نتائج البحث عن (وَتَطْهِيرِ)
1-العربية المعاصرة (أحنط)
أحنطَ يُحنط، إحناطًا، فهو مُحْنِط، والمفعول مُحْنَط.* أحنط المَيِّتَ: طيَّبه بالكافور ونحوه من الطِّيب.
* أحنط الجُثَّةَ: صانها من التَّفسُّخ والتَّعفُّن بطرق وموادّ تحفظها من البِلي طويلًا.
تحنَّطَ يتحنَّط، تَحَنُّطًا، فهو مُتحنِّط.
* تحنَّط المَيِّتُ:
1 - مُطاوع حنَّطَ: انصانت جثَّتُه من التَّفسُّخ والتَّعفُّن بطرق وموادّ تحفظها من البلى لمدّة طويلة.
2 - طُيِّب بالكافور ونحوه من الطِّيب.
* تحنَّط فلانٌ: أكَلَ الحِنْطة وهي القمح.
* تحنَّط الشَّيءُ/تحنَّط الأمرُ: خمَد ذكره، وبليت أفكاره (تحنَّطت الشيوعيَّة والماركسيّة).
* تحنَّطت مظاهر الحياة: ثبتت ولم تتطوّر.
حنَّطَ يحنِّط، تحنيطًا، فهو مُحنِّط، والمفعول مُحنَّط.
* حنَّط المَيِّتَ: أحنطه؛ طيّبه بالكافور ونحوه من الطِّيب.
* حنَّط الجثَّةَ: أحنطها؛ صانَها من التفسُّخ والتّعفُّن بطرقٍ وموادّ تحفظها من البلى طويلًا (*) حنَّط الفكرَ: حافظ عليه دون تغيير- فكرٌ محنَّط: قديم متجمِّد.
تحنيط [مفرد]:
1 - مصدر حنَّطَ.
2 - عند قدماء المصريين: حِفظ هيكل جسم الميِّت بتخليصه من الموادّ الرخوة من جلد وغشاء وتطهير جوفه بموادّ خاصّة كالمِسْك أو العنبر أو الكافور وغيرها وتحويله إلى مومياء.
حِناطة [مفرد]: حِرْفة بائع الحِنْطة.
حِنْطَة [جمع]: وجمع الجمع حِنْطات وحِنَط.
* الحِنْطَةُ: [في النبات] القَمْح والبُرُّ، وهو جنس من النّباتات ذوات الحبّ تُزرع، وهي من فصيلة النّجيليّات وتشتمل على أهمّ الأنواع النّباتيّة الغذائيّة (حصاد الحِنطة) (*) حشرة الحِنْطة: حشرة صغيرة تنزل الضررَ بالحِنطة والعُشْب.
* الحِنطة السَّوداء: [في النبات] نَبْتَة آسيويّة سنويّة ذات ثمار صغيرة مُثلّثيّة الشَّكل شبيهة بالبذور.
حِنطِيّ [مفرد]:
1 - اسم منسوب إلى حِنْطَة.
2 - مَنْ أو ما لونُه لون الحِنْطة (القمح) (رجع من العطلة الصيفيّة حِنطيَّ اللَّون).
حنَّاط [مفرد]:
1 - من يُطيِّب المَيِّتَ بالمسك والعنبر والكافور وغير ذلك، أو من يحنِّط الحيوانات.
2 - بائع الحِنْطة.
حَنوط [مفرد].
* الحَنوط: كلّ ما يُطيَّب به الميِّت من مسك وعنبر وكافور وغير ذلك ممّا يُذَرّ عليه تطييبًا له وتجفيفًا لرطوبته.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
2-العربية المعاصرة (غرق)
غرِقَ/غرِقَ في يَغرَق، غَرَقًا، فهو غارِق وغَرِيق وغَرِق وغَرْقانُ/غَرْقانٌ، والمفعول مغروق فيه.* غرِق الشّخصُ: غاص في الماء فمات مختنقًا (كاد يغرَق لأنّه لا يحسن السِّباحة- غرِقت الأرضُ: غمرها الماءُ- الغريق يتعلّق بقَشَّة [مثل أجنبيّ]: - {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إلاَّ الَّذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [قرآن]) (*) غرِق لأذنيه: استغرق العمل كلّ وقته وجهده.
* غرِقتِ السَّفينةُ ونحوُها: رسبت في الماء (اصطدمت السَّفينةُ بالصُّخور قُرْب الشَّاطئ فغرِقت).
* غرِق في النَّومِ: أحاط به وغمره وغلبه (غرِق في السَّعادة) - عينان غارقتان في الدُّموع: ممتلئتان بالدُّموع، بكى بكاء شديدًا- غارِق في أفكاره: مستغرق، غائص فيها- غارِق في الدَّهشة- غرِق في التَّأمُّل: أمعن، استغرق فيه- غرِق في الدُّيون: كثرت عليه حتّى أعجزته- غرِق في الرَّذيلة: سقط فيها ووقع- غرِق في الرَّمل/غرِق في الوحل: ذهب نحو العمق، لأسفل، تورَّط في أعمال غير مشروعة- غرِق في العمل: انشغل به كليَّة- غرِق في الفوضى- غرِق في الهمِّ: كثر عليه حتى أعجزه- غرِق في شِبر ماء/غرِق في كوب ماء/غرِق في نقطة ماء: فشل في مواجهة أيسر مشكلة- مسكن غارِق في الخُضرة: مغمور، محاط بها من كلّ جهة.
أغرقَ/أغرقَ في يُغرق، إغراقًا، فهو مُغرِق، والمفعول مُغرَق.
* أغرقه في الماء:
1 - غرَّقه، جعله يغرق، غمسه فيه، غطّسه (أغرقتِ الأمطارُ القريةَ- علّمته السِّباحة فحاول إغراقي [مثل أجنبيّ]: يماثله في المعنى قول الشاعر: أعلِّمه الرِّمايةَ كلّ يوم.. فلما اشتدّ ساعده رماني- {فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} [قرآن]) (*) أغرق أعمالَه بالمعاصي: أضاع أعماله الصالحة بما ارتكبه من المعاصي- أغرق الرَّقبةَ في القبَّة: جعلها تبدو كأنّها غائرة بين الكتفين- أغرق السُّوقَ بالبضاعة: جعل فيها كميّات تفوق حاجة الاستهلاك- أغرق ثروة: ضيَّعها وبدَّدها- أغرق ثورة في الدَّم: قمَعها بوحشيَّة وضراوة- أغرق خصمًا: عمل على خرابه وخسارته- أغرقه بالفضّة: حلاّه- أغرق همَّه في الشَّراب: شرِب لينسى همومَه.
2 - جعله يموت تحت الماء بالاختناق، أهلكه بالغرق {وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [قرآن] - {وَأَغْرَقْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ} [قرآن] - {وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [قرآن].
* أغرق في الضَّحِك: جاوز الحدَّ وبالغ (أغَرق في مدح الشّاعر).
استغرقَ/استغرقَ في يستغرق، استغراقًا، فهو مُستغرِق، والمفعول مُستغْرَق.
* استغرقتِ الرِّحلةُ أسبوعًا: استوعبته، لَزِمها من الوقت أسبوع (استغرقتِ المناقشةُ الجلسة كلَّها- استغرقت خُطّتك وقتًا ثمينًا من برنامجنا- يستغرق جهودَه وطاقاتِه).
* استغرق في الضَّحِك: أغرق؛ جاوز فيه الحدّ، بالغ فيه (استغرق في الحديث/العمل/النوم) (*) استغرق الغاية: تجاوزها- مستغرق في التفكير: سارح أو شارد الذِّهْن أو ساهٍ- مستغرِق في تأمُّلاته.
اغْرورَقَ يغرورق، اغريراقًا، فهو مغرورق.
* اغرورقت عينُه: امتلأت بالدَّمع كأنّها غرقت فيه (انظر: غ ر و ق - اغْرورَقَ) (عينان مُغرورِقتان- بكت على فقيدها الغالي حتى اغرورقت عيناها بالدّموع).
غرَّقَ يغرِّق، تغريقًا، فهو مُغرِّق، والمفعول مُغرَّق.
* غرَّق الشّخصَ: أغرقه، جعله يَغْرق، أي يغمرُه الماءُ، غطّسه (غرَّق سفينةً- غرَّق نفسَه في العمل الشَّاقّ- {قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغَرِّقَ أَهْلَهَا} [قرآن]) (*) غرَّق بصرَه، أو همومَه في كأسه- غرَّق فلانًا: عمل على خسارته وخرابه- غرَّقه بالفضِّة: حلاّه- فلانٌ يغرِّقُ العينَ: يشغلها بالنَّظر إليه لحُسنِه.
إغراق [مفرد]:
1 - مصدر أغرقَ/أغرقَ في.
2 - [في البلاغة] إطناب، إسهاب، مبالغة (استعمل الاستعارَة والإغراقَ في القول).
3 - [في الاقتصاد] تدفُّق السِّلع نتيجة لفتح أبواب الاستيراد مما يؤدِّي إلى عجز الإنتاج المحلِّيّ عن المنافسة، إما لعدم جودة الإنتاج أو لارتفاع التَّكلفة (إغراق الأسواق بالبضائع- إجراءات مقاومة للإغراق).
استغراق [مفرد]:
1 - مصدر استغرقَ/استغرقَ في.
2 - [في الفلسفة والتصوُّف] حدّ عام يدلّ على كلّ فرد من أفراده.
3 - [في علوم النفس] تركيز الانتباه في شيء ما بحيث لا يشغل الفردُ بما عداه.
* الاستغراق الصُّوفيّ: [في الفلسفة والتصوُّف] الانشغال بالكلِّيَّة بذكر الله وتطهير القلب عمّا سواه.
استغراقيّ [مفرد]:
1 - اسم منسوب إلى استغراق.
2 - [في الفلسفة والتصوُّف] ما ينطبق أو يدلّ على أشياء يُؤخذ كلّ واحد منها على انفراد، بوجه خاصّ (لفظ استغراقيّ).
غاروقة [مفرد]: [في القانون] رهن الحيازة العقاريّ، وهو عقد يحوِّل بموجبه مدين إلى دائنه حيازةَ عقار ليستثمره إلى حين وفاء الدَّين.
غَرْق [مفرد]: نَزْعٌ شديدٌ ({وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} [قرآن]: إنّ الملائكةَ تنزع الأنفسَ من الصُّدور وتبالغ في نزعها كما يُغرق النّازعُ في القوس).
غَرَق [مفرد]: مصدر غرِقَ/غرِقَ في (*) مُشرِف على الغرَق: يكاد يغرق، قريب من الانهيار والضياع.
غَرِق [مفرد]:
1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من غرِقَ/غرِقَ في: راسب في الماء دون أن يموت فإن مات غرقًا فهو غريق.
2 - مَنْ غلبه الدَّينُ أو البلاءُ.
غَرْقانُ/غرقانٌ [مفرد]: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من غرِقَ/غرِقَ في: غريق، من غرِق في الماء فمات مختنقًا.
غَريق [مفرد]: جمعه غَرْقَى: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من غرِقَ/غرِقَ في: مَن غرِق في الماء فمات مختنقًا (*) فلانٌ غَريق أياديك: أسير نِعَمِك.
مُغرِق [مفرد]:
1 - اسم فاعل من أغرقَ/أغرقَ في.
2 - نهَّاب أو ساكن شواطئ يسبِّب بإشارات كاذبة أو بطرق أخرى غَرَق سفينة للاستيلاء على حمولتها.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
3-العربية المعاصرة (هجر)
هجَرَ/هجَرَ في يهجُر، هَجْرًا وهِجْرانًا، فهو هاجِر، والمفعول مَهْجور وهجير.* هجَر بيتَه: تركه وأعرض عنه (هجَر المعاصي/الدِّراسة/الوظيفة- {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [قرآن]).
* هجَر زوجتَه: ابتعد عنها ولم يخالطها بدون طلاق {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [قرآن] (*) هجَر في الصَّوم: اعتزل النِّساء.
* هجَر فلانًا: خاصمه، قاطعه أعرض عنه وتركه (هجَر مخالطة الأشرار- لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ [حديث] - {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [قرآن]).
* هجَر في مرضه: هذَى، لغَا {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [قرآن].
أهجرَ يُهجر، إهجارًا، فهو مُهجِر.
* أهجر المسافرُ: سار في الهاجرة، أي: في نصف النَّهار عند اشتداد الحرّ.
تهاجرَ يتهاجر، تهاجُرًا، فهو مُتهاجِر.
* تهاجر القومُ: تباعد بعضُهم عن بعض وتقاطعوا (تهاجر الحبيبان- تهاجرت العائلات).
تهجَّرَ يتهجَّر، تهجُّرًا، فهو مُتهجِّر.
* تهجَّر فلانٌ:
1 - تشبَّه بالمهاجرين.
2 - أهجر، سار في الهاجرة.
هاجرَ/هاجرَ عن/هاجرَ من يهاجر، مُهاجرةً وهِجْرةً، فهو مُهاجِر، والمفعول مُهاجَر (للمتعدِّي).
* هاجر الشَّبابُ: خرَجوا من بلدهم إلى بلد آخر {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} [قرآن].
* هاجر القومَ: ترَكهم وذهب إلى آخرين (هَاجَر بلادَه).
* هاجر عن وطنه/هاجر من وطنه: تركه وخرج إلى غيره (يهاجر العُمَّال من بلادهم بحثًا عن العمل).
هجَّرَ/هجَّرَ إلى يهجِّر، تهجيرًا، فهو مُهجِّر، والمفعول مُهجَّر (للمتعدِّي).
* هجَّر النَّهارُ: انتصف واشتد حرُّه.
* هجَّر فلانٌ: أهجرَ، سار في الهاجرة.
* هجَّر فلانًا: أخرجه من بلده (هجَّر المستعمرُ النَّاسَ من أراضيهم- هجَّرت الحروبُ قُرًى بكاملها).
* هجَّر إلى الشَّيء: بادر وبكَّر.
تَهْجير [مفرد]: مصدر هجَّرَ/هجَّرَ إلى.
* التَّهجير القَسْريّ: عملية إبادة اليهود من خلال التَّهجير والتَّجويع وأعمال السُّخرة، وذلك عند النَّازيّة.
تهجيريَّة [مفرد]: اسم مؤنَّث منسوب إلى تَهْجير.
* سياسة تهجيريَّة: [في السياسة] سياسة إكراه وتشريد وإرغام على مغادرة مسكن أو بلد من جرَّاء حربٍ أو نزاعٍ مُسلَّح أو فتنة سياسيَّة (مخطّطات تهجيريَّة وتطهير عرقي).
مُهاجِر [مفرد]: اسم فاعل من هاجرَ/هاجرَ عن/هاجرَ من.
* المهاجِر: من هجَر ما نهى الله عنه.
* المهاجرون: الذين هاجروا مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من مكة إلى المدينة {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} [قرآن].
مَهْجَر [مفرد]: جمعه مَهاجِرُ: مكانٌ يُهاجر منه أو إليه (مَهاجِر العرب في أوربا وأمريكا- تتولى السِّفارة تسهيل شئون المسافرين في المَهْجَر).
* أهل المهْجَر: العرب الذين استقرّوا في الأمريكتين.
* أدباء المهْجَر: [في الآداب] جماعات من العرب المسيحيين هاجرت من سوريا ولبنان إلى كندا وأمريكا الجنوبية والولايات المتحدة ونقلوا اللُّغة العربيَّة وآدابها إلى تلك المهاجر البعيدة فأنشأوا أدبا يعبرون به عن مشاعرهم وعواطفهم ويتحدَّثون عن غربتهم وحنينهم إلى أوطانهم، وأصبح أدبهم مدرسة كبرى بين مدارس الأدب الحديث ومذاهبه (جُبران من أدباء المهْجَر).
مهْجور [مفرد]:
1 - اسم مفعول من هجَرَ/هجَرَ في.
2 - ما تُرك استعماله من الكلام المهمل الوحشيّ (خطأ مشهور خير من صحيح مهجور).
هاجِرة [مفرد]: جمعه هاجرات وهَواجِرُ:
1 - نصف النَّهار عند اشتداد الحرّ، وقت الظهيرَة الهاجرة (قصدتُ البحرَ عند الهاجرة) (*) طبخته الهاجرة: لفحه نصف النَّهار عند اشتداد الحرّ.
2 - الهجير؛ شدّة الحرّ.
* خطُّ الهاجِرة: [في الجغرافيا] خطّ رئيسيّ يرتكز عليه قياس درجات الطُّول.
هَجْر [مفرد]:
1 - مصدر هجَرَ/هجَرَ في.
2 - هاجِرَة؛ نصف النَّهار عند اشتداد الحرّ.
هِجْران [مفرد]: مصدر هجَرَ/هجَرَ في.
هَجْرَة [مفرد]: جمعه هَجَرات وهَجْرات: اسم مرَّة من هجَرَ/هجَرَ في.
هِجْرة [مفرد]: جمعه هِجْرات (لغير المصدر):
1 - مصدر هاجرَ/هاجرَ عن/هاجرَ من.
2 - خروج من أرض إلى أخرى، سعيًا وراء الأمن أو الرزق (كثرت الهِجْرة إلى الخارج) (*) الهجرة الوافِدة: الانتقال إلى بلد آخر بقصد المعيشة والإقامة فيه بصفة دائمة.
* الهِجْرة:
1 - [في الحيوان] انتقال الحيوان من مكان جغرافيّ إلى آخر في أوقات منتظمة من العام، لأسباب مختلفة.
2 - [في النبات] انتقال النَّباتات من مكان وجودها الأصليّ إلى أماكن جديدة تستوطن فيها.
* الهِجْرة النَّبويَّة: خروج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من مكَّة إلى المدينة سنة 622م (*) دار الهجرة: المدينة المنوّرة.
* الهِجْرتان: أولاهما هجرة المسلمين في صدر الإسلام إلى الحبشة، والثَّانية هجرة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم والمسلمين قبله وبعده ومعه إلى المدينة.
هِجْرِيّ [مفرد]: اسم منسوب إلى هِجْرة.
* التَّاريخ الهِجْريّ: التَّاريخ الذي يبدأ بهجرة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من مكَّة إلى المدينة سنة 622م.
* السَّنة الهِجْريَّة: السَّنة القمرية عدد شهورها اثنا عشر شهرًا تبدأ بالمحرَّم وتنتهي بذي الحجَّة.
هَجير [مفرد]: جمعه هُجُر:
1 - صفة ثابتة للمفعول من هجَرَ/هجَرَ في: متروك.
2 - هاجِرة؛ نصف النَّهار عند اشتداد الحرّ، في القيظ بخاصة (اضطررنا إلى التَّوقُّف أثناء الهجير).
هَجيرَة [مفرد]: هاجرة؛ شدَّة الحَرِّ عند منتصف النَّهار (وتوقدت عند الهجيرة شمسُه.. فتلمَّظتْ بلُعابها الصَّحراءُ).
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
4-المعجم الاشتقاقي المؤصل (نسك)
(نسك): {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67]النسيك: الذهب والفضة، وسبيكة الفضة. نسك الثوبَ (نصر) غسله بالماء وطهّره.
° المعنى المحوري
تصفية الشيء من الأدران العالقة بأثنائه - وتماسكُه على نقائه. كاستخراج وَسَخ الثوبِ. والذهبُ يستخرج من باطن الأرض وكذلك الفضة ثم يُصَفَّيان. ومن هذا "نُسِكَت الأرض - للمفعول: طُيِّبَت وسُقِيَت الماء.
قال:
ولا يُنْبِتُ المرعى سِباخُ عُراعِرٍ... ولو نُسكت بالماء ستة أشهر "
فهذا فيه معنى الغَسْل وتصفيتها من الأملاح. "وأرضٌ ناسكة: خَضراء حديثةُ المطر. وعُشْبٌ ناسك: شديدُ الخُضرة " [الأساس] هو من ذلك، فالمطر ينقيها - مع السقى - فيجود نباتها.
ومن ذلك الأصل سميت "الذبائح التي كانت تذبح (تكفيرًا أو) تقربًا إلى الله تعالى نَسائك "، لما في ذلك من تطهر وتطهير من الذنوب يقال "مِنَى مَنْسِك الحاجّ " {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 34] , {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] , جمع نسيكة وهي الذبيحة ينسُكها العبد لله تعالى [قر 2/ 386] "والنُسُك - بالضم وبضمتين: العبادة "، لأنها سُمُوّ وتقرب إلى الله. وفي [ل] قال ثعلب: "كل حق لله يسمى نُسُكًا ". "ورجل ناسك: عابد. ومناسك الحج: عباداتُه لأن كل واحدة منزلةٌ وطاعة وكأنها عبادة مستقلة " (الوقوف -الطواف- السعي الخ)، {فَإِذَا قَضَيتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] , {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة: 128] , "قيل المراد مناسك الحج وقيل المذابح أي مواضع الذبح (وأوقاته وأنواعه. الخ) وقيل جميع المتعبدات [قر 2/ 128] والأجمع: ما نتطهر به من ذنوبنا. {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67, وما في 34 منها]، أي شَرْعًا هم عاملون
به (فهذا من النُسُك العبادة ونظيره قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]، وأورد [قر 12/ 93] أنهم ناقشوا في أكل الذبيحة. وعدم أكل الميتة (وهي -في رأيهم- ذبيحة الله) فأجيبوا. فتكون من النَسْك الذبح. {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام: 162] النُسُك يطلق على الصلاة أيضًا، وعلى العبادة، وعلى الذبيحة [بحر 4/ 262] وهذا يصدّق أن النَسْك: التطهر والتطهير.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
5-موسوعة الفقه الكويتية (بخار)
بُخَارٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْبُخَارُ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا: مَا يَتَصَاعَدُ مِنَ الْمَاءِ أَوِ النَّدَى أَوْ أَيِّ مَادَّةٍ رَطْبَةٍ تَتَعَرَّضُ لِلْحَرَارَةِ.وَيُطْلَقُ الْبُخَارُ أَيْضًا عَلَى: دُخَانِ الْعُودِ وَنَحْوِهِ.وَعَلَى: كُلِّ رَائِحَةٍ سَاطِعَةٍ مِنْ نَتْنٍ أَوْ غَيْرِهِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْبَخَرُ:
2- الْبَخَرُ هُوَ: الرَّائِحَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ مِنَ الْفَمِ.قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْبَخَرُ: النَّتْنُ يَكُونُ فِي الْفَمِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ أَبْخَرُ، وَهِيَ بَخْرَاءُ.وَاسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِلْبَخَرِ مَخْصُوصٌ بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ فِي الْفَمِ فَقَطْ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْبُخَارِ:
لِلْبُخَارِ أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ، فَقَدْ يَكُونُ طَاهِرًا، وَقَدْ يَكُونُ نَجِسًا، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ جَوَازُ أَوْ عَدَمُ جَوَازِ التَّطَهُّرِ بِمَا تَقَاطَرَ مِنَ الْبُخَارِ.
