاجِ حُكْمُ الْجِزْيَةِ يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِمْ وَإِنْ صُولِحُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ عَنْ رِقَابِهِمْ، فَإِنَّ الْأَرْضَ تَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.
الْأَرْضُ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً:
25- إِنْ فُتِحَتِ الْأَرْضُ عَنْوَةً: فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْسِيمِهَا عَلَى الْمُقَاتِلِينَ.فَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: لَا تُقْسَمُ الْأَرْضُ، وَتَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، يُصْرَفُ خَرَاجُهَا فِي مَصَالِحِهِمْ، مِنْ أَرْزَاقِ الْمُقَاتِلَةِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سُبُلِ الْخَيْرِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَرَ الْإِمَامُ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَقْتَضِي الْقِسْمَةَ، فَلَهُ أَنْ يَقْسِمَهَا عَلَى الْمُقَاتِلِينَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، حِينَمَا امْتَنَعَ عُمَرُ عَنْ تَقْسِيمِ أَرْضِ السَّوَادِ، عِنْدَمَا طَلَبَ مِنْهُ ذَلِكَ بِلَالٌ، وَسَلْمَانُ.وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْسِمَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمُقَاتِلِينَ، أَوْ يَضْرِبَ عَلَى أَهْلِهَا الْخَرَاجَ وَيُقِرَّهَا بِأَيْدِيهِمْ.وَذَلِكَ لِأَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ قَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَدْ ظَهَرَ عَلَى مَكَّةَ عَنْوَةً وَفِيهَا أَمْوَالٌ فَلَمْ يَقْسِمْهَا، وَظَهَرَ عَلَى قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَغَيْرِهِمَا فَلَمْ يَقْسِمْ شَيْئًا مِنْهَا، وَقَسَمَ نِصْفَ خَيْبَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَوَقَفَ النِّصْفَ لِنَوَائِبِهِ وَحَاجَاتِهِ، كَمَا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ: نِصْفًا لِنَوَائِبِهِ وَحَوَائِجِهِ، وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ، وَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ هُوَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّ الْأَرْضَ تُقْسَمُ بَيْنَ الْمُقَاتِلِينَ، كَمَا يُقْسَمُ الْمَنْقُولُ إِلاَّ أَنْ يَتْرُكُوا حَقَّهُمْ مِنْهَا بِعِوَضٍ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ مَعَ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ، إِذْ أَنَّهُ عَوَّضَهُ سَهْمَهُ فِي أَرْضِ السَّوَادِ.أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَذَلِكَ لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} فَإِنَّهَا عَامَّةٌ فِي الْمَنْقُولِ وَالْأَرْضِ.وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِلْمُقَاتِلِينَ، وَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا.
26- أَمَّا إِذَا لَمْ تُقْسَمِ الْأَرْضُ وَتُرِكَتْ بِأَيْدِي أَهْلِهَا، يَنْتَفِعُ الْمُسْلِمُونَ بِخَرَاجِهَا، فَقَدْ قَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ: إِنَّهَا أَرْضٌ مَوْقُوفَةٌ، لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَلَا شِرَاؤُهَا، وَلَا هِبَتُهَا، وَلَا تُورَثُ عَمَّنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا مِنَ الْكُفَّارِ.وَذَلِكَ لِمَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ أَنَّ عُمَرَ وَالصَّحَابَةَ- رضي الله عنهم- لَمَّا ظَهَرُوا عَلَى الشَّامِ أَقَرُّوا أَهْلَ الْقُرَى فِي قُرَاهُمْ عَلَى مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ أَرْضِهِمْ، يَعْمُرُونَهَا وَيُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ شِرَاءُ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْأَرْضِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ: إِنَّهَا مِلْكٌ لَهُمْ.لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ، وَيَتَوَارَثُهَا عَنْهُمْ أَقَارِبُهُمْ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ اشْتَرَى مِنْ دِهْقَانٍ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ خَرَاجَهَا، وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ. الْأَرْضُ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا:
27- حُكْمُ هَذِهِ الْأَرْضِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ أَوْ أَرْضِ الْعَجَمِ، كَأَرْضِ الْمَدِينَةِ وَالطَّائِفِ وَالْيَمَنِ وَالْبَحْرَيْنِ، أَنَّهَا تَبْقَى مِلْكًا لِأَصْحَابِهَا، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ»، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
أَرْضُ الْعُشْرِ:
28- كُلُّ أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا، وَهِيَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ أَوْ أَرْضِ الْعَجَمِ
، فَهِيَ لَهُمْ وَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ.وَكَذَلِكَ كُلُّ أَرْضِ الْعَرَبِ، سَوَاءٌ فُتِحَتْ صُلْحًا أَوْ عَنْوَةً؛ لِأَنَّ أَهْلَهَا لَا يُقَرُّونَ عَلَى الشِّرْكِ، حَتَّى لَوْ دَفَعُوا الْجِزْيَةَ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَتَحَ كَثِيرًا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ عَنْوَةً، وَأَبْقَاهَا عُشْرِيَّةً، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ الَّتِي فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ، عَنْوَةً وَقَسَمَهَا الْإِمَامُ بَيْنَ الْفَاتِحِينَ.
أَرْضُ الْخَرَاجِ:
29- هِيَ أَرْضُ الْعَجَمِ الَّتِي فَتَحَهَا الْإِمَامُ عَنْوَةً وَتَرَكَهَا فِي أَيْدِي أَهْلِهَا، أَوْ كَانَتْ عُشْرِيَّةً وَتَمَلَّكَهَا ذِمِّيٌّ،
كَمَا يَرَى أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ.وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَلْتَزِمُ مَالِكُهَا بِعُشْرَيْنِ قِيَاسًا عَلَى أَرْضِ تَغْلِبَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَبْقَى عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا وَظِيفَةُ الْأَرْضِ.
وَالْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ لَا تَعُودُ عُشْرِيَّةً بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ كَمَا يُوضَعُ عَلَى الذِّمِّيِّ يُوضَعُ عَلَى الْمُسْلِمِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
5-موسوعة الفقه الكويتية (مسجد 1)
مَسْجِدٌ -1التَّعْرِيفُ:
1- الْمَسْجِدُ فِي اللُّغَةِ: بَيْتُ الصَّلَاةِ، وَمَوْضِعُ السُّجُودِ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ وَالْجَمْعُ مَسَاجِدُ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: عُرِّفَ بِتَعْرِيفَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا: أَنَّهَا الْبُيُوتُ الْمَبْنِيَّةُ لِلصَّلَاةِ فِيهَا لِلَّهِ فَهِيَ خَالِصَةٌ لَهُ سُبْحَانَهُ وَلِعِبَادَتِهِ.
وَكُلُّ مَوْضِعٍ يُمْكِنُ أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ فِيهِ وَيُسْجَدَ لَهُ لِقَوْلِه- صلى الله عليه وسلم-: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا».
وَخَصَّصَهُ الْعُرْفُ بِالْمَكَانِ الْمُهَيَّأِ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، لِيَخْرُجَ الْمُصَلَّى الْمُجْتَمَعِ فِيهِ لِلْأَعْيَادِ وَنَحْوِهَا، فَلَا يُعْطَى حُكْمَهُ، وَكَذَلِكَ الرُّبُطُ وَالْمَدَارِسُ فَإِنَّهَا هُيِّئَتْ لِغَيْرِ ذَلِكَ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْجَامِعُ
2- مِنْ مَعَانِي الْجَامِعِ فِي اللُّغَةِ: أَنَّهُ الْمَسْجِدُ الَّذِي تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ جَمَعَ النَّاسَ لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى.
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا هِيَ أَنَّ الْجَامِعَ أَخَصُّ مِنَ الْمَسْجِدِ.
ب- الْمُصَلَّى
3- الْمُصَلَّى فِي اللُّغَةِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ: مَوْضِعُ الصَّلَاةِ أَوِ الدُّعَاءِ.
وَيُرَادُ بِهِ فِي الِاصْطِلَاحِ الْفَضَاءُ وَالصَّحْرَاءُ وَهُوَ الْمُجْتَمَعُ فِيهِ لِلْأَعْيَادِ وَنَحْوِهَا.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلَّى أَنَّ الْمُصَلَّى أَخَصُّ مِنَ الْمَسْجِدِ.
ج- الزَّاوِيَةُ
4- الزَّاوِيَةُ فِي اللُّغَةِ: وَاحِدَةُ الزَّوَايَا، وَزَاوِيَةُ الْبَيْتِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا جَمَعَتْ قُطْرَيْنِ مِنْهُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَسْجِدِ غَيْرِ الْجَامِعِ لَيْسَ فِيهِ مِنْبَرٌ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ أَعَمُّ.
بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ وَعِمَارَتُهَا وَوَظَائِفُهَا
5- يَجِبُ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْمَحَالِّ- جَمْعُ مَحَلَّةٍ- وَنَحْوِهَا حَسَبَ الْحَاجَةِ وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ.
وَالْمَسَاجِدُ هِيَ أَحَبُّ الْبِقَاعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ وَهِيَ بُيُوتُهُ الَّتِي يُوَحَّدُ فِيهَا وَيُعْبَدُ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أَيْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَعَاهُدِهَا وَتَطْهِيرِهَا مِنَ الدَّنَسِ وَاللَّغْوِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي لَا تَلِيقُ فِيهَا، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنِ اللَّغْوِ فِيهَا، وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ هَذِهِ الْمَسَاجِدُ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِبِنَائِهَا وَعِمَارَتِهَا وَرَفْعِهَا وَتَطْهِيرِهَا، وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: أَنَّ بُيُوتِي فِي الْأَرْضِ الْمَسَاجِدُ وَأَنَّهُ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ زَارَنِي فِي بَيْتِي أَكَرَمْتُهُ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ كَرَامَةُ الزَّائِرِ.
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثٌ كَثِيرَةٌ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَاحْتِرَامِهَا وَتَوْقِيرِهَا وَتَطْيِيبِهَا وَتَبْخِيرِهَا.
فَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ- رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ».
وَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- «أَمَرَ بِالْمَسَاجِدِ أَنْ تُبْنَى فِي الدُّورِ، وَأَنْ تُطَهَّرَ وَتُطَيَّبَ».وَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ- رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّه- صلى الله عليه وسلم-: «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ، وَاتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ- الْمَرَاحِيضَ- وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ».
وَقَدْ بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ وَلِلصَّلَاةِ فِيهَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي بَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَهِيَ بُيُوتُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَمَوَاطِنُ عِبَادَتِهِ وَشُكْرِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَتَنْزِيهِهِ».
وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
وَلِذَا يُسْتَحَبُّ لُزُومُهَا وَالْجُلُوسُ فِيهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِحْيَاءِ الْبُقْعَةِ وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ، وَفِعْلِهَا فِي أَوْقَاتِهَا عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ- رضي الله عنه- لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ لِيَكُنِ الْمَسْجِدُ بَيْتَكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ الْمُتَّقِينَ وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ كَانَ الْمَسَاجِدُ بُيُوتَهُ الرَّوْحَ وَالرَّحْمَةَ وَالْجَوَازَ عَلَى الصِّرَاطِ».
فَضْلُ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ
6- تَفْضُلُ الْمَسَاجِدُ الثَّلَاثَةُ (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ بِمَكَّةَ الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ بِالْمَدِينَةِ، الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى بِالْقُدْسِ) غَيْرَهَا مِنَ الْمَسَاجِدِ الْأُخْرَى بِأَنَّهَا الَّتِي تُشَدُّ إِلَيْهَا الرِّحَالُ دُونَ غَيْرِهَا، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى».
وَلِذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَنْ نَذَرَ صَلَاةً فِي مَسْجِدٍ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ إِلاَّ بِرِحْلَةِ وَرَاحِلَةٍ فَلَا يَفْعَلُ وَيُصَلِّي فِي مَسْجِدِهِ إِلاَّ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنَّ مَنْ نَذَرَ صَلَاةً فِيهَا خَرَجَ إِلَيْهَا، وَمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَسْجِدٍ غَيْرِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِاعْتِكَافٍ أَوْ صَوْمٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لِذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَيَفْعَلُ تَلِكَ الْعِبَادَةَ بِمَحَلِّهِ، أَمَّا مَنْ نَذَرَ الْإِتْيَانَ لِمَسْجِدٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِأَجْلِ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوِ اعْتِكَافٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إِلَيْهِ.
أَمَّا أَنَّ الرِّحَالَ لَا تُشَدُّ لِغَيْرِهَا مِنَ الْمَسَاجِدِ فَلِأَنَّ غَيْرَهَا مِنَ الْمَسَاجِدِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا، إِذْ هِيَ مُتَمَاثِلَةٌ، وَلَا بَلَدَ إِلاَّ وَفِيهِ مَسْجِدٌ وَلَا مَعْنَى لِلرِّحْلَةِ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، وَعَلَى هَذَا وَكَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ لَوْ عَيَّنَ مَسْجِدًا غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِأَدَاءِ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِبَعْضِهَا فَضْلٌ عَلَى بَعْضٍ، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لِأَجْلِ ذَلِكَ مِنْهَا مَا عَيَّنَهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
كَمَا تَفْضُلُ هَذِهِ الْمَسَاجِدُ الثَّلَاثَةُ بِزِيَادَةِ ثَوَابِ الصَّلَاةِ فِيهَا عَنْهُ فِي غَيْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَتَفَاضَلُ فِي هَذَا الثَّوَابِ فِيمَا بَيْنَهَا.
فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «فَضْلُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى غَيْرِهِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَفِي مَسْجِدِي أَلْفُ صَلَاةٍ وَفِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَمْسُمِائَةِ صَلَاةٍ».
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إِنَّ هَذِهِ الْمُضَاعَفَةَ فِي الْمَسْجِدَيْنِ لَا تَخْتَصُّ بِالْفَرِيضَةِ، بَلْ تَعُمُّ النَّفْلَ وَالْفَرْضَ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إِنَّهُ الْمَذْهَبُ، قُلْتُ: وَهُوَ لَازِمٌ لِلْأَصْحَابِ مِنَ اسْتِثْنَائِهِمُ النَّفْلَ بِمَكَّةَ مِنَ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ لِأَجْلِ زِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ.
وَقَالَ الطّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْفَرْضِ وَأَنَّ فِعْلَ النَّوَافِلِ فِي الْبَيْتِ أَفَضْلُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي الصَّيْفِ الْيَمَنِيِّ: هَذَا التَّضْعِيفُ فِي الصَّلَوَاتِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُمَّ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ الْفَرْضُ دُونَ النَّفْلِ، لِأَنَّ النَّفْلَ دُونَهُ.
وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ هُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ فِي الْأَرْضِ لِلتَّعَبُّدِ فِيهِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} وَلِذَلِكَ كَانَ أَفَضْلَ الْمَسَاجِدِ، فَهُوَ قِبْلَةُ الْمُصَلِّينَ وَكَعْبَةُ الزَّائِرِينَ وَفِيهِ الْأَمْنُ وَالْأَمَانُ.
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ- رضي الله عنه- قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ».
وَأَمَّا مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنْشَأَ أَصْلَهُ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ وَالْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ وَالْأَنْصَارُ الْمُتَقَدِّمُونَ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ مَزِيدِ الشَّرَفِ عَلَى غَيْرِهِ مَا لَا يَخْفَى، وَاشْتِمَالُهَا عَلَى بُقْعَةٍ هِيَ أَفَضْلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي ضَمَّ أَعْضَاءَ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم-، حَكَى الْإِجْمَاعَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، وَفِي ذَلِكَ قَالَ: بَعْضُهُمْ- وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبِسْكَرِيُّ الْمَغْرِبِيُّ-:
جَزَمَ الْجَمِيعُ بِأَنَّ خَيْرَ الْأَرْضِ مَا
قَدْ حَاطَ ذَاتَ الْمُصْطَفَى وَحَوَاهَا
وَنَعَمْ لَقَدْ صَدَقُوا بِسَاكِنِهَا عَلَتْ
كَالنَّفْسِ حِينَ زَكَتْ زَكَا مَأْوَاهَا
وَلِذَا نَدَبَ الشَّارِعُ إِلَى زِيَارَتِهِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَلِلْمَسْجِدِ الْأَقْصَى قَدَاسَتُهُ وَعَرَاقَتُهُ وَلَهُ مَكَانَتُهُ فِي الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ قِبْلَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي فَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَانِ، وَكَانَ إِلَيْهِ مَسْرَى النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
فَهَذِهِ الْآيَةُ تُعَظِّمُ قَدْرَهُ بِإِسْرَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- إِلَيْهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمَكَّةَ، وَصَلَاتُهُ فِيهِ بِالْأَنْبِيَاءِ إِمَامًا قَبْلَ عُرُوجِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَبَعْدَ أَنْ صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، هَذَا إِلَى إِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَرَكَةِ حَوْلَهُ، إِمَّا بِأَنْ جَعَلَ حَوْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ، وَإِمَّا بِكَثْرَةِ الثِّمَارِ وَمَجَارِي الْأَنْهَارِ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «إِنَّ الْجَنَّةَ تَحِنُّ شَوْقًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَصَخْرَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ، وَهِيَ صُرَّةُ الْأَرْضِ».
آدَابُ الدُّخُولِ إِلَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهَا
7- إِذَا عَايَنَ دَاخِلُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْبَيْتَ وَوَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَكَرَمِهِ وَعِظَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوِ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا.
وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ إِذَا لَقِيَ الْبَيْتَ: «أَعُوذُ بِرَبِّ الْبَيْتِ مِنَ الدَّيْنِ وَالْفَقْرِ وَضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ» وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ».
وَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَبْدَأَ حِينَ دُخُولِهِ بِتَقْدِيمِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَطْ، بَلْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسَاجِدِ كُلِّهَا.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ»، وَيَقُولُ كَذَلِكَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ جِئْتُ لأُِؤَدِّيَ فَرْضَكَ وَأَطْلُبَ رَحْمَتَكَ وَأَلْتَمِسَ رِضَاكَ، مُتَّبِعًا لِأَمْرِكَ رَاضِيًا بِقَضَائِكَ، أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّينَ الْمُشْفِقِينَ مِنْ عَذَابِكَ أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي الْيَوْمَ بِعَفْوِكَ تَحْفَظُنِي بِرَحْمَتِكَ وَتَتَجَاوَزُ عَنِّي بِمَغْفِرَتِكَ وَتُعِينُنِي عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِكَ، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَأَدْخِلْنِي فِيهَا وَأَعِذْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
وَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِكُلِّ لَفْظٍ فِيهِ التَّضَرُّعُ وَالْخُشُوعُ.
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ الْمَعْرُوفِ الْآنَ بِبَابِ السَّلَامِ إِذْ مِنْهُ دَخَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَذَا مَا انْعَقَدَ إِجْمَاعُ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ.
8- وَلَا يَخْتَلِفُ دُخُولُ مَسْجِدِ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- بِالْمَدِينَةِ عَنْ دُخُولِ غَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ مِنْ حَيْثُ تَقْدِيمُ الدَّاخِلِ رِجْلَهُ الْيُمْنَى قَائِلًا: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ»، وَيَدْخُلُ مِنْ بَابِ جِبْرِيلَ أَوْ غَيْرِهِ وَيَقْصِدُ الرَّوْضَةَ الشَّرِيفَةَ وَهِيَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ الشَّرِيفِ فَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ مُسْتَقْبِلًا السَّارِيَةَ الَّتِي تَحْتَهَا الصُّنْدُوقُ بِحَيْثُ يَكُونُ عَمُودُ الْمِنْبَرِ حِذَاءَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ إِنْ أَمْكَنَهُ وَتَكُونُ الْحَنِيَّةُ الَّتِي فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَذَلِكَ مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- فِيمَا قِيلَ قَبْلَ أَنْ يُغَيَّرَ الْمَسْجِدُ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَبْرَ الشَّرِيفَ فَيَسْتَقْبِلُ جِدَارَهُ وَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ عَلَى نَحْوِ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ مِنَ السَّارِيَةِ الَّتِي عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ فِي زَاوِيَةِ جِدَارِهِ، ثُمَّ يَقُولُ فِي مَوْقِفِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَيْرَ خَلْقِ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خِيرَةَ اللَّهِ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حَبِيبَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدَ وَلَدِ آدَمِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَّغْتَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّيْتَ الْأَمَانَةَ وَنَصَحْتَ الْأُمَّةَ وَكَشَفْتَ الْغُمَّةَ فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرًا، جَازَاكَ اللَّهُ عَنَّا أَفَضْلَ مَا جَازَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ، اللَّهُمَّ أَعْطِ سَيِّدَنَا عَبْدَكَ وَرَسُولَكَ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الْعَالِيَةَ الرَّفِيعَةَ وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدَّتْهُ، وَأَنْزِلْهُ الْمَنْزِلَ الْمُقَرَّبَ عِنْدَكَ إِنَّكَ سُبْحَانَكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى حَاجَتَهُ.
هَذَا مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي صِيَغِ بَعْضِ الْأَدْعِيَةِ.
9- وَآدَابُ دُخُولِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا تَخْتَلِفُ عَنْ آدَابِ دُخُولِ غَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ فَقَدْ دَخَلَهُ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى وَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَأَمَّ الْأَنْبِيَاءَ.
10- ثُمَّ آدَابُ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ أَنْ يُقَدِّمَ الدَّاخِلُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ وَالْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مِنَ السُّنَّةِ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُمْنَى وَإِذَا خَرَجْتَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُسْرَى».قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى فَإِذَا خَرَجَ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى وَذَلِكَ لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّشْرِيفِ وَالتَّكْرِيمِ يُنْدَبُ فِيهِ التَّيَامُنُ وَمَا كَانَ بِضَدِّهِ يُنْدَبُ فِيهِ التَّيَاسُرُ، وَإِذَا أَخْرَجَ يُسْرَاهُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَضَعَهَا عَلَى ظَاهِرِ نَعْلِهِ، وَيُخْرِجُ يُمْنَاهُ وَيُقَدِّمُهَا فِي اللُّبْسِ، وَعِنْدَ الدُّخُولِ يَخْلَعُ يُسْرَاهُ وَيَضَعُهَا عَلَى ظَاهِرِ نَعْلِهِ، ثُمَّ يُخْرِجُ الْيُمْنَى وَيُقَدِّمُهَا دُخُولًا.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنَّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ».
وَعَنْ أَبِي هَرِيرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- وَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ وَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ».
وَعَنْ فَاطِمَةَ- رضي الله عنها- بِنْتِ رَسُولِ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ.وَإِذَا خَرَجَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ».
تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ
11- يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ يَدْخُلُ مَسْجِدًا غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ- يُرِيدُ الْجُلُوسَ بِهِ وَكَانَ مُتَوَضِّئًا- أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ قَبْلَ الْجُلُوسِ.
أَمَّا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَهِيَ عِنْدَهُمُ الطَّوَافُ لِلْقَادِمِ لِمَكَّةَ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَحِيَّةٌ ف 5 وَمَا بَعْدَهَا).
الْبِنَاءُ لِلسَّكَنِ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَتَحْتَهُ وَبِنَاؤُهُ عَلَى الْقَبْرِ وَالدَّفْنُ فِيهِ:
12- أَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ اتِّخَاذَ مَنْزِلٍ لِلسَّكَنِ فِيهِ تَحْتَ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُجِيزُوا اتِّخَاذَهُ فَوْقَهُ.
وَلَمْ يُجِيزُوا الدَّفْنَ فِيهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِنَبْشِهِ إِلاَّ لِمَصْلَحَةِ تَعُودُ عَلَى الْمَيِّتِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ- كَمَا نَقَلَ ابْنُ مُفْلِحٍ عَنِ الْمُسْتَوْعِبِ- إِنْ جَعَلَ أَسْفَلَ بَيْتِهِ مَسْجِدًا لَمْ يَنْتَفِعْ بِسَطْحِهِ، وَإِنْ جَعَلَ سَطْحَهُ مَسْجِدًا انْتَفَعَ بِأَسْفَلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّ السَّطْحَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَسْفَلَ.
وَحَرَّمُوا الدَّفْنَ بِالْمَسَاجِدِ وَكَذَا بِنَاءَ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقَبْرِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- زَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ».
وَيَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا جَعَلَ السُّفْلَ مَسْجِدًا وَعَلَى ظَهْرِهِ مَسْكَنٌ فَهُوَ مَسْجِدٌ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مِمَّا يَتَأَبَّدُ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي السُّفْلِ دُونَ الْعُلْوِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى عَكْسُ هَذَا لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُعَظَّمٌ، وَإِذَا كَانَ فَوْقَهُ مَسْكَنٌ أَوْ مُسْتَغَلٌّ يَتَعَذَّرُ تَعْظِيمُهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَوَّزَ فِي الْوَجْهَيْنِ حِينَ قَدِمَ بَغْدَادَ وَرَأَى ضِيقَ الْمَنَازِلِ فَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ الضَّرُورَةَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حِينَ دَخَلَ الرَّيَّ أَجَازَ ذَلِكَ كُلَّهُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إِذَا جَعَلَ السُّفْلَ مَسْجِدًا دُونَ الْعُلُوِّ جَازَ لِأَنَّهُ يَتَأَبَّدُ بِخِلَافِ الْعُلُوِّ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لَوْ جَعَلَ تَحْتَهُ سِرْدَابًا لِمَصَالِحِهِ جَازَ.
وَكَرِهَ الشَّافِعِيَّةُ بِنَاءَ مَسْجِدٍ عَلَى الْقَبْرِ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا، لَعَنَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» قَالَ الشَّافِعِيُّ- رحمه الله-: وَأَكْرَهُ أَنْ يُعَظَّمَ مَخْلُوقٌ حَتَّى يُجْعَلَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ النَّاسِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «أَنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- لَعَنَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ».
وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا وَيَتَّخِذَ فَوْقَهُ مَسْكَنًا يَسْكُنَ فِيهِ بِأَهْلِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ مَا يَقْتَضِي مَنْعَ مُكْثِ الْجُنُبِ فِيهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ هَوَاءَ الْمَسْجِدِ وَهَوَاءُ الْمَسْجِدِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ.
