نتائج البحث عن (يُشْهِدُونَ)

1-شمس العلوم (المغايبة)

الكلمة: المغايبة. الجذر: غيب. الوزن: الْمُفَاعَلَة.

[المغايبة]: قال ابن السكيت: يقال: بنو فلان يشهدون أحيانا ويغايبون أحيانا.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


2-معجم متن اللغة (الصعافقة)

الصعافقة: قوم يشهدون السوق للتجارة بلا رأس مال، فإذا اشترى التجار شيئًا دخلوا معهم فيه؛ ويقال لمكن لا فقه عندهم، ولا قوة عندهم.

معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م


3-معجم متن اللغة (القسامة)

القسامة: الهدنة بين المتحاربين ج قسامات.

و-: الحسن والجمال؛ وهو القسام.

و-: الجماعة يقسمون على الشيء ويأخذونه أو يشهدون.

ويمين القسامة منسوبة إليهم.

وحقيقتها أن يقسم خمسون من أولياء دم القتيل الذي لم يعرف قاتله يمينا على استحقاقهم دم صاحبهم عند المتهمين به، فإن لم يكونوا خمسين أقسم الموجودين خمسين يمين لا يكون فيهم امرأة ولا صبي ولا عبد ولا مجنون، أو يقسم المتهمون على نفي القتل عنهم.

معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م


4-جمهرة اللغة (سقم سمق قسم قمس مسق مقس)

السُّقْم والسَّقَم واحد، معروفان؛ سَقِمَ يسقَم سَقَمًا وسُقْمًا وسَقامًا فهو سقيم وسَقِمٌ، وأسقمه الله إسقامًا فهو مُسْقَم.

وسَقام: وادٍ بالحجاز.

قال الشاعر:

«أمسى سَقامٌ خلاءً لا أنيسَ بـه***إلا السِّباعُ ومَرُّ الريح بالغَرَفِ»

الغَرَف: شجر يحمل حملًا كالتين الصغار يتفرَّك باليد تعبث به الجِمال.

والسَّوْقَم: ضرب من الشجر يشبه الخِلاف وليس به، لغة يمانية؛ ذكر ذلك أبو زيد.

وسَمَقَ العود يسمُق سُموقًا، وكذلك النخلة وغيرُها، إذا بَسَقَ وارتفع فهو سامق.

ويقال: هذا كَذِبٌ سُماقٌ، إذا كان كذبًا خالصًا.

قال الراجز:

«أبْعَدَهُنَّ الله من نِياقِ *** من باطلٍ وكَذِبٍ سُماقِ»

والسَّميقان: خشبتان تُجعلان في خشبة الفدّان المعترضة على سَنام الثور من عن يمين وشمال.

والقَمْس: الغوص في الماء، ومن ذلك أُخذ قاموس البحر، وهو معظم مائه.

والقَمّاس: الغَوّاص.

وانقمس النجم، إذا انحطّ في المغرب.

قال الشاعر:

«أصاب الأرضَ منقمَسَ الثُّريّا***بساجيَةٍ وأعقبَـهـا طِـلالا»

المعنى أن الأرض أصابها مطر يسحاها، أي يقشرها بنَوْء الثريا.

وتقول العرب للرجل إذا ناظر وخاصم قِرْنًا: إنما تُقامِسُ حوتًا.

والقَسْم: مصدر قسمتُ الشيء أقسِمه قَسْمًا.

والقِسْم: النصيب.

والمَقْسَم: الموضع الذي يُقتسم فيه.

وقَسِمة الإنسان وقَسَمته: ظاهر خدّيه.

قال الأصمعي: القَسِمتان: ما اكتنف الأنفَ من الخدّين من عن يمين وشمال.

قال الشاعر:

«كأن دنانيرًا على قَسِماتـهـم***وإن كان قد شفَّ الوجوهَ لِقاءُ»

ومن ذلك قيل: رجل وسيم قسيم.

والقَسامة: الجماعة من الناس يشهدون أو يحلفون على الشيء، وسُمّوا قَسامة لأنهم يُقْسِمون على الشيء أنه كان كذا وكذا أو لم يكن.

وأقسمتُ بالله أُقسم إقسامًا فأنا مُقْسِم.

وقد سمّت العرب قاسمًا وقسّامًا وقُسَيْمًا ومقسِّمًا ومِقْسَمًا وقَسيمًا.

والقَسْم: موضع معروف.

وأصبح فلان متقسِّمًا، إذا أصبح مشترَكَ الخواطر بالهموم.

وقالوا: فلان مقسَّم الوجه، إذا كان جميلًا.

والقَسَام: الحرّ الشديد؛ وهكذا فُسّر في شعر النابغة.

والقَسَاميّ، زعموا: الذي يبتدئ طيَّ الثوب حتى يُطوى بعد ذلك على طيّه.

وحصاة القَسْم: المَقْلَة التي تُجْعل في القَعْب فيُصَبّ عليها الماء حتى يغمرها ويُشرب، وإنما يفعلون ذلك عند ضِيق الماء عليهم.

والقَسيمة فيها قولان، قيل: طلوع الفجر، وقيل: جَونة العطّار.

قال عنترة:

«وكأنّ فأرَةَ تاجرٍ بـقَـسـيمةٍ***سَبَقَتْ عوارضَها إليك من الفمِ»

والقَسُوميّات: موضع، زعموا، معروف.

قال زهير:

«ضَحّوا قليلًا قَفا كُثْبانِ أسْنُمَةٍ***ومنهمُ بالقَسوميّات معترَكُ»

والمَقْس: خُبث النفس؛ تمقّست نفسُه تمقُّسًا، إذا غَثَتْ.

وذكر الأصمعي أن صبيًا من الأعراب صاد صداةً أو بومةً وهو يحسبها سُماناةً فلما أكلها غَثَتْ نفسُه فقال:

«نفسي تَمَقَّسُ من سُمانَى الأقْبُرِ»

وقد سمّت العرب مَقّاسًا، وهو اسم شاعر من شعرائهم.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


5-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (الواسطة)

الواسطة

هي قاعدة ملك الصّبرات، بشهادة ما في «الأصل» عن «مفتاح السّعادة والخير» [خ 63]: (أنّ عيسى بن محمّد الصّبريّ والي الواسطة تعمّر كثيرا، ومات ولا ولد له، فولي بعده عقيل بن عيسى بن مجلب الصّبريّ، وهو ابن أخته، وليس من فخذه، وكان لهذا تعلّق بالصّالحين مثل خاله، فصال آل أحمد على الواسطة فأراد الخروج لقتالهم ـ ولم يكن عنده سوى سبعة فرسان مع عسكر قليل لا يكافىء آل أحمد ـ فمنعه أصحابه من الخروج، فلم يمتنع، وهجم على آل أحمد، وتبعه أصحابه فقتلوا كثيرا من آل أحمد، وما زالوا يقتلونهم ويطردونهم إلى فرط باشحاره) اه

وللواسطة ذكر كثير في حوادث آل يمانيّ والصّبرات وغيرهم ب «الأصل».

وفي الواسطة كثير من علماء آل باشعيب وفضلائهم؛ منهم الشّيخ حسن بن إبراهيم باشعيب؛ أحد تلاميذ الشّيخ أبي بكر بن سالم.

وفي ترجمة السّيّد عقيل بن عمران من «المشرع» [2 / 442]: أنّه أخذ عن الشّيخ حسن باشعيب بالواسطة.

وفي ترجمة السّيّد أبي بكر بن سعيد الجفريّ المتوفّى سنة (880 ه‍) أنّه أخذ عن العارف بالله حسن بن أحمد باشعيب، وفي مقدّمة «ديوان الحدّاد» عن الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ: أنّ سبب إنشاء القصيدة المستهلّة بقوله [من المنسرح]:

«إن كان هذا الّذي أكابده *** يبقى عليّ فلست أصطبر»

ما أخبرني سيّدي عبد الله الحدّاد قال: وقعت لي مسائل أظنّها ثلاثا؛ فلم يجبني عنها أحد بتريم، فرأيت الشّيخ حسن باشعيب تلميذ الشّيخ أبي بكر بن سالم في مسجد آل أبي علويّ فأجابني عن اثنتين، وقال لي في الثّالثة: إنّما يجيبك عنها السّقّاف، فوقع في خاطري: أنّه السّيّد محمّد صاحب مكّة، فكتبت إليه، فأجابني.

وفي ترجمة السّيّد عبد الرّحمن بن إبراهيم بن عبد الرّحمن المعلّم بن إبراهيم بن عمر بن عبد الله وطب المتوفّى بقسم في سنة (1057 ه‍): أنّه أخذ عن الإمام العارف الأديب حسن بن إبراهيم باشعيب.

ومنهم: العلّامة الفقيه الشّيخ عبد الله قدريّ باشعيب، له ذكر كثير في «مجموع الأجداد». ومن فوائده: أنّه نقل في رسالة له عن التّاج السّبكيّ أنّها تسمع دعوى من يدّعي على تارك الصّلاة ولو لغير الحسبة، فيقول: أدّعي على هذا أنّه ترك صلاة كذا، وقد أضرّني، فأنا مطالب بحقّي. اه

وفي ترجمة الشّيخ عليّ بن عبد الرّحيم بن قاضي: أنّه من أقران القطب الحدّاد.

ومنهم: الشّيخ عبد الله بن أبي بكر قدريّ صاحب «الباكورة»، أحد مشايخ السّيّد أحمد بن عليّ الجنيد.

ومنهم: الشّيخ حسن بن أحمد باشعيب صاحب كتاب «عافية الباطن».

وعلى الإجمال: فإنّهم بيت علم وصلاح، ولهم مؤلّفات، ولبعضهم تراجم في «خلاصة الأثر» للمحبّي.

وعن الشّيخ رضوان بن أحمد بارضوان بافضل قال: (رأيت على هامش تصنيف ـ في مناقب الشّيخ أبي بكر بن سالم للشّيخ عبد الله بن أبي بكر باشعيب، أظنّه بخطّ المؤلّف ـ خبرا عن الفقيه عبد الرّحمن بن عبد الله باشعيب، وهو من آل شعيب أهل شبام؛ منهم الشّيخ أبو بكر بن شعيب صاحب التّصنيف المشهور في الفقه، وله شرح على «المنهاج»، له إقامة بمكّة ولعلّه توفّي بالحرمين.

وليس لهم اتّصال بآل شعيب المسفلة؛ فجدّ أهل المسفلة: الشّيخ العارف محمّد بن عليّ بن سعيد شعيب الخطيب، انتقل من تريم، وهم مشهورون ب «آل شعيب الخطيب»، ومنهم بنو عقيل بالرّيدة، كان منهم ناس أهل حال منتظم، ومنهم الآن ناس بزيّ البادية.

ومن آل شعيب المسفلة: بنو عيسى أو بنو عليّ بظفار، كانوا بيت علم وصلاح، ومنهم قضاة الشّريعة، لهم ذكر في مناقب الشّيخ عبد الله بن أبي بكر العيدروس، ولأحدهم مدائح في الشّيخ، وبلغني أنّه بقي منهم قليل، ومنهم طائفة بعمان يحملون السّلاح مع السّلطان ابن سيف عالمين بالنّسبة لآل أبي شعيب.

وسمعت بعض شيوخ آل شعيب بشبام يذكر أنّ أصل آل شعيب بشبام من أرض الجوف، والله أعلم) اه

وقد مرّ بعضه في شبام.

وفي ترجمة السّيّد عبد الله باعلويّ من «المشرع» [2 / 406 ـ 407]: (أنّه أعطى تلميذه الشّيخ محمّد بن عليّ باشعيب الأنصاريّ أرضا واسعة، فغرسها الشّيخ محمّد نخلا، وتسمّى بباشعيب. ووقف على ضيف بلده المسمّاة بالواسطة نخلا وأرضا) اه

وهو أوّل من انتقل من تريم إلى الواسطة.

ومن آل باشعيب الشّيخ عبيد بن عبد الله بن هادي بن صالح باشعيب، طلب العلم بتريم على أخينا العلّامة السّيّد عبد الله بن عمر الشّاطريّ، وهو الآن بمكّة. وله تعلّق برجل البرّ والإحسان: الشّيخ محمّد بن عوض بلّاذن السّابق ذكره في رباط باعشن.

ومن أهل الواسطة: الشّيخ مهنّا بن عوض بن عليّ بن أحمد بامزروع بامطرف القنزليّ، كان من العلماء ثمّ تعلّق بكتب الصّوفيّة، فأخذه الجذب، ترجم له في «خلاصة الأثر» [4 / 442]، وأورد له أشعارا؛ منها قوله [من مجزوء الكامل]:

«للقادسيّة فتية *** لا يشهدون العار عارا»

«لا مسلمين ولا يهو *** د ولا مجوس ولا نصارى »

كذا روي، وقد رأيت البيتين في مادّة (بغداد) من «معجم ياقوت» معزوّين لغيره، والأوّل شبيه بما أنشده الأصمعيّ عن أبي عمرو لبعض بني أسد [من مجزوء الكامل]

«إن يبخلوا أو يجبنوا *** أو يغدروا لا يحفلوا»

«يغدوا عليك مرجّلي *** ن كأنّهم لم يفعلوا»

قال المحبّي: (وكانت ولادة مهنّا ـ كما أخبرني بعض تلاميذه ـ في شوال سنة (1004 ه‍)، وتوفّي ب (المدينة) سنة (1069 ه‍)، وأبوه عوض من تلاميذ الشّيخ أبي بكر بن سالم)

وفي (ص 94 ج 2) من «عقد شيخنا»: نروي حزب الشّيخ أبي بكر بأسانيد إلى الشّيخ المحدّث حسن بن عليّ العجيميّ المكّيّ بروايته له عن الشّيخ الصّوفيّ مهنا بن عوض بامزروع عن والده عن الشّيخ أبي بكر بن سالم.

وفي «مجموع الجدّ طه بن عمر» عن أحمد مؤذّن: (أنّ عليّ باشعيب نائب الواسطة أثبت هلال شعبان سنة «1071 ه‍»، وهو رجل عاميّ محض لا يعرف شيئا من الفقه، وصادقه الحبيب عليّ بن الحسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم، ثمّ انخسف القمر ليلة (16) على حسابه، فتحقّق تهوّره في الإثبات. ثمّ ثبت رمضان عند ولد بامطرف في الغيل بغوغاء، وأنفذ الثّبوت إلى الشّحر ليلة الجمعة، فلم يره ليلة السّبت إلّا الآحاد، فتبّين أنّ إثبات بامطرف والكتابة به تلاعب بالدّين) اه

وقد مرّت الإشارة إلى بعضه في الغيل.

وفي الواسطة ناس من آل دخنان التّميميّين، وناس من آل عثمان التّميميّين.

وفي شمال الواسطة قرية يقال لها: سويدف، فيها مشايخ من آل بني صالح باجابر، وناس من آل عثمان وآل سعيد التّميميّين، وناس من آل عبد الباقي العوامر.

ثم: وادي الواسطة.

وهناك أودية كثيرة؛ كوادي حسين، ووادي هجره، ووادي عولك.

ومن قسم إلى جهة الشّرق: وادي الخون، فيه نخل جميل.

وله واد يسمّى: وادي ضرغون، يذهب غربا في الجبل الّذي عن شماله، وفيه ثلاثة معايين، يقال لأحدها: معيان العليا، وللثّاني: معيان العيينة، وللثّالث: معيان سويدف.

وفي شمال هذا: وادي الشّكيل. وفي غربيّه: وادي سويدف.

وهذه المعايين تسقي نخيل الخون الّتي يضرب المثل بها في النّفاسة، ويفيض الزّائد من مائها إلى المخاضة الّتي في شرقيّ قسم على طريق الذّاهبين إلى شعب هود عليه السلام.

وفي الخون قرية ينسب إليها السّيّد علويّ الخون بن عبد الرّحمن بن عبد الله باعلويّ، انقرض عقبه سنة (1039 ه‍)، والسّيّد عبد الرحمن بن أحمد الخون.

ومن وراء الخون: الفرط، والكوده، وباحفاره، ووادي سبيه، ووادي جب.

ثم: حصن العر، وهو حصن بأعلى قارة فاردة، باقية آثاره الشّاهدة بحكمة وقوّة بانيه من الحجارة المنحوتة، حتى لقد أنكر بعض السّوّاح الأجانب أن يكون من بناء الحضارم، وتوهّم أنّه من بناء حكماء اليونان ومهندسيهم؛ لأنّه بصنيعهم أشبه، وما درى أنّ عادا هم الّذين يبنون بكلّ ريع آية يعبثون، ويتّخذون مصانع لعلّهم يخلدون، وأنّ ثمودا نعم الّذين ينحتون من الجبال بيوتا فرهين، والله يقول: (وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ)

وتعدّ منازلهم وحضارتهم أقدم من حضارة اليونانيّين بألوف السّنين.

وقد مرّ في حصن الغراب ما ينبغي النّظر إليه عند هذا، ولا يبعد أن يكون هذا الحصن هو حصن جعفر بن قرط بن الهميسع ـ المسمى: علعال ـ الّذي لجأت إليه بلقيس في خبرها المشروح ب «الأصل».

وفي «صفة جزيرة العرب» [173 ـ 174] لابن الحائك ذكر العرّ وثوبة في عداد سرو حمير وأوديته بترتيب مشوّش.

وفي «القاموس»: أنّ العرّ اسم لجبل عدن.

ولعلّ العرّ وثوبه المذكورين عند ابن الحائك على اسم العرّ هذا وثوبه الّتي تليه؛ لأنّ هذين إذا كانا عاديّين.. فهما أقدم من ذينك بكثير.

وحوالي هذا الحصن كانت الواقعة الهائلة للمناهيل على آل تميم، حسبما فصّلت ب «الأصل».

ومن قتلى آل تميم في ذلك اليوم: منصور وهادي وعليّ آل قحطان.

«أبوا أن يفرّوا والقنا في نحورهم *** ولم يرتقوا من خشية الموت سلّما»

«ولو أنّهم فرّوا.. لكانوا أعزّة *** ولكن رأوا صبرا على الموت أكرما»

وقديما كان يقال: ضحّى بنو أميّة بالدّين يوم كربلاء، وبالشّجاعة يوم العقر.. وكذلك ضحّت المناهيل بناس بني تميم يوم العر بعد أن كان منهم ليوث غريف، وغيوث خريف.

«لعمرك ما تدري القوابل منهم *** أسلّت رجالا أم ظبى قضب بتر »

«هم استفرغوا ما كان في البيض والقنا *** فلم يبق إلّا ذو اعوجاج وذو كسر»

وفي الأخير ضبطت الحكومة القعيطيّة هذا الحصن، وجعلت فيه عسكرا أو شابا ليسوا من صميم يافع، ومع ذلك أقرّتهم المناهيل ولم تستنكف، حتّى سمعوا ما يؤلمهم من بعض نوّاب القعيطيّ الّذين طالما تألّمنا من سياستهم العوجاء ـ كما سبق ـ في الشّحر؛ لأنّهم لا يعرفون مقادير الرّجال، ولا ينزلون النّاس منازلهم، فلم يكن من المناهيل إلّا أن هجموا على الحصن وجرّدوا العسكر من السّلاح، وطردوهم، وكسروا ناموسهم.

ولم يبال أحد منهم بالعار سوى يافعيّ واحد كان بينهم؛ فإنّه لم يرض إلّا بالقتل، وكان ذلك في سنة (1366 ه‍)، وأشاع بإثرها من في صدره ضبّ ضغن على الحكومة القعيطيّة: أنّ الدّولة البريطانيّة فصلت العر وما نزل عنها شرقا عن المملكة القعيطيّة، وعقدت مع المناهيل معاهدة مستقلّة طمعا فيما ظهر بتلك البقاع من آثار البترول. وما أظنّ هذا يصحّ بحال، وإذا كان المتحدّث سفيها.. يكون المستمع عاقلا؛ لأنّ الحكومة الإنكليزيّة أعقل من أن تكون كالصّائم الّذي وقع على حشفة فأفسد بها صومه، مع أنّه لا يتعذّر عليها شيء من أمر البترول مع بقاء الأرض في حوزة القعيطيّ؛ إن هذا إلّا اختلاق.

إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه‍/1956م


6-العباب الزاخر (لغط)

لغط

اللَّغطُ: -بالتحريك-: الصَّوت والجلبة، ومنه حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ينشأ قوم يشهدُون قبل أن يستشهدوا؛ ولهم لغط في أسواقهم.

وقال الكسائيُّ: اللغْط -بسكون الغين-: لُغةُ فيه، والجمعُ: الألْغاطُ، قال رؤبة:

«وعَرَبٍ عاتـيْن أو أنـبْـاط *** زُرْناهُمُ بالجْش ذي الألغاط»

حتى رضُوا بالذُّلَّ والايْهاط وقال اللَّيثُ: اللَّغطُ: أصوات مُبْهمةُ لا تفُهم، تقول: سمعتُ لغَط القوم.

والغطاطُ يلغطُ بصوته لغْطًا ولغيْطًا، قال رؤبة يصف ماءً: باكرتُهُ قبل الغَطاَط اللُّغَّط وقبل جونَّي القطا المخطَّط وقال الرَّاعي:

«مُلْسَ الحَصى باتَتْ تَوَجُّسُ فَوْقَهُ *** لَغَطَ القَطأ بالجَلْهَتَينِ نُـزُولا»

ولُغَاطٌ -بالضم-: اسم جبل، وأنشد الليث:

«كأنَّ تَحْتَ الرَّحلِ والقُرْطَاطِ *** خِنْذِيْذَةً من كَنَفْي لُـغَـاطِ»

وأنشد للراعي:

«جَعَلْنَ أُرَيكًا باليَمينِ ورَمْلَـهُ *** وزالَ لُغَاط بالشَّمالِ وحالِقُه»

قال: ولُغَاطٌ: اسم ماءٍ، وأنشد:

«لّما رَأتْ ماءَ لُغَاطٍ قد سَجِس *** تَذَكَّرَتْ شِربًا لها بالمُنْبَجِس»

وألغَطَ القوم: مثل لَغَطُوا، وأنشد السيرافي لنقادة الأسدي، وأنشده غيره لرجل من بني مازن، وقال أبو محمد الأعرابي: وهو لمنظور بن حبة وليس له:

«ومَنْهَلٍ وَرَدْتُهُ التِـقَـاطـا *** لم ألقَ إذ وَرَدْتُهُ فُرّاطـا»

«إلاّ الحَمَامَ الوُرقْ والغَطاطا *** فَهُنَّ يُلْغِطنَ به إلغَاطـا»

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


7-القاموس المحيط (الصعفوق)

الصَّعْفوقُ: اللَّئيمُ،

وة باليَمامَةِ، لهُمْ فيها وَقْعَةٌ،

ويُقالُ: صَعْفُوقَةُ، وليسَ في الكلامِ "فَعْلولٌ" سِواهُ، وأمَّا "خَرْنوبٌ" فَضَعيفٌ، وأمَّا الفَصيحُ فَيُضَمُّ خاؤُهُ أو يُشَدُّ راؤُهُ.

والصَّعافِقَة: خَوَلٌ لبَني مَروانَ،

ويُقالُ لهم: بَنو صَعْفوقَ، ويُضَمُّ صادُه، مَمنوعٌ للعُجْمَةِ، سُمُّوا لأَنهم سكَنوا صَعْفوقَ،

وـ: القومُ يَشْهَدونَ السُّوقَ للتِّجارَةِ بِلا رأسِ مالٍ، فإذا اشْتَرى التُّجَّارُ شيئًا دَخَلوا معهم،

الواحدُ: صَعْفَقِيٌّ وصَعْفَقٌ وصَعْفوقٌ، بالفتح، ج: صَعافيقُ أيضًا.

القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م


8-القاموس المحيط (قسمه)

قَسَمَهُ يَقْسِمُهُ وقَسَّمَه: جَزَّأهُ،

وهي القِسْمَةُ، بالكسر،

وـ الدَّهْرُ القَوْمَ: فَرَّقَهُم،

كقَسَّمَهُم.

والقِسْمُ، بالكسر وكمِنْبَرٍ ومَقْعَدٍ: النَّصِيبُ،

كالأقْسومةِ

ج: أقْسامٌ،

كالقَسيمِ

ج: أقْسِماءُ

جج: أقاسِيمُ، وهذا يَنْقَسِمُ قَسْمَيْنِ بالفتح إذا أُرِيدَ المَصْدَرُ، وبالكسر إذا أُرِيدَ النصِيبُ أو الجُزْءُ من الشيءِ المَقْسومِ.

وقاسَمَهُ الشيءَ: أخَذَ كُلٌّ قِسْمَهُ.

والقَسِيمُ: المُقاسِمُ

ج: أقْسِماءُ وقُسَماءُ، وشَطْر الشيءِ. وكثُمامةٍ: الصَّدَقَةُ، وما يَعْزِلُه القَسَّامُ لِنَفْسِه.

والقَسْمُ: العَطاءُ، ولا يُجْمَعُ، والرَّأْيُ، والشَّكُّ، والغَيْثُ، والماءُ، والقَدَرُ،

وع؛ والخُلُقُ، والعادَةُ، ويُكْسَرُ فيهما، وأن يَقَعَ في قَلْبِكَ الشيءُ فَتَظُنَّهُ، ثم يَقْوَى ذلك الظَّنُّ فيَصيرَ حقيقةً.

وحَصاةُ القَسْم: حَصاةٌ تُلْقَى في إناءٍ، ثم يُصَبُّ فيه من الماءِ ما يَغْمُرُها. وذلك إذا كانوا في سَفَرٍ ولا ماءَ إلاَّ يَسِيرٌ، فَيَقْسِمُونَهُ هكذا.

وقَسَمَ أَمْرَهُ: قَدَّرَهُ، أو لم يَدْرِ ما يَصْنَعُ فيه. وكمُعَظَّمٍ: المَهْمُوم، والجَميلُ،

كالقَسيمِ وجَمْعُه: قُسْمٌ، بالضم، وهي: بهاءٍ،

وقد قَسُمَ، ككَرُم.

والقَسَمُ، محرَّكةً وكمُكْرَمٍ: اليَمينُ بالله تعالى،

وقد أقْسَمَ،

ومَوْضِعُهُ: مُقْسَمٌ، كمُكْرَمٍ،

واسْتَقْسَمَهُ وـ به.

وتَقَاسَما: تَحالَفَا،

وـ المالَ: اقْتَسَماهُ بَيْنَهُما.

والقَسامَةُ: الهُدْنَةُ بَيْنَ العَدُوِّ والمُسْلمينَ

ج: قَساماتٌ، والجَمَاعَةُ يُقسِمونَ على الشيءِ ويَأخُذونَهُ، أو يَشْهَدونَ.

والقَسامُ والقَسامَةُ: الحُسْنُ،

كالقَسِمَةِ، بكسرِ السينِ وفتحِها، وهي أيضًا الوَجْهُ، أو ما أقْبَلَ منه، أو ما خَرَجَ عليه من شَعْرٍ، أو الأنْفُ، أو ناحِيَتاهُ، أو وَسَطُ الأنْفِ، أو ما فَوْقَ الحاجِبِ، أو ظاهِرُ الخَدَّيْنِ، أو ما بَيْنَ العَيْنَيْنِ، أو أعْلَى الوَجْهِ، أو أعْلَى الوَجْنَةِ، أو مَجْرَى الدَّمْعِ، أو ما بَيْنَ الوَجْنَتَيْنِ والأنْفِ، وجَوْنَةُ العَطَّارِ،

كالقَسِمِ والقَسِيمَةِ، وهي السُّوقُ أيضًا.

والقَسُومِيَّاتُ: ع.

والقَسامِيُّ: مَنْ يَطْوي الثِيابَ أوَّلَ طَيِّها حتى تَنْكَسِرَ على طَيِّهِ، والفَرَسُ الذي أقْرَحَ من جانِبٍ وهو من جانِبٍ رَباعٌ،

وفَرَسٌ م، والشيءُ الذي يكونُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. وكسَحابٍ: شِدَّةُ الحَرِّ، أو أوَّلُ وقْتِ الهاجِرَةِ، أو وَقْتُ ذُرورِ الشَّمْسِ، وهي حينَئِذٍ أحْسَنُ ما تكونُ مَرآةً، وفَرَسٌ لِبَني جَعْدَةَ. وكقَطامِ: فَرَسُ سُوَيْدِ بنِ شَدَّادٍ العَبْشَمِيِّ.

والأقاسيمُ: الحُظوظُ المَقْسومَةُ بَيْنَ العِبادِ،

الواحِدَةُ: أُقْسُومَةٌ.

وقَسامَةُ بنُ زُهَيْرٍ، وابنُ حَنْظَلَةَ: صَحابِيَّانِ،

وسَمَّوْا: قاسِمًا، كصاحِبٍ، وَهُمْ خَمْسَةٌ صَحابِيُّونَ، وَكَأَميرٍ وزُبَيْرٍ. وكمِنْبَرٍ: زَوْجُ بَريرَةَ المَدْعُوُّ مُغيثًا.

القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م


9-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (سفر)

(سفر) - في حديث معاذ - رضي الله عنه -: "قرأتُ على النّبي - صلى الله عليه وسلم - سَفْرًا سَفْرًا، فقال: هَكَذا فاقْرأ".

جاء تَفْسِيره في الحديث يعني "هذًّا هذًّا"

قال الحَربيُّ: فإن كان هذا صحيحا فهو من السُّرْعَة والذَّهابِ؛ من قولهم:

أَسْفَرتِ الإبلُ إذا ذهبت في الأرض، وإلَّا فلا أَعرِف وجهَه.

- في حديث شِهاب: "ابْغِنيِ ثَلاثَ رواحل مُسْفَرات"

يقال: أسْفَرتُ البَعِيرَ وسَفرْتُه إذا خَطمتَه وذلَّلتَه بالسِّفارِ، وهو الحَدِيدةُ التي يُخْطم بها البَعيرُ.

- ومنه حديث محمد بن علي: "تصَدَّق بجِلالِ بُدْنك وسُفْرها".

هو جمع السِّفار - وإن رُوِى: مِسْفَرات، بكسر الميم، فمعناه القَويَّة على السَّفَر. يقال: رجلٌ مِسْفرٌ، وناقة مِسْفَرةٌ: قَوِيّان على السَّفر، قاله الأَصمَعِىّ.

- في حديث إبراهيم: "أنَّه سَفَر شَعْرَه"

: أي استَأْصَلَه، كأنه سَفَره عن رَأسه: أي كَشَفه، ومنه سُمِّي السَّفَر لأنه يُسْفِر ويَكْشِف عنِ أخلاقِ الرَّجال.

وأَسفَر الصُّبْح: انكَشَف، وسَفرت المَرأَةُ عن وَجْهِها، والرجلُ عن رَأسِه، فهُمَا سَافِران.

- ومنه الحَديثُ: "أسْفِروا بالصُّبح فإنه أعظَمُ للأَجْر".

قال الخَطَّابي: يحتمل أنهم حين أُمِرُوا بالتَّغْلِيس بالفَجْر كانوا يُصلُّونها عند الفَجْر الأَوَّل رغبةً في الأَجْر فقيل: أسْفِروا بها أي أَخَّروها إلى ما بعد الفجر الثاني، فإنه أَعظَمُ للأَجْر، ذكَرَ الأَثْرمُ عن أحمدَ. نحوه. ويَدُلّ على صحة قَول الخَطَّابي ما أخبرنا أحمدُ بنُ العباس، ومحمد بن أبي القاسم، ونوشروان بن

شير زاد، قالوا: أنا أبو بكر محمد بن عبد الله، أنا سليمان بن

أحمد، ثنا أبو حُصَين القاضي، ثنا يحيى الحِمَّاني، قال سليمان:

وحدثنا عبدُ الله بِنُ أحمد بن حنبل، ثنا محمد بن بكَّار، قالا: ثنا أبو إسماعيل المُؤدِّب، حدثنا هُرَيْر بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج، عن جدّه - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال: "ثَوِّبْ بالفَجْر قدرَ ما يُبصِر القَومُ مواقِعَ نَبْلهِم"

ويَدُلّ عليه أيضا فِعلُه - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان يُغلِّس بها إلا يومًا واحدًا على ما روى، فلو كان الإسفار البالغ أفَضلَ لَمَا كان يَخْتار عليه).

قال الخَطَّابي: فإن قيل: فإنَّ قَبْل الوقَتْ لا تُجْزِئُهمُ الصَّلاة، قيل: كذلك هو، إلا أنه لا يفَوتهُم ثَوابهُم، كالحاكم إذا اجتهد فأخطأ كان له أجر، وإن أخطأ.

وقيل: إنّ الأَمرَ بالإسفار إنما جاء في الليالي المُقْمِرة؛ لأن الصبحَ لا يتبين فيها جدَّا فأُمِرُوا بزيادة تَبينُّ فيه، والله عز وجل أعلم.

- في حديث زَيْد بن حارثة رضي الله عنهما قال: "ذَبحنَا شاةً فجعلناها سُفْرتَنا أو في سُفرتنا".

قال الخليل: السُّفْرة: طعام يتَّخِذُه المسافرُ وكان أكَثر ما يُحمل في جِلْد مستَدير، قنُقِل اسمُ الطعام إلى الجلد، يدل عليه حديثُ عائشةَ رضي الله عنها: "صَنعْنا لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ولأبي بكر - رضي الله عنه - سُفرةً في جِراب".

ولم يكن في الذي تسمّيه الناس سُفْرة، والسُفْرة كالسُّلْفَة، واللُّهنَة للطعام الذي يُؤكَل بالغَداة.

ومما نُقلِ اسْمُه إلى غيره لقربه منه الرّاوية؛ وهو البَعير الذي يُسقى عليه، فَسُمِّيت المَزَادَة راويةً؛ لأن الماء يجعل فيها.

ومنه المَلَّة وهي الرَّماد الحارُّ يُجعَل فيه العَجِين، ثم قيل لِمَا طُرِح عليه من العَجِين مَلّة،

ومنه الرَّكْض بالرِّجل للدّابة لتُسرِع، ثم سَمَّوْا سَيرَهَا رَكضًا.

ومنه العَقِيقةُ لِمَا يُحْلَق من شَعرِ الصَّبي يوم يُذبَح عنه، ثم قيل للمَذبوُح عَقِيقة.

ومنه أن الرجل يَبني الدار ليتزوَّجَ فيها، ثم يقال: بَنَى بأَهلِه.

ومنه الغائط، وهو المُنْهبَط من الأرضِ، ثم سُمِّى الحَدَث غائطا

لمَّا كان قَضاؤُه فيه أَكثَر. ومنه العَذِرة لِفناء الدارِ، سُمِّي به لكَونها فيه

- في حديث عبد الله بن مُعَيْز، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، في قَتْل ابنِ النَّوَّاحَة "قال: خَرجتُ في السَّحَر أسْفِر فرسًا لي، فمررت بمسجد بنى حَنِيفةَ، فَسَمِعتُهم يشهدون أنَّ مُسَيْلمةَ رسولُ الله".

فلعله من قولهم: سفَّرت البعيرَ إذا رَعَّيتَه السَّفِيرَ؛ وهو أسافِلُ الزّرعِ وكُسارُه فتَسفَّر، أو من تَسفَّرت الإبلُ إذا رعت بين المغرِب والعِشاء، وسفَّرتُها أنا، وتَسفَّر وانْسَفَر عن البلد: جَلا وانكَشَف، ويروَى هذا اللفظ لأبي وائل بالقاف والدَّال.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


10-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (شهد)

(شهد) - في الحديث: "يَأتي قومٌ يَشْهِدون ولا يُسْتَشْهَدُون".

قيل: أراد به الشَّهَادَة على المُغَيَّب، كقَوْلهم: فُلانٌ في الجنَّة وفلان في النَّار.

وفيه معنى التَّأَلِّى على الله عزَّ وجَلَّ وقيل: هو الذي يَشْهَد قبل أن يُسْتَشْهد، فإنَّ الشهادةَ في الحق الذي يَدَّعِيه الرَّجلُ قبَلَ صاحبِه إذا أتى بها الشَّاهدُ قَبلَ أن يُسْأَلَها لا قَرارَ لها، ولا يَجِب تَنَجُّزُ الحُكمِ بها حتى يَسْتَشْهِدَه صاحِبُ الحق.

- فأما حَدِيثهُ الآخر: "خَيْرُ الشُّهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسْأَلهَا".

فهو الذي لا يعلم بها صاحبُ الحَقِّ. وقيل: هي في الأمانةِ والوَديعةِ وما لا يَعلمُه غَيرُه. وقيل: هذا مَثَل في سُرعَة إجابة الشاهد إذ استُشْهِد أن لا يمنَعَها ولا يُؤَخِّرَها. وأصل الشَّهادة الإخبارُ بما شَاهد. والمَشهد: المَحْضَر.

والشَّهِيدُ، قال ابنُ فارس: إنما سُمِّى شَهِيدا لأنَّ ملائِكَة الرحمة تَشْهَدُه

فَعِيل بمعنى مَفْعُول. وقيل: لِسُقُوطه بالأرضِ، وهي الشَّاهِدَة.

وقيل في قوله عزّ وجلّ: {ويَوْمَئذٍ تُحدِّثُ أَخْبَارَهَا}

: أي تَشهَدُ على كلِّ مَنْ عَمِل على ظَهِرها، والشَّاهد: المَلَك، والشاهِدُ: اللِّسان.

قال الأَعشىَ فيهما:

فلا تَحْسَبنّىِ كافرًا لك نِعمةً

على شَاهِدِى يا شَاهِدَ اللَّهِ فَاشْهَدِ

شَاهدِى: أي لِساني، وشَاهِدُ الله المَلَك. وقيل: سُمى شَهيدًا لأنه يُبَيِّن إيمانهَ وإخلَاصَه ببَذْلِه رُوحه في طاعة الله عز وجل، من قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ}.

: أي بَيَّن وأَعْلَمَ وأَخْبَر. وقيل: لأنه شاهِدٌ عند ربّه عز وجل: أي يَحضُر

وقيل: لأنهم يشهدون ملكوتَ الله عز وجل. وأما التَّشَهُّد في الصلاة فسُمِّى به لأن فيها الشهادتين.

- في حديث أَبِى نصرة وأبي سعيد: "لا صَلاةَ بَعْدَ العصْر حتى يبَدُوَ الشّاهدُ".

قال أبو الشَّيخ: ذَكَر أن هذا الشَّاهِدَ نَجْم يقال له العَيُّوق، وهو كوكب أَحْمَر مُنِير مُنفرد في شِقِّ الشّمال على يَمِين الثُّرَيَّا يظَهَر عند غَيْبوبةِ الشمس.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


11-المعجم الاشتقاقي المؤصل (دعو)

(دعو): {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]

داعِيَةُ اللَبَن: ما يُتْرَك في الضَرْع ليدعُوَ ما بعده، والدَعْوة -بالفتح: الوليمة. وتداعى القوم: دعا بعضهم بعضًا حتى يجتمعوا. دعاه إلى الأمير: ساقه. ماذا دعاك إلى هذا الأمر: ما الذي جَرّك إليه.

° المعنى المحوري

جَذْب الشئ أو محاولة ضمه إلى حيز أو أمر: كجذب اللبَن إلى حيّزه أو حيّز الحالب، وجذب الناس إلى الوليمة والاجتماع، والسَوْق إلى الأمير. ومنه الدعوة لأداء شهادة مثلًا {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا

شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [البقرة: 23]، أي ادعوا ناسًا يشهدون لكم أي يشهدون أنكلم عارضتموه (أي القرآن) [قر 1/ 232 - 233]، والدعوة إلى الله عز رجل أي طلب اتخاذ عبادته دينًا {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} [الأحزاب: 46]. وكل ما عُدّى بـ (إلى) أو باللام فهو من الدعوة إلى دين أو عمل وبعض ما هو بهذا المعنى مُعَدًّى بنفسه.

والوسيلة المادية المألوفة لدعاء شخص ليحضر أو ليعمل شيئًا هي الصياح به "دعوتُ فلانًا: صحت به واستدعيته "، وبمعنى الصياح ما في [البقرة 171، الأعراف 5، يونس 10، الأنبياء 15، 45، الشعراء 72، النمل 80، فاطر 14]. ومنه بمعنى النداء استلفاتا أو استحضارا، أو استنهاضا ما في [البقرة 221، 260، 282، آل عمران 61، 153، الأنفال 24، إبراهيم 10، الإسراء 71، 152، النور 48، 63، القصص 25، 41، الروم 25، الأحزاب 53، فاطر 6، 18، ص 51، فصلت 31، 49، الجاثية 28، القمر 6، الملك 17]. ومن صور هذا: الاستغاثة كما في [الأعراف 193، 195، هود 13، القصص 64، سبأ 22، الأحقاف 5، العلق 18]. وفى قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} [البقرة: 171]، ذكر في [قر 2/ 214 - 215] أن المراد: أ) إما تشبيهه - صلى الله عليه وسلم -في دعوته الكفار الذين لا يستجيبون بالراعي الذي ينعق بالغنم والإبل فلا تسمع إلا دعاءه (أي صياحه) ونداءه ولا تفهم ما يقول، ونسب قر هذا التفسير إلى ابن عباس ومجاهد وغيرهما ونقل عن سيبويه قوله "لم يشبّهوا بالناعق وإنما شُبِّهوا بالمنعوق به "اه.

ب) وإما تشبيه الذين كفروا في دعائهم الآلهة الجماد بالصائح في جوف الليل فيجيبه الصدى... الذي لا حقيقة فيه ولا منتفَع.

ج) وإما تشبيه الكلفار في دعائهم الأصنام بالراعي الذي ينعق بالغنم ولا يدرى أين هي، أو الذي ينعق بشيء بعيد لا يسمع. والشطر الأخير عن الطبري. ولم يختر القرطبي أحدها. وأري أن الأول فيه جفاء ويصادم صدر الآية ويصادم تكليفه - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة. فالثاني وصدر الثالث أنسب. ويدخل في هذه المجموعة ما كان بمعنى الولولة مثل {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان: 13، 14] ومثله [الانشقاق 11].

ولم يبق إلا الدعاء بمعنى التّضرع إلى الله عز وجل في طلب أمر مثل {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} [آل عمران: 38] وهو كثير، وسياقاته واضحة. و "الدعاء: العبادة "؛ لأن العبادة تَقَرّب إلى المعبود، واعتزاء إليه، واستكفاء به فهي من الجذب والانجذاب، وسياقاته واضحة. وكثير منها تصحبه عبارة (من دون الله) أو نحوها: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} [الحج: 73]، {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} [الصافات: 125].

في دعاء النسب {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]. ومنه ادّعاء النسب -فهو ضم المدعِي نفسَه بالنسب إلى أب أو قوم. والمدعي حينئذ دَعِىّ: فعيل بمعنى مفعول -أي هو مدعو أي مُدَّعّى له وليس أصيلًا- والجمع أدعياء {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب: 4] (هم هنا المتبنَّوْن). وربما يسوغ ضم الادعاء في مثل {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم 91].

ومن الصورة الظاهرة لهذا الادعاء: "الادّعاء والتداعي: الاعتزاء في

الحرب كأن يقول: أنا فلان بن فلان "فهذا إعلان وتنويه بالنفس قُصِد يه أنه معروف عنه شدة البأس، وأنه سيأتي بما يناسب هذا.

ومن صور ذلك الجذب و (محاولة) الضم: الطلب والتمني: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت: 31]. ويقال "فلان في حيّز ما ادّعى أي ما تمنى ".

و"الجذب "الذي في معنى التركيب قد يكون جذبًا إلى أسفل -وهو أصيل؛ لأنه من معطيات "الضغط "الذي في معنى تركيب الفصل المعجمي (دعع)، وله شاهد كالصريح في قوله:

تزوّدَ مِنّا بين أُذْناه طعنةً... دَعَتْه إلى هابي التراب عقيم

وهذا المعنى بارز في قوله تعالى عن جهنم: {تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى} [المعارج: 17]. [وينظر قر 18/ 289]. وبه يتضح قولهم: "تداعَت الإبل: تَحطَّمَتْ هُزالًا (فكادت تسقط مكومة على الأرض كأنما يجذب بعضها بعضًا)، وتداعى الحائط: تكسَّر وآذن بانهدام، وداعيناها عليهم: هَدَمْناها (جعلناها تسقط)، ودعاه الله بما يكره: أنزله به، ودواعِي الدهر: صروفه " (تنزل وتصيب. ففيها معنى الضمّ أيضًا - لكن إهلاكًا).

أما "الأُدْعِيّة -بوزن أحجية: اللغز "فمن استدعائه الالتفات والاهتمام والظنون لحلّه.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


12-المعجم الاشتقاقي المؤصل (زور)

(زور): {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]

"الزَوْر - بالفتح: الصدرُ/ وَسَط الصدر/ ملْتَقى أطرافِ عظام الصدر حيث اجتمعت. الزارَة والزاوِرة: حوصلة الطائر - والزاوَرة - بفتح الواو: ما حملت فيه الطائرة الماءَ لفراخها. والعرب تقول للبعير المائل السنام: هذا البعير زَوْر -

بالفتح. والزور - بالفتح أيضًا: عسيب النخل "

° المعنى المحوري

امتساك عدد كبير (جمع) في شيء ما بانتظام وامتداد وانعطاف: كامتساك أطراف عظام الصدر منتظمة ومنحنية، وكالحوصلة من فلقتين متقابلتين تمسك الطعام، والزاوَرة الموصوفة كالأنبوبة تمسك الماء، والسنام تجمُّع شحميّ وهو هنا مائل أي منحرف، وعسيب النخل يجمع الخُوص منتظمًا. والامتداد في زور الصدر وفي الزاوَرة والسنام والعسيب مادى حقيقي، وفي الحوصلة دوام جمعها العلف. ومن المادي أيضًا: "الزير - بالكسر: ما استَحكَمَ فتلُه من الأوتار (الفتل جمع بالتفاف وانتظام: تعادل القوتين المفتولتين والخلو من الجَرَع أي العُجَر) (ومن هذا على أنه أصله أو من تجاوز القيود "الزير: الكَتّان ".

وأما "الزارة: الجماعة الضخمة من الناس والإبل والغنم "فمن الجمع مع انتظام أنواع كثيرة أو عدد كبير. ومن الجمع (الإمساك بعدد كبير): "زَوْرُ القوم - بالفتح، وزَوِيرهم - مصغرًا ومكبرًا: سيدُهم ورَأْسهم/ صاحبُ أمرهم ".

ومن الجمع مع الانعطاف: "زاره يزوره: عاده " (كما قالوا عاج عليه أي من الانعطاف في كلٍّ {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: 2]، يصلح أن يكون كناية عن موتهم ودفنهم فيها [وينظر قر 20/ 169].

ومن الجمع مع التنظيم: "التزوير إصلاح الشيء (الإصلاح جمع وتوفيق أو تلفيق بين أجزاء الشيء بعضها وبعض) وكلام مزوَّر - اسم مفعول: محسّن مهيأ (جُمِعَتْ فِكَرُه ورُتِّبتْ - وقد تكون الفكر أو أجزاؤها مخترعة). ومن هنا جاء "الزُور - بالضم بمعنى: الكذب والباطل ": {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:

30، وكذلك ما في الفرقان: 4، 72، والمجادلة: 2].

ومن الانعطاف الانحراف "ركية زوراء: غير مستقيمة الحَفْر، ومفازة زَوْراء: مائلة عن السمت والقصد.. (ثم استعملوا اللفظ في البعيدة لأن فيها ازْوِرارًا أي ليست أَمَما قَصْدا). و "في عنقه زَوَر - بالتحريك أي ميل كالصَعَر، وقوس زوراء: معطوفة، والأزْوَر: الذي ينظر بمُؤْخِر عينه، والازورار عن الشيء: العدولُ عنه: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ} [الكهف: 17] في [ل] أنها كانت تطلع على كهفهم ذات اليمين فلا تصيبهم، وتغرب على كهفهم ذات الشمال فلا تصيبهم.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


13-المعجم الاشتقاقي المؤصل (شهد)

(شهد): {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45]

الشَهد -بالضم والفتح: العَسَل ما دام يُعْصَر من شَمعه. والشاهد: الذي يخرج مع الولد كأنه مخاط. وأشهد الغلامُ: أَمْذَى وأدرك.

° المعنى المحوري

وجود شيء ذي قيمة في الحيّز بتمكن: كالشُهد الذي لم يُعْصَر، وكذلك المُخَاط في البطن وله أثره في إزلاق الوليد، والمَذِيّ في الصُلب.

والوجود في الحيّز حضور فيه يلزمه معاينة ما يجري فيه: "شَهِد المجلسَ: حضره (المجلس ظَرْفٌ) والشاهد والشهيد: الحاضر {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [الزخرف: 19]، {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]. أي في الشهر أي كان حاضرا غير مسافر. وبالحضور يفسَّر ما في [البقرة: 185، المائدة: 113، يونس: 61، الكهف: 51، الأنبياء: 61، الحج: 28، النور: 2، النمل: 32، 49، الصافات: 150، الزخرف: 19، المدثر: 13، البروج: 7]. وكل صفة شهيد مسندة إلى اللَّه عز وجل، [البقرة: 133، النساء: 72، الأنعام: 144، هود: 103، الإسراء: 78، مريم: 37]، وكل (الشهادة) في {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [عشرة مواضع منها الأنعام: 73] وفي {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 21] قال: يشهدون عملهم أو كتابته [قر 19/ 264].

كما يلزم من المعاينة العلمُ، قال في [بحر 2/ 419: "وأصل شَهِدَ: حَضَرَ، ثم صُرّفت الكلمة في أداء ما تقرر علمه في النفس بأي وجه تَقَرَّر من حضور أو غيره ". "شَهِد الحادث: عاينه [الوسيط]. وشهد الشاهد عئد الحاكم: بيّن ما يعلم وأظهره، والشهادة: الإخبار بما عَلِمه (مما رآه إذْ حَضَر) {وَوَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283]، {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ} [النور: 24] يفسرها ما في [يس: 65] {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} [الأحزاب: 45] (يشهد -صلى اللَّه عليه وسلم- بتبليغه أمته، وعلى أعمالهم إذ تُعرض عليه أولًا بأول) وكل ما عدا ما سبق وما يأتي فهو من أداء الشهادة بما رُئى أو عُلم. وبعضه يتأتى أو قيل فيه بالحضور والأداء مثل [البقرة: 84] وفي [آل عمران: 99] {وَأَنْتُمْ

شُهَدَاءُ}] قال: عقلاء أو شهداء على ما في التوراة [قر 4/ 155]. والشهيد في أسماء اللَّه عز وجلّ: الحاضر.. الذي لا يغيب عن علمه شيء {وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 98] وكل وصف للَّه عز وجل بذلك فأصله الحضور، ومنه إلى العلم، وفي بعضه ما يترتب على العلم من الحُكْم أو البيان أو القضاء المعبَّر عنها بالشهادة حسب مقتضى السياق. {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18]: شهد بصنعته التي لا يقدر عليها غيره، وبا أُوْحيَ من آياته الناطقة بالتوحيد (وتشريعاته المقررة للحق والعدل والخير) والملائكةُ بإقرارهم وبتقريرهم للرسل، والرسل لأولي العلم. (قائمًا) حال من اسم اللَّه تعالى، فهو وحده القائم بالقسط المطلق ومقرره لخلقه [ينظر بحر 2/ 419 - 423]. {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 166] وشهادته تعالى بما أنزله إليه إثباته بإظهار المعجزات [بحر 3/ 415]. والشهيد: من قُتِل مجاهدًا في سبيل اللَّه؛ لأن ملائكته شهود له بالجنة، وقيل لأنه حيّ لم يمت كأنه شاهد حاضر... وقيل غير ذلك، فهو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول على اختلاف التأويل [ل، قر 4/ 218] {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران: 140] وكذا ما في [النساء: 69].

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


14-المعجم المفصل في النحو العربي (هلم)

هلمّ

كلمة مركّبة من «ها» التي للتّنبيه و «لمّ».

ولكنّها تستعمل ككلمة واحدة بمعنى: «أقبل».

قال الزّجاج: زعم سيبويه أنّ هلمّ ضمّت إليها «لمّ». ومثل ذلك قال الخليل وفسّرها بقوله: أصلها لمّ من قولهم: لمّ الله شعثه أي: جمعه، كأنّه أراد: لمّ نفسك إلينا، أي: اقرب، وها للتّنبيه، وإنّما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال، وجعلا اسما واحدا. وتلزم «هلمّ» لفظا واحدا في المفرد والمثنّى والجمع في أكثر اللّغات، كقوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا} وكقوله تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ}.

ولا تدخل عليها «النون» الخفيفة ولا الثقيلة، لأنها فعل وليست اسما. هذا في لغة الحجازيين أمّا في لغة التّميميّين فقد تدخل عليها «النّون» بنوعيها، فقالوا: «هلمّنّ يا رجل» و «هلمّن يا امرأة» وقالوا في تثنيتها للمؤنّث والمذكّر: «هلمّان» وفي جمع المذكّر «هلمّنّ» بضمّ الميم وتشديد «النّون» و «هلممنانّ» لجمع النسوة.

أمّا النجديّون فيعتبرونها فعل أمر ويصلونها بالضمائر فيقولون «هلمّا» للمثنّى و «هلمّي» للمؤنّث و «هلمّوا» لجمع المذكّر و «هلممن» لجمع المؤنّث. والأفصح لزومها حالة واحدة في المفرد والمثنّى والجمع والمذكّر والمؤنّث.

المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م


15-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (المورمون-النصرانية وما تفرع عنها من مذاهب)

المورمون

التعريف:

المورمون طائفة نصرانية جديدة نسبيًا منشقة عن النصرانية الأم، تلبس لباس الدعوة إلى دين المسيح عليه السلام، وتدعو إلى تطهير هذا الدين بالعودة به إلى الأصل أي إلى كتاب اليهود، ذلك أن المسيح – في نظرهم – قد جاء لينقذ اليهود من الاضطهاد وليمكنهم من الأرض، إنها – كما تسمي نفسها – طائفة القديسين المعاصرين لكنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة، نبيها المؤسس هو يوسف سميث وكتابها المقدس هو الكتاب المقدس الحديث.

التأسيس وأبرز الشخصيات:

ولد يوسف سميث في 23/12/1805م بمدينة شارون بمقاطعة وندسور التابعة لولاية فرمونت. وعندما بلغ العاشرة من عمره رحل مع والده إلى مدينة بالمايرا بمقاطعة أونتاريو التابعة لولاية نيويورك.

في الرابعة عشرة من عمره انتقل مع أهله إلى مانشستر من نفس المقاطعة.

ولما بلغ الخامسة عشرة وجد الناس حوله منقسمين إلى طوائف:

الميثوديست، والمشيخي، والمعمداني.. فشعر باضطراب وقلق.

في ربيع عام 1820م ذهب إلى غابة، وأخذ يصلي منفردًا طالبًا من الله الهداية، وبينما هو كذلك إذ شاهد – كما يزعم – نورًا فوق رأسه، تمثل هذا النور في شخصين سماويين هما (الله، وابنه عيسى – تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا) وقد نهياه عن الانضمام إلى أي من هذه الفرق.

يدعي بأن الوحي قد انقطع عنه، وأنه خضع لاضطهاد عنيف وسخرية من جراء جهره برؤيته هذه، وقد تورط خلال ذلك بزلات طائشة إذ يقول عن نفسه: "وكثيرًا ما أدت مخالطتي لشتى البيئات إلى اقتراف زلات طائشة وللاتِّسام بما للشباب من نزق وما للطبيعة البشرية من قصور وقد ورطني ذلك للأسف في ألوان من التجارب والآثام المبغضة إلى الله ولا يتبادر إلى الذهن بسبب هذا الاعتراف أني ارتكبت إثمًا فظيعًا أو وزرًا منكرًا، فما كان بي نزوع قط إلى مثل هذه الأوزار أو تلك الآثام" شهادة يوسف ص7.

ـ كما يدعي أنه في مساء 21 سبتمبر 1823م نزل عليه ملاك من السماء اسمه موروني وأخبره بأنه قد أعده لمهمة ينبغي عليه إنجازها، وأخبره عن كتاب نقشت عليه كلمات على صحائف من الذهب تروي أخبار القوم الذين استوطنوا القارة الأمريكية في الأزمنة الغابرة، وتاريخ السلف الذين انحدروا منهم، وأنبأه عن حجرين في قوسين من الفضة لترجمة الكتاب، وغادره هذا الملاك بعد أن نهاه عن إظهار أحد من الناس على هذه الصحف.

في 18 يناير 1827م تزوج من فتاة اسمها إيما هيل، فكان له من حميه فيما بعد سندًا قويًا أعانه على نشر فكرته، وذلك لما تتمتع به هذه الأسرة من مكانة طيبة.

في 22 سبتمبر 1827م استلم الصحف – كما يزعم – متعهدًا بإعادتها بعد نهوضه بالمطلوب.

رحل عن مقاطعة مانشستر الأمريكية وذهب إلى حيث حموه في مقاطعة سوسكويهانا بولاية بنسلفانيا، واستوطن مدينة هارموني.

شرع في الترجمة بمساعدة مارتن هاريس الذي أخذ بعض الحروف وشيئًا من الترجمة وعرض ذلك على الأستاذ تشارلز آنثون، والدكتور ميتشيل فأقرا بأن ما رأياه إنما هو ترجمة عن اللغة المصرية القديمة وأن الأصل إنما يتألف من حروف مصرية قديمة، وحروف كلدانية، وحروف آشورية، وحروف عربية.

في 25 مايو 1825م ذهب مع أوليفر كودري للصلاة في الغابة حيث زعما أنه هبط عليهما يوحنا المعمدان (أي نبي الله يحيى عليه السلام) وأمرهما بأن يعمد كل منهما الآخر، وأخبرهما بأنه قد جاء إليهما تنفيذًا لأمر بطرس يعقوب، ورسَّمهما لرعاية الكنيسة المورمونية.

يدعي كل من أوليفر كودري، وداود ويتمر، ومارتن هاريس أنهم قد شاهدوا الصحف وأنهم يشهدون على صحة الترجمة ودقتها وبأن هذا الكتاب إنما هو سجل لقوم نافي ولإخوتهم اللامانيين.

أعلن في عام 1830م وبحضور عدد من الشخصيات عن تأسيس كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة.

رحل يوسف سميث وأتباعه عن نيويورك إلى مدينة كيرتلاند المجاورة لمدينة كليفلاند بولاية أوهايو حيث شيَّد هيكلًا عظيمًا، كما أنه قام بعمل تبشيري واسع النطاق في تلك المنطقة وما جاورها.

بعث بإحدى الإرساليات إلى ولاية ميسوري للتبشير ولاكتساب المؤيدين.

تعرضوا للاضطهاد فتنازلوا عن منازلهم ومزارعهم ورحلوا إلى ولاية الينوي حيث اشتروا المستنقعات الشاسعة المهجورة على شاطئ المسيسبي وقاموا بإصلاحها وبنوا مدينة نوفو أي الجديدة.

سجن يوسف سميث وأخوه هايرم في مدينة كارسيج بولاية الينوي لاتهامات ضدهما، وبينما هما في السجن دخل عليهما مسلحان مقنعان فقتلاهما بالرصاص. وقد حدث ذلك في 27 يونيو 1844م فانتهت بذلك حياة هذا النبي المزعوم.

آلت رئاسة الحركة والنبوة بعده إلى بريجام يونج الذي رحل بالقوم إلى جبال روكي حيث حدد لهم مكان إقامتهم فبنوا مدينة سولت ليك وقد خطط الهجرات إلى يوتاه إذ كان بينهم آلاف البريطانيين والاسكندنافيين، كما يعتبر يونج مسئولًا عن هذه الرحلة المأساوية والتي حدثت عام 1856م حيث مات أثناءها أكثر من مئتي شخص من أتباعه.

ـ رؤساء الكنيسة هم الأنبياء، فقد تتابع هؤلاء الأنبياء – بزعمهم – وأخرهم سبنسر كيمبل وقد زاد عدد أعضاء هذه الطائفة إذ بلغوا خمسة ملايين شخص تقريبًا وما يزالون في نمو وازدياد.

هناك أقلية من المورمون لم توافق على سيطرة يونج بعد موت يوسف سميث، فقد بقي هؤلاء في الينوي مؤسسين – بالتعاون مع إيما سميث الزوجة الأولى لنبيهم ومع ابن سميث جوزيف – كنيسة يسوع المسيح للقديسين المعاصرين المعاد تنظيمها، ومركزها ميسوري، تنفيذًا لوصية النبي المؤسس الذي قال لهم: إن صهيون ستكون فيها. وقامت كذلك فئات أخرى منشقة، كل منها تدعي بأنها قد تلقت صحفًا فيها كتب قديمة مقدسة.

أوليفر كودري، ومارتن هاريس، كانا ممن شارك في مرحلة التأسيس وتلقيا الوحي المزعوم.

وتتابع أنبياؤهم الذين هم رؤساء الكنيسة على النحو التالي:

يوسف سميث.

بريجام يونج.

جون تيلور.

ويلفورد وودروف.

لورينزوسنو.

هيبر جرانت.

جورج ألبرت سميث.

داود مكاي.

يوسف فليدنج سميث.

وأخيرًا سبنسر كيمبل الذي ما يزال نبيًا ورئيسًا لهم إلى الآن.

يرد في كتبهم اسم: إلما، يارد، لحي، إنهم أنبياء في كتاب المورمون.

لهم شخصيات بارزة في مجلس الشيوخ الأمريكي ومجلس النواب.

الأفكار والمعتقدات:

الكتب المقدسة لديهم اليوم:

الكتاب المقدس: يعتقدون بأنه مجموعة من كتابات مقدسة تحتوي على رؤى الله للإنسان، وأنها مخطوطات تتناول قرونًا كثيرة منذ أيام آدم حتى الوقت الذي عاش فيه المسيح وقد كتبها أنبياء كثيرون – على زعمهم – عاشوا في أزمنة مختلفة، وهو ينقسم إلى قسمين:

1- العهد القديم: فيه كثير من النبوءات التي تنبأت بقدوم المسيح.

2- العهد الجديد: يروي حياة المسيح وتأسيس الكنيسة في ذلك اليوم.

كتاب المورمون: هو سجل مقدس لبعض الناس الذين عاشوا في قارة أمريكا بين 2000 ق.م إلى 400 بعد الميلاد، وهو يروي قصة زيارة يسوع المسيح لشعب القارة الأمريكية بعد قيامه من الموت مباشرة (كما يعتقدون). وهذا الكتاب يعدّ الحجر الأساسي لديهم، وإن الإنسان المورموني يتقرب إلى الله بطاعة تعاليمه، وقد قام يوسف سميث بترجمته إلى اللغة الإنجليزية بموهبة الله وقوته، وقد نزل به ملاك من السماء اسمه (موروني) على يوسف سميث.

كتاب المبادئ والعهود: هو مجموعة من الرؤى الحديثة التي تخصّ كنيسة يسوع المسيح كما أعيدت إلى أصلها في هذه الأيام الأخيرة، وهو يوضح تنظيم الكنيسة وأعمالها ووظائفها، وفيه نبوءات عن حوادث ستأتي، وفيه أجزاء فيها معلومات مفقودة لمئات السنين، وفيه تعاليم الكتاب المقدس.

الخريدة النفيسة: يحتوي على:

1ـ سفر موسى: فيه بعض رؤى موسى وكتاباته كما كُشفت ليوسف سميث في عام 1830م.

2 ـ سفر إبراهيم: ترجمة يوسف سميث من درج بردي مأخوذ من مقابر المصريين القدماء.

3 ـ كتابات يوسف سميث ذاته: تحتوي على جزء من ترجمة الكتب المقدسة ومختارات من تاريخ الكنيسة المورمونية وبنود الإيمان لديهم ورؤية المملكة السماوية.

4ـ رؤية فداء الأموات: وهي تروي زيارة يسوع المسيح للعالم الروحي، وهي رؤية أعطيت للرئيس يوسف سميث في 3 أكتوبر 1918م.

إضافة إلى الكتب الأربعة السابقة فإن كلمات الوحي والرؤى التي يذكرها أنبياؤهم تصبح كتبًا مقدسة، وكل النشرات والتعاليم وقرارات المؤتمرات كلها تعتبر كتبًا مقدسة أيضًا.

بنود الإيمان لديهم: كما وضعها يوسف سميث ذاته:

الإيمان بالله، الأب الأزلي، وبابنه يسوع المسيح، وبالروح القدس.

الإيمان بأن البشر سيعاقبون من أجل خطاياهم، وليس بسبب تعدي آدم.

الإيمان بأن جميع البشر يستطيعون أن يخلصوا عن طريق كفارة المسيح وذلك بإطاعة شرائع الإنجيل ومراسيمه.

الإيمان بأن المبادئ والمراسم الأربعة للإنجيل هي:

1ـ الإيمان بالرب يسوع المسيح.

2ـ التوبة.

3ـ العماد بالتغطيس لغفران الخطايا.

4ـ وضع الأيدي لموهبة الروح القدس.

الإيمان بأن الإنسان يجب أن يُدعى من الله عن طريق النبوة ووضع الأيدي على يد هؤلاء الذين لهم السلطة لكي يبشر بالإنجيل ويقوم بالمراسيم المتعلقة به.

الإيمان بنفس التنظيم الذي قامت عليه الكنيسة القديمة، أي: الرسل والأنبياء والرعاة والمعلمين والمبشرين… الخ.

الإيمان بموهبة الألسن والنبوة والرؤيا والأحلام والشفاء وتفسير الألسن.

الإيمان بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله بقدر ما ترجم صحيحًا، والإيمان بأن كتاب المورمون هو كلمة الله.

الإيمان بكل ما كشفه الله وبما يكشفه الآن وبأنه سيظل يكشف أمورًا كثيرة عظيمة تتعلق بملكوت الله.

الإيمان بتجمع إسرائيل واستعادة القبائل العشر، وأن دولة صهيون (أورشليم الجديدة) ستؤسس على القارة الأمريكية وأن المسيح سيحلُّ شخصيًا على الأرض، وأن الأرض ستتجدد وتتسلم مجدها الفردوسي.

يدَّعون امتياز عبادتهم لله القوي طبقًا لما يمليه عليهم ضميرهم كما يسمحون لجميع البشر بهذا الامتياز، فليعبدوا ما يريدون وكيف يريدون وأين يريدون.

الإيمان بأنه يجب عليهم الخضوع للملوك والرؤساء والحكام وأصحاب السلطة القضائية، كما يؤمنون بأنه يجب عليهم إطاعة القانون واحترامه وتعضيده.

الإيمان بأنه يجب عليهم أن يكونوا أمناء وصادقين وأطهارًا ومحسنين وأصحاب فضيلة وأن يعملوا الخير لكل البشر وهم يسعون وراء كل شيء ذي فضيلة ومحبوب ويستحق التقدير أو المدح.

مراتبهم الدينية والتنظيمية:

ينقسم الكهنوت لديهم إلى قسمين:

1-كهنوت ملكي صادق: وهو أعظم كهنوت إذ يملك التوجيه والتبشير بالإنجيل كما يملك سلطة قيادة الكنيسة.

2ـ كهنوت هارون: وهو الكهنوت الذي منح لهارون ولأولاده خلال جميع الأجيال، وأصحاب هذا الكهنوت يقومون بمراسم الإيمان والتوبة والتعميد.

خلاصة أفكارهم:

يعتقدون أن الله هو على شكل إنسان له لحم وعظام وبداخل جسده الملموس روح أزلية. كما يؤكدون على أن الإله متطور عن الإنسان، والناس يمكنهم أن يتطوروا إلى آلهة – تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.

الإنسان – كروح – ولد من والدين سماويين، وقد بقي هذا الإنسان في منازل الأب الأبدية قبل المجيء إلى الأرض في جسد مادي، كما أن المسيح هو الروح الأولى، فهو بذلك الابن الأكبر.

يسوع المسيح هو الذي خلق الأرض وكل ما فيها، وخلق كذلك عوالم أخرى بتوجيه من أبيه السماوي. ثم خلق بعد ذلك الحيوانات.

المسيح عليه السلام: أمه مريم العذراء التي كانت مخطوبة لشخص اسمه يوسف، وقد حلّ عليها الروح القدس وقوة العلي ظللتها، وولدها هو ابن الله، وقد جاء الولد وارثًا لسلطة إلهية من أبيه، ووارثًا الفناء من أمه.

قام يوحنا المعمدان بتعميده وهو في الثلاثين من عمره، وقد صام أربعين يومًا ليحارب الشيطان، كما أنه قد ظهرت على يديه معجزات.

إن المسيح قد ضُرِبَ، وعُذِّبَ، ومن ثم صُلِبَ، ليسجل انتصاره على الخطيئة، وقد استودع روحه بين يدي أبيه، وقد ظل جسده ثلاثة أيام في القبر، ثم عادت إليه روحه فقام متغلبًا على الموت.

بعد قيامه بقليل ظهر في أمريكا، وأسس كنيسته، ثم صعد إلى السماء. وقد دخلت الوثنية إلى العقيدة المسيحية كما حارب رجال الدين بعضهم بعضًا مما استوجب نزول المسيح مرة أخرى مع الله وهبوطهما على يوسف سميث بغية إعادتها إلى الأرض مرة أخرى كما كانت في الأصل.

حواء ابنة مختارة أعطيت لآدم، وسمح لهما بالأكل من كل الأشجار عدا شجرة معرفة الخير والشر، وقد أغراهما الشيطان فأكلا منها فأصبحا فانيين يشتغلان وينجبان.

الروح القدس: عضو في الهيئة الإلهية، وله جسد من الروح في شكل إنسان، وهو يوجد في مكان واحد فقط في نفس الوقت إلا أن نفوذه يصل إلى كل مكان.

النبي رجل دعاه الله ليمثله على الأرض ويتكلم بالنيابة عنه، والنبوة لديهم مستمرة لا تنقطع.

التعميد: ترمز المعمودية إلى الموت والقيامة وذلك بأن ينزل رجل الدين إلى الماء مع الشخص الذي يريد تعميده، فيغطسه في الماء ثم يخرجه، وبذا تنتهي الحياة الخاطئة وتبدأ الحياة الجديدة، وهي تسمى الميلاد الثاني.

القربان: كانت القرابين قبل المسيح تقدم على شكل ذبائح من الحيوانات، لكن كفارة المسيح بقتله أنهت هذا النوع من القرابين، وصارت عبارة عن خبز ونبيذ مصحوبة بالصلوات. وخلال رؤية حديثة لقديسي الأيام الأخيرة جعلوها خبزًا وماءً.

يقدسون يوم السبت لأن الله استراح فيه بعد انتهائه من خلق الكون ولقد كان قيام المسيح بعد صلبه في يوم الأحد الذي صار محل تقديس عوضًا عن يوم السبت.

الصوم: هو الامتناع عن الطعام والشراب مدة أكلتين متتابعتين وبذلك يصوم الشخص أربعًا وعشرين ساعة. فإذا أكل أحدهم العشاء فلا يجوز له أن يأكل مرة ثانية حتى العشاء الآخر. كما يقدم الصائم للقائد الكهنوتي إما مالًا أو طعامًا مساويًا لطعام الوجبتين وهذا يسمى بعطاء الصوم.

يحرمون شرب النبيذ، والمسكرات الكحولية والتبغ والدخان بكل أنواعه، ويمتنعون عن شرب القهوة والشاي لما يحتويان عليه من عقاقير مضرة. ويحذرون من تناول المرطبات وما فيها من مشروبات الصودا والمشروبات الفوارة والمياه الغازية، والكولا أشدها خطرًا. وينبهون إلى عدم الإسراف في أكل اللحم من دون تحريم، ويبيحون تناول الفواكه والخضر والبقول والغلال مركزين على القمح بخاصة لاعتقادهم بأنه نافع لجسم الإنسان ويؤدي إلى المحافظة على صحته وقوامه. وجدير بالذكر أن يوسف سميث كان يرقص ويشرب الخمر ويشترك في المصارعة وقد كتب يقول: "خلق الإنسان ليتمتع بحياته".

يبيحون تعدد الزوجات ويجيزون للرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء لأن في ذلك إعادة لما شرعه الله في الأزمان الغابرة. ولا يسمحون بذلك إلا لذوي الأخلاق العالية على أن يثبتوا قدرة على إعالة أكثر من أسرة. وقد مارس يوسف سميث هذا التعدد. كما استمرت هذه العادة حتى عام 1890م.

تخلوا عن التعدد – ظاهريًا – في عهد نبيهم ولفورد نتيجة للضغط الشديد الذي قوبلوا به من الطوائف الأخرى وكذلك بغية تمكنهم من الانضمام إلى السلطات الاتحادية. وعلى الرغم من التحريم الرسمي العلني إلا أنهم يمارسون التعدد سرًا.

يحرمون الزنى تحريمًا مطلقًا، والذي يخطئ يمكنه التوبة والرجوع عن جميع خطاياه.

يجب على كل فرد أن يدفع عُشر النقود التي يكسبها على أن يكون ذلك مصحوبًا بالفرح والسرور.

يدفعون عطاء الصوم، ويدفعون اشتراكات مختلفة وعطايا لغير سبب، فكنيستهم بذلك من الكنائس الغنية الموسرة.

من علامات القيامة:

- الشرور والحروب والاضطرابات.

- استعادة الإنجيل.

- بزوغ كتاب المورمون.

- اللامانيون يصبحون شعبًا عظيمًا.

- بناء أورشليم الجديدة في ولاية ميسوري.

- بيت إسرائيل يصبح شعب الله المختار.

بعد الحساب هناك عدة ممالك:

- المملكة السماوية: للذين تسلموا شهادة يسوع وآمنوا باسمه وتعمدوا.

- المملكة الأرضية: للذين رفضوا الإنجيل على الأرض ولكنهم استلموه في العالم الروحي.

المملكة السفلية: للذين لم يتسلموا الإنجيل ولا شهادة يسوع سواء على الأرض أو في العالم الروحي ومع هؤلاء يكون الزناة والفجار.

الظلمة الخارجية: للذين شهدوا ليسوع بالروح القدس وعرفوا قوة الرب لكنهم سمحوا للشيطان بأن يتغلب عليهم فينكروا الحق ويَتَحَدوا قوة الرب.

يؤمنون بالعهد الألفي السعيد الذي يدوم ألف سنة من تاريخ مجيء المسيح إلى الأرض حيث يقوم كثير من الأموات، وبعضهم يختطف للقائه عندما ينزل، وهي القيامة الأولى. أما الأشرار فيهلكون في الأجساد ويبقون كذلك مع الأشرار من الأموات حتى انتهاء الألف سنة حيث تأتي القيامة الآخرة.

في فترة الألف سنة هذه تسود المحبة والسلام، ويملك يسوع شخصيًا، وتجتمع الأرض في مكان واحد، فلن يكون هناك قارات مختلفة، وينمو الأطفال بدون خطيئة.

لن يكون هناك موت: لأن الناس سيتغيرون من حالتهم الفانية إلى حياة الخلود في لحظة.

في نهاية العهد الألفي سيطلق سراح الشيطان لمدة قصيرة، وتحدث معركة بين أتباع الأنبياء وأتباع الشيطان. وعندها ينتصر المؤمنون ويطرد الشيطان إلى الأبد مدحورًا.

المورمون واليهود:

مما لا شك فيه أن لليهود دورًا فعالًا ونشيطًا في حركة المورمون ولذلك فهم:

يعتقدون بأن الله أعطى وعده لإبراهيم، ومن ثم لابنه يعقوب بأن من ذريته سيكون شعب الله المختار.

وأن يعقوب الذي اسمه (إسرائيل) رزق باثني عشر ابنًا يعرفون بالأسباط.

وأن هؤلاء الأنبياء ارتكبوا الشرور فبددهم الله في الأرض منقسمين إلى مملكتين:

1- المملكة الشمالية: وتسمى إسرائيل حيث عاش فيها عشرة أسباط.

2- المملكة الجنوبية: وتسمى مملكة يهوذا حيث عاش فيها سبطان فقط.

الأسباط الشماليون هزموا في معركة ودفعوا إلى السبي، وقد هرب بعضهم وتاهوا في البلاد.

بعد مائة عام انهزمت المملكة الجنوبية حوالي عام 600ق.م. عندها ترك لحي وعائلته أورشليم مستقرين في القارة الأمريكية فكان منهم النافيون وكذلك اللامانيون الذي يعتبرون من سلالة لحي. وقد هدمت أورشليم عام 586 ق.م.

سبطا إسرائيل اللذان بقيا أُخِذا أسيرين، كما أعيد بناء أورشليم بعد المسيح، إلا أن الجنود الرومانيين قد خربوها مرة ثانية.

يصرحون بأن في هذا الزمان قد وعد الرب بأنه سيجمع بني إسرائيل ليتعلموا الإنجيل، كما أن موسى النبي قد نزل على يوسف سميث عام 1836م وأعطاه سلطة جمع بيت إسرائيل في هيكل كيرتلاند.

بيت إسرائيل الآن في طريقه إلى الجمع إذ أن آلافًا من الناس ينضمون إلى الكنيسة سنويًا من الإسرائيليين الذي ينتمون إلى عائلة إبراهيم ويعقوب إما بعلاقة الدم أو بعلاقة التبني حسب ادعاءاتهم.

سيجمع سبطا افرايم ومنسي في أرض أمريكا، وسيعود سبط يهوذا إلى أورشليم كما أن الأسباط العشرة المفقودة ستتسلم البركات التي وعدت بها من سبط افرايم في أمريكا.

الإسرائيليون المشتتون في كل دولة يدعون للتجمع في حظيرة المسيح في أوتاد صهيون.

هذا التجمع الحرفي لإسرائيل لن يتم حتى المجيء الثاني للمخلص كما يزعمون.

ستكون هناك عاصمتان في العالم: الأولى في أورشليم والثانية في أمريكا لأن من صهيون تخرج الشريعة، ومن أورشليم تخرج كلمة الرب.

الجذور الفكرية والعقائدية:

لليهود دور في نشوء هذه الطائفة تعزيزًا للانشقاق داخل الكنائس المسيحية بغية السيطرة عليها.

كتاب المورمون يشبه التلمود في كل شيء ويحاكيه وكأنه نسخة طبق الأصل عنه.

إن إسرائيل قد جندت كل إمكاناتها لخدمة هذه الطائفة عاملة على استمرارية العون والمساندة النصرانية لها.

يعملون على ربط صهيون أو القدس الجديدة بالأرض الأمريكية المقدسة – حسب وصايا الرب – انتظارًا لعودة المسيح الذي سيعود ليملك الأرض ويملأها جنات خالدات.

يقولون عن فلسطين في كتاب المورمون في الإصحاح العاشر الفقرة 31: "فاستيقظي وانتفضي من الثرى يا أورشليم، نعم… والبسي حللك الجميلة يا ابنة صهيون، ووسعي حدودك إلى الأبد، لكي لا تعودي مغلوبة ولكي تتحقق عهود الأب الأزلية التي قطعها معك، يا بيت إسرائيل".

يقولون في الإصحاح الرابع عشر فقرة 6 مخاطبين المورمون: "لا تعطوا القدس للكلاب ولا تطرحوا دوركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت لتمزقكم".

نلاحظ تعانق الفكر الصليبي مع الفكر الصهيوني في نظرتهم إلى فلسطين، إنهم يقولون ذلك منذ عام 1825م يوم كانت فلسطين ما تزال جزءً من أرض الإسلام.

الانتشار ومواقع النفوذ:

آمن بفكرة المورمون كثير من النصارى، وكان دعاتها من الشباب المتحمس، وقد بلغ عدد أفرادها أكثر من خمسة ملايين نسمة، ثمانون بالمائة منهم في الولايات المتحدة الأمريكية ويتمركزون في ولاية يوتاه حيث أن 68% من سكان هذه الولاية منهم، و62% من سكان مقاطعة البحيرات المالحة مسجلون كأعضاء في هذه الكنيسة ومركزهم الرئيسي في ولاية يوتاه الأمريكية.

انتشروا في الولايات المتحدة الأمريكية، وأمريكا الجنوبية، وكندا، وأوروبا، كما أن لهم في معظم أنحاء العالم فروعًا ومكاتب ومراكز لنشر أفكارهم ومعتقداتهم.

أنهم يوزعون كتبهم مجانًا، ودعوتهم تأتي خدمة لمصلحة إسرائيل وتأكيدًا لأهدافها المرسومة. ولهم 175 إرسالية تنصيرية، كما أنهم يملكون:

شبكة تلفزيونية، وإحدى عشرة محطة إذاعية.

ويملكون مجلة شهرية بالأسبانية، وصحيفة يومية واحدة.

ويملكون مركزًا متطورًا جدًا للمعلومات في مدينة سولت ليك في ولاية يوتاه الأمريكية.

ويتضح مما سبق:

أن المورمون طائفة نصرانية جديدة نسبيًا، انشقت عن النصرانية، وتدعو إلى التمسك بالكتب اليهودية وكتاب المورمون وكتاب المبادئ والعهود وغيرها ويدعون إلى الإيمان بالمسيح الذي جاء – في نظرهم – لينقذ اليهود من الاضطهاد، والإيمان بأن المبادئ والمراسم الأربعة للإنجيل هي: الإيمان بالرب يسوع المسيح كما يقولون، والتوبة والعماد بالتغطيس لغفران الخطايا ووضع الأيدي لموهبة الروح القدس. ويصل شركهم مداه عندما يقولون إنهم يعتقدون إن الله تعالى هو على شكل إنسان له لحم وعظام وبداخل جسده الملموس روح أزلية، كما أن البشر عندهم هم أبناء وبنات الله، ومن هنا يجب حذر المسلمين من أفكارهم.

مراجع للتوسع:

هناك نشرات توزعها كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة بمدينة سولت ليك بولاية يوتاه في الولايات المتحدة الأمريكية ومنها:

(a) The Church of Jesus Christ of Latter-day Saints

ومن نشراتهم باللغة العربية ما يلي:

- مبادئ الإنجيل.

- دليل الشعبة.

- دليل القائد الكهنوتي.

- كلمة الحكمة.

- شهادة يوسف سميث.

- دليل العائلة.

- ماذا عن المورمون – طبع الولايات المتحدة.

- مقال عن المورمون في مجلة الأمة عدد 22 شوال 1402هـ/ آب 1982م.

- مقال في الموسوعة البريطانية عن المورمون.

- ولهم كذلك نشرات باللغة الإنجليزية هي:

- Succession in The Presidency.

- W.H.Y. Famillies?

- A Family home evening program suggested by The Church of Jesus Christ of latter-day saints.

- The Mormons and The Jewish people.

- The Lord’s Day.

- What The Mormons think of Christ.

- A Word of Wisdom, Mark E. Perersen.

- Baptism. How and by Whom administered?

الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م


16-معجم البلدان (فامية)

فَامِيَةُ:

بعد الألف ميم ثم ياء مثناة من تحت خفيفة:

مدينة كبيرة وكورة من سواحل حمص، وقد يقال لها أفامية، بالهمزة في أوله، وقد ذكرت في موضعها، وذكر قوم أن الأصل في فامية ثانية بالثاء المثلثة والنون، وذاك أنها ثاني مدينة بنيت في الأرض بعد الطوفان، قال البلاذري: سار أبو عبيدة في سنة 17 بعد افتتاح شيزر إلى فامية فتلقّاه أهلها بالصلح فصالحهم على الجزية والخراج، وقال العساكريّ:

عبد القدّوس بن الريّان بن إسماعيل البهراني قاضي فامية سمع بدمشق محمد بن عائذ وبغيرها عبيد بن جنّاد، روى عنه أبو الطيب محمد بن أحمد بن حمدان الرّسعني الورّاق، وفامية أيضا: قرية من قرى واسط بناحية فم الصّلح، ينسب إليها أبو عبد الله عمر بن إدريس الصلحي ثم الفامي، حدث عن أبي مسلم الكجّي، روى عنه أبو العلاء محمد بن يعقوب الواسطي، سكن بغداد وحدث بها، وذكر أحمد ابن أبي طاهر أنه رفع إلى المأمون أن رجلا من الرعية لزم بلجام رجل من الجند يطالبه بحقّ له فقنّعه بالسوط فصاح الفاميّ: وا عمراه ذهب العدل منذ ذهبت! فرفع ذلك إلى المأمون فأمر بإحضارهما، فقال للجنديّ: ما لك وله؟ فقال: إن هذا رجل كنت أعامله وفضل له عليّ شيء من النفقة فلقيني على الجسر فطالبني فقلت إني أريد دار السلطان فإذا رجعت وفيتك، فقال: لو جاء السلطان ما تركتك، فلما ذكر الخلافة يا أمير المؤمنين لم أتمالك أن فعلت ما فعلت، فقال للرجل: ما تقول فيما يقول؟ فقال:

كذب عليّ وقال الباطل، فقال الجنديّ: إن لي جماعة يشهدون إن أمر أمير المؤمنين بإحضارهم أحضرتهم، فقال المأمون: ممن أنت؟ قال: من أهل فامية، فقال: أما عمر بن الخطاب فكان يقول من كان جاره نبطيّا واحتاج إلى ثمنه فليبعه، فان كنت انما طلبت سيرة عمر فهذا حكمه في أهل فامية، ثم أمر له بألف درهم وأطلقه، وهذه فامية التي عند واسط بغير شكّ، قال عيسى بن سعدان الحلبي شاعر معاصر يذكر فامية:

«يا دار علوة ما جيدي بمنعطف *** إلى سواك، ولا قلبي بمنجذب»

«ويا قرى الشام من ليلون لا بخلت *** على بلادكم هطّالة السّحب»

«ما مرّ برقك مجتازا على بصري *** إلّا وذكّرني الدارين من حلب»

«ليت العواصم من شرقيّ فامية *** أهدت إليّ نسيم البان والغرب»

«ما كان أطيب أيّامي بقربهم *** حتى رمتني عوادي الدهر من كشب»

وقد اختلف في أبي جعفر أحمد بن محمد بن حميد المقرئي الفامي الملقّب بالفيل فقيل هو منسوب إلى الصنعة وقيل إلى البلدة، أخذ عرضا عن أبي جعفر عمرو بن الصّبّاح بن صبيح الضرير الكوفي عن أبي عمر حفص بن سليمان بن المغيرة البزّاز الأسدي عن عاصم بن أبي النّجود الأسدي، وأخذ أيضا عن يحيى ابن هاشم بن أبي كبير الغسّاني السمسار عن حمزة بن حبيب الزّيّات، وسمع عليّ بن عاصم بن عليّ بن عاصم وآخرين، روى عنه أبو بكر محمد بن خلف ابن حيّان ووكيع القاضي البغدادي خليفة عبدان على قضاء الأهواز وأبو بكر أحمد بن موسى بن مجاهد البغدادي وأبو عبد الله محمد بن جعفر بن أبي

أميّة الكوفي وأحمد بن عبد الرحمن بن البحتري الدّقّاق المعروف بالوليّ، وقال: الوليّ هذا هو من فامية وكان يلقّب فيلا لعظم خلقته، توفي سنة 287، وقرأ على عمرو بن الصّبّاح في سنة 218، وقال غيره: 220، ومات عمرو هذا سنة 221، وكان يتولى فامية رجل كرديّ يقال له

«توهّم الحرب شطرنجا يقلّبها *** للقمر ينقل منه الرّخّ والشّاها»

«جازت هزيمته أنهار فامية *** إلى البحيرة حتى غطّ في ماها»

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


17-معجم البلدان (قبر العبادي)

قَبْرُ العِبَادِيّ:

منزل في طريق مكة من القادسية إلى العذيب ثم المغيثة ثم القرعاء ثم واقصة ثم العقبة ثم

القاع ثم زبالة ثم شقوق ثم قبر العبادي ثم الثعلبية، وهي ثلث الطريق، قال أهل السير: كان روزبه ابن بزرجمهر بن ساسان من أهل همذان وكان من أهل كسرى على فرج من فروج الروم فأدخل عليهم سلاحا فأخافه الأكاسرة فلم يأمن حتى قدم سعد بن أبي وقّاص ومصّر الكوفة فقدم عليه وبنى له قصره والمسجد الجامع ثم كتب معه إلى عمر، رضي الله عنه، فأخبره بحاله فأسلم وفرض له عمر وأعطاه وصرفه إلى سعد فصرفه إلى أكريائه، والأكرياء يومئذ هم العباد أهل الحيرة، حتى إذا كان بالمكان الذي يقال له قبر العبادي مات فحفروا له ثم انتظروا به من يمرّ بهم ممن يشهدون موته فمرّ بهم قوم من الأقراب وقد حفروا له على الطريق فأروهم إياه ليبرؤوا من دمه وأشهدوهم ذلك فغلب عليه قبر العبادي لمكان الأكرياء ظنّوه منهم.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


18-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (الأمر للتكذيب)

الأمر للتّكذيب:

ذكره السبكي والسيوطي، ومنه قوله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها} وقوله: {قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا}.

معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م


19-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (المجاز الإفرادي)

المجاز الإفراديّ:

هو أحد أنواع المجاز اللغويّ. وهو المجاز المرسل الذي تكون علاقته بين ما استعمل فيه وما وضع له ملابسة غير التشبيه. وقد سمّاه ابن الزملكاني والزركشي «المجاز الإفرادي» وسمّاه السّيوطي «المجاز في المفرد» وقال: «ويسمّى المجاز اللغويّ».

يكون المجاز اللغويّ في نقل الألفاظ من حقائقها اللغوية الى معان أخرى بينها صلة ومناسبة وقد يسمّى المجاز المفرد. وقد قسّمه القزويني الى مرسل واستعارة لأنّ العلاقة المصحّحة إن كانت تشبيه معناه بما هو موضوع له فهو استعارة وإلّا فهو مجاز مرسل. وعرّف المرسل بقوله: «هو ما كانت العلاقة بين ما استعمل فيه وما وضع له ملابسة غير التشبيه». وسمّي هذا النوع مرسلا؛ لأنّ الإرسال في اللغة الإطلاق، والمجاز الاستعاري مقيّد بادّعاء أنّ المشبّه من جنس المشبّه به والمرسل مطلق من هذا القيد. وقيل: إنما سمي مرسلا لإرساله عن التقييد بعلاقة مخصوصة بل ردّد بين علاقات بخلاف المجاز الاستعاري فإنّه بعلاقة واحدة وهي المشابهة.

ولم نجد أحدا أطلق اسم «المجاز المرسل» على هذا النوع قبل السّكّاكي وكان القدماء قد ذكروا أنواعه ولم يسمّوه، ومنهم الفرّاء الذي قال في قوله تعالى: {فَلْيَدْعُ نادِيَهُ}: «والعرب تقول: النادي يشهدون عليك والمجلس، يجعلون النادي والمجلس والمشهد والشاهد ـ القوم قوم الرجل». وأشار الآمدي الى السببية والمجاورة وهي من علاقات المرسل كقولهم للمطر: «سماء» وقولهم: «ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم». قال الشاعر:

«إذا سقط السّماء بأرض قوم ***رعيناه وإن كانوا غضابا»

أراد: إذا سقط المطر رعيناه أي: رعينا النبت الذي يكون عنه، ولهذا سمّي النبت ندى لأنّه عن الندى يكون. وقالوا: «ما به طرق» أي ما به قوة، والطرق: الشحم، فوضعوه موضع القوة؛ لأنّ القوة عنه تكون.

وقولهم للمزادة «راوية» وإنّما الراوية البعير الذي يسقى عليه الماء فسمّي الوعاء الذي يحمله باسمه. ومن ذلك «الحفض» متاع البيت فسمي البعير الذي يحمله حفضا. وهذه أنواع المجاز المرسل الذي تحدث عنه المتأخرون.

وقال ابن جني عن البيت:

«ذر الآكلين الماء ظلما فما أرى ***ينالون خيرا بعد أكلهم الماءا»

«فكأنه من باب الاكتفاء بالسبب عن المسبب، يريد قوما كانوا يبيعون الماء فيشترون بثمنه ما يأكلونه فاكتفى بذكر الماء الذي هو سبب المأكول من ذكر المأكول».

وقسّم الإمام الغزالي المجاز الى أربعة عشر نوعا ومعظمها يدخل في المجاز المرسل وذكر ابن الأثير أنّها ترجع الى التوسّع والتشبيه والاستعارة. وتكلّم عبد القاهر على هذا النوع ولم يسمّه مرسلا وإنّما هو مجاز لغوي يقرن بالاستعارة وإن كانت علاقته غير المشابهة. وفي قوله: «وأما لصلة وملابسة بين ما نقلها اليه وما نقلها عنه» تمييز للمجاز المرسل عن الاستعارة. وكان السّكّاكي ـ فيما نعلم ـ أول من أطلق التسمية وتابعه بدر الدين بن مالك والقزويني وشرّاح التلخيص، وتوسّع ابن قيّم الجوزيّة والعلوي والزركشي في بحث هذا النوع وجمعوا له علاقات كثيرة ومن أشهرها: الجزئية وهي تسمية الشيء باسم جزئه كالعين في الرقيب وكقوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} أي: صلّ. وقوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} أي: تحرير عبد مؤمن. ومنه قول الشاعر:

«وكم علّمته نظم القوافي ***فلمّا قال قافية هجاني »

أي: الشعر.

والكلّيّة فيما ذكر الكل وأريد الجزء كقوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ} أي: أناملهم، وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} أي: لم يذقه.

والسببية بأن يطلق لفظ السبب ويراد المسبب كقوله تعالى: {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} أي: قدرته فإنّ اليد سببها. وكقول الشاعر:

«له أياد عليّ سابغة***أعدّ منها ولا أعدّدها»

أي: نعم؛ لأنّ الايادي سبب فيها.

والمسببيّة فيما إذا ذكر لفظ المسبّب وأريد السبب كقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقًا} أي: مطرا هو سبب الرزق.

والسبق وهي اعتبار ما كان أي تسمية الشيء باسم ما كان عليه كقوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ} أي: الذين كانوا يتامى.

والاستعداد وهي اعتبار ما يكون أي اطلاق اسم الشيء على ما يؤول اليه كقوله تعالى: {إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}، وقوله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}.

والمحلية فيما إذا ذكر لفظ المحل وأريد به الحالّ فيه كقوله تعالى: {فَلْيَدْعُ نادِيَهُ} أي: المجتمعين في النادي. وقوله: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} أي: بألسنتهم لأنّ القول عادة لا يكون إلا بها.

والحاليّة وهي عكس السابقة فيما إذا ذكر لفظ الحالّ وأريد به المحل كقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} أي: في جنته التي تحلّ فيها الرحمة.

وقوله: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أي: لباسكم لحلول الزينة فيه. والآلية فيما اذا ذكر اسم الآلة وأريد الاثر الذي ينتج عنه كقوله تعالى:

{وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} أي: ذكرا حسنا، واللسان أداة الذكر.

والمجاورة نحو «خلت الراوية» أي: السقاء، والراوية في الأصل للبعير الحامل لها وسمّيت باسمه لكونه حاملا إياها أو مجاورا لها عند الحمل.

ومنها إقامة صيغة مقام اخرى كاقامة فاعل بمعنى مفعول في قوله تعالى: {لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ} أي: لا معصوم، ومفعول مقام فاعل كقوله تعالى: {إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} أي: آتيا، وفعيل بمعنى مفعول كقوله تعالى: {وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيرًا} اي: مظهورا عليه. ومنها مجيء المصدر على فعول كقوله تعالى: {لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُورًا} أي شكرا. وإقامة الفاعل مقام المصدر كقوله تعالى: {لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ} أي: تكذيب. وإقامة المفعول مقام المصدر كقوله تعالى: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} أي: الفتنة. ووصف الشيء بالمصدر كقوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} أي: فانهم عداوة.

ومنها مجيء المصدر بمعنى المفعول كقوله تعالى: {ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} أي: المعلوم، وقوله: {صُنْعَ اللهِ} أي: مصنوعه.

وفي كتاب الله كثير من المجاز المرسل وقد ذكرت بعضه كتب علوم القرآن خاصة ككتاب «البرهان في علوم القرآن» للزركشي و «الاتقان في علوم القرآن» و «معترك الاقران» للسّيوطي.

معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م


20-موسوعة الفقه الكويتية (إلزام)

إِلْزَامٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْإِلْزَامُ مَصْدَرُ أَلْزَمَ الْمُتَعَدِّي بِالْهَمْزَةِ، وَهُوَ مِنْ لَزِمَ، يُقَالُ: لَزِمَ يَلْزَمُ لُزُومًا: ثَبَتَ وَدَامَ، وَأَلْزَمْتُهُ: أَثْبَتُّهُ وَأَدَمْتُهُ، وَأَلْزَمْتُهُ الْمَالَ وَالْعَمَلَ وَغَيْرَهُ فَالْتَزَمَهُ، وَلَزِمَهُ الْمَالُ: وَجَبَ عَلَيْهِ، وَأَلْزَمَهُ إِيَّاهُ فَالْتَزَمَهُ.

وَيَقُولُ الرَّاغِبُ: الْإِلْزَامُ ضَرْبَانِ: إِلْزَامٌ بِالتَّسْخِيرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنَ الْإِنْسَانِ، وَإِلْزَامٌ بِالْحُكْمِ وَالْأَمْرِ، نَحْوَ قوله تعالى: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} وَقَوْلِهِ {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى}.

فَيَكُونُ مَعْنَى الْإِلْزَامِ: الْإِيجَابَ عَلَى الْغَيْرِ.

وَلَا يَخْرُجُ الْفُقَهَاءُ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْإِيجَابُ:

2- وَجَبَ الشَّيْءُ يَجِبُ وُجُوبًا أَيْ: لَزِمَ، وَأَوْجَبَهُ هُوَ وَأَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى.وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ أَوْجَبَ نَجِيبًا، أَيْ أَهْدَاهُ فِي حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ كَأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ بِهِ، وَأَوْجَبَهُ إِيجَابًا أَيْ أَلْزَمَهُ.

وَقَدْ فَرَّقَ أَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْإِلْزَامِ، فَقَالَ: الْإِلْزَامُ يَكُونُ فِي الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، يُقَالُ: أَلْزَمْتُهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ.وَالْإِيجَابُ لَا يَسْتَعْمِلُ إِلاَّ فِيمَا هُوَ حَقٌّ، فَإِنِ اسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ فَهُوَ مَجَازٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِلْزَامُ.

الْإِجْبَارُ وَالْإِكْرَاهُ:

3- الْإِجْبَارُ وَالْإِكْرَاهُ هُمَا الْحَمْلُ عَلَى الشَّيْءِ قَهْرًا، وَالْإِلْزَامُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَهْرِ وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِالْإِلْزَامِ الْحِسِّيِّ، وَقَدْ يَكُونُ بِدُونِهِ.

الِالْتِزَامُ:

4- الِالْتِزَامُ هُوَ: إِلْزَامُ الشَّخْصِ نَفْسَهُ شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ.

فَالِالْتِزَامُ يَكُونُ مِنَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ كَالنَّذْرِ وَالْوَعْدِ، وَالْإِلْزَامُ يَكُونُ مِنْهُ عَلَى الْغَيْرِ كَإِنْشَاءِ الْإِلْزَامِ مِنَ الْقَاضِي.

وَالِالْتِزَامُ يَكُونُ وَاقِعًا عَلَى الشَّيْءِ، يُقَالُ: الْتَزَمْتُ الْعَمَلَ، وَالْإِلْزَامُ يَقَعُ عَلَى الشَّخْصِ، يُقَالُ: أَلْزَمْتُ فُلَانًا الْمَالَ.

الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:

5- الْأَصْلُ امْتِنَاعُ الْإِلْزَامِ مِنَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّسَلُّطِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِلْزَامُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ، إِمَّا بِطَرِيقِ التَّسْخِيرِ، وَإِمَّا بِطَرِيقِ الْحُكْمِ وَالْأَمْرِ.

وَقَدْ يَقَعُ الْإِلْزَامُ مِنَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِتَسْلِيطِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ خَاصَّةً أَمْ عَامَّةً، وَحِينَئِذٍ قَدْ يَكُونُ الْإِلْزَامُ وَاجِبًا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِلْزَامُ النَّاسِ بِالْأَخْذِ بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، وَلَهُ سُلْطَةُ إِلْزَامِهِمْ بِالْقُوَّةِ وَحَمْلِهِمْ عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ.وَلَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: « وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ ».وَقَدْ قَاتَلَ أَبُو بَكْرٍ- رضي الله عنه- مَانِعِي الزَّكَاةِ.وَمَنِ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ دُيُونِ وَغَيْرِهَا أُخِذَتْ مِنْهُ جَبْرًا إِذَا أَمْكَنَ، وَيُحْبَسُ بِهَا إِذَا تَعَذَّرَتْ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا فَيُنْظَرَ إِلَى مَيْسَرَتِهِ.

بَلْ إِنَّ الشَّعَائِرَ الَّتِي لَيْسَتْ بِفَرْضٍ، فَإِنَّ لِلْإِمَامِ إِلْزَامَ النَّاسِ بِهَا كَمَا إِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِ الْأَذَانِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ يُقَاتِلُهُمْ، لِأَنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ.وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَالْمُحْتَسِبُ لَهُمْ هَذَا الْحَقُّ فِيمَا وُكِّلَ إِلَيْهِمْ.

وَقَدْ يَكُونُ الْإِلْزَامُ حَرَامًا، وَذَلِكَ فِي الْأَمْرِ بِالظُّلْمِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: « لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ »، وَعَلَى ذَلِكَ فَمَنْ أَمَرَهُ الْوَالِي بِقَتْلِ رَجُلٍ ظُلْمًا أَوْ قَطْعِهِ أَوْ جَلْدِهِ أَوْ أَخْذِ مَالِهِ أَوْ بَيْعِ مَتَاعِهِ فَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ يَكُونُ الْإِلْزَامُ جَائِزًا كَإِلْزَامِ الْوَالِي بَعْضَ النَّاسِ بِالْمُبَاحَاتِ لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا وَإِلْزَامِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ مُبَاحٍ.

وَقَدْ يَكُونُ الْإِلْزَامُ مُسْتَحَبًّا، وَذَلِكَ عِنْدَمَا يَكُونُ مَوْضُوعُهُ مُسْتَحَبًّا، كَإِلْزَامِ الْإِمَامِ رَعِيَّتَهُ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فِي الْمَسَاجِدِ.

مَوَاطِنُ الْبَحْثِ.

6- تَتَعَدَّدُ مَوَاطِنُ الْإِلْزَامِ بِتَعَدُّدِ أَسْبَابِهِ، فَقَدْ يَكُونُ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ. (ر: إِكْرَاه).

وَمِنْ ذَلِكَ الْعُقُودُ الَّتِي يَكُونُ مِنْ آثَارِهَا الْإِلْزَامُ بِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ كَالْبَيْعِ إِذَا تَمَّ، فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِلْزَامُ الْبَائِعِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَإِلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ.

وَكَالْإِجَارَةِ إِذَا تَمَّتْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا إِلْزَامُ الْمُسْتَأْجِرِ بِالْقِيَامِ بِالْعَمَلِ (ر: عَقْد- بَيْع- إِجَارَة).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


21-موسوعة الفقه الكويتية (بغاة 3)

بُغَاةٌ -3

ب- قَضَاءُ الْبُغَاةِ وَحُكْمُ نَفَاذِهِ:

36- لَوْ ظَهَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى بَلَدٍ فَوَلَّوْا فِيهِ قَاضِيًا مِنْ أَهْلِهِ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ صَحَّ اتِّفَاقًا، وَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ.أَمَّا إِنْ كَانَ مِنْهُمْ، فَإِذَا ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ عَلَى هَذَا الْبَلَدِ، فَرُفِعَتْ أَقْضِيَتُهُ إِلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ نَفَذَ مِنْهَا مَا هُوَ عَدْلٌ، وَكَذَا مَا قَضَاهُ بِرَأْيِ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي الْمُجْتَهَدَاتِ نَافِذٌ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا كَانَ الْبَاغِي مُتَأَوِّلًا، وَأَقَامَ قَاضِيًا، فَحَكَمَ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ، وَلَا تُتَصَفَّحُ أَحْكَامُهُ، بَلْ تُحْمَلُ عَلَى الصِّحَّةِ، وَيَرْتَفِعُ بِهَا الْخِلَافُ.قَالَ الْمَوَّاقُ: هَذَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.أَمَّا غَيْرُ الْمُتَأَوِّلِ فَأَحْكَامُهُ تُتَعَقَّبُ.وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُمْ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَبِيحُ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَأَمْوَالَهُمْ لَمْ تَنْفُذْ أَحْكَامُهُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقَضَاءِ الْعَدَالَةَ وَالِاجْتِهَادَ، وَهَذَا لَيْسَ بِعَدْلٍ وَلَا مُجْتَهِدٍ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَسْتَبِيحُ ذَلِكَ نَفَذَ مِنْ حُكْمِهِ مَا يَنْفُذُ مِنْ حُكْمِ أَهْلِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ تَأْوِيلًا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، فَلَمْ يُنْقَضْ مِنْ حُكْمِهِ مَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الْفُرُوعِ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَفْسُقْ كَاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ، وَإِذَا حَكَمَ بِمَا لَا يُخَالِفُ إِجْمَاعًا نَفَذَ حُكْمُهُ، وَإِنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ نُقِضَ، وَإِنْ حَكَمَ بِسُقُوطِ الضَّمَانِ عَنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فِيمَا أَتْلَفُوهُ حَالَ الْحَرْبِ جَازَ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا أَتْلَفُوهُ قَبْلَ الْحَرْبِ لَمْ يَنْفُذْ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَإِنْ حَكَمَ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ بِالضَّمَانِ فِيمَا أَتْلَفُوهُ حَالَ الْحَرْبِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْإِجْمَاعِ، وَإِنْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ فِيمَا أَتْلَفُوهُ فِي غَيْرِ حَالِ الْحَرْبِ نَفَذَ حُكْمُهُ.

ج- كِتَابُ قَاضِي الْبُغَاةِ إِلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ:

37- لَا يَقْبَلُ قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ كِتَابَ قَاضِي الْبُغَاةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ.وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يَجُوزُ الْحُكْمُ بِكِتَابِهِمْ إِلَيْنَا بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَيُسْتَحَبُّ عَدَمُ تَنْفِيذِهِ وَالْحُكْمِ بِهِ، اسْتِخْفَافًا بِهِمْ حَيْثُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ.فَإِنْ قَبِلَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ، فَجَازَ الْحُكْمُ بِكِتَابِهِ، كَقَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ وَالْحَاكِمُ مِنْ أَهْلِهِ.بَلْ لَوْ كَانَ الْحُكْمُ لِوَاحِدٍ مِنَّا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُ التَّنْفِيذِ.وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ كِتَابِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْلَاءٍ لِمَنْصِبِهِ.

وَلَمْ نَقِفْ عَلَى نَصٍّ لِلْمَالِكِيَّةِ فِي هَذَا، لَكِنَّهُمُ اشْتَرَطُوا فِي الْقَاضِي الَّذِي يُقْبَلُ كِتَابُهُ: الْعَدَالَةَ، سَوَاءٌ أَكَانَ تَوَلَّى الْقَضَاءَ مِنْ قِبَلِ الْوَالِي الْمُتَغَلِّبِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْكَافِرِ، رِعَايَةً لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، مِمَّا يُفِيدُ جَوَازَ قَبُولِ كِتَابِ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ.

د- إِقَامَتُهُمْ لِلْحَدِّ، وَوُجُوبُهُ عَلَيْهِمْ:

38- الْحَدُّ الَّذِي يُقِيمُهُ إِمَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ يَقَعُ مَوْقِعَهُ، وَيَكُونُ مُجْزِئًا، وَلَا يُعَادُ ثَانِيًا عَلَى الْمَحْدُودِ إِنْ كَانَ غَيْرَ قَتْلٍ، وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ قَتْلًا، لِأَنَّ عَلِيًّا- رضي الله عنه- قَاتَلَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ، وَلَمْ يُلْغِ مَا فَعَلُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ، فَوَجَبَ إِمْضَاؤُهُ، وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ كُلٌّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا كَانَ الْقَاضِي الَّذِي أَقَامَهُ إِمَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّتِي تَغَلَّبُوا عَلَيْهَا، وَلَيْسَ مِنَ الْبُغَاةِ، وَجَبَ عَلَيْهِ إِقَامَةُ الْحَدِّ وَأَجْزَأَ.وَأَمَّا إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَكَانُوا امْتَنَعُوا بِدَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ؛ إِذِ الْفِعْلُ لَمْ يَقَعْ مُوجِبًا أَصْلًا لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَكَانِ وُقُوعِ الْجَرِيمَةِ وَقْتَ وُقُوعِهَا.وَلَوْ رَجَعَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَيْضًا.وَعَلَى هَذَا لَوْ تَغَلَّبْنَا عَلَيْهِمْ لَا يُقَامُ.وَلَوْ كَانُوا أَقَامُوهُ فَإِنَّهُ لَا تَجِبْ إِعَادَتُهُ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ أَصْلًا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا ارْتَكَبُوا حَالَ امْتِنَاعِهِمْ مَا يُوجِبُ حَدًّا، ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِمْ- وَلَمْ يَكُنْ أُقِيمَ الْحَدُّ- أُقِيمَتْ فِيهِمْ حُدُودُ اللَّهِ، وَلَا تَسْقُطُ الْحُدُودُ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ.وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ لِعُمُومِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ الْعِبَادَةُ فِي أَوْقَاتِهَا تَجِبُ الْحُدُودُ فِيهِ عِنْدَ وُجُودِ أَسْبَابِهَا كَدَارِ أَهْلِ الْعَدْلِ؛ وَلِأَنَّهُ زَانٍ أَوْ سَارِقٌ لَا شُبْهَةَ فِي زِنَاهُ وَسَرِقَتِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَالذِّمِّيِّ فِي دَارِ الْعَدْلِ.

شَهَادَةُ الْبُغَاةِ:

39- الْأَصْلُ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ.فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إِنْ كَانُوا عُدُولًا فِي أَهْوَائِهِمْ، إِلاَّ بَعْضَ الرَّافِضَةِ كَالْخَطَّابِيَّةِ، وَمَنْ كَانَتْ بِدْعَتُهُ تُكَفِّرُ، أَوْ كَانَ صَاحِبَ عَصَبِيَّةٍ، أَوْ فِيهِ مَجَانَةٌ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ لِكُفْرِهِ وَلِفِسْقِهِ.

وَيَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مُبْتَدِعِينَ، وَلَا تُقْبَلُ إِذَا كَانُوا مُبْتَدِعِينَ وَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ.وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ لِتَأْوِيلِهِمْ، إِلاَّ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَشْهَدُونَ لِمُوَافِقِيهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ، فَلَا تُقْبَلُ حِينَئِذٍ لِبَعْضِهِمْ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الْبُغَاةُ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ لَيْسُوا بِفَاسِقِينَ، وَإِنَّمَا هُمْ يُخْطِئُونَ فِي تَأْوِيلِهِمْ، فَهُمْ كَالْمُجْتَهِدِينَ، فَمَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ إِذَا كَانَ عَدْلًا.وَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ يَفْسُقُونَ بِالْبَغْيِ وَخُرُوجِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ، وَلَكِنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ فِسْقَهُمْ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ فَلَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


22-موسوعة الفقه الكويتية (تزوير)

تَزْوِيرٌ

التَّعْرِيفُ:

1- التَّزْوِيرُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ زَوَّرَ، وَهُوَ مِنَ الزُّورِ، وَالزُّورُ: الْكَذِبُ، قَالَ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} وَزَوَّرَ كَلَامَهُ: أَيْ زَخْرَفَهُ، وَهُوَ أَيْضًا: تَزْيِينُ الْكَذِبِ.وَزَوَّرْتُ الْكَلَامَ فِي نَفْسِي: هَيَّأْتُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ- رضي الله عنه-: مَا زَوَّرْتُ كَلَامًا لِأَقُولَهُ إِلاَّ سَبَقَنِي إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ.أَيْ: هَيَّأْتُهُ وَأَتْقَنَتْهُ.