أ- رَفْعُ الْحَدَثِ بِمَا جُمِعَ مِنَ النَّدَى:
3- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى جَوَازِ التَّطَهُّرِ بِالنَّدَى، وَهُوَ الْمُتَجَمِّعُ عَلَى أَوْرَاقِ الشَّجَرِ إِذَا جُمِعَ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ مُطْلَقٌ.
أَمَّا مَا وَرَدَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ النَّدَى: نَفَسُ دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ، وَمِنْ ثَمَّ فَهَلْ هُوَ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ؟ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ.
ب- رَفْعُ الْحَدَثِ بِمَا جُمِعَ مِنَ الْبُخَارِ:
4- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ التَّطَهُّرِ مِنَ الْحَدَثِ وَتَطْهِيرِ النَّجَسِ بِمَا جُمِعَ مِنْ بُخَارِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ الْمَغْلِيِّ بِوَقُودٍ طَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ مُطْلَقٌ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، خِلَافًا لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الرَّافِعِيُّ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَاءً، بَلْ هُوَ بُخَارٌ.
أَمَّا الْبُخَارُ الْمُتَأَثِّرُ بِدُخَانِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي طَهَارَتِهِ، بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي دُخَانِ النَّجَاسَةِ، هَلْ هُوَ طَاهِرٌ أَمْ نَجِسٌ؟.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى: أَنَّ دُخَانَ النَّجَاسَةِ وَبُخَارَهَا طَاهِرَانِ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْسَانِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ.وَبِنَاءً عَلَى هَذَا فَإِنَّ الْبُخَارَ الْمُتَصَاعِدَ مِنَ الْمَاءِ النَّجِسِ طَهُورٌ يُزِيلُ الْحَدَثَ وَالنَّجَسَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى: أَنَّ دُخَانَ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ كَأَصْلِهَا، وَعَلَى هَذَا فَالْبُخَارُ الْمُتَأَثِّرُ بِدُخَانِ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِهِ، لَكِنْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ.
وَأَمَّا الْبُخَارُ الْمُتَصَاعِدُ مِنَ الْحَمَّامَاتِ وَغَيْرِهَا- كَالْغَازَاتِ الْكَرِيهَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ مِنَ النَّجَاسَةِ- إِذَا عَلِقَتْ بِالثَّوْبِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْجَسُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، تَخْرِيجًا عَلَى الرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنَ الْإِنْسَانِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْجَسُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ سَرَاوِيلُهُ مُبْتَلَّةً أَمْ لَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَقِيَّةَ الْمَذَاهِبِ لَا تُخَالِفُ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذَا.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
6-موسوعة الفقه الكويتية (تجسس)
تَجَسُّسٌالتَّعْرِيفُ:
1- التَّجَسُّسُ لُغَةً: تَتَبُّعُ الْأَخْبَارِ، يُقَالُ: جَسَّ الْأَخْبَارَ وَتَجَسَّسَهَا: إِذَا تَتَبَّعَهَا، وَمِنْهُ الْجَاسُوسُ، لِأَنَّهُ يَتَتَبَّعُ الْأَخْبَارَ وَيَفْحَصُ عَنْ بَوَاطِنِ الْأُمُورِ، ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِنَظَرِ الْعَيْنِ.وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنِيِّ اللُّغَوِيِّ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- التَّحَسُّسُ:
2- التَّحَسُّسُ هُوَ: طَلَبُ الْخَبَرِ، يُقَالُ: رَجُلٌ حَسَّاسٌ لِلْأَخْبَارِ أَيْ: كَثِيرُ الْعِلْمِ بِهَا، وَأَصْلُ الْإِحْسَاسِ: الْإِبْصَارُ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} أَيْ: هَلْ تَرَى، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْوِجْدَانِ وَالْعِلْمِ بِأَيِّ حَاسَّةٍ كَانَتْ، وَقَدْ قُرِئَ قوله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} بِالْحَاءِ «وَلَا تَحَسَّسُوا» قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ، وَقِيلَ: إِنَّ التَّجَسُّسَ غَالِبًا يُطْلَقُ عَلَى الشَّرِّ، وَأَمَّا التَّحَسُّسُ فَيَكُونُ غَالِبًا فِي الْخَيْرِ.
ب- التَّرَصُّدُ:
3- التَّرَصُّدُ: الْقُعُودُ عَلَى الطَّرِيقِ، وَمِنْهُ الرَّصَدِيُّ: الَّذِي يَقْعُدُ عَلَى الطَّرِيقِ يَنْظُرُ النَّاسَ لِيَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا.فَيَجْتَمِعُ التَّجَسُّسُ وَالتَّرَصُّدُ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَتَبُّعُ أَخْبَارِ النَّاسِ، غَيْرَ أَنَّ التَّجَسُّسَ يَكُونُ بِالتَّتَبُّعِ وَالسَّعْيِ لِتَحْصِيلِ الْأَخْبَارِ وَلَوْ بِالسَّمَاعِ أَوِ الِانْتِقَالِ، أَمَّا التَّرَصُّدُ فَهُوَ الْقُعُودُ وَالِانْتِظَارُ وَالتَّرَقُّبُ.
التَّنَصُّتُ:
4- التَّنَصُّتُ هُوَ: التَّسَمُّعُ.يُقَالُ: أَنْصَتَ إِنْصَاتًا أَيِ: اسْتَمَعَ، وَنَصَتَ لَهُ أَيْ: سَكَتَ مُسْتَمِعًا، فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّجَسُّسِ؛ لِأَنَّ التَّنَصُّتَ يَكُونُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً.
حُكْمُ التَّجَسُّسِ التَّكْلِيفِيِّ:
5- التَّجَسُّسُ تَعْتَرِيهِ أَحْكَامٌ ثَلَاثَةٌ: الْحُرْمَةُ وَالْوُجُوبُ وَالْإِبَاحَةُ.
فَالتَّجَسُّسُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَصْلِ حَرَامٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لقوله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} لِأَنَّ فِيهِ تَتَبُّعَ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَمَعَايِبِهِمْ وَالِاسْتِكْشَافَ عَمَّا سَتَرُوهُ.وَقَدْ قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ».
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَالسَّتْرُ وَاجِبٌ إِلاَّ عَنِ الْإِمَامِ وَالْوَالِي وَأَحَدِ الشُّهُودِ الْأَرْبَعَةِ فِي الزِّنَى.
وَقَدْ يَكُونُ التَّجَسُّسُ وَاجِبًا، فَقَدْ نُقِلَ عَنِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ قَالَ: اللُّصُوصُ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ أَرَى أَنْ يُطْلَبُوا فِي مَظَانِّهِمْ وَيُعَانَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُقْتَلُوا أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ بِالْهَرَبِ.وَطَلَبُهُمْ لَا يَكُونُ إِلاَّ بِالتَّجَسُّسِ عَلَيْهِمْ وَتَتَبُّعِ أَخْبَارِهِمْ.
وَيُبَاحُ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ بَعْثُ الْجَوَاسِيسِ لِتُعْرَفَ أَخْبَارُ جَيْشِ الْكُفَّارِ مِنْ عَدَدٍ وَعَتَادٍ وَأَيْنَ يُقِيمُونَ وَمَا إِلَى ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ يُبَاحُ التَّجَسُّسُ إِذَا رُفِعَ إِلَى الْحَاكِمِ أَنَّ فِي بَيْتِ فُلَانٍ خَمْرًا، فَإِنْ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ شُهُودٌ كَشَفَ عَنْ حَالِ صَاحِبِ الْبَيْت، فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِمَا شُهِدَ عَلَيْهِ أُخِذَ، وَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا فَلَا يُكْشَفُ عَنْهُ.وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ مَالِكٌ عَنِ الشُّرْطِيِّ يَأْتِيهِ رَجُلٌ يَدْعُوهُ إِلَى نَاسٍ فِي بَيْتٍ اجْتَمَعُوا فِيهِ عَلَى شَرَابٍ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ فِي بَيْتٍ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَا يَتَتَبَّعُهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ يَتَتَبَّعُهُ.
وَلِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَكْشِفَ عَلَى مُرْتَكِبِي الْمَعَاصِي؛ لِأَنَّ قَاعِدَةَ وِلَايَةِ الْحِسْبَةِ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ.
التَّجَسُّسُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَرْبِ:
6- الْجَاسُوسُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَقَدْ أَجَابَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ سُؤَالِ هَارُونَ الرَّشِيدِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ فِيهِمْ، فَقَالَ: وَسَأَلْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْجَوَاسِيسِ يُوجَدُونَ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِمَّنْ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَعْرُوفِينَ فَأَوْجِعْهُمْ عُقُوبَةً، وَأَطِلْ حَبْسَهُمْ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً.
وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: وَإِذَا وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا- مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ- عَيْنًا لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَكْتُبُ إِلَيْهِمْ بِعَوْرَاتِهِمْ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ طَوْعًا فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ، وَلَكِنَّ الْإِمَامَ يُوجِعُهُ عُقُوبَةً.ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا حَقِيقَةً، وَلَكِنْ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مَا بِهِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَلَا يَخْرُجُ عَنِ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ مَا لَمْ يَتْرُكْ مَا بِهِ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى مَا فَعَلَ الطَّمَعُ، لَا خُبْثُ الِاعْتِقَادِ، وَهَذَا أَحْسَنُ الْوَجْهَيْنِ، وَبِهِ أُمِرْنَا.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ «حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، فَإِنَّهُ كَتَبَ إِلَى قُرَيْشٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَغْزُوكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ، فَأَرَادَ عُمَرُ- رضي الله عنه- قَتْلَهُ، فَقَالَ الرَّسُولُ لِعُمَرِ: مَهْلًا يَا عُمَرُ، فَلَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» فَلَوْ كَانَ بِهَذَا كَافِرًا مُسْتَوْجِبًا لِلْقَتْلِ مَا تَرَكَهُ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- بَدْرِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ بَدْرِيٍّ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَزِمَهُ الْقَتْلُ بِهَذَا حَدًّا مَا تَرَكَهُ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- وَفِيهِ نَزَلَ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} فَقَدْ سَمَّاهُ مُؤْمِنًا، وَعَلَيْهِ دَلَّتْ قِصَّةُ أَبِي لُبَابَةَ حِينَ اسْتَشَارَهُ بَنُو قُرَيْظَةَ، فَأَمَرَّ أُصْبُعَهُ عَلَى حَلْقِهِ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُمْ لَوْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَتَلَهُمْ، وَفِيهِ نَزَلَ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}.
وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَ هَذَا ذِمِّيٌّ فَإِنَّهُ يُوجَعُ عُقُوبَةً وَيُسْتَوْدَعُ السِّجْنَ، وَلَا يَكُونُ هَذَا نَقْضًا مِنْهُ لِلْعَهْدِ، لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ بِهِ نَاقِضًا أَمَانَهُ، فَإِذَا فَعَلَهُ ذِمِّيٌّ لَا يَكُونُ نَاقِضًا أَمَانَهُ أَيْضًا.أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَقَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ بِهِ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ، وَإِنْ كَانَ قَطْعُ الطَّرِيقِ مُحَارَبَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بِالنَّصِّ فَهَذَا أَوْلَى.وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ مُسْتَأْمَنٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ نَاقِضًا لِأَمَانِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ، إِلاَّ أَنَّهُ يُوجَعُ عُقُوبَةً فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَقَصَدَ بِفِعْلِهِ إِلْحَاقَ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِينَ.
فَإِنْ كَانَ حِينَ طَلَبَ الْأَمَانَ قَالَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ: أَمَّنَّاكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنًا لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَمَّنَّاكَ عَلَى أَنَّكَ إِنْ أَخْبَرْتَ أَهْلَ الْحَرْبِ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا أَمَانَ لَكَ- وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا- فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يَكُونُ مَعْدُومًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، فَقَدْ عُلِّقَ أَمَانُهُ هَاهُنَا بِشَرْطِ أَلاَّ يَكُونَ عَيْنًا، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ عَيْنٌ كَانَ حَرْبِيًّا لَا أَمَانَ لَهُ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ.
وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَصْلُبَهُ حَتَّى يَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَهُ فَيْئًا فَلَا بَأْسَ بِهِ أَيْضًا كَغَيْرِهِ مِنَ الْأُسَرَاءِ، إِلاَّ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقْتُلَهُ هَاهُنَا لِيَعْتَبِرَ غَيْرُهُ.فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الرَّجُلِ امْرَأَةٌ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهَا أَيْضًا، لِأَنَّهَا قَصَدَتْ إِلْحَاقَ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْحَرْبِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، كَمَا إِذَا قَاتَلَتْ، إِلاَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ صَلْبُهَا لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ أَوْلَى.
وَإِنْ وَجَدُوا غُلَامًا لَمْ يَبْلُغْ، بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَإِنَّهُ يُجْعَلُ فَيْئًا وَلَا يُقْتَلُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً يَسْتَوْجِبُ الْقَتْلَ بِهَا، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ.وَهُوَ نَظِيرُ الصَّبِيِّ إِذَا قَاتَلَ فَأُخِذَ أَسِيرًا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إِذَا قَاتَلَتْ فَأُخِذَتْ أَسِيرَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهَا.
وَالشَّيْخُ الَّذِي لَا قِتَالَ عِنْدَهُ وَلَكِنَّهُ صَحِيحُ الْعَقْلِ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا.وَإِنْ جَحَدَ الْمُسْتَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: الْكِتَابُ الَّذِي وَجَدُوهُ مَعَهُ إِنَّمَا وَجَدَهُ فِي الطَّرِيقِ وَأَخَذَهُ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ، لِأَنَّهُ آمِنٌ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، فَمَا لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ مَا يَنْفِي أَمَانَهُ كَانَ حَرَامَ الْقَتْلِ.فَإِنْ هَدَّدُوهُ بِضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ حَبْسٍ حَتَّى أَقَرَّ بِأَنَّهُ عَيْنٌ فَإِقْرَارُهُ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ، وَإِقْرَارُ الْمُكْرَهِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الْإِكْرَاهُ بِالْحَبْسِ أَمْ بِالْقَتْلِ، وَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ عَيْنًا إِلاَّ بِأَنْ يُقِرَّ بِهِ عَنْ طَوْعٍ، أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِذَلِكَ، وَيُقْبَلُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ، لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ فِينَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا، وَشَهَادَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ حُجَّةٌ عَلَى الْحَرْبِيِّ.
وَإِنْ وَجَدَ الْإِمَامُ مَعَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ كِتَابًا فِيهِ خَطُّهُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ، إِلَى مَلِكِ أَهْلِ الْحَرْبِ يُخْبِرُ فِيهِ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَحْبِسُهُ، وَلَا يَضْرِبُهُ بِهَذَا الْقَدْرِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ مُحْتَمَلٌ فَلَعَلَّهُ مُفْتَعَلٌ، وَالْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْمُحْتَمَلِ، وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَمْرُهُ: فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ خَلَّى سَبِيلَهُ، وَرَدَّ الْمُسْتَأْمَنَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَدَعْهُ لِيُقِيمَ بَعْدَ هَذَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يَوْمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الرِّيبَةَ فِي أَمْرِهِ قَدْ تَمَكَّنَتْ وَتَطْهِيرُ دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ بَابِ إِمَاطَةِ الْأَذَى فَهُوَ أَوْلَى.
7- مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْتَأْمَنَ يُقْتَلُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمُسْلِمِ يَكْتُبُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ: يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا Bدِيَةَ لِوَرَثَتِهِ كَالْمُحَارِبِ.وَقِيلَ: يُجْلَدُ نَكَالًا وَيُطَالُ حَبْسُهُ وَيُنْفَى مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ، وَقِيلَ: يُقْتَلُ إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ، وَقِيلَ: إِلاَّ أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ.وَقِيلَ: يُقْتَلُ إِنْ كَانَ مُعْتَادًا لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ فَلْتَةً ضُرِبَ وَنُكِّلَ.
وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْطُبِيِّ فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} مَا يَأْتِي:
مَنْ كَثُرَ تَطَلُّعُهُ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيُنَبِّهُ عَلَيْهِمْ وَيُعَرِّفُ عَدَدَهُمْ بِأَخْبَارِهِمْ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا بِذَلِكَ، إِذَا كَانَ فِعْلُهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ وَاعْتِقَادُهُ عَلَى ذَلِكَ سَلِيمٌ، كَمَا فَعَلَ حَاطِبٌ حِينَ قَصَدَ بِذَلِكَ اتِّخَاذَ الْيَدِ وَلَمْ يَنْوِ الرِّدَّةَ عَنِ الدِّينِ.وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا فَهَلْ يُقْتَلُ بِذَلِكَ حَدًّا أَمْ لَا؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: يَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ.وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِذَا كَانَتْ عَادَتُهُ ذَلِكَ قُتِلَ لِأَنَّهُ جَاسُوسٌ.وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: يُقْتَلُ الْجَاسُوسُ- وَهُوَ صَحِيحٌ- لِإِضْرَارِهِ بِالْمُسْلِمِينَ وَسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَلَعَلَّ ابْنَ الْمَاجِشُونِ إِنَّمَا اتَّخَذَ التَّكْرَارَ فِي هَذَا لِأَنَّ حَاطِبًا أُخِذَ فِي أَوَّلِ فِعْلِهِ.
فَإِنْ كَانَ الْجَاسُوسُ كَافِرًا، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِهِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: الْجَاسُوسُ الْحَرْبِيُّ يُقْتَلُ، وَالْجَاسُوسُ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ يُعَاقَبَانِ إِلاَّ إِنْ تَظَاهَرَا عَلَى الْإِسْلَامِ فَيُقْتَلَانِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أُتِيَ بِعَيْنٍ لِلْمُشْرِكِينَ اسْمُهُ فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُقْتَلَ، فَصَاحَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أُقْتَلُ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- وَخَلَّى سَبِيلَهُ.ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ أَكِلُهُ إِلَى إيمَانِهِ، مِنْهُمْ فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ»
8- وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ: أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْلِمَ يُعَزَّرُ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ.وَإِنْ كَانَ ذَا هَيْئَةٍ (أَيْ مَاضٍ كَرِيمٍ فِي خِدْمَةِ الْإِسْلَامِ) عُفِيَ عَنْهُ لِحَدِيثِ حَاطِبٍ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ الذِّمِّيِّ بِالدَّلَالَةِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ فِي عَهْدِ الْأَمَانِ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي غَيْرِهِ يُنْتَقَضُ بِالشَّرْطِ.
9- وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ يُنْتَقَضُ عَهْدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِأَشْيَاءَ وَمِنْهَا: تَجَسَّسَ أَوْ آوَى جَاسُوسًا، لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَمِمَّا تَقَدَّمَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجَاسُوسَ الْحَرْبِيَّ مُبَاحُ الدَّمِ يُقْتَلُ عَلَى أَيِّ حَالٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ، أَمَّا الذِّمِّيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: إِنَّهُ يُقْتَلُ.
وَلِلشَّافِعِيَّةِ أَقْوَالٌ أَصَحُّهَا أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ الذِّمِّيِّ بِالدَّلَالَةِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ.وَأَمَّا الْجَاسُوسُ الْمُسْلِمُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَلَا يُقْتَلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُقْتَلُ.
التَّجَسُّسُ عَلَى الْكُفَّارِ:
10- التَّجَسُّسُ عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ لِمَعْرِفَةِ عَدَدِهِمْ وَعُدَدِهِمْ وَمَا مَعَهُمْ مِنْ سِلَاحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ صَلَّى هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ- يَشْتَرِطُ لَهُ النَّبِيُّ أَنْ يَرْجِعَ- أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَ رَاوِي الْحَدِيثِ حُذَيْفَةُ: فَمَا قَامَ رَجُلٌ، ثُمَّ صَلَّى إِلَى..أَنْ قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَمَا قَامَ رَجُلٌ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَشِدَّةِ الْبَرْدِ وَشِدَّةِ الْجُوعِ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ دَعَانِي أَيْ دَعَا الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- حُذَيْفَةَ فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدٌّ مِنَ الْقِيَامِ حِينَ دَعَانِي، فَقَالَ الرَّسُولُ: يَا حُذَيْفَةُ اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ فَانْظُرْ مَاذَا يَفْعَلُونَ، وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنَا.قَالَ: فَذَهَبْتُ فَدَخَلْتُ فِي الْقَوْمِ، وَالرِّيحُ وَجُنُودُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ، لَا تَقِرُّ لَهُمْ قِدْرٌ وَلَا نَارٌ وَلَا بِنَاءٌ، فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لِيَنْظُرْ كُلُّ امْرِئٍ مَنْ جَلِيسُهُ، قَالَ حُذَيْفَةُ: فَأَخَذْتُ بِيَدِ الرَّجُلِ الَّذِي إِلَى جَنْبِي فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ وَاَللَّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مَقَامٍ، لَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفُّ، وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ، وَبَلَغَنَا عَنْهُمُ الَّذِي نَكْرَهُ...» إِلَخْ فَهَذَا دَلِيلُ جَوَازِ التَّجَسُّسِ عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ.