بِنَاءُ الْمَسْجِدِ بِمُتَنَجِّسٍ
13- نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ قَوْلَهُ: لَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ بِاللَّبِنِ الْمَعْجُونِ بِالْمَاءِ النَّجِسِ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَتِهِ وَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ عَلَى الْجَدِيدِ الْأَصَحِّ.
تَرْمِيمُ الْمَسَاجِدِ
14- لِلتَّرْمِيمِ فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ، مِنْهَا: الْإِصْلَاحُ، يُقَالُ: رَمَّمْتُ الْحَائِطَ وَغَيْرَهُ تَرْمِيمًا: أَصْلَحْتُهُ، وَيُقَالُ: رَمَمْتُ الشَّيْءَ أَرُمُّهُ وَأَرُمُّهُ رُمًّا وَمَرَمَّةً إِذَا أَصْلَحْتَهُ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالتَّرْمِيمُ قَدْ يَكُونُ بِقَصْدِ التَّقْوِيَةِ إِذَا كَانَ الشَّيْءُ مُعَرَّضًا لِلتَّلَفِ، وَقَدْ يَكُونُ بِقَصْدِ التَّحْسِينِ.
وَتَرْمِيمُ الْمَسَاجِدِ لَا يَخْرُجُ فِي مَعْنَاهُ أَوِ الْغَرَضِ مِنْهُ عَمَّا سَبَقَ.
15- وَتَرْمِيمُ الْمَسَاجِدِ مِنْ عِمَارَتِهَا الْمَأْمُورِ بِهَا شَرْعًا، وَالْعِمَارَةُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِنْ قَامَ بِهَا بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ سَقَطَ الْإِثْمُ عَنِ الْبَاقِينَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَثْبَتَ الْإِيمَانَ فِي الْآيَةِ لِمَنْ عَمَّرَ الْمَسَاجِدَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا وَتَنْظِيفِهَا وَإِصْلَاحِ مَا وَهِيَ مِنْهَا وَآمَنَ بِاللَّهِ.
وَقَالَ الْقَلْيُوبِيُّ: عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ هِيَ الْبِنَاءُ وَالتَّرْمِيمُ وَالتَّجْصِيصُ لِلْإِحْكَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأُجْرَةُ الْقَيِّمِ وَمَصَالِحُهُ تَشْمَلُ ذَلِكَ.
وَقَالَ: لَوْ زَادَ رِيعُ مَا وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ لِمَصَالِحِهِ أَوْ مُطْلَقًا ادَّخَرَ لِعَمَارَتِهِ، وَلَهُ شِرَاءُ شَيْءٍ بِهِ مِمَّا فِيهِ زِيَادَةُ غَلَّتِهِ وَلَوْ زَادَ رِيعُ مَا وَقَفَ لِعَمَارَتِهِ وَلَمْ يُشْتَرَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيُقَدِّمُ عِمَارَةَ عَقَارِهِ عَلَى عِمَارَتِهِ وَعَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْوَاقِفُ، كَذَا فِي الْعُبَابِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: وَقْفٌ)
تَزْوِيقُ الْمَسَاجِدِ
16- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِنَقْشِ الْمَسْجِدِ خَلَا مِحْرَابَهُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يُلْهِي الْمُصَلِّيَ، وَكَرِهُوا التَّكَلُّفَ بِدَقَائِقِ النُّقُوشِ وَنَحْوِهَا خُصُوصًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ.
وَقِيلَ: يُكْرَهُ فِي الْمِحْرَابِ دُونَ السَّقْفِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِحْرَابِ جِدَارُ الْقِبْلَةِ.
وَالْمُرَادُ بِالنَّقْشِ هُنَا مَا كَانَ بِالْجِصِّ وَمَاءِ الذَّهَبِ لَوْ كَانَ بِمَالِ النَّاقِشِ، أَمَّا لَوْ كَانَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَهُوَ حَرَامٌ وَيَضْمَنُ مُتَوَلِّيهِ لَوْ فَعَلَهُ.
وَإِنِ اجْتَمَعَتْ أَمْوَالُ الْمَسْجِدِ وَخَافَ الْمُتَوَلِّي الضَّيَاعَ بِطَمَعِ الظَّلَمَةِ لَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ.
وَلَيْسَ بِمُسْتَحْسَنِ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْمَحَارِيبِ وَالْجُدَرَانِ مِمَّا يَخَافُ مِنْ سُقُوطِ الْكِتَابَةِ وَأَنْ تُوطَأَ، وَلَا يَجُوزُ لِلْقَيِّمِ شِرَاءُ الْمُصَلَّيَاتِ لِتَعْلِيقِهَا بِالْأَسَاطِينِ وَيَجُوزُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ لَا تُعَلَّقُ بِالْأَسَاطِينِ وَلَا يَجُوزُ إِعَارَتُهَا لِمَسْجِدٍ آخَرَ، قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: هَذَا إِذَا لَمْ يُعْرَفْ حَالُ الْوَاقِفِ، أَمَّا إِذَا أَمَرَ بِتَعْلِيقِهَا وَأَمَرَ بِالدَّرْسِ فِيهِ وَبَنَاهُ لِلدَّرْسِ وَعَايَنَ الْعَادَةَ الْجَارِيَةَ فِي تَعْلِيقِهَا بِالْأَسَاطِينِ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي يُدَرَّسُ فِيهَا فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهَا بِمَالِ الْوَقْفِ فِي مَصْلَحَتِهِ إِذَا احْتِيجَ إِلَيْهَا وَلَا يَضْمَنُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَكَرِهَ الْمَالِكِيَّةُ تَزْوِيقَ حِيطَانِ الْمَسْجِدِ وَسَقْفِهِ وَخَشْبِهِ وَالسَّاتِرِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِذَا كَانَ بِحَيْثُ يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ وَإِلاَّ فَلَا، كَمَا يُكْرَهُ كَذَلِكَ عِنْدَهُمْ تَزْوِيقُ الْقِبْلَةِ بِالذَّهَبِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ فِيهَا، وَأَمَّا إِتْقَانُ الْمَسْجِدِ بِالْبِنَاءِ وَالتَّجْصِيصِ فَمَنْدُوبٌ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُكْرَهُ نَقْشُ الْمَسْجِدِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُ غَلَّةِ مَا وَقَفَ عَلَى عَمَارَتِهِ فِي ذَلِكَ، وَعِبَارَةُ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ: لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى التَّجْصِيصِ وَالتَّزْوِيقِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- مَرَّ بِمَسْجِدٍ مُزَخْرَفٍ فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ زَخْرَفَهُ، أَوْ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا، الْمَسَاكِينُ أَحْوَجُ مِنَ الْأَسَاطِينِ.
وَمَا يَفْعَلُهُ جَهَلَةُ النُّظَّارِ مِنْ ذَلِكَ سَفَهٌ مُضَمِّنٌ أَمْوَالَهُمْ.
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: لَا يَجُوزُ تَنْقِيشُ الْمَسْجِدِ بِمَا لَا إِحْكَامَ فِيهِ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى فَإِنْ كَانَ فِي إِحْكَامٍ فَلَا بَأْسَ، فَإِنَّ عُثْمَانَ- رضي الله عنه- بَنَى الْمَسْجِدَ بِالْقَصَّةِ- الْجِصِّ وَالْجِيرِ- وَالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَمَنْ زَوَّقَ مَسْجِدًا أَيْ تَبَرُّعًا لَا يُعَدُّ مِنَ الْمَنَاكِيرِ الَّتِي يُبَالَغُ فِيهَا كَسَائِرِ الْمُنْكَرَاتِ، لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ تَعْظِيمًا لِشَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ سَامَحَ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَأَبَاحَهُ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا يَجُوزُ نَقْشُ الْمَسْجِدِ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ إِنْ فَعَلَهُ، فَلَوْ فَعَلَهُ رَجُلٌ بِمَالِهِ كُرِهَ، وَلِأَنَّهُ يَشْغَلُ قَلْبَ الْمُصَلِّينَ.
وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ عَدَمَ الْجَوَازِ، لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالْكُفَّارِ، فَقَدْ وَرَدَ مَرْفُوعًا» {مَا سَاءَ عَمَلُ قَوْمٍ قَطُّ إِلاَّ زَخْرَفُوا مَسَاجِدَهُمْ».
وَإِذَا وَقَفَ عَلَى النَّقْشِ وَالتَّزْوِيقِ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، لِأَنَّهُ مِمَّا يُلْهِي عَنِ الصَّلَاةِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ وَإِعْزَازِ الدِّينِ.
وَيُكْرَهُ زَخْرَفَتُهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفَنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَعَنْ أَنَسٍ- رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ».
وَوَرَدَ أَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَمَرَ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ وَقَالَ: «أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ»، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِذَا حَلَّيْتُمْ مَصَاحِفَكُمْ، وَزَخْرَفْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ فَالدَّبَارُ- الْهَلَاكُ- عَلَيْكُمْ، وَقَالَ عَلِيٌّ- رضي الله عنه-: إِنَّ الْقَوْمَ إِذَا رَفَعُوا مَسَاجِدَهُمْ فَسَدَتْ أَعْمَالُهُمْ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ قَالَهُ مَالِكٌ، وَجَوَّزَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الْآيَةَ، وَلِمَا رُوِيَ مِنْ فِعْلِ عُثْمَانَ ذَلِكَ بِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّه- صلى الله عليه وسلم-، وَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِي تَحْلِيَةِ الْمَسَاجِدِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَعْلِيقِ قَنَادِيلِهَا وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: التَّحْرِيمُ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ السَّلَفِ، وَالثَّانِي: الْجِوَازُ كَمَا يَجُوزُ سَتْرُ الْكَعْبَةِ بِالدِّيبَاجِ، وَيَحِلُّ الْحَرِيرُ لِإِلْبَاسِ الْكَعْبَةِ، وَأَمَّا بَاقِي الْمَسَاجِدِ فَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا بَأْسَ بِسَتْرِ الْمَسْجِدِ بِالثِّيَابِ مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ، وَأَمَّا الْحَرِيرُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْحَقَ بِالتَّزْيِينِ بِقَنَادِيلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ أَمْرَهُ أَهْوَنُ، وَلَمْ تَزَلِ الْكَعْبَةُ تُسْتَرُ بِالْحَرِيرِ فَلَا يَبْعُدُ إِلْحَاقُ غَيْرِهَا بِهَا.قُلْتُ: وَفِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ: لَا فَرْقَ فِي الْإِبَاحَةِ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّ الْحَرِيرَ إِنَّمَا حُرِّمَ عَلَى الرِّجَالِ لَا عَلَى النِّسَاءِ فَكَيْفَ الْجَمَادَاتُ وَالْمَسَاجِدُ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي فَتَاوَى قَاضِي الْقُضَاةِ أَبِي بَكْرٍ الشَّامِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّقَ عَلَى حِيطَانِ الْمَسْجِدِ سُتُورًا مِنْ حَرِيرٍ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا عَلَيْهِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ.
وَيُسْتَحَبُّ فَرْشُ الْمَسَاجِدِ وَتَعْلِيقُ الْقَنَادِيلِ وَالْمَصَابِيحِ، وَيُقَالُ: أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- لَمَّا جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، وَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ- رضي الله عنه- اجْتِمَاعَ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْقَنَادِيلُ تُزْهِرُ وَكِتَابُ اللَّهِ يُتْلَى: قَالَ: نَوَّرْتَ مَسَاجِدَنَا، نَوَّرَ اللَّهُ قَبْرَكَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ، وَرُوِيَ عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم-، «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: فَتُهْدِي لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ».
وَيَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ فَقَدْ قَالُوا: تَحْرُمُ زَخْرَفَةُ الْمَسْجِدِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَتَجِبُ إِزَالَتُهُ إِنْ تَحَصَّلَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ، وَأَوَّلُ مَنْ ذَهَّبَ الْكَعْبَةَ فِي الْإِسْلَامِ وَزَخْرَفَهَا وَزَخْرَفَ الْمَسَاجِدَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يُزَخْرَفَ الْمَسْجِدُ بِنَقْشٍ وَصَبْغٍ وَكِتَابَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يُلْهِي الْمُصَلِّي عَنْ صَلَاتِهِ غَالِبًا، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ حَرُمَ فِعْلُهُ، وَوَجَبَ ضَمَانُ مَالِ الْوَقْفِ الَّذِي صَرَفَهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ، وَفِي الْغُنْيَةِ: لَا بَأْسَ بِتَجْصِيصِهِ، أَيْ يُبَاحُ تَجْصِيصُ حِيطَانِهِ أَيْ تَبْيِيضُهَا، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي سَعْدُ الدِّينِ الْحَارِثِيُّ، وَلَمْ يَرَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْمَسَاجِدِ وَزَخْرَفَتُهَا، فَعَلَيْهِ يَحْرُمُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، وَيَجِبُ الضَّمَانُ لَا عَلَى الْأَوَّلِ.