وَلَهُ فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ أُخْرَى.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: تَحْسِينُ الشَّيْءِ وَوَصْفُهُ بِخِلَافِ صِفَتِهِ، حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَى مَنْ سَمِعَهُ أَوْ رَآهُ أَنَّهُ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ.فَهُوَ تَمْوِيهُ الْبَاطِلِ بِمَا يُوهِمُ أَنَّهُ حَقٌّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ

أ- الْكَذِبُ:

2- الْكَذِبُ هُوَ: الْإِخْبَارُ بِمَا لَيْسَ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ.وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّزْوِيرِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ، فَالتَّزْوِيرُ يَكُونُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَالْكَذِبُ لَا يَكُونُ إِلاَّ فِي الْقَوْلِ.

وَالْكَذِبُ قَدْ يَكُونُ مُزَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُزَيَّنٍ، وَالتَّزْوِيرُ لَا يَكُونُ إِلاَّ فِي الْكَذِبِ الْمُمَوَّهِ.

ب- الْخِلَابَةُ:

3- الْخِلَابَةُ هِيَ: الْمُخَادَعَةُ، وَتَكُونُ بِسَتْرِ الْعَيْبِ، وَتَكُونُ بِالْكَذِبِ وَغَيْرِهِ.

ج- التَّلْبِيسُ:

4- التَّلْبِيسُ مِنَ اللَّبْسِ، وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْأَمْرِ، وَهُوَ سَتْرُ الْحَقِيقَةِ وَإِظْهَارُهَا بِخِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهَا.

د- التَّغْرِيرُ:

5- التَّغْرِيرُ هُوَ: الْخَدِيعَةُ وَالْإِيقَاعُ فِي الْبَاطِلِ وَفِيمَا انْطَوَتْ عَاقِبَتُهُ.

هـ- الْغِشُّ:

6- الْغِشُّ مَصْدَرُ غَشَّهُ إِذَا لَمْ يُمَحِّضْهُ النُّصْحَ، بَلْ خَدَعَهُ.

وَالْغِشُّ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، فَالتَّزْوِيرُ وَالْغِشُّ لَفْظَانِ مُتَقَارِبَانِ.

و- التَّدْلِيسُ:

7- التَّدْلِيسُ: كِتْمَانُ الْعَيْبِ، وَهُوَ فِي الْبَيْعِ كِتْمَانُ عَيْبِ السِّلْعَةِ عَنِ الْمُشْتَرِي.

وَالتَّدْلِيسُ أَخَصُّ مِنَ التَّزْوِيرِ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِكِتْمَانِ الْعَيْبِ فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ، أَمَّا التَّزْوِيرُ فَهُوَ أَعَمُّ، لِأَنَّهُ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَفِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ وَغَيْرِهَا.

ز- التَّحْرِيفُ:

8- التَّحْرِيفُ: تَغْيِيرُ الْكَلَامِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَالْعُدُولُ بِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ.

ج- التَّصْحِيفُ:

9- وَالتَّصْحِيفُ: هُوَ تَغْيِيرُ اللَّفْظِ حَتَّى ي تَغَيَّرَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ أَحْكَامٍ فِي مُصْطَلَحِ (تَدْلِيسٌ) (وَتَحْرِيفٌ).

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

10- الْأَصْلُ فِي التَّزْوِيرِ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ شَرْعًا فِي الشَّهَادَةِ لِإِبْطَالِ حَقٍّ أَوْ إِثْبَاتِ بَاطِلٍ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَتِهِ قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}

وَمِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، ثُمَّ قَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ.فَمَا يَزَالُ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ».

11- وَقَدِ اسْتُثْنِيَ مِنْ حُرْمَةِ التَّزْوِيرِ أُمُورٌ:

مِنْهَا الْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَتَطْيِيبُ خَاطِرِ زَوْجَتِهِ لِيُرْضِيَهَا، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ: أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ مَرْفُوعًا: «لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلاَّ فِي ثَلَاثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ» وَمِنْهُ: الْكَذِبُ لِدَفْعِ ظَالِمٍ عَلَى مَالٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ عِرْضٍ، وَفِي سَتْرِ مَعْصِيَةٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ.وَقَدْ نُقِلَ عَنِ النَّوَوِيِّ: الظَّاهِرُ إِبَاحَةُ حَقِيقَةِ الْكَذِبِ فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَلَكِنَّ التَّعْرِيضَ أَوْلَى.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ هُوَ مِنَ الْمُسْتَثْنَى الْجَائِزِ بِالنَّصِّ.

قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ»،، وَفِيهِ: الْأَمْرُ بِاسْتِعْمَالِ الْحِيلَةِ فِي الْحَرْبِ مَهْمَا أَمْكَنَ ذَلِكَ.وَفِيهِ: التَّحْرِيضُ عَلَى أَخْذِ الْحَذَرِ فِي الْحَرْبِ، وَالنَّدْبُ إِلَى خِدَاعِ الْكُفَّارِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ خِدَاعِ الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ كَيْفَمَا أَمْكَنَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَقْضُ عَهْدٍ أَوْ أَمَانٍ، فَلَا يَجُوزُ.وَأَصْلُ الْخُدَعِ إِظْهَارُ أَمْرٍ وَإِضْمَارُ خِلَافِهِ.

وَجَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما-: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.قَالَ: فَأَتَاهُ، فَقَالَ: هَذَا- يَعْنِي النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَدْ عَنَّانَا وَسَأَلَنَا الصَّدَقَةَ.قَالَ: وَأَيْضًا وَاَللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ قَالَ: فَإِنَّا اتَّبَعْنَاهُ فَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُهُ.قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُهُ حَتَّى اسْتَمْكَنَ مِنْهُ فَقَتَلَهُ».

فَقَوْلُهُ: عَنَّانَا أَيْ: كَلَّفَنَا بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَقَوْلُهُ: سَأَلَنَا الصَّدَقَةَ أَيْ: طَلَبَهَا مِنَّا لِيَضَعَهَا مَوَاضِعَهَا، وَقَوْلُهُ: نَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ أَيْ نَكْرَهُ فِرَاقَهُ.فَقَوْلُهُ لَهُ مِنْ قَبِيلِ التَّعْرِيضِ وَالتَّمْوِيهِ وَالتَّزْوِيرِ، حَتَّى يَأْمَنَهُ فَيَتَمَكَّنَ مِنْ قَتْلِهِ.

وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: «ائْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ.قَالَ: قُلْ» فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكَذِبُ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا

وَفِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ: «أَتَى نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَإِنَّ قَوْمِي لَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: إِنَّمَا أَنْتَ فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَخَذِّلْ عَنَّا إِنِ اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ.فَخَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ لَهُمْ: لَا تُقَاتِلُوا مَعَ الْقَوْمِ- الْأَحْزَابِ- حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، يَكُونُونَ بِأَيْدِيكُمْ ثِقَةً لَكُمْ عَلَى أَنْ تُقَاتِلُوا مَعَهُمْ مُحَمَّدًا، حَتَّى تُنَاجِزُوهُ، فَقَالُوا لَهُ: لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ.

ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي لَكُمْ وَفِرَاقِي مُحَمَّدًا، وَأَنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَمْرٌ قَدْ رَأَيْتُ عَلَيَّ حَقًّا أَنْ أُبَلِّغَكُمُوهُ، نُصْحًا لَكُمْ.تَعْلَمُوا أَنَّ مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ: إِنَّا قَدْ نَدِمْنَا عَلَى مَا فَعَلْنَا، فَهَلْ يُرْضِيكَ أَنْ نَأْخُذَ لَكَ مِنَ الْقَبِيلَتَيْنِ، مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ، رِجَالًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَنُعْطِيكَهُمْ، فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ نَكُونَ مَعَكَ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ حَتَّى نَسْتَأْصِلَهُمْ؟ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: أَنْ نَعَمْ.فَإِنْ بَعَثَتْ إِلَيْكُمْ يَهُودُ يَلْتَمِسُونَ مِنْكُمْ رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ فَلَا تَدْفَعُوا إِلَيْهِمْ مِنْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا.

ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى غَطَفَانَ، فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ لِقُرَيْشٍ، وَحَذَّرَهُمْ مَا حَذَّرَهُمْ

وَأَرْسَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَرُءُوسُ غَطَفَانَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ: فَاغْدُوا لِلْقِتَالِ حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا وَنَفْرُغَ مِمَّا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ: وَلَسْنَا بِاَلَّذِينَ نُقَاتِلُ مَعَكُمْ مُحَمَّدًا حَتَّى تُعْطُونَا رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ، يَكُونُونَ بِأَيْدِينَا ثِقَةً لَنَا، حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا، فَإِنَّا نَخْشَى إِنْ ضَرَّسَتْكُمُ الْحَرْبُ وَاشْتَدَّ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَنْ تَنْشَمِرُوا إِلَى بِلَادِكُمْ وَتَتْرُكُونَا، وَالرَّجُلُ فِي بَلَدِنَا، وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِذَلِكَ مِنْهُ.فَلَمَّا رَجَعَتْ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ بِمَا قَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، قَالَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ: وَاَللَّهِ إِنَّ الَّذِي حَدَّثَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقٌّ.فَأَرْسَلُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ: إِنَّا وَاَللَّهِ لَا نَدْفَعُ إِلَيْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ رِجَالِنَا، فَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ الْقِتَالَ فَاخْرُجُوا فَقَاتِلُوا.فَقَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، حِينَ انْتَهَتِ الرُّسُلُ إِلَيْهِمْ بِهَذَا: إِنَّ الَّذِي ذَكَرَ لَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقٌّ مَا يُرِيدُ الْقَوْمُ إِلاَّ أَنْ يُقَاتِلُوا، فَإِنْ رَأَوْا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ انْشَمَرُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، وَخَلَّوْا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرَّجُلِ فِي بَلَدِكُمْ، فَأَرْسَلُوا إِلَى قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ: إِنَّا وَاَللَّهِ لَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ مُحَمَّدًا حَتَّى تُعْطُونَا رَهْنًا.فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، وَخَذَلَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ، وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ فِي لَيَالٍ شَاتِيَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَجَعَلَتْ تَكْفَأُ قُدُورَهُمْ، وَتَطْرَحُ أَبْنِيَتَهُمْ».

ثَانِيًا: الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ:

12- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، إِلَى أَنَّ قَضَاءَ الْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا، وَلَا يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ سَوَاءٌ الْعُقُودُ مِنَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَالْفُسُوخِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْأَمْلَاكُ الْمُرْسَلَةُ (أَيِ الَّتِي لَمْ يُبَيَّنْ سَبَبُ مِلْكِهَا مِنْ إِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ) وَغَيْرُ الْمُرْسَلَةِ.وَاسْتَدَلُّوا: بِخَبَرِ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي الْفُسُوخِ وَالْعُقُودِ، حَيْثُ كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلًا، وَالْقَاضِي غَيْرُ عَالِمٍ.لِقَوْلِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- لِامْرَأَةٍ أَقَامَ عَلَيْهَا رَجُلٌ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، فَأَنْكَرَتْ، فَقَضَى لَهُ عَلِيٌّ.فَقَالَتْ لَهُ: لَمْ يَتَزَوَّجْنِي، فَأَمَّا وَقَدْ قَضَيْتَ عَلَيَّ فَجَدِّدْ نِكَاحِي، فَقَالَ: لَا أُجَدِّدُ نِكَاحَكِ، الشَّاهِدَانِ زَوَّجَاكِ.

وَمَحَلُّ تَفْصِيلِ هَذَا فِي مُصْطَلَحِ: (قَضَاءٌ) (وَشَهَادَةٌ).

التَّزْوِيرُ فِي الْأَيْمَانِ

13- الْأَصْلُ أَنَّ التَّزْوِيرَ فِي الْيَمِينِ حَرَامٌ، وَهِيَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ: وَهِيَ الَّتِي يَكْذِبُ فِيهَا الْحَالِفُ عَامِدًا عَالِمًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ.وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الَّتِي يَكْذِبُ فِيهَا الْحَالِفُ عَمْدًا، أَوْ يَشُكُّ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ يَظُنُّ مِنْهُ ظَنًّا غَيْرَ قَوِيٍّ.

وَقَدْ يَكُونُ تَزْوِيرُ الْيَمِينِ جَائِزًا أَوْ وَاجِبًا- عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ- فِيمَا إِذَا تَعَيَّنَ تَزْوِيرُ الْيَمِينِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهَا أَوِ الِاضْطِرَارِ إِلَيْهَا، لِدَفْعِ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ مَظْلُومٍ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ أَحْكَامِ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ فِي مُصْطَلَحِ: (أَيْمَانٌ)

تَضْمِينُ شُهُودِ الزُّورِ:

14- يَضْمَنُ شُهُودُ الزُّورِ مَا تَرَتَّبَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ مِنْ ضَمَانٍ، فَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ مَالًا رُدَّ إِلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ إِتْلَافًا فَعَلَى الشُّهُودِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُمْ سَبَبُ إِتْلَافِهِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى شُهُودِ الزُّورِ، إِذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ، كَأَنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِقَتْلٍ عَمْدٍ عُدْوَانٍ، أَوْ بِرِدَّةٍ، أَوْ بِزِنًى وَهُوَ مُحْصَنٌ، فَقُتِلَ بِشَهَادَتِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَا، وَأَقَرَّا بِتَعَمُّدِ قَتْلِهِ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ؛ لِعِلْمِهِمَا أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِهِمَا.فَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا لِتَعَمُّدِ الْقَتْلِ بِتَزْوِيرِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا سَبَبُ الْقَتْلِ، وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِنَفْسِ التَّزْوِيرِ وَالْكَذِبِ.

وَتَجِبُ عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ إِذَا آلَ الْأَمْرُ إِلَيْهَا بَدَلَ الْقِصَاصِ.وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا شَهِدَا زُورًا بِمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ قِصَاصًا فَقُطِعَ، أَوْ فِي سَرِقَةٍ لَزِمَهُمَا الْقَطْعُ، وَإِذَا سَرَى أَثَرُ الْقَطْعِ إِلَى النَّفْسِ فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ.كَمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاضِي إِذَا قَضَى زُورًا بِالْقِصَاصِ، وَكَانَ يَعْلَمُ بِكَذِبِ الشُّهُودِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الدِّيَةُ لَا الْقِصَاصُ.لِأَنَّ الْقَتْلَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ قَتْلٌ بِالسَّبَبِ، وَالْقَتْلُ تَسَبُّبًا لَا يُسَاوِي الْقَتْلَ مُبَاشَرَةً، وَلِذَا قَصَرَ أَثَرُهُ فَوَجَبَتْ بِهِ الدِّيَةُ لَا الْقِصَاصُ.وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ إِذَا تَبَيَّنَ كَذِبُ الشُّهُودِ، أَوْ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ.أَمَّا إِذَا رَجَعُوا قَبْلَهُ وَبَعْدَ الْحُكْمِ فَيُنْقَضُ الْحُكْمُ، وَلَا غُرْمَ عَلَى الشُّهُودِ، بَلْ يُعَزَّرُونَ.

وَيَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى شُهُودِ الزُّورِ إِذَا شَهِدُوا بِالزِّنَى، وَيُقَامُ عَلَيْهِمُ الْحَدُّ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ كَذِبُهُمْ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، إِلاَّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْقِصَاصُ مَعَ حَدِّ الْقَذْفِ إِذَا شَهِدُوا بِالزِّنَى عَلَى مُحْصَنٍ، فَرُجِمَ بِسَبَبِ شَهَادَتِهِمْ.وَلِلتَّفْصِيلِ فِي أَحْكَامِ الْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (جِنَايَةٌ، حُدُودٌ، قِصَاصٌ) وَكَذَلِكَ (شَهَادَةٌ) (وَقَضَاءٌ).

التَّزْوِيرُ بِالْأَفْعَالِ:

15- يَقَعُ التَّزْوِيرُ فِي الْبُيُوعِ بِإِخْفَاءِ عُيُوبِ السِّلْعَةِ وَتَزْيِينِهَا وَتَحْسِينِهَا؛ لِإِظْهَارِهَا بِشَكْلٍ مَقْبُولٍ تَرْغِيبًا فِيهَا، كَتَصْرِيَةِ الْحَيَوَانِ لِيَظُنَّ الْمُشْتَرِي كَثْرَةَ اللَّبَنِ، أَوْ صَبْغِ الْمَبِيعِ بِلَوْنٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ، وَكَالْكَذِبِ فِي سِعْرِ السِّلْعَةِ فِي بُيُوعِ الْأَمَانَاتِ وَهِيَ: الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالْحَطِيطَةُ.

وَيَقَعُ التَّزْوِيرُ كَذَلِكَ بِمُحَاكَاةِ خَطِّ الْقَاضِي أَوْ تَزْوِيرِ تَوْقِيعِهِ أَوْ شَهَادَةِ الشُّهُودِ فِي سِجِلاَّتِ الْقَضَاءِ بِمَا يَسْلُبُ الْحُقُوقَ مِنْ أَصْحَابِهَا.كَمَا يَقَعُ التَّزْوِيرُ فِي النِّكَاحِ بِأَنْ يَكْتُمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَيْبًا فِيهِ عَنِ الْآخَرِ.

وَقَدْ يَقَعُ التَّزْوِيرُ بِتَسْوِيدِ الشَّعْرِ بِقَصْدِ التَّغْرِيرِ وَالْكَذِبِ.

وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ مِنَ التَّزْوِيرِ هِيَ مِنَ التَّزْوِيرِ الْمُحَرَّمِ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»

وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (تَدْلِيسٌ، تَسْوِيدٌ، بَيْعٌ، نِكَاحٌ، شَهَادَةٌ، قَضَاءٌ وَعَيْبٌ).

التَّزْوِيرُ فِي النُّقُودِ وَالْمَوَازِينِ وَالْمَكَايِيلِ:

16- التَّزْوِيرُ فِيهَا يَكُونُ بِالنَّقْصِ مِنْ مَقَادِيرِهَا، بِغِشِّهَا أَوْ تَغْيِيرِ أَوْزَانِهَا أَوْ أَحْجَامِهَا، كَأَنْ تُخْلَطَ دَنَانِيرُ الذَّهَبِ أَوْ دَرَاهِمُ الْفِضَّةِ بِمَعَادِنَ أُخْرَى كَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ، رَغْبَةً فِي نَقْصِ مِقْدَارِ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ الْخَالِصَيْنِ، أَوْ بِالنَّقْصِ مِنْ حَجْمِ الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ.

أَوْ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ وَزْنِ الصَّنْجِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا فِي الْمَوَازِينِ، أَوْ حَجْمِ الْمِكْيَالِ، رَغْبَةً فِي زِيَادَةِ الرِّبْحِ وَتَقْلِيلِ الْمَبِيعِ الْمَوْزُونِ أَوِ الْمَكِيلِ.

وَالتَّزْوِيرُ فِي النُّقُودِ وَالْمَوَازِينِ وَالْمَكَايِيلِ مُحَرَّمٌ دَاخِلٌ فِي قوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}.

وَدَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» كَمَا أَنَّ فِيهِ إِفْسَادًا لِلنُّقُودِ، وَإِضْرَارًا بِذَوِي الْحُقُوقِ، وَإِغْلَاءَ الْأَسْعَارِ، وَالنَّقْصَ مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَانْقِطَاعَ مَا يُجْلَبُ إِلَى الْبِلَادِ مِنْ حَوَائِجِ النَّاسِ.

وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ وَظِيفَةِ الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَتَفَقَّدَ عِيَارَ الْمَثَاقِيلِ وَالصَّنْجِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعَيِّرَ أَوْزَانَهَا وَيَخْتِمَهَا بِخَتْمِهِ، حَتَّى يَأْمَنَ تَزْوِيرَهَا وَتَغْيِيرَ مَقَادِيرِهَا.

كَمَا تَدْخُلُ فِي وَظِيفَتِهِ مُرَاقَبَةُ مَقَادِيرِ دَنَانِيرِ الذَّهَبِ وَدَرَاهِمِ الْفِضَّةِ وَزْنًا وَحَجْمًا.وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ، وَحُرْمَتُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْإِمَامِ أَشَدُّ، لِأَنَّ الْغِشَّ فِيهَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ فَيَكُونُ الْغَرَرُ بِهَا أَكْبَرَ.بِخِلَافِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَا يَضْرِبُهُ مِنْ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ يُشْهَرُ وَيُعْرَفُ مِقْدَارُهُ.

كَمَا لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ غَيْرِ الْمَغْشُوشَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فِيهَا الْغِشُّ وَالْفَسَادُ.

صُوَرُ التَّزْوِيرِ فِي الْمُسْتَنَدَاتِ وَطُرُقُ التَّحَرُّزِ مِنْهَا:

17- جَاءَ فِي تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ: وَمِثْلُهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ: يَنْبَغِي لِلْمُوَثِّقِ أَنْ يَتَأَمَّلَ الْأَسْمَاءَ الَّتِي تَنْقَلِبُ بِإِصْلَاحٍ يَسِيرٍ، فَيَتَحَفَّظُ فِي تَغْيِيرِهَا، نَحْوُ مُظْفِرٍ فَإِنَّهُ يَنْقَلِبُ إِلَى مُظْهِرٍ، وَنَحْوُ بَكْرٍ فَإِنَّهُ يَنْقَلِبُ إِلَى بُكَيْرٍ، وَنَحْوُ عَائِشَة فَإِنَّهُ يَصْلُحُ عَاتِكَةَ.وَقَدْ يَكُونُ آخِرُ السَّطْرِ بَيَاضًا يُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ شَيْءٌ آخَرُ.وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْذَرَ مِنْ أَنْ يُتَمِّمَ عَلَيْهِ زِيَادَةَ حَرْفٍ مِنَ الْكِتَابِ مِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ فِي الْوَثِيقَةِ: أَقَرَّ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ عَقِبَ الْعَدَدِ بَيَانَ نِصْفِهِ بِأَنْ يَقُولَ: (الَّذِي نِصْفُهُ خَمْسُمِائَةٍ مَثَلًا) أَمْكَنَ زِيَادَةُ أَلْفٍ فَتَصِيرُ (أَلْفَا دِرْهَمٍ).

وَفِي التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْصَبَ لِكِتَابَةِ الْوَثَائِقِ إِلاَّ الْعُلَمَاءُ الْعُدُولُ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ- رضي الله عنه-: لَا يَكْتُبُ الْكُتُبَ بَيْنَ النَّاسِ إِلاَّ عَارِفٌ بِهَا، عَدْلٌ فِي نَفْسِهِ، مَأْمُونٌ عَلَى مَا يَكْتُبُهُ لقوله تعالى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} وَأَمَّا مَنْ لَا يُحْسِنُ وُجُوهَ الْكِتَابَةِ، وَلَا يَقِفُ عَلَى فِقْهِ الْوَثِيقَةِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ مِنَ الِانْتِصَابِ لِذَلِكَ؛ لِئَلاَّ يُفْسِدَ عَلَى النَّاسِ كَثِيرًا مِنْ مُعَامَلَاتِهِمْ.وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِوُجُوهِ الْكِتَابَةِ إِلاَّ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي دِينِهِ، فَلَا يَنْبَغِي تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَضَعُ اسْمَهُ بِشَهَادَةٍ فِيمَا يَكْتُبُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُعَلِّمُ النَّاسَ وُجُوهَ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ، وَيُلْهِمُهُمْ تَحْرِيفَ الْمَسَائِلِ لِتَوَجُّهِ الْإِشْهَادِ، فَكَثِيرًا مَا يَأْتِي النَّاسُ الْيَوْمَ يَسْتَفْتُونَ فِي نَوَازِلَ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ وَالْمُشَارَكَةِ الْفَاسِدَةِ وَالْأَنْكِحَةِ الْمَفْسُوخَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ، فَإِذَا صَرَفَهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَهْلُ الدِّيَانَةِ أَتَوْا إِلَى مِثْلِ هَؤُلَاءِ، فَحَرَّفُوا أَلْفَاظَهَا، وَتَحَيَّلُوا لَهَا بِالْعِبَارَةِ الَّتِي ظَاهِرُهَا الْجَوَازُ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى صَرِيحِ الْفَسَادِ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا.وَتَمَالأَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى التَّهَاوُنِ بِحُدُودِ الْإِسْلَامِ، وَالتَّلَاعُبِ فِي طَرِيقِ الْحَرَامِ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.

وَجَاءَ فِي «تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ» أَيْضًا، وَفِي «الْعَالِي الرُّتْبَةِ فِي أَحْكَامِ الْحِسْبَةِ» لِأَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ

النَّحْوِيِّ الدِّمَشْقِيِّ الشَّافِعِيِّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَثِّقِ مِمَّا لَا يُخَالِفُ قَوَاعِدَ مَذْهَبِ مَالِكٍ- رضي الله عنه-، قَالَ: فَإِذَا فَرَغَ الْكَاتِبُ مِنْ كِتَابَتِهِ اسْتَوْعَبَهُ (أَيْ كِتَابَتَهُ) وَقَرَأَهُ وَتَمَيَّزَ أَلْفَاظُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُمَيِّزَ فِي خَطِّهِ بَيْنَ السَّبْعَةِ وَالتِّسْعَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ كَتَبَ بَعْدَهَا (وَاحِدَةً) وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ نِصْفَهَا، فَإِنْ كَانَتْ (أَيِ الدَّرَاهِمُ) أَلْفًا كَتَبَ وَاحِدًا وَذَكَرَ نِصْفَهُ رَفْعًا لِلَّبْسِ، وَإِنْ كَانَتْ خَمْسَةَ آلَافٍ زَادَ فِيهَا لَا مَا تُصَيِّرُهَا (آلَافَ) لِئَلاَّ تُصَلَّحَ الْخَمْسَةُ فَتَصِيرُ خَمْسِينَ أَلْفًا وَيُحْتَرَزُ بِذِكْرِ التَّنْصِيفِ مِمَّا يُمْكِنُ الزِّيَادَةُ فِيهِ كَالْخَمْسَةَ عَشَرَ تَصِيرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَالسَّبْعِينَ تِسْعِينَ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْكَاتِبُ النِّصْفَ مِنَ الْمَبْلَغِ فَيَنْبَغِي لِلشُّهُودِ أَنْ يَذْكُرُوا الْمَبْلَغَ فِي شَهَادَتِهِمْ لِئَلاَّ يَدْخُلَ عَلَيْهِمُ الشَّكُّ لَوْ طَرَأَ فِي الْكِتَابِ تَغْيِيرٌ وَتَبْدِيلٌ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْكِتَابِ إِصْلَاحٌ وَإِلْحَاقٌ نُبِّهَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَحَلِّهِ فِي الْكِتَابِ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكْمِلَ أَسْطُرَ الْمَكْتُوبِ جَمِيعَهَا لِئَلاَّ يُلْحَقَ فِي آخِرِ السَّطْرِ مَا يُفْسِدُ بَعْضَ أَحْكَامِ الْمَكْتُوبِ أَوْ يُفْسِدُهُ كُلَّهُ، فَلَوْ كَانَ آخِرُ سَطْرٍ مَثَلًا. (وَجَعَلَ النَّظَرَ فِي الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ) وَفِي أَوَّلِ السَّطْرِ الَّذِي يَلِيهِ (لِزَيْدٍ) وَكَانَ فِي آخِرِ السَّطْرِ فُرْجَةٌ أَمْكَنَ أَنْ يُلْحِقَ فِيهَا (لِنَفْسِهِ) ثُمَّ لِزَيْدٍ، فَيَبْطُلُ الْوَقْفُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنِ اتَّفَقَ أَنَّهُ بَقِيَ فِي آخِرِ السَّطْرِ فُرْجَةٌ لَا تَسَعُ الْكَلِمَةَ الَّتِي يُرِيدُ كِتَابَتَهَا لِطُولِهَا وَكَثْرَةِ حُرُوفِهَا، فَإِنَّهُ يَسُدُّ تِلْكَ الْفُرْجَةَ بِتَكْرَارِهِ تِلْكَ الْكَلِمَةَ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا أَوْ كَتَبَ فِيهَا صَحَّ، أَوْ صَادًا مَمْدُودَةً، أَوْ دَائِرَةً مَفْتُوحَةً، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَشْغَلُ بِهِ تِلْكَ الْفُرْجَةَ، وَلَا يُمْكِنُ إِصْلَاحُهَا بِمَا يُخَالِفُ الْمَكْتُوبَ.وَإِنْ تَرَكَ فُرْجَةً فِي السَّطْرِ الْأَخِيرِ كَتَبَ فِيهَا حَسْبِي اللَّهُ أَوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، مُسْتَحْضِرًا لِذِكْرِ اللَّهِ نَاوِيًا لَهُ، أَوْ يَأْمُرُ أَوَّلَ شَاهِدٍ يَضَعُ خَطَّهُ فِي الْمَكْتُوبِ أَنْ يَكْتُبَ فِي تِلْكَ الْفُرْجَةِ.وَإِنْ كَتَبَ فِي وَرَقَةٍ ذَاتِ أَوْصَالٍ كَتَبَ عَلَامَتَهُ عَلَى كُلِّ وَصْلٍ، وَكَتَبَ عَدَدَ الْأَوْصَالِ فِي آخِرِ الْمَكْتُوبِ، وَبَعْضُهُمْ يَكْتُبُ عَدَدَ أَسْطُرِ الْمَكْتُوبِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَكْتُوبِ نُسَخٌ ذَكَرَهَا وَذَكَرَ عُدَّتَهَا، وَأَنَّهَا مُتَّفِقَةٌ، وَهَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ سَهْلٍ وَابْنُ الْهِنْدِيِّ وَغَيْرُهُمَا.

وَمِثْلُهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ أَيْضًا وَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُخَالِفُ قَوَاعِدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رضي الله عنه-.

وَجَاءَ فِي مَجَلَّةِ الْأَحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ (الْمَادَّةُ 1814) وَنَصُّهَا:

يَضَعُ الْقَاضِي فِي الْمَحْكَمَةِ دَفْتَرًا لِلسِّجِلاَّتِ، وَيُقَيِّدُ وَيُحَرِّرُ فِي ذَلِكَ الدَّفْتَرِ الْإِعْلَامَاتِ وَالسَّنَدَاتِ الَّتِي يُعْطِيهَا بِصُورَةٍ مُنْتَظِمَةٍ سَالِمَةٍ عَنِ الْحِيلَةِ وَالْفَسَادِ، وَيَعْتَنِي بِالدِّقَّةِ بِحِفْظِ ذَلِكَ الدَّفْتَرِ، وَإِذَا عُزِلَ سَلَّمَ السِّجِلاَّتِ الْمَذْكُورَةَ إِلَى خَلَفِهِ، إِمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَاسِطَةِ أَمِينِهِ.

إِثْبَاتُ التَّزْوِيرِ:

18- يَثْبُتُ التَّزْوِيرُ بِإِقْرَارِ الْمُزَوِّرِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ ظُهُورِ الْكَذِبِ يَقِينًا، كَأَنْ يَشْهَدَ بِقَتْلِ رَجُلٍ وَهُوَ حَيٌّ، أَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ فَعَلَ شَيْئًا فِي وَقْتٍ، وَقَدْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَهُ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.

19- أَمَّا التَّزْوِيرُ فِي الْوَثَائِقِ، فَذَهَبَ اللَّخْمِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَأَبُو اللَّيْثِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِلَى أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ فَجَحَدَهُ، فَأَخْرَجَ الْمُدَّعِي صَحِيفَةً مَكْتُوبَةً بِخَطِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَطَلَبَ الْمُدَّعِي أَنْ يُجْبَرَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بِحَضْرَةِ الْعُدُولِ، وَيُقَابِلَ مَا كَتَبَهُ بِمَا أَظْهَرَهُ الْمُدَّعِي، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَعَلَى أَنْ يُطَوِّلَ فِيمَا يَكْتُبُ تَطْوِيلًا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ خَطًّا غَيْرَ خَطِّهِ، فَإِنْ ظَهَرَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ تَشَابُهٌ ظَاهِرٌ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمَا خَطُّ كَاتِبٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ حُجَّةٌ يَقْضِي بِهَا.

وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِهِ قَالَ أَئِمَّةُ بُخَارَى.وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ الصَّائِغُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى إِحْضَارِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِ.

وَفَرَّقَ اللَّخْمِيُّ بَيْنَ إِلْزَامِهِ بِالْكِتَابَةِ وَعَدَمِ إِلْزَامِهِ بِإِحْضَارِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَقْطَعُ بِتَكْذِيبِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي تَشْهَدُ عَلَيْهِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْعَى فِي أَمْرٍ يَقْطَعُ بِبُطْلَانِهِ، أَمَّا خَطُّهُ فَإِنَّهُ صَادِرٌ مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ، وَالْعُدُولُ يُقَابِلُونَ بِمَا يَكْتُبُهُ الْآنَ بِمَا أَحْضَرَهُ الْمُدَّعِي، وَيَشْهَدُونَ بِمُوَافَقَتِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ.

كَمَا نَقَلَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ نَصَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ حُجَّةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ أَعْلَى حَالًا مِمَّا لَوْ أَقَرَّ فَقَالَ: هَذَا خَطِّي، وَأَنَا كَتَبْتُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ هَذَا الْمَالُ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

عُقُوبَةُ التَّزْوِيرِ

20- عُقُوبَةُ التَّزْوِيرِ: التَّعْزِيرُ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ.كَأَيِّ جَرِيمَةٍ لَيْسَ لَهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ، إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَعَمَّدَ التَّزْوِيرَ، فَيُعَزَّرُ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ تَشْهِيرٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ، أَوْ كَشْفِ رَأْسِهِ وَإِهَانَتِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (شَهَادَةٌ، تَعْزِيرٌ، تَشْهِيرٌ).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


23-موسوعة الفقه الكويتية (جماعة)

جَمَاعَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْجَمَاعَةُ فِي اللُّغَةِ مِنَ الْجَمْعِ: وَالْجَمْعُ تَأْلِيفُ الْمُتَفَرِّقِ وَضَمُّ الشَّيْءِ بِتَقْرِيبِ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ، يُقَالُ: جَمَعْتُهُ فَاجْتَمَعَ.وَالْجَمَاعَةُ عَدَدٌ مِنَ النَّاسِ يَجْمَعُهُمْ غَرَضٌ وَاحِدٌ.وَقَدِ اسْتَعْمَلُوهَا فِي غَيْرِ النَّاسِ حَتَّى قَالُوا: جَمَاعَةُ الشَّجَرِ وَجَمَاعَةُ النَّبَاتِ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى تُطْلَقُ عَلَى عَدَدِ كُلِّ شَيْءٍ وَكَثْرَتِهِ.وَالْجَمَاعَةُ، وَالْجَمِيعُ، وَالْمَجْمَعَةُ، وَالْمَجْمَعُ كَالْجَمْعِ.

وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ تُطْلَقُ الْجَمَاعَةُ عَلَى عَدَدٍ مِنَ النَّاسِ.يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: «الْجَمَاعَةُ مَأْخُوذٌ مِنْ مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ، وَأَقَلُّ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الِاجْتِمَاعُ اثْنَانِ» وَيَقُولُ: «أَقَلُّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ إِمَامٌ وَمَأْمُومٌ».

وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ مُجْتَمِعِينَ كَمَا يَقُولُونَ: «الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، أَيْ فِعْلُ الصَّلَاةِ جَمْعًا بِإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ».

قَدْ يُرَادُ مِنَ الْجَمَاعَةِ الِاتِّحَادُ وَعَدَمُ الْفُرْقَةِ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ».

الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:

يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ بِاخْتِلَافِ مَوَاضِعِهَا كَمَا يَلِي:

صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ:

2- صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ اتِّفَاقًا لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً».

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الرِّجَالِ الْقَادِرِينَ عَلَيْهَا بِشُرُوطٍ تُفَصَّلُ فِي مَوْضِعِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي شَرْطِيَّتِهَا لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ.أَمَّا فِي سَائِرِ الْفُرُوضِ، فَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- حَكَمَ بِأَفْضَلِيَّةِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَنْ صَلَاةِ الْفَذِّ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى اللَّذَيْنِ قَالَا: صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا» وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لأَنْكَرَ عَلَيْهِمَا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّهَا وَاجِبَةٌ، فَيَأْثَمُ تَارِكُهَا بِلَا عُذْرٍ وَيُعَزَّرُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ.وَقِيلَ: إِنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي الْبَلَدِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ الشِّعَارُ فِي الْقَرْيَةِ فَيُقَاتَلُ أَهْلُهَا إِذَا تَرَكُوهَا.

وَيَسْتَدِلُّونَ لِلْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} فَأَمَرَ بِالْجَمَاعَةِ حَالَ الْخَوْفِ فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى، وَبِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» أَمَّا النِّسَاءُ فَفِي أَدَائِهِنَّ لِلصَّلَاةِ جَمَاعَةً تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي: (صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ).

وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ.

أَقَلُّ الْجَمَاعَةِ:

3- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْنِ: إِمَامٍ وَمَأْمُومٍ.وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ.لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا: «اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ».

وَيَشْتَرِطُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لِانْعِقَادِ الْجَمَاعَةِ فِي الْفُرُوضِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ كِلَاهُمَا بَالِغَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ امْرَأَةً، فَلَا تَنْعَقِدُ بِصَبِيٍّ فِي فَرْضٍ لِأَنَّ صَلَاتَهُمَا فَرْضٌ، وَصَلَاةُ الصَّبِيِّ نَفْلٌ.أَمَّا فِي النَّوَافِلِ فَتَنْعَقِدُ الْجَمَاعَةُ بِصَبِيَّيْنِ، أَوْ بَالِغٍ وَصَبِيٍّ اتِّفَاقًا.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِصَغِيرٍ فِي الْفَرْضِ أَيْضًا إِذَا كَانَ الْإِمَامُ بَالِغًا.وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ).

وَهُنَاكَ شُرُوطٌ لِانْعِقَادِ الْجَمَاعَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحَيْهِمَا.

قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ:

4- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ إِذَا قَتَلُوا وَاحِدًا اقْتُصَّ مِنْهُمْ جَمِيعًا.قَالُوا: لِأَنَّ زُهُوقَ الرُّوحِ لَا يَتَجَزَّأُ، وَاشْتِرَاكَ الْجَمَاعَةِ فِيمَا لَا يَتَجَزَّأُ يُوجِبُ التَّكَامُلَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَيُضَافُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.قَالُوا: وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ.فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً بِمَدِينَةِ صَنْعَاءَ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَتَرَكَ عِنْدَهَا ابْنًا لَهُ مِنْ غَيْرِهَا، فَاتَّخَذَتْ لِنَفْسِهَا خَلِيلًا، فَاجْتَمَعَ عَلَى قَتْلِ الْغُلَامِ خَلِيلُ الْمَرْأَةِ، وَرَجُلٌ آخَرُ، وَالْمَرْأَةُ وَخَادِمُهَا، فَقَطَعُوهُ أَعْضَاءً، وَأَلْقَوْا بِهِ فِي بِئْرٍ ثُمَّ ظَهَرَ الْحَادِثُ وَفَشَا بَيْنَ النَّاسِ، فَأَخَذَ أَمِيرُ الْيَمَنِ خَلِيلَ الْمَرْأَةِ فَاعْتَرَفَ، ثُمَّ اعْتَرَفَ الْبَاقُونَ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنِ اقْتُلْهُمْ وَقَالَ: (وَاللَّهِ لَوْ تَمَالأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ جَمِيعًا).

وَكَذَلِكَ قَتَلَ عَلِيٌّ ثَلَاثَةً بِوَاحِدٍ، وَقَتَلَ الْمُغِيرَةُ سَبْعَةً بِوَاحِدٍ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِمْ.

قَالُوا: وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ التَّغَالُبِ غَالِبٌ، وَالْقِصَاصُ شُرِعَ لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ، فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالْمُنْفَرِدِ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْإِحْيَاءِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَلَزِمَ سَدُّ بَابِ الْقِصَاصِ وَفَتْحُ بَابِ التَّفَانِي، إِذْ لَا يُوجَدُ الْقَتْلُ مِنْ وَاحِدٍ غَالِبًا.

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاصٌ) (وَتَوَاطُؤٌ).

الْقِصَاصُ مِنَ الْوَاحِدِ بِقَتْلِ الْجَمَاعَةِ:

5- إِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً، قُتِلَ قِصَاصًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.وَفِي وُجُوبِ شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ مَعَ ذَلِكَ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي: (قِصَاصٌ).

لُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ:

6- وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ».

قَالَ فِي الْفَتْحِ: اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ لِلْوُجُوبِ، وَالْجَمَاعَةُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ، وَقَالَ قَوْمٌ: الْجَمَاعَةُ الصَّحَابَةُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْجَمَاعَةُ أَهْلُ الْعِلْمِ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْخَبَرِ لُزُومُ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ فِي طَاعَةِ مَنِ اجْتَمَعُوا عَلَى تَأْيِيدِهِ، فَمَنْ نَكَثَ عَنْ بَيْعَتِهِ خَرَجَ عَنِ الْجَمَاعَةِ.

7- وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيَّةِ: «نَتْبَعُ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ»، وَالسُّنَّةُ طَرِيقَةُ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- وَالْجَمَاعَةُ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ: هُمُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ...«قَالَ- عليه الصلاة والسلام-: إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً وَهِيَ الْجَمَاعَةُ»، وَفِي رِوَايَةٍ «قَالُوا: مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي».

وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (إِمَامَةٌ كُبْرَى، بَغْيٌ، بَيْعَةٌ).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


24-موسوعة الفقه الكويتية (حدود 1)

حُدُودٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْحُدُودُ جَمْعُ حَدٍّ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ كُلٌّ مِنَ الْبَوَّابِ وَالسَّجَّانِ حَدَّادًا، لِمَنْعِ الْأَوَّلِ مِنَ الدُّخُولِ، وَالثَّانِي مِنَ الْخُرُوجِ.وَسُمِّيَ الْمُعَرِّفُ لِلْمَاهِيَّةِ حَدًّا، لِمَنْعِهِ مِنَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ.وَحُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى مَحَارِمُهُ، لقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا}.

وَالْحَدُّ فِي الِاصْطِلَاحِ: عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ وَجَبَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ عَلَى ذَنْبٍ وَجَبَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الزِّنَى، أَوِ اجْتَمَعَ فِيهَا حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ كَالْقَذْفِ فَلَيْسَ مِنْهُ التَّعْزِيرُ لِعَدَمِ تَقْدِيرِهِ، وَلَا الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ حَقٌّ خَالِصٌ لآِدَمِيٍّ.وَعِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِتَقْدِيرِ الشَّارِعِ، فَيَدْخُلُ الْقِصَاصُ.

وَيُطْلَقُ لَفْظُ الْحَدِّ عَلَى جَرَائِمِ الْحُدُودِ مَجَازًا، فَيُقَالُ: ارْتَكَبَ الْجَانِي حَدًّا، وَيُقْصَدُ أَنَّهُ ارْتَكَبَ جَرِيمَةً ذَاتَ عُقُوبَةٍ مُقَدَّرَةٍ شَرْعًا.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْقِصَاصُ:

2- الْقِصَاصُ لُغَةً الْمُمَاثَلَةُ، وَاصْطِلَاحًا: أَنْ يُوقَعَ عَلَى الْجَانِي مِثْلُ مَا جَنَى كَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ وَالْجُرْحِ بِالْجُرْحِ.وَمِنْهُ قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} وقوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ}.فَالْقِصَاصُ غَيْرُ الْحَدِّ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ وَجَبَتْ حَقًّا لِلْعِبَادِ.

ب- التَّعْزِيرُ:

3- أَصْلُهُ مِنَ الْعَزْرِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى الرَّدِّ وَالْمَنْعِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ مُعَاوَدَةِ الْقَبِيحِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ، وَمِنْهُ

قوله تعالى {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} فَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ.

وَشَرْعًا: تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ، فَالتَّعْزِيرُ فِي بَعْضِ إِطْلَاقَاتِهِ اللُّغَوِيَّةِ حَدٌّ.وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَلَيْسَ بِحَدٍّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ.

ج- الْعُقُوبَةُ:

4- الْعُقُوبَةُ مِنْ عَاقَبْتُ اللِّصَّ مُعَاقَبَةً وَعِقَابًا، وَالِاسْمُ الْعُقُوبَةُ، وَهِيَ الْأَلَمُ الَّذِي يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ مُسْتَحِقًّا عَلَى الْجِنَايَةِ، وَيَكُونُ بِالضَّرْبِ، أَوِ الْقَطْعِ، أَوِ الرَّجْمِ، أَوِ الْقَتْلِ، سُمِّيَ بِهَا لِأَنَّهَا تَتْلُو الذَّنْبَ مِنْ تَعَقَّبَهُ إِذَا تَبِعَهُ، فَالْعُقُوبَةُ أَعَمُّ مِنَ الْحُدُودِ.

د- الْجِنَايَةُ:

5- الْجِنَايَةُ لُغَةً: اسْمٌ لِمَا يُكْتَسَبُ مِنَ الشَّرِّ، وَشَرْعًا: اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ وَقَعَ عَلَى مَالٍ أَوْ نَفْسٍ.فَبَيْنَ الْجِنَايَةِ وَالْحَدِّ عَلَى الْإِطْلَاقِ الْمَجَازِيِّ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ إِذْ كُلُّ حَدٍّ جِنَايَةٌ وَلَيْسَ كُلُّ جِنَايَةٍ حَدًّا، وَأَمَّا عَلَى الْإِطْلَاقِ الْأَوَّلِ فَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

6- إِقَامَةُ الْحُدُودِ فَرْضٌ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَدَلِيلُ ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَالْمَعْقُولُ.

أَمَّا الْكِتَابُ فَمِنْهُ قوله تعالى فِي الزِّنَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}.

وَفِي السَّرِقَةِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} الْآيَةَ وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدً} وَفِي قَطْعِ الطَّرِيقِ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} الْآيَةَ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَحَدِيثُ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ، وَالْعَسِيفِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ.

وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ إِقَامَةِ الْحُدُودِ.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَهُوَ أَنَّ الطِّبَاعَ الْبَشَرِيَّةَ، وَالشَّهْوَةَ النَّفْسَانِيَّةَ مَائِلَةٌ إِلَى قَضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَاقْتِنَاصِ الْمَلَاذِ، وَتَحْصِيلِ مَقْصُودِهَا وَمَحْبُوبِهَا مِنَ الشُّرْبِ وَالزِّنَى وَالتَّشَفِّي بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ، وَالِاسْتِطَالَةِ عَلَى الْغَيْرِ بِالشَّتْمِ وَالضَّرْبِ، فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ شَرْعَ هَذِهِ الْحُدُودِ حَسْمًا لِهَذَا الْفَسَادِ، وَزَجْرًا عَنِ ارْتِكَابِهِ، لِيَبْقَى الْعَالَمُ عَلَى نَظْمِ الِاسْتِقَامَةِ، فَإِنَّ إِخْلَاءَ الْعَالَمِ عَنْ إِقَامَةِ الزَّاجِرِ يُؤَدِّي إِلَى انْحِرَافِهِ، وَفِيهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى.

وَلِذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَالْمَقْصِدُ الْأَصْلِيُّ مِنْ شَرْعِهِ الِانْزِجَارُ عَمَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْعِبَادُ.

أَنْوَاعُ الْحُدُودِ:

7- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَا يُطَبَّقُ عَلَى جَرِيمَةِ كُلٍّ مِنَ الزِّنَى وَالْقَذْفِ، وَالسُّكْرِ، وَالسَّرِقَةِ، وَقَطْعِ الطَّرِيقِ يُعْتَبَرُ حَدًّا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا سِتَّةٌ، وَذَلِكَ بِإِضَافَةِ حَدِّ الشُّرْبِ لِلْخَمْرِ خَاصَّةً.وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْحُدُودَ سَبْعَةٌ، فَيُضِيفُونَ إِلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الرِّدَّةَ وَالْبَغْيَ، فِي حِينِ يَعْتَبِرُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الْقِصَاصَ أَيْضًا مِنَ الْحُدُودِ، حَيْثُ قَالُوا: الْحُدُودُ ثَمَانِيَةٌ وَعَدُّوهُ بَيْنَهَا.وَاعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ قَتْلَ تَارِكِ الصَّلَاةِ عَمْدًا مِنَ الْحُدُودِ

أَوْجُهُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ:

8- أ- يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُودِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ.

ب- لَا تُورَثُ الْحُدُودُ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَيُورَثُ.وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ خِلَافٌ يُنْظَرُ فِي (الْقَذْفُ).

ج- لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ فِي الْحُدُودِ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ.

د- التَّقَادُمُ لَا يَمْنَعُ مِنَ الشَّهَادَةِ بِالْقَتْلِ فِي الْقِصَاصِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ.

هـ- يَثْبُتُ الْقِصَاصُ بِالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ مِنَ الْأَخْرَسِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ.

و- لَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِي الْحُدُودِ، وَتَجُوزُ فِي الْقِصَاصِ.

ز- لَا تَتَوَقَّفُ الْحُدُودُ- مَا عَدَا حَدَّ الْقَذْفِ- عَلَى الدَّعْوَى بِخِلَافِ الْقِصَاصِ.

ح- يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنِ الْإِقْرَارِ فِي الْحُدُودِ وَلَا تَجُوزُ فِي الْقِصَاصِ.

وَمَرَدُّ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ حَقٌّ لِلْعَبْدِ،

وَالتَّفْصِيلُ فِي أَبْوَابِ الْحُدُودِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَ (ر: قِصَاصٌ).

أَوْجُهُ الْخِلَافِ بَيْنَ التَّعْزِيرِ وَالْحُدُودِ:

9- يَخْتَلِفُ التَّعْزِيرُ عَنِ الْحُدُودِ فِي أُمُورٍ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مُصْطَلَحِ: (تَعْزِيرٌ).

تَدَاخُلُ الْحُدُودِ:

10- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ مِنَ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ، وَالْقَذْفِ (إِذَا وَقَعَ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ) وَشُرْبِ الْخَمْرِ إِذَا تَكَرَّرَ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ، أَجْزَأَ حَدٌّ وَاحِدٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ.

أَمَّا إِذَا وَقَعَ الْقَذْفُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ وَاحِدٍ فَفِيهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ، يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (قَذْفٌ).وَالْأَصْلُ قَاعِدَةُ: إِذَا اجْتَمَعَ أَمْرَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَقْصُودُهُمَا، دَخَلَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ غَالِبًا، وَعَلَى هَذَا فَيُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ لِجِنَايَاتٍ اتَّحَدَ جِنْسُهَا بِخِلَافِ مَا اخْتَلَفَ جِنْسُهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ هُوَ الزَّجْرُ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ.

وَإِنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، ثُمَّ حَدَثَتْ مِنْهُ جِنَايَةٌ أُخْرَى فَفِيهَا حَدُّهَا، لِعُمُومِ النُّصُوصِ وَلِوُجُودِ الْمُوجِبِ، وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنِ الْأَمَةِ تَزْنِي قَبْلَ أَنْ تُحْصَنَ قَالَ: إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا».

وَلِأَنَّ تَدَاخُلَ الْحُدُودِ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ اجْتِمَاعِهَا، وَهَذَا الْحَدُّ الثَّانِي وَجَبَ بَعْدَ سُقُوطِ الْأَوَّلِ بِاسْتِيفَائِهِ.

وَفِي حَالَةِ اجْتِمَاعِ الْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ كَمَا لَوْ زَنَى، وَسَرَقَ وَشَرِبَ الْخَمْرَ، أَوِ اجْتِمَاعِهَا مَعَ الْقِصَاصِ وَالتَّعْزِيرِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (تَدَاخُلٌ) (وَتَعْزِيرٌ).

عَدَمُ جَوَازِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ:

11- لَا خِلَافَ بَيْنَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِي الْحُدُودِ بَعْدَ وُصُولِهَا لِلْحَاكِمِ، وَالثُّبُوتِ عِنْدَهُ، لِأَنَّهُ طَلَبُ تَرْكِ الْوَاجِبِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «أَنْكَرَ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حِينَ شَفَعَ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى».وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما-: مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي خَلْقِهِ.

وَأَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ، فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ إِلَى الْحَاكِمِ لِيُطْلِقَهُ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ.فَالْوُجُوبُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ عُرِفَ بِشَرٍّ وَفَسَادٍ فَلَا أُحِبُّ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ أَحَدٌ، وَلَكِنْ يُتْرَكُ لِيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

أَثَرُ التَّوْبَةِ عَلَى الْحُدُودِ:

12- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ حَدَّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالرِّدَّةِ يَسْقُطَانِ بِالتَّوْبَةِ إِذَا تَحَقَّقَتْ تَوْبَةُ الْقَاطِعِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ حَدُّ تَرْكِ الصَّلَاةِ عِنْدَ مَنِ اعْتَبَرَهُ حَدًّا، وَذَلِكَ لقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ بَقِيَّةَ الْحُدُودِ بَعْدَ رَفْعِهَا إِلَى الْحَاكِمِ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الْأَظْهَرِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِلَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الرَّفْعِ إِلَى الْإِمَامِ.لِئَلاَّ يُتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى إِسْقَاطِ الْحُدُودِ وَالزَّوَاجِرِ.

سُقُوطُ الْحُدُودِ بِالشُّبْهَةِ:

13- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.وَالشُّبْهَةُ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْفَاعِلِ: كَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً ظَنَّهَا حَلِيلَتَهُ.أَوْ فِي الْمَحَلِّ: بِأَنْ يَكُونَ لِلْوَاطِئِ فِيهَا مِلْكٌ أَوْ شُبْهَةُ مِلْكٍ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ.أَوْ فِي الطَّرِيقِ: بِأَنْ يَكُونَ حَرَامًا عِنْدَ قَوْمٍ، حَلَالًا عِنْدَ آخَرَ.وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَى «شُبْهَةٌ».

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ».وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَتَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ.

سُقُوطُ الْحُدُودِ بِالرُّجُوعِ عَنِ الْإِقْرَارِ:

14- إِذَا ثَبَتَتِ الْحُدُودُ بِالْإِقْرَارِ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ، إِذَا كَانَ الْحَدُّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى.

وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ مَاعِزًا لَمَّا أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِالزِّنَى، لَقَّنَهُ الرُّجُوعَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَمِلًا لِلسُّقُوطِ بِالرُّجُوعِ مَا كَانَ لِلتَّلْقِينِ فَائِدَةٌ.وَلِأَنَّهُ يُورِثُ الشُّبْهَةَ، وَالرُّجُوعُ عَنِ الْإِقْرَارِ قَدْ يَكُونُ نَصًّا، وَقَدْ يَكُونُ دَلَالَةً، بِأَنْ يَأْخُذَ النَّاسُ فِي رَجْمِهِ، فَيَهْرُبَ وَلَا يَرْجِعُ، أَوْ يَأْخُذَ الْجَلاَّدُ فِي الْجَلْدِ فَيَهْرُبَ، وَلَا يَرْجِعُ، فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ، لِأَنَّ الْهَرَبَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دَلَالَةُ الرُّجُوعِ.

وَاسْتَثْنَوْا حَدَّ الْقَذْفِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ، لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ، وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِالرُّجُوعِ بَعْدَمَا ثَبَتَ كَالْقِصَاصِ.

وَإِذَا ثَبَتَ الْحَدُّ بِالْبَيِّنَةِ أَوِ الْحَمْلِ فِي الزِّنَى- عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ- لَمْ يَسْقُطْ بِالرُّجُوعِ.

وَيَسْقُطُ الْحَدُّ بِرُجُوعِ الشُّهُودِ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ إِذَا كَانَ الْبَاقِي أَقَلُّ مِنَ النِّصَابِ بَعْدَ الْقَضَاءِ، قَبْلَ الْإِمْضَاءِ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي «كِتَابُ الشَّهَادَاتِ» مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.

سُقُوطُ الْحُدُودِ بِمَوْتِ الشُّهُودِ:

15- يَسْقُطُ حَدُّ الرَّجْمِ خَاصَّةً بِمَوْتِ الشُّهُودِ- عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُونَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ الْبِدَايَةَ بِالشُّهُودِ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ- لِأَنَّ بِالْمَوْتِ قَدْ فَاتَتِ الْبِدَايَةُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ، فَسَقَطَ الْحَدُّ ضَرُورَةً.

سُقُوطُ الْحُدُودِ بِالتَّكْذِيبِ وَغَيْرِهِ:

16- تَكْذِيبُ الْمَزْنِيِّ بِهَا لِلْمُقِرِّ بِالزِّنَى قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَتَكْذِيبُ الْمَقْذُوفِ شُهُودَهُ عَلَى الْقَذْفِ، وَهِيَ الْبَيِّنَةُ بِأَنْ يَقُولَ: شُهُودِي زُورٌ، وَادِّعَاءُ النِّكَاحِ وَالْمَهْرِ قَبْلَ إِقَامَةِ حَدِّ الزِّنَى تُعْتَبَرُ مِنْ مُسْقِطَاتِ الْحُدُودِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَدْ فُصِّلَتْ فِي أَبْوَابِهَا.وَ (ر: زِنًى، قَذْفٌ).

عَدَمُ إِرْثِ الْحُدُودِ:

17- لَا خِلَافَ بَيْنَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْحُدُودَ لَا تُورَثُ، وَكَذَا لَا يُؤْخَذُ عَنْهَا عِوَضٌ، وَلَا صُلْحَ فِيهَا وَلَا عَفْوَ، لِأَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ.

وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ حَدَّ الْقَذْفِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ عِنْدَهُمْ حَقُّ الْعَبْدِ فَيُورَثُ وَيَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ.

وَالْحَنَابِلَةُ مَعَ الشَّافِعِيَّةِ فِي جَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ.

وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ: فَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: لَهُ الْعَفْوُ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْإِمَامَ، فَإِنْ بَلَغَهُ فَلَا عَفْوَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ: لَهُ الْعَفْوُ مُطْلَقًا، بَلَغَ ذَلِكَ الْإِمَامَ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (قَذْفٌ).

التَّلَفُ بِسَبَبِ الْحَدِّ:

18- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْحُدُودَ إِذَا أُتِيَ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ أَنَّهُ لَا يُضْمَنُ مَنْ تَلِفَ بِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فَعَلَهَا بِأَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ، فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَأْمُورٌ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ، وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ.وَإِنْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ فَتَلِفَ وَجَبَ الضَّمَانُ بِغَيْرِ خِلَافٍ.

الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِلذُّنُوبِ:

19- يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْحَدَّ الْمُقَدَّرَ فِي ذَنْبٍ كَفَّارَةٌ لِذَلِكَ الذَّنْبِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، الْحَدُّ غَيْرُ مُطَهِّرٍ، بَلِ الْمُطَهِّرُ التَّوْبَةُ، فَإِذَا حُدَّ وَلَمْ يَتُبْ يَبْقَى عَلَيْهِ إِثْمُ الْمَعْصِيَةِ عِنْدَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَدِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

الْإِثْبَاتُ فِي الْحُدُودِ:

20- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْحُدُودَ تَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ أَوِ الْإِقْرَارِ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِمَا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ كَعِلْمِ الْإِمَامِ وَقَرِينَةِ الْحَبَلِ وَغَيْرِهِمَا:

أَوَّلًا- الْبَيِّنَةُ وَشُرُوطُهَا فِي الْحُدُودِ:

تَنْقَسِمُ شُرُوطُ الْبَيِّنَةِ إِلَى قِسْمَيْنِ:

1- مَا يَعُمُّ الْحُدُودَ كُلَّهَا:

21- وَهِيَ الذُّكُورَةُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ.وَالْأَصَالَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَذْهَبُ لَدَى الْحَنَابِلَةِ، فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي، لِتَمَكُّنِ زِيَادَةِ شُبْهَةٍ فِيهَا، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْأَصَالَةِ، وَهَذَا إِذَا تَعَذَّرَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ مِنَ الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْبَةٍ أَوْ مَوْتٍ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (شَهَادَةٌ). مَا تَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُ الْحُدُودِ:

أ- عَدَدُ الْأَرْبَعَةِ:

22- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حَدِّ الزِّنَى أَنْ لَا يَقِلَّ عَدَدُ الشُّهُودِ عَنْ أَرْبَعَةٍ لقوله تعالى: {وَاَللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}.

«وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟، قَالَ: نَعَمْ».

ب- اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ:

23- ذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ مُجْتَمِعِينَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ يَشْهَدُونَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَيُحَدُّونَ وَإِنْ كَثُرُوا.

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ لقوله تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء} وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَجَالِسَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْبَتِّيُّ.

ج- عَدَمُ التَّقَادُمِ:

24- يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا بِزِنًى قَدِيمٍ، وَجَبَ الْحَدُّ، لِعُمُومِ الْآيَةِ.وَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْبَةٍ، وَالْحَدُّ لَا يَسْقُطُ بِمُطْلَقِ الِاحْتِمَالِ، فَإِنَّهُ لَوْ سَقَطَ بِكُلِّ احْتِمَالٍ لَمْ يَجِبْ حَدٌّ أَصْلًا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ عَدَمَ التَّقَادُمِ فِي الْبَيِّنَةِ شَرْطٌ، وَذَلِكَ فِي حَدِّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ مَذْهَبٌ لِأَحْمَد.

وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ الشَّاهِدَ إِذَا عَايَنَ الْجَرِيمَةَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ حِسْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} وَبَيْنَ السَّتْرِ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَلَمَّا لَمْ يَشْهَدْ عَلَى فَوْرِ الْمُعَايَنَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِيَارِ جِهَةِ السَّتْرِ، فَإِذَا شَهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الضَّغِينَةَ حَمَلَتْهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا قَوْمٍ شَهِدُوا عَلَى حَدٍّ لَمْ يَشْهَدُوا عِنْدَ حَضْرَتِهِ، فَإِنَّمَا شَهِدُوا عَنْ ضِغْنٍ، وَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَيَكُونُ إِجْمَاعًا.وَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يُورِثُ تُهْمَةً، وَلَا شَهَادَةَ لِلْمُتَّهَمِ.

وَهُنَاكَ تَفْصِيلَاتٌ وَشُرُوطٌ فِيهَا خِلَافٌ يُنْظَرُ فِي (شَهَادَةٌ) (وَزِنًى).

ثَانِيًا- الْإِقْرَارُ:

25- شُرُوطُ الْإِقْرَارِ فِي الْحُدُودِ قِسْمَانِ:

شُرُوطٌ تَعُمُّ الْحُدُودَ كُلَّهَا: وَهِيَ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالنُّطْقُ، فَلَا يَصِحُّ إِقْرَارُ الصَّبِيِّ، لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْحَدِّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جِنَايَةً، وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ جِنَايَةً.

وَكَذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِقْرَارُ بِالْخِطَابِ وَالْعِبَارَةِ دُونَ الْكِتَابِ وَالْإِشَارَةِ، لِأَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ وُجُوبَ الْحَدِّ بِالْبَيَانِ الْمُتَنَاهِي، وَلِذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالزِّنَى.

وَيُقْبَلُ إِقْرَارُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَلَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْخِرَقِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَتَفْصِيلُهُ فِي: (إِقْرَارٌ).

شُرُوطٌ تَخُصُّ بَعْضَ الْحُدُودِ مِنْهَا:

أ- تَكْرَارُ الْإِقْرَارِ:

26- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يُقِرَّ الزَّانِي أَوِ الزَّانِيَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَبِهَذَا قَالَ الْحَكَمُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَإِسْحَاقُ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ تَكْرَارَ الْإِقْرَارِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيُكْتَفَى بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَحَمَّادُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالطَّبَرِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَجَمَاعَةٌ.لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إِنَّمَا صَارَ حُجَّةً فِي الشَّرْعِ لِرُجْحَانِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ، وَهَذَا الْمَعْنَى عِنْدَ التَّكْرَارِ وَالتَّوْحِيدِ سَوَاءٌ، وَلِأَنَّ الرَّسُولَ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «اغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَعَلَّقَ الرَّجْمَ عَلَى مُجَرَّدِ الِاعْتِرَافِ. وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ مَاعِزًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَأَقَرَّ بِالزِّنَى، فَأَعْرَض عَنْهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ إِلَى الْأَرْبَعِ» فَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ مَرَّةً مُوجِبًا لِلْحَدِّ لَمَا أَخَّرَهُ إِلَى الْأَرْبَعِ.

ب- اشْتِرَاطُ عَدَدِ الْمَجَالِسِ:

27- اخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ عَدَدِ مَجَالِسِ الْإِقْرَارِ عِنْدَ مَنِ اشْتَرَطَ تَكْرَارَهُ، وَكَوْنِ الْإِقْرَارِ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ، وَكَوْنِ الزَّانِي وَالْمَزْنِيِّ بِهَا مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى دَعْوَى الشُّبْهَةِ، وَكَوْنِ الزَّانِي مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ وُجُودُ الزِّنَى، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ ذُكِرَ فِي كُلِّ حَدٍّ مِنَ الْحُدُودِ وَفِي مُصْطَلَحِ: (إِقْرَارٌ).

أَثَرُ عِلْمِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِي الْحُدُودِ:

28- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ: إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ إِقَامَةُ الْحَدِّ بِعِلْمِهِ، لقوله تعالى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} وَقَالَ أَيْضًا: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ- رضي الله عنه-.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ آخَرَ: لَهُ إِقَامَتُهُ

بِعِلْمِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ.لِأَنَّهُ إِذَا جَازَتْ لَهُ إِقَامَتُهُ بِالْبَيِّنَةِ وَالِاعْتِرَافِ الَّذِي لَا يُفِيدُ إِلاَّ الظَّنَّ، فَمَا يُفِيدُ الْعِلْمُ هُوَ أَوْلَى.

مَدَى ثُبُوتِ الْحُدُودِ بِالْقَرَائِنِ:

29- تَخْتَلِفُ الْقَرَائِنُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْحُدُودِ- عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا- مِنْ حَدٍّ لآِخَرَ.

فَالْقَرِينَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الزِّنَى: هِيَ ظُهُورُ الْحَمْلِ فِي امْرَأَةٍ غَيْرِ مُتَزَوِّجَةٍ أَوْ لَا يُعْرَفُ لَهَا زَوْجٌ.

وَالْقَرِينَةُ فِي الشُّرْبِ: الرَّائِحَةُ، وَالْقَيْءُ، وَالسُّكْرُ، وَوُجُودُ الْخَمْرِ عِنْدَ الْمُتَّهَمِ، وَفِي السَّرِقَةِ وُجُودُ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ عِنْدَ الْمُتَّهَمِ، وَوُجُودُ أَثَرٍ لِلْمُتَّهَمِ فِي مَوْضِعِ السَّرِقَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَفِي كُلٍّ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَقْوَالٍ فُصِّلَتْ فِي مَوَاطِنِهَا وَتُنْظَرُ فِي كُلِّ حَدٍّ مِنَ الْحُدُودِ وَفِي مُصْطَلَحِ: (قَرِينَةٌ). أَنْوَاعُ الْحُدُودِ:

الْحُدُودُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ:

أ- الرَّجْمُ:

30- الرَّجْمُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّانِي إِذَا كَانَ مُحْصَنًا وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (زِنًى وَرَجْمٌ).

ب- الْجَلْدُ:

31- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ عُقُوبَةَ الزَّانِي الْبِكْرِ مِائَةُ جَلْدَةٍ، لقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ فِي عُقُوبَةِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْجَلْدَ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الرَّجْمِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ وَغَيْرَهُمَا، وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُ جَلَدَ وَاحِدًا مِنْهُمْ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ إِنَّمَا وُضِعَ لِلزَّجْرِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلزَّجْرِ بِالضَّرْبِ مَعَ الرَّجْمِ، وَاخْتَارَ هَذَا مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ.

وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْجَلْدَ يَجْتَمِعُ مَعَ الرَّجْمِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِسْحَاقُ، فَيُجْلَدُ الزَّانِي الْمُحْصَنُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُرْجَمُ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عُبَادَةَ قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ».وَبِفِعْلِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه-، وَهُوَ أَنَّهُ جَلَدَ شُرَاحَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثُمَّ رَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَالَ جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ.

وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْجَلْدَ عُقُوبَةُ الْقَذْفِ وَالشُّرْبِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ فِي الشُّرْبِ وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي أَبْوَابِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَ (ر: قَذْفٌ) وَ (شُرْبٌ).

ج- التَّغْرِيبُ:

32- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجْتَمِعُ مَعَ الْجَلْدِ تَغْرِيبُ الزَّانِي الْبِكْرِ، فَالتَّغْرِيبُ عِنْدَهُمْ يُعْتَبَرُ حَدًّا كَالْجَلْدِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «الْبِكْرُ

بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ» وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما-، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ.

إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، فَيَقُولُونَ بِتَغْرِيبِ الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى حِفْظٍ وَصِيَانَةٍ، فَلَا يَجُوزُ تَغْرِيبُهَا إِلاَّ بِمَحْرَمٍ، وَهُوَ يُفْضِي إِلَى تَغْرِيبِ مَنْ لَيْسَ بِزَانٍ، وَنَفْيِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَلِأَنَّهَا عَوْرَةٌ، وَفِي نَفْيِهَا تَضْيِيعٌ لَهَا وَتَعْرِيضُهَا لِلْفِتْنَةِ، وَلِهَذَا نُهِيَتْ عَنِ السَّفَرِ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ التَّغْرِيبَ لَيْسَ وَاجِبًا، وَلَيْسَ حَدًّا كَالْجَلْدِ، وَإِنَّمَا هِيَ عُقُوبَةٌ تَعْزِيرِيَّةٌ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَلْدِ إِنْ رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً، لِأَنَّ عَلِيًّا- رضي الله عنه- قَالَ: حَسْبُهُمَا مِنَ الْفِتْنَةِ أَنْ يُنْفَيَا.

وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- غَرَّبَ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الْخَمْرِ إِلَى خَيْبَرَ، فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ فَتَنَصَّرَ، فَقَالَ عُمَرُ- رضي الله عنه- لَا أُغَرِّبُ مُسْلِمًا بَعْدَ هَذَا أَبَدًا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْجَلْدِ دُونَ التَّغْرِيبِ، فَإِيجَابُ التَّغْرِيبِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ.وَيُرْجَعُ لِتَفْصِيلِ ذَلِكَ إِلَى مَوْطِنِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.وَ (ر: زِنًى) و (تَغْرِيبٌ).

د- الْقَطْعُ:

33- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ السَّرِقَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ بِالنَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ.

أَمَّا النَّصُّ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ}.

وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا».

وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ قَطْعِ السَّارِقِ فِي الْجُمْلَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ الْقَطْعِ وَمَوْضِعِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالتَّفْصِيلُ فِي «سَرِقَةٌ».

وَكَذَلِكَ يُقْطَعُ الْمُحَارِبُ مِنْ خِلَافٍ إِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي عِقَابِهِ بِأَيَّةِ عُقُوبَةٍ جَاءَتْ بِهَا آيَةُ الْمُحَارَبَةِ مَا عَدَا النَّفْيَ، فَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (حِرَابَةٌ).

هـ- الْقَتْلُ وَالصُّلْبُ:

34- إِذَا قَتَلَ الْمُحَارِبُ وَأَخَذَ الْمَالَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَيُصْلَبُ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الزُّهْرِيُّ.

وَإِذَا قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُصْلَبُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ يُصْلَبُ، لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ يَجِبُ قَتْلُهُ، فَيُصْلَبُ كَاَلَّذِي أَخَذَ الْمَالَ.وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (تَصْلِيبٌ).

وَالْقَتْلُ كَذَلِكَ عُقُوبَةٌ حَدِّيَّةٌ لِلرِّدَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ.وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ- رضي الله عنهما-، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَحَمَّادٌ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ، بَلْ تُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ، لِأَنَّ الرَّسُولَ- صلى الله عليه وسلم- «نَهَى عَنْ قَتْلِ الْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ».

وَلِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ بِالْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ، فَلَا تُقْتَلُ بِالطَّارِئِ كَالصَّبِيِّ.

وَفِي قَتْلِ الْبُغَاةِ، وَهُمُ الْمُحَارِبُونَ عَلَى التَّأْوِيلِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَغْيٌ).

شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَدِّ:

35- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ إِلاَّ عَلَى مُكَلَّفٍ، وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ، لِأَنَّهُ إِذَا سَقَطَ التَّكْلِيفُ عَنْ غَيْرِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ فِي الْعِبَادَاتِ، وَسَقَطَ الْإِثْمُ عَنْهُ فِي الْمَعَاصِي، فَالْحَدُّ الْمَبْنِيُّ عَلَى الدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ أَوْلَى.

وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُدُودَ تُقَامُ عَلَى الذِّمِّيِّينَ وَلَا تُقَامُ عَلَى مُسْتَأْمَنٍ، إِلاَّ حَدُّ الْقَذْفِ فَيُقَامُ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ.وَلَا يُقَامُ عَلَى الْكَافِرِ حَدُّ الشُّرْبِ عِنْدَهُمْ.

وَفِي حَدِّ الزِّنَى تَفْصِيلٌ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا زَنَى الْحَرْبِيُّ (الْمُسْتَأْمَنُ) بِذِمِّيَّةٍ تُحَدُّ الذِّمِّيَّةُ وَلَا يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ.وَإِذَا زَنَى ذِمِّيٌّ بِمُسْتَأْمَنَةٍ يُحَدُّ الذِّمِّيُّ وَلَا تُحَدُّ الْمُسْتَأْمَنَةُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كِلَاهُمَا يُحَدَّانِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى: لَا تُحَدُّ الذِّمِّيَّةُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَابِعَةٌ لِلرَّجُلِ فَامْتِنَاعُ الْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي حَقِّ الْفَرْعِ.

وَتَفْصِيلُ كُلِّ حَدٍّ فِي مُصْطَلَحِهِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَتْلِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ.

أَمَّا حَدُّ الزِّنَى فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ فِيهِ فَقَطْ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إِلاَّ إِذَا اغْتَصَبَ امْرَأَةً مُسْلِمَةً فَإِنَّهُ يُقْتَلُ لِنَقْضِهِ الْعَهْدَ.وَكَذَلِكَ لَوِ ارْتَكَبَ جَرِيمَةَ اللِّوَاطِ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ.وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَوْفَى مِنَ الذِّمِّيِّ مَا ثَبَتَ وَلَوْ حَدَّ زِنًى أَوْ قَطْعَ سَرِقَةٍ، وَلَا يُحَدُّ بِشُرْبِ خَمْرٍ لِقُوَّةِ أَدِلَّةِ حِلِّهِ فِي عَقِيدَتِهِمْ.وَلَا يُشْتَرَطُ فِي إِحْصَانِ الرَّجْمِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا.

وَلَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ حَدُّ الزِّنَى عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَيُحَدُّ الْكَافِرُ حَدَّ الْقَذْفِ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ مُعَاهَدًا.

وَتَفْصِيلُ كُلِّ حَدٍّ فِي مُصْطَلَحِهِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِذَا رُفِعَ إِلَى الْحَاكِمِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا يُوجِبُ عُقُوبَةً مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالْقَتْلِ فَعَلَيْهِ إِقَامَةُ حَدِّهِ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أُتِيَ بِيَهُودِيَّيْنِ فَجَرَا بَعْدَ إِحْصَانِهِمَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا».

وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ إِبَاحَتَهُ كَشُرْبِ خَمْرٍ لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ تَحَاكَمَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ وَجَبَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ بِغَيْرِ خِلَافٍ.وَيُقْطَعُ الذِّمِّيُّ بِالسَّرِقَةِ.وَكَذَلِكَ الْمُسْتَأْمَنُ.وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُقْطَعُ الْمُسْتَأْمَنُ.

وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَامُ حَدُّ الزِّنَى عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ.

وَدَلِيلُ وُجُوبِ الْقَطْعِ أَنَّهُ حَدٌّ يُطَالَبُ بِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ كَحَدِّ الْقَذْفِ.

وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ إِلاَّ عَلَى مَنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ، وَبِهَذَا قَالَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِقَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ- رضي الله عنهم-: لَا حَدَّ إِلاَّ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ.فَإِنِ ادَّعَى الزَّانِي الْجَهْلَ بِالتَّحْرِيمِ وَكَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجْهَلَهُ كَحَدِيثِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ، قُبِلَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ كَالْمُسْلِمِ النَّاشِئِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، لِأَنَّ تَحْرِيمَ الزِّنَى لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ هُوَ كَذَلِكَ (كَمَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مُكْرَهَةٍ).وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالثَّوْرِيِّ لقوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».

وَعَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ امْرَأَةً اسْتُكْرِهَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ».

وَفِي حَدِّ الْمُكْرَهِ عَلَى الزِّنَى خِلَافٌ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحِ (إِكْرَاهٌ) وَ (ر: زِنًى) وَهُنَاكَ شُرُوطٌ أُخْرَى لِوُجُوبِ كُلِّ حَدٍّ فُصِّلَ، الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي أَبْوَابِهَا.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


25-موسوعة الفقه الكويتية (رؤية الهلال 1)

رُؤْيَةُ الْهِلَالِ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الرُّؤْيَةُ: النَّظَرُ بِالْعَيْنِ وَالْقَلْبِ، وَهِيَ مَصْدَرُ رَأَى، وَالرُّؤْيَةُ بِالْعَيْنِ تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَبِمَعْنَى الْعِلْمِ تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ.وَحَقِيقَةُ الرُّؤْيَةِ إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى الْأَعْيَانِ كَانَتْ بِالْبَصَرِ، كَقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام- «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ»،، وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الْعِلْمُ مَجَازًا.

وَتَرَاءَى الْقَوْمُ: رَأَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَتَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ: نَظَرْنَا.

وَلِلْهِلَالِ عِدَّةُ مَعَانٍ مِنْهَا: الْقَمَرُ فِي أَوَّلِ اسْتِقْبَالِهِ الشَّمْسَ كُلَّ شَهْرٍ قَمَرِيٍّ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، قِيلَ: وَالثَّالِثَةِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهُ فِي قَدْرِ الْهِلَالِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ.

وَقِيلَ يُسَمَّى هِلَالًا إِلَى أَنْ يَبْهَرَ ضَوْءُهُ سَوَادَ اللَّيْلِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلاَّ فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ.

وَالْمَقْصُودُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ: مُشَاهَدَتُهُ بِالْعَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِقِ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ خَبَرُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَيَثْبُتُ دُخُولُ الشَّهْرِ بِرُؤْيَتِهِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

طَلَبُ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ:

2- رُؤْيَةُ الْهِلَالِ أَمْرٌ يَقْتَضِيهِ ارْتِبَاطُ تَوْقِيتِ بَعْضِ الْعِبَادَاتِ بِهَا، فَيُشْرَعُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَجِدُّوا فِي طَلَبِهَا وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِمَعْرِفَةِ دُخُولِ رَمَضَانَ، وَلَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ لِمَعْرِفَةِ نِهَايَتِهِ وَدُخُولِ شَوَّالٍ، وَلَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لِمَعْرِفَةِ ابْتِدَاءِ ذِي الْحِجَّةِ.فَهَذِهِ الْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا رُكْنَانِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ هُمَا الصِّيَامُ وَالْحَجُّ، وَلِتَحْدِيدِ عِيدِ الْفِطْرِ وَعِيدِ الْأَضْحَى.

وَقَدْ حَثَّ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى طَلَبِ الرُّؤْيَةِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ».

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ».

أَوْجَبَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، وَأَمَرَ بِالْإِفْطَارِ لِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ، أَوْ بِإِتْمَامِ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ.

وَنَهَى الْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ قَبْلَ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ قَبْلَ إِتْمَامِ شَعْبَانَ فِي حَالَةِ الصَّحْوِ.

وَوَرَدَ عَنْهُ- صلى الله عليه وسلم- حَدِيثٌ فِيهِ أَمْرٌ بِالِاعْتِنَاءِ بِهِلَالِ شَعْبَانَ لِأَجْلِ رَمَضَانَ قَالَ: «أَحْصُوا هِلَالَ شَعْبَانَ لِرَمَضَانَ» وَحَدِيثٌ يُبَيِّنُ اعْتِنَاءَهُ بِشَهْرِ شَعْبَانَ لِضَبْطِ دُخُولِ رَمَضَانَ، عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَتَحَفَّظُ مِنْ شَعْبَانَ مَا لَا يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ» قَالَ الشُّرَّاحُ: أَيْ يَتَكَلَّفُ فِي عَدِّ أَيَّامِ شَعْبَانَ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ.وَقَدِ اهْتَمَّ الصَّحَابَةُ- رضي الله عنهم- فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَبَعْدَ وَفَاتِهِ- صلى الله عليه وسلم- بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَكَانُوا يَتَرَاءَوْنَهُ.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ».

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُمَرَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَتَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ، وَكُنْتُ رَجُلًا حَدِيدَ الْبَصَرِ فَرَأَيْتُهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهُ غَيْرِي.قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِعُمَرَ: أَمَا تَرَاهُ؟ فَجَعَلَ لَا يَرَاهُ.قَالَ: يَقُولُ عُمَرُ: سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي.

وَقَدْ أَوْجَبَ الْحَنَفِيَّةُ كِفَايَةَ الْتِمَاسِ رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنْ رَأَوْهُ صَامُوا، وَإِلاَّ أَكْمَلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صَامُوا؛ لِأَنَّ مَا لَا يَحْصُلُ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُسْتَحَبُّ تَرَائِي الْهِلَالِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ وَحِذَارًا مِنْ الِاخْتِلَافِ.

وَلَمْ نَجِدْ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ تَصْرِيحًا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

طُرُقُ إِثْبَاتِ الْهِلَالِ:

أَوَّلًا: الرُّؤْيَةُ بِالْعَيْنِ:

أ- الرُّؤْيَةُ مِنَ الْجَمِّ الْغَفِيرِ الَّذِينَ تَحْصُلُ بِهِمْ الِاسْتِفَاضَةُ:

3- هِيَ رُؤْيَةُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَادَةً، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِفَتِهِمْ مَا يُشْتَرَطُ فِي صِفَةِ الشَّاهِدِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَدَالَةِ.

وَهَذَا أَحَدُ تَفْسِيرَيْ الِاسْتِفَاضَةِ، وَقَدِ ارْتَقَتْ بِهِ إِلَى التَّوَاتُرِ، أَمَّا التَّفْسِيرُ الثَّانِي لِلِاسْتِفَاضَةِ فَقَدْ حُدِّدَتْ بِمَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ.

وَالتَّفْسِيرَانِ يَلْتَقِيَانِ فِي أَنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَةَ تَكُونُ فِي حَالَةِ الصَّحْوِ، وَأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَا دُخُولُ رَمَضَانَ.

وَقَدْ قَالَ بِهَذَا النَّوْعِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ الْحَنَفِيَّةُ لِإِثْبَاتِ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ.

وَقَالَ بِهِ أَيْضًا الْمَالِكِيَّةُ لَكِنَّهُمْ سَكَتُوا عَنِ اشْتِرَاطِ الصَّحْوِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

ب- رُؤْيَةُ عَدْلَيْنِ:

4- نُقِلَ الْقَوْلُ بِاشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ بِهَذَا الرَّأْيِ الْمَالِكِيَّةُ فِي حَالَةِ الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ فِي الْمِصْرِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فَيَثْبُتُ بِرُؤْيَةِ الْعَدْلَيْنِ الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ وَشَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ، وَاشْتَرَطُوا فِي الْعَدْلِ الْإِسْلَامَ وَالْحُرِّيَّةَ وَالذُّكُورَةَ وَمَا تَقْتَضِيهِ الْعَدَالَةُ مِنَ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالِالْتِزَامِ بِالْإِسْلَامِ.

وَاعْتَبَرَ سَحْنُونٌ شَهَادَةَ اثْنَيْنِ فَقَطْ فِي الصَّحْوِ، وَفِي الْمِصْرِ الْكَبِيرِ رِيبَةً، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ تَعْيِينُ الْعَدَدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي مِثْلِهَا غَيْرُ الرُّؤْيَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ.

قَالَ: «وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ إِذَا لَمْ يَشْهَدْ غَيْرُهُمَا فِي الْمِصْرِ الْكَبِيرِ وَالصَّحْوِ، وَأَيَّةُ رِيبَةٍ أَكْبَرُ مِنْ هَذِهِ».

وَنُقِلَ الْقَوْلُ بِاشْتِرَاطِ عَدْلَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا هِلَالُ رَمَضَانَ عَنِ الْبُوَيْطِيِّ تِلْمِيذِ الشَّافِعِيِّ.

ج- رُؤْيَةُ عَدْلٍ وَاحِدٍ:

5- لِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلَاتٌ وَشُرُوطٌ فِي قَبُولِ رُؤْيَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي: قَبِلَ الْحَنَفِيَّةُ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ شَهَادَةَ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ فِي الْغَيْمِ أَوِ الْغُبَارِ وَانْعِدَامِ صَحْوِ السَّمَاءِ، وَاكْتَفَوْا فِي وَصْفِ الْعَدَالَةِ بِتَرْجِيحِ الْحَسَنَاتِ عَلَى السَّيِّئَاتِ، وَقَبِلُوا شَهَادَةَ مَسْتُورِ الْحَالِ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا الذُّكُورَةَ وَالْحُرِّيَّةَ، وَاعْتَبَرُوا الْإِعْلَامَ بِالرُّؤْيَةِ مِنْ قَبِيلِ الْإِخْبَارِ.

وَتَتِمُّ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُمْ فِي الْمِصْرِ أَمَامَ الْقَاضِي، وَفِي الْقَرْيَةِ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ وَلَمْ يَقْبَلِ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ صَامَ، فَلَوْ أَفْطَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ.

وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَبْصَرْتُ الْهِلَالَ اللَّيْلَةَ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا».

وَتَقَدَّمَ فِي تَرَائِي الْهِلَالِ حَدِيثُ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَفِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَصَامَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ».

وَبِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ مِنَ الرِّوَايَةِ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُلْزِمُ الْمُخْبَرَ بِالصَّوْمِ، وَمَضْمُونُ الشَّهَادَةِ لَا يُلْزِمُ الشَّاهِدَ بِشَيْءٍ، وَالْعَدَدُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الرِّوَايَةِ فَأَمْكَنَ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِالشُّرُوطِ الْوَاجِبِ تَوَفُّرُهَا فِي الرَّاوِي لِخَبَرٍ دِينِيٍّ، وَهِيَ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَدَالَةُ.

وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْمَالِكِيَّةُ رُؤْيَةَ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ فِي إِثْبَاتِ الْهِلَالِ، وَلَمْ يُوجِبُوا الصَّوْمَ بِمُقْتَضَاهَا عَلَى الْجَمَاعَةِ وَأَلْزَمُوا مَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ بِإِعْلَامِ الْإِمَامِ بِرُؤْيَتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ رَأَى أَوْ عَلِمَ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا، وَأَوْجَبُوا عَلَى الرَّائِي الْمُنْفَرِدِ الصِّيَامَ، وَلَوْ رَدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ.وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَقَالَ: إِنِّي جَالَسْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَسَأَلْتُهُمْ وَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ حَدَّثُونِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا ثَلَاثِينَ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا».

وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ قَبُولُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الرُّؤْيَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مَنْ يَعْتَنِي بِأَمْرِ الْهِلَالِ.

وَقَبِلَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ إِذَا أُرِيدَ مِنَ الشَّهْرِ مَعْرِفَةُ عِلْمِ التَّارِيخِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حُلُولُ دَيْنٍ أَوْ إِكْمَالُ عِدَّةٍ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ.

وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَبُولُ رُؤْيَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَإِلْزَامُ الْجَمِيعِ الصِّيَامَ بِمُقْتَضَاهَا احْتِيَاطًا لِلْفَرْضِ، وَلَمْ يَقْبَلُوهَا مِنَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالرُّؤْيَةِ عِنْدَهُمْ مِنْ قَبِيلِ الشَّهَادَةِ، وَاسْتَدَلُّوا «بِقَبُولِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- إِخْبَارَ ابْنِ عُمَرَ وَحْدَهُ بِهِلَالِ رَمَضَانَ»، وَقَبُولِهِ أَيْضًا إِخْبَارَ أَعْرَابِيٍّ بِذَلِكَ وَأَوْجَبُوا عَلَى الرَّائِي الصَّوْمَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا.

وَقَبِلَ الْحَنَابِلَةُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ رُؤْيَةَ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا الذُّكُورَةَ وَالْحُرِّيَّةَ وَرَفَضُوا شَهَادَةَ مَسْتُورِ الْحَالِ فِي الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ، وَمُسْتَنَدُهُمْ قَبُولُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- خَبَرَ الْأَعْرَابِيِّ.وَلَمْ يَقْبَلُوا فِي بَقِيَّةِ الشُّهُورِ إِلاَّ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.

رُؤْيَةُ هِلَالِ شَوَّالٍ وَبَقِيَّةِ الشُّهُورِ:

6- اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ التَّفْصِيلَاتِ.

فَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ لِإِثْبَاتِ هِلَالِ شَوَّالٍ فِي حَالَةِ الصَّحْوِ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ جَمَاعَةً يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْقَاضِي بِخَبَرِهِمْ كَمَا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَقْبَلُوا فِي حَالِ الْغَيْمِ إِلاَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ غَيْرَ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ، وَإِنْ تَابَا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ فِي الْحُقُوقِ وَالْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِهِلَالِ شَوَّالٍ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ.وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْمُخْبِرِ، وَهُوَ إسْقَاطُ الصَّوْمِ عَنْهُ فَكَانَ مُتَّهَمًا فَاشْتُرِطَ فِيهِ الْعَدَدُ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ بِخِلَافِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ.

وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ الرُّؤْيَةَ الْمُسْتَفِيضَةَ أَوْ شَهَادَةَ عَدْلَيْنِ مِمَّنْ يَشْهَدُونَ فِي الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ.وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ مَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لَا يُفْطِرُ، خَوْفًا مِنَ التُّهْمَةِ وَسَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَإِنْ أَفْطَرَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ عُثِرَ عَلَيْهِ عُوقِبَ إِنِ اتُّهِمَ.

وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي ثُبُوتِ هِلَالِ شَوَّالٍ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ احْتِيَاطًا لِلْفَرْضِ، وَأَبَاحَ الشَّافِعِيَّةُ الْفِطْرَ سِرًّا لِمَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَظْهَرَهُ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ وَالْعُقُوبَةِ، وَمَنَعَ الْحَنَابِلَةُ الْفِطْرَ لِمَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ سِرًّا لِأَنَّهُ تَيَقَّنَهُ يَوْمَ عِيدٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ صَوْمِهِ.

وَلَمْ يُفَرِّقِ الْحَنَفِيَّةُ فِي حَالَةِ الصَّحْوِ بَيْنَ أَهِلَّةِ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ وَذِي الْحِجَّةِ وَاشْتَرَطُوا فِي الثَّلَاثَةِ رُؤْيَةَ جَمْعٍ يَثْبُتُ بِهِ الْعِلْمُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا فِي حَالَةِ الْغَيْمِ فَاكْتَفَوْا فِي ثُبُوتِ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ.وَاشْتَرَطَ الْكَرْخِيُّ مِنْهُمْ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَمَا فِي هِلَالِ شَوَّالٍ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمُ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ فَيَجِبُ فِيهَا الْعَدَدُ.

وَرَدَّ عَلَيْهِ الْكَاسَانِيُّ بِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ لَا الشَّهَادَةِ لِوُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الشَّاهِدِ وَغَيْرِهِ، فَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ.

وَأَوْجَبَ الْمَالِكِيَّةُ شَهَادَةَ عَدْلَيْنِ، فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوْسِمِ بِأَنَّهُ يُقَامُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ إِذَا كَانَا عَدْلَيْنِ.

وَسَوَّى الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ شَوَّالٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ فَاشْتَرَطُوا رُؤْيَةَ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا».

رُؤْيَةُ الْهِلَالِ نَهَارًا:

7- وَرَدَتْ عَنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- نُقُولٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي حُكْمِ رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ نَهَارًا، وَهَلْ هُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ أَوِ الْمُقْبِلَةِ؟ فَعَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ، وَرِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنهم- التَّفْرِيقُ بَيْنَ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ.فَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الزَّوَالِ فَالْهِلَالُ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى هَذَا الرَّأْيِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْهِلَالَ لَا يُرَى قَبْلَ الزَّوَالِ عَادَةً إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لِلَيْلَتَيْنِ، وَهَذَا يُوجِبُ كَوْنَ الْيَوْمِ مِنْ رَمَضَانَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، وَكَوْنَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَفِي نَقْلٍ عَنِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ يَوْمَ الشَّكِّ هِيَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ الزَّوَالِ أَمْ بَعْدَهُ.

وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ الْأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ نَهَارًا فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تُمْسُوا إِلاَّ أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ أَنَّهُمَا أَهَلاَّهُ بِالْأَمْسِ عَشِيَّةً.

وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ نَاسًا رَأَوْا هِلَالَ الْفِطْرِ نَهَارًا، فَأَتَمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ صِيَامَهُ إِلَى اللَّيْلِ، وَقَالَ: لَا، حَتَّى يُرَى مِنْ حَيْثُ يُرَى بِاللَّيْلِ.

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «...إِنَّمَا مَجْرَاهُ فِي السَّمَاءِ، وَلَعَلَّهُ أَبْيَنُ سَاعَتَئِذٍ، وَإِنَّمَا الْفِطْرُ مِنَ الْغَدِ فِي يَوْمِ يُرَى الْهِلَالُ».

وَنُسِبَ هَذَا الرَّأْيُ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ.

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا النَّقْلُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَيَكُونُ رِوَايَةً ثَانِيَةً عَنْهُ تُخَالِفُ مَا نُقِلَ عَنْهُ مِنَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ.

وَقَدْ رَفَضَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ التَّفْرِيقَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُمَا أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِرُؤْيَتِهِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.

وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ «مَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ نَهَارًا فَلَا يُفْطِرُ، وَيُتِمُّ صِيَامَ يَوْمِهِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا هُوَ هِلَالُ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَأْتِي».

وَهُوَ فِي هَذَا النَّقْلِ عَنْهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، وَاعْتَبَرَ الْهِلَالَ الَّذِي رُئِيَ نَهَارًا لِلَّيْلَةِ الْقَادِمَةِ، وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إِلَى التَّفْرِيقِ، وَنَسَبَهُ إِلَى مَالِكٍ، قَالَ: «فَإِنْ رُئِيَ الْهِلَالُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ فَيُمْسِكُونَ إِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي شَعْبَانَ وَيُفْطِرُونَ إِنْ وَقَعَ فِي رَمَضَانَ وَيُصَلُّونَ الْعِيدَ، وَإِذَا رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلْقَادِمَةِ سَوَاءٌ أَصَلَّيْتَ الظُّهْرَ أَمْ لَمْ تُصَلِّ».

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنْ رُئِيَ الْهِلَالُ بِالنَّهَارِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لِمَا رَوَى سُفْيَانُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- وَنَحْنُ بِخَانِقِينَ: إِنَّ الْأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ نَهَارًا فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالْأَمْسِ.

وَنَبَّهَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْهِلَالَ لَا يُرَى يَوْمَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ أَهَّلَ سَاعَتَئِذٍ، وَلِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَكُونُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ فَتَحَدَّدَ مَجَالُ رُؤْيَتِهِ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ فِي يَوْمِ ثَلَاثِينَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، فَإِذَا رُئِيَ يَوْمَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَمْ يُرَ لَيْلًا، فَالظَّاهِرُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالرُّؤْيَةِ النَّهَارِيَّةِ، وَعَارَضَ ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا: لَا يَكْفِي ذَلِكَ عَنْ رُؤْيَتِهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا.

وَأَمَّا رُؤْيَتُهُ نَهَارًا يَوْمَ ثَلَاثِينَ فَلَا يُبْحَثُ مَعَهَا عَنْ رُؤْيَتِهِ لَيْلًا لِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ.

ثَانِيًا: إِكْمَالُ الشَّهْرِ ثَلَاثِينَ:

8- يَكُونُ الشَّهْرُ الْقَمَرِيُّ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِحَدِيثِ: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «لَمَا صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرُ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ».

وَإِذَا لَمْ يُرَ الْهِلَالُ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ رَمَضَانَ أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ أَكْمَلَ الشَّهْرَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا حَسَبَ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ».

وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ حَالَةِ الصَّحْوِ وَحَالَةِ الْغَيْمِ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ وُجُوبُ صِيَامِ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إِنْ حَالَ دُونَ مَطْلَعِهِ غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ وَنَحْوُهُمَا بِنِيَّةِ رَمَضَانَ احْتِيَاطًا لَا يَقِينًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى صِيَامَ يَوْمِ الشَّكِّ وَتَفْصِيلُهَا فِي: (صَوْمٌ).

فَإِنْ تَبَيَّنَ فِي نِهَايَةِ رَمَضَانَ أَنَّ شَعْبَانَ نَاقِصٌ وَجَبَ قَضَاءُ الْيَوْمِ الَّذِي غُمَّ فِيهِ الْهِلَالُ.

تَوَالِي الْغَيْمِ:

9- عِنْدَ تَوَالِي الْغَيْمِ فِي نِهَايَةِ الشُّهُورِ الْقَمَرِيَّةِ تُكْمَلُ ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ عَمَلًا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ».

وَيَقَعُ قَضَاءُ مَا ثَبَتَ إِفْطَارُهُ، فَإِذَا حَصَلَ الْغَيْمُ فِي شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ قَبْلَ رَمَضَانَ فَكَمُلَتْ، ثُمَّ رُئِيَ هِلَالُ شَوَّالٍ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا قَضَاءَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَمَضَانُ نَاقِصًا، وَإِنْ رُئِيَ لَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ وَجَبَ قَضَاءُ يَوْمٍ، وَإِنْ رُئِيَ لَيْلَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَجَبَ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ، وَإِنْ رُئِيَ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ تَمَّ قَضَاءُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.

وَإِنَّ مَا أَجْرَى اللَّهُ بِهِ الْعَادَةَ أَنْ لَا تَتَوَالَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ نَاقِصَةٌ وَلَا كَامِلَةٌ، وَمِنَ النَّادِرِ تَوَالِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ نَاقِصَةٍ أَوْ كَامِلَةٍ أَيْضًا.

قَالَ الْحَطَّابُ: فَإِنْ تَوَالَى الْكَمَالُ فِي شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ عُمِلَ عَلَى أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ نَاقِصٌ فَأَصْبَحَ النَّاسُ صِيَامًا، وَإِنْ تَوَالَتْ نَاقِصَةً عُمِلَ عَلَى أَنَّ رَمَضَانَ كَامِلٌ فَأَصْبَحَ النَّاسُ مُفْطِرِينَ وَإِنْ لَمْ يَتَوَالَ قَبْلَ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي غُمَّ الْهِلَالُ فِي آخِرِهِ شَهْرَانِ فَأَكْثَرُ كَامِلَةٌ وَلَا نَاقِصَةٌ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّهْرُ نَاقِصًا أَوْ كَامِلًا احْتِمَالًا وَاحِدًا يُوجِبُ أَنْ يَكْمُلَ ثَلَاثِينَ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ.ثُمَّ قَالَ: هَذَا فِي الصَّوْمِ، أَمَّا فِي الْفِطْرِ إِذَا غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَلَا يُفْطِرُ بِالتَّقْدِيرِ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ رَمَضَانَ نَاقِصٌ.

وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَى نَصٍّ لِلْفُقَهَاءِ فِي شَأْنِ الْبِلَادِ الَّتِي يَسْتَقِرُّ الْغَيْمُ أَوِ الضَّبَابُ فِي سَمَائِهَا.

صَوْمُ مَنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْأَشْهُرُ:

10- مَنْ كَانَ مِنَ النَّاسِ فِي مَكَانٍ لَا تَصِلُهُ فِيهِ أَخْبَارُ رَمَضَانَ، كَالسَّجِينِ وَالْأَسِيرِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْأَشْهُرُ، وَلَمْ يَعْرِفْ مَوْعِدَ رَمَضَانَ، يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ لِمَعْرِفَتِهِ فَإِنِ اجْتَهَدَ وَتَحَرَّى وَوَافَقَ صِيَامُهُ شَهْرَ رَمَضَانَ أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ نَاقِصًا، وَرَمَضَانُ كَامِلًا قَضَى النَّقْصَ، وَإِنْ صَامَ شَهْرًا قَبْلَ رَمَضَانَ لَمْ يَكْفِهِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَصِحُّ قَبْلَ وَقْتِهَا، فَلَوْ وَافَقَ بَعْضَهُ فَمَا وَافَقَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ، وَإِنْ صَامَ بِلَا اجْتِهَادٍ لَمْ يُجْزِهِ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الِاجْتِهَادِ.

ثَالِثًا: إِثْبَاتُ الْأَهِلَّةِ بِالْحِسَابِ الْفَلَكِيِّ:

11- وَقَعَ الْخَوْضُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُنْذُ أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الْهِجْرِيِّ الْأَوَّلِ، فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا أَحَدُ التَّابِعِينَ وَبُحِثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ لَدُنْ فُقَهَائِنَا السَّابِقِينَ بِالْقَدْرِ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ.

وَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ بَحْثِهَا وُجُودُ لَفْظَةٍ مُشْكِلَةٍ فِي حَدِيثٍ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- اخْتَلَفَ الشُّرَّاحُ فِي الْمُرَادِ مِنْهَا، وَاسْتَدَلَّ بِهَا الْقَائِلُونَ بِالْحِسَابِ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ.

وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ مِنْ إيرَادِ الْحَدِيثِ بِلَفْظِهِ، وَإِتْبَاعِهِ بِتَفْسِيرِ الَّذِينَ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى جَوَازِ اعْتِمَادِ الْحِسَابِ فِي إِثْبَاتِ الْهِلَالِ، ثُمَّ آرَاءِ الَّذِينَ فَهِمُوا مِنْهُ خِلَافَ فَهْمِهِمْ.عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ».

عَلَّقَ الْحَدِيثُ بِدَايَةَ صِيَامِ رَمَضَانَ وَالشُّرُوعِ فِي الْإِفْطَارِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَأَمَرَ عِنْدَ تَعَذُّرِهَا فِي حَالَةِ الْغَيْمِ بِالتَّقْدِيرِ، فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ.

رَأْيُ الْقَائِلِينَ بِالْحِسَابِ:

12- تَضَمَّنَ هَذَا الرَّأْيُ الْقَوْلَ بِتَقْدِيرِ الْهِلَالِ بِالْحِسَابِ الْفَلَكِيِّ وَنُسِبَ إِلَى مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ قُتَيْبَةَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَصِحُّ عَنْ مُطَرِّفٍ، وَنَفَى نِسْبَةَ مَا عُرِفَ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ إِلَى الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَوْلَهُ: «يُعْتَبَرُ الْهِلَالُ إِذَا غُمَّ بِالنُّجُومِ وَمَنَازِلِ الْقَمَرِ وَطَرِيقِ الْحِسَابِ، قَالَ: وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي رِوَايَةٍ، وَالْمَعْرُوفُ لَهُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَامُ إِلاَّ بِرُؤْيَةٍ فَاشِيَةٍ أَوْ شَهَادَةٍ عَادِلَةٍ كَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ».

وَعَنْ مُطَرِّفٍ أَيْضًا أَنَّ الْعَارِفَ بِالْحِسَابِ يَعْمَلُ بِهِ فِي نَفْسِهِ.

أَمَّا ابْنُ سُرَيْجٍ فَاعْتَبَرَ قَوْلَهُ- صلى الله عليه وسلم-: «فَاقْدُرُوا لَهُ»: خِطَابًا لِمَنْ خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِ الْحِسَابِ، وَقَوْلَهُ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» خِطَابًا لِلْعَامَّةِ.

وَبَيَّنَ ابْنُ الصَّلَاحِ مَا قَصَدَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِالْحِسَابِ فَقَالَ: «مَعْرِفَةُ مَنَازِلِ الْقَمَرِ هِيَ مَعْرِفَةُ سَيْرِ الْأَهِلَّةِ، وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْحِسَابِ فَأَمْرٌ دَقِيقٌ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْآحَادُ.فَمَعْرِفَةُ مَنَازِلِ الْقَمَرِ تُدْرَكُ بِأَمْرٍ مَحْسُوسٍ يُدْرِكُهُ مَنْ يُرَاقِبُ النُّجُومَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَقَالَ بِهِ فِي حَقِّ الْعَارِفِ بِهَا فِيمَا يَخُصُّهُ».

وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي حُكْمِ صِيَامِ الْعَارِفِ بِالْحِسَابِ عِنْدَ ثُبُوتِ الْهِلَالِ عِنْدَهُ، فَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ بِجَوَازِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ لُزُومُ الصِّيَامِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.

وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلُ: لَا بَأْسَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ.

وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: «إِذَا دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ طَلَعَ مِنَ الْأُفُقِ عَلَى وَجْهٍ يُرَى لَوْلَا وُجُودُ الْمَانِعِ كَالْغَيْمِ مَثَلًا، فَهَذَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِوُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ، وَلَيْسَ حَقِيقَةُ الرُّؤْيَةِ مَشْرُوطَةً فِي اللُّزُومِ، فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَحْبُوسَ فِي الْمَطْمُورَةِ إِذَا عَلِمَ بِإِتْمَامِ الْعِدَّةِ أَوْ بِالِاجْتِهَادِ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ».

آرَاءُ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ إِثْبَاتِ الْأَهِلَّةِ بِالْحِسَابِ وَأَدِلَّتُهُمْ:

13- الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ، وَأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُؤَقِّتِينَ وَلَوْ عُدُولًا، وَمَنْ رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِمْ فَقَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ، وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ، وَيُعْمَلَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْحِسَابِ.

وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنَ اعْتِمَادِ الْحِسَابِ فِي إِثْبَاتِ الْهِلَالِ، فَقَالَ: «إِنَّ الْإِمَامَ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَى الْحِسَابِ لَا يُقْتَدَى بِهِ، وَلَا يُتَّبَعُ».

وَبَيَّنَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ حُكْمَ صِيَامِ مَنِ اعْتَمَدَ الْحِسَابَ فَقَالَ: «فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ فَالَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِمَا صَامَ مِنْهُ عَلَى الْحِسَابِ وَيَرْجِعُ إِلَى الرُّؤْيَةِ وَإِكْمَالِ الْعَدَدِ، فَإِنِ اقْتَضَى ذَلِكَ قَضَاءَ شَيْءٍ مِنْ صَوْمِهِ قَضَاهُ».

وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ قَوْلًا آخَرَ لِلْمَالِكِيَّةِ بِجَوَازِ اعْتِمَادِ الْحِسَابِ فِي إِثْبَاتِ الْأَهْلِيَّةِ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: «لَا يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ إِلاَّ بِدُخُولِهِ، وَيُعْلَمُ دُخُولُهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَإِنْ غُمَّ وَجَبَ اسْتِكْمَالُ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، ثُمَّ يَصُومُونَ سَوَاءٌ كَانَتِ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً أَوْ مُغَيِّمَةً غَيْمًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا».وَفِي هَذَا حَصْرُ طُرُقِ إِثْبَاتِ هِلَالِ رَمَضَانَ فِي الرُّؤْيَةِ وَإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، وَفِي هَذَا الْحَصْرِ نَفْيٌ لِاعْتِمَادِ الْحِسَابِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِرَفْضِهِ؛ لِأَنَّهُ حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ وَرَأَى اعْتِبَارَهُ فِي الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ.

نَقَلَ الْقَلْيُوبِيُّ عَنِ الْعَبَّادِيِّ قَوْلَهُ: إِذَا دَلَّ الْحِسَابُ الْقَطْعِيُّ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْعُدُولِ بِرُؤْيَتِهِ، وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ.ثُمَّ قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ، وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ حِينَئِذٍ وَمُخَالَفَةُ ذَلِكَ مُعَانَدَةٌ وَمُكَابَرَةٌ.

وَلَا يَعْتَمِدُ الْحَنَابِلَةُ الْحِسَابَ الْفَلَكِيَّ فِي إِثْبَاتِ هِلَالِ رَمَضَانَ، وَلَوْ كَثُرَتْ إِصَابَتُهُ.

أَدِلَّةُ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ إِثْبَاتِ الْأَهِلَّةِ بِالْحِسَابِ:

اسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ بِالْحَدِيثِ نَفْسِهِ الَّذِي اسْتَدَلَّ الْمُثْبِتُونَ بِهِ فَفَسَّرُوهُ بِغَيْرِ الْمُرَادِ مِنْهُ.

أَوَّلًا: تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى التَّقْدِيرِ بِمَا يَنْقُضُ مَفْهُومَ التَّقْدِيرِ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَائِلُونَ بِالْحِسَابِ.

فَسَّرَ الْأَئِمَّةُ الْأَجِلَّةُ قَوْلَهُ- صلى الله عليه وسلم-: «فَاقْدُرُوا لَهُ» بِتَفْسِيرَيْنِ:

الْأَوَّلُ: حَمْلُ التَّقْدِيرِ عَلَى إِتْمَامِ الشَّهْرِ ثَلَاثِينَ.

الثَّانِي: تَفْسِيرٌ بِمَعْنَى تَضْيِيقِ عَدَدِ أَيَّامِ الشَّهْرِ.

التَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ:

جَاءَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يُصْبِحُ مُفْطِرًا إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ صَاحِيَةً وَصَائِمًا إِذَا كَانَتْ مُغَيِّمَةً لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ قَوْلَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ إِتْمَامُ الشَّهْرِ ثَلَاثِينَ.

وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، فَحَمَلُوا عِبَارَةَ: «فَاقْدُرُوا لَهُ» عَلَى تَمَامِ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا.

وَالْبُخَارِيُّ أَتْبَعَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هُنَا بِرِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ جَاءَ فِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ».وَأَتْبَعَهُ فِي نَفْسِ الْبَابِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أَوْ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ- صلى الله عليه وسلم-: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ».

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قَصَدَ (الْبُخَارِيُّ) بِذَلِكَ بَيَانَ الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ «فَاقْدُرُوا لَهُ»،، وَأَيَّدَ ابْنُ رُشْدٍ تَفْسِيرَ الْبُخَارِيِّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ يَكُونُ بِمَعْنَى التَّمَامِ، وَدَعَّمَ رَأْيَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} أَيْ تَمَامًا.

التَّفْسِيرُ الثَّانِي بِمَعْنَى تَضْيِيقِ عَدَدِ أَيَّامِ الشَّهْرِ:

فَسَّرَ الْقَائِلُونَ بِهِ «اقْدُرُوا لَهُ» بِمَعْنَى ضَيِّقُوا لَهُ الْعَدَدَ مِنْ قوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} وَالتَّضْيِيقُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ شَعْبَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا.وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الرَّأْيِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يُجَوِّزُ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ إِنْ كَانَتِ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً.

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ.

بَيَّنَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّ الْمَنْفِيَّ عَنْهُمُ الْكِتَابُ وَالْحِسَابُ هُمْ أَغْلَبُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الَّذِينَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ تَحْدِيثِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّبِيُّ نَفْسُهُ- عليه الصلاة والسلام-.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: «الْمُرَادُ بِالْحِسَابِ هُنَا حِسَابُ النُّجُومِ وَتَسْيِيرُهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ النَّزْرَ الْيَسِيرَ، فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِالصَّوْمِ وَغَيْرِهِ بِالرُّؤْيَةِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ فِي مُعَانَاةِ حِسَابِ التَّسْيِيرِ، وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ، بَلْ ظَاهِرُ السِّيَاقِ يُشْعِرُ بِنَفْيِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْحِسَابِ أَصْلًا.وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» وَلَمْ يَقُلْ فَسَلُوا أَهْلَ الْحِسَابِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ كَوْنُ الْعَدَدِ عِنْدَ الْإِغْمَاءِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُكَلَّفُونَ فَيَرْتَفِعُ الِاخْتِلَافُ وَالنِّزَاعُ عَنْهُمْ».

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


26-موسوعة الفقه الكويتية (زنى 3)

زِنَى -3

شَهَادَةُ الزَّوْجِ عَلَى الزِّنَى:

36- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالزِّنَى لِلتُّهْمَةِ، إِذْ أَنَّهُ بِشَهَادَتِهِ عَلَيْهَا مُقِرٌّ بِعَدَاوَتِهِ؛ وَلِأَنَّهَا دَعْوَى خِيَانَتِهَا فِرَاشَهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ مَا تُوجِبُ جَرَّ نَفْعٍ، وَالزَّوْجُ مُدْخِلٌ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ لُحُوقَ الْعَارِ وَخُلُوَّ الْفِرَاشِ، خُصُوصًا إِذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ.

وَانْظُرِ الشَّهَادَةَ بِالزِّنَى الْقَدِيمِ، فِي مُصْطَلَحِ (حُدُودٍ ف 24) الْمَوْسُوعَةُ 17/ 137.

وَأَمَّا بَقِيَّةُ مَسَائِلِ الشَّهَادَةِ كَرُجُوعِ الشُّهُودِ، وَظُهُورِ عَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشُّهُودِ، وَاخْتِلَافِ الشُّهُودِ فِي الشَّهَادَةِ، وَتَعَارُضِ الشَّهَادَاتِ، وَأَثَرِ تَعَهُّدِ النَّظَرِ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ، فَتَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ: (شَهَادَةٍ).

ب- الْإِقْرَارُ:

37- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ الزِّنَى بِالْإِقْرَارِ، لِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارَيْهِمَا».وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْإِقْرَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَا يُكْتَفَى بِالْإِقْرَارِ مُرَّةً وَاحِدَةً، وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ اشْتِرَاطَ كَوْنِهَا فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ دُونَ مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَذَلِكَ بِأَنْ يَرُدَّهُ الْقَاضِي كُلَّمَا أَقَرَّ فَيَذْهَبَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ ثُمَّ يَجِيءَ فَيُقِرَّ، وَيَسْتَوِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنْ تَكُونَ الْأَقَارِيرُ الْأَرْبَعَةُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَوْ مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- اكْتَفَى مِنَ الْغَامِدِيَّةِ بِإِقْرَارِهَا مُرَّةً وَاحِدَةً.

وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ أَنْ يَكُونَ مُفَصِّلًا مُبَيِّنًا لِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ لِتَزُولَ التُّهْمَةُ وَالشُّبْهَةُ.«وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِمَاعِزٍ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ؟ قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَنِكْتَهَا؟» لَا يُكَنِّي فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ.وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: «حَتَّى غَابَ ذَلِكَ مِنْكَ فِي ذَلِكَ مِنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ.قَالَ: فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَى؟ قَالَ: نَعَمْ أَتَيْتُ مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ حَلَالًا».

وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (حُدُودٍ) ف 26 الْمَوْسُوعَةُ 17/ 138، وَمُصْطَلَحَ: (إِقْرَارٍ) ف 12 وَمَا بَعْدَهَا، 6/ 49، وَانْظُرْ أَيْضًا الشُّبْهَةَ بِتَقَادُمِ الْإِقْرَارِ، وَالرُّجُوعَ فِي الْإِقْرَارِ فِي مُصْطَلَحِ: (إِقْرَارٍ) ف 57 وَمَا بَعْدَهَا الْمَوْسُوعَةُ 6/ 71

الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ:

38- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِالْبَيِّنَةِ- الشَّهَادَةِ- عَلَى الْإِقْرَارِ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إِقْرَارِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَلَا يُحَدُّ، مِثْلُ الرُّجُوعِ.وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالزِّنَى أَرْبَعًا، يَثْبُتُ الزِّنَى لِوُجُودِ الْإِقْرَارِ بِهِ أَرْبَعًا، وَلَا يَثْبُتُ الْإِقْرَارُ بِالزِّنَى بِدُونِ أَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ مِنَ الرِّجَالِ.فَإِنْ أَنْكَرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ، أَوْ صَدَّقَهُمْ دُونَ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ إِنْكَارَهُ وَتَصْدِيقَهُ دُونَ أَرْبَعٍ رُجُوعٌ عَنْ إِقْرَارِهِ، وَهُوَ مَقْبُولٌ مِنْهُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِالشَّهَادَةِ عَلَى إِقْرَارِهِ.قَالُوا: لَوْ شَهِدُوا عَلَى إِقْرَارِهِ بِالزِّنَى فَقَالَ: مَا أَقْرَرْتُ، أَوْ قَالَ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِإِقْرَارِهِ: مَا أَقْرَرْتُ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ وَالْقَاضِي.

ج- الْقَرَائِنُ:

39- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِعِلْمِ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي، فَلَا يُقِيمَانِهِ بِعِلْمِهِمَا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ مَرْجُوحٍ وَأَبُو ثَوْرٍ: إِلَى ثُبُوتِهِ بِعِلْمِهِ.وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُودٍ) ف 28 الْمَوْسُوعَةُ 17/ 139

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِظُهُورِ الْحَمْلِ وَاللِّعَانِ وَتَفْصِيلُهُ فِيمَا يَلِي:

1- ظُهُورُ الْحَمْلِ:

40- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِظُهُورِ الْحَمْلِ فِي امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا وَأَنْكَرَتِ الزِّنَى؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ إِكْرَاهٍ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ إِلَى عُمَرَ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ وَقَدْ حَمَلَتْ، وَسَأَلَهَا عُمَرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةُ الرَّأْسِ وَقَعَ عَلَيَّ رَجُلٌ وَأَنَا نَائِمَةٌ، فَمَا اسْتَيْقَظْتُ حَتَّى نَزَعَ فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا: إِذَا كَانَ فِي الْحَدِّ «لَعَلَّ» «وَعَسَى» فَهُوَ مُعَطَّلٌ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهَا تُسْأَلُ، وَلَا يَجِبُ سُؤَالُهَا.وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِظُهُورِ حَمْلِ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا، فَتُحَدُّ وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهَا الْغَصْبَ عَلَى ذَلِكَ بِلَا قَرِينَةٍ تَشْهَدُ لَهَا بِذَلِكَ، أَمَّا مَعَ قَرِينَةٍ تُصَدِّقُهَا فَتُقْبَلُ دَعْوَاهَا وَلَا تُحَدُّ، كَأَنْ تَأْتِيَ مُسْتَغِيثَةً مِنْهُ، أَوْ تَأْتِيَ الْبِكْرُ تَدَّعِي عَقِبَ الْوَطْءِ، وَكَذَا لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهَا أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْ مَنِيٍّ شَرِبَهُ فَرْجُهَا فِي الْحَمَّامِ، وَلَا مِنْ وَطْءِ جِنِّيٍّ إِلاَّ لِقَرِينَةٍ مِثْلُ كَوْنِهَا عَذْرَاءَ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْعِفَّةِ.وَالْمُرَادُ بِالزَّوْجِ زَوْجٌ يُلْحَقُ بِهِ الْحَمْلُ فَيَخْرُجُ الْمَجْبُوبُ وَالصَّغِيرُ، أَوْ أَتَتْ بِهِ كَامِلًا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْعَقْدِ فَتُحَدُّ.وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا الْأَمَةُ الَّتِي أَنْكَرَ سَيِّدُهَا وَطْأَهَا فَتُحَدُّ.

2- اللِّعَانُ:

41- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِاللِّعَانِ إِذَا لَاعَنَ الزَّوْجُ وَامْتَنَعَتِ الْمَرْأَةُ عَنْهُ، فَيَثْبُتُ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَى حِينَئِذٍ وَتُحَدُّ، أَمَّا إِذَا لَاعَنَتْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا امْتَنَعَتْ عَنِ اللِّعَانِ لَا حَدَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ زِنَاهَا لَمْ يَثْبُتْ؛ وَلِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَيَحْبِسُهَا الْحَاكِمُ حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (لِعَانٍ).

إِقَامَةُ حَدِّ الزِّنَى:

1- مَنْ يُقِيمُ حَدَّ الزِّنَى:

42- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقِيمُ حَدَّ الزِّنَى عَلَى الْحُرِّ إِلاَّ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُودٍ) ف 36 الْمَوْسُوعَةُ 17/ 144

2- عَلَانِيَةُ الْحَدِّ:

43- اسْتَحَبَّ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُسْتَوْفَى حَدُّ الزِّنَى بِحُضُورِ جَمَاعَةٍ.قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْحُدُودِ الزَّجْرُ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إِلاَّ بِالْحُضُورِ.

وَأَوْجَبَ الْحَنَابِلَةُ حُضُورَ طَائِفَةٍ لِيَشْهَدُوا حَدَّ الزِّنَى.لقوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.

3- كَيْفِيَّةُ إِقَامِهِ الْحَدِّ:

44- سَبَقَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الْجَلْدِ وَالْأَعْضَاءِ الَّتِي لَا تُجْلَدُ، وَبَيَانُ إِذَا كَانَ الْمَحْدُودُ مَرِيضًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ ضَعِيفًا لَا يَحْتَمِلُ الْجَلْدَ.وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (جَلْدٍ) ف 12 الْمَوْسُوعَةُ الْفِقْهِيَّةُ 15/ 247

كَمَا أَنَّ تَفْصِيلَ كَيْفِيَّةِ الرَّجْمِ فِي مُصْطَلَحِ: (رَجْمٍ) ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنْ تَكُونَ الْحِجَارَةُ فِي الرَّجْمِ مُتَوَسِّطَةً كَالْكَفِّ- تَمْلأُ الْكَفَّ- فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْجَمَ بِصَخَرَاتٍ تُذَفِّفُهُ (أَيْ تُجْهِزُ عَلَيْهِ فَوْرًا) فَيَفُوتُ التَّنْكِيلُ الْمَقْصُودُ، وَلَا بِحَصَيَاتٍ خَفِيفَةٍ لِئَلاَّ يَطُولَ تَعْذِيبُهُ، قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَيَخُصُّ بِالرَّجْمِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي هِيَ مَقَاتِلُ مِنَ الظَّهْرِ وَغَيْرِهِ مِنَ السُّرَّةِ إِلَى مَا فَوْقُ، وَيُتَّقَى الْوَجْهُ وَالْفَرْجُ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنْ يَتَّقِيَ الرَّاجِمُ الْوَجْهَ لِشَرَفِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِكَيْفِيَّةِ وُقُوفِ الرَّاجِمِينَ، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُصَفُّوا عِنْدَ الرَّجْمِ كَصُفُوفِ الصَّلَاةِ، كُلَّمَا رَجَمَ قَوْمٌ تَأَخَّرُوا وَتَقَدَّمَ غَيْرُهُمْ فَرَجَمُوا.وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُسَنُّ أَنْ يَدُورَ النَّاسُ حَوْلَ الْمَرْجُومِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ كَالدَّائِرَةِ إِنْ كَانَ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى تَمْكِينِهِ مِنَ الْهَرَبِ، وَلَا يُسَنُّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ زِنَاهُ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَهْرُبَ فَيُتْرَكَ وَلَا يُتَمَّمُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُحِيطُ النَّاسُ بِهِ.

مُسْقِطَاتُ حَدِّ الزِّنَى:

45- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي سُقُوطِ حَدِّ الزِّنَى بِالشُّبْهَةِ، إِذِ الْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ».وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الشُّبْهَةِ ف 14 كَمَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي سُقُوطِ حَدِّ الزِّنَى بِالرُّجُوعِ عَنِ الْإِقْرَارِ إِذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِالْإِقْرَارِ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُودٍ ف 14) الْمَوْسُوعَةُ 17/ 134

كَمَا يَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَى بِرُجُوعِ الشُّهُودِ الْأَرْبَعَةِ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (شَهَادَةٍ).

46- وَيَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَى أَيْضًا بِتَكْذِيبِ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ لِلْآخَرِ لِلْمُقِرِّ بِالزِّنَى مِنْهُمَا، فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنِ الْمُكَذِّبِ فَقَطْ دُونَ الْمُقِرِّ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ مُؤَاخَذَةً بِإِقْرَارِهِ.

وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَى بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَكَذَّبَتْهُ لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ عَنِ الْمُقِرِّ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا الْحَدُّ أَيْضًا لَوْ سَكَتَتْ، أَوْ لَمْ تُسْأَلْ عَنْ ذَلِكَ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى سُقُوطِ الْحَدِّ عَنِ الْمُقِرِّ أَيْضًا، لِانْتِفَاءِ الْحَدِّ عَنِ الْمُنْكِرِ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلنَّفْيِ عَنْهُ، فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْمُقِرِّ، لِأَنَّ الزِّنَى فِعْلٌ وَاحِدٌ يَتِمُّ بِهِمَا.فَإِذَا تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ تَعَدَّتْ إِلَى طَرَفَيْهِ لِأَنَّهُ مَا أُطْلِقَ، بَلْ أَقَرَّ بِالزِّنَى بِمَنْ دَرَأَ الشَّرْعُ الْحَدَّ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَ وَقَالَ: زَنَيْتُ، فَإِنَّهُ لَا مُوجِبَ شَرْعًا يَدْفَعُهُ. وَبَقَاءُ الْبَكَارَةِ مُسْقِطٌ لِحَدِّ الزِّنَى عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، فَإِذَا شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَى فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا عَذْرَاءُ لَمْ تُحَدَّ بِشُبْهَةِ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، حَيْثُ إِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهَا أَنَّهَا لَمْ تُوطَأْ، وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ تَكْفِي شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِعُذْرَتِهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَوْ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ.

47- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا لَوِ ادَّعَى أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ الزَّوْجِيَّةَ، كَأَنْ يُقِرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ حَتَّى كَانَ إِقْرَارُهُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، وَقَالَتْ هِيَ: بَلْ تَزَوَّجَنِي، أَوْ أَقَرَّتْ هِيَ كَذَلِكَ بِالزِّنَى مَعَ فُلَانٍ، وَقَالَ الرَّجُلُ: بَلْ تَزَوَّجْتُهَا.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَهُوَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً.ثُمَّ إِنَّهُ إِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ تَعْظِيمًا لِخَطَرِ الْبُضْعِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْبَيِّنَةِ حِينَئِذٍ عَلَى النِّكَاحِ.فَلَوْ قَالَتِ الْمَرْأَةُ: زَنَيْتُ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ، فَأَقَرَّ بِوَطْئِهَا وَادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَكَذَّبَتْهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ، أَمَّا حَدُّهَا فَظَاهِرٌ لِإِقْرَارِهَا بِالزِّنَى، وَأَمَّا حَدُّهُ فَإِنَّهَا لَمْ تُوَافِقْهُ عَلَى النِّكَاحِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ السَّبَبِ الْمُبِيحِ.قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَا طَارِئَيْنِ وَلَوْ حَصَلَ فُشُوٌّ، وَمِثْلُهُ فِيمَا لَوِ ادَّعَى الرَّجُلُ وَطْءَ امْرَأَةٍ وَأَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ وَوَلِيُّهَا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ، وَلَمَّا طُلِبَتْ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ قَالَا: عَقَدْنَا النِّكَاحَ وَلَمْ نُشْهِدْ وَنَحْنُ نُشْهِدُ الْآنَ- وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فُشُوٌّ يَقُومُ مَقَامَ الْإِشْهَادِ- فَإِنَّ الزَّوْجَيْنِ يُحَدَّانِ لِدُخُولِهِمَا بِلَا إِشْهَادٍ.

وَكَذَا لَوْ وُجِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي بَيْتٍ أَوْ طَرِيقٍ- وَالْحَالُ أَنَّهُمَا غَيْرُ طَارِئَيْنِ- وَأَقَرَّا بِالْوَطْءِ وَادَّعَيَا النِّكَاحَ وَالْإِشْهَادَ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا بِذَلِكَ وَلَا فُشُوَّ يَقُومُ مَقَامَهَا، فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ السَّبَبِ الْمُبِيحِ لِلْوَطْءِ، فَإِنْ حَصَلَ فُشُوٌّ أَوْ كَانَا طَارِئَيْنِ، قُبِلَ قَوْلُهُمَا وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَدَّعِيَا شَيْئًا مُخَالِفًا لِلْعُرْفِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَى عَلَى الْمُقِرِّ فَقَطْ دُونَ مَنِ ادَّعَى الزَّوْجِيَّةَ فَلَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ ذَلِكَ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْهُ؛ وَلِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- مَرْفُوعًا «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» فَإِذَا أَقَرَّتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُطَاوَعَةً عَالِمَةً بِتَحْرِيمِهِ حُدَّتْ وَحْدَهَا، وَلَا مَهْرَ لَهَا مُؤَاخَذَةً لَهَا بِإِقْرَارِهَا.

وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيَّةُ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى الْمُقِرِّ أَيْضًا.فَلَوْ قَالَ: زَنَيْتُ بِفُلَانَةَ، فَقَالَتْ: كَانَ تَزَوَّجَنِي، صَارَ مُقِرًّا بِالزِّنَى وَقَاذِفًا لَهَا، فَيَلْزَمُهُ حَدُّ الزِّنَى وَحَدُّ الْقَذْفِ.

وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اعْتِرَاضَ مِلْكِ النِّكَاحِ أَوْ مِلْكِ الْيَمِينِ مُسْقِطٌ لِحَدِّ الزِّنَى، بِأَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ بِجَارِيَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا- وَهِيَ إِحْدَى ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ عَنْهُ- وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ بُضْعَ الْمَرْأَةِ يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ بِالنِّكَاحِ فِي حَقِّ الِاسْتِمَاعِ، فَحَصَلَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ فَيَصِيرُ شُبْهَةً، كَالسَّارِقِ إِذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَصَلَ زِنًى مَحْضًا لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلًّا غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ فَحَصَلَ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، وَالْعَارِضُ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا يَصْلُحُ مُسْقِطًا لِاقْتِصَارِهِ عَلَى حَالَةِ ثُبُوتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجِدَ لِلْحَالِ، فَلَا يَسْتَنِدُ الْمِلْكُ الثَّابِتُ بِهِ إِلَى وَقْتِ وُجُودِ الْوَطْءِ، فَبَقِيَ الْوَطْءُ خَالِيًا عَنِ الْمِلْكِ فَبَقِيَ زِنًى مَحْضًا لِلْحَدِّ، بِخِلَافِ السَّارِقِ إِذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ لِأَنَّ هُنَاكَ وُجِدَ الْمُسْقِطُ وَهُوَ بُطْلَانُ وِلَايَةِ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ هُنَاكَ شَرْطٌ، وَقَدْ خَرَجَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا بِمِلْكِ الْمَسْرُوقِ، لِذَلِكَ افْتَرَقَا.

وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ أَنَّ اعْتِرَاضَ الشِّرَاءِ يُسْقِطُ وَاعْتِرَاضَ النِّكَاحِ لَا يُسْقِطُ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الْبُضْعَ لَا يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ بِالنِّكَاحِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا إِذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعُقْرُ لَهَا، وَالْعُقْرُ بَدَلُ الْبُضْعِ، وَالْبَدَلُ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ كَانَ لَهُ الْمُبْدَلُ فَلَمْ يَحْصُلِ اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ مِنْ مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ فَلَا يُورِثُ شُبْهَةً، وَبُضْعُ الْأَمَةِ يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى بِالشِّرَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعُقْرُ لِلْمَوْلَى فَحَصَلَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ فَيُورِثُ شُبْهَةً، فَصَارَ كَالسَّارِقِ إِذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ.

48- كَمَا يَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَى فِي الرَّجْمِ خَاصَّةً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَقَطْ بِمَوْتِ الشُّهُودِ أَوْ غَيْبَتِهِمْ أَوْ مَرَضِهِمْ بَعْدَ الشَّهَادَةِ أَوْ قَطْعِ أَيْدِيهِمْ؛ لِأَنَّ الْبِدَايَةَ بِالشُّهُودِ شَرْطُ جَوَازِ الْإِقَامَةِ وَقَدْ فَاتَ بِالْمَوْتِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ، فَسَقَطَ الْحَدُّ ضَرُورَةً.وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُودٍ ف 38) الْمَوْسُوعَةِ الْفِقْهِيَّةِ 17/ 145.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


27-موسوعة الفقه الكويتية (سماع)

سَمَاع

التَّعْرِيفُ:

1- السَّمَاعُ: مَصْدَرُ سَمِعَ، وَسَمِعَ لَهُ يَسْمَعُ سَمْعًا وَسِمْعًا وَسَمَاعًا، وَمِنْ مَعَانِيهِ:

أ- الْإِدْرَاكُ: يُقَالُ: سَمِعَ الصَّوْتَ سَمَاعًا: إِذَا أَدْرَكَهُ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ، فَهُوَ سَامِعٌ، وَمِنْهُ السَّمَاعُ، بِمَعْنَى اسْتِمَاعِ الْغِنَاءِ وَالْآلَاتِ الْمُطْرِبَةِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْغِنَاءِ ذَاتِهِ.

ب- وَمِنْهَا الْإِجَابَةُ: كَمَا فِي أَدْعِيَةِ الصَّلَاةِ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» أَيْ: أَجَابَ مَنْ حَمِدَهُ وَتَقَبَّلَهُ مِنْهُ.

ج- وَمِنْهَا الْفَهْمُ: يُقَالُ: «سَمِعْتُ كَلَامَهُ: إِذَا فَهِمْتَ مَعْنَى لَفْظِهِ».

د- الْقَبُولُ: مِثْلُ: سَمِعَ عُذْرَهُ: إِذَا قَبِلَ، وَسَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ: قَبِلَهَا، وَسَمِعَ الدَّعْوَى: لَمْ يَرُدَّهَا.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الِاسْتِمَاعُ:

2- السَّمَاعُ يَكُونُ بِقَصْدٍ وَبِغَيْرِ قَصْدٍ فِي حِينَ لَا يَكُونُ الِاسْتِمَاعُ إِلاَّ بِقَصْدٍ، وَيَكُونُ السَّمَاعُ اسْمًا لِلْمَسْمُوعِ فَيُقَالُ لِلْغِنَاءِ: سَمَاعٌ.

ب- الْإِنْصَاتُ:

3- الْإِنْصَاتُ هُوَ السُّكُوتُ وَتَرْكُ اللَّغْوِ مِنْ أَجْلِ السَّمَاعِ وَالِاسْتِمَاعِ (ر: اسْتِمَاع)، وَقَدْ أَوْرَدَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَلِمَتَيْنِ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ- جَلَّ ذِكْرُهُ-: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} وَالْمَعْنَى حَسْبَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالتَّفْسِيرِ: «إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَاسْتَمِعُوا إِلَى قِرَاءَتِهِ وَلَا تَتَكَلَّمُوا» كَمَا وَرَدَتَا مَعًا فِي أَحَادِيثَ نَبَوِيَّةٍ كَثِيرَةٍ، وَوَرَدَتَا كَذَلِكَ فِي قَوْلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ- فِيمَا رَوَاهُ مَالِكٌ- إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا.

ج- الْإِصْغَاءُ:

4- هُوَ أَنْ يَجْمَعَ إِلَى حُسْنِ السَّمَاعِ الِاسْتِمَاعَ مُبَالَغَةً فِي الْإِنْصَاتِ، لِمَا تَتَضَمَّنُهُ هَذِهِ الصِّيغَةُ مِنْ دَلَالَةٍ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَمِعَ قَدْ أَمَالَ سَمْعَهُ أَوْ أُذُنَهُ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ أَوْ مَصْدَرِ الصَّوْتِ حَتَّى يَنْقَطِعَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ يَشْغَلُهُ عَنْهُ.

د- الْغِنَاءُ:

5- الْغِنَاءُ بِالْمَدِّ- لُغَةً: صَوْتٌ مُرْتَفِعٌ مُتَوَالٍ، وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْغِنَاءُ- مِنَ الصَّوْتِ مَا طُرِبَ بِهِ.

وَاصْطِلَاحًا: عَرَّفَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي كِتَابِهِ: كَشَّافُ الْقِنَاعِ: أَنَّهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالشِّعْرِ وَمَا يُقَارِبُهُ مِنَ الرَّجَزِ عَلَى نَحْوٍ مَخْصُوصٍ.

فَالْغِنَاءُ نَوْعٌ مِنَ السَّمَاعِ.

وَالتَّغْبِيرُ: ضَرْبٌ مِنَ الْغِنَاءِ يُذَكِّرُ بِالْغَابِرَةِ وَهِيَ الْآخِرَةُ.وَالْمُغَبِّرَةُ قَوْمٌ يُغَبِّرُونَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِدُعَاءٍ وَتَضَرُّعٍ، وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَيْهِمْ هَذَا الِاسْمُ لِتَزْهِيدِهِمُ النَّاسَ فِي الْفَانِيَةِ وَهِيَ الدُّنْيَا وَتَرْغِيبِهِمْ فِي الْبَاقِيَةِ وَهِيَ الْآخِرَةُ، وَهُوَ مِنْ (غَبَرَ) الَّذِي يُسْتَعْمَلُ لِلْبَاقِي كَمَا يُسْتَعْمَلُ لِلْمَاضِي، وَقَدْ كَرِهَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ يُلْهِي عَنِ الْقُرْآنِ وَاعْتَبَرَهُ مِنْ عَمَلِ الزَّنَادِقَةِ، وَقَالَ فِيهِ الشَّيْخُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّهُ مِنْ أَمْثَلِ أَنْوَاعِ السَّمَاعِ وَمَعَ ذَلِكَ كَرِهَهُ الْأَئِمَّةُ، فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ.

الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:

1- حُكْمُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ فِي حَقِّ مَنْ يَسْمَعُ الْأَذَانَ:

6- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مَا عَدَا الْجُمُعَةَ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى وُجُوبِ حُضُورِهَا، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بَلْ هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَذَهَبَ غَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَحُضُورُهَا فَرْضُ عَيْنٍ بِشُرُوطِهِ، وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (صَلَاة الْجَمَاعَةِ، وَصَلَاة الْجُمُعَةِ)

مَا يَقُولُهُ سَامِعُ الْأَذَانِ:

7- يُسَنُّ لِمَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ أَنْ يَقُولَ مِثْلَمَا يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ- عليه الصلاة والسلام- «إِذَا سَمِعْتُمِ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ».

وَفِي رِوَايَةٍ: «إِلاَّ فِي حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَقُولُوا: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ».

فَإِذَا تَمَّ الْأَذَانُ يُسَنُّ لِلسَّامِعِ أَنْ يَطْلُبَ الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ- حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ».وَانْظُرْ (أَذَان).

إِسْمَاعُ الْمُصَلِّي قِرَاءَةَ نَفْسِهِ:

8- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ فِي حَالَةِ الْإِسْرَارِ قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ يُسْمِعُهَا نَفْسَهُ لَوْ كَانَ سَمِيعًا، مِثْلَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي التَّكْبِيرِ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ بِقِرَاءَةٍ.وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي حَالَةِ الْإِسْرَارِ أَنْ يُسْمِعَ الْمُصَلِّي قِرَاءَتَهُ نَفْسَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكْتَفِيَ فِيهَا- عِنْدَهُمْ- بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ بِالْقُرْآنِ دُونَ أَنْ يُلْزَمَ بِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: «تَحْرِيكُ لِسَانِ الْمُسِرِّ فَقَطْ يُجْزِئُهُ، وَلَوْ أَسْمَعَ أُذُنَيْهِ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ.وَلَا يُجْزِئُ مَا دُونَ ذَلِكَ كَالْقِرَاءَةِ بِالْقَلْبِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ شَرْطٌ أَدْنَى فِي صِحَّةِ الْقِرَاءَةِ.قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى مَا قَرَأَ بِهِ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ فِي نَفْسِهِ مَا لَمْ يُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَهُ قِرَاءَةً، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ نُقِلَ عَنْ شُيُوخِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَأَ فَقَرَأَ بِقَلْبِهِ لَمْ يَحْنَثْ.وَأَنَّ الْجُنُبَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ بِقَلْبِهِ مَا لَمْ يُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَهُ».

أَمَّا حَالَةُ الْجَهْرِ- فَإِنَّ أَدْنَى مَا يُطْلَبُ مِنَ الْمُصَلِّي فِيهَا أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ وَلَا حَدَّ لِأَعْلَاهُ خَاصَّةً إِذَا كَانَ إِمَامًا إِذْ عَلَيْهِ أَنْ يُبَالِغَ فِي رَفْعِ صَوْتِهِ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ الْمَأْمُومِينَ لِأَنَّهُمْ مُطَالَبُونَ بِالِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ لَهُ دُونَ الْقِرَاءَةِ.

وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (صَلَاة الْجَمَاعَةِ).

أَمَّا الْمَرْأَةُ فَدُونَ الرَّجُلِ فِي الْجَهْرِ إِذْ عَلَيْهَا أَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا خَاصَّةً مِثْلَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي حَقِّهَا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّلْبِيَةِ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ أَعْلَى جَهْرِهَا وَأَدْنَاهُ وَاحِدًا فَيَسْتَوِي فِي حَقِّهَا الْحَالَتَانِ.

سَمَاعُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لِمَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ:

9- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، إِلَى وُجُوبِ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ لِمَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ.

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ.وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ.

انْظُرْ: مُصْطَلَحَيْ (اسْتِمَاع، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ).

السُّجُودُ لِسَمَاعِ آيِ السَّجْدَةِ:

10- يَتَرَتَّبُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ عَلَى اسْتِمَاعِ آيَةٍ مِنْ آيَاتِهِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي حُكْمِهِ.

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (سُجُود التِّلَاوَةِ).

سَمَاعُ الدَّعْوَى:

11- سَمَاعُ الدَّعْوَى- فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ- لَا يَكُونُ إِلاَّ مِنَ الْقَاضِي أَوْ مِمَّنْ يَقُومُ مَقَامَهُ.وَهُمْ يُرِيدُونَ بِهَذَا السَّمَاعِ أَمْرَيْنِ مُتَتَالِيَيْنِ:

الْأَوَّلُ: الْإِنْصَاتُ وَالْإِصْغَاءُ إِلَيْهَا لِاسْتِيعَابِهَا وَإِدْرَاكِ خَفَايَاهَا عِنْدَ رَفْعِهَا إِلَيْهِ مِنَ الْمُدَّعِي أَوْ وَكِيلِهِ حَيْثُ نَصُّوا عَلَى أَنَّ السَّمَاعَ هُنَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَامِلًا شَامِلًا مُحَصِّلًا لِلْفَهْمِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فِي رِسَالَةِ الْقَضَاءِ الْمَشْهُورَةِ، حِينَ قَالَ: فَافْهَمْ إِذَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ إِذْ لَا يَتَمَكَّنُ أَيُّ حَاكِمٍ مَهْمَا كَانَتْ دَرَجَتُهُ مِنَ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ إِلاَّ بِنَوْعَيْنِ مِنَ الْفَهْمِ.

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: فَهْمُ الدَّعْوَى الَّتِي عُرِضَتْ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ الْقَيِّمِ بِفَهْمِ الْوَاقِعِ وَالْفِقْهِ فِيهِ.

الثَّانِي: فَهْمُ الْوَاجِبِ فِي الْوَاقِعِ وَهُوَ فَهْمُ حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي ذَلِكَ الْوَاقِعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ.

وَقَدْ حَرَصَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَوْفِيرِ كُلِّ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُسَاعِدَ عَلَى سَلَامَةِ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ مَرْحَلَةِ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَفَهْمِهَا فَنَبَّهُوا:

أَوَّلًا: إِلَى أَنَّ سَلَامَةَ السَّمْعِ وَالنُّطْقِ مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَتَوَافَرَ فِي الْقَاضِي لِاسْتِمْرَارِ وِلَايَتِهِ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَثَانِيًا: إِلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ- إِذَا لَمْ يُدْرِكْ كَلَامَ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ- أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْإِعَادَةِ حَتَّى يَفْهَمَ عَنْهُ مَا يَقُولُ فَهْمًا كَافِيًا.

وَأَخِيرًا أَكَّدُوا عَلَى تَجَنُّبِ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَشْغَلَ السَّامِعَ عَنِ الْمُتَابَعَةِ وَالِانْتِبَاهِ وَحُضُورِ الْقَلْبِ وَاسْتِصْفَاءِ الْفِكْرِ كَالْغَضَبِ وَالْجُوعِ الْمُفْرِطِ وَالْعَطَشِ الشَّدِيدِ وَالْأَلَمِ الْمُزْعِجِ وَمُدَافَعَةِ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ، وَشِدَّةِ النُّعَاسِ، وَالْحُزْنِ وَالْفَرَحِ وَمَا إِلَيْهَا.وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُهُ- عليه الصلاة والسلام-: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي أَوْ لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- فِي رِسَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ: إِيَّاكَ وَالْغَضَبَ وَالْقَلَقَ وَالضَّجَرَ وَالتَّأَذِّي بِالنَّاسِ وَالتَّنَكُّرَ لَهُمْ عِنْدَ الْخُصُومَةِ.

الْأَمْرُ الثَّانِي: قَبُولُ الدَّعْوَى مِنَ الْمُدَّعِي يُقَالُ: سَمِعَ الْقَاضِي دَعْوَى فُلَانٍ: إِذَا قَبِلَهَا، وَيُقَالُ: لَمْ يَسْمَعْهَا: إِذَا رَدَّهَا، كَمَا يُقَالُ: هَذِهِ دَعْوَى مَسْمُوعَةٌ؛ أَيْ: مُسْتَجْمِعَةٌ لِشُرُوطِ الْقَبُولِ، وَتِلْكَ دَعْوَى غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ؛ أَيْ: أَنَّهَا لَمْ تَسْتَكْمِلْ مَا يُطْلَبُ لِسَمَاعِهَا.

وَقَدْ عَرَّفَ الْفُقَهَاءُ الدَّعْوَى بِتَعْرِيفَاتٍ مُتَقَارِبَةٍ يَدْعَمُ بَعْضُهَا الْبَعْضَ وَيَشْرَحُهُ.

وَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ ذِكْرُهُ هُنَا أَنَّ الدَّعْوَى- مَهْمَا كَانَ نَوْعُهَا- لَا يُتَّجَهُ سَمَاعُهَا وَلَا يَتَحَتَّمُ إِلاَّ فِي حَالَتَيْنِ:

الْأُولَى: أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً مُسْتَجْمِعَةً لِشُرُوطِهَا.

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ مَدْعُومَةً بِبَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ تَشْهَدُ بِصِدْقِ دَعْوَى الْمُدَّعِي.

وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (دَعْوَى).

فَسَمَاعُ الدَّعْوَى فِي الْحَالَةِ الْأُولَى يُوجِبُ لِلْمُدَّعِي طَلَبَ الْجَوَابِ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ حَمْلِهِ عَلَى الْيَمِينِ إِنْ أَنْكَرَ، وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يُوجِبُ سَمَاعُهَا الْحُكْمَ لِلْمُدَّعِي بِمُقْتَضَى الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَهَا.

سَمَاعُ الشَّهَادَةِ:

12- الشَّهَادَةُ لَا تَجُوزُ إِلاَّ بِمَا عَلِمَهُ الشَّاهِدُ لقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.وَقَوْلِهِ- جَلَّ ذِكْرُهُ-: {إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ إِخْوَةِ يُوسُفَ: {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} وَقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلاَّ فَدَعْ».

وَالْعِلْمُ الَّذِي تَقَعُ بِهِ الشَّهَادَةُ يَحْصُلُ بِطَرِيقَتَيْنِ:

أ- الرُّؤْيَةُ:

وَتَكُونُ فِي الْأَفْعَالِ كَالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ وَالْإِكْرَاهِ وَنَحْوِهَا، كَمَا تَكُونُ فِي الصِّفَاتِ الْمَرْئِيَّةِ مِثْلِ الْعُيُوبِ فِي الْمَبِيعِ وَالْمُؤَجَّرِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ.

ب- السَّمَاعُ: وَهُوَ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: سَمَاعُ الصَّوْتِ مِنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي الْأَقْوَالِ سَوَاءٌ أَكَانَ السَّامِعُ مُبْصِرًا أَمْ غَيْرَ مُبْصِرٍ مِثْلُ مَا يَقَعُ بِهِ إِبْرَامُ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالسَّلَمِ وَالرَّهْنِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى سَمَاعِ كَلَامِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، إِذَا عَرَفَهَا السَّامِعُ وَتَيَقَّنَ أَنَّهَا مَصْدَرُ مَا سَمِعَ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (شَهَادَة).

الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ (التَّسَامُعُ):

13- وَهِيَ: الشَّهَادَةُ الَّتِي يَكُونُ طَرِيقُهَا حَاسَّةَ السَّمْعِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ.

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (شَهَادَة).

سَمَاعُ الْغِنَاءِ وَالْمُوسِيقَى:

14- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ سَمَاعِ الْغِنَاءِ وَالْمُوسِيقَى عَلَى مَذَاهِبَ تُنْظَرُ فِي (اسْتِمَاع، غِنَاء، مَعَازِف).

حُكْمُ سَمَاعِ صَوْتِ الْمَرْأَةِ:

15- سَامِعُ صَوْتِ الْمَرْأَةِ إِنْ كَانَ يَتَلَذَّذُ بِهِ أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ فِتْنَةً حَرُمَ عَلَيْهِ اسْتِمَاعُهُ وَإِلاَّ فَلَا.

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (اسْتِمَاع).

حُكْمُ سَمَاعِ الْقُرْآنِ:

16- اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ عِنْدَ تِلَاوَتِهِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وَلِاسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ آدَابٌ وَأَحْكَامٌ مُبَيَّنَةٌ تَفْصِيلًا فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِمَاع، تِلَاوَة، قُرْآن).

حُكْمُ سَمَاعِ الْحَدِيثِ:

17- إِنَّ سَمَاعَ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ وَطَلَبَ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَإِتْقَانَ ذَلِكَ وَضَبْطَهُ وَحِفْظَهُ وَوَعْيَهُ هُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ الَّتِي تَعَبَّدَنَا اللَّهُ بِهَا مُتَلَقَّاةٌ مِنْ نَبِيِّنَا- صلى الله عليه وسلم- بِصِفَتِهِ مُبَلِّغًا مَا نَزَّلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ وَحْيٍ مَتْلُوٍّ مُعْجِزِ النِّظَامِ وَهُوَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، وَوَحْيٍ مَرْوِيٍّ لَيْسَ بِمُعْجِزٍ وَلَا مَتْلُوٍّ وَلَكِنَّهُ مَقْرُوءٌ مَسْمُوعٌ وَهُوَ مَا وَرَدَ عَنْهُ فِي الْأَحَادِيثِ وَالْأَخْبَارِ.

وَمُهِمَّةُ جَمْعِهِ وَتَحْصِيلِهِ قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَى كَوَاهِلِ الْأُمَّةِ وَخَاصَّةً أَعْلَامَهَا وَذَوِي الْقُدْرَةِ مِنْ أَبْنَائِهَا، وَلَا يَتِمُّ لَهُمْ ذَلِكَ إِلاَّ بِالسَّمَاعِ وَالتَّقْيِيدِ وَالْحِفْظِ وَالتَّدْوِينِ.

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ».

وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ».

وَحَثَّ- عليه الصلاة والسلام- عَلَى اعْتِمَادِ هَذَا الطَّرِيقِ أَخْذًا وَعَطَاءً فَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ-: «تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ وَيُسْمَعُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْكُمْ».

وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي الْحَدِيثَيْنِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ يُرَادُ لِلْعِلْمِ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ وَالْحِفْظُ وَالْعَمَلُ وَالنَّشْرُ.

وَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى اعْتِبَارِ التَّمْيِيزِ فِي سَمَاعِ الْحَدِيثِ، فَإِنْ فَهِمَ الْخِطَابَ وَرَدَّ الْجَوَابَ كَانَ مُمَيِّزًا صَحِيحَ السَّمَاعِ وَإِلاَّ فَلَا، وَهُوَ رَأْيُ أَغْلَبِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ مُوسَى بْنُ هَارُونَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.

وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ أَهْلَ الصَّنْعَةِ حَدَّدُوا أَوَّلَ زَمَنٍ يَصِحُّ فِيهِ السَّمَاعُ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَعَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ الْعَمَلُ.اعْتِمَادًا عَلَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ: «عَقَلْتُ مِنَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي مِنْ دَلْوٍ مِنْ بِئْرٍ كَانَتْ فِي دَارِنَا وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ».وَلَعَلَّهُمْ رَأَوْا هَذَا التَّحْدِيدَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَدْنَى مَا يَحْصُلُ فِيهِ ضَبْطُ مَا يَسْمَعُ وَإِلاَّ فَمَرَدُّ ذَلِكَ لِلْعَادَةِ وَحْدَهَا؛ إِذِ الْأَمْرُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اسْتِعْدَادِ الْأَشْخَاصِ لِلْأَخْذِ وَالتَّلَقِّي كَمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ طُرُقِ التَّحَمُّلِ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ ضَبَطَهَا أَهْلُ الرِّوَايَةِ فِي ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ، أَوَّلُهَا: سَمَاعُ الْحَدِيثِ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ وَهُوَ أَرْفَعُ الْأَقْسَامِ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَدْنَاهَا الْوِجَادَةُ.

أَمَّا السِّنُّ الَّذِي يُسْتَحَبُّ فِيهِ أَنْ يَبْتَدِئَ الطَّالِبُ لِسَمَاعِ الْحَدِيثِ فَقِيلَ ثَلَاثُونَ سَنَةً وَقِيلَ عِشْرُونَ، وَعَلَيْهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي سَمَاعِ الْحَدِيثِ أَنْ يَتَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ أَهْلِهِ وَأَنْ يَلْتَزِمَ بِزِيِّهِمْ وَيَتَأَدَّبَ بِأَدَبِهِمْ وَأَنْ يَلْزَمَ الْوَقَارَ وَالسَّكِينَةَ وَالْمُوَاظَبَةَ فِي طَلَبِهِ وَإِخْلَاصَ النِّيَّةِ فِيهِ وَالتَّوَاضُعَ لِمَنْ يَأْخُذُ عَنْهُ وَالصَّبْرَ عَلَى مَا يَلْقَاهُ فِي سَبِيلِهِ وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا يُسَاعِدُ عَلَى الِاسْتِفَادَةِ وَالْإِفَادَةِ وَيُيَسِّرُ التَّحَمُّلَ وَالتَّحْمِيلَ.

سَمَاعُ اللَّغْوِ:

18- اللَّغْوُ مِنَ الْكَلَامِ: - مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ إِمَّا لِأَنَّهُ يُورَدُ ارْتِجَالًا عَنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ وَدُونَ تَثَبُّتٍ وَتَفْكِيرٍ فَيَجْرِي مَجْرَى اللَّغَا الَّذِي يُطْلَقُ عَلَى صَوْتِ الْعَصَافِيرِ وَنَحْوِهَا مِنَ الطُّيُورِ.

وَإِمَّا لِأَنَّهُ يُورَدُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَيُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنِ الصَّوَابِ كَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ.أَوْ كَمَنْ دَعَا لِأَهْلِ الدُّنْيَا فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ.وَقَدْ يُطْلَقُ اللَّغْوُ عَلَى كُلِّ كَلَامٍ قَبِيحٍ بَاطِلٍ، كَالْخَوْضِ فِي الْمَعَاصِي، وَالسَّبِّ، وَالشَّتْمِ، وَالرَّفَثِ، وَمَا إِلَيْهَا.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}.أَيْ: كَنُّوا عَنِ الْقَبِيحِ وَتَعَفَّفُوا عَنِ التَّصْرِيحِ بِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: إِذَا صَادَفُوا أَهْلَ اللَّغْوِ لَمْ يَخُوضُوا مَعَهُمْ فِي بَاطِلِهِمْ أَوْ فِي سَقَطِ كَلَامِهِمْ.

وَمَا دَامَ اللَّغْوُ بِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَجْلِبُ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ إِثْمًا، وَلَا يَتَّصِلُ بِقَصْدٍ صَحِيحٍ، فَإِنَّ سَمَاعَهُ كَالْخَوْضِ فِيهِ لَا يَخْرُجُ حُكْمُهُ عَنِ الْحَظْرِ وَالْكَرَاهَةِ، تَبَعًا لِشِدَّةِ اتِّصَالِهِ بِالْمَفَاسِدِ، وَانْفِكَاكِهِ عَنْهَا.

وَالْمُؤْمِنُونَ مُطَالَبُونَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ، وَالْإِحْجَامِ عَنْ سَمَاعِهِ، وَالْخَوْضِ فِيهِ إِطْلَاقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ وَلَا يَتَنَاسَبُ- فِي أَقَلِّ صُوَرِهِ- مَعَ جِدِّهِمْ وَكَمَالِ نُفُوسِهِمْ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَاَلَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}.

وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ فِي صِفَتِهِمْ: {وَاَلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}.وَقَالَ: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}.

- رحمهم الله-

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


28-موسوعة الفقه الكويتية (شهادة 1)

شَهَادَةٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- مِنْ مَعَانِي الشَّهَادَةِ فِي اللُّغَةِ: الْخَبَرُ الْقَاطِعُ، وَالْحُضُورُ وَالْمُعَايَنَةُ وَالْعَلَانِيَةُ، وَالْقَسَمُ، وَالْإِقْرَارُ، وَكَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَالْمَوْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.يُقَالُ: شَهِدَ بِكَذَا إِذَا أَخْبَرَ بِهِ وَشَهِدَ كَذَا إِذَا حَضَرَهُ، أَوْ عَايَنَهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَقَدْ يُعَدَّى الْفِعْلُ (شَهِدَ) بِالْهَمْزَةِ، فَيُقَالُ: أَشْهَدْتُهُ الشَّيْءَ إِشْهَادًا، أَوْ بِالْأَلِفِ، فَقَالَ: شَاهَدْتُهُ مُشَاهَدَةً، مِثْلُ عَايَنْتُهُ وَزْنًا وَمَعْنًى.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْحُضُورِ: قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: «وَشَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ».

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْمُعَايَنَةِ: قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}.

قَالَ الرَّاغِبُ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ مَعْنَاهَا: «وَقَوْلُهُ: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ}، يَعْنِي مُشَاهَدَةَ الْبَصَرِ».

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْقَسَمِ أَوِ الْيَمِينِ: قوله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}.

قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: «الشَّهَادَةُ مَعْنَاهَا الْيَمِينُ هَاهُنَا».

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ الْقَاطِعِ: قوله تعالى: {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا}.

وَاسْتِعْمَالُهَا بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ.

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْإِقْرَارِ: قوله تعالى: {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} أَيْ مُقِرِّينَ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْسِ هِيَ الْإِقْرَارُ.

وَتُطْلَقُ الشَّهَادَةُ أَيْضًا عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ. (وَهِيَ قَوْلُنَا: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) وَتُسَمَّى الْعِبَارَةُ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) بِالشَّهَادَتَيْنِ.

وَمَعْنَاهُمَا هُنَا مُتَفَرِّعٌ عَنْ مَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ (الْإِخْبَارُ وَالْإِقْرَارُ)، فَإِنْ مَعْنَى الشَّهَادَةِ هُنَا هُوَ الْإِعْلَامُ وَالْبَيَانُ لِأَمْرٍ قَدْ عُلِمَ وَالْإِقْرَارُ الِاعْتِرَافُ بِهِ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ: «أَعْلَمُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.وَأُبَيِّنُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَعْلَمُ وَأُبَيِّنُ أَنَّ مُحَمَّدًا مُبَلِّغٌ لِلْأَخْبَارِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ » وَسُمِّيَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِالتَّشَهُّدِ، وَهُوَ صِيغَةُ (تَفَعَّلَ) مِنَ الشَّهَادَةِ.

وَقَدْ يُطْلَقُ (التَّشَهُّدُ) عَلَى (التَّحِيَّاتِ) الَّتِي تُقْرَأُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ.

جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ.- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُعَلِّمُهُمُ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ».

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْعَلَانِيَةِ: قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ: «السِّرُّ وَالْعَلَانِيَةُ».

وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}.

فَهُوَ شَهِيدٌ قَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ الشَّهَادَةَ، جَمْعُهُ شُهَدَاءُ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ الْفِقْهِيِّ: اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي الْإِخْبَارِ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى النَّفْسِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ).

وَاسْتَعْمَلُوا اللَّفْظَ فِي الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَبَيَانُهُ فِي مُصْطَلَحِ (شَهِيدٌ).

وَاسْتَعْمَلُوهُ فِي الْقَسَمِ كَمَا فِي اللِّعَانِ، (وَبَيَانُهُ فِي اللِّعَانِ).

كَمَا اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي الْإِخْبَارِ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ مَوْضُوعُ الْبَحْثِ فِي هَذَا الْمُصْطَلَحِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِ الشَّهَادَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى.

فَعَرَّفَهَا الْكَمَالُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا: إِخْبَارُ صِدْقٍ لِإِثْبَاتِ حَقٍّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ.

وَعَرَّفَهَا الدَّرْدِيرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: بِأَنَّهَا إِخْبَارُ حَاكِمٍ مِنْ عِلْمٍ لِيَقْضِيَ بِمُقْتَضَاهُ.

وَعَرَّفَهَا الْجَمَلُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا: إِخْبَارٌ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ بِلَفْظِ أَشْهَدُ.

وَعَرَّفَهَا الشَّيْبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهَا: الْإِخْبَارُ بِمَا عَلِمَهُ بِلَفْظِ أَشْهَدُ أَوْ شَهِدْتُ.

وَتَسْمِيَتُهَا بِالشَّهَادَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ، لِأَنَّ الشَّاهِدَ يُخْبِرُ عَنْ مَا شَاهَدَهُ وَالْإِشَارَةُ إِلَيْهَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- الرَّجُلُ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ لَا تَشْهَدْ إِلاَّ عَلَى مَا يُضِيءُ لَكَ كَضِيَاءِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْسِ».

وَتُسَمَّى «بَيِّنَةً» أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تُبَيِّنُ مَا الْتَبَسَ وَتَكْشِفُ الْحَقَّ فِي مَا اخْتُلِفَ فِيهِ.

وَهِيَ إِحْدَى الْحُجَجِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الدَّعْوَى.

أَلْفَاظٌ ذَاتُ صِلَةٍ:

الْإِقْرَارُ:

2- الْإِقْرَارُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: الْإِخْبَارُ عَنْ ثُبُوتِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْمُخْبِرِ.

الدَّعْوَى:

3- الدَّعْوَى: قَوْلٌ مَقْبُولٌ عِنْدَ الْقَاضِي يُقْصَدُ بِهِ طَلَبُ حَقٍّ قِبَلِ الْغَيْرِ أَوْ دُفْعُ الْخَصْمِ عَنْ حَقِّ نَفْسِهِ.

فَيَجْمَعُ كُلًّا مِنَ الْإِقْرَارِ وَالدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، أَنَّهَا إِخْبَارَاتٌ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا: أَنَّ الْإِخْبَارَ إِنْ كَانَ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ عَلَى الْمُخْبِرِ، وَيَقْتَصِرُ حُكْمُهُ عَلَيْهِ فَإِقْرَارٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَصِرْ، فَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُخْبِرِ فِيهِ نَفْعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ الشَّهَادَةُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُخْبِرِ نَفْعٌ فِيهِ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ بِحَقٍّ لَهُ فَهُوَ الدَّعْوَى، انْظُرْ: الْمَوْسُوعَةَ الْفِقْهِيَّةَ مُصْطَلَحَ (إِقْرَارٌ) (6 67).

الْبَيِّنَةُ:

4- الْبَيِّنَةُ: عَرَّفَهَا الرَّاغِبُ بِأَنَّهَا: الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَقْلِيَّةً أَوْ مَحْسُوسَةً.وَعَرَّفَهَا الْمَجْدَوِيُّ الْبَرَكَتِيُّ بِأَنَّهَا: الْحُجَّةُ الْقَوِيَّةُ وَالدَّلِيلُ.وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْبَيِّنَةُ فِي الشَّرْعِ: اسْمٌ لِمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ وَيُظْهِرُهُ.وَهِيَ تَارَةً تَكُونُ أَرْبَعَةَ شُهُودٍ، وَتَارَةً ثَلَاثَةً بِالنَّصِّ فِي بَيِّنَةِ الْمُفَلِّسِ، وَتَارَةً شَاهِدَيْنِ وَشَاهِدًا وَاحِدًا وَامْرَأَةً وَاحِدَةً وَنُكُولًا وَيَمِينًا أَوْ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ، وَتَكُونُ شَاهِدَ الْحَالِ (أَيِ الْقَرَائِنَ) فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ.

وَبِذَلِكَ تَكُونُ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَذَا أَعَمَّ مِنَ الشَّهَادَةِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ.

5- تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، لقوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}.وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} وَقَوْلُهُ: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}.

وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ أَمَانَةٌ فَلَزِمَ أَدَاؤُهَا كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ.فَإِذَا قَامَ بِهَا الْعَدَدُ الْكَافِي (كَمَا سَيَأْتِي) سَقَطَ الْإِثْمُ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنِ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ أَثِمُوا كُلُّهُمْ.

وَإِنَّمَا يَأْثَمُ الْمُمْتَنِعُ إِذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالشَّهَادَةِ، وَكَانَتْ شَهَادَتُهُ تَنْفَعُ.

فَإِذَا تَضَرَّرَ فِي التَّحَمُّلِ أَوِ الْأَدَاءِ، أَوْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ لَا تَنْفَعُ، بِأَنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، أَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّبَذُّلِ فِي التَّزْكِيَةِ وَنَحْوِهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، لقوله تعالى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ}.وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».

وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ.وَقَدْ يَكُونُ تَحَمُّلُهَا وَأَدَاؤُهَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَرْضًا عَيْنِيًّا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُ ذَلِكَ الْعَدَدِ مِنَ الشُّهُودِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْحُكْمُ، وَخِيفَ ضَيَاعُ الْحَقِّ.

وَهَذَا الْحُكْمُ هُوَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ، أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ فَتُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ أَدَاءٌ ف 26 ح 2 ص 340 لِبَيَانِ الْخِلَافِ فِي أَفْضَلِيَّةِ الشَّهَادَةِ أَوِ السَّتْرِ.

مَشْرُوعِيَّةُ الشَّهَادَةِ:

6- ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَّا الْكِتَابُ.فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}.

وَقَوْلُهُ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}.

وَقَوْلُهُ: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ}.

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ».

وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى Cالْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ».وَالْبَيِّنَةُ هِيَ الشَّهَادَةُ.

«قَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا لِإِثْبَاتِ الدَّعَاوَى».

أَمَّا الْمَعْقُولُ: فَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهَا لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ بَيْنَ النَّاسِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا.

أَرْكَانُ الشَّهَادَةِ:

7- أَرْكَانُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خَمْسَةُ أُمُورٍ: الشَّاهِدُ، وَالْمَشْهُودُ لَهُ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَالْمَشْهُودُ بِهِ، وَالصِّيغَةُ.

وَرُكْنُهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: اللَّفْظُ الْخَاصُّ، وَهُوَ لَفْظُ (أَشْهَدُ) عِنْدَهُمْ.

سَبَبُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ:

8- سَبَبُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ طَلَبُ الْمُدَّعِي الشَّهَادَةَ مِنَ الشَّاهِدِ، أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّ الْمُدَّعِي إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمُدَّعِي كَوْنَهُ شَاهِدًا.

حُجِّيَّةُ الشَّهَادَةِ:

9- الشَّهَادَةُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ تُظْهِرُ الْحَقَّ وَلَا تُوجِبُهُ.وَلَكِنْ تُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِمُقْتَضَاهَا.لِأَنَّهَا إِذَا اسْتَوْفَتْ شُرُوطَهَا مُظْهِرَةٌ لِلْحَقِّ وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ بِالْحَقِّ.

(شُرُوطُ الشَّهَادَةِ:

10- لِلشَّهَادَةِ نَوْعَانِ مِنَ الشُّرُوطِ:

شُرُوطُ تَحَمُّلٍ.

وَشُرُوطُ أَدَاءً.

فَأَمَّا شُرُوطُ التَّحَمُّلِ: فَمِنْهَا:

11- أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَاقِلًا وَقْتَ التَّحَمُّلِ، فَلَا يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ؛ لِأَنَّ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ عِبَارَةٌ عَنْ فَهْمِ الْحَادِثَةِ وَضَبْطِهَا، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلاَّ بِآلَةِ الْفَهْمِ وَالضَّبْطِ، وَهِيَ الْعَقْلُ.

12- أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا، فَلَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ مِنَ الْأَعْمَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى صِحَّةِ تَحَمُّلِهِ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ Cالتَّسَامُعُ إِذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ وَقَطَعَ بِأَنَّهُ صَوْتُ فُلَانٍ.

13- أَنْ يَكُونَ التَّحَمُّلُ عَنْ عِلْمٍ، أَوْ عَنْ مُعَايَنَةٍ لِلشَّيْءِ الْمَشْهُودِ بِهِ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ: لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: ذُكِرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «الرَّجُلُ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، لَا تَشْهَدْ إِلاَّ عَلَى مَا يُضِيءُ لَكَ كَضِيَاءِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْسِ».

وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْعِلْمِ، أَوِ الْمُعَايَنَةِ، إِلاَّ فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ، كَالنِّكَاحِ، وَالنَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ.أَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَتُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُعَايَنَةُ.

وَنَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا رَآهُ مِنْ خَطِّ نَفْسِهِ إِلاَّ إِذَا تَذَكَّرَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنَ مِنْهُ، لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَالْخَتْمَ يُشْبِهُ الْخَتْمَ، كَثِيرًا مَا يَقَعُ التَّزْوِيرُ، فَلَا مُعَوَّلَ إِلاَّ عَلَى التَّذَكُّرِ.

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى جَوَازِ شَهَادَتِهِ عَلَى مَا يَجِدُهُ مِنْ خَطِّ نَفْسِهِ.وَعَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَاضِي يَجِدُ فِي دِيوَانِهِ شَيْئًا لَا يَحْفَظُهُ، كَإِقْرَارِ رَجُلٍ أَوْ شَهَادَةِ شُهُودٍ، أَوْ صُدُورِ حُكْمٍ مِنْهُ وَقَدْ خُتِمَ بِخَتْمِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِهِ.

14- وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّحَمُّلِ: الْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْعَدَالَةُ، حَتَّى لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ وَقْتَ التَّحَمُّلِ صَبِيًّا عَاقِلًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ كَافِرًا، أَوْ فَاسِقًا، ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَأُعْتِقَ الْعَبْدُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَتَابَ الْفَاسِقُ، فَشَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ.

15- وَأَمَّا شُرُوطُ الْأَدَاءِ: فَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الشَّاهِدِ.

وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الشَّهَادَةِ.

وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْمَشْهُودِ بِهِ.

وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى النِّصَابِ (أَيْ عَدَدِ الشُّهُودِ).

أَوَّلًا: مَا يَرْجِعُ إِلَى الشَّاهِدِ:

أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ، وَذَلِكَ بِتَوَفُّرِ شُرُوطِهَا فِيهِ.وَمِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ:

(1) - الْبُلُوغُ:

16- فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْأَطْفَالِ وَالصِّبْيَانِ لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}.

وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنَ الرِّجَالِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ».وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُؤْمَنْ عَلَى حِفْظِ أَمْوَالِهِ، فَلأَنْ لَا يُؤْمَنَ عَلَى حِفْظِ حُقُوقِ غَيْرِهِ أَوْلَى.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا، وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ: أَنْ يَتَّفِقُوا فِي شَهَادَتِهِمْ، وَأَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ، وَاخْتُلِفَ فِي إِنَاثِهِمْ.

(2) - الْعَقْلُ:

17- فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ غَيْرِ الْعَاقِلِ إِجْمَاعًا، لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُهُ وَلَا يَصِفُهُ.

وَسَوَاءٌ أَذَهَبَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ سُكْرٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَصِّلٍ وَلَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ: «وَلِأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِكَذِبِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا يُتَحَرَّزُ مِنْهُ»

(3) - الْحُرِّيَّةُ:

18- فَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، كَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ، إِذْ فِي، الشَّهَادَاتِ نُفُوذُ قَوْلٍ عَلَى الْغَيْرِ، وَهُوَ نَوْعُ وِلَايَةٍ؛ وَلِأَنَّ مَنْ فِيهِ رِقٌّ مُشْتَغِلٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ.

(وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: رِقٌّ ج 23 ص 81).

(4) - الْبَصَرُ:

19- فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْأَعْمَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُطْلَقًا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِي الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ الْعِلْمِ بِهَا الْبَصَرُ، وَكَذَا فِي الْأَقْوَالِ إِلاَّ فِيمَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَنَدُهَا السَّمَاعُ وَلَيْسَ الرُّؤْيَةَ، وَإِلاَّ فِي التَّرْجَمَةِ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ يُفَسِّرُ مَا سَمِعَهُ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الْأَقْوَالِ دُونَ الْأَفْعَالِ فِيمَا لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَقْوَالِ إِذَا كَانَ فَطِنًا، وَلَا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْأَصْوَاتُ، وَتَيَقَّنَ الْمَشْهُودَ لَهُ، وَالْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى إِذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ لِأَنَّهُ رَجُلٌ عَدْلٌ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَالْبَصِيرِ؛ وَلِأَنَّ السَّمْعَ أَحَدُ الْحَوَاسِّ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْيَقِينُ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَنْ أَلِفَهُ الْأَعْمَى، وَكَثُرَتْ صُحْبَتُهُ لَهُ، وَعَرَفَ صَوْتَهُ يَقِينًا، فَيَجِبُ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ، فِيمَا تَيَقَّنَهُ كَالْبَصِيرِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى إِنْكَارِ حُصُولِ الْيَقِينِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ.

وَذَهَبَ زُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) إِلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ إِلَى السَّمَاعِ، وَلَا خَلَلَ فِيهِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْأَعْمَى لَوْ تَحَمَّلَ شَهَادَةً تَحْتَاجُ إِلَى الْبَصَرِ، وَهُوَ بَصِيرٌ، ثُمَّ عَمِيَ فَإِنْ تَحَمَّلَ عَلَى رَجُلٍ مَعْرُوفٍ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ يُقِرُّ لِرَجُلٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بَعْدَمَا عَمِيَ، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ تَيَقَّنَ صَوْتَهُ لِكَثْرَةِ إِلْفِهِ لَهُ صَحَّ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ.

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِنْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَهُوَ بَصِيرٌ، ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ، جَازَ الْحُكْمُ بِهَا عِنْدَهُمْ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْنًى طَرَأَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا يُمْنَعُ الْحُكْمُ بِهَا، كَمَا لَوْ مَاتَ الشَّاهِدَانِ أَوْ غَابَا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى عَدَمِ قَبُولِ Cشَهَادَتِهِ فِي الْحَالَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْأَهْلِيَّةِ شَرْطٌ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِتَصِيرَ حُجَّةً.

(5) - الْإِسْلَامُ:

20- الْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مُسْلِمًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكُفَّارِ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى مُسْلِمٍ أَمْ عَلَى غَيْرِ مُسْلِمٍ، لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}.وَقَوْلُهُ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}.وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَلَيْسَ مِنَّا وَلِأَنَّهُ أَفْسَقُ الْفُسَّاقِ وَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُؤْمَنُ مِنْهُ الْكَذِبُ عَلَى خَلْقِهِ.

وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ جَرَى مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ أَحْمَدَ.

لَكِنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مِنْ هَذَا الْأَصْلِ شَهَادَةَ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ فَقَدْ أَجَازُوهَا عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ}.

وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ شَهَادَةَ الذِّمِّيِّينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ، وَشَهَادَةَ الْحَرْبِيِّينَ عَلَى أَمْثَالِهِمْ.

وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا.

(6) - النُّطْقُ:

21- فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى صِحَّةِ شَهَادَتِهِ إِذَا عُرِفَتْ إِشَارَتُهُ وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ قَبُولَ شَهَادَةِ الْأَخْرَسِ إِذَا أَدَّاهَا بِخَطِّهِ.

(7) - الْعَدَالَةُ:

22- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي اشْتِرَاطِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}.وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ.

وَالْعَدَالَةُ عَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ بِالْمُحَافَظَةِ الدِّينِيَّةِ عَلَى اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ وَأَنْ يَكُونَ صَلَاحُهُ أَكْثَرَ مِنْ فَسَادِهِ وَهِيَ شَرْطُ وُجُوبِ الْقَبُولِ.

وَعَرَّفَهَا الْحَنَابِلَةُ بِالصَّلَاحِ فِي الدِّينِ وَهُوَ: أَدَاءُ الْفَرَائِضِ بِرَوَاتِبِهَا، وَاجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَعَدَمُ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا أَيْضًا Cاسْتِعْمَالُ الْمُرُوءَةِ بِفِعْلِ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ، وَتَرْكِ مَا يُدَلِّسُهُ وَيَشِينُهُ.

وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيَّةُ الْمُرُوءَةَ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا.وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عَدَالَةٌ)

وَالْعَدَالَةُ شَرْطُ وُجُوبِ الْقَبُولِ عَلَى الْقَاضِي لَا جَوَازِهِ.فَإِذَا تَوَفَّرَتْ فِي الشَّاهِدِ وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ بِشَهَادَتِهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الطَّاعَةُ وَالْمُرُوءَةُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الْمَعْصِيَةَ وَخِلَافَ الْمُرُوءَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ.

(8) - التَّيَقُّظُ: أَوِ الضَّبْطُ:

23- لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُغَفَّلٍ لَا يَضْبِطُ أَصْلًا أَوْ غَالِبًا لِعَدَمِ التَّوَثُّقِ بِقَوْلِهِ، أَمَّا مَنْ لَا يَضْبِطُ نَادِرًا وَالْأَغْلَبُ فِيهِ الْحِفْظُ وَالضَّبْطُ فَتُقْبَلُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ.

(9) - أَلاَّ يَكُونَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ:

24- وَذَلِكَ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

فَإِنْ تَابَ وَأَصْلَحَ:

فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ لقوله تعالى بَعْدَ الْآيَةِ السَّابِقَةِ مُبَاشَرَةً: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَلَوْ تَابَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِيمَا حُدَّ فِيهِ وَتُقْبَلُ فِيمَا عَدَاهُ إِنْ تَابَ.

وَمَنَاطُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي وُرُودِ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ مَذْكُورِينَ أَيَشْمَلُهُمْ كُلَّهُمْ أَمْ يَعُودُ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ؟

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَعُودُ إِلَى الْأَخِيرِ وَهُوَ هُنَا التَّوْبَةُ مِنَ الْفِسْقِ فَقَطْ.

وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ يَعُودُ إِلَى جَمِيعِ مَا ذُكِرَ.

وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِ عُمَرَ- رضي الله عنه- لِمَنْ جَلَدَهُ فِي شَهَادَتِهِ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِقَوْلِهِ: تُبْ أَقْبَلْ شَهَادَتَكَ.

وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ.

(10) - الذُّكُورَةُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ:

يُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ

25- لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: «مَضَتِ السُّنَّةُ بِأَنْ لَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ».

(11) - عَدَمُ التُّهْمَةِ:

26- لِلتُّهْمَةِ أَسْبَابٌ مِنْهَا:

أ- أَنْ يَجُرَّ بِشَهَادَتِهِ إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعَ ضُرًّا، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَارِثِ لِمُوَرِّثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ انْدِمَالِهِ، وَلَا الضَّامِنِ لِلْمَضْمُونِ عَنْهُ بِالْأَدَاءِ، وَلَا الْإِبْرَاءِ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَخَالَفَ فِي هَذَا الشَّافِعِيَّةُ.ب- الْبَعْضِيَّةُ: فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَصْلٍ لِفَرْعِهِ، وَلَا فَرْعٍ لِأَصْلِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.

ح- الْعَدَاوَةُ: فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَدَاوَةِ هُنَا، الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ لَا الدِّينِيَّةُ، فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ، وَالسُّنِّيُّ عَلَى الْمُبْتَدِعِ، وَكَذَا مَنْ أَبْغَضَ الْفَاسِقَ لِفِسْقِهِ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَالْعَدَاوَةُ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ أَنْ تَبْلُغَ حَدًّا يَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَتِهِ وَيَفْرَحُ لِمُصِيبَتِهِ، وَيَحْزَنُ لِمَسَرَّتِهِ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَيُخَصُّ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ عَلَى الْآخَرِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ لِعَدُوِّهِ إِذْ لَا تُهْمَةَ.

د- أَنْ يَدْفَعَ بِالشَّهَادَةِ عَنْ نَفْسِهِ عَارَ الْكَذِبِ، فَإِنْ شَهِدَ فَاسِقٌ وَرَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ ثُمَّ تَابَ بِشُرُوطِ التَّوْبَةِ فَشَهَادَتُهُ الْمُسْتَأْنَفَةُ مَقْبُولَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ أَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ الَّتِي رُدَّتْ لَمْ تُقْبَلْ.

هـ- الْحِرْصُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالْمُبَادَرَةِ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى، وَذَلِكَ فِي غَيْرِ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ.

و- الْعَصَبِيَّةُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ عُرِفَ بِهَا وَبِالْإِفْرَاطِ فِي الْحَمِيَّةِ كَتَعَصُّبِ قَبِيلَةٍ عَلَى قَبِيلَةٍ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ رُتْبَةَ الْعَدَاوَةِ.نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ.

وَاسْتَدَلُّوا لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ التُّهْمَةِ بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا Cذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَانِعِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ».

ثَانِيًا: مَا يَرْجِعُ مِنْ شُرُوطِ الْأَدَاءِ إِلَى الشَّهَادَةِ نَفْسِهَا وَمِنْ ذَلِكَ:

27- (1) - اشْتِرَاطُ وُجُودِ الدَّعْوَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ مِنَ الْمُدَّعِي أَوْ نَائِبِهِ.أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا وُجُودُ الدَّعْوَى عَلَى رَأْيِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

(2) - مُوَافَقَتُهَا لِلدَّعْوَى (كَمَا سَيَرِدُ تَفْصِيلُهُ).

(3) - الْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ فِيمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ.

(4) - اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ (كَمَا سَيَرِدُ تَفْصِيلُهُ).

(5) - تَعَذُّرُ حُضُورِ الْأَصْلِ (وَهَذَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) كَمَا سَيَأْتِي.

(6) - أَنْ تُؤَدَّى بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ.بِأَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ بِكَذَا وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَكْفِي مَا يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ عِلْمِ الشَّاهِدِ كَأَنْ يَقُولَ: رَأَيْتُ كَذَا أَوْ سَمِعْتُ كَذَا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ.

ثَالِثًا: مَا يَرْجِعُ مِنْ شُرُوطِ الْأَدَاءِ إِلَى الْمَشْهُودِ بِهِ:

يُشْتَرَطُ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ:

(28) - (1) - أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، فَإِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ بِمَجْهُولٍ فَلَا تُقْبَلُ.وَذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ قَضَاءِ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَعْلُومًا.

(2) - كَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ مَالًا أَوْ مَنْفَعَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَقَوِّمًا شَرْعًا.

رَابِعًا: مَا يَرْجِعُ مِنْ شُرُوطِ الْأَدَاءِ إِلَى نِصَابِ الشَّهَادَةِ:

29- يَخْتَلِفُ عَدَدُ الشُّهُودِ فِي الشَّهَادَاتِ بِحَسَبِ الْمَوْضُوعِ الْمَشْهُودِ بِهِ:

أ- مِنَ الشَّهَادَاتِ مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ، لَا امْرَأَةَ بَيْنَهُمْ وَذَلِكَ فِي الزِّنَا، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الْآيَةَ.

وقوله تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الْآيَةَ.

وقوله تعالى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ».

ب- نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى مَنْ عُرِفَ بِغِنًى أَنَّهُ فَقِيرٌ لِأَخْذِ زَكَاةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ، يَشْهَدُونَ لَهُ.

لِحَدِيثِ قَبِيصَةَ «حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ».

ج- وَمِنْهَا مَا يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ لَا امْرَأَةَ فِيهِمَا، وَهُوَ مَا سِوَى الزِّنَى مِنَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَحَدِّ الْحِرَابَةِ، وَالْجَلْدِ فِي الْخَمْرِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا، مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ مِنْهُ مَالٌ: كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالْإِيلَاءِ، وَالظِّهَارِ، وَالنَّسَبِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالرِّدَّةِ، وَالْجَرْحِ، وَالتَّعْدِيلِ، وَالْمَوْتِ وَالْإِعْسَارِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْوِصَايَةِ، وَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ عِنْدَهُمْ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ لَا امْرَأَةَ فِيهِمَا.

وَدَلِيلُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى شَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْوَصِيَّةِ.

فَأَمَّا الطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}.

وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَقَوْلُهُ: {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}.

وَأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ فِي النِّكَاحِ: «لَا نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ».

وَرَوَى مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَضَتِ السُّنَّةُ بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَلَا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ.

وَقِيسَ عَلَيْهَا مَا شَارَكَهَا فِي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ.

د- وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: مَا يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ، أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ هُوَ مَا سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَقُّ مَالًا أَمْ غَيْرَ مَالٍ، كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ.

وَدَلِيلُهُ قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}.وَقَصَرَ الْجُمْهُورُ قَبُولَ شَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ أَوِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ عَلَى مَا هُوَ مَالٌ أَوْ بِمَعْنَى الْمَالِ، كَالْبَيْعِ، وَالْإِقَالَةِ، وَالْحَوَالَةِ، وَالضَّمَانِ، وَالْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ، كَالْخِيَارِ، وَالْأَجَلِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَأَجَازُوا فِيهِ أَنْ يَثْبُتَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي.

وَدَلِيلُهُمْ فِي ذَلِكَ «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ».

وَلَمْ يُجِزِ الْحَنَفِيَّةُ الْقَضَاءَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي هَذَا الشَّأْنِ لَا تَثْبُتُ عِنْدَهُمْ.

هـ- وَمِنْهَا مَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ، وَهُوَ الْوِلَادَةُ وَالِاسْتِهْلَالُ وَالرَّضَاعُ، وَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ مِنَ الْعُيُوبِ الْمَسْتُورَةِ.

وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْعَدَدِ الَّذِي تَثْبُتُ بِهِ هَذِهِ الْأُمُورُ مِنَ النِّسَاءِ.عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: ذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِلَى أَنَّهُ تُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ غَيْرِ الْقَابِلَةِ إِلاَّ مَعَ غَيْرِهَا.

وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.

الثَّانِي: ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ تُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مُسْلِمَةٍ حُرَّةٍ عَدْلَةٍ قَابِلَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا، إِلاَّ وِلَادَةَ الْمُطَلَّقَةِ فَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ الْوَاحِدَةِ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ».

وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ- رضي الله عنهما- أَنَّهُمَا أَجَازَا شَهَادَتَهَا.

الثَّالِثُ: ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالْحَكَمُ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ إِلَى أَنَّهُ تُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُنَّ لَمَّا قُمْنَ فِي انْفِرَادِهِنَّ مَقَامَ الرِّجَالِ، وَجَبَ أَنْ يَقُمْنَ فِي الْعَدَدِ مَقَامَ الرِّجَالِ، وَأَكْثَرُ عَدَدِ الرِّجَالِ اثْنَانِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ عَدَدِ النِّسَاءِ اثْنَتَيْنِ

الرَّابِعُ: هُوَ مَا حُكِيَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ أَنَّهُ تُقْبَلُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ، وَلَا يُقْبَلُ أَقَلُّ مِنْهُنَّ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَنَسٍ.وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ ضَمَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ إِلَى الرَّجُلِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَنْفَرِدْنَ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَبْدَلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَنْفَرِدْنَ فِيهِ فَيَصِرْنَ ثَلَاثًا.

الْخَامِسُ: ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَعَطَاءٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ أَجَازَ الشَّهَادَةَ انْتَهَى بِأَقَلِّهَا إِلَى شَاهِدَيْنِ، أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، فَأَقَامَ الثِّنْتَيْنِ مَقَامَ رَجُلٍ، حَيْثُ أَجَازَهُمَا فَإِذَا أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيمَا يَغِيبُ عَنِ الرِّجَالِ لَمْ يَجُزْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُجِيزُوهَا إِلاَّ عَلَى أَصْلِ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الشَّهَادَاتِ، فَيَجْعَلُونَ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ تَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ، وَإِذَا فَعَلُوا لَمْ يَجُزْ إِلاَّ أَرْبَعٌ، وَهَكَذَا Cالْمَعْنَى فِي كِتَابِ اللَّهِ- عَزَّ ذِكْرُهُ- وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ.

و- وَمِنْهَا مَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ بِمُفْرَدِهِ فِي إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ اسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ «ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ».

وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ، فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟ وَأَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنْ يَصُومُوا غَدًا».

وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ مِنْ غَيْمٍ أَوْ غُبَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الطَّبِيبِ الْوَاحِدِ فِي الشِّجَاجِ، وَالْبَيْطَارِ فِي عُيُوبِ الدَّوَابِّ.

وَقَيَّدَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِمَا إِذَا كَانَ بِتَكْلِيفٍ مِنَ الْإِمَامِ.

وَقَيَّدَهُ الْحَنَابِلَةُ بِمَا إِذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


29-موسوعة الفقه الكويتية (قرن)

قَرْنٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْقَرْنُ فِي اللُّغَةِ- بِالسُّكُونِ- مِنَ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ مَعْرُوفٌ، وَجَمْعُهُ قُرُونٌ، مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٌ، وَالْقَرْنُ أَيْضًا: الذُّؤَابَةُ، وَالْجِيلُ مِنَ النَّاسِ، وَيُطْلَقُ عَلَى وَقْتٍ مِنَ الزَّمَانِ.

وَقَرْنٌ أَيْضًا مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ، وَهُوَ جَبَلٌ مُشْرِفٌ عَلَى عَرَفَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: قَرْنُ الْمَنَازِلِ، وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ.

وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقَرْنِ:

أَوَّلًا: قَرْنٌ بِمَعْنَى الْمِيقَاتِ:

2- قَرْنٌ- بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ- مِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِينَ مِنْ نَجْدٍ إِلَى الْحَجِّ، وَهُوَ مِنَ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَيْهَا، وَيُقَالُ لَهَا قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةٍ: يُقَالُ لَهُ: قَرْنٌ غَيْرُ مُضَافٍ، وَسَمَّاهُ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمُسْنَدِ قَرْنَ الْمَعَادِنِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: إِحْرَام ف 40).

ثَانِيًا: الْقَرْنُ مِنَ الْحَيَوَانِ:

التَّضْحِيَةُ بِمَا لَا قَرْنَ لَهُ مِنْ غَنَمٍ أَوْ بَقَرٍ:

3- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- عَدَا ابْنِ حَامِدٍ- أَنَّهُ يُجْزِئُ الْجَمَّاءُ- وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا خِلْقَةً- فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ.

وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ التَّضْحِيَةَ بِالْجَمَّاءِ مَعَ الْكَرَاهَةِ.

وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِالْجَمَّاءِ لِأَنَّ ذَهَابَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْقَرْنِ يَمْنَعُ، فَذَهَابُ الْجَمِيعِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ مَا مَنَعَ مِنْهُ الْعَوَرُ مَنَعَ مِنْهُ الْعَمَى، وَكَذَلِكَ مَا مَنَعَ مِنْهُ الْعَضَبُ يَمْنَعُ مِنْهُ كَوْنُهُ أَجَمَّ أَوْلَى.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (جَمَّاء ف 3).

التَّضْحِيَةُ بِمَكْسُورَةِ الْقَرْنِ:

4- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مَكْسُورَةَ الْقَرْنِ تُجْزِئُ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْكَسْرُ الْمُشَاشَ، فَإِذَا بَلَغَ الْكَسْرُ الْمُشَاشَ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ، وَالْمُشَاشُ رُءُوسُ الْعِظَامِ مِثْلُ الرُّكْبَتَيْنِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا الْمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ يُدْمِي فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَرَضٌ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تُجْزِئُ الَّتِي انْكَسَرَ قَرْنُهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ، سَوَاءٌ أَدْمَى قَرْنُهَا بِالِانْكِسَارِ أَمْ لَا؟ قَالَ الْقَفَّالُ: إِلاَّ أَنْ يُؤَثِّرَ أَلَمُ الِانْكِسَارِ فِي اللَّحْمِ فَيَكُونَ كَالْجَرَبِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ الْعَضْبَاءُ- وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا أَوْ قَرْنِهَا- لِحَدِيثِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ الْقَرْنِ وَالْأُذُنِ» قَالَ قَتَادَةُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: الْعَضَبُ النِّصْفُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: الْعَضْبَاءُ مَا ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا أَوْ قَرْنِهَا، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ كَالْكُلِّ.

ثَالِثًا: الْقَرْنُ بِمَعْنَى الْجِيلِ مِنَ النَّاسِ، وَوَقْتٌ مِنَ الزَّمَانِ:

خَيْرُ الْقُرُونِ:

5- اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ قَرْنُهُ- صلى الله عليه وسلم-، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ عِمْرَانُ- رَاوِي الْحَدِيثِ-: فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ..»، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْمُرَادُ بِقَرْنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحَابَةُ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ رَأَى النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- وَلَوْ سَاعَةً فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَرِوَايَةُ «خَيْرُ النَّاسِ» عَلَى عُمُومِهَا وَالْمُرَادُ مِنْهُ جُمْلَةُ الْقَرْنِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا أَفْرَادُ النِّسَاءِ عَلَى مَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَغَيْرِهِمَا، بَلِ الْمُرَادُ جُمْلَةُ الْقَرْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ قَرْنٍ بِجُمْلَتِهِ.

قَالَ الْقَاضِي: وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْقَرْنِ هُنَا فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: قَرْنُهُ أَصْحَابُهُ، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ أَبْنَاؤُهُمْ، وَالثَّالِثُ أَبْنَاءُ أَبْنَائِهِمْ، وَقَالَ شَهْرٌ: قَرْنُهُ مَا بَقِيَتْ عَيْنٌ رَأَتْهُ، وَالثَّانِي مَا بَقِيَتْ عَيْنٌ رَأَتْ مَنْ رَآهُ ثُمَّ كَذَلِكَ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: الْقَرْنُ كُلُّ أَهْلِ طَبَقَةٍ مُقْتَرِنِينَ فِي وَقْتٍ، وَقِيلَ: هُوَ لِأَهْلِ مُدَّةٍ بُعِثَ فِيهَا نَبِيٌّ طَالَتْ مُدَّتُهُ أَمْ قَصُرَتْ.

وَذَكَرَ الْحَرْبِيُّ الْخِلَافَ فِي قَدْرِهِ بِالسِّنِينَ إِلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ وَاضِحٌ، وَرَأَى أَنَّ الْقَرْنَ كُلُّ أُمَّةٍ هَلَكَتْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا أَحَدٌ.

وَقَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ: الْقَرْنُ عَشْرُ سِنِينَ، وَقَتَادَةُ: سَبْعُونَ، وَالنَّخَعِيُّ: أَرْبَعُونَ، وَزُرَارَةُ بْنُ أَبِي أَوْفَى: مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ: مِائَةٌ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: هُوَ الْوَقْتُ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَرْنَهُ- صلى الله عليه وسلم- الصَّحَابَةُ، وَالثَّانِي التَّابِعُونَ، وَالثَّالِثُ تَابِعُوهُمْ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


30-موسوعة الفقه الكويتية (لعان 1)

لِعَانٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- اللِّعَانُ مَصْدَرُ لَاعَنَ، وَفِعْلُهُ الثُّلَاثِيُّ لَعَنَ مَأْخُوذٌ مِنَ اللَّعْنِ، وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ مِنَ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنَ الْخَلْقِ السَّبُّ.

وَالْمُلَاعَنَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ: إِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ رَمَاهَا بِرَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِهَا.

وَعَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ: شَهَادَاتٌ تَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مُؤَكَّدَةٌ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَبِالْغَضَبِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ.

وَعَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ: حَلِفُ زَوْجٍ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ عَلَى زِنَا زَوْجَتِهِ أَوْ عَلَى نَفْيِ حَمْلِهَا مِنْهُ، وَحَلِفُهَا عَلَى تَكْذِيبِهِ أَرْبَعًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِصِيغَةِ أُشْهِدُ اللَّهَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ.

وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ: كَلِمَاتٌ مَعْلُومَةٌ جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ إِلَى قَذْفِ مَنْ لَطَّخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِهِ أَوْ إِلَى نَفْيِ وَلَدٍ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- السَّبُّ:

2- السَّبُّ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا هُوَ الشَّتْمُ: وَهُوَ كُلُّ كَلَامٍ قَبِيحٍ

وَالسَّبُّ قَدْ يُوجِبُ اللِّعَانَ أَوْ لَا يُوجِبُهُ بِحَسَبِ مَا إِذَا كَانَ فِيهِ رَمْيٌ لِلزَّوْجَةِ بِزِنًا أَوْ لَا.

ب- الْقَذْفُ

3- الْقَذْفُ فِي اللُّغَةِ: الرَّمْيُ مُطْلَقًا.وَاصْطِلَاحًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هُوَ: الرَّمْيُ بِالزِّنَا.

وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ: الرَّمْيُ بِالزِّنَا فِي مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ.

وَالصِّلَةُ أَنَّ قَذْفَ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ اللِّعَانِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

4- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ قَذْفَ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} أَيْ فَلْيَشْهَدْ أَحَدُهُمْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ.جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُوجَبَ قَذْفِ الزَّوْجَاتِ اللِّعَانَ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ عُلَيْشٌ: اللِّعَانُ يَجِبُ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: وَجْهَانِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا: وَذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ رَآهَا تَزْنِي كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ ثُمَّ لَمْ يَطَأْ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ يَنْفِيَ حَمْلًا يَدَّعِي اسْتِبْرَاءً قَبْلَهُ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقْذِفَهَا بِالزِّنَا وَلَا يَدَّعِي رُؤْيَةً وَلَا نَفْيَ حَمْلٍ، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ قَالُوا: يُحَدُّ وَلَا يُلَاعَنُ.

وَاللِّعَانُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِدَفْعِ حَدِّ قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ أَوْ نَفْيِ وَلَدِهِ مِنْهَا، وَلَهُ اللِّعَانُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِلاَّ لِنَفْيِ نَسَبِ وَلَدٍ أَوْ حَمْلٍ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ لَكَانَ بِسُكُوتِهِ مُسْتَلْحِقًا لِمَنْ لَيْسَ مِنْهُ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا فَلَهُ إِسْقَاطُ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ وَحَدُّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ فَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهُ أَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ قَذْفِهَا أَوْ أَسْقَطَتْهُ أَوْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ بِزِنَاهَا ثُمَّ أَرَادَ الزَّوْجُ لِعَانَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَسَبٌ يُرِيدُ نَفِيَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ فَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُشْرَعَ اللِّعَانُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا لَوْ قَذَفَهَا فَصَدَّقَتْهُ.

رُكْنُ اللِّعَانِ:

5- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ رُكْنَ اللِّعَانِ هُوَ الشَّهَادَاتُ الَّتِي تَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي تَعْرِيفِهِمْ، فَتَكُونُ رُكْنًا لَهُ لِأَنَّ تَحَقُّقَ اللِّعَانِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِهَا وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي تَكْوِينِهِ.

وَنَصَّ ابْنُ جُزَيٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّ أَرْكَانَ اللِّعَانِ أَرْبَعَةٌ هِيَ: الْمُلَاعِنُ، وَالْمُلَاعَنَةُ، وَالسَّبَبُ، وَاللَّفْظُ.

شُرُوطُ اللِّعَانِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ

6- عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُشْتَرَطُ فِي اللِّعَانِ شُرُوطٌ مُخْتَلِفَةٌ، بَعْضُهَا يَرْجِعُ إِلَى الرَّجُلِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إِلَى الْمَرْأَةِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إِلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إِلَى الْمَقْذُوفِ بِهِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أ- مَا يَرْجِعُ مِنَ الشُّرُوطِ إِلَى الزَّوْجِ:

7- يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجِ لِإِجْرَاءِ اللِّعَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ أَلاَّ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى صِحَّةِ قَذْفِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي اللِّعَانِ عَدَمَ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ مِنَ الزَّوْجِ الْقَاذِفِ لِزَوْجَتِهِ فِي قَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ} وَعَلَى هَذَا لَوِ اتَّهَمَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا، وَأَتَى بِأَرْبَعَةِ رِجَالٍ عُدُولٍ وَشَهِدُوا بِزِنَا الزَّوْجَةِ لَا يَثْبُتُ اللِّعَانُ، وَيُقَامُ عَلَى الْمَرْأَةِ حَدُّ الزِّنَا، لِأَنَّ زِنَا الزَّوْجَةِ قَدْ ظَهَرَ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اللِّعَانِ.

ب- مَا يَرْجِعُ مِنَ الشُّرُوطِ إِلَى الزَّوْجَةِ:

8- يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَةِ لِإِجْرَاءِ اللِّعَانِ شَرْطَانِ الْأَوَّلُ: إِنْكَارُ الزَّوْجَةِ وُجُودَ الزِّنَا مِنْهَا حَتَّى لَوْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ، وَيَلْزَمُهَا حَدُّ الزِّنَا لِظُهُورِ زِنَاهَا بِإِقْرَارِهَا.

الثَّانِي: عِفَّةُ الزَّوْجَةِ مِنَ الزِّنَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَفِيفَةً لَا يَجِبُ اللِّعَانُ بِقَذْفِهَا، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ تَكُنْ عَفِيفَةً فَقَدْ صَدَّقَتْهُ بِفِعْلِهَا، فَصَارَ كَمَا لَوْ صَدَّقَتْهُ بِقَوْلِهَا.

وَمِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى الْمَرْأَةِ أَيْضًا: أَنْ تَطْلُبَ مِنَ الْقَاضِي إِجْرَاءَ اللِّعَانِ إِذَا قَذَفَهَا زَوْجُهَا بِالزِّنَا أَوْ نَفَى نَسَبَ الْوَلَدِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ مِنَ الْقَاضِي إِجْرَاءَ اللِّعَانِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا لَا يُقَامُ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللِّعَانَ شُرِعَ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنِ الزَّوْجَةِ فَكَانَ حَقًّا لَهَا فَلَا يُقَامُ إِلاَّ بِطَلَبٍ مِنْهَا كَسَائِرِ حُقُوقِهَا.

ج- مَا يَرْجِعُ مِنَ الشُّرُوطِ إِلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ:

9- يُشْتَرَطُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا لِإِجْرَاءِ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَقْتَ الْقَذْفِ فَإِذَا كَانَ الزَّوَاجُ قَائِمًا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَقْتَ الْقَذْفِ وَكَانَ الزَّوَاجُ صَحِيحًا- دَخَلَ الزَّوْجُ بِالْمَرْأَةِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ- أُقِيمَ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ خَصَّ اللِّعَانَ بِالْأَزْوَاجِ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قِيَامَ الزَّوَاجِ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ اللِّعَانِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ.

وَإِنْ كَانَ الزَّوَاجُ فَاسِدًا وَقَذَفَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِالزِّنَا أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا مِنْهُ لَا يَثْبُتُ اللِّعَانُ بِهَذَا الْقَذْفِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ اللِّعَانَ بِالْأَزْوَاجِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلاَّ إِذَا كَانَ الزَّوَاجُ صَحِيحًا وَإِذَا انْتَفَى اللِّعَانُ تَرَتَّبَ عَلَى الْقَذْفِ مُوجِبُهُ وَهُوَ الْحَدُّ.

وَيُشْتَرَطُ كَذَلِكَ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا قَادِرًا عَلَى النُّطْقِ غَيْرَ مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا وَالزَّوْجَةُ كِتَابِيَّةً لَا يُقَامُ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَخْرَسَ لَا يُقَامُ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ إِشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ.

قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: إِذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَقَذَفَ امْرَأَتَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اللِّعَانُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَيُصَارُ إِلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} وَاللِّعَانُ خَلَفٌ عَنْهُ.

وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ أَوْ مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ، أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا بِأَنْ كَانَتْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ زَانِيَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ، لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَعَدَمِ الْإِحْصَانِ فِي جَانِبِهَا وَامْتِنَاعِ اللِّعَانِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا، فَيَسْقُطُ الْحَدُّ كَمَا إِذَا صَدَّقَتْهُ.

وَيُشْتَرَطُ كَذَلِكَ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَحَضْرَةُ الْحَاكِمِ.

د- مَا يَرْجِعُ مِنَ الشُّرُوطِ إِلَى الْمَقْذُوفِ بِهِ

10- يُشْتَرَطُ فِي الْمَقْذُوفِ بِهِ لِوُجُوبِ اللِّعَانِ أَوْ جَوَازِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا بِالزِّنَا أَوْ نَفْيِ النَّسَبِ.

شُرُوطُ اللِّعَانِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ:

11- قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ لِإِجْرَاءِ اللِّعَانِ مَا يَلِي:

أَوَّلًا: قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجَانِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَا حُرَّيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ، عَدْلَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ، وَيُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ فِي الزَّوْجِ.

ثَانِيًا: الْقَذْفُ بِرُؤْيَةِ الزِّنَا أَوْ بِنَفْيِ الْحَمْلِ.

ثَالِثًا: تَعْجِيلُ اللِّعَانِ بَعْدَ الْعِلْمِ لِنَفْيِ الْحَمْلِ أَوِ الْوَلَدِ.

رَابِعًا: عَدَمُ الْوَطْءِ بَعْدَ الْقَذْفِ.

خَامِسًا: لَفْظُ: أَشْهَدُ فِي الْأَرْبَعِ، وَاللَّعْنُ مِنَ الزَّوْجِ فِي الْخَامِسَةِ، وَالْغَضَبُ مِنَ الزَّوْجَةِ فِي الْخَامِسَةِ.

سَادِسًا: بَدْءُ الزَّوْجِ بِالْحَلِفِ، فَإِنْ بَدَأَتِ الزَّوْجَةُ أَعَادَتْ بَعْدَهُ.

سَابِعًا: حُضُورُ جَمَاعَةٍ لِلِّعَانِ أَقَلُّهَا أَرْبَعَةٌ مِنَ الْعُدُولِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ اللِّعَانِ: أَوَّلًا: أَنْ يَكُونَ الْمُلَاعِنُ زَوْجًا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَأَهْلِيَّتُهُ لِلْيَمِينِ، لِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ مُؤَكَّدَةٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُخْتَارًا، وَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ زَوْجًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ أَوْ فِي الصُّورَةِ، وَيَنْطَبِقُ ذَلِكَ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَالرَّشِيدِ وَالسَّفِيهِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَحْدُودِ وَالْمُطْلَقِ رَجْعِيًّا وَغَيْرِهِمْ.

ثَانِيًا: أَنْ يَسْبِقَ اللِّعَانَ قَذْفٌ لِلزَّوْجَةِ.

ثَالِثًا: أَنْ يَأْمُرَ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ بِاللِّعَانِ.

رَابِعًا: أَنْ يُلَقِّنَ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ.

خَامِسًا: أَنْ يَكُونَ اللِّعَانُ بِأَلْفَاظِ الشَّهَادَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الشَّرْعُ.

سَادِسًا: أَنْ يُتِمَّ الْمُتَلَاعِنَانِ شَهَادَاتِ اللِّعَانِ.

سَابِعًا: الْمُوَالَاةُ بَيْنَ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ.

ثَامِنًا: أَنْ يَتَأَخَّرَ لِعَانُ الزَّوْجَةِ عَنْ لِعَانِ الزَّوْجِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ لِلِّعَانِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ:

أَحَدُهَا: كَوْنُ اللِّعَانِ بَيْنَ زَوْجَيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ حُرَّيْنِ أَوْ رَقِيقَيْنِ عَدْلَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ.

الثَّانِي: أَنْ يَقْذِفَهَا بِالزِّنَا فِي الْقُبُلِ أَوِ الدُّبُرِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ.

الثَّالِثُ: أَنْ تُكَذِّبَهُ الزَّوْجَةُ فِي قَذْفِهِ إِيَّاهَا وَيَسْتَمِرُّ تَكْذِيبُهَا إِلَى انْقِضَاءِ اللِّعَانِ.

مَا يَثْبُتُ بِهِ اللِّعَانُ عِنْدَ الْقَاضِي

12- يَثْبُتُ اللِّعَانُ عِنْدَ الْقَاضِي بِوَاحِدٍ مِنْ أَمْرَيْنِ:

الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: الْإِقْرَارُ بِالْقَذْفِ مِنَ الزَّوْجِ أَمَامَ الْقَاضِي، فَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا فَرَفَعَتِ الزَّوْجَةُ الْأَمْرَ إِلَى الْقَاضِي، وَطَالَبَتْ بِاللِّعَانِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَأَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ رَمَاهَا بِالزِّنَا حَكَمَ الْقَاضِي بِإِجْرَاءِ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا، مَتَى تَوَافَرَتْ شَرَائِطُ وُجُوبِهِ.

الْأَمْرُ الثَّانِي: الْبَيِّنَةُ، وَذَلِكَ إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا اتَّهَمَهَا بِالزِّنَا، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ذَلِكَ فَأَقَامَتِ الزَّوْجَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَتْهُ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِإِجْرَاءِ اللِّعَانِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بِنَاءً عَلَى مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ.

وَالْبَيِّنَةُ الَّتِي يَتَثَبَّتُ الْقَذْفُ بِهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي إِثْبَاتِ الْقَذْفِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ، لِأَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَقَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَأَسْبَابُ الْحُدُودِ لَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ فِي شَهَادَتِهِنَّ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَعَلَى هَذَا فَلَوِ ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا رَمَاهَا بِالزِّنَا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ مَا ادَّعَتْهُ زَوْجَتُهُ، وَلَمْ تَسْتَطِعِ الزَّوْجَةُ إِثْبَاتَ مَا ادَّعَتْهُ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا تُوَجَّهُ الْيَمِينُ إِلَى الزَّوْجِ، وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِامْتِنَاعِهِ عَنِ الْحَلِفِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ فَائِدَةَ تَوْجِيهِ الْيَمِينِ هِيَ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ يُوَجَّهُ إِلَيْهِ إِذَا نَكَلَ عَنِ الْحَلِفِ، وَالنُّكُولُ لَيْسَ إِقْرَارًا صَرِيحًا، وَإِنَّمَا هُوَ إِقْرَارٌ فِي الْمَعْنَى، وَالْإِقْرَارُ فِي الْمَعْنَى تَكُونُ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَالشُّبْهَةُ يَنْدَرِئُ الْحَدُّ بِهَا.

كَيْفِيَّةُ اللِّعَانِ

13- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ بِهِ فِي اللِّعَانِ هُوَ الزِّنَا فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُقِيمَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَاثِلَيْنِ، فَيَأْمُرُ الزَّوْجَ أَوَّلًا أَنْ يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا، ثُمَّ يَأْمُرُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ بِأَنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا، وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا.

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى لَفْظِ الْمُوَاجَهَةِ، فَيَقُولُ الزَّوْجُ: فِيمَا رَمَيْتُكِ بِهِ مِنَ الزِّنَا، وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ: فِيمَا رَمَيْتَنِي بِهِ مِنَ الزِّنَا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.

وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ بِهِ نَفْيَ نَسَبِ الْوَلَدِ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الزَّوْجَ يَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: فِيمَا رَمَيْتُكِ بِهِ مِنْ نَفْيِ وَلَدِكِ، وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ: فِيمَا رَمَيْتَنِي بِهِ مِنْ نَفْيِ وَلَدِي.

وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الزَّوْجَ يَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا فِي نَفْيِ وَلَدِهَا، وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ: فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا فِي نَفْيِ وَلَدِهِ.

14- وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ بِهِ هُوَ الزِّنَا يَقُولُ الزَّوْجُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَرَأَيْتُهَا تَزْنِي إِذَا كَانَ بَصِيرًا، فَإِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُولُ: لَعَلِمْتُهَا تَزْنِي أَوْ لَتَيَقَّنْتُهَا تَزْنِي، ثُمَّ يَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ عَلَيْهَا، وَتَقُولُ الزَّوْجَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ مَا زَنَيْتُ أَوْ مَا رَآنِي أَزْنِي، وَتُخَمِّسُ: غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ.

وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ بِهِ هُوَ نَفْيَ الْحَمْلِ فَيَقُولُ الزَّوْجُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: مَا زَنَيْتُ، وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ.

15- وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: اللِّعَانُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِدَرْءِ حَدِّ قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ فَقَطْ، أَوْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ لِنَفْيِ الْوَلَدِ، أَوْ يَكُونَ لِنَفْيِ الْوَلَدِ فَقَطْ.

فَإِنْ كَانَ اللِّعَانُ لِدَرْءِ حَدِّ الْقَذْفِ فَقَطْ فَإِنَّ صِفَتَهُ مِنَ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ زَوْجَتِي هَذِهِ- إِنْ حَضَرَتْ- أَوْ زَوْجَتِي فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ- وَيُسَمِّيهَا وَيَرْفَعُ نَسَبَهَا أَوْ يَذْكُرُ وَصْفَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا إِنْ غَابَتْ- مِنَ الزِّنَا، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا.

وَإِنْ كَانَ اللِّعَانُ لِدَرْءِ الْحَدِّ وَنَفْيِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ يَقُولُ فِي كُلٍّ مِنْهَا: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ زَوْجَتِي هَذِهِ إِنْ حَضَرَتْ- أَوْ زَوْجَتِي فُلَانَةً- وَيُسَمِّيهَا وَيَرْفَعُ نَسَبَهَا أَوْ يَذْكُرُ وَصْفَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا إِنْ غَابَتْ- مِنَ الزِّنَا، وَأَنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ- إِنْ غَابَ- أَوْ هَذَا الْوَلَدُ- إِنْ حَضَرَ- مِنْ زِنًا وَلَيْسَ مِنِّي، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا وَمِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ.

وَإِنْ كَانَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ وَلَيْسَ لِدَرْءِ حَدٍّ فَيَقُولُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ زَوْجَتِي هَذِهِ- إِنْ حَضَرَتْ- أَوْ زَوْجَتِي فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ- وَيُسَمِّيهَا وَيَرْفَعُ نَسَبَهَا أَوْ يَذْكُرُ صِفَتَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا إِنْ غَابَتْ- مِنْ إِصَابَةِ غَيْرِي لَهَا عَلَى فِرَاشِي وَأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ لَا مِنِّي، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ زَوْجَتِي مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا لَا تُلَاعِنُ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ، إِذْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا بِلِعَانِ الرَّجُلِ.

أَمَّا فِي الْحَالَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَصِيغَةُ لِعَانِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُولَ (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) بَعْدَ لِعَانِهِ أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ- وَتُشِيرُ إِلَيْهِ إِنْ حَضَرَ وَإِلاَّ مَيَّزَتْهُ كَمَا مَرَّ فِي لِعَانِ الرَّجُلِ- مِنَ الزِّنَا، وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي لِعَانِهَا حُكْمٌ، وَتَقُولُ فِي الشَّهَادَةِ الْخَامِسَةِ: وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا.

وَقَالُوا: خُصَّ الْغَضَبُ بِهَا لِأَنَّ جَرِيمَةَ زِنَاهَا الَّتِي لَاعَنَتْ لِإِسْقَاطِ حَدِّهِ أَقْبَحُ مِنْ جَرِيمَةِ قَذْفِهِ، وَالْغَضَبُ وَهُوَ الِانْتِقَامُ بِالْعَذَابِ أَغْلَظُ مِنَ اللَّعْنِ الَّذِي هُوَ الْبُعْدُ عَنِ الرَّحْمَةِ.

وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ اللِّعَانِ إِلاَّ إِذَا تَمَّتِ الْكَلِمَاتُ الْخَمْسُ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِالْفُرْقَةِ بِأَكْثَرِ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، لِأَنَّ حُكْمَهُ غَيْرُ جَائِزٍ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يَنْفُذُ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الْبَاطِلَةِ.

وَلَوْ قَالَ بَدَلَ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ، أَوْ أُقْسِمُ، أَوْ أُولِي بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ، أَوْ قَالَ: بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، أَوْ أَبْدَلَ لَفْظَ اللَّعْنِ بِالْإِبْعَادِ، أَوْ لَفْظَ الْغَضَبِ بِالسَّخَطِ، أَوِ الْغَضَبَ بِاللَّعْنِ أَوْ عَكَسَهُ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ قَطْعًا فِي إِبْدَالِ الْغَضَبِ بِاللَّعْنِ، وَلَا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى: بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَيُشْتَرَطُ تَأْخِيرُ لَفْظَتَيِ اللَّعْنِ وَالْغَضَبِ عَنِ الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَيُؤَثِّرُ الْفَصْلُ الطَّوِيلُ.

وَيُشْتَرَطُ فِي لِعَانِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يَأْمُرَ الْحَاكِمُ بِهِ، فَيَقُولُ لِلْمُلَاعِنِ: قُلْ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ...إِلَى آخِرِهَا.

وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ لِعَانِهَا بَعْدَ لِعَانِ الرَّجُلِ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَخْرَسِ إِشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ، وَلَا كِتَابَةٌ، لَمْ يَصِحَّ قَذْفُهُ وَلَا لِعَانُهُ، وَلَا سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ إِشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ، أَوْ كِتَابَةٌ، صَحَّ قَذْفُهُ وَلِعَانُهُ، كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهَا، وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي: أَنَّهُ إِذَا لَاعَنَ بِالْإِشَارَةِ، أَشَارَ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ بِكَلِمَةِ اللَّعْنِ، وَإِنْ لَاعَنَ بِالْكِتَابَةِ كَتَبَ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ اللَّعْنِ، وَيُشِيرُ إِلَى كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَكْتُبَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَوْ لَاعَنَ الْأَخْرَسُ بِالْإِشَارَةِ، ثُمَّ عَادَ نُطْقُهُ وَقَالَ: لَمْ أُرِدِ اللِّعَانَ بِإِشَارَتِي، قُبِلَ قَوْلُهُ فِيمَا عَلَيْهِ، فَيَلْحَقُهُ النَّسَبُ وَالْحَدُّ، وَلَا يُقْبَلُ فِيمَا لَهُ، فَلَا تَرْتَفِعُ الْفُرْقَةُ وَالتَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ، وَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ فِي الْحَالِ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ، وَلَهُ اللِّعَانُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ إِنْ لَمْ يَفُتْ زَمَنُ النَّفْيِ، وَلَوْ قَالَ: لَمْ أُرِدِ الْقَذْفَ أَصْلًا، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ.

وَلَوْ قَذَفَ نَاطِقٌ، ثُمَّ عَجَزَ عَنِ الْكَلَامِ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ زَوَالُ مَا بِهِ، فَهُوَ كَالْأَخْرَسِ، وَإِنْ رُجِيَ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: لَا يَنْظُرُ، بَلْ يُلَاعِنُ بِالْإِشَارَةِ لِحُصُولِ الْعَجْزِ، وَرُبَّمَا مَاتَ فَلَحِقَهُ نَسَبٌ بَاطِلٌ.

وَالثَّانِي: يُنْتَظَرُ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ.

وَأَصَحُّهَا: يُنْتَظَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ صَحَّحُوهُ.

وَعَلَى هَذَا، فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ يُرْجَى زَوَالُهُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يُنْتَظَرُ، وَإِلاَّ فَلَا يُنْتَظَرُ أَصْلًا.

وَمَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، يُلَاعِنُ بِلِسَانِهِ، وَيُرَاعَى تَرْجَمَةُ الشَّهَادَةِ وَاللَّعْنِ وَالْغَضَبِ، فَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ، فَهَلْ يَتَعَيَّنُ اللِّعَانُ بِهَا، أَمْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ بِأَيِّ لِسَانٍ شَاءَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي.

وَإِذَا لَاعَنَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يُحْسِنُ تِلْكَ اللُّغَةَ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى مُتَرْجِمٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْضُرَهُ أَرْبَعَةٌ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ مُتَرْجِمَيْنِ، وَيَكْفِيَانِ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّهَا تُلَاعِنُ لِنَفْيِ الزِّنَا لَا لِإِثْبَاتِهِ، وَفِي جَانِبِ الرَّجُلِ طَرِيقَانِ.

أَصَحُّهُمَا: الْقَطْعُ بِالِاكْتِفَاءِ بِاثْنَيْنِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ سَلَمَةَ.

وَالثَّانِي: عَلَى قَوْلَيْنِ: بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ، أَمْ يُشْتَرَطُ أَرْبَعَةٌ؟ وَالْأَظْهُرُ ثُبُوتُهُ بِشَاهِدَيْنِ.

16- وَصِفَةُ اللِّعَانِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ بِحَضْرَةِ حَاكِمٍ أَوْ نَائِبِهِ، وَكَذَا لَوْ حَكَّمَ رَجُلًا أَهْلًا لِلْحُكْمِ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ امْرَأَتِي هَذِهِ مِنَ الزِّنَا مُشِيرًا إِلَيْهَا إِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً، وَمَا دَامَتْ حَاضِرَةً فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَسْمِيَتِهَا وَبَيَانِ نَسَبِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً بِالْمَجْلِسِ سَمَّاهَا وَنَسَبَهَا بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ حَتَّى تَنْتِفِي الْمُشَارَكَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، وَيُعِيدُ قَوْلَهُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ...إِلَخْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى يُكْمِلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمَا (الْمُتَلَاعِنَيْنِ) مَعًا، بَلْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا عَنْ صَاحِبِهِ جَازَ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، ثُمَّ يَقُولُ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ: وَإِنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا.