تَجَسُّسُ الْحَاكِمِ عَلَى رَعِيَّتِهِ:
11- سَبَقَ أَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ التَّجَسُّسِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا}
وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ وَلِيِّ الْأَمْرِ لِوُرُودِ نُصُوصٍ خَاصَّةٍ تَنْهَى أَوْلِيَاءَ الْأُمُورِ عَنْ تَتَبُّعِ عَوْرَاتِ النَّاسِ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- Bقَالَ لَهُ: إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ» فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- نَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا.وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ الْأَمِيرَ إِذَا ابْتَغَى الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ».
وَلَكِنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتَجَسَّسَ عَلَى رَعِيَّتِهِ إِذَا كَانَ فِي تَرْكِ التَّجَسُّسِ انْتِهَاكُ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا، مِثْلُ أَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ يَثِقُ بِصِدْقِهِ أَنَّ رَجُلًا خَلَا بِرَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ، أَوِ امْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا، فَيَجُوزُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَتَجَسَّسَ وَيَقْدَمَ عَلَى الْكَشْفِ وَالْبَحْثِ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ مَا لَا يُسْتَدْرَكُ مِنِ انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ وَارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ، وَهَكَذَا لَوْ عَرَفَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنَ الْمُتَطَوِّعَةِ جَازَ لَهُمُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْكَشْفِ وَالْإِنْكَارِ.
أَمَّا مَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فِي الرِّيبَةِ فَلَا يَجُوزُ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ وَلَا كَشْفُ الْأَسْتَارِ عَنْهُ.وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ عَلَى قَوْمٍ يَتَعَاقَرُونَ عَلَى شَرَابٍ وَيُوقِدُونَ فِي أَخْصَاصٍ فَقَالَ: نَهَيْتُكُمْ عَنِ الْمُعَاقَرَةِ فَعَاقَرْتُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الْإِيقَادِ فِي الْأَخْصَاصِ فَأَوْقَدْتُمْ.فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ نَهَى اللَّهُ عَنِ التَّجَسُّسِ فَتَجَسَّسْتَ، وَعَنِ الدُّخُولِ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَدَخَلْتَ.فَقَالَ: هَاتَانِ بِهَاتَيْنِ وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُمْ.
وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَا سُتِرَ مِنَ الْمُنْكَرِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ هَلْ يُنْكَرُ؟ فَرَوَى ابْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ اللَّهِ فِي الْمُنْكَرِ يَكُونُ مُغَطًّى، مِثْلَ طُنْبُورٍ وَمُسْكِرٍ وَأَمْثَالِهِ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مُغَطًّى لَا يُكْسَرُ.وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ يُكْسَرُ.
فَإِنْ سَمِعَ أَصْوَاتَ الْمَلَاهِي الْمُنْكَرَةِ مِنْ دَارٍ تَظَاهَرَ أَهْلُهَا بِأَصْوَاتِهِمْ أَنْكَرَهُ خَارِجَ الدَّارِ، وَلَمْ يَهْجُمْ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْشِفَ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ الْبَاطِنِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ مُهَنَّا الْأَنْبَارِيِّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سَمِعَ صَوْتَ طَبْلٍ فِي جِوَارِهِ، فَقَامَ إِلَيْهِمْ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَنَهَاهُمْ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْبٍ فِي الرَّجُلِ يَسْمَعُ الْمُنْكَرَ فِي دَارِ بَعْضِ جِيرَانِهِ قَالَ: يَأْمُرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ جَمَعَ عَلَيْهِ الْجِيرَانَ وَيُهَوِّلُ عَلَيْهِ.وَقَالَ الْجَصَّاصُ عِنْدَ قوله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ سُوءِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ وَالسَّتْرُ، ثُمَّ قَالَ: نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ التَّجَسُّسِ، بَلْ أَمَرَ بِالسَّتْرِ عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ إِصْرَارٌ.ثُمَّ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ Bمَسْعُودٍ قِيلَ لَهُ: هَذَا فُلَانٌ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنِ التَّجَسُّسِ، وَلَكِنْ إِنْ يَظْهَرْ لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذْ بِهِ.
تَجَسُّسُ الْمُحْتَسِبِ:
12- الْمُحْتَسِبُ هُوَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا ظَهَرَ تَرْكُهُ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ إِذَا ظَهَرَ فِعْلُهُ.قَالَ تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} وَهَذَا وَإِنْ صَحَّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ لَكِنَّ الْمُحْتَسِبَ مُتَعَيَّنٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ وِلَايَتِهِ، لَكِنَّ غَيْرَهُ فُرِضَ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ.
وَمَا لَمْ يَظْهَرْ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ فَلَيْسَ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَتَجَسَّسَ عَنْهَا وَلَا أَنْ يَهْتِكَ الْأَسْتَارَ حَذَرًا مِنَ الِاسْتِتَارِ بِهَا، فَقَدْ قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَةَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا، فَمَنْ أَلَمَّ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ».
فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اسْتِتَارُ قَوْمٍ بِهَا لِأَمَارَاتٍ دَلَّتْ وَآثَارٍ ظَهَرَتْ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي انْتِهَاكِ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا مِثْلُ أَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّ رَجُلًا خَلَا بِامْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا أَوْ رَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ، فَيَجُوزُ لَهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَتَجَسَّسَ وَيَقْدَمَ عَلَى الْكَشْفِ وَالْبَحْثِ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ مَا لَا يُسْتَدْرَكُ مِنِ ارْتِكَابِ الْمَحَارِمِ وَفِعْلِ الْمَحْظُورَاتِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا خَرَجَ عَنْ هَذَا الْحَدِّ وَقَصُرَ عَنْ حَدِّ هَذِهِ الرُّتْبَةِ، فَلَا يَجُوزُ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ وَلَا كَشْفُ الْأَسْتَارِ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
عِقَابُ التَّجَسُّسِ عَلَى الْبُيُوتِ:
13- رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِمْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ»
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ Bبَعْضُهُمْ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَيَحِلُّ لِمَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَ الْمُطَّلِعِ حَالَ الِاطِّلَاعِ، وَلَا ضَمَانَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ: لَيْسَ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنْ فَقَأَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَالْخَبَرُ مَنْسُوخٌ، وَكَانَ قَبْلَ نُزُولِ قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الْوَعِيدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْحَتْمِ، وَالْخَبَرُ إِذَا كَانَ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ يُرِيدُ شَيْئًا آخَرَ، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ «أَنَّ عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ لَمَّا مَدَحَهُ قَالَ لِبِلَالٍ: قُمْ فَاقْطَعْ لِسَانَهُ» وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْقَطْعَ فِي الْحَقِيقَةِ.
وَهَذَا أَيْضًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ فَقْءَ الْعَيْنِ وَالْمُرَادُ: أَنْ يَعْمَلَ بِهِ عَمَلًا حَتَّى لَا يَنْظُرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ.
وَفِي تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ: وَلَوْ نَظَرَ مِنْ كُوَّةٍ أَوْ مِنْ بَابٍ فَفَقَأَ عَيْنَهُ صَاحِبُ الدَّارِ ضَمِنَ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى زَجْرِهِ وَدَفْعِهِ بِالْأَخَفِّ، وَلَوْ قَصَدَ زَجْرَهُ بِذَلِكَ فَأَصَابَ عَيْنَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ فَقْأَهَا فَفِي ضَمَانِهِ خِلَافٌ.
وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ الْمُطَّلِعِ إِلاَّ بِفَقْءِ عَيْنِهِ فَفَقَأَهَا لَا ضَمَانَ، وَإِنْ أَمْكَنَ بِدُونِ فَقْءِ عَيْنِهِ فَفَقَأَهَا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.
أَمَّا إِذَا تَجَسَّسَ وَانْصَرَفَ فَلَيْسَ لِلْمُطَلَّعِ عَلَيْهِ أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَهُ اتِّفَاقًا.وَيُنْظَرُ لِلتَّفْصِيلِ: (دَفْعُ الصَّائِلِ).
أَمَّا عُقُوبَةُ الْمُتَجَسِّسِ فَهِيَ التَّعْزِيرُ، إِذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ مُعَيَّنٌ، وَالتَّعْزِيرُ يَخْتَلِفُ وَالْمَرْجِعُ فِي تَقْدِيرِهِ إِلَى الْإِمَامِ (ر: تَعْزِيرٌ).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
7-موسوعة الفقه الكويتية (تسبيح)
تَسْبِيحٌالتَّعْرِيفُ:
1- مِنْ مَعَانِي التَّسْبِيحِ فِي اللُّغَةِ: التَّنْزِيهُ.تَقُولُ: سَبَّحْتُ اللَّهَ تَسْبِيحًا: أَيْ نَزَّهْتُهُ تَنْزِيهًا.
وَيَكُونُ بِمَعْنَى الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ.يُقَالُ: فُلَانٌ يُسَبِّحُ اللَّهَ: أَيْ يَذْكُرُهُ بِأَسْمَائِهِ، نَحْوُ: سُبْحَانَ اللَّهِ.وَهُوَ يُسَبِّحُ أَيْ يُصَلِّي السُّبْحَةَ وَهِيَ النَّافِلَةُ.
وَسُمِّيَتِ الصَّلَاةُ ذِكْرًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} أَيِ اذْكُرُوا اللَّهَ.وَيَكُونُ بِمَعْنَى التَّحْمِيدِ، نَحْوُ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} وَسُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ.أَيِ الْحَمْدُ لِلَّهِ.
وَلَا يَخْرُجُ مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيُّ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي، فَقَدْ عَرَّفَهُ الْجُرْجَانِيُّ بِأَنَّهُ: تَنْزِيهُ الْحَقِّ عَنْ نَقَائِصِ الْإِمْكَانِ وَالْحُدُوثِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الذِّكْرُ:
2- الذِّكْرُ مِنْ مَعَانِيهِ فِي اللُّغَةِ: الصَّلَاةُ لِلَّهِ وَالدُّعَاءُ إِلَيْهِ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ.فَفِي الْحَدِيثِ: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى».وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ قَوْلٌ سِيقَ لِثَنَاءٍ أَوْ دُعَاءٍ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ شَرْعًا لِكُلِّ قَوْلٍ يُثَابُ قَائِلُهُ، فَالذِّكْرُ شَامِلٌ لِلدُّعَاءِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّسْبِيحِ.
ب- التَّهْلِيلُ:
3- هُوَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ: يُقَالُ: هَلَّلَ الرَّجُلُ أَيْ مِنَ الْهَيْلَلَةِ، مِنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنْ هَذَا.فَالتَّسْبِيحُ أَعَمُّ مِنَ التَّهْلِيلِ؛ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ.
أَمَّا التَّهْلِيلُ فَهُوَ تَنْزِيهُهُ عَنِ الشَّرِيكِ.
ج- التَّقْدِيسُ:
4- مِنْ مَعَانِيهِ فِي اللُّغَةِ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ.
وَالتَّقْدِيسُ: التَّطْهِيرُ وَالتَّبْرِيكُ.وَتَقَدَّسَ أَيْ تَطَهَّرَ، وَفِي التَّنْزِيلِ {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى نُقَدِّسُ لَكَ: أَيْ نُطَهِّرُ أَنْفُسَنَا لَكَ، وَكَذَلِكَ نَفْعَلُ بِمَنْ أَطَاعَكَ، وَالْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ أَيِ الْمُطَهَّرَةُ.
وَمَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيُّ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا.
وَالتَّقْدِيسُ أَخَصُّ مِنَ التَّسْبِيحِ؛ لِأَنَّهُ تَنْزِيهٌ مَعَ تَبْرِيكٍ وَتَطْهِيرٍ.
حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ التَّسْبِيحِ:
5- حِكْمَةُ التَّسْبِيحِ اسْتِحْضَارُ الْعَبْدِ عَظَمَةَ الْخَالِقِ، لِيَمْتَلِئَ قَلْبُهُ هَيْبَةً فَيَخْشَعَ وَلَا يَغِيبَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ مَقْصُودُ الذَّاكِرِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ فِي غَيْرِهَا، فَيَحْرِصُ عَلَى تَحْصِيلِهِ، وَيَتَدَبَّرُ مَا يَذْكُرُ، وَيَتَعَقَّلُ مَعْنَاهُ، فَالتَّدَبُّرُ فِي الذِّكْرِ مَطْلُوبٌ، كَمَا هُوَ مَطْلُوبٌ فِي الْقِرَاءَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ؛ وَلِأَنَّهُ يُوقِظُ الْقَلْبَ، فَيَجْمَعُ هَمَّهُ إِلَى الْفِكْرِ، وَيَصْرِفُ سَمْعَهُ إِلَيْهِ، وَيَطْرُدُ النَّوْمَ، وَيَزِيدُ النَّشَاطَ.
آدَابُ التَّسْبِيحِ:
6- آدَابُهُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الذَّاكِرُ الْمُسَبِّحُ عَلَى أَكْمَلِ الصِّفَاتِ، فَإِنْ كَانَ جَالِسًا فِي مَوْضِعٍ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَجَلَسَ مُتَذَلِّلًا مُتَخَشِّعًا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ مُطْرِقًا رَأْسَهُ، وَلَوْ ذَكَرَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ جَازَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي حَقِّهِ.لَكِنْ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
وَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: إِنِّي لأَقْرَأُ حِزْبِيَ، وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ عَلَى السَّرِيرِ.
وَصِيَغُهُ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ، كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَدُبُرِ الصَّلَوَاتِ.وَمِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ مَا كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَالتَّسْبِيحَاتِ لَيْلًا وَنَهَارًا.
حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:
7- يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلتَّسْبِيحِ بِحَسَبِ مَوْضِعِهِ وَسَبَبِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي: التَّسْبِيحُ عَلَى طُهْرٍ:
8- أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ لِلْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَذَلِكَ فِي التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَالدُّعَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ».
عَلَى أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ عَلَى طَهَارَةٍ سَوَاءٌ أَكَانَ تَسْبِيحًا أَمْ غَيْرَهُ، أَوْلَى وَأَفْضَلُ لِحَدِيثِ: «إِنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدُ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، حَتَّى تَيَمَّمَ فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إِلاَّ عَلَى طُهْرٍ».
التَّوَسُّطُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ فِي التَّسْبِيحِ:
9- التَّوَسُّطُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ فِي التَّسْبِيحِ وَغَيْرِهِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} وَكَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَفْعَلُهُ.فَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ لَيْلَةً فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ- رضي الله عنه- يُصَلِّي يَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ.قَالَ: وَمَرَّ بِعُمَرَ- رضي الله عنه- وَهُوَ يُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَهُ قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي تَخْفِضُ صَوْتَكَ؟ قَالَ: قَدْ أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ: فَارْفَعْ قَلِيلًا، وَقَالَ لِعُمَرَ: مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَكَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُوقِظُ الْوَسْنَانَ وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ.قَالَ: اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا»
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ- رضي الله عنه- «اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ، أَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ».
وَالْمُرَادُ بِالتَّوَسُّطِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَدْنَى مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَبْلُغَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ سَمَاعَ مَنْ يَلِيهِ.
مَا يَجُوزُ بِهِ التَّسْبِيحُ:
10- أَجَازَ الْفُقَهَاءُ التَّسْبِيحَ بِالْيَدِ وَالْحَصَى وَالْمَسَابِحِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، كَعَدِّهِ بِقَلْبِهِ أَوْ بِغَمْزِهِ أَنَامِلَهُ.أَمَّا فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهَا.وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ جَمِيعًا مُرَاعَاةً لِسُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَالْعَمَلِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ.
فَعَنْ «سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى امْرَأَةٍ، وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ حَصًى تُسَبِّحُ بِهِ، فَقَالَ: أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ.فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ» فَلَمْ يَنْهَهَا عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرْشَدَهَا إِلَى مَا هُوَ أَيْسَرُ وَأَفْضَلُ، وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَبَيَّنَ لَهَا ذَلِكَ.
وَعَنْ يُسَيْرَةَ الصَّحَابِيَّةِ الْمُهَاجِرَةِ- رضي الله عنها- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَهُنَّ أَنْ يُرَاعِينَ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّهْلِيلِ، وَأَنْ يَعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ».
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَعْقِدُ التَّسْبِيحَ» وَفِي رِوَايَةٍ «بِيَمِينِهِ».
وَنَقَلَ الطَّحْطَاوِيُّ عَنِ ابْنِ حَجَرٍ قَوْلَهُ: الرِّوَايَاتُ بِالتَّسْبِيحِ بِالنَّوَى وَالْحَصَى كَثِيرَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ رَأَى ذَلِكَ- صلى الله عليه وسلم- وَأَقَرَّ عَلَيْهِ.
وَعَقْدُ التَّسْبِيحِ بِالْأَنَامِلِ أَفْضَلُ مِنَ السُّبْحَةِ، وَقِيلَ: إِنْ أَمِنَ الْغَلَطَ فَهُوَ أَوْلَى، وَإِلاَّ فَهِيَ أَوْلَى.
أَوْقَاتُهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهَا:
11- لَيْسَ لِلذِّكْرِ- وَمِنْهُ التَّسْبِيحُ- وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، بَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ.رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ».
وَفِي قوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الذِّكْرِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا الْإِنْسَانُ مِنْ يَوْمِهِ وَلَيْلِهِ.
إِلاَّ أَنَّ أَحْوَالًا مِنْهَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِاسْتِثْنَائِهَا: كَالْخَلَاءِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَفِي حَالَةِ الْجِمَاعِ، وَفِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ لِمَنْ يَسْمَعُ صَوْتَ الْخَطِيبِ، وَفِي الْأَمَاكِنِ الْمُسْتَقْذَرَةِ وَالدَّنِسَةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُكْرَهُ الذِّكْرُ مَعَهُ.
وَلَكِنْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ اسْتِحْبَابُ التَّسْبِيحِ فِي أَوْقَاتٍ خَاصَّةٍ، مِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ»
وَيُسْتَحَبُّ التَّسْبِيحُ فِي الْإِصْبَاحِ وَالْإِمْسَاءِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلاَّ أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ «سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ».
وَيُسْتَحَبُّ التَّسْبِيحُ وَنَحْوُهُ عِنْدَ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ كَسَفَتِ الشَّمْسُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ رَافِعٌ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يُسَبِّحُ وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيَدْعُو حَتَّى حُسِرَ عَنْهَا.فَلَمَّا حُسِرَ عَنْهَا قَرَأَ سُورَتَيْنِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ».
التَّسْبِيحُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ:
12- هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَهُ، بَلْ كَرِهُوهُ فِي افْتِتَاحِهَا.
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، وَلَا تُخَالِفْ آذَانَكُمْ، ثُمَّ قُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ» وَبِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ»
وَاسْتَدَلَّ الْمَالِكِيَّةُ بِمَا رُوِيَ عَنْ «أَنَسٍ- رضي الله عنه- قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».
وَلَمْ يَذْكُرُوا التَّسْبِيحَ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ لَا مِنَ الْفَرَائِضِ وَلَا مِنَ السُّنَنِ.
التَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ
13- التَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ وَاجِبٌ.وَمُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَمَنْدُوبٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.وَوَاجِبٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِتَسْبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالسُّنَّةُ الثَّلَاثُ.
وَأَقَلُّ الْمَسْنُونِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: ثَلَاثُ تَسْبِيحَاتٍ.لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ثَلَاثًا، فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ»
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّسْبِيحُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ
وَنَصَّ ابْنُ جَزِيٍّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الرُّكُوعِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وَدَلِيلُهُ مَا وَرَدَ أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ»
وَالتَّسْبِيحُ فِيهِ لَا يَتَحَدَّدُ بِعَدَدٍ، بِحَيْثُ إِذَا نَقَصَ عَنْهُ يَفُوتُهُ الثَّوَابُ، بَلْ إِذَا سَبَّحَ مَرَّةً يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ، وَإِنْ كَانَ يُزَادُ الثَّوَابُ بِزِيَادَتِهِ.
وَالزِّيَادَةُ عَلَى هَذِهِ التَّسْبِيحَاتِ أَفْضَلُ إِلَى خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي: أَدْنَاهُ ثَلَاثٌ، وَأَوْسَطُهُ خَمْسٌ، وَأَكْمَلُهُ سَبْعٌ.
وَأَدْنَى الْكَمَالِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي التَّسْبِيحِ ثَلَاثٌ ثُمَّ خَمْسٌ ثُمَّ سَبْعٌ ثُمَّ تِسْعٌ ثُمَّ إِحْدَى عَشْرَةَ وَهُوَ الْأَكْمَلُ.وَهَذَا لِلْمُنْفَرِدِ وَلِإِمَامِ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ.أَمَّا غَيْرُهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا لِلتَّخْفِيفِ عَلَى الْمُقْتَدِينَ.وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ وَإِمَامُ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ عَلَى ذَلِكَ: اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ إِلَخْ.قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهَذَا مَعَ الثَّلَاثِ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ أَكْمَلِ التَّسْبِيحِ.
وَالزِّيَادَةُ عَلَى التَّسْبِيحَةِ الْوَاحِدَةِ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، فَأَعْلَى الْكَمَالِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ يُزَادُ إِلَى عَشْرِ تَسْبِيحَاتٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ «أَنَسٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ هَذَا الْفَتَى- يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ- فَحَزَرْنَا فِي رُكُوعِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ وَفِي سُجُودِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ».