وَيُصَانُ عَنْ تَعْلِيقِ مُصْحَفٍ وَغَيْرِهِ فِي قِبْلَتِهِ دُونَ وَضْعِهِ بِالْأَرْضِ، قَالَ أَحْمَدُ: يُكْرَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يُكْرَهْ أَنْ يُوضَعَ فِي الْمَسْجِدِ الْمُصْحَفُ أَوْ نَحْوُهُ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
6-تاج العروس (طيب)
[طيب]: طَابَ الشيءُ يَطِيبُ طَابًا وطِيبًا بالكَسْرِ وطِيبَةً بِزِيَادَةِ الهَاءِ وتَطْيَابًا بالفَتْح لِكَوْنِه مُعْتَلًّا وأَما مِنَ الصَّحِيح فبِالكَسْر كتِذْكَار وتِطْلَابٍ وتِضْرَاب ونَحْوِهَا، صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّةُ الصَّرْفِ: لذَّ وزَكَا. وطَابَتِ الأَرْضُ طِيبًا: أَخْصَبَت وأَكْلأَت.والطَّابُ: الطّيِّبُ. قال ابنُ سِيدَه: شَيْءٌ طَابٌ أَي طَيِّب. إِمَّا أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا ذَهَبَتْ عَيْنُه، وإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِعْلًا، انتهى.
ومن أَسْمَائِه صلى الله عليه وسلم في الإِنْجِيل: طَاب طَاب، وهو تَفْسِيرُ مأْذ مأْذ والثَّاني تَأْكِيدٌ ومُبَالَغَةٌ كالطُّيَّابِ كَزُنَّارٍ. يقال: مَاءٌ طُيَّابٌ أَي طَيِّبٌ وشَيْءٌ طُيَّابٌ، بالضم؛ أَي طَيِّبٌ جِدًّا.
قَالَ الشَّاعِر:
نَحْنُ أَجَدْنَا دُونَها الضِّرَابَا *** إِنا وَجَدْنَا مَاءَهَا طُيَّابا
وطَاب: قرية بِالبَحْرين. وكَفَرْطَابُ: مَوْضِعٌ بِدِمَشْق.
وطاب: نَهْرٌ بفَارِسَ.
والطُّوبَى بالضَّمِّ: الطَّيِّبُ، عَن السِّيرَافِي. وجَمْعُ الطَّيِّبَةِ عن كُرَاع. قال: ولا نَظِير لَهُ إِلا الكُوسَى في جمع كَيِّسَة. والضُّوقَى في جمع ضَيِّقة.
وقال ابنُ سيدَه: عِنْدِي في كُلِّ ذَلِكَ أَنَّهُ تَأْنِيثُ الأَطْيَب والأَضْيَق والأَكْيَس؛ لأَنَّ فُعْلَى لَيْسَت من أَبْنيَة الجُمُوع.
وقَال كُرَاعٌ: ولم يَقُولُوا الطِّيبى كَمَا قَالُوا: الكِيسَى والضِّيقَى في الكُوسَى والضُّوقَى. ثم إِنَّ طُوبَى على قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّه فُعْلَى من الطِّيب كَان في أَصْله طِيبَى فقَلُبوا اليَاءَ وَاوًا للضَّمَّة قَبْلَهَا. وحَكَى أَبُو حَاتم سَهْلُ بنُ مُحَمَّد السّجِسْتَانِيّ في كِتَابه الكَبِيرِ في القراآت قال: قَرَأَ عَليَّ أَعْرَابِي بالحَرَم: طِيبَى لَهُم، فأَعَدْتُ فقُلْت طُوبَى، فقال: طِيبَى، فأَعدتُ فقلتُ: طُوبَى فقال: طِيبَى، فلما طَالَ عَلَيّ، قلت: طُوطُو، فَقَالَ: طِى طِى. وفي التنزيل العزيز {طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} أَي الحُسْنَى لَهُم، قاله عكْرِمَة. وقيل الخَيْر. وقيل: الخِيرَةَ. وجَاءَ عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أَن طُوبَى شَجَرَةٌ في الجَنَّةِ.
قال شَيْخَنا. وهو عَلَم عَلَيْهَا لا تَدْخُلها الأَلِفُ واللَّامُ، ومِثله في المحكم وغيره. وقال أَبُو إِسْحَاق الزّجّاج: وطُوبَى فُعْلَى من الطِّيبِ، والمَعْنَى العَيْشُ الدائِم لَهُم. ثم قال: وكُلُّ ما قِيلَ في التَّفْسِير يُسَدِّدُ قَوْلَ النَّحْوِيِّين أَنَّهَا فُعْلَى من الطِّيب. أَو طُوبَى اسم الجَنَّة بالهنْدِيَّة مُعَرَّب عن تُوبَى.
ورُوِي عن سَعِيد بْنِ جُبَيْر أَنَ طُوبَى: اسمُ الجَنَّة بالحَبَشِيَّة كطِيبَى بالكَسْرِ. وقد تَقَدَّمَ النقلُ عن أَبي حَاتِم السِّجِسْتَانِيّ.
وذَهَبَ سِيبَوَيْه بالآيَة مَذْهَبَ الدُّعَاء، قَال: هِيَ في مَوْضِع رَفْع، يَدُلُّكَ عَلَى رفعه رَفْعُ {وَحُسْنُ مَآبٍ}. قال ثعلب: وقُرِئ: وطُوبَى لهم وحُسْنَ مآبٍ فَجَعَل طُوبى مَصْدَرًا كقولك: سَقْيًا لَه، ونَظِيرُه من المَصَادِر الرُّجْعَى. واستدَلَّ على أَن مَوْضِعَه نَصْبٌ بقوله: {وَحُسْنُ مَآبٍ}، ونَقَلَ شيخُنَا هَذَا الكلَامَ ونَظَّر فيه، وقال في آخِرِه: والظَّاهِرُ أَنَّ من نَوَّنَ طُوبًى جَعَلَه مَصْدَرًا بغيرِ أَلف، ولا يُعْرَف تَنْوِينُ الرُّجْعَى عَنْ أَحَدٍ مِن أَئِمَّة العَرَبِيَّة حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْه طُوبَى، فتَأَمَّل، انتهى. وفي لسان العرب: وقال قَتَادَةُ: {طُوبى لَهُمْ}: كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ. يقول العَربُ. طُوبَى لَكَ إِنْ فَعَلْتَ كَذَا وكَذَا، وأَنْشَد:
طُوبَى لمَنْ يَسْتَبْدِلُ الطَّوْدَ بالقُرَى *** ورِسْلًا بيَقْطِينِ العِرَاقِ وفُومِها
الرِّسْلُ: الَّلبَنُ. والطَّوْدُ: الجَبل. والفُومُ: الخُبْزُ والحِنْطَةُ.
وفي الحدِيث: «إِنَّ الإِسلام بَدَا غَرِيبًا، وسَيَعُود غَرِيبًا [كما بدأ]، فطُوبَى لِلْغُرَبَاء».
طُوبَى: اسْم الجَنَّةِ، وقيل: شَجَرَةٌ فيها. وفي حَدِيث آخر: «طُوبَى للشَّأْم».
المَراد هَاهُنَا فُعْلَى من الطِّيب، لا الجَنَّة ولا الشَّجَرَة، انْتَهَى.
ويقال: طُوبَى لَكَ وطُوبَاك [لُغَتانِ] * بالإِضَافَة. قال يَعْقُوب: ولا تَقُل طُوبِيك، بالْيَاء. وقد اسْتَعْمَلَ ابن المُعْتَزّ طُوبَاكَ في شِعْره:
مرَّت بِنَا سَحَرًا طيرٌ فَقُلْتُ له *** طُوبَاكَ يا لَيْتَنَا إِيَّاكَ طُوبَاكَ
أَوْ طُوبَاكَ لَحْن. في التَّهْذِيب: والعَرب تقول: طُوبَى لَكَ ولا تَقُول طُوبَاك. وهذا قَوْلُ أَكْثَر النحويين إِلّا الأَخْفَش فإِنَّه قَالَ: من العَرب مَنْ يُضِيفُهَا فيقول: طُوبَاكَ. وقال أَبُو بَكْر: طُوبَاكَ إِنْ فَعَلْتَ كذا. قال: هذَا مِمَّا يَلْحَن فيه العَوَامّ، والصَواب: طُوبَى لَكَ إِنْ فَعَلْتَ كَذَا وكَذا. وقَد أَورد الشَّهَاب الخَفَاجِيّ على هَذَا في رَيْحَانَتِه بِمَا حَاصِلُه: أَنَّ اللامَ هُنَا مُقَدَّرَةٌ، والمقدَّرُ في حُكْمِ المَلْفُوظِ، فكَيْفَ يُعَدُّ خَطَأً، وقد ردَّه شَيْخُنَا بأَحْسَن جَوَاب، رَاجِعه في الحَاشِيَة.
وَطَابَهُ أَي الثوبَ ثُلَاثِيًّا: طَيَّبَه عَن ابْنِ الأَعْرَابِيّ، كَذَا في المحكم. قَال:
فكَأَنَّهَا تُفَّاحَةٌ مَطْيُوبَةٌ
جاءَت على الأَصْلِ كمَخْيوط وَهَذَا مُطَّرِدٌ؛ أَي فَعَلى هَذَا لا اعْتِدَادَ بمَنْ أَنكَرَهُ.
وأَطَابَه أَي الشيءَ بالإِبْدَال، وطَيَّبَهُ كاسْتَطْيَبَه؛ أَي وَجَدَهُ طَيِّبًا، ويأْتِي قَرِيبًا.
والطِّيبُ معروف أَي ما يُتَطَيَّبُ به، وقَدْ تَطَيَّبَ بالشَّيْءِ. وطَيَّبَ فُلَانٌ فُلانًا بالطِّيبِ، وطَيَّبَ صَبِيَّهُ إِذَا قَارَبَه ونَاغَاه بكَلَام يُوَافِقُه. والطِّيبُ: الحِلُّ كالطِّيبَةِ. ومنه قولُ أَبِي هُرَيْرَةَ حِينَ دَخَل على عُثْمَانَ، رضي الله عنهما، وهو محْصُور: «الآن طَابَ الضِّرَابُ» أَي حَلّ القِتَال، وفي روَايَة: «الآن طَابَ امْضَرْبُ» يُرِيدَ طَابَ الضَّرْب، وهي لُغَةٌ حِمْيَريَّةٌ.
وفي لسان العرب: وَفَعَلْتُ ذَلِك بِطِيبَةِ نَفْسي، إِذَا لم يُكْرِهْك أَحَدٌ عَلَيْهِ. وتَقُولُ: مَا بِهِ مِنَ الطِّيب، ولا تَقُل: من الطِّيبَة.
والطِّيبُ: الأَفْضَلُ من كُل شيء. والطَّيِّبَاتُ من الكَلامِ: أَفْضَلُه، ويُرْوَى أَنَّ عِيسَى عليهالسلام كَانَ يَأْكُلُ من غَزْلِ أُمِّه.
وأَطْيَبُ الطَّيِّبَاتِ الغَنَائِم.
والطِّيب: بلد بَيْنَ وَاسِط وتُسْتَرَ. وقال الصَّاغَانِيّ: بَيْنَ وَاسِط وخُوزِسْتَان. ومن سَجَعَات الحَرِيرِيّ: «وبِتُّ أَسْرِي إِلى الطِّيبِ، وأَحْتَسِبُ باللهِ عَلَى الخَطِيب. مِنْهَا أَبو حَفْص عُمر بن حُسَين بن خَليلِ المحدّث، كَذَا في البَهُجَة. وأَبُو حَفْص عُمَرُ بنُ إِبَراهِيم الطِّيبِيُّ الجَمَزِيُّ إِلَى بَنِي جَمَزَةَ بْن شَدَّاد بْنِ تَمِيم كما سَيَأْتِي. وإِلَيْهِم نُسِبَت المحلةِ بِبَغْدَاد.
سَمعَ ابن خَيْرون وابنَ البطر بِبَغْدَادَ وحَدَّث، وبِنْتُه الشَّيْخَةُ المُحَدِّثَة تمنى. ترجمهما المُنْذِرِيُّ في الذَّيْلِ. تُوُفِّيَت بِبَغْدَادَ سَنَة 594.
وسَبْيٌ طِيَبَةٌ كعِنَبَة أَي طَيِّب حِلُّ السِّباء، وهو سَبْيُ مَنْ يَجُوزُ حَرْبُه غَدْرٍ ولا نَقْضِ عَهْد. وعن الأَصْمَعِيّ: سَبُيٌ طِيَبَةٌ أَي سَبْيٌ طَيِّبٌ يَحِلُّ سَبْيُه، لم يُسْبُوْا ولهم عَهْدٌ أَو ذِمَّةٌ، وهو فِعَلَةٌ من الطِّيب بوَزن خيَرَة وتِوَلَة وقَد وَرَدَ في الحَدِيثِ كَذَلك. قال أَئمَّةُ الصَّرْف: قِيلَ: لم يَرِدْ في الأَسْمَاء فِعَلَةٌ «بِكَسْرٍ فَفَتْح» إِلا طِيَبَةٌ بِمَعْنَى طَيِّب. قال شَيْخُنا: لَعَلَّه مَعَ الاقْتِصَار عَلَى فَتْح العَيْنِ وإِلَّا فَقَد قَالُوا: قَومٌ خِيَرَة كعِنَبَة وخِيَرة أَيضًا بسُكُون التَّحْتِية، فالأَوَّل من هَذِا القَبِيل، ثم قال: وقَوْلُهم: «في الأَسْمَاء» الظَّاهِرُ أَنَّه في الصِّفَاتِ، انتهى. والأَطْيَبَان: الأَكْلُ والنِّكَاح، عن ابن الأَعْرَابِيّ، وبِه فُسِّر قَوْلُهم: وَذَهَبَ أَطْيَبَاه، وقِيلَ: هُمَا النَّوْمُ والنِّكَاحُ، قالَه ابْن السِّكِّيْت ونَقَلَه في المُزْهِر أَو هما الفَمُ والفَرْجُ، أَو الشَّحْمُ والشَّبَاب، وقيلَ: هما الرُّطَبُ والخَزِير، وقِيلَ: اللَّبَنُ والتَّمْر، والأَخِيرَانِ عَنْ شَرْحِ المَوَاهِبِ، نَقَلَه شَيْخُنَا.