ثُمَّ تَقُولُ هِيَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّ زَوْجِي هَذَا لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا وَتُشِيرُ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا بِالْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنِ الْمَجْلِسِ سَمَّتْهُ وَنَسَبَتْهُ، وَتُكَرِّرُ ذَلِكَ، فَإِذَا كَمَّلَتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ تَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: وَأَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، وَتَزِيدُ اسْتِحْبَابًا فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، فَإِنْ نَقَصَ أَحَدُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مِنَ الْجُمَلِ الْخَمْسَةِ شَيْئًا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَيْهَا، كَمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ إِذَا بَدَأَتِ الْمَرْأَةُ بِاللِّعَانِ قَبْلَهُ، أَوْ تَلَاعَنَا بِغَيْرِ حَضْرَةِ حَاكِمٍ، أَوْ أَبْدَلَ أَحَدُهُمَا لَفْظَةَ: أَشْهَدُ بِأُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أُولِي لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، أَوْ أَبْدَلَ لَفْظَةَ اللَّعْنَةِ بِالْإِبْعَادِ أَوْ بِالْغَضَبِ، أَوْ أَبْدَلَتِ الْمَرْأَةُ لَفْظَةَ الْغَضَبِ بِالسَّخَطِ أَوْ بِاللَّعْنَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، أَوْ قَدَّمَ الرَّجُلُ اللَّعْنَةَ قَبْلَ الْخَامِسَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. وَلَوْ عَلَّقَ أَحَدُهُمَا اللِّعَانَ بِشَرْطِ، أَوْ لَمْ يُوَالِ أَحَدُهُمَا بَيْنَ الْكَلِمَاتِ عُرْفًا، أَوْ أَتَى بِاللِّعَانِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَنْ يُحْسِنُهَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ.

وَإِنْ أَتَى الزَّوْجُ بِاللِّعَانِ قَبْلَ مُطَالَبَتِهَا لَهُ بِالْحَدِّ مَعَ عَدَمِ وَلَدٍ يُرِيدُ نَفْيَهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ.

وَإِذَا فُهِمَتْ إِشَارَةُ الْأَخْرَسِ مِنْهُمَا أَوْ كِتَابَتُهُ صَحَّ لِعَانُهُ بِهَا وَإِلاَّ فَلَا.

17- وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ: لَوْ بَدَأَ الْقَاضِي بِلِعَانِ الْمَرْأَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ لِعَانَهَا بَعْدَ لِعَانِ الرَّجُلِ، لِأَنَّهُ أَتَى بِاللِّعَانِ عَلَى غَيْرِ مَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا، كَمَا لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ لِعَانَ الرَّجُلِ لِإِثْبَاتِ زِنَا الْمَرْأَةِ وَنَفْيِ وَلَدِهَا، وَلِعَانَ الْمَرْأَةِ لِلْإِنْكَارِ، فَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِثْبَاتِ كَتَقْدِيمِ الشُّهُودِ عَلَى الْأَيْمَانِ، وَلِأَنَّ لِعَانَ الْمَرْأَةِ لِدَرْءِ الْعَذَابِ عَنْهَا، وَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا الْعَذَابُ إِلاَّ بِلِعَانِ الرَّجُلِ، فَإِذَا قُدِّمَ لِعَانُهَا عَلَى لِعَانِهِ كَانَ تَقْدِيمًا لَهُ عَلَى وَقْتِهِ فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا كَمَا لَوْ قُدِّمَ عَلَى الْقَذْفِ.

18- وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ وُجُوبَ الْبَدَاءَةِ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ فِي اللِّعَانِ لِأَنَّهُ الْمُدَّعِي، وَفِي الدَّعَاوَى يُبْدَأُ بِشَهَادَةِ الْمُدَّعِي، فَلَوْ حَصَلَ الْعَكْسُ وَقَدَّمَ الْقَاضِي الْمَرْأَةَ فِي اللِّعَانِ عَلَى الرَّجُلِ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعِيدَ لِعَانَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ الرَّجُلِ حَتَّى يَقَعَ اللِّعَانُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْوَارِدِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.

فَإِنْ لَمْ يُعِدِ الْقَاضِي لِعَانَ الْمَرْأَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالْفُرْقَةِ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، وَالْقَضَاءُ إِذَا صَدَرَ فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ يَكُونُ نَافِذًا.

مَا يَجِبُ عِنْدَ امْتِنَاعِ الزَّوْجِ عَنِ اللِّعَانِ

19- قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ عَنِ اللِّعَانِ لَا يُحْبَسُ وَلَكِنْ يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ هَذَا فِي الْجُمْلَةِ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنِ امْتَنَعَ الزَّوْجُ عَنِ اللِّعَانِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ إِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ حُرَّةً مُسْلِمَةً، فَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ أَمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا طَلَبَ الْقَاضِي مِنَ الزَّوْجِ الْمُلَاعَنَةَ فَامْتَنَعَ حَبَسَهُ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ الْمَرْأَةُ فِيمَا ادَّعَاهُ، أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ.

وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ لِقَذْفِ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ أَهُوَ اللِّعَانُ أَوِ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ مُسْقِطٌ لَهُ؟ فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لِلْقَذْفِ هُوَ الْحَدُّ، وَاللِّعَانُ مُسْقِطٌ لَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى كُلِّ قَاذِفٍ سَوَاءٌ أَكَانَ زَوْجًا أَمْ غَيْرَهُ، ثُمَّ جَاءَ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}...الْآيَاتُ مُبَيِّنًا أَنَّ الْقَاذِفَ إِنْ كَانَ زَوْجًا فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْحَدَّ عَنْهُ بِاللِّعَانِ، فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْهُ ثَبَتَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ الْحَدُّ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لِلْقَذْفِ هُوَ اللِّعَانُ، فَإِذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ عَنْهُ حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} إِلَى قَوْلِهِ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فَإِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ مُوجَبَ قَذْفِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ إِذَا لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى صِحَّةِ قَذْفِهِ اللِّعَانَ فَقَطْ، بَعْدَ أَنْ كَانَ مُوجَبُهُ الْحَدَّ بِمُقْتَضَى عُمُومِ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَهِيَ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} وَبِذَلِكَ صَارَتْ آيَةُ الْقَذْفِ مَنْسُوخَةً فِي حَقِّ الْأَزْوَاجِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْمُقَرَّرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْخَاصَّ إِذَا تَأَخَّرَ وُرُودُهُ عَنِ الْعَامِّ كَانَ نَاسِخًا لِلْعَامِّ فِيمَا تَعَارَضَا فِيهِ، وَهُوَ هُنَا الْأَزْوَاجُ، فَإِنَّ آيَةَ اللِّعَانِ، تَأَخَّرَ نُزُولُهَا عَنْ آيَةِ الْقَذْفِ وَإِنْ كَانَتْ مَذْكُورَةً عَقِبَهَا فِي الْمُصْحَفِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: إِنَّا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا وَتَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ، وَاللَّهِ لأَسْأَلَنَّ عَنْهُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم-.

فَلَمَّا كَانَ فِي الْغَدِ أَتَى رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، أَوْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ افْتَحْ» وَجَعَلَ يَدْعُو فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: «وَإِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُوجَبَ قَذْفِ الزَّوْجَةِ كَانَ الْجَلْدَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ اللِّعَانِ ثُمَّ صَارَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ الْخَاصَّةِ بِالْأَزْوَاجِ اللِّعَانَ، وَبِهَذَا كَانَ الْوَاجِبُ بِقَذْفِ الزَّوْجِ الزَّوْجَةَ هُوَ اللِّعَانُ، فَإِذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ عَنْهُ حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ، لِامْتِنَاعِهِ عَنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، كَمَا يُحْبَسُ الْمَدِينُ إِذَا امْتَنَعَ عَنْ إِيفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ.

مَا يَجِبُ إِذَا امْتَنَعَتِ الْمَرْأَةُ عَنِ اللِّعَانِ

20- إِذَا لَاعَنَ الزَّوْجُ وَامْتَنَعَتِ الْمَرْأَةُ عَنِ اللِّعَانِ لَا تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا، وَلَكِنْ تُحْبَسُ حَتَّى تُلَاعِنَ، أَوْ تُصَدِّقَ الزَّوْجَ فِيمَا ادَّعَاهُ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُ خُلِّيَ سَبِيلُهَا مِنْ غَيْرِ حَدٍّ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَوِجْهَتُهُمْ فِي الْحَبْسِ: أَنَّ اللِّعَانَ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لِلْقَذْفِ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ- كَمَا تَقَدَّمَ- فَيَكُونُ وَاجِبًا عَلَى الْمَرْأَةِ بَعْدَ لِعَانِ زَوْجِهَا، فَإِذَا امْتَنَعَتْ عَنْهُ أُجْبِرَتْ عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ، كَالْمَدِينِ إِذَا امْتَنَعَ عَنْ إِيفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُوَفِّيَ مَا عَلَيْهِ.

وَوِجْهَتُهُمْ فِي إِخْلَاءِ سَبِيلِهَا بِدُونِ حَدٍّ إِذَا صَدَّقَتِ الزَّوْجَ: أَنَّ تَصْدِيقَهَا لَيْسَ بِإِقْرَارٍ قَصْدًا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدُّ وَلَوْ أَعَادَتْ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ.

وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ عَنْ إِقْرَارِهَا لَمْ تُحَدَّ، وَامْتِنَاعُهَا عَنِ اللِّعَانِ أَقَلُّ دَلَالَةً عَلَى الزِّنَا مِنَ الْإِقْرَارِ الَّذِي رَجَعَتْ عَنْهُ فَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى

وَالْحَنَابِلَةُ يُوَافِقُونَ الْحَنَفِيَّةَ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا إِذَا امْتَنَعَتْ عَنِ اللِّعَانِ، وَيُخَالِفُونَهُمْ فِيمَا يُصْنَعُ بِهَا إِذَا امْتَنَعَتْ، فَفِي رِوَايَةٍ- وَهِيَ الْأَصَحُّ كَمَا قَالَ الْقَاضِي- تُحْبَسُ حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ بِالزِّنَا، فَإِنْ لَاعَنَتْ سَقَطَ عَنْهَا الْحَدُّ، وَإِنْ أَقَرَّتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ حُدَّتْ حَدَّ الزِّنَا، وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ: يُخَلَّى سَبِيلُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ عَلَيْهَا فَيَجِبُ تَخْلِيَةُ سَبِيلِهَا، كَمَا لَوْ لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ إِذَا لَمْ يَتِمَّ الْتِعَانُهُمَا جَمِيعًا فَلَا تَزُولُ الزَّوْجِيَّةُ وَلَا يَنْتَفِي نَسَبُ الْوَلَدِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِذَا امْتَنَعَتِ الْمَرْأَةُ عَنِ اللِّعَانِ بَعْدَ لِعَانِ الزَّوْجِ حُدَّتْ حَدَّ الزِّنَا وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}.

وَأَضَافَ الْمَالِكِيَّةُ: أَنَّ الْحَدَّ عَلَيْهَا إِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً، وَإِنْ كَانَتْ ذِمِّيَّةً فَفِيهَا الْأَدَبُ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


31-موسوعة الفقه الكويتية (نذر 1)

نَذْرٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- النَّذْرُ لُغَةً: هُوَ النَّحْبُ، وَهُوَ مَا يَنْذِرُهُ الْإِنْسَانُ فَيَجْعَلُهُ عَلَى نَفْسِهِ نَحْبًا وَاجِبًا، يُقَالُ: نَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ لِلَّهِ كَذَا، يَنْذِرُ، وَيَنْذُرُ، نَذْرًا وَنُذُورًا، كَمَا يُقَالُ: أُنْذِرُ وَأَنْذِرُ نَذْرًا، إِذَا أَوْجَبْتَ عَلَى نَفْسِكَ شَيْئًا تَبَرُّعًا، مِنْ عِبَادَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

وَالنَّذْرُ اصْطِلَاحًا: إِلْزَامٌ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْقَوْلِ شَيْئًا غَيْرَ لَازِمٍ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْفَرْضُ:

2- مِنْ مَعَانِي الْفَرْضِ فِي اللُّغَةِ: الْإِيجَابُ، يُقَالُ: فَرَضَ الْأَمْرَ: أَوْجَبَهُ، وَفَرَضَ عَلَيْهِ: كَتَبَهُ عَلَيْهِ.وَفِي الِاصْطِلَاحِ: مَا يُثَابُ الشَّخْصُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْفَرْضِ: أَنَّ النَّذْرَ أَوْجَبَهُ الشَّخْصُ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْفَرْضُ وَجَبَ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ.

ب- التَّطَوُّعُ:

3- التَّطَوُّعُ فِي اللُّغَةِ: التَّبَرُّعُ، يُقَالُ تَطَوَّعَ بِالشَّيْءِ تَبَرَّعَ بِهِ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هُوَ طَاعَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ التَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ أَنَّ النَّذْرَ فِيهِ الْتِزَامٌ بِالْفِعْلِ، بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ فَلَا الْتِزَامَ فِيهِ.

ج- الْيَمِينُ:

4- مِنْ مَعَانِي الْيَمِينِ فِي اللُّغَةِ: الْحَلِفُ.لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَحَالَفُوا ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينَهُ عَلَى يَمِينِ صَاحِبِهِ.

وَالْيَمِينُ اصْطِلَاحًا: تَحْقِيقُ أَمْرٍ غَيْرِ ثَابِتٍ، مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا، نَفْيًا أَوْ إِثْبَاتًا، مُمْكِنًا أَوْ مُمْتَنِعًا، مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ أَوِ الْجَهْلِ بِهِ.

مَشْرُوعِيَّةُ النَّذْرِ:

5- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ فِي الْجُمْلَةِ، وَوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِمَا كَانَ طَاعَةً مِنْهُ.

وَقَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.

أَمَّا الْكِتَابُ الْكَرِيمُ فَبِآيَاتٍ مِنْهَا قوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} وَمِنْهَا مَا قَالَهُ سُبْحَانَهُ فِي شَأْنِ الْأَبْرَارِ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرً.

وَمَا قَالَهُ جَلَّ شَأْنُهُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} وَأَمَّا السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ الْمُطَهَّرَةُ فَبِأَحَادِيثَ مِنْهَا مَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» وَمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رضي الله عنهما- سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَكَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: اذْهَبْ فَاعْتَكِفْ يَوْمًا» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: أَوْفِ بِنَذْرِكَ».

وَمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ».

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ (الْحَفِيدُ) اتِّفَاقَ الْفُقَهَاءِ عَلَى لُزُومِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فِي الْقُرَبِ، وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ.

حُكْمُ النَّذْرِ:

6- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِفَةِ النَّذْرِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى اتِّجَاهَيْنِ:

الِاتِّجَاهُ الْأَوَّلُ: يَرَى أَنَّ النَّذْرَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِبَعْضِهِمْ تَفْصِيلٌ فِي نَوْعِ النَّذْرِ الَّذِي يُوصَفُ بِذَلِكَ.

فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ النَّذْرَ قُرْبَةٌ مَشْرُوعَةٌ، وَلَا يَصِحُّ إِلاَّ بِقُرْبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ- وَهُوَ الَّذِي يُوجِبُهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى مَا كَانَ وَمَضَى- مُسْتَحَبٌّ.

وَذَهَبَ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ النَّذْرَ قُرْبَةٌ.

وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ دُونَ غَيْرِهِ.

وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ هَذَا الِاتِّجَاهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ.أَمَّا الْكِتَابُ فَبِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْأَبْرَارِ: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} وقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ»

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَقَالُوا: إِنَّ النَّذْرَ يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى الْقُرَبِ الْمُخْتَلِفَةِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهَا، وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، فَيَكُونُ النَّذْرُ قُرْبَةً.

وَقَالُوا: إِنَّ الْمُسْلِمَ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِنَوْعٍ مِنَ الْقُرَبِ الْمَقْصُودَةِ الَّتِي لَهُ رُخْصَةُ تَرْكِهَا، لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ، وَهِيَ نَيْلُ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالسَّعَادَةِ الْعُظْمَى فِي دَارِ الْكَرَامَةِ، وَطَبْعُهُ لَا يُطَاوِعُهُ عَلَى تَحْصِيلِهِ، بَلْ يَمْنَعُهُ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَضَرَّةِ الْحَاضِرَةِ وَهِيَ الْمَشَقَّةُ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي التَّرْكِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى اكْتِسَابِ سَبَبٍ يُخْرِجُهُ عَنْ رُخْصَةِ التَّرْكِ، وَيُلْحِقُهُ بِالْفَرَائِضِ الْمُوَظَّفَةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالنَّذْرِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَحْمِلُهُ عَلَى التَّحْصِيلِ خَوْفًا مِنْ مَضَرَّةِ التَّرْكِ، فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُ.

الِاتِّجَاهُ الثَّانِي: يَرَى أَنَّ النَّذْرَ مَكْرُوهٌ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، عَلَى تَفْصِيلٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فِي نَوْعِ النَّذْرِ الَّذِي يُوصَفُ بِذَلِكَ.

إِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي النَّذْرِ الْمُكَرَّرِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ عَلَى النَّاذِرِ فِعْلُهُ كَصَوْمِ كُلِّ خَمِيسٍ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ عَلَى النَّاذِرِ فِي أَوْقَاتٍ قَدْ يَثْقُلُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فِيهَا، فَيَفْعَلُهُ بِالتَّكْلِيفِ مِنْ غَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ وَخَالِصِ نِيَّةٍ.

وَهُوَ قَوْلُ الْبَاجِيِّ وَابْنِ شَاسٍ فِي النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ، لِأَنَّهُ لَمْ تَتَمَحَّضْ فِيهِ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ سَلَكَ النَّاذِرُ فِيهِ سَبِيلَ الْمُعَاوَضَاتِ وَأَبَاحَهُ ابْنُ رُشْدٍ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْمَالِكِيُّ: إِنَّ النَّذْرَ مُحَرَّمٌ فِي حَقِّ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ أَنَّ النَّذْرَ يُوجِبُ حُصُولَ غَرَضٍ عَاجِلٍ، أَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ ذَلِكَ الْغَرَضَ لِأَجْلِ النَّذْرِ، فَإِقْدَامُ مَنِ اعْتَقَدَ ذَلِكَ عَلَى النَّذْرِ مُحَرَّمٌ.وَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ.

وَنَقَلَ الْقَوْلَ بِكَرَاهَةِ النَّذْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ مِنْ فُقَهَائِهِمْ: الْأَصَحُّ اخْتِصَاصُ الْكَرَاهَةِ بِنَذْرِ اللَّجَاجِ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ، بِخِلَافِ نَذْرِ التَّبَرُّرِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَوَسِيلَةٌ إِلَى طَاعَةٍ، وَالْوَسَائِلُ تَأْخُذُ حُكْمَ الْغَايَاتِ، وَلِأَنَّ النَّاذِرَ يُثَابُ عَلَى نَذْرِهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ.

وَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ النَّذْرَ مَكْرُوهٌ.قَالَ الْبُهُوتِيُّ: النَّذْرُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ مَكْرُوهٌ وَلَوْ عِبَادَةً.وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ مُبَاحٌ.

وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ هَذَا الِاتِّجَاهِ بِالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَّا السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ فَبِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّذْرِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ».

وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ: نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّذْرِ فِي الْحَدِيثِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى النَّهْيِ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهِيَ الْحُرْمَةُ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي هُوَ التَّحْرِيمُ فِي حَقِّ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ أَنَّ النَّذْرَ يُوجِبُ حُصُولَ غَرَضٍ مُعَجَّلٍ، أَوْ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْغَرَضَ لِأَجْلِ النَّذْرِ فَيَكُونُ الْإِقْدَامُ عَلَى النَّذْرِ- وَالْحَالَةُ هَذِهِ- مُحَرَّمًا.وَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَقَالُوا: إِنَّ النَّذْرَ لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَفَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوهُ، وَعَدَمُ فِعْلِهِمْ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَتِهِ. صِيغَةُ النَّذْرِ:

7- اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ فِي صِيغَةِ النَّذْرِ أَنْ تَكُونَ بِاللَّفْظِ مِمَّنْ يَتَأَتَّى مِنْهُمُ التَّعْبِيرُ بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ مُشْعِرًا بِالِالْتِزَامِ بِالْمَنْذُورِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي النَّذْرِ هُوَ اللَّفْظُ، إِذْ هُوَ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ النَّاقِلُ لِذَلِكَ الْمَنْدُوبِ الْمَنْذُورِ إِلَى الْوُجُوبِ بِالنَّذْرِ، فَلَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ النِّيَّةُ وَحْدَهَا بِدُونِهِ.

وَيَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ الْكِتَابَةُ الْمَقْرُونَةُ بِنِيَّةِ النَّذْرِ، أَوْ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ الدَّالَّةِ أَوِ الْمُشْعِرَةِ بِالْتِزَامِ كَيْفِيَّةِ الْعُقُودِ.

وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ مَنْ نَذَرَ فَصَرَّحَ فِي صِيغَتِهِ اللَّفْظِيَّةِ أَوِ الْكِتَابِيَّةِ بِلَفْظِ (النَّذْرِ) أَنَّهُ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ، وَيَلْزَمُهُ مَا نَذَرَ.

وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي صِيغَةِ النَّذْرِ إِذَا خَلَتْ مِنْ لَفْظِ (النَّذْرِ) كَمَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، وَلَمْ يَقُلْ نَذْرًا، وَعَمَّا إِذَا كَانَ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَيَلْزَمُهُ مَا نَذَرَ أَمْ لَا؟ عَلَى اتِّجَاهَيْنِ:

الِاتِّجَاهُ الْأَوَّلُ: يَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّ النَّذْرَ يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُ النَّاذِرَ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِي صِيغَتِهِ بِلَفْظِ النَّذْرِ، إِذَا أَتَى بِصِيغَةٍ تُفِيدُ الْتِزَامَهُ بِذَلِكَ، رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- إِذْ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إِلَى الْكَعْبَةِ لِلَّهِ.هَذَا نَذَرَ فَلْيَمْشِ، وَقَالَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَيَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَحَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ أَصْحَابُ هَذَا الِاتِّجَاهِ: إِنَّ عَدَمَ ذِكْرِ لَفْظِ النَّذْرِ فِي الصِّيغَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي لُزُومِ النَّذْرِ إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِالْأَقَاوِيلِ الَّتِي مَخْرَجُهَا مَخْرَجُ النَّذْرِ النَّذْرَ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِلَفْظِ النَّذْرِ.

وَقَالُوا كَذَلِكَ: إِنَّ مَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ النَّذْرِ، فَإِنَّ لَفْظَةَ «عَلَيَّ» فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ لِلْإِيجَابِ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ، فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: هُوَ عَلَيَّ نَذْرٌ.

الِاتِّجَاهُ الثَّانِي: يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَنْعَقِدُ إِلاَّ إِذَا صَرَّحَ فِي صِيغَتِهِ بِلَفْظِ النَّذْرِ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ

وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ هَذَا الِاتِّجَاهِ بِالْمَعْقُولِ فَقَالُوا: إِنَّ النَّذْرَ إِخْبَارٌ بِوُجُوبِ شَيْءٍ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّاذِرِ إِلاَّ أَنْ يُصَرِّحَ بِجِهَةِ الْوُجُوبِ.

أَقْسَامُ النَّذْرِ:

8- قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ النَّذْرَ تَقْسِيمَاتٍ عِدَّةً: فَالْحَنَفِيَّةُ قَسَّمُوا النَّذْرَ إِلَى قِسْمَيْنِ:

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: النَّذْرُ الْمُسَمَّى، وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَ فِيهِ النَّاذِرُ بِمَا نَذَرَ مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا.وَهَذَا النَّذْرُ قَدْ يَكُونُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ أَوْ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ بِأَنْ يُوجِبَهُ النَّاذِرُ عَلَى نَفْسِهِ ابْتِدَاءً، شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى، أَوْ لِغَيْرِ سَبَبٍ.

وَقَدْ يَكُونُ نَذْرًا مُقَيَّدًا بِحُصُولِ شَيْءٍ أَوْ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ، بِأَنْ يُوجِبَهُ النَّاذِرُ عَلَى نَفْسِهِ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطِ حُصُولِ شَيْءٍ هُوَ مِنْ فِعْلِ النَّاذِرِ، وَاجِبًا أَوْ حَرَامًا، أَوْ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادِ، أَوْ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: النَّذْرُ الْمُبْهَمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا نِيَّةَ لِلنَّاذِرِ فِيهِ، وَلَمْ يُعَيِّنِ النَّاذِرُ مَخْرَجَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ.

وَقَسَّمَ الْمَالِكِيَّةُ النَّذْرَ بِاعْتِبَارِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ إِلَى قِسْمَيْنِ: نَذْرٌ مُطْلَقٌ، وَنَذْرٌ مُقَيَّدٌ، أَوْ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ، وَبِاعْتِبَارِ مَا لَهُ مَخْرَجٌ مِنَ الْأَعْمَالِ وَمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إِلَى قِسْمَيْنِ أَيْضًا، نَذْرٌ مُسَمًّى وَنَذْرٌ مُبْهَمٌ بِمَفْهُومِهِمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا النَّذْرَ بِاعْتِبَارِ الْغَرَضِ مِنَ النَّذْرِ إِلَى قِسْمَيْنِ.

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: نَذْرُ التَّبَرُّرِ وَالْقُرْبَةِ، وَهُوَ يَتَنَوَّعُ بِاعْتِبَارِ إِطْلَاقِهِ أَوْ تَعْلِيقِهِ عَلَى شَرْطٍ إِلَى نَوْعَيْنِ:

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: نَذْرٌ مُطْلَقٌ يَلْتَزِمُ فِيهِ النَّاذِرُ النَّذْرَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى شَرْطٍ.

النَّوْعُ الثَّانِي: نَذْرُ الْمُجَازَاةِ، وَهُوَ الَّذِي يَلْتَزِمُ فِيهِ النَّاذِرُ قُرْبَةً فِي مُقَابِلِ حُدُوثِ نِعْمَةٍ أَوِ انْدِفَاعِ بَلِيَّةٍ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَهُوَ الَّذِي يَمْنَعُ النَّاذِرُ فِيهِ نَفْسَهُ مِنْ فِعْلٍ وَيَحُثُّهَا عَلَيْهِ، بِتَعْلِيقِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالتَّرْكِ، وَيُقَالُ فِيهِ: يَمِينُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَيَمِينُ الْغَلَقِ وَنَذْرُ الْغَلَقِ.

كَمَا قَسَّمُوا النَّذْرَ بِاعْتِبَارِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ إِلَى أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ:

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: نَذْرُ الطَّاعَةِ، وَهُوَ الْتِزَامُ مَا يُعَدُّ طَاعَةً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، وَالطَّاعَةُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ:

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الْوَاجِبَاتُ، كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ رَمَضَانِ وَعَدَمِ شُرْبِ الْخَمْرِ.

النَّوْعُ الثَّانِي: الْعِبَادَاتُ الْمَقْصُودَةُ وَهِيَ الَّتِي شُرِعَتْ لِلتَّقَرُّبِ بِهَا، وَعُلِمَ مِنَ الشَّارِعِ تَكْلِيفُ الْخَلْقِ بِإِيقَاعِهَا عِبَادَةً كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَالِاعْتِكَافِ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْقُرُبَاتُ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ لِكَوْنِهَا عِبَادَةً، وَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالٌ وَأَخْلَاقٌ مُسْتَحْسَنَةٌ، رَغَّبَ الشَّارِعُ فِيهَا لِعِظَمِ فَائِدَتِهَا، وَقَدْ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى فَيُنَالَ الثَّوَابُ فِيهَا: كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: نَذْرُ الْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ الْتِزَامُ مَا نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ، كَشُرْبِ الْخَمْرِ، أَوِ الْقَتْلِ أَوْ تَرْكِ الصَّلَاةِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: نَذْرُ الْمُبَاحِ، وَهُوَ الْتِزَامُ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ، كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَالْقِيَامِ.

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَإِنَّ ابْنَ قُدَامَةَ قَسَّمَ النَّذْرَ إِلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ هِيَ: نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَنَذْرُ الْوَاجِبِ، وَنَذْرُ الْمُسْتَحِيلِ، وَمُثِّلَ لِهَذَا الْأَخِيرِ بِمَنْ نَذَرَ صَوْمَ أَمْسِ.وَهِيَ فِي مُجْمَلِهَا لَا تَخْرُجُ عَمَّا عَرَفْتَ بِهِ قَبْلًا.

وَقَدْ قَسَّمَ الْبُهُوتِيُّ النَّذْرَ إِلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ هِيَ: نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ، وَنَذْرُ الْمُبَاحِ، وَنَذْرُ الْمَكْرُوهِ- وَقَدْ مَثَّلَ لَهُ بِنَذْرِ الطَّلَاقِ أَوْ تَرْكِ السُّنَّةِ- وَنَذْرُ الْمَعْصِيَةِ، وَنَذْرُ التَّبَرُّرِ.

وَفِيمَا يَلِي حُكْمُ كُلِّ قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِ النَّذْرِ:

أ- نَذْرُ اللَّجَاجِ:

9- نَذْرُ اللَّجَاجِ هُوَ النَّذْرُ الَّذِي يَمْنَعُ النَّاذِرُ فِيهِ نَفْسَهُ مِنْ فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ يَحْمِلُهَا عَلَيْهِ، بِتَعْلِيقِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ بِالْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ، وَهُوَ كَقَوْلِ النَّاذِرِ: إِنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا، أَوْ لَمْ أَضْرِبْهُ، فَعَلَيَّ حَجٌّ أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ.أَوْ إِنْ لَمْ أَكُنْ صَادِقًا فَعَلَيَّ صَوْمٌ. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَلْزَمُ النَّاذِرَ فِي هَذَا النَّوْعِ.

10- فَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا نَذَرَ، أَوْ يُكَفِّرُ عَنْهُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ إِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ، رُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- إِذْ رَجَعَ إِلَيْهِ فِي آخِرِ عُمُرِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقُولُ بِلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ- وَمَحَلُّ هَذَا التَّخْيِيرِ إِذَا كَانَ النَّاذِرُ لَا يُرِيدُ تَحَقُّقَ الشَّرْطِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ النَّوَوِيِّ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَّا السُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ فَبِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا نَذْرَ فِي غَضَبٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ هَذَا النَّذْرَ كَالْيَمِينِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى تَحَقُّقِ الشَّرْطِ أَنْ يُخَيَّرَ النَّاذِرُ فِيهِ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا نَذَرَ، أَوْ بِالْكَفَّارَةِ كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ جَعَلَ الْحَدِيثُ كَفَّارَةَ هَذَا النَّذْرِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَقَالُوا: إِنَّ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ يُشْبِهُ النَّذْرَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ، وَيُشْبِهُ الْيَمِينَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَقْصُودَهُ مَقْصُودُ الْيَمِينِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ مُوجِبِهِمَا، وَلَا سَبِيلَ كَذَلِكَ إِلَى تَعْطِيلِهِمَا، فَتَعَيَّنَ التَّخْيِيرُ.

وَقَالُوا: إِنَّ تَخْيِيرَ النَّاذِرِ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ النَّذْرِ بَيْنَ الْوَفَاءِ وَالتَّكْفِيرِ أَجْمَعُ لِلصِّفَتَيْنِ مَعًا، فَإِنِ اعْتُبِرَ نَذْرًا خَرَجَ النَّاذِرُ عَنِ الْعُهْدَةِ بِاخْتِيَارِ الْوَفَاءِ بِهِ، وَإِنِ اعْتُبِرَ يَمِينًا خَرَجَ عَنِ الْعُهْدَةِ بِاخْتِيَارِ التَّكْفِيرِ عَنْهُ، فَيَخْرُجُ عَنِ الْعُهْدَةِ بِكُلِّ حَالٍ مِنْهُمَا.

وَقَالُوا كَذَلِكَ: إِنَّ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ، وَهُوَ بِظَاهِرِهِ نَذْرٌ، فَيَتَخَيَّرُ النَّاذِرُ بَيْنَ الْوَفَاءِ وَالتَّكْفِيرِ، وَيَمِيلُ إِلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَبَيْنَ الْكَثِيرِ وَهُوَ الْمَنْذُورُ- فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ جَائِزٌ، كَالْعَبْدِ إِذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ بِالْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ أَدَاءِ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، وَالنَّذْرُ وَالْيَمِينُ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ لِأَنَّ النَّذْرَ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ وَاجِبٌ لِعَيْنِهِ وَالْيَمِينُ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ وَاجِبٌ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ صِيَانَةُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى

11- وَيَرَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ النَّاذِرَ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا سُمِّيَ فِي هَذَا النَّذْرِ.رُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَّا الْكِتَابُ الْكَرِيمُ فَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ فِي شَأْنِ الْأَبْرَارِ: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْآيَتَيْنِ أَفَادَتَا وُجُوبَ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ أَوِ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ، كَمَا أَفَادَتْ إِثْمَ مَنْ لَمْ يَفِ بِهِ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ الْمُطَهَّرَةُ فَبِأَحَادِيثَ مِنْهَا مَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» وَمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ- رضي الله عنهما- قَالَ: «نَذَرْتُ نَذْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- بَعْدَمَا أَسْلَمْتُ فَأَمَرَنِي أَنْ أُوفِيَ بِنَذْرِي» وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا أَفَادَتْ وُجُوبَ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ إِنْ كَانَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى.وَنَذْرُ اللَّجَاجِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَقَالُوا: إِنَّ الْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ هُوَ فِعْلُ مَا تَنَاوَلَهُ النَّذْرُ وَلَيْسَ الْكَفَّارَةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ التَّصَرُّفِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْقَعَهُ الْمُتَصَرِّفُ تَنْجِيزًا كَانَ أَوْ تَعْلِيقًا بِشَرْطٍ، وَالْمُتَصَرِّفُ أَوْقَعَهُ نَذْرًا عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ إِيجَابُ الطَّاعَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا إِيجَابُ الْكَفَّارَةِ. كَمَا قَالُوا: إِنَّ النَّاذِرَ قَدِ الْتَزَمَ عِبَادَةً فِي مُقَابَلَةِ شَرْطٍ، فَتَلْزَمُهُ عِنْدَ وُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ.

وَأَضَافُوا كَذَلِكَ: إِنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ، عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ وُجُودِ الْمَشْرُوطِ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا.

12- وَيَرَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ النَّاذِرَ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فَيَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ هَذَا بِالْكَفَّارَةِ.وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ- رضي الله عنهم-، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.

وَاسْتَدَلُّوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَّا الْكِتَابُ الْكَرِيمُ فَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ نَذْرَ اللَّجَاجِ بِمَفْهُومِهِ السَّابِقِ يَمِينٌ، لِأَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى شَرْطٌ وَجَزَاءٌ، وَنَذْرُ اللَّجَاجِ كَذَلِكَ، فَتَجِبُ فِيهِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ فَبِأَحَادِيثَ مِنْهَا مَا وَرَدَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا نَذْرَ فِي غَضَبٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ».وَبِمَا وَرَدَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُمَا أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ أَفَادَا أَنَّ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ تُجْزِئُ فِيهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَلَا يَلْزَمُ النَّاذِرُ أَنْ يَفِيَ بِهِ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: حَدِيثُ عُقْبَةَ يُفِيدُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِي النَّذْرِ إِنْ لَمْ يَفِ بِهِ النَّاذِرُ، وَلَا كَفَّارَةَ وَاجِبَةٌ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ جَزْمًا، فَتَعَيَّنَ حَمْلُ النَّذْرِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَقَالُوا: إِنَّ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى الِامْتِنَاعُ عَنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ تَحْصِيلُهُ خَوْفًا مِنْ لُزُومِ الْحِنْثِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي هَذَا النَّذْرِ، لِأَنَّ النَّاذِرَ إِنْ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ، فَقَدْ قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ فَقَدْ قَصَدَ تَحْصِيلَ الشَّرْطِ، وَكُلُّ ذَلِكَ خَوْفًا مِنَ الْحِنْثِ، فَكَانَ هَذَا النَّذْرُ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَلَزِمَ النَّاذِرَ كَفَّارَةٌ عِنْدَ الْحِنْثِ

ب- نَذْرُ الطَّاعَةِ:

13- يُقْصَدُ بِنَذْرِ الطَّاعَةِ الْتِزَامُ مَا يُعَدُّ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى، سَوَاءٌ شُرِعَتْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهَا، أَوْ لَمْ تُشْرَعْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إِلاَّ أَنَّ الشَّارِعَ رَغِبَ فِي تَحْصِيلِهَا، وَقَدْ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَسَوَاءٌ نَذَرَ هَذَا مُطْلَقًا، أَوْ مُقَيَّدًا أَوْ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ.

أَوَّلًا: نَذْرُ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودَةِ:

14- يُقْصَدُ بِهَذِهِ الْعِبَادَاتِ: مَا شُرِعَتْ لِلتَّقَرُّبِ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا لَهُ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ بِالشَّرْعِ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالِاعْتِكَافِ

وَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا.فَمَنْ نَذَرَ أَيًّا مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ مُطْلَقًا، أَوْ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَابْنُ قُدَامَةَ، أَوْ فِي مُقَابِلِ نِعْمَةٍ اسْتَجْلَبَهَا، أَوْ نِقْمَةٍ اسْتَدْفَعَهَا.

وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِنَذْرِ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ بِعُمُومِ قوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} الدَّالِّ عَلَى الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ مُطْلَقًا.

وَبِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ قُرْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى كَالصَّلَاةِ أَوِ الصَّدَقَةِ أَوِ الْعُمْرَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّ نَذْرَهُ هَذَا هُوَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقَدْ أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى مَنْ نَذَرَ مِثْلَ ذَلِكَ أَنْ يَفِيَ بِنَذْرِهِ، فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهَذَا النَّذْرِ. وَقَالُوا: إِنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ وَفَاءِ النَّاذِرِ بِمَا الْتَزَمَهُ مِنَ الْعِبَادَةِ الْمَقْصُودَةِ لِذَاتِهَا، سَوَاءٌ الْتَزَمَهَا قُرْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، أَوِ الْتَزَمَهَا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةٍ حَدَثَتْ أَوْ نِقْمَةٍ ذَهَبَتْ، وَقَدْ حَكَى هَذَا الْإِجْمَاعَ النَّوَوِيُّ وَابْنُ قُدَامَةَ

ثَانِيًا: نَذْرُ الْقُرَبِ غَيْرِ الْمَقْصُودَةِ:

15- يُقْصَدُ بِهَذِهِ الْقُرَبِ: مَا لَمْ يُشْرَعْ عِبَادَةً، وَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالٌ وَأَخْلَاقٌ مُسْتَحْسَنَةٌ رَغَّبَ الشَّارِعُ فِيهَا لِعِظَمِ فَائِدَتِهَا، وَقَدْ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ مِثْلُ: بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْتِزَامِهَا بِالنَّذْرِ عَلَى مَذْهَبَيْنِ:

الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ: يَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الْتِزَامُ أَيٍّ مِنْ هَذِهِ الْقُرَبِ بِالنَّذْرِ وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ.وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى صِحَّةِ الْتِزَامِ هَذِهِ الْقُرَبِ بِالنَّذْرِ وَوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ بِعُمُومِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهَا، كَمَا اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» وَبِحَدِيثِ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: أَوْفِ بِنَذْرِكَ» فَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِالْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ إِذَا كَانَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَمَنِ الْتَزَمَ قُرْبَةً مِنَ الْقُرَبِ السَّابِقَةِ بِالنَّذْرِ فَقَدْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَ مِنْ ذَلِكَ.

وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِالْقِيَاسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الشَّارِعَ قَدْ رَغَّبَ فِي هَذِهِ الْقُرَبِ وَحَضَّ عَلَى تَحْصِيلِهَا، وَالْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَهِيَ بِمَثَابَةِ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودَةِ.

وَأَضَافُوا: إِنَّ هَذِهِ الْقُرَبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ، إِلاَّ أَنَّهُ يَصِحُّ الْتِزَامُهَا بِالنَّذْرِ وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَلْزَمَ النَّاذِرُ نَفْسَهُ أُضْحِيَةً أَوْ أَوْجَبَ هَدْيًا أَوِ اعْتِكَافًا أَوْ عُمْرَةً، فَإِنَّ هَذِهِ يَصِحُّ الْتِزَامُهَا بِالنَّذْرِ اتِّفَاقًا، وَلَيْسَتْ مِنَ الْفُرُوضِ وَقَالُوا أَيْضًا إِنَّ النَّاذِرَ قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ قُرْبَةً عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّرِ فَتَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ، قِيَاسًا عَلَى الْتِزَامِهِ مَا لَهُ أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ، وَالَّذِي هُوَ مَوْضِعُ إِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ

الْمَذْهَبُ الثَّانِي: يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُ أَيٍّ مِنْ هَذِهِ الْقُرَبِ بِالنَّذْرِ، وَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ

وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ هَذِهِ الْقُرَبَ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ، فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهَا بِالنَّذْرِ، إِذِ النَّذْرُ إِيجَابُ الْعَبْدِ، فَيُعْتَبَرُ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، إِذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْإِيجَابِ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا صَحَّحْنَا إِيجَابَهُ فِي مِثْلِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنَّذْرِ، كَمَا أَنَّ هَذِهِ الْقُرَبَ لَيْسَتْ عَلَى أَوْضَاعِ الْعِبَادَاتِ فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهَا بِالنَّذْرِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


32-موسوعة الفقه الكويتية (يوم عرفة 2)

يَوْمُ عَرَفَةَ -2

مَكْرُوهَاتُ يَوْمِ عَرَفَةَ:

أ- تَرْكُ الْإِقَامَةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ بِعَرَفَةَ:

29- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِقَامَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَاتَيْنِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ بِعَرَفَةَ، وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِكَرَاهَةِ تَرْكِ الْإِقَامَةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ.

ب- الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ:

30- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَدَمَ كَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ مَكْرُوهٌ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْرَام ف 37، 38).

ج- الْإِسْرَاعُ فِي السَّيْرِ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا إِسْرَاعًا يُؤَدِّي إِلَى الْإِيذَاءِ:

31- يُكْرَهُ الْإِسْرَاعُ فِي السَّيْرِ إِسْرَاعًا يُؤَدِي إِلَى الْإِيذَاءِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ».وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: تَرْكُ الْإِيذَاءِ وَاجِبٌ.

د- التَّظَلُّلُ يَوْمَ عَرَفَةَ:

32- صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْوَاقِفِ بِعَرَفَةَ أَنْ لَا يَسْتَظِلَّ، بَلْ يَبْرُزَ لِلشَّمْسِ إِلاَّ لِلْعُذْرِ، بِأَنْ يَتَضَرَّرَ أَوْ يَنْقُصَ دُعَاؤُهُ أَوِ اجْتِهَادُهُ فِي الْأَذْكَارِ.وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- اسْتَظَلَّ بِعَرَفَاتٍ، مَعَ ثُبُوتِ حَدِيثٍ عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ- رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «ظُلِّلَ عَلَيْهِ بِثَوْبٍ وَهُوَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ».

وَاسْتَحَبَّ الْمَالِكِيَّةُ تَرْكَ الِاسْتِظْلَالِ زَمَنَ الْوُقُوفِ يَوْمَ عَرَفَةَ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اسْتِظْلَالُ الْمُحْرِمِ فِي الْقِبَابِ وَالْأَخْبِيَةِ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِظْلَالِهِ حَالَ الْوُقُوفِ، فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَدْ ذَكَرُوا حُكْمَ اسْتِظْلَالِ الْمُحْرِمِ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمَلِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ غَيْرِ التَّخْصِيصِ بِزَمَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.

فَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَظِلَّ الْمُحْرِمُ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمَلِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ- رضي الله عنه-: «وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-، إِلَى أَنْ قَالَ: فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا».

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِالْمَحْمَلِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ اسْتِظْلَالُ الْمُحْرِمِ بِالْمَحْمَلِ.

هـ- صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ:

33- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى اسْتِحْبَابِهِ لِلْحَاجِّ إِذَا لَمْ يُضْعِفْهُ عَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَلَا يُخِلُّ بِالدَّعَوَاتِ، أَمَّا غَيْرُ الْحَاجِّ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فِي حَقِّهِ (ر: صَوْمُ التَّطَوُّعِ ف9).

و- تَرْكُ خُطْبَةِ عَرَفَةَ، أَوْ إِيقَاعُهَا قَبْلَ الزَّوَالِ:

34- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ خُطْبَةِ عَرَفَةَ أَوْ إِيقَاعَهَا قَبْلَ الزَّوَالِ مَكْرُوهٌ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ: إِنْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ: «جَازَ» مُعَلِّقًا عَلَيْهِ: أَيْ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ.

وَيَرَى ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ جَوَازَ الْإِتْيَانِ بِخُطْبَةِ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَيَمْنَعُ أَشْهَبُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَرَى إِعَادَتَهَا لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَفُوتَ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ لَا تَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَاحْتَجَّ الْبَاجِيُّ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ جَوَازِ إِيقَاعِ الْخُطْبَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ بِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ لِلصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا هِيَ تَعْلِيمٌ لِلْحَاجِّ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُغَيَّرْ حُكْمُ الصَّلَاةِ فِي الْجَهْرِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمِ الْأَذَانُ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا وَقْتَ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا مِنْ حُكْمِهَا ذَلِكَ لِمَا شُرِعَ مِنَ اتِّصَالِهَا بِالصَّلَاةِ.وَقَالَ الدُّسُوقِيُّ: لَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَصَلَّى بَعْدَهُ، أَوْ صَلَّى بِغَيْرِ خُطْبَةٍ أَجْزَأَهُ إِجْمَاعًا.

ز- دُخُولُ عَرَفَاتٍ قَبْلَ وَقْتِ الْوُقُوفِ:

35- قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: أَكْرَهُ لِلْحُجَّاجِ أَنْ يَتَقَدَّمُوا إِلَى عَرَفَةَ قَبْلَ عَرَفَةَ هُمْ أَنْفُسُهُمْ أَوْ يُقَدِّمُوا أَبْنِيَتَهُمْ.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ دُخُولَ الْحُجَّاجِ أَرْضَ عَرَفَاتٍ قَبْلَ وَقْتِ الْوُقُوفِ خَطَأٌ وَبِدْعَةٌ وَمُنَابَذَةٌ لِلسُّنَّةِ، وَتَفُوتُهُمْ بِسَبَبِهِ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَدْفَعُ الْحَاجُّ إِلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَقَالُوا: هَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ حَتَّى لَوْ ذَهَبَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَيْهَا جَازَ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى مِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَبِيتَ بِهَا، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ سَارَ إِلَى عَرَفَةَ، فَأَقَامَ بِنَمِرَةَ نَدْبًا حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، فَمَنْ خَرَجَ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَأْتِ بِالْمُسْتَحَبِّ.

التَّوَجُّهُ إِلَى عَرَفَةَ وَكَيْفِيَّةُ الْوُقُوفِ بِهَا:

36- إِذَا كَانَ صَبَاحُ يَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يُصَلِّي الْحَاجُّ صَلَاةَ الْفَجْرَ فِي مِنًى، ثُمَّ يَمْكُثُ إِلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتُشْرِقَ عَلَى جَبَلِ ثَبِيرٍ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ تَوَجَّهَ إِلَى عَرَفَاتٍ مَعَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، مُلَبِّيًا مُهَلِّلًا مُكَبِّرًا، وَهَكَذَا مِنْ سَائِرِ الْأَذْكَارِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْوُقُوفِ، وَإِلاَّ فَلْيَتَوَضَّأْ.

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي التَّوَجُّهِ إِلَى عَرَفَاتٍ: اللَّهُمَّ إِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَوَجْهَكَ الْكَرِيمَ أَرَدْتُ، فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا، وَحَجِّي مَبْرُورًا، وَارْحَمْنِي وَلَا تُخَيِّبْنِي، وَبَارِكْ فِي سَفَرِي، وَاقْضِ بِعَرَفَاتٍ حَاجَتِي إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

37- وَإِذَا قَرُبَ مِنْ عَرَفَةَ وَوَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَعَايَنَهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَوَجْهَكَ أَرَدْتُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، وَأَعْطِنِي سُؤَالِي، وَوَجِّهْ إِلَيَّ الْخَيْرَ أَيْنَمَا تَوَجَّهْتُ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ.ثُمَّ يُلَبِّي إِلَى أَنْ يَدْخُلَ عَرَفَةَ وَيَنْزِلَ مَعَ النَّاسِ حَيْثُ شَاءَ، إِلاَّ الطَّرِيقَ، وَقُرْبُ الْجَبَلِ أَفْضَلُ، هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَنْزِلُ بِنَمِرَةَ وَيَمْكُثُ إِلَى الظُّهْرِ لِيَشْهَدَ مَعَ الْإِمَامِ الْخُطْبَةَ وَجَمْعَ صَلَاتَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ.

وَلَا يَشْتَغِلُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالسُّنَنِ أَوِ التَّطَوُّعِ أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِهِمَا مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، وَيَقِفُ بِعَرَفَةَ إِلَى الْغُرُوبِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْزِلَ قُرْبَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ، وَيُحَاوِلَ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْقِفِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-.وَهَذَا إِنْ تَيَسَّرَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَإِذَا نَزَلَ فِي عَرَفَاتٍ يَمْكُثُ فِيهَا وَيَقِفُ لِلدُّعَاءِ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ رَافِعًا يَدَيْهِ بَاسِطَهُمَا، كَالْمُسْتَطْعَمِ الْمِسْكِينِ، كَمَا وَرَدَ فِي صِفَةِ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِعَرَفَةَ.

وَيَجْهَرُ فِي التَّلْبِيَةِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ، وَيَأْتِي بِصِيغَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ» وَمِمَّا وَرَدَ فِي التَّلْبِيَةِ بِعَرَفَةَ خَاصَّةً «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ قَالَ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا الْخَيْرُ خَيْرُ الْآخِرَةِ».وَفِي رِوَايَةٍ: لَبَّيْكَ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ».

وَأَمَّا الْأَدْعِيَةُ وَالْأَذْكَارُ فَإِخْفَاؤُهَا أَوْلَى إِلاَّ إِنِ احْتَاجَ أَنْ يُسْمِعَ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ فِيهَا.

وَيُكَرِّرُ كُلَّ دُعَاءٍ يَدْعُو بِهِ ثَلَاثًا، وَيَسْتَفْتِحُ الدُّعَاءَ بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، وَيَخْتِمُهُ بِذَلِكَ، وَبِآمِينَ، وَيَسْتَمِرُّ هَكَذَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَيُلَبِّي فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَلْيُحَافِظْ عَلَى طَهَارَةِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ، وَلْيَتَبَاعَدْ عَنِ الْحَرَامِ فِي أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَلُبْسِهِ وَرُكُوبِهِ وَنَظَرِهِ وَكَلَامِهِ، وَكُلِّ أَمْرِهِ، وَلْيَحْذَرْ مِنْ ذَلِكَ كُلَّ الْحَذَرِ، فَقَدْ «قَالَ- صلى الله عليه وسلم- فِي يَوْمِ عَرَفَةَ: إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ غُفِرَ لَهُ».

وَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ أَفَاضَ الْإِمَامُ- أَيْ سَارَ- مِنْ عَرَفَةَ وَسَارَ النَّاسُ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَخُّرٍ، وَعَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ فِي بَاطِنِ نُفُوسِهِمْ، وَالْوَقَارُ؛ أَيِ الرَّزَانَةُ فِي الظَّاهِرِ، فَإِنْ وَجَدَ سَعَةً فِي الطَّرِيقِ أَسْرَعَ بِلَا إِيذَاءٍ، مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِي سَيْرِهِ مُلَبِّيًا مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُسْتَغْفِرًا دَاعِيًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، ذَاكِرًا كَثِيرًا، بَاكِيًا أَوْ مُتَبَاكِيًا، وَيَدْعُو اللَّهَ أَلاَّ يَجْعَلَهُ آخِرَ الْعَهْدِ بِعَرَفَةَ.وَيَظَلُّ عَلَى الذِّكْرِ وَالْخُشُوعِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ، وَلَا يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَلَا الْعِشَاءَ حَتَّى يَدْخُلَ الْمُزْدَلِفَةَ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ أَدَّى رَكْنَ الْوُقُوفِ تَامًّا بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ، لِأَنَّهُ يُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- سَلَكَهَا وَإِنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى جَازَ.

الْأَدْعِيَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ:

38- يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنَ الدُّعَاءِ وَمِنْ صِيَغِهِ مَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو- رضي الله عنهما- أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».

وَفِي الْبَيْهَقِيِّ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَكْثَرُ دُعَائِي وَدُعَاءِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي بِعَرَفَةَ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ وَسْوَاسِ الصَّدْرِ وَشَتَاتِ الْأَمْرِ وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ.اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا يَلِجُ فِي اللَّيْلِ وَشَرِّ مَا يَلِجُ فِي النَّهَارِ وَشَرِّ مَا تَهُبُّ بِهِ الرِّيَاحُ، وَمِنْ شَرِّ بَوَائِقِ الدَّهْرِ».

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ مِمَّا دَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَسْمَعُ كَلَامِي، وَتَرَى مَكَانِي، وَتَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي، لَا يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِي، أَنَا الْبَائِسُ الْفَقِيرُ الْمُسْتَغِيثُ الْمُسْتَجِيرُ الْوَجِلُ الْمُشْفِقُ الْمُقِرُّ الْمُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ، أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْمِسْكِينِ، وَأَبْتَهِلُ إِلَيْكَ ابْتِهَالَ الْمُذْنِبِ الذَّلِيلِ، وَأَدْعُوكَ دُعَاءَ الْخَائِفِ الضَّرِيرِ، مَنْ خَضَعَتْ لَكَ رَقَبَتُهُ، وَفَاضَتْ لَكَ عَيْنَاهُ، وَذَلَّ لَكَ جَسَدُهُ، وَرَغِمَ أَنْفُهُ لَكَ، اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي بِدُعَائِكِ شَقِيًّا، وَكُنْ بِي رَؤُوفًا رَحِيمًا، يَا خَيْرَ الْمَسْؤُولِينَ وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ».

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ: «لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا بِالْهُدَى، وَزَيِّنَّا بِالتَّقْوَى وَاغْفِرْ لَنَا فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى» ثُمَّ يَخْفِضُ صَوْتَهُ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَعَطَائِكَ رِزْقًا طَيِّبًا مُبَارَكًا، اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَ بِالدُّعَاءِ وَقَضَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ بِالِاسْتِجَابَةِ، وَأَنْتَ لَا تُخْلِفُ وَعْدَكَ وَلَا تُكَذِّبُ عَهْدَكَ، اللَّهُمَّ مَا أَحْبَبْتَ مِنْ خَيْرٍ فَحَبِّبْهُ إِلَيْنَا وَيَسِّرْهُ لَنَا، وَمَا كَرِهْتَ مِنْ شَيْءٍ فَكَرِّهْهُ إِلَيْنَا وَجَنِّبْنَاهُ، وَلَا تَنْزِعْ عَنَّا الْإِسْلَامَ بَعْدَ إِذْ أَعْطَيْتَنَا.

التَّعْرِيفُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْأَمْصَارِ:

39- التَّعْرِيفُ هُوَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ فِي الْبُلْدَانِ وَالْأَمْصَارِ بَعْدَ عَصْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَالْأَخْذُ فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالضَّرَاعَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ عَرَفَةَ.

وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ: التَّعْرِيفُ هُوَ تَشْبِيهُ النَّاسِ أَنْفُسِهِمْ بِالْوَاقِفِينَ بِعَرَفَاتٍ.وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ التَّعْرِيفِ:

الرَّأْيُ الْأَوَّلُ: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ) إِلَى أَنَّ التَّعْرِيفَ مَكْرُوهٌ.

قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهَا كَرَاهَةٌ تَحْرِيمِيَّةٌ، لِأَنَّ الْوُقُوفَ عُهِدَ قُرْبَةً بِمَكَانٍ مَخْصُوصٍ.فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ كَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الطَّوَافُ حَوْلَ مَسْجِدٍ أَوْ بَيْتٍ سِوَى الْكَعْبَةِ تَشَبُّهًا.

وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: إِنَّ التَّعْرِيفَ لَيْسَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ، إِنَّمَا مَفَاتِيحُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنَ الْبِدْعَةِ.

وَعَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَكَمَ وَحَمَّادًا عَنِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْمَسَاجِدِ فَقَالَا: هُوَ مُحْدَثٌ.وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: هُوَ مُحْدَثٌ.

وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَتَبِعَهُ الْمِرْدَاوِيُّ: لَمْ يَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ التَّعْرِيفَ بِغَيْرِ عَرَفَةَ، وَأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَنَّهُ مُنْكَرٌ، وَفَاعِلُهُ ضَالٌّ.

الرَّأْيُ الثَّانِي: رَخَّصَ فِي التَّعْرِيفِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الشَّافِعِيَّةِ.قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيفِ بِالْأَمْصَارِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ.

وَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ التَّعْرِيفِ فِي الْأَمْصَارِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسَاجِدِ يَوْمَ عَرَفَةَ، قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ: الْحَسَنُ وَبَكْرٌ وَثَابِتٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ كَانُوا يَشْهَدُونَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ عَرَفَةَ.

قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: فَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ- رضي الله عنهم- مِنَ الصَّحَابَةِ، وَطَائِفَةٌ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ.

قَالَ الْوَنَائِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَلَا كَرَاهِيَةَ فِي التَّعْرِيفِ بِغَيْرِ عَرَفَةَ، بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ، وَهُوَ جَمْعُ النَّاسِ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ لِلدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالضَّرَاعَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ عَرَفَةَ.

قَالَ الشَّرْوَانِيُّ: وَكَذَا اعْتَمَدَ الْعَشْمَاوِيُّ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ.

الرَّأْيُ الثَّالِثُ: قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَهِيَ مِنَ الْمُفْرَدَاتِ: يُسْتَحَبُّ التَّعْرِيفُ.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


33-الغريبين في القرآن والحديث (رمم)

(رمم)

قوله تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}

الرميم: البالي: والرمة: العظم البالي: يقال: رم العظم وأرم إذا بلي.

وقوله تعالى: {كَالرَّمِيمِ} الرميم: الورق الجاف المتحطم كالهشيم.

وفي حديث علي- رضي الله عنه- (إن جاء بأربعة يشهدون وإلا دفع إليه برمته) أي: سلم إلى أولياء القتيل، قال ابن الأنباري: فيه قولان: أحدهما أن الرمة: قطعة حبل يشد بها الأسير أو القاتل إذا قيد إلى القتل للقود، دل على ذلك قول على: إن لم يقم البينة قاده أهله بحبل في عنقه إلى أولياء القتيل فيقتلونه، والقول الآخر أن يقال: إن أصله البعير يشد في عنقه حبل، يقال: أعطه البعير برمته، ومنه يقال: أخذت الشيء برمته، أي: كله.

وفي الحديث: (أنه قال: أيكم المتكلم بكذا؟ فأرم القوم) أي: سكتوا، ولم يجيبوا، يقال: أرم القوم فهم مرمون، ويروى: (فأزم) ومعناه يرجع إلى الأول: وهو الإمساك عن الكلام والطعام أيضا وبه سميت الحمية: أزما وفي حديث عائشة رضي الله عنها: (كان له عليه السلام وحش، فإذا خرج لعب

وجاء وذهب، وإذا جاء ربض فلم يترمرم ما دام في البيت) أي: لم يتحرك ويجوز أن يكون مبنيا من رام يريم، كما تقول: خضخضت الإناء، وأصله من خاض يخوض، ونخنخت البعير وأصله أناخ.

وفي الحديث: (عليكم بالبان البقر، فإنها ترم من كل الشجر) ويروى: (ترتم) وقال ابن شميل: الرم والإرتمام: الأكل، ومنه مرمة ذوات الأظلاف، وهي بمنزلة الفم مقمة الشفة من الإنسان.

وفي الحديث: (نهى عن الاستنجاء بالروث والرمة).

الرمة والرميم واحد: وهي العظام البالية.

وقالت أم عبد المطلب: (لما أردفه المطلب، كنا ذوي ثمة ورمة) قال الأزهري: هذا الحرف روته الرواة هكذا، وأنكره أبو عبيد في حديث أحيحة، والصحيح ما روته والأصل فيه ما قاله ابن السكيت: ما له ثم ولا رم فالثم: قماش البيت والرم: مرمة البيت، كأنها أرادت: كنا القائمين بأمره منذ ولد إلى أن شب وقوي.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


34-الغريبين في القرآن والحديث (زور)

(زور)

قوله عز وجل: {تزاور عن كهفهم} وقرئ: تزور وقرئ: تزاور، وتزاور، يقال: ازور عنه، وتزاور عنه، إذا مال عنه.

قوله تعالى: {وزورا} أي كذبًا. سمي زورًا. لأنه أميل عن الحق، ومدينة زوراء، أي: مائلة.

وقوله تعالى: {والذين لا يشهدون الزور} قيل: هو الشرك بالله تعالى، وقيل: هو أعياد اليهود والنصارى.

وقوله تعالى: {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر} أي: أدرككم الموت.

قال الشاعر:

«إذا ما زار مجنأة عليها ثقال الصخر *** الخشب القطيل أيك مات فقيرًا»

والمجناة: القبر.

وفي حديث الدجال: (مكبلًا بأزورة) قال أبو عمرو غلام ثعلب: هو جمع زوار، وهو حبل يجعل بين التصدير والحقب، ويقال له أيضًا: الشكال، المعنى: أنه جمعت يداه إلى صدره فشدت هناك.

وفي بعض الحديث: (فجعله في الزارة) وهي: الأجمة والغابة.

وفي حديث عمر - رضي الله عنه -: (كنت زورت في نفسي مقالة أقوم بها بين يدي أبي بكر - رضي الله عنه -) أي: أصلحت وهيأت، والتزوير: إصلاح الشيء، وقيل: أخذت شهادة الزور منه، وكل شيء كان صلاحًا لشيء فهو زوار له وزيار ومنه أخذ زيار الدابة.

وفي الحديث: (المتشبع بما لا يملك كلابس ثوبي زور) قال أبو عبيد: هو أن يلبس المرائي ثياب الزهاد، يرى أنه زاهد، وقال غيره: هو أن يلبس قميصًا يصل كميه كمين آخرين، يرى أن عليه قميصين، فكأنه يسخر من نفسه.

وقال الحجاج: (رحم الله امرأ زور نفسه على نفسه) أي: اتهمها عليها، يقول: أنا أزورك، على نفسك، أي: أتهمك عليها، وقيل: أخذ شهادة الزور منه.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


35-الغريبين في القرآن والحديث (شهد)

(شهد)

(الشهيد): في صفات الله تعالى الذي لا يغيب عنه شيء والشهيد: والشاهد واحد.

ومنه قوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} يقال: أشهدت الشاهد واستشهدته بمعنى واحد، وقيل للشاهد شاهد: لأنه يبين بشهادته ما يوجب حكم الحاكم، ومنه قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} بين الله وأعلم الله.

ومنه قوله: {شهد الله} أي مبينين لدينه لأن الشاهد يبين ما شهد عليه.

وقوله تعالى: {تبغونها عوجا وأنتم شهداء} أي: أنتم تشهدون وتعلمون أن نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - حق لأن الله تعالى: قد بينه في كتابكم.

وقوله تعالى: {ويوم يقوم الأشهاد} يعني الملائكة والأشهاد: جمع شاهد

[136 أ] مثل ناصر وأنصار وصاحب وأصحاب، وقال مجاهد في قوله: (ويتلوه شاهد منه) أي حافظ ملك، وقيل في قوله: {ويوم يقوم الأشهاد} أنهم المؤمنون والأنبياء يشهدون على المكذبين بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.

وقوله: {شاهدين على أنفسهم بالكفر} معناه أن كل فرقة تنسب إلى دين اليهود والنصارى والمجوس سوى مشركي العرب فإنهم كانوا لا يمتنعون من التزام هذا الاسم فقبولهم إياه شهادتهم على أنفسهم بالشرك، وكانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك.

وقوله تعالى: {إنا أرسلناك شاهدًا} أي على أمتك بالإبلاغ للرسالة، وقيل: مبينًا.

قوله تعالى: {ونزعنا من كل أمة شهيدًا} أي اخترنًا منها نبيًا وكل نبي شاهد على أمته.

قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} أي من كان شاهدًا أي حاضرًا غير مسافر، ونصب الشهر على الظرف.

وقوله تعالى: {وذلك يوم مشهود} أي محضور بحضرة أهل السماء والأرض.

ومثله قوله: {إن قرآن الفجر كان مشهودًا} يعني صلاة الفجر يحضر فيها ملائكة الليل وملائكة النهار.

وقوله: {أو ألقى الشمع وهو شهيد} أي: أحضر سمعه وقلبه.

واعٍ لذلك غير عازبٍ عنه.

وقوله تعالى: {وبنين شهودًا} أي لا يغيبون عنه. [136 ب] وقوله تعالى: {وشاهد ومشهود} روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: وشاهد يوم الجمعة ومشهور يوم عرفة، وأخبرتنا عاتكة حافدة أبي عاصم النبيل قال: حدثنا أبي حدثنا عمر بن عثمان، حدثنا الوليد بن مسلم عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن أبي هريمة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (سيد الأيام كلها يوم الجمعة وهو شاهد ومشهود يوم عرفة) وقيل: الشاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والمشهود يوم القيامة.

قوله تعالى: {فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله} الشهادة معناها اليمين ههنا.

وفي الحديث: (المبطون شهيد) قال النضر: الشهيد الحي، كأنه تأول قول الله} ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء} كأن أرواحهم أحضرت دار السلام، وأرواح غيرهم لا تشهدها إلى يوم البعث، قال أبو بكر: سمي شهيدًا لأن الله تعالى: وملائكته شهود له بالجنة، وقال غيره: سموا شهداء لأنه ممن يشهد يوم القيامة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمم الخالية.

وقال الله تعالى: {وتكونوا شهداء على الناس}.

ودل خبر عمر بن الخطاب على أن من لم يخف في الله لومة لائم آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر أنه في جملة الشهداء حيث يقول: (ما لكم إذا [137 أ] رأيتم الرجل يخرق أعراض الناس ألا تعربوا عليه؟) قالوا نخاف لسانه قال عمر ذلك أحرى أن لا تكونوا شهداء أي إذا ل

وفي حديث أبي أيوب: (أنه ذكر صلاة العصر ثم قال: لا صلاة بعدها حتى ترى الشاهد، قالوا: يا أبا أيوب وما الشاهد؟ قال النجم) قال شمر: قال الفراء: صلاة الشاهد المغرب، وهو اسمها، قال شمر: وهذا راجع إلى ما فسره أبو أيوب لاستواء المسافر والمقيم فيها لأنها لا تقصر، قال الأزهري: القول هو الأول ألا ترى صلاة الفجر لا تقصر أيضًا.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


36-المعجم الغني (هَلُمَّ)

هَلُمَّ-:

1- كَلِمَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ "هَا" التَّنْبِيهِ وَمِنْ "لُمَّ" أَيْ ضُمَّ نَفْسَكَ إِلَيْنَا، وَالدُّعَاءُ إِلَى الْقِيَامِ بِشَيْءٍ مَّا بِمَعْنَى تَعَالَ، وَهِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَازِمَةٌ: "هَلُمَّ إِلَيْهِ". كَمَا تَأْتِي مُتَعَدِّيَةً دُونَ حَرْفِ الْجَرِّ: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا} [الأنعام: 150]: أَيْ أَحْضِرُوهُمْ. وَهَلُمَّ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ يَسْتَوِي فِيهَا الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثُ، وَتُصَرَّفُ بِإِلْحَاقِ الضَّمَائِرِ بِهَا. "هَلُمَّا" لِلْمُثَنَّى وَ "هَلُمِّي": لِلْمُؤَنَّثِ. وَ"هَلُمُّوا" لِجَمْعِ الْمُذَكَّرِ وَ "هَلْمُّنَّ" لِجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ.

2- "وَهَلُمَّ جَرًّا": وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ، إِلَى آخِرِهِ، أَيْ تَكْرَارٌ لِمَا بَعْدَهُ.

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


37-معجم الرائد (سرادق)

سرادق:

1- بيت من شعر يمد فوق ساحة الدار.

2- خيمة.

3- منصة مسقوفة تنصب في الساحة العامة يكون فيها رجال الحكم وغيرهم يشهدون عرضا عسكريا أو احتفالا.

4- غبار ساطع منتشر.

5- دخان مرتفع كثيف.

الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م


38-تاج العروس (غيب)

[غيب]: الغَيْبُ: الشَّكُّ قال شيخُنا: أَنكَره بعْضٌ، وحَمَلَه بعْضٌ على المجَاز، وصَحَّحه جمَاعة الجمع: غِيابٌ وغُيُوبٌ قال:

أنت نَبِيٌّ تَعْلَمُ الغِيَابا *** لا قائلًا إِفكًا وَلَا مُرْتَابَا

والغَيْبُ: كُلُّ مَا غَابَ عَنْكَ، كأَنه مَصْدَر بِمَعْنَى الفَاعِل، ومثْلُه في الكَشَّاف. قال أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاجُ في قَوْلِه تَعَالَى: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} أَي بما غَابَ عَنْهم، فَأَخْبَرَهُم به النَّبِيُّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم من أَمْرِ البَعْث والجنَّة والنَّارِ. وكُلُّ مَا غَاب عَنْهُم مِمَّا أَنْبَأَهُم به فهو غَيْبٌ. وقال ابْنُ الأَعْرَابِيّ: يُؤْمِنُون بِاللهِ. قال: والغَيْبُ أَيْضًا: مَا غَابَ عن العُيُونِ وإِنْ كَانَ مُحَصَّلًا في القُلُوب. ويقال: سَمِعتُ صَوتًا مِنْ ورَاء الغَيْبِ؛ أَي مِنْ مَوْضِعٍ لا أَراه. وقد تَكرَّر في الحَدِيثِ ذكْرُ الغَيْب؛ وهو كلُّ ما غَاب عَنِ العُيُون سَوَاءٌ كان مُحصَّلًا في القلوب أو غَيْرَ مُحصَّل.

والغَيْبُ من الأَرْضِ: ما غَيَّبكَ، وجَمْعُه غُيُوبٌ. أَنشدَ ابْنُ الأَعْرابِيّ:

إِذَا كَرِهُوا الجمِيعَ وحَلَّ مِنْهُم *** أَراهِطُ بالغُيوبِ وبالتِّلَاعِ

والغَيْبُ: مَا اطْمأَنَّ من الأَرْضِ وجَمْعُه غُيُوبٌ. قال لَبِيدٌ يَصِف بَقرةً أَكَلَ السَّبُع وَلدَها، فأَقَبَلَت تَطُوفُ خَلْفَه: وتَسَمَّعتْ رِزَّ الأَنِيسِ أَي صَوْتَ الصَّيْادِين، فَرَاعَهَا، عن ظَهْرِ غَيْبٍ والأَنِيسُ سَقَامُهَا تَسَمَّعَت رِزَّ الأَنِيسِ أَي صَوْتَ الصَّيّادِين، فَرَاعَهَا؛ أَي أَفزَعَهَا. وقوله: والأَنِيسُ سَقَامُهَا؛ أَي أَنَّ الصَّيَّادِين يَصِيدُونَها فهم سَقَامُهَا.

وقال شَمِر: كُلُّ مَكَان لا يُدْرَى ما فيه فهو غَيْبٌ، وكذلك المَوْضِعُ الَّذِي لا يُدْرَى ما وَرَاءَه، وجَمْعُه غُيُوب. قال أَبو ذُؤَيْب:

يَرْمِي الغُيُوبَ بِعَيْنَيْه ومَطْرِفُهُ *** مُغْضٍ كما كَشَفَ المُسْتَأْخِذُ الرَّمِدُ

كذا في لسان العرب.

والغَيْبُ: الشَّحْمُ؛ أَي شَحْمُ ثَرْبِ الشَّاةِ، وشاةٌ ذَاتُ غَيْب أَي شَحْمٍ، لتَغَيُّبِه عن العيْن. وقولُ ابْنِ الرِّقاع يَصِفُ فَرَسًا:

وتَرَى لِغَرِّ نَساهُ غَيْبًا غَامضًا *** قَلِقَ الخَصِيلَة من فُوَيْقِ المَفْصِل

قوله غَيْبًا، يَعْنِي انْفَلَقَت فَخِذَاه بلَحْمَتَين عند سمَنه فجَرَى النَّسا بَيْنَهُمَا واسْتَبَانَ. والخَصيلَةُ: كلُّ لَحْمَة فيها عَصَبَة. والغَرُّ: تَكَسُّر الجلْدِ وتَغَضُّنه.

والغَيْبَةُ بالفَتْح، والغَيْب كالغِيَاب بالكَسْرِ، والغَيْبُوبَةِ على فَعْلُولة ويقال: فَيْعُولَة، على اخْتلاف فيه. والغُيُوبِ والغُيُوبَةِ بضَمِّهِمَا والمَغَاب، والمَغِيب كُلُّ ذلك مَصْدَر غاب عَنِّي الأَمرُ، إِذَا بَطَن. والغَيْبُ: مثل التَّغَيُّبٍ. يقال: تَغَيَّبَ عَنِّي الأَمْرُ: بَطَنَ، وغَيَّبَهُ هُو وغَيَّبهُ عنْه. وفي الحَدِيثِ «لَمَّا هجَا حَسّانُ قُريْشًا قالوا: إِنَّ هذا لَشَتْمٌ ما غَابَ عَنهُ ابنُ أَبي قُحَافَة». أَرادُوا أَنَّ أَبا بَكْر كان عَالِمًا بالأنْسَابِ والأَخْبَارِ، فهو الذي عَلَّم حَسَّانَ. ويدُلُّ عليه قولُ النَّبِيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم لِحَسَّان: «سَلْ أَبا بَكْر عن معَايِبِ القَوْم».

وكان نَسَّابَةً عَلَّامَة.

وغَابَتِ الشَّمسُ وغيرُهَا من النُّجُوم مغِيبًا وغِيابًا وغُيُوبًا وغَيْبُوبَةً وغُيُوبَةً، عن الهَجَرِيّ: غَرَبت. وغَاب الرَّجُل غَيْبًا ومَغِيبًا وتَغَيَّبَ: سَافَر، أَو بَانَ. وأَمَّا ما أَنشَدهُ ابنُ الأَعْرَابِيّ:

ولا أَجْعَلُ المَعْرُوفَ حِلَّ أَلِيَّة *** ولا عِدَةً النَّاظِرِ المُتَغَيَّبِ

إِنَّما وَضَع فيه الشاعِرُ المُتَغَيَّبَ موضع المُتَغَيِّب. قال ابنُ سيِدَه: وهكذا وجدتُه بخَطِّ الحَامِض، والصحِيح المُتَغَيِّب، بالكَسْرِ.

وغَابَ الشَّيْ‌ءُ في الشَّي‌ءِ يَغِيبُ غِيَابَةً بالكَسْرِ وغُيُوبةً بالضَّمِّ وبالفَتْح، هما عن الفَرَّاء وَغَيَابًا بالفَتْح وغِيَابًا وغِيبةً بِكَسْرِهِمَا، وقوم غُيَّبٌ كرُكَّع وغُيَّابٌ مثل كُفَّار وغَيَبٌ، مُحرَّكةً، كخَادِم وخَدَمٍ؛ أَي غائِبُون، الأَخِيرةُ اسمٌ للجمْع، وصَحَّت اليَاءُ فيها تَنبِيهًا على أَصْل غاب، وإِنما تَثْبُتُ فيه الياءُ مع التَّحْرِيك؛ لأَنَّه شُبِّه بِصَيَدٍ وإِنْ كان جَمْعًا، وصيَدٌ مَصْدَرُ قَوْلك: بعِيرٌ أَصْيدُ؛ لأَنَّه يجوز أَن تَنْوِيَ به المَصْدَر.

وفي حديثِ أَبِي سَعِيد «إِنَّ سَيِّد الحَيِّ سَلِيمٌ، وإِنّ نَفَرَنَا غَيَبٌ» أَي رِجَالنَا غَائِبُون.

وقال الهَوَازِنِيّ: الغَابَةُ: الوَطْأَةُ مِنَ الأَرْض الَّتي دُونَهَا شُرْفَة، وهي الوَهْدَةُ، رواه شَمِر عن الهوازِنِيّ. وقال أَبو جَابِر الأَسَديّ: الغَابَة: الجمْعُ مِنَ النّاسِ، وَمن المَجَاز: أَتوْنَا في غَابَة. قلت: يُحْتَمَل أَنْ يكون بمَعْنَى جَمْع من النَّاسِ، أَوِ الغَابَة: الرُّمْحُ الطَّوِيلُ الذي له أَطْرَافٌ تُرَى كأَطْرَافِ الأَجَمَةِ أَو المُضْطَرِبُ منه فِي الرِّيح، وقِيلَ: هِيَ الرِّماح إِذَا اجتَمعتْ. قال ابنُ سِيَده: وَأُرَاه على التَّشْبِيه بالغَابَة الَّتِي هِيَ الأَجَمَةُ ذاتُ الشَّجَرِ المُتَكَاثِف؛ لأَنَّها تُغَيِّبُ مَا فِيهَا، والجَمْعُ من كُلِّ ذَلكَ غَابَاتٌ وَغَابٌ.

وقيل: الغَابَة: الأَجَمَة الَّتِي طالَت ولهَا أَطْرَافٌ مُرْتفِعَةٌ باسقةٌ. يقال: ليْثُ غابةٍ. والغابُ: الآجام، وهو من الياء.

وفي حَدِيثِ عَلَيٍّ كرَّم اللهُ وَجْهَه:

كليْثِ غابَاتٍ شدِيدٍ قَسْوَرَهْ

أَضَافَه إِلَى الغَابَاتِ لِشدَّته وقُوتَّه.

وغَابَةُ: اسْمُ موضع، بالحجازِ.

وقال أَبو حَنِيفَة: الغَابَة: أَجَمةُ القَصب. قال: وقد جُعِلَت جماعَة الشَّجَر، لأَنَّه مَأْخُوذٌ من الغَيَابَةِ. وفي الحَدِيث «أَنّ مِنْبر سَيِّدِنا رسُولِ اللهِ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم كان من أَثْلِ الغَابَةِ» وفي رواية: «من طَرْفاءِ الغَابَة».

قال ابنُ الأَثير: الأَثْلُ: شَجَرٌ شَبِيهٌ بالطَّرْفَاءِ إِلَّا أَنَّه أَعْظَمُ منه. والغَابَةُ: غَيْضَةٌ ذَاتُ شَجَر كثير، وَهي على تِسْعَةِ أَمْيال من المَدِينَة. وقَال في مَوْضعِ آخَر: هي مَوْضِع قَرِيبٌ من المدينة من عَوَاليهَا، وبِهَا أَمْوالٌ لأَهْلها، قال: وهو المَذْكُور في حَديثِ السِّباق.

وفي حديثِ تَرِكَة ابْنِ الزُّبَيْر وغَيْر ذلك.

وغَيَابَةُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ: ما سَتَرَك؛ وهو قَعْرُه مِنْهُ كالجُبِّ والوَادِي وغَيْرهما. تَقولُ: وقَعْنَا فِي غَيْبَة من الأَرْض؛ أَي في هَبْطة، عن اللِّحيانيّ. ووقعوا في غَيابَةٍ من الأَرْض؛ أَي في مُنْهَبَطَ منها. ومنه قول الله عزّ وجلّ: وأَلقُوهُ في غَيابَاتُ الجُبِّ وفي حرف أُبَيٍّ: «في غَيْبَة الجُبِّ».

وبَدا غَيَبَاتُ الشّجَر بفَتح الغَيْن وتَخْفِيفِ اليَاء وآخِره تَاءٌ مُثَنَّاة فَوْقِية، هكَذَا في نُسْخَتِنا، وهو خَطَأٌ، وصَوَابُه غَيْبانُ بالنُونِ في آخِرِه وتُشَدَّدُ الياءُ التَّحْتِيَّة وفي نُسْخَة زِيَادَة قوله: وتُكْسَرُ؛ أَي الغَيْن عُرُوقُه التي تَغَيَّبَت منه، وذلك إِذا أَصابه البُعاقُ مِن المَطَرِ فاشْتَدَّ السَّيْلُ فحَفَر أُصولَ الشَّجَر حتى ظَهَرت عُروقُه وما تَغَيَّب مِنْهُ.

وقال أَبُو حَنِيفَة: العَرَب تُسَمِّي ما لم تُصِبْه الشَّمْسُ من النَّبَاتِ كُلِّه الغَيْبَانَ بتَخْفِيف اليَاءِ، والغَيَابَةُ كالغَيْبَان، وعن أَبي زِيَادٍ الكِلَابِيّ: الغَيَّبَانُ بالتَّشْدِيد والتَّخْفِيفِ مِنَ النَّبَاتِ: ما غَابَ عَنِ الشَّمْسِ فلم تُصِبْه، وكذلك غَيَّبَانُ العُرُوق.

كذَا في لسان العرب.

وروى بعْضُهُم أَنّه سَمِع: غَابَه يَغِيبُه، إِذَا عابَه وذَكَره بِمَا فِيهِ مِنَ السُّوء. وفي عبارة غَيْره وذَكَر منه ما يَسُوءُه، كاغْتَابَه.

والغَيْبَةُ من الغَيْبُوبَة، والغِيبَةُ من الاغْتِيَاب. يقال: اغتاب الرجُل صاحِبَه اغْتِيَابًا، إِذَا وَقَعَ فيه: وهو أَن يَتَكَلَّم خَلْف إِنْسَان مَسْتُورٍ بِسُوءٍ، أَوْ بِمَا يَغُمُّه، [لو سمعه] وإِن كَان فِيهِ، فإِن كان صِدْقًا فهو غِيبَةٌ، وإِنْ كَانَ كَذِبًا فهو البَهْتُ والبُهْتَانُ، كذلك جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، والاسم الغِيبَة؛ ولا يكونُ ذلِكَ إِلّا مِنْ وَرَائِه، وفي التَّنْزِيلِ العَزِيز: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} أَي لا يتَنَاولْ رَجُلًا بظَهْرِ الغَيْب بما يَسُوءُه مِمَّا هُوَ فِيه، وإِذَا تَنَاوَلَه بِمَا ليس فيه فهو بَهْتٌ وبُهْتَانٌ، وعن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ: غَابَ، إِذَا اغْتَابَ، وغَابَ، إِذَا ذَكَر إِنْسَانًا بخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ والغِيبَةُ فِعْلة مِنْه أَي من الاغْتِيَاب، كمَا أَسْلفْنا بَيَانَه تكُونَ حَسَنَةً أَو قَبِيحَةً، وأَطْلَقَه عن الضَّبْطِ لشُهْرَتِه.

وامرَأَةٌ مُغِيبٌ، ومُغِيبَةٌ: غَابَ عنها بَعْلُها أَو وَاحِدٌ من أَهْلِها. الأُولَى عن اللِّحْيَانيّ. ويقال: هي مُغِيبة، بالهاء ومُشْهِدٌ، بلا هَاءٍ، نَقَلَه ابنُ دُرَيْد. وأَغابَتِ المَرْأَة فهي مُغِيبٌ كمُحْسِن أَي بالإِعْلَال، وَهذِه عن ابْنِ دُرَيْد، غَابُوا عَنْهَا. وفي الحَدِيثِ «أَمْهِلُوا حَتَّى تَمْتَشِط الشَّعِثَةُ وتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ» هي التي غَابَ عَنْها زَوْجُهَا. وفي حَدِيث ابْنِ عَبَّاس «أَنَّ امرأَة مُغِيبًا أَتت رَجُلًا تَشْتَرِي منه شَيْئًا، فتعرَّض لَهَا، فقالَت له: ويْحَك إِنِّي مُغِيبٌ. فتَرَكها» وقَوْلُهُم: وهم يَشْهَدُون أَحْيانًا وَيَتَغَايَبُون أَحْيَانًا؛ أَي يَغِيبُون أَحْيَانًا، ولا يقال: يَتَغَيَّبُون. ويقال: تَغَيَّب عَنِّي فُلَانٌ، ولَا يَجُوزُ؛ أَي عِنْد الجَمْهُور عَدَا الكُوفِيِّين، تَغَيَّبنِي، إِلَّا في ضَرُورَةٍ شِعْرٍ قال امرؤُ القَيْس:

فَظلَّ لَنَا يومٌ لَذِيذٌ بنَعْمَةٍ *** فَقِلْ في مَقِيلٍ نَحْسُه مُتَغيِّبِ

وقال الفَرَّاءُ: معروف المُتَغَيِّبُ مَرْفُوعٌ والشِّعْرُ مُكْفَأٌ ولا يجُوز أَن يُرَدَّ على المَقِيل، كما لَا يَجُوزُ: مررتُ برَجُل أَبوه قَائِمٍ. وغَائِبُكَ: مَا غَابَ عنْكَ، اسمٌ كالْكَاهِل والجَامِلِ؛ أَي لَيْسَ بمُشْتَقٍّ من الغَيْبُوبَة. وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيّ:

ويُخْبِرُنِي عنْ غَائِبِ المَرْءِ هَدْيُه *** كَفَى الهَدْيُ عَمَّا غَيَّب المرءُ مُخْبِرَا

قال: شَيْخُنَا: ولكنْ قولُه في تَفْسِيره: ما غَاب عنْك؛ أَي الَّذِي غَابَ، صَرِيحِ في أَنَّه صِيغَةُ اسْمِ فَاعِل من غَابَ وإِن كَانَ يُمْكن دَعْوَى أَنَّه الأَصْل وتُنوسِيَت الوصْفِيَّةُ وصارَ اسْمًا للغَائِب مُطْلَقًا، كالصَّاحِب، فَتَأَمَّل، انتهى.

* ومِمّا بقِي على المؤلف: قولُهم: «غَيَّبَه غَيَابُهُ» أَي دُفِن في قَبْرِه، ومِنْه قَوْلُ الشَّاعِر:

إِذَا أَنَا غَيَّبَتْنِي غَيابتي

أَرَادَ بِهَا القبرَ لأَنَّه يُغَيِّبه عن أَعْيُن النَّاظِرُين، ومِثْلُه في مَجْمع الأَمْثَال للميْدانِي.

وقيل الغَيابة في الأصل قَعْرُ البِئرُ، ثم نُقِلَت لِكُلِّ غَامِضٍ خَفِيّ والمُغَايبَة خلَافُ المُخَاطَبَة.

وفِي الأَساسِ تَقُولُ: أَنَا مَعَكُم لا أُغَايِبُكم، وتَكلَّمَ به عن ظَهْرِ غَيْبٍ، وشَرِبَتِ الدَّابَّةُ حَتَّى وَارَت غُيوبَ كُلَاها، وهي هُزُومها، جَمْع غَيْب وهي الخَمْصة التي في موضع الكُلْيَة انتهى.

وفي لسان العرب: في حَدِيثِ عُهْدَةِ الرَّقِيقِ «لا دَاءَ ولا خُبْثَةَ ولا تَغْيِيب» التَّغْيِيبُ: أَن تبيعه ضَالَّة ولُقَطَة.

قال شَيْخُنَا: هذا الفَصْل سَاقِطٌ برُمَّته من الصِّحَاح والخُلَاصَةِ وأَكْثَرِ الدَّوَاوِينِ، لأَنَّه لَيْسَ فِيه شَيْ‌ءٌ من الأَلْفَاظ العَرَبِيَّة، إِنَّما فِيهِ أَسماءُ قُرًى أَو بُلْدَان أَو أَشْجَار أَعْجَميَّة.

قلت: ذُكَرِ في الأَسَاسِ منها فَرَّبَ، وفي المُحْكَم والنِّهَايَةِ ولِسَانِ الْعَرَب والتَّكْمِلَة: فرب وفرقبَ وفرنبَ. وزاد المُؤَلِّفُ عَلَيْهم بمَادَّتَيْن، على ما يأْتي بَيَانُ الكُلّ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


39-تاج العروس (شهد)

[شهد]: الشَّهَادةُ خَبَرٌ قاطعٌ، كذا في اللِّسَان، والأَساس. وقد شَهُدَ الرجلُ على كذا، كعَلِم وكَرُم شَهَدًا وشَهادةً، وقد تُسَكَّنُ هاؤُهُ للتخفيف عن الأَخفش. قال شيخنا: لأَن الثلاثي الحَلقيَّ العينِ الذي على فَعُل بالضّمّ، أَو فَعِلَ بالكسر، يجوز تسكينُ عينِه تخفيفًا مُطلقًا، كما في «الكافية» المالكية «والتسهيل» وشروحِهما، وغيرها، بل جَوَّزوا في ذلك أَربعَ لُغاتٍ: شَهِدَ، كفَرِح، وشَهْد، بسكون الهاءِ مع فتح الشين، وشِهْدَ، بكسرِها أَيضًا مع سكون الهاءِ، وشِهِدَ بكسرتين، وأَنشدوا:

إِذا غابَ عَنَّا غابَ عَنَّا رَبِيعُنا *** وإِن شِهْدَ أَجْدَى خَيْرُهُ ونوافِلُهْ

وشَهِدَه كسَمِعَه شُهُودًا أَي حَضَره، فهو شاهِدٌ، الجمع: شُهودٌ؛ أَي حُضُورٌ، وهو في الأَصل مصدر، وشُهَّدٌ أَيضًا، مثل رَاكِعٍ ورُكَّعٍ.

ويقال: شَهِدَ لزيد بكذا شَهَادةً؛ أَي أَدَّى ما عِندَهُ من الشَّهَادِة، فهو شاهِدٌ الجمع: شَهْدٌ، بالفتح، مثل صاحِب وصَحْب، وسافِرٍ وسَفْر، وبعضهم يُنكِره. وهو عند سيبويهِ اسمٌ للجَمْع، وقال الأَخفشُ هو جَمْعٌ، وجج؛ أَي جمع الجمْع: شُهُودٌ، بالضمّ وأَشْهَادٌ، ويقال إِن فَعْلًا بالفَتْح لا يُجمَع على أَفعال إِلّا في الأَلفاظ الثلاثة المعلومة لا رابعَ لها، نقله شيخُنَا.

واستَشْهَدَهُ: سأَله الشَّهَادةَ، ومنه لا أَسْتَشْهِدُه كاذِبًا. وفي القرآن: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} واستشهدتُ فُلانًا على فلانٍ: سأَلْته إِقامَةَ شَهادةٍ احتَمَلها. وأَشهَدْت الرجُلَ على إِقرارِ الغَرِيمِ، واستَشهَدْته، بمعنًى واحدٍ. ومنه قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ} أَي أَشْهِدُوا شاهِدَيْنِ.

والشَّهِيدُ وتُكْسَرُ شِينُه ـ قالَ اللّيْث: وهي لُغَة بني تميم، وكذا كُلّ فَعِيلٍ حَلْقِيِّ العَيْنِ، سواءٌ كان وصفًا كهذا، واسمًا جامدًا كرغِيف وبعِير. قال الهَمْدانيُّ في «إِعراب القرآن»: أَهلُ الحجاز وبنو أَسَدٍ يقولون: رَحِيم ورَغيف وبَعير، بفتح أَوائِلِهِنَّ. وقَيس، ورَبِيعَة، وتَمِيم، يقولون: رِحِيم ورِغِيف وبِعِير، بكسر أَوائلهنّ. وقال السُّهَيْليُّ في «الروض»: الكسر لغةُ تَمِيمٍ في كلِّ فَعِيلٍ عَيْنُ فعْله همزةٌ أَو غيرُهَا من حُرُوف الحَلْق، فيكسرون أَوّله، كرِحِيم وشِهِيد. وفي «شرح الدُّرَيْدِيَّة» لابن خالويه: كل اسمٍ على فَعِيل ثانيه حرْفُ حَلْقٍ يجوز فيه إِتباعُ الفاءِ العَيْنَ، كبِعِير وشِعِير ورِغِيف ورِحِيم. وحكى الشيخُ النّووِيُّ في «تحريره» عن الليث: أَنَّ قوْمًا من العرب يقولون ذلك وإِن لم يكن عينُه حَرْفَ حلْق، ككِبِير وكِرِيم وجِلِيل ونحْوِه. قلت: وهم بَنُو تَمِيم. كما تقدَّم. ـ الشَّاهِدُ وهو العالِم الّذي يُبيِّنُ ما عَلِمَه. قاله ابن سيده.

والشَّهِيدُ، في أَسماءِ الله تعالى: الأَمينُ في شَهادَةٍ، ونصّ التكملة: في شهادَتِه *. قاله أَبو إِسحاق وقال أَيضًا: وقيل: الشَّهِيد، في أَسمائِهِ تعالى: الذي لا يَغِيبُ عن عِلْمِهِ شَيْ‌ءٌ والشَّهِيدُ: الحاضِرُ. وفَعِيلٌ من أَبْنِيَةِ المبالغةِ في فاعِل، فإِذا اعتُبِر العِلمُ مُطْلَقًا فهو العَلِيمُ، وإِذا أُضِيفَ إِلى الأُمُورِ الباطِنَةِ فهو الخَبِيرُ، وإِذا أُضِيفَ إِلى الأُمورِ الظاهِرَةِ فهو الشَّهِيدُ. وقد يُعْتَبَرُ مع هذا أَن يَشْهَدَ على الخَلْقِ يومَ القيامَة.

والشَّهِيد، في الشَّرْع: القَتِيل في سَبِيلِ الله واختُلِف في سبب تَسميته فقيل: لأَنَّ ملائِكَةَ الرَّحْمَةِ تَشْهَدُهُ؛ أَي تَحْضُر غُسْلَه أَو نَقْلَ رُوحِهِ إِلى الجَنَّة، أَو لأَنَّ الله* وملائِكَتَه شُهودٌ له بالجَنَّةِ، كما قاله ابن الأَنبارِيّ. أَو لأَنّهُ مِمَّن يُسْتَشْهَدُ يومَ القِيَامَةِ مع النّبيِّ، صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم على الأُمَمِ الخالِيَةِ التي كَذَّبت أَنبياءَها في الدُّنيا. قال الله عزّ وجلّ: {لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} وقال أَبو إِسحاق الزَّجَّاج: جاءَ في التفسير أَنَّ أُمَمَ الأَنبياءِ تُكَذِّبُ في الآخرةِ مَن أُرسِلَ إِليهم فيَجْحَدُون أَنبياءَهُم، هذا فيمن جَحَدَ في الدُّنْيا منهم أَمْرَ الرُّسلِ، فتَشْهَدُ أُمَّةُ محمّدٍ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم بصِدْق الأَنبياءِ، وتَشْهَدُ عليهم بتَكْذِيبِهم، ويَشهَدُ النَّبيُّ، صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم، لهذه الأُمّةِ بصِدْقِهِم. قال أَبو منصور: والشَّهادةُ تكون للأَفضلِ فالأَفضلِ من الأُمّةِ، فأَفْضَلُهم مَن قُتِلَ في سبيلِ اللهُ، مُيِّزُوا عن الخَلْق بالفَضْل، وبيَّن الله أَنَّهُم {أَحْياءٌ [عِنْدَ رَبِّهِمْ]} {يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} ثم يَتْلُوهُم في الفَضْلِ مَن عَدَّه النَّبيُّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم شَهِيدًا، فإِنه قال: «المَبْطُونُ شَهِيدٌ، والمَطْعُون شَهِيد» قال: ومنهم أَن تموتَ المَرْأَةُ بِجُمْع. وقال ابن الأُثير: الشَّهِيد في الأَصل: من قُتِلَ مُجَاهِدًا في سَبِيلِ اللهِ، ثمّ اتُّسِعَ فيه فأُطْلِقَ على مَن سَمَّاه النَّبيُّ، صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم، مِن المَبْطُون والغَرِقِ والحَرِقِ وصاحِب الهَدْم وذاتِ الجَنْب وغيرهم. أَو لِسُقُوطِهِ على الشَّاهِدَةِ؛ أَي الأَرضِ، نقله الصاغانيُّ أَو لأَنّه حَيُّ لم يَمُتْ، كأَنّه عِنْدَ رَبّهِ شاهدٌ؛ أَي حاضِرٌ، كذا جاءَ عن النَّضْر بن شُمَيْل. ونقله عنه أَبو داوود. قال أَبو منصور: أُراه تَأَوَّلَ قولَ اللهِ عَزَّ وجلُّ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتًا بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} كأَنَّ أَرواحَهم أُحْضِرَت دارَ السَّلامِ أَحياءً، وأَرواحُ غيرِهم أُخِّرَت إِلى البَعْثِ. قال: وهذا قولٌ حَسَنٌ. أَو لأَنَّه يَشْهَدُ مَلَكُوتَ الله ومُلْكَهُ، المَلَكُوت: عالَمُ الغَيْبِ المُخْتَصُّ بأَرْوَاحِ النُّفُوسِ. والمُلْكُ: عالَمُ الشَّهادةِ من المَحْسوساتِ الطّبيعيّة. كذا في تعريفات المناويّ.

فهذه سِتَّةُ أَوْجُهٍ في سَببِ تَسمِيةِ الشَّهِيد. وقيل: لِقيامه بشهادَةِ الحَقِّ، في أَمْرِ الله، حتَّى قُتِل. وقيل: لأَنّه يَشْهَدُ ما أَعدَّ اللهُ له من الكرامةِ بالقَتْلِ. أَو لأَنّه شَهِدَ المغَازِيَ. أَو لأَنّه شُهِدَ له بالإِيمانِ وخاتِمةِ الخَيْرِ بظاهرِ حالِه، أَو لأَنّ عليه شاهِدًا يَشْهَدُ بِشَهادَتِه، وهو دَمُه.

وهذِه خَمْسَةُ أَوجهٍ أُخْرَى، فصار المجموع منها أَحدَ عَشَرَ وَجْهًا. وما عدا ذلك فمرجوعٌ إِلى أَحدِ هؤلاءِ عند المتأَمِّل الصادق.

قال شيخُنا: وقد اختَلَفُوا في اشتقاقه، هل هو من الشَّهَادة، أَو من المُشَاهَدة، أَو الشُّهُود، أَو هو فَعِيل بمعنَى مفعولٍ، أَو بمعنى فاعل. وذكروا لكُلٍّ أَوْجُهًا. أَكثر ذلك مُحَرَّرًا مُهذبًا الشيخُ أَبو القاسم السُّهيليّ في «الروض الأُنُف» بما لا مَزِيد عليه.

ج: شُهَداءُ، وفي الحديث: «أَرْوَاحُ الشُّهَداءِ في حَواصِلِ طَيْرٍ خضْرٍ تَعْلُق من وَرَقِ الجَنَّةِ».

والاسمُ: الشَّهَادةُ وقد سَبقَت الإِشارةُ إِلى الاختلاف فيه تقريبًا.

وأَشْهَدُ بكذا: أَحْلِفُ.

قال المصنِّف في «بصائِرِ ذَوِي التمييز» قولهم شَهِدْت: يُقال على ضَرْبَيْن: أَحدهما جارٍ مَجْرَى العِلْم، وبِلَفْظِه تُقام الشهادةُ، يقال: أَشْهَد بكذا، ولا يُرْضَى من الشاهِدِ أَن يَقول: أَعلَم، بل يُحتاج أَن يقول أَشْهد. والثاني يجْرِي مَجْرَى القَسَمِ، فيقول: أَشْهَد بالله إِنّ زيدًا مُنْطَلِقٌ. ومنهم من يقول: إِنْ قال أَشْهَدُ، ولم يَقُل: بالله، يكون قَسَمًا ويَجْرِي «عَلِمت» مَجْرَاه في القَسَم فيُجَاب بجواب القسم، كقوله:

ولقد عَلِمْتُ لتَأْنِيَنَّ عَشِيَّةً

وشاهَدَهُ مُشَاهدةً: عايَنَهُ كشَهِده.

والمُشَاهَدةُ: مَنزِلةٌ عالِيَةٌ من منازِل السَّالِكينَ وأَهْلِ الاستِقَامَةِ، وهي مُشاهَدةُ معاينةٍ تلبس نُعوتَ القُدُسِ، وتَخْرس أَلسنة الإِشاراتِ، ومُشَاهدة جمْعٍ تجْذب إِلى عَيْنِ اليَقِين، وليس هذا مَحلَّ إِشاراتها.

وامرأَةٌ مُشْهِدٌ، بغير هاءٍ: حَضَر زَوْجُها، وامرأَةٌ مُغِيبةٌ: غابَ عنها زَوْجُها، وهذه بالهاءِ: هكذا حُفِظ عن العرب، لا على مذهب القياس.

والتَّشَهُّدُ في الصَّلاةِ، م، معروف وهو قراءَة: «التَّحِيّاتُ للهِ». واشتقاقُه من أَشْهَدُ أَن لا إِلهَ إِلّا اللهُ، وأَشهد أَنَّ محمَّدًا عبدُه ورسُولُه. وهو تَفَعُّل من الشَّهَادَةِ، وهو من الأَوْضَاعِ الشّرعيّة.

والشَّاهِدُ: من أَسماءِ النّبيِّ، صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم، قال اللهُ عَزَّ وجلّ {إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِدًا} أَي على أُمَّتِك بالإِبْلاغِ والرِّسالَة، وقيل مُبَيِّنًا.

وقال تعالى: {وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قال المُفسِّرون: الشاهد: هو النّبِيّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم.

والشاهد: اللِّسَانُ من قولهم: لفُلانٍ شاهِدٌ حَسَنٌ؛ أَي عِبارةٌ جَمِيلةٌ. وقال أَبو بكر، في قولهم: «ما لِفلان رُوَاءٌ ولا شَاهِدٌ»، معناه: ما لَهُ مَنْظَرٌ ولا لِسانٌ.

والشاهِدُ: المَلَكُ، قال مُجاهد: {وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ}؛ أَي حافِظٌ مَلَكٌ، قال الأَعشَى:

فلا تَحْسَبَنِّي كافرًا لكَ نِعْمَةً *** عَلَى شاهِدِي يا شاهِدَ اللهِ فاشْهَدِ

وقال الفرّاءُ: الشّاهِدُ: يَوْمُ الجُمْعَةِ، و‌رَوَى شَمِرٌ، في حديث أَبي أَيُّوبَ الأَنصاريّ: «أَنّه ذَكَرَ صَلَاةَ العَصْرِ ثم قال: ولا صَلاةَ بَعْدَها حَتَّى يُرَى الشَّاهِدُ. قال: قلنا لأَبي أَيُّوبَ: ما الشَّاهِدُ؟ قال: النَّجْمُ كأَنَّه يَشْهَدُ في الليلِ؛ أَي يَحْضُر ويَظْهَرُ.

والشَّاهِد: ما يَشْهَد على جَوْدَةِ الفَرَسِ وسَبْقِه مِن جَرْيِهِ، فسّره ابنُ الأَعرابيّ، وأَنشد لسُوَيْدِ بنِ كُرَاعَ في صِفَةِ ثَوْر:

ولو شَاءَ نَجَّاهُ فلم يَلْتَبِسْ بِهِ *** له غائِبٌ لم يَبْتَذِلْهُ وشاهِدُ

وقال غيره: شاهِدُه: بَذْلُه جَرْيَه، وغائِبُه: مَصُونُ جَرْيِهِ.

والشَّاهِدُ شِبْهُ مُخَاطٍ يَخْرُج مع الوَلَدِ، وجمْعُه شُهُودٌ، قال حُمَيْد بن ثَوْرٍ الهِلالِيّ:

فجاءَتْ بِمِثْلِ السَّابِرِيِّ تَعَجَّبُوا *** له والثَّرَى ما جَفَّ عَنْهُ شُهُودُهَا

قال ابن سِيده: الشُّهُود: الأَغراسُ الّتِي تكون على رأْسِ الحُوَار.

والشَّاهِد من الأُمورِ: السَّرِيعُ.

وصَلاةُ الشاهِدِ: صَلَاةُ المَغْرِبِ، قال شَمِرٌ: هو راجِعٌ إِلى ما فَسَّرَه أَبو أَيُّوبَ أَنَّهُ النَّجْمُ. قال غَيره: وتُسَمَّى هذه الصّلاةُ صَلَاةَ البَصَرِ، لأَنّه يُبْصَرُ في وَقْته نُجومُ السماءِ، فالبَصَرُ يُدْرِكُ رُؤيَة النَّجْمِ، ولذلك قيلَ له: صلاةُ البَصَرِ، وقيل في صلاة الشّاهد: إِنّها صلاةُ الفَجْرِ، لأَن المُسَافِرَ يُصَلِّيها كالشَّاهِدِ لَا يَقْصُرُ منها، قال:

فَصَبَّحَتْ قَبْلَ أَذانِ الأَوَّلِ *** تَيْمَاءَ والصُّبْحُ كَسَيْفِ الصَّيْقَلِ

قَبْلَ صَلَاةِ الشَّاهِدِ المُسْتَعْجِلِ

ورُوِيَ عن أَبي سَعِيد الضَّرِيرِ أَنه قال: صَلَاةُ المَغْربِ تُسمَّى شاهدًا، لاسْتِوَاءِ المُقِيمِ والمُسَافِرِ فيها، وأَنّهَا لا تُقْصَر. قال أَبو منصور: والقَوْلُ الأَوّلُ، لأَنَّ صلَاةَ الفَجْر لا تُقْصَرُ أَيضًا، ويَسْتَوِي فيها الحاضِرُ والمسافِرُ، فلم تُسَمَّ شاهِدًا.

والمَشْهُود: يَوْمُ الجُمُعَة، أَو يومُ القِيَامَةِ، أَو يَوْمُ عَرَفَةَ، الأَخير قاله الفرّاءُ، لأَنّ الناسَ يَشْهَدُون كُلَّا منها، ويَحضُرون بها، ويجمَعُون فيها. وقال بعضُ المفسِّرين: الشاهد: يَوْمُ الجُمُعةِ، والمشهود: يَوْمُ القيامةِ. والشَّهْدُ: العَسَلُ ما دام لم يُعْصَر من شَمَعِه، بالفتح لتميم، ويُضَمُّ لأَهْل العالِيَة، كما في المصباح، واحدته شَهْدة وشُهْدة.

وقيل: الشُّهْدة أَخَصُّ، ج: شِهَادٌ، بالكسر، قال أُمَيَّةُ [بن أَبي الصلت].

إِلى رُدُحٍ من الشِّيزَى مِلَاءٍ *** لُبَابَ البُرِّ يُلْبَكُ بالشِّهَادِ

أَي من لُبابِ البُرّ.

والشَّهْد: ماءٌ لبني المُصْطَلِقِ من خُزَاعَةَ، نقله الصاغانيّ.

وفي التنزيل العزيز شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ سَأَلَ المُنْذِرِيّ أَحمدَ بنَ يحيى عن معناه فقال: أَي عَلِمَ الله، وكذا كلُّ ما كانَ {شَهِدَ اللهُ}، في الكتاب أَو قالَ اللهُ يكون معناه عَلِمَ الله، أو كَتَبَ الله، قاله ابن الأعرابيّ. وقال ابن الأَنباريّ: معناه بَيَّن الله أَن لا إِله إِلّا هُوَ.

وقال أَبو عبيدة: معنى {شَهِدَ اللهُ}: قَضَى الله، وحقيقَتُه: عَلِمَ الله، وبَيَّنَ الله، لأَنَّ الشاهِدَ هو العالِمُ الّذِي يُبَيِّنُ ما عَلِمَه، فالله قد دَلَّ على تَوحيدِهِ بجميع ما خَلَقَ، فَبَيَّن أَنه لا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَن يُنْشِئَ شيئًا واحدًا مِمَّا أَنشأَ، وشَهدَت المَلَائِكَةُ لما عايَنَتْ من عَظيمِ قُدْرَتِه، وشَهِد أُولو العِلْمِ بما ثَبَت عِنْدَهم وَتَبيَّن مِن خَلْقِه الّذِي لا يَقْدِرُ عليه غيرُه. وقال أَبو العَبَّاسِ: {شَهِدَ اللهُ}: بَيَّن الله وأَظْهَرَ. وشَهِدَ الشاهِدُ عند الحاكِمِ؛ أَي بَيَّن ما يَعْلَمُه وأَظْهَرَه.

وفي قَولِ المؤذِّنِ: أَشْهَدُ أَن لا إِلهَ إِلّا الله وأَشهَدُ أَنَّ محمدًا رسولُ الله. قال أَبو بكر بن الأَنباريِّ: أَي أَعْلَمُ أَن لا إِلهَ إِلّا الله وأُبَيِّنُ أَن لا إِلهَ إِلا الله.

وأَشْهَدَهُ إِمْلَاكَه: أَحْضَرَهُ. وأَشْهَدَ فُلَانٌ: بَلَغَ، عن ثَعْلَبَ. وأَشْهَدَ: اشْقَرَّ، واخضَرَّ مِئْزَرُه. وأَشْهَدَ: أَمْذَى، كشَهَّدَ تَشْهِيدًا، وهذه عن الصاغانيّ، إِلا أَنه قال في تفسيره: أَكْثَرَ مَذْيَه. والمَذْيُ عُسَيلةٌ.

وعن أَبي عمرٍو: أَشْهَدَ الغُلامُ، إِذا أَمْذَى وأَدرَكَ، وأَشْهَدَت الجاريةُ إِذا حاضَتْ وأَدْرَكَتْ، وأَنشد:

قامَتْ تُنَاجِي عامِرًا فأَشهَدَا *** فَدَاسَها لَيْلَتَهُ حَتَّى اغْتَدَى

وعن الكسائيّ: أُشْهِدَ الرَّجلُ، مجهولًا: قُتِلَ في سبيلِ الله شَهِيدًا كاستُشْهِدَ: رُزِقَ الشَّهَادَة فهو مُشْهَدٌ، كمُكْرَمٍ، وأَنشد:

أَنا أَقُولُ سأَمُوتُ مُشْهَدَا

والمَشْهَد، والمَشْهَدةُ، والمَشْهُدَةُ بالفتح في الكلّ، وضَمّ الهاءِ في الأَخير، الأَخِيرَتَان عن الفَرّاءِ في نوادره مَحْضَرُ الناسِ ومَجْمَعُهم. ومَشَاهِدُ مكَّةَ: المواطِنُ الّتي يَجتمعون بها، من هذا.

وشُهُودُ النّاقَةِ بالضّمّ: آثَارُ مَوْضِعِ مَنْتِجها؛ أَي المَوْضِع الّذي أُنْتِجَت فيه، من دَمٍ أَو سَلًى وفي بعض النُّسخ: من سلًى أَو دَمٍ.

وكزُبَيْرٍ: الشيخ الزَّاهِدُ عُمَرُ، هكذا في النُّسخ.

والصواب: عُمَيْر بن سَعْدِ بنِ شُهَيْدِ بن عَمْرٍو أَميرُ حِمْصَ صحابِيٌّ وكان يقال له: نَسِيجُ وَحْدِه. وأُخْتُه سَلَّامةُ بنْت سَعْد، لها ذِكْر.

وأَبو عامر أَحمدُ بنُ عبدِ الملك بنِ أَحمدَ بنِ عبد المَلِك بن عمر بن محمّد بن عيسى بن شُهَيْدٍ الأَشْجَعِيّ الأَديبُ مؤلّف كتاب «حانُوت العَطَّار». وُلِدَ بِقُرْطُبَة سنة 372 ووَرِث الرُّتْبَةَ والجَلالَةَ عن أَسْلافِه، وتوفِّي سنة 426، وعلى رُخَامةِ قَبْرِه من شِعْرِهِ:

يا صاحِبي قُمْ فقَد أَطَلْنا *** أَنَحْنُ طُولَ المَدَى هُجُودُ

فقال لِي لنْ نقومَ منها *** ما دامَ مِن فَوقِنا الجَليدُ

تَذْكُرُ كَمْ لَيلةٍ نَعِمْنا *** في ظِلِّهَا والزَّمانُ عِيدُ

وكَمْ سُرورٍ هَمَى علينا *** سَحابُهُ بِرُّهُ يَجُود

كُلُّ كأَنْ لم يَكُنْ تَقَضَّى *** وشُؤْمُه حاضرٌ عَتِيدُ

حَصَّلَه كاتِبٌ حَفِيظ *** وضَمَّه صادِقٌ شَهِيد

يا وَيْلَنَا إِن تَنَكَّبَتْنا *** رَحْمةُ مَنْ بَطْشُهُ شَدِيدُ

يا ربِّ عَفْوًا فأَنتَ مَوْلَى *** قَصَّرَ في أَمْرِكَ العَبِيدُ

وأَبوه أَبو مَروان، عبدُ الملك بن أَحمد بن عبد الملك بن شُهَيْد القُرْطُبِيّ رَوَى عن قاسم بن أَصْبَغ وغيره، ومات سنة 393. وعبدُ الملك بن مَرْوَان بن شُهَيْد، أَبو الحسن القُرْطبيّ مات سنة 408 ذَكَرهما ابن بَشْكُوال.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

الشَّهادة اليَمينُ، وبه فُسِّر قولُه تعالى: {فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ}.