وَقَالَ أَحْمَدُ: جَاءَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ التَّسْبِيحَ التَّامَّ سَبْعٌ، وَالْوَسَطَ خَمْسٌ، وَأَدْنَاهُ ثَلَاثٌ.
وَأَعْلَى التَّسْبِيحِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ الْعُرْفُ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَخَفْ سَهْوًا، وَقِيلَ: بِقَدْرِ قِيَامِهِ، وَقِيلَ: سَبْعٌ.
التَّسْبِيحُ فِي السُّجُودِ:
14- يُقَالُ فِي السُّجُودِ مَا قِيلَ فِي الرُّكُوعِ، مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ وَالْعَدَدُ وَالِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ.
فَالتَّسْبِيحُ فِي السُّجُودِ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ وَاجِبٌ.وَمَنْدُوبٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.وَمُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.وَوَاجِبٌ عِنْد الْحَنَابِلَةِ فِي أَقَلِّهِ، وَهُوَ الْوَاحِدَةُ، وَسُنَّةٌ فِي الثَّلَاثِ، كَمَا فِي الرُّكُوعِ.وَلَا خِلَافَ إِلاَّ فِي أَنَّ تَسْبِيحَ السُّجُودِ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، أَمَّا فِي الرُّكُوعِ فَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ
.تَسْبِيحُ الْمُقْتَدِي تَنْبِيهًا لِلْإِمَامِ:
15- لَوْ عَرَضَ لِلْإِمَامِ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ سَهْوًا مِنْهُ كَانَ لِلْمَأْمُومِ تَنْبِيهُهُ بِالتَّسْبِيحِ اسْتِحْبَابًا، إِنْ كَانَ رَجُلًا، وَبِالتَّصْفِيقِ إِنْ كَانَتْ أُنْثَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.لِحَدِيثِ: «إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ، وَمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ».
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَكَرِهُوا لِلْمَرْأَةِ التَّصْفِيقَ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، وَقَالُوا: إِنَّهَا تُسَبِّحُ لِعُمُومِ حَدِيثِ: «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ (مَنْ) مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَيَشْمَلُ النِّسَاءَ.
تَنْبِيهُ الْمُصَلِّي غَيْرَهُ بِالتَّسْبِيحِ:
16- إِذَا أَتَى الْمُصَلِّي بِذِكْرٍ مَشْرُوعٍ يَقْصِدُ بِهِ تَنْبِيهَ غَيْرِهِ إِلَى أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ، كَأَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ يُرِيدُ الدُّخُولَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ يَخْشَى الْمُصَلِّي عَلَى إِنْسَانٍ الْوُقُوعَ فِي بِئْرٍ أَوْ هَلَكَةٍ، أَوْ يَخْشَى أَنْ يُتْلِفَ شَيْئًا، كَانَ لِلْمُصَلِّي اسْتِحْبَابًا أَنْ يُسَبِّحَ تَنْبِيهًا لَهُ، وَتُصَفِّقَ الْمَرْأَةُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ بَيَانُهُ.لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ آنِفًا، وَلِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام- «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ إِلاَّ الْتَفَتَ» وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه-: «كَانَ لِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- سَاعَةٌ آتِيهِ فِيهَا فَإِذَا أَتَيْتُهُ اسْتَأْذَنْتُهُ إِنْ وَجَدْتُهُ يُصَلِّي فَسَبَّحَ دَخَلْتُ، وَإِنْ وَجَدْتُهُ فَارِغًا أَذِنَ لِي».
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ إِذَا مَحَّضَ التَّسْبِيحَ لِلْإِعْلَامِ، أَوْ قَصَدَ بِهِ التَّعَجُّبَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ..وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ التَّسْبِيحَاتِ فِي الصَّلَاةِ «لَا تَضُرُّ إِلاَّ مَا كَانَ فِيهِ خِطَابٌ لِمَخْلُوقٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ.
التَّسْبِيحُ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ
17- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِكَرَاهَةِ التَّسْبِيحِ لِمُسْتَمِعِ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُهُ عَنْ سَمَاعِهَا.فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنِ الْخَطِيبِ وَلَا يَسْمَعُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ سِرًّا عِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِلْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ السَّامِعِ وَغَيْرِهِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ الذِّكْرُ- عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ- مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إِنْ كَانَ قَلِيلًا وَبِالسِّرِّ، وَيَحْرُمُ الْكَثِيرُ مُطْلَقًا، كَمَا يَحْرُمُ الْقَلِيلُ إِذَا كَانَ جَهْرًا.
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلتَّسْبِيحِ بِخُصُوصِهِ، لَكِنْ تَعَرَّضُوا لِلذِّكْرِ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ، فَقَالُوا: الْأَوْلَى لِغَيْرِ السَّامِعِ لِلْخُطْبَةِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ.وَأَمَّا السَّامِعُ فَلَا يَشْتَغِلُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا سَمِعَ ذِكْرَهُ.
التَّسْبِيحُ فِي افْتِتَاحِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ فِيهَا:
18- الثَّنَاءُ عَقِبَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ كَمَا فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ بَيَانُهُ.وَالتَّسْبِيحُ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ كَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَا يَقُولُ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ، بَلْ كَرِهُوهُ، أَوْ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى عِنْدَهُمْ، فَلَا يَفْصِلُ الْإِمَامُ بَيْنَ آحَادِهِ إِلاَّ بِقَدْرِ تَكْبِيرِ الْمُؤْتَمِّ، بِلَا قَوْلٍ مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَحْمِيدٍ وَتَهْلِيلٍ وَتَكْبِيرٍ.
وَلَيْسَ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ بَيْنَ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ.وَهُوَ أَوْلَى مِنَ السُّكُوتِ، كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَذْكُرُ اللَّهَ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِالْمَأْثُورِ، وَهُوَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ.
وَيَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنْ يَقُولَ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا؛ لِقَوْلِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- مِمَّا يَقُولُهُ بَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فَقَالَ: يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَحَرْبٌ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ.التَّسْبِيحُ لِلْإِعْلَامِ بِالصَّلَاةِ
19- اخْتُلِفَ فِي تَسْبِيحِ الْمُؤَذِّنِينَ لِلْإِعْلَامِ بِالصَّلَاةِ بَيْنَ كَوْنِهِ بِدْعَةً حَسَنَةً، أَوْ مَكْرُوهَةً عَلَى خِلَافٍ سَبَقَ فِي مُصْطَلَحِ: (أَذَانٌ) صَلَاةُ التَّسْبِيحِ
20- وَرَدَ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ حَدِيثٌ اخْتُلِفَ فِي صِحَّتِهِ.وَلِلْفُقَهَاءِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (صَلَاةِ التَّسْبِيحِ).
أَمَاكِنُ يُنْهَى عَنِ التَّسْبِيحِ فِيهَا:
21- لَمَّا كَانَ التَّسْبِيحُ نَوْعًا مِنَ الذِّكْرِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي الْأَمَاكِنِ التَّالِيَةِ، كَانَ التَّسْبِيحُ مَكْرُوهًا كَذَلِكَ فِيهَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْعَامِّ نَهْيٌ عَنِ الْخَاصِّ، وَذَلِكَ تَنْزِيهًا لِاسْمِ اللَّهِ عَنِ الذِّكْرِ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ الْمُسْتَقْذَرَةِ طَبْعًا.فَيُكْرَهُ التَّسْبِيحُ وَغَيْرُهُ مِنَ الذِّكْرِ فِي الْخَلَاءِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَفِي مَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ، وَالْمَوَاضِعِ الدَّنِسَةِ بِنَجَاسَةٍ أَوْ قَذَارَةٍ، وَعِنْدَ الْجِمَاعِ، وَفِي الْحَمَّامِ وَالْمُغْتَسَلِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مَتَى كَانَ بِاللِّسَانِ.أَمَّا بِالْقَلْبِ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ.وَمَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ ضَرُورَةٌ لَهُ كَإِنْقَاذِ أَعْمَى مِنَ الْوُقُوعِ فِي بِئْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ تَحْذِيرِ مَعْصُومٍ مِنْ هَلَكَةٍ كَغَافِلٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.وَالْأَوْلَى التَّحْذِيرُ بِغَيْرِ التَّسْبِيحِ وَالذِّكْرِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَاتِ.
كَمَا يُكْرَهُ الذِّكْرُ- وَمِنْهُ التَّسْبِيحُ- لِمَنْ يَسْمَعُ صَوْتَ الْخَطِيبِ فِي الْجُمُعَةِ لِمَا تَقَدَّمَ.
التَّعَجُّبُ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ
22- يَجُوزُ التَّعَجُّبُ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ.فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ جُنُبٌ، فَانْسَلَّ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ، فَتَفَقَّدَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقِيتَنِي وَأَنَا جُنُبٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ حَتَّى أَغْتَسِلَ.فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ».
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ- رضي الله عنه- «أَنَّ أُخْتَ الرُّبَيِّعِ أُمَّ حَارِثَةَ جَرَحَتْ إِنْسَانًا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: الْقِصَاصَ الْقِصَاصَ، فَقَالَتْ أُمُّ الرُّبَيِّعِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَقْتَصُّ مِنْ فُلَانَةَ؟ وَاللَّهِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا.فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: الْقِصَاصُ كِتَابُ اللَّهِ.سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أُمَّ الرُّبَيِّعِ، ».
التَّسْبِيحُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ:
23- يُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لِمُشَيِّعِ الْجِنَازَةِ رَفْعُ صَوْتِهِ بِالذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ، لِأَنَّهُ مِنَ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَاتِ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي نَفْسِهِ سِرًّا، بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَشْغَلَ نَفْسَهُ بِذِكْرِ اللَّهِ وَالتَّفْكِيرِ فِيمَا يَلْقَاهُ الْمَيِّتُ، وَأَنَّ هَذَا عَاقِبَةُ أَهْلِ الدُّنْيَا.وَيَتَجَنَّبُ ذِكْرَ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ، فَعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادَةَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَكْرَهُونَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ الْجَنَائِزِ، وَعِنْدَ الْقِتَالِ، وَعِنْدَ الذِّكْرِ، وَلِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ مَكْرُوهًا.
التَّسْبِيحُ عِنْدَ الرَّعْدِ:
24- التَّسْبِيحُ عِنْدَ الرَّعْدِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَيَقُولُ سَامِعُهُ عِنْدَ سَمَاعِهِ: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ.اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ.
فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: كُنَّا مَعَ عُمَرَ- رضي الله عنه- فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَنَا رَعْدٌ وَبَرْقٌ وَبَرَدٌ، فَقَالَ لَنَا كَعْبٌ- رضي الله عنه-: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الرَّعْدَ: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ- ثَلَاثًا- عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الرَّعْدِ، فَقُلْنَا فَعُوفِينَا.
قَطْعُ التَّسْبِيحِ:
25- الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمُسَبِّحَ وَغَيْرَهُ مِنَ الذَّاكِرِينَ، أَوِ التَّالِينَ لِكِتَابِ اللَّهِ، إِذَا سَمِعُوا الْمُؤَذِّنَ- وَهُوَ يُؤَذِّنُ أَذَانًا مَسْنُونًا- يَقْطَعُونَ تَسْبِيحَهُمْ، وَذِكْرَهُمْ وَتِلَاوَتَهُمْ، وَيُجِيبُونَ الْمُؤَذِّنَ.وَهُوَ مَنْدُوبٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.وَهُنَاكَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْوُجُوبِ.
ثَوَابُ التَّسْبِيحِ:
26- ثَوَابُ التَّسْبِيحِ عَظِيمٌ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ»
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ.
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
8-موسوعة الفقه الكويتية (حامل)
حَامِلٌالتَّعْرِيف:
1- الْحَامِلُ فِي اللُّغَةِ الْحُبْلَى وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ حَمَلَ الشَّيْءَ حَمْلًا، وَالْحَمْلُ أَيْضًا مَا يُحْمَلُ فِي الْبَطْنِ مِنَ الْوَلَدِ وَجَمْعُهُ أَحْمَالٌ وَحِمَالٌ، يُقَالُ: حَمِلَتِ الْمَرْأَةُ الْوَلَدَ وَحَمَلَتْ بِهِ عَلِقَتْ فَهِيَ حَامِلٌ بِغَيْرِ هَاءٍ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْإِنَاثِ، وَرُبَّمَا قِيلَ: حَامِلَةٌ.وَتُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ أُنْثَى مِنَ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ.يُقَالُ: حَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، وَكُلُّ بَهِيمَةٍ تَلِدُ حَبَلًا إِذَا حَمِلَتْ بِالْوَلَدِ، فَهِيَ حُبْلَى.وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْحَبَلُ مُخْتَصٌّ بِالْآدَمِيَّاتِ، وَأَمَّا الْحَمْلُ فَيَشْمَلُ الْآدَمِيَّاتِ وَالْبَهَائِمَ وَالشَّجَرَ، وَيُقَالُ فِيهَا: (حَمْلٌ) بِالْمِيمِ.
أَمَّا حَمْلُ الْمَتَاعِ فَيُقَالُ فِيهِ: حَامِلٌ لِلذَّكَرِ، وَحَامِلَةٌ بِالْهَاءِ لِلْأُنْثَى؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ مُشْتَرَكَةٌ، وَالْحِمْلُ: مَا يُحْمَلُ عَلَى الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ.
وَتُنْظَرُ أَحْكَامُ حَمْلِ الْمَتَاعِ فِي مُصْطَلَحِ: (حَمْلٌ) (وَإِجَارَةٌ).
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْحَائِل:
2- الْحَائِلُ هِيَ الْأُنْثَى الَّتِي لَمْ تَحْمِلْ فَهِيَ مُقَابِلُ الْحَامِلِ.
أَحْكَامُ الْحَامِلِ:
أَوَّلًا: بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ:
دَمُ الْحَامِلِ:
3- الْغَالِبُ عَدَمُ نُزُولِ الدَّمِ مِنَ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ فَمَ الرَّحِمِ يَنْسَدُّ بِالْحَبَلِ عَادَةً، وَلَا يَنْفَتِحُ إِلاَّ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ حَيْثُ يَنْدَفِعُ النِّفَاسُ.فَإِذَا رَأَتِ الْحَامِلُ دَمًا حَالَ الْحَمْلِ وَقَبْلَ الْمَخَاضِ يَكُونُ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ اعْتَبَرُوا الدَّمَ النَّازِلَ مِنَ الْحَامِلِ قَبْلَ وِلَادَتِهَا بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ نِفَاسًا.
وَالِاسْتِحَاضَةُ لَا تُسْقِطُ الصَّلَاةَ، وَلَا تُحَرِّمُ الصَّوْمَ اتِّفَاقًا، وَلَا الْجِمَاعَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، بِخِلَافِ النِّفَاسِ الَّذِي يُسْقِطُ الصَّلَاةَ وَيُحَرِّمُ الصَّوْمَ وَالْوَطْءَ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ إِلَى أَنَّ الدَّمَ النَّازِلَ مِنَ الْحَامِلِ يُعْتَبَرُ حَيْضًا يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَالْوَطْءَ، لَكِنَّهُ لَا يُحْسَبُ مِنْ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ.
أَمَّا الدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ بَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَفِيهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ رَأْيَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ دَمُ نِفَاسٍ يَمْنَعُ الصَّوْمَ، وَالصَّلَاةَ، وَالْوَطْءَ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ خَارِجٌ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ.وَهَذَا رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.الثَّانِي: أَنَّهُ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ لَا يَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ يَتَعَلَّقُ بِوَضْعِ مَا فِي الْبَطْنِ وَهِيَ لَا تَزَالُ حُبْلَى، وَهَذَا رَأْيُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ يَكُونُ بِوِلَادَةِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ وَلَمْ يَحْصُلْ بِوِلَادَةِ الْأَوَّلِ.وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِحَاضَةٌ ف 22- 25) وَتَوْأَمٌ (ج 14 103) وَانْظُرْ أَيْضًا مُصْطَلَحَ: (حَيْضٌ، نِفَاسٌ).
إِفْطَارُ الْحَامِلِ فِي رَمَضَانَ:
4- يَجُوزُ لِلْحَامِلِ أَنْ تُفْطِرَ إِنْ خَافَتْ ضَرَرًا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ عَلَى نَفْسِهَا وَوَلَدِهَا، وَيَجِبُ ذَلِكَ إِذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى، وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.وَاتَّفَقُوا كَذَلِكَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ إِذَا أَفْطَرَتِ الْحَامِلُ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ.
وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْفِدْيَةُ كَذَلِكَ إِذَا أَفْطَرَتْ خَوْفًا عَلَى وَلَدِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ مُتَّصِلٌ بِالْحَامِلِ، فَالْخَوْفُ عَلَيْهِ كَالْخَوْفِ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهَا، وَلِأَنَّ الْفِدْيَةَ ثَبَتَتْ عَلَى الشَّيْخِ الْفَانِي بِخِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِدْيَةِ، وَالْفِطْرُ بِسَبَبِ الْخَوْفِ عَلَى الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ عِنْدَهُمْ: إِذَا أَفْطَرَتِ الْحَامِلُ خَوْفًا عَلَى وَلَدِهَا فَعَلَيْهَا مَعَ الْقَضَاءِ الْفِدْيَةُ (طَعَامُ مِسْكِينٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ)؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنه- فِي قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} أَنَّهُ نُسِخَ حُكْمُهُ إِلاَّ فِي حَقِّ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا.
نِكَاحُ الْحَامِلِ:
5- الْحَامِلُ مِنْ غَيْرِ الزِّنَى، أَيْ مَنْ كَانَ حَمْلُهَا ثَابِتَ النَّسَبِ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا لِغَيْرِ مَنْ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ إِذَا كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنَ الْغَيْرِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَمْ فَاسِدٍ أَمْ وَطْءِ شُبْهَةٍ لَزِمَ حِفْظُ حُرْمَةِ مَائِهِ بِالْمَنْعِ مِنَ النِّكَاحِ، وَلِأَنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ لَا تَنْتَهِي إِلاَّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ لقوله تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} أَيْ مَا كُتِبَ عَلَيْهَا مِنَ التَّرَبُّصِ.
وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحَامِلِ الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ بَيْنُونَةً صُغْرَى لِمَنْ لَهُ الْحَمْلُ أَيِ الزَّوْجِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الزَّوْجِ فَلَا يُمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّهِ.
أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا (الْبَائِنُ بَيْنُونَةً كُبْرَى) فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا إِلاَّ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ اتِّفَاقًا.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ نِكَاحِ الْحَامِلِ مِنْ زِنًى: فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ، لَا مِنَ الزَّانِي نَفْسِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ؛ وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ».
وَلِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ «رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمَّا أَصَابَهَا وَجَدَهَا حُبْلَى فَرَفَعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا».
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُ الْحَامِلِ مِنَ الزِّنَى؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ نِكَاحِ الْحَامِلِ حَمْلًا ثَابِتَ النَّسَبِ لِحُرْمَةِ مَاءِ الْوَطْءِ، وَلَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ».وَلَا تُشْتَرَطُ التَّوْبَةُ لِصِحَّةِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ رَجُلًا وَامْرَأَةً فِي الزِّنَى وَحَرَصَ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا.
وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ التَّوْبَةَ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْحَامِلِ مِنَ الزِّنَى لقوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ}...إِلَى قَوْلِهِ: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} وَهِيَ قَبْلَ التَّوْبَةِ فِي حُكْمِ الزِّنَى، فَإِذَا تَابَتْ زَالَ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ».
وَمَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ نِكَاحِ الْحَامِلِ مِنَ الزِّنَى فَلَا فَرْقَ فِي حِلِّ نِكَاحِهَا لِلزَّانِي وَغَيْرِهِ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ مَنْ زَنَى بِهَا لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَضَعَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (عِدَّةٌ، نِكَاحٌ، زِنًى).
وَإِذَا تَزَوَّجَهَا مَنْ لَهُ الْحَمْلُ جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُونَ نِكَاحَهَا.
طَلَاقُ الْحَامِلِ:
6- يَصِحُّ طَلَاقُ الْحَامِلِ رَجْعِيًّا وَبَائِنًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.وَيُعْتَبَرُ طَلَاقُهَا طَلَاقَ السُّنَّةِ إِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً عَنْ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، أَوْ ثَلَاثًا يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَانْظُرْ (طَلَاقٌ).
فَإِذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا صَحَّ رُجُوعُ الزَّوْجِ إِلَيْهَا أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ.وَيَصِحُّ لَهُ نِكَاحُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ إِذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا بِطَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا حَيْثُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا مُطْلَقًا إِلاَّ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ، وَلَا تَحِلُّ لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.
وَإِذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِحَمْلٍ كَأَنْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِلاَّ فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَعَ مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ؛ لِثُبُوتِ الْحَمْلِ؛ إِذْ أَقَلُّ مُدَّتِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ.
أَمَّا إِذَا وَلَدَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي بَحْثِ: (طَلَاقٌ).
عِدَّةُ الْحَامِلِ:
7- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ وَضْعُ الْحَمْلِ؛ لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الْعِدَّةِ تَعَرُّفُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِوَضْعِ الْحَمْلِ.وَفِي بَعْضِ صُوَرِ الْعِدَّةِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (عِدَّةٌ).
نَفَقَةُ الْحَامِلِ:
8- تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْحَامِلِ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.
9- وَفِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلْحَامِلِ النَّاشِزِ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ:
قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْحَامِلِ النَّاشِزِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حَيْثُ لَمْ تَحْمِلْ خَاصَّةٌ لَهَا فَتَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ، وَمَعَ حَمْلِهَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لَهَا وَلِلْحَمْلِ.وَعَدَمُ سُقُوطِ النَّفَقَةِ بِنُشُوزِ الْحَامِلِ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ نَفْسِهِ، وَالْحَامِلُ طَرِيقُ وُصُولِ النَّفَقَةِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِغِذَاءِ أُمِّهِ.
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ نَفَقَةَ الْحَامِلِ تَسْقُطُ بِنُشُوزِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا لَا لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لَهُ لَتَقَدَّرَتْ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ لَمَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَإِذَا كَانَ أَصْلُ النَّفَقَةِ لَهَا لَا لِلْحَمْلِ فَتَسْقُطُ بِنُشُوزِهَا.
وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَنَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ حُكْمَ الْحَامِلِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ فَعَلَى الزَّوْجِ أَوِ الْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُهُ فَلَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ، كَمَا بَعْدَ الْوَضْعِ، وَإِنْ قِيلَ لِلْحَامِلِ: لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ وَلَا عَلَى الزَّوْجِ مُدَّةَ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ.
10- أَمَّا الْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِمَوْتِ الزَّوْجِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ) لِحَدِيثِ: «لَيْسَ لِلْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَفَقَةٌ»، وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ إِنْ كَانَ لَهُ مِيرَاثٌ انْتَقَلَ إِلَى الْوَرَثَةِ، فَنَفَقَةُ الْحَمْلِ نَصِيبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِيرَاثٌ لَمْ يَلْزَمْ وَارِثَ الْمَيِّتِ الْإِنْفَاقُ عَلَى حَمْلِ امْرَأَتِهِ كَمَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ.
وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ: لَهَا النَّفَقَةُ فِي جَمِيعِ الْمَالِ.
11- أَمَّا الْحَامِلُ مِنَ الزِّنَى فَعِنْدَ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ نِكَاحِهَا إِنْ تَزَوَّجَهَا الزَّانِي يَحِلُّ وَطْؤُهَا وَلَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا اتِّفَاقًا، وَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَإِنْ وَجَبَتْ مَعَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ لَكِنْ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنَ الدُّخُولِ مِنْ جِهَتِهَا، وَهُنَا يُوجَدُ مَانِعٌ.
خُرُوجُ جَمِيعِ الْحَمْلِ:
12- الْوَضْعُ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ انْفِصَالُ جَمِيعِ الْحَمْلِ، حَتَّى إِذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ، فَتَصِحُّ مُرَاجَعَتُهَا وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ).وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهَا تَحِلُّ بِوَضْعِ ثُلُثَيِ الْحَمْلِ بِنَاءً عَلَى تَبَعِيَّةِ الْأَقَلِّ لِلْأَكْثَرِ.
وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ يَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ...وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْكُلِّ فِي حَقِّ انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ احْتِيَاطًا، وَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي حَقِّ حِلِّهَا لِلْأَزْوَاجِ احْتِيَاطًا.
13- وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ إِذَا كَانَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا إِلاَّ بِوَضْعِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ، وَالْعِدَّةُ شُرِعَتْ لِمَعْرِفَةِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْحَمْلِ، فَإِذَا عُلِمَ وُجُودُ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ فَقَدْ تَيَقَّنَ وُجُودُ الْمُوجِبِ لِلْعِدَّةِ، وَانْتَفَتِ الْبَرَاءَةُ الْمُوجِبَةُ لِانْقِضَائِهَا.وَهَذَا إِذَا كَانَ بَيْنَ وَضْعِ الْحَمْلِ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَمَّا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (عِدَّةٌ).
14- وَالْمُرَادُ بِالْحَمْلِ الَّذِي تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِهِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ وَلَوْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ مُضْغَةً تُصُوِّرَتْ، وَلَوْ صُورَةً خَفِيَّةً تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الثِّقَاتِ مِنَ الْقَوَابِلِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ).وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مُضْغَةً لَمْ تُتَصَوَّرْ لَكِنْ شَهِدَ الثِّقَاتُ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهَا مَبْدَأُ خِلْقَةِ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَتْ لَتُصُوِّرَتْ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِحُصُولِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِهِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِنُطْفَةٍ مُتَغَيِّرَةٍ، فَإِذَا كَانَ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً لَمْ تَتَغَيَّرْ وَلَمْ تُتَصَوَّرْ فَلَا يُعْرَفُ كَوْنُهَا مُتَغَيِّرَةً إِلاَّ بِاسْتِبَانَةِ بَعْضِ الْخَلْقِ.
أَمَّا إِذَا أَلْقَتْ نُطْفَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ دَمًا أَوْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَا صُورَةَ فِيهَا فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِهِ عِنْدَهُمْ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَانَ دَمًا اجْتَمَعَ بِحَيْثُ إِذَا صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْحَارُّ لَمْ يَذُبْ يُعْتَبَرُ حَمْلًا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِهِ.
وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحِ: (عِدَّةٌ).
تَصَرُّفَاتُ الْحَامِلِ:
15- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّ الْحَامِلَ لَهَا أَهْلِيَّةٌ تَامَّةٌ وَلَا تُحَدُّ تَصَرُّفَاتُهَا بِسَبَبِ الْحَمْلِ، وَلَا تُعْتَبَرُ مَرِيضَةً مَرَضَ الْمَوْتِ إِلاَّ إِذَا جَاءَهَا الطَّلْقُ؛ لِأَنَّهُ أَلَمٌ شَدِيدٌ يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ، فَأَشْبَهَتْ صَاحِبَ سَائِرِ الْأَمْرَاضِ الْمَخُوفَةِ.وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا أَلَمَ بِهَا، وَاحْتِمَالُ وُجُودِهِ خِلَافُ الْعَادَةِ، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِاحْتِمَالِهِ الْبَعِيدِ، كَمَا لَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ الْإِسْقَاطِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِلَى أَنَّ الْحَامِلَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تُعْتَبَرُ مَرِيضَةً مَرَضَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا تَتَوَقَّعُ الْوِلَادَةَ كُلَّ سَاعَةٍ.
وَيَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ لِلْحَجْرِ عَلَى الْحَامِلِ أَنْ تَكُونَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ بِيَوْمٍ كَامِلٍ عَلَى الْأَقَلِّ، فَلَوْ تَبَرَّعَتْ بَعْدَ السِّتَّةِ وَقَبْلَ تَمَامِ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ فِي السَّابِعِ بِأَنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ كَانَ تَبَرُّعُهَا مَاضِيًا.وَحَيْثُ اعْتُبِرَتِ الْحَامِلُ مَرِيضَةً مَرَضَ الْمَوْتِ، يَنْفُذُ تَبَرُّعُهَا بِمَا لَا يَزِيدُ عَنِ الثُّلُثِ، كَالْوَصِيَّةِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ مَرَضِ الْمَوْتِ.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي بَحْثِ: (مَرَضُ الْمَوْتِ).
اسْتِيفَاءُ الْحُدُودِ مِنَ الْحَامِلِ:
16- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى حَامِلٍ حَتَّى تَضَعَ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًى أَمْ غَيْرِهِ، فَلَا تُقْتَلُ إِذَا ارْتَدَّتْ، وَلَا تُرْجَمُ إِذَا زَنَتْ، وَلَا تُقْطَعُ إِذَا سَرَقَتْ، وَلَا تُجْلَدُ إِذَا قَذَفَتْ أَوْ شَرِبَتْ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي غَامِدٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي، قَالَ وَمَا ذَاكِ؟ قَالَتْ: إِنَّهَا حُبْلَى مِنْ زِنًى.قَالَ: أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا: ارْجِعِي حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِذًا لَا نَرْجُمُهَا، وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ تُرْضِعُهُ.فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: إِلَيَّ إِرْضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: فَرَجَمَهَا».
وَلِأَنَّ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا إِتْلَافًا لِمَعْصُومٍ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْحَدُّ رَجْمًا أَمْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَلَفُ الْوَلَدِ مِنْ سِرَايَةِ الضَّرْبِ وَالْقَطْعِ، وَرُبَّمَا سَرَى إِلَى نَفْسِ الْمَضْرُوبِ وَالْمَقْطُوعِ، فَيَفُوتُ الْوَلَدُ بِفَوَاتِهِ.
فَإِذَا وَضَعَتِ الْوَلَدَ، فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا لَا يُؤَخَّرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ يَتَكَفَّلُ بِرَضَاعِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَا تُحَدُّ حَتَّى تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ، وَهُوَ اللَّبَنُ أَوَّلَ النِّتَاجِ لِاحْتِيَاجِ الْوَلَدِ إِلَيْهِ غَالِبًا.أَمَّا إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ يَتَكَفَّلُ بِرَضَاعِهِ تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا، فَإِذَا وَضَعَتِ الْوَلَدَ وَانْقَطَعَ النِّفَاسُ وَكَانَتْ قَوِيَّةً يُؤْمَنُ تَلَفُهَا أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَتْ فِي نِفَاسِهَا أَوْ ضَعِيفَةً يُخَافُ عَلَيْهَا التَّلَفُ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهَا الْحَدُّ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَقْوَى، فَيُسْتَوْفَى الْحَدُّ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ فَوَاتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ)؛ لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ: «أَنَّ الْمَرْأَةَ انْطَلَقَتْ فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَجَاءَتْ بِهِ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لَهَا: انْطَلِقِي فَتَطَهَّرِي مِنَ الدَّمِ».
وَالتَّعْزِيرُ بِالْجَلْدِ وَنَحْوِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَدِّ جَلْدًا مِنْ حَيْثُ التَّأْخِيرُ وَعَدَمُهُ.
وَيُعْتَبَرُ قَوْلُهَا إِنِ ادَّعَتِ الْحَمْلَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِقَبُولِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَوْلَ الْغَامِدِيَّةِ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا، بَلْ بِظُهُورِ أَمَارَاتِ الْحَمْلِ.وَمِثْلُ الْحُدُودِ حُكْمُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ. (ر: حَدٌّ، قِصَاصٌ).
الِاعْتِدَاءُ عَلَى الْحَامِلِ:
17- الِاعْتِدَاءُ عَلَى الْحَامِلِ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ جَرِيمَةٌ كَالِاعْتِدَاءِ عَلَى أَيِّ إِنْسَانٍ يُنْظَرُ حُكْمُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (جِنَايَةٌ) فَإِذَا تَسَبَّبَ الِاعْتِدَاءُ فِي سُقُوطِ الْجَنِينِ مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ اتِّفَاقًا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةِ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ.ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ.فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا».
وَتَجِبُ الْغُرَّةُ أَيْضًا إِذَا أَسْقَطَتْهُ الْحَامِلُ بِدَوَاءٍ أَوْ فِعْلٍ كَضَرْبِ بَطْنِهَا مَثَلًا.وَالْغُرَّةُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ قِيمَتُهَا نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ أُمِّ الْجَنِينِ، تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ وَمَنْ مَعَهُمْ إِذَا كَانَ الِاعْتِدَاءُ عَمْدًا حَيْثُ يَقُولُونَ بِوُجُوبِهَا فِي مَالِ الْجَانِي. (ر غُرَّةٌ).
18- وَإِذَا أَلْقَتْ بِهِ حَيًّا حَيَاةً مُحَقَّقَةً بِأَنِ اسْتَهَلَّ صَارِخًا مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ بِسَبَبِ الِاعْتِدَاءِ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ وَكَفَّارَةٌ اتِّفَاقًا، إِذَا كَانَ الِاعْتِدَاءُ خَطَأً، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ عَمْدًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ).
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ إِذَا كَانَ عَمْدًا.وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (إِجْهَاضٌ، جَنِينٌ، غُرَّةٌ).
مَوْتُ الْحَامِلِ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَيٌّ:
19- صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ- وَهُوَ قَوْلُ سُحْنُونٍ وَابْنِ يُونُسَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ- بِأَنَّ الْحَامِلَ إِذَا مَاتَتْ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَيٌّ شُقَّ بَطْنُهَا وَيُخْرَجُ وَلَدُهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتِبْقَاءُ حَيٍّ بِإِتْلَافِ جُزْءٍ مِنَ الْمَيِّتِ، فَأَشْبَهَ مَا إِذَا اضْطُرَّ إِلَى أَكْلِ جُزْءٍ مِنَ الْمَيِّتِ، وَإِحْيَاءُ نَفْسٍ أَوْلَى مِنْ صِيَانَةِ مَيِّتٍ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ شَقُّ بَطْنِ الْمَيِّتِ لِإِخْرَاجِ مَالِ الْغَيْرِ مِنْهُ، فَلِإِبْقَاءِ الْحَيِّ أَوْلَى.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُبْقَرُ بَطْنُ حَامِلٍ عَنْ جَنِينٍ، وَلَوْ رُجِيَ خُرُوجُهُ حَيًّا؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ لَا يَعِيشُ عَادَةً وَلَا يَتَحَقَّقُ أَنْ يَحْيَا، فَلَا يَجُوزُ هَتْكُ حُرْمَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ».
وَفَصَّلَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ: إِنْ رُجِيَ حَيَاةُ الْجَنِينِ وَجَبَ شَقُّ بَطْنِهَا وَإِخْرَاجُهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ، فَإِنْ لَمْ تُرْجَ حَيَاتُهُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا لَا تُشَقُّ لَكِنَّهَا لَا تُدْفَنُ حَتَّى يَمُوتَ الْجَنِينُ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ قُدِرَ عَلَى إِخْرَاجِهِ بِحِيلَةٍ غَيْرِ شَقِّ الْبَطْنِ، كَأَنْ يَسْطُوَ عَلَيْهِ الْقَوَابِلُ فَيُخْرِجْنَهُ فُعِلَ.أَمَّا إِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا وَهِيَ حَيَّةٌ جَازَ قَطْعُ الْجَنِينِ لِإِنْقَاذِ حَيَاةِ الْأُمِّ بِلَا خِلَافٍ. (ر.إِجْهَاضٌ).
غُسْلُ وَتَكْفِينُ الْحَامِلِ:
20- إِنْ مَاتَتِ امْرَأَةٌ كَافِرَةٌ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ مُسْلِمٍ فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِجَوَازِ أَنْ يُغَسِّلَهَا وَيُكَفِّنَهَا الْمُسْلِمُ، وَالْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي جَوَازِ الْغُسْلِ شَامِلٌ لِسَائِرِ الْكُفَّارِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ تَغْسِيلُ وَتَكْفِينُ الْكَافِرِ وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ تَعْظِيمٌ لِلْمَيِّتِ وَتَطْهِيرٌ لَهُ، وَالْكَافِرُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَلَمْ يُعْثَرْ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْحَامِلِ إِذَا مَاتَتْ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ مِنْ مُسْلِمٍ.
وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمُ الْجَوَازِ مُطْلَقًا؛ حَيْثُ قَالُوا: بِعَدَمِ حُرْمَةِ جَنِينِ الْحَامِلِ حَتَّى يُولَدَ صَارِخًا.هَذَا، وَلَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَلَا الدُّعَاءُ لَهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
دَفْنُ الْحَامِلِ:
21- إِذَا مَاتَتِ الْحَامِلُ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَيٌّ يُؤَجَّلُ دَفْنُهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ وَلَدُهَا بِشَقِّ الْبَطْنِ أَوْ بِحِيلَةٍ إِنْ رُجِيَ خُرُوجُهُ حَيًّا أَوْ يُتَيَقَّنُ مَوْتُهُ، عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ.
وَصَرَّحَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِتَأْخِيرِ دَفْنِهَا وَلَوْ تَغَيَّرَتْ لِئَلاَّ يُدْفَنَ الْحَمْلُ حَيًّا.
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَيِّتَ يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا، وَفِي مَقَابِرِ الْكُفَّارِ إِذَا كَانَ كَافِرًا، وَلِهَذَا صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ- وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- بِأَنَّ الْحَامِلَ الْكَافِرَةَ تُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ وَلَوْ كَانَ فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ مِنْ مُسْلِمٍ بِشُبْهَةٍ، أَوْ نِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ، أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَسْلَمَ زَوْجُهَا؛ وَذَلِكَ لِعَدَمِ حُرْمَةِ جَنِينِهَا حَتَّى يُولَدَ صَارِخًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلُ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ: تُدْفَنُ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ لَا تُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَتَأَذَّوْا بِعَذَابِهَا، وَلَا فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا مُسْلِمٌ فَيَتَأَذَّى بِعَذَابِهِمْ.
وَنُقِلَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلٌ بِدَفْنِهَا فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْوَلَدِ.
وَيُجْعَلُ ظَهْرُهَا إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَانِبِهَا الْأَيْسَرِ لِيَكُونَ وَجْهُ الْجَنِينِ إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، قَالُوا: لِأَنَّ وَجْهَ الْجَنِينِ إِلَى ظَهْرِهَا.
ثَانِيًا: حَمْلُ الْحَيَوَانِ:
الْحَامِلُ مِنَ الْحَيَوَانِ لَهَا بَعْضُ الْأَحْكَامِ ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ فِي مَبَاحِثِ التَّذْكِيَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْأُضْحِيَّةِ وَالْبَيْعِ.وَفِيمَا يَلِي مُجْمَلُهَا.
أ- فِي التَّذْكِيَةِ:
22- إِذَا ذُبِحَ الْحَيَوَانُ وَوُجِدَ فِي بَطْنِهِ جَنِينٌ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ كَامِلِ الْخِلْقَةِ فَلَا يَحِلُّ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ مَيِّتًا وَيُعْلَمُ أَنَّ مَوْتَهُ كَانَ قَبْلَ تَذْكِيَةِ أُمِّهِ بِلَا خِلَافٍ.
وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً لَا يَحِلُّ إِلاَّ بِالتَّذْكِيَةِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذَكَاتِهَا.
أَمَّا إِنْ خَرَجَ بَعْدَ تَذْكِيَةِ الْحَامِلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلَمَ مَوْتُهُ قَبْلَ التَّذْكِيَةِ، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ تَذْكِيَةِ أُمِّهِ فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ) عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ».وَلِأَنَّ الْجَنِينَ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ خِلْقَةٍ يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا، وَيُبَاعُ بِبَيْعِهَا، فَتَكُونُ ذَكَاتُهُ بِذَكَاتِهَا كَأَعْضَائِهَا.وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحِلُّ حَتَّى يَخْرُجَ حَيًّا فَيُذَكَّى؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَنْفَرِدُ بِحَيَاتِهِ، فَلَا يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ غَيْرِهِ كَمَا بَعْدَ الْوَضْعِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (أَطْعِمَةٌ، وَتَذْكِيَةٌ).
ب- فِي الزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ:
23- لَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ الْحَامِلَ فِي زَكَاةِ الْحَيَوَانِ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ- رضي الله عنه-: لَا تُؤْخَذُ الرُّبَّى وَلَا الْمَاخِضُ وَلَا الْأَكُولَةُ وَالْمَاخِضُ هِيَ الْحَامِلُ.وَإِنْ تَطَوَّعَ رَبُّ الْمَالِ بِإِخْرَاجِهَا جَازَ أَخْذُهَا، وَلَهُ ثَوَابُ الْفَضْلِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
وَلَمْ يَذْكُرْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَمْلَ عَيْبًا فِي الْأُضْحِيَّةِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، حَيْثُ صَرَّحُوا بِعَدَمِ إِجْزَائِهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يُفْسِدُ الْجَوْفَ وَيُصَيِّرُ اللَّحْمَ رَدِيئًا. (ر: زَكَاةٌ، أُضْحِيَّةٌ).
ج- فِي الْبَيْعِ:
24- يَجُوزُ بَيْعُ الْحَامِلِ مَعَ جَنِينِهَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ فِي الْبَيْعِ أَوْ ذِكْرُ ثَمَنٍ مُسْتَقِلٍّ لِلْجَنِينِ فِي الْعَقْدِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا حِينَ الْعَقْدِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ، أَيْ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ وَمَا فِي أَرْحَامِ الْأَنْعَامِ وَالْخَيْلِ مِنَ الْأَجِنَّةِ.وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ أَيْ نِتَاجِ النِّتَاجِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ».
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
9-موسوعة الفقه الكويتية (ذكورة)
ذُكُورَةٌالتَّعْرِيفُ:
1- الذُّكُورَةُ لُغَةً خِلَافُ الْأُنُوثَةِ، وَالتَّذْكِيرُ خِلَافُ التَّأْنِيثِ، وَجَمْعُ الذَّكَرِ ذُكُورٌ، وَذُكُورَةٌ، وَذُكْرَانٌ، وَذِكَارَةٌ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا}.
وَمَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيُّ هُوَ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
2- الْخُنُوثَةُ: حَالَةٌ بَيْنَ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ (انْظُرْ مُصْطَلَحَ: خُنْثَى).
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالذُّكُورَةِ:
تَنَاوَلَ الْفُقَهَاءُ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالذُّكُورَةِ فِي عِدَّةِ أَبْوَابٍ مِنْهَا: فِي الصَّلَاةِ:
أ- الْإِمَامَةُ:
3- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الذُّكُورَةَ شَرْطٌ لِإِمَامَةِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ الْمَرْأَةُ رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً مِثْلَهَا، سَوَاءٌ كَانَتِ الصَّلَاةُ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً، وَسَوَاءٌ عُدِمَتِ الرِّجَالُ أَوْ وُجِدَتْ لِحَدِيثِ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً».
وَتَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ دُونَ الْمَرْأَةِ الَّتِي صَلَّتْ إِمَامًا فَتَصِحُّ صَلَاتُهَا.
وَوَافَقَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ- مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ- فِي مَنْعِ إِمَامَتِهَا لِلرِّجَالِ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا»، إِلاَّ أَنَّهُمْ خَالَفُوا الْمَالِكِيَّةَ فِي مَسْأَلَةِ إِمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلنِّسَاءِ فَيَرَوْنَ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ، وَالْحَنَفِيَّةُ يَرَوْنَ كَرَاهَةَ إِمَامَتِهَا لِلنِّسَاءِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَمَّتْ نِسْوَةً فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَقَامَتْ وَسْطَهُنَّ وَكَذَا أُمُّ سَلَمَةَ.كَمَا أَنَّ بَعْضَ الْحَنَابِلَةِ يَرَوْنَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ الْمَرْأَةُ الرِّجَالَ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَتَكُونُ وَرَاءَهُمْ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ- رضي الله عنها- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- جَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا».
وَذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ إِلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الرِّجَالِ وَرَاءَ الْمَرْأَةِ.
ب- صَلَاةُ الْجُمُعَةِ:
4- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ الذُّكُورَةُ الْمُحَقَّقَةُ، فَلَا تَجِبُ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا عَلَى خُنْثَى مُشْكِلٍ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلاَّ أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ، » وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلاَّ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَمْلُوكًا، فَمَنِ اسْتَغْنَى بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ اسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ، وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ».
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ حَضَرَتْ وَصَلَّتِ الْجُمُعَةَ صَحَّتْ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يُصَلِّينَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي مَسْجِدِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ النِّسَاءُ فِي الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ لِانْعِقَادِ الْجُمُعَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقْوَالِ فِي الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ.
فِي النِّكَاحِ:
5- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَتَوَلَّى عَقْدَ النِّكَاحِ.فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ- وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِي الْوَلِيِّ، وَأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا وَلَا غَيْرِهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، شَرِيفَةً أَوْ دَنِيئَةً، رَشِيدَةً أَوْ سَفِيهَةً، حُرَّةً أَوْ أَمَةً فَإِنْ فَعَلَتْ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ».
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ- وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ- يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الرَّشِيدَةِ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَنَفْسَ غَيْرِهَا، وَأَنْ تُوَكِّلَ فِي النِّكَاحِ لقوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}، وَلِأَنَّ التَّزْوِيجَ خَالِصُ حَقِّهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْمُبَاشَرَةِ، كَبَيْعِهَا وَبَاقِي تَصَرُّفَاتِهَا الْمَالِيَّةِ.
فِي الْجِهَادِ:
6- اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ الذُّكُورَةَ الْمُحَقَّقَةَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْجِهَادِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَلَا يَجِبُ جِهَادٌ عَلَى امْرَأَةٍ، وَلَا عَلَى خُنْثَى مُشْكِلٍ، لِمَا رَوَتْ «عَائِشَةُ- رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ} وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ لِضَعْفِهَا، وَبِنْيَتُهَا لَا تَحْتَمِلُ الْحَرْبَ عَادَةً، وَلِذَلِكَ لَا يُسْهَمُ لَهَا مِنَ الْغَنِيمَةِ فِي حَالَةِ حُضُورِهَا.أَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَلِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ مَعَ الشَّكِّ فِي هَذَا الشَّرْطِ.
وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ النَّفِيرُ عَامًّا- كَمَا يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ- فَأَمَّا إِذَا عَمَّ النَّفِيرُ بِأَنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ يُفْتَرَضُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَيَخْرُجُ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهُ، وَالْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا وَالْوَلَدُ بِغَيْرِ إِذْنِ وَالِدَيْهِ.
فِي الْجِزْيَةِ:
7- قَالَ الْفُقَهَاءُ: لَا تُضْرَبُ الْجِزْيَةُ إِلاَّ عَلَى الرِّجَالِ فَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ.لِأَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنِ اضْرِبُوا الْجِزْيَةَ وَلَا تَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
فِي الْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ:
أ- الْإِمَامَةُ الْعُظْمَى:
8- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ امْرَأَةٍ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً».وَلِكَيْ يَتَمَكَّنَ مِنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَيَتَفَرَّغَ لِتَصْرِيفِ شُئُونِ الْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْمَنْصِبَ تُنَاطُ بِهِ أَعْمَالٌ خَطِيرَةٌ، وَأَعْبَاءٌ جَسِيمَةٌ تُلَائِمُ الذُّكُورَةَ.
ب- الْقَضَاءُ:
9- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِي الْقَضَاءِ.فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِي الْقَاضِي، فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ تَتَوَلَّى الْمَرْأَةُ وَظِيفَةَ الْقَضَاءِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً».وَلَمْ يُوَلِّ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ وَلَا مَنْ بَعْدَهُمُ امْرَأَةً قَضَاءً وَلَا وِلَايَةَ بَلَدٍ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ جَمِيعُ الزَّمَانِ غَالِبًا.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ جَوَازَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ قَاضِيَةً فِي غَيْرِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهَا تُقْبَلُ فِي ذَلِكَ، وَأَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ- عِنْدَهُمْ- تَدُورُ مَعَ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فَمَا يُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ فِيهِ يَجُوزُ أَنْ تَتَوَلَّى الْقَضَاءَ فِيهِ، وَمَا لَا فَلَا.قَالَ الْكَاسَانِيُّ: أَمَّا الذُّكُورَةُ فَلَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِ جَوَازِ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ فِي الْجُمْلَةِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَتَوَلَّى الْمَرْأَةُ الْقَضَاءَ فِيمَا لَا حُدُودَ فِيهِ وَلَا قِصَاصَ.وَذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ إِلَى جَوَازِ تَوَلِّي الْمَرْأَةِ الْقَضَاءَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُفْتِيَةً، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قَاضِيَةً.
وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: قَضَاء.
10- وَهُنَاكَ أَحْكَامٌ أُخْرَى تَخْتَصُّ بِالذُّكُورَةِ مِنْهَا: فِي الْعَقِيقَةِ، وَالْمِيرَاثِ، وَتَطْهِيرِ بَوْلِ الرَّضِيعِ، وَفِي الْعَوْرَةِ، وَلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ، وَالشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ، وَفِي الشَّهَادَاتِ عَامَّةً، وَفِي زَكَاةِ الْأَنْعَامِ، وَفِي الدِّيَاتِ.وَتُنْظَرُ هَذِهِ كُلُّهَا وَغَيْرُهَا فِي مُصْطَلَحِ: (أُنُوثَة).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
10-موسوعة الفقه الكويتية (زكاة الفطر)
زَكَاةُ الْفِطْرِالتَّعْرِيفُ:
1- مِنْ مَعَانِي الزَّكَاةِ فِي اللُّغَةِ: النَّمَاءُ، وَالزِّيَادَةُ، وَالصَّلَاحُ، وَصَفْوَةُ الشَّيْءِ، وَمَا أَخْرَجْتَهُ مِنْ مَالِكِ لِتُطَهِّرَهُ بِهِ.
وَالْفِطْرُ: اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ قَوْلِكَ: أَفْطَرَ الصَّائِمُ إِفْطَارًا.
وَأُضِيفَتِ الزَّكَاةُ إِلَى الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ وُجُوبِهَا، وَقِيلَ لَهَا فِطْرَةٌ، كَأَنَّهَا مِنَ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ الْخِلْقَةُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: يُقَالُ لِلْمُخْرَجِ: فِطْرَةٌ.وَالْفِطْرَةُ- بِكَسْرِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ- وَهِيَ لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ وَلَا مُعَرَّبَةٌ بَلِ اصْطِلَاحِيَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ، فَتَكُونُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً عَلَى الْمُخْتَارِ، كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ.
وَزَكَاةُ الْفِطْرِ فِي الِاصْطِلَاحِ: صَدَقَةٌ تَجِبُ بِالْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ.
حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا:
2- حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ الرِّفْقُ بِالْفُقَرَاءِ بِإِغْنَائِهِمْ عَنِ السُّؤَالِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ، وَإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ فِي يَوْمٍ يُسَرُّ الْمُسْلِمُونَ بِقُدُومِ الْعِيدِ عَلَيْهِمْ، وَتَطْهِيرُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ شَهْرِ الصَّوْمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ.رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ».
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
3- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ.وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ».وَبِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ» وَهُوَ أَمْرٌ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ.
وَفِي قَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ مُقَابِلٌ لِلْمَشْهُورِ: إِنَّهَا سُنَّةٌ، وَاسْتَبْعَدَهُ الدُّسُوقِيُّ.
شَرَائِطُ وُجُوبِ أَدَاءِ زَكَاةِ الْفِطْرِ:
يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ أَدَائِهَا مَا يَلِي:
4- أَوَّلًا: الْإِسْلَامُ: وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا عَنْ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِسْلَامُ شَرْطًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مِنَ الْقُرَبِ، وَطُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ الرَّفَثِ وَاللَّغْوِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا إِنَّمَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا فِي الْآخِرَةِ.
5- ثَانِيًا: الْحُرِّيَّةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، وَمَنْ لَا يَمْلِكُ لَا يُمَلِّكُ.
6- ثَالِثًا: أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَعْنَى الْقُدْرَةِ عَلَى إِخْرَاجِهَا: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ مِلْكِ النِّصَابِ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ.وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْقُدْرَةِ عَلَى إِخْرَاجِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلنِّصَابِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ، أَوِ السَّوَائِمِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، أَوْ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ.
وَالنِّصَابُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ.فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ هَذَا الْقَدْرُ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَلْبَسٍ وَمَسْكَنٍ وَسِلَاحٍ وَفَرَسٍ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ.
وَفِي وَجْهٍ آخَرَ لِلْحَنَفِيَّةِ إِذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ نِصَابًا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ.وَلَا يَجْتَمِعُ جَوَازُ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمِقْدَارِ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ وَعِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ، بَلْ قَالُوا: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَرِضَ لِأَدَاءِ زَكَاةِ الْفِطْرِ إِذَا كَانَ يَرْجُو الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَرْجُو الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ.
وَاتَّفَقَ جَمِيعُ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ مِلْكِ النِّصَابِ عَلَى أَنَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي عِنْدَهُ إِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ.
اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ مِلْكِ النِّصَابِ بِأَنَّ مَنْ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَهُوَ غَنِيٌّ، فَمَا زَادَ عَلَى قُوتِ يَوْمِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ».
دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَهُوَ غَنِيٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّا زَادَ عَلَى قُوتِ يَوْمِهِ.
وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى اشْتِرَاطِ مِلْكِ النِّصَابِ بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا صَدَقَةَ إِلاَّ عَنْ ظَهْرِ غِنًى».وَالظَّهْرُ هَا هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْقُوَّةِ، فَكَأَنَّ الْمَالَ لِلْغَنِيِّ بِمَنْزِلَةِ الظَّهْرِ، عَلَيْهِ اعْتِمَادُهُ، وَإِلَيْهِ اسْتِنَادُهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ التَّصَدُّقَ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ إِذَا كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ مِنْ غِنًى، وَلَا يُعْتَبَرُ غَنِيًّا إِلاَّ إِذَا مَلَكَ نِصَابًا.
مَنْ تُؤَدَّى عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ:
7- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ يَجِبُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا عَنْ نَفْسِهِ مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا، وَعَنْ كُلِّ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَيَلِي عَلَيْهِ وِلَايَةً كَامِلَةً.وَالْمُرَادُ بِالْوِلَايَةِ أَنْ يَنْفُذَ قَوْلُهُ عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ أَوْ أَبَى، فَابْنُهُ الصَّغِيرُ، وَابْنَتُهُ الصَّغِيرَةُ، وَابْنُهُ الْكَبِيرُ الْمَجْنُونُ، كُلُّ أُولَئِكَ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِمْ بِمَا يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِالنَّفْعِ شَاءُوا أَوْ أَبَوْا.
وَيَنْبَنِي عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ يُخْرِجُهَا الشَّخْصُ عَنْ نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ».وَيُخْرِجُهَا عَنْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ، أَمَّا الْأَغْنِيَاءُ مِنْهُمْ، بِأَنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِمْ مَالٌ، أَوْ وَرِثُوا مَالًا، فَيُخْرِجُ الصَّدَقَةَ مِنْ مَالِهِمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ لَيْسَتْ عِبَادَةً مَحْضَةً، بَلْ فِيهَا مَعْنَى النَّفَقَةِ، فَتَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، كَمَا وَجَبَتِ النَّفَقَةُ فِي مَالِهِ لِأَقَارِبِهِ الْفُقَرَاءِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَجِبُ فِي مَالِ الْأَبِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ.
أَمَّا أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ، فَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَعَمَّنْ يَلُونَ عَلَيْهِمْ وِلَايَةً كَامِلَةً، وَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ لَا يُخْرِجُ الزَّكَاةَ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُمْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ إِلاَّ أَنَّهُ لَا يَلِي عَلَيْهِمْ وِلَايَةً كَامِلَةً فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِمْ إِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِمْ.وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ مَجْنُونًا، فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا أَخْرَجَ الصَّدَقَةَ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا دَفَعَ عَنْهُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَيَلِي عَلَيْهِ وِلَايَةً كَامِلَةً، فَلَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِدُونِ إِذْنِهِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِمُ الْمَذْكُورَةِ: لَا تَجِبُ عَنْ زَوْجَتِهِ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالنَّفَقَةِ، أَمَّا قُصُورُ الْوِلَايَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَلِي عَلَيْهَا إِلاَّ فِي حُقُوقِ النِّكَاحِ فَلَا تُخْرِجُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، أَمَّا التَّصَرُّفُ فِي مَالِهَا بِدُونِ إِذْنِهَا فَلَا يَلِي عَلَيْهِ.وَأَمَّا قُصُورُ النَّفَقَةِ فَلِأَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا إِلاَّ فِي الرَّوَاتِبِ كَالْمَأْكَلِ وَالْمَسْكَنِ وَالْمَلْبَسِ.وَكَمَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ زَوْجَتِهِ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ وَالِدَيْهِ وَأَقَارِبِهِ الْفُقَرَاءِ إِنْ كَانُوا كِبَارًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي عَلَيْهِمْ وِلَايَةً كَامِلَةً.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ يُخْرِجُهَا الشَّخْصُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ.وَهُمُ الْوَالِدَانِ الْفَقِيرَانِ، وَالْأَوْلَادُ الذُّكُورُ الْفُقَرَاءُ، وَالْإِنَاثُ الْفَقِيرَاتُ، مَا لَمْ يَدْخُلِ الزَّوْجُ بِهِنَّ.وَالزَّوْجَةُ وَالزَّوْجَاتُ وَإِنْ كُنَّ ذَوَاتَ مَالٍ، وَزَوْجَةُ وَالِدِهِ الْفَقِيرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ».أَيْ: تُنْفِقُونَ عَلَيْهِمْ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ يُخْرِجُهَا الشَّخْصُ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْ كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لِقَرَابَةٍ، أَوْ زَوْجِيَّةٍ، أَوْ مِلْكٍ، وَهُمْ:
أَوَّلًا: زَوْجَتُهُ غَيْرُ النَّاشِزَةِ وَلَوْ مُطَلَّقَةً رَجْعِيَّةً، سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَمْ لَا، أَمْ بَائِنًا حَامِلًا، لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِنَّ عَلَيْهِ.لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وَمِثْلُهَا الْخَادِمُ إِذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ غَيْرَ مُقَدَّرَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مُقَدَّرَةً بِأَنْ كَانَ يُعْطَى أَجْرًا كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ كُلَّ شَهْرٍ، لَا يُخْرِجُ عَنْهُ الصَّدَقَةَ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ وَالْأَجِيرُ لَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ.
ثَانِيًا: أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَإِنْ عَلَوْا، كَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ.
ثَالِثًا: فَرْعُهُ وَإِنْ نَزَلَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ فُقَرَاءَ.
وَقَالُوا: إِنْ كَانَ وَلَدُهُ الْكَبِيرُ عَاجِزًا عَنِ الْكَسْبِ أَخْرَجَ الصَّدَقَةَ عَنْهُ، وَقَالُوا: لَا يَلْزَمُ الِابْنَ فِطْرَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ إِخْرَاجُ الصَّدَقَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْ كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُخْرِجُهُ لِجَمِيعِهِمْ بَدَأَ بِنَفْسِهِ، فَزَوْجَتِهِ، فَأُمِّهِ، فَأَبِيهِ، ثُمَّ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِ الْإِرْثِ، فَالْأَبُ وَإِنْ عَلَا مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ الشَّقِيقِ، وَالْأَخُ الشَّقِيقُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ.أَمَّا ابْنُهُ الصَّغِيرُ الْغَنِيُّ فَيُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ.
سَبَبُ الْوُجُوبِ وَوَقْتُهُ:
8- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ لِلْمَالِكِيَّةِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ».دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ أَدَاءَهَا الَّذِي نَدَبَ إِلَيْهِ الشَّارِعُ هُوَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى مُصَلَّى الْعِيدِ، فَعُلِمَ أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهَا هُوَ يَوْمُ الْفِطْرِ، وَلِأَنَّ تَسْمِيَتَهَا صَدَقَةَ الْفِطْرِ، تَدُلُّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَهَا بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ إِنَّمَا يَكُونُ بِطُلُوعِ فَجْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَيْسَ بِفِطْرٍ؛ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيِ رَمَضَانَ يَصُومُ وَيُفْطِرُ، فَيُعْتَبَرُ مُفْطِرًا مِنْ صَوْمِهِ بِطُلُوعِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّ الْوُجُوبَ هُوَ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلْمَالِكِيَّةِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- صَدَقَةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ».
دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ تَجِبُ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَضَافَ الصَّدَقَةَ إِلَى الْفِطْرِ، وَالْإِضَافَةُ تَقْتَضِي الِاخْتِصَاصَ، أَيِ الصَّدَقَةَ الْمُخْتَصَّةَ بِالْفِطْرِ، وَأَوَّلُ فِطْرٍ يَقَعُ عَنْ جَمِيعِ رَمَضَانَ هُوَ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ.
وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ فِيمَنْ مَاتَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ: فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ تُخْرَجُ عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ وُجُوبِهَا، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ لَا تُخْرَجُ عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا، وَمَنْ وُلِدَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ تُخْرَجُ عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ وُجُوبِهَا كَانَ مَوْجُودًا، وَلَا تُخْرَجُ عَنْهُ الصَّدَقَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَقْتَ وُجُوبِهَا.
وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، لَا تُخْرَجُ عَنْهُ الصَّدَقَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ وُجُوبِهَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ تُخْرَجُ عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ وُجُوبِهَا كَانَ أَهْلًا.
وَقْتُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ:
9- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ أَدَاءِ زَكَاةِ الْفِطْرِ مُوَسَّعٌ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِأَدَائِهَا غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ، كَالزَّكَاةِ، فَهِيَ تَجِبُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِتَعَيُّنِهِ، فَفِي أَيِّ وَقْتٍ أَدَّى كَانَ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا، غَيْرَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ الذَّهَابِ إِلَى الْمُصَلَّى لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «اغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ». وَذَهَبَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ مُضَيَّقٌ كَالْأُضْحِيَّةِ، فَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ بِدُونِ عُذْرٍ كَانَ آثِمًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَاتَّفَقَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ لِمَنْ هِيَ لَهُ، وَهُمْ مُسْتَحِقُّوهَا، فَهِيَ دَيْنٌ لَهُمْ لَا يَسْقُطُ إِلاَّ بِالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلْعَبْدِ، أَمَّا حَقُّ اللَّهِ فِي التَّأْخِيرِ عَنْ وَقْتِهَا فَلَا يُجْبَرُ إِلاَّ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالنَّدَامَةِ.
إِخْرَاجُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا:
10- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَنْ وَقْتِهَا يَوْمَيْنِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما-: كَانُوا يُعْطُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنِ الصَّلَاةِ، وَمُحَرَّمٌ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ بِلَا عُذْرٍ؛ لِفَوَاتِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ إِغْنَاءُ الْفُقَرَاءِ عَنِ الطَّلَبِ فِي يَوْمِ السُّرُورِ، فَلَوْ أَخَّرَهَا بِلَا عُذْرٍ عَصَى وَقَضَى، لِخُرُوجِ الْوَقْتِ.
وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَنْ وَقْتِهَا سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ كَالزَّكَاةِ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا فِي رَمَضَانَ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلٌ مُصَحَّحٌ لِلْحَنَفِيَّةِ.
مِقْدَارُ الْوَاجِبِ:
11- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ إِخْرَاجُهُ فِي الْفِطْرَةِ صَاعٌ مِنْ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ الَّتِي يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْفِطْرَةِ مِنْهَا عَدَا الْقَمْحِ وَالزَّبِيبِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْمِقْدَارِ فِيهِمَا: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ إِخْرَاجُهُ فِي الْقَمْحِ هُوَ صَاعٌ مِنْهُ.
وَسَيَأْتِي بَيَانُ الصَّاعِ وَمِقْدَارُهُ كَيْلًا وَوَزْنًا.
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضي الله عنه- قَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ مَا عِشْتُ».
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ إِخْرَاجُهُ مِنَ الْقَمْحِ نِصْفُ صَاعٍ، وَكَذَا دَقِيقُ الْقَمْحِ وَسَوِيقُهُ، أَمَّا الزَّبِيبُ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ نِصْفُ صَاعٍ كَالْبُرِّ، لِأَنَّ الزَّبِيبَ تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَلَى قِيمَةِ الْقَمْحِ، وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ- أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ- إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ صَاعٌ مِنْ زَبِيبٍ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضي الله عنه-: «كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ يَعْنِي الْقَمْحَ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ، أَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ، كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ».دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الَّذِي كَانَ يُخْرَجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- صَاعٌ مِنَ الزَّبِيبِ.
اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى وُجُوبِ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- خَطَبَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَقَالَ: أَدُّوا صَاعًا مِنْ بُرٍّ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، عَنْ كُلِّ حُرٍّ، وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ».
نَوْعُ الْوَاجِبِ:
12- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ الْقِيمَةُ مِنَ النُّقُودِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ، أَوِ الْعُرُوضِ، لَكِنْ إِنْ أَخْرَجَ مِنَ الْبُرِّ أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ أَجْزَأَهُ نِصْفُ صَاعٍ، وَإِنْ أَخْرَجَ مِنَ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْرِ أَوِ الزَّبِيبِ فَصَاعٌ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ سُلْتٍ أَوْ زَبِيبٍ».قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ، وَكَثُرَتِ الْحِنْطَةُ جَعَلَ عُمَرُ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ، مَكَانَ صَاعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ. ثُمَّ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: مَا سِوَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا مِنَ الْحُبُوبِ كَالْعَدَسِ وَالْأُرْزِ، أَوْ غَيْرِ الْحُبُوبِ كَاللَّبَنِ وَالْجُبْنِ وَاللَّحْمِ وَالْعُرُوضِ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِقِيمَةِ الْأَشْيَاءِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، فَإِذَا أَرَادَ الْمُتَصَدِّقُ أَنْ يُخْرِجَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنَ الْعَدَسِ مَثَلًا، فَيُقَوِّمُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ نِصْفِ الصَّاعِ ثَمَانِيَةَ قُرُوشٍ مَثَلًا، أَخْرَجَ مِنَ الْعَدَسِ مَا قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةُ قُرُوشٍ مَثَلًا، وَمِنَ الْأُرْزِ وَاللَّبَنِ وَالْجُبْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا الشَّارِعُ، يُخْرِجُ مِنَ الْعَدَسِ مَا يُعَادِلُ قِيمَتَهُ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، إِلَى أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ كَالْعَدَسِ وَالْأُرْزِ، وَالْفُولِ وَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالتَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالدُّخْنِ.
وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ، إِلاَّ إِذَا اقْتَاتَهُ النَّاسُ وَتَرَكُوا الْأَنْوَاعَ السَّابِقَةَ، وَلَا يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ أَفْضَلَ، بِأَنِ اقْتَاتَ النَّاسُ الذُّرَةَ فَأَخْرَجَ قَمْحًا.وَإِذَا أَخْرَجَ مِنَ اللَّحْمِ اعْتُبِرَ الشِّبَعُ، فَإِذَا كَانَ الصَّاعُ مِنَ الْبُرِّ يَكْفِي اثْنَيْنِ إِذَا خُبِزَ، أَخْرَجَ مِنَ اللَّحْمِ مَا يُشْبِعُ اثْنَيْنِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ، وَلَوْ وُجِدَتْ أَقْوَاتٌ فَالْوَاجِبُ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ، وَقِيلَ: مِنْ غَالِبِ قُوتِهِ، وَقِيلَ: مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَقْوَاتِ، وَيُجْزِئُ الْأَعْلَى مِنَ الْأَدْنَى لَا الْعَكْسُ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنَ الْبُرِّ أَوَ التَّمْرِ أَوِ الزَّبِيبِ أَوِ الشَّعِيرِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ السَّابِقِ وَفِيهِ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ...» الْحَدِيثَ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْمُخْرَجُ قُوتًا.
وَيُجْزِئُ الدَّقِيقُ إِذَا كَانَ مُسَاوِيًا لِلْحَبِّ فِي الْوَزْنِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ أَخْرَجَ مِنْ كُلِّ مَا يَصْلُحُ قُوتًا مِنْ ذُرَةٍ أَوْ أُرْزٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
13- وَالصَّاعُ مِكْيَالٌ مُتَوَارَثٌ مِنْ عَهْدِ النُّبُوَّةِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْدِيرِهِ كَيْلًا، وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهِ بِالْوَزْنِ.وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (مَقَادِيرُ). مَصَارِفُ زَكَاةِ الْفِطْرِ:
14- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ تُصْرَفُ إِلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ آرَاءٍ: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ قِسْمَتِهَا عَلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي تُصْرَفُ فِيهَا زَكَاةُ الْمَالِ، وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (زَكَاة).
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ إِلَى تَخْصِيصِ صَرْفِهَا بِالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ قِسْمَتِهَا عَلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، أَوْ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ.
أَدَاءُ الْقِيمَةِ:
15- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي حُقُوقِ النَّاسِ لَا تَجُوزُ إِلاَّ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ لِصَدَقَةِ الْفِطْرِ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ حَتَّى يَجُوزَ رِضَاهُ أَوْ إبْرَاؤُهُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى لِيَتَيَسَّرَ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَيَّ شَيْءٍ يُرِيدُهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى الْحُبُوبِ بَلْ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَلَابِسَ، أَوْ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِعْطَاؤُهُ الْحُبُوبَ، يَضْطَرُّهُ إِلَى أَنْ يَطُوفَ بِالشَّوَارِعِ لِيَجِدَ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ الْحُبُوبَ، وَقَدْ يَبِيعُهَا بِثَمَنٍ بَخْسٍ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا الْحَقِيقِيَّةِ، هَذَا كُلُّهُ فِي حَالَةِ الْيُسْرِ، وَوُجُودِ الْحُبُوبِ بِكَثْرَةٍ فِي الْأَسْوَاقِ، أَمَّا فِي حَالَةِ الشِّدَّةِ وَقِلَّةِ الْحُبُوبِ فِي الْأَسْوَاقِ، فَدَفْعُ الْعَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْقِيمَةِ مُرَاعَاةً لِمَصْلَحَةِ الْفَقِيرِ وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي الزَّكَاةِ.
(
مَكَانُ دَفْعِ زَكَاةِ الْفِطْرِ:
16- تُفَرَّقُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَالُهُ فِيهِ أَمْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ هُوَ سَبَبُ وُجُوبِهَا، فَتُفَرَّقُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي سَبَبُهَا فِيهِ.
نَقْلُ زَكَاةِ الْفِطْرِ:
17- اخْتُلِفَ فِي نَقْلِ الزَّكَاةِ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَتَفْصِيلُهُ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (زَكَاة).
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
11-موسوعة الفقه الكويتية (مزارعة 2)
مُزَارَعَةٌ -2الشُّرُوطُ الْمُفْسِدَةُ لِلْمُزَارَعَةِ
19- الشُّرُوطُ الْمُفْسِدَةُ لِلْمُزَارَعَةِ هِيَ:
أ- شَرْطُ كَوْنِ الْمَحْصُولِ النَّاتِجِ مِنَ الْأَرْضِ كُلِّهِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَقَطْ، سَوَاءٌ كَانَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَمْ كَانَ لِلْمُزَارِعِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ.
ب- الشَّرْطُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةِ نَصِيبِ كُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ يَشْتَرِطُ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ كَمِّيَّةً مُحَدَّدَةً مِنَ الْمَحْصُولِ، أَوْ زَرْعَ نَاحِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلِلْآخَرِ زَرْعُ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَعُودُ إِلَى جَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، وَالْمُضَارَبَةَ مَعَ جَهَالَةِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَالْإِجَارَةَ مَعَ جَهَالَةِ الْأُجْرَةِ، كَمَا أَنَّهُ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، إِذْ مِنَ الْجَائِزِ أَلاَّ تُخْرِجَ الْأَرْضُ إِلاَّ الْقَدْرَ الَّذِي اشْتَرَطَهُ أَحَدُهُمَا لَهُ.
ج- شَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ وَحْدَهُ، أَوِ اشْتِرَاكُهُ مَعَ الْمَزَارِعِ فِي الْعَمَلِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَالْمُزَارَعَةُ شَرِكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَرْضٍ وَعَمَلٍ وَنَفَقَاتٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَوَجْهُ عَدَمِ جَوَازِ اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ، أَنَّهُ يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ وَكُلُّ شَرْطٍ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ فَاسِدًا كَمَا سَبَقَ.
أَمَّا لَوِ اسْتَعَانَ الْمُزَارِعُ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ فِي الْعَمَلِ فَأَعَانَهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ جَائِزًا عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ مِنْهُ فَقَطْ.
د- شَرْطُ كَوْنِ الْمَاشِيَةِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ، لِأَنَّ فِيهِ جَعْلَ مَنْفَعَةِ الْمَاشِيَةِ مَعْقُودًا عَلَيْهَا مَقْصُودَةً فِي بَابِ الْمُزَارَعَةِ وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ.
هـ- شَرْطُ الْحَمْلِ وَالْحِفْظِ عَلَى الْمُزَارِعِ بَعْدَ قِسْمَةِ الْمَحْصُولِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ الْأَرْضِ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
و- شَرْطُ حِفْظِ الزَّرْعِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ قَبْلَ الْحَصَادِ، لِأَنَّ هَذَا يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ وَهَذَا مُفْسِدٌ لِلْمُزَارَعَةِ- كَمَا سَبَقَ- نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
ز- شَرْطُ الْحَصَادِ وَالرَّفْعِ إِلَى الْبَيْدَرِ وَالدِّيَاسِ، وَالتَّذْرِيَةِ عَلَى الْعَامِلِ، لِأَنَّ الزَّرْعَ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَمَاؤُهُ وَصَلَاحُهُ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يَحْتَاجُ الزَّرْعُ إِلَيْهِ قَبْلَ تَنَاهِيهِ وَإِدْرَاكِهِ وَجَفَافِهِ مِمَّا يَرْجِعُ إِلَى إِصْلَاحِهِ، مِنَ السَّقْيِ وَالْحِفْظِ وَقَلْعِ الْحَشَاوَةِ، وَحَفْرِ الْأَنْهَارِ الدَّاخِلِيَّةِ، وَتَسْوِيَةِ الْمُسَنَّاةِ فَعَلَى الْمُزَارِعِ، لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الزَّرْعِ وَهُوَ النَّمَاءُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِ عَادَةً، فَكَانَ مِنْ تَوَابِعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَكَانَ مِنْ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ، فَيَكُونُ عَلَى الْمُزَارِعِ.
وَكُلُّ عَمَلٍ يَكُونُ بَعْدَ تَنَاهِي الزَّرْعِ وَإِدْرَاكِهِ وَجَفَافِهِ قَبْلَ قِسْمَةِ الْحَبِّ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِخُلُوصِ الْحَبِّ وَتَنْقِيَتِهِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِ الْخَارِجِ، أَيْ يَتَحَمَّلُ مِنْ نَفَقَاتِهِ بِنِسْبَةِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْمَحْصُولِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ.
وَكُلُّ عَمَلٍ يَكُونُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مِنَ الْحَمْلِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِإِحْرَازِ الْمَقْسُومِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ فَيَلْزَمُهُ دُونَ غَيْرِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَجَازَ شَرْطَ الْحَصَادِ وَالرَّفْعِ إِلَى الْبَيْدَرِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَى الزَّارِعِ، لِتَعَامُلِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ وَابْنِ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.
ح- اشْتِرَاطُ صَاحِبِ الْأَرْضِ عَلَى الْمُزَارِعِ عَمَلًا يَبْقَى أَثَرُهُ وَمَنْفَعَتُهُ إِلَى مَا بَعْدَ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ كَبِنَاءِ حَائِطٍ وَحَفْرِ النَّهَرِ الْكَبِيرِ وَرَفْعِ الْمُسَنَّاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَبْقَى أَثَرُهُ وَمَنْفَعَتُهُ إِلَى مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
ط- شَرْطُ الْكِرَابِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ إِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَإِنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَالْعَقْدُ فِي جَانِبِ رَبِّ الْأَرْضِ، يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا الشَّرْطُ بِعَدَمِ التَّخْلِيَةِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جَانِبِ رَبِّ الْأَرْضِ فَلُزُومُ الْعَقْدِ فِي جَانِبِهِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ إِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ وَالْكِرَابُ يَسْبِقُ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلِ الزِّرَاعَةِ فِي أَرْضٍ مَكْرُوبَةٍ (مَقْلُوبَةٍ) نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ.
ي- اشْتِرَاطُ الْبَذْرِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ مَعًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
ك- اشْتِرَاطُ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنْ لَا يَأْخُذَ كُلٌّ مِنَ الْمُشْتَرِكَيْنِ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَدْرِ بَذْرِهِ، كَمَا سَبَقَ.
ل- شَرْطُ التِّبْنِ لِمَنْ لَا يَكُونُ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ، وَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَشْتَرِطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعُ أَنْ يُقْسَمَ التِّبْنُ وَنَحْوُهُ كَالْحَطَبِ وَقَشِّ الْأُرْزِ وَالدَّرِيسِ بَيْنَهُمَا، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ، لِأَنَّهُ مُقَرِّرٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْخَارِجِ مِنَ الزَّرْعِ مِنْ مَعَانِيهِ وَلَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِهِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ
وَالْمَالِكِيَّةُ.
الثَّانِي: أَنْ يَسْكُتَا عَنْهُ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَفْسُدُ الْعَقْدُ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ التِّبْنِ وَالْحَبِّ مَقْصُودٌ مِنَ الْعَقْدِ، فَكَانَ السُّكُوتُ عَنِ التِّبْنِ بِمَنْزِلَةِ السُّكُوتِ عَنِ الْحَبِّ وَهَذَا مُفْسِدٌ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هَذَا.
وَيَرَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَدَمَ الْفَسَادِ إِذَا سَكَتَا عَنْ ذِكْرِ التِّبْنِ، وَيَكُونُ التِّبْنُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ مِنْهُمَا، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبَ الْأَرْضِ أَمِ الْمُزَارِعَ، لِأَنَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ صَاحِبُ الْبَذْرِ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِبَذْرِهِ لَا بِالشَّرْطِ، فَكَانَ شَرْطُ التِّبْنِ لِأَحَدِهِمَا وَالسُّكُوتُ عَنْهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ مُحَمَّدًا رَجَعَ إِلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: التِّبْنُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا تَبَعًا لِلْحَبِّ، لِأَنَّ التِّبْنَ كَالْحَبِّ كُلٌّ مِنْهُمَا يُعْتَبَرُ مِنْ نِتَاجِ الْأَرْضِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْقَسِمَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ عَلَى حَسَبِ النِّسْبَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا لِتَقْسِيمِ الْحَبِّ ذَاتِهِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يَكُونَ التِّبْنُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ.
وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَطَاهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ جَازَ هَذَا الشَّرْطُ وَيَكُونُ لَهُ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لِكَوْنِهِ نَمَاءُ مِلْكِهِ فَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُهُ إِلاَّ تَأْكِيدًا.
وَإِنْ شَرَطَاهُ لِمَنْ لَا بَذْرَ لَهُ فَسَدَتِ الْمُزَارَعَةُ، لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ صَاحِبِ الْبَذْرِ لِلتِّبْنِ بِالْبَذْرِ لَا بِالشَّرْطِ، لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَنَمَاءُ مِلْكِ الْإِنْسَانِ مِلْكُهُ، فَصَارَ شَرْطُ كَوْنِ التِّبْنِ لِمَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ كَوْنِ الْحَبِّ لَهُ، وَذَا مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، كَذَا هَذَا.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ التِّبْنَ يُقْسَمُ بَيْنَ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ عَلَى مَا تَعَامَلَا عَلَيْهِ، لِأَنَّ التِّبْنَ كَالْحَبِّ فَيُقْسَمُ عَلَيْهِمَا كَمَا يُقْسَمُ الْحَبُّ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يُصَابُ الزَّرْعُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ إِلاَّ التِّبْنَ، فَلَوِ اسْتَقَلَّ بِهِ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ الْآخَرَ لَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْخَارِجِ شَيْئًا، وَهَذَا يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ لَوَازِمِ الْعَقْدِ، وَيَكُونُ كَمَنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لَهُ، أَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ كَمِّيَّةً مُعَيَّنَةً مِنَ الْمَحْصُولِ.
صُوَرٌ مِنَ الْمُزَارَعَةِ:
20- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ صُوَرٍ مِنَ الْمُزَارَعَةِ: مِنْهَا الصَّحِيحَةُ، وَهِيَ مَا اسْتَوْفَتْ شُرُوطَ صِحَّتِهَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا، وَمِنْهَا الْفَاسِدَةُ، وَهِيَ الَّتِي فَقَدَتْ شَرْطًا مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ.
وَفِيمَا يَلِي بَعْضُ هَذِهِ الصُّوَرِ.
صُوَرٌ مِنَ الْمُزَارَعَةِ الصَّحِيحَةِ
21- أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مِنْ جَانِبٍ، وَالْبَاقِي كُلُّهُ مِنْ أَرْضٍ وَبَذْرٍ وَمَاشِيَةٍ وَآلَاتٍ وَنَفَقَاتٍ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ.
وَقَدْ نَصَّ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الصُّورَةِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَوَجْهُ صِحَّتِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ لَا غَيْرُ، لِيَعْمَلَ لَهُ فِي أَرْضِهِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْهَا، الَّذِي هُوَ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَهُوَ الْبَذْرُ.
وَيَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ لِصِحَّةِ هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يَنْعَقِدَ بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ، فَإِنْ عَقَدَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا إِجَارَةٌ بِجُزْءٍ مَجْهُولٍ، وَإِنْ أَطْلَقَا الْقَوْلَ فَقَدْ حَمَلَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى الْإِجَارَةِ فَمَنَعَهَا، وَحَمَلَهَا سَحْنُونٌ عَلَى الشَّرِكَةِ فَأَجَازَهَا، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْأَوَّلُ أَيْ: حَمْلُهَا عَلَى الْإِجَارَةِ، فَلَا تَجُوزُ.
22- أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِنْ جَانِبٍ، وَالْبَاقِي كُلُّهُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ جَائِزَةٌ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْعَمَلُ مِنَ الْعَامِلِ كَانَتِ الْمُزَارَعَةُ صَحِيحَةً وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُزَارَعَةِ فَقَدْ عَامَلَ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم- أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى هَذَا.
وَوَجْهُ صِحَّةِ هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْعَامِلَ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ لَا غَيْرُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْهَا الَّذِي هُوَ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَهُوَ الْبَذْرُ.
23- أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ مِنْ جَانِبٍ، وَالْعَمَلُ وَالْمَاشِيَةُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَهُوَ الْمُزَارِعُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الصُّورَةِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَوَجْهُ صِحَّةِ هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ هَذَا اسْتِئْجَارٌ لِلْعَامِلِ لَا غَيْرُ مَقْصُودًا، فَأَمَّا الْبَذْرُ فَغَيْرُ مُسْتَأْجَرٍ مَقْصُودًا وَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنَ الْأُجْرَةِ بَلْ هِيَ تَوَابِعُ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْعَامِلِ، لِأَنَّهُ آلَةٌ لِلْعَمَلِ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَابِعًا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَانَ جَارِيًا مَجْرَى الصِّفَةِ لِلْعَمَلِ، فَكَانَ الْعَقْدُ عَقْدًا عَلَى عَمَلٍ جَيِّدٍ، وَالْأَوْصَافُ لَا قِسْطَ لَهَا مِنَ الْعِوَضِ فَأَمْكَنَ أَنْ تَنْعَقِدَ إِجَارَةً ثُمَّ تَتِمَّ شَرِكَةً بَيْنَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَمَنْفَعَةِ الْعَامِلِ.
24- أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْجَمِيعِ، أَرْضًا وَعَمَلًا وَبَذْرًا وَمَاشِيَةً وَنَفَقَاتٍ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَفْضُلُ صَاحِبَهُ بِشَيْءِ.
وَقَدْ نَصَّ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الصُّورَةِ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ.
وَوَجْهُ صِحَّةِ هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: وَإِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاشْتَرَطَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِيهَا جَمِيعًا سَنَتَهُمَا هَذِهِ بِبَذْرِهِمَا وَبَقَرِهِمَا، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهُوَ جَائِزٌ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَامِلٌ فِي نَصِيبِهِ مِنَ الْأَرْضِ بِبَذْرِهِ وَبَقَرِهِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِصَاحِبِهِ شَيْئًا مِنَ الْخَارِجِ مِنْهُ، فَإِنِ اشْتَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا ثَلَاثًا كَانَ فَاسِدًا، لِأَنَّ الَّذِي شَرَطَ لِنَفْسِهِ الثُّلُثَ كَأَنَّهُ دَفَعَ نَصِيبَهُ مِنَ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ إِلَى صَاحِبِهِ مُزَارَعَةً بِثُلُثِ الْخَارِجِ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ هُوَ مَعَهُ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، وَلِأَنَّ مَا شُرِطَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ لِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ يَكُونُ أُجْرَةً لَهُ عَلَى عَمَلِهِ، وَإِنَّمَا يَعْمَلُ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ، فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا وَالْخَارِجُ كَذَلِكَ كَانَ جَائِزًا، لِأَنَّ الَّذِي شَرَطَ لِنَفْسِهِ ثُلُثَ الْخَارِجِ كَأَنَّهُ أَعَارَ شَرِيكَهُ ثُلُثَ نَصِيبِهِ مِنَ الْأَرْضِ وَأَعَانَهُ بِبَعْضِ الْعَمَلِ وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَوِ اشْتَرَطَا أَنَّ الْخَارِجَ نِصْفَانِ كَانَ فَاسِدًا، لِأَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْهُ ثُلُثُ الْبَذْرِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ بَعْضَ الْخَارِجِ مِنْ بَذْرِ شَرِيكِهِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِعَمَلِهِ وَالْعَامِلُ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى غَيْرِهِ، إِذْ هُوَ يَصِيرُ دَافِعًا سُدُسَ الْأَرْضِ مِنْ شَرِيكِهِ مُزَارَعَةً بِجَمِيعِ الْخَارِجِ مِنْهُ، وَذَلِكَ فَاسِدٌ، ثُمَّ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ بَذْرِهِمَا، وَعَلَى صَاحِبِ ثُلُثَيِ الْبَذْرِ أَجْرُ مِثْلِ سُدُسِ الْأَرْضِ لِشَرِيكِهِ، لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنَ الْأَرْضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ الزَّرْعِ طَيِّبًا لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا سُدُسُ الزَّرْعِ فَإِنَّهُ يُدْفَعُ مِنْهُ رُبُعُ بَذْرِهِ الَّذِي بَذَرَهُ، وَمَا غَرِمَ مِنَ الْأَجْرِ وَالنَّفَقَةِ فِيهِ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ، لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ الزَّرْعِ طَيِّبًا لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ لِثَلَاثَةٍ فَاشْتَرَكُوا عَلَى أَنْ يَزْرَعُوهَا بِبَذْرِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ وَأَعْوَانِهِمْ عَلَى أَنَّ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَالِهِمْ فَهُوَ جَائِزٌ، لِأَنَّ أَحَدَهُمْ لَا يَفْضُلُ صَاحِبَيْهِ بِشَيْءٍ.