والمَطَايِبُ: الخِيَارُ من الشَّيْءِ وأَطْيَبُه كاللحْم وغَيْرِه لا يُفْرَدُ ولا وَاحِدَ لَهَا من لَفْظِهَا كالأَطَايب وَهُوَ مِنْ بَابِ مَحَاسِنَ ومَلَامِح، ذَكَرَهُمَا الأَصْمَعِيّ. أَو هِيَ مَطَايِبُ الرُّطَبِ وأَطَايِبُ الجَزُور عن ابن الأَعْرَابِيّ. وقال يَعْقُوب: أَطْعَمَنَا مِنْ مَطَايِبِ الجزُورِ، ولا يُقالُ: مِنْ أَطَايِبَ. وفي الصحاح: أَطْعَمَنَا فُلَانٌ من أَطَايِبِ الجَزُور، جَمْعُ أَطْيبَ، ولا تَقُل مِن مَطَايِبِ الجَزُورِ، وَهَذَا عَكْسُ مَا فِي المحكم.
أَو وَاحِدُهَا مَطْيَبٌ. قَالَه الكِسَائِيُّ. وحَكَى السِّيرَافِيُّ أَنَّه سأَلَ بعضَ العَرَب عن مَطَايِب الجَزُور ما واحِدُها؟ فقال: مَطْيَبٌ، وضَحِكَ الأَعْرَابِيّ مِن نَفْسه، كَيْفَ تَكَلَّف لَهُمْ ذَلِكَ مِن كَلَامِه أَو مَطَابٌ ومَطَابَةٌ بفَتْحِهَا، كَذَا في المحكم، ونَقَلَه ابنُ بَرِّيّ عَن الجَرْمِيّ في كِتَابِهِ المَعْرُوفِ بالفَرْقِ في بَابِ مَا جَاءَ جَمْعُه على غَيْرِ وَاحِدِه المستعمل، أَنَّه يُقَالُ: مَطَايِبُ وأَطَايِبُ، فمن قَال مَطَايِبُ فهو عَلَى غَيْر وَاحِدِه المُسْتَعْمَل، ومن قال أَطَايِبُ أَجْرَاه على وَاحِدِه المُسْتَعْمَل، انْتَهَى. واستَعَار أَبُو حَنِيفَة الأَطَايِبَ لِلْكَلَإِ فَقَالَ: وإِذَا رَعَتِ السَّائِمَةُ أَطَايِبَ الكَلإِ رَعْيًا خَفِيفًا..
ومن المجاز اسْتَطَابَ نَفْسَه فَهُو مُسْتَطِيب أَي اسْتَنْجَى وأَزَالَ الأَذَى كأَطَابَ نَفْسَه فهو مُطِيبٌ، عن ابن الأَعْرَابِيّ.
قال الأَعْشَى:
يا رَخَمًا قَاظ على مَطْلُوبِ *** يُعْجِلُ كَفَّ الخَارِئ المُطِيبِ
والمُطِيبُ والمُسْتَطيبُ: المُسْتَنْجِي مُشْتَقٌّ من الطِّيب، سُمِّي استطَابَةً لأَنَّه يُطِيبُ جَسَدَه بذلك مِمّا عَلَيْه من الخَبَث. وَوَرَدَ في الحدِيث: «نَهَى أَن يَسْتَطِيبَ الرجلُ بِيَمينِه».
الاستِطَابَةُ والإِطَابَةُ كِنَايَةٌ عن الاستِنْجَاءِ.
وفي حديث آخر: «ابْغِني حَدِيدَةً أَسْتَطِيبُ بها».
يُريدُ حَلْقَ العَانَة، لأَنَّه تَنْظِيف وإِزَالَةُ أَذًى.
واسْتَطَابَ الشَّيْءَ وأَطَابَه وطَابَهُ، وقد تَقَدَّم وَجَدَه طَيِّبًا كأَطْيَبَه بدُون الإِعْلال وطَيِّبَه، قد تَقَدَّم أَيْضًا واسْتَطْيَبَه، بِدُونِ الإِعْلَال، والأَخِيرُ حَكَاه سِيبَوَيْه، وقال: جَاءَ على الأَصْلِ كَمَا جَاءَ اسْتَحْوَذَ، وكَأَنَّ فِعْلَهُمَا قَبْلَ الزِّيَادَة كَانَ صَحِيحًا وإِنْ لم يُلْفَظ به قبلها إِلا مُعْتَلًّا. وقولهم: ما أَطْيَبَه ومَا أَيْطَبَه، مَقْلُوبٌ مِنْه، وأَطْيِبْ به وأَيْطِبْ بِهِ، كُلُّه جَائِز.
واسْتَطَابَ القَوْمَ: سأَلهم مَاءً عَذْبًا. قال:
فَلَمَّا اسْتَطَابُوا صَبَّ في الصَّحْنِ نِصْفَه
فَسَّرَه بذلك ابْنُ الأَعْرَابِيّ.
والطَّابَةُ: الخَمْرُ. قال أَبو مَنْصُور: كأَنَّها بِمَعْنَى طَيِّبَة والأَصلُ طَيِّبَة. وفي حَدِيثِ طَاوُوسَ «سُئِلَ عن الطَّابَة تُطْبَخُ على النِّصْفِ».
الطَّابَةُ: العَصِيرُ، سُمِّيَ بِه لِطِيبهِ، وإِصْلَاحُه على النِّصْف: هو أَن يُغْلَى حتى يَذْهَبَ نِصْفُه.
واسْتَطَاب الرجُلُ: شَرِبَ الطَّابَة، نَقَلَه ابْنُ سِيدَه في المحكم، وبِهِ فُسِّر: فَلَمَّا اسْتَطَابُوا صَبَّ في الصَّحْنِ نِصْفَه على قَوْل.
وطِيبَتُهَا بالكَسْرِ، والضَّمِير إِلَى أَقْرَب مَذْكُور، وهو الطَّابَةُ: أَصْفَاها وأَجَمُّهَا، كَمَا أَنَّ طِيبَة الكلإِ أَخْصَبُه، وفي نُسْخَة إِصْفَاؤُها، بالكَسْرِ، على صيغَة المَصْدَرِ، وَهُوَ خَطَأٌ.
وطَيْبَةُ: عَلَمٌ على المَدِينَة النَّبَويّةِ على سَاكِنِها أَفْضَلُ الصَّلَاة وأَتَمُّ السَّلَام، وَعَلَيْهِ اقْتَصَر الجَوْهَرِيُّ.
قال ابن بَرِّيّ: وقد سَمَّاهَا النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بِعِدَّة أَسْمَاء كَطَابَةَ والطَّيِّبَةِ والمُطَيَّبَة والجَابِرَة والمَجْبُورَة والحَبِيبَة والمَحْبُوبَة والمُوفِيَة والمِسْكِينَة، وغَيْرِهَا مِمَّا سَرَدْنَاهَا في غير هذا المحل. وفي الحَدِيث أَنَّه أَمَرَ أَنْ تُسَمَّى المَدِينَة طَيْبَةَ وطَابَة، وهما تَأْنِيثُ طَيْبٍ وطَاب بمَعْنَى الطِّيبِ، لأَن المَدِينَةَ كانَ اسمُهَا يَثْرِبَ، والثَّرْبُ: الفَسَادُ، فنَهَى أَن يُسَمَّى.
بِهَا، وسَمَّاها طَابَةَ وطَيْبَةَ، وقِيلَ: هُوَ مِنَ الطَّيِّب الطَّاهِرِ لخُلُوصِهَا من الشِّرْكِ وتَطْهِيرِها مِنْهُ، ومِنْه: «جُعِلَت لِي الأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا» أَي نَظِيفَةً غير خَبِيثَة. «والمُطَيَّبَةُ» في قَول المُصَنّفِ مَضْبُوطٌ بِصِيغَة المَفْعُولِ، وَهُو ظَاهِرٌ، ويُحْتَمَلُ بِصِيغَةِ الفَاعِل؛ أَي المُطَهِّرَةُ المُمَحِّصَةُ لذُنُوبِ نَازِلِيهَا.
وعِذْقُ ابن طَابٍ: نَخْلٌ بها أَي بالمَدِينَة المُشرَّفَة أَو* ابْنُ طَابٍ: ضَرْبٌ مِنَ الرُّطَب هناك. وفي الصَّحَاح: وتَمْرٌ بالمَدِينَة يُقَالُ لَهُ عِذْقُ ابْن طَابٍ، ورُطَبُ ابْنِ طَابٍ. قال: وعِذْقُ ابن طَابٍ، وعذْقُ ابن زَيْدٍ: ضَرْبَان من التَّمْرِ. وفي حَدِيثِ الرُّؤيَا: «كَأَنَّنا في دَارِ ابْنِ زَيْد وأُتِينَا برُطَبِ ابْنِ طَابٍ». قال ابن الأَثِير: هو نَوْعٌ من تَمْرِ المَدِينَة مَنْسُوبٌ إِلى ابْنِ طَاب رَجُل مِنْ أَهْلِهَا. وفي حَدِيثِ جَابِر: «وفي يَدِه عُرْجُونُ ابْن طَابٍ».
والطِّيَابُ كَكِتَابِ: نَخْلٌ بالبَصْرَة إِذا أَرْطَبَ فيُؤَخَّر عَنِ اخْتِرَافه تَسَاقَطَ عن نَوَاه فَبَقِيَت الكِبَاسة ليْسَ فِيهَا إِلا نَوًى مُعَلَّقٌ بالثَّفَارِيق، وهُوَ مَع ذلك كِبَارٌ، قَال: وكذلك النَّخْلَةُ إِذَا اخْتُرِفَت، وهي مُنْسَبِتَةٌ لمْ تَتْبَع النَّواةُ اللِّحَاءَ. كذَا في لِسَان العَرَب.
والطَّيِّبُ: الحَلَالُ. وفي التَّنْزِيل العَزِيزِ: {يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ} أَي كُلُوا من الحَلَال. وكُلُّ مَأْكُولٍ حَلَالٍ مُسْتَطَابٌ، فهُو داخِلٌ في هَذَا. وفي حَدِيثِ هَوَازِن: «مَنْ أَحَبَّ أَن يُطَيِّب ذَلِكَ مِنْكُم» أَي يُحَلِّلَه ويُبِيحَه. والكَلِم الطَّيِّب هُوَ قَوْلُ: لا إِلَه إِلَّا الله. وفلانٌ في بَيْتٍ طَيِّبٍ، يُكْنَى بِهِ عَنْ شَرَفِه. ومَاءٌ طَيِّب إِذَا كَانَ عَذْبًا أَو طَاهِرًا.
وطَعَامٌ طَيِّبٌ إِذَا كَانَ سَائِغًا في الحَلْق. وفُلانٌ طَيِّبُ الأَخْلَاقِ إِذَا كَان سَهْلَ المُعَاشَرَة وبَلَدٌ طَيِّب: لا سِبَاخَ فيهِ.
وأَبُو مُحَمَّدٍ الطَّيِّبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي التُّرَابِ الذُّهْلِيُّ، رَوَى القرآنَ عنِ الكِسَائِيّ، والحَدِيثَ عن سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة، تَرْجَمَه الخَطِيبُ في التَّاريخ.
والطَّيِّبَةُ بهاء: قَرْيَتَانِ بِمِصْرَ إِحْدَاهُمَا في إِقْليم أَشْمُونِينَ، وإِلَيْهَا نُسِبَ الخَطِيب المُحدِّثُ أَبُو الجُود.
والثَّانِيَة في الشَّرْقِيَّة، وتُعْرَفُ بأُمِّ رَمَاد. والنِّسْبَةُ إِلَيْهِمَا الطَّيِّبِيُّ والطَّيِّبَانِيُّ، الأَخِيرَةُ عَلى غَيْرِ قِيَاس وهكذَا كَانَ يَنْتَسِبُ صَاحِبُنا المفيد حَسَنُ بْنُ سَلَامَة ابنُ سَلَامَة المالكيّ الرشِيديّ.
والاسم الطَّيِّب: قَرْيَةٌ بالبُحيرَة.
وأَطَابَ الرَّجُلُ إِذَا تَكَلَّم بكَلَام طَيِّب. وأَطَابَ: قَدّمَ طَعَامًا طَيِّبًا. وأَطَابَ: وَلَدَ بَنِينَ طَيِّبِينَ. وأَطَابَ: تَزَوَّجَ حَلَالًا. وأَنْشَدَت امرأَة:
لَمَا ضَمِنَ الأَحْشَاءُ منك عَلَاقَةٌ *** ولَا زُرْتَنَا إِلّا وأَنْتَ مُطِيبُ
أَي مُتَزَوَّج. وهَذَا قالته امرأَة لخِدْنِها قال: والحِرَام عند العُشَّاق أَطيبُ، ولذلك قَالَت:
ولا زُرْتَنَا إِلَّا وأَنْتَ مُطِيب
وأَبُو طَيْبَة: كُنْيَةُ حَاجِمِ النبيّ صلى الله عليه وسلم مَوْلَى بَنِي حَارِثَة ثم مَوْلَى مُحَيْصَةَ بْنِ مَسْعُود اسمه دِينَار، وقِيل: مَيْسَرة، وقِيل: قَانِع، رَوَى عَنْه ابْنُ عَبَّاسٍ وأَنَسٌ وَجَابِرٌ.