والمَشْهُود: صَلَاةُ الفَجْرِ. و {يَوْمٌ مَشْهُودٌ}: يَحْضُره أَهلُ السماءِ والأَرضِ.

والأَشْهَاد: الملائِكَةُ، جمْع شاهِدٍ، كناصِر وأَنصار، وقيل: هم الأَنبياءُ.

و {فَمَنْ} {شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} أَي مَن شَهِد منكم المِصْرَ في الشَّهْر.

والشَّهَادَة: المَجْمَعُ من الناس.

والمَشْهودةُ: هي المَكتوبةُ؛ أَي يَشْهَدها الملائِكةُ، ويُكْتَب أَجْرُها للمُصَلِّي.

قال ابن سيده: والشاهِدُ: من الشَّهَادة عند السُّلطان، لم يُفسِّره كُراع بأَكثرَ من هذا.

وتَشهَّدَ: طَلَبَ الشَّهادَةَ.

ومُنْيَة شَهَادةَ: قَرْيَة بمصر.

وذو الشَّهَادَتَيْن: خُزَيمةُ بن ثابتٍ.

والشاهِد بن غافِقِ بن عَكٍّ من الأَزْد.

وشُهْدَةُ، الكاتبة، بالضّمّ: معروفة، وبالفتح: أَبو اللَّيْث عَتِيقُ بن أَحمد الصُّوفِيّ، صاحب شهْدة حَدّث بمصر عن أَحمدَ بن عَطاءٍ الرُّوذَبارِيّ، وأَحمد بن حسن بن عليٍّ المصريّ، عُرِف بابْن شَهْدَة، من شُيوخِ الرَّشيد العَطَّار.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


40-تاج العروس (بصر)

[بصر]: البَصَرُ، محرَّكةً: [حِسُّ] * العَيْنِ، إِلّا أَنه مُذَكَّرُ، وقيل: البَصَرُ: حاسَّةُ الرُّؤْيَةِ، قالَه اللَّيْث، ومثلُه في الصّحاح. وفي المِصباح: البَصَرُ: النُّورُ الذي تُدرِكُ به الجارِحَةُ المُبْصَرَاتِ. وفي المُحكَم: البَصَرُ: حِسُّ العَيْنِ، الجمع: أَبصارٌ.

والبَصَرُ مِن القَلْبِ: نَظَرُه وخاطِرُه، والبَصَرُ: نَفَاذٌ في القَلْب، كما في اللِّسان، وبه فُسِّرت الآيةُ: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ}.

وفي البَصَائِرِ للمصنِّف: البَصِيرَةُ: قُوَّةُ القَلْبِ المُدرِكَةُ، ويقال: بَصَرٌ أَيضًا، قال الله تعالَى: {ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى}.

وجمعُ البَصَرِ أَبْصَارٌ، وجمعُ البَصِيرَةِ بَصائِرُ.

ولا يكادُ يقال للجارحَةِ النّاظرِة: بَصِيرَةٌ، إِنّما هي بَصَرٌ، ويقال للقُوَّة التي فيها أَيضًا: بَصَرٌ، ويقال منه: أَبْصَرْتُ، ومن الأَوَّلِ، أَبْصَرْتُه وبَصُرْتُ به، وقَلَّمَا يقال في الحاسَّة إِذا لم تُضامّه رؤيةُ القلبِ: بَصُرْتُ.

وبَصُرَ به ككَرُمَ وفَرِحَ، الثانيةُ حَكَاهَا اللِّحْيَانِيُّ والفَرّاءُ، بَصَرًا وبَصَارَةً، ويُكْسَرُ ككِتَابةٍ: صار مُبْصِرًا.

وأَبْصَرَه وَتَبَصَّرَه: نَظَرَ إِليه: هل يُبْصِرُه؟.

قال سِيبَوَيْه: بَصُرَ: صارَ مُبْصِرًا، وأَبْصَرَه، إِذا أَخْبَرَ بالذي وَقَعَتْ عَيْنُه عليه.

وعن اللِّحْيَانيِّ: أَبصَرتُ الشيْ‌ءَ: رأَيتُه.

وباصَرَا: نَظَرَا أَيُّهما يُبْصِرُ قَبْلُ. ونصَّ عبارةِ النَّوادِرِ: وباصَرَه: نَظَرَ معه إِلى شيْ‌ءٍ: أَيُّهما يُبْصِرُه قبلَ صاحِبِه.

وباصَرَه أَيضًا: أَبْصَرَه قال سُكَيْنُ بنُ نَضْرَةَ البَجَلِيّ:

فَبِتُّ على رَحْلِي وباتَ مَكانَه *** أُراقِبُ رِدْفِي تارةً وأُبَاصِرُه

وفي الصّحاح: باصَرْتُه، إِذا أَشْرَفْتَ تَنْظُرُ إِليه من بَعِيدٍ.

وتَباصَرُوا: أَبْصَرَ بعضُهم بعضًا.

والبَصِيرُ: المُبْصِرُ، خِلافُ الضَّرِيرِ، فَعِيلٌ بمعنى فاعلٍ. الجمع: بُصَراءُ.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: وإِنَّه لَبَصِيرٌ بالعَيْنَيْنِ.

والبَصِيرُ: العالِمُ، رجُلٌ بَصِيرٌ بالعِلْمِ: عالِمٌ به. وقد بَصُرَ بَصَارةً، وإِنه لَبَصِيرٌ بالأَشياءِ؛ أَي عالِمٌ بها. والبَصَرُ: العِلْم، وبَصُرْتُ بالشَّيْ‌ءِ: عَلِمْتُه، قال الله عَزَّ وجَلَّ: {بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} قال الأَخْفَشُ: أَي عَلِمْتُ ما لم يَعْلَمُوا به، مِن البَصِيرَة. وقال اللِّحْيَانيُّ: بَصُرْتُ؛ أَي أَبْصَرْتُ، قال: ولُغَةٌ أُخرَى: بَصِرْتُ به: أَبْصَرْتُه، كذا في اللِّسَان وفي المِصباح والصّحاح، ونقَلَه الفَخْرُ الرّازِيُّ، ويقال: بَصِيرٌ بكذا وكذا؛ أَي حاذِقٌ له عِلْمٌ دَقيقٌ به.

وقولُه عليه‌السلام: «اذْهَبْ بنَا إِلى فُلانٍ البَصِيرِ»، وكان أَعْمَى. قال أَبو عُبَيْدٍ: يُرِيدُ به المؤمِنَ، قال ابن سِيدَه: وعندِي أَنّه عليه‌السلام إِنّما ذَهَبَ إِلى التَّفَاؤُل إِلى لَفْظ البَصَر أَحسن من لَفْظ الأَعْمَى، أَلا تَرَى إِلى قَول مُعاويةَ: «والبَصِيرُ خَيرٌ مِن الأَعمَى». وقال المصنِّف في البَصائر: والضِّريرُ يقال له: بَصيرٌ، على سَبِيل العَكْسِ، والصَّوابُ أَنّه قيل ذلك له؛ لِما له مِن قُوَّةِ بَصِيرَةِ القَلْبِ.

والبَصِيرَةُ بالهاءِ: عَقِيدَةُ القَلْبِ، قال اللَّيْث: البَصِيرَةُ: اسمٌ لما اعتُقِدَ في القلْب مِن الدِّين وتحقيقِ الأَمرِ. وفي البَصَائر: البَصِيرَةُ: هي قُوَّةُ القَلْبِ المُدْرِكَةُ، وقولُه تعالَى: {أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ}؛ أَي على معرفةٍ وتَحَقُّقٍ.

والبَصِيرَةُ: الفِطْنَةُ، تقول العربُ: أَعْمَى الله بصائِرَه؛ أَي فِطَنَهُ، عن ابن الأَعرابيِّ. وفي حديث ابن عَبّاس أَنّ معاوِيَةَ لمّا قال له: «يا بَنِي هاشِمٍ أَنتم تُصَابُون في أَبصارِكم»، قال له: «وأَنتم يا بَنِي أُمَيَّةَ تُصابُون في بَصائِرِكم».

وفَعَلَ ذلك على بَصِيرَةٍ؛ أَي على عَمْدٍ. وعلى غيرِ بَصِيرٍة؛ أَي على غيرِ يَقِينٍ. وفي حديث عُثْمَانَ: «وَلَتَخْتَلِفُنَّ على بَصِيرَةٍ»؛ أَي على معرفة من أَمرِكم ويقينٍ. وإِنه لَذُو بَصَرٍ وبَصِيرَةٍ في العِبَادَة.

وبَصُرَ بَصَارةً: صار ذا بَصِيرَةٍ.

والبَصِيرَةُ: ما بَيْنَ شُقَّتَيِ البَيْتِ، وهي البَصَائِرُ، وزاد المصنِّف في البَصائر بعدَ «البيت»: والمَزَادَةِ ونحوِهَا التي يُبصَرُ منه.

والبَصِيرَةُ: الحُجَّةُ والاستِبْصارُ في الشيْ‌ءِ، كالمَبْصَرِ والمَبْصَرَة، بفتحِهما.

والبَصِيرَةُ: شيْ‌ءٌ من الدَّمِ يُسْتَدَلُّ به على الرَّمِيَّةِ، وَيَسْتَبِينُها به، قاله الأَصمعيُّ. وفي حديث الخَوَارِجِ: «ويَنْظُرُ إِلى النَّصْل فلا يَرَى بَصِيرَةً»؛ أَي شيئًا من الدَّمِ يَسْتدِلُّ به على الرَّمِيَّة. واختُلِفَ فيما أَنشدَه أَبو حنيفةَ:

وفي اليَدِ اليُمْنَى لِمُسْتَعِيرِها *** شَهْبَاءُ تُرْوِي الرِّيشَ مِن بَصِيرِهَا

فقيل: إنّه جَمْعُ البَصِيرَةِ من الدَّمِ، كشَعِيرٍ وشَعِيرَةٍ، وقيل: إِنه أَراد بَصِيرَتَهَا، فحَذَف الهاءَ ضرورةً. ويجوز أَن يكونَ البَصِيرُ لغةً في البَصِيرَة، كقولِكَ: حُقٌّ وحُقَّةٌ، وبَياضٌ وبَيَاضَةٌ.

ويقال: هذه بَصِيرَةٌ من الدَّمِ، وهي الجَدِيَّة منها على الأَرض.

والبَصِيرَةُ: مِقْدَارُ الدِّرْهَمِ مِن الدَّمِ.

وقيل: البَصِيرَةُ من الدَّمِ: ما لم يَسِلْ.

وقيل: هو الدُّفْعَةُ منه.

وقيل: البَصِيرَةُ: دَمُ البِكْرِ.

وقال أَبو زَيْدٍ: البَصِيرَةُ من الدَّمِ: ما كان على الأَرض.

وفي البَصائر للمصنِّف: والبَصِيرَةُ: قِطْعَةٌ مِن الدَّمِ تَلْمَعُ.

والبَصِيرَةُ: التُّرْسُ اللّامِعُ، وقيل: ما استطالَ منه، وكُلُّ ما لُبِسَ من السِّلاح فهو بَصَائِرُ السِّلاحِ.

والبَصِيرَةُ: الدِّرْعُ، وكلُّ ما لُبِسَ جُنَّةً بَصِيرَةٌ، وقال:

حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ على أَكْتَافهمْ *** وبَصِيرَتِي يَعْدُو بها عَتَدٌ وَأَي

هكذا رَوَاه أَبو عُبَيْد، وفَسَّره فقال: والبَصِيرَةُ: التُّرْسُ أَو الدِّرْعُ، وَرَوَاه غيرُه: «راحُوا بَصائِرُهم»، وسيأْتي فيما بعدُ. ويُجمع أَيضًا على بِصارٍ، ككَرِيمةٍ وكِرَامٍ، وبه فَسَّرَ السُّهَيْلِيُّ في الرَّوْض قولَ كَعْبِ بنِ مالكٍ:

تَصُوبُ بأَبْدَانِ الرِّجالِ وتارةً *** تَهدُّ بأَعراض البِصَارِ تُقَعْقِعُ

يقول: تَشُقُّ أَبْدَانَ الرَّجَالِ حتى تَبلُغَ البِصَارَ فتُقَعْقِعُ فيها، وهي الدِّرعُ أَو التُّرْسُ، وقيل غيرُ ذلك.

ومن المَجاز: البَصِيرَةُ: العِبْرَةُ يُعْتَبَرُ بها، وخَرَّجُوا عليه قولَه تعالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنّاسِ}؛ أَي جعلناها عِبْرَةً لهم، كذا في البَصائر، وقولُهم: أَما لَكَ بَصِيرَةٌ فيه؟ أَي عِبْرَةٌ تَعْتَبِرُ بها، وأَنشدَ:

في الذّاهِبِينَ الأَوَّلِي *** ن من القُرونِ لنا بَصائرْ

أَي عِبَرٌ.

ومن المَجَاز: البَصِيرَةُ: الشّاهِدُ، عن اللِّحْيَانِيِّ، وحُكِيَ: اجْعَلْنِي بَصِيرةً عليهم، بمَنْزِلَةِ الشَّهِيدِ قال: وقوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} قال ابن سِيدَه: له مَعْنَيَانِ، إِنْ شِئتَ كان الإِنسانُ هو البَصِيرَةَ على نفسِه؛ أَي الشاهِدَ، وإِن شِئتَ جعلتَ [البَصِيرَة] هنا غيرَه، فعَنَيتَ به يَدَيْه ورِجْلَيْه ولِسانَه؛ لأَن كلَّ ذلك شاهِدٌ عليه يومَ القيامة، وقال الأَخْفَشُ: {بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} جَعَلَه هو البَصِيرَةَ، كما تقولُ للرَّجل: أَنتَ حُجَّةٌ على نفسِكَ. وقال ابنُ عَرَفَةَ: {عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} أَي عليها شاهِدٌ بعَمَلِها، ولو اعتذَر بكلِّ عُذْرٍ، ويقول: جَوارِحُه بَصِيرةٌ عليه؛ أَي شُهُودٌ. وقال الفَرّاءُ: يقول: على الإِنسان من نفسِه رُقَباءُ يَشْهدُون عليه بعَمَله، اليَدانِ والرِّجْلان والعَيْنَان والذَّكَر، وأَنشدَ:

كَأَنَّ على ذِي الظَّنِّ عَيْنًا بَصِيرَةً *** بِمَقْعَدِه أَو مَنْظَرٍ هو ناظِرُه

يُحاذِرُ حتى يَحْسَبَ النّاسَ كلَّهم *** مِن الخَوْف لا تَخْفَى عليهم سَرائِرُه

وفي الأَساس: اجْعَلْنِي بَصِيرةً عليهم؛ أَي رَقيبًا وشاهِدًا [كقولك: عينًا عليهم]، وقال المصنِّف في البَصائر: وقال الحَسَن: جَعَلَه في نَفْسِه بَصِيرَةً، كما يقال: فلانٌ جُودٌ وكَرَمٌ، فهنا كذلك؛ لأَن الإنسانَ ببَدِيهةِ عَقْلِه يَعْلَمُ أَنَّ ما يُقَرِّبُه إِلى الله هو السَّعادةُ، وما يُبعِدُه عن طاعتِه الشَّقاوَةُ، وتأْنيثُ البَصِيرِ لأَن المراد بالإِنسان هاهنا جَوَارِحُه، وقيل: الهاءُ للمبالغة، كعَلّامةٍ ورَاوِيَةٍ.

ومن المَجاز: لَمْحٌ باصِرٌ؛ أَي ذو بَصَرٍ وتَحْدِيقٍ، على النَّسَب، كقَولهم: رجلٌ تامِرٌ ولابِنٌ؛ أَي ذو تَمْرٍ وذو لَبَنٍ؛ فمعنى باصِرٍ ذو بَصَرٍ، وهو من أَبْصَرْتُ، مثلُ مَوْتٍ مائِتٍ، من أَمَتُّ، وفي المُحْكَم: أَراه لَمْحًا باصِرًا، [أَي نظرًا بتحديقٍ شديدٍ، قال: فإما أن يكون على طرح الزائدِ، وإما أَن يكون على النَّسبِ. والآخرُ مذهبُ يعقوب: ولَقي منه لمحًا باصرًا]. أَي أَمرًا واضحًا. وقال اللَّيْث: رأَى فلانٌ لَمْحًا باصِرًا؛ أَي أَمرًا مَفْرُوغًا عنه.

والبَصْرَةُ بفتحٍ فسكونٍ، وهي اللُّغَة العاليةُ الفُصْحَى: بَلَدٌ، معروف أَي معروفٌ، وكانت تُسَمَّى في القديم تَدْمُرَ، والمُؤْتَفِكَةَ؛ لأَنها ائْتَفَكَتْ بأَهْلِهَا أَي انقَلَبَتْ في أَولِ الدَّهرِ، قالَه ابن قَرقُول في المَطَالع: ويقال لها: البُصَيْرَةُ، بالتَّصغير، وقال السّمْعَانِيُّ: يقال للبَصْرَةِ: قُبَّةُ الإِسْلامِ، وخِزَانةُ العَربِ، بَناها عُتْبَةُ بنُ غَزْوانَ في خلافة عُمَرَ رضي ‌الله‌ عنه سنةَ سبعَ عشرَةَ من الهِجْرَة، وسَكَنَهَا النّاسُ سنةَ ثمانِ عشرَةَ، ولم يُعْبَدِ الصَّنَمُ قَطُّ على ظَهْرِ أَرْضِهَا، كذا كان يقولُ أَبو الفضلِ عبدُ الوهّاب بنُ أَحمدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، الواعظُ بالبَصْرة، كما تلقّاه منه السّمْعَانِيُّ، ويُكْسَرُ ويُحَرَّكَ ويُكْسَرُ الصّادُ، كأَنّها صفَةٌ، فهي أَربعُ لُغَاتٍ: الأَخِيرتانِ عن الصَّاغانيّ، وزاد غيرُه الضَّمَّ فتكونُ مُثَلَّثَةً، والنِّسبةُ إِليها بِصْرِيُّ بالكسر، وبَصْرِيُّ، الأُولَى شاذَّةٌ، قال غُذافر:

بَصْرِيَّةٌ تَزَوَّجَتْ بَصْرِيّا *** يُطْعِمُهَا المالِحَ والطَّرِيَّا

وقال الأُبيُّ في شَرْح مُسْلِمٍ، نَقْلًا عن النَّوَوِيّ: البَصْرَةٌ مُثَلَّثَة، وليس في النَّسَب إِلا الفَتْحُ والكَسْرُ، وقال غيرُه: البَصْرَةُ مُثَلَّثَة، كما حَكَاه الأَزهريُّ، والمشهورُ الفَتْحُ، كما نَبَّه عليه النَّوَوِيّ.

وفي مَشَارِق القاضِي عِيَاضٍ: البَصْرَةُ: مدينةٌ معروفةٌ، سُمِّيَتْ بالبَصْر مُثَلَّثًا، وهو الكَذَّانُ، كان بها عند اخْتِطاطِها، واحدُهَا بِصْرَةٌ، بالفتح والكسر، وقيل: البَصْرَةُ: الطِّينُ العَلِكُ إِذا كان فيه جِصٌّ وكذا أَرضُ البَصْرَةِ. أَو هو مُعَرَّبُ بَسْ راهْ؛ أَي كَثِيرُ الطُّرُقِ فمعنى بَسْ كَثِيرٌ، ومعنَى راهْ طَرِيقٌ، وتعبيرُ المصنِّفِ به غيرُ جَيِّدٍ؛ فإِن الطُّرُقَ جَمْعٌ وراهْ مُفْرَدٌ، إِلّا أَن يقال إِنه كان في الأَصل بَسْ راهها، فحُذِفَتْ علامةُ الجمعِ، كما هو ظاهِرٌ.

والبَصْرَةُ: د، بالمَغْرِب الأَقْصَى قُرْبَ السُّوس؛ سُمِّيَتْ بمَنْ نَزَلَهَا واخَتَطَّها من أَهل البَصْرَةِ، عند فُتُوحِ تلك البلادِ، وقد خَرِبَتْ بعدَ الأَرْبَعِمِائَةِ من الهجرِة، ولا تكادُ تُعْرَفُ.

والبَصْرَةَ والبَصْرُ: حِجَارَةُ الأَرض الغَلَيظة، نَقَلَه القَزّازُ في الجامع. وفي الصّحاح: البَصْرَةُ: حِجَارَةٌ رِخْوَةٌ فيها بَيَاضٌ مّا، وبها سُمِّيَتِ البَصْرَةُ، وقال ذو الرُّمَّة:

تَداعَيْنَ باسْمِ الشِّيبِ في مُتَثَلِّمٍ *** جَوانِبُه مِنْ بَصْرَةٍ وسِلامِ

المُتَثَلِّمُ: حَوْصٌ تَهَدَّمَ أَكثرُه، لِقِدَمِ العَهْدِ: والشِّيبُ: حكايةُ صَوْتِ مَشافِرها عند رَشْفِ الماءِ.

وقال ابن شُمَيْلٍ: البَصْرَةُ: أَرضٌ كأَنَّهَا جَبلٌ من جِصٍّ، وهي التي بُنِيتْ بالمِرْبَدِ؛ وإِنّمَا سُمِّيَتِ البَصْرَةُ بَصْرةً بها.

وفي المِصْباح: البَصْرَةُ وِزَانُ كَثْرَةٍ: الحِجَارةُ الرِّخْوَةُ، وقد تُحذَف الهاءُ مع فتحِ الباءِ وكسرِهَا، وبها سُمِّيَتِ البلدَةُ المعروفَةُ.

وعن أَبي عَمْرٍو: البَصْرَةُ والكَذّانُ كلاهما الحِجَارَةُ التي ليستْ بصُلْبة.

والبُصْرَةُ بالضَّمِّ: الأَرضُ الحَمْرَاءُ الطَّيِّبَةُ.

وأَرضٌ بَصِرَةٌ، إِذا كانت فيها حِجَارَةٌ تَقْطَعُ حَوافِرَ الدّوابِّ.

وقال ابن سِيدَه: والبُصْرُ: الأَرضُ الطَّيِّبَةُ الحمراءُ، والبَصْرَةُ مُثَلَّثًا: أَرضٌ حِجَارَتُها جِصُّ، قال: وبها سُمِّيَتِ البَصْرَةُ.

والبُصْرَةُ: الأَثَرُ القَلِيلُ مِن اللَّبَنِ يُبْصِرُه النّاظِرُ إِليه، ومنه حديثُ عليٍّ رضِيَ اللهُ عنه: «فأَرْسلتُ إِليه شاةً فرأَى فيها بُصْرَةً مِن لَبَنٍ».

وبُصْرَى، كحُبْلَى: د، بالشَّام بين دِمَشْقَ والمَدِينَةِ، أَولُ بلادِ الشّامِ فُتُوحًا سنةَ ثلاثَ عشرةَ، وحَقَّقَ شُرّاحُ الشِّفَاءِ أَنَّهَا حَوْرانُ أَو قَيْسَارِيّةُ، قال الشاعر:

ولو أُعْطِيتُ مَنْ ببلادِ بُصْرَى *** وقِنَّسْرِينَ مِن عَرَبٍ وعُجْمِ

ويُنسَبُ إِليها السُّيوفُ البُصْرِيَّةُ، وأَنشدَ الجوهريُّ للحُصَين بن الحُمَامِ المُرِّيّ:

صَفَائِحُ بُصْرَى أَخْلَصَتْهَا قُيُونُهَا *** ومُطَّرِدًا مِنْ نَسْجِ داوُدَ أُحْكِمَا

والنَّسبُ إِليها بُصْريٌّ، قال ابن دُرَيْدٍ: أَحْسَبُه دَخيلًا.

وبُصْرَى: قرية ببغدادَ ذَكَرَهَا ياقوت في المُعْجَم، وهي قُرْبَ عُكْبَرَاءَ، منها: أَبو الحَسَن محمّدُ بنُ محمّد بن أَحمدَ بن محمّد خَلَفٍ، الشاعرُ البُصْرَويُّ، سَكَنَ بغدادَ، وقَرَأَ الكلامَ على الشَّريف المُرْتَضَى، وكان مَليحَ العارضَة، سَريعَ الجَوَاب، تُوُفِّيَ سنةَ 443.

ومنها أَيضًا: القاضي صدرُ الدِّين إِبراهيمُ بنُ أَحمدَ بن عُقْبَةَ بن هِبَةِ الله البُصْرَوِيُّ الحَنَفِيُّ، مات بدمشقَ سنةَ 669. والعَلَّامة أَبو محمّدٍ رَشِيدُ الدِّينِ سعيدُ بنُ عليِّ بنِ سَعِيدٍ البُصْرَوِيُّ، كَتَبَ عنه ابنُ الخَبّازِ والبِرْزالِيّ.

وبُوصِيرُ: أَربعُ قُرى بمصر.

ويقالُ بزيادةِ الأَلِفِ، بناءً على أَنه مركَّبٌ مِن «أَبو» «وصِير»، وهُنَّ: أَبُو صِير السِّدْر بالجِيزَة، وأَبُو صِير الغَرْبِيَّة، وتذكر مع بَنَا، وهي مدينةٌ قديمةٌ عامرةٌ على بحرِ النِّيل، بينها وبين سَمنّودَ مسافةٌ يسيرةٌ، وقد دَخَلتُهَا وسمِعْتُ بجامعها الحديثَ على عالِمها المُعَمَّرِ البُرْهَانِ إِبراهِيمَ بنِ أَحمدَ بنِ عَطَاءِ اللهِ الشافِعِيِّ، رَوَى عن أَبيه، وعن المحدِّث المعمَّر البُرْهَانِ إِبراهِيمَ بن يوسفَ بنِ محمَّدٍ الطَّوِيلِ الخَزْرَجِيِّ الأَبُو صِيرِيِّ، وغيرِهما، وأَبُو صِير: قريةٌ بصَعِيدِ مصرَ، منها أَبو حَفْصٍ عُمرُ بنُ أَحمدَ بنِ محمّدِ بنِ عيسى الفَقِيهُ المالِكِيُّ، والإِمامُ شَرفُ الدِّينِ أَبو عبد اللهِ محمّدُ بنُ سَعيدِ بنِ حَمّادِ بنِ مُحْسِنِ بنِ عبد الله الصِّنْهَاجِيُّ، قيل أَحَدُ أَبَويْه مِن دَلَاص، والآخَرُ من أَبُو صِير، فركَّب لنفسِه منها نِسْبَةً؛ فقال: الدَّلَاصِيريّ، ولكنه لم يشتهر إِلّا بالأَبُوصِيريِّ وهو صاحبُ البُرْدَةِ الشَّرِيفَةِ، تُوفِّيَ بالقاهرة سنةَ 695. وأَبُوصِير أَيضًا: قريةٌ كبيرةٌ بالفَيُّوم عامرةٌ.

وبُوصِيرُ: نَبْتٌ يُتَدَاوَى به، أَجْودُه الذَّهبِيُّ الزَّهْرِ، كذا في المِنْهَاجِ، وذَكَر له خواصّ.

والبصْرُ، بفتح فسكونٍ: القَطْعُ. وقد بصَرْتُه بالسَّيْفِ، وهو مَجازٌ، وفي الحديث: «فأَمر به فَبُصِرَ رَأْسُه» أَي قُطِعَ، كالتَّبْصِيرِ، يقال: بصَره وبَصَّرَه.

والبَصْرُ: أَن تُضَمَّ حاشِيَتَا أَدِيميْنِ يُخَاطانِ كما يُخَاطُ حاشِيتَا الثَّوْبِ. ويقال: رَأَيتُ عليه بَصِيرَةً؛ أَي شُقَّةً مُلَفَّقَةً، وفي الصّحاح: والبصْرُ: أَن يُضَمَّ أَدِيمٌ إِلى أَدِيمٍ فيُخْرَزانِ كما يُخاطُ حاشيتَا الثَّوْبِ، فتُوضَعُ إِحْدَاهما فوقَ الأُخْرَى، وهو خِلافُ خِياطَةِ الثَّوْبِ قبلَ أَن يُكَفَّ.

والبُصْرُ بالضَّمِّ: الجانبُ والناحِيَةُ، مقلوبٌ عن الصُّبْرِ.

والبُصْرُ: حَرْفُ كلِّ شيْ‌ءٍ.

والبُصْرُ: القُطْنُ، ومنه البَصيرة: لشْقَّةٍ من القُطْنِ.

والبُصْرُ: القِشْرُ.

والبُصْرُ: الجِلْدُ وقد غَلَبَ على جِلْدِ الوجْهِ، ويقال: إِنّ فلانًا لَمَعْضُوبُ البُصْرِ، إِذا أَصابَ جِلْدَه عُضَابٌ، وهو داءٌ يَخْرجُ به. ويُفْتَحُ أَي في الأَخِير، يقال: بُصْرُه وبَصْرُه؛ أَي جِلْدُه، حَكاهما اللِّحْيَانِيُّ عن الكِسَائِيِّ.

والبُصْرُ: الحجَرُ الغَلِيظ، ويُثَلَّثُ، وقد سَبَقَ النَّقْلُ عن صاحبِ الجامِعِ أَنَّ البُصْرَ مُثَلَّثًا: حجارةُ الأَرضِ الغَلِيظةُ، والتَّثْلِيثُ حَكاه القاضِي في المَشَارِق، والفَيُّومِيُّ في المِصباح. وقيل: البَصْرُ والبِصْرُ والبَصْرَةُ: الحَجَرُ الأَبيضُ الرِّخْوُ، وقيل: هو الكَذّانُ، فإِذا جاءُوا بالهاءِ قالُوا: بَصْرَة لا غَير، وجَمْعُها بِصَارٌ.

وقال الفَرّاءُ: البِصْرُ والبَصْرَةُ: الحِجارةُ البَرّاقَةُ، وأَنْكَرَ الزَّجّاجُ فَتْحَ الباءِ مع الحذفِ، كذا في المِصباح.

وبُصَرٌ كصُرَدٍ: موضع قال الصَّاغَانِيّ: البُصَر: جَرَعَاتٌ مِن أَسْفَلِ أُودَ، بأَعْلَى الشِّيخَةِ مِن بلاد الحَزْنِ.

والبَاصَرُ، بالفتح؛ أَي بفتح الصّادِ: القَتَبُ الصَّغِير المسْتَدِير، مَثَّلَ به سِيبَوَيْه، وفَسَّره السِّيرافيُّ عن ثَعْلَبٍ، وهي البَوَاصِرُ.

والباصُورُ: اللَّحْمُ؛ سُمِّيَ به لأَنه جَيِّدٌ للبَصَرِ يَزِيدُ فيه، نقلَه الصّاغَانِيُّ. ورَحْلٌ دُونَ القِطْعِ وهو عِيدَانٌ تُقَابَلُ شبيهَةٌ بأَفْتَابِ البُخْتِ، نقلَه الصَّاغانيّ.

والمُبْصِرُ كمُحْسِنٍ: الوَسَطُ مِن الثَّوْبِ، ومن المَنْطِقِ، ومِن المَشْيِ.

والمُبْصِرُ: مَن عَلَّقَ على بابِه بَصِيرَةً، للشُّقَّةِ مِن قُطْنٍ وغيرِه. ويقال أَبْصَرَ، إِذا عَلَّقَ على بابِ رَحْلِه بَصِيرَةً.

والمُبْصِرُ: الأَسَدُ يُبْصِرُ الفَرِيسَةَ مِن بُعْدٍ فيَقْصِدُها.

وأَبْصَرَ الرجلُ وبَصَّرَ تَبْصِيرًا، كَكَوَّنَ تَكْوِينًا: أَتَى البَصْرَةَ والكُوفةَ، وهما البَصْرتَانِ، الأُولَى عن الصّاغانيّ.

وأَبو بَصْرَةَ، بفتحٍ فسكونٍ: جَمِيلُ بنُ بَصْرَةَ، وقيل: جَمِيلُ بنُ بَصْرَةَ الغِفَارِيُّ.

وأَبو بَصِيرٍ: عُقْبَةُ، وفي بعض النُّسَخِ: عُتْبَةُ، وهو الصَّوابُ، وهو ابن أُسَيْدِ بنِ حارِثَةَ الثَّقَفِيُّ.

وأَبو بَصِيرَةَ الأَنْصارِيُّ ذَكَره سيفٌ. صَحَابِيُّون، وكذلك بَصْرَةُ بنُ أَبي بَصْرَةَ، هو وأَبوه صَحَابِيّانِ نَزَلا مِصْرَ.

وعبدُ الله بنُ أَبي بَصِيرٍ ـ كأَمِير ـ شيخٌ لأَبي إِسحاقَ السَّبِيعيِّ. ومَيْمُونٌ الكُرديُّ، يُكْنَى أَبا بَصِيرٍ. وبَصِيرُ بن صابرٍ البُخَارِيُّ. وأَبو بَصيرٍ يحيى بنُ القاسِمِ الكُوفِيُّ، من الشِّيعة. وأَبو بَصيرٍ أَعْشَى بَنِي قَيْس، واسمُه مَيْمُونٌ. وقد استوفاهم الأَمِيرُ فراجِعْه.

والأَباصِرُ: موضع كالأَصافِرِ والأَخامِرِ.

والتَّبَصُّرُ في الشيْ‌ءِ: التَأَمُّلُ والتَّعَرُّفُ. وتقولُ: تَبَصَّرْ لي فلانًا.

ومن المَجَاز: اسْتَبْصَرَ الطَّرِيقُ: استَبَانَ ووَضَحَ، ويقال: هو مُسْتَبْصِرٌ في دِينه وعَمَلِه، إِذا كان ذا بَصِيرَةٍ. وفي حديث أُمِّ سَلَمَةَ: «أَليسَ الطَّرِيقُ يَجمعُ التّاجِرَ وابنَ السَّبِيلِ والمُسْتَبْصِرَ والمَجْبُورَ»؛ أَي المُسْتَبِينَ للشَّيْ‌ءِ؛ أَرادت أَنّ تلك الرُّفْقَةَ قد جَمَعَتِ الأَخيارَ والأَشرارَ.

وبَصَّرَه تَبْصِيرًا: عَرَّفَه وأَوْضَحه وبَصَّرتُه به: عَلَّمتُه إِيّاه.

وتَبَصَّرَ في رأْيه واسْتَبْصَرَ: تَبَيَّنَ ما يَأْتِيه من خيرٍ وشرٍّ.

وفي التَّنْزِيل العزيز: {وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} أَي أَتَوْا ما أَتَوْه وهم قد تَبَيَّنَ لهم أَنّ عاقِبَتَه عذابُهم، وقيل: أَي كانوا في دِينهم ذَوِي بَصَائِرَ، وقيل: كانوا مُعْجَبِين بضَلالَتِهم.

وبَصَّرَ اللَّحْمَ تَبْصِيرًا: قَطَعَ كلَّ مَفْصِلٍ وما فيه من اللَّحْم، من البَصْرِ وهو القَطْعُ.

وبَصَّرَ الجَرْوُ تَبْصِيرًا: فَتَحَ عَيْنَيْه، عن اللَّيْث.

وبَصَّرَ رَأْسَه تَبْصِيرًا: قَطَعَه، كبَصَرَه.

وبِصَارٌ ككِتَاب: جَدُّ المعمَّرِ نَصْرِ بنِ دُهْمَانَ الأَشْجَعِيِّ، وهو بِصَارُ بنُ سُبَيْعِ بنِ بكرِ بنِ أَشْجَعَ: بَطْنٌ، ومِن وَلَدِه جارِيَةُ بنُ حمِيل بنِ نُشْبَةَ بنِ قُرْطِ بنِ مُرَّةَ بنِ نصر [بن] دُهْمَانَ بن بِصَارٍ، شَهِدَ بَدْرًا. وفِتْيَانُ بنُ سُبَيْعِ بنِ بَكْرٍ بطنٌ.

وفي التَّنْزِيل العزيزِ قولُه تعالَى: وَالنَّهارَ {مُبْصِرًا}: أَي مُضِيئًا يُبْصَرُ فيه. ومن المَجاز قولُه تعالى: وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً؛ أَي بَيِّنَةً واضِحَةً، وقولُه تعالَى: وَآتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً؛ أَي آيَةً واضِحَةً، قالَه الزَّجّاجُ. وقال الفَرّاءُ: جَعَلَ الفِعْلَ لها، ومعنَى مُبْصِرَةً مُضِيئَة، وقال الزَّجّاج: ومَن قَرَأَ «مُبْصِرَةً» فالمعنى بَيِّنَةٌ، ومَن قَرَأَ «مُبْصَرَةً» فالمعنى مُبَيَّنَةٌ، وقال الأَخْفَشُ: «مُبْصَرَة»؛ أَي مُبْصَرًا بها، وقال الأَزهريُّ: والقَوْلُ ما قال الفَرّاءُ، أَراد آتَيْنَا ثَمُودَ النّاقَةَ آيَةً مُبْصِرَةً؛ أَي مُضِيئَةً. وفي الصّحاح: المُبْصِرَةُ: المُضِيئةُ، ومنه قولُه تعالَى: فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً. قال الأَخْفَشُ: أَي تُبَصِّرُهم تَبْصِيرًا أَي تَجْعَلُهم بُصْراءَ.

* وممّا يُسْتَدرَك عليه:

{الْبَصِيرُ}، وهو مِن أَسماءِ اللهِ تعالَى، وهو الذي يُشَاهِدُ الأَشْيَاءَ كلَّهَا ظاهِرَها وخافِيهَا بغيرِ جارِحَةٍ، والبَصَرُ في حَقِّه عبارةٌ عن الصِّفَةِ التي يَنْكَشِفُ بها كمالُ نُعُوتِ المُبْصَرَاتِ، كذا في النِّهَايَة.

وأَبصَرَه. إِذا أَخْبَرَ بالذي وقَعَتْ عَينُه عليه، عن سِيبَوَيْهِ.

وتَبَصَّرْتُ الشَّيْ‌ءَ: شِبْهُ رَمَقْتُه.

وعن ابن الأَعرابِيّ: أَبْصَرَ الرَّجلُ، إِذا خَرَجَ من الكُفْر إِلى بَصِيرَةِ الإِيمانِ، وأَنشدَ:

قَحْطَانُ تَضْرِبُ رَأْسَ كُلِّ مُتَوَّجٍ *** وعلى بَصَائِرِهَا وإِنْ لم تُبْصِرِ

قال: بَصَائِرُها: إِسلامُها، وإِن لم تُبْصِر في كُفْرها.

ولَقِيَه بَصَرًا، محرَّكَةً؛ أَي حين تَباصَرَتِ الأَعيانُ، ورأَى بعضُهَا بَعضًا، وقيل: هو أَوّلُ الظَّلامِ إِذا بَقِيَ من الضَّوءِ قَدْرُ ما تَتَبَايَنُ به الأَشباحُ، لا يُسْتَعْمل إِلّا ظَرْفًا. وفي الحديث: «كان يُصَلِّي بنا صلَاةَ البَصَرِ حتَّى لو أَنَّ إِنسانًا رَمَى بِنَبْلِهِ أَبْصَرَهَا». قيل: هي صلاةُ المَغْرِبِ، وقيل: الفَجْر، لأَنهما يُؤَدَّيانِ وقد اختَلَط الظَّلامُ بالضِّياءِ.

ومن المَجَاز: ويقال للفِراسَةِ الصّادِقَةِ: فِرَاسَةٌ ذاتُ بَصِيرَةٍ، ومِن ذلك قولُهم: رأَيتُ عليك ذاتَ البَصَائِرِ.

والبَصِيرَةُ: الثَّباتُ في الدِّين. وقال ابن بُزُرْج: أَبْصِرْ إِليَّ؛ أَي انْظُرْ إِليَّ، وقيل: الْتَفِتْ إِليّ.

وقولُ الشّاعر:

قَرَنْتُ بِحَقْوَيْهِ ثَلاثًا فلم يَزِغْ *** عن القَصْد حتَّى بُصِّرَتْ بدِمَامِ

قال ابن سِيدَه: يجوزُ أَن يكونَ معناه قَوِّيَتْ؛ أَي لمّا هَمَّ هذا الرِّيشُ بالزُّوال عن السَّهْمِ لِكَثْرَةِ الرَّمْيِ به، أَلْزَقَه بالغِرَاءِ فثَبَتَ.

والباصِرُ: المُلَفِّقُ بين شُقَّتَيْنِ أَو خِرْقَتَيْن.

وقال الجوهَرِيُّ في تفسير البيتِ: يَعنِي طَلَى رِيشَ السَّهْمِ بالبَصِيرَةِ، وهي الدَّمُ.

وقال تَوْبَةُ:

وأُشْرِفُ بالغور اليَفَاعِ لَعَلَّنِي *** أَرَى نارَ لَيْلَى أَو يَرَانِي بَصيرُهَا

قال ابن سِيدَه: يَعْنِي كَلْبَهَا، لأَنّ الكَلْبَ مِن أَحَدِّ العُيُونِ بَصَرًا.

وبُصْرُ الكَمْأَةِ وَبَصَرُهَا: حُمْرَتُها، قال:

ونَفَّضَ الكَمْ‌ءَ فأَبْدَى بَصَرَهْ

وبُصْرُ السَّمَاءِ وبُصْرُ الأَرضِ: غِلَظُهما، وبُصْرُ كلِّ شيْ‌ءٍ: غِلَظُه. وفي حديث ابن مَسْعُود: «بُصْرُ كلِّ سماء مَسِيرَةُ خَمْسِمائةِ عامٍ»، يُرِيدُ غِلَظَها وسَمْكَهَا، وهو بضمِّ الباءِ. وفي الحديث أَيضًا: «بُصْرُ جِلْدِ الكافِرِ في النَّار أَربعونَ ذِرَاعًا». وثَوْبٌ جَيِّدُ البُصْرِ. قَوِيٌّ وَثِيجٌ.

والبَصْرَةُ: الطِّينُ العَلِكُ، قيل: وبه سُمِّيَتِ البَصْرَةُ.؟؟؟

عِياضٌ في المَشارِق. وقال اللِّحيانِيُّ: البَصْرُ: الطِّينُ؟؟؟

الجَيِّدُ الذي فيه حَصىً.

والبَصِيرَةُ: ما لَزِقَ بالأَرض مِن الجَسَدِ، وقيل: هو قَدْرُ فِرْسِنِ البَعِيرِ منه.

والبَصِيرَةُ: الثَّأْرُ، وقال الشّاعر:

راحُوا بَصائِرُهُم على أَكْتَافِهمْ *** وَبَصِيرَتِي يَعْدُو بها عَتَدٌ وَأَى

يعني تَرَكُوا دَمَ أَبِيهِم خَلْفَهم، ولم يَثْأَرُوا به، وطَلَبْتُه أَنا، وفي الصّحاح: وأَنا طَلَبْتُ ثَأْرِي، وقال ابن الأَعرابيِّ: البَصِيرَةُ: الدِّيَةُ، والبَصَائِرُ: الدِّياتُ، قال: أَخَذُوا الدِّيَاتِ فصارتْ عارًا، وبَصِيرَتِي؛ أَي ثَأْرِي، قد حَملتُه على فَرَسِي لأُطالِبَ به، فبيني وبينهم فَرْقٌ.

وأَبو بَصِيرٍ: الأَعْشَى، على التَّطَيُّر.

ومن المَجَاز: ورَتَّبْتُ في بُستَانِي مُبْصِرًا؛ أَي ناظِرًا، وهو الحافظُ.

ورأَيْتُ باصِرًا؛ أَي أَمْرًا مُفَزِّعًا.

ورأَيتُه بين سَمْعِ الأَرضِ وبَصَرِها؛ أَي بأَرضٍ خَلاءٍ، ما يُبْصِرُنِي ويَسْمعُ بي إِلّا هي.

وَبَصِيرٌ الجَيْدُور: مِن نَوَاحِي دِمشقَ.

وبَصِيرٌ: جَدُّ أَبي كاملٍ أَحمد بنِ محمّد بنِ عليِّ بنِ محمّد بنِ بَصِيرٍ البُخَاريّ البَصِيرِيّ.

وبُوصَرا، بالضَّمّ وفتح الصاد: قريةٌ ببغدادَ، منها أَبو عليٍّ الحسنُ بنُ الفَضْلِ بن السَّمْح الزَّعْفَرَانِيُّ البُوصَرِيُّ، رَوَى عنه الباغنديُّ، توفي سنة 280.

وبَصْرُ بنُ زمان بنِ خُزَيمةَ بنِ نَهْد بنِ زيدِ بنِ لَيْثِ بن أسلم، هكذا ضَبَطَه أَبو عليٍّ التَّنُوخيُّ في نَسَب تَنُوخَ، قال: وبعضُ النُّسّاب يقول: نَصْر، بالنُّونِ وسكونِ الصاد المهملَةِ، قال الخطيبُ: ومِن وَلَده أَبو جعفرٍ النُّفَيْلِيُّ المحدِّث، واسمُه عبدُ الله بنُ محمّدِ بنُ عليِّ بنِ نُفَيْلِ بنِ زراعِ بنِ عبد الله بنِ قيسِ بنِ عصمِ بنِ كُوزِ بنِ هلالِ بنِ عصمةَ بنِ بَصْرٍ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


41-تاج العروس (زور)

[زور]: الزَّوْرُ، بالفَتْح: الصَّدْر، وبه فُسِّر قَوْل كَعْب بْنِ زُهَيْر:

في خَلْقِهَا عن بَنَاتِ الزَّوْرِ تَفْضِيلُ

وبَنَاتُه: ما حَوالَيْه من الأَضْلاع وغَيْرِها. وقيل: وَسَطُ الصَّدْرِ أَو أَعْلاه. وهو ما ارْتَفَع مِنْه إِلى الكَتفَيْن، أَو هو مُلْتَقَى أَطْرَافِ عِظَامِ الصَّدْرِ حيثُ اجْتَمَعَت، وقيل: هو جَماعةُ الصَّدْر من الخُفِّ، والجمْع أَزوارٌ. ويُستَحَبُّ في الفَرَس أَن يَكون في زَوْرِه ضِيقٌ، وأَن يكون رَحْبَ اللَّبَانِ، كما قال عبدُ الله بن سُلَيْمَة:

ولقَدْ غَدَوْتُ علَى القَنِيص بشَيْظَمٍ *** كالجِذْعِ وَسْطَ الجَنَّةِ المَغْرُوسِ

مُتَقَارِبِ الثَّفِنَاتِ ضَيْقٍ زَوْرُه *** رَحْبِ اللَّبَانِ شَدِيدِ طَيِّ ضَرِيسِ

أَراد بالضَّرِيس الفَقَارَ.

قال الجَوْهَرِيّ، وقد فَرَّقَ بين الزَّوْرِ واللَّبَانِ كما تَرَى.

والزَّوْرُ: الزّائِرُ، وهو الذي يَزُورُك. يقال: رَجلٌ زَوْرٌ، وفي الحديث: «إِنَّ لزَوْرِكَ عليك حَقًّا» وهو في الأَصل مَصْدرٌ وُضِعَ مَوْضعَ الاسْمِ، كصَوْمٍ ونَوْمٍ، بمَعْنَى صَائِمٍ ونَائِمٍ.

والزَّوْر: الزَّائِرُون، اسمٌ للجَمْع، وقيل: جَمْعُ زائرٍ.

رجلٌ زَوْر، وامرأَة زَوْرٌ، ونِسَاءٌ زَوْرٌ. يكون للواحِد والجَمِيع والمُذَكَّر والمُؤَنَّث بلَفْظٍ واحِدٍ، لأَنه مَصْدر، قال:

حُبَّ بالزَّوْر الذي لا يُرَى *** منه إِلا صَفْحَةٌ عن لِمَامْ

وقال في نِسْوة زَوْرٍ:

ومَشْيُهُنَّ بالكَثِيبِ مَوْرُ *** كما تَهَادَى الفَتيَاتُ الزَّوْرُ

كالزُّوَّارِ والزُّوَّر، كرُجَّاز ورُكَّع. وقال الجوهريّ: ونِسْوةٌ زَوْرٌ وزُوَّرٌ، مثل نُوَّمٍ ونُوَّحٍ: زَائِرات.

والزَّوْرُ: عَسِيبُ النَّحْلِ، هكَذا بالحَاءِ المُهْمَلَة في غالب النُّسخ، والصواب بالمُعْجَمَة. وهكذا ضَبَطَه الصَّاغانِيّ وقال: هو بِلُغة أَهْل اليَمَن.

والزَّوْرُ: العَقْلُ. ويُضَمّ، وقد كَرَّرَه مَرَّتَيْن، فإِنه قَالَ بَعْدَ هذا بأَسطُر: والرَّأيُ والعَقْل: وسَيَأتي هُناك.

والزَّوْر: مَصْدر زَارَ ه يَزُورُه زَوْرًا؛ أَي لَقِيَه بزَوْرِه، أَو قَصَدَ زَوْرَه أَي وِجْهَته، كما في البَصائر، كالزِّيَارَة، بالكَسْر والزُّوَارِ، بالضَّمّ، والمَزَارِ، بالفَتْح، مصدر مِيمِيّ، وقد سَقَط من بعض النُّسَخ.

والزَّوْرُ للقَوْم: السَّيِّد والرَّئيسُ كالزَّوِيرِ، كأَمِير، والزُّوَيْرِ، كزُبَيْر. يقال هذا زُوَيْرُ القَوْمِ؛ أَي رَئِيسُهم وزَعِيمُهم.

وقال ابْنُ الأَعرابيّ: الزُّوَيْر: صاحِبُ أَمرِ القَوْمِ، وأَنشد:

بأَيْدِي رِجالٍ لا هَوادَةَ بَيْنَهمْ *** يَسُوقُون للمَوْتِ الزُّوَيْرَ اليَلَنْدَدَا

والزِّوَرِّ مثال خِدَبٍّ وهِجَفٍّ.

والزَّوْرُ: الخَيَالُ يُرَى في النَّوْمِ.

والزَّوْرُ: قُوَّةُ العَزِيمَةِ، والذي وَقعَ في المُحكَم والتَّهْذِيب: الزَّوْرُ: العَزِيمة، ولا يُحْتَاج إِلى ذِكْر القُوَّة فإِنها معنًى آخَرُ.

والزَّوْرُ: الحَجَرُ الَّذِي يَظْهَر لِحَافِرِ البِئْرِ فيَعْجِزُ عن كَسْرِهِ فيَدَعُه ظاهِرًا. وقال بعضُهم: الزَّوْرُ: صَخْرَةٌ، هكذا أَطلَقَ ولم يُفَسِّر.

والزَّوْر: وَادٍ قُرْبَ السَّوَارِقِيَّة.

ويَوْمُ الزَّوْرِ، وَيقال: يَوْمُ الزَّوْرَيْن، ويَومُ الزَّوِيرَيْنِ لبَكْرٍ على تَمِيم.

قال أَبو عُبَيْدةَ: لأَنَّهُمْ أَخَذُوا بَعِيرَيْن. ونَصُّ أَبِي عُبَيْدَة: بَكْرَيْن مُجَلَّلَيْنِ فعَقَلُوهُما؛ أَي قَيَّدُوهما، وقالوا: هذانِ زَوْرَانَا أَي إِلهَانَا لَنْ نَفِرّ. ونصّ أَبِي عُبَيْدة: فلا نَفِرّ حتَّى يَفرَّا، وهُزِمَت تَمِيمٌ ذلِكَ اليَوْم، وأُخِذَ البَكْرَانِ فنُحِرَ أَحدُهما وتُرِكَ الآخَرُ يَضْرِب في شَوْلِهِم.

وقال الأَغْلَبُ العِجْليّ يَعِيبُهم بجَعْل البَعِيرَينِ رَبَّيْن لهم:

جاءوا بِزَوْرَيْهم وجِئْنَا بالأَصَمّ

هكذا في دِيوان الأَغلَب.

وقال أَبو عُبَيْدَة مَعْمَرُ بنُ المُثَنَّى: إِن البَيْت ليَحْيَى بن مَنْصُور وأَنشد قَبْلَه:

كانتْ تَمِيمٌ مَعشرًا ذَوِي كَرَمْ *** غَلْصَمَةً من الغَلاصِيمِ العُظَمْ

ما جَبُنُوا ولا تَوَلَّوْا مِنْ أَمَمْ *** قدْ قابَلوا لو يَنْفُخُون في فَحَمْ

جاءُوا بزَوْرَيْهم وجِئْنَا بالأَصَمّ *** شَيْخٍ لنَا كاللَّيْثِ مِنْ باقِي إِرَمْ

الأَصمُّ: هو عَمْرو بن قَيْسِ بن مَسْعُودِ بنِ عَامِر، رَئِيسُ بَكْرِ بْنِ وَائِل في ذلك اليومِ.

والزُّورُ بالضَّمِّ: الكَذِبُ، لكَوْنه قَوْلًا مائِلًا عن الحَقّ.

قال تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} وبه فُسِّر أَيضًا الحَدِيث: «المُتَشَبِّع بما لم يُعْطَ كَلابِس ثَوْبَيْ زُورٍ». والزُّورُ: الشِّرْكُ بالله تَعَالَى، وقد عَدَلَت شَهَادَةُ الزُّورِ الشِّرْكَ بالله، كما جاءَ في الحَدِيث لقَوْله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهًا آخَرَ} ثم قال بعدَها: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} وبه فَسَّر الزَّجَّاج قولَه تَعالَى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}. وقيل: إِن المرادَ به في الآية مَجَالِسُ اليَهُودِ والنَّصَارَى عن الزَّجّاج أَيضًا، ونصُّ قوله: مَجالِس النّصارى.

والزُّور: الرَّئِيسُ، قاله شَمِر، وأَنْشَد:

إِذْ أُقْرِنَ الزُّورَانِ زُورٌ رَازِحُ *** رَارٌ وزُورٌ نِقْيُه طُلافِحُ

وزَعِيمُ القَوْم: لُغَة في الزَّوْر، بالفَتْح، فلو قال هنا: ويُضَمّ، كان أَحْسَن. والسَّيّد والرَّئِيس والزَّعِيم بمَعْنًى.

وقيل في تَفْسِير قولِه تَعالَى {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} إِنَّ المراد به مَجْلِسُ الغِنَاءِ، قاله الزَّجَّاجُ أَيضًا. ونَصُّه مَجَالِسُ الغِنَاءِ. وقال ثَعْلبٌ: الزُّور هنا: مَجالِسُ اللهْو. قال ابنُ سِيدَه: ولا أَدْرِي كَيْفَ هذَا إِلّا أَن يُرِيدَ بمجالِس اللهْوِ هُنَا الشِّرْكَ بالله. قال: والَّذي جاءَ في الرِّواية: الشِّرْك، وهو جامعٌ لأَعيادِ النَّصَارَى وغيرِها.

ومن المَجَاز: ما لَكُمْ تَعْبُدُون الزُّورَ؟ وهو كُلُّ ما يُتَّخَذُ رَبًّا ويُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله تَعالَى، كالزُّونِ بالنُّون. وقال أَبو سَعِيد: الزُّون: الصَّنَم وسَيَأْتِي. وقال أَبو عُبَيْدة: كلّ ما عُبِد من دُونِ الله فهو زُورٌ.

قُلْتُ: ويقال: إِنَّ الزُّور صَنَمٌ بعَيْنه كان مُرَصَّعًا بالجَوْهَر في بلاد الدادر.

وعن أَبِي عُبَيْدَة: الزُّورُ: القُوَّة. يقال: ليس لهم زُورٌ؛ أَي ليس لهم قُوَّة. وحَبْلٌ له زُورٌ؛ أَي قُوَّة: وهذا وِفَاقٌ وَقَعَ بين لُغَةِ العَربِ والفُرْسِ، وصَرَّحَ الخَفَاجِيّ في شِفَاءِ الغَلِيل بأَنَّه معرّب. ونَقَل عن سِيبَوَيْه وغَيْرِه من الأَئِمَّة ذلِك، وظَنَّ شَيْخُنَا أَنَّ هذا جاءَ به المُصَنِّف من عنده فتمَحَّلَ للرَّدّ عليه على عادَته، وإِنَّمَا هو نصّ كلامِ أَبِي عُبَيْدَة، ونَاهِيك بِه. ثم إِن الذي في اللُّغَة الفَارِسيّة إِنَّمَا هو زُور بالضَّمَّة المُمَالَة لا الخَالصة ولم يُنَبِّهُوا على ذلِك.

والزُّورُ: نَهرٌ يَصُبُّ في دِجْلَةَ.

والزُّورُ: الرَّأْيُ والعَقْلُ، يقال: ما لَه زُورٌ وزَوْرٌ ولا صَيُّور، بمعنًى؛ أَي ما لَه رَأْيٌ وعَقْل يرْجع إِليه، بالضَّمِّ عن يعقوب، والفَتْح عن أَبِي عُبَيْد. وقال أَبو عُبَيْد: وأُراه إِنَّما أَرادَ لا زَبْرَ له فغَيَّره إِذ كَتَبه.

والزُّورُ: التُّهْمَة والباطِلُ وقيل: شَهادَةُ البَاطِل وقَولُ الكَذب، ولم يُشْتَقّ منه تَزْوِير الكَلامِ، ولكِنه اشتُقَّ من تَزْوِير الصَّدْرِ، وقد تَكرَّر ذِكْر شَهادَة الزُّور في الحديث، وهي مِنَ الكَبَائِر.

والزُّورُ: جَمْعُ الأَزْورِ، وهو المَائِل الزَوْر، ومنه شِعْر عمر:

بالخَيْل عابِسَةً زُورًا مناكِبُها

كما يأْتي.

والزُّورُ: لَذَّةُ الطَّعامِ وطِيبُهُ.

والزُّورُ: لِينُ الثَّوبِ ونَقَاؤُه.

وزُورٌ: اسم مَلِكٍ بَنَى مَدِينَة شَهْرَ زُورَ، ومَعْناه مَدِينَة زُور.

والزَّوَرُ. بالتَّحْرِيكِ: المَيْلُ، وهو مِثْل الصَّعَر. وقيل: الزَّوَرُ في غَيْر الكِلَاب: مَيَلٌ مّا، لا يكون مُعْتَدِلَ التَّرْبِيعِ، نحو الكِرْكِرَة واللِّبْدَة. وقِيلَ: الزَّوَرُ: عِوَجُ الزَّوْرِ؛ أَي وَسطُ الصَّدْرِ. أَو هو إِشْرَافُ أَحَدِ جانِبَيْه على الآخَرِ، وقد زَوِرَ زَوَرًا.

والأَزْوَرُ: مَنْ به ذلِك. و: المائِلُ. يقال: عُنُق أَزْوَرُ؛ أَي مائِلٌ. وكَلْبٌ أَزْوَرُ: قد اسْتَدَقَّ جَوْشَنُ صَدْرِه وخَرجَ كَلْكَلُه كأَنَّه قد عُصِرَ جانِبَاه.

وقيل: الزَّوَرُ في الفَرَس: دُخُولُ إِحدَى الفَهْدَتَيْن وخُرُوجُ الأُخرَى.

والأَزْوَر: النَّاظِرُ بمُؤْخِرِ عَيْنَيْهِ لشِدَّته وحِدَّته. أَو الأَزْوَرُ: البَعِيرُ الذِي يُقْبِل على شِقٍّ إِذَا اشْتَدَّ السَّيْرُ وإِن لم يكُن في صَدْرِهِ مَيَلٌ.

والزِّوَرُّ، كهِجَفٍّ: السَّيْرُ الشَّدِيدُ. قال القُطَاميّ:

يا نَاقُ خُبِّي خَبَبًا زِوَرَّا *** وقَلِّمِي مَنْسِمَكِ المُغْبَرَّا

وقيل: الزِّوَرُّ: الشَّدِيدُ، فلم يُخَصَّ به شَيْ‌ءٌ دون شَيْ‌ءٍ.

والزِّوَرُّ أَيضًا: البَعِيرُ الصُّلْب المُهَيَّأُ للأَسْفَارِ. يقال: ناقةٌ زِوَرَّةُ أَسْفارِ؛ أَي مُهَيَّأَة للأَسفارِ مُعَدَّة. ويقال فيها أَزْوِرارٌ من نَشَاطِها. وقالَ بَشِير بنُ النِّكْث:

عَجِّلْ لهَا سُقَاتَها يَا ابْنَ الأَغرّ *** وأَعْلِقِ الحَبْلَ بذَيّالٍ زِوَرّ

والزِّوَارُ والزِّيَارُ، بالوَاوِ واليَاءِ ككِتَاب: كُلُّ شَيْ‌ءٍ كان صَلَاحًا لشَيْ‌ءٍ وعِصْمَةً، وهو مَجاز. قال ابنُ الرِّقاع:

كانُوا زِوَارًا لأَهْلِ الشَّامِ قد عَلِمُوا *** لَمَّا رَأَوْا فيهمُ جَوْرًا وطُغْيانَا

قال ابنُ الأَعرابيّ: زِوَارٌ وزِيَارٌ: عِصْمَةٌ، كزِيَارِ الدّابَّة.

والزِّوَارُ والزِّيَارُ: حَبْلٌ يُجْعَل بَيْنَ التَّصْدِيرِ والحَقَبِ يُشَدُّ من التَّصْدِير إِلى خَلْفِ الكِرْكِرةِ حتَّى يَثْبُتَ لئلّا يُصِيبَ الحَقَبُ الثِّيلَ فيحْتَبس بَوْلُه، قاله أَبو عَمْرٍو.

وقال الفرزذق:

بأَرحُلِنا يَجِدْنَ وقد جَعَلْنَا *** لكلِّ نَجِيبَةٍ منها زِيَارا

الجمع: أَزْوِرَةٌ.

وفي حديثِ الدَّجَّال: «رآه مُكبَّلًا بالحَدِيد بأَزْوِرَة».

قال ابنُ الأَثِير: هي جَمْع زِوَارٍ وزِيَارٍ، المعنَى أَنه جُمِعتْ يَدَاهُ إِلى صَدْرِه وشُدَّت.

وزُرْتُ البَعِيرَ أَزُورُه زِوَارًا: شَدَدْتُه بِه، من ذلك.

وأَبُو الحُسَيْن عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله بنِ بَهْرَامَ الزِّيارِيُّ الأَسْتَرَابَاذِيّ: مُحَدِّثٌ يَرْوِي عن إِبراهِيمَ بنِ زُهَيْر الحُلْوَانيّ، مات سنة 342، كذا في التَّبْصِير للحافِظ ابن حَجَر.

والزَّوْرَاءُ: اسمُ مَال كان لأُحَيْحَةَ بن الجُلَاحِ الأَنْصَارِيّ: وقال:

إِني أُقِيم على الزَّوْرَاءِ أَعمُرُها *** إِنَّ الكَرِيمَ على الإِخوانِ ذُو المَالِ

ومن المَجَازِ: الزَّوْرَاءُ: الْبِئْرُ البَعِيدَةُ القَعْرِ. قال الشَّاعِر:

إِذ تَجْعَل الجَارَ في زَوْراءَ مُظْلِمَةٍ *** زَلْخَ المُقَامِ وتَطْوِي دُونَه المَرَسَا

وقيل: رَكِيَّةٌ زَوْرَاءُ: غيرُ مُسْتَقِيمَةِ الحَفْرِ.

والزَّوْرَاءُ: القَدَحُ، قال النابِغَة:

وتُسْقَى إِذا ما شِئتَ غَيْرَ مُصَرَّدٍ *** بزَوْرَاءَ في حافَاتِهَا المِسْكُ كانِعُ

والزَّوْراءُ: إِناءٌ، وهو مِشْرَبَةٌ من فِضَّة مُسْتَطِيلَة مثْل التَّلْتَلَة. ومن المَجَاز: رَمَى بالزَّوراءِ؛ أَي القَوْس. وقَوْسٌ زَوْرَاءُ: مَعْطوفةٌ.

وقال الجَوْهَرِيّ: ودَجْلَةُ بغْدَادَ تُسَمَّى الزَّوْرَاءَ.

والزَّوْرَاءُ: بَغْدَادُ أَو مَدينةٌ أُخْرَى بها في الجانِب الشَّرقِيّ؛ لأَنَّ أَبوابهَا الدَّاخِلَةَ جُعِلَتْ مُزْوَرّة؛ أَي مائلةً عن الأَبواب الخارجَةِ وقيل لازْوِرَار قِبْلَتِها.

والزَّوْرَاءُ: موضع بالمدينةِ قُرْبَ المَسْجِدِ الشريفِ، وقد جاءَ ذِكرُه في حَدِيث الزُّهْرِيّ عن السَّائِب.

والزَّوْراءُ: دارٌ كانت بالحِيرَةِ بناها النُّعمانُ بنُ مُنْذر، هَدَمها أَبو جَعْفَر المَنْصُورُ في أَيّامه.

والزَّورَاءُ: البَعِيدَةُ من الأَراضِي قال الأَعْشَى:

يَسْقِي دِيَارًا لَها قد أَصْبَحَت غَرَضًا *** زَوْراءَ أَجْنَفَ عنها القَوْدُ والرَّسَلُ

والزَّوْراءُ: أَرْضٌ عندَ ذي خِيمٍ، وهي أَوَّلُ الدَّهْنَاءِ وآخِرُهَا هُرَيْرَةُ.

والزَّارَةُ: الجَمَاعَةُ الضَّخْمَةُ مِنَ الناسِ والإِبلِ والغَنَمِ. وقيل هي من الإِبل والناسِ: ما بَيْن الخَمْسِين إِلى السِّتِّين.

والزَّارَة من الطَّائر: الحَوْصَلَة، عن أَبِي زَيْد، كالزَّاوِرَةِ، بفَتْح الواو، والزَاوُورَة وزاوَرَةُ القَطَا: ما حَمَلَتْ فيه المَاءَ لِفِراخها.

وزَارَةُ: حَيٌّ من أَزْدِ السَّرَاةِ، نَقَلَه الصَّاغانِيّ.

ولزَّارَةُ: قرية كَبِيرَةٌ بالبَحْرَيْن ومنها مَرْزَبَانُ الزَّارَةِ، وله حَدِيث معروف.

قال أَبو مَنْصُور: وعَيْنُ الزَّارَةِ بالبَحْرَيْن مَعْرُوفَةٌ.

والزَّارَة: قرية بالصَّعِيدِ، وسبقَ للمصنّف في «زرّ» أَنّها كُورَة بها فلينظر.

وزَرَاةُ: قرية، بأَطْرابُلُسِ الغَرْبِ. مِنْهَا إِبراهيمُ الزّارِيُّ التاجِرُ المُتَمَوِّلُ، كدا ضَبطه السِّلَفيّ ووَصَفَه.

وزَارَةُ: قرية من أَعْمَالِ اشْتِيخَنَ. منهَا يَحْيَى بن خُزَيْمَةَ الزَّارِيُّ، ويقال: هي بغَيْر هاءٍ، رَوَى عن الدَّارميّ. وعَنْه طيب بن محمّد السَّمَرْقَنْديّ، قال الحَافِظُ بن حَجَر: ضَبَطَه أَبو سَعْد الإِدْرِيسيّ هكذا، حكاه ابنُ نُقْطَة. وأَما السَّمْعَانِيّ فَذَكَره بتَكْرِير الزاي.

والزِّيرُ، بالكَسْرِ: الزِّرُّ. قال الأَزْهَرِيّ: ومن العَرب مَنْ يَقْلِب أَحَد الحَرْفَيْن المُدْغْمَين ياءً فَيَقُول في مَرٍّ: مَيْرٌ، وفي زِرٍّ زِيرٌ وفي رِزٍّ رِيزٌ.

والزِّيرُ: الكَتَّانُ. قال الحُطَيْئَة:

وإِنْ غَضِبَتْ خِلْتَ بالمِشْفَرَين *** سَبَائِخَ قُطْنٍ وزِيرًا نُسَالًا

والقِطْعَةُ منه زِيرَةٌ، بِهاءٍ، والجَمْع أَزْوَارٌ.

والزِّير: الدَّنُّ، والجمع أَزْيَار، أَعجميٌّ، أَو الزِّيرُ: الحُبُّ الذي يُجْعَل فيه الماءُ، بلُغَة العِراق. وفي حديث الشّافِعِيّ رضي ‌الله‌ عنه: «كُنتُ أَكتُب العِلْم وأُلقِيه في زِيرٍ لنا».

والزِّير: العَادَةُ، أَنْشَدَ يُونُس:

تَقولُ الحارِثِيَّة أُمُّ عَمرٍو *** أَهذا زِيرُه أَبَدًا وزِيرِي

قال: مَعْناه أَهذا دَأْبُه أَبدًا ودَأْبي.

والزِّير: رَجُلٌ يُحِبُّ محادَثَةَ النِّساءِ ويُحِبّ مُجالَسَتَهُنَّ ومُخَالَطَتَهُنّ، سُمِّيَ بذلك لكَثْرة زِيَارَتِه لَهُنّ. «ويحب» الثاني مُسْتَدرَكٌ. وقيل الزِّيرُ: المُخَالِطُ لهنّ في البَاطِل، وقيل: هو الذي يُخَالِطُهنّ ويُرِيدُ حَدِيثَهُنّ. بغيرِ شَرٍّ أَوْ بهِ. وأَصلُه الواو، وجعله شَيخُ الإِسلام زكريّا في حواشيه على البَيْضاوِيّ مهموزًا، وهو خِلافُ ما عليه أَئِمَّةُ اللُّغةِ.

وفي الحديث: «لا يَزالُ أَحدُكم كاسِرًا وِسَادَه يَتَّكِئُ عليه ويأْخُذُ في الحديث فِعْل الزِّيرِ». الجمع: أَزْوارٌ وزِيَرَةٌ، وأَزْيَارٌ، الأَخِيرَة من باب عِيدِ وأَعْيَادٍ.

وهي زِيرٌ أَيضًا. تَقُولُ: امرأَةٌ زِيرُ رِجَالٍ. قاله الكِسائيّ، وهو قَلِيل أَو خاصٌّ بهم؛ أَي بالرِّجال ولا يُوصَف به المُؤَنَّث، قاله بَعضُهم، وهو الأَكثر. ويأْتِي في الميم أَنَّ التي تُحِبّ مُحَادَثَةَ الرِّجالِ يُقَال لها: مَرْيَمُ. قال رُؤْبةُ:

قُلتُ لِزِيرٍ لم تَصِلْه مَرْيَمُهْ

والزِّير: الدِّقِيقُ من الأَوتارِ، أَو أَحدُّها وأَحْكَمُها فَتْلًا.

وزِيرُ المِزْهَرِ مُشْتَقٌّ منه.

والزِّيرَةُ، بهاءٍ: هَيْئَةُ الزِّيَارَةِ. يقال: فُلانٌ حَسَنُ الزِّيرَةِ.

والزَّيِّر، كسَيِّدٍ، هكذا في النُّسَخ، والصَّواب ككَتِفٍ، كما ضَبَطه الصَّاغانِيّ: الغَضْبَانُ المُقَاطِعُ لصاحِبه، عن ابن الأَعْرابيّ. قال الأَزْهَرِيّ. أُرَى أَصْلَه الهَمْزَ، من زَئِرَ الأَسدُ، فخفّف.

وزُورَةُ، بالضَّمّ ويُفْتَحُ: موضع قُرْبَ الكُوفَةِ.

والزَّوْرَة، بالفَتْح: البُعْدُ، وهو من الازْوِرَارِ. قال الشَّاعِر:

وماءٍ وَرَدْتُ على زَوْرَةٍ

أَي على بُعْد.

والزَّورَةُ: الناقَةُ التي تَنظُرُ بمُؤْخِرِ عَيْنِها لشِدَّتِهَا وحِدّتها، قال صَخْرُ الغَيِّ:

ومَاءٍ وَرَدْتُ على زَوْرَةٍ *** كَمَشْيِ السَّبْنْتَى يَرَاحُ الشَّفِيفَا

هكذا فَسَّره أَبُو عَمْرو. ويروى: زُورَة، بالضَّمِّ، والأَوّلُ أَعرَفُ.

ويوْمُ الزُّوَيْر، كزُبَيْر: م؛ أَي معروف، وكذا يوم الزُّوَيْرَيْنِ.

وأَزارَهُ: حَمَلَه على الزِّيارِة وأَزَرْتُه غَيري.

وزَوَّرَ تَزْوِيرًا: زَيَّنَ الكَذِبَ، وكَلامٌ مُزَوَّرٌ: مُمَوَّهٌ بالكَذِب.

ومن المَجَازِ: زَوَّرَ الشَّيْ‌ءَ. حَسَّنَه وقَوَّمه. وأَزالَ زَوَرَه: اعوِجَاجَه. وكَلامٌ مُزَوَّرٌ؛ أَي مُحَسَّن. وقِيل: هو المُثَقَّف قَبْلَ أَن يُتَكَلَّمَ به، ومنه‌قَوْلُ عُمَر رضي ‌الله‌ عنه: «ما زَوَّرْتُ كَلامًا لأَقُولَه إِلا سَبَقَني به أَبُو بَكْر». أَي هَيَّأْت وأَصْلَحْت.

والتَّزْوِير: إِصلاحُ الشَّيْ‌ءِ. وسُمِعَ ابنُ الأَعرابيّ يقول: كُلُّ إِصلاحٍ من خَيْرٍ أَو شَرٍّ فهو تَزْوِيرٌ. وقال أَبو زَيْد: التَّزْوِير: التَّزْوِيق والتَّحْسِين. وقال الأَصمَعِيّ: التَّزْوِير: تَهْيِئَة الكَلامِ وتَقدِيرُه، والإِنْسَان يُزَوِّر كَلامًا، وهو أَن يُقَوِّمَه ويُتْقِنَه قبل أَنْ يتكَلَّم به.

وزَوَّرَ الزَّائِر تَزْوِيرًا: أَكْرَمَه قال أَبو زيد: زَوِّروا فُلانًا؛ أَي اذْبَحُوا له وأَكْرِمُوه. والتَّزْوِيرُ: أَن يُكرِمَ المَزُورُ زَائِرَه.

وزَوَّرَ الشَّهَادةَ: أَبْطَلَهَا، وهو راجعٌ إِلى تفسير قَوْلِ القَتَّال:

ونَحْنُ أُناسٌ عُودُنَا عُودُ نَبْعَةٍ *** صَلِيبٌ وِفِينَا قَسْوَةٌ لا تُزَوَّرُ

قال أَبو عَدْنَانَ: أَي لا نُغْمَز لقَسْوتنا ولا نُستَضْعَف.

فقوله: زَوَّرْت شَهَادَةَ فَلانِ، معناه أَنَّه استُضعِف فغُمِزَ، وغُمِزتْ شَهَادَتُه فأُسقِطَت.

وفي الخَبَر عن الحَجَّاج قال: «رَحِم الله امْرأً زَوَّرَ نَفْسَه على نَفْسِه» قيل: قَوَّمَها وحَسَّنَها. وقيل: اتَّهَمَها على نَفْسه.

وقيل: وَسَمَهَا بالزُّورِ، كفَسَّقَه وجَهَّلَه. وتقول: أَنا أُزَوِّرك على نَفْسِك؛ أَي أَتَّهِمُك عَلَيْها. وأَنشد ابنُ الأَعرابيّ:

به زَوَرٌ لم يَسْتَطِعْه المُزَوِّرُ

والمُزَوَّرُ من الإِبِل، كمُعَظَّم: الذي إِذا سَلَّه المُذَمِّر ـ كمُحَدّث وقد تقدّم ـ من بَطْن أُمِّه اعْوَجَّ صَدرُه فَيَغْمِزُه ليُقِيمَه فيَبْقَى فِيه من غَمْزِهِ أَثَرٌ يُعلَم منه أَنَّه مُزَوَّر، قاله اللَّيْثُ: واسْتَزَارَهُ: سأَلَه أَن يَزُورَه، فزَارَه وازَدَارَه.

وتَزاوَرَ عنه تَزَاوُرًا عَدَلَ وانْحَرَف. وقُرِئ: تَزَّاوَرُ عَنْ كَهْفِهِم، وهو مُدغَمُ تَتَزَاوَرُ كازْوَرَّ وَازْوارَّ، كاحْمَرَّ واحْمارَّ. وقُرِئَ «تَزْوَرُّ» ومعنى الكُلِّ: تَمِيل، عن الأَخْفَشِ.

وقد ازْوَرَّ عنه. ازْوِرَارًا. وازْوَارَّ عنه ازْوِيرَارًا.

وتَزاوَرَ القَوْمُ: زارَ بَعضُهُم بَعضًا، وهم يَتَزَاوَرُون، وبينهم تَزَاوُرٌ.

وزَوْرَانُ، بالفتح: جَدُّ أَبي بكرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عبدِ الرحمنِ البَغْدَادِيّ، سَمِعَ يحيى بن هاشِم السّمسار. وقول المصنّف: التّابِعِيّ كذا في سائر الأُصول خَطَأٌ، فإِنَّ محمّد بن عبد الرحمن هذا ليس بتابعيٍّ كما عَرفْت.

والصواب أَنه سَقط من الكاتب، وَحَقُّه بعد عبد الرحمن: والوَلِيدُ بنُ زُوّارانَ. فإِنّه تابعيّ يَرْوِي عن أَنَس. وشَذَّ شيخُنَا فضَبَطه بالضَّم نَقلًا عن بعضهم عن الكاشِف، والصَّواب أَنَّه بالفَتْح، كما صَرَّحَ به الحافِظُ ابن حَجَر والأَمِيرُ وغيرُهما، ثم إِنَّ قَوْلَ المُصَنّف إِن زَوْرَانَ جَدُّ مُحَمَّد وَهَمٌ، بل الصَّواب أَنه لَقَبُ مُحَمَّد. ثم اختُلِف في الوَليد بنِ زَوْرَانَ، فَضَبَطه الأَمِيرُ بتقديم الرَّاءِ على الوَاوِ، وجَزَمَ المِزِّيّ في التَّهْذِيب أَنَّه بتقديم الواو كما هُنَا.

وبالضَّمِّ عبدُ الله بنُ عَلِيّ بن زُورَانَ الكازَرُونِيُّ، عن أَبِي الصَّلْت المُجير، ووَقَعَ في التَّكْمِلة، عَلِيّ بنُ عبد الله بن زُورَانَ. وإِسحاقُ بنُ زُورَانَ السِّيرافِيُّ الشَّافعيّ، مُحَدِّثُونَ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

مَنَارَةٌ زَوْراءُ: مائِلَةٌ عن السَّمْتِ والقَصْدِ. وفَلاةٌ زَوْراءُ: بَعِيدةٌ فيها ازْوِرَارٌ، وهو مَجَاز. وَبَلَدٌ أَزْوَرُ، وجَيْشٌ أَزْوَرُ.

قال الأَزهَرِيُّ: سَمِعْتُ العَربَ تقول للبَعِير المَائِل السَّنامِ: هذا البَعِيرُ زَوْرٌ. وناقَةٌ زَوْرَةٌ: قَوِيَّةٌ غَلِيظَةٌ. وفَلاةٌ زَوْرَة: غَيرُ قاصِدَةٍ.

وقال أَبو زَيد: زَوَّرَ الطَّائِرُ تَزْوِيرًا: ارتفَعَتْ حَوْصَلَتُه، وقال غيرُه: امتَلأَتْ.

ورَجلٌ زَوَّارٌ وزَوَّارَةٌ، بالتشديد فيهما: غَلِيظٌ إِلى القِصَرِ.

قال الأَزْهَرِيّ: قرأْتُ في كتاب اللَّيْث في هذا الباب: يقال للرَّجل إِذا كان غَليظًا إِلى القِصَر ما هو: إِنّه لَزُوَّارٌ وزُوَارِيَةٌ.

قال أَبو مَنْصُور؛ وهذا تَصْحِيفٌ مُنْكر، والصَّواب: إِنه لَزُوَازٌ وزُوَازِبَةٌ «بزاءَيْن». قال: قال ذلك أَبو عَمْرٍو وابْنُ الأَعْرَابِيّ وغَيْرُهما.

وازْدَاره: زَارَه، افْتَعَلَ من الزِّيارة. قال أَبو كَبِير:

فدَخَلْتُ بَيْتًا غَيْرَ بَيْتِ سِنَاخَةٍ *** وازْدَرْتُ مُزْدَارَ الكَريمِ المِفْضَلِ

الزَّوْرَة: المَرَّةُ الواحدةُ.

وامرأَةٌ زَائِرَةٌ من نِسْوةٍ زُورٍ، عن سِيبَوَيه، وكذلك في المذكّر، كعائِذٍ وعُوذٍ، ورَجلٌ زَوَّارٌ وزَؤُورٌ ككَتَّان وصَبُور.

قال:

إِذا غَاب عنْها بَعْلُهَا لم أَكنْ لَهَا *** زَؤُورًا ولمْ تَأْنَسْ إِليَّ كِلابُها

وقال بَعْضُهم: زارَ فُلانٌ فلانًا؛ أَي مَالَ إِليه. ومنه تَزَاوَرَ عنه؛ أَي مَالَ.

وزَوَّرَ صاحِبَه تَزْوِيرًا: أَحْسَنَ إِليه وعَرَفَ حَقَّ زِيَارَتهِ.

وفي حَدِيث طَلْحَةَ: «أَزَرْتُه شَعُوبَ فزَارَها أَي أَوْرَدْتُه المَنِيَّةَ، وهو مَجاز.

وأَنا أُزِيرُكم ثَنَائِي، وأَزَرْتُكم قَصَائِدي، وهو مَجاز.

والمَزَارُ، بالفَتْح: مَوْضِعُ الزِّيارةِ.

وزَوِرَ يَزْوَر، إِذا مالَ.

ويقال للعَدُوِّ: الزَّايرُ، وهم الزَّايِرُون وأَصلُه الهَمْز، ولم يَذكره المُصَنّف هناك. وبالوَجْهَيْن فُسِّرَ بيتُ عَنْتَرَةَ:

حَلَّتْ بأَرْضِ الزَّايِرِينَ فأَصْبَحَتْ *** عَسِرًا عَليَّ طِلابُكِ ابْنَةَ مَخْرَمِ

وقد تقدّمت الإِشارة إِليه.

وزَارَةُ الأَسَدِ: أَجَمَتُه. قال ابن جِنِّي. وذلك لاعْتِياده إِيَّاها وزَوْرِه لها. وذَكَرَه المصنّف في زأَر.

والزَّارُ: الأَجَمَة ذاتُ الحَلْفاءِ والقَصَبِ والماءِ.

وكَلامٌ مُتَزَوَّرٌ: مُحَسَّنٌ. قال نَصْرُ بنُ سيَّارٍ:

أَبلِغْ أَميرَ المؤمنينَ رِسَالَةً *** تَزَوَّرتُها من مُحْكَمَاتِ الرَّسائِلِ

أَي حَسَّنْتُهَا وثَقَّفْتها.

وقال خالِدُ بنُ كُلْثُوم: التَّزْوِيرُ: التَّشْبِيهُ.

وزَارَةُ: مَوْضِع، قال الشاعر:

وكَأَنَّ ظُعْنَ الحَيِّ مُدْبِرَةً *** نَخْلٌ بِزَارَةَ حَمْلُهُ السُّعْدُ

وفي الأَسَاس: تَزَوَّرَ: قال الزُّورَ. وَتَزوَّرَه: زَوَّرَه لنَفْسِه.

وأَلقَى زَوْرَه: أَقامَ.

وكَلِمةٌ زَوْراءُ: دَنِيَّةٌ مُعْوَجَّةٌ.

وهو أَزْوَرُ عن مقَامِ الذّلّ: أَبْعَدُ.

واستدرك شيخنا: زَارَه: زوجُ ماسِخَةَ القَوَّاسِ، كما نقلَه السُّهَيليّ وغيره، وتقدّمت الإشارة إِليه في «مسخ».

قلت: ونَهْرُ زَاوَرَ كهَاجَر، نَهرٌ متَّصل بعُكْبَرَاءَ، وزَاوَرُ: قريةٌ عنده.

والزَّوْرُ، بالفَتْح: موضعٌ بين أَرضِ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ.

وأَرضِ تَمِيم، على ثلاثةِ أَيّامٍ من طَلَحَ. وجَبَلٌ يُذْكَر مع مَنْوَرٍ، وجَبلٌ آخَرُ في دِيَارِ بني سُلَيْمٍ في الحِجَاز.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


42-تاج العروس (صعفق)

[صعفق]: الصَّعْفُوق بالفتحِ: اللَّئِيمُ من الرِّجالِ، قاله اللَّيْثُ.

وصَعْفُوق: قرية، باليَمامَة فيها قَناةٌ يَجرِي منها نَهرٌ كَبِير لهم فيها وَقْعةٌ، ويُقال: صَعْفُوقة بالهاءِ ولَيْس في الكَلام فَعْلُول سِواه. قال الحُسَين بنُ إِبراهيم النَّطْنَزِيّ في كِتابِه «دُسْتور اللُّغَةِ» فُعلُول في لِسان العَرَب مَضْمومٌ، إِلّا حرفًا واحدًا، وهو صَعْفوقٌ لمَوضِعٍ باليَمامة.

وأَمّا خَرْنُوبٌ بالفتحِ فضعِيفٌ قال الصّاغانِيُّ: وأَمَّا الفَصِيحُ فيُضَم خَاؤُه، أَو يُشَدُّ راؤُه مع حذفِ النُّون، كما في العُباب. وقال شَيخُنا: لا يُفتح خَرْنُوب إِلا إِذا كان مُضَعّفًا وحُذِفت منه النّون، فقيل: خَرَّوب، أَما ما دامَتْ فيه النُّونُ فإِنَّه غَيْرُ مَسْموعٍ.

قال: وأَمَّا برْغُوثُ ـ الذي حَكَى فيه الخَلِيلُ التَّثْلِيثَ في الكِتاب الّذِي أَلَّفه فيه ـ فلا يَثْبُتُ، ولا يُلْتَفتُ إِليه. وأَما عُصْفُور الذي حَكَى فيه الفَتْحَ الشّهابُ القَسْطَلّانِيُّ عن ابنِ رَشِيقٍ فهو أَيضًا غَيْرُ ثَابِتٍ ولا مُوافَقٍ عليه، والله أَعلم. ا هـ.

قُلتُ: وقالَ ابنُ بَرِّيّ: رأَيتُ بخَط أَبي سَهْلٍ الهَرَويِّ على حاشِيةِ كتابٍ: جاءَ على فَعْلول: صَعْفوق، وصَعْقُول لضَرْبٍ من الكَمْأَةً، وبَعْكُوكَةُ الوَادِي لِجانِبِه.

قال ابنُ بَرِّيّ: أَما بعْكوكةُ الوَادِي، وبعْكُوكة الشَّرِّ، فذَكَرها السِّيرافيُّ وغيرُه بالضَّمِّ لا غيرُ، أَعني بضمِّ الباءِ.

وأَمّا الصَّعْقُول لضَرْب من الكَمْأَةِ فليس بمَعْروفٍ، ولو كان مَعْروفًا لذَكَره أَبو حَنِيفةَ في كتابِ النَّباتِ، وأَظُنُّه نَبَطِيًّا أَو أَعْجَمِيًّا. ا هـ.

قُلتُ: ولا يَلْزَم من عَدَم ذِكْر أَبِي حَنِيفةَ إِيّاه في كِتابِه أَلَّا يَكُونَ من كَلامِ العَرَبِ، فإِنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةً على مَنْ لم يَحْفَظْ، فتَأَمَّل ذلك.

والصَّعافِقَةُ جمعُ صَعْفُوقٍ: خَوَلٌ لِبَنِي مَرْوانَ أَنزلَهم اليَمامة، ومَرْوانُ بنُ أَبِي حَفْصةَ منهم، قالَه اللَّيْثُ. قالَ: ولم يَجِئْ في الكَلَام فَعْلول إِلّا صَعْفُوق، وحَرْفٌ آخر ويقالُ لهم: بنُو صَعْفُوقَ وآل صَعْفُوقَ. قال العَجَّاج:

من آلِ صَعْفُوقَ وأَتباعٍ أُخَرْ *** من طَامِعِينَ لا يُنالُون الغَمَرْ

قال الأَزْهَرِيُّ: ويُضَمُّ صَادُه ونَصُّهُ: كُلُّ ما جاءَ على فعْلُول فهو مَضْمُوم الأَول، مثل: زُنْبُور، وبُهْلُول، وعُمْرُوس، وما أَشبَه ذلك، إِلّا حَرْفًا جاءَ نادِرًا، وهو بنو صَعْفُوق: لخَوَل باليَمامة، وبعضُهم يقول: صُعْفُوق بالضَّمِّ. انتهى.

وقال الصّاغانِيُّ: صَعْفُوق: مَمْنُوعٌ من الصَّرفِ للعُجْمَة والمَعْرِفة، وهو وَزْنٌ نادر، سُمُّوا لأَنَّهُم سَكَنُوا قَرْيةً بَاليمامة تُسَمَّى صَعْفُوقَ كما تَقدَّم، وقيل: الصَّعافِقَةُ: قَومٌ كان آباؤُهم عبِيدًا، فاستَغْرَبُوا وقِيلَ: هُمْ قَوْمٌ من بَقَايا الأُمَمِ الخَالِية، ضَلَّت أَنْسابهُم، ويُقال: مَسْكَنُهم بالحِجَازِ.

وقالَ اللَّيْثُ: الصَّعافِقَةُ: القومُ يَشْهَدُونَ السُّوقَ لِلتِّجارةِ بلا رَأْسِ مالٍ عِنْدَهُم، ولا نَقْدَ عندَهم، فإِذا اشْتَرَى التُّجَّار شَيئًا دَخَلُوا مَعَهُم فيه. ومنه حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ: «ما جاءَكَ عن أَصْحاب مُحَمَّدٍ فخُذْه، ودَعْ ما يَقُولُ هؤلاءِ الصَّعافِقَةُ». أَرادَ أَنَّ هؤُلاءِ ليس عِنْدَهم فِقْهٌ ولا عِلْمٌ بمنزلةِ أُولئك التُّجارِ الذين لَيْسَ لهم رُؤُوسُ أَموال.

الواحِدُ صَعْفَقِيٌّ، وصَعْفَقٌ، وصَعْفُوقٌ، بالفَتْح، واقتَصَر الجَوهريُّ على الأَولَيْنِ وج: صَعافِيق أَيضًا. قال أَبو النَّجْم:

يوم قَدَرْنا والعَزِيزُ مَنْ قَدَرْ *** وآبت الخيلُ وقضَّيْنَ الوَطَرْ

من الصَّعافِيقِ وأَدْرَكْنا المِئَرْ

أَرادَ بالصَّعافِيق أَنَّهم ضُعَفاءُ، ليست لهم شَجَاعةٌ ولا سِلاحٌ ولا قُوَّةٌ على قِتالِنا.

* ومما يُسْتدركُ عليه:

الصَّعْفَقَةُ: ضَآلة الجِسْمِ.

والصَّعَافِقَةُ: الرُّذَالَةُ من النَّاس.

وبِشْرُ بنُ صَعْفُوق بنِ عَمْرِو بن زُرَارَةَ التَّمِيميّ: له وِفادَة، ومن ذُرِّيَّته مصار بن السَّرِيّ بن يَحْيى بن بَشِير، وقد ذَكَره في الرَّاءِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


43-تاج العروس (فرق)

[فرق]: فَرَق بيْنَهُما أَي: الشّيْئَين، كما في الصِّحاح، رَجُلين كانا أَو كَلامَين، وقِيلَ: بل مطاوع الأَول التَّفَرُّق، ومُطاوع الثاني الافْتِراق، كما سيأْتي يَفْرُق فَرْقًا وفُرْقَانًا، بالضَّمِّ: فَصَل.

وقال الأَصبهانيّ: الفَرْقُ يُقارِبُ الفَلْقَ، لكن الفَلْقُ يُقالُ باعْتِبارِ الانْشِقاق، والفَرْق يُقال باعْتِبار الانْفِصال، ثم الفَرْقُ بينَ الشيئين سَواءٌ كانَ بما يُدْرِكُه البَصَر، أَو بما تُدْرِكُه البَصِيرة، ولِكُلٍّ منهما أَمثِلة يَأْتِي ذِكرُها.

قال: والفُرْقانُ أَبلَغُ من الفَرْقِ؛ لأَنه يُسْتَعْمَلُ في الفَرْق بينَ الحَقِّ والباطلِ، والحُجَّةِ والشُّبْهة، كما سَيَأْتِي بيانُها.

وظاهرُ المُصَنِّفِ كالجوهرِي والصاغانِيّ الاقْتِصار فيه على أَنَّه من حَدِّ نَصَر. ونقلَ صاحبُ المِصباح فَرَق كضَرَب، وقال: وبه قُرِئَ: فافْرِقْ بَيْنَنَا وبَيْن القَوْمِ الفاسِقين قُلتُ: وهذه قد ذَكَرَها اللِّحْياني نَقْلا عن عُبَيدِ بنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيّ أَنَّه قرأَ «فافْرِق بَيْنَنا» بكسرِ الرّاءِ.

وقَولُه تَعَالى: {فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}. قالَ قَتادةُ أَي: يُقْضَى وقِيلَ: أَي يُفصَلُ، ونَقَلَه اللَّيْثُ.

وقَولُه تَعالَى: وَقُرْآنًا فَرَقْناهُ أَي: فَصَّلْناه وأَحْكَمْناه وبَينَّا فيه الأَحكامَ، هذا على قِراءَةِ من خَفَّفَ.

ومن شَدَّد قالَ: معناهُ أَنْزَلْنَاه مُفرَّقًا في أَيَّامٍ، ورُوِيَ عن ابنِ عَبّاسٍ بالوَجْهين.

وقَولُه تعالى: وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ أَي: فَلَقْناه.

وقد تقدَّم الفَرْق بين الفَلْق والفَرْق.

وقوله تعالى: فَالْفارِقاتِ فَرْقًا قالَ الفرّاءُ: هم المَلائِكَةُ تَنْزِلُ بالفَرْقِ بينَ الحَقِّ والباطِلِ وقالَ ثَعْلبٌ: تُزَيِّلُ بين الحَلالِ والحَرامِ. وفي المُفْرداتِ: الَّذِينَ يَفْصِلون بَيْنَ الأَشياءِ حَسَب ما أَمَرَهُم الله تَعالى.

والفَرْقُ: الطَّرِيقُ في شَعَرِ الرَّأْس. ومنه الحَدِيثُ عن عائِشةَ رضي ‌الله‌ عنها: «كُنتُ إِذا أَرَدْتُ أَنْ أَفْرُقَ رَسولَ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم صَدَمْتُ الفَرْق على يافُوخِه، وأَرْسَلْتُ ناصِيَتَه بين عَيْنَيه». وقد فَرَق الشَّعرَ بالمُشْطِ يَفْرِقُهُ ـ من حَدَّيْ نَصَر وضَرَب ـ فَرْقًا: سَرَّحه. ويُقالُ: الفَرْقُ من الرَّأْس: ما بينَ الجَبِينِ إِلى الدَّائرةِ. قال أَبو ذُؤَيْب:

ومَتْلَفٍ مثلِ فَرْقِ الرَّأْسِ تَخْلِجُه *** مَطارِبٌ زَقَبٌ أَميالُها فِيحُ

شَبَّهه بفَرْقِ الرأْسِ في ضِيقِه ومَفْرَقه. ومَفْرِقُه كذلك: وَسْط رَأْسه.

والفَرْق: طائِرٌ ولم يذكُره أَبو حاتِم في كِتابِ الطَّير.

والفَرْق: الكَتَّان. ومنه قَولُ الشاعِرِ:

وأَعلاطُ النُّجومِ مُعَلَّقاتٌ *** كحَبْل الفَرْقِ ليسَ له انتِصابُ

والفَرْقُ: مِكْيالٌ ضَخْمٌ بالمَدِينة، اختُلِف فيه. فقيل: يَسَعُ سِتَّة عَشَرَ مُدًّا، وذلِك ثَلاثَة آصُعٍ. وفي حَدِيثِ عائشةَ رضي ‌الله‌ عنها: «كنتُ أَغْتَسِلُ من إِناءٍ يقال له الفَرْق». قال الأَزهريّ: يقولُه المحدِّثون بالتَّسكينِ ويُحَرَّك، وهو كَلام العَرَب، أَو هُوَ أَفْصَحُ. قال ذلك أَحمدُ بنُ يحيى، وخالِدُ بنُ يَزِيدَ أَو يَسَع سِتَّةَ عَشَر رِطْلًا وهي اثْنا عَشَرَ مُدًّا وثلاثة آصُعٍ عندَ أَهلِ الحِجازِ، نَقَلَهُ ابنُ الأَثير، وهو قَولُ أَبي الهَيْثم. أَو هو أَرْبَعة أَرْباعٍ وهو قَولُ أَبي حاتِمٍ. قال ابنُ الأَثِير: وقِيلَ: الفَرَق: خمْسةُ أَقْساط، والقِسْطُ: نِصفُ صاع فأَما الفَرْق بالسُّكُون فمِائَة وعِشْرون. رُطْلًا. ومنه الحَدِيثُ: «ما أَسْكَرَ منه الفَرْقُ فالحَسْوَةُ منه حَرامٌ». وقالَ خِدَاشُ بنُ زُهَيْر:

يأْخُذُونَ الأَرْشَ في إِخْوَتِهم *** فَرَقَ السَّمْنِ وشَاةً في الغَنَمْ

ج: فُرْقَانٌ، وهو قَدْ يكونُ للسَّاكنِ، والمُتَحَرِّك جَمِيعًا كبُطْنَانٍ وبَطْن، وحُمْلان وحَمَل. وأَنشَدَ أَبو زَيْدٍ:

تَرفِدُ بعدَ الصَّفِّ في فُرْقان

كما في الصحاح. وسِياقُ المصنف يَقْتَضِي أَنه جَمْع للسَّاكنِ فقط، وفيه قُصور، وقد تقَدَّمَ مَعْنى الصَّفِّ في موضِعِه.

والفَارُوقُ: ما فَرَق بين الشَّيئَيْن.

ورجلٌ فارُوقٌ: يُفرِّقُ بينَ الحَقِّ والباطِلِ.

والفَارُوقُ: اسمُ سَيِّدِنا أَميرِ المؤمنين ثانِي الخُلَفاءِ عُمَر بن الخَطَّابِ رَضِي الله تَعالى عنه؛ لأَنَّه فَرَقَ بَيْن الحَقّ والبَاطِل. وقالَ إِبراهيمُ الحَرْبيُّ: لأَنه فَرَقَ به بينَ الحقِّ والباطِلِ. وأَنْشَد لعُويْفِ القَوافِي:

يا عُمَرَ الخَيْرِ المُلَقَّى وَفْقَه *** سُمِّيت بالفَارُوق فافرُق فَرْقَه

أَو لأَنَّه أَظْهَر الإِسلامَ بمَكَّةَ، ففَرَق بَيْن الإِيمانِ والكُفْر قاله ابنُ دريدٍ. وقالَ اللَّيْثُ: لأَنه ضَرَبَ بالحق على لسانِه في حَدِيثٍ طَوِيل ذَكَره، فيه أَن الله تعالَى سمّاه الفارُوقَ، وقيل: جِبْرِيلُ عليه‌السلام، وهذا يوُمئُ إِليه كلامُ الكَشّافِ، أَو النبيُّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، وصَحَّحُوه، أَو أَهلُ الكِتاب. قالَ شَيْخُنا: وقد يُقالُ لا مُنافاةَ. وقالَ الفَرَزْدَقُ يمدَحُ عُمَر بنَ عبدِ العَزِيزِ:

أَشْبَهْتَ مِن عُمَر الفَاروقِ سِيرَتَه *** فاقَ البَريَّةَ وائْتَمَّتْ به الأُمَمُ

وقال عُتبَةُ بنُ شَمَّاس يمدَحُه أَيضًا:

إِنَّ أَوْلَى بالحَقِّ في كلِّ حَقٍّ *** ثُمّ أَحْرَى بأَن يَكون حَقِيقَا

مَنْ أَبوه عبدُ العَزِيز بنُ مَرْوا *** نَ، ومَنْ كان جَدُّه الفَارُوقَا

والتِّرْياقُ الفَارُوقُ. وفي العُبَاب: تِرْياقُ فارُوق: أَحمَدُ التَّرايِيق وأَجَلُّ المُرَكّباتِ لأَنَّه يَفْرِقُ بين المَرَض والصِحَّة وقد مَرَّ تركيبُه في «ت ر ق» والعامة تقول: تِرْيَاقٌ فارُوقِيّ.

وفَرِق الرجلُ منه كفَرِح: جَزِع، وحَكَى سِيبَويهُ. فَرِقَه، على حَذْفِ «مِنْ» قالَ حين مثَّل نَصْبَ قولِهم: أَو فَرَقًا خَيْرًا من حُبٍّ، أَي: أَو أَفرَقَك فَرَقًا.

وفَرِق عليه: فَزع وأَشفَقَ، هذه عن اللِّحْيانِيِّ.

ورجُلٌ وامرأَةٌ فاروقةٌ وفُروقةٌ. قال ابنُ دُرَيدٍ: رجلٌ فَرُوقة، وكذلك المَرْأَةُ أُخْرِجَ مخرَجَ عَلَّامةٍ ونَسَّابةٍ وبَصِيرة، وما أَشْبَهَ ذلك، وأَنْشَدَ:

ولقد حَلَلْتُ ـ وكُنتُ جِدَّ فَرُوقَة *** بَلَدًا يَمُرُّ به الشُّجاعُ فيَفْزَعُ

قال: ولا جمعَ للفَرُوقَةِ. وفي المَثَل: «رُبَّ فَرُوقةٍ يُدْعَى لَيْثا، ورُبَّ عَجَلَةٍ تَهَبُ رَيْثَا، ورُبَّ غَيْثٍ لم يكن غَيْثا في المُحِيط، قالَهُ مالكُ بنُ عَمْروِ بن مُحَلِّم، حينَ شامَ ليثٌ أَخوه الغَيثَ فهَمّ بانْتِجاعِه، فقالَ مالك: لا تَفْعَلْ، فإِنّي أَخْشَى عليكَ بعضَ مَقانِبِ العَرَب، فعَصاه، وسار بأَهْلِه، فلم يَلْبَثْ يَسِيرًا حتى جاءَ وقد أُخِذَ أَهْلُه. ويُشَدَّد أَي: الأَخِيرة، وهذه عن ابنِ عَبَّاد، ونَقَله صاحبُ اللِّسانِ أَيضًا.

أَو رَجُلٌ فَرِقٌ، كَكَتِف، ونَدُسٍ، وصَبُورٍ، ومَلُولَة، وفَرُّوج، وفَارُوق، وفَارُوقَة: فَزِعٌ شَدِيدُ الفَزَع، الهاءُ في كلِّ ذلِك ليست لتأْنِيثِ المَوْصوفِ بما هي فيه، إِنَّما هي إِشْعارٌ بما أُرِيدَ من تأْنِيثِ الغَايَةِ والمُبَالَغَة.

أَو رَجُلٌ فَرُقٌ، كَنَدُس: إِذا كَانَ الفَرَقُ منه جِبِلَّةً وطَبْعًا.

ورَجُلٌ فَرِقٌ، كَكَتِف: إِذا فَزِعَ من الشَّيْ‌ءِ. وقالَ ابنُ بَرِّيّ: شاهِدُ رَجُلٍ فَرُوقةٍ للكَثِير الفزَع قولُ الشاعِر:

بَعَثْتَ غُلامًا من قُرَيْشٍ فَرُوقةً *** وتَترُك ذَا الرأَيِ الأَصِيلِ المُهَلَّبا

قالَ وشاهدُ امرأَة فَرُوق قولُ حُمَيْدِ بنِ ثَوْر:

رأَتْنِي مُجَلِّيها فصَدَّتْ مَخافَةً *** وفي الخيلِ رَوعاءُ الفُؤادِ فَرُوقُ

والمَفْرِقُ كمَقْعَد ومَجْلِس: وَسَطُ الرَّأْسِ، وهو الذي يُفْرَقُ فيه الشَّعَر. يُقال: الشَّيْبُ في مَفرَقهِ وفَرْقه. ورأَيتُ وَبِيصَ المِسْكِ في مَفارِقِهم.

والمَفْرَقُ من الطَّرِيقِ: المَوْضِعُ الذي يَتَشَعَّبُ منه طَرِيقٌ آخرَ يُرْوَى أَيضًا بالوَجْهَين بفَتْحِ الرّاءِ وبكَسْرِها ج: مَفارِقُ. وقَولُهُم للمَفْرِق مَفارِق كأَنَّهم جَعَلُوا كُلَّ مَوْضِعٍ منه مَفْرِقًا فجَمَعُوه على ذلك. ومِنْ ذلِك حَدِيثُ عائِشَةَ رضي ‌الله‌ عنها: «كأَنِّي أَنْظُر إِلى وَبِيصِ الطِّيبِ في مَفارِقِ رَسُولِ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم وهو مُحرِمٌ». وقال كعبُ بنُ زُهَيرٍ ـ رضي ‌الله‌ عنه ـ:

يَقَى شَعَرَ الرّأْسِ القَدِيمَ خَوالِقُهْ *** ولاح شَيْبٍ في السَّوادِ مَفارِقُهْ

ومن المَجازِ قولهم: وَقَّفْتُه على مَفارِقِ الحَدِيثِ أَي على وُجُوهِه الواضحة.

وفَرَق له الطَّرِيقُ فُروقًا بالضَّمِّ، أَي: اتَّجَه له طَرِيقان كذا في العُبابِ والصّحاح واللّسان، أَو اتَّجَه له أَمْر فَعَرَفَ وَجْهَه. ومنه حديثُ ابنِ عبّاسٍ: «فَرَقَ لي رَأْيٌ» أَي بَدَا وظَهَر.

وفَرَقت النَّاقَةُ، أَو الأَتانُ تَفرُق فُروقًا بالضمِّ: أَخذَها المَخاضُ، فنَدَّتْ أَي ذَهَبَت نادَّةً في الأَرْضِ، فَهِي فارِقٌ كما في الصّحاحِ، وفارِقَةٌ أَيضًا كما في المُفْردات.

وقِيلَ: الفارِقُ من الإِبل: التي تُفارِق إِلْفَها فتنتج وَحْدَها. وأَنشدَ الأَصْمَعِيُّ لعُمارةَ بنِ طارِقٍ، كما في الصِّحاح. وكذا أَنشدَه الرِّيَاشيُّ له، وقال الزِّيادِيُّ هو عُمارةُ بنُ أَرْطاةَ:

اعْجَلْ بغَرْبٍ مثل غَرْبِ طارِقِ *** ومَنْجَنُونٍ كالأَتانِ الفارِقِ

من أَثْلِ ذاتِ العَرْضِ والمَضايِقِ

وقال ابنُ الأَعرابيِّ: الفارِقُ من الإِبِلِ: التي تَشْتَدُّ ثم تُلْقِي وَلَدَها من شِدَّةِ ما يَمرُّ بها من الوَجَعِ.

ج: فوارقُ، وفُرَّق كَرُكَّع، وفُرُق، مِثْل: كُتُب، وتُشَبَّه بهذِه ونَصّ الجَوْهَري: ورُبَّما شَبَّهوا السَّحابَة المُنْفَرِدَة عن السَّحَابِ بهذه النّاقة، فيقال: فارِقٌ. وأَنشَدَ الصّاغانِيُّ لِذِي الرُّمَّةِ يَصِفُ غَزالًا:

أَو مُزْنةٌ فارِقٌ يَجْلُو غوارِبَها *** تَبَوُّجُ البَرْقِ والظلماءُ عُلجُومُ

والجَمْع كالجَمْعِ. وقالَ غيرُه: الفارِقُ: هي السَّحابةُ المُنْفَردة لا تُخْلِفُ وربّما كان قَبْلها رَعْدٌ وبَرْقٌ. وقال ابنُ سِيدَه: سحابَةٌ فارِقٌ: منقطعة من مُعظَمِ السَّحاب، تُشبَّهُ بالفارِقِ من الإِبِل. قال عبدُ بَنِي الحَسْحاس يَصِف سَحابًا:

له فُرَّقٌ منه يُنَتَّجْنَ حَوْلَه *** يُفَقِّئْنَ بالمِيثِ الدِماثِ السَّوابِيَا

قال الجَوْهَرِيّ: فجَعَل له سَوابِيَ كسَوَابِي الإِبِلِ اتِّساعًا في الكَلام.

والفَرَق، مُحَرَّكةً: الصُّبْحُ نَفْسُه، أَو فَلَقُه. قالَ الشاعرُ ذُو الرُّمَّةِ:

حَتّى إِذا انْشَقَّ عن إِنسانِه فَرَقٌ *** هادِيه في أُخْرَياتِ اللَّيْلِ مُنْتَصِبُ

ويُرْوَى «فَلَق»: ويُرْوَى: «عَنْ أَنْسائِه». وقِيلَ: الفَرَقُ: هو ما انْفَلَقَ من عَمُودِ الصُّبْح، لأَنّه فارقَ سَوادَ اللّيل. وقد انْفَرَقَ، وعلى هذا أَضافُوا فقالوا: أَبْيَنُ مِنْ فَرَقِ الصُّبْحِ، لُغَةٌ في فَلَقِ الصُّبْحِ.

والفَرَق: تَباعُدُ ما بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ يُقالُ: رجلٌ أَفرَقُ: إِذا كانَ في ثَنِيَّتِه انْفِراجٌ، نقله ابنُ خالَوَيْهِ في كتاب «لَيْس».

والفَرَق: تَباعُدُ ما بَيْنَ المَنْسِمَيْنِ. يُقال: بَعِيرٌ أَفرَقُ: بَعِيدُ ما بينَ المَنْسِمَيْنِ، عن يَعْقُوبَ.

والفَرَق في الخَيْلِ: إِشْرافُ إِحْدَى الوَرِكَيْنِ على الأُخْرَى. وقِيلَ: نَقْصُ إِحْدَى فَخِذَيْهِ عن الأُخْرى. وقِيلَ: هو نَقْصُ إِحدَى الوَرِكَيْنِ، وهو مَكْرُوهٌ. يُقالُ من ذلك: فَرَسٌ أَفْرُقُ. وفي التَّهْذِيب: الأَفرَقُ من الدَّوابِّ: الذي إِحدى حُرْقُفَتَيْهِ شاخِصَةٌ، والأُخْرَى مُطْمَئنَّة.

ودِيكٌ أَفرَقُ بَيِّنُ الفَرَقِ: ذُو عُرْفَيْنِ لِلَّذِي عُرفُه مَفْروقٌ، وذلك لانْفِراجِ ما بَيْنَهُما. وقالَ ابنُ خَالَوَيْهِ: ديكٌ أَفْرَقُ: انفرَقَت قُنْزُعَتُه.

ورَجُلٌ أَفْرَقُ: كأَنَّ ناصِيتَه أَو لِحْيَتَه كأَنَّها مَفْرُوقَةٌ بَيِّنُ الفَرَق، نَقَلَه ابنُ سِيدَه.