25- إِذَا قَابَلَ بَذْرَ أَحَدِهِمَا عَمَلٌ مِنَ الْآخَرِ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا بِمِلْكٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ كَانَتْ مُبَاحَةً، وَتَسَاوَتْ قِيمَةُ الْعَمَلِ وَالْبَذْرِ فَإِنَّ الشَّرِكَةَ تَكُونُ صَحِيحَةً، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ.
26- إِذَا قَابَلَ الْأَرْضَ وَبَعْضَ الْبَذْرِ عَمَلٌ مِنَ الْآخَرِ مَعَ بَعْضِ الْبَذْرِ، نَصَّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ.
وَشَرْطُ صِحَّةِ هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا يَنْقُصَ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ مِنَ الرِّبْحِ عَنْ نِسْبَةِ بَذْرِهِ بِأَنْ زَادَ مَا يَأْخُذُهُ عَلَى بَذْرِهِ أَوْ سَاوَاهُ عَلَى الْأَقَلِّ.
مِثَالُ الزِّيَادَةِ: أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَثُلُثَيِ الْبَذْرِ، وَالثَّانِي الْعَمَلَ وَثُلُثَ الْبَذْرِ، عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ نِصْفَ الرِّبْحِ، فَفِي هَذَا الْمِثَالِ يَكُونُ الْعَامِلُ قَدْ أَخَذَ أَزْيَدَ مِنْ نِسْبَةِ مَالِهِ مِنَ الْبَذْرِ فَتَكُونُ الْمُزَارَعَةُ صَحِيحَةً.
وَمِثَالُ الْمُسَاوَاةِ: أَنْ يَأْخُذَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الثُّلُثَيْنِ مِنَ الرِّبْحِ وَيَأْخُذَ الْعَامِلُ الثُّلُثَ، فَفِي هَذَا الْمِثَالِ يَكُونُ الْعَامِلُ قَدْ أَخَذَ مَا يُسَاوِي مِثْلَ نِسْبَةِ مَالِهِ مِنَ الْبَذْرِ فَتَكُونُ الْمُزَارَعَةُ صَحِيحَةً كَذَلِكَ.
أَمَّا لَوْ أَخَذَ الْعَامِلُ أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ فَإِنَّ الْمُزَارَعَةَ تَكُونُ فَاسِدَةً، لِأَنَّهُ أَخَذَ أَقَلَّ مِنْ نِسْبَةِ مَالِهِ مِنَ الْبَذْرِ.
وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَا تَصِحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لِأَنَّ الْبَذْرَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمَا كَمَا سَبَقَ.
27- أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالْمَاشِيَةُ مِنْ جَانِبٍ، وَالْعَمَلُ وَالْبَذْرُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ.
وَهَذِهِ الصُّورَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ مِنْ جَانِبٍ جَازَ، وَجُعِلَتْ مَنْفَعَةُ الْمَاشِيَةِ تَابِعَةً لِمَنْفَعَةِ الْعَامِلِ، فَكَذَا إِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ وَالْمَاشِيَةُ مِنْ جَانِبٍ، فَإِنَّهَا تَجُوزُ، وَتُجْعَلُ مَنْفَعَةُ الدَّوَابِّ تَابِعَةً لِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ.
وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْعَامِلَ هُنَا يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ وَالْمَاشِيَةِ جَمِيعًا مَقْصُودًا بِبَعْضِ الْخَارِجِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ هُنَا لِاخْتِلَافِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمَاشِيَةِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ فَبَقِيَتْ أَصْلًا بِنَفْسِهَا، فَكَانَ هَذَا اسْتِئْجَارًا لِلْمَاشِيَةِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ أَصْلًا وَمَقْصُودًا، وَاسْتِئْجَارُ الْمَاشِيَةِ مَقْصُودًا بِبَعْضِ الْخَارِجِ لَا يَجُوزُ.
صُوَرٌ مِنَ الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ
28- أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ وَالدَّوَابُّ مِنْ جَانِبٍ، وَالْأَرْضُ وَالْعَمَلُ مِنَ الْجَانِبِ، الْآخَرِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ وَالْعَامِلِ مَعًا بِبَعْضِ الْمَحْصُولِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ مَعًا فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ يُفْسِدُ الْمُزَارَعَةَ، لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَوْرِدِ الْأَصْلِ.
29- أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ طَرَفٍ، وَالْبَاقِي كُلُّهُ مِنَ الطَّرَفِ، الْآخَرِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ وَوَجْهُ فَسَادِ هَذِهِ الصُّورَةِ هُوَ وَجْهُ فَسَادِ الصُّورَةِ الْأُولَى، حَيْثُ جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَمَلِ فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا عَلَى خِلَافِ مَوْرِدِ الشَّرْعِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ بِالْجِوَازِ فِي الصُّورَتَيْنِ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَهُ، أَنَّ اسْتِئْجَارَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا يَجُوزُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ.
30- أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْبَذْرِ مِنَ الْمُزَارِعِ، وَالْبَعْضُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
وَوَجْهُ فَسَادِ هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا صَاحِبَهُ فِي قَدْرِ بَذْرِهِ، فَيَجْتَمِعُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا يُفْسِدُ الْمُزَارَعَةَ.
وَوَجْهُ فَسَادِهَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْبَذْرَ لَا يَكُونُ إِلاَّ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَامِلِ طِبْقًا لِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ كَالْمُضَارَبَةِ.
وَلَكِنْ هَذِهِ الصُّورَةُ صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَشْتَرِكَ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَالْمُزَارَعُ فِي الْبَذْرِ كَمَا سَبَقَ.
31- أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِنْ جَانِبٍ، وَالْبَذْرُ وَالْمَاشِيَةُ مِنْ جَانِبٍ، بِأَنْ دَفَعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَرْضَهُ إِلَى الْمُزَارِعِ لِيَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَمَاشِيَتِهِ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنَ الْأَرْضِ فَثُلُثُهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَثُلُثَاهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَالْمَاشِيَةِ، وَثُلُثُهُ لِذَلِكَ الْعَامِلِ الْآخَرِ، هَذِهِ الْمُزَارَعَةُ صَحِيحَةٌ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَالْمُزَارِعُ الْأَوَّلُ، وَفَاسِدَةٌ فِي حَقِّ الْمُزَارِعِ الثَّانِي، وَيَكُونُ ثُلُثُ الْخَارِجِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَثُلُثَاهُ لِلْمَزَارِعِ الْأَوَّلِ، وَلِلْعَامِلِ الْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ.
قَالَ الْكَاسَانِيُّ الْحَنَفِيُّ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ الْمُزَارَعَةُ فِي حَقِّ الْكُلِّ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ وَهُوَ الْمُزَارِعُ الْأَوَّلُ جَمَعَ بَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُفْسِدٌ لِلْمُزَارَعَةِ بِكَوْنِهِ خِلَافَ مَوْرِدِ الشَّرْعِ، وَمَعَ ذَلِكَ حُكِمَ بِصِحَّتِهَا فِي حَقِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيمَا بَيْنَ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ وَقَعَ اسْتِئْجَارًا لِلْأَرْضِ لَا غَيْرُ وَهَذَا جَائِزٌ، وَفِيمَا بَيْنَ الْمُزَارِعَيْنِ وَقَعَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ جَمِيعًا وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَقْدِ الْوَاحِدِ جِهَتَانِ، جِهَةُ الصِّحَّةِ وَجِهَةُ الْفَسَادِ خُصُوصًا فِي حَقِّ شَخْصَيْنِ، فَيَكُونُ صَحِيحًا فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا وَفَاسِدًا فِي حَقِّ الْآخَرِ.
أَمَّا لَوْ كَانَ الْبَذْرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَإِنَّ الْمُزَارَعَةَ تَقَعُ صَحِيحَةً فِي حَقِّ الْجَمِيعِ وَيَكُونُ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلَيْنِ مَعًا، وَالْجَمْعُ بَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْعَامِلَيْنِ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ وَإِذَا صَحَّ الْعَقْدُ كَانَ النَّمَاءُ عَلَى الشَّرْطِ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ.
32- إِذَا قَالَ صَاحِبُ الْأَرْضِ لِرَجُلٍ: أَنَا أَزْرَعُ الْأَرْضَ بِبَذْرِي، وَعَوَامِلِي، وَيَكُونُ سَقْيُهَا مِنْ مَائِكَ، وَالزَّرْعُ بَيْنَنَا، فَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: لَا تَصِحُّ، لِأَنَّ مَوْضِعَ الْمُزَارَعَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْأَرْضُ مِنَ الْآخَرِ، وَلَيْسَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاءِ هُنَا أَرْضٌ وَلَا عَمَلٌ، لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى وَلَا يُسْتَأْجَرُ، فَكَيْفَ تَصِحُّ بِهِ الْمُزَارَعَةُ؟
وَقَدِ اخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ كُلٌّ مِنَ الْقَاضِي وَابْنُ قُدَامَةَ، وَعَلَّلَ الْأَخِيرُ هَذَا الِاخْتِيَارَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ.
وَالثَّانِيَةُ: تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ، لِأَنَّ الْمَاءَ أَحَدُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا الزَّرْعُ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا كَالْأَرْضِ وَالْعَمَلِ، وَقَدِ اخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَبُو بَكْرٍ وَنَقَلَهَا عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ وَحَرْبٌ.
33- إِذَا قَالَ صَاحِبُ الْأَرْضِ لآِخَرَ: أَجَّرْتُكَ نِصْفَ أَرْضِي هَذِهِ بِنِصْفِ بَذْرِكَ وَنِصْفِ مَنْفَعَتِكَ وَمَنْفَعَةِ مَاشِيَتِكَ، وَأَخْرَجَ الْمُزَارِعُ الْبَذْرَ كُلَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ، لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَجْهُولَةٌ وَإِذَا جُهِلَتْ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَهَا أُجْرَةً لِأَرْضٍ أُخْرَى لَمْ يَجُزْ، وَيَكُونُ الزَّرْعُ كُلُّهُ لِلْمُزَارِعِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ.
وَإِنْ أَمْكَنَ عِلْمُ الْمَنْفَعَةِ وَضَبْطُهَا بِمَا لَا تَخْتَلِفُ مَعَهُ مَعْرِفَةُ الْبَذْرِ جَازَ وَكَانَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا.
وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ أَيْضًا، لِأَنَّ الْبَذْرَ عِوَضٌ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مَبِيعًا وَمَا حَصَلَ فِيهِ قَبْضٌ.
وَإِنْ قَالَ لَهُ: آجَرْتُكَ نِصْفَ أَرْضِي بِنِصْفِ مَنْفَعَتِكَ وَمَنْفَعَةِ مَاشِيَتِكَ، وَأَخْرَجَا الْبَذْرَ مَعًا، فَهِيَ كَالصُّورَةِ السَّابِقَةِ، إِلاَّ أَنَّ الزَّرْعَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، نَصَّ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ.
50 34- إِذَا اشْتَرَكَ أَرْبَعَةٌ فِي عَقْدِ مُزَارَعَةٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمُ الْأَرْضُ، وَمِنَ الثَّانِي الْمَاشِيَةُ، وَمِنَ الثَّالِثِ الْبَذْرُ، وَمِنَ الرَّابِعِ الْعَمَلُ فَسَدَتِ الْمُزَارَعَةُ، وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الصُّورَةِ.
وَلَوِ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ: مِنْ أَحَدِهِمُ الْأَرْضُ، وَمِنَ الثَّانِي الْبَذْرُ، وَمِنَ الثَّالِثِ الْمَاشِيَةُ وَالْعَمَلُ، عَلَى أَنْ يُقْسَمَ الْمَحْصُولُ بَيْنَهُمْ فَسَدَتِ الْمُزَارَعَةُ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ.
وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ هَذَا الْعَقْدُ جَائِزٌ.
آثَارُ الْمُزَارَعَةِ
تَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُزَارَعَةِ آثَارٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صِحَّتِهَا أَوْ فَسَادِهَا.
أَوَّلًا: الْآثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْمُزَارَعَةِ الصَّحِيحَةِ
35- إِذَا تَوَافَرَتْ شُرُوطُ صِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ انْعَقَدَتْ صَحِيحَةً وَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْآثَارُ الْآتِيَةُ:
أ- عَلَى الْمُزَارِعِ كُلُّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْمُزَارَعَةِ مِمَّا يَحْتَاجُ الزَّرْعُ إِلَيْهِ لِنَمَائِهِ وَصَلَاحِ حَالِهِ، كَالرَّيِّ وَالْحِفْظِ وَتَطْهِيرِ الْمَرَاوِي الدَّاخِلِيَّةِ وَالتَّسْمِيدِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ قَدْ تَنَاوَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَيَكُونُ مُلْزَمًا بِهَا.
ب- عَلَى الْمُزَارِعِ تَقْلِيبُ الْأَرْضِ بِالْحَرْثِ (الْكِرَابِ) إِنِ اشْتُرِطَ فِي الْعَقْدِ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ صَحِيحٌ فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنْ سَكَتَا عَنْهُ وَلَمْ يَشْتَرِطَاهُ، أُجْبِرَ عَلَيْهِ أَيْضًا إِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ لَا تُخْرِجُ زَرْعًا أَصْلًا بِدُونِهِ، أَوْ كَانَ مَا تُخْرِجُهُ قَلِيلًا لَا يُقْصَدُ مِثْلُهُ بِالْعَمَلِ، لِأَنَّ مُطْلَقَ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ يَقَعُ عَلَى الزِّرَاعَةِ الْمُعْتَادَةِ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ مِمَّا تُخْرِجُ الزَّرْعَ بِدُونِ حَاجَةٍ إِلَى الْحَرْثِ زَرْعًا مُعْتَادًا يُقْصَدُ مِثْلُهُ فِي عُرْفِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْمُزَارِعُ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ.
وَعَلَى هَذَا إِذَا امْتَنَعَ الْمُزَارِعُ عَنْ سَقْيِ الْأَرْضِ بِالْمَاءِ، وَقَالَ: أَتْرُكُهَا حَتَّى تُسْقَى مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ، فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا لَا يَكْتَفِي بِمَاءِ الْمَطَرِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى الرَّيِّ بِالْمَاءِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مُطْلَقَ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ يَقَعُ عَلَى الزِّرَاعَةِ الْمُعْتَادَةِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَكْفِيهِ مَاءُ الْمَطَرِ، وَيَخْرُجُ زَرْعًا مُعْتَادًا بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُلْزَمُ الْعَامِلُ بِمَا فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ مِنَ السَّقْيِ وَالْحَرْثِ وَنَحْوِهِمَا.
ج- عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ تَسْلِيمُهَا إِلَى الْمُزَارِعِ لِيَزْرَعَهَا أَوْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا إِذَا كَانَ بِهَا نَبَاتٌ، لِأَنَّ عَدَمَ التَّسْلِيمِ يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ وَهُوَ مُفْسِدٌ لِلْمُزَارَعَةِ.
د- عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ، الْأَعْمَالُ الْأَسَاسِيَّةُ الَّتِي يَبْقَى أَثَرُهَا وَمَنْفَعَتُهَا إِلَى مَا بَعْدَ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ، كَبِنَاءِ حَائِطٍ وَإِجْرَاءِ الْأَنْهَارِ الْخَارِجِيَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَبْقَى أَثَرُهُ وَمَنْفَعَتُهُ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ.
هـ- عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ خَرَاجُهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْمُزَارِعِ، وَلَا دَفْعُهُ مِنَ الْمَحْصُولِ وَالْبَاقِي يُقْسَمُ عَلَيْهِمَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْخَرَاجَ مَبْلَغٌ مُعَيَّنٌ مِنَ الْمَالِ، فَاشْتِرَاطُ دَفْعِ هَذَا الْمَبْلَغِ مِنَ الْخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنَ الْخَارِجِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الرِّيعِ مَعَ حُصُولِهِ، لِجَوَازِ أَلاَّ يَحْصُلَ إِلاَّ ذَلِكَ الْقَدْرُ أَوْ دُونَهُ.
و- عَلَى الْمُزَارِعِ وَصَاحِبِ الْأَرْضِ مَعًا، كُلُّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّرْعِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا كَثَمَنِ السَّمَادِ وَقَلْعِ الْحَشَائِشِ الْمُضِرَّةِ، وَعَلَيْهِمَا أَيْضًا أُجْرَةُ الْحَصَادِ، وَحَمْلُ الْمَحْصُولِ إِلَى الْجُرْنِ، وَالدِّيَاسُ، وَالتَّذْرِيَةُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنْ أَعْمَالِ الْمُزَارَعَةِ حَتَّى يَخْتَصَّ بِهَا الْمُزَارِعُ وَحْدَهُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الْأَخِيرَةَ عَلَى الْمُزَارِعِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ بِذَلِكَ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
ز- يُقْسَمُ مَحْصُولُ الْأَرْضِ بَيْنَ صَاحِبِهَا وَالْمُزَارِعِ عَلَى حَسَبِ الِاتِّفَاقِ الْمُبْرَمِ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُزَارِعِ وَصَاحِبِ الْأَرْضِ، حَمْلُ نَصِيبِهِ مِنَ الْمَحْصُولِ وَحِفْظُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، لِأَنَّهُ بِانْتِهَاءِ قِسْمَةِ الْمَحْصُولِ يَنْتَهِي عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ، فَكُلُّ عَمَلٍ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَحَمَّلُ صَاحِبُهُ نَفَقَاتِهِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ.
ح- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَ مَا جَازَ إِنْشَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَازَتِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَمَا لَا فَلَا، أَمَّا الْحَطُّ فَجَائِزٌ فِي الْحَالَيْنِ مَعًا.
وَعَلَى هَذَا فَالزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ عَلَى وَجْهَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْمُزَارِعِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ حَصَادِ الزَّرْعِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ.
وَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنَ الْمُزَارِعِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ.
فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَصَادِ- وَالْبَذْرِ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ- فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَجُوزُ مِنَ الْعَامِلِ، وَإِنَّمَا يَنْقَسِمُ الْمَحْصُولُ عَلَى حَسَبِ الِاتِّفَاقِ الْمُبْرَمِ بَيْنَهُمَا.
وَإِنْ زَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ فِي نَصِيبِ الْمُزَارِعِ، وَرَضِيَ بِهَا الْمُزَارِعُ، جَازَتِ الزِّيَادَةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُزَارِعَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى زَادَ عَلَى الْأُجْرَةِ بَعْدَ انْتِهَاءِ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا لَوْ أَنْشَآ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ بَعْدَ الْحَصَادِ لَا يَجُوزُ، فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِيبِ لَا تَجُوزُ بَعْدُ، أَمَّا فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ، فَقَدْ حَطَّ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنَ الْأُجْرَةِ، وَالْحَطُّ لَا يَسْتَلْزِمُ قِيَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
هَذَا إِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنَ الْعَامِلِ، أَمَّا إِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَزَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ نَصِيبِ الْمُزَارِعِ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَجُوزُ، وَلَكِنْ إِنْ زَادَ الْمُزَارِعُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِ الْأَرْضِ جَازَتِ الزِّيَادَةُ لِمَا ذُكِرَ.
هَذَا إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ أَيِّهِمَا بَعْدَ حَصَادِ الزَّرْعِ.
أَمَّا إِنْ كَانَتْ قَبْلَهُ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ مِنْ أَيٍّ مِنْهُمَا، لِأَنَّ الْوَقْتَ يَحْتَمِلُ إِنْشَاءَ الْعَقْدِ، فَيَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ، بِخِلَافِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَصَادِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ إِنْشَاءَ الْعَقْدِ، فَلَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ.
أَمَّا الْحَطُّ فَجَائِزٌ فِي الْحَالَيْنِ أَيْ قَبْلَ الْحَصَادِ وَبَعْدَهُ.
ط- إِذَا لَمْ تُخْرِجُ الْأَرْضُ شَيْئًا فَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا تُجَاهَ الْآخَرِ أَيَّ شَيْءٍ، لَا أَجْرَ الْعَمَلِ لِلْعَامِلِ وَلَا أُجْرَةَ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ أَمْ كَانَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ، لِأَنَّهَا إِمَّا إِجَارَةٌ أَوْ شَرِكَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ إِجَارَةً فَالْوَاجِبُ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ مِنْهَا هُوَ الْمُسَمَّى- وَهُوَ مَعْدُومٌ- فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَتْ شَرِكَةً فَالشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ هُنَا خَارِجٌ، فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م