وَطَابَانُ: قرية بالخَابُور.
وأَيْطُبَّةُ العَنْز ويُخَفَّف: استِحْرَامُها عَن أَبي زَيْد.
وطِيبَةُ بالكَسْرِ: اسْمُ بِئْرِ زَمْزَم. وقَد ذُكِرَ لَهَا عِدَّةُ أَسْمَاءٍ جَمَعْتُهَا في نُبْذَةٍ صَغِيرَة. وطِيبَة: قرية عند زَرُودٍ.
وشرَاب مَطْيَبَةٌ للنَّفْسِ أَي تَطِيبُ النفْسُ إِذَا شَربَتْه.
وطَعَامٌ مَطْيَبَةٌ للنَّفْسِ أَي تَطِيبُ عَلَيْهِ وبِه. وقَوْلُهم: طِبْتُ به نَفْسًا أَي طَابَتْ بِهِ نَفْسِي وطَابَتْ نَفْسُه بالشَّيْءِ إِذَا سَمَحَتْ بِه من غير كَرَاهَة، ولا غَضَب. وقَد طَابَتْ نَفْسِي عَنْ ذَلِكَ تَرْكًا، وطَابَتْ عَلَيْهِ إِذَا وَافَقَهَا. وطِبْتُ نَفْسًا عنْهُ وعَلَيْه وَبِهِ.
وفي التَّنْزِيلِ العَزِيز: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا}. والطُّوب بالضَّمّ: الآجُرُّ. أَطْلَقَه المُصَنِّفُ كالأَزْهَرِيّ في التَّهْذِيبِ فيُظَنّ بِذَلِكَ أَنَّه عَرَبِيّ. والذي قاله الجَوْهَرِيّ إِنَّهُ لُغَةٌ مِصْرِيّة، وابْن دُرَيْدِ قال: هِيَ لُغَةٌ شَامِيَّة وأَظُنُّها رُومِيَّة وجَمَعَ بَيْنَهُمَا ابْنُ سِيدَه.
والطَّيِّبُ والمُطَيَّبُ: ابْنَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ عَنْهُما وعَنْ أَخِيهِما وأُمِّهِمَا السَّيِّدَةِ خَدِيجَة الكُبْرَى رضي الله عنها، وقِيلَ: إِنَّهُمَا لَقَبَان لِلْقَاسِم، ومَحَلُّه في كُتُبِ السِّيَرِ.
وَطَايَبَه إِذَا مَازَحَهُ.
وفي الحَدِيث: «شَهِدْتُ غُلَامًا مع عُمُومَتِي حِلْفَ بالكَسْرِ وهُو التَّعَاقُد المُطَيَّبِين جمع مُطَيَّب بصِيغة اسم المَفْعُول سُمُّوا به. وهُم خَمْسُ قَبَائِل بَنُو عَبْدِ مَنَاف، وَبَنُو أَسَد بْنِ عَبْد العُزَّى وبَنُو تَيْم [بن مرة بن كعب]، وبَنُو زُهْرَة [بن كلاب]، وبَنُو الحَارِثِ بْنِ فِهْر وذَلِكَ لَمَّا أَرَادَت بَنُو عَبْدِ مَنَاف وهُم بَنُو هَاشِم أَخْذَ مَا فِي أَيْدِي بني عَبْدِ الدَّارِ من الحِجَابَة والرِّفَادَة واللِّوَاء والسِّقَايَة، وأَبَتْ بنو عبد الدار تَسْلِيمَهَا إِيَّاهم اجْتَمَعَ المَذْكُورون في دَارِ [عبد الله] بْنِ جُدْعَان في الجَاهِلِيَّة، وعَقَدَ كُلُّ قَوْمٍ عَلَى أَمْرِهم حِلْفًا مُؤَكَّدًا عَلَى التَّنَاصُر وأَن لَا يَتَخَاذَلُوا ثُمَّ أَخْرَجَ لهُم بَنُو عَبْد مَنَاف جَفْنَةً، ثم خَلَطُوا فيهَا أَطْيَابًا وغَمَسُوا أَيْدِيَهم فيهَا وتَعَاقَدُوا، ثمَّ مَسَحُوا الكَعْبَةَ بأَيْدِيهِم تَوْكِيدًا أَى زيَادَةً في التأْكِيد فَسُمُّوا المُطَيَّبِينَ، وتَعَاقَدَت بَنُو عبْد الدَّار وحُلَفَاؤُهَا وهم سِتّ قَبَائِل: عَبْدُ الدَارِ، وجُمَحُ، ومَخْزُوم، وعَدِيّ، وكَعْب، وسَهْم حِلْفًا آخرَ مُؤَكَّدًا فَسُمُّوا، بِذَلِكَ الأَحْلَافَ. هَذَا الذِي ذكره المصنف هو المَعْرُوفُ المَشْهُور، وهُو الذي في النّهَايَة والصِّحَاح وغَيْرِ ديوَان.
وقِيلَ: بَلْ قَدِمَ رجلٌ من بَنِي زَيْدٍ لمكة مُعْتَمِرًا ومعه تِجَارَة اشْتَرَاهَا مِنْه رَجُل سَهْمِيّ، فأَبَى أَن يَقْضِيَه حَقَّه فَنَادَاهم مِنْ أَعْلَى أَبِي قُبَيْسٍ فقَامُوا وتَحَالَفُوا على إِنْصَافِه كما في المُضَافِ والمَنْسُوبِ للثَّعَالِبيّ مَبْسُوطًا، قالهُ شيخُنا. وفي لسَان العرب إِشَارَة لهذَا: وكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم من المُطَيَّبِينَ لحُضُورِه فِيه، وهو ابنُ خَمْس وعشْرِين سَنَة، وكَذَلكَ أَبو بَكْر الصِّدِّيق حَضَر فِيه، وكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه أَحْلَافِيًّا لحُضُورِه مَعَهُم.
* ومما بَقِي مِنْ هَذه المَادّة: طَيَّابٌ السَّقَّاءُ: شَاعرٌ ولَهُ مَقَاطِيعُ مَشْهُورَةٌ في حمَارِه القَدِيم الصُّحْبَة الشَّدِيدِ الهُزَال، أَوْرَدَهَا الثَّعَالِبيُّ في المُضَاف والمَنْسُوب، اسْتَدْرَكَه شَيْخُنَا.
وطَابَةُ: قَرْيَةٌ من أَعْمَالِ قُوص.
وبَلَدٌ طَيِّبٌ: لا سِبَاخَ فيهِ.
وعَبْدُ الوَاسِع بْنُ أَبِي طَيْبَة الجُرْجَانِيُّ الطَّيْبِيُّ، حَدَّثَ عن أَبِيه. وأَخُوهُ أَحمدُ بْنُ أَبِي طَيْبة كان قَاضِيَ جُرْجَان، وحفيد الأَول عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الواسع، شَيخ لابْن عَدِيّ. وبالتَّثْقِيلِ الحَسَنُ بْنُ حَبْتَرٍ الطَّيِّبِيُّ، رَوَى عنه الخَلِيلُ في تَارِيخه وابْنُه أَبو الفَرَج محمدُ بْنُ الحُسيْنِ الطَّيِّبِيّ عن مُحَمَّد بْنِ إِسْحَاقَ الكسَائيّ، وعَنْه إِسْمَاعِيلُ القَزْوِينيّ.
وَرَبَاح بن طَيْبَان «بالفَتْح» من شيوخ عَبْد الغَنِيّ.
وأَحْمَدُ بن الحكم بن طَيْبَان عن أَبي حُذَيْفَة. ومحمدُ بنُ عَلِيِّ بْنِ طَيْبَان، سمع منه خَلَفٌ الخَيَّام بِبُخَارَى وأَبُو البَرَكَاتِ مُحَمَّدُ بن المُنْذرِ بْنِ طَيْبَان من شيوخ السِّلَفِيّ.
والطَّيَابُ كَسَحَاب: رِيحُ الشَّمَال.
وشَيْخُنَا المرحُومُ أَبُو عَبْدِ الله مُحَمَّد بْن الطَّيِّب بْنِ مُحَمَّد بْنِ مُوسَى الفَاسِيُّ صَاحبُ الحَاشِيَةِ عَلَى هَذَا الكتَابِ إِمَام اللُّغَةِ والحَدِيث، وُلِدَ بِفَاس سنة 1110 وسَمعَ الكَثِيرَ عَنْ شُيُوخ المَغْرِبِ والمَشْرِق، واستجَازه وأَبُوهُ من أَبِي الأَسْرَارِ العُجَيْمِيّ، وَمَاتَ بالمدينة المنورة سنة 1170 رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى وَأَرْضَاهُ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
7-لسان العرب (طيب)
طيب: الطِّيبُ، عَلَى بِنَاءِ فِعْل، والطَّيِّب، نَعْتٌ.وَفِي الصِّحَاحِ: الطَّيِّبُ خِلَافُ الخَبيث؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَمر كَمَا ذُكِرَ، إِلا أَنه قَدْ تَتَّسِعُ مَعَانِيهِ، فَيُقَالُ: أَرضٌ طَيِّبة لِلَّتِي تَصْلُح لِلنَّبَاتِ؛ ورِيحٌ طَيِّبَةٌ إِذا كَانَتْ لَيِّنةً لَيْسَتْ بِشَدِيدَةٍ؛ وطُعْمة طَيِّبة إِذا كَانَتْ حَلَالًا؛ وامرأَةٌ طَيِّبة إِذا كَانَتْ حَصانًا عَفِيفَةً، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ}؛ وكلمةٌ طَيِّبة إِذا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَكْرُوهٌ؛ وبَلْدَة طَيِّبة أَي آمنةٌ كثيرةُ الْخَيْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}؛ ونَكْهة طَيِّبة إِذا لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَتْنٌ، وإِن لَمْ يَكُنْ فِيهَا رِيحٌ طَيِّبة كرائحةِ العُود والنَّدِّ وَغَيْرِهِمَا؛ ونَفْسٌ طَيِّبة بِمَا قُدِّرَ لَهَا أَي رَاضِيَةٌ؛ وحِنْطة طَيِّبة أَي مُتَوَسِّطَة فِي الجَوْدَةِ؛ وتُرْبة طَيِّبة أَي طَاهِرَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}؛ وزَبُونٌ طَيِّبٌ أَي سَهْل فِي مُبايعَته؛ وسَبْيٌ طَيِّبٌ إِذا لَمْ يَكُنْ عَنْ غَدْر وَلَا نَقْض عَهْدٍ؛ وطعامٌ طَيِّب لِلَّذِي يَسْتَلِذُّ الآكلُ طَعْمه.
ابْنُ سِيدَهْ: طَابَ الشيءُ طِيبًا وطَابًا: لذَّ وزكَا.
وطابَ الشيءُ أَيضًا يَطِيبُ طِيبًا وطِيَبَةً وتَطْيابًا؛ قَالَ عَلْقَمة:
يَحْمِلْنَ أُتْرُجَّةً، نَضْخُ العَبيرِ بِهَا، ***كَأَنَّ تَطْيابَها، فِي الأَنْفِ، مَشْمومُ
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ}؛ مَعْنَاهُ كُنْتُمْ طَيِّبين فِي الدُّنْيَا فادخُلوها.
والطَّابُ: الطَّيِّبُ والطِّيبُ أَيضًا، يُقالان جَمِيعًا.
وشيءٌ طابٌ أَي طَيِّبٌ، إِما أَن يَكُونَ فَاعِلًا ذَهَبَتْ عَيْنُهُ، وإِما أَن يَكُونَ فِعْلًا؛ وَقَوْلُهُ:
يَا عُمَرَ بنَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابْ، ***مُقابِلَ الأَعْراقِ فِي الطَّابِ الطَّابْ
بَينَ أَبي العاصِ وآلِ الخَطَّابْ، ***إِنَّ وقُوفًا بفِناءِ الأَبْوابْ،
يَدْفَعُني الحاجِبُ بعْدَ البَوَّابْ، ***يَعْدِلُ عندَ الحُرِّ قَلْعَ الأَنْيابْ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: إِنما ذَهَبَ بِهِ إِلى التأْكيد وَالْمُبَالَغَةِ.
وَيُرْوَى: فِي الطيِّب الطَّاب.
وَهُوَ طَيِّبٌ وطابٌ والأُنثى طَيِّبَةٌ وطابَةٌ.
وَهَذَا الشِّعْرُ يقوله كُثَيِّر ابنُ كُثَيِّر النَّوفَليُّ يمدحُ بِهِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ مُقابِلَ الأَعْراقِ أَي هُوَ شريفٌ مِنْ قِبَل أَبيه وأُمه، فَقَدْ تَقابلا فِي الشَّرَفِ وَالْجَلَالَةِ، لأَنَّ عُمَرَ هُوَ ابْنُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ بْنِ أَبي الْعَاصِ، وأُمه أُم عَاصِمٍ بِنْتُ عَاصِمِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَجَدُّه مِنْ قِبل أَبيه أَبو الْعَاصِ جَدُّ جَدِّه، وجَدُّه مِنْ قِبل أُمه عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؛ وقولُ جَنْدَلِ بْنِ الْمُثَنَّى:
هَزَّتْ بَراعيمَ طِيابِ البُسْرِ إِنما جُمِعَ طِيبًا أَو طَيِّبًا.