وأَرْضٌ فَرِقَة، كفَرِحةٍ: في نَبْتِها فَرَقٌ بالتَّحْرِيك على النَّسَبِ، لأَنَّه لا فِعْل له إِذا كانَ النَّبْتُ مُتَفَرِّقًا. ونَصُّ اللِّسانِ: إِذا لم تَكُنْ واصيةً مُتَّصِلَة النَّباتِ.

أَو نَبْتٌ فَرِق، ككَتِف: صَغِيرٌ لم يُغَطّ الأَرْضَ عن أَبي حَنِيفةَ.

والأَفرَقُ: الدِّيكُ الأَبيضُ عن اللَّيْثِ.

والأَفْرقُ من ذُكُور الشَّاءِ: البَعِيدُ ما بَيْن خُصْيَيْه عن اللِّيْثِ ج: فُرْقٌ بالضم. والأَفْرَقُ من الخَيْلِ: ذُو خُصْيَةٍ واحِدَةٍ والجمعُ فُرْقٌ أَيضًا. ومنه قولُ الشاعرِ:

لَيْسَتْ من الفُرْقِ البِطاءِ دَوْسَرُ

والأَفْرقُ: الأَفْلَج. وقال اللّيثُ: شِبْه الأَفْلج، إِلَّا أَن الأَفْلَج زَعَمُوا ما يُفَلَّجُ، والأَفْرقُ خِلْقةً.

والفَرْقَاءُ: الشَّاةُ البَعِيدَةُ ما بَيْن الطُّبْيَيْن، عن اللَّيْثِ.

وفارِقِينُ: أَشهر بَلْدة بدِيَارِ بَكْر، سُمِّيت بمَيّا بنت أُدٍّ؛ لأَنَّها بَنَتْها، قال كُثَيِّرٌ:

فإِن لّا تَكُن بالشّامِ دَارِي مُقِيمةً *** فإِنَّ بأَجْنادِينَ مِنِّي ومَسْكِنِ

مَشاهِدَ لم يَعْفُ التّنائِي قَدِيمَها *** وأُخْرَى بمَيَّا فارِقِينَ فمَوْزَنِ

وقالَ ابنُ عَبّاد: فارِقينَ: اسمُ مَدِينةٍ.

وقالَ ابنُ عَبّاد: فارِقينَ: اسمُ مَدِينةٍ. ويُقالُ: هذه فارِقُون، ودَخَلْتُ فارِقِينَ على هَجائِنَ. وسَيُذْكَرُ في «م ى ى».

والأَفْراقُ: موضع مِن أَمْوالِ المَدِينة على ساكِنها أَفضلُ الصلاة والسلام. قال ياقوت: وضَبَطه بَعضُهم بكَسْرِ الهَمْزة.

وفُرَيْقات، كَجُهَيْنات: موضع بعَقِيقِها نَقَله الصاغانِيُّ.

قال: وفُرَيْق، كَزُبَيْر: موضع بِتِهامة، أَو جبل.

قال غيرُه: وفُرَيِّق كَصُغَيِّر أَي بالتَّصْغِير مشدّدًا: فَلاةٌ قُرْبَ البَحْرَيْنِ.

وفُرُوقٌ، بالضِّمِ وفي التَّهذيب: الفُروق: موضع بِدِيار بَنِي سَعْد. قال: أَنْشَدَني رَجُلٌ منهم، وهو أَبو صَبْرَةَ السَّعْدِيّ:

لا بارَكَ اللهُ عَلَى الفُرُوقِ *** ولا سَقاها صائبُ البُروق

ومَفْرُوقٌ: اسم جَبَلٍ، قال رُؤبةُ:

ورَعْنُ مَفْرُوقٍ تَسامَى أُرَمُهْ

ومَفْروقٌ: أَبو عَبْد المسِيحِ وفي اللِّسانِ: مَفْرُوقٌ: لَقَبُ النُّعمانِ بنِ عَمْروٍ، وهو أَيضًا اسمٌ.

وفَرُوق كَصَبُور: عَقَبَةٌ دُونَ هَجَر إِلى نَجْد، بين هَجَرَ ومَهبِّ الشَّمال.

وفَرُوقُ: لَقَبُ قُسْطَنْطِينِيَّة دارِ مَلِك الرُّومِ.

والفَرُوقُ: موضع آخَرُ في قَوْل عَنْتَرة:

ونحن مَنَعْنا بالفَرُوقِ نساءَكم *** نُطَرِّفُ عنها مُبْسِلاتٍ غَواشِيَا

وقالَ ذُو الرُّمَّةِ أَيضًا:

كأَنَّها أَخْدَرِيُّ بالفَرُوقِ له *** على جَواذِبَ كالأَدْراكِ تَغْرِيدُ

وقالَ شمر: بَلَغَنِي أَنَّ الفَرُوقَةَ بِهاءٍ: الحُرْمَةُ، وأَنْشَدَ:

ما زالَ عنه حُمْقُه ومُوقُهْ *** واللُّؤْمُ حَتّى انْتُهِكَت فَرُوقُهْ

وقالَ أَبو عُبَيْد عن الأموي: الفَرُوقَةُ: شَحْم الكُلْيَتَيْن وأَنْشَدَ:

فبتْنا وباتَتْ قِدْرُهُمْ ذاتَ هِزَّةٍ *** يُضِي‌ءُ لنا شَحْمُ الفَروقَةِ والكُلَى

وأَنْكَرَ شَمِر الفَرُوقَةَ بهذا المَعْنَى ولم يعرِفْه.

ويَومُ الفَرُوقَيْنِ: من أَيَّامِهِم.

والفِرْقُ، بالكَسْرِ: القَطِيعُ من الغَنَمِ العَظِيمُ كما في الصِّحاحِ. ومنه حَدِيثُ أَبي ذَرٍّ رضي ‌الله‌ عنه وقد سُئلَ عن مالِه، فقالَ: «فِرْقٌ لنا وذَوْد».

وقِيلَ: منَ البَقَر، أَو مِنَ الظِّباءِ، أَو مِنَ الغَنَمِ فقط، أَو مِنَ الغَنَمِ الضَّالَّة، كالفَرِيق كأَمِيرٍ، والفَرِيقَة، كسَفِينَةٍ أَو مَا دُونَ المِائَة من الغَنَم. وأَنشدَ الجوهريُّ للرّاعِي يَهْجُو رَجُلًا من بَنِي نُمَيرٍ يُلَقَّبُ بالحَلال، وكان عَيَّره بإِبِلِه، فهَجاه، وعَيَّره بأَنّه صاحِبُ غَنَم:

وعَيَّرني الإِبْلَ الحَلالُ ولم يكن *** ليَجْعَلَها لابْنِ الخَبِيثَةِ خالِقُهْ

ولكِنَّما أَجْدَى وأَمْتَعَ جَدُّه *** بفِرْقٍ يُخَشِّيهِ بِهَجْهَجَ ناعِقُهْ

والفِرْقُ: القِسْمُ من كُلِّ شَيْ‌ءٍ إِذا انْفَرَقَ، والجَمْعُ أَفْراقٌ. قالَ ابنُ جِنِّي: وقِراءَة من قَرَأَ: فرَّقْنا بِكُمُ البَحْرَ بتَشْدِيدِ الرَّاءِ شَاذَّة من ذلِك، أَي: جَعَلْناه فِرَقًا وأَقْسامًا.

والفِرْقُ: الطَّائِفَةُ من الصِّبْيانِ. قال أَعرابيٌّ لصِبيانٍ رآهُم: هؤُلاءِ فِرْقُ سُوءٍ.

والفِرْقُ: قِطْعَةٌ من النَّوَى يُعْلَفُ بها البَعِيرُ.

ويُقال: فَرَق الرجلُ: إِذا مَلَكَه. هكذا في النُّسَخ.

والَّذِي في العُباب. وفَرَقَ: إِذا مَلَكَ الفِرْقَ من الغَنَمِ، وهو الصَّوابُ.

والفِرْقُ: الفِلْقُ من الشَّيْ‌ءِ: المُنْفَلِق. ونَصُّ الصِّحاحِ: الفِلْقُ من كُلِّ شَيْ‌ءٍ: إِذا انْفَلَقَ، ومنه قولُه تَعالَى: {فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} يريدُ الفِرْق من الماءِ.

وقال ابنُ الأَعْرابِيِّ: الفِرْقُ الجَبَل. وأَيضًا الهَضْبَة. وأَيْضًا: المَوْجَة.

ويُقالُ: فَرِقَ الرَّجلُ كفَرِح: إِذا دَخَلَ فِيها وغَاصَ.

وفَرِقَ: شَرِبِ بالفَرَق مُحَرَّكةً وهو المِكْيَالُ. وسياقُ الصّاغاني يَقْتضِي أَنَّه كَنَصَرَ.

قالَ: وفَرَقَ كَنَصَرَ: ذَرَقَ.

وأَفْرَقَه إِفْراقًا أَذْرَقَه.

وذَاتُ فِرْقَيْن، أَو ذَاتُ فِرْقٍ، ويُفْتَحَان: هَضْبَة بِبِلاد تَمِيم، بينَ البَصْرَةِ والكُوفَةِ، ومنه قَوْلُ عَبِيدِ بن الأَبْرَصِ:

فراكِسٌ فثُعَيْلِبَاتٌ *** فذاتُ فِرْقَيْنِ فالقَلِيبُ

والفِرْقَةُ، بالكَسْرِ: السِّقاءُ المُمْتَلِئُ الذي لا يُسْتَطَاعُ أَن يُمْخَضَ حتَّى يُفْرَقَ، أَي: يُذْرَقَ.

والفِرْقة: الطَّائِفَة من النَّاسِ كما في الصِّحاح ج: فِرَقٌ بكَسْر ففتْح: وجُمِعَ في الشِّعْرِ على أَفَارِق بحَذْفِ الياءِ، قالَ:

ما فِيهم نازِعٌ يُرْوِي أَفارِقَهُ *** بذِي رِشاءٍ يُوارِي دَلْوَه لَجَفُ

جج جَمْع الجَمْع أَفراقٌ كعِنَب وأَعْنابٍ. وقِيلَ: هو جَمْع فِرْقَة جمع جمع الجمع: ثم جمع جمع الجمع أَفارِيق ومثلُه: فِيقَه وفِيَق، وأَفْواق وأفاوِيق. وفي حَدِيثِ عُثمانَ رضي ‌الله‌ عنه، قالَ لِخَيْفانَ بنِ عَرانَةَ: «كيفَ تَركْتَ أَفاريقَ العَرَبِ في ذِي اليَمَن» ويجوزُ أَن تكونَ من بابِ الأَباطِيلِ، أَي: جَمْعًا على غيرِ واحِدِه.

والفَرِيقُ، كأَمِيرٍ: أَكثَرُ مِنْها وفي الصحاح: مِنْهُم، وفي المُحْكَمِ «منه» ج: أَفْرِقاءُ، وأَفْرِقَة، وفُروقٌ بالضمِّ.

قال شَيخُنا: كلامُ المصنِّف يَدُل على أَنه يُجْمَع. وفي نَهْرِ أَبي حَيّان ـ أَثناءَ البَقَرة ـ أَنه اسمُ جَمْع ولا واحِدَ له، يُطْلَق على القَلِيلِ والكَثِيرِ. وفي حَواشِي عَبدِ الحَكِيمِ: أَنَّ الفَرِيق يَجِي‌ءُ بمعنى الطائِفَةِ، وبمعنَى الرَّجُلِ الواحد، انتهى. وفي اللِّسانِ. الفِرْقَة، والفِرْقُ، والفَرِيقُ: الطّائِفَةُ من الشي‌ءِ المُتَفرِّق.

وقالَ ابنُ بَرّي: الفَرِيقُ من الناسِ وغَيرِهم: فِرْقَةٌ منه.

والفَرِيقُ: المُفارِق قالَ جَرِير:

أَتَجْمَعُ قَولًا بالعِراق فَرِيقُه *** ومنه بأَطلالِ الأَراكِ فرِيقُ

وقالَ الْأَصْبهانيّ: الفَرِيقُ: الجَماعة المُنْفَردَةُ عن آخَرِينَ. قالَ الله عَزَّ وجَلَّ: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ} {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}. {إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ} (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ)، (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ)، (وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ).

والفُرْقَانُ، بالضمِّ: القُرْآن، لفَرْقِه بينَ الحَقِّ والباطِلِ، والحَلالِ والحَرامِ كالفُرْقِ بالضَّم كالخُسْرِ، والخُسْرانِ.

قال الراجِزُ:

ومُشركِيٍّ كافِرٍ بالفُرْقِ

وكلُّ ما فُرِقَ به بَيْنَ الحَقِّ والبَاطِلِ فهو فُرقانٌ، ولهذا قالَ الله تعالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ}.

والفُرْقَانُ: النَّصْرُ عن ابنِ دُرَيْدٍ، وبه فُسِّر {يَوْمَ الْفُرْقانِ}.

والفُرْقَانُ: البُرْهانُ والحُجَّة.

والفُرْقَانُ: الصُّبْح، أَو السَّحَر عن أَبِي عَمْروٍ. ومنه قولُهم: قد سَطَح الفُرْقانُ، وهذا أَبيضُ من الفُرقانِ وقال صالِحٌ:

فيها مَنازِلُها ووَكْرا جَوْزلٍ *** زَجِلِ الغِناءِ يَصِيحُ بالفُرْقَانِ

وكانَ القُدَماءُ يُشْهِدُونَ الفُرْقَانَ، أَي: الصِبْيان ويَقُولونَ: هؤلاءِ يَعِيشُون ويَشْهَدُونَ.

والفُرْقان: التَّوْرَاة ومنه قولُه تعالى: {وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}. قال الْأَزْهَرِيُّ: يجوزُ أَن يكونَ الفُرقان الكِتابَ بعَيْنِه، وهو التَّوراةُ، إِلَّا أَنّه أُعِيدَ ذِكرُه باسمٍ غيرِ الأَول، وعَنَى به أَنَّه يَفْرِقُ بين الحَقِّ والباطلِ. وذكرَه اللهُ تَعالى لمُوسى عليه‌السلام في غيرِ هذا المَوْضع، فقال تَعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً} أَرادَ التَّوراة، فسَمَّى جَلَّ ثَناؤُه الكِتابَ المُنَزَّلَ على مُحَمَّدٍ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم فُرْقانًا، وسَمَّى الكتابَ المُنَزَّل على مُوسى صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم فُرقانًا. والمَعْنَى أَنه تَعالَى فَرَق بكُلِّ واحِدٍ منهما بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ.

وقيلَ: الفُرْقانُ: انْفِلاقُ* البَحْرِ قِيلَ: ومنه قولُه تعالى: {وَإِذْ} آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ وقَولُه تعالى: يَوْمَ {الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ} قيلَ: إِنَّه أُرِيدَ به يوم بَدْرٍ فإِنه أَوَّل يوم فُرِق [فيه] بينَ الحقِّ والباطِلِ. وقيل: الفُرقان... نَقَلَه الأَصْبَهانِيُّ.

والفَرِيقَة كَكَنِيسَة: تَمْرٌ يُطْبَخ بحُلْبةٍ للنُّفَساءِ. وأَنشدَ الجوهريُّ لأَبي كَبِير الهُذَلِيِّ:

ولَقَدْ وَرَدْتُ الماءَ، لونُ جِمامِهِ *** لَونُ الفَرِيقَة صُفِّيَتْ للمُدنَفِ

أَو حُلْبَةٌ تُطْبَخُ مع الحُبوبِ. كالمَحْلَبِ والبُرِّ وغيرِهما، وهو طَعامٌ يُعمَلُ لَهَا.

وقال ابنُ خالَوَيْهِ: الفَرِيقة: حَساءٌ يُعمَلُ للعَلِيلِ المُدْنَفِ.

وفَرَقَها فَرْقًا: أَطْعَمَها ذلِك، كأَفرَقَها إِفراقًا.

والرِيقةُ: قِطْعَةٌ من الغَنَم شاةٌ أَو شاتان، أَو ثلاثُ شِياهٍ تَتَفَرَّقُ عَنْها. وفي «كتاب ليس»: عن سائِرِها بشي‌ءٍ يَسُدُّ بينَها وبينَ الغَنَمِ بجَبَل أَو رَمْلٍ أَو غير ذلك فتَذْهَبُ. وفي كتاب ليس: فَتَضِلّ تَحْتَ اللَّيْلِ عن جَماعَتِها، فتلكَ المُتَفرِّقَةُ فَرِيقة، ولا تُسَمَّى فَرِيقةً حَتَّى تَضِلَّ، وأَنْشَدَ الجَوْهَريُّ لكُثَيِّرٍ:

بذِفْرَى ككاهِلِ ذِيخِ الخَلِيفِ *** أَصابَ فَرِيقَةَ ليلٍ فَعاثَا

وفي الحَدِيثِ: «ما ذِئْبانِ عادِيَانِ أَصَابا فَرِيقَةَ غَنَم أَضاعَها رَبُّها بأَفسدَ فِيها من حُبِّ المَرْءِ السَّرَفَ لِدِينهِ.

والفَراق كسَحابٍ وكِتابٍ: الفُرْقَة، وأَكثرُ ما تكونُ بالأَبدانِ.

وقُرِئَ قوله تعالى: هذَا فَراقُ بَيْنِي وبَيْنِك بالفَتْح.

قَرأَ بها مُسْلمُ بن بَشّارٍ.

وقولُه تعالى: {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ} أَي: غَلَب على قَلْبِه أَنّه حِينَ مُفارَقَة الدُّنْيا بالموتِ.

وإِفرِيقِيَّةُ بالكَسْرِ، وإِنَّما أَهملَه عن الضَّبْطِ لشُهْرَتِه: بلادٌ واسِعَةٌ قُبالَةَ جَزِيرةِ الأَنْدَلُس كذا في العباب. والصَّحِيحُ أَنه قُبالَة جزيرة صِقِلِّيّة ومُنتهَى آخرِها إِلى قُبالَةِ جزيرةِ الأَندَلُس.

والجَزِيرتان في شَمالِيّها، فصِقِلِّيّة منحرفةٌ إِلى الشَّرْقِ، والأَندلُس مُنحرِفةٌ عنها إِلى جهةِ الغَرْب. وسُمِّيت بإِفريِقِش بن أَبْرَهَةَ الرّائِش. وقِيلَ: بإِفْرِيقِش بنِ قَيْس بن صَيْفِيّ بن سَبَأ. وقال القُضاعِيُّ: سُمِّيَتْ بفارِق بن بيصر بن حام. وقِيلَ: لأَنَّها فرَقَت بين مِصْر والمَغْرِبِ، وحَدُّها من طَرابُلُس الغربِ من جهة بَرْقَة الإِسكندرية وإِلى بِجايَةَ.

وقِيلَ: إِلى مِلْيانةَ، فتكونُ مسافةُ طولِها نحو شَهْرينِ ونصف. وقال أَبو عبيد البَكريّ الأَندلسيُّ: حدُّ طولِها من برقة شرقًا إِلى طَنْجَةَ الخضراءِ غربًا، وعرضُها من البحرِ إِلى الرِّمال الَّتِي فِيها أَولُ بلادِ السُّودانِ وهي مُخَفَّفَةُ الياءِ.

وقد جَمَعَها الأَحوصُ على أَفارِيقَ، فقالَ:

أَينَ ابنُ حَرْبٍ ورَهْطٌ لا أَحُسُّهُمُ *** كانُوا عَلَيْنا حَدِيثًا من بَنِي الحَكَمِ

يَجْبُون ما الصِينُ تَحوِيهِ مَقانِبُهُم *** إِلى الأَفارِيقِ من فُصْحٍ ومن عَجَمِ

وقد نُسِبَ إِليها جملةٌ من العُلماءِ والمُحَدِّثِين، منهم أَبو خالد عَبدُ الرحمنِ بنُ زِيادِ بن أَنْعُمْ الإِفْرِيقيّ قاضِيها، وهو أَولُ مولودٍ وُلِدَ في الإِسلامِ بإِفرِيقِيَّةَ رَوَى عنه سُفيانُ الثَّورِيّ، وابن لَهِيعةَ، وقد ضُعِّفَ.

وسُحْنُون بن سعيد الإِفْرِيقِيّ: من أَصْحابِ مالِكٍ، وهو الَّذِي قَدِمَ بمذْهَبِه إِلى إِفْرِيقِيَّةَ، وتُوفِّيَ سنة إِحْدَى وأَربعين ومائتين.

وأَفْرَقَ المريضُ من مَرَضِه والمَحْمومُ من حُمّاه، أَي: أَقْبَلَ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن الأَصمعيِّ.

وقال الأَزهريُّ: وكُلُّ عَلِيلٍ أَفاقَ من عِلَّتِه فقد أَفْرَقَ، أَو المَطْعُون إِذا بَرِئَ قيلَ: أَفْرَقَ نقله اللّيثُ، زادَ ابنُ خالَوَيْهِ: بسُرعةٍ. قالَ في كِتاب ليس: اعتَلَّ أَبو عُمَرَ الزاهدُ ليلةً واحِدَةً، ثم أَفْرَقَ، فسأَلْناه عن ذلِك، فقالَ: عَرفَ ضَعْفِي فرَفَقَ بي. أَو لا يَكُونُ الإِفْراقُ إِلّا فِيمَا لا يُصِيبُك من الأَمْراضِ غير مَرَّة واحدةٍ كالجُدَرِيِّ والحَصْبةِ، وما أَشْبَههما. وقال اللِّحْيانِيَّ: كل مَفِيقٍ من مَرَضِه مُفرِقٌ، فعَمَّ بذلك.

قال أَعْرابيٌّ لآخَرَ: ما أَمارُ إِفراقِ المَوْرُو؟ فقالَ: الرُّحَضَاءُ. يَقولُ: ما عَلامة بُرْءِ المَحْموم؟ فقالَ: العَرَق.

وأَفرقَتِ النَّاقَةُ: رَجَع إِليها بَعضُ لَبَنِها فهي مُفرِقٌ.

وقال ابنُ الأَعرابيّ: أَفْرَقَ القومُ إِبلَهم: إِذا خَلَّوْها في المَرْعَى والكلإِ لم يُنْتِجُوها ولم يُلْقِحُوها.

وقالَ غيرُه: وناقة مُفْرِق، كمُحْسِن تَمْكُث سنَتَيْنِ أَو ثلاثًا لا تَلْقَحُ.

وقِيلَ: هي الَّتِي فَارَقَها وَلَدُها.

وقِيلَ: فارقَها بمَوْت، نقلَه الجوهريُّ.

والجمعُ: مَفارِيق.

وفَرَّقَه تَفْرِيقًا وتَفْرقَةً كما في الصِّحاح: بَدَّدَه. وقال الأَصْبَهانِيُّ: التّفريقُ: أَصلُه التَّكْثِيرُ. قالَ: ويُقال ذلك في تَشْتِيتِ الشَّمْلِ والكَلِمة، نحو: {يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} وقالَ عزَّ وجَلَّ: {فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}. وقَولُه عَزَّ وجَلَّ: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} وإِنَّما جازَ أَنْ يَجْعَلَ التَّفْرِيق مَنْسوبًا إِلى أَحَدٍ من حيثُ إِنّ لفظَ «أَحد» يُفِيد الجَمْع [في النفي] ويُقال: الفَرْق بينَ الفَرْقِ والتَّفْرِيق، أَنَّ الفَرْق للإِصْلاح، والتَّفْريق للإِفْساد.

وقال ابنُ جِنِّى في كتابِ الشَّواذِّ في قوله تَعالَى: {الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} أَي: فَرَّقوه وعَضَوْه أَعضاءً، فخالَفُوا بينَ بعضٍ وبعضٍ. وقُرِئَ بالتّخفِيف وهي قراءَة النَّخَعِيّ وابنِ صالِح مولَى أَبي هانِئٍ، وتروى أَيضًا عن الأَعمَش ويَحْيى، وتَأْوِيلُه أَنَّهُم مازُوهُ عن غيرِهِ من سائِرِ الأَدْيانِ.

قالَ: وقد يُحتَمل أَن يكونَ مَعْناه معنى القَراءَةِ بالتَّثْقِيل؛ وذلِك أَنَّ فَعَلَ بالتّخفِيفِ قد يكونُ فيها مَعنَى التّثْقيلِ. ووَجهُ هذا أَنّ الفِعلَ عندنا مَوْضُوعٌ على اغْتِراقِ جِنْسِه [أَلا تَرَى أَنَّ مَعْنَى «قامَ زَيدٌ»: كانَ منه القِيامُ، وقعَدَ: كان منه القُعودُ.

والقيامُ ـ كما نعلم ـ والقعودُ جِنسانِ، فالفعلُ إِذنْ على اغتِراقِ جِنْسِه]، يدُلُّ على ذلك عَملُه عندَنا في جَمِيع أَجزاءِ ذلِك الجِنْسِ من مُفْردِه ومُثَنّاه ومجموعِه ونَكِرته ومَعرِفته، وما كان في مَعْناه، ثم ذَكَر كلامًا طَوِيلًا وقالَ: «وهذا واضح مُتناهٍ في البَيانِ. وإِذا كانَ كذلك عُلِم منه وبه أَنَّ جَمِيعَ الأَفعالِ ماضِيها وحاضِرها ومُتَلَقّاها مجاز لا حقيقة، أَلَا تراك تَقُولُ: قُمتُ قومةً، وقمتُ ـ على ما مَضَى ـ دالٌّ على الجنْس فَوضْعُك القَوْمَةَ الواحِدَةَ موضع جِنْسِ القيامِ، وهو فيما مَضَى، وفيما هو حاضِرٌ، وفيما هو مُتَلَقًّى مُسْتَقْبَل من أَذْهبِ شي‌ءٍ في كونه مَجازًا» ثم قال بعدَ كلامٍ: «وهذا موضِعٌ يسمَعُه الناس مِنّي، ويَتَناقَلُونه دائِمًا عَني، فيُكبِرُونه ويُكْثِرُونَ العَجَب به، فإِذا أَوضحتُه لمَنْ يَسأَلُ عنه استَحَى، وكان يَسْتَغفِرُ اللهَ لاسْتِيحاشِه كانَ مِنّي».

ويُقال: أَخذَ حَقَّه منه بالتَّفارِيقِ كما في الصِّحاح، أَي: مرّات مُتَفَرِّقة.

وقَولُ غَنِيَّةَ الأَعْرابِيَّة لابْنِها:

إِنَّك خَيْرٌ مِنْ تَفارِيقِ العَصَا

يُضرَبُ به المَثَلُ، وإِنَّما قالَتْ ذلِكَ لأَنَّه كانَ عارِمًا، كَثِيرَ الإِساءَةِ إِلى النَّاسِ مع ضَعْفِ بَدَنِه ودِقَّةِ عَظْمِه فواثَبَ يَومًا فتىً، فقَطَع الفَتَى أَنفَه، فأَخَذَتْ أُمُّه دِيَتَه أَي: دِيَةَ أَنْفِه فحَسُنَت حَالُها بعدَ فَقْرِ مُدْقِعٍ، ثُمّ واثَبَ آخرَ فقَطَع أُذُنَه، ثُمَّ وَاثَبَ آخرَ فقَطَع شَفَتَه، فأَخَذَت دِيَتَهما، فلَمَّا رَأَتْ حُسْنَ حَالِها وما صارَ عِنْدَها من إِبِلٍ وغَنَمٍ ومَتاعٍ، حَسُنَ رأْيُها فيه، ومَدَحَتْه وذَكَرَتْهُ في أُرجوزَتِها، فقالَتْ:

أَحلِفُ بالمَرْوةِ حَقًّا والصَّفَا *** إِنَّك خَيرٌ من تَفارِيقِ العَصَا

وقِيلَ الأَعْرابِيٍّ: ما تفارِيقُ العَصَا؟، قالَ: العَصَا تُقْطَعُ ساجُورًا والسَّواجِيرُ تَكُونُ للكِلابِ والأَسْرَى من النّاسِ، ثم تُقْطَع عَصا السّاجُورِ فتَصِيرُ أَوْتادًا، ويُفَرَّقُ الوَتِدُ، ثم تَصِيرُ كُلُّ قِطْعَة شِظاظًا: فإِذا جُعِل لِرَأْسِ الشِّظاظِ، كالفَلْكة، صارَ عِرانًا للبَخاتِيِّ ومِهارًا، وهو العُودُ الذي يُدْخَلُ في أَنْفِ البُخْتِيِّ، ثم إِذا فُرِّقَ المِهارُ يُؤْخَذُ منها تَوادِي وهي الخَشَبةُ التي تُصَرُّ بها الأَخْلافُ، هذا إِذا كانَتْ عَصا. فإِذا كانَتَ العَصَا قَنىً فكُلُّ شِقٍّ منها قَوْسُ بُنْدُقٍ، فإِن فُرِّقَت الشِّقَّة صارَت سِهامًا، ثم إِذا فُرِّقَت السِّهام صارَتْ حِظاءً، ثم صارَت مَغازِلَ، ثم يَشْعَبُ بها الشَّعَّابُ أَقْداحَه المَصْدُوعة، وقِصاعَه المَشْقُوقَة، على أَنَّه لا يَجِدُ لها أَصْلَح منها وأَلْيَق بها، يُضرَبُ فيمن نَفْعُه أَعَمُّ من نَفْعِ غيره.

والتَّفْرِيقُ: التَّخْوِيف. ومنه قَولُ أَبِي بَكْرٍ رضي ‌الله‌ عنه: «أَبالله تُفَرِّقْنِي؟»، أَي: تُخَوِّفني.

ومُفَرِّقُ النَّعَمِ هو الظَّرِبَانُ؛ لأَنَّه إِذا فَسَا بينَها وهي مُجتمِعَة تَفَرَّقَت المالُ.

ويُقال: هو مُفْرِق الجِسْم، كمُحْسِن. وسِياقُ الصاغانيِّ يَقتَضِي أَنه كمُعَظَّم، أَي: قَلِيلُ اللَّحْمِ، أَو سَمِينٌ، وهو ضِدٌّ.

وتَفرَّق القومُ تَفَرُّقًا، وتِفِرَّاقًا بكسرتين. ونَصُّ اللِّحْيانِيِّ في النّوادرِ تَفْرِيقًا: ضِدّ تَجَمَّعَ، كافْتَرَق، وانْفَرَق، وكُلٌّ من الثَّلاثةِ مُطاوع فَرَّقتُه تَفرِيقًا.

ومنهم من يَجْعَلُ التَّفرُّق للأَبْدانِ، والافْتِراق في الكَلامِ.

يُقال: فَرَّقتُ بين الكَلَامَين، فافْتَرقا. وفَرَّقْت بين الرَّجُلَيْن فتَفَرَّقا. وفي حَدِيثِ الزَّكاة: «لا يُفَرَّق بين مُجْتَمِع، ولا يُجمَع بين مُتَفَرِّقٍ» وفي حديثٍ آخر: «البَيِّعان بالخيار ما لم يَتَفرَّقا»، واختُلِفَ فيه فقيل: بالأَبْدانِ، وبه قالَ الشافعيُّ وأَحمدُ. وقالَ أَبو حَنِيفةَ ومالكٌ وغَيرُهما: إِذا تَعاقَدا صَحَّ البَيْعُ وإِن لم يَفْتَرِقا. وظاهرُ الحَدِيثِ يَشْهَدُ للقَوْل الأَوَّل.

ويُقالُ: تفرَّقَت بهم الطُّرُقُ، أَي: ذَهَبَ كُلٌّ منهم إِلى مَذْهَبٍ. وقالَ مُتَمِّم بنُ نَوَيْرةَ رضي ‌الله‌ عنه يَرْثِي أَخاه مالِكًا:

فلمّا تَفَرَّقْنا كأَنِّي ومالِكًا *** لطُولِ اجْتِماعٍ لم نَبِتْ ليلةً مَعَا

وانْفَرَق: انْفَصَل، ومنه قولُه تَعالَى: {فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}.

والمُنْفَرَقُ يَكُونُ مَوْضِعًا، ويكونُ مَصْدَرًا. قالَ رُؤْبَةُ يَصِفُ الحُمُرَ:

تَرْمِي بأَيدِيها ثَنَايَا المُنْفَرَقْ

أَي: حيث يَنْفَرِقُ الطَّرِيقُ، ويُرْوى: «المُنْفَهَقْ».

والتَّركيبُ يدُلُّ على تَميُّزٍ وتَزَيُّلٍ بين شَيْئَينِ، وقد شَذَّ عن هذا التركيب الفَرَقُ للمِكْيال، والفَرِيقة للنُّفَساءِ، والفَروقَةُ للشَّحْم، والفُرُوق: موضعٌ.

* ومما يُسْتَدْرَكُ عليه:

الفُرْقَة بالضَّمِّ: مَصْدَرُ الافْتِراقِ. وهو اسمٌ يُوضَعُ موضِعَ المَصْدَرِ الحَقِيقي من الافْتِراقِ.

وفارَقَ الشي‌ءَ مُفارَقةً: بايَنَهُ، والاسمُ: الفُرْقة.

وتَفارَقَ القَوْمُ: فارَقَ بَعضُهم بعضًا.

وفارَقَ فلانٌ امرأَتَه، مُفارَقَةً، وفِراقًا: بايَنَها.

وهو أَسْرَعُ من فَرِيقِ الخَيْلِ لسابِقِها، فَعِيلٌ بمعنى مُفاعِل؛ لأَنَّهُ إِذا سَبَقَها فارَقَها.

ونِيَّةٌ فَرِيقٌ: مُفرِّقَةٌ، قال:

أَحقًّا أَنَّ جِيرَتَنا اسْتقَلُّوا *** فنِيَّتُنا ونِيَّتهُم فَرِيقُ؟

قالَ سِيبَوَيْهٌ: قالَ: فَرِيقٌ، كما يقالُ للجمَاعةِ: صَدِيق.

وفَرَّق رَأْسَه بالمُشْطِ تَفْرِيقًا: سَرَّحَه. وفي صِفَته صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم: «إِن انفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَق، وإِلَّا فلا يبلُغُ شَعْرُه شَحمةَ أُذُنِه إِذا هو وَفَّره» أَراد أَنَّه كانَ لا يُفَرِّقُ شعرَه إِلّا أَن يَنْفَرِقَ هو، وهكذا كانَ في أَولِ الأَمرِ ثُم فَرَقَ.

ويُقالُ للماشِطَةِ تَمشُط كذا وكذا فَرْقًا، أَي: كذا وكذا ضَرْبًا.

وفَرَقَ له عن الشَّيْ‌ءِ: بَيَّنه له، عن ابن جِنِّي.

وجَمْع الفَرَق من اللِّحْية، مُحرَّكة: أَفْراقٌ. قالَ الرّاجزُ:

يَنفُض عُثْنونًا كثيرَ الأَفْراقْ *** تَنْتِحُ ذِفْراهُ بمِثْلِ الدِّرْياقْ

والأَفْرَقُ: البَعِيدُ ما بينَ الأَلْيَتَيْن.

وتَيْسٌ أَفرقُ: بَعِيدُ ما بين قَرنَيْه، وهذه عن ابنِ خالَوَيْهِ.

والمَفْرُوقان من الأَسْبابِ: هما اللَّذانِ يَقوم كُلُّ واحدٍ منهُما بنَفْسِه، أَي: يَكُونُ حَرْفٌ مُتَحرِّكٌ وحَرْفٌ ساكن، ويَتْلُوه حرفٌ متحرِّك نحو «مُسْتَفْ» من مُسْتَفْعِلن، و«عِيلُن» من مَفاعِيلن.

وانْفَرَقَ الفَجْرُ: انفَلَقَ.

والفُرَّاقُ، كرُمَّان: جمعُ فارِقٍ، للنّاقَةِ تَشْتَدُّ، ثم تُلْقِي وَلَدَها من شِدَّةِ ما يَمُرّ بها من الوَجَعِ. قالَ الأَعشَى:

أَخْرَجَتْه قَهْبَاءُ مُسْبِلَةُ الوَدْ *** قِ رَجُوسٌ قُدَّامُها فُرَّاقُ

وأَفرقَ فلانٌ غَنَمَه: أَضَلَّها وأَضاعَها.

وقالَ ابنُ خَالَوَيْهِ: أَفْرَقَ زيدٌ: ضاعَتْ قِطْعةٌ من غَنَمه.

وحَكَى اللِّحْيانِيُّ: فَرَقْتُ الصبيَّ: إِذا رُعْتَه وأَفْزَعْتَه، قالَ ابنُ سِيدَه: وأُراها فَرَّقْتُ بتشديدِ الراءِ؛ لأَنَّ مثل هذا يَأْتِي على فَعَّلْتُ كُثِيرًا، كقولِك فَزَّعْت، ورَوَّعتُ، وخَوَّفْتُ. وفارَقَنِي، ففَرَقْتُه أَفْرُقه: كُنتُ أَشدَّ فَرَقًا منه، هذه عن اللِّحْياني، حكاهُ عن الكِسائِيّ.

وأَفْرَقَ الرَّجُلُ، والطائِرُ، والسَّبُعُ، والثَّعلبُ: سَلَحَ، أَنْشَدَ اللِّحْيانيُّ:

أَلا تِلْكَ الثَّعالبُ قد تَوالَتْ *** عليَّ وحالَفَتْ عُرْجًا ضِبَاعَا

لتَأْكُلَنِي فمَرَّ لهُنَّ لَحْمِي *** فأَفْرَقَ من حِذارِي أَو أَتاعَا

قال: ويُروى «فأَذْرَق».

والمُفْرِقُ، كمُحْسِنٍ: الغاوي، على التَّشْبِيه بذلك، أَو لأَنَّه فارَق الرُّشْدَ، والأَولُ أَصحُّ. قالَ رُؤْبَةُ:

حَتّى انْتَهَى شَيطانُ كُلِّ مُفْرِقِ

ويُجمَع الفَرَق للمِكْيالِ على أَفرُقٍ، كجَبَلٍ وأَجْبُلٍ.

ومنه

الحَدِيثُ: «في كُلِّ عَشْرَةِ أَفرُقِ عَسَلٍ فَرَقٌ». والفُرْقُ، بالضَّمِّ: إِناءٌ يُكْتالُ به.

والفُرْقان: قَدَحان مُفْتَرِقان.

وفُرْقان من طَيْرٍ صوافَّ، أَي: قَطْعَتان.

وفَارَقْتُ فلانًا من حِسابِي عَلَى كذا وكذا: إِذا قَطعْتَ الأَمرَ بينَكَ وبينَه على أَمر وَقَع عليه اتَّفاقُكُما. وكذلِكَ صادَرْتُه على كَذَا وكَذَا.

وفَرسٌ فَرُوقٌ: أَفْرقُ، عن الصّاغانِيّ.

والفَرِيقُ: النَّخْلَةُ يكونُ فيها أُخْرَى، عن أَبِي حَنِيفَة وأَبِي عَمْروٍ.

ومن أَسمائِه صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم في الكُتُبِ السالِفة «فارِقْ ليطا»، أَي: يفرُقُ بينَ الحَقِّ والباطِلِ.

ونقلَ الشِّهابُ أَحمدُ بن إِدريس القَرافِيُّ في كتابٍ له في الرَّدِّ على اليَهودِ والنَّصارَى ما نصُّه في إِنْجِيلِ يُوحَنّا: «قال يَسُوعُ المَسِيحُ عليه‌السلام في الفَصْلِ الخامِس عَشَر: «إِن الفارِقْلِيط رُوحُ الحَقِّ الَّذِي يُرْسِلُه» أَي: هو الَّذي يُعَلِّمكم كُلُّ شي‌ءٍ، والفارِقْلِيط عندَهُم الحَمَّاد، وقيل: الحامِد.

وجُمهورُهم أَنَّه المُخَلِّصُ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم.

وأَفرقَ الرَّجُلُ: صارَت غَنَمُه فرِيقَةً، نَقَلَه ابنُ خالَوَيْهِ.

وجَمَلٌ أَفْرَقُ: ذُو سَنامَيْنِ.

ونُوقٌ مَفارِيقُ، أَي: فَوارِق.

وطَرِيقٌ أَفْرَقُ: بَيِّنٌ.

وضَمَّ تفارِيقَ مَتاعه، أَي: ما تَفرَّقَ.

ويُقالُ: سَبِيلٌ أَفرقُ، كأَنه الفَرَق.

وبانَتْ في قَذالِه فُروقٌ من الشَّيْبِ، أَي: أَوضاحٌ منه.

والفَارُوق: لَقَبُ جَبَلَةَ بنِ أَساف بن كَلْبٍ، كذا في الأَنْسابِ لأَبِي عُبَيدٍ.

ومَيَّافارِقِين. سيأْتي في «م ي ي».

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


44-تاج العروس (رم رمم رمرم)

[رمم]: رَمَّه يَرِمُّه ويَرُمُّه، مِن حَدَّيْ ضَرَبَ ونَصَرَ، رَمًّا ومَرَمَّةً: أَصْلَحَهُ بعْدَ فَسادِهِ مِن نَحْو حَبْل يَبْلَى فتَرُمُّهُ، أَو دارٍ تَرُمُّ شَأْنَها.

ورَمُّ الأَمْرِ: إِصْلاحُه بعْدَ انْتِشارِهِ.

قالَ شيْخُنا: المَعْروفُ فيه الضمُّ على القِياسِ، وأَمَّا الكسْرُ فلا يُعْرَفُ، وإن صحَّ عن ثبْتٍ فيُزادُ على ما اسْتَثْناهُ الشيخُ ابنُ مالِكٍ في اللَّامِيَّةِ وغيرِها مِن المُتَعَدِّي الوَارِدِ بالوَجْهَيْن.

قلْتُ: اللُّغتان ذَكَرَهُما الجوْهرِيُّ وكَفَى به قُدْوةً وثَبْتًا.

وذَكَرَ أَبو جَعْفرٍ اللبليّ: هَرَّهُ يَهِرُّهُ ويَهُرُّهُ وعَلَّهُ يعِلُّهُ ويَعُلُّهُ باللُّغَتَيْن فتأَمَّلْ ذلِكَ.

ورَمَّتِ البَهيمةُ رَمًّا: تَناوَلَتِ العِيدانَ بفَمِها وأَكَلَتْ، كارْتَمَّتْ؛ ومنه الحَدِيْث: «عليْكُم بأَلْبانِ البَقَرِ فإنَّها تَرُمُّ من كلِّ الشجرِ»؛ أَي تأْكُلُ؛ وفي رِوايَةٍ: تَرْتَمُّ.

وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ: الرَّمُّ والارْتِمامُ تَمَام الأَكْل.

ورَمَّ الشَّي‌ءَ رَمًّا: أَكَلَهُ.

وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: رَمِّ فُلانٌ ما في الغَضارَةِ إذا أَكَلَ ما فيها.

ورَمَّ العَظمُ يَرِمُّ، مِن حَدِّ ضَرَبَ، رِمَّةً، بالكسْرِ، ورَمًّا ورَمِيمًا وأَرَمَّ: صارَ رِمَّةً؛ وفي الصِّحاحِ: بَلِيَ.

قالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: يقالُ رَمَّتْ عِظامُه وأَرَمَّتَ إذا بَلِيَتْ؛ فهو رَمِيمٌ، ومنه قَوْله تعالَى: {يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}.

قالَ الجوْهَرِيُّ: وإنَّما قالَ اللهُ تعالَى: {وَهِيَ رَمِيمٌ} لأنَّ فَعِيلًا وفَعُولًا قد اسْتَوَى فيهما المُذَكَّر والمؤَنَّث والجَمْعُ، مِثْلُ عَدُوٍّ وصَدِيقٍ ورَسُولٍ.

وفي المُحْكَمِ: عَظْم رَمِيمٌ وأَعْظمٌ رَمائِمُ ورَمِيمٌ أَيْضًا قالَ الشاعِرُ:

أَما والذي لا يَعْلَمُ السِّرَّ غَيْرُهُ *** ويُحْيي العِظامَ البِيضَ وهي رَمِيمُ

واسْتَرَمَّ الحائطُ: دَعا إلى إِصْلاحِه، كذا في المُحْكَمِ.

وفي الصِّحاحِ: اسْتَرَمَّ الحائطُ: أَي حانَ له أَنَّ يُرَمَّ وذلِكَ إذا بَعُدَ عَهْدُه بالتَّطْيِين.

والرُّمَّةُ، بالضمِّ: قِطْعَةٌ من حَبْلٍ باليَةٌ، ويُكْسَرُ، واقْتَصَرَ الجوْهَرِيُّ على الضمِّ، والجَمْعُ رِمَمٌ ورِمامٌ، ومنه قولُ عليٍّ رضي ‌الله‌ عنه يَذُمُّ الدُّنيا: «وأَسبابُها رِمامٌ» أَي باليَةٌ، وبه سُمِّي ذو الرُّمَّةِ الشاعِرُ وهو غَيْلانُ العَدَويُّ لقوْلِه في أَرْجوزَتِه يَعْني وَتدًا:

لم يَبْقَ منها أَبَدَ الأَبِيدِ *** غيرُ ثلاثٍ ماثلاتٍ سُودِ

وغيرُ مَشْجوجِ القَفا مَوتُودِ *** فيه بَقايا رُمَّةِ التَّقْليدِ

يَعْني ما بَقيَ في رأْسِ الوَتِدِ مِن رُمَّةِ الطُّنُبِ المَعْقودِ فيه.

والرُّمَّةُ: قاعٌ عَظيمٌ بنَجْدٍ تَنْصَبُّ فيه مياهُ أَوْدِيَةٌ وقد تُخَفَّفُ ميمُه، نَقَلَه نَصْر في كتابِهِ، وابنُ جنِّي في الخاطريات، وابنُ سِيْدَه في المحْكَمِ.

فقَولُ شيْخنا لا يَظْهَر لتَخْفيفِ مِيمِه وَجْهٌ وَجِيهٌ غيرُ وَجِيه.

وفي المَثَلِ: تقولُ العَرَبُ على لسانِها: تقولُ الرُّمَّةُ: كُلُّ شي‌ءٍ يُحْسِينِي إلا الجُرَيْبَ فإنه يُرْوينِي والجُرَيْبُ: وادٍ تَنْصَبُّ فيه أَيْضًا.

وقالَ نَصْر: الرُّمَةُ، بتَخْفِيفِ المِيمِ: وادٍ يَمرُّ بينَ أَبانِيْن، يَجِي‌ءُ مِن المَغْرب أَكْبَر وادٍ بنَجْدٍ يَجِي‌ءُ مِن الغورِ، والحِجازِ، أَعْلَاهُ، لأَهْلِ المَدِينَةِ وبَنِي سُلَيْم، ووَسَطُه لبَنِي كِلابٍ وغَطَفانَ، وأَسْفَله لبَنِي أَسَدٍ وعَبْسٍ، ثم يَنْقَطِعُ في رَمْلِ العُيونِ ولا يكْثرُ سَيْلُه حتى يمدَّهُ الجُرَيْبُ، وادٍ لِكلابٍ.

والرُّمَّةُ: الجَبْهَةُ، هكذا في سائِرِ النسخِ، ولم أَجِدْه في الْأُصُول التي نَقَلْنا منها، ولعلّ الصَّوابَ الجُمْلَةُ. ويقالُ: أَخَذْت الشي‌ءَ برُمَّتِه وبزَغْبَرِه وبجُمْلَتِهِ أَي أَخَذْته كُلّه لم أَدَعْ منه شَيئًا.

قالَ الجوْهَرِيُّ: ودَفَعَ رجُلٌ إلى آخَرَ بَعيرًا بحَبْلٍ في عُنُقِهِ فقيلَ لكلِّ مَن دَفَعَ شَيئًا بجُمْلَتِهِ أَعْطاهُ برُمَّته، قالَ:

وهذا المعْنَى أَرادَ الأعْشَى يخاطِبُ خمَّارًا:

فقلتُ له هذهِ هاتِها *** بأَدْماءَ في حَبْل مُقْتادِها

وهكذا نَقَلَه الزَّمَخْشَرِيُّ أَيْضًا.

وقد نَقَلَ فيه ابنُ دُرَيْدٍ وَجهًا آخَرَ وهو أَنَّ الرُّمَّةَ قِطْعَةُ حَبْلٍ يُشَدُّ بها الأَسيرُ أَو القاتِلُ إذا قِيدَ للقَتْل في القَوَدِ، قالَ: ويدلُّ لذلِكَ حَدِيْث عليٍّ حينَ سُئِلَ عن رجُلٍ ذَكَرَ أَنَّه رَأَى رجُلًا مَعَ امْرأَتِه فقَتَلَه فقالَ: «إنْ أَقامَ بَيِّنَةً على دَعْواه وجاءَ بأَرْبَعةٍ يَشْهدُونَ وإلَّا فلْيُعْطَ برُمَّتِهِ».

قالَ ابنُ الأثيرِ: أَي يُسلَّم إليهم بالحَبْل الذي شُدَّ به تمْكِينًا لهم لئلَّا يَهْرُبَ.

وأَوْرَدَه ابنُ سِيْدَه أَيْضًا وقالَ: ليسَ بقَويٍّ.

والرِّمَّةُ، بالكسْرِ: العِظامُ البالِيَةُ، والجَمْعُ رِمَمٌ ورِمامٌ؛ ومنه الحَدِيْث: «نَهَى عن الاسْتِنْجاءِ بالرَّوْثِ والرِّمَّةِ».

قالَ ابنُ الأثيرِ: إنَّما نَهَى عنها لأنّها رُبَّما كانت ميتةً فهي نَجِسةٌ، أَو لأنَّ العَظْمَ لا يقومُ مقامَ الحَجَر لملاسَتِهِ.

والرِّمَّةُ: النَّمْلَةُ ذاتُ الجَناحَيْنِ؛ عن أَبي حاتِمٍ وأَنْكَرَه البَكْريُّ في شرْحِ أَمالي القَالِي.

والرِّمَّةُ: الأَرَضَةُ في بعضِ اللّغاتِ.

وحَبْلٌ أَرْمامٌ ورِمامٌ، ككِتابٍ وعِنَبٍ: أَي بالٍ، وصَفُوه بالجَمْعِ كأَنَّهم جَعَلوا كلَّ جزءٍ واحدًا ثم جَمَعُوه.

وقوْلُهم: جاءَ بالطِّمِّ والرِّمِّ، بكسْرِهِما؛ أَي بالبَحْرِ والثَّرَى؛ فالطِّمُّ: البَحْرُ، والرِّمُّ: الثَّرَى؛ كما في الصِّحاحِ أَو الطِّمُّ: الرَّطْبُ، والرِّمُّ اليابِسُ أَو الطِّمُّ التُّرابُ والرِّمُّ الماءُ؛ أَو المعْنَى: جاءَ بالمالِ الكثيرِ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.

وقيلَ: الرِّمُّ بالكسر: ما يَحْمِلُه الماءُ، هكذا في النسخِ، والصَّوابُ: الطِّمُّ ما يَحْمِلُه الماءُ، والرِّمُّ ما يَحْمِلُه الريحُ. أَو الرِّمُّ ما على وَجْهِ الأرضِ من فُتاتِ الحَشيشِ.

وقيلَ: معْنَى جاءَ بالطِّمِّ والرِّمِّ: جاءَ بكلِّ شي‌ءٍ ممَّا يكونُ في البَرِّ والبَحْرِ.

والرِّمُّ: النِّقْيُ والمُخُّ؛ ومنه: قد أَرَمَّ العَظْمُ؛ أَي جَرَى فيه الرِّمُّ، وهو المُخُّ، وكَذلِكَ أَنْقَى فهو مُنْقٍ؛ قالَ:

هَجاهُنَّ لمَّا أَنْ أَرَمَّتْ عِظامُهُ *** ولو كان في الأَعْرابِ ماتَ هُزالا

وناقَةٌ مُرِمٌّ: بها شي‌ءٌ مِن نِقْيٍ؛ نَقَلَه الجوْهَرِيُّ عن أَبي زيْدٍ.

وقد أَرَمَّتْ: وهو أَوَّلُ السِّمَنِ في الإِقْبالِ وآخرُ الشحْمِ في الهُزالِ.

والرُّمُّ، بالضَّم: الهَمُّ. يقالُ: مالَهُ رُمُّ كذا أَي هَمُّ.

وفي الحَدِيْث: ذكر رُمّ، وهو بئرٌ بمكةَ قديمةٌ مِن حفْرِ مُرَّة بنِ كَعْبٍ.

وقالَ نَصْر عن الوَاقِدِيّ: من حفْرِ كلابِ بنِ مُرَّة.

والرُّمُّ: بناءٌ بالحِجازِ، كذا في النسخِ، والصَّوابُ: ماءٌ بالحِجازِ؛ وقد ضَبَطَه نَصْر بالكسْرِ.

ورَمٌّ، بالفتحِ: خَمْسُ قُرًى كلُّها بشِيرَازَ.

وقالَ نَصْر: رَمُّ الزيوان: صقْعٌ بفارِسَ، وهناك مَواضِعٌ رَمُّ كذا ورَمُّ كذا. والمَرَمَّةُ، وتُكْسَرُ رَاؤُها: شَفَةُ كلِّ ذاتِ ظِلْفٍ.

والذي في الصِّحاحِ: المِرَمَّةُ، بالكسْرِ: شَفَةُ البَقَرَةِ وكلِّ ذاتِ ظِلْفٍ لأنَّها تَرْتَمُّ؛ أَي تأْكُلُ؛ والمَرَمَّةُ، بالفتحِ، لُغَةٌ فيه.

وفي المُحْكَمِ: المِرَمَّةُ مِن ذواتِ الظِّلْفِ، بالكسْرِ والفتحِ، كالفَمِ مِن الإنْسانِ.

وقالَ ثَعْلَب: هي الشَّفَةُ مِن الإنْسانِ، وهي مِن ذواتِ الظِّلْفِ المِرَمَّهُ والمِقَمَّة، ومِن ذواتِ الخفِّ المِشْفَرُ.

فدلَّ كَلامُ هَؤلاء كلّهم أَنَّ الفتحَ والكسْرَ رَاجِعان إلى المِيمِ لا إلى الرَّاءِ فتأَمَّلْ.

وأَرَمَّ سَكَتَ عامَّةً؛ وقيلَ: عن فَرَقٍ؛ وقالَ حُمَيْدٌ الأَرْقط:

يَرِدْنَ والليلُ مُرِمٌّ طائِره *** مُرْخًى رِواقاهُ هُجُودٌ سامِرُه

وأَرَمَّ إلى اللهْوِ: مالَ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ.

وفي الحديثِ: قالوا يا رَسُولِ اللهِ، كيفَ تُعْرَضُ صَلاتُنا عليكَ وقد أَرَمْتَ، على وَزْن ضَرَبْتَ؛ أَي بَلِيتَ.

قالَ ابنُ الأَثيرِ: أَصْلُه أَرْمَمْتَ فَحُذِفت إحْدَى المِيمينِ كأَحَسْتَ في أَحْسَسْتَ، ويُرْوَى: أَرَمَّت، بتَشْديدِ المِيمِ وفتحِ التاءِ، ويُرْوَى: رَمِمْتَ؛ ويُرْوَى أَيْضًا: أُرِمْتَ بضمِ الهَمْزَةِ بوَزْن أُمِرْتَ، وقد ذُكِرَ في أَرَمَ والوَجْه الأَوَّل.

والرَّمْرامُ: نَبْتٌ أَغْبَرُ يأْخُذُه الناسُ يَسْقونَ منه مِن العَقْربِ؛ قالَهُ أَبو زِيادٍ؛ وفي بعضِ النسخِ: يَشْفونَ منه.

وقالَ غيرُه الرَّمْرامُ: حَشِيشُ الرَّبيعِ؛ قالَ الرَّاجزُ:

في خُرُق تَشْبَعُ مِن رَمْرامِها

وفي التَّهْذِيبِ: الرَّمْرامَةُ: حَشِيشةٌ مَعْروفَة بالبادِيَةِ، والرَّمْرامُ: الكثيرُ منه؛ قالَ: وهو أَيْضًا ضَرْبٌ مِن الشَّجَرِ طَيِّب الرِّيحِ، واحِدَتُه رَمْرامَة.

وقالَ أَبو حَنيفَةَ: الرَّمْرامُ عُشْبةٌ شَاكَةُ العِيدانِ والوَرَقِ تمنَعُ المَسَّ، تَرْتَفِعُ ذِراعًا، وورقُها طَويلٌ، ولها عرضٌ، وهي شَديدَةُ الخضْرَةِ لها زهْرَةٌ صَفْراءُ، والمَواشِي تحْرِصُ عليها.

ورَمْرَمٌ أَو يَرَمْرَمٌ: جَبَلٌ.

وقالَ الجوْهَرِيُّ: ورُبَّما قالوا يَلَمْلَم.

والذي في كتابِ نَصْر: الفَرْق بينَ يَرَمْرَم ويَلَمْلَم فإنَّه قالَ في يَلَمْلَم: جَبَلٌ أَو وادٍ قرْبَ مكَّة عندَه يحرمُ حاجُّ اليَمَنِ؛ وقالَ في يَرَمْرَم: جَبَلٌ بمكة أَسْفَل مِن ثنية أُمّ جرذان، وجَبَلٌ بَيْنه وبينَ معْدنِ بنِي سُلَيْم ساعَة.

ودارَةُ الرِّمْرِمِ، كسِمْسِمٍ، ورُمَّانٍ ورُمَّانَتانِ، بالضَّمِّ، وأَرْمامٌ: مَواضِعُ. أَمَّا دارَةُ الرِّمْرِمِ: فقد ذُكِرَتْ في الدَّارَات. ورَمَّان بالفتحِ: جَبَلٌ لطيِّ‌ءٍ في طَرَفِ سُلْمى، ذَكَرَه الجوْهَرِيُّ في ر معروف ن. ورُمَّانَتانِ في قولِ الرَّاعي:

على الدارِ بالرُّمَّانَتَيْنِ تَعُوجُ *** صُدُورُ مَهَارَى سَيْرُهُنَّ وَسِيجُ

وأَمَّا أَرْمامُ: فإنَّه جَبَلٌ في دِيارِ باهِلَةَ.

وقيلَ: وادٍ يصبُّ في الثَّلَبُوتِ مِن دِيارِ بَنِي أَسَدٍ؛ قالَهُ نَصْر.

وقيلَ: وادٍ بينَ الحاجرِ وفيد.

ويَوْمُ أَرْمامٍ: مِن أَيامِ العَرَبِ، قالَ الرَّاعِي:

تَبَصّرْ خَليلي هل ترى مِن ظَعَائنٍ *** تَجَاوَزْنَ مَلْحُوبًا فقِلْنَ مُتَالِعَا

جَوَاعِلُ أَرْمَامًا شمالًا وصارةً *** يمينًا فَقَطَّعْنَ الوِهَادَ الدَّوَافِعَا

والرَّمَمُ، محرَّكةً: اسمُ وادٍ.

وتَرَمْرَمُوا: إذا تَحَرَّكوا للكَلامِ ولم يَتَكَلَّموا بعد. يقالُ: كَلَّمه فما تَرَمْرَمَ أَي مَا رَدَّ جَوابًا. وفي التَّهذِيبِ: التَّرَمْرُمُ أَنْ يحرِّكَ الرجُلُ شَفَتَيْه بالكَلامِ.

يقالُ: ما تَرَمْرَمَ فلانٌ بحَرْفٍ أَي ما نَطَقَ.

وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: أَي ما تَحَرَّكَ.

وفي الصِّحاحِ: تَرَمْرَمَ: حَرَّكَ فَاهُ للكَلامِ.

ويقالُ: إنَّ أَكْثَرَ اسْتِعْماله في النَّفْي. والرُّمَامَةُ، كثُمامَةٍ: البُلْغَةُ يُسْتَصْلَحُ بها العَيْشُ.

وتَرَمَّمَ: تَفَرَّقَ، كذا في النسخِ، والصَّوابُ: تَعَرَّقَ، كما في الأَساسِ.

يقالُ: تَرَمَّمَ العَظْمَ: إذا تَعَرَّقَهُ أَو تَرَكَهُ كالرّمَّةِ.

والمَرامِيمُ: السِّهامُ المُصْلَحَةُ الرِّيشِ، جَمْعُ مَرْمومٌ. وقد رَمَّ سَهْمَه بعَيْنِه إذ نَظَرَ فيه حتى سَوَّاه، فهو مَرْمومٌ، وهو مجازٌ.

وارْتَمَّ الفَصِيلُ: وهو أَوَّلُ ما تَجِدُ لسَنامِهِ مَسًّا.

وقالَ أَبو زيْدٍ: المُرِمَّاتُ، بالضمِ: الدَّواهِي. يقالُ: رَماهُ اللهُ بالمُرِمَّات.

وقالَ أَبو مالِكٍ: هي السكتاتُ.

والرُّمُمُ، بضمِّتَيْنِ: الجَوارِي الكَيِّسات، عن ابنِ الأعْرَابيِّ، وكأَنَّه جَمْعُ رامةٍ وهي المُصْلحَةُ الحاذِقَةُ.

والرُّمَامُ، كغُرابٍ: المبالَغَةُ في الرَّمِيمِ، وبه فسِّرَ قوْلُ عُمَرَ، رضي ‌الله‌ عنه: «قَبْل أَنْ يكونَ ثُمامًا رُمامًا»؛ يُريدُ الهَشِيمَ المُتَفتِّتَ مِن النَّبْتِ؛ وقيلَ: هو حينَ تنبتُ رُؤُوسُه فتُرَمُّ أَي تُؤْكَلُ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

الرَّمِيمُ: ما بقي مِن نبْتِ عام أَوَّل؛ عن اللَّحْيانيِّ.

والرَّمِيمُ: الخَلَقُ البالِي مِن كلِّ شي‌ءٍ.

وشاةٌ رَمُومٌ: يَرُمُّ ما مَرَّتْ به.

والرُّمَامُ مِن البَقْلِ، كغُرابٍ: حينَ يَبْقُلُ.

وقالَ الْأَزْهَرِيُّ: سَمِعْت العَرَبَ تقولُ للذي يَقُشُّ ما سَقَطَ مِن الطعامِ وأَرْذَله ليأْكُله ولا يَتَوَقَّى قَذَرَهُ: هو رَمَّامٌ قَشَّاشٌ وهو يَتَرَمَّمُ كلَّ رُمامٍ؛ أَي يأْكُلُه.

وفي حَدِيْث الهِرَّةِ: «ولا أَرْسلْتها تُرَمْرِمُ مِن خَشاشِ الأَرضِ؛ أَي تأَكُلُ.

والإرْمامُ: آخرُ ما يَبْقَى مِن النَّبْتِ، أَنْشَدَ ثَعْلَب:

تَرْعى سُمَيْراء إلى أرْمامِها

والرُّمُّ، بالضمِّ: الجماعَةُ. وفي حَدِيْث زِيادِ بنِ حُدَيْرٍ: «فحُمِلْتُ على رِمٍّ مِن الأَكْرادِ» أَي جماعَةٌ نُزولٌ كالحَيِّ مِن الأعْرابِ.

قالَ أَبو موسَى: فكأنّه اسمٌ أَعْجَمِيٌّ.

وما لَهُ ثُمٌّ ولا رُمٌّ، تقدَّمَ في «ث معروف م».

وما عَنْ ذلِكَ حُمٌّ ولا رُمٌّ؛ حُمٌّ: مَجالٌ، ورُمٌّ: إتْباعٌ.

وفي التّهْذيبِ: ومِن كَلامِهم في بابِ النَّفْي: ما لَهُ عن ذلِكَ الأَمْرِ حَمٌّ ولا رَمٌّ أَي بُدٌّ، وقد يُضمَّان.

ويقالُ: ما لَهُ حُمٌّ ولا رُمٌّ؛ أَي ليسَ له شي‌ءٌ.

وكنّا ذَوي ثُمِّه ورُمِّه حتى اسْتَوَى على عُمُمِّهِ؛ أَي القائِمِيْن بأَمْرِهِ.

ويقالُ للشاةِ إذا كانتْ مَهْزولةً: ما يُرِمُّ منها مَضْرَبٌ؛ أَي إذا كُسِرَ عَظْمٌ مِن عِظامِها لم يُصَبْ فيه مُخٌّ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.

ونعجةٌ رَمَّاءٌ: بَيْضاءُ لاشِيَة فيها، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.

ورَمْرَمَ: أَصْلَحَ شأْنَه.

ومَرْمَرَ: إذا غَضِبَ.

والرُّمَّانُ: فُعْلان في قوْلِ سِيْبَوَيْه؛ وفَعَّال عندَ أَبي الحَسَنِ، وسَيَأْتي في النونِ، وهناكَ ذَكَرَه الجوْهَرِيُّ.

والرُّمَّانَةُ: التي فيها عَلَفُ الفَرَسِ.

ورَمِيمٌ: اسمُ امْرَأَةٍ، قالَ:

رَمَتْني وسِتْرُ الله بَيْني وبينها *** عَشِيَّةَ أَحْجارِ الكِناسِ رَمِيمُ

وأَرَمَّ، بالتَّحريكِ وتَشْديدِ المِيمِ: مَوْضِعٌ، عن نَصْرِ.

وإِرْمِيمُ بالكسْرِ: مَوْضِعٌ آخَرُ.

ومِن المجازِ: أَحْيا رَمِيمَ المكارِمِ.

وارْتَمَّ ما على الخِوَانِ واقْتَمَّه: اكْتَنَسَهُ.

وتَرَمَّمَ العَظْمَ: تَعَرَّقَهُ أَو تَرَكَهُ كالرّمَّةِ.

وأَمْرُ فلانٍ مَرْمُومٌ.

وتَرَمَّمَهُ: تَتَبَّعَهُ بالإصْلاحِ.

وفي مذحج: رمانُ بنُ كَعْبِ بنِ أَودِ بنِ أَبي سعْدِ العَشِيرَةِ.

وفي السكون: رمانُ بنُ معاوِيَةَ بنِ عقبَةَ بنِ ثَعْلبَةَ، كِلاهُما بالفتحِ.

والرمانيُّونَ: مُحَدِّثونَ يأْتي ذِكْرُهُم في النونِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


45-تاج العروس (قسم)

[قسم]: قَسَمَهُ يَقْسِمُهُ قَسْمًا، مِن حَدِّ ضَرَبَ، وِقَسَّمَهُ تَقْسِيمًا: جَزَّأَهُ، فانْقَسَمَ، وهي القِسْمَةُ، بالكسرِ، وهي مُؤَنَّثَةٌ، وإنَّما قالَ اللهُ تعالَى: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} بعد قوْلِه: {وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} لأَنَّها في معْنَى المِيراثِ والمَالِ، فذَكَّر على ذلِكَ؛ كما في الصِّحاحِ.

وِمِن المجازِ: قَسَمَ الدَّهْرُ القَوْمَ قسمًا: فَرَّقَهُمْ، كقَسَّمَهُم تَقْسِيمًا فتَقَسَّموا، فَرَّقَهُم قِسْمًا ههنا وِقِسْمًا ههنا.

وِالقِسْمُ، بالكسرِ، وكمِنْبرٍ ومَقْعَدٍ: النَّصِيبُ والحَظُّ مِن الخَيْرِ، مِثْل طَحَنْتُ طِحْنًا، والطِّحْنُ: الدَّقِيْقُ، كما في الصِّحاحِ.

وقالَ الرَّاغبُ: وحَقِيقَتُه أَنَّه جزءٌ مِن جمْلَةٍ تقبَلُ التَّقْسِيمَ ويقالُ: هذا مقسم الفي‌ءِ، ضُبِطَ بالوَجْهَيْن، وجَمْعُ المقسمِ مَقاسِمُ كالأُقْسومةِ، بالضمِّ، الجمع: أَقْسامٌ.

وفي التهْذِيبِ: أَنَّه كَتَبَ عن أَبي الهَيْثم أَنَّه أَنْشَدَ:

فما لكَ إلَّا مِقْسَمٌ لَيُسَ فانِيًا *** به أَحدٌ فاسْتَأْخِرَنْ أَو تَقَدَّما

قالَ: القِسْمُ وِالمِقْسَمُ وِالمَقْسَمُ: نَصِيبُ الإِنْسانِ مِن الشي‌ءُ.

يقالُ: قَسَمْتُ الشَّي‌ءَ بين الشّركاءِ وأَعْطَيْتُ كلَّ شَريكٍ قِسْمَه وِمِقْسَمَه، كالقَسِيمِ، كَأَمِيرٍ، الجمع: أَقْسِماءُ، كنَصِيبٍ وأَنْصِباء زِنَةً ومعْنًى، جمع الجمع: أَي جَمْعُ الجَمْع أَقاسِيمُ؛ أَي جَمْعُ الأَقْسامِ، وِالأَقْسامُ جَمْعُ القِسْمِ بالكسْرِ.

وقيلَ: بل الأَقاسِيم جَمْعُ الأُقْسومةِ كأُظْفُورٍ وأَظافِيرٍ، وهي الحُظوظُ المَقْسومَةُ بينَ العِبادِ.

وِيقالُ: هذا يَنْقَسِمُ قَسْمَيْنِ، بالفتحِ: إِذا أُرِيدَ المَصْدَرُ، وبالكسْرِ: إذا أُرِيدَ النَّصِيبُ والحَظُّ أَو الجُزْءُ من الشَّي‌ءِ المَقْسومِ.

وِقاسَمَهُ الشَّي‌ءَ مُقاسَمَةً: أَخَذَ كُلٌّ منهما قِسْمَهُ.

وِالقَسِيمُ، كأَميرٍ: المُقاسِمُ، وهو الذي يُقاسِمُك أَرْضًا أَو دارًا أَو مالًا بَيْنكَ وبَيْنه؛ ومنه قوْلُ عليِّ، رضِيَ اللهُ تعالَى عنه: «أَنا قَسِيمُ النَّارِ».

قالَ القتيبيُّ: أَرادَ أَنَّ الناسَ فَرِيقانِ: فَريقٌ معي وهُم على هُدى، وفَرِيقٌ عَلَيَّ وهُم على ضَلالٍ كالخَوارِجِ، فأنا قَسِيمُ النَّارِ: نِصْفٌ في الجنَّةِ معي ونِصْفٌ عَلَيَّ في النَّارِ، الجمع: أَقْسِماءُ وِقُسَماءُ، كنَصِيبٍ وأَنْصِباءَ، وكَرِيمٍ وكُرَماءَ.

وِالقَسِيمُ: شَطْرُ الشَّي‌ءِ. يقالُ: هذا قَسِيمُ هذا، أَيْ شَطْرُه. ويقالُ: هذه الأَرْضُ قَسِيمَةُ هذه الأَرْض؛ أَي عُزِلَتْ عنها.

وِالقُسامَةُ، كثُمامَةٍ: الصَّدقَةُ، لأَنَّها تُقْسَمُ على الضُّعفاءِ، وبه فَسَّرَ بعضٌ حدِيْثَ وابِصَة: «مثَلُ الذي يأْكُلُ القُسامَة كمثْلِ جَدْيٍ بَطْنُه مَمْلوءٌ رَضْفًا».

قالَ ابنُ الأَثِيرِ: وِالصَّحِيحُ أَنَّ القُسامَةَ هنا ما يَعْزِلُه القَسَّامُ لنَفْسِه مِن رأْسِ المالِ ليكونَ أَجْرًا له، كما تأْخُذُ السَّماسرَةُ رَسْمًا مَرْسُومًا لا أَجْرًا مَعْلومًا لتَواضُعِهِمْ أَنْ يأْخُذوا مِن كلِّ أَلّف شَيْئًا مُعيَّنًا، وذلك حَرامٌ، وبه فُسِّرَ الحدِيْثُ أَيْضًا: «إِيَّاكُم وِالقُسامَة».

وقالَ الخطَّابيُّ: ليسَ في هذا تَحْريمٌ إذا أَخَذَ القَسَّامُ أُجْرَته بإِذْن مِن المَقْسومِ لهم، وإنَّما هي فيمَنْ وَلِيَ أَمْرَ قَوْمٍ فإذا قَسَمَ بينَ أَصْحابِه شَيئًا أَمْسَكَ منه لنفْسِه نَصِيبًا يَسْتأْثِرُ به عليهم.

وِالقَسْمُ، بالفتْحِ: العَطاءُ ولا يُجْمَعُ، وهو مِن القسْمَةِ، كما في المُحْكَم.

وِالقَسْمُ: الرَّأْيُ. يقالُ: هو جَيِّدُ القَسْمِ أَي الرَّأْي، وهو مَجَازٌ.

وِالقَسْمُ: الشَّكُّ؛ أَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لعديِّ بنِ زَيْدٍ:

ظِنّة شُبِّهتْ فأَمْكَنَها القَسْ *** مُ فأَعْدَتْه والخَبِيرُ خَبِيرُ

وِالقَسْمُ: الغَيْثُ، بلُغَةِ هُذَيْلٍ، وهو مجازٌ.

ويقُولُونَ في اسْتِمْطارِهم: اللهُم اجْعَلْها عشيَّة قَسْمٍ مِن عنْدَكَ فقد تلوَّحتِ الأَرضُ، يَعْنُونَ به الغَيْثَ.

وِقيلَ: الماءُ.

وِالقَسْمُ: القَدَرُ. يقالُ: هو يَقْسِم أَمْرَه قَسْمًا؛ أَي يُقَدِّرُه ويتدَبَّرُهُ يَنْظُرُ كيفَ يَعْمَلُ فيه؛ قالَ لَبيدٌ:

فَقُولا له إن كان يَقْسِمُ أَمْرَه *** أَلَمَّا يَعِظْكَ الدَّهْرُ أُمُّكَ هابِلُ

ويقالُ: قَسَمَ أَمْرَه إذا مَيَّل فيه أَنْ يَفْعَلَه أَو لا يَفْعَلَه.

وِالقَسْمُ: موضع؛ عن ابنِ سِيْدَه.

وِالقَسْمُ: الخُلُقُ والعادَةُ، ويُكْسَرُ فيهما.

وِالقَسْمُ: أَنْ يَقَعَ في قَلْبِكَ الشَّي‌ءُ فَتَظُنَّهُ ظَنَّا ثم يَقْوَى ذلِكَ الظَّنُّ فيَصيرَ حقيقةً.

وِحَصاةُ القَسْم: حَصاةٌ تُلْقَى في إِناءِ ثم يُصَبُّ فيه من الماءِ ما يَغْمُرُها ثم يَتَعاطُونَها وذلك إذا كانوا في سَفَرٍ ولا ماءَ معهم إلَّا يسيرًا فيَقْسِمُونَهُ هكذا.

وقالَ اللَّيْثُ: كانوا إذا قَلَّ عليهم الماءُ في الفَلَواتِ عَمَدُوا إلى قَعْبٍ فأَلْقوا حَصاةً في أَسْفَلِه ثم صَبُّوا عليه مِن الماءِ قدرَ ما يَغْمُرُها وِقُسِمَ الماءُ بَيْنهم على ذلِكَ، وتُسَمَّى تلْكَ الحَصاةُ المَقْلَةَ.

وِمِن المجازِ: قَسَمَ أَمْرَهُ إذا قَدَّرَهُ ودَبَّرَهُ يَنْظُر كيفَ يَعْمَلُ فيه؛ وتقدَّمَ شاهِدُه قَرِيبًا. أَوَ لَمْ يَدْرِ ما يَصْنَعُ فيه أَيَفْعَله أَو لا يَفْعَله.

وِالمُقَسَّمُ، كمُعَظَّمٍ: المَهْمُومُ؛ أَي مُشْتَرك الخَواطِرِ بالهُمُومِ، وهو مجازٌ.

وقد قَسمتْه الهُمُومُ وتَقَسَّمَتْه.

وِالمُقَسَّمُ: الجَمِيلُ مُعْطى كلُّ شي‌ءٍ منه قِسْمَهُ مِن الحسْنِ فهو مُتَناسِبٌ، كما قيلَ: مُتَناصِفٌ؛ وهو مجازٌ.

كالقَسِيمِ، كأَميرٍ: يقالُ: رجُلٌ قَسِيمٌ وَسِيمٌ بَيِّنُ القَسامَةِ والوَسامَةِ، الجمع: قُسْمٌ بالضَّمِّ، وهي بهاءٍ.

وفي الصِّحاحِ: فلانٌ مُقَسَّمُ الوَجْهِ وِقَسِيمُ الوَجْهِ؛ وقالَ علباءُ بنُ أَرْقَمَ يَذْكر امْرَأَتِه:

وِبَوْمًا تُوافِينا بوَجْهٍ مُقَسَّمٍ *** كأَنْ ظَبْية تَعْطُو إِلى وارِق السَّلَمْ

وقالَ أَبو مَيْمونَ يَصِفُ فَرَسًا:

كلِّ طَوِيلِ السّاقِ حُرِّ الخَدَّيْنِ *** مُقَسَّمِ الوجهِ هَرِيتِ الشِّدْقَيْنِ

وِقد قَسُمَ، ككَرُمَ، قَسامَةً، وبه فَسَّرَ بعضٌ قَوْلَ عَنْتَرَة:

وِكأَنَّ فارَةَ تاجِرٍ بقَسِيمةٍ

كما في الصِّحاحِ.

وِالقَسَمُ، محرَّكةً، وِالمُقْسَمُ، كمُكْرَمٍ، وهو المَصْدَرُ مِثْلُ المُخْرَجِ: اليَمينُ باللهِ تعالى.

وِقد أَقْسَمَ إِقْسامًا، هذا هو المَصْدَرُ الحَقِيقيُّ؛ وأَمَّا القَسَمُ فإنَّه اسْمٌ أُقِيمَ مَقَام المَصْدَرِ؛ ومَوْضِعُه الذي حلفَ فيه مُقْسَمٌ كمُكْرَمٍ، والضَّميرُ راجِعٌ إلى الإِقْسامِ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ:

بمُقْسَمةٍ تَمُورُ بها الدِّماء

يعْنِي مَكَّة؛ وهو قوْلُ زُهَيْرٍ وصَدْرُهُ:

فتُجْمَعُ أَيْمُنٌ مِنَّا ومِنْكُم

وِاسْتَقْسَمَهُ به: أَي أَقْسَمَ به.

وفي بعضِ النسخِ: وِاسْتَقْسَمَهُ وبه، والصَّوابُ الأوَّل.

وِتَقاسَما: تَحالَفا، مِن القَسَم وهو اليَمينُ؛ ومنه قوْلُه تعالَى: {قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ}. وِتَقاسَما المالَ: اقْتَسَماهُ بَيْنَهُما.

فالاقْتِسامُ وِالتَّقاسمُ بمعْنًى واحِدٍ؛ والاسْمُ منهما: القِسْمَةُ؛ ومنه قَوْله تعالَى: {كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ}.

قالَ ابنُ عرفَةَ: هُمُ الذين تَقاسَمُوا وتَحالَفُوا على كَيْدِ الرَّسُولِ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم.

وِالقَسامَةُ: الهُدْنَةُ بَيْنَ العَدُوِّ والمُسْلمينَ، الجمع: قَساماتٌ؛ عن ابنِ الأَعْرَابيِّ.

وِالقَسامَةُ: الجَماعَةُ الذين يقسِمونَ؛ أَي يَحْلِفُونَ على الشَّي‌ءِ، وفي التهذِيبِ: على حَقِّهم، ويأْخُذونَهُ؛ وفي المُحْكَم يُقْسِمُونَ على الشي‌ءِ؛ أَو يَشْهَدونَ؛ ويَمِينُ القَسامَةِ مَنْسوبَةٌ إليهم.

وفي حدِيْثٍ: الأَيْمانُ: «تُقْسَمُ على أَوْلِياءِ الدمِ».

وقالَ أَبو زيْدٍ: جاءَتِ قَسامَةٌ للرَّجلِ، سُمِّي بالمَصْدَرِ.

وقَتَلَ فلانٌ فُلانًا بالقَسامَةِ؛ أَي باليَمِينِ.

وجاءَتْ قَسامَةٌ مِن بَنِي فلانٍ، وأَصْلُه اليَمِيْن ثم جُعِل قَوْمًا.

قالَ الأَزْهرِيُّ: تَفْسِيرُ القَساماتِ في الدمِ أَنْ يُقْتلَ رجُلٌ فلا يَشْهَدُ على قَتْلِ القاتِلِ إيَّاه بَيِّنة عادِلَة كامِلَة، فيَجِي‌ءُ أَوْلِياءُ المَقْتولِ فيَدَّعونَ قِبَل رجُلٍ أَنَّه قَتَلَه ويُدْلُونَ بلَوْثٍ مِن بَيِّنةٍ غيرِ كامِلَةٍ، وذلِكَ أن يُوجدَ المُدَّعى عليه مُتَلَطِّخًا بدمِ القَتِيلِ في الحالَةِ التي وُجِدَ فيها، أَو يَشْهدَ رجُلٌ عَدْلٌ أَو امْرأَةٌ ثِقَةٌ أنَّ فلانًا، قَتَلَه، أَو يُوجَد القَتِيلُ في دارِ القاتِلِ وقد كانَ بَيْنهما عَداوَةٌ ظاهِرَةٌ قَبْلَ ذلِكَ، فإذا قامَتْ دَلالَةٌ مِن هذه الدَّلَالاتِ سَبَق إلى قَلْبِ مَنْ سَمِعَه أنَّ دَعْوى الأَوْلِياءِ صَحِيحَةٌ، فَيُسْتَخْلَفُ أَوْلياءُ القَتِيلِ خَمْسِينَ يَمِينًا أنَّ فلانًا الذي ادَّعوا قتلَه انْفَرَدَ بقَتْلِ صاحِبِهم ما شَرَكَه في دمِهِ أَحَدٌ، فإِذا حَلَفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا اسْتَحقّوا ديَّةَ قَتِيلِهم، فإن أَبَوْ أَنْ يحْلِفُوا مع اللَّوْثِ الذي أَدْلَوا به حَلَفَ المُدَّعى عليه وبَرِئَ، وإن نَكَلَ المُدَّعى عليه عن اليَمينِ خُيِّر وَرَثَةُ القَتِيلِ بينَ قَتْلِه أَو أَخْذ الدِّيَّة مِن مالِ المُدَّعى عليه، وهذا جَمِيعُه قَوْل الشافِعِيّ.

وِالقَسامَةُ: اسْمٌ مِن الإِقْسامِ، وُضِعَ مَوْضِعَ المَصْدَرِ، ثم يقالُ للَّذِينَ يُقْسِمونَ قَسَامَة، وإن لم يكنْ لَوْثٌ مِن بَيِّنةِ حَلْف المُدَّعى عليه خَمْسِين يَمِينًا وبَرِئَ، وقيلَ: يَحْلِفُ يَمِينًا واحِدَةً.

وقالَ ابنُ الأَثيرِ: القَسامَةُ: اليَمينُ، كالقَسَمِ، وحَقِيقَتُها أَنْ يُقْسِم مِن أَوْلِياءِ الدمِ خَمْسونَ نَفَرًا على اسْتِحْقاقِهم دَمَ صاحِبِهم إذا وَجَدُوه قَتِيلًا بينَ قَوْمٍ ولم يُعْرَفْ قاتِلُه، فإنْ لم يكُونوا خَمْسِين أَقْسَمَ المَوْجودُونَ خَمْسِين يَمِينًا، ولا يكونُ فيهم صَبيٌّ ولا امْرَأَةٌ ولا عبْدٌ ولا مَجْنونٌ، وِيُقْسِم بها المُتَّهمونَ على نَفْي القَتْلِ عنهم، فإنْ حَلَفَ المُدَّعونَ اسْتحقُّوا الدِّيَّةَ، وإن حَلَفَ المُتَّهَمونَ لم يَلْزِمْهم الدِّيَّةَ.

وقد أَقْسَمَ يُقْسِم أقْسامًا وِقَسامَةً إذا حَلَفَ، وجاءَتْ على بِناءِ الغَرامَةِ والحَمالَةِ لأَنَّها تلزمُ أَهْلَ المَوْضِعِ الذي يُوجَدُ فيه القَتِيلُ.

ومنه حدِيْثُ عُمَرَ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه: «القَسامَةُ تُوجِبُ العَقْل».

وِالقَسامُ وِالقَسامَةُ: الحُسْنُ والجَمالُ.

واقْتَصَرَ الجَوْهرِيُّ على القَسامِ، وهو الاسْمُ؛ وأَمَّا القَسامَةُ فإنَّه مَصْدَرٌ.

وقد قَسُمَ ككَرُمَ؛ كالقَسَمَةِ، بكسْرِ السِّينِ وفتحِها؛ نَقَلَه ابنُ سِيْدَه.

وِهي أَيْضًا؛ أَي القَسَمَةُ: الوَجْهُ. يقالُ: كأَنَّ قَسَمَتَهُ الدِّينارُ الهِرْقليُّ؛ أَي وَجْهُهُ الحَسَنُ.

أَو ما أَقْبَلَ عليك منه، أَو ما خَرَجَ عليه مِن شَعَرِ.

ونَصُّ المُحْكَمِ: ما خَرَجَ مِن الشّعْرِ. أَو القَسَمَةُ: الأَنْفُ وناحِيَتاهُ، كذا نَصّ المُحْكَمِ؛ وفي بعضِ النسخِ: أَو ناحِيَتاه؛ أَو وَسَطُ الأَنْفِ أَو ما فَوْقَ الحاجِبِ؛ وهو قَوْلُ ابنِ الأَعْرَابيِّ؛ أَو ظاهِرُ الخَدَّيْنِ أَو ما بينَ العَيْنَيْنِ؛ وبه فَسَّرَ ابنُ الأَعْرَابيِّ قَوْلَ مُحْرزِ بنِ مُكَعْبَرٍ الضَّبِّيِّ:

كأَنَّ دَنانِيرًا على قَسِماتِهِم *** وِإنْ كان قَدْ شَفَّ الوُجُوهَ لِقاءُ

على ما في المُحْكَمِ.

أَو أَعْلَى الوَجْهِ، أَو أَعْلَى الوَجْنَةِ، أَو مَجْرَى الدَّمْعِ مِن العَيْنِ، وبه فسّرَ قَوْل الشاعِرِ أَيْضًا، على ما في المُحْكَمِ.

أَو ما بينَ الوَجْنَتَيْنِ والأَنْفِ؛ وبه فسَّرَ ابنُ الأَعْرَابيِّ قَوْل الشاعِرِ، على ما في الصِّحاحِ.

وفتْحُ السِّيْن لُغَةٌ في الكُلِّ، كذا في المُحْكَمِ.

وِالقَسِمَةُ، بكسْرِ السِّيْن: جَوْنَةُ العَطَّارِ؛ عن ابنِ الأَعْرابيِّ.

زادَ الزَّمَخْشرِيُّ: مَنْقوشَة يكونُ فيها العطْرُ؛ كالقَسِمِ بحذْفِ الهاءِ، وِالقَسِيمَةِ، كسَفِينَةٍ، وبه فسِّرَ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:

وِكأَنَّ فأْرَة تاجِرٍ بقَسِيمةٍ *** سَبَقَتْ عَوارِضَها إِليكَ مِن الفَمِ

وعلى قَوْل ابنِ الأَعْرابيِّ أَصْلُه القَسِمةُ فأَشْبَعَ الشاعِرُ ضَرُورَة.

وِهي السّوقُ أَيْضًا؛ أَي القَسِيمَةُ، وهو قَوْلُ ابنِ الأَعْرَابيِّ، ولكنَّه لم يفسِّرْ به قَوْلَ عَنْترةَ.

قالَ ابنُ سِيْدَه: وعنْدِي أنَّه يَجوزُ تَفْسِيره به.

وِالقَسُومِيَّاتُ: موضع؛ وفي المُحْكَمِ: مَواضِعُ؛ وأَنْشَدَ لزُهَيْرٍ:

ضَحَّوْا قَلِيلًا قَفا كُثْبانِ أَسْنِمةٍ *** وِمِنْهُمُ بالقَسُومِيَّاتِ مُعْتَرَكُ

وقالَ نَصْر: القَسُومِيَّاتُ: ثمدٌ فيه رَكَايا كَثيرَةٌ عَادِلات عن طريقِ فَلَجَ ذاتَ اليَمِينِ سَقاهُما عُمَرُو رَبِيبُ بنُ ثَعْلَبَةَ، وكانَ دَلِيلَ جُيوشِه.

وِالقَسامِيُّ: مَنْ يَطْوِي الثِّيابَ أَوَّلَ طَيِّها حين تَنْكَسِرَ على طَيِّهِ، نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ، وأَنْشَدَ لِرُؤْبَة:

طَيَّ القَسامِيِّ بُرودَ العَصّابْ

وِالقَسامِيُّ: الفَرَسُ الذي أَقْرَحَ من جانِبٍ وهو من جانِبٍ آخَرَ، رَباعٌ؛ نَقَلَهُ ابنُ سِيْدَه، وأَنْشَدَ للجَعْدِيِّ:

أَشَقَّ قَسامِيَّا رَباعِيَّ جانِبٍ *** وِقارِحَ جَنْبٍ سُلَّ أَقْرَحَ أَشْقَرا

وخَفَّفَ القُطامِيُّ ياءَ النِّسْبَةِ فأَخْرَجَه مُخْرجَ تِهامٍ وشآمٍ، فقالَ:

إنَّ الأُبُوَّةَ والِدَان تَراهُما *** مُتَقابلينِ قَسامِيًا وهِجانا

وِالقَسامِيُّ: فَرَسٌ معروف مَعْروفٌ كانَ لبَني جَعْدَةَ بنِ كَعْبِ ابنِ ربيعَةَ، وفيه يقولُ النابِغَةُ:

أَغَرَّ قَسامِيّ كُمَيْت مُحَجَّل *** خَلايدِه اليُمْنى فتَحْجِيلُه خَسا

كذا في كتابِ الخَيْلِ لابنِ الكَلْبي.

وِقالَ أَبو الهَيْثمِ: القَسامِيُّ الشَّي‌ءُ الذي يكونُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. وِالقَسامُ، كسَحابٍ: شِدَّةُ الحَرِّ؛ عن ابنِ خَالَوَيْه.

أَو أَوَّلُ وقْتِ الهاجِرَةِ.

قالَ الأَزْهرِيُّ: وأَنَا واقِفٌ فيه.

أَو وَقْتُ ذُرورِ الشَّمْسِ؛ وهي؛ أَي الشَّمْس، حينَئِذٍ أَحْسَنُ ما تكونُ مَرْآةً، وبكلِّ ذلِكَ فسِّرَ قَوْل النابِغَةِ الذُّبْيانيّ يَصِفُ ظَبْية:

تَسَفُّ برِيرَه وتَرُودُ فيه *** إلى دُبُر النهارِ من القَسامِ

وِالقَسامُ: فَرَسٌ لبَني جَعْدَةَ بنِ كَعْبٍ؛ وقد تَقَدَّمَ شاهِدُه قَرِيبًا.

وِقَسَام، كقَطامِ: فَرَسُ سُوَيْدِ بنِ شَدَّادٍ العَبْشَمِيِّ.

قالَ الأَزْهرِيُّ: وِالأَقاسيمُ: الحُظوظُ المَقْسومَةُ بَيْنَ العِبادِ، الواحِدَةُ أُقْسُومةٌ، كأُظْفُورٍ وأَظَافِيرٍ. وقيلَ: هو جَمْعُ الجَمْعِ، كما تَقَدَّمَ.

وِقَسامَةُ بنُ زُهَيْرٍ المازِنِيُّ؛ وِقَسامَةُ بنُ حَنْظَلَةَ الطائيُّ له وِفادَةٌ؛ صَحابِيَّانِ.

وقالَ الذَّهبيُّ: قَسامَةُ بنُ زُهَيْرٍ لعلَّه مُرْسَل لأنَّه يَرْوِي عن أَبي موسَى.

* قُلْتُ: وقد ذَكَرَه ابنُ حَبَّانٍ في ثِقاتِ التَّابِعِيْن، وقالَ: رَوَى عنه قتادَةُ والجَريريُّ، والبَصْرِيُّون.

وِسَمَّوْا قاسِمًا، كصاحِبٍ. ويقالُ فيه أَيْضًا: قاس لُغَةٌ فيه، كما تقدَّمَ في السِّيْن. وهُمْ خَمْسَةٌ صَحابِيُّونَ وهُم: القاسِمُ بنُ الرَّبيعِ أَبو العاصِ صهْرُ النبيِّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، ويقالُ: اسْمُه لَقِيطٌ.

وِالقاسِمُ ابنُ رَسُولِ اللهِ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، ذَكَرَه الزّهريُّ وغيرُهُ، وقيلَ: عاشَ جمْعَة.

وِالقاسِمُ بنُ مَخْرَمَةَ بنِ عبدِ المطَّلِبِ أَخُو قَيْسٍ والصَّلْت، ذَكَرَه ابنُ عبدِ البرِّ.

وِالقاسِمُ مَوْلَى أَبي بَكْرٍ، ذَكَرَه البَغَوِيُّ، والأَشْهَرُ فيه أَبو القاسِمِ.

وِسَمَّوْا قَسِيمًا، كأَمِيرٍ وزُبَيْرٍ منهم: قَسِيمُ مَوْلَى عبادَةُ يَرْوِي عن ابنِ عُمَرَ.

وِمِقْسَمٌ، كِنْبَرٍ: زَوْجُ بَرِيرَةَ، المَدْعُوُّ مُغِيثًا، كذا قالَ المُسْتَغْفِرِيُّ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

الانْقِسامُ مُطاوِعُ القَسَمِ.

وِالمَقْسِم، كمَجْلِسٍ: مَوْضِعُ القَسَمِ كما في الصِّحاحِ.

وقوْلُه، عزّ وجلّ: {فَالْمُقَسِّماتِ أَمْرًا} هي المَلائِكَةُ تُقَسِّمُ ما وُكِّلَتْ به.

وِاسْتَقْسَمُوا بالقِداحِ: قَسَمُوا الجَزُورَ على مِقْدارِ حُظوظِهم منها.

وِالاسْتِقْسَامُ: طَلَب القِسم الذي قُسِمَ له وقُدِّر ممَّا لم يُقْسَم ولم يُقَدَّر اسْتِفْعَالٌ مِن القسم؛ ومنه قوْلُه تعالَى: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ} وقد مَرَّ تَفْسِيرُ الأَزْلام، وقد قالَ المُؤَرِّجُ وغيرُه مِن أَهْلِ اللُّغَةِ أنَّ الأَزْلامِ قِداحُ المَيْسِر.

قالَ الأَزْهرِيُّ: وهو وَهَمٌ بل هي قِداحُ الأَمْرِ والنَّهْي.

وِالقَسَّامُ: الذي يَقْسِمُ الدُّورَ والأَرْضَ بينَ الشُّرَكاءِ فيها.

وفي المُحْكَمِ: الذي يَقْسِم الأَشْياءَ بينَ الناسِ؛ قالَ لَبيدٌ:

فارْضَوْا بما قَسَمَ المَلِيكَ فإنَّما *** قَسَمَ المَعِيشةَ بيننا قَسَّامُها

وقالَ ابنُ السّمْعانيّ: يقولُ أَهْلُ البَصْرَةِ للقَسَّام الرشك، وقد نُسِبَ هكذا جماعَةٌ منهم: عبدُ الرَّحْمن بنُ محمدِ بنِ بندارٍ المَدِينيُّ أَبو الحُسَيْن القَسَّام مِن شيوخِ أَبي بكْرِ بنِ مرْدَوَيْه؛ ويَحْيَى بنُ عبدِ اللهِ القَسَّام سَمِعَ أَحْمَدَ بن القراب الرَّازِيّ.

وفي الأَسْماءِ: عليُّ بنُ قَسَّام الوَاسِطيُّ وابْنُه هبةُ اللهِ المُقْري تلميذُ أَبي العزّ القَلانِسِيّ؛ وِقَسَّامٌ الحارِثيُّ خارِجِيٌّ خَرَجَ على الشامِ بعدَ السَّبْعِيْن وثلثمائة.

وِالقَسِيمةُ: مَصْدرُ الاقْتِسامِ.

وأَيْضًا: اليَمينُ.

وأَيْضًا: مَوْضِعٌ.

وأَيْضًا: وَقْتُ السَّحَرِ كأَنَّه يَقْسِم بينَ الليلِ والنَّهارِ، عن ابنِ خالَوَيْه؛ وهو الوَقْتُ الذي تَتَغَيَّرَ فيه الأَفْواهُ؛ وبكلٍّ مِن الثلاثَةِ فسِّرَ قَولُ عَنْتَرَةَ:

وِكأَنَّ فارَةَ تاجِرٍ بقَسِيمةٍ

وِالقِسامَةُ، بالكسْرِ: صنْعَةُ القَسَّامِ كالجِزارَة والنِشارَةِ.

ونَوًى قَسُومٌ: مُفَرَّقَةٌ مُبْعدَةٌ، أَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابيِّ:

نَأَتْ عن بَناتِ العَمِّ وانقَلَبَتْ بها *** نَوًى يَوْم سُلَّانِ البَتِيلِ قَسُوم

أَي مُقَسِّمَة للشَّمْل مُفَرِّقَة له؛ وقَوْل الشاعِرِ يَذْكر قِدْرًا:

يُقَسِّم ما فيها فإِنْ هي قَسَّمَتْ *** فَذاكَ وإِن أَكْرَتْ فعن أَهلِها تُكْري

قالَ أَبو عَمْرٍو: قَسَّمَتْ عَمَّتْ في القَسْم وأَكْرَتْ: نَقَصَتْ؛ كذا في الصِّحاحِ.

وقالَ أَبو سَعِيدٍ: تَرَكْت فُلانًا يَقْتَسِم أَي يُفَكِّر ويُرَوِّي بينَ أَمْرَيْن؛ وفي مَوْضِعٍ آخَر: تَرَكْتُ فُلانًا يَسْتَقيم بمعْناهُ، وهو مجازٌ.

وِقاسَمَهُ مُقاسَمَةً: حَلَفَ له.

وِتَقَسَّموا الشي‌ءَ: اقْتَسَموه.

وِاقْتَسَموا بالقِداحِ: قَسَمُوا الجَزُور بمِقْدارِ حُظوظِهِمْ منها.

وِالمُقَسَّمُ، كمُعَظَّمٍ: مَقامُ إِبْراهِيمَ، عليه‌السلام؛ قالَ العجَّاجُ:

وِرَبِّ هذا الأَثَرِ المُقَسَّمِ

كأَنَّه قُسِّم أَي حُسِّن. وِالمُقْسِمُ، كمُحْسِنٍ: أَرْضٌ.

وسَمّوا مُقَسِّمًا كمُحَدِّثٍ.

وِالقَسامِيُّ: الحَسَنُ، مِن القَسامَةِ؛ عن أَبي الهَيْثَمِ.

وكمِنْبَرٍ: مِقْسَمُ بنُ بجرَةَ التَّجِيبيُّ أَسْلَم معَ معاذَ باليَمنِ، ويقالُ: له صحْبَةٌ.

وِمِقْسَمُ بنُ كثيرٍ الأَصْبَحيُّ فارِسٌ؛ وقوْلُ الشاعِرِ:

أَنا القُلاخُ في بُغائي مِقْسَمًا

فهو اسْمُ غُلامٍ له كان قد فَرَّ منه، كما في الصِّحاحِ.

وضَرَبَه فقَسَمَه: قَطَعَه نِصْفَيْن.

وِقَسَمَ الأَرْضَ: قَطَعَها؛ كما في الأَساسِ.

وِقَسامَةُ: فَرَسٌ، وهي أمُّ سبل.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


46-المصباح المنير (زور)

الزُّورُ الْكَذِبُ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] وَزَوَّرَ كَلَامَهُ أَيْ زَخْرَفَهُ وَزَوَّرْتُ الْكَلَامَ فِي نَفْسِي هَيَّأْتُهُ وَازْوَرَّ عَنْ الشَّيْءِ وَتَزَاوَرَ عَنْهُ مَالَ وَالزَّوَرُ بِفَتْحَتَيْنِ الْمَيْلُ وَزَارَهُ يَزُورُهُ زِيَارَةً وَزَوْرًا قَصَدَهُ فَهُوَ زَائِرٌ وَزَوْرٌ وَقَوْمٌ زَوْرٌ وَزُوَّارٌ مِثْلُ: سَافِرٍ وَسَفْرٍ وَسُفَّارٍ وَنِسْوَةٌ زَوْرٌ أَيْضًا وَزُوَّرٌ وَزَائِرَاتٌ وَالْمَزَارُ يَكُونُ مَصْدَرًا وَمَوْضِعُ الزِّيَارَةِ وَالزِّيَارَةُ فِي الْعُرْفِ قَصْدُ الْمَزُورِ إكْرَامًا لَهُ وَاسْتِئْنَاسًا بِهِ.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


47-لسان العرب (غيب)

غيب: الغَيْبُ: الشَّكُّ، وَجَمْعُهُ غِيابٌ وغُيُوبٌ؛ قَالَ:

أَنْتَ نَبيٌّ تَعْلَمُ الغِيابا، ***لَا قَائِلًا إِفْكًا وَلَا مُرْتابا

والغَيْبُ: كلُّ مَا غَابَ عَنْكَ.

أَبو إِسحاق فِي قَوْلِهِ تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}؛ أَي يُؤْمِنُونَ بِمَا غابَ عَنْهُمْ، مِمَّا أَخبرهم بِهِ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، مِنْ أَمرِ البَعْثِ والجنةِ وَالنَّارِ.

وكلُّ مَا غابَ عَنْهُمْ مِمَّا أَنبأَهم بِهِ، فَهُوَ غَيْبٌ؛ وَقَالَ ابن الأَعرابي: يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.

قَالَ: والغَيْبُ أَيضًا مَا غابَ عَنِ العُيونِ، وإِن كَانَ مُحَصَّلًا فِي الْقُلُوبِ.

ويُقال: سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ وَرَاءِ الغَيْب أَي مِنْ مَوْضِعٍ لَا أَراه.

وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْغَيْبِ، وَهُوَ كُلُّ مَا غَابَ عَنِ الْعُيُونِ، سَوَاءٌ كَانَ مُحَصَّلًا فِي الْقُلُوبِ، أَو غَيْرَ مُحَصَّلٍ.

وغابَ عَنِّي الأَمْرُ غَيْبًا، وغِيابًا، وغَيْبَةً، وغَيْبُوبةً، وغُيُوبًا، ومَغابًا، ومَغِيبًا، وتَغَيَّب: بَطَنَ.

وغَيَّبه هُوَ، وغَيَّبه عَنْهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَمَّا هَجا حَسَّانُ قُرَيْشًا، قَالَتْ: إِن هَذَا لَشَتْمٌ مَا غابَ عَنْهُ ابنُ أَبي قُحافة»؛ أَرادوا: أَن أَبا بَكْرٍ كَانَ عَالِمًا بالأَنْساب والأَخبار، فَهُوَ الَّذِي عَلَّم حَسَّانَ؛ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسَّانَ: سَلْ أَبا بَكْرٍ عَنْ مَعايِب الْقَوْمِ؛ وَكَانَ نَسَّابةً عَلَّامة.

وَقَوْلُهُمْ: غَيَّبه غَيَابُه أَي دُفِنَ فِي قَبْرِه.

قَالَ شَمِرٌ: كلُّ مَكَانٍ لَا يُدْرَى مَا فِيهِ، فَهُوَ غَيْبٌ؛ وَكَذَلِكَ الْمَوْضِعُ الَّذِي لَا يُدْرَى مَا وَرَاءَهُ، وَجَمْعُهُ: غُيُوبٌ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

يَرْمِي الغُيُوبَ بعَيْنَيْهِ، ومَطْرِفُه ***مُغْضٍ، كَمَا كَشَفَ المُسْتَأْخِذُ الرَّمِدُ

وغابَ الرجلُ غَيْبًا ومَغِيبًا وتَغَيَّبَ: سافرَ، أَو بانَ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

وَلَا أَجْعَلُ المَعْرُوفَ حِلَّ أَلِيَّةٍ، ***وَلَا عِدَةً، فِي الناظِرِ المُتَغَيَّبِ

إِنما وَضعَ فِيهِ الشاعرُ المُتَغَيَّبَ موضعَ المُتَغَيِّبِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَكَذَا وَجَدْتُهُ بِخَطِّ الْحَامِضِ، وَالصَّحِيحُ المُتَغَيِّب، بِالْكَسْرِ.

والمُغَايَبةُ: خلافُ المُخاطَبة.

وتَغَيَّبَ عَنِّي فلانٌ.

وجاءَ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ تَغَيَّبَنِي؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:

فظَلَّ لَنَا يومٌ لَذيذٌ بنَعْمةٍ، ***فَقِلْ فِي مَقِيلٍ نَحْسُه مُتَغَيِّبُ

وَقَالَ الفراءُ: المُتَغَيِّبُ مَرْفُوعٌ، وَالشِّعْرُ مُكْفَأٌ.

وَلَا يَجُوزُ أَن يَرِدَ عَلَى المَقيلِ، كَمَا لَا يَجُوزُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ أَبوه قَائِمٍ.

وَفِي حَدِيثِ عُهْدَةِ الرَّقيقِ: «لَا داءَ»، وَلَا خُبْنَة، وَلَا تَغْييبَ.

التَّغْيِيب: أَن لَا يَبيعه ضالَّةً، وَلَا لُقَطَة.

وقومٌ غُيَّبٌ، وغُيَّابٌ، وغَيَبٌ: غائِبُون؛ الأَخيرةُ اسْمٌ لِلْجَمْعِ، وَصَحَّتِ الياءُ فِيهَا تَنْبِيهًا عَلَى أَصل غابَ.

وإِنما ثَبَتَتْ فِيهِ الْيَاءُ مَعَ التَّحْرِيكِ لأَنه شُبِّهَ بصَيَدٍ، وإِن كَانَ جَمْعًا، وصَيَدٌ: مصدرُ قولِك بعيرٌ أَصْيَدُ، لأَنه يَجُوزُ أَن تَنْوِيَ بِهِ الْمَصْدَرَ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي سَعِيدٍ: «إِن سَيِّدَ الحيِّ سَلِيمٌ، وإِن نَفَرنا غَيَبٌ»أَي رجالُنا غَائِبُونَ.

والغَيَبُ، بِالتَّحْرِيكِ: جَمْعُ غائبٍ كخادمٍ وخَدَمٍ.

وامرأَةٌ مُغِيبٌ، ومُغْيِبٌ، ومُغِيبةٌ: غابَ بَعْلُها أَو أَحدٌ مِن أَهلها؛ وَيُقَالُ: هِيَ مُغِيبةٌ، بِالْهَاءِ، ومُشْهِدٌ، بِلَا هَاءٍ.

وأَغابَتِ المرأَةُ، فَهِيَ مُغِيبٌ: غابُوا عَنْهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَمْهِلُوا حَتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وتَسْتَحِدَّ المُغِيبةُ، هِيَ الَّتِي غَابَ عَنْهَا زوجُها».

وَفِي حديثِ ابنِ عَبَّاس: أَنَّ امرأَةً مُغِيبةً أَتَتْ رَجُلًا تَشْتَري مِنْهُ شَيْئًا، فَتَعَرَّضَ لَهَا، فقالتْ لَهُ: وَيْحَكَ إِني مُغِيبٌ فتَرَكها.

وَهُمْ يَشْهَدُون أَحْيانًا، ويَتَغايَبُونَ أَحْيانًا أَي يَغِيبُون أَحْيانًا.

وَلَا يُقَالُ: يَتَغَيَّبُونَ.

وغابَتِ الشمسُ وغيرُها مِنَ النُّجوم، مَغِيبًا، وغِيابًا، وغُيوبًا، وغَيْبُوبة، وغُيُوبةً، عَنِ الهَجَري: غَرَبَتْ.

وأَغابَ القومُ: دَخَلُوا فِي المَغِيبِ.

وبَدَا غَيَّبانُ العُود إِذا بَدَتْ عُروقُه الَّتِي تَغَيَّبَتْ مِنْهُ؛ وَذَلِكَ إِذا أَصابه البُعَاقُ مِنَ المَطر، فاشْتَدَّ السيلُ فحَفَر أُصولَ الشَّجر حَتَّى ظَهَرَتْ عُروقُه، وَمَا تَغَيَّبَ مِنْهُ.

وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الْعَرَبُ تُسَمِّي مَا لَمْ تُصِبْه الشمسُ مِنَ النَّبات كُلِّه الغَيْبانَ، بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ؛ والغَيَابة: كالغَيْبانِ.

أَبو زِيَادٍ الكِلابيُّ: الغَيَّبانُ، بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ، مِنَ النَّبَاتِ مَا غَابَ عَنِ الشَّمْسِ فَلَمْ تُصِبْه؛ وَكَذَلِكَ غَيَّبانُ العُروق.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَدَا غَيْبانُ الشَّجرة، وَهِيَ عُرُوقها الَّتِي تَغَيَّبَتْ فِي الأَرض، فحَفَرْتَ عَنْهَا حَتَّى ظَهَرَتْ.

والغَيْبُ مِنَ الأَرض: مَا غَيَّبك، وَجَمْعُهُ غُيُوب؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

إِذَا كَرِهُوا الجَمِيعَ، وحَلَّ مِنْهُمْ ***أَراهطُ بالغُيُوبِ وبالتِّلاعِ

والغَيْبُ: مَا اطْمَأَنَّ مِنَ الأَرض، وَجَمْعُهُ غُيوب.

قَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ بَقَرَةَ، أَكل السبعُ وَلَدَهَا فأَقبلت تَطُوف خَلْفَهُ:

وتَسَمَّعَتْ رِزَّ الأَنيسِ، فَراعَها ***عَنْ ظهرِ غَيْبٍ، والأَنِيسُ سَقامُها

تَسَمَّعَتْ رِزَّ الأَنيسِ أَي صوتَ الصَّيَّادِينَ، فَرَاعَهَا أَي أَفزعها.

وَقَوْلُهُ: والأَنيسُ سَقامُها أَي أَنَّ الصَّيَّادِينَ يَصِيدُونها، فَهُمْ سَقامُها.

ووقَعْنا فِي غَيْبة مِنَ الأَرض أَي فِي هَبْطةٍ، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

ووَقَعُوا فِي غَيابةٍ مِنَ الأَرض أَي فِي مُنْهَبِط مِنْهَا.

وغَيابةُ كلِّ شَيْءٍ: قَعْرُه، مِنْهُ، كالجُبِّ وَالْوَادِي وَغَيْرِهِمَا؛ تَقُولُ: وَقَعْنا فِي غَيْبةٍ وغَيابةٍ أَي هَبْطة مِنَ الأَرض؛ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فِي غَياباتِ الجُبِّ}.

وغابَ الشيءُ فِي الشيءِ غِيابةً، وغُيُوبًا، وغَيابًا، وغِيابًا، وغَيْبةً، وَفِي حرفِ أُبَيٍّ، فِي غَيْبةِ الجُبِّ.

والغَيْبَةُ: مِنَ الغَيْبُوبةِ.

والغِيبةُ: مِنَ الاغْتِيابِ.

واغْتابَ الرجلُ صاحبَه اغْتِيابًا إِذا وَقَع فِيهِ، وَهُوَ أَن يَتَكَلَّمَ خَلْفَ إِنْسَانٍ مَسْتُورٍ بِسُوءٍ، أَو بِمَا يَغُمُّه لَوْ سَمِعَهُ وإِن كَانَ فِيهِ، فإِن كَانَ صِدْقًا، فَهُوَ غِيبةٌ؛ وإِن كَانَ كَذِبًا، فَهُوَ البَهْتُ والبُهْتانُ؛ كَذَلِكَ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلا مِنْ وَرَائِهِ، وَالِاسْمُ: الغِيبةُ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}؛ أَي لَا يَتَناوَلْ رَجُلًا بظَهْرِ الغَيْبِ بِمَا يَسُوءُه مِمَّا هُوَ فِيهِ.

وإِذا تَنَاوَلَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ بَهْتٌ وبُهْتانٌ.

وَجَاءَ المَغْيَبانُ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ورُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنه سَمِعَ: غَابَهُ يَغِيبُهُ إِذا عَابَهُ، وذكَر مِنْهُ مَا يَسُوءُه.

ابْنُ الأَعرابي: غابَ إِذا اغْتَابَ.

وغابَ إِذا ذَكَرَ إِنسانًا بخيرٍ أَو شَرٍّ؛ والغِيبَةُ: فِعْلَةٌ مِنْهُ، تَكُونُ حَسَنةً وقَبِيحةً.

وغائِبُ الرجلِ: مَا غابَ مِنْهُ، اسْمٌ، كالكاهِل وَالْجَامِلِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

ويُخْبِرُني، عَنْ غَائبِ المَرْءِ، هَدْيُه، ***كفَى الهَدْيُ، عَمَّا غَيَّبَ المَرْءُ، مُخبرا

والغَيْبُ: شحمُ ثَرْبِ الشَّاةِ.

وَشَاةٌ ذاتُ غَيْبٍ أَي ذاتُ شَحْمٍ لتَغَيُّبه عَنِ الْعَيْنِ؛ وَقَوْلُ ابْنِ الرِّقَاعِ يَصِفُ فَرَسًا:

وتَرَى لغَرِّ نَساهُ غَيْبًا غامِضًا، ***قَلِقَ الخَصِيلَةِ، مِن فُوَيْقِ الْمِفْصَلِ

قَوْلُهُ: غَيْبًا، يَعْنِي انْفَلَقَتْ فَخِذَاه بِلَحْمَتَيْنِ عِنْدَ سِمَنِه، فَجَرَى النَّسا بَيْنَهُمَا واسْتَبان.

والخَصِيلَةُ: كُلُّ لَحْمة فِيهَا عَصَبة.

والغَرُّ: تَكَسُّر الجِلْد وتَغَضُّنُه.

وَسُئِلَ رَجُلٌ عَنْ ضُمْرِ الفَرس، قال: إِذا بُلَّ فَريرهُ، وتَفَلَّقَتْ غُرورُه، وَبَدَا حَصِيرُه، واسْتَرْخَتْ شاكِلَتُه.

وَالشَّاكِلَةُ: الطِّفْطِفَةُ.

وَالْفَرِيرُ: موضعُ المَجَسَّة مِنْ مَعْرَفَتِه.

والحَصِيرُ: العَقَبة الَّتِي تَبْدُو فِي الجَنْبِ، بَيْنَ الصِّفاقِ ومَقَطِّ الأَضْلاع.

الهَوَازنيُّ: الْغَابَةُ الوَطَاءَةُ مِنَ الأَرض الَّتِي دُونَهَا شُرْفَةٌ، وَهِيَ الوَهْدَة.

وَقَالَ أَبو جَابِرٍ الأَسَدِيُّ: الغابَةُ الجمعُ مِنَ الناسِ؛ قَالَ وأَنشدني الهَوَازِنيُّ:

إِذا نَصَبُوا رِماحَهُمُ بِغَابٍ، ***حَسِبْتَ رِماحَهُمْ سَبَلَ الغَوادي

وَالْغَابَةُ: الأَجَمَةُ الَّتِي طالتْ، وَلَهَا أَطْراف مُرْتَفِعَةٌ باسِقَة؛ يُقَالُ: ليثُ غابةٍ.

والغابُ: الْآجَامُ، وَهُوَ مِنَ الْيَاءِ.

والغابةُ: الأَجَمة؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الغابةُ أَجَمة القَصَب، قَالَ: وَقَدْ جُعِلَتْ جماعةَ الشَّجَرِ، لأَنه مأْخوذ مِنَ الغَيابةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ مِنْبَر سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ أَثْلِ الغابةِ»؛ وَفِي رِوَايَةٍ:

مِنْ طَرْفاءِ الْغَابَةِ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: الأَثْلُ شَجَرٌ شبيهٌ بالطَّرْفاءِ، إِلَّا أَنه أَعظم مِنْهُ؛ والغابةُ: غَيْضَةٌ ذَاتُ شَجَرٍ كَثِيرٍ، وَهِيَ عَلَى تسعةِ أَميال مِنَ الْمَدِينَةِ؛ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: هِيَ موضعٌ قريبٌ مِن الْمَدِينَةِ، مِن عَواليها، وَبِهَا أَموال لأَهلها.

قَالَ: وَهُوَ المذكور في حديث فِي حَدِيثِ السِّباق، وَفِي حَدِيثِ تَرِكَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَالْغَابَةُ: الأَجمة ذاتُ الشَّجَرِ المُتَكاثف، لأَنها تُغَيِّبُ مَا فِيهَا.

والغابةُ مِنَ الرِّماحِ: مَا طَالَ مِنْهَا، وَكَانَ لَهَا أَطراف تُرى كأَطراف الأَجَمة؛ وَقِيلَ: هِيَ المُضْطَرِبةُ مِنَ الرماحِ فِي الرِّيحِ؛ وَقِيلَ: هِيَ الرماحُ إِذا اجْتَمَعَتْ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْغَابَةِ الَّتِي هِيَ الأَجمة؛ والجمعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ: غاباتٌ وغابٌ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وجهَه: «كلَيْثِ غاباتٍ شديدِ القَسْوَرَهْ».

أَضافه إِلى الْغَابَاتِ لشدّتِه وَقُوَّتِهِ، وأَنه يَحْمِي غاباتٍ شَتَّى.

وغابةُ: اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْحِجَازِ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


48-لسان العرب (شهد)

شهد: مِنْ أَسماء اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الشَّهِيدُ}.

قَالَ أَبو إِسحق: الشَّهِيدُ مِنْ أَسماء اللَّهِ الأَمين فِي شَهَادَتِهِ.

قَالَ: وَقِيلَ الشهيدُ الَّذِي لَا يَغيب عَنْ عِلْمه شَيْءٌ.

والشهيد:

الْحَاضِرُ.

وفَعِيلٌ مِنْ أَبنية الْمُبَالِغَةِ فِي فَاعِلٍ فإِذا اعْتُبِرَ العِلم مُطْلَقًا، فَهُوَ العليم، وإِذا أُضيف في الأُمور الْبَاطِنَةِ، فَهُوَ الْخَبِيرُ، وإِذا أُضيف إِلى الأُمور الظَّاهِرَةِ، فَهُوَ الشَّهِيدُ، وَقَدْ يُعْتَبَرُ مَعَ هَذَا أَن يَشْهَدَ عَلَى الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

ابْنُ سِيدَهْ: الشَّاهِدُ العالم الذي يُبَيِّنُ ما عَلِمَهُ، شَهِدَ شَهَادَةً؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ}؛ أَي الشهادةُ بَيْنَكُمْ شهادَةُ اثْنَيْنِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وأَقام الْمُضَافَ إِليه مَقَامَهُ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِن شِئْتَ رَفَعْتَ اثْنَيْنِ بِحِينَ الْوَصِيَّةِ أَي لِيَشْهَدْ مِنْكُمُ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ أَو آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ دِينِكُمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، هَذَا لِلسَّفَرِ وَالضَّرُورَةِ إِذ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ إِلا فِي هَذَا.

وَرَجُلٌ شاهِدٌ، وَكَذَلِكَ الأُنثى لأَنَّ أَعْرَفَ ذَلِكَ إِنما هُوَ فِي الْمُذَكَّرِ، وَالْجَمْعُ أَشْهاد وشُهود، وشَهيدٌ وَالْجَمْعُ شُهَداء.

والشَّهْدُ: اسْمٌ لِلْجَمْعِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَقَالَ الأَخفش: هُوَ جَمْعٌ.

وأَشْهَدْتُهُم عَلَيْهِ.

واسْتَشْهَدَه: سأَله الشَّهَادَةَ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ}.

والشَّهادَة خَبرٌ قاطعٌ تقولُ مِنْهُ: شَهِدَ الرجلُ عَلَى كَذَا، وَرُبَّمَا قَالُوا شَهْدَ الرجلُ، بِسُكُونِ الْهَاءِ لِلتَّخْفِيفِ؛ عَنِ الأَخفش.

وَقَوْلُهُمُ: اشْهَدْ بِكَذَا أَي احْلِف.

والتَّشَهُّد فِي الصَّلَاةِ: مَعْرُوفٌ؛ ابْنُ سِيدَهْ: والتَّشَهُّد قراءَة التحياتُ للهِ واشتقاقه من [أَشهد أَن لَا إِله إِلا اللَّهُ وأَشهد أَن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ] وَهُوَ تَفَعُّلٌ مِنَ الشَّهَادَةِ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «كَانَ يُعَلِّمُنا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ»؛ يُرِيدُ تَشَهُّدَ الصَّلَاةِ التحياتُ.

وَقَالَ أَبو بَكْرِ بْنُ الأَنباري فِي قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ أَشهد أَن لَا إِله إِلا اللَّهُ: أَعْلَمُ أَن لَا إِله إِلا اللَّهُ وأُبَيِّنُ أَن لَا إِله إِلا اللَّهُ.

قَالَ: وَقَوْلُهُ أَشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَعلم وأُبيِّن أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهُ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ}؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: مَعْنَى شَهِدَ اللَّهُ قَضَى اللَّهُ أَنه لَا إِله إِلا هُوَ، وَحَقِيقَتُهُ عَلِمَ اللهُ وبَيَّنَ اللهُ لأَن الشَّاهِدَ هُوَ الْعَالِمُ الَّذِي يُبَيِّنَ مَا عَلِمَهُ، فَاللَّهُ قَدْ دَلَّ عَلَى تَوْحِيدِهِ بِجَمِيعِ مَا خَلَق، فبيَّن أَنه لَا يَقْدِرُ أَحد أَن يُنْشِئَ شَيْئًا وَاحِدًا مِمَّا أَنشأَ، وشَهِدَتِ الملائكةُ لِما عَايَنَتْ مِنْ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ، وشَهِدَ أُولو الْعِلْمِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ وتَبَيَّنَ مِنْ خَلْقِهِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.

وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: شَهِدَ اللَّهُ، بيَّن اللَّهُ وأَظهر.

وشَهِدَ الشاهِدُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَي بَيَّنَ مَا يَعْلَمُهُ وأَظهره، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ؛ وَذَلِكَ أَنهم يُؤْمِنُونَ بأَنبياءٍ شعَروا بمحمد وحَثُّوا عَلَى اتِّبَاعِهِ، ثُمَّ خالَفوهم فَكَذَّبُوه، فَبَيَّنُوا بِذَلِكَ الْكُفْرَ عَلَى أَنفسهم وإِن لَمْ يَقُولُوا نَحْنُ كُفَّارٌ؛ وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفسهم بِالْكُفْرِ مَعْنَاهُ: أَن كُلَّ فِرْقة تُنسب إِلى دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ سِوَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ فإِنهم كَانُوا لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ هَذَا الِاسْمِ، فَقَبُولهم إِياه شَهادَتهم عَلَى أَنفسهم بِالشِّرْكِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَتِهِمْ: لبَّيْكَ لَا شَريكَ لَكَ إِلَّا شريكٌ هُوَ لكَ تَمْلِكُه وَمَا مَلَكَ.

وسأَل الْمُنْذِرِيُّ أَحمدَ بْنُ يَحْيَى عَنِ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ}، فَقَالَ: كُلُّ مَا كَانَ شَهِدَ اللَّهُ فإِنه بِمَعْنَى عَلِمَ اللَّهُ.

قَالَ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: مَعْنَاهُ قَالَ اللَّهُ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ عَلِمَ اللَّهُ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ كَتَبَ اللَّهُ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: مَعْنَاهُ بيَّن اللَّهُ أَن لَا إِله إِلا هُوَ.

وشَهِدَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ بِحَقٍّ، فَهُوَ شَاهِدٌ وَشَهِيدٌ.

واسْتُشْهِدَ فُلَانٌ، فَهُوَ شَهِيدٌ.

والمُشاهَدَةُ: الْمُعَايَنَةُ.

وشَهِدَه شُهودًا أَي حَضَره، فَهُوَ شاهدٌ.

وقَوْم شُهُود أَي حُضور، وَهُوَ فِي الأَصل مَصْدَرٌ، وشُهَّدٌ أَيضًا مِثْلُ راكِع ورُكّع.

وشَهِدَ لَهُبِكَذَا شَهادةً أَي أَدّى مَا عِنْدَهُ مِنَ الشَّهادة، فَهُوَ شاهِد، وَالْجَمْعُ شَهْدٌ مِثْلُ صاحِب وصَحْب وَسَافِرٍ وسَفْرٍ، وَبَعْضُهُمْ يُنْكره، وَجَمْعُ الشَّهْدِ شُهود وأَشْهاد.

والشَّهِيدُ: الشَّاهِدُ، وَالْجَمْعُ الشُّهَداء.

وأَشْهَدْتُه عَلَى كَذَا فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَي صَارَ شَاهِدًا عَلَيْهِ.

وأَشْهَدْتُ الرَّجُلَ عَلَى إِقرار الْغَرِيمِ واسْتَشْهَدتُه بِمَعْنًى؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ}؛ أَي أَشْهِدُوا شاهِدَيْن.

يُقَالُ لِلشَّاهِدِ: شَهيد ويُجمع شُهَداءَ.

وأَشْهَدَني إِمْلاكَه: أَحْضَرني.

واسْتَشْهَدْتُ فُلَانًا عَلَى فُلَانٍ إِذا سأَلته إِقامة شَهَادَةٍ احْتَمَلَهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «خَيْرُ الشُّهَداءِ الَّذِي يأْتي بِشهَادَتِه قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَها»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الَّذِي لَا يَعْلَمُ صاحبُ الْحَقِّ أَنَّ لَهُ مَعَهُ شَهادةً؛ وَقِيلَ: هِيَ فِي الأَمانة والوَديعَة وَمَا لَا يَعْلَمُه غَيْرُهُ؛ وَقِيلَ: هُوَ مثَلٌ فِي سُرْعَةِ إِجابة الشَّاهِدِ إِذا اسْتُشْهِدَ أَن لَا يُؤَخِّرَها ويَمْنَعَها؛ وأَصل الشَّهَادَةِ: الإِخْبار بِمَا شاهَدَه.

وَمِنْهُ: يأْتي قَوْمٌ يَشْهَدون وَلَا يُسْتَشْهَدون، هَذَا عَامٌّ فِي الَّذِي يُؤدّي الشهادَةَ قَبْلَ أَن يَطْلُبها صاحبُ الْحَقِّ مِنْهُ وَلَا تُقبل شهادَتُه وَلَا يُعْمَلُ بِهَا، وَالَّذِي قَبْلَهُ خَاصٌّ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ هُمُ الَّذِينَ يَشْهَدون بِالْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يَحْمِلُوا الشهادَةَ عَلَيْهِ وَلَا كَانَتْ عِنْدَهُمْ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «اللّعَّانون لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ»أَي لَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُمْ؛ وَقِيلَ: لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الأُمم الْخَالِيَةِ.

وَفِي حَدِيثِ اللُّقَطَةِ: «فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْل»؛ الأَمْرُ بِالشَّهَادَةِ أَمْرُ تأْديب وإِرْشادٍ لِمَا يُخافُ مِنْ تسويلِ النَّفْسِ وانْبِعاثِ الرَّغْبة فِيهَا، فَيَدْعُوهُ إِلى الخِيانة بَعْدَ الأَمانة، وربما نزله بِهِ حادِثُ الْمَوْتِ فَادَّعَاهَا ورثَتُه وَجَعَلُوهَا فِي جُمْلَةِ تَرِكَتِه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «شَاهِدَاكَ أَو يَمِينُه»؛ ارْتَفَعَ شَاهِدَاكَ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ مَعْنَاهُ مَا قَالَ شاهِداكَ؛ وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنَّ الشَّهادةَ ليَشْهَدونَ بِكَذَا أَي أَهلَ الشَّهادَة، كَمَا يُقَالُ: إِن الْمَجْلِسَ لَيَشْهَدُ بِكَذَا أَي أَهلَ الْمَجْلِسِ.

ابْنُ بُزُرج: شَهِدْتُ عَلَى شَهادَة سَوْءٍ؛ يُرِيدُ شُهَداءَ سَوْءٍ.

وكُلًّا تَكُونُ الشَّهادَة كَلامًا يُؤَدَّى وَقَوْمًا يَشْهَدُون.

والشاهِدُ والشَّهيد: الْحَاضِرُ، وَالْجَمْعُ شُهَداء وشُهَّدٌ وأَشْهادٌ وشُهودٌ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:

كأَني، وإِن كانَتْ شُهودًا عَشِيرَتي، ***إِذا غِبْتَ عَنّي يَا عُثَيْمُ، غَريبُ

أَي إِذا غِبْتَ عَنِّي فإِني لَا أُكلِّم عَشِيرَتِي وَلَا آنَسُ بِهِمْ حَتَّى كأَني غَرِيبٌ.

اللَّيْثُ: لُغَةُ تَمِيمٍ شِهيد، بِكَسْرِ الشِّينِ، يَكْسِرُونَ فِعِيلًا فِي كُلِّ شَيْءٍ كَانَ ثَانِيهِ أَحد حُرُوفِ الْحَلْقِ، وَكَذَلِكَ سُفْلى مُضَر يَقُولُونَ فِعِيلًا، قَالَ: وَلُغَةٌ شَنْعاءُ يَكْسِرُونَ كُلَّ فِعِيل، وَالنَّصْبُ اللُّغَةُ الْعَالِيَةُ.

وشَهِدَ الأَمرَ والمِصْرَ شَهادَةً، فَهُوَ شاهدٌ، مِنْ قوْم شُهَّد، حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}، أَي مَحْضُورٌ يَحضُره أَهل السماءِ والأَرض.

وَمِثْلُهُ: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُودًا؛ يَعْنِي صَلَاةَ الْفَجْرِ يَحْضُرها مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}؛ أَي أَحْضَرَ سَمْعَهُ وقلبُهُ شاهدٌ لِذَلِكَ غَيْرُ غَائِبٍ عَنْهُ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وشَهِيدُكَ عَلَى أُمَّتِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؛ أي شاهِدُك.

وَفِي الْحَدِيثِ: «سيدُ الأَيام يَوْمُ الْجُمُعَةِ هُوَ شَاهِدٌ» أَي يَشْهَدُ لِمَنْ حضر صلاتَه.

وقوله: فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ؛ الشَّهَادَةُ مَعْنَاهَا الْيَمِينُ هَاهُنَا.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِدًا}؛ أَي عَلَى أُمتك بالإِبْلاغ وَالرِّسَالَةِ، وَقِيلَ: مُبَيِّنًا.

وَقَوْلُهُ: وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا؛ أَي اخْتَرْنا مِنْهَا نَبِيًّا، وكلُّ نَبِيٍّ شَهِيدُ أُمَّتِه.

وَقَوْلُهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {تَبْغُونَها عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَداءُ}؛ أَيْ أَنتم تَشْهَدُونَ وَتَعْلَمُونَ أَن نبوة مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ لأَن اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ بَيَّنَهُ فِي كِتَابِكُمْ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ}؛ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، والأَشهادُ: جَمْعُ شَاهِدٍ مِثْلُ نَاصِرٍ وأَنصار وَصَاحِبٍ وأَصحاب، وَقِيلَ: إِن الأَشْهاد هُمُ الأَنبياءُ وَالْمُؤْمِنُونَ يَشْهدُون عَلَى الْمُكَذِّبِينَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ"""" أَي حافظٌ مَلَكٌ.

وَرَوَى شمِر فِي حَدِيثِ أَبي أَيوب الأَنصاري: «أَنه ذكَرَ صَلَاةَ الْعَصْرِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا صَلاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يُرى الشَّاهِدُ قَالَ: قُلْنَا لأَبي أَيوب: مَا الشَّاهِدُ؟ قَالَ: النَّجمُ كأَنه يَشْهَدُ فِي اللَّيْلِ»أَي يحْضُرُ ويَظْهَر.

وصلاةُ الشاهِدِ: صلاةُ الْمَغْرِبِ، وَهُوَ اسْمُهَا؛ قَالَ شَمِرٌ: هُوَ رَاجِعٌ إِلى مَا فَسَّرَهُ أَبو أَيوب أَنه النَّجْمُ؛ قَالَ غَيْرُهُ: وَتُسَمَّى هَذِهِ الصلاةُ صلاةَ البَصَرِ لأَنه تُبْصَرُ فِي وَقْتِهِ نُجُومُ السَّمَاءِ فالبَصَرُ يُدْرِكُ رؤْيةَ النَّجْمِ؛ وَلِذَلِكَ قِيلَ لَهُ صلاةُ الْبَصَرِ، وَقِيلَ فِي صلاةِ الشَّاهِدِ: إِنها صلاةُ الْفَجْرِ لأَنَّ الْمُسَافِرَ يُصَلِّيهَا كَالشَّاهِدِ لَا يَقْصُرُ مِنْهَا؛ قَالَ:

فَصَبَّحَتْ قبلَ أَذانِ الأَوَّلِ ***تَيْماء، والصُّبْحُ كَسَيْفِ الصَّيْقَل،

قَبْلَ صلاةِ الشاهِدِ المُسْتَعْجل وَرُوِيَ عَنْ أَبي سَعِيدٍ الضَّرِيرِ أَنه قَالَ: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ تُسَمَّى شَاهِدًا

لاستواءِ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ فِيهَا وأَنها لَا تُقْصَر؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والقَوْلُ الأَوَّل، لأَن صَلَاةَ الْفَجْرِ لَا تُقْصَر أَيضًا وَيَسْتَوِي فِيهَا الْحَاضِرُ وَالْمُسَافِرُ وَلَمْ تُسَمَّ شَاهِدًا.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}؛ مَعْنَاهُ مَنْ شَهِد مِنْكُمُ المِصْرَ فِي الشَّهْرِ لَا يَكُونُ إِلا ذَلِكَ لأَن الشَّهْرَ يَشْهَدُهُ كلُّ حَيٍّ فِيهِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: نَصَبَ الشَّهْرَ بِنَزْعِ الصِّفَةِ وَلَمْ يَنْصِبْهُ بِوُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ؛ الْمَعْنَى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ فِي الشَّهْرِ أَي كَانَ حَاضِرًا غَيْرَ غَائِبٍ فِي سَفَرِهِ.

وشاهَدَ الأَمرَ والمِصر: كَشهِدَه.

وامرأَة مُشْهِدٌ: حَاضِرَةُ الْبَعْلِ، بِغَيْرِ هاءٍ.

وامرأَة مُغِيبَة: غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا.

وَهَذِهِ بالهاءِ، هَكَذَا حُفِظَ عَنِ الْعَرَبِ لَا عَلَى مَذْهَبِ الْقِيَاسِ.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «قَالَتْ لامرأَة عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُون وَقَدْ تَرَكَت الْخِضَابَ والطِّيبَ: أَمُشْهِدٌ أَم مُغِيبٌ؟ قَالَتْ: مُشْهِدٌ كَمُغِيبٍ»؛ يُقَالُ: امرأَة مُشْهِدٌ إِذا كَانَ زَوْجُهَا حَاضِرًا عِنْدَهَا، ومُغِيبٌ إِذا كَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا عَنْهَا.

وَيُقَالُ فِيهِ: مُغِيبَة وَلَا يُقَالُ مُشْهِدَةٌ؛ أَرادت أَن زَوْجَهَا حَاضِرٌ لَكِنَّهُ لَا يَقْرَبُها فَهُوَ كَالْغَائِبِ عَنْهَا.

وَالشَّهَادَةُ والمَشْهَدُ: المَجْمَعُ مِنَ النَّاسِ.

والمَشْهَد: مَحْضَرُ النَّاسِ.

ومَشاهِدُ مَكَّةَ: المَواطِنُ الَّتِي يَجْتَمِعُونَ بِهَا، مِنْ هَذَا.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}؛ الشاهِدُ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمَشْهودُ: يومُ الْقِيَامَةِ.

وَقَالَ الفراءُ: الشاهِدُ يومُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عرفةَ لأَن النَّاسَ يَشْهَدونه ويَحْضُرونه وَيَجْتَمِعُونَ فِيهِ.

قَالَ: وَيُقَالُ أَيضًا: الشَّاهِدُ يومُ الْقِيَامَةِ فكأَنه قَالَ: واليَوْمِ الموعودِ وَالشَّاهِدِ، فَجَعَلَ الشَّاهِدَ مِنْ صِلَةِ الْمَوْعُودِ يَتْبَعُهُ فِي خَفْضِهِ.

وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ: «فإِنها مَشْهودة مَكْتُوبَةٌ»؛ أي تَشْهَدُها الْمَلَائِكَةُ وتَكتُبُ أَجرها لِلْمُصَلِّي.

وَفِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْفَجْرِ: «فإِنها مَشْهودة مَحْضورة يَحْضُرها مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ»، هَذِهِ صاعِدةٌ وَهَذِهِ نازِلَةٌ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والشاهِدُ مِنَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ؛ لَمْ يُفَسِّرْهُ كُرَاعٌ بأَكثر من هذا.

والشَّهِيدُ: المقْتول فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْجَمْعُ شُهَداء.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَرواحُ الشهَداءِ فِي حَواصِل طَيْرٍ خُضْرٍ تَعْلُقُ مِنْ وَرَق الْجَنَّةِ»، وَالِاسْمُ الشَّهَادَةُ.

واسْتُشْهِدَ: قُتِلَ شهِيدًا.

وتَشَهَّدَ: طَلَبَ الشَّهَادَةَ.

والشَّهِيدُ: الحيُّ؛ عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ فِي تَفْسِيرِ الشَّهِيدِ الَّذِي يُسْتَشْهَدُ: الْحَيُّ أَي هُوَ عِنْدَ رَبِّهِ حَيٌّ.

ذَكَرَهُ أَبو دَاوُدَ أَنه سأَل النَّضْرَ عَنِ الشَّهِيدِ فُلَانٌ شَهِيد يُقال: فُلَانٌ حَيٌّ أَي هُوَ عِنْدَ رَبِّهِ حَيٌّ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أُراه تأَول قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتًا بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ}؛ كأَنَّ أَرواحهم أُحْضِرَتْ دارَ السَّلَامِ أَحياءً، وأَرواح غَيْرِهِم أُخِّرَتْ إِلى الْبَعْثِ؛ قَالَ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ.

وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: سُمِّيَ الشَّهِيدُ شَهِيدًا لأَن اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ شُهودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ؛ وَقِيلَ: سُمُّوا شُهَدَاءَ لأَنهم مِمَّنْ يُسْتَشْهَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الأُمم الْخَالِيَةِ.

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}؛ وَقَالَ أَبو إِسحاق الزَّجَّاجُ: جاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَن أُمم الأَنبياء تُكَذِّبُ فِي الْآخِرَةِ مَنْ أُرْسِلَ إِليهم فَيَجْحَدُونَ أَنبياءَهم، هَذَا فِيمَنْ جَحَدَ فِي الدُّنْيَا مِنْهُمْ أَمْرَ الرُّسُلِ، فتشهَدُ أُمة مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِدْقِ الأَنبياء وَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِتَكْذِيبِهِمْ، ويَشْهَدُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَذِهِ بِصِدْقِهِمْ.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالشَّهَادَةُ تَكُونُ للأَفضل فالأَفضل مِنَ الأُمة، فأَفضلهم مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مُيِّزوا عَنِ الخَلْقِ بالفَضْلِ وبيَّن اللَّهُ أَنهم أَحياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزقون فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ؛ ثُمَّ يَتْلُوهُمْ فِي الْفَضْلِ مَنْ عَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا فإِنه قَالَ:

المَبْطُونُ شَهيد، والمَطْعُون شَهِيد.

قَالَ: وَمِنْهُمْ أَن تَمُوتَ المرأَةُ بِجُمْع.

وَدَلَّ خَبَرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ مُنْكَرًا وأَقام حَقًّا وَلَمْ يَخَفْ فِي اللَّهِ لَومَة لَائِمٍ أَنه فِي جُمْلَةِ الشُّهَدَاءِ، لِقَوْلِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا لَكَمَ إِذا رأَيتم الرَّجُلَ يَخْرِقُ أَعْراضَ النَّاسِ أَن لَا تَعْزِمُوا عَلَيْهِ؟ قَالُوا: نَخافُ لِسَانَهُ، فَقَالَ: ذَلِكَ أَحْرَى أَن لَا تَكُونُوا شُهَدَاءَ.

قَالَ الأَزهري: مَعْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعلم، أَنَّكم إِذا لَمْ تَعْزِموا وتُقَبِّحوا عَلَى مَنْ يَقْرِضُ أَعْراضَ الْمُسْلِمِينَ مَخَافَةَ لِسَانِهِ، لَمْ تَكُونُوا فِي جُمْلَةِ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ يُسْتَشهَدُون يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الأُمم الَّتِي كَذَّبَتْ أَنبياءَها فِي الدُّنْيَا.

الْكِسَائِيُّ: أُشْهِدَ الرجلُ إِذا استُشهد فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُوَ مُشْهَدٌ، بِفَتْحِ الهاءِ؛ وأَنشد:

أَنا أَقولُ سَأَموتُ مُشْهَدًا وَفِي الْحَدِيثِ: «المبْطُونُ شَهِيدٌ والغَريقُ شَهيدٌ»؛ قَالَ: الشهيدُ فِي الأَصل مَنْ قُتِلَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ فأُطلق عَلَى مَنْ سَمَّاهُ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، مِنَ المَبْطُون والغَرِق والحَرِق وَصَاحِبِ الهَدْمِ وَذَاتِ الجَنْب وغيرِهم، وسُمِّيَ شَهيدًا لأَن مَلَائِكَتَهُ شُهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ؛ وَقِيلَ: لأَنه حَيُّ لَمْ يَمُتْ كأَنه شَاهِدٌ أَي حَاضِرٌ، وَقِيلَ: لأَن مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ تَشْهَدُه، وَقِيلَ: لِقِيَامِهِ بشهادَة الْحَقِّ فِي أَمْرِ اللَّهِ حَتَّى قُتِلَ، وقيل: لأَنه يَشْهَدُمَا أَعدّ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ بِالْقَتْلِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، فَهُوَ فَعيل بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَبِمَعْنَى مَفْعُولٍ عَلَى اخْتِلَافِ التأْويل.

والشَّهْدُ والشُّهْد: العَسَل مَا دَامَ لَمْ يُعْصَرْ مِنْ شمَعِه، وَاحِدَتُهُ شَهْدَة وشُهْدَة ويُكَسَّر عَلَى الشِّهادِ؛ قَالَ أُمية:

إِلى رُدُحٍ، مِنَ الشِّيزى، مِلاءٍ ***لُبابَ البُرِّ، يُلْبَكُ بالشِّهادِ

أَي مِنْ لُبَابِ الْبِرِّ يَعْنِي الفالوذَق.

وَقِيلَ: الشَّهْدُ والشُّهْدُ والشَّهْدَة والشُّهْدَة العَسَلُ مَا كَانَ.

وأَشْهَدَ الرجُل: بَلَغَ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ.

وأَشْهَدَ: اشْقَرَّ واخْضَرَّ مِئْزَرُه.

وأَشْهَدَ: أَمْذَى، والمَذْيُ: عُسَيْلَةٌ.

أَبو عَمْرٍو: أَشْهَدَ الْغُلَامُ إِذا أَمْذَى وأَدرَك.

وأَشْهَدت الجاريةُ إِذا حَاضَتْ وأَدْركتْ؛ وأَنشد:

قامَتْ تُناجِي عامِرًا فأَشْهَدا، ***فَداسَها لَيْلَتَه حَتَّى اغْتَدَى

والشَّاهِدُ: الَّذِي يَخْرُجُ مَعَ الْوَلَدِ كأَنه مُخاط؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والشُّهودُ مَا يخرجُ عَلَى رأْس الْوَلَدِ، واحِدُها شَاهِدٌ؛ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ الْهِلَالِيُّ:

فجاءَتْ بِمثْلِ السَّابِرِيِّ، تَعَجَّبوا ***لَهُ، والثَّرى مَا جَفَّ عَنْهُ شُهودُها

وَنَسَبَهُ أَبو عُبَيْدٍ إِلى الهُذَلي وَهُوَ تَصْحِيفٌ.

وَقِيلَ: الشُّهودُ الأَغراس الَّتِي تَكُونُ عَلَى رأْس الحُوار.

وشُهودُ النَّاقَةِ: آثَارُ مَوْضِعِ مَنْتَجِها مِنْ سَلًى أَو دَمٍ.

والشَّاهِدُ: اللِّسَانُ مِنْ قَوْلِهِمْ: لِفُلَانٍ شَاهِدٌ حَسَنٌ أَي عِبَارَةٌ جَمِيلَةٌ.

وَالشَّاهِدُ: المَلَك؛ قَالَ الأَعشى:

فَلَا تَحْسَبَنِّي كافِرًا لَكَ نَعْمَةً ***عَلَى شاهِدي، يَا شاهِدَ اللهِ فاشْهَدِ

وَقَالَ أَبو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِمْ مَا لِفُلَانٍ رُواءٌ وَلَا شاهِدٌ: مَعْنَاهُ مَا لَهُ مَنْظَرٌ وَلَا لِسَانٌ، والرُّواءُ المَنظَر، وَكَذَلِكَ الرِّئْيُ.

قَالَ اللَّهُ تعالى: {أَحْسَنُ أَثاثًا وَرِءْيًا}؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

لِلَّهِ دَرُّ أَبيكَ رَبّ عَمَيْدَرٍ، ***حَسَن الرُّواءِ، وقلْبُه مَدْكُوكُ

قَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَنشدني أَعرابي فِي صِفَةِ فَرَسٍ: لَهُ غائِبٌ لَمْ يَبْتَذِلْه وشاهِدُ قَالَ: الشاهِدُ مِن جَرْيِهِ مَا يَشْهَدُ لَهُ عَلَى سَبْقِه وجَوْدَتِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: شاهِدُه بَذْلُهُ جَرْيَه وغائبه مصونُ جَرْيه.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


49-لسان العرب (بصر)

بصر: ابْنُ الأَثير: فِي أَسماء اللَّهِ تَعَالَى البَصِيرُ، هُوَ الَّذِي يُشَاهِدُ الأَشياء كُلَّهَا ظَاهِرَهَا وَخَافِيَهَا بِغَيْرِ جَارِحَةٍ، والبَصَرُ عِبَارَةٌ فِي حَقِّهِ عَنِ الصِّفَةِ الَّتِي يَنْكَشِفُ بِهَا كمالُ نُعُوتِ المُبْصَراتِ.

اللَّيْثُ: البَصَرُ العَيْنُ إِلَّا أَنه مُذَكَّرٌ، وَقِيلَ: البَصَرُ حَاسَّةُ الرؤْية.

ابْنُ سِيدَهْ: البَصَرُ حِسُّ العَين وَالْجَمْعُ أَبْصارٌ.

بَصُرَ بِهِ بَصَرًا وبَصارَةً وبِصارَةً وأَبْصَرَهُ وتَبَصَّرَهُ: نَظَرَ إِليه هَلْ يُبْصِرُه.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: بَصُرَ صَارَ مُبْصِرًا، وأَبصره إِذا أَخبر بِالَّذِي وَقَعَتْ عَيْنُهُ عَلَيْهِ، وَحَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ بَصِرَ بِهِ، بِكَسْرِ الصَّادِ، أَي أَبْصَرَهُ.

وأَبْصَرْتُ الشيءَ: رأَيته.

وباصَرَه: نَظَرَ مَعَهُ إِلى شَيْءٍ أَيُّهما يُبْصِرُه قَبْلَ صَاحِبِهِ.

وباصَرَه أَيضًا: أَبْصَرَهُ؛ قَالَ سُكَيْنُ بنُ نَصْرَةَ البَجَلي:

فَبِتُّ عَلى رَحْلِي وباتَ مَكانَه، ***أُراقبُ رِدْفِي تارَةً، وأُباصِرُه

الْجَوْهَرِيُّ: باصَرْتُه إِذا أَشْرَفتَ تَنْظُرُ إِليه مِنْ بَعِيدٍ.

وتَباصَرَ القومُ: أَبْصَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

وَرَجُلٌ بَصِيرٌ مُبْصِرٌ: خِلَافُ الضَّرِيرِ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وجَمْعُه بُصَراءُ.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنه لَبَصِيرٌ بِالْعَيْنَيْنِ.

والبَصارَةُ مَصْدَرٌ: كالبَصر، وَالْفِعْلُ بَصُرَ يَبْصُرُ، وَيُقَالُ بَصِرْتُ وتَبَصَّرْتُ الشيءَ: شِبْهُ رَمَقْتُه.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ}؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: أَعْلَمَ اللهُ أَنهُ يُدْرِك الأَبصارَ وَفِي هَذَا الإِعلام دَلِيلٌ أَن خَلْقَهُ لَا يُدْرِكُونَ الأَبصارَ أَي لَا يَعْرِفُونَ كَيْفَ حَقِيقَةُ البَصَرَ وَمَا الشَّيْءُ الَّذِي بِهِ صَارَ الإِنسان يُبْصِرُ مِنْ عَيْنَيْهِ دُونَ أَن يُبْصِرَ مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ أَعضائه، فَأَعْلَم أَن خَلْقًا مِنْ خَلْقِهِ لَا يُدْرِك الْمَخْلُوقُونَ كُنْهَهُ وَلَا يُحيطون بِعِلْمِهِ، فَكَيْفَ بِهِ تَعَالَى والأَبصار لَا تُحِيطُ بِهِ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

فأَمَّا مَا جَاءَ مِنَ الأَخبار فِي الرؤْية، وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَيْرُ مَدْفُوعٍ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى دَفْعِهَا، لأَن مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ إِدراك الشَّيْءِ والإِحاطة بِحَقِيقَتِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَهل السنَّة وَالْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ}؛ أَي قَدْ جاءَكم الْقُرْآنُ الَّذِي فِيهِ الْبَيَانُ والبصائرُ، فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ نَفْعُ ذَلِكَ، وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها ضَرَرُ ذَلِكَ، لأَن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَنِيٌّ عَنْ خَلْقِهِ.

ابْنُ الأَعرابي: أَبْصَرَ الرجلُ إِذا خَرَجَ مِنَ الْكُفْرِ إِلى بَصِيرَةِ الإِيمان؛ وأَنشد:

قَحْطَانُ تَضْرِبُ رَأْسَ كُلِّ مُتَوَّجٍ، ***وَعَلَى بَصائِرِها، وإِنْ لَمْ تُبْصِر

قَالَ: بَصَائِرُهَا إِسْلَامُهَا وإِن لَمْ تُبْصِرْ فِي كُفْرِهَا.

ابْنُ سِيدَهْ: أَراه لَمْحًا باصِرًا أَي نَظَرًا بِتَحْدِيقٍ شَدِيدٍ، قَالَ: فإِما أَن يَكُونَ عَلَى طَرْحِ الزَّائِدِ، وإِما أَن يَكُونَ عَلَى النَّسَبِ، وَالْآخَرُ مَذْهَبُ يَعْقُوبَ.

وَلَقِيَ مِنْهُ لَمْحًا باصِرًا أَي أَمرًا وَاضِحًا.

قَالَ: ومَخْرَجُ باصِرٍ مِنْ مَخْرَجِ قَوْلِهِمْ رَجُلٌ تامِرٌ ولابِنٌ أَي ذُو لَبَنٍ وَتَمْرٍ، فَمَعْنَى بَاصِرٍ ذُو بَصَرَ، وَهُوَ مِنْ أَبصرت، مِثْلُ مَوْتٌ مائِتٌ مِنْ أَمَتُّ، أَي أَرَيْتُه أَمْرًا شَدِيدًا يُبْصِرُه.

وَقَالَ اللَّيْثُ: رأَى فُلَانٌ لَمْحًا باصِرًا أَي أَمرًا مَفْرُوغًا مِنْهُ.

قَالَ الأَزهري: وَالْقَوْلُ هُوَ الأَوَّل؛ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ وَاضِحَةً؛ قَالَ: وَيَجُوزُ مُبْصَرَةً أَي مُتَبَيِّنَةً تُبْصَرُ وتُرَى.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: جَعَلَ الْفِعْلَ لَهَا، وَمَعْنَى مُبْصِرَة مُضِيئَةً، كَمَا قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {وَالنَّهارَ مُبْصِرًا}؛ أَي مُضِيئًا.

وَقَالَ أَبو إِسحاق: مَعْنَى مُبْصِرَة تُبَصِّرُهم أَي تُبَيِّنُ لَهُمْ، ومن قرأَ مُبْصِرَةً فالمعنى بَيِّنَة، وَمَنْ قرأَ مُبْصَرَةً فَالْمَعْنَى مُتَبَيَّنَةً فَظَلَمُوا بِهَا أَي ظَلَمُوا بِتَكْذِيبِهَا.

وَقَالَ الأَخفش: مُبْصَرَة أَي مُبْصَرًا بِهَا؛ قَالَ الأَزهري: وَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْفَرَّاءُ أَراد آتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ آيَةً مُبْصِرَة أَي مُضِيئَةً.

الْجَوْهَرِيُّ: المُبْصِرَةُ الْمُضِيئَةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً}؛ قَالَ الأَخفش: إِنها تُبَصِّرهم أَي تَجْعَلُهُمْ بُصَراء.

والمَبْصَرَةُ، بِالْفَتْحِ: الحُجَّة.

والبَصِيرَةُ: الحجةُ وَالِاسْتِبْصَارُ فِي الشَّيْءِ.

وبَصَّرَ الجَرْوُ تَبْصِيرًا: فَتَحَ عَيْنَيْهِ.

وَلَقِيَهُ بَصَرًا أَي حِينَ تَبَاصَرَتِ الأَعْيانُ ورأَى بعضها بَعْضًا، وَقِيلَ: هُوَ فِي أَوَّل الظَّلَامِ إِذا بَقِيَ مِنَ الضَّوْءِ قَدْرُ مَا تَتَبَايَنُ بِهِ الأَشباح، لَا يُستعمل إِلَّا ظَرْفًا.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: «فَأُرْسِلَتْ إِليه شَاةٌ فرأَى فِيهَا بُصْرَةً مِنْ لَبَنٍ»؛ يُرِيدُ أَثرًا قَلِيلًا يُبْصِرُه الناظرُ إِليه، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «كَانَ يُصَلِّي بِنَا صلاةَ البَصَرِ حَتَّى لَوْ أَن إِنسانًا رَمَى بنَبْلَةٍ أَبصرها»؛ قِيلَ: هِيَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ، وَقِيلَ: الْفَجْرُ لأَنهما تؤَدَّيان وَقَدِ اخْتَلَطَ الظَّلَامُ بِالضِّيَاءِ.

والبَصَر هَاهُنَا: بِمَعْنَى الإِبصار، يُقَالُ بَصِرَ بِهِ بَصَرًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «بَصُرَ عَيْنِي وَسَمِعَ أُذني»، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ فَرُوِيَ بَصُرَ وسَمِعَ وبَصَرُ وسَمْعُ عَلَى أَنهما اسْمَانِ.

والبَصَرُ: نَفاذٌ فِي الْقَلْبِ.

وبَصرُ الْقَلْبِ: نَظَرَهُ وَخَاطِرُهُ.

والبَصِيرَةُ: عَقِيدَةُ الْقَلْبِ.

قَالَ اللَّيْثُ: البَصيرة اسْمٌ لِمَا اعْتُقِدَ فِي الْقَلْبِ مِنَ الدِّينِ وَتَحْقِيقِ الأَمر؛ وَقِيلَ: البَصيرة الْفِطْنَةُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: أَعمى اللَّهُ بَصَائِرَهُ أَي فِطَنَه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَن مُعَاوِيَةَ لَمَّا قَالَ لَهُمْ: يَا بَنِي هَاشِمٍ تُصابون فِي أَبصاركم»، قَالُوا لَهُ: وأَنتم يَا بَنِي أُمية تُصَابُونَ فِي بَصَائِرِكُمْ.

وفَعَلَ ذَلِكَ عَلَى بَصِيرَةٍ أَي عَلَى عَمْدٍ.

وَعَلَى غَيْرِ بَصيرة أَي عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ.

وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ: «ولتَخْتَلِفُنَّ عَلَى بَصِيرَةٍ»؛ أي عَلَى مَعْرِفَةٍ مِنْ أَمركم وَيَقِينٍ.

وَفِي حَدِيثِ أُم سَلَمَةَ: «أَليس الطريقُ يَجْمَعُ التاجِرَ وابنَ السَّبِيلِ والمُسْتَبْصِرَ والمَجْبورَ»أَي المُسْتَبِينَ لِلشَّيْءِ؛ يَعْنِي أَنهم كَانُوا عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، أَرادت أَن تِلْكَ الرُّفْقَةَ قَدْ جَمَعَتِ الأَخيار والأَشرار.

وإِنه لَذُو بَصَرٍ وَبَصِيرَةٍ فِي الْعِبَادَةِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

وإِنه لَبَصِيرٌ بالأَشياء أَي عَالِمٌ بِهَا؛ عَنْهُ أَيضًا.

وَيُقَالُ للفِراسَةِ الصَّادِقَةِ: فِراسَةٌ ذاتُ بَصِيرة.

وَالْبَصِيرَةُ: العِبْرَةُ؛ يُقَالُ: أَمَا لَكَ بَصِيرةٌ فِي هَذَا؟ أَي عِبْرَةٌ تَعْتَبِرُ بِهَا؛ وأَنشد:

فِي الذَّاهِبِين الأَوَّلِينَ ***مِن القُرُونِ، لَنا بَصائرْ

أَي عِبَرٌ: والبَصَرُ: الْعِلْمُ.

وبَصُرْتُ بِالشَّيْءِ: عَلِمْتُهُ؛ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ}.

وَالْبَصِيرُ: الْعَالِمُ، وَقَدْ بَصُرَ بَصارَةً.

والتَّبَصُّر: التَّأَمُّل والتَّعَرُّفُ.

والتَّبْصِيرُ: التَّعْرِيفُ والإِيضاح.

ورجلٌ بَصِيرٌ بِالْعِلْمِ: عَالِمٌ بِهِ.

وَقَوْلُهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: اذهبْ بِنَا إِلى فلانٍ البصيرِ، وَكَانَ أَعمى؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يُرِيدُ بِهِ الْمُؤْمِنَ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِنما ذَهَبَ إِلى التَّفؤل ".

إِلى لَفْظِ الْبَصَرُ أَحسن مِنْ لَفْظِ الْعَمَى، أَلا تَرَى إِلى قَوْلِ مُعَاوِيَةَ: وَالْبَصِيرُ خَيْرٌ مِنَ الأَعمى؟ وتَبَصَّرَ فِي رأْيِه واسْتَبْصَرَ: تَبَيَّنَ مَا يأْتيه مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.

وَاسْتَبْصَرَ فِي أَمره وَدِينِهِ إِذا كَانَ ذَا بَصيرة.

والبَصيرة: الثَّبَاتُ فِي الدِّينِ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}: أَي أَتَوْا مَا أَتوه وَهُمْ قَدْ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَن عَاقِبَتَهُ عَذَابُهُمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ؛ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ عَاقِبَةُ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ كَانَ مَا فَعَلَ بِهِمْ عَدْلًا وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ؛ وَقِيلَ أَي كَانُوا فِي دِينِهِمْ ذَوِي بَصَائِرَ، وَقِيلَ: كَانُوا مُعْجَبِينَ بِضَلَالَتِهِمْ.

وبَصُرَ بَصارَةً: صَارَ ذَا بَصِيرَةٍ.

وبَصَّرَهُ الأَمْرَ تَبْصِيرًا وتَبْصِرَةً: فَهَّمَهُ إِياه.

وَقَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ؛ أَي عَلِمْتُ مَا لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ مِنَ الْبَصِيرَةِ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: بَصُرْتُ أَي أَبصرت، قَالَ: وَلُغَةٌ أُخرى بَصِرْتُ بِهِ أَبْصَرْته.

وَقَالَ ابْنُ بُزُرْجَ: أَبْصِرْ إِليَّ أَي انْظر إِليّ، وَقِيلَ: أَبْصِرْ إِليَّ أَي التفتْ إِليَّ.

وَالْبَصِيرَةُ: الشاهدُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

وَحُكِيَ: اجْعَلْنِي بَصِيرَةً عَلَيْهِمْ؛ بِمَنْزِلَةِ الشَّهِيدِ.

قَالَ: وَقَوْلُهُ تعالى: {بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: لَهُ مَعْنَيَانِ: إِن شِئْتَ كَانَ الإِنسان هُوَ البَصيرة عَلَى نَفْسِهِ أَي الشَّاهِدَ، وإِن شِئْتَ جَعَلْتَ الْبَصِيرَةَ هُنَا غَيْرَهُ فَعَنَيْتَ بِهِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَلِسَانَهُ لأَن كُلَّ ذَلِكَ شَاهِدٌ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَقَالَ الأَخفش: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، جَعَلَهُ هُوَ الْبَصِيرَةَ كَمَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ: أَنت حُجة عَلَى نَفْسِكَ؛ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، أَي عَلَيْهَا شَاهِدٌ بِعَمَلِهَا وَلَوِ اعْتَذَرَ بِكُلِّ عُذْرٍ، يَقُولُ: جوارحُه بَصيرةٌ عَلَيْهِ أَي شُهُودٌ؛ قَالَ الأَزهري: يَقُولُ بَلِ الإِنسان يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نَفْسِهِ جوارحُه بَصِيرَةٌ بِمَا جَنَى عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ؛ قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ بَصِيرَةٌ عَلَيْهِ بِمَا جَنَى عَلَيْهَا، وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ؛ أَي وَلَوْ أَدْلى بِكُلِ حُجَّةٍ.

وَقِيلَ: وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ، سُتُورَه.

والمِعْذَارُ: السِّتْرُ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يَقُولُ عَلَى الإِنسان مِنْ نَفْسِهِ شُهُودٌ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ بِعَمَلِهِ الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْعَيْنَانِ وَالذَّكَرُ؛ وأَنشد:

كأَنَّ عَلَى ذِي الظَّبْيِ عَيْنًا بَصِيرَةً ***بِمَقْعَدِهِ، أَو مَنظَرٍ هُوَ ناظِرُهْ

يُحاذِرُ حَتَّى يَحْسَبَ النَّاسَ كُلَّهُمْ، ***مِنَ الخَوْفِ، لَا تَخْفَى عَلَيْهِمْ سَرائرُهْ

وَقَوْلُهُ:

قَرَنْتُ بِحِقُوَيْهِ ثَلَاثًا فَلَمْ تَزُغْ ***عَنِ القَصْدِ، حَتَّى بُصِّرَتْ بِدِمامِ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَاهُ قُوِّيَتْ أَي لَمَّا هَمَّ هَذَا الرِّيشُ بِالزَّوَالِ عَنِ السَّهْمِ لِكَثْرَةِ الرَّمْيِ بِهِ أَلزقه بالغِراء فَثَبَتَ.

والباصِرُ: المُلَفِّقُ بَيْنَ شُقَّتين أَو خِرْقَتَين.

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْبَيْتِ: يَعْنِي طَلَى رِيشَ السَّهْمِ بالبَصِيرَةِ وَهِيَ الدَّمُ.

والبَصِيرَةُ: مَا بَيْنَ شُقَّتَي البيتِ وَهِيَ الْبَصَائِرُ.

والبَصْرُ: أَن تُضَمَّ حَاشِيَتَا أَديمين يُخَاطَانِ كَمَا تُخَاطُ حَاشِيَتَا الثَّوْبِ.

وَيُقَالُ: رأَيت عَلَيْهِ بَصِيرَةً مِنَ الْفَقْرِ أَي شُقَّةً مُلَفَّقَةً.

الْجَوْهَرِيُّ: والبَصْرُ أَن يُضَمَّ أَدِيمٌ إِلى أَديم، فَيُخْرَزَانِ كَمَا تُخَاطُ حَاشِيَتَا الثَّوْبِ فَتُوضَعُ إِحداهما فَوْقَ الأُخرى، وَهُوَ خِلَافُ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ قَبْلَ أَن يُكَفَّ.

والبَصِيرَةُ: الشُّقَّةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى الْخِبَاءِ.

وأَبْصَر إِذا عَلَّق عَلَى بَابِ رَحْلِهِ بَصِيرَةً، وَهِيَ شُقَّةٌ مِنْ قُطْنٍ أَو غَيْرِهِ؛ وَقَوْلُ تَوْبَةَ:

وأُشْرِفُ بالقُورِ اليَفاعِ لَعَلَّنِي ***أَرَى نارَ لَيْلَى، أَو يَراني بَصِيرُها

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَعْنِي كَلْبَهَا لأَن الْكَلْبَ مِنْ أَحَدّ العيونِ بَصَرًا.

والبُصْرُ: الناحيةُ مَقْلُوبٌ عَنِ الصُّبْرِ.

وبُصْرُ الكَمْأَة وبَصَرُها: حُمْرَتُها؛ قَالَ: " ونَفَّضَ الكَمْءَ فأَبْدَى بَصَرَهْ "وبُصْرُ السَّمَاءِ وبُصْرُ الأَرض: غِلَظُها، وبُصْرُ كُلّ شَيْءٍ: غِلَظُهُ.

وبُصْرُه وبَصْرُه: جِلْدُهُ؛ " حَكَاهُمَا اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَى جِلْدِ الْوَجْهِ.

وَيُقَالُ: إِن فُلَانًا لمَعْضُوب البُصْرِ إِذا أَصاب جلدَه عُضابٌ، وَهُوَ دَاءٌ يَخْرُجُ بِهِ.

الْجَوْهَرِيُّ: والبُصْرُ، بِالضَّمِّ، الجانبُ والحَرْفُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «بُصْرُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ»، يُرِيدُ غِلَظَها وسَمْكَها، وَهُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفِي الْحَدِيثِ أَيضًا: بُصْرُ جِلْد الْكَافِرِ فِي النَّارِ أَربعون ذِرَاعًا.

وثوبٌ جَيّدُ البُصْرِ: قويٌّ وَثِيجٌ.

والبَصْرُ والبِصْرُ والبَصْرَةُ: الْحَجَرُ الأَبيض الرِّخْوُ، وَقِيلَ: هو الكَذَّانُ فإِذا جاؤُوا بِالْهَاءِ قَالُوا بَصْرَة لَا غَيْرُ، وَجَمْعُهَا بِصار؛ التَّهْذِيبُ: البَصْرُ الْحِجَارَةُ إِلى الْبَيَاضِ فإِذا جاؤُوا بِالْهَاءِ قَالُوا البَصْرَةُ.

الْجَوْهَرِيُّ: الْبَصْرَةُ حِجَارَةٌ رَخْوَةٌ إِلى الْبَيَاضِ مَا هِيَ، وَبِهَا سُمِّيَتِ الْبَصْرَةُ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ إِبلًا شَرِبَتْ مِنْ مَاءٍ:

تَداعَيْن بِاسْمِ الشِّيبِ فِي مُتَثَلِّمٍ، ***جَوانِبُه مِنْ بَصْرَةٍ وسِلامِ

قَالَ: فإِذا أَسقطت مِنْهُ الْهَاءَ قُلْتَ بِصْرٌ، بِالْكَسْرِ.

والشِّيب: حِكَايَةُ صَوْتِ مَشَافِرِهَا عِنْدَ رَشْفِ الْمَاءِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الرَّاعِي:

إِذا مَا دَعَتْ شِيبًا، بِجَنْبَيْ عُنَيْزَةٍ، ***مَشافِرُها فِي ماءِ مُزْنٍ وباقِلِ

وأَراد ذُو الرُّمَّةِ بِالْمُتَثَلِّمِ حَوْضًا قَدْ تَهَدَّمَ أَكثره لِقِدَمِهِ وَقِلَّةِ عَهْدِ النَّاسِ بِهِ؛ وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ:

إِنْ تَكُ جُلْمُودَ بَصْرٍ لَا أُوَبِّسُه، ***أُوقِدْ عَلَيْهِ فَأَحْمِيهِ فَيَنْصَدِعُ

أَبو عَمْرٍو: البَصْرَةُ والكَذَّانُ، كِلَاهُمَا: الْحِجَارَةُ الَّتِي لَيْسَتْ بصُلبة.

وأَرض فُلَانٍ بُصُرة، بِضَمِّ الصَّادِ، إِذا كَانَتْ حَمْرَاءَ طَيِّبَةً.

وأَرض بَصِرَةٌ إِذا كَانَتْ فِيهَا حِجَارَةٌ تُقَطِّعُ حَوَافِرَ الدَّوَابِّ.

ابْنُ سِيدَهْ: والبُصْرُ الأَرض الطَّيِّبَةُ الحمراءُ.

والبَصْرَةُ والبَصَرَةُ والبَصِرَة: أَرض حِجَارَتُهَا جِصٌّ، قَالَ: وَبِهَا سُمِّيَتِ البَصْرَةُ، والبَصْرَةُ أَعم، والبَصِرَةُ كأَنها صِفَةٌ، وَالنَّسَبُ إِلى البَصْرَةِ بِصْرِيٌّ وبَصْرِيٌّ، الأُولى شَاذَّةٌ؛ قَالَ عُذَافِرٌ:

بَصْرِيَّةٌ تزوَّجَتْ بَصْرِيّا، ***يُطْعِمُها المالِحَ والطَّرِيَّا

وبَصَّرَ القومُ تَبْصِيرًا: أَتوا البَصْرَة؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:

أُخَبِّرُ مَنْ لاقَيْتُ أَنِّي مُبَصِّرٌ، ***وكائِنْ تَرَى قَبْلِي مِنَ النَّاسِ بَصَّرَا

وَفِي البَصْرَةِ ثلاثُ لُغَاتٍ: بَصْرَة وبِصْرَة وبُصْرَة، وَاللُّغَةُ الْعَالِيَةُ البَصْرَةُ.

الْفَرَّاءُ: البِصْرُ والبَصْرَةُ الْحِجَارَةُ الْبَرَّاقَةُ.

وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: البَصْرَة أَرْض كأَنها جَبَلٌ مِنْ جِصٍّ وَهِيَ الَّتِي بُنِيَتْ بالمِرْبَدِ، وإِنما سُمِّيَتِ البَصْرَةُ بَصْرَةً بِهَا.

والبَصْرَتان: الكوفةُ وَالْبَصْرَةُ.

والبَصْرَةُ: الطِّين العَلِكُ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: البَصْرُ الطِّينُ العَلِكُ الجَيِّدُ الَّذِي فِيهِ حَصًى.

والبَصِيرَةُ: التُّرْسُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا اسْتَطَالَ مِنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا لَزِقَ بالأَرض مِنَ الْجَسَدِ، وَقِيلَ: هُوَ قَدْرُ فِرْسِنِ الْبَعِيرِ مِنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الرَّمِيَّةِ.

وَيُقَالُ: هَذِهِ بَصِيرَةٌ مِنْ دَمٍ، وَهِيَ الجَدِيَّةُ مِنْهَا عَلَى الأَرض.

والبَصِيرَةُ: مِقْدَارُ الدِّرْهَم مِنَ الدَّمِ.

والبَصِيرَةُ: الثَّأْرُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «فأُمِرَ بِهِ فَبُصِرَ رَأْسُه»أَي قُطِعَ.

يُقَالُ: بَصَرَهُ بِسَيْفِهِ إِذا قَطَعَهُ، وَقِيلَ: الْبَصِيرَةُ مِنَ الدَّمِ مَا لَمْ يُسَلَّ، وَقِيلَ: هُوَ الدُّفْعَةُ مِنْهُ، وَقِيلَ: البَصِيرَةُ دَمُ البِكْرِ؛ قَالَ:

رَاحُوا، بَصائِرُهُمْ عَلَى أَكْتَافِهِمْ، ***وبَصِيرَتِي يَعْدُو بِها عَتَدٌ وَأَى

يَعْنِي بِالْبَصَائِرِ دَمَ أَبيهم؛ يَقُولُ: تَرَكُوا دَمَ أَبيهم خَلْفَهُمْ وَلَمْ يَثْأَرُوا بِهِ وطَلَبْتُه أَنا؛ وَفِي الصِّحَاحِ: وأَنا طَلَبْتُ ثَأْرِي.

وَكَانَ أَبو عُبَيْدَةَ يَقُولُ: البَصِيرَةُ فِي هَذَا الْبَيْتِ الترْسُ أَو الدِّرْعُ، وَكَانَ يَرْوِيهِ: حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: رَاحُوا بصائرُهم يَعْنِي ثِقْل دِمَائِهِمْ عَلَى أَكتافهم لَمْ يَثْأَرُوا بِهَا.

والبَصِيرَة: الدِّيَةُ.

وَالْبَصَائِرُ: الدِّيَاتُ فِي أَوَّل الْبَيْتِ، قَالَ أَخذوا الدِّيَاتِ فَصَارَتْ عَارًا، وَبَصِيرَتِي أَي ثَأْرِي قَدْ حملته على فرسي لأُطالب بِهِ فَبَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَرْقٌ.

أَبو زَيْدٍ: البَصيرة مِنَ الدَّمِ مَا كَانَ عَلَى الأَرض.

والجَدِيَّةُ: مَا لَزِقَ بِالْجَسَدِ.

وَقَالَ الأَصمعي: البَصيرة شَيْءٌ مِنَ الدَّمِ يستدل به على الرَّمِيَّةِ.

وَفِي حَدِيثِ الْخَوَارِجِ: «ويَنْظُر فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى بَصِيرَةً»أَي شَيْئًا مِنَ الدم يستدل به على الرَّمِيَّةِ وَيَسْتَبِينُهَا بِهِ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده أَبو حَنِيفَةَ:

وَفِي اليَدِ اليُمْنَى لِمُسْتَعِيرها ***شَهْبَاءُ، تُرْوِي الرِّيشَ مِنْ بَصِيرِها

يَجُوزُ أَن يَكُونَ جَمْعَ الْبَصِيرَةِ مِنَ الدَّمِ كشَعِيرة وشَعِير وَنَحْوِهَا، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد مِنْ بَصِيرَتِهَا فَحَذَفَ الْهَاءَ ضَرُورَةً، كَمَا ذَهَبَ إِليه بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِ أَبي ذُؤَيْبٍ:

أَلا لَيْتَ شِعْرِي، هَلْ تَنَظَّرَ خالِدٌ ***عِيادِي عَلى الهِجْرانِ، أَمْ هُوَ يائِسُ؟

وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ البَصِيرُ لُغَةً فِي البَصِيرَة، كَقَوْلِكَ حُقٌّ وحُقَّةٌ وَبَيَاضٌ وَبَيَاضَةٌ.

والبَصيرَةُ: الدِّرْعُ، وكلُّ مَا لُبِسَ جُنَّةً بَصِيرةٌ.

والبَصِيرَةُ: التُّرس، وَكُلُّ مَا لُبِسَ مِنَ السِّلَاحِ فَهُوَ بَصَائِرُ السِّلَاحِ.

والباصَرُ: قَتَبٌ صَغِيرٌ مُسْتَدِيرٌ مثَّل بِهِ سِيبَوَيْهِ وَفَسَّرَهُ السِّيرَافِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَهِيَ الْبَوَاصِرُ.

وأَبو بَصِير: الأَعْشَى، عَلَى التَّطَيُّرِ.

وبَصير: اسْمُ رَجُلٍ.

وبُصْرَى: قَرْيَةٌ بِالشَّامِ، صَانَهَا اللَّهُ تَعَالَى؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

وَلَوْ أُعْطِيتُ مَنْ ببلادِ بُصْرَى ***وقِنَّسْرِينَ مِنْ عَرَبٍ وعُجْمِ

وَتُنْسَبُ إِليها السُّيُوفُ البُصْرِيَّة؛ وَقَالَ: " يَفْلُونَ بالقَلَعِ البُصْرِيّ هامَهُمُ.

وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لِلْحُصَيْنِ بْنِ الحُمامِ المُرّي:

صَفائح بُصْرَى أَخْلَصَتْها قُيُونُها، ***ومُطَّرِدًا مِنْ نَسْج دَاودَ مُحْكَمَا

والنسَبُ إِليها بُصْرِيٌّ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَحسبه دَخِيلًا.

والأَباصِرُ: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ؛ وَفِي حَدِيثِ كَعْبٍ: «تُمسك النار يوم القيامة حَتَّى تَبِصَّ كأَنَّها مَتْنُ إِهالَةٍ»؛ أي تَبْرُقَ ويتلأْلأَ ضوؤُها.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


50-لسان العرب (زور)

زور: الزَّوْرُ: الصَّدْرُ، وَقِيلَ: وَسَطُ الصَّدْرِ، وَقِيلَ: أَعلى الصَّدْرِ، وَقِيلَ: مُلْتَقَى أَطراف عِظَامِ الصَّدْرِ حَيْثُ اجْتَمَعَتْ، وَقِيلَ: هُوَ جَمَاعَةُ الصَّدْرِ مِنَ الخُفِّ، وَالْجَمْعُ أَزوار.

والزَّوَرُ: عِوَجُ الزَّوْرِ وَقِيلَ: هُوَ إِشراف أَحد جَانِبَيْهِ عَلَى الْآخَرِ، زَوِرَ زَوَرًا، فَهُوَ أَزْوَرُ.

وَكَلْبٌ أَزْوَرُ: قَدِ اسْتَدَقَّ جَوْشَنُ صَدْرِه وَخَرَجَ كَلْكَلُه كأَنه قَدْ عُصِرَ جَانِبَاهُ، وَهُوَ فِي غَيْرِ الْكِلَابِ مَيَلٌ مَّا لَا يَكُونُ مُعْتَدِلَ التَّرْبِيعِ نَحْوَ الكِرْكِرَةِ واللِّبْدَةِ، وَيُسْتَحَبُّ فِي الْفَرَسِ أَن يَكُونَ فِي زَوْرِه ضِيقٌ وأَن يَكُونَ رَحْبَ اللَّبَانِ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلِيمَةَ.

مُتَقَارِب الثَّفِناتِ، ضَيْق زَوْرُه، ***رَحْب اللَّبَانِ، شَدِيد طَيِّ ضَريسِ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْرِ واللَّبانِ كَمَا تَرَى.

والزَّوَرُ فِي صَدْرِ الْفَرَسِ: دخولُ إِحدى الفَهْدَتَيْنِ وخروجُ الأُخرى؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ: " فِي خَلْقِها عَنْ بناتِ الزَّوْرِ تفضيلُ "الزَّوْرُ: الصَّدْرُ.

وَبَنَاتُهُ: مَا حَوَالَيْهِ مِنَ الأَضلاع وَغَيْرِهَا.

والزَّوَرُ، بِالتَّحْرِيكِ: المَيَلُ وَهُوَ مِثْلُ الصَّعَر.

وعُنُقٌ أَزْوَرُ: مَائِلٌ.

والمُزَوَّرُ مِنَ الإِبل: الَّذِي يَسُلُّه المُزَمِّرُ مِنْ بَطْنِ أُمه فَيَعْوَجُّ صَدْرُهُ فَيَغْمِزُهُ لِيُقِيمَهُ فَيَبْقَى فِيهِ مِنْ غَمْزِه أَثر يُعْلَمُ أَنه مُزَوَّرٌ.

وَرَكِيَّةٌ زَوْراءُ: غَيْرُ مُسْتَقِيمَةِ الحَفْرِ.

والزَّوْراءُ: الْبِئْرُ الْبَعِيدَةُ الْقَعْرِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذْ تَجْعَلُ الجارَ فِي زَوْراءَ مُظْلِمَةٍ ***زَلْخَ المُقامِ، وتَطْوي دُونَهُ المَرَسَا

وأَرض زَوْراءُ: بَعِيدَةٌ؛ قَالَ الأَعشى:

يَسْقِي دِيارًا لَهَا قَدْ أَصْبَحَتْ غَرَضًا ***زَوْراءَ، أَجْنَفَ عَنْهَا القَوْدُ والرَّسَلُ

وَمَفَازَةٌ زَوْراءُ: مَائِلَةٌ عَنِ السَّمْتِ والقصدِ.

وَفَلَاةٌ زَوْراءُ: بَعِيدَةٌ فِيهَا ازْوِرَارٌ.

وقَوْسٌ زَوْراءُ: معطوفة.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ}؛ قرأَ بعضهم: " تَزْوَارُ يُرِيدُ تَتَزاوَرُ، وقرأَ بَعْضُهُمْ: تَزْوَرُّ وتَزْوَارُّ، قَالَ: وازْوِرارُها فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنها كَانَتْ تَطْلع عَلَى كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ فَلَا تُصِيبُهُمْ وتَغْرُبُ عَلَى كَهْفِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَلَا تُصِيبُهُمْ، وَقَالَ الأَخفش: تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ "أَي تَمِيلُ؛ وأَنشد:

ودونَ لَيْلَى بَلَدٌ سَمَهْدَرُ، ***جَدْبُ المُنَدَّى عَنْ هَوانا أَزْوَرُ،

يُنْضِي المَطَايا خِمْسُه العَشَنْزَرُ "قَالَ: والزَّوَرُ مَيَلٌ فِي وَسَطِ الصَّدْرِ، وَيُقَالُ لِلْقَوْسِ زَوْراءُ لميلهَا، وَلِلْجَيْشِ أَزْوَرُ.

والأَزْوَرُ: الَّذِي يَنْظُرُ بِمُؤْخِرِ عَيْنِهِ.

قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ للبعير الْمَائِلُ السَّنَامِ: هَذَا الْبَعِيرُ زَوْرٌ.

وَنَاقَةٌ زَوْرَةٌ: قَوِيَّةٌ غَلِيظَةٌ.

وَنَاقَةٌ زَوْرَة: تَنْظُرُ بِمُؤْخِرِ عَيْنِهَا لِشِدَّتِهَا وَحِدَّتِهَا؛ قَالَ صَخْرُ الْغَيِّ:

وماءٍ وَرَدْتُ عَلَى زَوْرَةٍ، ***كَمَشْيِ السَّبَنْتَى يَرَاحُ الشَّفِيفَا

وَيُرْوَى: زُورَةٍ، والأَوّل أَعرف.

قَالَ أَبو عَمْرٍو: عَلَى زَوْرَةٍ أَي عَلَى نَاقَةٍ شَدِيدَةٍ؛ وَيُقَالُ: فِيهِ ازْوِرارٌ وحَدْرٌ، وَيُقَالُ: أَراد عَلَى فَلَاةٍ غَيْرِ قَاصِدَةٍ.

وَنَاقَةٌ زِوَرَّةُ أَسفار أَي مُهَيَّأَة للأَسفار مُعَدَّة.

وَيُقَالُ فِيهَا ازْوِرارٌ مِنْ نَشَاطِهَا.

أَبو زَيْدٍ: زَوَّرَ الطَّائِرُ تَزْوِيرًا إِذا ارتفعت حَوْصَلَتُه؛ " وَيُقَالُ لِلْحَوْصَلَةِ: الزَّارَةُ والزَّاوُورَةُ والزَّاوِرَةُ.

وزَاوَرَةُ القَطاةِ، مَفْتُوحُ الْوَاوِ: مَا حَمَلَتْ فِيهِ الماء لفراخها.

والازْوِرارُ عَنِ الشَّيْءِ: الْعُدُولُ عَنْهُ، وَقَدِ ازْوَرَّ عَنْهُ ازْوِرارًا وازْوارَّ عَنْهُ ازْوِيرَارًا وتَزاوَرَ عَنْهُ تَزاوُرًا، كُلُّهُ بِمَعْنَى: عَدَلَ عَنْهُ وانحرفَ.

وَقُرِئَ: تَزَّاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ "، وَهُوَ مُدْغَمُ تَتَزَاوَرُ.

والزَّوْراءُ: مِشْرَبَةٌ مِنْ فِضَّةٍ مُسْتَطِيلَةٍ شِبْهِ التَّلْتَلَةِ.

والزَّوْرَاءُ: القَدَحُ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

وتُسْقى، إِذا مَا شئتَ، غَيْرَ مُصَرَّدٍ ***بِزَوْراءَ، فِي حَافَاتِهَا المِسْكُ كانِعُ

وزَوَّرَ الطائرُ: امتلأَت حَوْصَلَتُهُ.

والزِّوار: حَبْلٌ يُشَدُّ مِنَ التَّصْدِيرِ إِلى خَلْفِ الكِرْكِرَةِ حَتَّى يَثْبُتَ لئلَّا يُصِيبَ الحَقَبُ الثِّيلَ فيحتبسَ بَوْلُهُ، وَالْجَمْعُ أَزْوِرَةٌ.

وزَوْرُ الْقَوْمِ: رَئِيسُهُمْ وَسَيِّدُهُمْ.

وَرَجُلٌ زُوارٌ وزُوارَةٌ: غَلِيظٌ إِلى الْقِصَرِ.

قَالَ الأَزهري: قرأْت فِي كِتَابِ اللَّيْثُ فِي هَذَا الْبَابِ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا كَانَ غَلِيظًا إِلى الْقِصَرِ مَا هُوَ: إِنه لَزُوارٌ وزُوَارِيَةٌ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا تَصْحِيفٌ مُنْكَرٌ وَالصَّوَابُ إِنه لَزُوازٌ وزُوَازِيَةٌ، بِزَايَيْنِ، قَالَ: قَالَ ذَلِكَ أَبو عَمْرٍو وَابْنُ الأَعرابي وَغَيْرُهُمَا.

والزَّوْرُ: الْعَزِيمَةُ.

وَمَا لَهُ زَوْرٌ وزُورٌ وَلَا صَيُّورٌ بِمَعْنًى أَي مَا لَهُ رأْي وَعَقْلٌ يَرْجِعُ إِليه؛ الضَّمُّ عَنْ يَعْقُوبَ وَالْفَتْحُ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ، وَذَلِكَ أَنه قَالَ لَا زَوْرَ لَهُ وَلَا صَيُّورَ، قَالَ: وأُراه إِنما أَراد لَا زَبْرَ لَهُ فغيره إِذ كَتَبَهُ.

أَبو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِمْ لَيْسَ لَهُمْ زَوْرٌ: أَي لَيْسَ لَهُمْ قُوَّةٌ وَلَا رأْي.

وَحَبْلٌ لَهُ زَوْرٌ أَي قُوَّةٌ؛ قَالَ: وَهَذَا وِفَاقٌ وَقَعَ بَيْنَ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ والزَّوْرُ: الزَّائِرُونَ.

وَزَارَهُ يَزُورُه زَوْرًا وزِيارَةً وزُوَارَةً وازْدَارَهُ: عَادَهُ افْتَعَلَ مِنَ الزِّيَارَةِ؛ قَالَ أَبو كَبِيرٍ:

فدخلتُ بَيْتًا غيرَ بيتِ سِنَاخَةٍ، ***وازْدَرْتُ مُزْدَارَ الكَريم المِفْضَلِ

والزَّوْرَةُ: المرَّة الْوَاحِدَةُ.

وَرَجُلٌ زَائِرٌ مِنْ قَوْمٍ زُوَّرٍ وزُوَّارٍ وزَوْرٍ؛ الأَخيرة اسْمٌ لِلْجَمْعِ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ زَائِرٍ.

والزَّوْرُ: الَّذِي يَزُورُك.

وَرَجُلٌ زَوْرٌ وَقَوْمٌ زَوْرٌ وامرأَة زَوْرٌ وَنِسَاءٌ زَوْرٌ، يَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لأَنه مَصْدَرٌ؛ قَالَ:

حُبَّ بالزَّوْرِ الَّذِي لَا يُرَى ***مِنْهُ، إِلَّا صَفْحَةٌ عَنْ لِمام

وَقَالَ فِي نِسْوَةٍ زَوْرٍ:

ومَشْيُهُنَّ بالكَثِيبِ مَوْرُ، ***كَمَا تَهادَى الفَتَياتُ الزَّوْرُ

وامرأَة زَائِرَةٌ مِنْ نِسْوَةٍ زُورٍ؛ عَنْ سِيبَوَيْهِ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُذَكَّرِ كَعَائِذٍ وعُوذ.

الْجَوْهَرِيُّ: نِسْوَةٌ زُوَّرٌ وزَوْرٌ مِثْلُ نُوَّحٍ ونَوْحٍ وَزَائِرَاتٍ، وَرَجُلٌ زَوَّارٌ وزَؤُورٌ؛ قَالَ:

إِذا غَابَ عَنْهَا بعلُها لَمْ أَكُنْ ***لَهَا زَؤُورًا، وَلَمْ تأْنَسْ إِليَّ كِلابُها

وَقَدْ تَزاوَرُوا: زارَ بعضُهم بَعْضًا.

والتَّزْوِيرُ: كَرَامَةُ الزَّائِرِ وإِكرامُ المَزُورِ لِلزَّائرِ.

أَبو زَيْدٍ: زَوِّرُوا فُلَانًا أَي اذْبَحُوا لَهُ وأَكرموه.

والتَّزْوِيرُ: أَن يُكْرِمَ المَزُورُ زائِرَه ويَعْرِفَ لَهُ حَقَّ زِيَارَتِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: زارَ فلانٌ فُلَانًا أَي مَالَ إِليه؛ وَمِنْهُ تَزَاوَرَ عَنْهُ أَي مَالَ عَنْهُ.

وَقَدْ زَوَّرَ القومُ صَاحِبَهُمْ تَزْوِيرًا إِذا أَحسنوا إِليه.

وأَزَارَهُ: حَمَلَهُ عَلَى الزِّيَارَةِ.

وَفِي حَدِيثِ طَلْحَةَ: «حَتَّى أَزَرْتُه شَعُوبَ»أَي أَوردته المنيةَ فَزَارَهَا؛ شَعُوبُ: مِنْ أَسماء الْمَنِيَّةِ.

واسْتَزاره: سأَله أَن يَزُورَه.

والمَزَارُ: الزِّيَارَةُ والمَزَارُ: مَوْضِعُ الزِّيَارَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِن لِزَوْركَ عَلَيْكَ حَقًّا»؛ الزَّوْرُ: الزائرُ، وَهُوَ فِي الأَصل مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ كصَوْم ونَوْمٍ بِمَعْنَى صَائِمٍ وَنَائِمٍ.

وزَوِرَ يَزْوَرُ إِذا مَالَ.

والزَّوْرَةُ: البُعْدُ، وَهُوَ مِنَ الازْوِرارِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " وماءٍ وردتُ عَلَى زَوْرَةٍ وَفِي حَدِيثِ أُم سَلَمَةَ: «أَرسلتُ إِلى عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا بُنَيَّ مَا لِي أَرى رَعِيَّتَكَ عَنْكَ مُزْوَرِّينَ»أَي مُعْرِضِينَ مُنْحَرِفِينَ؛ يُقَالُ: ازْوَرَّ عَنْهُ وازْوَارَّ بِمَعْنًى؛ وَمِنْهُ شِعْرُ عُمَرَ: " بِالْخَيْلِ عَابِسَةً زُورًا مناكِبُها "الزُّورُ: جَمْعُ أَزْوَرَ مِنَ الزَّوَرِ الْمَيْلُ.

ابْنُ الأَعرابي: الزَّيِّرُ مِنَ الرِّجَالِ الغضبانُ المُقاطِعُ لِصَاحِبِهِ.

قَالَ: والزِّيرُ الزِّرُّ.

قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ أَحد الْحَرْفَيْنِ الْمُدْغَمَيْنِ يَاءً فَيَقُولُ فِي مَرٍّ مَيْرٍ، وَفِي زِرٍّ زِيرٍ، وَهُوَ الدُّجَةُ، وَفِي رِزٍّ رِيز.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: قَوْلُهُ الزَّيِّرُ الْغَضْبَانُ أَصله مَهْمُوزٌ مَنْ زأَر الأَسد.

وَيُقَالُ لِلْعَدُوِّ: زائِرٌ، وَهُمُ الزائرُون؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:

حَلَّتْ بأَرضِ الزائِرِينَ، فأَصْبَحَتْ ***عَسِرًا عَلَيَّ طِلَابُكِ ابْنَةَ مَخْرَمِ

قَالَ بَعْضُهُمْ: أَراد أَنها حَلَّتْ بأَرض الأَعداء.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الزَّائِرُ الْغَضْبَانُ، بِالْهَمْزِ، وَالزَّايِرُ الْحَبِيبُ.

قَالَ: وَبَيْتُ عَنْتَرَةَ يُرْوَى بِالْوَجْهَيْنِ، فَمَنْ هَمَزَ أَراد الأَعداء وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ أَراد الأَحباب.

وزأْرة الأَسد: أَجَمَتُه؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَذَلِكَ لِاعْتِيَادِهِ إِياها وزَوْرِه لَهَا.

والزَّأْرَةُ: الأَجَمَةُ ذَاتُ الْمَاءِ وَالْحُلَفَاءِ والقَصَبِ.

والزَّأْرَة: الأَجَمَة.

والزِّيرُ: الَّذِي يُخَالِطُ النِّسَاءَ وَيُرِيدُ حَدِيثَهُنَّ لِغَيْرِ شَرٍّ، وَالْجَمْعُ أَزْوارٌ وأَزْيارٌ؛ الأَخيرة مِنْ بَابِ عِيدٍ وأَعياد، وزِيَرَةٌ، والأُنثى زِيرٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُوصَفُ بِهِ الْمُؤَنَّثُ، وَقِيلَ: الزِّيرُ المُخالِطُ لَهُنَّ فِي الْبَاطِلِ، وَيُقَالُ: فُلَانٌ زِيرُ نساءٍ إِذا كَانَ يُحِبُّ زِيَارَتَهُنَّ وَمُحَادَثَتَهُنَّ وَمُجَالَسَتَهُنَّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ زِيَارَتِهِ لَهُنَّ، وَالْجَمْعُ الزِّيَرَةُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " قُلْتُ لزِيرٍ لَمْ تَصِلْهُ مَرْيَمُهْ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَزَالُ أَحدكم كاسِرًا وِسادَهُ يَتَّكِئُ عَلَيْهِ ويأْخُذُ فِي الْحَدِيثِ فِعْلَ الزِّيرِ»؛ الزِّيرُ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي يُحِبُّ مُحَادَثَةَ النِّسَاءِ وَمُجَالَسَتَهُنَّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ زِيَارَتِهِ لَهُنَّ، وأَصله مِنَ الْوَاوِ؛ وَقَوْلُ الأَعشى:

تَرَى الزِّيرَ يَبْكِي بِهَا شَجْوَهُ، ***مَخَافَةَ أَنْ سَوْفَ يُدْعَى لَهَا

لَهَا: لِلْخَمْرِ؛ يَقُولُ: زِيرُ العُودِ يَبْكِي مَخَافَةَ أَن يَطْرَبَ القوْمُ إِذا شَرِبُوا فَيَعْمَلُوا الزِّيرَ لَهَا لِلْخَمْرِ، وَبِهَا بِالْخَمْرِ؛ وأَنشد يُونُسُ:

تَقُولُ الحارِثِيَّةُ أُمُّ عَمْرٍو: ***أَهذا زِيرُهُ أَبَدًا وزِيرِي؟

قَالَ مَعْنَاهُ: أَهذا دأْبه أَبدًا ودأْبي.

والزُّور: الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ، وَقِيلَ: شَهَادَةُ الْبَاطِلِ.

رَجُلٌ زُورٌ وَقَوْمٌ زُورٌ وَكَلَامٌ مُزَوَّرٌ ومُتَزَوَّرٌ: مُمَوَّهٌ بِكَذِبٍ، وَقِيلَ: مُحَسَّنٌ، وَقِيلَ: هُوَ المُثَقَّفُ قَبْلَ أَن يَتَكَلَّمَ بِهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ قَوْلُ" عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا زَوَّرْتُ كَلَامًا لأَقوله إِلا سَبَقَنِي به أَبو بكر، وفي رِوَايَةٍ: كُنْتُ زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي كَلَامًا يومَ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ "أَي هَيَّأْتُ وأَصلحت.

والتَّزْوِيرُ: إِصلاح الشَّيْءِ.

وكلامٌ مُزَوَّرٌ أَي مُحَسَّنٌ؛ قَالَ نصرُ بْنُ سَيَّارٍ:

أَبْلِغْ أَميرَ الْمُؤْمِنِينَ رِسالةً، ***تَزَوَّرْتُها مِنْ مُحْكَمَاتِ الرَّسائِل

والتَّزْوِيرُ: تَزْيين الْكَذِبِ والتَّزْوِيرُ: إِصلاح الشَّيْءِ، وَسُمِعَ ابْنَ الأَعرابي يَقُولُ: كُلُّ إِصلاح مِنْ خَيْرٍ أَو شَرٍّ فَهُوَ تَزْوِيرٌ، وَمِنْهُ شَاهِدُ الزُّورِ يُزَوِّرُ كَلَامًا والتَّزْوِيرُ: إِصلاح الْكَلَامِ وتَهْيِئَتُه.

وَفِي صَدْرِهِ تَزْوِيرٌ أَي إِصلاح يُحْتَاجُ أَن يُزَوَّرَ.

قَالَ: وَقَالَ الْحَجَّاجُ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً زَوَّرَ نفسَه عَلَى نَفْسِهِ أَي قَوَّمَهَا وحسَّنها، وَقِيلَ: اتَّهَمَ نَفْسَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَحَقِيقَتُهُ نِسْبَتُهَا إِلى الزُّورِ كَفَسَّقَهُ وجَهَّلَهُ، وَتَقُولُ: أَنا أُزَوِّرُكَ عَلَى نَفْسِكَ أَي أَتَّهِمُك عَلَيْهَا؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي: " بِهِ زَوَرٌ لَمْ يَسْتَطِعْهُ المُزَوِّرُ وَقَوْلُهُمْ: زَوَّرْتُ شَهَادَةَ فُلَانٍ رَاجِعٌ إِلى تَفْسِيرِ قَوْلِ القَتَّالِ:

وَنَحْنُ أُناسٌ عُودُنا عُودُ نَبْعَةٍ ***صَلِيبٌ، وَفِينَا قَسْوَةٌ لَا تُزَوَّرُ

قَالَ أَبو عَدْنَانَ: أَي لَا نُغْمَزُ لِقَسْوَتِنَا وَلَا نُسْتَضْعَفُ فَقَوْلُهُمْ: زَوَّرْتُ شَهَادَةَ فُلَانٍ، مَعْنَاهُ أَنه اسْتُضْعِفَ فَغُمِزَ وَغُمِزَتْ شَهَادَتُهُ فأُسقطت.

وَقَوْلُهُمْ: قَدْ زَوَّرَ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: فِيهِ أَربعة أَقوال: يَكُونُ التَّزْوِيرُ فِعْلَ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ.

والزُّور: الْكَذِبُ.

وَقَالَ خَالِدُ بْنُ كُلْثُومٍ: التَّزْوِيرُ التَّشْبِيهُ.

وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: التَّزْوِيرُ التَّزْوِيقُ وَالتَّحْسِينُ.

وزَوَّرْتُ الشيءَ: حَسَّنْتُه وقوَّمتُه.

وَقَالَ الأَصمعي: التزويرُ تَهْيِئَةُ الْكَلَامِ وَتَقْدِيرُهُ، والإِنسان يُزَوِّرُ كَلَامًا، وَهُوَ أَن يُقَوِّمَه ويُتْقِنَهُ قَبْلَ أَن يَتَكَلَّمَ بِهِ.

والزُّورُ: شَهَادَةُ الْبَاطِلِ وَقَوْلُ الْكَذِبِ، وَلَمْ يُشْتَقَّ مِنْ تَزْوِيرِ الْكَلَامِ وَلَكِنَّهُ اشْتُقَّ مِنْ تَزْوِيرِ الصَّدْرِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ»؛ الزُّور: الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ والتُّهمة، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ شَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْحَدِيثِ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ، فَمِنْهَا قَوْلُهُ: " عَدَلَتْ شهادَةُ الزُورِ الشِّرْكَ بِاللَّهِ، وإِنما عَادَلَتْهُ لِقَوْلِهِ تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ}، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهَا: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ.

وزَوَّرَ نَفْسَه: وسمَهَا بالزُّورِ.

وَفِي الْخَبَرِ عَنِ الْحَجَّاجِ: زَوَّرَ رجلٌ نَفْسَه.

وزَوَّرَ الشَّهَادَةَ.

أَبطلها؛ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: الزُّورُ هَاهُنَا مَجَالِسُ اللَّهْوِ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري كَيْفَ هَذَا إِلا أَن يُرِيدَ بِمَجَالِسِ اللَّهْوِ هُنَا الشِّرْكَ بِاللَّهِ، وَقِيلَ: أَعياد النَّصَارَى؛ كِلَاهُمَا عَنِ الزَّجَّاجِ، قَالَ: وَالَّذِي جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الشِّرْكُ، وَهُوَ جَامِعٌ لأَعياد النَّصَارَى وَغَيْرِهَا؛ قَالَ: وَقِيلَ الزّورُ هُنَا مَجَالِسُ الغِنَاء.

وزَوْرُ الْقَوْمِ وزَوِيرُهم وزُوَيْرُهم: سَيِّدُهم ورأْسهم.

والزُّورُ والزُّونُ جَمِيعًا: كُلُّ شَيْءٍ يُتَّخَذُ رَبًّا وَيُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى؛ قَالَ الأَغلب الْعِجْلِيُّ: " جاؤُوا بِزُورَيْهِم وجِئْنا بالأَصَمْ "قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ المُثَنَّى إِن الْبَيْتَ لِيَحْيَى بْنِ مَنْصُورٍ؛ وأَنشد قَبْلَهُ:

كانَت تَمِيمٌ مَعْشَرًا ذَوِي كَرَمْ، ***غَلْصَمَةً مِنَ الغَلاصِيم العُظَمْ

مَا جَبُنُوا، وَلَا تَوَلَّوْا مِنْ أَمَمْ، ***قَدْ قابَلوا لَوْ يَنْفُخْون فِي فَحَمْ

جَاؤُوا بِزُورَيْهِم، وَجِئْنَا بالأَصَمّ ***شَيْخٍ لَنَا، كالليثِ مِنْ بَاقِي إِرَمْ

شَيْخٍ لَنَا مُعاوِدٍ ضَرْبَ البُهَمْ "قَالَ: الأَصَمُّ هُوَ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرٍ وَهُوَ رَئِيسُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ يَوْمُ الزُّورَيْنِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: وَهُمَا بَكْرانِ مُجلَّلانِ قَدْ قَيَّدوهما وَقَالُوا: هَذَانِ زُورَانا أَي إِلهانا، فَلَا نَفِرُّ حَتَّى يَفِرَّا، فَعَابَهُمْ بِذَلِكَ وَبِجَعْلِ الْبَعِيرَيْنِ ربَّيْنِ لَهُمْ، وهُزِمَتْ تَمِيمٌ ذَلِكَ الْيَوْمَ وأُخذ الْبَكْرَانِ فَنُحِرَ أَحدهما وَتُرِكَ الْآخَرُ يَضْرِبُ فِي شَوْلِهِمْ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ وَجَدْتُ هَذَا الشِّعْرَ للأَغْلَبِ العِجْلِيِّ فِي دِيوَانِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ.

وَقَالَ شَمِرٌ: الزُّورانِ رئيسانِ؛ وأَنشد:

إِذ أُقْرِنَ الزُّورانِ: زُورٌ رازِحُ ***رَارٌ، وزُورٌ نِقْيُه طُلافِحُ

قَالَ: الطُّلافِحُ الْمَهْزُولُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الزُّورُ صَخْرَةٌ.

وَيُقَالُ: هَذَا زُوَيْرُ الْقَوْمِ أَي رَئِيسُهُمْ.

والزُّوَيْرُ: زَعِيمُ الْقَوْمِ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الزُّوَيْرُ صَاحِبُ أَمر الْقَوْمِ؛ قَالَ:

بأَيْدِي رِجالٍ، لَا هَوادَة بينهُمْ، ***يَسوقونَ لِلمَوْتِ الزُّوَيْرَ اليَلَنْدَدا

وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ:

قَدْ نَضْرِبُ الجَيْشَ الخَميسَ الأَزْوَرا، ***حَتَّى تَرى زُوَيْرَهُ مُجَوَّرا

وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: الزُّونُ الصنم، وهو بالفارسية زون بِشَمِّ الزَّايِ السِّينَ؛ وَقَالَ حُمَيْدٌ: " ذَاتُ المجوسِ عَكَفَتْ للزُّونِ "أَبو عُبَيْدَةَ: كُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَهُوَ زُورٌ.

والزِّيرُ: الكَتَّانُ؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:

وإِنْ غَضِبَتْ، خِلْتَ بالمِشْفَرَيْن ***سَبايِخَ قُطْنٍ، وَزِيرًا نُسالا

وَالْجَمْعُ أَزْوارٌ.

والزِّيرُ مِنَ الأَوْتار: الدَّقيقُ.

والزِّيرُ: مَا اسْتُحْكِمَ فَتْلُهُ مِنَ الأَوتار؛ وزيرُ المِزْهَرِ: مُشْتَقٌّ مِنْهُ.

وَيَوْمُ الزُّورَيْنِ: مَعْرُوفٌ.

والزَّوْرُ: عَسيبُ النَّخْلِ.

والزَّارَةُ: الْجَمَاعَةُ الضَّخْمَةُ مِنَ النَّاسِ والإِبل وَالْغَنَمِ.

والزِّوَرُّ، مِثَالُ الهِجَفِّ: السَّيْرُ الشَّدِيدُ؛ قَالَ الْقُطَامِيُّ:

يَا ناقُ خُبِّي خَبَبًا زِوَرّا، ***وقَلِّمي مَنْسِمَكِ المُغْبَرّا

وَقِيلَ: الزِّوَرُّ الشَّدِيدُ، فَلَمْ يُخَصَّ بِهِ شَيْءٌ دون شيء.

وزارَةُ: حَيٌّ مِنْ أَزْدِ السَّراة.

وزارَةُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ:

وكأَنَّ ظُعْنَ الحَيِّ مُدْبِرَةً ***نَخْلٌ بِزارَةَ، حَمْلُه السُّعْدُ

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وعَيْنُ الزَّارَةِ بِالْبَحْرَيْنِ مَعْرُوفَةٌ.

والزَّارَةُ: قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ؛ وَكَانَ مَرْزُبانُ الزَّارَةِ مِنْهَا، وَلَهُ حَدِيثٌ مَعْرُوفٌ.

وَمَدِينَةُ الزَّوْراء: بِبغداد فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، سُمِّيَتْ زَوْراءَ لازْوِرار قِبْلَتِهَا.

الْجَوْهَرِيُّ: ودِجْلَةُ بَغْدادَ تُسَمَّى الزَّوْراءَ.

والزَّوْرَاءُ: دَارٌ بالحِيرَةِ بَنَاهَا النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ، ذَكَرَهَا النَّابِغَةُ فَقَالَ: " بِزَوْراءَ فِي أَكْنافِها المِسْكُ كارِعُ وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: زَوْراءُ هَاهُنَا مَكُّوكٌ مِنْ فِضَّةٍ مِثْلُ التَّلْتَلَة.

وَيُقَالُ: إِن أَبا جَعْفَرٍ هَدَمَ الزَّوْراء بالحِيرَةِ فِي أَيامه.

الْجَوْهَرِيُّ: والزَّوْراءُ اسْمُ مَالٍ "كَانَ لأُحَيْحَةَ بْنِ الجُلاح الأَنصاري؛ وَقَالَ:

إِني أُقيمُ عَلَى الزَّوْراءِ أَعْمُرُها، ***إِنَّ الكَريمَ عَلَى الإِخوانِ ذُو المالِ

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


51-لسان العرب (صعفق)

صعفق: الصَّعْفَقةُ: ضَآلةُ الْجِسْمِ.

والصَّعافِقةُ: قَوْمٌ يَشْهَدُونَ السُّوقَ وليست عندهم رؤُوس أَموال وَلَا نَقْدَ عِنْدَهُمْ، فإِذا اشْتَرَى التُّجَّارُ شَيْئًا دَخَلُوا مَعَهُمْ فِيهِ، وَاحِدُهُمْ صَعْفَقٌ وصَعْفَقِيّ وصَعْفُوق، وَهُوَ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَيْسَ لَهُ رأْس مَالٍ.

وَفِي حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ: «مَا جَاءَكَ عَنْ أَصحاب مُحَمَّدٍ فخُذْه ودَعْ مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الصَّعافِقةُ»؛ أَراد أَن هَؤُلَاءِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ فِقْهٌ وَلَا عِلْمٌ بِمَنْزِلَةِ أُولئك التُّجَّارِ الذين ليس لهم رؤوس أَموال؛ وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرُ: " أَنه سُئِلَ عَنِ رَجُلٍ أَفطر يَوْمًا مِنْ رمضانَ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِيهِ الصَّعافِقةُ؟ الأَزهري: وَقَالَ أَعرابي مَا هَؤُلَاءِ الصَّعافِقة حوْلَك؟ وَيُقَالُ: هُمْ بِالْحِجَازِ مَسْكَنُهُمْ.

والصَّعْفُوق: اللئيمُ مِنَ الرِّجَالِ، والصَّعافِقةُ: رُذالةُ النَّاسِ.

والصَّعافِقةُ: قومٌ كَانَ آبَاؤُهُمْ عَبيدًا فاسْتَعْرَبُوا، وَقِيلَ: هُمْ قَوْمٌ بِالْيَمَامَةِ مِنْ بَقَايَا الأُمَم "الْخَالِيَةِ ضَلَّتْ أَنسابهم، وَاحِدُهُمْ صَعْفَقِيّ، وَقِيلَ: هُمْ خَوَلٌ هُنَاكَ، وَيُقَالُ لَهُمْ بَنُو صَعْفوق وَآلُ صَعْفوق؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

مِنْ آلِ صَعْفُوق وأَتْباعٍ أُخَرْ، ***مِنْ طامِعِين لَا يَنالون الغَمَرْ

وَقِيلَ: إِنه أَعجمي لَا يَنْصَرِفُ لِلْعُجْمَةِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَلَمْ يَجِئْ عَلَى فَعْلول شيءٌ غَيْرَهُ، وأَما الخَرْنوب فإِن الْفُصَحَاءَ يَضُمُّونَهُ وَيُشَدِّدُونَهُ مَعَ حَذْفِ النُّونِ وإِنما يَفْتَحُهُ الْعَامَّةُ؛ وَقَالَ الأَزهري: كَلُّ مَا جَاءَ عَلَى فُعْلول فَهُوَ مَضْمُومُ الأَول مِثْلَ زُنْبور وبُهْلول وعُمْروس وَمَا أَشبه ذَلِكَ، إِلا حَرْفًا جَاءَ نَادِرًا وَهُوَ بَنُو صَعْفوق لِخوَلٍ بِالْيَمَامَةِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ صُعْفوق، بِالضَّمِّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: رأَيت بِخَطِّ أَبي سَهْلٍ الْهَرَوِيِّ عَلَى حَاشِيَةِ كِتَابٍ: جَاءَ عَلَى فَعْلول صَعْفوق وصَعْقول لِضَرْبٍ مِنَ الكمأَة وبَعْكُوكة الْوَادِي لِجَانِبِهِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَما بَعْكُوكَةُ الْوَادِي وَبَعْكُوكَةُ الشَّرِّ فَذَكَرَهَا السِّيرَافِيُّ وَغَيْرُهُ بِالضَّمِّ لَا غَيْرُ، أَعني بِضَمِّ الْبَاءِ، وأَما الصَّعْقُولُ لِضَرْبٍ مِنَ الكمأَة فَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، وَلَوْ كَانَ مَعْرُوفًا لَذَكَرَهُ أَبو حَنِيفَةَ فِي كِتَابِ النَّبَاتِ وأَظنه نَبَطِيًّا أَو أَعجميًّا.

الْجَوْهَرِيُّ: الصَّعَافِقَةُ.

جَمْعُ صَعْفَقِيّ وصَعافيق؛ قال أَبو النَّجْمِ:

يومَ قَدرْنا، والعزيزُ مَنْ قَدَر، ***وآبَتِ الخيلُ وقَضَّيْنَ الوَطَرْ

مِنَ الصَّعافيقِ، وأَدْرَكْنا المِئَرْ أَراد بِالصَّعَافِيقِ أَنهم ضُعَفَاءُ لَيْسَتْ لَهُمْ شَجَاعَةٌ وَلَا سِلَاحٌ وقوة على قتالنا.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


52-لسان العرب (رمم)

رمم: الرَّمّ: إِصلاح الشَّيْءِ الَّذِي فَسَدَ بَعْضُهُ مِنْ نَحْوِ حَبْلٍ يَبْلى فتَرُمُّهُ أَو دَارٍ تَرُمُّ شأْنها مَرَمَّةً.

ورَمُّ الأَمر: إِصلاحه بَعْدَ انْتِشَارِهِ.

الْجَوْهَرِيُّ: رَمَمْتُ الشَّيْءَ أَرُمُّهُ وأَرِمُّهُ رَمًّا ومَرَمَّةً إِذا أَصلحته.

يُقَالُ: قَدْ رَمَّ شأْنه ورَمَّهُ أَيضًا بِمَعْنَى أَكله.

واسْتَرَمَّ الحائطُ أَي حَانَ لَهُ أَن يُرَمَّ إِذا بَعُدَ عَهْدُهُ بِالتَّطْيِينِ.

وَفِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ: «فَلْيَنْظُرْ إِلى شِسْعه ورَمِّ مَا دَثَرَ مِنْ سِلَاحِهِ»؛ الرَّمُّ: إِصلاح مَا فَسَدَ ولَمُّ مَا تَفَرَّقَ.

ابْنُ سِيدَهْ: رَمَّ الشيءَ يَرُمُّهُ رَمًّا أَصلحه، واسْتَرَمَّ دَعَا إِلى إِصلاحه.

ورَمَّ الحبلُ: تَقَطَّعَ.

والرِّمَّةُ والرُّمَّةُ: قِطْعَةٌ مِنَ الحبْل بَالِيَةٌ، وَالْجَمْعُ رِمَمٌ ورِمام؛ وَبِهِ سُمِّيَ غَيْلانُ الْعَدَوِيُّ الشَّاعِرُ ذَا الرُّمَّةِ لِقَوْلِهِ فِي أُرجوزته يَعْنِي وَتِدًا:

لَمْ يَبْقَ مِنْهَا، أَبَدَ الأَبِيدِ، ***غيرُ ثلاثٍ ماثلاتٍ سُودِ

وغيرُ مَشْجوجِ القَفا مَوتُودِ، ***فِيهِ بَقايا رُمَّةِ التَّقْليدِ

يَعْنِي مَا بَقِيَ فِي رأْس الوَتِدِ مِنْ رُمَّةِ الطُّنُبِ الْمَعْقُودِ فِيهِ، وَمِنْ هَذَا يُقَالُ: أَعطيته الشَّيْءَ برُمَّتِه أَي بِجَمَاعَتِهِ.

والرُّمَّةُ: الْحَبْلُ يقلَّد الْبَعِيرَ.

قَالَ أَبو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِمْ أَخذ الشَّيْءَ برُمَّتِه: فِيهِ قَوْلَانِ: أَحدهما أَن الرُّمَّةَ قِطْعَةُ حَبْلٍ يُشَدُّ بِهَا الأَسير أَو القاتلُ إِذا قِيدَ إِلى الْقَتْلِ للقَوَدِ، وقولُ عَلِيٍّ يَدُلُّ عَلَى هَذَا حِينَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ ذُكِرَ أَنه رأَى رَجُلًا مَعَ امرأَته فَقَتَلَهُ فَقَالَ: إِن أَقام بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ وَجَاءَ بأَربعة يَشْهَدُونَ وإِلا فلْيُعْطَ برُمَّتِهِ "، يَقُولُ: إِن لَمْ يُقِم الْبَيِّنَةَ قَادَهُ أَهله بِحَبْلِ عُنُقِهِ إِلى أَولياء الْقَتِيلِ فَيُقْتَلُ بِهِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَخذت الشَّيْءَ تَامًّا كَامِلًا لَمْ يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْءٌ، وأَصله الْبَعِيرُ يُشَدُّ فِي عُنُقِهِ حَبْلٌ فَيُقَالُ أَعطاه الْبَعِيرَ برُمَّته؛ قَالَ الْكُمَيْتُ: " وَصْلُ خَرْقاءَ رُمَّةٌ فِي الرِّمام "قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَصله أَن رَجُلًا دَفَعَ إِلى رَجُلٍ بَعِيرًا بِحَبْلٍ فِي عُنُقِهِ فَقِيلَ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ دَفَعَ شَيْئًا بِجُمْلَتِهِ؛ وَهَذَا الْمَعْنَى أَراد الأَعشى بِقَوْلِهِ يُخَاطِبُ خَمَّارًا:

فقلتُ لَهُ: هذِه، هاتِها ***بأَدْماءَ فِي حَبْل مُقْتادِها

وَقَالَ ابْنُ الأَثير فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ عَلِيٍّ: الرُّمَّةُ، بِالضَّمِّ، قِطْعَةُ حبْل يُشَدُّ بِهَا الأَسير أَو الْقَاتِلُ الَّذِي يُقاد إِلى الْقِصَاصِ أَي يُسلَّم إِليهم بِالْحَبْلِ الَّذِي شُدَّ بِهِ تَمْكِينًا لَهُمْ مِنْهُ لِئَلَّا يَهْرُبَ، ثُمَّ اتَّسَعُوا فِيهِ حَتَّى قَالُوا أَخذت الشَّيْءَ برُمَّتِهِ وبزَغْبَرِهِ وبجُمْلَتِه أَي أَخذته كُلَّهُ لَمْ أَدع مِنْهُ شَيْئًا.

ابْنُ سِيدَهْ: أَخذه برُمَّته أَي بِجَمَاعَتِهِ، وأَخذه برُمَّتِهِ اقْتَادَهُ بِحَبْلِهِ، وأَتيتك بِالشَّيْءِ برُمَّتِهِ أَي كُلِّهُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقِيلَ أَصله أَن يُؤْتى بالأَسير مَشْدُودًا برُمَّتِهِ، وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ.

التَّهْذِيبُ: والرُّمَّة مِنَ الْحَبْلِ، بِضَمِّ الرَّاءِ، مَا بَقِيَ مِنْهُ بَعْدَ تَقَطُّعِهِ، وَجَمْعُهَا رُمٌّ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، يَذُمُّ الدُّنْيَا: «وأَسبابُها رِمامٌ» أَي بَالِيَةٌ، وَهِيَ بِالْكَسْرِ جَمْعُ رُمَّةٍ، بِالضَّمِّ، وَهِيَ قِطْعَةُ حَبْلٍ بَالِيَةٌ.

وَحَبْلٌ رِمَمٌ ورِمامٌ وأَرْمام: بالٍ، وَصَفُوهُ بِالْجَمْعِ كأَنهم جَعَلُوا كُلَّ جُزْءٍ وَاحِدًا ثُمَّ جَمَعُوهُ.

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنه نَهَى عَنِ الِاسْتِنْجَاءِ بالرَّوْثِ والرِّمَّةِ»؛ والرِّمَّةُ، بِالْكَسْرِ: الْعِظَامُ الْبَالِيَةُ، وَالْجَمْعُ رِمَمٌ ورِمام؛ قال لبيد:

والبيت إِن تعرَ مِنِّي رِمَّةٌ خَلَقًا، ***بَعْدَ المَماتِ، فَإِنِّي كنتُ أَثَّئِرُ

والرمِيمُ: مِثْلُ الرِّمَّةِ.

قَالَ اللَّهُ تعالى: {قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِنما قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَهِيَ رَمِيمٌ" لأَن فَعِيلًا وفَعُولًا قَدِ اسْتَوَى فِيهِمَا الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْجَمْعُ، مِثْلُ رَسُول وعَدُوٍّ "وصَديقٍ.

وَقَالَ ابْنُ الأَثير فِي النَّهْيِ عَنِ الاستنجاءِ بالرِّمَّة قَالَ: يَجُوزُ أَن تَكُونَ الرِّمَّة جَمْعَ الرَّمِيم، وإِنما نَهَى عَنْهَا لأَنها رُبَّمَا كَانَتْ مَيْتَةً، وَهِيَ نَجِسَةٌ، أَو لأَن الْعَظْمَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْحَجَرِ لِمَلَاسَتِهِ؛ وَعَظْمٌ رَمِيمٌ وأَعظم رَمائِمُ ورَمِيمٌ أَيضًا؛ قَالَ حَاتِمٌ أَو غَيْرُهُ، الشَّكُّ مِنَ ابْنِ سِيدَهْ:

أَما وَالَّذِي لَا يَعْلَمُ السِّرَّ غَيْرُهُ، ***ويُحْيي العِظامَ البِيضَ، وَهِيَ رَمِيمُ

وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُعْنِي بالرَّمِيمِ الْجِنْسَ فَيَضَعَ الْوَاحِدَ مَوْضِعَ لَفْظِ الْجَمْعِ.

والرَّمِيمُ: مَا بَقِيَ مِنْ نَبْتِ عَامِ أَول؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ.

ورَمَّ العظمُ وَهُوَ يَرِمُّ، بِالْكَسْرِ، رَمًّا ورَمِيمًا وأَرَمَّ: صَارَ رِمَّةً؛ الْجَوْهَرِيُّ: تَقُولُ مِنْهُ رَمَّ العظمُ يَرِمُّ، بِالْكَسْرِ، رِمَّةً أَي بَلِيَ.

ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ رَمَّتْ عِظَامُهُ وأَرَمَّتْ إِذا بَلِيَتْ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تُعْرَضُ صلاتُنا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمَّتَ؟»قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْحَرْبِيُّ كَذَا يَرْوِيهِ الْمُحَدِّثُونَ، قَالَ: وَلَا أَعرف وَجْهَهُ، وَالصَّوَابُ أَرَمَّتْ، فَتَكُونُ التَّاءُ لتأْنيث الْعِظَامِ أَو رَمِمْتَ أَي صِرْتَ رَمِيمًا، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنما هُوَ أَرَمْتَ، بِوَزْنِ ضَرَبْتَ، وأَصله أَرْمَمْتَ أَي بَلِيتَ، فَحُذِفَتْ إِحدى الْمِيمَيْنِ كَمَا قَالُوا أَحَسْتَ فِي أَحْسَسْتَ، وَقِيلَ: إِنما هُوَ أَرْمَتَّ، بِتَشْدِيدِ التَّاءِ، عَلَى أَنه أَدغم إِحدى الْمِيمَيْنِ فِي التَّاءِ، قَالَ: وَهَذَا قَوْلٌ سَاقِطٌ، لأَن الْمِيمَ لَا تُدْغَمُ فِي التَّاءِ أَبدًا، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ أُرِمْتَ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، بِوَزْنِ أُمِرْتَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَرَمَت الإِبل تَأْرمُ إِذا تَنَاوَلَتِ العلفَ وَقَلَعَتْهُ مِنَ الأَرض؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَصل هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ رَمَّ الميتُ وأَرَمَّ إِذا بَليَ.

والرِّمَّةُ: الْعَظْمُ الْبَالِي، وَالْفِعْلُ الْمَاضِي مِنْ أَرَمَّ لِلْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ أَرْمَمْتُ وأَرْمَمْتَ، بِإِظْهَارِ التَّضْعِيفِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ كَلُّ فِعْلٍ مضعَّف فإِنه يَظْهَرُ فِيهِ التَّضْعِيفُ مَعَهُمَا، تَقُولُ فِي شَدَّ: شَدَدْتُ، وَفِي أَعَدَّ: أَعْدَدْتُ، وإِنما ظَهَرَ التَّضْعِيفُ لأَن تَاءَ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ مُتَحَرِّكَةٌ وَلَا يَكُونُ مَا قَبْلَهَا إِلا سَاكِنًا، فإِذا سَكَنَ مَا قَبْلَهَا وَهِيَ الْمِيمُ الثَّانِيَةُ الْتَقَى سَاكِنَانِ، فإِن الْمِيمَ الأُولى سَكَنَتْ لأَجل الإِدغام، وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ تَحْرِيكُ الثَّانِي لأَنه وَجَبَ سُكُونُهُ لأَجل تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلا تَحْرِيكُ الأَول، وَحَيْثُ حُرِّكَ ظَهَرَ التَّضْعِيفُ، وَالَّذِي جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بالإِدغام، وَحَيْثُ لَمْ يَظْهَرِ التَّضْعِيفُ فِيهِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ احْتَاجُوا أَن يُشَدِّدُوا التَّاءَ لِيَكُونَ مَا قَبْلَهَا سَاكِنًا، حَيْثُ تَعَذَّرَ تَحْرِيكُ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ، أَو يَتْرُكُوا القِياسَ فِي الْتِزَامِ سُكُونِ مَا قَبْلَ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ، قَالَ: فإِن صَحَّتِ الرِّوَايَةُ وَلَمْ تَكُنْ مُحَرَّفَةً فَلَا يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ إِلا عَلَى لُغَةِ بَعْضِ الْعَرَبِ، فإِن الْخَلِيلَ زَعَمَ أَن نَاسًا مِنْ بَكْر بْنِ وائلٍ يَقُولُونَ: رَدَّتُ ورَدَّتَ، وَكَذَلِكَ مَعَ جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ يَقُولُونَ: رُدَّنَ ومُرَّنَ، يُرِيدُونَ رَدَدْتُ ورَدَدْتَ وارْدُدْنَ وامْرُرْنَ، قَالَ: كأَنهم قَدَّرُوا الإِدْغامَ قَبْلَ دُخُولِ التَّاءِ وَالنُّونِ، فَيَكُونُ لَفْظُ الْحَدِيثِ أَرَمَّتَ، بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّاءِ.