والكلمةُ الطَّيِّبةُ: شهادةُ أَنْ لَا إِله إِلّا اللهُ، وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولِ اللَّهُ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الطَّيِّبِ والطَّيِّبات، وأَكثر مَا يَرِدُ بِمَعْنَى الْحَلَالِ، كَمَا أَن الْخَبِيثَ كِنَايَةٌ عَنِ الْحَرَامِ.
وَقَدْ يَرِدُ الطَّيِّبُ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: أَنَّهُ قَالَ لِعَمَّار مَرحبًا بالطَّيِّبِ المُطَيَّبِ
أَي الطَّاهِرِ المُطَهَّرِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بأَبي أَنتَ وأُمي، طِبْتَ حَيًّا، وطِبْتَ مَيِّتًا أَي طَهُرتَ.
والطَّيِّباتُ فِي التَّحِيَّاتِ أَي الطَّيِّباتُ من الصلاة
والدعاءِ وَالْكَلَامِ مصروفاتٌ إِلى اللَّهِ تَعَالَى.
وفلانٌ طَيِّبُ الإِزار إِذا كَانَ عَفِيفًا؛ قَالَ النَّابِغَةِ:
رِقاقُ النِّعالِ، طَيِّبٌ حُجُزاتُهم أَراد أَنهم أَعِفَّاءُ عَنِ الْمَحَارِمِ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ}؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ الْحَسَنُ.
وَكَذَلِكَ قولُه تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ؛ إِنما هُوَ الكَلِم الحَسَنُ أَيضًا كَالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يُفَسِّرْ ثَعْلَبٌ هَذِهِ الأَخيرة.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْكَلِمُ الطَّيِّبُ توحيدُ اللَّهِ، وَقَوْلُ لَا إِله إِلَّا اللَّهُ، والْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ أَي يَرْفَعُ الكَلِمَ الطَّيِّبَ الَّذِي هُوَ التوحيدُ، حَتَّى يَكُونَ مُثبِتًا لِلْمُوَحِّدِ حقيقةَ التَّوْحِيدِ.
وَالضَّمِيرُ فِي يَرْفَعُهُ عَلَى هَذَا رَاجِعٌ إِلى التَّوْحِيدِ.
وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ ضَمِيرَ العملِ الصَّالِحِ أَي العملُ الصالحُ يَرْفَعُهُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ أَي لَا يُقْبَلُ عملٌ صالحٌ إِلَّا مِنْ مُوَحِّدٍ.
وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ اللهُ تَعَالَى يَرْفَعُهُ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ}، وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: الطَّيِّبات مِنَ الْكَلَامِ، لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: الطيِّبات مِنَ النساءِ، للطيِّبين مِنَ الرِّجَالِ.
وأَما قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ؟ قُلْ: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ}؛ الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَرَبُ.
وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَقْذِرُ أَشياء كَثِيرَةً فَلَا تأْكلها، وَتَسْتَطِيبُ أَشياءَ فتأْكلها، فأَحلَّ اللَّهُ لَهُمْ مَا اسْتَطَابُوهُ، مِمَّا لَمْ يَنْزِلُ بِتَحْرِيمِهِ تِلاوةٌ مِثْل لُحُومِ الأَنعام كُلِّهَا وأَلبانها، وَمِثْلُ الدَّوَابِّ الَّتِي كَانُوا يأْكلونها، مِنَ الضِّباب والأَرانب وَالْيَرَابِيعِ وَغَيْرِهَا.
وفلانٌ فِي بيتٍ طَيِّبٍ: يُكَنَّى بِهِ عَنْ شَرَفِهِ وَصَلَاحِهِ وطِيبِ أَعْراقِه.
وَفِي حَدِيثِ طَاوُوسٍ: «أَنه أَشْرَفَ عَلَى عليِّ بْنِ الحُسَين سَاجِدًا فِي الحِجْر»، فقلتُ: رجلٌ صَالِحٌ مِنْ بَيْتٍ طَيِّبٍ.
والطُّوبى: جَمَاعَةُ الطَّيِّبة، عَنْ كُرَاعٍ؛ قَالَ: وَلَا نَظِيرَ لَهُ إِلَّا الكُوسى فِي جَمْعِ كَيِّسَة، والضُّوقى فِي جمع ضَيِّقة.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي فِي كُلِّ ذَلِكَ أَنه تأْنيثُ الأَطْيَبِ والأَضْيَقِ والأَكْيَسِ، لأَنَّ فُعْلى ليسَت مِنْ أَبنية الْجُمُوعِ.
وَقَالَ كُرَاعٌ: وَلَمْ يَقُولُوا الطِّيبى، كَمَا قَالُوا الكِيسَى فِي الْكُوسَى، والضِّيقَى فِي الضُّوقى.
والطُّوبى: الطيِّبُ، عَنِ السَّيْرَافِيِّ.
وطُوبى: فُعْلى مِنَ الطِّيبِ؛ كأَن أَصله طُيْبَى، فَقَلَبُوا الْيَاءَ وَاوًا لِلضَّمَّةِ قَبْلَهَا؛ وَيُقَالُ: طُوبى لَك وطُوبَاك، بالإِضافة.
قَالَ يَعْقُوبُ: وَلَا تَقُل طُوبِيكَ، بِالْيَاءِ.
التَّهْذِيبُ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ طُوبى لك، ولا تقل طُوبَاك.
وَهَذَا قَوْلُ أَكثر النَّحْوِيِّينَ إِلا الأَخفش فإِنه قَالَ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُضيفها فَيَقُولُ: طُوباك.
وَقَالَ أَبو بَكْرٍ: طُوباكَ إِن فَعَلْتَ كَذَا، قَالَ: هَذَا مِمَّا يَلْحَنُ فِيهِ الْعَوَامُّ، وَالصَّوَابُ طُوبى لَكَ إِن فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا.
وطُوبى: شَجَرَةٌ فِي الْجِنَّةُ، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}.
وَذَهَبَ سِيبَوَيْهِ بِالْآيَةِ مَذْهبَ الدُّعاء، قَالَ: هُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ يَدُلُّكَ عَلَى رَفْعِهِ رفعُ: وَحُسْنُ مَآبٍ.
قَالَ ثَعْلَبٌ: وقُرِئَ طُوبى لَهُمْ وحُسْنَ مآبٍ، فَجَعَلَ طُوبى مَصْدَرًا كَقَوْلِكَ: سَقْيًا لَهُ.
وَنَظِيرُهُ مِنَ الْمَصَادِرِ الرُّجْعَى، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَن مَوْضِعَهُ نَصْبٌ بِقَوْلِهِ وحُسْنَ مآبٍ.
قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَحَكَى أَبو حَاتِمٍ سهلُ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّجِسْتاني، فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ فِي القراءَات، قَالَ: قرأَ عليَّ أَعرابي بِالْحَرَمِ: طِيبَى لَهُمْ، فأَعَدْتُ فقلتُ: طُوبى، فَقَالَ: طِيبى، فأَعَدْتُ فَقُلْتُ: طُوبى، فَقَالَ: طِيبَى.
فَلَمَّا طال عليَّ قلت: طُوطُو، فَقَالَ: طِي طِي.
قَالَ الزَّجَّاجُ: جاءَ فِي التَّفْسِيرِ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، أَن طُوبى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ.
وَقِيلَ: طُوبى لَهُمْ حُسْنَى لَهُمْ، وَقِيلَ: خَيْر لَهُمْ، وَقِيلَ: خِيرَةٌ لَهُمْ.
وَقِيلَ: طُوبى اسْمُ الْجَنَّةِ بالهِنْدية.
وَفِي الصِّحَاحِ: طُوبى اسْمُ شَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ.
قَالَ أَبو إِسحاق: طُوبى فُعْلى مِنَ الطِّيبِ، وَالْمَعْنَى أَن العيشَ الطَّيِّبَ لَهُمْ، وكلُّ مَا قِيلَ مِنَ التَّفْسِيرِ يُسَدِّد قولَ النَّحْوِيِّينَ إِنها فُعْلى مِنَ الطِّيبِ.
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنه قَالَ: طُوبى اسْمُ الْجَنَّةِ بِالْحَبَشِيَّةِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: طُوبى لَهُمْ
مَعْنَاهُ الحُسْنَى لَهُمْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: طُوبى كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ، تَقُولُ الْعَرَبُ: طُوبى لَكَ إِن فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؛ وأَنشد:
طُوبى لِمَنْ يَسْتَبْدِلُ الطَّوْدَ بالقُرَى، ***ورِسْلًا بيَقْطِينِ العِراقِ وفُومها
الرِّسْلُ: اللَّبَنُ.
والطَّوْدُ الجَبلُ.
واليَقْطِينُ: القَرْعُ؛ أَبو عُبَيْدَةَ: كُلُّ وَرَقَةٍ اتَّسَعَتْ وسَتَرَتْ فَهِيَ يَقطِينٌ.
والفُوم: الخُبْزُ والحِنْطَةُ؛ وَيُقَالُ: هُوَ الثُّومُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِن الإِسلام بَدأَ غَرِيبًا، وسَيَعُود غَرِيبًا كَمَا بدأَ، فطُوبى للغُرباءِ»؛ طُوبى: اسْمُ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: شَجَرَةٌ فِيهَا، وأَصلها فُعْلى مِنَ الطِّيبِ، فَلَمَّا ضُمَّتِ الطَّاءُ، انْقَلَبَتِ الْيَاءُ وَاوًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «طُوبى للشَّأْمِ لأَن الْمَلَائِكَةَ باسطةٌ أَجنحتَها عليها»؛ المراد بِهَا هَاهُنَا: فُعْلى مِنَ الطِّيبِ، لَا الْجَنَّةُ وَلَا الشَّجَرَةُ.
واسْتَطَابَ الشيءَ: وجَدَه طَيِّبًا.
وَقَوْلُهُمْ: مَا أَطْيَبَه، وَمَا أَيْطَبه، مقلوبٌ مِنْهُ.
وأَطْيِبْ بِهِ وأَيْطِبْ بِهِ، كُلُّهُ جَائِزٌ.
وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: اسْتَطْيَبَه، قَالَ: جاءَ عَلَى الأَصل، كَمَا جاءَ اسْتَحْوَذَ؛ وَكَانَ فِعْلُهُمَا قَبْلَ الزِّيَادَةِ صَحِيحًا، وإِن لَمْ يُلفظ بِهِ قَبْلَهَا إِلا مُعْتَلًّا.
وأَطابَ الشيءَ وطَيَّبَه واسْتَطَابه: وجَدَه طَيِّبًا.
والطِّيبُ: مَا يُتَطَيَّبُ بِهِ، وَقَدْ تَطَيَّبَ بالشيءِ، وطَيَّبَ الثوبَ وطابَهُ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَ:
فكأَنَّها تُفَّاحةٌ مَطْيُوبة جاءَت عَلَى الأَصل كمَخْيُوطٍ، وَهَذَا مُطَّرِدٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «شَهِدْتُ، غُلَامًا، مَعَ عُمومتي، حِلْفَ المُطَيَّبِين».
اجتمَع بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو زُهْرَة، وتَيْمٌ فِي دارِ ابْنِ جُدْعانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَجَعَلُوا طِيبًا فِي جَفْنةٍ، وغَمَسُوا أَيديَهم فِيهِ، وتَحالفُوا عَلَى التَّنَاصُرِ والأَخذ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ، فسُمُّوا المُطَيَّبين؛ وَسَنَذْكُرُهُ مُسْتَوْفىً فِي حَلَفَ.
وَيُقَالُ: طَيَّبَ فلانٌ فُلَانًا بالطِّيب، وطَيَّبَ صَبِيَّه إِذا قارَبه وَنَاغَاهُ بِكَلَامٍ يُوَافِقُهُ.
والطِّيبُ والطِّيبَةُ: الحِلُّ.
وَقَوْلُ أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ، وَهُوَ مَحْصُورٌ: الْآنَ طَابَ القِتالُ
أَي حَلَّ؛ وَفِي رِوَايَةٍ أُخرى،
فَقَالَ: الْآنَ طابَ امْضَرْبُ؛ يُرِيدُ طابَ الضَّربُ والقتلُ أَي حَلَّ القتالُ، فأَبدل لَامَ التَّعْرِيفِ مِيمًا، وَهِيَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِأَي كُلُوا مِنَ الْحَلَالِ}، وكلُّ مأْكولٍ حلالٍ مُسْتَطابٌ؛ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا.
وإِنما خُوطب بِهَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ؛ فتَضَمَّنَ الخطابُ أَن الرُّسُلَ جَمِيعًا كَذَا أُمِرُوا.
قَالَ الزَّجَّاجُ: ورُوي أَن عِيسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ يأْكل مِنْ غَزْلِ أُمِّه.
وأَطْيَبُ الطَّيِّبات: الغَنائمُ.
وَفِي حَدِيثِ هَوازِنَ: «مَنْ أَحَبَّ أَن يُطَيِّبَ ذَلِكَ مِنْكُمْ»؛ أي يُحَلِّله ويُبِيحَه.
وسَبْيٌ طِيبةٌ، بِكَسْرِ الطاءِ وَفَتْحِ الياءِ: طَيِّبٌ حِلٌّ صحيحُ السِّبَاءِ، وَهُوَ سَبْيُ مَنْ يَجُوزُ حَرْبُه مِنَ الِكُفَّارِ، لَمْ يَكُنْ عَنْ غَدْرٍ وَلَا نَقْضِ عَهْدٍ.
الأَصمعي: سَبْيٌ طِيَبة أَي سَبْيٌ طَيِّبٌ، يَحِلُّ سَبْيُه، لَمْ يُسْبَوْا وَلَهُمْ عَهْدٌ أَو ذِمَّةٌ؛ وَهُوَ فِعَلَة مِنَ الطِّيبِ، بِوَزْنِ خِيَرةٍ وتِوَلةٍ؛ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ كَذَلِكَ.
والطِّيبُ مِنْ كُلِّ شيءٍ: أَفضَلُه.
والطَّيِّباتُ مِنَ الْكَلَامِ: أَفضَلُه وأَحسنُه.
وطِيَبَةُ الكَلإِ: أَخْصَبُه.
وطِيَبَةُ الشَّرابِ: أَجمُّه وأَصْفاه.
وطابَت الأَرضُ طِيبًا: أَخْصَبَتْ وأَكْلأَتْ.
والأَطْيَبانِ: الطعامُ والنكاحُ، وَقِيلَ: الفَمُ والفَرْجُ؛ وَقِيلَ: هُمَا الشَّحْمُ والشَّبابُ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي.
وذهَبَ أَطْيَباه: أَكْلُه ونِكاحُه؛ وَقِيلَ: هُمَا النَّوم والنكاحُ.
وطايَبه: مازَحَه.
وشَرابٌ مَطْيَبةٌ للنَّفْسِ أَي تَطِيبُ النفسُ إِذا شَرِبَتْهُ.
وَطَعَامٌ مَطْيَبةٌ لِلنَّفْسِ أَي تَطِيبُ عَلَيْهِ وَبِهِ.
وَقَوْلُهُمْ: طِبْتُ بِهِ نَفْسًا أَي طابَتْ نَفْسِي بِهِ.
وَطَابَتْ نَفْسُه بالشيءِ إِذا سَمَحَت بِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَلَا غَضَب.
وَقَدْ طابَتْ نَفْسِي عَنْ ذَلِكَ تَرْكًا، وطابَتْ عَلَيْهِ إِذا وافقَها؛ وطِبْتُ نَفْسًا عَنْهُ وَعَلَيْهِ وَبِهِ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا}.
وفَعَلْتُ ذَلِكَ بِطِيبةِ نَفْسِي إِذا لَمْ يُكْرِهْك أَحدٌ عَلَيْهِ.
وَتَقُولُ: مَا بِهِ مِنَ الطِّيبِ، وَلَا تَقُلْ: مِنَ الطِّيبَةِ.
وماءٌ طُيَّابٌ أَي طَيِّبٌ، وشيءٌ طُيَّابٌ، بِالضَّمِّ، أَي طَيِّبٌ جِدًّا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
نحنُ أَجَدْنا دُونَها الضِّرَابا، ***إِنَّا وَجَدْنا ماءَها طُيَّابا
واسْتَطَبْناهم: سأَلْناهُم مَاءً عَذْبًا؛ وَقَوْلُهُ:
فَلَمَّا اسْتَطابُوا، صَبَّ فِي الصَّحْنِ نِصْفَهُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَاهُ ذاقُوا الْخَمْرَ فاسْتَطابوها، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ قَوْلِهِمْ: اسْتَطَبْناهم أَي سأَلْناهم مَاءً عَذْبًا؛ قَالَ: وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي.
وماءٌ طَيِّبٌ إِذا كَانَ عَذْبًا، وطَعامٌ طَيِّبٌ إِذا كَانَ سَائِغًا فِي الحَلْق، وفلانٌ طَيِّبُ الأَخلاق إِذا كَانَ سَهْلَ المُعاشرة، وبلدٌ طَيِّبٌ لَا سِباخَ فِيهِ، وماءٌ طَيِّبٌ أَي طَاهِرٌ.
ومَطايِبُ اللحْم وَغَيْرِهِ: خِيارُه وأَطْيَبُه؛ لَا يُفْرَدُ، وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ مَحاسِنَ ومَلامِحَ؛ وَقِيلَ: وَاحِدُهَا مَطابٌ ومَطابةٌ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هِيَ مِنْ مَطايِبِ الرُّطَبِ، وأَطَايِبِ الجَزُور.
وَقَالَ يَعْقُوبُ: أَطْعِمنا مِنْ مَطايِبِ الجَزُور، وَلَا يُقَالُ مِنْ أَطايِبِ.
وَحَكَى السِّيرَافِيُّ: أَنه سأَل بَعْضَ الْعَرَبِ عَنْ مَطَايِبِ الجَزُور، مَا وَاحِدُهَا؟ فَقَالَ: مَطْيَبٌ، وضَحِكَ الأَعرابي مِنْ نَفْسِهِ كَيْفَ تَكَلَّفَ لَهُمْ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ.
وَفِي الصِّحَاحِ: أَطْعَمَنا فلانٌ مِنْ أَطايِبِ الجَزُور، جَمْعُ أَطْيَبَ، وَلَا تَقُلْ: مِنْ مَطايِبِ الجَزُور؛ وَهَذَا عَكْسُ مَا فِي الْمُحْكَمِ.
قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَدْ ذَكَرَ الجَرْمِيُّ فِي كِتَابِهِ المعروف بالفَرْق، فِي بابِ مَا جاءَ جَمْعُه عَلَى غَيْرِ وَاحِدِهِ الْمُسْتَعْمَلِ، أَنه يُقَالُ: مَطايِبُ وأَطايِبُ، فَمَنْ قَالَ: مَطايِبُ فَهُوَ عَلَى غَيْرِ وَاحِدِهِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَمَنْ قَالَ: أَطايب، أَجراه عَلَى وَاحِدِهِ الْمُسْتَعْمَلِ.
الأَصمعي: يُقال أَطْعِمْنا مِنْ مَطَايِبِهَا وأَطَايِبها، واذكُرْ مَنانَتها وأَنانَتَها، وامرأَة حَسَنَة المَعاري، والخيلُ تجْري عَلَى مَساويها؛ الواحدةُ مَسْواة، أَي عَلَى مَا فِيهَا مِنَ السُّوءِ، كَيْفَمَاتَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ هُزالٍ أَو سُقوطٍ مِنْهُ.
والمحاسِنُ والمَقالِيدُ: لَا يُعرف لِهَذِهِ وَاحِدَةٌ.
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: وَاحِدُ المَطايِب مَطْيَبٌ، وَوَاحِدُ المَعاري مَعْرًى، وَوَاحِدُ المَسَاوي مَسْوًى.
وَاسْتَعَارَ أَبو حَنِيفَةَ الأَطايِبَ للكَلإِ فَقَالَ: وإِذا رَعَتِ السائمةُ أَطايبَ الكَلإِ رَعْيًا خَفِيفًا.
والطَّابة: الخَمْر؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنها بِمَعْنَى طَيِّبة، والأَصل طَيِّبةٌ.
وَفِي حَدِيثِ طَاوُوسٍ: «سُئِلَ عَنِ الطَّابَةِ تُطْبَخُ عَلَى النِّصْفِ»؛ الطَّابةُ: العَصِيرُ؛ سُمِّيَ بِهِ لطِيبِه؛ وإِصلاحه عَلَى النِّصْفِ: هُوَ أَن يُغْلى حَتَّى يَذْهَب نِصْفه.
والمُطِيبُ، والمُسْتَطِيبُ: الْمُسْتَنْجِي، مُشتق مِنَ الطِّيبِ؛ سُمِّيَ اسْتِطَابة، لأَنه يَطِيبُ جَسَدُه بِذَلِكَ مِمَّا عَلَيْهِ مِنَ الْخَبَثِ.
والاسْتِطابة: الاسْتِنْجاء.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه نَهَى أَن يَسْتَطِيبَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ؛ الاستطابةُ والإِطَابةُ: كِنَايَةٌ عَنِ الِاسْتِنْجَاءِ؛ وَسُمِّيَ بِهِمَا مِنَ الطِّيبِ، لأَنه يُطِيبُ جَسَدَه بإِزالة مَا عَلَيْهِ مِنَ الخَبَث بالاستنجاءِ أَي يُطَهِّره.
وَيُقَالُ مِنْهُ: استطابَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُسْتَطِيب، وأَطابَ نَفْسَه فَهُوَ مُطِيب؛ قَالَ الأَعشى:
يَا رَخَمًا قاظَ عَلى مَطْلُوبِ، ***يُعْجِلُ كَفَّ الخارِئِ المُطِيبِ
وَفِي الْحَدِيثِ: «ابْغِني حَديدَةً أَسْتَطِيبُ بِهَا»؛ يريد حَلْقَ العانة، لأَنه تَنْظِيفٌ وإِزالة أَذىً.
ابْنُ الأَعرابي: أَطابَ الرجلُ واسْتَطابَ إِذا اسْتَنْجَى، وأَزالَ الأَذى.
وأَطابَ إِذا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ طَيِّب.
وأَطابَ: قَدَّمَ طَعَامًا طَيِّبًا.
وأَطابَ: ولَدَ بَنِينَ طَيِّبِين.
وأَطابَ: تزَوَّجَ حَلالًا؛ وأَنشدت امرأَة:
لَما ضَمِنَ الأَحْشاءُ مِنكَ عَلاقةً، ***وَلَا زُرْتَنا، إِلا وأَنتَ مُطِيبُ
أَي مُتَزَوِّجٌ؛ هَذَا قَالَتْهُ امرأَة لخِدْنِها.
قَالَ: وَالْحَرَامُ عِنْدَ العُشَّاق أَطْيَب؛ وَلِذَلِكَ قَالَتْ:
وَلَا زُرْتَنَا، إِلا وأَنت مُطِيب
وطِيبٌ وطَيْبةٌ: مَوْضِعَانِ.
وَقِيلَ: طَيْبةُ وطَابةُ الْمَدِينَةُ، سَمَّاهَا بِهِ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: سَمَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدّةِ أَسماء وَهِيَ: طَيْبة، وطَيِّبةُ، وطابَةُ، والمُطَيَّبة، والجابِرةُ، والمَجْبورة، والحَبِيبة، والمُحَبَّبة؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فأَصْبحَ مَيْمونًا بطَيْبةَ راضِيا وَلَمْ يَذْكُرِ الْجَوْهَرِيُّ مِنْ أَسمائها سِوَى طَيْبة، بِوَزْنِ شَيْبة.
قَالَ ابْنُ الأَثير فِي الْحَدِيثِ: «أَنه أَمر أَنْ تُسَمّى الْمَدِينَةُ طَيْبةَ وطابَة»، هُمَا مِنَ الطِّيبِ لأَن الْمَدِينَةَ كَانَ اسْمُهَا يَثْرِبَ، والثَّرْبُ الْفَسَادُ، فنَهى أَن تُسَمَّى بِهِ، وَسَمَّاهَا طابةَ وطَيْبةَ، وَهُمَا تأْنيثُ طَيْبٍ وَطَابٍ، بِمَعْنَى الطِّيبِ؛ قَالَ: وَقِيلَ هُوَ مِنَ الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ، لِخُلُوصِهَا مِنَ الشِّرْكِ، وَتَطْهِيرِهَا مِنْهُ.
وَمِنْهُ: جُعِلَتْ لِي الأَرضُ طَيِّبةً طَهُورًا أَي نَظِيفَةً غَيْرَ خَبِيثَةٍ.
وعِذْقُ ابْنِ طابٍ: نخلةٌ بِالْمَدِينَةِ؛ وَقِيلَ: ابنُ طابٍ: ضَرْبٌ مِنَ الرُّطَبِ هُنَالِكَ.
وَفِي الصِّحَاحِ: وتمر بالمدينة يُقَالُ لَهُ عِذْقُ ابْنِ طابٍ، ورُطَبُ ابْنِ طابٍ.
قَالَ: وعِذْقُ ابْنِ طابٍ، وعِذْقُ ابْنِ زَيْدٍ ضَرْبانِ مِنَ التَّمْرِ.
وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيا: «رأَيتُ كأَننا فِي دارِ ابنِ زَيْدٍ، وأُتِينَا بِرُطَبِ ابنِ طَابٍ»؛ قال ابن الأَثير: هُوَ نوعٌ مِنَ تَمْرِ الْمَدِينَةِ، منسوبٌ إِلى ابْنِ طابٍ، رجلٍ مِنْ أَهلها.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «وَفِي يَدِهِ عُرْجُونُ ابنِ طابٍ».
والطِّيَابُ: نَخْلَةٌ بِالْبَصْرَةِ إِذا أَرْطَبَتْ، فَتُؤخّر عَنِ اخْتِرافِها، تَساقَطَ عَنْ نَواه فبَقِيتِ الكِباسَةُ لَيْسَ فِيهَا إِلا نَوًى مُعَلَّقٌ بالتَّفاريق، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كِبارٌ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ إِذا اخْتُرِفَتْ وَهِيَ مُنْسَبتَة لَمْ تَتْبَعِ النَّواةُ اللِّحاءَ، وَاللَّهُ أَعلم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م