والرَّميمُ: الخَلَقُ الْبَالِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

ورَمَّتِ الشاةُ الْحَشِيشَ تَرُمُّه رَمًّا: أَخذته بِشَفَتِهَا.

وَشَاةٌ رَمُومٌ: تَرُمُّ مَا مَرَّتْ بِهِ.

ورَمَّتِ البهمةُ وارْتَمَّتْ: تَنَاوَلَتِ الْعِيدَانَ.

وارْتَمَّتِ الشَّاةُ مِنَ الأَرض أَي رَمَّتْ وأَكلت.

وَفِي الْحَدِيثِ عَلَيْكُمْ بأَلْبان الْبَقَرِ فَإِنَّهَا تَرُمُّ مِنْ كُلِّ الشَّجَرِ أَي تأْكل، وَفِي رِوَايَةٍ: تَرْتَمُ "؛ قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الرَّمُّ والارْتِمامُ الأَكل؛ والرُّمامُ مِنَ البَقْلِ، حِينَ يَبْقُلُ، رُمامٌ أَيضًا.

الأَزهري: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ لِلَّذِي يَقُشُّ مَا سَقَطَ مِنَ الطَّعَامِ وأَرْذَله ليأْكله وَلَا يَتَوَقَّى قَذَرَهُ: فلانٌ رَمَّام قَشَّاش وَهُوَ يَتَرَمَّمُ كُلَّ رُمامٍ أَي يأْكله.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: رَمَّ فُلَانٌ مَا فِي الغَضارَةِ إِذا أَكل مَا فِيهَا.

والمِرَمَّةُ، بِالْكَسْرِ: شَفَةُ الْبَقَرَةِ وكلِّ ذَاتِ ظِلْفٍ لأَنها بِهَا تأْكل، والمَرَمَّةُ، بِالْفَتْحِ، لُغَةٌ فِيهِ؛ أَبو الْعَبَّاسِ: هِيَ الشَّفَةُ مِنَ الإِنسان، وَمِنَ الظِّلْفِ المِرَمَّة والمِقَمَّة، وَمِنْ ذَوَاتِ الْخُفِّ المِشْفَرُ.

وَفِي حَدِيثِ الهِرَّة: «حَبَسَتْها فَلَا أَطْعَمَتْها وَلَا أَرسلتْها تُرَمْرِمُ مِنْ خَشاشِ الأَرض»أَي تأْكل، وأَصلها مِنْ رَمَّتِ الشَّاةُ وارْتَمَّتْ مِنَ الأَرض إِذا أَكلت، والمِرَمَّةُ مِنْ ذَوَاتِ الظِّلْفِ، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ: كالفَم مِنَ الإِنسان.

والرِّمُّ، بِالْكَسْرِ: الثَّرى؛ يُقَالُ: جَاءَ بالطِّمِّ والرِّمِّ إِذا جَاءَ بِالْمَالِ الْكَثِيرِ؛ وَقِيلَ: الطِّمُّ الْبَحْرُ، والرِّمُّ، بِالْكَسْرِ، الثَّرَى، وَقِيلَ: الطِّمُّ الرَّطْبُ والرِّمُّ الْيَابِسُ، وَقِيلَ: الطِّمُّ التُّرْبُ والرِّمُّ الْمَاءُ، وَقِيلَ: الطِّمُّ مَا حَمَلَهُ الْمَاءُ والرِّمُّ مَا حَمله الرِّيحُ، وَقِيلَ: الرِّمُّ مَا عَلَى وَجْهِ الأَرض مِنْ فُتات الْحَشِيشِ.

والإِرْمام: آخِرُ مَا يَبْقَى مِنَ النَّبْتِ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ: " تَرْعى سُمَيْراء إِلى إِرْمامِها وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «قَبْلَ أَن يَكُونَ ثُمامًا ثُمَّ رُمامًا»؛ الرُّمامُ، بِالضَّمِّ: مُبَالَغَةٌ فِي الرَّميم، يُرِيدُ الهَشِيمَ الْمُتَفَتِّتَ مِنَ النَّبْتِ، وَقِيلَ: هُوَ حِينَ تَنْبُتُ رؤوسه فتُرَمُّ؛ أي تُؤْكَلُ.

وَفِي حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ: «حُمِلْتُ عَلَى رِمٍّ مِنَ الأَكرْادِ»أَي جَمَاعَةٌ نُزول كالحَيّ مِنَ الأَعراب؛ قَالَ أَبو مُوسَى: فكأَنه اسْمٌ أَعجمي، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ الرِّمِّ، وَهُوَ الثَّرَى؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: جَاءَ بالطِّمِّ والرِّمِّ.

والمَرَمَّةُ: مَتَاعُ الْبَيْتِ.

وَمِنْ كَلَامِهِمُ السَّائِرِ: جَاءَ فُلَانٌ بالطِّمِّ والرِّمِّ؛ مَعْنَاهُ جَاءَ بِكُلِّ شَيْءٍ مِمَّا يَكُونُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، أَرادوا بالطِّمِّ الْبَحْرَ، والأَصل الطَّمُّ، بِفَتْحِ الطَّاءِ، فَكُسِرَتِ الطَّاءُ لِمُعَاقَبَتِهِ الرِّمَّ، والرِّمُّ مَا فِي الْبَرِّ مِنَ النَّبَاتِ وَغَيْرِهِ.

وَمَا لَهُ ثُمٌ وَلَا رُمٌّ؛ الثُّمُّ: قُماش النَّاسِ أَساقيهم وَآنِيَتَهُمْ، والرُّمُّ مَرَمَّةُ الْبَيْتِ.

وَمَا عَنْ ذَلِكَ حُمٌّ وَلَا رُمٌّ؛ حُمٌّ: مَحال، ورُمٌّ إِتباع.

وَمَا لَهُ رُمٌّ غيرُ كَذَا أَي هَمٌّ.

التَّهْذِيبُ: وَمِنْ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ النَّفْيِ: مَا لَهُ عَنْ ذَلِكَ الأَمرِ حَمٌّ وَلَا رَمٌّ أَي بُدٌّ، وَقَدْ يضمَّان، قَالَ اللَّيْثُ: أَما حَمٌّ فَمَعْنَاهُ لَيْسَ يَحُولُ دُونَهُ قَضَاءٌ، قَالَ: ورَمٌّ صِلَة كَقَوْلِهِمْ حَسَن بَسَن؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَا لَهُ حُمٌّ وَلَا سُمٌّ أَي مَا لَهُ هَمٌّ غَيْرَكَ.

وَيُقَالُ: مَا لَهُ حُمٌّ وَلَا رُمٌّ؛ أي لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، وأَما الرُّمُّ فإِن ابْنَ السِّكِّيتِ قَالَ: يُقَالُ مَا لَهُ ثُمٌّ وَلَا رُمٌّ وَمَا يَمْلِكُ ثُمًّا وَلَا رُمًّا، قَالَ: والثُّمُّ قُمَاشُ النَّاسِ أَساقيهم وَآنِيَتَهُمْ، والرُّمُّ مَرَمَّةُ الْبَيْتِ؛ قَالَ الأَزهري: وَالْكَلَامُ هُوَ هَذَا لَا مَا قَالَهُ اللَّيْثُ، قَالَ: وقرأْت بِخَطِّ شِمْرٍ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ حِينَ ذَكَرَ أُحَيْحَةَ بْنَ الجُلاح وَقَوْلَ أَخواله فِيهِ: «كُنَّا أَهل ثُمِّه ورُمِّه حَتَّى اسْتَوَى عَلَى عُمُمِّهِ»؛ قَالَ: أَبو عُبَيْدٍ حَدَّثُوهُ بِضَمِّ الثَّاءِ وَالرَّاءِ، قَالَ وَوَجْهُهُ عِنْدِي ثَمِّه ورَمِّه، بِالْفَتْحِ، قَالَ: والثَّمُّ إِصلاح الشَّيْءِ وإِحكامه، والرَّمُّ الأَكل؛ " قَالَ شَمِرٌ: وَكَانَ هَاشِمُ بْنُ عبدِ مَنافٍ تَزَوَّجَ سَلْمى بِنْتِ زَيْدٍ النَّجَّاريّة بَعْدَ أُحَيْحَةَ بْنِ الجُلاح فَوَلَدَتْ لَهُ شَيْبةَ وَتُوُفِّيَ هَاشِمٌ وشَبَّ الْغُلَامُ، فقَدِم المطَّلِب بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ فرأَى

رَمَتْني، وسِتْرُ اللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، ***عَشِيَّةَ أَحجارِ الكِناسِ، رَمِيمُ

أَراد بأَحْجار الكِناس رَمْلَ الكِناس.

وأَرْمام: مَوْضِعٌ.

ويَرَمْرَمُ: جَبَلٌ، وَرُبَّمَا قَالُوا يَلَمْلَمُ.

وَفِي الْحَدِيثِ ذُكِرَ رُمّ، بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، وَهِيَ بِئْرٌ بِمَكَّةَ مِنْ حَفْرِ مُرَّة بْنِ كعب.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


53-لسان العرب (قسم)

قسم: القَسْمُ: مَصْدَرُ قَسَمَ الشيءَ يَقْسِمُه قَسْمًا فانْقَسَمَ، وَالْمَوْضِعُ مَقْسِم مِثَالُ مَجْلِسٍ.

وقَسَّمَه: جزَّأَه، وَهِيَ القِسْمَةُ.

والقِسْم، بِالْكَسْرِ: النَّصِيبُ والحَظُّ، وَالْجَمْعُ أَقْسَام، وَهُوَ القَسِيم، وَالْجَمْعُ أَقْسِماء وأَقَاسِيمُ، الأَخيرة جَمْعُ الْجَمْعِ.

يُقَالُ: هَذَا قِسْمُك وَهَذَا قِسْمِي.

والأَقاسِيمُ: الحُظُوظ الْمَقْسُومَةُ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَالْوَاحِدَةُ أُقْسُومَة مِثْلُ أُظفُور.

وأَظافِير، وَقِيلَ: الأَقَاسِيمُ جَمْعُ الأَقْسَام، والأَقْسَام جَمْعُ القِسْم.

الْجَوْهَرِيُّ: القِسْم، بِالْكَسْرِ، الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ مِنَ الْخَيْرِ مِثْلُ طَحَنْت طِحْنًا، والطِّحْنُ الدَّقيق.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَالْمُقَسِّماتِ أَمْرًا}؛ هِيَ الْمَلَائِكَةُ تُقَسِّم مَا وُكِّلت بِهِ.

والمِقْسَمُ والمَقْسَم: كالقِسْم؛ التَّهْذِيبُ: كَتَبَ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه أَنشد:

فَما لكَ إِلَّا مِقْسَمٌ لَيْسَ فائِتًا ***بِهِ أَحدٌ، فاسْتَأْخِرَنْ أَو تقَدَّما

قَالَ: القِسْم والمِقْسَم والقَسِيم نَصِيبُ الإِنسان مِنَ الشَّيْءِ.

يُقَالُ: قَسَمْت الشَّيْءَ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وأَعطيت كُلَّ شَرِيكٍ مِقْسَمه وقِسْمه وقَسِيمه، وَسُمِّي مِقْسم بِهَذَا وَهُوَ اسْمُ رَجُلٍ.

وَحَصَاةُ القَسْم: حَصَاةٌ تُلْقَى فِي إِناء ثُمَّ يُصَبُّ فِيهَا مِنَ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَغمر الْحَصَاةَ ثُمَّ يَتَعَاطَوْنَهَا، وَذَلِكَ إِذا كَانُوا فِي سفَر وَلَا مَاءَ مَعَهُمْ إِلا شَيْءٌ يَسِيرٌ فَيُقَسِّمُونَهُ هَكَذَا.

اللَّيْثُ: كَانُوا إِذا قَلَّ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ فِي الفلَوات عَمدوا إِلى قَعْب فأَلقوا حَصَاةً فِي أَسفله، ثُمَّ صَبُّوا عَلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَغْمُرُهَا وقُسِمَ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَتُسَمَّى تِلْكَ الحصاةُ المَقْلَةَ.

وتَقَسَّمُوا الشَّيْءَ واقْتَسَمُوه وتَقَاسَمُوه: قَسَمُوه بَيْنَهُمْ.

واسْتَقسَمُوا بالقِداح: قَسَمُوا الجَزُور عَلَى مِقدار حُظوظهم مِنْهَا.

الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ}، قَالَ: مَوْضِعُ أَن رَفْعٌ، الْمَعْنَى: وحُرّم عَلَيْكُمِ الاسْتِقْسام بالأَزلام؛ والأَزْلام: سِهام كَانَتْ لأَهل الْجَاهِلِيَّةِ مَكْتُوبٌ عَلَى بَعْضِهَا: أَمَرَني ربِّي، وَعَلَى بَعْضِهَا: نَهاني رَبِّي، فإِذا أَراد الرَّجُلُ سفَرًا أَو أَمرًا ضَرَبَ تِلْكَ القِداح، فإِن خَرج السَّهْمُ الَّذِي عَلَيْهِ أَمرني رَبِّي مَضَى لِحَاجَتِهِ، وإِن خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ نَهَانِي رَبِّي لَمْ يَمْضِ فِي أَمره، فأَعلم اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَن ذَلِكَ حَرام؛ قَالَ الأَزهري: وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ" أَي تَطْلُبُوا مِنْ جِهَةِ الأَزلام مَا قُسِم لَكُمْ مِنْ أَحد الأَمرين، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الأَزلام الَّتِي كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا غَيْرُ قِدَاحِ الْمَيْسِرِ، مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكٍ المُدْلجِي، وَهُوَ ابْنُ أَخي سُراقة بْنِ جُعْشُم، أَن أَباه أَخبره أَنه سَمِعَ سُرَاقَةَ يَقُولُ: جَاءَتْنَا رُسُل كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ لَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبي بكرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُمَا أَو أَسَرَهما، قَالَ: فَبَيْنَا أَنا جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلج أَقبل مِنْهُمْ رجل فقام على رؤوسنا فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إِني رأَيت آنفًا أَسْوِدةً "بِالسَّاحِلِ لَا أُراها إِلا مُحَمَّدًا وأَصحابه، قَالَ: فَعَرَفْتُ أَنهم هُمْ، فَقُلْتُ: إِنهم لَيْسُوا بِهِمْ وَلَكِنَّكَ رأَيت فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقُوا بُغاة، قَالَ: ثُمَّ لَبِثْت فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً ثُمَّ قمتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي وأَمرت جَارِيَتِي أَن تُخْرِجَ لِي فَرَسِي وتحبِسها مِنْ وَرَاءِ أَكَمَة، قَالَ: ثُمَّ أَخذت رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فخفَضْت عالِيةَ الرُّمح وخَطَطْت بِرُمْحِي فِي الأَرض حَتَّى أَتيت فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا ورفَعْتها تُقَرِّب بِي حَتَّى رأَيت أَسودتهما، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُمْ حَيْثُ أُسْمِعُهم الصَّوْتَ عَثَرَت بِي فَرَسِي فخَرَرت عنها، أَهويت بِيَدِي إِلى كِنانتي فأَخرجت مِنْهَا الأَزْلامَ فاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضِيرُهم أَم لَا، فَخَرَجَ الَّذِي أَكره أَن لَا أَضِيرَهم، فعَصَيْت الأَزلام وَرَكِبْتُ فَرَسِي فرَفَعتها تُقَرِّب بِي، حَتَّى إِذا دَنَوْتُ مِنْهُمْ عَثَرت بِي فَرَسِي وخَرَرْت عَنْهَا، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِلى أَن سَاخَتْ يَدًا فَرَسِي فِي الأَرض، فَلَمَّا بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ خَرَرت عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتُهَا، فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكد تَخْرج يَدَاهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذا لأَثرِ يَدَيها عُثان سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخان؛ قَالَ مَعْمَرٌ، أَحد رُوَاةِ الْحَدِيثِ: « قُلْتُ لأَبي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ مَا العُثان؟ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لِي: هُوَ الدُّخَّانُ مِنْ غَيْرِنَا، وَقَالَ: ثُمَّ رَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى أَتيتهم وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيت مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَن سَيَظْهَرَ أَمرُ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ إِن قَوْمَكَ جَعَلُوا لِيَ الدِّيَةَ وأَخبرتهم بأَخبار سَفَرِهِمْ وَمَا يُرِيدُ النَّاسُ مِنْهُمْ، وعَرَضت عَلَيْهِمُ الزاد والمتاع فلم يَرْزَؤُوني شَيْئًا وَلَمْ يسأَلوني إِلا قَالُوا أَخْفِ عَنَّا، قَالَ: فسأَلت أَن يَكْتُبَ كِتَابَ مُوادَعة آمَنُ بِهِ، قَالَ: فأَمرَ عامرَ بْنَ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبي بَكْرٍ فَكَتَبَهُ لِي فِي رُقعة مِنْ أَديم ثُمَّ مَضَى»؛ قَالَ الأَزهري: فَهَذَا الْحَدِيثُ يُبَيِّنُ لَكَ أَن الأَزلام قِداحُ الأَمر وَالنَّهْيِ لَا قِداح المَيْسر، قَالَ: وَقَدْ قَالَ المؤَرّج وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهل اللُّغَةِ إِن الأَزلام قِدَاحُ الْمَيْسِرِ، قَالَ: وَهُوَ وهَم.

واسْتَقْسَمَ أَي طَلَبَ القَسْم بالأَزلام.

وَفِي حَدِيثِ الْفَتْحِ: « دَخَلَ الْبَيْتَ فرأَى إِبراهيم وإِسماعيلَ بأَيديهما الأَزلام فَقَالَ: قاتَلَهم اللَّهُ وَاللَّهِ لَقَدْ علِموا أَنهما لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قطُّ »؛ الاسْتِقْسَام: طَلَبُ القِسم الَّذِي قُسِم لَهُ وقُدِّر مِمَّا لَمْ يُقسَم وَلَمْ يُقَدَّر، وَهُوَ استِفعال مِنْهُ، وَكَانُوا إِذا أَراد أَحدهم سفَرًا أَو تَزْوِيجًا أَو نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ المَهامِّ ضَرَبَ بالأَزلام، وَهِيَ الْقِدَاحُ، وَكَانَ عَلَى بَعْضِهَا مَكْتُوبٌ أَمَرَني ربِّي، وَعَلَى الْآخَرِ نَهَانِي رَبِّي، وَعَلَى الْآخَرِ غُفْل، فإِن خَرَجَ أَمرني مَضى لشأْنه، وإِن خَرَجَ نَهَانِي أَمسك، وإِن خَرَجَ الغُفْل عادَ فأَجالَها وَضَرَبَ بِهَا أُخرى إِلى أَن يَخْرُجَ الأَمر أَو النَّهْيُ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.

وقَاسَمْتُه الْمَالَ: أَخذت مِنْهُ قِسْمَك وأَخذ قِسْمه.

وقَسِيمُك: الَّذِي يُقاسِمك أَرضًا أَو دَارًا أَو مَالًا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، وَالْجَمْعُ أَقسِماء وقُسَماء.

وَهَذَا قَسِيم هَذَا أَي شَطْرُه.

وَيُقَالُ: هَذِهِ الأَرض قَسيمة هَذِهِ الأَرض أَي عُزِلت عَنْهَا.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: « أَنا قَسِيم النَّارِ »؛ قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: أَراد أَن النَّاسَ فَرِيقَانِ: فَرِيقٌ مَعِي وَهُمْ عَلَى هُدى، وَفَرِيقٌ عَلَيَّ وَهُمْ عَلَى ضَلال كَالْخَوَارِجِ، فَأَنَا قَسِيمُ النَّارِ نِصْفٌ فِي الْجَنَّةِ مَعِي وَنِصْفٌ عَلَيَّ فِي النَّارِ.

وقَسِيم: فَعِيلٌ فِي مَعْنَى مُقاسِم مُفاعِل، كالسَّمير وَالْجَلِيسِ والزَّميل؛ قِيلَ: أَراد بِهِمُ الْخَوَارِجَ، وَقِيلَ: كُلَّ مَنْ قَاتَلَهُ.

وتَقَاسَما الْمَالَ واقْتَسَمَاه، وَالِاسْمُ القِسْمَة مؤَنثة.

وإِنما قَالَ تعالى: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ}، بَعْدَ قَوْلِهِ تعالى: {وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ، لأَنها فِي مَعْنَى الْمِيرَاثِ وَالْمَالِ فذكَّر عَلَى ذَلِكَ.

والقَسَّام: الَّذِي يَقْسِم الدُّورَ والأَرض بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِيهَا، وَفِي الْمُحْكَمِ: الَّذِي يَقسِم الأَشياء بَيْنَ النَّاسِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:

فارْضَوْا بِمَا قَسَمَ المَلِيكُ، فإِنما ***قَسَمَ المَعِيشةَ بَيْنَنَا قَسَّامُها

عَنَى بِالْمَلِيكِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.

اللَّيْثُ: يُقَالُ قَسَمْت الشَّيْءَ بَيْنَهُمْ قَسْمًا وقِسْمة.

والقِسْمة: مَصْدَرُ الاقْتِسام.

وَفِي حَدِيثِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ: « قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ »؛ أَراد بِالصَّلَاةِ هَاهُنَا الْقِرَاءَةَ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِبَعْضِهِ، وَقَدْ جَاءَتْ مُفَسَّرَةً فِي الْحَدِيثِ، وَهَذِهِ القِسْمة فِي الْمَعْنَى لَا اللَّفْظِ لأَن نِصْفَ الْفَاتِحَةِ ثَنَاءٌ وَنَصِفَهَا مَسْأَلة ودُعاء، وَانْتِهَاءُ الثَّنَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ: هَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي.

والقُسَامَة: مَا يَعْزِله الْقَاسِمُ لِنَفْسِهِ مِنْ رأْس الْمَالِ لِيَكُونَ أَجْرًا لَهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « إِياكم والقُسَامَة »، بِالضَّمِّ؛ هِيَ مَا يأْخذه القَسَّام مِنْ رأْس الْمَالِ عَنْ أُجرته لِنَفْسِهِ كَمَا يأْخذ السَّمَاسِرَةُ رَسمًا مرسُومًا لَا أَجرًا مَعْلُومًا، كتواضُعهم أَن يأْخذوا مِنْ كُلِّ أَلف شَيْئًا مُعَيَّنًا، وَذَلِكَ حَرَامٌ؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ فِي هَذَا تَحْرِيمٌ إِذا أَخذ القَسّام أُجرته بإِذن الْمَقْسُومِ لَهُمْ، وإِنما هُوَ فِيمَنْ وَلِيَ أَمر قَوْمٍ فإِذا قَسَّمَ بَيْنَ أَصحابه شَيْئًا أَمسك مِنْهُ لِنَفْسِهِ نَصِيبًا يستأْثر بِهِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخرى: " الرَّجُلُ يَكُونُ عَلَى الفِئام مِنَ النَّاسِ فيأْخذ مِنْ حَظّ هَذَا وَحَظِّ هَذَا.

وأَما القِسَامَةُ، بِالْكَسْرِ، فَهِيَ صَنْعَةُ القَسَّام كالجُزارة والجِزارة والبُشارة والبِشارة.

والقُسَامَةُ: الصَّدقة لأَنها تُقسم عَلَى الضُّعَفَاءِ.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ وابِصة: مثَلُ الَّذِي يأْكل القُسَامَة كَمَثَلِ جَدْيٍ بَطنُه مَمْلُوءٌ رَضْفًا "؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: جَاءَ تَفْسِيرُهَا فِي الْحَدِيثِ أَنها الصَّدَقَةُ، قَالَ: والأَصل الأَوَّل.

ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدَهُ قَسْمٌ يَقْسِمه أَي عَطاء، وَلَا يُجْمَعُ، وَهُوَ مِنَ القِسْمة.

وقَسَمَهم الدَّهر يَقْسِمُهُم فتَقَسَّموا أَي فَرَّقهم فتَفَرَّقوا، وقَسَّمَهم فرَّقهم قِسْمًا هُنَا وقِسمًا هُنَا.

ونَوىً قَسُومٌ: مُفَرِّقة مُبَعِّدة؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

نَأَتْ عَنْ بَناتِ العَمِّ وانقَلَبَتْ بِهَا ***نَوىً، يَوْم سُلَّانِ البَتِيلِ، قَسُوم

أَي مُقَسِّمة للشَّمْل مُفَرِّقة لَهُ.

والتَّقْسِيم: التَّفْرِيقُ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ يَذْكُرُ قِدْرًا:

تُقَسِّمُ مَا فِيهَا، فإِنْ هِي قَسَّمَتْ ***فَذاكَ، وإِن أَكْرَتْ فَعَنْ أَهلِها تُكْري

قَالَ أَبو عَمْرٍو: قَسَّمَت عَمَّت فِي القَسْم، وأَكْرَتْ نَقَصَتْ.

ابْنُ الأَعرابي: القَسَامَةُ الهُدنة بَيْنَ الْعَدُوِّ والمسلِمين، وَجَمْعُهَا قَسَامَات، والقَسَم الرَّأْي، وَقِيلَ: الشكُّ، وَقِيلَ: القَدَرُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ فِي القَسْم الشَّكِّ لِعَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:

ظِنّة شُبِّهتْ فأَمْكَنَها القَسْمُ ***فأَعدَتْه، والخَبِيرُ خبِيرُ

وقَسَمَ أَمرَه قَسْمًا: قَدَّره ونَظَر فِيهِ كَيْفَ يَفْعَلُ، وَقِيلَ: قَسَمَ أَمرَه لَمْ يَدْرِ كَيْفَ يَصنع فِيهِ.

يُقَالُ: هُوَ يَقْسِمُ أَمره قَسْمًا أَي يُقَدِّره ويُدَبِّره يَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلُ فِيهِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:

فَقُولا لَهُ إِن كَانَ يَقْسِمُ أَمْرَه: ***أَلَمَّا يَعِظْكَ الدَّهْرُ؟ أُمُّكَ هابِلُ

وَيُقَالُ: قَسَمَ فُلَانٌ أَمره إِذا مَيَّل فِيهِ أَن يَفْعَلَهُ أَو لَا يَفْعَلَهُ.

أَبو سَعِيدٍ: يُقَالُ تَرَكْتُ فُلَانًا يَقْتَسِم أَي يُفَكِّرُ ويُرَوِّي بَيْنَ أَمرين، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: تَرَكْتُ فُلَانًا يَسْتَقْسِم بِمَعْنَاهُ.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ جَيِّد القَسْمِ أَي جيِّد الرأْي.

وَرَجُلٌ مُقَسَّمٌ: مُشتَرك الخواطِر بالهُموم.

والقَسَمُ، بِالتَّحْرِيكِ: الْيَمِينُ، وَكَذَلِكَ المُقْسَمُ، وَهُوَ الْمَصْدَرُ مِثْلَ المُخْرَج، وَالْجَمْعُ أَقْسَام.

وَقَدْ أَقْسَمَ بِاللَّهِ واسْتَقْسَمَه بِهِ وقَاسَمَه: حلَف لَهُ.

وتَقَاسَمَ القومُ: تَحَالَفُوا.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ}.

وأَقْسَمْت: حَلَفْتُ، وأَصله مِنَ القَسامة.

ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ}؛ هُمُ الَّذِينَ تَقاسَمُوا وتَحالَفُوا عَلَى كَيْدِ الرَّسُولِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ اليهود والنصارى الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ آمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ.

وقَاسَمَهما أَي حلَفَ لَهُمَا.

والقَسامة: الَّذِينَ يَحْلِفُونَ عَلَى حَقِّهم ويأْخذون.

وَفِي الْحَدِيثِ: « نَحْنُ نازِلُون بخَيْفِ بَنِي كِنانة حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ »؛ تَقَاسَمُوا: مِنَ القَسَم الْيَمِينِ أَي تَحَالَفُوا، يُرِيدُ لمَّا تَعَاهَدَتْ قُرَيْشٌ عَلَى مُقاطعة بَنِي هَاشِمٍ وَتَرْكِ مُخالطتهم.

ابْنُ سِيدَهْ: والقَسامة الْجَمَاعَةُ يُقْسِمُون عَلَى الشَّيْءِ أَو يُشهدون، ويَمِينُ القَسامةِ مَنْسُوبَةٌ إِليهم.

وَفِي حديثٍ: " الأَيْمانُ تُقْسَمُ عَلَى أَوْلياء الدمِ.

أَبو زَيْدٍ: جَاءَتْ قَسَامَةُ الرجلِ، سُمِّيَ بِالْمَصْدَرِ.

وقَتل فُلَانٌ فُلَانًا بالقَسَامَة أَي بِالْيَمِينِ.

وَجَاءَتْ قَسامة مِنْ بَنِي فُلَانٍ، وأَصله الْيَمِينُ ثُمَّ جُعِل قَوْمًا.

والمُقْسَمُ: القَسَمُ.

والمُقْسَمُ: المَوْضِع الَّذِي حَلَفَ فِيهِ.

والمُقْسِم: الرَّجُلُ الْحَالِفُ، أَقْسَمَ يُقْسِمُ إِقْسامًا.

قَالَ الأَزهري: وَتَفْسِيرُ القَسَامَة فِي الدَّمِ أَن يُقْتل رَجُلٌ فَلَا تَشْهَدُ عَلَى قَتْلِ الْقَاتِلِ إِياه بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ كَامِلَةٌ، فَيَجِيءُ أَولياء الْمَقْتُولِ فَيَدَّعُونَ قِبَل رَجُلٍ أَنه قَتَلَهُ ويُدْلُون بِلَوْث مِنَ الْبَيِّنَةِ غَيْرِ كَامِلَةٍ، وَذَلِكَ أَن يُوجد المُدَّعى عَلَيْهِ مُتلَطِّخًا بِدَمِ الْقَتِيلِ فِي الْحَالِ الَّتِي وُجد فِيهَا وَلَمْ يَشْهَدْ رَجُلٌ عَدْلٌ أَو امرأَة ثِقَهٌ أَن فُلَانًا قَتَلَهُ، أَو يُوجَدُ الْقَتِيلُ فِي دَارِ الْقَاتِلِ وَقَدْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ، فإِذا قَامَتْ دِلَالَةٌ مِنْ هَذِهِ الدَّلَالَاتِ سَبَق إِلى قَلْبِ مَنْ سَمِعَهِ أَن دَعْوَى الأَولياء صَحِيحَةٌ فَيُستَحْلَفُ أَولياءُ الْقَتِيلِ خَمْسِينَ يَمِينًا أَن فُلَانًا الَّذِي ادَّعَوْا قَتْلَهُ انْفَرَدَ بِقَتْلِ صَاحِبِهِمْ مَا شَرَكه فِي دَمِهِ أَحد، فإِذا حَلَفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا اسْتَحَقُّوا دِيَةَ قَتِيلِهِمْ، فإِن أَبَوْا أَن يَحْلِفُوا مَعَ اللَّوْثِ الَّذِي أَدلوا بِهِ حَلَفَ المُدَّعى عَلَيْهِ وبَرِئ، وإِن نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنِ الْيَمِينِ خُيِّرَ وَرَثَةُ الْقَتِيلِ بَيْنَ قَتْلِهِ أَو أَخذ الدِّيَةِ مِنْ مَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَذَا جَمِيعُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

والقَسامةُ: اسْمٌ مِنَ الإِقْسام، وُضِع مَوْضِع الْمَصْدَرِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلَّذِينِ يُقْسِمونَ قَسَامة، وإِن لَمْ يَكُنْ لَوْثٌ مِنْ بَيِّنَةٍ حَلَفَ المدَّعى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ، وَقِيلَ: يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً.

وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه اسْتَحْلَف خمسةَ نفَر فِي قَسَامة مَعَهُمْ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِهِمْ فَقَالَ: رُدُّوا الأَيمان عَلَى أَجالدِهم »؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: القَسَامة، بِالْفَتْحِ، الْيَمِينُ كالقسَم، وَحَقِيقَتُهَا أَن يُقْسِم مِنْ أَولياء الدَّمِ خَمْسُونَ نَفَرًا عَلَى استحقاقِهم دمَ صاحبِهم إِذا وَجَدُوهُ قَتِيلًا بَيْنَ قَوْمٍ وَلَمْ يُعرف قَاتِلُهُ، فإِن لَمْ يَكُونُوا خَمْسِينَ أَقسم الْمَوْجُودُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَلَا يَكُونُ فِيهِمْ صَبِيٌّ وَلَا امرأَة وَلَا مَجْنُونٌ وَلَا عَبْدٌ، أَو يُقسم بِهَا الْمُتَّهَمُونَ عَلَى نَفْيِ الْقَتْلِ عَنْهُمْ، فإِن حَلَفَ الْمُدَّعُونَ اسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ، وإِن حَلَفَ المتهَمون لَمْ تَلْزَمْهُمُ الدِّيَةُ، وَقَدْ أَقْسَمَ يُقْسِمُ قَسَمًا وقَسَامَة، وَقَدْ جَاءَتْ عَلَى بِناء الغَرامة والحَمالة لأَنها تَلْزَمُ أَهل الْمَوْضِعِ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ الْقَتِيلُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: القَسامة تُوجِبُ العَقْل أَي تُوجب الدِّيَةَ لَا القَوَد.

وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ: « القَسامةُ جاهِلِيّة»؛ أي كَانَ أَهل الْجَاهِلِيَّةِ يَدِينُون بِهَا وَقَدْ قَرَّرَهَا الإِسلام، وَفِي رِوَايَةٍ: القَتْلُ بالقَسَامة جاهِليةٌ؛ أي أَن أَهل الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يقتُلُون بِهَا أَو أَن الْقَتْلَ بِهَا مِنْ أَعمال الْجَاهِلِيَّةِ، كأَنه إِنكار لِذَلِكَ واسْتِعْظام.

والقَسامُ: الجَمال والحُسن؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ: " يُسَنُّ عَلَى مَراغِمِها القَسَامُ "وَفُلَانٌ قَسِيمُ الوَجْهِ ومُقَسَّمُ الوجهِ؛ وَقَالَ بَاعِثُ بْنُ صُرَيْم اليَشْكُري، وَيُقَالُ هُوَ كَعْبُ بْنُ أَرْقَمَ الْيَشْكُرِيُّ قَالَهُ فِي امرأَته وَهُوَ الصَّحِيحُ:

ويَوْمًا تُوافِينا بَوجْهٍ مُقَسَّمٍ، ***كأَنْ ظَبْية تَعْطُو إِلى وارِق السَّلَمْ

ويَوْمًا تُرِيدُ مالَنا مَعَ مَالِهَا، ***فإِنْ لَمْ نُنِلْها لَمْ تُنِمْنا وَلَمْ تَنَمْ

نَظَلُّ كأَنَّا فِي خُصومِ غَرامةٍ، ***تُسَمِّعُ جِيراني التَّأَلِّيَ والقَسَمْ

فَقُلْتُ لَهَا: إِنْ لَا تَناهَي، فإِنَّني ***أَخو النُّكْر حَتَّى تَقْرَعي السِّنَّ مِنْ نَدَمْ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي التَّهْذِيبِ أَنشده أَبو زَيْدٍ: كأَنْ ظَبْيَةً تَعْطُو إِلى ناضِرِ السَّلم "وَقَالَ: قَالَ أَبو زَيْدٍ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَنْشُدُهُ: كأَنْ ظبيةٌ؛ يُرِيدُ كأَنها ظَبْيَةٌ فأَضمر الْكِنَايَةَ؛ وَقَوْلُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبي الحُقَيْق:

بأَحْسَنَ منها، وقامَتْ تريك ***وجَهًا كأَنَّ عَلَيْه قَسَاما

أَي حُسْنًا.

وَفِي حَدِيثِ أُم مَعْبَدٍ: « قَسِيمٌ وَسِيم »؛ القَسامةُ: الْحَسَنُ.

وَرَجُلٌ مُقَسَّم الوجهِ أَي جَمِيلٌ كُلُّهُ كأَن كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْهُ أَخذ قِسْمًا مِنَ الْجَمَالِ.

وَيُقَالُ لحُرِّ الْوَجْهِ: قَسِمة، بِكَسْرِ السِّينِ، وَجَمْعُهَا قَسِماتٌ.

وَرَجُلٌ مُقَسَّمٌ وقَسِيم، والأُنثى قَسِيمَة، وَقَدْ قَسُمَ.

أَبو عُبَيْدٍ: القَسَام والقَسَامَة الحُسْن.

وَقَالَ اللَّيْثُ: القَسِيمَة المرأَة الْجَمِيلَةُ؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وكأَنَّ فارةَ تاجِرٍ بِقَسِيمَةٍ ***سَبَقَتْ عَوارِضَها إِليكَ مِن الفَمِ

فَقِيلَ: هِيَ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَقِيلَ: هُوَ وَقْتُ تَغَير الأَفواه، وَذَلِكَ فِي وَقْتِ السَّحَرِ، قَالَ: وَسُمِّيَ السَّحَرُ قَسِيمَة لأَنه يَقْسِم بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَقَدْ قِيلَ فِي هَذَا الْبَيْتِ إِنه الْيَمِينُ، وَقِيلَ: امرأَة حسَنة الْوَجْهِ، وَقِيلَ: مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: هُوَ جُؤْنة العَطَّار؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْمَعْرُوفُ عَنِ ابْنِ الأَعرابي فِي جُؤْنة الْعَطَّارِ قَسِمَة، فإِن كَانَ ذَلِكَ فإِن الشَّاعِرَ إِنما أَشبع لِلضَّرُورَةِ، قَالَ: والقَسِيمَة السُّوقُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَلَمْ يُفسِّر بِهِ قَوْلَ عَنْتَرَةَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ عِنْدِي مِمَّا يَجُوزُ أَن يُفسَّر بِهِ؛ وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ:

الحمدُ للهِ العَلِيّ الأَعْظَمِ، ***بَارِي السَّماواتِ بِغَيْرِ سُلَّمِ

ورَبِّ هَذَا الأَثَرِ المُقَسَّمِ، ***مِن عَهْد إِبراهيمَ لَمَّا يُطْسَمِ

أَراد المُحَسَّن، يَعْنِي مَقام إِبراهيم، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كأَنه قُسِّم أَي حُسِّن؛ وَقَالَ أَبو مَيْمُونَ يَصِفُ فَرَسًا:

كلِّ طَوِيلِ السّاقِ حُرِّ الخدّيْن، ***مُقَسَّمِ الوجهِ هَرِيتِ الشِّدْقَيْن

ووَشْيٌ مُقَسَّمٌ أَي مُحَسَّنٌ.

وَشَيْءٌ قَسَامِيٌّ: مَنْسُوبٌ إِلى القَسَام، وَخَفَّفَ الْقُطَامِيُّ يَاءَ النِّسْبَةِ مِنْهُ فأَخرجه مُخرج تِهامٍ وشآمٍ، فَقَالَ:

إِنَّ الأُبُوَّةَ والدَيْنِ تَراهُما ***مُتَقابلينِ قَسَامِيًا وهِجانا

أَراد أُبوّة وَالِدَيْنِ.

والقَسِمَةُ: الحُسن.

والقَسِمَةُ: الوجهُ، وَقِيلَ: مَا أَقبل عَلَيْكَ مِنْهُ، وَقِيلَ: قَسِمَةُ "الْوَجْهِ مَا خَرج مِنَ الشَّعْرِ.

وَقِيلَ: الأَنفُ وناحِيتاه، وَقِيلَ: وسَطه، وَقِيلَ: أَعلى الوَجْنة، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الوَجْنتين والأَنف، تُكْسَرُ سِينُهَا وَتُفْتَحُ، وَقِيلَ: القَسِمَة أَعالي الْوَجْهِ، وَقِيلَ: القَسِمَات مَجارِي الدُّمُوعِ، وَالْوُجُوهُ، وَاحِدَتُهَا قَسِمَةٌ.

وَيُقَالُ مِنْ هَذَا: رَجُلٌ قَسِيم ومُقَسَّم إِذا كَانَ جَمِيلًا.

ابْنُ سِيدَهْ: والمُقْسَم مَوْضِعُ القَسَم؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

فتُجْمَعُ أَيْمُنٌ مِنَّا ومِنْكُم ***بمُقْسَمَةٍ تَمُورُ بِهَا الدِّماء

وَقِيلَ: القَسِمَاتُ مَجَارِي الدُّمُوعِ؛ قَالَ مُحْرِز بْنُ مُكَعْبَرٍ الضَّبِّيُّ:

وإِنِّي أُراخيكم عَلَى مَطِّ سَعْيِكم، ***كَمَا فِي بُطونِ الحامِلاتِ رِخاءُ

فَهلَّا سَعَيْتُمْ سَعْيَ عُصْبةِ مازِنٍ، ***وَمَا لعَلائي فِي الخُطوب سَواءُ

كأَنَّ دَنانِيرًا عَلَى قَسِمَاتِهِم، ***وإِنْ كَانَ قَدْ شَفَّ الوُجُوهَ لِقاءُ

لَهُمْ أَذْرُعٌ بادٍ نواشِزُ لَحْمِها، ***وبَعضُ الرِّجالِ فِي الحُروب غُثاءُ

وَقِيلَ: القَسِمَةُ مَا بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ؛ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَبِهِ فَسَّرَ قَوْلَهُ دَنَانِيرًا عَلَى قَسِمَاتهم؛ وَقَالَ أَيضًا: القَسِمَةُ والقَسَمَةُ مَا فَوْقَ الْحَاجِبِ، وَفَتْحُ السِّينِ لُغَةٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

أَبو الْهَيْثَمِ: القَسَامِيُّ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ.

والقَسَامِيّ: الحَسَن، مِنَ القَسَامَة.

والقَسَامِيُّ: الَّذِي يَطوي الثِّيَابَ أَول طَيّها حَتَّى تَتَكَسَّرَ عَلَى طَيِّهِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

طاوِينَ مَجْدُولَ الخُروقِ الأَحداب، ***طَيَّ القَسَامِيِّ بُرودَ العَصّاب

ورأَيت فِي حَاشِيَةٍ: القَسَّامُ المِيزان، وَقِيلَ: الخَيّاطُ.

وَفَرَسٌ قَسَامِيٌّ أَي إِذا قَرَحَ [قَرِحَ] مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ، مِنْ آخرَ، رَباعٍ؛ وأَنشد الجَعْدي يَصِفُ فَرَسًا:

أَشَقَّ قَسَامِيًّا رَباعِيَ جانِبٍ، ***وقارِحَ جَنْبٍ سُلَّ أَقْرَحَ أَشْقَرا

وَفَرَسٌ قَسَامِيٌّ: مَنْسُوبٌ إِلى قَسَام فَرَسٌ لِبَنِيِ جَعْدة؛ وَفِيهِ يَقُولُ الْجَعْدِيُّ:

أَغَرّ قَسَامِيّ كُمَيْت مُحَجَّل، ***خَلا يَدُهُ اليُمْنى فتَحْجِيلُه خَسا

أَي فَرْدٌ.

وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: اسْمُ الْفَرَسِ قَسَامَة، بِالْهَاءِ؛ وأَما قَوْلُ النَّابِغَةِ يَصِفُ ظَبْيَةً:

تَسَفُّ برِيرَه، وتَرُودُ فِيهِ ***إِلى دُبُر النهارِ مِنَ القَسَامِ

قِيلَ: القَسَامَة شِدَّةُ الْحَرِّ، وَقِيلَ: إِن القَسَام أَول وَقْتِ الْهَاجِرَةِ، قَالَ الأَزهري: وَلَا أَدري مَا صِحَّتُهُ، وَقِيلَ: القَسَام وَقْتُ ذُرور الشَّمْسِ، وَهِيَ تَكُونُ حِينَئِذٍ أَحسن مَا تَكُونُ وأَتمّ مَا تَكُونُ مَرْآةً، وأَصل القَسَام الحُسن؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي؛ وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

لَا أَحْسَبُ الدَّهْرَ يُبْلي جِدّةً أَبدًا، ***وَلَا تُقَسَّم شَعْبًا واحِدًا شُعَبُ

يَقُولُ: إِني ظَنَنْتُ أَن لَا تَنْقَسِمَ حالاتٌ كَثِيرَةٌ، يَعْنِي حالاتِ شَبَابِهِ، حَالًا وَاحِدًا وأَمرًا وَاحِدًا، يَعْنِي الكِبَر وَالشَّيْبَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَقُولُ كُنْتُ لغِرّتي أَحسب أَن الإِنسان لَا يَهرم، وأَن الثوبَ الْجَدِيدَ لَا يَخْلُق، وأَن الشَّعْب الْوَاحِدَ الْمُمْتَنِعَ لَا يَتفرَّق الشُّعَبَ المتفرِّقةَ فَيَتَفَرَّقُ بَعْدَ اجْتِمَاعٍ وَيَحْصُلُ مُتَفَرِّقًا فِي تِلْكَ الشُّعَبِ.

والقَسُومِيَّات: مَوَاضِعُ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

ضَحَّوْا قَليلًا قَفا كُثْبانِ أَسْنِمةٍ، ***ومِنْهُمُ بالقَسُومِيّاتِ مُعْتَرَكُ

وقاسِمٌ وقَسِيمٌ وقُسَيْمٌ وقَسَّام ومِقْسَم ومُقَسِّم: أَسماء.

والقَسْم: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ.

والمُقْسِم: أَرض؛ قَالَ الأَخطل:

مُنْقَضِبِين انْقِضابَ الْخَيْلِ، سَعْيُهُم ***بَين الشَّقِيقِ وعَيْن المُقْسِمِ البَصِر

وأَما قَوْلُ القُلاخ بْنِ حَزْن السَّعْدِيِّ:

أَنا القُلاخُ فِي بُغائي مِقْسَما، ***أَقْسَمْتُ لَا أَسْأَمُ حتَّى تَسْأَما

فَهُوَ اسْمُ غُلَامٍ لَهُ كَانَ قد فرّ منه.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


54-لسان العرب (وضم)

وضم: الوَضَم: كلُّ شَيْءٍ يُوضَعُ عَلَيْهِ اللحمُ مِنْ خشبٍ أَوْ بارِيةٍ يُوقى بِهِ مِنَ الأَرض؛ قَالَ أَبو زُغْبة الْخَزْرَجِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ للحُطَم الْقَيْسِيِّ، وَقِيلَ: هُوَ لرُشَيد بْنِ رُمَيض العَنزيّ:

لستُ بِراعي إبلٍ وَلَا غَنَمْ، ***وَلَا بِجَزَّارٍ عَلَى ظَهْرِ وَضَمْ

وَمَثَلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:

وفِتْيان صِدْقٍ حسان الوُجوهِ، ***لَا يجدونَ لشيءٍ أَلَمْ

مِنَ آلِ المُغيرةِ لَا يَشْهدون، ***عِنْدَ المَجازِرِ، لَحْمَ الوَضَمْ

وَالْجَمْعُ أَوْضَامٌ.

وَفِي الْمَثَلِ: إِنَّ العَيْنَ تُدْني الرجالَ مِنْ أَكفانها والإِبل مِنْ أَوْضَامِها.

وأَوْضَمَ اللحمَ وأَوْضَمَ لَهُ: وضَعَه عَلَى الوَضَم.

ووَضَمَه يَضِمُه وَضْمًا: عَمِلَ لَهُ وَضَمًا، وَفِي الصِّحَاحِ: وضَعَه عَلَى الوَضَم.

وترَكَهم لَحْمًا عَلَى وَضَم: أَوْقَع بِهِمْ فذَلَّلَهم وأَوْجَعهم.

والوَضَمُ: مَا وُضع عَلَيْهِ الطَّعَامُ فأُكِل؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " دَقًّا كدَقِّ الوَضَم المَرْفُوشِ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ: « إِنَّمَا النِّسَاءُ لَحْمٌ عَلَى وَضَمٍ إلَّا مَا ذُبَّ عَنْهُ »؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الأَصمعي الوَضَمُ الْخَشَبَةُ أَوِ الْبَارِيَةُ الَّتِي يوضعُ عَلَيْهَا اللحمُ، يَقُولُ: فهنَّ فِي الضَّعْفِ مِثْلُ ذَلِكَ اللحمِ لَا يمتنعُ مِنْ أَحد إلَّا أَن يُذَبَّ عَنْهُ ويُدْفَعَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: إِنَّمَا خَصَّ اللحمَ الَّذِي عَلَى الوَضَم وشبَّه النساءَ بِهِ لأَن مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ فِي بَادِيَتِهَا إِذَا نُحر بعيرٌ لِجَمَاعَةِ الْحَيِّ يَقْتَسِمُونَهُ أَنْ يَقْلَعُوا شَجَرًا كَثِيرًا، ويوضمَ بعضُه عَلَى بَعْضٍ، ويُعَضَّى اللحمُ ويوضعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُلْقى لحمُه عَنْ عُراقِه ويُقَطَّع عَلَى الوَضَمِ هَبْرًا للقَسْمِ، وتُؤجَّج نارٌ، فَإِذَا سقطَ جَمْرُها اشْتَوى مَنْ شاءَ مِنَ الْحَيِّ شِواءَةً بَعْدَ أُخرى عَلَى جَمْرِ النَّارِ، لَا يُمْنع أَحدٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا وَقعَت فِيهِ المَقاسِمُ وحازَ كلُّ شَريكٍ فِي الجَزورِ مَقْسِمَه حَوَّله عَنِ الوَضَمِ إِلَى بيتِه وَلَمْ يَعْرض لَهُ أَحد، فشبَّه النساءَ وقلَّةَ امتِناعِهِنَّ عَلَى طُلَّابِهِنَّ بِاللَّحْمِ مَا دَامَ عَلَى الوَضَمِ.

قَالَ الْكِسَائِيُّ: إِذَا عَمِلْت لَهُ وَضَمًا قُلْتَ وَضَمْتُه أَضِمُه، فَإِذَا وضَعْتَ اللحمَ عَلَيْهِ قُلْتَ أَوْضَمْتُه.

والوَضِيمَةُ: طعامُ المَأْتَم، والوَضِيمَةُ، مِثْلُالوَثيمةِ: الكلأُ الْمُجْتَمَعُ.

والوَضِيمَةُ: القومُ يَنْزِلُونَ عَلَى الْقَوْمِ وَهُمْ قَلِيلٌ فيُحْسِنون إِلَيْهِمْ ويُكْرِمونهم.

الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ ابْنُ الأَعرابي الوَضْمَةُ والوَضِيمَةُ صِرْمٌ مِنَ النَّاسِ يَكُونُ فِيهِ مِائَتَا إنْسانٍ أَوْ ثلاثمائةٍ.

والوَضِيمَةُ: القومُ يَقِلُّ عددُهم فَيَنْزِلُونَ عَلَى قَوْمٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ أَبَّاق الدُّبَيْريّ:

أَتَتْني مِنْ بَنِي كعْبِ بنِ عَمْرٍو ***وَضِيمَتُهم لكَيْما يسأَلوني

ووَضَمَ بَنُو فلانٍ عَلَى بَنِي فلانٍ إِذَا حَلُّوا عَلَيْهِمْ.

ووَضَمَ القومُ وُضُومًا: تجمَّعوا وتقارَبوا.

والقومُ وَضْمَةٌ وَاحِدَةٌ، بِالتَّسْكِينِ، أَيْ جَمَاعَةٌ مُتَقَارِبَةٌ.

وَهُمْ فِي وَضْمَةٍ مِنَ النَّاسِ أَيْ جَمَاعَةٌ.

وَإِنَّ فِي جَفِيرِه لَوَضْمةً مَنْ نَبْل أَيْ جَمَاعَةً.

واسْتَوْضَمْتُ الرجلَ إِذَا ظَلمتَه واسْتَضَمْتَه.

وتَوَضَّمَ الرجلُ المرأَةَ إِذَا وَقَعَ عَلَيْهَا.

وَقَالَ أَبو الْخَطَّابِ الأَخفش: الوَضِيمُ مَا بَيْنَ الوُسْطى والبِنْصر.

والأَوْضَمُ: موضع.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


55-لسان العرب (سمن)

سمن: السِّمَنُ: نَقِيضُ الهُزال.

والسَّمِينُ: خِلَافُ المَهْزول، سَمِنَ يَسْمَنُ سِمَنًا وسَمانةً؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

رَكِبْناها سَمانَتَها، فَلَمَّا ***بَدَتْ مِنْهَا السَّناسِنُ والضُّلوعُ

أَراد: رَكِبْنَاهَا طُولَ سَمانتِها.

وَشَيْءٌ سامِنٌ وَسَمِينٌ، وَالْجَمْعُ سِمانٌ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَمْ يَقُولُوا سُمَناء، اسْتَغنَوْا عَنْهُ بسِمانٍ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: إِذا كَانَ السِّمَنُ خِلْقة قِيلَ هَذَا رَجُلٌ مُسْمِن وَقَدْ أَسْمَن.

وسَمَّنه: جَعَلَهُ سَمِينًا، وتسَمَّنَ وسَمَّنه غيرُه.

وَفِي الْمَثَلِ: سَمِّنْ كلْبَك يأْكُلْك.

وَقَالُوا: اليَنَمةُ تُسْمِن وَلَا تُغْزر أَي أَنها تَجْعَلُ الإِبل سَمينة وَلَا تَجْعَلُهَا غِزارًا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: امرأَة مُسْمَنة سَمينة ومُسَمَّنة بالأَدْوية.

وأَسْمَن الرجلُ: مَلَكَ سَمينًا أَو اشْتَرَاهُ أَو وُهِبَهُ.

وأَسْمَنَ القومُ: سَمِنَتْ مَوَاشِيهِمْ ونَعَمُهم، فَهُمْ مُسْمِنون.

واسْتَسْمَنتُ اللحمَ أَي وَجَدْتُهُ سَمينًا.

واسْتَسْمَن الشيءَ: طَلَبَهُ سَمِينًا أَو وَجَدَهُ كَذَلِكَ.

واسْتَسْمَنه: عَدَّه سَمينًا، وَطَعَامٌ مَسْمَنة لِلْجِسْمِ.

والسُّمنة: دَوَاءٌ يُتَّخَذُ للسِّمَن.

وَفِي التَّهْذِيبِ: السُّمْنة دَوَاءٌ تُسَمَّن بِهِ المرأَةُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « وَيلٌ للمُسَمَّنات يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ فَترة فِي الْعِظَامِ» أَي اللَّاتِي يَسْتَعْمِلْنَ السُّمْنةَ، وَهُوَ دَوَاءٌ يَتَسَمَّنُ بِهِ النِّسَاءُ، وَقَدْ سُمِّنَتْ، فَهِيَ مُسَمَّنة.

وَفِي الْحَدِيثِ: « أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يتَسَمَّنون» أَي يتَكثَّرون بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ الْخَيْرِ ويَدَّعون مَا لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ الشَّرَفِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ جَمْعُهم المالَ ليُلْحَقُوا بذَوي الشَّرَف، وَقِيلَ: مَعْنَى يَتَسَمَّنُون يحِبون التَّوَسُّعَ فِي المَآكل والمَشارِب، وَهِيَ أَسباب السِّمَنِ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: ويَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ.

وَوَضَعَ محمد بن إِسحق حَدِيثًا: ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَتَسَمَّنُون، فِي بَابِ كَثْرَةِ الأَكل وَمَا يُذَمُّ مِنْهُ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: « قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ أُمتي القَرْنُ الَّذِي أَنا فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهم ثُمَّ يظهَر فِيهِمْ قومٌ يُحِبُّون السَّمَانةَ يَشْهَدُونَ قبل أَن يُسْتَشْهَدُوا »؛ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ" عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لرجلٍ سَمِينٍ ويُومِئُ بِإِصْبَعِهِ إِلى بَطْنِهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا لَكَانَ خَيْرًا لَكَ.

وأَرضٌ سَمِينة: جَيِّدة التُّرْب قَلِيلَةُ الْحِجَارَةِ قَوِيَّةٌ عَلَى ترشيح النَّبْتِ.

والسَّمْنُ: سِلاءُ اللَّبَنِ.

والسَّمْنُ: سِلاءُ الزُّبْد، والسَّمْنُ لِلْبَقَرِ، وَقَدْ يَكُونُ للمِعْزَى؛ قَالَ إِمرؤ الْقَيْسِ وَذَكَرَ مِعْزًى لَهُ:

فتَمْلأُ بَيْتَنا أَقِطًا وسَمْنًا، ***وحَسْبُكَ مِنْ غِنًى شِبَعٌ ورِيُ

وَالْجَمْعُ أَسْمُن وسُمُون وسُمْنان مِثْلَ عَبْدٍ وعُبْدانٍ وظَهْرٍ وظُهْرانٍ.

وسَمَنَ الطعامَ يَسْمُنُه سَمْنًا، فَهُوَ مَسْمُون: عَمَلَهُ بالسَّمْن ولَتَّهُ بِهِ؛ وَقَالَ:

عَظِيمُ القَفا رِخْوُ الخَواصِرِ، أَوْهَبَتْ ***لَهُ عَجْوَةٌ مَسْمُونَةٌ وخَمِيرُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ إِنما هُوَ أُرْهِنَتْ لَهُ عَجْوَةٌ أَي أُعِدَّتْ وأُدِيمت كَقَوْلِهِ: عِيديَّةٌ أُرْهِنَتْ فِيهَا الدَّنَانِيرُ ".

يريد أَنه منقول بالهمزة مِنْ رَهَنَ الشيءُ إِذا دَامَ؛ قَالَ الشَّاعِرَ:

الخُبْزُ واللَّحْمُ لَهُمْ راهِنٌ، ***وقَهْوَةٌ راوُوقُها ساكِبُ

وسَمَنَ الخبزَ وسَمَّنَه وأَسْمنَه: لَتَّه بالسَّمْنِ.

وسَمَنْتُ لَهُ إِذا أَدَمْتَ لَهُ بالسَّمْن.

وأَسْمَنَ الرَّجُلُ: اشْتَرَى سَمْنًا.

وَرَجُلٌ سامِنٌ: ذُو سَمْن، كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ تامِرٌ ولابِنٌ أَي ذُو تَمْرٍ وَلَبَنٍ.

وأَسْمَنَ القومُ: كثرَ عِنْدَهُمُ السَّمْنُ.

وسَمَّنَهم تَسْمِينًا: زَوَّدَهم السَّمْنَ.

وجاؤُوا يَسْتَسمِنُون أَي يَطْلُبُونَ السَّمْنَ أَن يُوهَبَ لَهُمْ.

والسَّمّانُ: بَائِعُ السَّمْن.

الْجَوْهَرِيُّ: السَّمّان إِن جَعَلْتَهُ بَائِعَ السَّمْن انْصَرَفَ، وإِن جَعَلْتَهُ مِنَ السَّمِّ لَمْ يَنْصَرِفْ فِي الْمَعْرِفَةِ.

وَيُقَالُ: سَمَّنْته وأَسْمَنتُه إِذا أَطعمته السَّمْنَ؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:

لَمَّا نزَلْنا حاضِرَ المَدينة، ***بعدَ سِياقِ عُقْبةٍ مَتِينه،

صِرْنا إِلى جاريَةٍ مَكِينه، ***ذاتِ سُرورٍ عَيْنُها سَخِينه

فباكَرَتْنا جَفْنةٌ بَطِينه، ***لحْمَ جَزُورٍ عَثَّةٍ سَمِينه

أَي مَسْمونة مِنَ السَّمْن لَا مِنَ السِّمَنِ، وَقَوْلُهُ: جَارِيَةً، يُرِيدُ عَيْنًا تَجْرِي بِالْمَاءِ، مَكِينَةٌ: مُتَمَكِّنَةٌ فِي الأَرض، ذَاتَ سُرورٍ: يُسَرُّ بِهَا النَّازِلُ.

والتَّسْمِينُ: التَّبْرِيدُ، طَائِفِيَّةٌ.

وَفِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ: « أَنه أُتِيَ بِسَمَكَةٍ مَشْوِيَّةٍ فَقَالَ لِلَّذِي حَمَلَهَا سَمِّنْها»، فَلَمْ يَدْرِ مَا يُرِيدُ، فَقَالَ عَنْبَسَة بْنُ سَعِيدٍ: إِنه يَقُولُ لَكَ بَرِّدْها قليلًا.

والسُّمَانَى: طَائِرٌ، وَاحِدَتُهُ سُمَاناةٌ، وَقَدْ يَكُونُ السُّمَانَى وَاحِدًا.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا تَقُلْ سُمّانَى، بِالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " نفْسِي تَمَقَّسُ مِنْ سُمانَى الأَقبُر ابن الأَعرابي: الأَسْمالُ والأَسْمانُ الأُزُر الخُلْقانُ.

والسَّمّانُ: أَصْباغ يُزَخْرَفُ بِهَا، اسْمٌ كالجَبّان.

وسَمْنٌ وسَمْنان وسُمْنان وسُمَيْنة: مواضع.

والسُّمَنِيَّة: قَوْمٌ مِنْ أَهل الْهِنْدِ دُهْرِيُّونَ.

الْجَوْهَرِيُّ: السُّمَنِيَّة، بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، فِرْقَةٌ مِنْ عَبَدَةِ الأَصنام تَقُولُ بالتَّناسُخ وَتُنْكِرُ وقوعَ الْعِلْمِ بالإِخبار.

والسُّمْنة: عُشْبة ذَاتُ وَرَقٍ وقُضُب دَقِيقَةُ الْعِيدَانِ لَهَا نَوْرة بَيْضَاءَ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: السُّمْنةُ مِنَ الجَنْبَة تَنْبُتُ بنُجُوم الصَّيْفِ وتَدُوم خُضْرتها.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


56-مجمل اللغة (غيب)

غيب: الغيب: كل ما غاب عنك.

وغابت الشمس تغيب.

والغيبة معروفة.

وأغابت المرأة فهي مغيبة، [إذا غاب بعلها].

ووقعنا في غيبة وغيابة، أي:

(في) هبطة من الأرض.

والغابة: الأجمة.

وقال ابن السكيت: بنو فلان يشهدون أحيانًا - ويتغايبون - أحيانًا -.

مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


57-مقاييس اللغة (قري)

(قَرِيَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى جُمَعٍ وَاجْتِمَاعٍ.

مِنْ ذَلِكَ الْقَرْيَةُ، سُمِّيَتْ قَرْيَةً لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا.

وَيَقُولُونَ: قَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْمِقْرَاةِ: جَمَعْتُهُ، وَذَلِكَ الْمَاءُ الْمَجْمُوعُ قَرِيٌّ.

وَجَمْعُ الْقَرْيَةِ قُرًى، جَاءَتْ عَلَى كُسْوَةٍ وَكُسًى.

وَالْمِقْرَاةُ: الْجَفْنَةُ، سُمِّيَتْ لِاجْتِمَاعِ الضَّيْفِ عَلَيْهَا، أَوْ لِمَا جُمِعَ فِيهَا مِنْ طَعَامٍ.

وَمِنَ الْبَابِ الْقَرْوُ، وَهُوَ كَالْمِعْصَرَةِ.

قَالَ:

أَرْمِي بِهَا الْبَيْدَاءَ إِذْ أَعْرَضَتْ *** وَأَنْتَ بَيْنُ الْقَرْوِ وَالْعَاصِرِ

وَالْقَرْوُ: حَوْضٌ مَعْرُوفٌ مَمْدُودٌ عِنْدَ الْحَوْضِ الْعَظِيمِ، تَرِدُهُ الْإِبِلُ.

وَمِنَ الْبَابِ الْقَرْوُ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ.

تَقُولُ: رَأَيْتُ الْقَوْمَ عَلَى قَرْوٍ وَاحِدٍ.

"وَقَوْلُهُمْ إِنَّ الْقَرْوَ: الْقَصْدُ; تَقُولُ: قَرَوْتُ وَقَرَيْتُ، إِذَا سَلَكْتَ."

وَقَالَ النَّابِغَةُ:

يَقْرُوا الدَّكَادِكَ مِنْ ذَنَبَانِ وَالْأَكَمَا.

وَهَذَا عِنْدَنَا مِنَ الْأَوَّلِ، كَأَنَّهُ يَتْبَعُهَا قَرْيَةً قَرْيَةً.

وَمِنَ الْبَابِ الْقَرَى: الظَّهْرُ، وَسُمِّيَ قَرًى لِمَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِنَ الْعِظَامِ.

وَنَاقَةٌ قَرْوَاءُ: شَدِيدَةُ الظَّهْرِ.

قَالَ:

مَضْبُورَةٍ قَرْوَاءَ هِرْجَابٍ فُنُقْ.

وَلَا يُقَالُ لِلْبَعِيرِ أَقْرَى.

وَإِذَا هُمِزَ هَذَا الْبَابُ كَانَ هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءً.

يَقُولُونَ: مَا قَرَأَتْ هَذِهِ النَّاقَةُ سَلًى، كَأَنَّهُ يُرَادُ أَنَّهَا مَا حَمَلَتْ قَطُّ.

قَالَ:

ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بِكْرٍ *** هَجَّانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينًا

قَالُوا: وَمِنْهُ الْقُرْآنُ، كَأَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِجَمْعِهِ مَا فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْقِصَصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

فَأَمَّا أَقْرَأَتِ الْمَرْأَةُ فَيُقَالُ إِنَّهَا مِنْ هَذَا أَيْضًا.

وَذَكَرُوا أَنَّهَا تَكُونُ كَذَا فِي حَالِ طُهْرِهَا، كَأَنَّهَا قَدْ جَمَعَتْ دَمَهَا فِي جَوْفِهَا فَلَمْ تُرْخِهِ.

وَنَاسٌ يَقُولُونَ: إِنَّمَا إِقْرَاؤُهَا: خُرُوجُهَا مِنْ طُهْرٍ إِلَى حَيْضٍ، أَوْ حَيْضٍ إِلَى طُهْرٍ.

قَالُوا: وَالْقُرْءُ: وَقْتٌ، يَكُونُ لِلطُّهْرِ مَرَّةً وَلِلْحَيْضِ مَرَّةً.

وَيَقُولُونَ: هَبَّتِ الرِّيَاحُ لِقَارِئِهَا: لِوَقْتِهَا.

وَيُنْشِدُونَ:

شَنِئَتِ الْعَقْرَ عَقْرَ بَنِي شُلَيْلٍ *** إِذَا هَبَّتْ لِقَارِئِهَا الرِّيَاحُ

وَجُمْلَةُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَنَّهَا مُشْكِلَةٌ.

وَزَعَمَ نَاسٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الطُّهْرِ فَقَالُوا:

وَهُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ: الْقَارِئَةُ، وَهُوَ الشَّاهِدُ.

وَيَقُولُونَ: النَّاسُ قَوَارِي اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ، هُمُ الشُّهُودُ.

وَمُمْكِنٌ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى ذَلِكَ الْقِيَاسِ، أَيْ إِنَّهُمْ يَقْرُونَ الْأَشْيَاءَ حَتَّى يَجْمَعُوهَا عِلْمًا ثُمَّ يَشْهَدُونَ بِهَا.

وَمِنَ الْبَابِ الْقِرَةُ: الْمَالُ، مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ.

وَالْقِرَةُ: الْعِيَالُ.

وَأَنْشَدَ فِي الْقُرَّةِ الَّتِي هِيَ الْمَالُ:

مَا إِنْ رَأَيْنَا مَلِكًا أَغَارَا *** أَكْثَرَ مِنْهُ قِرَةً وَقَارَا

وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْقَارِّيَّةُ، طَرَفُ السِّنَانِ.

وَحَدُّ كُلِّ شَيْءٍ: قَارِيَتُهُ.

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


58-صحاح العربية (غيب)

[غيب] الغَيْبُ: كلُّ ما غاب عنك.

تقول: غاب عنه غَيبةً وغيبا وغيابا وغيوبا ومغيبا.

وجمع الغائب غيب وغياب وغيب أيضا.

وإنما ثبتت فيه الياء مع التحريك لانه شبه بصيد وإن كان جمعا.

وصيد مصدر: قولك بعير أصيد، لانه يجوز أن ينوى به المصدر.

وغيبته أنا.

وغَيابة الجبّ: قَعره.

وكذلك غَيابة الوادي.

تقول: وقعنا في غَيبة وغَيابة، أي هَبْطَةً من الأرض.

وقولهم: غيَّبه غَيابُهُ، أي دفن في قبره.

ابن السكيت: بنو فلانٍ يشهدون أحيانًا ويتغايبون أحيانًا.

وغابت الشمس، أي غَرَبَتْ.

والمُغايبة: خلاف المخاطبة.

وأغابت المرأة، إذا غابَ عنها زوجها، فهي مغيبة بالهاء، ومشهد بلاهاء.

والغيب: ما اطمأنَّ من الأرض.

قال لبيد:

عن ظَهرِ غَيْبٍ، والأنيس سَقامُها *** واغتابه اغتيابًا، إذا وقع فيه، والاسم الغَيبةُ، وهو أن يتكلم خلف إنسانٍ مستور بما يَغُمُّه لو سمعه.

فإن كان صدقًا سُمِّيَ غيبَةً، وإن كان كذبًا سمِّي بُهتانًا.

والغابة: الأجمة.

يقال ليثُ غابة.

والغاب: الآجام.

وهو من الياء.

وغابة: اسم موضع بالحجاز.

وتغيب عنِّي فلان.

وجاء في ضرورة الشعر تَغَيَّبَني.

قال امرؤ القيس: فظلَّ لنا يومٌ لذيذ بنَعْمةٍ *** فَقِلْ في مَقيلِ نَحْسُهُ مُتَغَيِّبُ وقال الفراء: المتغيب مرفوع، والشعر مكفأ، ولا يجوز أن يرد على المقيل كما لا يجوز مررت برجل أبوه قائم.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


59-منتخب الصحاح (غيب)

الغَيْبُ: كلُّ ما غاب عنك.

تقول: غاب عنه غَيبةً وغَيْبًا وغُيوبًا ومَغيبًا.

وجمع الغائب غُيَّبٌ وغُيَّابٌ وغَيَبٌ أيضًا.

وغيَّبْته أنا.

وغَيابة الجبّ: قَعره.

وكذلك غَيابة الوادي.

تقول: وقعنا في غَيبة وغَيابة، أي هَبْطَةً من الأرض.

وقولهم: غيَّبه غَيابُهُ، أي دُفِنَ في قبره.

ابن السكيت: بنو فلانٍ يشهدون أحيانًا ويتغايبون أحيانًا.

وغابت الشمس، أي غَرَبَتْ.

والمُغايبة: خلاف المخاطبة.

وأغابت المرأة، إذا غابَ عنها زوجها، فهي مُغيبةٌ بالهاء، ومُشهْدٌ بلا هاء.

والغيب: ما اطمأنَّ من الأرض.

قال لبيد:

عن ظَهرِ غَيْبٍ، والأنيس سَقامُها

واغتابه اغتيابًا، إذا وقع فيه، والاسم الغَيبةُ، وهو أن يتكلم خلف إنسانٍ مستور بما يَغُمُّه لو سمعه.

فإن كان صدقًا سُمِّيَ غيبَةً، وإن كان كذبًا سمِّي بُهتانًا.

والغابة: الأجمة.

يقال: ليثُ غابة.

والغاب: الآجام.

وهو من الياء.

وتغيَّب عنِّي فلان.

وجاء في ضرورة الشعر تَغَيَّبَني.

قال امرؤ القيس:

فظلَّ لنا يومٌ لذيذ بنَعْمةٍ *** فَقِلْ في مَقيلِ نَحْسُهُ مُتَغَيِّبُ

منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


60-المحيط في اللغة (شهد)

الشُّهْدُ: العَسَلُ، ويُجْمَعُ على الشِّهَاد.

والشَّهَادَةُ: من اسْتُشْهِدَ فلانٌ فهو شَهِيْدٌ وهم شُهَداءُ، وسُمِّيَ شَهِيدًا لأنَّه حَيٌّ عِنْدَ رَبِّه حاضِرٌ.

وقيل: لأنَّ اللَه وملائكَتَه شُهُوْدٌ له بالجَنَّة وقيل: لأنَّهم يَشْهَدُونَ مَلَكُوتَ اللهِ عزَّ وجلَّ ومُلْكَه.

وشَهِدَ فلانٌ بِحَقِّ فلانٍ شَهَادَةً، فهو شاهِدٌ وشَهِيْدٌ، ولُغَةُ تَمِيْمٍ: شِهِيْدٌ.

والتَّشَهُّدُ: قِرَاءَةُ التَّحِيّاتِ للهِ.

والمَشْهَدُ المَجْمَعُ من الناس، وكذلك الشَّهْدُ.

ومَشَاهِدُ مَكًّةَ: مَوَاطِنُها.

وقَوْلُه عزَّ وجلَّ: {وشاهِدٍ ومَشْهُودٍ}: الشاهِدُ: النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم -؛ والمَشْهُوْدُ: يَوْمُ القِيامة.

وأشْهَدَ الرَّجُلُ إشْهادًا: أمْذى.

وأمْرٌ شاهِدٌ: سَرِيْعٌ.

والشاهِدُ: صَلاةُ المَغْرِب.

وشاهِدُ الدابَّةِ: أوًّلُ سَيْرِها.

وامْرَأةٌ مُشْهِدٌ: زَوْجُها شاهِدٌ.

وشُهُوْدُ الدابَّةِ: مَوْضِعُ مَنْتِجها.

المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م


61-المحيط في اللغة (قسم)

القَسْمُ: مَصدَرُ قَسَمَ يَقْسِمُ.

والقِسْمَةُ: الاقْتِسامُ.

والقَسَمُ: اليَمِيْنُ، والفِعْل الإِقْسَامُ.

والقَسِيْمُ: الذي يُقاسِمُكَ أرْضًَا ومالًا.

وهذه الأرْضُ قَسِيْمَةُ هذه.

والقاسِمُ والقَسّام: الذي يَقْسِمُ الدُّوْرَ.

والمَقْسِمُ: القِسْمُ.

والقِسْمُ: الحَظُّ من الخَيْرِ، والجميع الأقْسَامُ.

والأقاسِيْمُ: الحُظُوظُ المَقْسُومَةُ.

وحَصَاةُ القَسْم ونَوَاةُ القَسْم: كانتْ تُسْتَعْمَلُ عند قِلَّةِ الماء.

والقَسْمُ: الغَيْثُ والمَطَرُ.

واسْقِني قَسْمًا: أي ماءً.

والقَسَاميُّ: الذي يَطْوي الثِّيابَ أوَلَ طَيِّها حتّى تَنْكَسِرَ على طَيِّه.

والقَسَامِيُّ، من الخَيْل: هو قارِحُ شِقٍّ ورَباعيُّ شِقٍّ فهو مُقْتَسَمٌ سِنّه.

وقيل: هو الجَميلُ القِسْمَتَيْنِ وهما عن يَمِينِ الأنْفِ وشِمالِه.

والقِسْمَةُ: ما اكْتَنَفَ الأنْفَ من الوَجْنَتَيْنِ، سُمِّيَتْ قِسْمَةً لأنَّ الأنْفَ قَسَمَ بينهما.

وقسْمُ الرَّجُل وجِسْمُه واحِدٌ.

والمُقَسَّمُ: هو المُحَسَّنُ من القَسَامَة في الوَجْهِ.

والقَسِيْمَةُ: جُؤْنَةٌ للأعْرَابِ مَنْقُوشَةٌ فيها العِطْرُ.

وهي في قَوْل عَنْتَرَةَ: اليَمِيْنُ: وكأنَّ فأرَةَ تاجِرٍ بقَسِيْمَةٍ والقَسَامَةُ: جَماعَةٌ من الناس يَشْهَدُوْنَ ويَحْلِفُونَ على الشَّيْءِ.

المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م


62-تهذيب اللغة (شهد)

شهد: أخبرني المنذريُّ أنّه سأل أحمد بنَ يحيى عن قول الله عزوجل: (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فقال: كلُّ ما كان (شَهِدَ اللهُ) فهو بمعنى عَلِم الله، قال: وقال ابن الأعرابيّ: معناه قال الله.

قال: ويكون معناه عَلِم الله، ويكون (شَهِدَ اللهُ) كَتَب الله، وقال أبو بكر بنُ الأنباريَّ في معنى قول المؤذّن: أَشْهَدُ أن لا إله إلّا الله: أَعلَم أن لا إله إلّا الله وأبيّن أنّه لا إله إلّا الله، قال وقولُه جلَّ وعزَّ: (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) معناه: بيَّن الله أنّه لا إله إلّا هو، قال: وقوله: أَشْهَد أنّ محمَّدًا رسول الله: أعلَم وأبيّن أَنَّ محمدًا رسول الله.

قال: وقال أبو عبيدة: معنى (شَهِدَ اللهُ) قضَى الله أنّه لا إله إلّا الله، قال: وحقيقتُه عَلِمَ الله وبَيَّن الله؛ لأن الشاهد: هو العالم الذي يبيِّن ما عَلِمه، فالله قد دلَّ على توحيده بجميع ما خلق، فبيَّن أنه لا يقدِر أحدٌ أن ينشىء شيئًا واحدًا ممَّا أَنشَأَ، وشَهِدَتِ الملائكة لِمَا عاينتْ مِن عظيم قدرتِه، وشَهِدَ أولُو العِلم بما ثَبَت عندهم، وتبين من خلْقه الذي لا يقدر عليه غيرُه.

وقال أبو العباس أَحمدُ بنُ يحيى: {شَهِدَ اللهُ}: بيَّن الله وأَظهَر.

وشَهِد الشّاهد عند الحاكم: أي بَيَّن ما يَعلَمه وأَظهَره، يدل على ذلك قوله: {شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} [التّوبَة: 17] وذلك أنّهم يؤمنون بأنبياءَ شَعرُوا بمحمّد صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم وحَثّوا على اتِّباعه، ثمّ خالَفُوهم فكذّبوه، فبيّنوا بذلك الكفرَ على أنفسهم، وإنْ لم يقولوا: نحن كفّار.

وقال ابن شميل في تفسير الشّهيد الّذي يُستشهَد: الشَّهيد: الحيُّ.

قلتُ: أراه تأوّل قولَ الله جلّ وعزّ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتًا بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عِمرَان: 169] كأنّ أرواحَهم أُحضِرتْ دارَ السّلام أحياءً وأرواح

غيرهم أُخِّرت إلى يوم البَعْث، وهذا قولٌ حَسَن.

وقال ابن الأنباريُّ: سُمِّي الشهيدُ شهيدًا لأنَّ الله وملائكته شَهدوا له بالجنَّة، وقيل: سُمُّوا شُهداءَ لأنهم ممّن يستشهد يوم القيامة مع النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم على الأمم الخالية.

قال الله جلّ وعزّ: {لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البَقَرَة: 143].

وقال أبو إسحاق الزّجّاج: جاء في التفسير أنّ أمم الأنبياء تكذب في الآخرة إذا سُئلوا عمَّن أُرسلوا إليهم، فيجحَدون أنبياءهم.

هذا فيمَن جَحَدَ في الدَّنيا منهم أمْرَ الرسولِ فتَشهد أمةُ مُحمد صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم بصدق الأنبياء عليه‌السلام وتشهد عليهم بتكذيبهم، ويشهد النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم لهذه الأمَّة بصدقهم.

قال: والشَّهادةُ تكون للأفضل فالأفضل من أمته، فأفضلهُم مَن قُتل في سبيل الله مُجاهِدًا أعداءَ الله، لتكون (كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا)، مُيّزت هذه الطبقةُ عن الأمة بالفَضْل الّذي حازُوه، وبيَّن الله أنهم (أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ)، ثمّ يتلوهم في الفَضْل مَن جَعَله النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم في عِداد الشُّهداء، فإنّه قال: «المَبْطُونُ شهيد، والمَطعُون شهيد».

قال: ومنهم أن تموتَ المرأةُ بِجُمْع، وعَدّ فيهم الغَريق والميت في سبيلِ الله، ودلّ حديث عمرَ بنِ الخطّاب أنَّ من أَنكَر مُنكَرًا، وأقام حَقًّا ولم يَخَفْ في الله لومةَ لائم أنّه في جملة الشهداء، لقوله رضى الله عنه: «ما لَكم إذا رأيتم الرجلَ يَخْرِقُ أعراضَ الناس أن لا تُعرِبوا عليه؟! قالوا: نخاف لسانَه، فقال: ذلك أدنى أن لا تكونوا شُهَداءَ»، معناه والله أعلم أنكم إذا لم تُعرِبوا وتقبِّحوا قولَ من يَقترض أعراضَ المسلمين مخافةَ لسانِه لم تكونوا في جُملة الشّهداء الّذين يُستشهَدون يوم القيامة على الأمم الّتي كَذّبتْ أنبياءَها في الدّنيا وجَحدتْ تكذيبها في الدّنيا يومَ القيامة.

والشّهيد في أسماء الله وصفاته.

قال أبو إسحاق: هو الأمين في شهادته، قال: وقيل: الشّهيد: الّذي لا يَغيب عن علمه شيء.

وقال اللّيث: الشَّهْد: العَسَل ما دام لم يُعصَر من شَمعه، ويُجمَع على الشِّهاد، والواحدةُ: شَهْدة وشُهْدة.

قال: وشَهد فلانٌ بحقّ فهو شاهد وشهيد، واستُشهد فلان فهو شَهيد: إذا مات شهيدًا، واستَشهَدْتُ فلانًا على فلان: أي أشهَدْته.

قال الله جلّ وعزّ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ} [البَقَرَة: 282]، واستَشْهَدتُ فلانًا: إذا سألتَه إقامة شهادة احتَملها.

والتشهُّد: قراءة خُطبة الصلاة: التحيّات لله والصَّلوات، واشتقاقه من قوله: أشهدُ أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسوله.

والمَشهد: مَجمعٌ من الناس، وجَمعُه المَشاهد، وقولُ الله جلّ وعزّ: {وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البُرُوج: 3] قيل في التفسير: الشاهد هو النبيّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، والمشهود: يوم القيامة.

وقال الفرّاء في قوله: (وَشاهِدٍ) هو يومُ الجمعة (وَمَشْهُودٍ) هو يوم عرفة.

قال: ويقال أيضًا: الشاهد: يوم القيامة، فكأنَّه قال: واليوم الموعود والشاهد، فجَعَل الشاهدَ من صفة الموعود يتبعه في خَفضه.

وقال اللّيث: لغةُ تميم (شِهِيد) بكسر الشين يكسرون فَعيلًا في كلّ شيء كان ثانِيَه أحدُ حرُوف الحَلْق، وكذلك سُفلَى مُضَر، يقولون: فِعيل.

قال: ولغةٌ شَنْعاء يَكسرون كلّ فَعِيل، والنَّصب اللّغة العالية.

ورَوى شمِر في حديث رواه لأبي أيُّوبَ الأنصاريّ أَنّه ذكر صلاةَ العصر ثم قال: ولا صلاةَ بعدَها حتّى يُرَى الشاهد، قال: قلنا لأبي أيوب: ما الشاهد؟ قال: النجم.

قال شمر: وهذا راجعٌ إلى ما فسَّره أبو أيوب أنّه النجم، كأَنه يَشهد على الليل.

أبو عبيد عن أبي عمرو: الشُّهود: ما يخرج على رأس الصبيّ، واحدها شاهد، وأنشد:

فجاءتِ بمِثْل السابريّ تَعجَّبوا *** له والثَّرَى ما جَفّ عنها شُهودُها

وهي الأغراس.

وقال أبو بكر في قولهم: ما لِفلان رُوَاء ولا شاهد: معناه ماله مَنظر ولا لسان.

والرواء: المَنظر، وكذلك الرِّيُّ، قال الله: {أَحْسَنُ أَثاثًا وَرِءْيًا} [مريم: 74].

أنشد ابن الأعرابي:

لله دَرُّ أبيك رُبَّ عَمَيدَرٍ *** حَسَنِ الرُّوَاءِ وقلبُه مَدْكوكُ

قال: والشاهد: اللِّسان، من قولهم: لفلانٍ شاهدٌ حَسَن: أي عبارة جميلة.

بخطّ شَمِر: قال الفراء وغيره: صلاةُ الشاهد صلاةُ المغرب، وهو اسمُها.

قال شَمِر: وهو راجعٌ إلى ما فَسَّر أبو أيوبَ أنّه النجم.

وقال غيره: وتُسمَّى هذه الصلاة صلاةَ البَصَر، لأنه يُبصَر في وقته نجومُ السماء، فالبَصَر يُدرِك رؤيةَ النَّجم، ولذلك قيل له: صلاة البَصَر.

عمرو، عن أبيه: أَشْهَد الغلامُ: إذا أَمَذَى وأَدْرَك، وأَشْهَدَت الجارية: إذا حاضَت وأَدْرَكَتْ، وأنشد:

قامت تُناجِي عامرًا فأَشهَدَا *** فَداسَها ليلتَه حتى اغتَدَى

وقال الكسائيّ: أُشهِدَ الرجلُ: إذا استُششْهِد في سبيلِ الله، فهو مُشهَد بفتح الهاء.

وأنشد:

إني أقول سأموت مُشْهَدا*

ويقال للشاهد: شَهِيد، ويُجمَع شُهَدَاء.

وقال غيره: أشهدتُ الرجلَ على إقرار الغَريم، واستشهدتُه، بمعنًى واحد، ومنه قولُ الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ} [البَقَرَة: 282] أي أَشْهِدوا شاهدين، يقال للشاهد: شهيد، ويُجمَعُ شهداء.

وقال أبو سعيد الضَّرير: صلاة المغرب تسمّى شاهدًا لاستواء المُسافِر والمقيم فيها، لأنها لا تُقصَر.

قلت: والقول ما قاله شمر، لأن صلاة الفجْر لا تُقصَر أيضًا، ويَستوِي فيها الحاضر والمسافر فلم تُسَمّ شاهدًا.

وقال ابن بزرج: شَهِدتُ على شهادة سَوْء: يريد شُهَداء سَوْء، قال: وكلًّا تكون الشهادة كلامًا يُؤدَّى وقومًا يَشهدون.

وأما قولُ الله جلّ وعزّ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البَقَرَة: 185] فإن الفراء قال: نَصَبَ الشهرَ بِنَزْعِ الصِّفة، ولم يَنْصِبه بوُقوع الفعل عليه.

المعنى: فمن شَهِد منكم في الشهر: أي كان حاضرًا غيرَ غائب في سفره.

وقال ابنُ الأعرابيّ: أنشدني أعرابيٌّ في صفة فَرَس:

له غائبٌ لم يَبتَذِلْهُ وشَاهِدُ*

قال: الشاهد مِن جَرْيه ما يشهد له على سَبْقه وَجَوْدته، وقيل: شاهدُهُ بَذْلُه جَرْيَه، وغائبه مَصُونُ جرْيه.

أبو حاتم، عن الأصمعي: امرأةٌ مُشْهِد بغير هاء: إذا كان زَوجُها شاهدًا وامرأة مُغيبة بالهاء: إذا غاب زوجُها.

هكذا حُفِظ عن العرب لا على مَذْهب القياس، ولا يجوز غيرُه.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


63-تهذيب اللغة (بصر)

بصر: قال الليث: البَصَرُ: العيْن، إلّا أنّه مذكَّر.

والبَصرُ: نَفاذٌ في القَلْب.

والبصَارة: مَصدَر البَصير، والفعلُ بصُر يَبْصُر.

ويقال: بَصُرْتُ به.

ويقال: تبصّرْتُ الشيء شِبْه رَمَقْتُه.

واستَبصَر في أمره ودِينِه: إذا كان ذا بصيرة.

وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ: {وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} [العنكبوت: 38]، أي: كانوا في دينهم ذوي بصائر.

قال: فنادوه: (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ)، أي: معجبين بضلالتهم.

وقال أبو إسحاق: معناه: أنّهم أتَوْا ما أتَوْا وقد بُيّن لهم أَن عاقبتَه عذابُهم، والدَّليل على ذلك قوله: {فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل: 71]، فلما بيّن لهم عاقبةَ ما نهاهم عنه كان ما فعل بهم عَدْلًا {وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}.

وقال الأخفش في قوله: {بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} [طه: 96]، أي: علمتُ ما لم تعلموا، من البَصيرة.

وأبصَرتُ بالعَيْن.

وقال الزجاج: بَصُر الرجلُ يَبصُرُ: إذا صار عَلِيمًا بالشيء، وأبصرتُ أبصِرُ: نظرتُ، فالتأويل عَلِمْتُ بما لم تعلَموا به.

وقوله جلّ وعزَّ: {بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ} [القيامة: 14، 15].

قال الفراء: يقول على الإنسان من نفسِه رُقَباء يَشْهَدُون عليه بعمله: اليدان والرِّجْلان والعيْنان والذَّكَر، وأنشد:

كأَن على ذي الطِّنْءِ عينًا بصيرةً *** بمَقْعَدِه أو مَنظَرٍ هوَ ناظرُهْ

يُحاذِر حتى يَحسَب الناسَ كلَّهمْ *** من الخوف لا تَخفَى عليهم سرائِرُهْ

وقال الليث: البَصيرة: اسمٌ لما اعتقد في القَلْب من الدِّين وتحقق الأمر.

ثعلب، عن ابن الأعرابي: الباصِرُ: المُلَفِّق بين شُقَّتَيْن أو خِرْقَتَين، يقال: رأيتُ عليه بصيرَةً من الفقر، أي: شُقَّةً ملفَّقة.

قال: والبَصيرة أيضًا: الشُّقَّة التي تكون على الْخِباء.

ابن السكيت عن أبي عمرو: البَصرُ: أن يُضَمَّ أَدِيمٌ إلى أَديم يُخَاطان كما يُخاط حَاشيَتا الثوب.

والبصْر: الحِجارةُ إلى البياض، فإذا جاءُوا بالهاء قالوا: البَصْرة، وأنشد:

* جَوانبُه من بَصْرةٍ وسِلَامِ*

وقال:

إن تَكُ جُلْمُودَ بَصْرٍ لا أؤَبِّسُهُ *** أوقِدْ عليه فأَحْمِيهِ فيَنصدِعُ

سَلمةُ عن الفرّاء قال: البِصْرُ والبَصْرة: الحجارة البَرَّاقة.

وقال ابن شُميل: البَصَرَةُ: أرضٌ كأنها جَبَل من جِصّ، وهي التي بُنِيَتْ بالمِرْبَد؛ وإنما سُمّيت البَصْرة بَصْرَةً بها.

وقال أبو عمرو: البَصرةُ والكَذَانُ: كلاهما الحجارةُ التي ليست بصُلْبه.

وقال شمر: قال الفرّاء وأبو عمرو: أرضُ فلانٍ بُصْرَة ـ بضم الباء ـ: إذا كانت حَمراءُ طيّبتَه.

وأرضٌ بَصِرةٌ: إذا كانت فيها حجارةٌ تَقطَع حوافرَ الدّواب.

وبُصْرُ الأرض: غِلَظُها.

أبو عُبَيْد عن الأصمعيّ وأبي عمرو: يقال: هذه بَصيرةٌ من دَم، وهي الجَدِيَةُ منها على الأرض، وأَنْشَد:

رَاحُوا بَصائِرُهمْ على أَكتافِهِمْ *** وبَصيرَتِي يَعْدُو بها عَتَدٌ وَأَي

يعني بالبصائرِ: دمَ أبيهم.

وقال شمر: قال ابن الأعرابي في قوله: راحُوا بَصائِرُهم، يَعنِي ثِقْل دمائهم على أكتافهم لَم يثأروا بها.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ، قال: البَصيرة: الدِّيَة.

والبَصيرَة: مقدار الدِّرْهم من الدَّم.

البَصِيرة: التُّرْس.

والبَصيرة: الثبات في الدِّين.

قال: والبصائر: الدِّيات في البيت.

قال: أَخَذُوا الدِّيات فصارت عارًا.

وبصيرتي، أي: تَأْرِي قد حملتُه على فرسي لأُطالبَ به، فيَبْنِي وبينَهم فرق.

سلمة عن الفَرّاء قال: الباصَرُ: القَتَب الصغير وهي البَواصِر.

وقال في قوله: {وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها} [الإسراء: 59]، قال الفراء: جعل الفعلَ لها، ومعنى: {مُبْصِرَةً}: مضيئةً، كما قال جلّ وعزّ.

{وَالنَّهارَ مُبْصِرًا} [يونس: 67]، أي: مضيئًا.

وقال أبو إسحاق: معنى (مُبْصِرَةً): أتبصِّرهم، أي: تبيِّن لهم.

ومن قرأ: (مَبْصَرةً) فالمعنى: بيّنةً.

ومن قرأ: (مُبْصِرَةً) فالمعنى: مُتَبَيِّنةً.

(فَظَلَمُوا بِها)، أي: ظلموا بتكذيبها.

وقال الأخفش: (مُبْصِرَةً)، أي: مُبصَرًّا بها.

قلتُ: والقولُ ما قال الفرّاء، أراد: (آتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ) آيةً مُبْصِرَةً، أي: مضيئةً.

ابن السكّيت في قولهم: أَرَيْتُه لَمْحًا باصرًا، أي: نظرًا بتحديقٍ شديد.

قال: ومَخرَجٌ باصرٌ مِن مخرج قولهم: رجلٌ تامر، فمعنى باصر ذو بَصَر، وهو من أبصَرْتُ، مثل: مَوْتٍ مائِت، من أمَتُّ.

وقال الليث: رأى فلان لَمْحًا باصرًا، أي: أمرًا مفروغًا منه.

وأنشد:

* ودون ذاك الأمر لمح باصر*

وقال غيره: رأيت فلانًا لمّاحًا باصرًا، أي: نظر بتحديق.

قلتُ: والقولُ هو الأوّل.

وقال الليث: إذا فَتَح الجَرْوُ عينَه قيل: بَصَّر تَبْصيرًا.

ويقال: البصيرة: الدِّرع، وكلُّ ما لُبِس من السلاح فهو بَصائرُ السّلاح.

ويقال للفِراسة الصادقة: فِراسةٌ ذاتُ بصيرة.

قال: والبصيرةُ: العِبْرة، يقال: أما لك بصيرةٌ في هذا؟ أي: عِبْرةٌ تعتبر بها، وأَنشَد:

في الذّاهِبِين الأوّلينَ *** من القُرون لنا بصائرْ

أي: عِبَر.

اللِّحياني عن الكسائيّ: إن فلانًا لمَعْضُوب البُصَر: إذا أصاب جِلْدَه عُضابٌ، وهو داءٌ يَخرج به.

ويقال: أعمى الله بصائره، أي: فِطَنَه.

ويقال: بَصَّر فلانٌ تَبْصيرًا: إذا أَتَى البَصْرة.

قال ابن أحمر:

أُخبِّرُ من لاقيتُ أنِّي مُبَصِّرٌ *** وكائنْ تَرَى قبلِي من الناس بَصّرَا

وقال الليث: في البَصْرَة ثلاثُ لغات: بَصْرَة، وبِصْرة، وبُصْرة، اللّغة العالية البَصْرة.

وقال أبو إسحاق في قول الله جلّ وعزّ: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ} [الأنعام: 103]، أعلمَ اللهُ جلّ وعزّ أنّه يُدرك الأبصار، وفي هذا الإعلام دليلٌ على أن خَلْقَه لا يُدرِكون الأبصارَ، أي: لا يعرفون حقيقة البَصر، وما الشيءُ الَّذي به صارَ الإنسانُ يُبصِرُ من عَيْنيه دون أن يُبصِر من غيرهما من سائر أعضائه، فأَعلَم أنّ خَلْقًا مِنْ خَلْقِه لا يُدرِك المخلوقون كُنْهَه، ولا يُحيطون بِعلمه، فكيف به جلَّ وعزّ، فالأبصارُ لا تُحيط به، {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.

فأمّا ما جاء من الأخبار في الرؤية وصحّ عن رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم فغيرُ مدفوع، وليس في هذه الآية دليلٌ على دَفعها، لأن معنى هذه الآية معنى إدراكِ الشيء، والإحاطة بحقيقته، وهذا مَذهبُ أهلِ السّنّة والعلم بالحديث.

وقولُه جلّ وعزّ: {قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأنعام: 104]، أي: قد جاءكم القرآنُ الذي فيه البيانُ والبصائر، {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} نَفْعُ ذلك، {وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها} ضَررُ ذلك، لأن الله غنيّ عن خَلْقه.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ: أبصَرَ الرجلُ: إذا خَرَجَ من الكُفْر إلى بَصيرة الإيمان،

وأنشَد:

قَحْطانُ تَضرِب رأسَ كلِّ متوَّجٍ *** وعلى بصائرِها وإنْ لَم تُبْصِرِ

قال: بصائرُها: إسلامُها، وإذ لم تبصر في كفْرِها، وأَبصر: إذا عَلَّق على باب رَحْله بصيرةً، وهو شقة من قطن أو غيرِه.

وقال اللّحياني في قوله: {بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} [طه: 96]، أي: أبصَرْتُ، ولغةٌ أخرى: بَصِرْتُ به أبْصَرُ به، ويقال: أَبْصِرْ إليّ، أي: انظُرْ إليّ.

وبُصْرَى: قريةٌ بالشام فتُنسَب إليها السّيوف البُصْريَّة.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


64-تهذيب اللغة (سمن)

سمن: ابن السكيت: سَمَنْتُ له: إذا أدَمْتَ له بالسَّمْن.

وقد سمّنْتُه: إذا زوّدْتَه السَّمْنَ.

وجاءوا يَسْتَمِنون: أي: يَطْلبون أن يُوهَب لهمْ السَّمْن.

وقال اللّيث: السِّمْن نَقيضُ الهُزال، والفعل سَمِن يَسْمَن سِمْنا.

ورجل مُسْمِنٌ: سَمين.

وأَسْمَن الرجلُ: إذا اشتَرى سَمينا.

والسُّمْنَة: دواءٌ تُسمَّنُ به المرأة.

وفي الحديث: «ويلٌ للمسمَّنات يومَ القيامة مِنْ فَتْرةٍ في العِظام».

واستَسْمنتُ اللحمَ: أي: وجَدْتَه سَمِنا.

والسَّمْن: سِلاءُ اللَّبَن، ويقال: سَمَّنْتُ الطعامَ فهو مَسْمُون: إذا جعلتَ فيه السّمْنَ.

والسُّمَّانَى طائرٌ وبعضهم يقول: إنه السَّلوَى.

وسُمْنان: موضع في البادية.

وقال بعضُهم: يقال للطائر الواحد سُمانَى وللجميع سُمَاني.

وبعضُهم يقول للواحدة سُمَاناة.

وفي الحديث: أن فلانا أُتيَ بسَمَكٍ مَشْوي فقال سَمِّنْه.

قال أبو عُبَيد: معنَى سَمِّنهُ: بَرِّدْه.

ورَوَى أبو العبّاس عن ابن الأعرابي أنه قال: التَّسْمِين: التبريدُ.

وفي حديثِ النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه قال: «يكون في آخِر الزَّمان قومٌ يَتَسَمّنُون»، قيل: معنى قوله: «يتسمنون»، أي: يتَكَثَّرون بما ليْس فيهم من الخير ويَدّعُون ما ليس لهم من الشرف.

وقيل: معناه: جمْعُهم المالَ ليُلحَقوا بذَوِي الشّرف.

ويقال: أسْمَنَ القومُ: إذا سَمِنَتْ نَعَمُهم، فهم مُسْمِنون.

ورجلٌ سامِن، أي: ذو سَمْن، كما يقال: رجلٌ تامِر ولابِن، أي: ذو تَمْر وَلَبن.

والسُّمَنيَّةُ: قومٌ من الهِند دُهْرِيّون.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الأسْمالُ والأسْمانُ: الأزُر الخُلْقانُ.

قال: ويقال: سَمّنْتُه وأسمَنْتُه: إذا أطعمتَه

السَّمْن.

ورجل سَمِين مُسْمِن بمعنًى، والجميعُ: السِّمان والمُسْمِنُون.

وضع محمد بن إسحاق حديثا: «ثم يجيء قوم يتسمّنون» في باب كثرة الأكل وما يذم منه.

قال: حدثنا حماد بن الحسن قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا هشيم عن بشر عن عبد الله بن شقيق العقيلي.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «وخير أمتي القرن الذي أنا فيهم ثم الذين يلونهم ثم يظهر قوم يحبون السّمانة يشهدون قبل أن يُسْتشهَدوا».

وفي حديث آخر عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم يقول لرجل سمين ـ ويومىء بأصبعه إلى بطنه ـ: «لَوْ كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك».

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


65-تهذيب اللغة (رم)

رم: قال اللَّيث: الرَّمُ: إصْلاح الشيء الذي قد فَسد بَعْضُه، من نحو حَبْل يَبْلَى فَترمّه، أو دَارٍ تَرُمّ شَأْنَها مَرَمَّةً.

ورَمُ الأمر: إصْلاحه بعد انْتِشاره.

وفي الحديث: «عليكم أَلبانَ البَقر فإنها تَرُمّ من كُلّ الشَّجَر».

قال ابن شُمَيل: الرَّمّ، والارْتِمام: الأكْل.

قال: والرُّمَام من البَقل حين ترمُّه المال بأفواهها لا تنال منه إلا شَيْئًا قَلِيلًا.

ويقال لليَبيس حين يَبْقُل: رُمَامٌ أيضًا.

قال ابن الأعرابيّ: والمِرَمّة، بالكسر: شَفة البقرة وكل ذات ظِلْف، لأن بها تأكل.

والمَرَمّة: بالفتح، لغة فيه.

وأخبرني المُنذريّ، عن أبي العبَّاس، قال: الشَّفة من الإنسان ومِن ذوات الظِّلْف: المِرَمّة والمِقَمَّة، ومن ذوات الخُفّ: المَشْفَر.

وفي حديث آخر عن النبيّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه نهى عن الاسْتِنْجاء بالرَّوْث والرِّمّة.

قال أبو عُبيد: قال أبو عمرو: الرِّمة:

العِظام البالية؛ قال لَبيد:

والبيت إن تَعْرَمنّي رِمَّةٌ خَلَقًا *** بعد المَمَات فإنّي كنتُ أَتّئِرُ

قال أبو عُبيد: والرَّميم، مثل الرِّمّة؛ قال الله تعالى: {قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78].

يُقال منه: رَمّ العَظْمُ، وهو يَرمّ رِمّةً، وهو رَميم.

وأَخبرني المنذرِيّ، عن ثَعلب، قال: يقال: رَمّت عِظَامُه، وأَرَمَّت، إذا بَلِيت.

وقال غيره: أَرَمّ العَظْمُ فهو مُرِمّ، وأَنْقى فهو مُنْقٍ، إذا صار فيه رِمٌ، وهو المُخّ.

والرُّمّة من الحَبل، بضم الراء: ما بَقِي منه بعد تَقَطّعه؛ وجَمْعها: رِمَم، وبهذا سُمِّي غَيْلان العدويّ الشاعر: ذو الرُّمّة؛ لأنه قال في أُرجوزة له:

أَشْعث مَضْروب القَفَا مَوْتود *** فيه بقايا رُمَّةِ التَّقْلِيدِ

يَعني ما بَقي في رأس الوَتد من رُمّة الطُّنب المَعْقُود فيه.

ومن هذا يُقال: أعطيتُه الشيءَ بِرُمّته، أي بجماعته.

وأَصلها: الحَبل يُقاد به البعير؛ ومنه قول الأَعْشى:

فقلتُ له هذه هاتها *** بأَدْماء في حَبْل مُقْتَادِها

قال أبو بكر، في قولهم: أخذ الشيء برُمّته، قَوْلان:

أحدُهما: أن الرُّمّة: قِطْعَةُ حَبْل يُشَدّ بها الأَسير أو القاتل إذا قِيد إلى القَتْل لِلْقَود، وقولُ عليٍّ يَدُلّ على هذا حين سُئل عن رَجُل ذَكر أنه رأى رَجلًا مع امرأته فقتَله، فقال: إن أقامَ بَيِّنةً على دَعْواه وجاء بأربعة يشهدون وإلا فَلْيُعْط برُمَّته.

يقول: إن لم يُقم البيّنة قاده أهلُه بحَبْل في عُنقه إلى أولياء القَتيل فيُقْتل به.

والقول الآخر: أخذتُ الشيء تامًّا كاملًا لم يُنقص منه شيء.

وأصله: البعير يُشَدّ في عُنقه حَبْل، فيقال: أَعطاه البعيرَ برُمّته؛ قال الكُمَيت:

* وَصْل خَرْقَاء رُمَّةٌ في الرِّمَام *

ويُقال: أخذتُ الشَّيء برُمَّته، وبزَغْبره، وبجُمْلته، أي أخذته كُله لم أَدْع منه شيئًا.

وفي حديث: فأَرَمّ القَوْمُ.

قال أبو عُبيد: أَرَمّ الرَّجُل إرْمَامًا، إذا سَكَت.

فهو مُرِمّ.

والإرْمَامُ: السُّكُوت.

وأمّا التّرَمْرُم، فهو أن يُحرِّك الرَّجُلُ شَفَتَيْه بالكلام.

يُقال: ما تَرَمْرم فلانٌ بحَرْف، أي ما نَطق؛ وأَنْشد:

* إذا تَرَمْرَم أَغْضى كلُّ جَبَّار*

وقال أبو بكر: في قولهم: ما تَرَمْرم، مَعْناه: ما تحرّك؛ قال الكُمَيت:

تكاد الغُلاةُ الجُلْسُ مِنْهُنَّ كُلّما *** تَرَمْرم تُلْقِي بالعَسِيب قَذَالهَا

ويجوز أن يكون «ما ترمرم» مبنيًّا من: رام يريم، كما تقول: خَضْخضت الإناء، والأصل من: خاض يخوض؛ ونَخْنَخت البعير، والأصل: أناخ.

والرَّمْرَامة: حِشيشةٌ مَعْروفة في البادية؛ والرَّمْرام: الكثير منه.

ومن كلامهم في باب النَّفْي: ما له عن ذلك الأَمر حَمٌّ ولا رَمٌ، أي بُدٌّ، وقد يُضَمَّان.

قال الليث: أمّا: حمُ، فمعناه: ليس يَحول دونه قَضَاء.

قال: ورَمّ: صلة، كقولهم: حَسَن بَسَن.

وقال أبو عبيد: قال الفراء: في قولهم: ما له حُمٌّ ولا سُمٌّ، أي ما له هَمٌّ غيرك.

وما له حُمٌّ، ولا رُمٌ، أي ليس له شيء.

وأمّا الرُّمّ فإن ابن السِّكِّيت قال: يُقالُ: ما له ثُمٌّ ولا رُمٌ، وما يَمْلك ثُمًّا ولا رُمًّا.

قال: والثُّم: قُماش الناس: أَساقيهم وآنِيتهم.

والرُّمّ: مَرَمّة البَيت.

قلت: والكلامُ هو هذا، لا ما قاله اللَّيْث.

وقرأت بخط شَمر في حديث عُرْوة بن الزُّبَير حين ذكر أُحيحة بن الجُلَاح وقول أخواله فيه: كُنّا أَهْل ثُمَّة ورُمَّة.

قال: قال أبو عُبيد: هكذا حدّثوه بضم الثاء والراء؛ ووجهه عندي: أَهل ثَمّه ورَمّه، بالفتح.

قال: والثَّم: إصلاح الشيء وإحكامه، والرَّم من «الطعم»، يُقال: رَمَمت رَمًّا.

وقال أبو عمرو: الثَّمّ والرَّمّ: إصلاح الشيء وإحكامه.

قال شَمر: وكان هاشم بن عَبد مناف تزوّج سَلْمى بنت زيد النَّجّاريّة بعد أُحَيْحة بن الجُلاح، فولدت له شَيبة، وتُوفي هاشم وشَبّ الغلام، فقدم المُطّلب بن عبد مناف فرأى الغُلام فانتزعه من أُمّه، وأَرْدفه راحِلَته، فلمّا قَدِم مكة قال الناس: أَرْدَف المُطَّلب عَبْده، فسمِّي: عَبْد المُطَّلب.

وقالت أُمه: كنّا ذوي ثَمّه ورَمّه حتى إذا قام على ثَمِّه انْتزعوه عَنوة من أُمّه، وغلَب الأَخْوالَ حقُّ عمِّه.

قلت: وهذا الحرف رَواه الرُّواة هكذا: ذوي ثُمِّه ورُمِّه.

وكذلك رُوي عن عُروة، وقد أَنكره أبو عُبيد.

والصَّحيح عندي ما جاء في الحَديث.

والأصل فيه ما قاله ابن السِّكِّيت: ما له ثُمّ ولا رُمّ.

فالثُّمّ: قماش البيت، والرُّمّ: مَرَمّة البيت؛

كأنها أرادت: كُنَّا القائمين بأَمره حين ولدتُه إلى أن شَب وقوي.

والله أَعلم.

ومِن كلامهم السّائر: جاء فلانٌ بالطِّم والرِّمّ.

معناه: جاء بكُل شيء ممّا يكون في البَرِّ والبحر.

أراد بالطِّم: البَحْر، والأصل فيه الطَّمّ بفتح الطاء، فكُسرت الطاء لمعاقبته الرِّم، والرِّمّ: ما في البَرِّ من النَّبات وغَيره.

وسَمِعْتُ العرب تقول للذي يَقُش ما سَقط من الطَّعام وأَرْذَله ليأكُله ولا يتوقَّى قَذَره: فلانٌ رمّام قَشّاش.

وهو يَتَرَمّم كُلَ رُمَام، أي يَأكُله.

وقال ابن الأعرابي: رَمّ فلانٌ ما في الغَضَارة: إذا أَكل كُلَّ ما فيها.

وقال أبو زيد: يُقال: رماه بالمُرِمّات، إذا رَماه بالدَّواهِي.

وقال أبو مالك: هي المُسْكِتات.

ورَمِيم: اسم امْرأة.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


66-معجم العين (صعفق)

صعفق: الصَّعافِقَةُ: قومٌ يَشْهَدون السُّوق للتِّجارة ليست لهم رءوس الأموال، فإذا اشتَرَى التُّجّار شيئًا دخلوا معهم.

الواحدُ صَعْفَقٌ وصَعْفَقيٌّ، ويُجمعُ على صَعافيق وصَعافِقة، قال أبو النجم:

بهم قَدَرنا والعزيزُ مَنْ قَدَرْ *** وآبتِ الخَيلُ وقَصَّينا الوَتَر

من الصَّعافيق وأدْرَكْنا المِيَر

ويقال: الصَعْفُوق اللِّصُّ الخَبيث.

والصَّعْفُوقُ: اللئيم من الرجال، وكان آباؤهم عَبيدًا فاسْتَعْرَبوا قال العجّاج:

من آلِ صَعْفُوقٍ وأتباعٍ أُخَرْ

قال أعرابيٌّ: هؤلاء الصَّعافِقة عندَك، وهم بالحجاز مسكنهم، وهم رُذالةُ الناس.

ومنهم من يقول بالسين.

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com